مصابيح الجامع

بدر الدين الدَّمَامِيني

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مَصَابِيحُ الجَامِعِ

جَمِيعُ الحُقُوقِ مَحْفُوظَة الطَّبْعَةُ الأُولَى 1430 هـ - 2009 م ردمك: 0 - 12 - 418 - 9933 - 978 ISBN قَامَت بعمليات التنضيد الضوئي والإخراج الفني والطباعة دَار النَّوَادِر لصَاحِبهَا ومديرها نور الدّين طَالب سوريا - دمشق - ص. ب: 34306 لبنان - بيروت - ص. ب: 5180/ 14 هَاتِف: 00963112227001 - فاكس: 00963112227011 www.daralnawader.com

مقدمة التحقيق

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة التحقيق إنَّ الحمد لله نحمدُه ونستعينُه، ونستهديه ونستغفرُه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهدِهِ اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يُضْلِل فلا هادي له. وأشهد أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه، وصلَّى الله على نبيّنا محمَّدٍ، وعلى آله وصحبِه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا. أمَّا بعد فإنَّ الله تعالى -بمنِّه وكرمه- قد خصَّ هذه الأمةَ بخصائصَ مهمَّة، وشرَّفها بمناقبَ جمَّة، فأكرمها بالقرآن، وتفضَّل عليها بالنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - المبيِّن له، وجعل سنَّته هي البيان، وهيَّأ لهما علماءَ راسخين، وجهابذة ناقدين، ذبُّوا عنهما تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين. وكان من هؤلاء الجلَّة إمام الدنيا في الحديث، وحافظ الإسلام في القديم والحديث، الإمام أبو عبد الله محمّد بن إسماعيل البخاري - رحمه الله -، الّذي اجتمع الأئمة على تقديمه، واتفقوا على إمامته؛ لِمَا علموا من فضله ودينه،

حتّى قال فيه الإمام ابنُ خزيمة: ما تحتَ أديم السَّماء أعلمُ بالحديث من محمّد ابن إسماعيل البخاريّ (¬1). وقال موسى بن هارون الحافظ: لو أن أهل الإسلام اجتمعوا على أن يصيبوا آخر مثل محمّد بن إسماعيل، لَمَا قدروا عليه (¬2). كيف وقد صنَّف كتابًا هو أصح كتاب بعد كتاب الله -عَزَّ وَجَلَّ-، جمع فيه حديث النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وأنتخبه من مئات الألوف من المرويات، بل من أصح الصّحيح، حتّى قال النَّسائيُّ: ما في هذه الكتب أجودُ من كتاب البخاريّ. وصَدَق فيه قولُ أبي عامر الجرجانيِّ الأديب: صحيحُ البخاريِّ لو أنصفوهُ ... لما خُطَّ إلًّا بماءِ الذهَبْ هو الفرقُ بين الهُدى والعَمى ... هو السدُّ بين الفتى والعطَبْ أسانيدُ مثلُ نجومِ السماءِ ... أمامَ متونٍ كمثل الشُّهُبْ به قام ميزانُ دينِ الرسولِ ... ودانَ به العجمُ بعد العربْ (¬3) ولمَّا كان "صحيح البخاري" قد حاز هذه الجلالة، قال فيه ابن خلدون في مقدمة "تاريخه": شرحه دَيْن على هذه الأمة. وقد وفى الأئمة شرح هذا الكتاب، وسقط الدين عن الأمة، حتّى بلغت شروحه المئات، برز خلالها: شرح ابن الملقن، والحافظ ابن حجر، والعيني، والقسطلاني، وغيرهم. ¬

_ (¬1) رواه الحاكم في "معرفة علوم الحديث" (ص: 74). (¬2) انظر: "هدي الساري" للحافظ ابن حجر (ص: 485). (¬3) رواها بإسناده عنه: الحافظ ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (52/ 74).

وقد تباينت مناهج الشراح في تصانيفهم تلك؛ فمنهم من نحا إلى التطويل، وأودعَ فيه الكثيرَ من التحقيقات والأبحاث. ومنهم من آثر الاختصار في كلامه على الحديث، ورَشَحه بالفوائد والنكات، وما أشكل من مفردات الألفاظ. ومنهم من قصد التوسط، ورصّعه بالاستنباطات وفوائد الفوائد الماتعة. وكان الإمام المحقق، والنحوي المدقق، القاضي بدر الدين الدماميني، المتوفى سنة (827 هـ) من أولئك الأئمة الذين خاضوا غِمار هذا الصّحيح، وولجوا أغواره، مُبرزين درره وثماره، سالكًا فيه مسلك الاختصار، مؤثرًا التعليق والإيجاز في الحديث، على البسط والإكثار، علَّق فيه على أكثر من ثلاثة آلاف حديث من "الصّحيح"، بعبارة حسنة وقول فصيح، اشتملت على بيانِ لفظٍ غريب، وإعراب مشكل، وضبط راوٍ يُخشى في لفظِ ورَسْمِ اسمه التحريف، وفي ضبطه التصحيف، وبيان الأعلام المبهمة، إلى غير ذلك من المباحث اللغوية والنحوية الأنيقة، والتحقيقات الفقهية والأصولية الدقيقة. فدونك -أيها القارئ- نكتًا ساطعة الأنوار، عالية المقدار، ماحية ظلم المشكلات البهيمة، هادية إلى أوضح الطرق المستقيمة، يعرف قدرها من تصفح الكتاب، وينظر المنصف بعين الاستحسان إذا لمح بعضًا من فوائده المنثورة في الكتب والأبواب (¬1). وقد تمَّ -بحمد الله- التقديم لهذا السِّفر النَّفْيس بفصول ثلاثة: أولها: في ترجمة الإمام الدماميني. وثانيها: في دراسة الكتاب. ¬

_ (¬1) انظر: (1/ 7) من هذا الكتاب.

وثالثها: بسرد رسالة الإمام الدماميني في رده على التبياني فيما يتصل بتعقبات الأخير على هذا المُصَنَّف، واللهَ وحده نسأل أن يوفقنا لما يحب ويرضى، ويرزقنا نيّة صالحة في نشر هذا العلم، نبلغ بها منزلة مرضية عنده، إنّه سبحانه ولي ذلك، والقادر عليه، ولا حول ولا قوة إلا به. * هذا ولا بدَّ في الخاتمة من تقديم الشكر والثناء للجنة العلمية الّتي ساهمت في إخراج هذا العمل، وأخص بالذكر منهم: عبد الرّحمن بن محمّد كشك (في التدقيق اللغوي)، ومحمد خلوف العبد الله (في التحقيق والدراسات)، وتوفيق تكلة (في النسخ والمقابلة)، وعدنان دنُّون، وجمعة الرُّحيِّم (في الفهرسة والمراقبة). * وأخيرًا: لا بد من التنويه بجهد وحدة التدقيق والمراجعة التابعة للجنة إحياء التراث الإسلامي والنشر العلمي، بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر، في مراجعة الكتاب كلِّه، والاستدراك بتصحيح ما ندَّ من أخطاء وهنات لا يسلم منها كتاب، على أمل أن يكون الكتاب على وجه يرضي أهل العلم وطلبته. وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله الّذي بنعمته تتم الصالحات. نور الدين طالب دمشق - دومة 26 شوال 1430 هـ * * *

الفصل الأول ترجمة الإمام الدماميني

الفَصْلُ الأوَّل تَرْجَمَةُ الإِمَامِ الدَّمَامِيني

المبحث الأول اسمه ونسبه وولادته، ونشأته وطلبه للعلم

المبحث الأوَّل اسمهُ وَنَسبهُ وَوِلَادتهُ، وَنَشأته وَطَلبهُ لِلعِلْمِ * اسمه ونسبه: هو الإمام، العلّامة، المتفنن، الفقيه، الأديب، الشاعر، النحْوي، اللغوي، القاضي محمّد بن أبي بكر بن عمر بن أبي بكر محمّد بن سليمان ابن جعفر بن يحيى بن حسين بن محمّد بن أحمد بن أبي بكر بن يوسف بن علي بن صالح بن إبراهيم (¬1)، بدر الدين المخزومي، السَّكندري، المالكي، المعروف بالدماميني، وبابن الدماميني، سبط الإمام ناصر الدين بن المنيِّر (¬2). * ولادته: ولد الإمام الدماميني سنة ثلاث وستين وسبع مئة بالإسكندرية، كما اتفق عليه جميع المترجمين له (¬3). ¬

_ (¬1) هكذا ساق نسبه السخاوي في "الضوء اللامع" (7/ 184). (¬2) قاله الدماميني في رسالته "الفتح الرباني في الرَّدِّ على التبياني"، وانظر: "الضوء اللامع" للسخاوي (7/ 184)، قال السخاوي: وهو حفيد أخي البهاء عبد الله بن أبي بكر، وأخيه شيخ الزين العراقي. انظر: "الضوء اللامع" (7/ 184). (¬3) إلا أن ابن العماد نقل في "شذرات الذهب" (7/ 181) عن السيوطيّ في "طبقات النحاة": أنه ولد سنة أربع وستين وسبع مئة، والذي في "بغية الوعاة" (1/ 66)، =

نشأته وطلبه للعلم

* نشأته وطلبه للعلم: نشأ الإمام الدماميني في مدينة الإسكندرية، وسمع بها من عم أبيه الشّيخ عبد الله بن أبي بكر المعروف بالبهاء بن الدماميني، وعبد الوهّاب القروي، وغيرهما، فمهر في العربيّة والأدب، وشارك في الفقه وغيره؛ لسرعة إدراكه، وقوة حافظته، ودرس بالإسكندرية في عدة مدارس، واستنابه صهره القاضي ناصر الدين بن التنسي في الحكم بها (¬1)، فكتب إليه الحافظ ابن حجر يهنئه [الطَّويل]: تهنَّ ببدر الدين يا منصبَ القضا ... وسَلْ في بقاه أن يدوم إلهَهُ فقد حزتَ منه أيد اللهُ حكمَه ... وخلَّدَ في الدنيا علاهُ وجاهَهُ (¬2) ثمّ قدم مع ابن التنسي القاهرة، وناب في الحكم أيضًا، وأخذ عن أكابر علمائها، فأخذ من السراج بن الملقن، والمجد إسماعيل الحنفي، ولازم ابن خلدون (¬3)، وغيرهم، وتصدَّر بالأزهر لإقراء النحو. ¬

_ = و"حسن المحاضرة" (1/ 538): أنه ولد سنة ثلاث وستين وسبع مئة. (¬1) وقال فيه الدماميني لما ولَّاه ذلك: [من المجتث] يا حاكمًا ليس يُلْفَى ... نظيرُه في الوجودْ قد زدتَ في الفضل حتّى ... قلَّدتني العقودْ انظر: "الضوء اللامع" للسخاوي (7/ 186). (¬2) انظر: "الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر" للسخاوي (ص: 796). (¬3) وذكر المقريزي في "عقوده: أنّ الدماميني كان يقول له: إنّه ابن خالته. ذكره السخاوي في "الضوء اللامع" (7/ 184).

وفي رمضان من سنة (800 هـ) دخل دمشق برفقة ابن عمه (¬1)، ثمّ حج منها، وأخذ بمكة من القاضي أبي الفضل النويري (¬2)، واجتمع بالحافظ ابن حجر هناك سنة (801 هـ) (¬3). وبعد موت ابن التنسي رجع إلى بلده، فناب في الحكم والخطابة، وأقبل على الاشتغال بالتجارة، فوقف عليه منها مال كثير، ثمّ احترقت داره، ففر من غرمائه إلى جهة الصّعيد، فتبعوه، وأحضروه إلى القاهرة، فقام معه تقي الدين بن حجة، وأعانه كاتب السر ناصر الدين بن البارزي حتّى صلح حاله، وحضر مجلس المؤيد، وعين لقضاء المالكية بمصر. واستمر مقيمًا إلى شوال من سنة (819 هـ) حيث سافر إلى الحجِّ، ودخل اليمن سنة (820 هـ)، فكرمه السلطان الناصر، وقابله بما يقابل به مثله، واجتمع بالأئمة من فقهاء "زَبيد"، وقد درَّس بجامعها نحوَ سنة (¬4)، ثمّ لم يرجع له بها أمر، فارتحل منها إلى الهند، ودخل "كجرات" في أيّام السلطان أحمد بن محمّد المظفر الكجراتي، فحصل له إقبال كبير، وأخذ ¬

_ (¬1) وكان قد دخل غوطة دمشق، ووصفها وصفًا بديعًا، نقله الغزولي في "مطالع البدور" (1/ 110). (¬2) انظر: "الضوء اللامع" للسخاوي (7/ 185). (¬3) انظر: "مطالع البدور" للغزولي (2/ 14). (¬4) وللإمام الدماميني شعر في زبيد، منه: ما أورده البريهي في "تاريخه" المسمى: "طبقات صلحاء اليمن" (ص: 343): [من الكامل] قالت وقد فتحت جُفُونا نعسا ... ترمي الورى في الجَور بالأحكامِ احذرْ هلاكَكَ في زبيدَ فإنَّني ... لذوي الغَرامِ فتحتُ بابَ سهامِ

النَّاس عنه، وعظموه، وحصل له دنيا عريضة، وبقي فيها هناك حتّى وفاته -رحمه الله تعالى (¬1) -. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "الضوء اللامع" للسخاوي (7/ 185)، و"نيل الابتهاج" للتنبكتي (ص: 488)، و"نزهة الخواطر" للحسيني (3/ 268)، ومصادر التّرجمة الأخرى.

المبحث الثاني شيوخه

المبحث الثَّاني شُيُوخهُ 1 - مسند الإسكندرية، الشيخ بهاء الدين الدماميني: عبد الله بن أبي بكر بن محمّد بن سليمان بن جعفر الإسكندراني، وهو عم والد الإمام الدماميني، سمع من الجلال بن عبد السّلام، ومحمد بن سليمان المراكشي، وتفرد بالرواية عنهما، وحدث بـ "الموطَّأ" عن أبي الحسين بن عتيق، وكان فاضلًا دينًا أديبًا، له نظم، توفي سنة (794 هـ) (¬1). 2 - شيخ الإقراء، ومسند القاهرة، البرهان الشامي: إبراهيم بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد المؤمن بن سعيد التَّنُوخيُّ البعلي، ثمّ الشامي الشّافعيّ، كان فاضلًا، أديبًا، فقيهًا، مهر في القراءات، وكتب مشايخه له خطوطهم بها. قال ابن حجر: قرأت عليه الكثير، ولازمته طويلًا، وخرجت له المئة العشارية، ثمّ الأربعين التابعة لها، وخرجت له "المعجم الكبير"، فصار يتذكر به مشايخه، وعهده القديم، فانبسط للسماع، وقد أخذ عنه أهل البلد والرحالة، فأكثروا عنه، وكان قد أضر ¬

_ (¬1) انظر: "إنباء الغمر" (3/ 129)، و"الدرر الكامنة"، كلاهما للحافظ ابن حجر (3/ 23).

بأخرة، توفي سنة (800 هـ) (¬1). 3 - الشّيخ القاضي، ناصر الدين بن التِّنِّسي: أحمد بن محمّد بن عطاء الله بن عوض الإسكندراني الزُّبيري -نسبة إلى الزُّبير بن العوام- المالكي، بهر وفاق الأقران في العربيّة، وولي قضاء بلده، ثمّ قدم القاهرة، وظهرت فضائله، وولي قضاء المالكية بها، فباشره بعفة ونزاهة، وناب عنه صهرهم بدر الدين الدماميني، وقال فيه أبيات [من الكامل]: وأجادَ فكرُك في بحار علومه ... سَبحًا لأنك من بني العوَّامِ له مؤلفات عدة، منها: "شرح التسهيل"، و"مختصر ابن الحاجب"، توفي سنة (801 هـ) (¬2). 4 - شيخ الإسلام بالمغرب، ابن عرفة: محمّد بن محمّد بن عرفة، أبو عبد الله الوَرْغَمِّي التونسي المالكي، عالم المغرب، مهر في العلوم، وأتقن المعقول والمنقول، إلى أن صار المرجوع إليه في الفتوى ببلاد المغرب، وتصدى لنشر العلوم، وكان لا يمل من التدريس، وإسماع الحديث والفتوى، وله مؤلفات مفيدة، منها: كتابه في الفقه المسمى بـ: "المختصر" يبلغ عشرة أسفار، جامع لغالب أمهات المذهب، والنوازل، والفروع الغريبة، وقد أجاز الإمام ابن عرفة الإمام الدماميني برواية جميع الكتاب عنه كما ذكر ¬

_ (¬1) انظر: "الدرر الكامنة" لابن حجر (1/ 10)، و"تعليق الفرائد" للمؤلف (1/ 35)، و"النجوم الزاهرة" لابن تغري بردي (12/ 166)، و"شذرات الذهب" لابن العماد (6/ 364). (¬2) انظر: "إنباء الغمر" لابن حجر (4/ 46)، و"الضوء اللامع" للسخاوي (2/ 192)، و"بغية الوعاة" للسيوطي (1/ 382)، و"شذرات الذهب" لابن العماد (7/ 5).

في كتابه هذا (4/ 429)، ونقل عنه في مواضع عدة في كتابه، خصوصًا ما يتعلّق بالتعريفات. توفي سنة (853 هـ) (¬1). 5 - شيخ الإسلام، سراج الدين بن الملقِّن: عمر بن علي بن أحمد ابن عبد الله الأنصاري الأندلسي ثمّ المصري، أبو حفص سراج الدين بن الملقن -والملقن زوج أمه، فنسب إليه-، مهر في الفنون، واعتنى بالتصنيف قديمًا، فشرح كثيرًا من الكتب المشهورة؛ كـ "المنهاج"، و"التنبيه"، وخرَّج أحاديث الرافعي، وشرح البخاريّ، واشتهر بكثرة التصانيف، حتّى كان يقول: إنها بلغت ثلاث مئة تصنيف، واشتهر اسمه، وطار صيته، توفي سنة (804 هـ) (¬2). 6 - المؤرخ، ابن خلدون: عبد الرّحمن بن محمّد بن محمّد الحضرمي المغربي، المالكي، أبو زيد، المعروف بابن خلدون، نزيل القاهرة، وقاضي المالكية فيها. برع في العلوم، وتقدم في الفنون، ومهر في الأدب والكتابة، صنف: "التاريخ الكبير" في سبع مجلدات ضخمة، ظهرت فيه فضائله، وأبان فيه عن براعته. وقد لازمه الإمام الدماميني، وكان يقول: إنّه ابن خالته. توفي سنة (808 هـ) (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: "إنباء الغمر" لابن حجر (4/ 336)، و"الديباج المذهب" لابن فرحون (ص: 337)، و"بغية الوعاة" للسيوطي (1/ 229)، و"شذرات الذهب" لابن العماد (7/ 38). (¬2) انظر: "إنباء الغمر" لابن حجر (5/ 41)، و"الضوء اللامع" للسخاوي (6/ 100)، و"طبقات الشّافعيّة" لابن قاضي شهبة (4/ 43). (¬3) انظر: "إنباء الغمر" لابن حجر (5/ 327)، و"الضوء اللامع" للسخاوي (4/ 145، 7/ 184)، و"شذرات الذهب" (7/ 76)، و"البدر الطالع" للشوكاني (1/ 337).

7 - شيخ الإسلام، جلال الدين البُلقيني: عبد الرّحمن بن عمر بن رسلان بن نصير، أبو الفضل، جلال الدين بن سراج الدين أبي حفص البلقيني، القاهري، الشّافعيّ، كان من عجائب الدنيا في سرعة الفهم، وجودة الحافظة، فمهر في مدة يسيرة، وقد اشتهر اسمه، وطار ذكره، خصوصًا بعد وفاة والده، وانتهت إليه رياسة الفتوى، توفي سنة (824 هـ) (¬1). وللإمام الدماميني غيرُ هؤلاء الجلَّة من العلماء والشيوخ الذين تلقى عنهم وأخذ. وأجازوه فيما لهم ولغيرهم، وقدموه. * * * ¬

_ (¬1) ولما صار الإمام البلقيني يحضر لسماع البخاريّ في القلعة، كان يدمن مطالعة شرحه للسراج بن الملقن، ويحب الاطلاع على معرفة أسماء من أبهم في "الجامع الصّحيح" من الرواة، وما جرى ذكره في الصّحيح، فحصَّل من ذلك شيئًا كثيرًا بإدمان المطالعة والمراجعة، فجمع كتاب "الإفهام لما في البخاريّ من الإبهام"، وذكر فيه فصلًا يختص بما استفاده من مطالعته، زائدًا على ما حصله من الكتب المصنفة في المبهمات والشروح، فكان شيئًا كثيرًا، انتهى. قلت: وقد أكثر الإمام الدماميني في كتابه "المصابيح" من النقل عن كتاب شيخه هذا، وقل أن تجد مبهمًا إلا وهو منقول عن "الإفهام"، وكان - رحمه الله - قد قرأه على مؤلفه، كما ذكر في كتابه هذا (9/ 61). والكتاب جدير بالمطالعة، ونحن بصدد إخراجه قريبًا - إن شاء الله تعالى -. وانظر في ترجمة الإمام البلقيني: "إنباء الغمر" (7/ 440)، و"الضوء اللامع" للسخاوي (4/ 106)، و"طبقات الشّافعيّة" لابن قاضي شهبة (4/ 87).

المبحث الثالث تلامذته

المبحث الثَّالث تَلَامِذَتُهُ 1 - الشّيخ الأديب، علي بن عبد الله البهائي الدمشقي الغزولي، كان مملوكًا تركيًّا، فنشأ ذكيًّا، وأحب الأدبيات، قدم القاهرة مرارًا، وكان جيد الذوق، محَبًّا في أصحابه، أخذ عن الدماميني، وابن خطيب داريا، وابن مكانس، وأكثر في كتابه "مطالع البدور في منازل السرور" من إيراد أخبارهم وأشعارهم، وقد تعانى النظم، فلم يزل يقوم ويقعد إلى أن جاد شعره. توفي سنة (815 هـ) (¬1). 2 - محمّد بن عبد الماجد العجمي، سبط العلّامة جمال الدين بن هشام، الشّافعيّ، أخذ عن خالد الشّيخ محب الدين بن هشام، ومهر في الفقه والأصول والعربيّة، ولازم الشّيخ علاء الدين البخاريّ، والشيخ بدر الدين الدماميني، وكان كثير الأدب، فائقًا في معرفة العربيّة، ملازمًا للعبادة، وقورًا، ساكنًا. توفي سنة (822 هـ) (¬2). 3 - الشّيخ العالم عبادة بن علي بن صالح بن عبد المنعم، زين الدين ¬

_ (¬1) انظر: "الضوء اللامع" للسخاوي (5/ 254). (¬2) انظر: "إنباء الغمر" لابن حجر (7/ 369)، و"بغية الوعاة" للسيوطي (1/ 162)، و"شذرات الذهب" لابن العماد" (7/ 157).

الأنصاري الخزرجي الزرزاري -نسبة إلى "زرزرا" من قرى مصر- القاهري، المالكي، النحوي، شيخ المالكية بالديار المصرية في زمانه، رافق شيخه الدماميني إلى اليمن؛ حيث أخذ عنه "حاشية المغني"، وفارقه لما توجه الدماميني إلى الهند. توفي سنة (846 هـ) (¬1). 4 - قاضي القضاة، عبد القادر بن أحمد بن محمّد الأنصاري الخزرجي السَّعدي العبادي المكي، المالكي النحوي، كان من نوادر الوقت علمًا، وفصاحة، ووقارًا، وبهاء، وتواضعًا، وحشمة، متين الفوائد، حافظًا لما يحمله من المتون والتاريخ والفضائل، ضابطًا لكثير من النوادر والوقائع، وقد أخذ عن البدر الدماميني إجازة. توفي سنة (870 هـ) (¬2). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "الضوء اللامع" للسخاوي (7/ 184)، و"نيل الابتهاج " للتنبكتي (ص: 490)، و"شجرة النور الزكية" لابن مخلوف (ص: 240). (¬2) انظر: "الضوء اللامع" للسخاوي (4/ 283)، و "شذرات الذهب" لابن العماد (7/ 329).

المبحث الرابع تصانيفه

المبحث الرابع تَصَانِيفهُ 1 - " تحفة الغريب": في النحو، وهو حاشية على "مغني اللبيب" لابن هشام الأنصاري (¬1). وقد صنَّفه بأرض الهند (¬2)؛ حيث إنّه كان قد عمل حاشية على "المغني" في اليمن، ولما دخل الهند، أشهد على نفسه بالرجوع عنها، وألَّف هناك حاشية جديدة سمَّاها: "تحفة الغريب" (¬3). ¬

_ (¬1) ذكره السخاوي في "الضوء اللامع" (7/ 184)، والبريهي في "تاريخه" (ص: 343)، والسيوطي في "حسن المحاضرة" (1/ 538)، وفي "بغية الوعاة" (1/ 66)، والتنبكتي في "نيل الابتهاج" (ص: 489)، وحاجي خليفة في "كشف الظنون" (1/ 406)، وابن العماد في "شذرات الذهب" (7/ 181)، والشوكاني في "البدر الطالع" (2/ 150)، والحسني في "نزهة الخواطر" (3/ 268)، وابن مخلوف في "شجرة النور الزكية" (ص: 240)، والزركلي في "الأعلام" (6/ 57)، وكحالة في "معجم المؤلفين" (9/ 115). وله عدة نسخ خطية في المكتبة الظاهرية بدمشق، وفي المكتبة الأحمدية بحلب. (¬2) انظر: "نزهة الخواطر" للحسني (3/ 268). (¬3) انظر: "نيل الابتهاج" للتنبكتي (ص: 489).

قال السخاوي: وهما حاشيتان: يمنية، وهندية (¬1). وقال الشوكاني: إحدى الحاشيتين هندية، والأخرى يمنية (¬2) (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: "الضوء اللامع" (7/ 184)، ثمّ قال: "وقد أكثر التقي الشمني من تعقبه، وكان غير واحد من فضلاء تلامذته ينتصر للبدر"، وانظر: "نيل الابتهاج" للتنبكتي (ص: 495). قال الشمني في حاشيته (1/ 3)، فإذا هي -يعني: حاشية الدماميني- مملوءة باعتراضات يتجه جوابها، ومشحونة بإشكالات لم ينغلق -والحمد لله- بابها، وقد فتح الله تعالى بأجوبة ما عظم من ذلك، وتنوير ما أظلم من إشكال حالك، فسألني بعض الأصحاب أن أقيد ذلك بكتاب، وأن أضم إليه حل الشواهد والأبيات، وشرح ما لم يشرح بعد من المشكلات، فأجبت مطلوبه، وحققت مرغوبه، سالكًا سبيل الإنصاف، حائدًا عن طريق التعصب والإجحاف. (¬2) انظر: "البدر الطالع" (2/ 150). (¬3) وسمَّى البُرَيهي في "تاريخه" (ص: 343) إحدى هاتين الحاشيتين: "المُثْنِي على كتاب المُغْني"، ولم يعَيِّنها، ولعلَّه قصد اليمنيةَ منها. وأغرب ابن مخلوف، فقال في "شجرة النور الزكية" (ص: 245): (له حاشية على مغني اللبيب سماها: "تحفة الغريب"، ولمَّا دخل الهند، رجع عنها، وألَّف هناك: "التحفة البدرية")، حيث إنّه سمَّى الحاشية اليمنية -والتي رجع عنها- بـ: "تحفة الغريب"، وسمَّى الحاشية الهندية بـ: "التحفة البدرية"، ولم يذكر هذا أحد غيره. قلت: لعلّ الحاشية اليمنية الّتي تكلم عليها المترجمون، هي الحاشية نفسها الّتي ألفها بمصر، ولعلّه استصحبها معه إلى اليمن، قال الشمني في حاشيته المسماة بـ: "المنصف من الكلام على مغني ابن هشام" (1/ 2): وبعد: فقد نظرت عند إقرائي لـ "مغني اللبيب عن كتب الأعاريب" ما كتبه ... الشّيخ بدر الدين محمّد ابن أبي بكر الدماميني بالديار المصرية، والشرح الّذي أظهره بعد ذلك بالبلاد الهندية، وسماه: "تحفة الغريب"، انتهى. =

2 - "نزول الغيث" (¬1): انتقد فيه الدماميني كتاب: "الغيث الّذي ¬

_ = وكذا ذكر حاجي خليفة في "كشف الظنون" (1/ 456): أن له شرحًا يسمى: "شرح المصرية". فإذن، للدماميني حاشيتان: الأولى: مصرية، وتسمى: "التحفة البدرية"، وهي الّتي أظهرها في اليمن، وسميت بـ: "الحاشية اليمنية". ولعلّها الّتي سماها البريهي بـ: "المثني على كتاب المغني". والثّانية: "تحفة الغريب"، وهي "الحاشية الهندية" الّتي استقرَّ عليها أمره في كلامه على "المغني"، والله أعلم. ثمّ بعد كتابة هذه المقدِّمة، وقفت على رسالة للدكتور علي سلطان الحكمي بعنوان: "تعقبات العلّامة بدر الدين الدماميني في كتابه "مصابيح الجامع الصّحيح" على الإمام بدر الدين الزركشي في كتابه "التنقيح"، ورأيته قد أثبت في (ص: 28) للإمام الدماميني حاشية مصرية تحت رقم (1757) نحو، وحاشية يمنية، وهي الّتي تكلم عليها الشمني، وحاشية هندية. قلت: فليتحر عن النسخة المصرية، فلعلّها هي الحاشية اليمنية، مع ما أسلفته من النقل عن الشمني، وإلَّا، فإنها كما أثبت الدكتور الحكمي، والله أعلم. (¬1) ذكره السخاوي في "الضوء اللامع" (7/ 184)، وفي "الجواهر والدرر" (ص: 719)، والسيوطي في "بغية الوعاة" (1/ 66)، والتنبكتي في "نيل الابتهاج" (ص: 489)، وابن العماد في "شذرات الذهب" (7/ 181)، والحسني في "نزهة الخواطر" (3/ 268)، والزركلي في "الأعلام" (6/ 57)، وكحالة في "معجم المؤلِّفين" (9/ 115). وله عدة نسخ خطية موجودة في: مكتبة تشستربتي في دبلن - إيرلندا تحت رقم (4320)، وفي مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في الرياض، وفي المكتبة الظاهرية بدمشق. وقد حققه الدكتور عبد الخالق الزهراني سنة (1413 هـ) بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة. =

انسجم (¬1) في شرح لامية العجم" للصلاح الصفدي، وقد قرَّظه له أئمة عصره، قاله السخاوي (¬2). 3 - "إظهار التعليل المغلق لوجوب حذف عامل المفعول المطلق" (¬3). 4 - "تعليق الفوائد على تسهيل الفوائد" لابن مالك (¬4). ¬

_ = وقد نقل السخاوي في "الجواهر والدرر" (ص: 719) تقريظًا بديعًا على هذا الكتاب للحافظ ابن حجر - رحمه الله - قال فيه: "وتأملت أبوابه، فدخلَتْ عليَّ المسرَّة من كلّ باب، ولم أعلم -وأطربني- أهو نزول الغيث، أم وقع الرباب؟ فعوذته حين أطربني، وهو الفريد بالمثاني، وثنيته نحو القلب، وإن كان ما له في الحقيقة ثاني، وأشرقَتْ تلك الفرائد منه، فكلَّ عن وصفها غرب لساني ... هذا وقد شاهدت من مؤلفه كعبة أدب، لو حجها جدي قبلي، تهيِّب النطق، وسمعت منه ما لو سمعه الفصحاء، لعيُوا عن وصفه، ورأيت غرائب من براعته يردها العقل لو لم يشهد البصر ... ". (¬1) وقد سمَّاه السخاوي في "الجواهر والدرر" (ص: 719): "غيث الأدب الّذي انسجم ... "، وسمَّاه السيوطيّ في "بغية الوعاة" (1/ 66): "الغيث المنسجم ... ". (¬2) قال البغدادي في "إيضاح المكنون" (3/ 168): ولعلاء الدين بن علي بن محمّد القاهري المتوفى سنة (862 هـ) كتاب "تحكيم العقول في أقوال البدر بالنزول"، ذكر فيه محاكمة الصلاح الصفدي وابن الدماميني في شرح لامية العجم. (¬3) ذكره الزركلي في "الأعلام" (6/ 57)، وله نسخة خطية في أكاديمية ليدن بهولندا تحت رقم (231/ 1). (¬4) ذكره السخاوي في "الضوء اللامع" (7/ 184)، والسيوطي في "حسن المحاضرة" (1/ 538)، وفي "بغية الوعاة" (1/ 66)، والتنبكتي في "نيل الابتهاج" (ص: 489)، وابن العماد في "شذرات الذهب" (7/ 181)، والشوكاني في "البدر الطالع" (2/ 150)، والحسني في "نزهة الخواطر" (3/ 268)، وابن مخلوف =

5 - "جواهر البحور"، وهي قصيدة في العروض (¬1). 6 - "شرح جواهر البحور" في العروض (¬2). 7 - "الحلاوة السكرية في شرح الفواكه البدرية"، والفواكه البدرية نظم (¬3). ¬

_ = في "شجرة النور الزكية" (ص: 240)، والزركلي في "الأعلام" (6/ 57). وله عدة نسخ خطية موجودة في الخزانة العامة بالرباط، والمكتبة الأزهرية بمصر، ودار الكتب المصرية، ومكتبة الأوقاف العامة ببغداد، والمكتبة الظاهرية بدمشق، ومكتبة الأوقاف بحلب، ومركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بالرياض. وقد حقق الكتاب في رسالتين علميتين في جامعة الأزهر، الأولى منهما بتحقيق الدكتور محمّد عبد الرّحمن المفدى، وقد طبعت في أربعة أجزاء سنة (1403 هـ) في مطابع الفرزدق التجارية بالرياض. والثّانية بتحقيق الدكتور محمّد عامر. (¬1) ذكره السخاوي في "الضوء اللامع" (7/ 184)، والسيوطي في "بغية الوعاة" (1/ 66)، والتنبكتي في "نيل الابتهاج" (ص: 489)، وابن العماد في "شذرات الذهب" (7/ 181)، والشوكاني في "البدر الطالع" (2/ 150)، وحاجي خليفة في "كشف الظنون" (1/ 613)، والحسني في "نزهة الخواطر" (3/ 268)، وابن مخلوف في "شجرة النور الزكية" (ص: 241)، والزركلي في "الأعلام" (6/ 57)، وكحالة في "معجم المؤلِّفين" (9/ 115). (¬2) ذكره السخاوي في "الضوء اللامع" (7/ 184)، والتنبكتي في "نيل الابتهاج" (ص: 489)، والشوكاني في "البدر الطالع" (2/ 150). (¬3) ذكره السخاوي في "الضوء اللامع" (7/ 184)، والسيوطي في "بغية الوعاة" (1/ 66)، والتنبكتي في "نيل الابتهاج" (ص: 489)، وابن العماد في "شذرات الذهب" (7/ 181)، والشوكاني في "البدر الطالع" (2/ 150)، وحاجي خليفة في "كشف الظنون" (2/ 1215) والحسني في "نزهة الخواطر" (3/ 268)، =

8 - رسالة حول اختيار ابن هشام نصب "لغة" في قولهم: "الدّليل لغة: المرشد" (¬1). 9 - "شمس المغرب في المرقص والمطرب" (¬2). 10 - "عين الحياة" مختصر "حياة الحيوان" للدميري (¬3). 11 - "العيون الغامزة على خبايا الرامزة"، وهو شرح القصيدة الخزرجية المعروفة بالرامزة (¬4). ¬

_ = وابن مخلوف في "شجرة النور الزكية" (ص: 241)، والزركلي في "الأعلام" (6/ 57)، وكحالة في "معجم المؤلِّفين" (9/ 115). وله نسخة خطية في المكتبة الظاهرية بدمشق (نحو / 171). وللفاكهة البدرية نسخة خطية في مكتبة بطرسبرغ في روسيا تحت رقم (8719)، بخط الإمام الدماميني -رحمه الله تعالى-. (¬1) لها نسخة خطية في برنستون تحت رقم (1028). (¬2) ذكره الزركلي في "الأعلام" (6/ 57)، وله نسخة خطية في مكتبة الدولة ببرلين - ألمانيا تحت رقم (8643). (¬3) ذكره السخاوي في "الضوء اللامع" (7/ 184)، والسيوطي في "بغية الوعاة" (1/ 66)، والتنبكتي في "نيل الابتهاج" (ص: 490)، وابن العماد في "شذرات الذهب" (7/ 181)، والشوكاني في "البدر الطالع" (2/ 150)، وحاجي خليفة في "كشف الظنون" (1/ 696)، وابن مخلوف في "شجرة النور الزكية" (ص: 240)، والزركلي في "الأعلام" (6/ 57)، وكحالة في "معجم المؤلِّفين" (9/ 115). وله نسخة خطية في المكتبة الظاهرية بدمشق (جغرافيا / 159). (¬4) ذكره السخاوي في "الضوء اللامع" (7/ 184)، والسيوطي في "حسن المحاضرة" (1/ 538)، وفي "بغية الوعاة" (1/ 66)، والتنبكتي في "نيل الابتهاج" =

12 - "الفتح الرباني في الرَّدِّ على التبياني" (¬1). 13 - "مجالس الظرفاء وآداب الخلفاء" (¬2). 14 - "المنهل الصافي في شرح الوافي" للبلخي (¬3). 15 - "شرح مصدر الجواهر" (¬4). ¬

_ = (ص: 489)، وابن العماد في "شذرات الذهب" (7/ 181)، والشوكاني في "البدر الطالع" (2/ 150)، والحسني في "نزهة الخواطر" (3/ 268)، وابن مخلوف في "شجرة النور الزكية" (ص: 240)، والزركلي في "الأعلام" (6/ 57). وله عدة نسخ خطية في المكتبة الظاهرية بدمشق (لغة / 414، 415)، والمكتبتين الأحمدية (1146) والعثمانية (1169) بحلب. وقد طبع سنة (1303 هـ) في مجلد واحد في المطبعة العامرة العثمانية بمصر، ثمّ طبع في مطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر سنة (1324 هـ)، وقد طبع محققًا بتحقيق السَّيِّد حسن عبد الله في مطبعة المدني سنة (1973 م)، وفي مكتبة الخانجي في القاهرة سنة (1994 م). (¬1) ذكره الزركلي في "الأعلام" (6/ 57). وله عدة نسخ خطية في دار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة تحت رقم (622 حديث)، ومعهد المخطوطات العربيّة بالقاهرة (119)، وليدن بهولندا (1725). وهي الّتي أثبتناها ونشرناها في مقدمة كتابنا هذا. (¬2) وله نسخة خطية في المكتبة الأزهرية بالقاهرة (598/ 7193). (¬3) وله عدة نسخ خطية موجودة في مكتبة اليمن بصنعاء، ومركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بالرياض، والهند وباكستان والسعودية واليمن. وقد حقق الكتاب في رسالة علمية بجامعة الأزهر سنة (1992 م) بتحقيق حمدي عبد الفتاح مصطفى خليل. (¬4) كذا ذكره التنبكتي في "نيل الابتهاج" (ص: 489). قلت: لعلّه "شرح قصيدة الجواهر" الّذي مرَّ ذكره قريبًا.

16 - "مصابيح الجامع"، وهو كتابنا هذا. 17 - "مجلد في الإعراب" قال التنبكتي: (وله أيضًا مجلد في الإعراب)، ذكره مستقلًا عن شرح البخاريّ، وتبعه في ذلك ابن مخلوف (¬1). 18 - "تقريظ على سيرة المؤيد" لابن ناهض (¬2). 19 - "حسن الاقتصاص فيما يتعلّق بالاختصاص"، وهو فيما اختصَّ به النبي - صلى الله عليه وسلم - من الفضائل (¬3). * * * ¬

_ (¬1) ذكره التنبكتي في "نيل الابتهاج" (ص: 490)، وابن مخلوف في "شجرة النور الزكية" (ص: 240). (¬2) ذكره السخاوي في "الضوء اللامع" (7/ 184). (¬3) ذكره السيوطيّ في رسالته المسماة بـ: "تحفة الأبرار بنكت الأذكار"، ونقل عنه، مخطوط صفحة (102) من مجموع تحت رقم (829) بجامعة الرياض.

المبحث الخامس أشعاره وألغازه

المبحث الخامس أشْعَارُهُ وَألغَازُهُ كان الإمام الدماميني أحد الكَمَلَة في فنون الأدب، أقرَّ له الأدباء بالتقدم فيه، وبإجادة القصائد والمقاطيع والنثر (¬1)، قال فيه الحافظ ابن حجر: تعانى بالآداب، ففاق في النظم والنثر (¬2). وقال: قال الشعر الفائق، والنظم الرائق (¬3). ووصفه ابن تغري بردي بأنه شاعر عصره (¬4). فمن شعره: [من المديد] قلت له والدُّجى مولٍ ... ونحن في الأنس بالتلاقي قد عطس الصُّبح يا حبيبي ... فلا تُشَمِّته بالفراق (¬5) وقوله: [من الطَّويل] تكدَّر صفوُ البدر والفجرُ طالع ... بنهرِ نهارٍ للعيون تبجَّسا ¬

_ (¬1) انظر: "الضوء اللامع" للسخاوي (7/ 185). (¬2) انظر: "إنباء الغمر" لابن حجر (7/ 92). (¬3) انظر: "ذيل الدرر الكامنة" لابن حجر (ص: 304). (¬4) انظر: "النجوم الزاهرة" لابن تغري بردي (15/ 128). (¬5) انظر: "مصابيح الجامع" للمؤلف (9/ 367).

وعاد كمرآة تغيَّرَ صقلُها ... ولا عجبٌ فالصبح فيه تنفَّسا (¬1) وقوله: [من الطَّويل] صحا القلب عن جهل الشباب وَغيِّه ... وعُوِّضْت منه بالتقى خيرَ تعويضِ ومُذ لاح صبحُ الشبب صمتُ عن الهوى ... فلا تنكروا صومي بأيامه البيضِ (¬2) وقوله: [من الوافر] أقول لصاحبي والروضُ زاهٍ ... وقد فرش الربيع بساطَ زهرِ تعالَ نباكرِ الروض المفدَّى ... وقمْ نسعى إلى وردٍ ونسري (¬3) يريد: ونسرين. وقوله: [من الطَّويل] وربَّ نهار فيه نادمتُ أغيدَا ... فما كان أحلاه حديثًا وأحسنا منادمتي فيها مناي وحبذا ... نهارًا تقضى بالحديث وبالمنا (¬4) يريد: وبالمنادمة. وقوله: [مجزوء الرجز] في ليلة البدر أتى ... حِبِّي فقرَّت مقلتي ¬

_ (¬1) انظر: "مصابيح الجامع" للمؤلف (8/ 485). (¬2) انظر: "مصابيح الجامع" للمؤلف (4/ 396). (¬3) انظر: "مطالع البدور في منازل السرور" للغزولي (1/ 119)، و"أنوار الربيع في ألوان البديع" لابن معصوم المدني (3/ 89). (¬4) انظر: "أنوار الربيع" (3/ 89).

وقال لي يا بدرُ قم ... فقلت هذي ليلتي (¬1) وقوله: [من الوافر] أقول لمهجتي كم ذا ألاقي ... من البلوى بظبي فيك قاسي أذكِّرُه بأشجاني فينسى ... فأفديه غزالًا في كناسِ (¬2) وله، وقد لزمه دين في شخص يعرف بالحافظي، فقال للمؤيد، وذلك في أيّام عصيان نوروز الحافظي نائب الشّام: [من السريع] يا ملك العصر ومَنْ جودُه ... فرض على الصامت واللافظِ أشكو إليك الحافظَ المعتدي ... بكلِّ لفظ في الدجى غائظِ وما عسى أشكو وأنت الّذي ... صحَّ لك البغيُ من الحافظ (¬3) وله أيضًا: [من المتقارب] رماني زماني بما ساءني ... فجاءت نُحوسٌ وغاب سعودُ وأصبحت بين الورى بالمشيب ... عليلًا فليت الشباب يعود (¬4) ولمَّا نظم الحافظ في مبادي نظمه سنة (793 هـ) قصيدة جاء منها: [من البسيط] أرعى النجوم كأني رُمت أحصرُها ... بالعدِّ إذ طال بعد البدر تسهيدي ¬

_ (¬1) المرجع السابق (5/ 79). (¬2) انظر: "مطالع البدور" للغزولي (2/ 293). (¬3) انظر: "الضوء اللامع" للسخاوي (7/ 186). (¬4) المرجع السابق، الموضع نفسه.

وكم أعدِّد إذ أبكي على قمري ... والأفق قد ملَّ في الحالين تعديدي قال الحافظ: وحسبت أنني انفردت بهذا المعنى؛ لأنني لم أره في أشعار من تقدّم إلا جناسًا، فأنشدت لصاحبي القاضي بدر الدين المخزومي ابن الدماميني قصيدة نظمها في سنة خمس وتسعين، جاء منها قوله: [من الطَّويل] خليليَّ إنِّي قد فُتنتُ لشِقْوتي ... بوَسْنانَ طرفي فيه بالوجد سُهِّدا يرومانِ تعديدًا لأوصاف حُسنه ... عليَّ وقد مت اشتياقًا فعدِّدا (¬1) وللدماميني - رحمه الله - قصيدة طويلة في مدح النّبي - صلى الله عليه وسلم -، أولها: أنا راضٍ بنظرة من بعيد ... فاجبروا سادتي ولاء العبيد (¬2) * وقد دارت بين الإمام الدماميني والحافظ ابن حجر مطارحات كثيرة، أودع منها الحافظ السخاوي جملة في كتابه: "الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر"، فمن ذلك: ما كتبه الدماميني للحافظ ابن حجر: [من الطَّويل] حمى ابنُ عليٍّ حوزةَ المجد والعلا ... ومن رام أسبابَ الفضائل حازها وكم مشكلاتٍ في البيان بفهمه ... يبينها من غير عجبٍ وما زها فقال الحافظ في جوابه: [من الطَّويل] بروحي بدرٌ في الندى لم يطع فتى ... نهاه وقد حاز المعاني فزانها ¬

_ (¬1) انظر: "الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر" للسخاوي (ص: 778). (¬2) انظر: "طبقات صلحاء اليمن" للبريهي (ص: 343).

أسائل أن ينهى عن الجود نفسه ... وها هو قد برَّ العفاة وما نهى (¬1) وقال فيه الحافظ: [من الكامل] يا بدرَ دينِ الله إن مدائحي ... تروي لك البشرى عن ابن هلالِ بالحولِ بل في كلّ حالٍ أقبلت ... فلك الهنا في سائر الأحوال فأجابه الدماميني بقوله: [من الكامل] شكرًا شهابَ الدين للنظم الّذي ... قَلَّدتني من عقده بلآلِ أحكمتَ بيتًا فيه جلَّ مقامُه ... عن سعي ذي التقصير من أمثالي فثملتُ سكرًا حين حيَّا بالهنا ... وأدار أكؤسَ رفعة وجلالِ وملكت رقَّ الفضل ملكًا ثابتًا ... جمَّ الحقوق فلست بالمختال يا من يصوغ من البيان قلائدًا ... يُنسى لهنَّ محاسنُ الخلخال عندي فراغ من سواكَ لأنني ... حزتُ الكمالَ بفضلك المتوالي وملأت فكري في امتداحك فاعتجب ... من ذي فراغٍ في مقامِ كمالِ (¬2) وبقوله أيضًا: [من الطَّويل] ألا يا شهابًا أخجل البدرَ نورُه ... فقلَّت لديه أنجمُ الشكر والثنا تهنَّ به عامًا ملكت سعوده ... ونجمك فيه قد علا فلك الهنا (¬3) ¬

_ (¬1) انظر: "الجواهر والدرر" للسخاوي (ص: 795). (¬2) المرجع السابق (793 - 794). (¬3) المرجع السابق (ص: 794).

وبقوله: [من الكامل] أفدي شهاب الدين مولى بارعًا ... قد أضعف الحسادَ قوةُ قوله حفَّته أفلاكُ الهناء بعامه ... فانظر لأنجمِ سعده من حوله (¬1) وكتب الدماميني إلى الحافظ: [من البسيط] لقد سما ابنُ عليٍّ كلَّ ذي أدب ... فلا يشارَكُ في فهم وإدراكِ ولم يزل بالمعاني الغرِّ منفردًا ... يصيدها وحدَه من غير أشراك فكتب إليه الحافظ: [من السريع] خلقك بدر الدين مثلُ الظّبا ... فديته من لطفه بالمقلْ قد جُبل النَّاس على حبه ... حتّى عجبنا من لطيفٍ جبلْ (¬2) وكتب إليه الحافظ بقوله على طريقة تَفْعُلا: [من الطَّويل] أنزه طرفي في محاسنك الّتي ... أنزهه عما سواه وإن زها وما رمت عنها أيها البدر سَلوةً ... وعن غيرها طرفي وفيها تنزَّها (¬3) وكتب إليه البدر بقوله -وقد تفرَّجا في الجيزة-: [من الطَّويل] لجيزةِ مصرٍ يا أبا الفضل سرتَ بي ... فذكَّرتني من طَيِّب العيش ما مضى وأبديتَ في ذاك الفضاءِ فضائلًا ... فطِبتُ ولم أبرح أميل إلى الفضا ¬

_ (¬1) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬2) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬3) المرجع السابق، (ص: 794 - 795).

فأجابه الحافظ بقوله: [من الطَّويل] شهدتُ بأني عن علاك مقصِّرٌ ... وأنَّك بدرٌ بالجميل تطوَّلا وأهدي فلاحًا في الفلالي منعمًا ... فلا زال في الحالين ينعم بالفلا (¬1) وأنشد الدماميني في الاكتفاء: [من الطَّويل] رعى الله دهرًا فيه أسماءُ واصَلَت ... وجادت لنا بعد القطيعة بالنُّعمى وشَنَّفتِ الأسماعَ أسمارُ ذكرها ... وأسماؤها تتلى فيا لكِ من أَسْمَا قال الحافظ: فاكتفى بأسما عن الأسماع والأسمار والأسماء؛ ففيه أربعة. قال: ولما أنشدني ذلك، نظمت بحضرته، ولعلّ فيه خمسة: [من المتقارب] أطيل الملال لمن لامني ... وأملأ في الروض كأس الطِّلا وأهوى الملاهي وطِيبَ الملاذِ ... فها أنا منهمكٌ في المَلا (¬2) وأنشد الدماميني لنفسه في ذلك -يعني: الاكتفاء-: [من الطَّويل] بروحي أحمي غادة قد تطلَّعت ... إليَّ فما أصغيتُ للعاذلِ العَوا وأمطرت دمعي إذ فَنِيت على الحِمى ... بأنواع أنوار فيا حبذا الأنوا قال الحافظ: فنظمت أنا في مثله: [من الطَّويل] حبيبي إن العيش في الوصل فاسترِح ... إليه ولا ترحل ولا تركبِ الفَلا ¬

_ (¬1) المرجع السابق (ص: 795 - 796). (¬2) المرجع السابق (ص: 781 - 782).

وإياك لا تصعد قلاعًا ولا تُنِخ ... قلاصًا ومهما اسطعت فاجتنبِ القِلا (¬1) وقال الحافظ يمدح الإمام الدماميني: [من السريع] نسيت أن أمدح بدرَ العلى ... فلم يدع بِرِّي وإيناس قل لبني الدنيا ألا هكذا ... فليصنع النَّاس مع النَّاس (¬2) وللإمام الدماميني الكثير من الألغاز المنظومة والمنثورة الّتي دارت بينه وبين علماء عصره؛ فمن ذلك: قوله ملغِزًا في غزال: [مجزوء الخفيف] إن من قد هويته ... محنتي في وقوفه فإذا زال ربعُه ... زال باقي حروفه (¬3) وله ملغزًا: [من الطَّويل] أيا علماء الهند إني سائل ... فمنُّوا بتحقيقٍ به يظهر السرُّ فما فاعلٌ قد جُرَّ بالخفض لفظُه ... صريحًا ولا حرف يكون به جرُّ وليس بذي جرٍّ ولا بمجاورٍ ... لذي الخفضِ والإنسان للجر يضطرُّ فمنُّوا بتحقيقٍ به أستفيده ... فمن بحرِكم ما زال يُستخرج الدرُّ أراد قول طرفة: [من الرمل] ¬

_ (¬1) المرجع السابق (ص: 782). (¬2) انظر: "مطالع البدور" للغزولي (2/ 45). (¬3) انظر: "شذرات الذهب" لابن العماد (7/ 181).

بجفان تعتري نادينا ... وسديف حين هاج الصنبر (¬1) وكتب الدماميني سنة (795 هـ) ملغزًا إلى الحافظ ابن حجر: أبا الفضل حقًّا أخصبَتْ روضةُ المنى ... بآدابك اللاتي تجودُ بها صَوْبَا فما اسمٌ إذا صحَّفته وعكسته ... وجئت بمعناه تجدْهُ شرى ثوبَا فأجابه الحافظ: أمولاي بدرَ الدين ألغزتَ بلدةً ... لقد جُبت آفاق البلاد لها جَوبَا وفي أذرعات باع فضلك طائلٌ ... وفي مصر حتّى ذاب حاسدكم ذَوْبَا (¬2) وكتب الحافظ إلى الدماميني أيضًا: يا سيدي انظر في قريضِ فتًى ... حاز الفضل منكمُ والحَظْ صحِّفْ فديتك ما يرادفه ... يا ذا العُلا متوهم أيقظْ فأجابه الدماميني بقوله: يا سيدي أنتَ الّذي ... بالسَّعدِ حظُّك صار يُلحَظْ ونظير لغزِك في الأحاجي ... سار عامًّا فالحظُّ ألحظْ (¬3) وله غير ذلك من الألغاز والأحاجي (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: "نزهة الخواطر" للحسيني (3/ 269). (¬2) انظر: "الجواهر والدرر" للسخاوي (ص: 839). (¬3) المرجع السابق (ص: 841). (¬4) انظر جملة من ألغازه في: "الجواهر والدرر" للسخاوي (ص: 839 - 841)، و"مطالع البدور" للغزولي (1/ 97، 118، 134)، و (2/ 14، 78، 81، 84)، و"بغية الوعاة" للسيوطي (1/ 67).

ومن جميل ما وقفت له من النثر: قوله في وصف غوطة دمشق، وقد دخلها في ثامن رمضان من سنة (800 هـ)، قال: فتأملها المملوك، فإذا هي جنة ذات ربوة وقرار معين، وبلدةٌ تبعث محاسنُها الفكر على حسن الوصف وتُعين، وحسبك بالجامع الفارق بينها وبين سواها، والأنهار الّتي إذا ذكر قتل المحل فما أجراها، وإذا سُمع حديث الخصب فما أرواها، ما أقول إلا أن متنزهات مصر عارية من المحاسن، وهذه ذات الكسوة، ولا أن النيل احترق إلا من الأسف؛ حيث لم يُسْعِده الدهر بالصعود إلى تلك الربوة، ولا أظنُّه احمرَّ إلا خجلًا من صفاء أنهارها، ولا ناله الكسر إلا لتألمه بالانقطاع إلى سقي أزهارها، فلو رأى العاشق جبهتها، لسَلَا بمصر معشوقه، ونسي ظهور جواريه المتحببة بمقامات غصونها الممشوقة، ولو تطاولت المجنونة إلى المفاخرة، لتأخرت إلى خلفها متخبلة، وأحجمت عن الإقدام حين تحركت لها بدمشق السلسلة، وحق مصر أن لا تجري حديث المفاخرة في وهمها، وأن تتقي شر المنازعة قبل أن تصاب هذه البلدة بسهمها، فسقى الله منتزهاتها الّتي طرب المملوك برؤية حبكها، وطالما اهتزت له المعاطف على السماع، ورأى بها كلّ نهر ذاب عنه الجليد، فانعقد على حلاوة شكره الإجماع. تروع حصاهُ حاليةَ العذارى ... فتلمسُ جانبَ العقدِ النظيمِ (¬1) * * * ¬

_ (¬1) انظر: "مطالع البدور" للغزولي (1/ 115).

المبحث السادس ثناء العلماء عليه

المبحث السادس ثَنَاء العُلَمَاء عَلَيهِ 1 - قال الحافظ ابن حجر فيه شعرًا: هو قاضي البلاغة الّذي: [الطَّويل] أقروا بحق جوهر الفضل عنده ... ولا عجب للبحر صونُ الجواهر والجواد البليغ الّذي: يقول لنا درًّا ويبدي سماحة ... فما البحر إلا بين كفٍّ وخاطرِ وعالم المدينة الّذي: على كلّ رأس طال كعب مبارك ... له وهو للطلاب أفضل مالكِ وربُّ البديع الّذي: قد استخدم الأنظار إذا أصبحت لهم ... مطالبة قد طوبقت بمهالكِ وفارس العربيّة الّذي: غدا قبلةً للناس صلَّوا وراءها ... وفاتهم سبقًا فليس تُجارى

والكاتب الّذي: إذا أبصروا في الطِّرس أثر مِداده ... فذلك سبق قد أثار غبارا (¬1) - وقال فيه الحافظ أيضًا: فاق في النظم، والنثر، والخط، ومعرفة الشروط، وناب في الحكم أيضًا، وتقدم ومهر، واشتهر ذكره (¬2). وقال فيه: كان عارفًا بالوثائق، حسن الخط، رائق النظم والنثر (¬3). 2 - وقال فيه السخاوي: كان أحد الكملة في فنون الأدب، أقرَّ له الأدباء بالتقدم فيه، وبإجادة القصائد والمقاطيع والنثر (¬4). 3 - وقال ابن تغري بردي: الشّيخ، الإمام، الأديب، الشاعر، العلّامة (¬5). 4 - وقال البريهي: هو من الأئمة البلغاء، والسادة الفضلاء، كان متبحرًا في علم الأدب (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: "الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر" للسخاوي (ص: 721). (¬2) انظر: "إنباء الغمر" لابن حجر (7/ 92). (¬3) نقله السخاوي عن الحافظ في "معجمه"، كما ذكر في "الضوء اللامع" (7/ 184). (¬4) انظر: "الضوء اللامع" للسخاوي (7/ 184). (¬5) انظر: "النجوم الزاهرة" (15/ 128). (¬6) انظر: "تاريخ البريهي" (ص 343).

5 - وقال ابن مخلوف: العمدة، المتفنن في العلوم والمعارف، الفهامة، الأديب، النحوي، اللغوي، الإمام المفضال، العارف بالشروط، الرحَّال (¬1). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "شجرة النور الزكية" (ص: 240).

المبحث السابع وفاته

المبحث السابع وَفَاتهُ توفي الإمام بدر الدين الدماميني - رحمه الله تعالى - بمدينة "كَلبرجَا" أو "كَلبركَا" في الهند في شهر شعبان عن نحو سبعين عامًا، وقد اختلف العلماء في سنة وفاته على ثلاثة أقوال: الأوّل -وهو المعتمد-: سنة (827 هـ): ذكره السخاوي، وتبعه السيوطي، والشوكاني، وعبد الحي الحسني، والزركلي (¬1). الثّاني: سنة (828 هـ): ذكره المقريزي، وتبعه الحافظ ابن حجر، وابن تغري بردي (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: "الضوء اللامع" للسخاوي (7/ 184)، و"حسن المحاضرة" للسيوطي (1/ 538)، و"البدر الطالع" للشوكاني (2/ 150)، و"نزهة الخواطر" للحسني (3/ 270)، و"الأعلام" للزركلي (6/ 57). ونقل السخاوي تاريخ الوفاة هذا عن شيخه الحافظ ابن حجر في "معجمه"، وعن المقريزي في "عقوده". (¬2) انظر: "السلوك للمقريزي (7/ 125)، و"إنباء الغمر" لابن حجر (7/ 92)، و"ذيل الدرر الكامنة" له أيضًا (ص: 304)، و"النجوم الزاهرة" لابن تغري بردي (15/ 128).

الثّالث: سنة (837 هـ)، أو (838 هـ): ذكره السيوطيّ، وقال: قُتِل مسمومًا (¬1). وقد ذكر السخاوي أنه سُمَّ في عِنَبٍ، ولم يلبث من سمّه بعْدُ إلا يسيرًا (¬2). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "بغية الوعاة" للسيوطي (1/ 66). وأظن أن التاريخ من تحريف النساخ. (¬2) انظر: "الضوء اللامع" للسخاوي (7/ 184)، ثمّ قال: ذكره ابن فهد في "معجمه".

المبحث الثامن مصادر ترجمته وأخباره

المبحث الثامن مَصَادِرُ تَرجَمَتِهِ وَأخْبَارِهِ 1 - " إنباء الغمر" لابن حجر (7/ 92). 2 - "ذيل الدرر الكامنة" لابن حجر (ص: 304). 3 - "بغية الوعاة" للسيوطي (1/ 66). 4 - "حسن المحاضرة" للسيوطي (1/ 538). 5 - "الضوء اللامع" للسخاوي (7/ 184). 6 - "السلوك" للمقريزي (7/ 125). 7 - "النجوم الزاهرة" لابن تغري بردي (15/ 128). 8 - "شذرات الذهب" لابن العماد (7/ 181). 9 - "نيل الابتهاج بتطريز الديباج" للتنبكتي (ص: 488). 10 - "تاريخ البريهي" المسمى: "طبقات صلحاء اليمن" (ص: 343). 11 - "البدر الطالع" للشوكاني (2/ 150). 12 - "شجرة النور الزكية" لابن مخلوف (ص: 240). 13 - "نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر" لعبد الحي الحسني (3/ 268). 14 - "كشف الظنون" لحاجي خليفة (1/ 406، 549، 613، 696، 2/ 1215، 1752، 1781).

15 - "الأعلام" للزركلي (6/ 57). 16 - "معجم المؤلِّفين" لكحالة (9/ 115). * وانظر طرفًا صالحًا من أخباره وأشعاره في: 17 - "الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر" للسخاوي (ص: 144، 719، 778، 781 - 782، 793 - 796، 839 - 841). 18 - "مطالع البدور في منازل السرور" للغزولي (1/ 97، 115، 116، 118، 119،134، 2/ 14، 45، 78، 81، 84، 190، 293). 19 - "أنوار الربيع في ألوان البديع" لابن معصوم المدني (2/ 56، 3/ 89، 5/ 78، 79، 236). * * *

الفصل الثاني دراسة الكتاب

الفَصْلُ الثَّاني دِرَاسَةُ الكِتَابِ

المبحث الأول تحقيق اسم الكتاب

المبحث الأَوَّل تَحقِيق اسمِ الكِتَاب جاء على طُرَّة النسخة الخطية لمكتبة المدرسة الأحمدية بحلب المرموز لها بـ "م": كتاب مصابيح الجامع، وعلى المجلد الثّالث منها: الثّالث من كتاب مصابيح الجامع الصّحيح. وكذا أثبت على طرة النسخة الخطية لمكتبة دار الكتب القومية بمصر، والمرموز لها بـ "ن"، وكذا على الورقة الأولى من النسخة الخطية لمكتبة فاتح باشا بالسُّليمانية، والمرموز لها بـ "ع"، إلا أنه أثبت على طرة هذه الأخيرة بخط مغاير: "المجلد الأوّل من شرح البخاريّ للدماميني". وقد سماه الحطاب المالكي في مواضع كثيرة من كتابه "مواهب الجليل" بـ: "حاشية البخاريّ" (¬1)، وكذا غير واحد من العلماء. وبعضهم يطلق عليه: تعليق الدماميني، أو تعليقة الدماميني على البخاريّ. ولعلّه أُخذ ذلك عن الدماميني نفسِه؛ حيث ذكر في أكثر من موضع في كتابه قوله: "التعليق" (¬2). ¬

_ (¬1) انظر مثلًا: (1/ 287)، (3/ 340، 395، 402، 409)، (4/ 244). (¬2) فقال (1/ 403): وطهارة الميِّت، ونجاسته أمر مختلف فيه، والكلام فيه طويل لا يليق بهذا التعليق. =

والقول الفصل في اسمه: ما كان ذكره الإمام الدماميني نفسه في مقدمة كتابه هذا؛ حيث قال: أما بعد: فهذه نكت ساطعة الأنوار، عالية المقدار ... إلى أن قال: سميتها بـ: "مصابيح الجامع" (¬1). وإطلاق لفظ "الشرح"، و"الحاشية"، و"التعليق" كلها صحيحة تصدق على هذا التصنيف. وما ذكره المؤلِّف - رحمه الله - في مقدمة كتابه، هو الّذي أثبت على طرة طبعتنا هذه، وبالله التوفيق. * * * ¬

_ = وقال (2/ 379): وعلى الثّانية جاء قولي في خطبة هذا التعليق. وانظر: (2/ 459). (¬1) انظر: (1/ 7) من هذا الكتاب.

المبحث الثاني إثبات نسبة الكتاب إلى المؤلف

المبحث الثَّاني إثْبَاتُ نسَبةِ الكِتَابِ إلَى المُؤَلِّفِ تقدم ذكر ما أُثبت على طرة النسخ الخطية للمكتبة الأحمدية، وفاتح باشا، ودار الكتب القومية، والتصريح بذكر الإمام الدماميني عليها. وكذا ما جاء في مقدمة كتابه من تأليفه هذا السّفر للسلطان أبي الفتح أحمد شاه في بلاد الهند، وهو الذي قد عرف بتآليفه الكثيرة له؛ كما ذكر المترجمون، وكذا صرَّح بنسبة تعليقه على البخاري كلُّ من ترجم له. أضف إلى هذا كله: أسلوب الإمام الدماميني، وهو الأديب واللغوي الذي بثَّ الكثير من مسائل اللغة والنحو، والكثير من أشعاره في ثنايا كتابه هذا، والتي تناقلها عنه الكثيرون، وأودعوها تآليفهم. إلى جانب تصريحه بالنقل عن بعض مشايخه؛ خصوصًا: الشيخ الإمام ابن عرفة، والإمام جلال الدين البلقيني، وغيرهما. كما أحال في مواطن عدة على كتابه "شرح مغني اللبيب لابن هشام". إلى غير ذلك من أمور مبثوثة، ومسائل منثورة، تدل مطالعها على مؤلفها الجليل، الإمامِ الدمامينيِّ - رحمه الله تعالى -. * * *

المبحث الثالث منهج المؤلف في الكتاب

المبحث الثَّالث مَنْهَجُ المؤلِّف في الكِتَابِ أفصح المؤلف - رحمه الله - في ديباجة كتابه هذا عن منهجه الذي قصد إليه، فقال: "أما بعد: فهذه نكت ساطعة الأنوار، عالية المقدار ... " إلى أن قال: "علقتها على أبواب منه -أي: صحيح البخاري- ومواضع، وفرَّقت كثيرًا منها في زواياه؛ ليستعين بها الناظر على استخراج خباياه، تحتوي على: 1 - غريب رأيته أهلًا لأن يأنس بتفسيره. 2 - وإعراب تفتقر أعجاز الكلمات إلى صدوره. 3 - وفائدة بيانية يشهد الذوق السليم بحلاوة مجانيها، ويدهش أهل البيان لبديع معانيها. 4 - ودليل يحتمله متن الحديث. 5 - وفرع غريب قلَّ من ذكره من قديم وحديث. 6 - وحديث طالما كانت العيون عنه وَسِنة. 7 - ونكت هي في وجه هذا التأليف حسنة. 8 - إلى غير ذلك من مباحث تمرُّ حلوة الجنى، وفوائد يصبح مالكها في غنى عن العَنا" (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: "مصابيح الجامع" (1/ 7).

ثم قال: "ولم أطلِ النفس في هذا الكتاب، ولا مددت في كثير من أماكنه أطناب الإطناب، بل اقتصرت فيه على ما هو أهم، وهتكت بأنواره ما دجا من المشكلات وادلهمّ" (¬1). هذا ما أجمله المؤلف - رحمه الله - في تبيين منهجه، ولا بد من التنبيه إلى أنه قصد التعليق المختصر على الأحاديث، كما ذكر، إلى جانب تأليفه له حالَ سفره وإقامته في بلاد اليمن (¬2). وفي ثنايا الكتاب يلحظ المطالع أن ما يقارب الثلاثة آلاف حديث قد تكلَّم الإمام الدمامينيُّ على مفردات ألفاظها، وضبطِ وتفسير مبهمات أعلامها، وبيان وجوه أبوابها وتراجمها، معتمدًا في روايات "صحيح البخاري" على رواية أبي ذر؛ كما ظهر في مواضعَ كثيرةٍ من الكتاب، مقتفيًا نهج الإمام الزركشيِّ في انتقائه للأحاديث المتكلَّم عليها، ولم يفارقه إلا في النَّزْرِ اليسير جدًّا، مُغِيرًا على أكثر مادة كتابه، تارةً بالتصريح، وتارة بالإبهام، منتقدًا له في غالب ما ينقله عنه، مصيبًا في أكثر تعقباته، مخطئًا في بعض استدراكاته، وغالبها في مسائل العربية، ولم يُخْلِ المؤلف - رحمه الله - من نقده وتعقبه لعلماءآخرين غيرِ الإمام الزركشي - رحمهم الله أجمعين -. ولا بدَّ من الوقوف على أبرز تلك التعقبات التي ظهرت في كتاب الإمام الدماميني هنا، وإجمالها، وضرب المثل فيها؛ من خلال هذه الدراسة: ¬

_ (¬1) انظر: "مصابيح الجامع" (1/ 11). (¬2) المرجع السابق (4/ 148).

* بين الإمامين الدماميني والزركشي: كان للإمام الزركشي - رحمه الله - من خلال كتابه "التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح" فضلُ السَّبق فيما جمعه وأعدَّه على "الجامع الصحيح" من شرحٍ لغريبه، وتفسير لنكته في الترجمة أو التبويب، فضلًا عما تناوله من مشكلات الإعراب، والمسائل النحوية، والصور البيانية، والمعاني البلاغية. وقد وقف الإمام الدماميني على كتاب الزركشي، وأفاد منه كثيرًا، إلا أنه كانت له تعقبات واستدراكات على مسائل وقضايا في النحو والإعراب والتصريف وغيرها، وكانت هذه التعقبات -أعني: النحوية وما يتبعها من الإعراب- أكثر عمقًا، وأدق مأخذًا؛ فقد عرض الزركشي لهذا الجانب، فوقع له في بعض المسائل سهو أو خطأ، وفي بعض تابع فيها قولًا مرجوحًا، وفي بعض أوجز القول فيها إيجازًا مخلًّا وفي بعض مما تناوله يحتمل النظر، ولا يُحكم على ما قرره فيه بسهو أو خطأ، وفي بعض كان الصواب فيما ذهب إليه من قول، وما قرره من حكم. وقد تناول الإمام الدماميني كلَّ ذلك بنقد لاذع لا يقال في حق إمام راسخ في العلم، وإن زلَّ به قلمُه في شيء يعلمه أو لا يعلمه، فغفر الله لهما، وأجزل مثوبتَهما، وشكر صنيعَهما (¬1). وهذا عرض لأهم نقاط الخلاف التي استأثرت باهتمام الإمام الدماميني - رحمه الله -، فكان له مع الإمام الزركشي وغيره من العلماء ما كان في هذا الكتاب: ¬

_ (¬1) عن الدكتور علي سلطان الحكمي في كتابه: "تعقبات العلامة بدر الدين الدماميني" (ص:6) بتصرف.

1 - دفاع الإمام الدماميني عن الرواية والرواة: لا شك أن الإمام الدماميني من أئمة النحو المتأخرين الذين اعتُمدت أقوالُهم، وانتشرت آراؤهم، وأنه ارتضى نهج مدرسة ابن مالك، وابن هشام في جواز الاستدلال بالأحاديث النبوية الشريفة مطلقًا، وردُّ الإمامِ الدماميني على منع أبي حيان وغيره من ذلك مشهور مأثور، قد تناقله كثير من المصنفين (¬1)، فلا ريب -عندئذ- أن ينبريَ الإمام الدمامينيُّ في كتابه هذا لتفنيد أي زعم في تخطئة هذه الرواية أو تلك، وفي توهيم الرواة فيما نقلوه؛ خصوصًا في كتاب هو الأصح بعد كتاب الله - عز وجل- "صحيح الإمام البخاري". * فمن ذلك: قول الإمام الزركشي عند تفسير ابن عباس - رضي الله عنهما -: {أَنْزَلْنَاهَا} [النور 1]: بيناها. قال الزركشي: كذا في النسخ، والصواب: "أنزلناها وفرضناها: بيناها، فبيناها تفسير فرضناها، لا أنزلناها. قال الدماميني: يا عجبًا لهذا الرجل، وتقويله لابن عباس ما لم يقله، فالبخاري نقل عن ابن عباس تفسير {أَنْزَلْنَاهَا}: بيناها، وهو نقل صحيح، ذكره الحافظ مغلطاي من طريق ابن المنذر بسنده إلى ابن عباس، فما هذا الاعتراض البارد؟! (¬2). ومنه: قول الزركشي في رواية: "ويعيدانه بتلك المقالة": صوابه: ¬

_ (¬1) انظر: "خزانة الأدب" للبغدادي (1/ 14)، وقال عن رده هذا: ولله درُّه! فإنه قد أجاد في الرد. (¬2) انظر: "مصابيح الجامع" (8/ 312 - 313).

ويعيدان له تلك المقالة. قال الدماميني: ضاق عَطَنُه عن توجيه اللفظ على الصحة، فجزم بخطئه. ثم ذكر توجيهه للرواية (¬1). ومنه: قول الزركشي عن قول أنس - رضي الله عنه -: "إنها أربع"؛ أي: عُمَرُهُ - صلى الله عليه وسلم -: فيه نظر ... إلى أن قال الزركشي: وقول البراء: "اعتمر عمرتين" أشبه. قال الدماميني: هذه عبارة لا يليق أن تذكر في حق أنس - رضي الله عنه -، وحاصلها: اعتراضه عليه في أمر أخبر به عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن الأمر في الواقع على خلاف ما أخبر به، واستناده في ذلك على مجرد ما ذكره، غير منقدح إذا تأملت، وما أحسن الأدب مع آحاد العلماء، فضلًا عن كبراء الصحابة - رضي الله عنهم -! حشرنا الله معهم بمنه وكرمه (¬2). ومنه: توهيم الزركشي قولَ جرير - رضي الله عنه -: كان بيت في الجاهلية يقال له: ذو الخلصة، والكعبة اليمانية، والكعبة الشامية. وتصويب القول بـ: والتي بمكة الكعبة الشامية. قال الدماميني: جرى على عادته في الجرأة على التوهيم من غير تثبت. ثم نقل عن السُّهيلي ما يرفع هذا الإشكال (¬3). ومنه: ما استشكله الزركشي في تفسير حذيفة - رضي الله عنه - الباب في حديث الفتنة بعمر - رضي الله عنه -. ¬

_ (¬1) المرجع السابق (8/ 341). (¬2) المرجع السابق (4/ 222). (¬3) المرجع السابق (8/ 113).

فردَّ عليه الدماميني، ثم قال: فينبغي تلقي قوله بالقبول، وإنما يحمل الاعتراض على مثل هؤلاء السادة الجلة، إعجابُ المعترِضِ برأيه، ورضاه عن نفسه، فظنه أنه تأهل للاعتراض حتى على الصحابة، وهو دون ذلك كله (¬1). ومنه: ما قاله الزركشي عند قول أنس - رضي الله عنه -: "فلبث بمكة عشر سنين"، قال: هذا على قول أنس، والصحيح: أنه أقام بمكة ثلاث عشرة. قال الدماميني: الجرأة على تخطئة الصحابي صعب شديد، لا سيما ولكلامه محمل صحيح، ثم ذكر توجيه قول أنس - رضي الله عنه -، وبيانه (¬2). * وكذا وجَّه الإمام الدماميني - رحمه الله - النقد ذاته إلى غير الإمام الزركشي من العلماء، فمن ذلك: ما جاء عند قوله: "فإذا امرأة تتوضأ"، قال: ظن الخطابي أنه محمول على الوضوء الشرعي، فنسب الراوي إلى الوهم. قال الدماميني: وهذا تحكم في الرواية بالرأي، ونسبة الصحيح منها إلى الغلط بمجرد خيال مبني على أمر غير لازم. ثم ذكر توجيهه للرواية (¬3). ومنه: قول الخطابي عند قول الراوي: "حتى سمعتُ نعَايا أبي رافع": هكذا روي، وإنما حق الكلام: نعاء أبي رافع؛ أي: انعوا أبا رافع، ¬

_ (¬1) المرجع السابق (7/ 220). (¬2) المرجع السابق (7/ 203). (¬3) المرجع السابق (10/ 63).

يقال: نعاءِ فلانًا؛ أي: انعَهُ؛ كقولك: دراكِ؛ أي: أدرك. قال الدماميني: وهذا أيضًا قدح في الرواية الصحيحة بوهم يقع في الخاطر، فالنعايا جمع نعيّ؛ كصفيّ وصفايا، والنعي: خبر الموت؛ أي: فما برحتُ حتى سمعتُ الأخبار مصرِّحة بموته (¬1). ومنه: ما قاله القاضي عياض في رواية مسلم: "فلما نزل الوحي ... ": إنها وهمٌ بيِّن ... إلخ. قال الدماميني: هذه الإطلاقات صعبة في الأحاديث الصحيحة، لا سيما ما اجتمع على تخريجه الشيخان، ولا أدري ما هذا الوهم، ولا كيف هو؟!!. ثم راخ يوجِّه الرواية (¬2). ومنه: ما ذكره عن ابن بطال في حديث: "من أعمر أرضًا"، وما ذكره فيه من احتمال أن يكون: "من اعتمر أرضًا"، وسقطت التاء من الأصل. قال الدماميني: هذا ردٌّ لاتفاق الرواة بمجرد احتمال يجوز أن يكون وأن لا يكون، وأكثر ما يعتمد هو وغيره على مثل هذا، وأنا لا أرضى لأحد أن يقع فيه (¬3). ومنه: ما نقله الدماميني عن بعضهم من أن الرواية تصحفت، فقال الدماميني: هذا داء عمَّ وطمَّ، فقلَّ من تراه يتحامى الطعن على الرواة، إذا لم يقدر على توجيه الرواية (¬4). ¬

_ (¬1) المرجع السابق (6/ 355). (¬2) المرجع السابق (8/ 278). (¬3) المرجع السابق (5/ 239). (¬4) المرجع السابق (6/ 454).

ومنه: ما أشكل على بعضهم في قوله: "لا أحمدك اليوم" في حديث الأبرص والأعمى والأقرع، فقال بإسقاط الميم؛ لا أحدُّك؛ أي: لا أمنعك. قال الدماميني: فَسَاء فهمًا، وتكلَّف، وغيَّر الرواية. قال: وأنا أرى مثل هذا جرأة عظيمة، لا يقدم عليها من يتقي الله (¬1). 2 - التعقب على الزركشي في مسائل العربية: وقد حظي هذا الجانب باهتمام كبير عند الإمام الدماميني، وقد أسلفنا القول: إن الإمام الدماميني قد أصاب فيما تعقب به الزركشي في مواطن كثيرة، وفي بعضها كان الحق والصواب فيها للزركشي؛ وفي بعضها تابع القول فيها من قبله، وفي بعض أوجز فيها، فأوقع كلامه في الإيهام والخلل، والأمثلة على ذلك كثيرة جدًّا، وإذا شاء المطالع أن يقلِّب صفحات هذا الكتاب، فأول ما يقع نظره على هذا، ويكتفى هنا بضرب مثالين عليه؛ أحدهما كان الكلام فيها للدماميني، والثاني للزركشي (¬2). * الأول: قول الزركشي في قوله: "وإن جاءت به أُحيمرَ"، قال: كذا وقع غير مصروف، والصواب صرفه، تصغير أحمر، وهو الأبيض. قال الدماميني: عدم الصرف -كما في المتن- هو الصواب، وما ادَّعى هو أنه عين الصواب، هو عين الخطأ، وبالله التوفيق (¬3). قلت: قال المبرد في "المقتضب" (4/ 18): هذا باب ما ينتقل ¬

_ (¬1) المرجع السابق (7/ 169). (¬2) وقد ذكر الدكتور علي الحكمي في كتابه: "تعقبات العلامة بدر الدين الدماميني" غير هذين المثالين، فلتنظر عنده للإفادة. (¬3) انظر: "مصابيح الجامع" (8/ 317).

بتصغيره: تقول في رجل سميته بـ: "مساجد" إذا صغرته: "مسيجد"، فتصرفه؛ لأنه قد عاد إلى مثل تصغير "جعفر". وكذلك رجل يسمى: "قناديل"، تقول: "هذا قُنيديلٌ"؛ لأن المانع قد زال عنه. ولو سميته: "أجادل"، فصغَّرته، لقلت: "أُجيدلُ" قد جاء، لا تصرفه؛ لأنه تصغير "أَفعل"، فالمانع للصرف فيه. فإن قال قائل: إنما منع "أفعل" من الصرف؛ لأنه على مثال الفعل؛ نحو "أذهب" و"أعلم"، فإذا قلت: "أُحيمر" و"أُحيمد"، فقد زال عنه شَبَهُ الفعل، فما بالك لا ترده إلى الصرف، كما تصرف "تتفلًا"؛ لأن زوائد الفعل المضارع لا تكون مضمومة، وكما تصرف "يربوعًا"؛ لأن زيادته لا تبلغ به مثال الأفعال. قيل له: إنه قد صرف الفعل مصغرًا، فكما أشبه "أحمر" "أذهب"، أشبه "أحيمر" قولهم: إما أُميلحَ زيدًا! وما أُحيسنَه! "، والمانع قائم بعدُ معه. فجملة هذا: أنه كلُّ ما صُغِّر، فخرج تصغيره من المانع، فهو مصروف، وما كانت العلة قائمة فيه، فتركُ الصرف له لازم، انتهى. قلت: وبه يتبين وجهُ ردِّ الإمام الدماميني على الإمام الزركشي فيما قاله. * الثاني: ما قاله الزركشي في قوله: "لم تُراعوا": إنَّ "لم" بمعنى "لا"، ومعناه: لا تفزعوا.

قال الدماميني: لا أعلم أحدًا من النحاة قال بأن "لم" ترد بمعنى "لا" الناهية (¬1). قلت: مجيء "لم" بمعنى "لا" له أمثلة كثيرة في كتب العربية، فقد أنشد الأخفش لذلك قول الشاعر: لولا فوارسُ من قيسٍ وأسرتُهم ... يوم الصُّليفاء لم يوفون بالجار قال ابن جني في "الخصائص" (1/ 388): فقد تُشبّه حروف النفي بعضها ببعض، وذلك لاشتراك الجميع في دلالته عليه، ثم ذكر شواهد ذلك. وقال الخطابي في "غريب الحديث" (2/ 276): وتقع "لم" بمعنى، "لا"؛ كقولك: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن؛ أي: ما لا يشاء لا يكون. ووجَّه العينيُّ في "عمدة القاري" (22/ 6) قولَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لامرأة رفاعة: "فإن كان ذلك، لم تحلي له، أو لم تصلحي له": بأن "لم" تأتي بمعنى "لا"، والمعنى أيضًا عليه؛ لأن "لا" للاستقبال، ثم أنشد ما نقلتُه عن الأخفش، وبالله التوفيق. 3 - تشنيعه على الزركشي في عدم نسبة الأقوال إلى أصحابها: يكاد شرَّاح الحديث المتأخرون متفقين على هذا -أعني: عدم نسبة الأقوال إلى أصحابها- في غالب نقولهم، وقد وقفنا من خلال تحقيقاتنا لكثير من كتبهم على طَرَفٍ صالح من ذلك، وكنَّا نردُّ الأمر في هذا إلى اتفاق المادة العلمية المراد بحثها عندهم؛ فلو رأيت القاضي عياضًا قد جاء ¬

_ (¬1) المرجع السابق (9/ 321).

بشرح مادة لغوية من "صحاح الجوهري"، ثم نقلها عنه الزركشي، أيُذكر عندها القاضي عياض، أم الجوهري؟! وهكذا. نعم، التوثيق من المصدر الأم هو الأساس، ويكاد يكون فيصلًا في قوة مادة هذا الشرح أو ذاك. إلا أن الأمر لم يقف عند هذا، بل ذهبت كثرة كاثرة من شراح الحديث إلى السَّطو والإغارة على كتب بعينها، دون التصريح بالنقل عنها، وإن ذُكرت، فالمرة، أو المرات المعدودات، ولا ندري قصدهم ووجهة ما قاموا به، حتى إن الإمام الدماميني - رحمه الله - الذي انتقد الزركشي في هذا، قد شَأَى شَأْوَهُ في الأمر عينه، كما سنبينه في المآخذ على الكتاب. ونقف عند هذا؛ إذ إن الأمر يطول، ولعل الله ييسّر بسط ذلك وبيانه في محل آخر مناسب، ونعود إلى ضرب المثال فيما انتقده الدمامينيُّ على الزركشي، فمن ذلك: قول الدماميني -بعد أن نقل كلامًا عن الزركشي-، قال: كذا في الزركشي، وهو مأخوذ من ابن المنيِّر، وجرى على عادته في عدم نسبة ما يستحسنه إلى قائله (¬1). ومنه: قول الدماميني: ونقل الزركشي هذا الفصل بنصه -يعني: عن السفاقسي-، لم يزد عليه شيئًا؛ كعادته في الاعتماد على هذا الكتاب، والاستمداد منه، وما كأنه إلا مختصره (¬2). ومنه: قول الدماميني: وما اعترض به -يعني: الزركشي- على عدم ¬

_ (¬1) المرجع السابق (5/ 347). (¬2) المرجع السابق (8/ 423).

الصراحة بإبداء الاحتمال المذكور، ليس من قِبَل نفسه، بل ذكره الشيخ بهاء الدين السبكي في أول "شرح التلخيص" (¬1). * وكذا شنَّع على شيخه الإمام ابن الملقن في الأمر ذاته، فقال الدماميني -بعد أن ساق كلامًا-: هذا الكلام برُمَّته في "شرح مغلطاي"، وتبعه ابن الملقن على عادته في الأخذ منه، والاعتماد على كلامه، من غير تسميته له (¬2). وقال في موضع آخر: وأخذ ابن الملقن هذا الجواب -أي: جواب مغلطاي- مغيرًا عليه، على عادته مع هذا الرجل وغيره، مصرحًا بأنه من كلام نفسه بقوله: قلت (¬3). وكما سلف، فإن الإمام الدماميني قد وقع في الأمر ذاته الذي شنع فيه على الإمام الزركشي، وابن الملقن، وغيرهما، ولو أنَّ مطال الكتاب قال: كتاب "المصابيح"، نتاج "التنقيح"، و"التوضيح"، و"حاشية ابن المنير على الجامع الصحيح"، لم يعدُ الحقيقةَ. والإنصافُ -كما يقول الإمام ابن القيم رحمه الله- أن تكتال لمنازعك بالصَّاع الذي تكتال به لنفسك، فإنَّ في كل شيء وفاءً وتطفيفًا (¬4). وبالله التوفيق. إلى غير ذلك من التعقبات المبثوثة في ثنايا الكتاب، والتي تناولت الإمامَ الزركشيَّ على وجه الخصوص، وغيرَه من الأئمة على وجه العموم. ¬

_ (¬1) المرجع السابق (8/ 213). (¬2) المرجع السابق (5/ 36). (¬3) المرجع السابق (6/ 113). (¬4) انظر: "حاشية ابن القيم على السنن" (1/ 188).

وبالجملة: فإن أكثر هذه التعقبات كان الصواب فيها ما قاله الإمام الدماميني، وفي بعضها كان الوجه فيها ما نحا إليه الزركشي، وفي غيرها تبين أن الإمام الزركشي قد ذهب فيها إلى رأي مرجوح -كما تقدم-. ولا بدَّ من لفت النظر إلى ما ذكره الحافظ ابن حجر في "الدرر الكامنة" (5/ 134) من أن الإمام الزركشي شرع في "شرح البخاري"، فتركه مسودة، قال: وقفتُ على بعضها، ولخَّص منه "التنقيح" في مجلد، انتهى. فينظر في هذا النقل، وما قد يلتمس من خلاله للإمام الزركشي. ثم ما كان الإمام الدماميني يذكره أحيانًا من عدم وثوقه من نسخة الزركشي، وعزو الغلط إلى النُّسَّاخ (¬1). وأخيرًا: ما أسلفناه من تأليف الإمام الدماميني لهذا الكتاب حالَ السفر، وما قد يَعْرِضُ عليه من أهوال تكدِّر عليه صفو العيش؛ كما ذكر في شرحه هذا، وكما أورد عنه المترجمون، كلُّ ذلك قد يخفف من دهشة المطالع لهذا الكتاب، وما فيه من نَقَدات، وما من قائل إلا وعليه قائل، ومن طلب عيبًا وجده، فرحم الله امرًا قهر هواه، وآثر الإنصاف ورآه، وبالله التوفيق. ¬

_ (¬1) قال الدماميني في قول الزركشي (5/ 427): "يا سودة بنت زمعة" يجوز رفع "بنت". قال الدماميني: وهو خطأ منه أو من الناسخ. وقال (4/ 258 - 259) في قوله: "خمس من الدواب كلُّهن فاسقٌ يُقتلْن في الحرم". قال الزركشي: "فاسق" صفة لـ "كل"، ولفظ الكل مذكر، و"يقتلن" فيه ضمير راجع إلى معنى "كل"، وهو جمع، وهو تأكيد "خمس". ثم ذكر الدماميني الصواب، ثم قال: وعلى الجملة، فلست على وثوق من نسخة الزركشي، فلعله من أغلاط النسَّاخ.

المبحث الرابع موارد المؤلف في الكتاب

المبحث الرابع مَوَارِد المُؤَلِّف في الكِتَابِ 1 - " الإبهاج" للسبكي. 2 - "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق. 3 - "أساس البلاغة" للزمخشري. 4 - "أسد الغابة" لابن الأثير. 5 - "الأشباه والنظائر" لتاج الدين السبكي. 6 - "الإفهام لما في البخاري من الإبهام" لجلال الدين البلقيني. 7 - "الأمالي النحوية" لابن الحاجب. 8 - "الانتصاف"، وهو حاشية ابن المنير على "الكشاف". 9 - "الإيضاح في شرح المفصل" لابن الحاجب. 10 - "التسهيل" لابن مالك. 11 - "تغليق التعليق" لابن حجر. 12 - "التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح" للزركشي. 13 - "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" لابن الملقن. 14 - "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي. 15 - "الجنى الداني في حروف المعاني" لابن القاسم المرادي.

16 - "حاشية التسهيل" لابن هشام. 17 - "حاشية الصحاح" لابن بري. 18 - "حاشية الكشاف" للتفتازاني. 19 - "الروض الأنف" للسهيلي. 20 - "السيرة النبوية" لابن إسحاق. 21 - "السيرة النبوية" لابن هشام. 22 - "السيرة النبوية" لمغلطاي. 23 - "شرح ابن المنير على البخاري". 24 - "شرح الإلمام بأحاديث الأحكام" لابن دقيق. 25 - "شرح البخاري" لابن التين السفاقسي. 26 - "شرح البخاري" لمغلطاي. 27 - "شرح الرضي على الكافية". 28 - "شرح مختصر ابن الحاجب" لبهاء الدين السبكي. 29 - "الشفا" للقاضي عياض. 30 - "شواهد التوضيح" لابن مالك. 31 - "الصبح الصادع" لابن المنير. 32 - "الصحاح" للجوهري. 33 - "صحيح البخاري". 34 - "صحيح مسلم". 35 - "عروس الأفراح شرح تلخيص المفتاح" لبهاء الدين السبكي. 36 - "علوم الحديث" لابن الصلاح.

37 - "عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير" لابن سيد الناس. 38 - "الفائق في غريب الحديث" للزمخشري. 39 - "الفرائض وشرح آيات الوصية" للسهيلي. 40 - "الكتاب" لسيبويه. 41 - "الكشاف" للزمخشري. 42 - "المتواري" لابن المنيِّر. 43 - "المختصر في الفقه" لابن عرفة. 44 - "مشارق الأنوار" للقاضي عياض. 45 - "مغني اللبيب" لابن هشام. 46 - "المقتفى" لابن المنير. 47 - "ملء العيبة" لابن رشيد. * ومن الموارد التي نقل عنها المؤلف، وعزا إليها، ولم يقف عليها، إنما نقلها بواسطة: 1 - "الاستيعاب" لابن عبد البر. 2 - "إصلاح المنطق" لابن السكيت. 3 - "إصلاخ غلط المحدثين" للخطابي. 4 - "إعراب الحديث النبوي" لأبي البقاء العكبري. 5 - "أعلام الحديث" للخطابي. 6 - "الأفعال" لابن القطاع. 7 - "إكمال المعلم" للقاضي عياض. 8 - "تثقيف اللسان" للصقلي.

9 - "الترغيب والترهيب" للمنذري. 10 - "تفسير الطبري". 11 - "التمهيد" لابن عبد البر. 12 - "تهذيب الأسماء واللغات" للنووي. 13 - "تهذيب الكمال" للمزي. 14 - "تهذيب اللغة" للأزهري. 15 - "الجمع بين الصحيحين" للحميدي. 16 - "جمهرة اللغة" لابن دريد. 17 - "خلاصة الأحكام" للنووي. 18 - "سنن ابن ماجة". 19 - "السنن الكبرى" للبيهقي. 20 - "شرح الإيضاح" لابن أبي الربيع. 21 - "شرح البخاري" لابن بطال. 22 - "شرح البخاري" للداودي. 23 - "شرح البخاري" للمهلب. 24 - "شرح مسلم" للنووي. 25 - "عارضة الأحوذي" لابن العربي. 26 - "العين" للخليل. 27 - "غريب الحديث" لأبي عبيد. 28 - "غريب الحديث" للخطابي. 29 - "غوامض الأسماء المبهمة" لابن بشكوال.

30 - "الفروق" للقرافي. 31 - "الفصيح" لثعلب. 32 - "القبس" لابن العربي. 33 - "العباب الزاخر" للصغاني. 34 - "المبهمات" للخطيب. 35 - "مجمل اللغة" لابن فارس. 36 - "المحكم" لابن سيده. 37 - "مرآة الزمان" لابن الجوزي. 38 - "المعرب" للجواليقي. 39 - "المغرب" للمطرزي. 40 - "مفردات القرآن" للراغب الأصفهاني. 41 - "المفهم" للقرطبي. وغير ذلك من الكتب التي نقل عنها المؤلف - رحمه الله -، وهي في غالبها منقولة عن كتب أربعة هي: 1 - "التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح" للزركشي. 2 - "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" لابن الملقن. 3 - "شرح البخاري" لابن المنيِّر. 4 - "الإفهام لما وقع في البخاري من الإبهام" للبلقيني. ولعلَّ السبب في قلة موارد المؤلف - رحمه الله - هو تعليقه لهذا التأليف حالَ السفر، وقد قال - رحمه الله - في كتابه هذا (4/ 148) بعد كلام: لكن الشأن في الرواية، فينبغي السعي في تحريرها، وأنا أعتذر بقلة الكتب في

بلاد الغربة، وعدم من يتأهل من أهل القطر اليمني للمراجعة في ذلك، وإفراط العجلة المفضية للرحلة من هذا البلاء، ويسَّر الله ذلك، وأصحبنا لظنه الجميل ذهابًا وغيابًا في خير وسلامة، انتهى. * * *

المبحث الخامس منزلة الكتاب العلمية

المبحث الخامس مَنزِلَة الكِتَاب العِلْمِيَّة وفيه مطلبان: * المطلب الأول: أهمية الكتاب ومزاياه: 1 - يعد هذا الكتاب من أهم مصادر شروح "صحيح البخاري"، التي عُنيت ببيان غريب الألفاظ، وحلّ مشكلات الإعراب، وتوضيح مبهمات الإسناد، وإيراد الفوائد اللغوية والنحوية والأصولية، وغيرها من النكات. 2 - يبرز الإمام الدماميني - رحمه الله - من بين شراح الحديث عمومًا، و"صحيح البخاري" خصوصًا، بإمامته في اللغة والنحو، وهو الأديب الشاعر، مما حدا بالكثير من الشراح بعده على النَّهل من كنوز علمه الرَّصين التي ظهرت في هذا الكتاب. 3 - التعقبات والاستدراكات الكثيرة المتناثرة في هذا الكتاب، بتحقيقات باهرة، تثمر عند مطالعه حسن التعامل مع النصوص النبوية، خصوصًا منها: ما يتعلق بحال الرواية والرواة. 4 - كثرة التحقيقات المفيدة القيمة، التي أتى بها المؤلف - رحمه الله - ابتداء، أو في معرض تعقباته على غيره من العلماء. وأخيرًا: لا يشك مطالع هذا الكتاب في قيمته ومكانته بين كتب

المطلب الثاني: المآخذ على الكتاب

الشروح، وما أضفاه في جانب اللغة من قيمة، وسدَّ به ثغرات الشروح قبله وبعده، فلا غرو حينها أن يمتدح الإمام الدماميني - رحمه الله - كتابه هذا بقوله: فدونكها مصابيح تحسدها الثريا، وتبدو لمجتلي محاسنها مشرقة المحيا (¬1). وقال: وسيعرف قدره من تصفَّحه، وينظر المنصف بعين الاستحسان إذا لمحه (¬2). * المطلب الثاني: المآخذ على الكتاب: 1 - إغفال الشارح - رحمه الله - المصادر التي ينقل عنها -في غالب الأحيان-؛ فقد نقل عن "التنقيح" للزركشي، و"التوضيح" لابن الملقن، و"حاشية ابن المنير على البخاري"، و "الإفهام لما وقع في البخاري من الإبهام"، وغيرها من الكتب كثير، ولم يصرح بذكرهم إلا في النادر القليل، حتى إن بعضًا من المواد اللغوية كان ينقلها عن الإمام الزركشي، وقد كنا نبهنا على ذلك في مواضع عدة من التعليق على هذا الكتاب. 2 - الحط على المخالف بعبارات قاسية؛ خصوصًا الإمام الزركشي، وابن الملقن، والعجب يطول أمام هذا، فالأول قد قام الكتاب عليه، والثاني شيخه، ونهل من كتابه "التوضيح" الكثير، وإن لم يصرح بذلك. 3 - اختصاره لكلام العلماء يوقع في الإيهام أحيانًا، وهذا من باب ما انتقده الإمام الدماميني على الإمام الزركشي، وذلك كقوله في "من وراءكم": بفتح "من" في البخاري، وبكسرها عند ابن أبي شيبة، انتهى. ¬

_ (¬1) انظر: "مصابيح الجامع" (1/ 7). (¬2) المرجع السابق (1/ 11).

قلت: فقد يظن الناظر أنه يريد به "مصنَّفه"، والواقع أن مسلمًا رواه من طريق أبي بكر بن أبي شيبة كذلك، وقد رواه مسلم، وكذا البخاري من طريق ابن المثنى وغيره بفتح "من" والهمزة. فلو قال: وبكسرها عند مسلم، على اعتبار أنه قال: البخاري من طريق ابن أبي شيبة، لكان أحسن وأسلم، ولتحقق المراد منه. * * *

المبحث السادس وصف النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق

المبحث السادس وَصْفُ النُّسَخ الخَطِيَّة المُعْتَمَدَةُ في التَّحقِيق تمَّ الاعتماد -في تحقيق هذا الكتاب- على أربع نسخ خطية، هي: النسخة الخطية المحفوظة في مكتبة المدرسة الأحمدية بحلب، ومكتبة دار الكتب القومية بالقاهرة، ومكتبة نور عثمانية بتركيا، ومكتبة فاتح باشا في السليمانية بتركيا، وهذا وصف لكل واحدة منها: * النسخة الأولى: وهي من محفوظات مكتبة المدرسة الأحمدية بحلب، تحت رقم (163)، وتتألف من ثلاثة أجزاء في مجلدين، وهي نسخة تامة، فالمجلد الأول عدد أوراقه (978) ورقة، في كل ورقة (19) سطرًا، وفي السطر (10) كلمات تقريبًا. جاء على طرته أسماء الكتب الواردة في "صحيح البخاري"، والتي ذكرها المؤلف في كتابه، وعلى ورقتها الرابعة: وقف مدرسة الأحمدية بمدينة حلب المحمية. أوله: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، رب يسر وأعن وتمم بالخير يا كريم، قال العبد الفقير إلى الله تعالى محمد بن أبي بكر بن عمر المخزومي الدماميني المالكي -لطف الله به-: الحمد لله الذي جعل السنة النبوية ...

النسخة الثانية

وآخره: ولولا بنوها حولها لخطبتها. تم المجلد الثاني، ويتلوه المجلد الثالث من قوله: كتاب المناقب، من تجزئة ثلاثة، بعون الله تعالى وتوفيقه. أما المجلد الثاني: وهو يحتوي على الجزء الثالث، فيقع في (520) ورقة. وجاء على طرته: الثالث من كتاب "مصابيح الجامع الصحيح"، وعليه أثبتت عناوين الكتب أيضًا. أوله: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وبه نستعين، كتاب: المناقب. وآخره: ولقد أحسن البخاري - رحمه الله - حيث افتتح كتابه بحديث: "إنما الأعمال بالنيات"؛ ... إلى أن يقول: وكان انتهاء هذا التأليف بزبيد من بلاد اليمن، قبل ظهر يوم الثلاثاء، العاشر من شهر ربيع الأول، سنة عشرين وثمان مئة ... وجاء في آخرها تاريخ النسخ سنة (874)، عن نسخة المؤلف، في بلدة "كهمايت" في الهند. وقد رمز لهذه النسخة بالرمز "م". * النسخة الثانية: وهي النسخة المحفوظة في مكتبة نور عثمانية بتركيا، وهي نسخة تامة، عدد أوراقها (368) ورقة، في الورقة وجهان، وفي الوجه (33) سطرًا، وفي السطر (13) كلمة تقريبًا. أولها: قال الفقير إلى الله تعالى محمد بن أبي بكر بن عمر المخزومي الدماميني المالكي -لطف الله به-: الحمد لله الذي جعل في خدمة السنة النبوية ...

النسخة الثالثة

آخرها: ولقد أحسن البخاري - رحمه الله - حيث افتتح كتابه بحديث: "إنما الأعمال بالنيات"، إلى أن يقول: وكان انتهاء هذا التأليف بزبيد من بلاد اليمن، ... ولم يظهر الكلام في آخر المخطوط؛ لأنه مطموس، ويظهر أن تاريخ نسخها سنة (1022 هـ)، كما تكرر هذا الطمس في مواضع أخر من هذه النسخة. وقد رمز لهذه النسخة بالرمز "ج". * النسخة الثالثة: وهي النسخة المحفوظة في مكتبة فاتح باشا بالسليمانية بتركيا، تحت رقم (944)، وهي نسخة تامة تتألف من مجلدين: المجلد الأول: وعدد أوراقه (149) ورقة، وفي الورقة وجهان، وفي الوجه (31) سطرًا. وفي السطر (13) كلمة تقريبًا. أوله: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه وسلم، قال العبد الفقير إلى الله تعالى محمد بن أبي بكر بن عمر المخزومي الدماميني المالكي -لطف الله تعالى به-: أما بعد: الحمد لله الذي جعل في خدمة السنة النبوية ... وآخره: "عذبت امرأة في هرة حبستها" احتج به مالك على ورود. وبعده: يتلو هذا المجلد قوله: في السببية "من حشاش الأرض"، في المجلد الثاني. أما المجلد الثاني: فيتألف من (160) ورقة. أوله: في السببية "من حشاش الأرض"، قال الزركشي: مثلث الحاء.

النسخة الرابعة

وآخره: ولقد أحسن البخاري - رحمه الله - حيث افتتح كتابه بحديث: "إنما الأعمال بالنيات" إلى أن يقول: تم "المصابيح على الجامع الصحيح"، والحمد لله على التمام، ونسأله حسن الخاتمة .... إلى يوم الدين، آمين. وهذه النسخة سقيمة جدًّا، مليئة بالتصحيفات والتحريفات الكثيرة، جاء عليها عدة أختام، ولونت الكتب والأبواب والألفاظ المشروحة باللون الأحمر. وقد رمز لهذه النسخة بالرمز "ع". * النسخة الرابعة: وهي النسخة المحفوظة في دار الكتب القومية بمصر، تحت رقم (474)، وتحتوي على المجلد الأول فقط، وعدد أوراقها (228) ورقة، وفيها جزآن، الأول منهما ينتهي عند الورقة (151). وفي هذه النسخة وجهان، وفي الوجه (22) سطرًا، وفي السطر (10) كلمات تقريبًا. أولها: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وهو حسبي ونعم الوكيل، الحمد لله الذي جعل في خدمة السنة النبوية ... وآخرها: إن هذا لمن الأمر البعيد الذي لا تسكن إليه نفس عاقل، والمصنف لا يحتاج إلى جميع ما ذكرناه من الإيضاح والبيان، والله أعلم، وهو الموفق للصواب، انتهى كلامه - رحمه الله -. والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. يتلوه في الجزء الذي يليه: باب: فضل الحرم {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا} [القصص:57] (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: (4/ 114) من هذا الكتاب.

وهذه النسخة جيدة، قلَّت فيها التصحيفات والتحريفات عن سابقتيها، وجاء على هوامشها بعض التصويبات والتصحيحات، وكتبت على هوامشها عناوين لمواضيعها تحت اسم: (مطلب). وقد رمز لهذه النسخة بالرمز (ن). * * * * أما رسالة الإمام الدماميني - رحمه الله - المسماة بـ: "الفتح الرباني في الرد على التبياني"، فهي من محفوظات دار الكتب القومية بمصر، تحت رقم (622 - حديث)، وتتألف من (14) ورقة، وهي نسخة تامة، أثبت في آخرها تاريخ النسخ، وهو سنة (1180 هـ). * * *

المبحث السابع بيان منهج التحقيق

المبحث السابع بَيَان منْهَج التَّحقِيق 1 - نسخ الأصل المخطوط بالاعتماد على نسخة المكتبة الأحمدية المرموز لها بـ "م"، وذلك لاكتمالها، وصحة نصِّها -في الغالب-، وذلك بحسب رسم وقواعد الإملاء الحديثة. 2 - معارضة المنسوخ بالنسخ الخطية الأخرى، وإثبات الصواب منها في النص، والإشارة إلى باقي الفروق في الهوامش، مع مراعاة النسخة المعتمدة "م". 3 - إهمال الكثير من الفروق غير المؤثرة على قراءة النص، بل هي تصحيف بيِّن، وتحريف سَمج، لا تسوّد الصفحات به، كما أهملت فروق الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وألفاظ الترضِّي والترحُّم ونحوها في غالب الكتاب. 4 - الزيادة في مواضع عدة ما كان النص لا يقوم إلا بها، وجعل هذه الزيادة بين معكوفتين. 5 - إثبات عناوين الكتب والأبواب من "صحيح البخاري"، وذلك لأن المؤلف - رحمه الله - لم يكن يثبت منها شيئًا إلا ما أراد الكلام عليه. 6 - إثبات أحاديث "صحيح البخاري" التي تكلم المؤلف على ألفاظها

ومفرداتها؛ وذلك خشية التباس وضياع الفائدة والوقت على القاريء في حال عدم إثباتها. 7 - ضبط الأحاديث المثبتة بالشكل الكامل، وترقيمها ترقيمًا تسلسليًّا، ثم إثبات أرقامها في "صحيح البخاري" بوضعه بين قوسين. 8 - إدخال علامات الترقيم المعتادة على النص، ووضع الكتب والمصنفات بين قوسي تنصيص؛ لتمييزها. 9 - عزو الآيات القرآنية الكريمة إلى مواضعها من الكتاب العزيز، وإدراجها برسم المصحف الشريف، وجعل العزو بين معكوفتين في صلب الكتاب، بذكر اسم السورة ورقم الآية. 10 - تخريج الأحاديث النبوية، وهي قليلة في الكتاب، بذكر رقم الحديث، واسم الراوي فقط، وذلك بعزوه إلى "الصحيحين"، أو أحدهما، فإن لم يكن، فمن السنن الأربعة، أو أحدها، أو من باقي الكتب المصنفة من المسانيد والمعاجم وغيرها. 11 - توثيق ما يذكره الشارح من مفردات اللغة وغريب الحديث المعزوة عنده إلى أصحابها، ولما كان المؤلف - رحمه الله - يبهم كثيرًا من نقوله عن "التنقيح" للزركشي، و"التوضيح" لابن الملقن، فقد تم العزو إلى هذين الكتابين في غالب نقل المؤلف عنهما، ولو لم يصرح بالنقل عنهما. 12 - التعليق في مواطن عدة من الكتاب على المسائل التي يُنْتَقد فيها المؤلف، سواء منها ما تعلق بالجانب الحديثي، أو العقدي، ولم نكثر من هذه التعاليق، فالكتاب أصله "تعليقة"، فكيف به إذا جاءت إليه "تعاليق"؟!

13 - كتابة مقدمة للكتاب، مشتملة على ترجمة للمؤلف، ودراسة للكتاب. 14 - إثبات رسالة الإمام الدماميني المتعلقة بهذا الكتاب، وهي: "الفتح الرباني في الرد على التبياني"، وجُعلت في الفصل الثالث من هذه المقدمة. 15 - تذييل الكتاب بفهارس علمية متعددة، اشتملت على: 1 - فهرس الآيات القرآنية. 2 - فهرس الأحاديث النبوية الشريفة "المتن". 3 - فهرس الأحاديث النبوية الشريفة "الشرح". 4 - فهرس الآثار والأقوال. 5 - فهرس الأعلام. 6 - فهرس الأشعار والأرجاز. 7 - فهرس المباحث اللغوية. 8 - فهرس غريب اللغة والحديث. 9 - فهرس الأعلام والأماكن المضبوطة. 10 - فهرس الأسماء المبهمة. هذا، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليمًا كثيرًا. * * *

الفصل الثالث الفتح الرباني في الرد على التبياني

الفَصلُ الثَّالِثُ الفَتح الرّباني في الرَّدِّ عَلى التّبِيَاني تَأليفُ الإمام القاضي بَدر الدِّين الدّماميني أَبي عَبْدِ اللهِ محَّمدِ بْنِ أَبي بَكرِ بنِ عُمَرَ القُرشِيِّ المَخزُومِيِّ الإسكَندَرَاني المَالِكِيِّ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ثِقَتِي بِاللهِ يقول العبد الفقير إلى المولى الغَنِيّ، محمدُ بنُ أبي بكرٍ المخزوميُّ الدمامينيُّ، عامله الله بلطفه الخَفِيِّ، وبرِّه الحَفِيِّ: أمّا بعد: فهذه رسالة سميتها بـ: "الفتح الرباني في الرد على التبياني" حملني على كتابتها: أني لما وفدت (¬1) الوفادة الثانية في العشر الأول من المحرم سنة ثنتين وعشرين وثمانمائة على حضرة السلطان أبي الفتح أحمد شاه -أعز الله أنصاره-، وجدت هنالك شخصًا يُعرف بمنهاج التبياني -أسأل الله أن يبصِّره بمواقع رشده- اعترض على تعليقي على البخاري -المسمى بـ: "مصابيح الجامع"- أربعة عشر اعتراضًا، فكتبت هذه الرسالة للرد عليه، فأقول: * المكان الأول: قال شيخنا سراجُ الدين بنُ المُلَقِّن - رحمه الله - في ¬

_ (¬1) في الأصل: "وافدت"، والصواب ما أثبت.

شرحه للبخاري، -وهو مما رويته عنه- إيراده لحديث: "إنَّما الأعمالُ بالنيات" الذي ابتدأ به البخاري باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ما نصه: "سألني بعض الفضلاء عن السر في ابتداء البخاري بهذا الحديث مختصرًا، ولم يذكره مطولًا كما فعل في غيره من الأبواب". فأجبته في الحال: بأن عمر قاله على المنبر، وخطب به، فأراد التأسي به، لكن البخاري ذكره مطولًا في: ترك الحيل، وفيه: أنه خطب به أيضًا. إلى هذا كلامه. قلت: فقد طاح جواب الشيخ، وبالله التوفيق (¬1). قال مقلد خطباء الهند: جواب الشيخ غير طائح؛ فإن عمر رضي الله عنه لما ذكره على المنبر مرة مختصرًا، وطورًا مطولًا، ومقصوده: التبرك، والاقتداء بعمر، دون البيان المشبع؛ إذ الباب لم يترجم له، اختار التأسِّيَ بما هو أخصَرُ، وهذا لا غبارَ عليه. وأقول: هذا توجيه لفعل البخاري، لا تصحيح لجواب الشيخ، والكلام في الثاني، لا في الأول. وبيانه: أن السائل سأل عن العلة المقتضية لاختصاصه المختصرَ بالذكر في هذا المحل الخاص، وإرادة التأسي لا تصح بمجردها (¬2) جوابًا لذلك؛ إذ التأسي يحصل بكل من الطريقين، فلا بد من ذكر الراجح لاختصاص المختصَرِ بالذكر، والشيخ لم يتعرض لذلك في جوابه أصلًا، ونحن لا ننكر أن ثَمَّ مرجِّحًا في نفس الأمر لتخصيص المختصر بالذكر هنا، ¬

_ (¬1) انظر: "مصابيح الجامع" (1/ 19). (¬2) في الأصل: "مجردها"، والصواب ما أثبت.

لكن بإهماله في الجواب عن إبداء الباعث على التخصيص يصير الجواب طائحًا بلا شك. وقد ذكرت في تعليقي المشار إليه: أن المرجِّحَ هو كونُ التخفيف في الخطبة مطلوبًا، والبخاري لم يورده على أنه كما ترجم الباب له، وإنما أورده مورد الخطبة -على ما قاله ابن بطال-، فاقتضت المناسبة ذكره بالطريق التي وقع فيها مختصرًا، ومن هذا أخذ المعترض كلامه، وأورده، لكنه لا يصح اعتراضًا على ما قلناه، والله الموفق. * * * * المكان الثاني: قول عائشة - رضي الله عنها -: "ولقد رأيتُه ينزلُ عليه الوحيُ في اليوم الشديدِ البردِ، فيفصِمُ عنهُ وإنَّ جبينَه لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا". وقع في تعليقي: أن الواو حالية، والجملة المُنتَظِمة من هذا مع ما بعده حال، إمَّا من ضمير الرفع أو الجر في قولها: "فيفصم عنه" (¬1). قال مقلد خطباء الهند: هذا بعيد؛ إذ يصير المعنى على الأول: فيفصم الوحي حالَ كونِ جبينِ الوحيِ متفصِّدًا، وهو -كما يرى- قليلُ الجدوى. وأقول: ليس في جعل الحال من الضمير العائد إلى الوحي ما يقتضي أن يكون الضمير المضاف إليه الجبين عائدًا إلى الوحي حتى يعترض بهذا الكلام، وإنما يلزم ذلك أن لو كان كل جملة حالية لا بدَّ من اشتمالها على ضمير ذي الحال، وليس كذلك؛ بدليل الجملة المقترنة بالواو، اسمية كانت؛ نحو: جاء زيد والشمسُ طالعة، أو فعلية؛ نحو: خرج بكر وقد ركب الأمير، والحال هنا جملة اسمية مقرونة بالواو، فلا يحتاج أن يكون فيها ضمير ¬

_ (¬1) انظر: "مصابيح الجامع" (1/ 28).

يعود على صاحب الحال، فسقط هذا الاعتراض. ثم قال: ولو جعل الضمير للنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ أي: حالَ جبينِ النبيِّ متفصدًا، يَرِدُ ما يَرِدُ في الوجه الثاني. وأقول: سنتبين أن ما يرد في الوجه الثاني نلتزمه، فلا عبرة إذن لهذا الاعتراض. وقوله: وحال جبين النبي متفصدًا، كذا هو بخطه، وكأنه سقط منه لفظ: كون؛ أي: حالَ كونِ جبينِ النبي متفصدًا. ثم قال: وعلى الثاني: يكون التفصد قيدًا لـ "يفصم"؛ إذ الحال قيد العامل. وأقول: هذا مسَلَّم، ولا يضرنا -كما ستقف عليه-. ثم قال: وهو أبعد من معنى الحديث. وأقول: هذا ممنوع. ثم قال: إذ ليس مقصود الراوي الإخبار عن الفصم في هذه الحالة. وأقول: هذه دعوى لا دليل عليها، وما المانع من أن يكون مقصوده ذلك؟ وأي صادٍّ يصد عنه؟ والإخبار بوقوع الفصم مقيدًا (¬1) بهذه الحالة فيه إشارة إلى أن ما حدث من تفصُّد العرق مع شدَّة البرد عقيبَ نزول الوحي أمرٌ مخالف للعادة، وأن ذلك أثر ناشيء عن ثقل الوحي الطارئ، وهذا أمر صالح لأن يقصد في الإخبار عنه، فما الدليل على أن الراوي لم يقصده، مع صلاحية اللفظ به، بل ظهوره فيه؛ كما ستراه قريبًا؟ ¬

_ (¬1) في الأصل: "مقيد"، والصواب ما أثبت.

ثم قال: بل الإخبار عن حدوث هذه الحالة حين يوحَى إليه من ثقل؛ كما يومض إليه قوله تعالى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل: 5]. وأقول: لا يلزم ثقل الوحي حدوث هذه الحالة حين وروده على جهة التحتم، بل كما يجوز ذلك، يجوز أن تكون هذه الحالة عند انفصامه، فلم يتعين أن يكون ما قاله مقصود الراوي بالإخبار، بل هو أمر جائز، ويترجح ما قلناه بأنه أبعد بلفظ الراوي؛ وذلك لأنه لو كان مقصوده الأخبار عن حدوث تلك الحالة في حين نزول الوحي، لوقع قوله: "فيفصم عنه" غيرَ مفيدٍ كبيرَ فائدة؛ لأن الفصم حينئذ ليس مقيدًا بقيد، ووقوعه أمر قطعي؛ لأنه لا يخفى أن الوحي ليس بأمر دائم لا ينفصل، بل يكون في وقت دون وقت، فانفصاله بعد نزوله أمرٌ مقطوع به؛ فأي فائدة يُقَيَّد بها بعد ذلك في قول الراوي: "فيفصم عنه"؟ أما إذا قيد الفصم بهذه الحالة، فالفائدة في ذكره مقرونًا بها ظاهرة، مع ما في ذلك من الوفاء بالغرض من الإشارة إلى ثقل الوحي -كما قررناه-. ثم قال: والأوجَهُ: أنه حال عن الضمير المنصوب في "رأيته"؛ أي: رأيته ينزل عليه الوحي حالَ كونِه متفصِّدًا عرقًا. وأقول: يَرِد عليه: أن ذكر الفصم حينئذ يكون قليل الجدوى -كما قدمناه-، وكان الأليق بقوله: إن مقصود الراوي الإخبار عن حدوث هذه الحالة حين الوحي أن يجعل الجملة حالًا (¬1) من الوحي الذي هو فاعل "ينزل"، أما لفظًا؛ فلأنَّ الجملة الحالية أقربُ إليه من الضمير المنصوب، وأما معنى، فلأنه أقعدُ بغرضه؛ من حيث إنه يكون حينئذ نصًّا في تقيد نزول ¬

_ (¬1) في الأصل: "حال"، والصواب ما أثبت.

الوحي بهذه الحالة؛ بخلاف جعله حالًا من الضمير المنصوب في "رأيته"؛ إذ ليس فيه تنصيص على ذلك، ولكن على كل منهما يلزم عدم الاعتناء بذكر الفصم؛ لأنه حينئذٍ ليس مقيدًا بشيء، وذكره كذلك لا كبيرَ فائدةٍ فيه -كما مر-، فثبت أن الوجه جعله حالًا عن فاعل "يفصم"، أو عن ضمير "عنه" -على ما ذكرناه في التعليق-. * * * * المكان الثالث: قوله في بعض طرق حديث السبعة الذين يظلهم الله: "ورجلٌ تَصَدَّقَ بيمينه، أَخْفَى حتى لا تعلَمَ شِمالُه ما تُنفِقُ يَمينُهُ". قال الزركشي: "أخفى": أفعل تفضيل. قلت: أحسنُ منه أن يكون فعلًا ماضيًا وقع حالًا (¬1). قال مقلد خطباء الهند: جعلُه أفعلَ تفضيلٍ أولى لفظًا ومعنى، أما لفظًا، فلعدم توقف حاليته على إضمار "قد". وأقول: لا نسلِّم أن حاليته على تقدير كونه فعلًا ماضيًا متوقفة على ما ذكره من إضمار "قد". فإن قلت: حَسبُه التمسكُ في ذلك بالنقل؛ فقد صرح جماعة من الأئمة بأنه لا بد في الماضي المثبت من "قد" ظاهرة، أو مقدرة، وقد قدرتها أنت في الشرح. قلت: ليس هذا بمتفق عليه (¬2)، والخلاف في المسألة مأثور. ¬

_ (¬1) انظر: "مصابيح الجامع" (2/ 301). (¬2) في الأصل: "ثر متفق"، والصواب ما أثبت.

ولما ذكر الإمام جمال الدين بن مالك في "شرحه للتسهيل" قولَ من شرط تقدير "قد" في ذلك إن لم تكن ظاهرة، قال: هذه دعوى لا تقوم عليها حجة؛ لأن الأصل عدم التقدير، ولأن وجود الفعل مع "قد" المشار إليها لا يزيد معنى على ما يفهم منه إذا لم توجد، وحق المحذوف المقدر ثبوته أن يدل على معنى لا يفهم بدونه. فإن قيل: "قد" تدل على التقريب، قلنا: دلالتها على ذلك مستغنى عنها بدلالة سياق الكلام على الحالية. إلى هنا كلامه. قال الشيخ بدر الدين بن قاسم في "شرحه للتسهيل": وممن ذهب إلى اشتراط "قد" ظاهرةً أو مقدرةً: الفَرَّاء، وأبو علي، والمبرِّد، وجماعةٌ من المتأخرين؛ كالجَزُولي، وابن عُصفور، والأُبَّدي، والمختار: أنه لا يحتاج إلى تقدير؛ لكثرة ما ورد من ذلك. هذا نص كلامه. وإذا كان كذلك، فللباعث (¬1) أن يقول بهذا المذهب، ولا يتعين للخصم الترجيح من حيث اللفظ بما ذكره، وما قبله في الشرح في تقدير "قد" ليس على معنى الاختيار له والتزام صحته، وإنما هو مبني على رأي من ذهب إلى ذلك، فلا منافاة بين ما هنالك، وما هنا. ثم قال: وأما معنًى، فلإفادته المبالغة. وأقول: إنما يتم هذا أن لو كان الفعل المذكور غيرَ مقيد بما يفيد المبالغة في الإخفاء، والغرض خلافه؛ فإنه قد قيد بقوله: "حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه"، فالمبالغة في الإخفاء حاصلة بغير طريق التفضيل؛ ¬

_ (¬1) كذا في الأصل، ولعلها: "وللباحث".

فإذن لم يكن لجعل "أخفى" أفعلَ تفضيل مرجح معنوي من هذه الجهة يقتضي ترجيحَه على جعله فعلًا ماضيًا، بل نقول: ترجيحُ كونه ماضيًا على كونه اسمَ تفضيل ثابتٌ من جهة المعنى؛ إذ فرقٌ بين قولك: جاء زيد ضاحكًا، وقولك: جاء زيد وقد ضحك، أو: وهو ضاحك؛ من جهة أن الثاني مقيد لاستئناف إثبات الضحك، ولا كذلك الأول، فللجملة مزية على المفرد (¬1) من هذه الحيثيَّةِ، ذَكره الإمام عبد القادر، ونقله عنه مولانا سعد الدين التفتازاني في "حاشيته على الكشاف". ثم قال المقلد لخطباء الهند: ولا يقال بأنه لو جُعل أفعلَ تفضيل إنما جُعل من غير الثلاثي، وهو قليل، والحمل على القليل خلاف الأصل؛ لأنا نقول: لا تتوقف صحة الحالية على ذلك، بل يمكن أن يأخذه من غير الثلاثي على أنه حال من الفاعل؛ أي: حالَ كونِ (¬2) المتصدقِ مبالغًا في الإخفاء. وأقول: هذا لا يدفع السؤال بوجه؛ لأنه متى جعل حالًا من الفاعل، لزم أن يكون اسمُ التفضيل مبنيًّا من غير الثلاثي، والسائل قد صرح في سؤاله بأن ذلك قليل، وأن الحمل على القليل خلاف الأصل، فكيف يدفع هذا بمجرد قوله: إنه يمكن أن يؤخذ من غير الثلاثي على أنه حال من الفاعل؟! فانظر هذا الكلام ما أعجبه! ثم قال: وإن يأخذه من الثلاثي، ويجعله حالًا عن المفعول المحذوف؛ أي: تصدق بشيءٍ حال كونِ ذلك المنفَق أشدَّ خفاء. ¬

_ (¬1) جاء على هامش الأصل: "للجملة مزية على المفرد". (¬2) في الأصل: "كونه"، والصواب ما أثبت.

وأقول: هذا منتقَد من وجهين: الأول: أنه ليس الغرض الإخبار بوقوع التصدق من الفاعل باعتبار تعلقه بما يقع به، وإنما الغرض إثباته لفاعله مطلقًا، من غير اعتبار تعلقه بالمتصدَّق به، فينزل منزلة اللازم، ولا يقدر له مفعول أصلًا، والمعنى: ورجل يفعل التصدق؛ كما تقول: زيد يعطي؛ أي: يفعل الإعطاء، ولا تقدِّر له مفعولًا إذا كان الغرض منه بيانَ كونِ زيدٍ معطيًا؛ من غير نظر إلى ما يعطيه، كذلك هنا، على ما هو مقرر في علم المعاني. والثاني: أنه قدر الحال نكرة، وجعل الحال مؤخرة عنه، وهو ممتنع على ما عرف في علم النحو. فإن قلت: إنما قدر الحال مؤخرة؛ لأن صاحبها مجرور، والحال لا تتقدم عليه على الأصح. قلت: فيلزم أن يكون قولهم: يجب تقديم الحال على صاحبها المنكَّر، مقيدًا بما إذا لم يكن مجرورًا، وأن المجرور النكرة تقع حاله مؤخرة عنه، وهذا يحتاج إلى نقل خاص، ولم أقف عليه (¬1). والحاصل: أنه ثبت لنا عنهم نصان: أحدهما: أن ذا الحال إذا كان نكرة، وجب تقديم حاله عليه. ¬

_ (¬1) جاء على هامش الأصل: "قوله: يحتاج إلى نقل خاص، لا يخفى سقوطه، وإن التصحيح نقل خاص؛ لأن القاعدة: تقدم الحال على صاحبها النكرة، فلما صححوا عدم تقدمها على المجرور منه، فقد علم وتحقق تقيد القاعدة بغير المجرور، فلا معنى لطلب التنصيص عليه، إلا أن يكون المراد بلفظ التقييد، ولا طائل تحته إلا لتصحيح قوله: ولا يحضرني الآن فيه نقل، فينبغي أن يحرر".

والآخر: أن ذا الحال المجرور لا يتقدم عليه الحال في الأصح، ولا يمكن العمل بهما معًا إذا كان صاحب الحال نكرة مجرورًا؛ لإفضائه إلى وجوب تقديم الحال، ووجوب تأخيرها في الصورة المذكورة، وهو باطل، والتعارض يمكن دفعه بالتقييد، فهل يتقيد الأول، فيقال: إذا كان ذو الحال نكرة، تقدمت الحال، إلا أن يكون صاحبها مجرورًا، فلا يتقدم، أو يقيد الثاني، فيقال: لا تتقدم الحال على صاحبها المجرور إلا أن يكون نكرة، فتقدم؟ هذا محل نظر، ولا يحضرني الآن فيه نقل، فينبغي أن يحرر. ثم قال: فلا مرجح في اللفظ. وأقول: هذا ليس بصحيح، بل المرجِّحُ اللفظي ثابت، وذلك أن كونه فعلًا ماضيًا سالمٌ مما يلزم على كونه اسمَ تفضيل من ارتكاب المنهج القليل، وهو بناؤه من غير ثلاثي، وجعله مصوغًا من الثلاثي مبنيٌّ على كونه حالًا من المفعول المحذوف، وقد بينا أن لا مفعول محذوف أصلًا، فسقط ما قاله. ثم قال: وبقي الترجيح المعنوي. وأقول: قد سبق أن الترجيح من الوجه الذي ادعاه بحسب المعنى ساقط؛ لأن المبالغة مستفادة بتقدير كونه أفعلَ تفضيل، وبتقدير كونه فعلًا ماضيًا؛ لوقوعه مقيدًا بالغاية المفيدة للمبالغة في الإخفاء، فلا ترجيح من هذه الجهة، وقد أسلفنا كونه ماضيًا من جهة المعنى؛ بإفادته لاستئناف إثباته الإخفاء؛ بخلاف ما إذا جُعل اسمَ تفضيل، فثبت ترجيح كون "أخفى" فعلًا ماضيًا على كونه أفعلَ تفضيل من جهة اللفظ والمعنى جميعًا، وبالله التوفيق. * * *

* المكان الرابع: قيل لوهب: "أليس لا إله إلا الله: مفتاحَ الجنة؟ "، قال: بلى، ولكن ليس مفتاح إلا له أسنان؛ فإن جئت بمفتاح له أسنان، فتح لك، وإلا، لم يفتح لك. ووقع في تعليقي على هذا المحل: يحتمل أن يكون هذا من قبيل المشاكلة، وإطباق الجواب على السؤال؛ حيث عبر عن الأعمال المنجية بالأسنان؛ كما عبر عن كلمة التوحيد بالمفتاح (¬1). قال المقلد لخطباء الهند: هذا (¬2) صنعة المشاكلة بمراحل؛ فإن حَدَّها -وهو: ذكر الشيء بلفظ غيره؛ لوقوعه في صحبته تحقيقًا، أو تقديرًا- لا يصدق عليه. وأقول: الضمير في "صحبته" عائد إلى "غير" من قولهم: "بلفظ غيره"، فلا بد حينئذ من تحقق مصاحبة ذلك الشيء لغيره الذي عبر بلفظه عن ذلك الشيء، واعتبار ذلك يقتضي كون هذا الحد مدخولًا؛ فإن المشاكلة قد تكون تعبيرًا عن الشيء بلفظ غيره لا لوقوعه في صحبة ذلك الغير، بل في صحبة شيء آخر؛ كما يحكى أنه شهد رجل عند شريح، فقال: إنك لسبط (¬3) الشهادة، فقال الرجل: إنها لم تُجَعَّدْ عني، فقال شريح: لله بلادك! وقبل شهادته. فهذا؛ كما صرح العلامة جار الله في "الكشاف" بأنه من المشاكلة. قال مولانا سعد الدين التفتازاني في "حاشيته على الكشاف": وهذا ¬

_ (¬1) انظر: "مصابيح الجامع" (3/ 202). (¬2) جاء في الهامش: "لعل هنا سقط تقديره: بعيد عن". (¬3) في الأصل: "مسقط"، والصواب ما أثبت.

النوع من المشاكلة أبدع وأعجب؛ إذ ليس تعبيره (¬1) عن الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبة ذلك الغير، بل في صحبة ضده. إلى هذا كلامه. وفيه يقتضي أن الحد الذي ذكره صاحب "التلخيص" وغيره للمشاكلة، وهو معتمَد المعترِض، وعُدَّتُه التي (¬2) يعتضد بها، ليس بجامع؛ لخروج هذا النوع من المشاكلة عنه؛ ضرورة أن المعبر عنه بلفظ: "غيره": ما يقع في صحبة ذلك الغير، لا تحقيقًا، ولا تقديرًا. وقوله: لا يخفى على من له أدنى بصيره بعلم البلاغة: أن في حكاية شريح مصاحبة تقديرية، ليس بصحيح؛ فإن المصاحبة فيها تحقيقية، لا تقديرية، وذلك أنه شبه انقباض الشهادة عن الحفظ، وتأبيها على الذاكرة بتجعد الشعر، فعبر عن الشيء بلفظ غيره، أو المشاكلة فيه باعتبار وقوع التجعد في صحبة السبوط تحقيقًا، مع أن السبوطة ليست نفس التجعد، بل هي ضده؛ إذ المراد بها: استرسال الشعر، وعدم انقباضه، وهو ضد التجعد. وقول المعترض: "أن معنى سبوطة الشهادة، ومعنى قوله: إنها لم تجعَّد، غير واحد" أمر عجيب، وذلك أن هذا من قبيل المشاكلة كما سلَّمه هو، والمشاكلة لا بد فيها من تغاير معنى اللفظين المتصاحبين، وإلا، فلو اتفقا معنًى، لم يكن ثَمّ تعبير عن الشيء بلفظ غيره، والمشاكلة هنا إنما وقعت باعتبار تجعد الشهادة المصاحب لسبوطها، لا باعتبار عدم تجعد مع السبوطة، وقول الزمخشري: "ولولا سبوطة الشهادة، لامتنع تجعيدها" صريح في ذلك. ¬

_ (¬1) في الأصل: "تعبير"، والصواب ما أثبت. (¬2) في الأصل: "الذي"، والصواب ما أثبت.

وقد استبان لك من هذا كله أن ما بنى عليه المعترِض ردَّه من حدِّ المشاكلة الذي ساقه ساقط. إذا تقرر ذلك، فنقول: عبَّر وهب عما عدا كلمة الشهادة من الأعمال المنجية بالأسنان على جهة الاستعارة، كما عبّر السائل عن كلمة التوحيد بالمفتاح على جهة الاستعارة؛ طلبًا للمشاكلة والمناسبة، ولولا وجود التعبير بالمفتاح، لما كان لتعبير وهب بالأسنان موقع من المناسبة. كما أن شريحًا (¬1) لما عبر عن استرسال الشهادة بالسبوطة على طريق الاستعارة أيضًا، وما للمشاكلة (¬2)، وهذا ليس فيه إلا أنه غيرُ داخل تحت التعريف المذكور في "التلخيص" وبعض الكتب للمشاكلة، وذلك لا يقدح بعد ما أريناك من أن ثَمَّ من علماء البيان من أطلق المشاكلة على ما لا ينطبق عليه ذلك التعريف. لا يقال: ما ذكرته من أن هذا مشاكلة مخالفٌ لما ذكره صاحب "التلخيص" والزمخشري جميعًا من أن الأعمال المعبر عنها بلفظ غيرها، وهو الأسنان لم يقع في صحبة ذلك ... (¬3) كما يقول صاحب "التلخيص"، ولا في صحبة الضد كما يراه الزمخشري في مثال شريح؛ لأنا نقول: ليس بمخالف لرأي الزمخشري في التحقيق؛ لأن للوقوع في صحبة المناسب مسوِّغًا لها بطريق الأولى، ومسألتنا من هذا القبيل؛ لما كان المناسبة بين الأسنان والمفتاح. والوقوف عند خصوصية الضد لا يصدر من ذي ذوق سليم ولا نظن ¬

_ (¬1) في الأصل: "شريح"، والصواب ما أثبت. (¬2) كذا في الأصل. (¬3) كلمة غير واضحة في الأصل.

بالزمخشري أنه أراده، وبالله التوفيق. * * * * المكان الخامس: قال الزركشي: أراد بالأسنان: القواعد التي بني الإسلام عليها. ووقع في تعليقي: أن من جملة القواعد: كلمة الشهادة التي عبر عنها بالمفتاح، فكيف يجعل بعد ذلك من أسنان؟ (¬1) قال مقلد خطباء الهند: أراد بالقواعد: ما عدا كلمة الشهادة، فلا تناقض. وأقول: إذا أريد ذلك، فلا إشكال، لكن الأولى التصريح باستثناء ما يوهم طرحه وجود التناقض، والأمر في ذلك قريب. * * * * المكان السادس: قوله: "أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة؟ " جوزت فيه نصبَ المفتاح على أنه خبر "ليس"، ورفعَه على أنه اسمها (¬2). قال مقلد خطباء الهند: في مثل هذا المحل أيهما قدمت، فهو الاسم، فالوجهان لا يتأتيان. وأقول: ليس ذلك بصحيح؛ فقد تحرر في محله: أن الاسم والخبر لهما ثلاث حالات: إحداها: أن يكونا معرفتين. والثانية: أن يكونا نكرتين. ¬

_ (¬1) انظر: "مصابيح الجامع" (3/ 202). (¬2) انظر: "مصابيح الجامع" (3/ 201).

والثالثة: أن يكونا مختلفين. وهذان القسمان الأخيران لسنا بصددهما؛ فإن الاسم والخبر في مسألتنا معرفتان، وهي الحالة الأولى، والحكمُ فيها: أنه إن كان المخاطب يعلم أحدهما دون الآخر، فالمعلوم الاسم، والمجهول الخبر، فيقال: كان زيد أخا عمرو؛ لمن علم زيدًا، وجهل أخوَّته لعمرو، ويقال: كان أخو عمرو زيدًا؛ لمن يعلم أخا عمرو، ويجهل أن اسمه زيد، وإن كان يعلمهما، ويجهل انتساب أحدهما إلى الآخر، فإن كان أحدُهما أعرفَ، فالمختار جعلُه الاسم، فيقول: كان زيدٌ القائمَ؛ لمن كان سمع بزيد، وسمع برجل قائم، فعرف كلًّا منهما بقلبه، ولم يعلم أن أحدهما هو الآخر، ويجوز قليلًا: كان العالم زيدًا، وإن كان لم يكن أحدهما أعرفَ، فأنت مخيَّر؛ نحو: كان زيد أخا عمرو، وكان أخو عمرٍو زيدًا. إذا عرفت ذلك، فقد ظهر (¬1) لك تأتي الوجهين في قوله: "أليس لا إله إلا الله" علم لهذا اللفظ الخاص، و"مفتاح" مضاف إلى "الجنة"، وهي علم لدار النعيم السرمدي -جعلنا الله من أهلها بلا محنة-. والمضاف بحسب المضاف إليه، فلا يكون أحدهما أعرفَ من الآخر، فهو -ممّا أنت فيه- بالخيار، فلك أن تجعل المقدَّمَ الاسمَ، والمؤخَّرَ الخبرَ، ولك أن تعكس، وتجعل المؤخرَ الاسمَ، والمقدَّمَ الخبرَ، فالوجهان متأتيان بلا إشكال. وكأن المعترِض نظر إلى قول من قال في باب: المبتدأ والخبر: "إذا كانا معرفتين، وجب الحكم بابتدائية المقدم، وتجعل أن الحكم كذلك مع ¬

_ (¬1) في الأصل: "ظهرت"، والصواب ما أثبت.

وجود الناسخ"، فقال ما قال، وهو وهم؛ فإن الحكم بابتدائية المقدم في باب المبتدأ إنما كان لدفع الإلباس، وهو منتفٍ مع وجود الناسخ، وظهور الإعراب فيهما، أو في أحدهما. على أن الزجاجي جعل الحكم كذلك مع خفاء الإعراب، فيجوز في قوله تعالى: {فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ} [الأنبياء: 15] أن يكون "تلك" الاسم، و"دعواهم" الخبر، والعكس، وصرح بأن النحويين يجيزون ذلك، وممن (¬1) ذكر الجواز فيهما: الزمخشري، والتوفيق بيد الله. ثم مما لا أقضي فيه العجب: أن هذه المسألة مصرَّح بها في المختصر المعروف بـ "الوافي"، قال فيه في: خبر كان وأخواتها: وهو كخبر المبتدأ، لكنه يتقدم في المتساويين في الأمن. هذا نصه، وأمن الإلباس موجود في المسألتين؛ لظهور الإعراب كما عرفت، وهذا المختصر يتداوله طلبة الهند كثيرًا، ويشتغلون به، ولهذا المعترِض به خصوصية؛ فإن والده كتب عليه شرحًا فيما بلغني، فكيف غاب عنه مثلُ هذا، وهو نصب عينيه؟! ولكن زينت له نفسه الاعتراض حبًّا في الظهور، فمال مع الغرض، وحبك الشيء يعمي ويصم. * * * * المكان السابع: قول بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أينا أسرع بك لحوقًا؟ "، قال: "أطولكن يدًا"، فاختاروا قبضة يذرعونها، فكانت سَوْدَةُ أطولَهن يدًا، فعلمنا -بعدُ- أنما كانت طول يدها الصدقة، وكانت أسرعنا ¬

_ (¬1) في الأصل: "ومما".

لحوقًا به - صلى الله عليه وسلم -، فعلمنا أن طول يدها الصدقة. في تعليقي على هذا المحل: أن المراد باليد: النعمة، وأن بعضهم جوز أن يكون طول اليد كناية. وحكيت عن بعضهم: أنه استشكل ذلك بأن طول اليد -التي هي الجارحة- لا مناسبة فيه لكثرة الصدقة كالمناسبة في طول النِّجاد لطول القامة (¬1). قال مقلد خطباء الهند: جعلُه مجازًا مرسلًا لا يطابق لفظ البخاري: إنما كان طول يدها الصدقة. وأقول: ليس في عدم مطابقته له ما يقتضي بطلان كونه مجازًا مرسلًا، وغايته: أن الراوي حمل اليد على الجارحة، وجعل طولها كناية عن الصدقة، ولا يتحتم، بل يجوز أن يكون المراد باليد من قوله: "أطولكن يدًا": النعمة، فيكون مجازًا مرسلًا. والمراد بطول النعمة: كثرتها، وامتدادها؛ كما يقال: فلان طويل الإحسان، وقد جوزت في التعليق أن يكون المراد باليد: الجارحة، وأن "أطولكن يدًا" من الطَّول -بفتح الطاء-، لا من الطُّول -بضمها-؛ أي: أجودكنَّ يدًا، ونسب الجود إلى اليد؛ لأن الإعطاء كثيرًا ما يقع بها. والحاصل: أن اللفظ يحتمل الأمور الثلاثة، والراوي حمله على واحدٍ منها، وهو كون اليد كناية عن الصدقة، ولا يقدح حمله على ذلك في تجويز الوجهين الأخيرين، وهذا ظاهر، فسقط الاعتراض بأن جعله مجازًا ¬

_ (¬1) انظر: "مصابيح الجامع" (3/ 364).

مرسلًا لا يناسب قول الراوي. ثم قال المعترض: والأظهر: أن طول اليد كناية عن الجُود؛ لأن من تصدق، أطال يده، ومدها للإعطاء. وظن (¬1) الشيخ: أن المراد: طولُ اليد من حيث المسافة، لا من حيث المد، هذا هو مدار الغلط، وهذا كما يقال: فلان قصير اليد، ويراد: أنه بخيل؛ على طريق الكناية. وأقول: هذا كلام لا بأس به، غير أن استشكال كونِ اللفظ المذكور كنايةً من حيث إن طول اليد التي هي الجارحة غير مناسب لكثرة الصدقة ليس مقولًا لي، وإنما حكيته في الشرح عن غيري، فقلت: قال بعضهم: وفيه نظر، وهذا من مقولات الشيخ بهاء الدين السبكي، ذكره في "شرحه لتلخيص المفتاح"، فإن كان هذا الكلام وقع في النسخة التي وقف عليها المعترض من تعليقي على البخاري غيرَ معزوٍّ إلى أحد، فهو من غلط الناسخ، وإلا، فالذي في مسوَّدتي (¬2): هكذا قال بعضهم، وفيه نظر. فليصلحه إن لم يكن كذلك في النسخة التي وقف عليها. * * * * المكان الثامن: قوله - صلى الله عليه وسلم - في قضية الصائم في السفر الذي ظُلِّل عليه لمشقة الحَرِّ: "ليس من البر الصيامُ في السفر". قال الزركشي: "من" زائدة لتأكيد النفي، وقيل: للتبعيض، وليس بشيء. ¬

_ (¬1) في الأصل: "وظن أن"، والصواب ما أثبت. (¬2) في الأصل: "مستودتي"، والصواب المثبت.

قلت: هذا عجيب منه؛ أجازَ ما المانعُ منه قائمٌ، ومنعَ ما لا مانعَ منه! وذلك أن من شروط زيادة "من" أن يكون مجرورها نكرة، وهو في الحديث معرفة، هذا المذهب هو المعول عليه، وهو مذهب البصريين؛ خلافًا للأخفش والكوفيين، وأما كونها للتبعيض، فلا يظهر لمنعه وجه؛ إذ المعنى: أن الصوم في السفر ليس معدودًا من أنواع البر (¬1). قال مقلد خطباء الهند. تقدير "معدودًا" ليس فيه توجيهُ كونها للتبعيض، ولا يتعلق به غرض، فلو قلت: أخذت من المال، قدَّرت: أخذت بعضَ المال، وما احتجت إلى تقدير شيء. وأقول: وقع في "شرح الحاجبية" لنجم الأئمة الرضي الإستراباذي ما نصه: ومثال التبعيض: أخذت من الدراهم، والمفعول الصريح محذوف؛ أي: أخذت من الدراهم شيئًا. انتهى. وهذا منافٍ لقول المعترض: "وما احتجت إلى تقدير شيء"، وكيف لا يحتاج، والفعل المذكور متعدٍّ بنفسه إلى مفعول، فحيث لا يذكر ذلك المفعول، يقدر؛ وفاءً لحق التعدية. نعم، إن ترك ذلك المتعدي منزلة اللازم كما في: يدٍ تعطي، لم يقدر له مفعول؛ إذ المقدر كالمذكور، فتقديره ينافي الغرض، وقولك: "من الدراهم" حينئذٍ متعلق بأخذت، فلذلك يستغنى به، ولا يقدَّر شيء. وأما في: "ليس من البِرِّ الصومُ في السَّفَر"، فلا بد أن يكون "من البر" متعلقًا بشيءٍ محذوفٍ؛ ضرورةَ أن الكلام لا يستقل بدون تقديره؛ على ما عُرف في شأن الظرف المستقر، فذكر المتعلق، وهو قولنا: ¬

_ (¬1) انظر: "مصابيح الجامع" (4/ 368).

معدودًا؛ لغرض الإبانة عما يتعلق به الجار والمجرور، فقوله: "ولا يتعلق به غرض" ليس بصحيح، ولم يقدر "معدودًا" على أنه متعين للتقدير، بل لأنه مما يجوز أن يقدر، ولك أن تقدر: كائنًا، وحاصلًا، وثابتًا، ونحو ذلك، على أن ما ذكرناه مسوق لبيان المعنى، لا لتفسير الإعراب، فالمنازعة مع ذلك في ذكر "معدودًا"، أو غيره من أيِّ متعلقات الجار والمجرور مما لا طائل تحته (¬1). ثم قال المعترض: هذا، والظاهر أن المقام ينافي التبعيض؛ إذ معنى الحديث: أن الصوم في السفر -ممن هو في معنى المظلَّل عليه ممن يشقُّ عليه الصوم، ويفضي إلى ترك ما فوقها من القربات-، لا يعدّ بِرًّا أصلًا، لا أن فيه بعضَ البر. وأقول: ليس في قولنا: ليس في السفر، معدودًا من أنواع البر ما يقتضي أن يكون فيه بعض البر، وكيف والبعضية منفية، وإذا انتفى كونه بعض أنواع البر، لزم أن لا تقدير أصلًا، فما هذا الاعتراض البارد؟! قال المعترض: ثم الحمل على زيادتها ممكن، أما على رأي الكوفيين، فظاهر. وأقول: ليس التفريع على هذا المذهب؛ لأنه غير المذهب المنصوص، وقد ذكرنا في صدر المناقشة مع الزركشي: أن الزيادة متأتية على مذهب الكوفيين، والأخفش، فهذا الكلام الذي ذكره لا يحسن وقعه بعد ذلك. ثم قال: وأما رأي البصرية، فيجعل الاسم مثله في: ولقد أَمُرُّ على اللئيم ... .................... ¬

_ (¬1) في الأصل: "من طائل محبة"، والصواب ما أثبت.

وأقول: لا يلزم من تجويزهم وصفَ ذي اللام الجنسية بالجملة جواز إدخال "من" الزائدة عليه؛ إذ المانع قائم، وهو: فقدُ شرطِ الزيادة، وذلك أنهم صرحوا بأنه يشترط كون مدخولها نكرة، والمحلى باللام المذكورة معرفة قريبة من النكرة، لا نكرة، وأما الجملة، فصرحوا بأنها يوصف بها النكرة، وهو قريب منها؛ بخلاف مجرور "من" الزائدة؛ فإنهم شرطوا كونه نكرة، ولم يتعرضوا إلى أن ما هو قريب من النكرة بمثابتها في ذلك، فعملنا بالنص في الموضعين، ولو عمل بما تخيله هذا المعترض، لم يصح وقوع ما دخلت عليه هذه اللام مبتدأ، ولا ذا حال، ولا موصوفًا بالمعرفة، واللازم باطل إجماعًا. * * * * المكان التاسع: قوله - عليه السلام -: "وأحيانًا يتمثل لي المَلَكُ رجلًا"، قال جماعة من الشارحين: "رجلًا" تمييز. قلت: والظاهر أنهم أرادوا: تمييز النسبة، لا تمييز المفرد؛ إذ المَلَك لا إبهام فيه، ثم أوردت سؤالًا، وهو: أن تمييز النسبة لا بد أن يكون محوَّلًا عن الفاعل؛ كتصبَّبَ زيدٌ عرقًا؛ أي: عَرَقُ زيد، والمفعول؛ نحو: {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا} [القمر: 12]؛ أي: عيونَ الأرض، وذلك غير متأتٍّ هنا. وأجبت: بأن هذا أمر غالب لا دائم؛ بدليل: امتلأ الإناءُ ماءً (¬1). قال مقلد خطباء الهند: ذلك عند شرذمة قليلين، فأما عند الحذاق، فلا. ¬

_ (¬1) انظر: "مصابيح الجامع" (1/ 23).

قال جار الله العلامة في "المفصل": وباب التمييز إلى آخره من أل؛ أي: من أوله إلى آخره. وأقول: هذا -فيما يظهر- عجزٌ عن إبداءٍ لوجه في كون التمييز المذكور محوَّلًا، وتسلق على الاعتراض بالتشدق، وإخلاد إلى قعقعة لا طائل (¬1) تحتها، هَبْكَ أن التحويل عند الحذاق لازم في باب التمييز في أوله إلى آخره كما زعمت، والسائل ادعى أن ذلك غير متأتٍّ في هذا المحل، وهو ظاهر فيما يلوح للناظر، فجوابه إنما هو بإبداء وجه الثاني، لا بأن الحذاق ذكروا أنه متأتٍّ. وذكر الإمام عبد القاهر المسألة، فقال: هو أكثر، كذلك قال. وأما قولهم: امتلأ الإناءُ ماء، فليس من جملة إخوانه؛ إذ الماءُ لا يمتلئ؛ كما أن العرق يتصبب، نقله عنه الفخر الإسفندري في "شرح المفصل"، فهذا الإمام عبد القادر الجرجاني من أكبر المحققين، وعظماء الحذاق غير مدافع يصرِّحُ بأن التحويل في هذا النوع أكثريٌّ، لا كليٌّ، وحسبك به، ولعل المعترض لا يراه من الحذاق! وهذا الإمام جمال الدين بن مالك ينادي بذلك في "متن التسهيل"، وفي "شرحه"، ولعله أيضًا ليس من الحذاق عند هذا الفاضل! وكأنه ظفر بهذا الكلام في "المفصل"، فاغتنم به الفرصة في الاعتراض؛ ظَنًّا منه أن الحذاق كلها يخفى [عليها] ذلك، وهذا ليس من الإنصاف في شيء. * * * ¬

_ (¬1) في الأصل: "إلا طائل" والصواب ما أثبت.

* المكان العاشر: حكى (¬1) الزركشي عن ابن السِّيد: أنه قال في "رجلًا" الواقع في الحديث المتقدم: إنه حال موطئة؛ على تأويل الجامد بمشتق؛ أي: مرئيًّا محسوسًا. قلت: آخر الكلام يدفع أوله (¬2). قال مقلد خطباء الهند: لا يدفع؛ إذ بعد التأويل صار تقدير الكلام: جسمًا مرئيًّا محسوسًا. وأقول: هذا كلام [من] لم يفهم وجه الدفع، وأنا أبينه، فأقول: الحال الموطئة هي الجامد الموصوفة، تقول: جاءني زيد رجلًا، حال موطئة أن يكون جمود الرجل سابقًا، فمقتضى قول ابن السِّيْد: أن رجلًا حال موطئة: أن يكون جمود الرجل باقيًا على حاله، غير مقصود بالتأويل. وقوله: على تأويله بمشتق، لا يكون حالًا موطئة، فآلَ الكلامُ إلى أن "رجلًا" حال موطئة على أن يكون حالًا موطئة، والتدافع فيه ظاهر مكشوف {لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 37]. وأقول: هذا ضِيقُ عَطَنٍ، أيُّ حاجةٍ به إلى ذلك المثال من ديباجة "الكشاف"، والله تعالى يقول: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2]، ويقول: {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} [مريم: 17]، ومثله في كلام العرب كثير، لكنه لا يفيد المعترض شيئًا فيما هو بصدده من رفع التدافع الواقع في كلام ابن السِّيد، وبالله التوفيق. * * * ¬

_ (¬1) في الأصل: "حكي أن"، والصواب ما أثبت. (¬2) انظر: "مصابيح الجامع" (1/ 23).

* المكان الحادي عشر: وقع في تعليقي المشار إليه ما نصه: ولو قيل بأن "يتمثل" هنا أُجري مجرى يصير لدلالته، فيكون "رجلًا" خبرَه؛ كما ذهب إليه ابن مالك، تحوّل، وأخواته، لكان وجهًا، لكن قد يقال: معنى يتمثل: يصير مثالًا، ومع التصريح بذلك يمتنع أن يكون "رجلًا" خبرًا له (¬1). قال مقلد خطباء الهند: يصح المعنى بحذف المضاف، فمعنى "يتمثل الملَك رجلًا": يصير الملَك مثال رجل، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه. وأقول: ليس معنى "يتمثل الملك"، حتى إذا جعلنا "رجلًا" خبر "يصير" على حذف المضاف مثالَ رجل، صح التركيب، وإنما معناه: يصير الملَك مثالًا، فلا يصح مع التصريح بهذا أن تجعل "رجلًا" خبرًا بطريق الأصالة، لا على حذف المضاف، ولا بدونه؛ لأن "مثالًا" هو خبر "يصير". نعم، يمكن أن يدلَّا على حذف المضاف، وبدونه، فالكلام في جعله خبرًا؛ بحيث يكون نصبُه بالأصالة، لا بالتبعية، والله ولي التوفيق. * * * * المكان الثاني عشر: ذكر السهيلي أن وجوه الوحي سبعة، وعدَّدها. قال ابن المُنَيِّر - رحمه الله -: وزدنا عليه - بفضل الله - ثلاثة أوجه، ثالثها: نزول جبريل في صورة رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثرُ السفر، ولا يعرفه من الصحابة أحد، وهذه صورة ¬

_ (¬1) انظر: "مصابيح الجامع" (1/ 23).

دحية، لا دحية؛ [لأن دحية] (¬1) كان معروفًا، واستشكلتُه أنا بأن ظاهر القصة التي ذكر فيها مجيء جبريل - عليه السلام - على تلك الصورة يقتضي أنه لم يبلِّغ وحيًا عن الله إلى رسوله في هذه المرة، وإنما جاء سائلًا (¬2) له عن شرائع الإسلام؛ ليعلم الناس دينهم، فكيف يعد هذا من وجوه الوحي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام؟! (¬3). قال مقلد خطباء الهند: ما ذكره الشيخ ابن المنيِّر صواب؛ فإن تصديق جبريل إياه - عليه الصلاة والسلام - بقوله: "صدقت"، الظاهر: أنه بأمر، وإلا، كان يعلم الشريعة من عند نفسه، {وَمَا نَتَنَزَّلُ إلا بِأَمْرِ رَبِّكَ} [مريم: 64]، و {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: 50] مما يقوي ما ذكره. وأقول: لا يلزم من كون جبريل - عليه السلام - فعل بأمر الله ما فعله من تنزله على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وسؤاله عن شرائع (¬4) الإسلام، وتصديقه إياه في جوابه، وتعليم الناس دينهم؛ أن يكون ذلك وحيًا بلَّغه جبريل عن الله إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[لأنه] لم يعرف أن السائل جبريل - عليه السلام - إلا في آخر الأمر، وقد جاء مبينًا في الدارقطني في آخر الحديث المذكور: "هذا جبريلُ قد أتاكم يعلِّمُكُم دينَكم، فخُذوا منه، فوالذي نفسي بيدِه! ما شُبِّهَ عَلَيَّ منذُ أتاني قبلَ مَرَّتي هذه، وما عرفْتُهُ حتى ولَّى" (¬5)، انتهى. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين زيادة يقتضيها النص. (¬2) في الأصل: "سائل"، والصواب ما أثبت. (¬3) انظر: "مصابيح الجامع" (1/ 26). (¬4) في الأصل: "الشرائع"، والصواب ما أثبت. (¬5) رواه الدارقطني (2/ 282) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

فهذا مما يدل قطعًا على أنه لم يوح (¬1) إليه في ذلك المجلس شيئًا، إذ لو أوحى إليه، لم يجز أن يشتبه عليه، ولوجب أن يعرفه يقينًا، فسقط هذا الاعتراض، وأنا كنت أولى بالذب عن ابن المنيِّر من هذا الذي ذبَّ عنه؛ لأن المشار إليه هو جدُّ جدي من قبل الأم، [فأنا] من ذريته، ولكن الحق أَحَقُّ أن يُتبع، ولا بأس بالإلمام بطرف من ترجمته على طريق الاختصار. فأقول: هو قاضي قضاة الإسكندرية، وخطيبها، الإمام العلامة ناصر الدين أحمد بن محمد الجذامي الجروي المالكي، الشهير بابن المنيِّر -بتشديد الياء وكسرها-، أحد تلامذة ابن الحاجب، بل أعظمهم مقدارًا، وأرفعهم رتبة، له اليد الطولى في التفسير، وأصول الفقه، وعظيم اللسان، إمام في فقه مذهب الإمام مالك، إلى غير ذلك، ومن تصانيفه: "البحر الكبير" في بحث التفسير فيما يزيد على عشرين مجلدًا ضخمة، وله "الانتصاف من الكشاف"، وهو أول من صنف على "الكشاف" فيما أعلمه، وتبعه الطيبي، وغيره، وكثيرًا (¬2) ما يعلقون عنه في حواشيهم، وشرحَ "البرهان" في أصول الفقه لإمام الحرمين شرحًا لا نظير له، وكتب تصانيف جمَّة يطول ذكرها. كنت جالسًا يومًا عند شيخنا علامةِ عصره، وفريدِ زمانه، شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني (¬3) الإمام المشهور - رحمه الله -، فسألني عن كيفية انتسابي إلى القاضي ناصر الدين بن المنير - رحمه الله -، ¬

_ (¬1) في الأصل: "يوحي"، والصواب ما أثبت. (¬2) في الأصل: "وكثير"، والصواب ما أثبت. (¬3) في الأصل: "البلبقيني"، والصواب ما أثبت.

فذكرت ذلك له، فقال لي: هو إمام لم تخرج الإسكندرية مثله، [تو] في سنة ثلاث (¬1) وثمانين وستمائة، وتوفي شيخنا سراج الدين البلقيني بالقاهرة في يوم الجمعة عاشر ذي القعدة الحرام سنة خمس وثمان مئة، ودفن من الغد بمدرسته التي أنشأها بالقاهرة في الخان المعروفة بخان بهاء الدين، رحم الله الجميع، وأسكنهم في بحبوحة الجنة بمنه وكرمه، آمين. * * * * المكان الثالث عشر: قول أبي هريرة رضي الله عنه: "ما من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثرُ حديثًا مني، إلا مما كان من عبد الله بن عمرو". وقع في تعليقي على هذا الموضع ما نصه: في إعرابه إشكال، وذلك [لأنَّ] "ما" عبارة عن المستثنى، وسواء جعلتها موصولة، أو موصوفة، لا يتأتى؛ إذ يصير المعنى: إلا الحديث الذي كان من ابن عمرو، إلا حديثًا كان منه؛ فإنه أكثر حديثًا مني، ولا يتصور إلا بتكلف (¬2). قال مقلد خطباء الهند: قول الشارح: "فإنه أكثر حديثًا" متصور من غير تكلف؛ إذ المعنى: فإن حديثه أكثر حديثًا مني، ومجاز عقلي، نسب الأكثر رواية إلى ضمير الحديث. ثم أخذ يتشدق بإيراد ما هو مقرر في مختصرات هذا الفن من الكلام على الإسناد العقلي تصحيحًا وإبطالًا مما ليس داعي إلى ذكره. ¬

_ (¬1) في الأصل: "ثلاثة"، والصواب ما أثبت. (¬2) انظر: "مصابيح الجامع" (1/ 248).

وأقول: هذا مبني على فهمه أن قولي: "ولا يتصور إلا بتكلف" راجعٌ إلى قوله: "فإنه أكثر حديثًا مني"، وليس كذلك، وإنما هو راجع إلى قولنا: "إذًا يصير المعنى: إلا الحديث الذي كان من ابن عمرو، إلا حديثًا كان منه"؛ فإن القصد: جعل الاستثناء متصلًا، وهو لا يتصور بحسب الظاهر إذا لم يتقدم ما يستثنى منه إلا أحد، وهو لا يَصدُق على الحديث، فلا يصح استثناؤه منه، وجعلُه منقطعًا يوقع في خلاف المقصود. نعم، يمكن أن يكون تقدير الكلام المذكور: ما من حديث أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث أكثر حديثًا من حديثي، إلا الحديث الذي كان من [ابن] عمر [و]، أو: إلا حديث كان من ابن عمر [و]، فعلى هذا يتصور أن يكون الاستثناء متصلًا. وفيه حذف مضافات من ثلاثة أمكنة: أحدها: قوله: "ما من أصحاب النبي". والثاني: قوله: "أحد". والثالث: قوله: "مني". وفيه مع حذف هذه الأشياء الثلاثة: الخروج عن الحقيقة في إسناد أكثرية الحديث إلى الحديث، وهذا -وإن كان جائزًا على جهة المجاز-، لكن في ارتكاب هذه الأمور الأربعة بأسرها في تركيب واحد تكلف لا يخفى إلا على من تكلف الخروج عن سَنَنِ الإنصاف. وها هنا بينة، وهو أن الحافظ صلاح الدين العلائي - رحمه الله - حكى

في كتابه المسمى بـ "كشف النقاب": أن أبا هريرة رضي الله عنه روي له خمسة آلاف حديث وثلاث مئة حديث، وأربعة وسبعون حديثًا، واتفق الشيخان منها على ثلاثمئة وخمسة وعشرين، وانفرد البخاري بثلاثة وتسعين، وانفرد مسلم بمئة وتسعة وثمانين. وابن عمرو - رضي الله عنهما - روي له سبعمائة حديث، اتفق الشيخان منها (¬1) على سبعة عشر حديثًا، وانفرد البخاري بثلاثة منها، وتفرد مسلم بعشرين. وهذا مناف في الظاهر لقول أبي هريرة رضي الله عنه: "إلا ما كان من ابن عمر [و] "، ففيه إشكال، وقد يجاب عنه، فتأمل. ووقع في خط هذا المعترض مكانه: ابن عمر -بغير واوٍ- اقتضى ذلك: أنه فهم أنه عبد الله بن عمر بن الخطاب، فأخطأ، وإنما هو عبد الله بن عمرو بن العاص. * * * * المكان الرابع عشر: قوله: "قد علمنا إن كنت لموقنًا". قال الزركشي: وحكى السفاقسي فتح "إن" على جعلها مصدرية؛ أي: علمنا كونَك موقنًا، ورده بدخول اللام. قلت: إنما تكون اللام مانعة إذا جُعلت لام الابتداء على رأي سيبويه ومن تابعه، وأما على رأي الفارسي، وابن جني، وجماعة: أنها لام غير لازم الابتداء إذا اجتُلبت للفرق، فيُسَوِّغ الفتح حينئذ، لوجود المقتضي، ¬

_ (¬1) في الأصل: "منهما"، والصواب ما أثبت.

وانتفاء المانع (¬1). قال مقلد خطباء الهند: انتفاء المانع ممنوع؛ فإن المصدرية لا تجامع العلم؛ لكونها للرجاء والطمع الدالَّين على ما بعدهما غير معلوم التحقق، وكون العلم دالًّا على ما بعده معلوم التحقق، ولعل ما ذكر الشارح حكاية اللام مع غير العلم. وأقول: يا عجبًا لمن تسمو نفسه إلى أن يُعَدَّ من فضلاء الهند المتصدين (¬2) للمناقشة والمناظرة كيف يصدر منه هذا الكلام، خيل به وهمه الفاسد: أن "أن" لا تكون مصدرية في موطن من المواطن التي تقع فيها بعد العلم، فقال ما قال، فماذا تريد تصنع في قوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} [المزمل: 20]، أتراه يقول: "أن" فيه ليست مصدرية؟ وحقيقة الأمر: أن [أن] (¬3) قد تكون ثنائية الوضع، فَتَرِدُ تارة اسمًا، وهي ضمير المتكلم في قول بعضهم: أَنْ فعلتُ -بإسكان النون-، وتَرِد تارة حرفًا، وهذا أكثر فيه، على أوجه: منها: أن تكون ناصبة للمضارع، وهذه مصدرية، ولا تقع بعد فعل العلم، وإنما تقع في الابتداء؛ نحو: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184]، أو بعد فعل دال على معنى غير اليقين؛ نحو: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي} [الشعراء: 82]. وقد تكون "أن" ثلاثية الوضع في الأصل، ولكنها خففت، فصارت ¬

_ (¬1) انظر: "مصابيح الجامع" (1/ 218). (¬2) في الأصل: "المتصديين"، والصواب ما أثبت. (¬3) زيادة يقتضيها السياق.

كالثنائية الوضع لفظًا، وهي مصدرية أيضًا، وهذه تقع بعد فعل اليقين، أو ما نزل منزلته؛ نحو: {أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا} [طه: 89]، و {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ} [المزمل: 20]، {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ} [المائدة: 71] فيمن رفع. والواقع في قوله: "قد علمنا أن كنت لمؤمنًا" على مَنْ فتح همزة "أن" من هذا القبيل، ولا إشكال ألبتة. ولما تكلم ابن هشام في "مغني اللبيب" على الخلاف في اللام الفارقة بدليل "أن" النافية، والمخففة من الثقيلة، هل هي لام الابتداء؛ كما يقول أبو علي، وأبو الفتح، وجماعة؟ قال: وزعم الكوفيون أن اللام المذكورة بمعنى إِلَّا (¬1)، وأن "إن" قبلها نافية، واستدلوا على مجيء اللام للاستثناء بقوله: أَمْسَى أَبانُ ذَلِيلًا بَعْدَ عِزَّتهِ ... وَمَا أبَانُ لَمِنْ أَعْلاجِ سُودَانِ وعلى قولهم: "قد علمنا إن كنتَ لموقنًا" -بكسر الهمزة-؛ لأن النافية مكسورة دائمًا، وكذا على قول سيبويه؛ لأن لام الابتداء تعلق العامل عن العمل، وأما على قول أبي الفتح، فتفتح. هذا كلامه بحروفه. وإنما أتي (¬2) هذا المعترض من قبيل تخيله أن المخففة عن الثقيلة ليست مصدرية. وإِنَّ لِسَانَ المَرْءِ مَا لَمْ تَكُنْ لَهُ ... حَصَاةٌ عَلَى عَوْرَاتِهِ لَدَلِيلُ ثم غرب من قوله ولعل ما ذكره الشارح حكاية اللام مع غير المقام. ¬

_ (¬1) في الأصل: "اللام"، والصواب ما أثبت. (¬2) في الأصل: "أوتي على"، والصواب ما أثبت.

وكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلًا صَحِيحًا ... وآفَتُهُ مِنَ الفَهْمِ السَّقِيمِ وهذا آخر اعتراضاته على تعليقي [على] البخاري، وهو كما رأيت، والله الموفق، لا رب غيره. * * * ¬

_ (*) جاء في آخر الرسالة: "تَمَّ ذلك، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على من لا نبيَّ بعده. وكان الفراغ من هذه الرسالة يوم الجمعة خامس عشر من ذي القعدة على يد الحقير الفقير إلى ربه الغني مبارك تابع المرحوم الشيخ إبراهيم أبي سلمة سنة (1180) مئة وثمانين وألف. اللَّهمَّ انفع بها مالكيها ومطالعيها، آمين".

صورة لوحة الغلاف من المجلد الأول -وفيه الجزء الأول والثاني- من النسخة الخطية للمكتبة الأحمدية بحلب، المرموز لها بـ (م)

صورة اللوحة الأولى من المجلد الأول من النسخة الخطية للمكتبة الأحمدية بحلب، المرموز لها بـ "م"

صورة اللوحة الأخيرة من المجلد الأول -وفيه الجزء الأول والثاني- من النسخة الخطية للمكتبة الأحمدية بحلب، المرموز لها بـ "م"

صورة لوحة الغلاف من المجلد الثاني -وفيه الجزء الثالث- من النسخة الخطية للمكتبة الأحمدية بحلب، المرموز لها بـ "م"

صورة اللوحة الأولى من المجلد الثاني من النسخة الخطية للمكتبة الأحمدية بحلب، المرموز لها بـ "م"

صورة اللوحة الأخيرة من المجلد الثاني من النسخة الخطية للمكتبة الأحمدية بحلب، المرموز لها بـ "م"

صورة لوحة الغلاف من النسخة الخطية لمكتبة نور عثمانية، المرموز لها بـ "ج"

صورة اللوحة الأولى من النسخة الخطية لمكتبة نور عثمانية، المرموز لها بـ "ج"

صورة اللوحة الأخيرة من النسخة الخطية، لمكتبة نور عثمانية، المرموز لها بـ "ج"

صورة لوحة الغلاف من المجلد الأول من النسخة الخطية لمكتبة فاتح باشا، المرموز لها بـ "ع"

صورة اللوحة الأولى من المجلد الأول من النسخة الخطية لمكتبة فاتح باشا، المرموز لها بـ "ع"

صورة اللوحة الأخيرة من المجلد الأول من النسخة الخطية لمكتبة فاتح باشا، المرموز لها بـ "ع"

صورة اللوحة الأخيرة من المجلد الثاني من النسخة الخطية لمكتبة فاتح باشا، المرموز لها بـ "ع"

صورة اللوحة الأخيرة من المجلد الثاني من النسخة الخطية لمكتبة فاتح باشا، المرموز لها بـ "ع"

صورة اللوحة الأخيرة من المجلد الثاني من النسخة الخطية لمكتبة فاتح باشا، المرموز لها بـ "ع"

صورة لوحة الغلاف من النسخة من النسخة الخطية لدار الكتب القومية بمصر، المرموز لها بـ "ن"

صورة اللوحة الأولى من النسخة من النسخة الخطية لدار الكتب القومية بمصر، المرموز لها بـ "ن"

صورة اللوحة الأخيرة من النسخة الخطية لدار الكتب المصرية بمصر، المرموز لها بـ "ن"

صورة لوحة الغلاف من النسخة الخطية لرسالة "الفتح الرباني في الرد على التبياني"

صورة اللوحة الأولى من النسخة الخطية "الفتح الرباني في الرد على التبياني"

صورة اللوحة الأخيرة من النسخة الخطية لرسالة "الفتح الرباني في الرد على التبياني"

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مَصَابِيحُ الجَامِعِ [1]

جَمِيعُ الحُقُوقِ مَحْفُوظَة الطَّبْعَةُ الأُولَى 1430 هـ - 2009 م ردمك: 0 - 12 - 418 - 9933 - 978 ISBN قَامَت بعمليات التنضيد الضوئي والإخراج الفني والطباعة دَار النَّوَادِر لصَاحِبهَا ومديرها نور الدّين طَالب سوريا - دمشق - ص. ب: 34306 لبنان - بيروت - ص. ب: 5180/ 14 هَاتِف: 00963112227001 - فاكس: 00963112227011 www.daralnawader.com

مقدمة المصنف

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ربِّ يَسِّر وأَعِنْ وتَمِّمْ بالخيرِ يا كريم (¬1) قال العبد الفقير إلى الله تعالى محمدُ بنُ أبي بكرِ بنِ عمرَ المخزوميُّ الدمامينيُّ المالكيُّ لطف الله به (¬2): الحمدُ لله الذي جعلَ في خدمة السنة النبوية أعظمَ سيادة، وحمى حِماها من النقص، وأظفرَ منها بالحسنى وزيادة، وشرحَ الصدورَ بنورها اللامع، وملأ بجواهر أحاسنها (¬3) أصدافَ المسامع (¬4)، وأبرزَ لعيونِ البصائر وجوهَ معانيها سافرةً عن الحسن الصريح، وشفى عللَ الأهواء من حكمته (¬5) البالغة بما صحَّ من التنقيح (¬6)، وجمعَ أشتاتَ المحاسنِ فَقُلْ ما شئتَ في الجامع الصحيح. ¬

_ (¬1) قوله: "رب يسر وأعن وتمم بالخير يا كريم" ليس في "ج"، وفي "ن": "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وهو حسبي ونعم الوكيل"، وفي "ع": "اللهم صَلِّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم". (¬2) من قوله: "قال العبد ... "، إلى هنا ليس في "ن". (¬3) في "ن" و"ج" و"ع": "أحاديثها". (¬4) في "ع": "السامع". (¬5) في "ن" و"ج" و "ع": "حكمتها". (¬6) "من التنقيح" ليس في "ن".

أحمدُه (¬1) على الاتصال بمحبتها، وأعوذ به من الانقطاع، وأشكره شكرَ من سمعها فوالاها، فثبت ولاؤه (¬2) بشهادة السماع. وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، شهادةً ينجلي بصبح يقينها كلُّ مُظْلِم، وتلوح آثارُ صدقها فلا يشكُّ في صحتها مسلم. وأشهد أن سيدنا محمدًا عبدُه ورسولُه، أولُ من يُجيز على الصراط إجازةً تُروى أحاديثُ السلامة من طريقها، وتُزوى - بإذن الله - معضلاتُ الفرق (¬3) عن فريقها، الذي أوتي جوامعَ الكَلِمِ فرفعَ منارَها، وشادَ بناءها، واحتسبَ عند الله آثارَها، وأسندَ عن سيرته الشريفة كلَّ حديث حسن، وسنَ مآثرَ أثبتت لعين المؤمن كلَّ قُرَّة، ونَفَتْ عن جفنِ الكافر كلَّ وَسَن، وكَرَعَتِ الأفهامُ من مناهل سننه الصافية في أعذب مَشْرَع، واستمدت جداولُ العلماء من ينابيع بلاغته القارعة كلَّ ما تأصَّلَ أو تفرَّع. صلى الله عليه (¬4) وعلى آله وصحبه الذين اقتفوا آثاره واتبعوها، وسمعوا مقالته فوعَوها فأَدَّوها كما سمعوها، صلاةً هي إلى منازل القَبول على يد الإخلاص مرفوعة، عائدةً من فضل (¬5) الله بصِلاتٍ غيرِ مقطوعة ولا ممنوعة، وسلم عليه وعليهم أجمعين، تسليمًا كثيرًا أبدًا (¬6) إلى يوم الدين. ¬

_ (¬1) في (ج) و (ع) زيادة: "تعالى". (¬2) "ولاؤه" غير واضحة في "م"، وزدتها من "ن"، وفي "ج": "ثبت ولاؤه بها". (¬3) في "ع": "الفريق". (¬4) في "ع" زيادة: "وسلم". (¬5) في "خ": "بفضل". (¬6) "أبدًا" ليست في "ج" و"ع".

أما بعد (¬1): فهذه نُكَتٌ ساطعةُ الأنوار، عاليةُ المقدار، ماحيةٌ ظُلَمَ المشكلات البهيمة، هاديةٌ إلى أوضح الطرق المستقيمة، جمعتُها على "الجامع الصحيح" للإمام العلامةِ (¬2) حافظِ الإسلام مولانا أميرِ المؤمنين في الحديث أبي عبدِ الله محمدِ بنِ إسماعيلَ البخاريِّ -رضي الله عنه وأرضاه، وجعل (¬3) الجنة متقلَّبه ومثواه- سميتها (¬4) بـ: مصابيح الجامع وعلقتها على أبوابٍ منه ومواضع، وفَرَّقْتُ كثيرًا منها في زواياه؛ ليستعينَ بها الناظر على استخراج خباياه، فدونَكَها مصابيحَ تحسُدُها الثريا، وتبدو لمجتلي محاسنها مشرقةَ المحيا، تحتوي على غريبٍ رأيتُه أهلًا لأن يأنس بتفسيره، وإعرابٍ تفتقر أعجازُ الكلمات إلى صدوره، وفائدةٍ بيانية يشهد الذوق السليم بحلاوة مجانيها، ويدهش أهلُ البيان لبديع معانيها، ودليلٍ يحتمله متنُ الحديث، وفرعٍ غريبٍ قَلَّ مَنْ ذكره من قديم وحديث، وتنبيهٍ طالما كانت العيونُ عنه وَسِنَةٌ (¬5)، ونكُتٍ (¬6) هي في وجه هذا التأليف ¬

_ (¬1) في "ج": "وبعد". (¬2) في "ع": "العالم". (¬3) في "ن": "وجعلت". (¬4) في "ع": "وسميتها". (¬5) يقال: هي وَسِنَة ووَسْنى: لمن اشتد عليه النوم، أو النعاس. (¬6) في"ن": "نكتة".

حَسَنَة، إلى غير ذلك من مباحثَ تمر حلوةَ الجَنَى، وفوائدَ يصبح مالكها في غِنًى عن العَنا. [مَشَقْتُها برسم خزانة مولانا السلطان الأعظم، والخاقان الأرفع الأكرم، كاشف الكرب، ملاذ سلاطين العجم والعرب، ذي الشيم الطاهرة، والأخلاق الزكية الباهرة، والمكارم التي جاز السحاب بحرها فألجمه الغرق، وخجل بشهادة ما ظهر من حمرة البرق، وتحدَّر من القطر كالفَرَق، الذي جمع إلى شرف السلطنة شرف العلم، وزان وجه القدرة بحسنات الحلم، وأعز أهل الإيمان جَدا، ولم يجعل لعبدة الأوثان يدًا، ونحاه المؤملُ فابتهج من فضله بما تيسر له وتيمن، ولجأ إليه وقد أخافه الدهر، فمذ رآه داعيًا ببقاء دولته الشريفة أمن، قد أنام الأنام في ظلال العدل والأمان، ويقدم والناس خلفه، ولا ينكر ذلك، فهو إمام الزمان، وبلغَ من السيادة نهاية الآمال العلية في درجات الكمال، فقل ما شئت من خَلْق وسيم، وخُلُقٍ ألطفَ من مر النسيم: [من البسيط] تلكَ الشمائلُ لو خُصَّ الشمولُ بها ... يومًا لما قيل للنُّدْمانِ نُدمانُ ولو حوى البدر جزءًا من محاسنه ... لم يعترض لكمال البدر نقصانُ وذهنٍ يشتعل بالذكاء اشتعالًا، وفكرٍ لا ترى له بغير الصواب اشتغالًا، ولسانٍ يُبرز وجوهَ المعاني حِسانًا، ويدٍ فاضت فملأت الأرض إحسانا، وعلومٍ طالما حشا أصدافَ المسامع بدُررها، وزانَ الوجوه الحسانَ بغررها، وسلك في طريق المباحث فذلَّلَ صِعابها، ورأى استتارَ

وجوهها عن العيون، فكشف نقابها، ومدَّ نظره إلى الفقهيات، فاجتنى أطيبَ الثمرات من فروعها، وورد مناهلها الصافية، فأجرى أحسن المسائل من ينبوعها، وأبدى من بدائعها ما فطر قلب حاسده وأكمد، وأصبح مالكًا لأزِمَّة النظر في الأحكام الشرعية، فرأينا مذهبَ الإمام أبي حنيفة يؤخذ عن الإمام أحمد، هذا إلى حلم وَسِع برأفته الرعايا، وبشاشةِ وجهٍ أكسبه أجلَّ المزايا: [من الكامل] وإذا يشاءُ الله رحمةَ أُمةٍ ... وَلَّى أمورَهم الحليمَ الأَرْحَما وكرمٍ أوجد المعدومَ وأغنى، وعلت كل يد منه كعبا، ولم يبق لابن زائدةَ معنى. كم فتحت عيون التضاد في وجوه جوده فقفلت بالمكارم، وسافرت بريح ثنائه الطيب، فأثبت لها المغانم، ويفي عنها المغارم، وتنبهت لعطاياه، فأنشدها لسانُ كرمه وهي منتهية، وآخر يأتي رزقه وهو نائم، وشجاعةٍ تشهدُ مصارعُ الفرسان لشجاعتها، وتحدِّثُ ألسنةُ الصوارم بغرابتها، فكم هنالك من رماحٍ رفعت ألوية النصر بقوافلها، وأشارت إلى خفقان قلوب الأعداء من الرايات بأناملها، وسيوفٍ إذا شُهرت يوم القتال بنيت على الفتح، وقابلت شهادة المدعي لمحاكاة فعلها بالجرح، وقِسِيٍّ تطلُع أهلةً في ظُلَم القَتَام، وتقسم للعِداة من الهلاك سهامًا أيَّ سهام، فكأنها قناطرُ يَعْبُر عليها آجال البغاة، أو مناجلُ قد انحنت لتحصد أعمارَ الطغاة، إلى غير ذلك من المآثر التي شادَ بها معالمَ المجد وساد، وبنى أمرَها على الصلاح فانحسمت موادُّ الفساد، جامعِ شملِ المهتدين، قامع زيغِ المعتدين، سلطانِ الأئمة

العاملين، خافض جناح الرحمة للعالمين، ناصرِ الله والحق والدين، أبي الفتح أحمد شاه السلطانِ بنِ السلطان محمد شاه بن السلطان مظفر شاه. [من الكامل]: نسَبٌ كأنَّ عليه من شمسِ الضحى ... نُورًا ومن فَلَقِ الصباحِ عمودًا فهو الخليفةُ على الخليقة، وإمام الوقت على الحقيقة، سلطانُ العالم الذي اتصف بمحاسن الأخلاق، وقيد أيامه بإسعاد الرعية وإسعافها، فشكر له ذلك التقييد على الإطلاق، ناشر ألوية العدل والإحسان، مفيضُ النعم التي يقصر عن شكرها كلُّ لسان، مقيمُ شعائر هذه الشريعة الشريفة، حائزُ قَصَبات السبق إلى المعالي المنيفة، الذي افترَّتْ به مباسم الإمامة، وتهللت بوجوده وجوهُ الكرامة، وفاخرت به الجزرات الهندية فثبت فخرها على سائر الممالك، وفازت منه بأعظم المطالب، ونجت بحسن تصريفه من المهالك، وكيف لا وهو الذي لا يزال مقسم الأوقات بين نفع يُنيله، وضر يُزيله، وفواضل يُسديها، وفضائلَ يُبديها، وعدلٍ يُطوى الجورُ بنشره، ومعروفٍ يتلقى ذوي الحاجات ببشره، ظِلُّ الله على الأنام، خاتمةُ أئمةِ العدل. [من الطويل]: إمامٌ يروقُ المقتفي منه موردٌ ... نعم ويروعُ المعتدي منه مصدَرُ تصومُ سلاطينُ الورى عن كمالِهِ ... وأكبادُهم عند (¬1) الصيام تَفَطَّر ويستقبلُ الأَعْدا بماضي حُسامِه ... فكمْ منهمُ في الحال قد بادَ عسكرُ له راحةٌ قد أتعبتْ كلَّ باذلٍ ... وأضحَتْ على مدِّ المنائح تُقْصِرُ ¬

_ (¬1) في الأصل: "عن"، والصواب ما أثبت؛ لانضباط الوزن وصحة المعنى به.

إذا انبسطَتْ منه لإعطاءِ نائلٍ ... يمينٌ فثقْ أن اليسارَ مُيَسَّرُ به جُزُراتُ الهندِ قد عَزَّ شأنُها ... فمقدارُها يعلو ويغلو ويَفْخَرُ وما هي إِلا جَنَّةٌ منه حقُّها ... نعيمٌ ورضوانٌ من الله أكبرُ أعز الله تعالى أنصاره، وأجزل للمهاجرين إليه مناره، ولا زالت أبوابه الشريفة حرمَ فضلٍ تجبى إليه ثمرات العلوم على اختلافها، وسماءَ كَرَمٍ تدرُّ سحبُها الحوافل فَتَرْضَعُ أنهارُ الضرورة من أَخْلافِها] (¬1). ولم أُطِلِ النَّفَس في هذا الكتابَ، ولا مددتُ في كثير من أماكنه أَطنابَ الإِطناب، بل اقتصرتُ (¬2) فيه على ما هو (¬3) أهم، وهتكتُ بأنواره ما دَجا من المشكلات وادْلَهَمّ. وسيعرف قدرَه مَنْ تصفَّحَه، وينظر المنصفُ (4 بعين الاستحسان إذا لمحه، ويعذرني حيث كتبتُه وجناحُ السفر 4) يحثُّني على الطيران، ومشقةُ الغربة وركوب البحر قد استقبلني منهما خطران، على أن باعي في جميع الفنون قصير، وإن حَلَّق غيري (¬5)، فأنا -واللهِ- من ذوي التقصير، ومن الله (¬6) أستمدُّ الإخلاص في القول والعمل، وإليه أرغبُ ¬

_ (¬1) ما بين قوسين زيادة من "ع"، وقد قال حاجي خليفة في "كشف الظنون" (1/ 541): "ذكر أنه ألفه للسلطان أحمد شاه بن محمد مظفر من ملوك الهند"، مما يدل على اطلاعه على نسخة "ع"، وصحة ثبوت ذلك عنه. (¬2) في "ج": اقتصر. (¬3) "هو": زيادة من "ن". (4) ما بينهما سقط من "ج". (¬5) في "ن": "غير". (¬6) في "ن" و "ع" زيادة: "سبحانه".

في أن يبلغنا من خَيْرَي (¬1) الدنيا والآخرة غايةَ الأمل، وبالله ربي لا سواه أستعين، وإياه أسأل أن يسامحنا ويغفرَ لنا أجمعين بمنه ويُمنه (¬2). * * * ¬

_ (¬1) في "ج" و "ع": "خير". (¬2) في "ج" و "ع": "بمنه وكرمه"، وفي "ع" زيادة: "آمين".

كتاب الوحي

كتاب الوحي

باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقول الله -جل ذكره-: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده} [النساء: 163]

كتاب الوحي باب: كيف كان بَدْءُ الوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وَقَوْلُ اللَّهِ -جَلَّ ذِكْرُهُ-: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء: 163] (قال البخاري -رحمه الله (¬1) -: باب): هو خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هذا باب، ويروى: بالتنوين. قوله (¬2): (كيف كان بدءُ الوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -): جملة لا محل لها من الإعراب، أتى (¬3) بها لبيان ما عقد الباب لأجله. ويروى بترك التنوين، قالوا: على أنه مضاف لتلك الجملة بعده، فهي في محل خفض. فإن قلت: لا يضاف إلى الجملة إلا أحدُ أشياء مخصوصة ذكرها النحاةُ، وليس الباب شيئًا منها. قلت: هذا إنما هو في الجملة التي لا يراد بها لفظُها، وأما ما أريد به لفظُه من الجمل، فهو في حكم المفرد، فتضيفُ إليه ما شئتَ مما يقبل ¬

_ (¬1) في "ج" زيادة: "تعالى". (¬2) في "ن" و"ج" و "ع": "فقوله". (¬3) في "ج" و "ع": "وأتى".

بلا حصر، ألا ترى أنك تقول (¬1): محلُّ قام أبوه من قولك: زيدٌ قام أبوه، رفعٌ، ومعنى لا إله إلا الله: إثباتُ الإلهية لله تعالى، ونفيُها عما سواه إلى غير ذلك. وهنا أُريد لفظُ الجملة، والأصل: هذا بابُ شرحِ كيف كان بدءُ الوحي؛ أي: باب شرح هذا الكلام، ثم حُذف المضاف، وأُقيم المضافُ إليه مقامه، وقد استبان لك أن عدّ ابن هشام في "مغنيه" (¬2) قولًا وقائلًا من الألفاظ المخصوصة التي تضاف إلى الجملة غير ظاهر. ولا يخفى سقوطُ قول الزركشي: لا يقال: كيف لا يضاف إليها (¬3)؛ لأنا نقول: الإضافة إلى الجملة كلا إضافة. انتهى. وتقع هذه الترجمة في بعض النسخ بدون كلمة: باب. وبَدْء: -بباء موحدة مفتوحة فدال مهملة ساكنة فهمزة- من الابتداء. ويروى: "بُدُوّ" -بواو مشددة-؛ كَظُهُور زِنةً ومعنى، وهل الأحسن الأولُ؛ لأنه يجمع المعنيين، أو الثاني؛ لأنه (¬4) أعم؟ رأيان. (وقولِ الله تعالى): إما -بكسر اللام- من: قول، على أنه معطوف على محل الجملة السابقة في رواية من ترك تنوين باب، وفي قولهم: عُطِفَ على كيف، مسامحةٌ، وإما -بضمها- على أنه مبتدأ، والخبر محذوف؛ أي: وقول الله تعالى كذا مما يتعلق بهذا الباب، ونحو (¬5) هذا من التقدير. ¬

_ (¬1) في "ج": "ألا ترى أنه يقول". (¬2) انظر: "مغني اللبيب" لابن هشام (ص: 551). (¬3) انظر: "التنقيح" للزركشي (1/ 3). (¬4) "لأنه" ليست في "ج". (¬5) في "ن" و"ج": "أو نحو".

1 - (1) - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ: أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّاب -رَضيَ اللهُ عَنْهُ- عَلَى الْمِنْبَرِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّمَا الأَعْمَالُ بالنّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرتُهُ إِلَى دنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرتهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ". (الحُمَيدي): -بضم الحاء المهملة وفتح الميم فياء التصغير فياء النسب-، وهل نُسب إلى حُميد جدِّه، أو إلى حميد بطنٍ من أسدِ ابنِ (¬1) عبدِ العزى، أو إلى الحميداتِ قبيلة (¬2)؟ أقوال. (سُفيان): -بتثليث حركة السين المهملة، والمشهورُ ضمُّها-، وهو ابن عُيينة، تصغير عين، فعينه مضمومة، وحكي: كسرُها. (التَّيْمي): -بمثناة من فوق مفتوحة فمثناة (¬3) من تحت ساكنة- إلى تَيْم بنِ مُرَّة. (اللَّيْثي): بلام مفتوحة فمثناة من تحت ساكنة فثاء مثلثة. وافتتح هذا الباب من الأحاديث بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (إنما الأعمال بالنيات ... الحديث): إما لأنه متعلق بالآية التي في الترجمة، والجامعُ بينهما أن الله تعالى أوحى إلى محمد -عليه ¬

_ (¬1) "ابن" زيادة من "ن" و "ع". (¬2) "قبيلة" ليست في "ج". (¬3) في "ج": "بمثنى فمثنى".

الصلاة والسلام-، وإلى الأنبياء من قبله: أن (¬1) الأعمال بالنيات، قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]، قاله بعضهم. وإما لمناسبة ترجمة الباب، وذلك لأن الحديث اشتمل على أن هاجر (¬2) إلى الله تعالى وحده ومقدمة النبوة كانت في حقه - عليه السلام - هجرته إلى الله تعالى، وخلوته بغار حراء للتقرُّب إليه، وليس على معنى أن النبوة مكتسبة، بل على معنى أنها ومقدماتها ومتمماتها كلٌّ فضلٌ من عند (¬3) الله، فهو الذي ألهم السؤال، وأعطى المسؤول، فله الفضلُ أولًا وآخرًا، قاله ابن المنير (¬4). وإما لقصده أن يكون هذا الحديث في أول الكتاب عوضًا من (¬5) الخطبة التي يبدأ (¬6) بها المؤلفون، ولقد أحسن العوض من عوض من كلامه كلام من لا ينطق عن الهوى، قاله ابن (¬7) بطال (¬8). قلت: ولعل هذا هو السر في إيراده الحديثَ في هذا المحلّ مختصرًا، وذلك لأنه لما أورده موردَ الخطبة (¬9)، اقتضتِ المناسبةُ ذكرَه بالطريق ¬

_ (¬1) في "ع": "إنما". (¬2) في "ن" و"ج" و "ع": "من هاجر". (¬3) "عند" ليست في "ج". (¬4) ونقله عنه الحافظ في "الفتح" (1/ 16). (¬5) في "ع": "عن". (¬6) في "ع": "يبتدئ". (¬7) في "ج": "أبي" وهو خطأ. (¬8) انظر: "شرح ابن بطال على البخاري" (1/ 32). (¬9) في "ن": "من الخطبة".

التي (¬1) وقع فيها مختصرًا؛ إذ التخفيف في الخطبة مطلوب. قال ابن الملقن: سألني بعضُ الفضلاء عن السرِّ في ابتداء البخاري بهذا الحديث مختصرًا، ولِمَ (¬2) لم يذكرْه مطوَّلًا كما فعل في غيره من الأبواب؟ فأجبته في الحال: بأن عمر - رضي الله عنه - قاله على المنبر، وخطب به، فأراد التأسي به، لكن البخاريَّ ذكره مطولًا في: ترك الحيل، وفيه: أنه خطب به أيضًا (¬3). انتهى. قلت: فقد طاح جواب الشيخ، وبالله التوفيق. والكلامُ على مفردات هذا الحديث وفقهه سيأتي بعد هذا في أواخر كتاب: الإيمان. * * * 2 - (2) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالكٌ، عَنْ هِشَامِ ابْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ -رَضيَ اللهُ عَنْهَا-: أَنَّ الْحَارِثَ بن هِشَامٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ- سَأَلَ رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَحْيَانًا يَأْتِيني مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ، وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ، فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ ما قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثلُ لِيَ الْمَلَكُ رَجُلًا، فَيُكَلِّمُنِي، فَأَعِي مَا يَقُولُ". قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضيَ اللهُ عَنْهَا-: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِل عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ، فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا. ¬

_ (¬1) في "ج": "الذي". (¬2) "لم": ليست في "ج". (¬3) انظر: "التوضيح شرح الجامع الصحيح" لابن الملقن (2/ 127).

(أن الحارث بن هشام): هو شقيقُ أبي جهل، أسلمَ يوم الفتح، وحسن إسلامُه، وشهد بدرًا مع فئة (¬1) المشركين، وانهزم، وفيه يقول حسانُ بنُ ثابتٍ - رضي الله عنه -: [من الكامل] إنْ كُنْتِ كاذِبَةَ الَّذِي حَدَّثْتِني ... فنَجَوْتِ مَنْجَى الحارِثِ بْنِ هِشامِ تَرَكَ الأَحِبَّةَ أَنْ يُقَاتِلَ دُونَهمْ ... وَنَجَا برَأْسِ طِمِرَّةٍ وَلِجَامِ فقال الحارثُ يعتذر عن فراره: [من الكامل] اللهُ يَعْلَمُ مَا تَرَكْتُ قِتالَهُمْ ... حَتَّى عَلَوْا فَرَسِي بأَشْقَرَ مُزْبدِ وَعَلِمْتُ أَنِّي إنْ أقَاتِلْ وَاحِدًا ... أُقْتَلْ وَلا يَضْرُرْ عَدُوِّي مَشْهَدِي فَصَدَدْتُ عَنْهُمْ وَالأَحِبَّةُ فِيهِمُ ... طَمَعًا لَهُمْ بعِقَاب يَوْمٍ مُفْسِدِ (¬2) قال الأصمعي: لم أسمع في الاعتذار عن الفرار أحسنَ من هذا (¬3). (أحيانًا): -منصوب على الظرف- جمع حين، وهو الوقتُ: الساعةُ (¬4) فما (¬5) فوقَها، ومذهبنا (¬6) أنه في الأَيمان سَنةٌ، وهو مشكِل، ولعله لعرفٍ ثبت فيه عندهم، وبتقديره فقد نقل. ¬

_ (¬1) في "ج": "مع ما فيه". (¬2) انظر: "الاستيعاب" لابن عبد البر (1/ 301). (¬3) انظر: "التوضيح" لابن الملقن (2/ 204). (¬4) في "ج" و "ع": "والساعة". (¬5) "فما" ليست في "ن". (¬6) في "ع": "فمذهبنا"، قلت: -يعني المالكية-، فالوقت عندهم في باب الحلف باليمين، يعني: السنة.

(يأتيني): فاعلُه ضمير يعود إلى الوحي. (مثل): إما حالٌ من فاعل يأتيني، أو صفةٌ لمصدره؛ أي: إتيانًا مثلَ. (صلصلة الجرس): أي: مثل صوته، والجَرَس: -بجيم وراء مفتوحتين وسين مهملة- معروف، وهو شبه الناقوس الصغير يوضع في أعناق الإبل. والحكمة في إتيان الوحي له على هذه الكيفية: شغلُه -عليه الصلاة والسلام- بقوة صوتِ الملَكِ عما سوى الوحي، فيتفرغ لسماعه، ويتمكن عنده أقوى تمكُّن. هذا معنى كلام المُهلَّب. وقيل: إن الملك كان ينزل بذلك إذا نزل بآيةِ وعيدٍ أو تهديدٍ. (فيفصم عني): أي: يُقلع وينفصل، وفاعل يفصم ضمير يعود إما إلى الوحي، أو إلى الملَك. قال الشيخ أبو الحسين (¬1) ابن سراج: فيه سر لطيف، وإشارة خفية إلى أنها بينونة من غير انقطاع؛ فإن الملك يفارقه ليعود إليه. والفصم -بالفاء-: القطع من غير بينونة؛ بخلاف القصم -بالقاف-؛ فإنه كسر وبينونة (¬2). وأصح الروايات (¬3) هنا في يَفْصِم -فتحُ المثناة من تحت وإسكان الفاء وكسر الصاد المهملة-، ورواية أبي ذر -بضم أوله وفتح ثالثه- على ¬

_ (¬1) في "ج" و "ع": "الحسن". (¬2) في "ن" و "ع": "معه بينونة". (¬3) في "ج": "الروايتين تأتي".

البناء للمجهول، وَثَمَّ رواية أخرى: -بضم أوله (¬1) وكسر ثالثه (¬2) -؛ من أفصم المطر: إذا أقلع، رباعي، وهي (¬3) لغة قليلة. (وقد وَعَيْتُ): أي: حفظت، ومنه: {أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} [الحاقة: 12]. يقال (¬4): وعيت العلمَ، وأوعيت المتاع. وقال ابن القطاع (¬5): وأوعيتُ العلم (¬6) مثل: وعيته (¬7). (عنه ما قال): كل من الضميرين المجرور والمرفوع يعود على الملَكِ المفهوم مما تقدم. (وأحيانًا يتمثل لي الملكُ): هو جبريل - عليه السلام -، وبعضهم يجعل الملكَ من الأَلوك والأَلوكة بمعنى: الرسالة، فتكون الميم زائدة، وفيما بين الفاء والعين قلب، والأصل: مَألَك على أنه موضعُ الرسالة، أو مصدرٌ بمعنى المفعول، ثم قيل: مَلأَك، ثم نقلت حركةُ الهمزة (¬8) إلى اللام، ثم حذفت الهمزة، فقيل: مَلَك، ومنهم من يثبت لاك أصلًا، فلا قلب، لكن ليس بمشهور. ¬

_ (¬1) قوله: "وفتح ثالثه ... أوله": ليس في "ن". (¬2) في "ج": "وكسر الصاد". (¬3) في "ع": "هو". (¬4) في "ع": "ويقال". (¬5) "وقال ابن القطاع" ليس في "ن". (¬6) في "ع": "وعيت وأوعيت العلم". (¬7) انظر: "الأفعال" لابن القطاع (3/ 333). (¬8) في "م" و "ج": "الميم" وهو خطأ، والتصويب من "ن" و "ع".

وبعضهم يرى أن الهمزة زائدة، وأن اشتقاقه من ملك؛ لما فيه من معنى الشدة والقوة؛ كما في الملك والمالك، وملكتُ العجينَ: شددتُ عَجْنه. (رجلًا): قال جماعة من الشارحين: تمييز. قلت: الظاهر أنهم أرادوا تمييزَ النسبة، لا تمييز المفرد؛ إذ الملكُ لا إبهام (¬1) فيه. فإن قلت: وتمييز النسبة لابد أن يكون محوَّلًا عن الفاعل؛ كتصببَ عرقُ زيدٍ؛ أي: عرقَ زيدٌ، أو المفعول؛ نحو: {الْأَرْضَ عُيُونًا} [القمر: 12]؛ أي: عيون الأرض، وذلك هنا غير متأت. قلت: هذا أمر غالب لا دائم، بدليل: امتلأ الإناءُ ماءً. قال الزركشي: وقال ابن السِّيد: حال موطئة على تأويل الجامد بالمشتق؛ أي: مرئيًّا محسوسًا. انتهى (¬2). قلت: آخرُ الكلام يدفع أولَه، وصرح بعضهم بأنه حال، ولم يؤوله بمشتق، وهو متجه؛ لدلالة رجل هنا (¬3) على الهيئة بدون تأويل، ولو قيل: بأنه (¬4) يتمثل هنا أُجري مجرى يصير؛ لدلالته على التحول والانتقال من حال إلى أخرى، فيكون رجلًا خبره؛ كما ذهب إليه ابن مالك في تحول وأخواته، لكان وجهًا، لكن قد يقال: إن معنى يتمثل: يصير ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: "إيهام"، والمثبت من "ع". (¬2) انظر: "التنقيح" للزركشي (1/ 7). (¬3) "هنا" ليست في "ع". (¬4) في "ن" و "ج": "بأن".

مثالًا، ومع (¬1) التصريح بذلك يمتنع أن يكون رجلًا خبرًا له، فتأمله. وإذا تمثل الملك رجلًا، فهل يفنى الزائد من خلقه، أو يزال عنه من غير فناء، ثم يعود بعد التبليغ كما كان أولًا؟!! احتمالان نبه عليهما إمام الحرمين. وقال ابن عبد السلام: يجوز أن تنتقل روح الملك إلى صورة الرجل التي ظهر بها، ولا يكون ذلك موجبًا لموت جسده الأصلي الذي خُلق عليه أولًا، بل يبقى الجسد حيًّا؛ لأن (¬2) لا ينقص من معارفه شيء، ويكون انتقال روحه إلى الجسد (¬3) الثاني كانتقال أرواح الشهداء إلى أجواف طيور خضر. قال: وموتُ الأجساد بمفارقة الأرواح ليس بواجب عقلًا، بل بعادةٍ أجراها الله تعالى في بني آدم، فلا يلزم في غيرهم. هذا كلامه، فتأمله (¬4). قال أبو الزناد: إنما لم يذكر (¬5) -عليه الصلاة والسلام- رؤياه، مع أنها وحي؛ لأنه أخبر بما ينفرد به عن الناس، والرؤيا الصالحة قد يشركه غيرُه فيها (¬6). ¬

_ (¬1) في "ج" و "ع": "ومعنى". (¬2) "لأن" ليست في "ن" و"ج" و"ع". (¬3) في "ج": "جسده". (¬4) قال الحافظ في "الفتح" (1/ 29): والحق أن تمثل الملك رجلًا، ليس معناه أن ذاته انقلبت رجلًا، بل معناه أنه ظهر بتلك الصورة تأنيسًا لمن يخاطبه. والظاهر أيضًا أن القدر الزائد لا يزول ولا يفنى، بل يخفى على الرائي فقط، انتهى. (¬5) في "ج": يذكره. (¬6) انظر: "شرح ابن بطال" (1/ 36).

قلت: فيه نظر؛ إذ لا شركة في التحقيق؛ لأنها بالنسبة إليه وحي، وبالنسبة إلى غيره ممن هو غير نبي ليس وحيًا. وقال السُّهَيلي: إنه تتبع وجوه الوحي تتبعًا لم يسبق إليه، فذكر سبعة أوجه: إسرافيل نزل أول البعثة أشهرًا، وجبريل على صورته، والمنام الصادق، والنفث في الرُّوع، والسماعُ بلا واسطة؛ كليلة الإسراء، وجبريل في صورة دِحْية، وفي مثل صلصلة الجرس (¬1). قال ابن المُنَيِّر: وزدنا عليه بفضل الله تعالى (¬2) ثلاثةَ أوجه: اجتهاده - عليه السلام -؛ فإنه صواب قطعًا، وهو قريب من النفث في الرُّوع، إلا أن هذا مسبب عن النظر والاجتهاد. قلت: فيه (¬3) نظر، فإن ظاهر كلام الأصوليين أن اجتهاده -عليه الصلاة والسلام- والوحي إليه قسمان (¬4). وروى أبو داود من حديث أبي سلمة - رضي الله عنه -، قال: أتى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - رجلان يختصمان في مواريثَ وأشياءَ قد دَرَسَتْ، فقال: "إِنَّما أَقْضي بَيْنَكُمْ برأيي (¬5) فيما لم ينزلْ عَلَيَّ فيه (¬6) " (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: "الروض الأنف" للسهيلي (1/ 400). (¬2) لفظ الجلالة "الله تعالى" ليس في "م". (¬3) في "م": "وفيه". (¬4) في "م": "قسيمان"، والمثبت من النسخ الأخرى. (¬5) في "م" و"ج": "برأي"، والتصويب من "ن" و "ع" و"سنن أبي داود". (¬6) في "ج": "فيه شيء". (¬7) رواه أبو داود (3585)، لكن من حديث أم سلمة رضي الله عنها.

وظاهر (¬1) هذا: أن اجتهاده -عليه الصلاة والسلام- ليس وحيًا ينزل عليه، وأيضًا فليس بين القطع بأن اجتهاده صواب، وبين كونه وحيًا تَلازمٌ. قال (¬2) الثاني: نزولُه وله دويٌّ كدويّ النحل. الثالث: نزولُه في صورةِ رجلٍ شديدِ بياض الثياب، شديدِ سوادِ الشعر، لا يُرى عليه أثرُ السفر، ولا يعرفُه من الصحابة أحد، وهذه غير صورة دِحْية؛ لأن دحية كان معروفًا. قلت: فيه نظر؛ فإن ظاهر القصة (¬3) التي ذكر فيها مجيء جبريل -عليه السلام- على تلك الصورة يقتضي أنه لم يبلِّغ فيه وحيًا عن الله إلى رسوله (¬4) في هذه المرة (¬5)، وإنما جاء سائلًا له (¬6) عن شرائع الإسلام؛ ليعلِّمَ الناسَ دينَهم، فكيف يعدُّ هذا من وجوه الوحي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام؟! قال: ويمكن أن يعد وجهٌ (¬7) حادي عشر: وهو وحيُ مَلَكِ الجبال إليه؛ لأنه قال: "يا محمد! إنَّ الله أَمَرَني أَنْ أُطيعَكَ في قومِك" (¬8)، وبلغه (¬9) ¬

_ (¬1) في "ع": "فظاهر". (¬2) أي: ابن المنير. (¬3) في "ج" و"ع": "القضية". (¬4) في "ج" زيادة: "- صلى الله عليه وسلم -". (¬5) في "ع": "المدة". (¬6) "له" ليست في "ع". (¬7) في "ع": "وجهًا". (¬8) رواه البخاري (3231)، ومسلم (1795) وفيه: "يا محمد! إن الله قد سمع قولَ قومِك لك، وأنا ملَكُ الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت؟ ". (¬9) في "ن" و "ع": "فبلغه".

عن الله تعالى هذه (¬1) الرسالة، وهو الوحيُ بعينه. ويمكن وجهٌ (¬2) ثاني عشر: وهو الوحي على لسان خَزَنَةِ السموات [من الملائكة، وكلُّهم قال له ليلةَ الإسراء] (¬3): "ولَنِعْمَ المجيءُ جاءه (¬4) " (¬5)، وهذه بشارة منهم لا تكون إلا بإذن من الله لهم (¬6) في تبليغها إياه صلوات الله عليه وسلامه. قلت: فيه نظر؛ إذ ليس في قول ملائكة السموات: "ولنعم المجيء جاء"، ما يقتضي مخاطبتهم إياه بذلك، ولا تبليغهم عن الله هذه البشارة، وكون (¬7) مثل هذا القول لا يصدر عنهم (¬8) إلا بإذن الله (¬9)، لا يلزم منه أن يكون تلفُّظُهم (¬10) في الجملة وحيًا إلى رسوله، نعم، لو ثبت أن الله أذن لهم (¬11) في تبليغهم ذلك عنه إلى رسوله، لكان من الوحي، لكن ليس ثَم ما يدل عليه، فتأمله (¬12). ¬

_ (¬1) في "ج": "بهذه". (¬2) في "ن" و "ج": "يمكن أن يعد وجه"، وفي "ع": "وجهًا". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬4) في "ن" و "ج" و "ع": "جاء". (¬5) رواه البخاري (3207)، ومسلم (164) عن مالك بن صعصعة رضي الله عنه. (¬6) "لهم" ليست في "ن". (¬7) في جميع النسخ عدا "ع": "وكونه". (¬8) في "ع": "منهم". (¬9) في "ن" و "ع": "من الله". (¬10) في "ع": زيادة: "به". (¬11) في "ع": "إذنهم". (¬12) في "ج": "انتهى" بدل قوله: "فتأمله".

(ولقد رأيته يَنزِل): بفتح أوله والزاي مخففة، وبضمه والزاي مفتوحة مشددة أو مخففة. (وإن جبينه): الواو حالية، والجملة المنتظمة من هذا مع ما بعده حال، إما من ضمير الجر، أو الرفع (¬1) في قولها: "فينفصم عنه"، وأكدت بأن واللام، واسميةُ الجملة لقصد الإعلام بتحقيق (¬2) الحكم ألبتة، والردِّ على منكره تقديرًا من حيث غرابته. ويحتمل أن يكون التأكيد؛ لوفور الباعث منها على تحقيق هذا الحكم، والحرص على قبول السامع له، فقد نَصَّ بعضُ أئمة البيان على أن التأكيد كما يكون لإزالة الشك، ونفي الإنكار من السامع (¬3)، قد يكون لصدق (¬4) الرغبة، ووفور النشاط من المتكلم، ونيل الرواج والقبول من السامع، ولهذا قال المنافقون لشياطينهم: {إِنَّا مَعَكُمْ} [البقرة: 14]، على (¬5) أنه كلام من (¬6) غير المنكر. والجبينُ غيرُ الجبهة، وهو فوق الصُّدْغ، والصدغُ: ما بين العين والأذن، فللإنسان جبينان يكتنفان الجبهة، والمراد -والله أعلم-: أن جبينيه معًا يتفصدان. ¬

_ (¬1) في "ع": "والرفع". (¬2) في "ع": "بتحقق". (¬3) "من السامع" ليست في "ن". (¬4) في "ع": "لقصد". (¬5) في جميع النسخ عدا "ع": "مع". (¬6) في جميع النسخ عدا "ع": "مع".

فإن قلت: فَلِمَ أُفرِدَ؟ قلت: لأن الإفراد يجوز أن يعاقب التثنية في كل اثنين لا يغني أحدُهما عن الآخر؛ كالعينين (¬1)، والأذنين، تقول: عينه (¬2) حسنة، وأنت تريد أن عينيه جميعًا حسنتان (¬3). (ليتفصدُ): -بالفاء لا بالقاف- كما صَحَّفَه بعضهم؛ أي: يسيلُ وينصبُّ، ومنه الفصدُ. (عرقًا): بالنصب على التمييز عن النسبة. قال ابن المنير: ووجه الآية فيه مخالفةُ العادة في تفصُّد الجبين عرقًا في شدة البرد، فهذا يدل على طارئ زائد على الطبائع (¬4) البشرية، مضافًا إلى ما يظهر عقيبَ (¬5) ذلك من النطق بالحق والحكمة (¬6)، والإخبار بالغائبات على وجه يتحقق فيه الصواب، وفيه إشارة إلى ثقل الوحي؛ لأنه حق، وقد قال الله تعالى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل: 5]؛ لأن الحق رصين، والباطل سفساف. * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "كالعين". (¬2) في جميع النسخ عدا "ن": "عين". (¬3) في "ج": "حسان". (¬4) في "ن" و "ج": "الطباع". (¬5) في "ع": عقب. (¬6) في "ع": "من النطق بالحكمة والحق".

3 - (3) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْح، ثُمَّ حُببَ إِلَيْهِ الْخَلاَءُ، وَكَانَ يَخْلُو بغَارِ حِرَاءٍ، فَيتحَنَّثُ فِيهِ -وَهُوَ التَّعَبُّدُ- اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ، فَيتزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: "مَا أَناَ بقَارِئٍ". قَالَ: "فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ، قُلْتُ: مَا أَناَ بقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثانية حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَناَ بقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} [العلق: 1 - 3] ". فَرَجَعَ بهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بنْتِ خُويلِدٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهَا-، فَقَالَ: "زَمِّلُوني زَمِّلُوني"، فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ: "لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نفسِي"، فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِب الْحَقِّ. فَانْطَلَقَتْ بهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أتتْ بهِ وَرَقَةَ بْنَ نوفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ، وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ، فَيَكْتُبُ مِنَ الإنْجيلِ بالْعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كبيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَا بْنَ عَمِّ! اسْمَعْ مِنِ ابْنِ

أَخِيكَ. فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا بْنَ أَخِي! مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَبَرَ مَا رَأَى، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِي أكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ؟ "، قَالَ: نعَمْ، لَمْ يَأتِ رَجُلٌ قَطُّ بمِثْلِ مَا جِئْتَ بهِ إِلَّا عُودِيَ، وإنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نصرًا مُؤزَّرًا. ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ، وَفترَ الوَحْيُ. (عُقيل): -بضم العين- ابن خالد الأيلي، ليس في البخاري -بضم العين- سواه، ومن عداه: بفتحها. (عائشة): -بهمزة- وعوامُّ المحدثين يبدلونها ياء. (أول ما بدئ به رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي): من: لبيان الجنس، وقيل: للتبعيض، وهذه القصة (¬1) لم تحضرها عائشة رضي الله عنها، ولا أدركتها، فهذا من مراسيل الصحابة، والصحيح أنها حجة (¬2). وقال الإسفراييني: لا يكون حجة إلا إذا قال: لا أروي إلا عن صحابي. (مثلَ فلق الصبح): أي: ضيائه، ومثلَ: منصوبٌ على أنه حال من ضمير جاءت، قيل: وإنما عبرت عن صدق الرؤيا بفلق الصبح؛ لأن شمس النبوة قد كانت مبادئُ أنوارها الرؤيا إلى أن ظهرت أشعتُها، وتم نورُها. ¬

_ (¬1) في "ن": "القضية". (¬2) انظر: "التوضيح" لابن الملقن (2/ 235، 244).

(الخَلاء): -مفتوح (¬1) الخاء المعجمة ممدود-: الخلوة. قال الخطابي: وهي مُعينة على الفكر (¬2)؛ لفراغ القلب معها، والبشر لا ينتقل عن سجيته إلا بالرياضة، فلطفَ الله به؛ حيث حَبَّبَ إليه في ابتداء أمره الخلوةَ، والانقطاعَ عن الخلطة بالناس؛ ليجد الوحيُ منه متمكنًا ومرادًا سهلًا (¬3). (بغار حراء): الغار: النَّقْبُ في الجبل، وحِرَاء: بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء. قال القاضي: يمد ويقصر، ويؤنث ويذكر، ويصرف ولا يصرف. يريد: أن الصرف مع التذكير على إرادة الموضع، والمنع مع التأنيث على إرادة البقعة. وحكى الأصيلي: فتح الحاء والقصر. وهو جبل على ثلاثة أميال من مكة على يسار الذاهب إلى منى (¬4). (فيتحنث به (¬5)، وهو التعبد): الضمير المنفصل عائد إلى مصدر يتحنث، وهو من الأفعال التي معناها السلب؛ أي: اجتنابُ فاعلِها لمصدرها؛ مثل: تأثَّم وتحوَّب: إذا اجتنب الإثم والحَوْب. ¬

_ (¬1) في "ع": بفتح. (¬2) في "ن": الذكر. (¬3) انظر: "أعلام الحديث" للخطابي (1/ 127). وانظر: "التنقيح" للزركشي (1/ 9). (¬4) انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (1/ 480). (¬5) كذا في جميع النسخ، والذي في البخاري: "فيه" بدل "به".

وقال (¬1) العسكري: رواه بعضهم: "يتحنف"؛ أي: يتبع الحنيفية (¬2)؛ أي: دينَ إبراهيم عليه الصلاة والسلام (¬3). وفي "سيرة ابن هشام": تقول العرب: التحنُّث والتحنُّف، يريدون: الحنيفية، فيبدلون الفاء من الثاء؛ كما قالوا: جَدَث، وجَدَف، يريدون: القبر (¬4). (الليالي): -منصوب على الظرف-، وعامله يتحنث، لا التعبد من قوله: وهو التعبد؛ لئلا يفسد المعنى. (ينزع إلى أهله): أي: يحنُّ إليهم ويسير لهم. (ويتزود لذلك): أي: لتحنُّثه في تلك الليالي، قيل: وفيه رد لقول الصوفية: إن من أخلص لله تعالى، أنزل عليه طعامًا، والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان أولى بهذه المنزلة؛ لأنه أفضل (¬5) البشر، وفيه: أن اتخاذ (¬6) الزاد لا ينافي التوكل. والضمير المجرور من قوله: "فيتزود لمثلها" عائد إلى الليالي. (حتى جاءه الحق): أي: الأمرُ الحقُّ، وفي كتاب: التفسير: "حتى فَجِئَه الحق" (¬7)، يقال: فَجِئَهُ الأمرُ، وفَجَأَهُ يفجَؤُهُ؛ أي (¬8): أتى بغتة ¬

_ (¬1) في "ع": "قال". (¬2) في "ع": "الحنفية". (¬3) انظر: "تصحيفات المحدثين" للعسكري (ص: 298). (¬4) انظر: "سيرة ابن هشام" (2/ 68). (¬5) في "ج": "أشرف". (¬6) في "م" و"ج": "اتخاذه"، والمثبت من "ن" و "ع". (¬7) رواه البخاري (4953). (¬8) في "ن" و "ع": "إذا أتاه".

-بكسر الجيم وفتحها في الماضي، وفتحها فقط في المضارع منهما-. (فجاءه الملك): أي: جبريل - عليه السلام -. وروى ابن سعد بإسناده: أن نزولَ الملك عليه بحراءٍ يومَ الاثنين لسبعَ عشرةَ خلتْ (¬1) من رمضان، ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ (¬2) ابن أربعين سنة (¬3). (ما أنا بقارئ): الظاهر أن "ما" نافية، والباء زائدة في الخبر؛ أي: إني أُمِّيٌّ، فلا أقرأ الكتب، هذا هو الصحيح، ويؤيده أنه قد جاء في رواية: "ما أُحْسِنُ أَنْ أَقْرَأَ". وقيل: استفهامية؛ بدليل رواية ابن إسحاق: "ما أقرأ؟ " (¬4). ورُدَّ بأن الباء مانعةٌ من الاستفهامية، ورواية ابن إسحاق ليست نصًّا في الاستفهام، ولا تدفع النفي. قلت: بل فيها ما يرجِّح الاستفهام، وذلك أنه قال بعدَ غَطِّ الملَكِ له في المرة الثالثة: [ثُمَّ أرسلَني فقال: اقرأ، قالَ: قلتُ: "ماذا أقرأ؟ " (¬5)، فهذا نص في الاستفهام يترجح به كونُ "ما" في قوله] (¬6): "ما أقرأ؟ " استفهامية، وزيادة الباء في الخبر الموجب قال بها الأخفش، ومن تابعه، لكنه سماعي. ¬

_ (¬1) "خلت" ليست في "ج". (¬2) "يومئذ" ليست في "ن". (¬3) انظر: "الطبقات الكبرى" (1/ 193). (¬4) انظر: "سيرة ابن إسحاق" (ص: 100). (¬5) انظر: "سيرة ابن هشام" (2/ 68). (¬6) ما بين معكوفتين سقط من "ن".

وقال ابن مالك في: "بحسبك زيد": إن (زيد) (¬1) مبتدأ مؤخر؛ لأنه معرفة، (وحسبك) خبر مقدم؛ لأنه نكرة، والباء زائدة فيه (¬2). (حتى بلغ مني الجَهد): -بفتح الجيم-: المشقة، وجُوز (¬3) الضمُّ فيه، فالجهدُ (¬4) مرفوع على أنه فاعل بلغَ، ومفعوله محذوف؛ أي: بلغَ مني الجهدُ مبلغًا. وقيل: هو -بضم الجيم-: الطاقة، فيكون الجهدُ منصوبًا، والمعنى: بلغ مني الملَكُ وُسْعَهُ وطاقته في الغَطِّ. (فغطَّني الثالثةَ): قال أبو الزناد: فيه دليل على أن المستحبَّ في المبالغة في الحض (¬5) على التعليم ثلاث، وقد كان -عليه الصلاة والسلام- إذ قال شيئًا، أعاده ثلاثًا (¬6)؛ للإفهام. قيل: وفيه دليل على أن المؤدِّبَ لا يضرب (¬7) صبيًّا أكثرَ من ثلاثِ ضربات، وهو منقول عن شُريح. وفي "السيرة": أن هذا الغطَّ كان في النوم (¬8). ¬

_ (¬1) "زيد" ليست في "ن"، وفي "ع": "زيدًا". (¬2) انظر: "مغني اللبيب" لابن هشام (ص: 149). (¬3) في "ع": "ويجوز". (¬4) في "ن": "والجهد". (¬5) في "ن": "الحظ". (¬6) رواه البخاري (94)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. (¬7) في "ن": "على أمر المؤدب أن لا يضرب". (¬8) انظر: "سيرة ابن إسحاق" (1/ 100)، و"سيرة ابن هشام" (2/ 68).

قال السهيلي: فيكون في تلك الغطات الثلاث إشارةٌ إلى ثلاثِ شدائدَ يُبتلى بها، ثم يأتي الفرجُ، وكذلك كان لقي رسول الله (¬1) - صلى الله عليه وسلم - هو وأصحابه شدةً من الجوع في الشِّعْب حين (¬2) تعاقدت قريشٌ على قطيعتهم، وشدةً أخرى من الخوف والإيعاد بالقتل، وشدةً أخرى من الإجلاء عن أحب الأوطان إليهم، ثم كانت العاقبةُ للمتقين، والحمد لله (¬3) (¬4). (فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1]): فيه دليل للجمهور أنه أولُ ما نزل، وفيه ردٌّ على من قال: إن البسملة آيةٌ من كل سورة، وهذه (¬5) أولُ سورة نزلت، ولم يذكر فيها بسملة، قاله ابن القصار. (فرجّع بها): هو عند الشيخ أبي الحسن: بتشديد الجيم. قال أبو عمر (¬6): إن الصواب: التخفيف، يريد: أن المعنى: أنه رجع إلى بيته، -والتشديد- على (¬7) أنه رَجَّعَ بما أقرأه جبريل؛ أي: قرأه مَرَّات. (يرجُف): -بضم الجيم-: يخفق ويضطرب. (فؤادُه): قلبه على المشهور، وقيل: هو باطنُ القلب، قيل: غشاؤه (¬8). ¬

_ (¬1) "رسول الله": ليست في "ن". (¬2) في "ع": "حيث". (¬3) "والحمد لله" ليس في "ع". (¬4) انظر: "الروض الأنف" للسهيلي (1/ 405). (¬5) "هذه" ليست في "ج". (¬6) في "ج": "أبو عمرو". (¬7) "على" ليست في "ن". (¬8) في "ن": "هو غشاؤه".

(زملوني): أي: لُفُّوني في الثياب، ودثِّروني بها. (الرَّوع): -بفتح الراء-: الفزع. (وأخبرها الخبر): فيه أن الفازع لا يُسأل عن شيء حتى يذهب فزعُه. وعن الإمام مالك: أن المذعور لا يلزمُه ما صدر (¬1) منه في حال ذعره من بيع وإقرار وغيره. (لقد خشيتُ على نفسي): أي: خشيت ألَّا أُطيق حملَ أعباءِ الوحي؛ لما لقيتُه أولًا عند لقاء الملك، وليس معناه الشكَّ في أن ما أتاه (¬2) من الله تعالى، قاله القاضي، وأبدى احتمالًا آخر فيه بحث (¬3). (كلا): هي عند البصريين حرفُ ردع، والمعنى هنا: كلَّا، لا (¬4) تقلْ ذلك (¬5)، أو كلَّا، لا خوفَ عليك. (ما يُخزيك): -بضم أوله وبالخاء المعجمة-؛ أي: ما يفضحك، هذه رواية عقيل، ويونس، ورواه معمر -بالحاء المهملة والزاي والنون-، وعليه: فيجوز -فتح الياء مع ضم الزاي، وضم الياء مع كسر الزاي (¬6) -، يقال: حَزَنَه، وأَحْزَنَه بمعنى. (إِنك): -بكسر الهمزة-؛ لوقوعها في الابتداء، وفُصلت هذه الجملة ¬

_ (¬1) في "ع": "حصل". (¬2) في "ع": "أتى". (¬3) انظر: "إكمال المعلم" (1/ 484). وانظر: "التوضيح" لابن الملقن (2/ 270). (¬4) "لا" ليست في "ج". (¬5) في "ن": "ذاك". (¬6) "وضم الياء مع كسر الزاي" ليس في "ع".

عن الأولى؛ لكونها جوابًا عن سؤالٍ (¬1) اقتضته، وهو سؤال عن سبب خاصٍّ، فحَسُنَ التأكيد، [وذلك أنها لما بتَّتِ القول (¬2) بانتفاء الخِزْي عنه، وأقسمتْ عليه، انطوى ذلك على اعتقادها] (¬3) أن ذلك لسبب عظيم، فيقدر (¬4) السؤال عن خصوصه (¬5)، حتى كأنه قيل: هل سببُ ذلك هو الاتصافُ بمكارم الأخلاق ومحاسن الأوصاف (¬6)؛ أي (¬7): كما يشير إليه كلامك؟!! (فقالت: إنك لَتصلُ الرحم): أي: تُحسن قرابتك (¬8) الذين يجمعهم رحمُ والدِك، وهي (¬9) في الأصل معنى من المعاني، وهو الاتصال الذي يجمعه رحمُ الوالد، فسميت القرابة بها (¬10). (الكَل (¬11)): -بفتح الكاف-: الثِّقْل -بكسر الثاء المثلثة (¬12) وإسكان القاف-. ¬

_ (¬1) في "ج": "سؤاله". (¬2) في "ن": "وذلك لما لم يبت القول". (¬3) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬4) في "ع": "فتقدير". (¬5) في "ع ": "خصوصية". (¬6) في "ج": "في الأوصاف". (¬7) "أي" ليست في "ع". (¬8) في "ن" و "ع": "إلى قرابتك". (¬9) في "ج": "وهو". (¬10) في "ع": "بهما". (¬11) في "ن": "كل". (¬12) "المثلثة" ليست في "ن".

(تَكسب): -بفتح المثناة من فوق- على الأفصح المشهور؛ أي: تكسب لنفسك. (المعدوم): أي: عند الناس من الفوائد والنفائس الدينية (¬1)، وقيل: بل المراد تُكسب غيرَك المعدومَ عندَ سواك (¬2)، وكسب يتعدى بنفسه إلى واحد؛ نحو: كسبت المال، وإلى اثنين؛ نحو: كسّبتُ غيري المالَ، وهذا منه، وبعضُهم يرويه: -بضم المثناة-؛ من أكسب، ومعنى الكلام كما سبق. وقال الخطابي: -بناء على ضم التاء- الرواية: "المعدوم"، ولكن الصواب: المُعدَم (¬3)؛ لأن المعدوم لا يُكسَب (¬4). وفي "تهذيب الأزهري" عن ابن الأعرابي: رجل عديم: لا عقل له، ومعدوم: لا مال له (¬5). قلت: كأنهم نزلوا وجودَ من لا مالَ له منزلةَ العدم، وحينئذ يندفع ما قاله الخطابي. (وتَقري): -بفتح التاء- مضارع قرى الضيف: إذا هيأ له طعامه ونُزُلَه. (نوائب): جمع نائبة، وهي الحادثة النازلة (¬6)، سواء كانت في حق، أو باطل، ولذلك أضافتها إلى الحق. ¬

_ (¬1) في "ع": "الدينية والدنيوية". (¬2) في "ع": "سؤال". (¬3) في "ن" و"ع": "المعدوم". (¬4) انظر: "أعلام الحديث" للخطابي (1/ 129). وانظر: "التنقيح" للزركشي (1/ 13). (¬5) انظر: "تهذيب اللغة" (2/ 149). (¬6) في "ن" و "ع": "والنازلة".

وفيه: دليل على فضل خديجة، وجزالة رأيها. وفيه: تأنيس من نزل به خوف (¬1) بذكر أسباب السلامة، وأن من نزل به ذلك، ينبغي له أن يشارك فيه من يثق بنصحه. قيل: وفيه: جواز تزكية الرجل في وجهه بما فيه من خير، و "احْثُوا الترابَ (¬2) في وُجوهِ المَدَّاحينَ" (¬3) محمولٌ على المدح الباطل (¬4). قلت: يتعين أن يقيد بما إذا أُمِنَت الفتنةُ من إعجابٍ بالنفس (¬5)، وهو قضيةُ الحديث؛ لأنه - عليه السلام - معصومٌ من ذلك كله. (ورقةَ بنَ نوفلِ بنِ أسدِ بنِ عبدِ العزى ابنَ عمِّ خديجةَ): لأنها خديجةُ بنتُ خويلد بنِ أسد، وابنَ عمِّ خديجة يكتب فيه ابن (¬6) بالألف، ويضبط بالنصب على أنه تابع لورقة، ولو جُرَّ، لكان صفةً لعبد العزى، وهو باطل. (تنصَّرَ في الجاهلية): أي: وترك عبادة (¬7) الأوثان. (وكان يكتبُ الكتابَ العبراني، فيكتبُ من الإنجيل بالعبرانية): وفي التعبير والتفسير من البخاري: "يكتبُ الكتابَ العبرانيَّ، فيكتبُ ¬

_ (¬1) في "ج": "ما نزل به من خوف". (¬2) "التراب": ساقطة من "ج". (¬3) رواه مسلم (3002) عن المقداد رضي الله عنه. (¬4) في "ج": "بالباطل". (¬5) في "ن" و "ع": زيادة: "ونحوه". (¬6) "ابن" ليست في "ج". (¬7) في "ج": "عبدة".

بالعربية من الإنجيل" (¬1). وفي "صحيح مسلم": "العربي، فيكتب بالعربية من الإنجيل" (¬2)، والكلُّ صحيح؛ أي (¬3): كان يحسن الكتابة العربية والعبرانية، ويحسن التلفظ باللغتين، فيكتب من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب، تارة بهذا، وتارة بهذا. (الناموس): صاحبُ سرِّ الخير، والجاسوس: صاحبُ سرِّ الشر. (الذي نزّل (¬4) الله (¬5) على موسى): قيل: هذا لا يلائم قوله: تنصر. وتمحَّلَ له السهيليُّ بما لم أرَ ذكره. وقد رواه الزبيرُ بن بكار، فقال: "ناموسُ عيسى بنِ مريم" (¬6)، يريد: جبريل - عليه السلام -. (يا ليتني): ذهب ابنُ مالك إلى أن "يا" في هذا المحل وأمثاله حرفُ تنبيه، لا حرفُ نداء كما يظنه كثيرون (¬7). ¬

_ (¬1) رواه البخاري في: التعبير (6982)، وفي: التفسير (4953)، ولفظه: "وكان يكتب الكتاب العربي، فيكتب بالعربية من الإنجيل". (¬2) رواه مسلم (160). (¬3) في "ج": "إن". (¬4) في "ن" و "ج" و"ع": "أنزل". (¬5) لفظ الجلالة "الله" ليس في "ج" و "ع". (¬6) رواه الزبير بن بكار في: "جمهرة نسب قريش وأخبارها"، وقال الحافظ في "الفتح" (1/ 35): فيه عبد الله بن معاذ ضعيف. ثم ساق له شاهدًا، وحسنه، وقال: كل صحيح. (¬7) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 4).

قال: لأن القائل: يا ليتني؛ قد يكون وحدَه، فلا منادى ثابت، ولا محذوف، ولأن (¬1) العرب لم تستعمل المنادى قبل ليت ثابتًا، فادعاءُ حذفه باطل؛ لخلوه من دليل، وفيه بحث. (فيها): أي: في مدة النبوة، أو (¬2) الدعوة، أو الدولة. (جَذَعًا): -بجيم وذال معجمة مفتوحتين-؛ أي: شابًّا قويًّا على نصرتك، أو (¬3) أولَ مَنْ يُجيبك إلى الإيمان (¬4). أصله: أن يستعمل للدواب باعتبار سِنٍّ مخصوص، ثم استُعير للإنسان، إما باعتبار القوة، فيجيء الأول، أو باعتبار الأولية؛ فإن الجَذَع أولُ الأسنان (¬5)، فيجيء الثاني، والظاهر هو الأول. والمشهور هنا النصبُ، إما على أنه حال من الضمير المستكن في خبر ليت، وهو فيها، وإما على أنه خبر لأكون محذوفًا، وإما خبر لليت على أنها تنصب الجزأين، ولا إشكال في الأول، كما أنه لا إشكال في رفع جذع كما وقع للأصيلي هنا. (إذ يخرجك): فيه استعمال إذ للاستقبال كإذا؛ نحو: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ} [غافر: 70 - 71]، والجمهور لا يثبتون مثل هذا، والآية متأولة. ¬

_ (¬1) في "ن": "لأن"، وفي "ج": "وأن"، وفي "ع": "كأن". (¬2) في "ج": "و". (¬3) في "ع": "و". (¬4) في "ع": "إلى الإسلام". (¬5) في "ج": "الإنسان".

(أوَ مخرجيَّ هم؟): -بفتح الواو وتشديد ياء "مخرجيَّ"- جمع مُخْرِج مضاف إلى ياء المتكلم، و"هم (¬1) " مبتدأ مؤخر، "ومخرجيَّ" خبر مقدم، ولا يجوز العكس؛ لئلا يخبر عن النكرة بالمعرفة؛ لأن الإضافة في "مخرجيَّ" لفظية، ولا يجوز أن يكون "مخرجيَّ" مبتدأ، و"هم" فاعلًا؛ لأن "مخرجيَّ جمع"، والوصف (¬2) وما بعده إذا تطابقا في غير الإفراد كان الأول خبرًا مقدمًا، قاله ابن الحاجب (¬3). قلت: بناؤه على المشهور، وأما على لغة: "يتعاقبون"، فلا يمتنع، أما لو كان مخرج (¬4) مفردًا، وأُضيف إلى ياء المتكلم، لتعين إعراب هم فاعلًا به على رأي من يجيز كونَ مرفوع الوصف المبتدأ ضميرًا منفصلًا؛ كابن الحاجب، وابن مالك، ومنهم من يمنع مثلَ هذا التركيب أصلًا، ومحلُّ بسطه كتبُ العربية. (وإن يدركْني يومُك): أي: وقتُ انتشار نبوَّتِك. وفي (¬5) "السيرة": "إن أدركْ ذلكَ اليومَ" (¬6). قالوا: والذي في البخاري هو الوجه؛ لأن ورقة سابق بالوجود (¬7)، والسابقُ هو الذي يدركه ما يأتي بعده. ¬

_ (¬1) في "ع": "وهو". (¬2) في "ع": "الوصف". (¬3) انظر: "الأمالي النحوية" لابن الحاجب (3/ 25). (¬4) في "ع": "يخرج". (¬5) في "ع": "في". (¬6) انظر: "سيرة ابن إسحاق" (ص: 100). (¬7) في "ج": "في الوجود".

قلت: وجه السهيلي ما في "السيرة": بأن المعنى؛ إن أدرك (¬1) ذلك اليوم، فسمَّى رؤيتَه إدراكًا (¬2). (مؤزَّرًا): -بهمزة وتُسهل- على زنة مُفَعَّل؛ من الأَزْر، وهو القوة. (ثم لم ينشَب ورقة): -بفتح ثالثه (¬3) -؛ أي: لم يمكث. (أن تُوفي): -في محل رفع- على أنه بدلُ اشتمالٍ من ورقة؛ أي: لم تتأخر وفاته عن هذه القصة. وفي "السيرة": "أن ورقة بن نوفل كان يمر ببلال وهو يعذَّب، وهو يقول: أَحَدٌ أحد، فيقول: أحد أحد واللهِ يا بلال، ثم يُقْبل على أميةَ بن خَلَف ومَنْ يصنع (¬4) به ذلك من بني جُمَح، فيقول: أحلفُ بالله لئن قتلتموه على هذا، لأتخذنه حنانًا" (¬5)، وهذا مخالف لما في "البخاري"، فتأمله. (وفتر الوحيُ): أي: سكن وأغبَّ نزولُه وتتابُعه. وقد جاء في حديث مسند ذكره السهيلي: أن الفترة كانت سنتين ونصفًا، وبه جمع بين قول أنس: أنه - عليه السلام - أقام بمكة عشر سنين، وقولِ ابن عباس: ثلاثَ عشرةَ سنة، وذلك أنا إذا أضفنا زمنَ الفترة إلى زمن ابتداء الوحي بالرؤيا الصالحة، وهي ستة أشهر، كان مجموع ذلك ¬

_ (¬1) في "ع": "أرَ". (¬2) انظر: "الروض الأنف" (1/ 409). (¬3) في "ع": "بفتح أوله وبفتح ثالثه". (¬4) في "ن" و "ع": "ومن كان يصنع". (¬5) انظر: "سيرة ابن إسحاق" (ص: 169).

ثلاثَ سنين، فيجيء من اعتبار (¬1) ذلك [قول ابن عباس، وإن اعتبرنا العددَ (¬2) من حين حميَ الوحيُ وتتابع، جاء قول أنس، وسيأتي] (¬3) فيه كلام (¬4) إن شاء الله تعالى. * * * 4 - (4) - قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ جَابرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيَّ قَالَ -وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ-، فَقَالَ فِي حَدِيثهِ: "بَيْنَا أَناَ أَمْشِي، إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْض، فَرُعِبْتُ مِنْهُ، فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ: زَمِّلُوني، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: 1 - 5]، فَحَمِيَ الْوَحْيُ وَتتابَعَ". تَابَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، وَأَبُو صَالِحٍ، وَتَابَعَهُ هِلاَلُ بْنُ رَدَّادٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ يُونُسُ وَمَعْمَرٌ: "بَوَادِرُهُ". (بَيْنَا): ظرف زمان مكفوفٌ بالألف عن الإضافة إلى المفرد، والتقدير بحسب الأصل: بين أوقات. (أنا أمشي إذ سمعتُ): وفيه ردٌّ على الأصمعي حيث ادعى أن الفصيح (¬5) ¬

_ (¬1) في "ن": "باعتبار". (¬2) في "ع": "اعتبر بالعدد". (¬3) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬4) في "ع": "الكلام". (¬5) في "ج": "الأفصح".

تركُ إذ وإذا في جواب بينا وبينما، وإذ هذه للمفاجأة، [وهل هي ظرف زمان، أو مكان، أو حرفٌ بمعنى المفاجأة] (¬1)، أو حرف مؤكد؟ أقوال معروفة في محلها. (جالس): -بالرفع- على الخبرية، وقد يُنصب على الحالية كما قرروه (¬2) في مثل: خرجت فإذا زيدٌ جالس. [(كُرسي): -بضم الكاف لا بكسرها- على الأشهر] (¬3). (فرَعُبت): قيده الأصيلي -بفتح الراء وضم العين المهملة-؛ من الرعب، وهو الخوف، وقيده غيره -بضم الراء وكسر العين- على ما لم يُسم فاعلُه، قال القاضي: وهما صحيحان (¬4). (زملوني، فأنزل الله -عز وجل (¬5) -: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1]: وفي تفسير سورة المدثر: "دثِّرُوني وصُبُّوا عَلَيَّ ماءً باردًا، فنزلَتْ: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1] " (¬6)، وهذا يدل على أن التدثر والتزمل (¬7) بمعنى واحد، وهو كذلك، وظاهرُ الحديث أو نصُّه: أن (¬8) نزول: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1] ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬2) في "ع": "قرره". (¬3) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬4) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 294). (¬5) في "ع": "زملوني، فأنزل الله عليه". (¬6) رواه البخاري (4922). (¬7) في "ع": "التدثير والتزميل". (¬8) في "ج": "على أن".

بعد فترة الوحي، فلا تمسُّكَ فيه لمن قال: إنها (¬1) أولُ ما نزل (¬2) من القرآن. (فحمي الوحي): أي: قويَ واشتدَّ، كما قال: وتتابع. (تابعه): أي: يحيى بنَ بكير (¬3). (عبدُ الله بنُ يوسف وأبو صالح): فتكون الرواةُ عن الليث ثلاثةً. (وتابعه): أي: عقيلًا، هلالٌ. (وقال يونس، ومعمر: بوادِرُه): أي: إن أصحاب الزهري اختلفوا، فروى عنه عقيل: "يَرْجُفُ فُؤادُهُ" -كما مَرَّ-، وتابعه على ذلك هلالُ بنُ رَدَّاد (¬4)، وروى عنه يونسُ ومعمرٌ: "ترجُفُ بَوادره" (¬5) -بفتح الباء الموحدة- جمعُ بادِرَة، وهي اللَّحمة التي بينَ المنكِب والعُنُق تضطربُ عندَ فزعِ الإنسان. قال أبو عبيدة (¬6): تكونُ من الإنسانِ وغيرِه (¬7). ¬

_ (¬1) في "ع": "أنهما". (¬2) في "ع": "مما نزل". (¬3) في "ن" و "ع": "يحيى بن عبد الله بن بكير". (¬4) في "ج": "داود"، وهو خطأ. قال الحافظ في "الفتح" (1/ 38): وحديث هلال في "الزهريات" للذهلي. (¬5) رواه البخاري (4670)، ومسلم (160). (¬6) في "ع": "عبيد". (¬7) انظر: "عمدة القاري" للعيني (1/ 69).

5 - (5) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانة، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَبي عَائِشَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلهِ تَعَالَى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [القيامة: 16]. قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً، وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ -فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَناَ أُحَرِّكهُمَا لَكُمْ كمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُحَرِّكهُمَا، وَقَالَ سَعِيدٌ: أَناَ أُحَرِّكهُمَا كمَا رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَرِّكهُمَا، فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ-، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة: 16 - 17]. قَالَ: جَمْعُهُ لَهُ فِي صَدْرِكَ، وَتَقْرَأَهُ: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: 18]. قَالَ: فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 19]: ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ نقرَأَهُ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أتاهُ جِبْرِيلُ، اسْتَمَعَ، فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ، قَرَأَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - كمَا قَرَأَهُ. (أبو عَوانة): -بفتح العين المهملة-. (يعالج من التنزيل شِدَّةً): أي: يُزاول لأجل التنزيل شدةً، فمِنْ تعليلية. (وكان (¬1) مما (¬2) يحرك شفتيه): الضمير في كان يرجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويؤيده التصريحُ به في رواية مسلم: "وكانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أُنزلَ عليه الوحيُ مما يحركُ شَفَتيه" (¬3)، ومما مرادفة ربما؛ كقوله: [من الطويل] ¬

_ (¬1) في "ن": "فكان". (¬2) في "ع": "ممن". (¬3) رواه مسلم (448) عن ابن عباس رضي الله عنهما.

وَإِنَّا لَمِمَّا نَضْرِبُ الْكَبْشَ ضَرْبَةً ... عَلَى رَأْسِهِ تُلْقِي (¬1) اللِّسَانَ مِنَ الفَمِ (¬2) قاله السيرافي وجماعة. ومعناها: التكثير، وخَرَّجوا عليه قولَ سيبويه: واعلم أنهم مما يحذفون كذا، قال ابن هشام: والظاهر: أن مِنْ (¬3) فيهما ابتدائية، وما مصدرية، وأنهم جعلوا كأنهم خلقوا من الضرب والحذف، مثل: {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: 37] (¬4). قلت: ليس المثالان نظير (¬5) الآية، ولا يتأتى فيهما ما أراد؛ وذلك لأن فعل الصلة فيهما مسند إلى ضمير يرجع إلى المحدث عنهم، فيلزم عند الشك إضافةُ المصدر إلى ذلك الضمير، فيؤول الأمر إلى جعلهم كأنهم خُلقوا من ضربهم ومن حذفهم، وذلك غير (¬6) متصوَّر ألبتة، وهذا ليس بموجود في الآية. وانظر هل يمكن جعل قوله: "يحرك شفتيه" خبر كان، والتقدير: وكان (¬7) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحرك شفتيه مما يعالج، فحذف صلة ما (¬8)؛ للعلم بها؛ كقوله: [من مجزوء الكامل المرفَّل] ¬

_ (¬1) في "ع": "يلقي". (¬2) البيت لأبي حية النميري. (¬3) "من" ليست في "ج". (¬4) انظر: "مغني اللبيب" (ص: 424). (¬5) في "ج": "ليس مثلها لأن نظير". (¬6) "غير" ليست في "ج". (¬7) في "ن" و "ع": "كان". (¬8) في "ن": "فحذفت صفة ما".

نَحْنُ الأُلَى فَاجْمَعْ جُمُو ... عَكَ ثُمَّ وَجِّهْهُمْ إِلَيْنَا (¬1) (¬2) أي: نحن الأُلى عُرفوا بالنجدة والشجاعة، فتأملْه. * * * 6 - (6) - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، قَالَ: أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ح. وَحَدَّثَنَا بشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ يُونس، وَمَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، نَحْوَهُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَجْوَدَ الناسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَجْوَدُ بالْخَيْرِ مِنَ الرِّيح الْمُرْسَلَةِ. (وكان أجودُ ما يكونُ في رمضانَ): فيه استعمالُ رمضان مجردًا عن لفظة (¬3) الشهر، وقد تكرر في الأحاديث كثيرًا، وسيأتي الكلام عليه في الصيام إن شاء الله تعالى. وأجودُ: إما (¬4) مرفوعٌ على أنه اسمُ كان مضافٌ إلى المصدر المسبوك (¬5) ¬

_ (¬1) في "م": "إليَّا". (¬2) البيت لعبيد بن الأبرص، كما ذكر البغدادي في "خزانة الأدب" (2/ 253). (¬3) في "ن": "لفظ". (¬4) في "ج": "ما". (¬5) في "ع": "المصدر المنزل".

من ما (¬1) يكون؛ أي: أجودُ أكوانه، وفي رمضان خبرُها، أو على أنه بدلُ اشتمالٍ من اسم كان، وهو حينئذ ضمير عائد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وأما منصوبٌ على أنه خبرُ كان، واسمُها ضميرٌ مستكِنٌّ كما سبق، وما حينئذٍ مصدرية ظرفية؛ أي: كان - عليه السلام - متصفًا بالأجودية مدةَ كونِه في رمضان، مع أنه أجودُ الناس مطلقًا، وإنما التفضيلُ بين حالتيه هو في رمضان، وفي غيره. قلت: ولك مع (¬2) نصب أجودَ أن تجعل "ما" نكرةً موصوفة، فيكون في رمضان متعلقًا بكان، مع أنها ناقصة بناءً على القول بدلالتها على الحدث، وهو الصحيحُ عند جماعة، واسمُ كان ضميرٌ عائد إليه (¬3) -عليه السلام-، أو إلى جودِه المفهومِ مما سبق؛ أي: وكان (¬4) رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أجودَ شيءٍ يكون (¬5)، أو وكان (¬6) جودُه (¬7) في رمضان أجودَ شيءٍ يكون، فجعل الجودُ متصفًا بالأجودية مجازًا؛ كقولهم: شعرٌ شاعرٌ. (فيدارسه (¬8) القرآن): لكي يتقرر عنده، ويرسخ أتمَّ رسوخ فلا ينساه، ¬

_ (¬1) في "ن": "لم". (¬2) "مع" ليست في "ج". (¬3) في "ن": "واسم كان عائدًا ضميرًا إليه". (¬4) في "ع": "كان". (¬5) في "ج" زيادة: "في رمضان". (¬6) في "ع": "ولأن". (¬7) في "ع": "أو كان جوده". (¬8) في "ن": "يدارسه".

وكان هذا إنجاز وعده تعالى لنبيه - عليه السلام - حيث قال (¬1): {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى} [الأعلى: 6]، وخُصت مدارسة القرآن برمضان؛ لشرفه، ولنزول القرآن فيه جملة إلى سماء الدنيا. (فلرسولُ الله): قال الزركشي: اللام جوابُ قسمٍ مقدرٍ (¬2). قلت: أو لام الابتداء، ولا نقدر (¬3) شيئًا، وفي قوله: اللامُ جوابُ قسم مسامحةٌ. قال المهلب (¬4): المعنى في كثرة جوده - عليه السلام - في هذه الحالة: أنه امتثل ما كان الله تعالى أمر (¬5) به من تقديم الصدقة بين يدي نجوى الرسول، فتصدق عندَ مناجاة الملَك، وترداده عليه في رمضان، وهذا الأمر (¬6)، وإن كان منسوخًا، وقد (¬7) فعل - عليه السلام - في خاصته (¬8) أشياء منع منها أمته؛ كالوصال (¬9) في الصيام (¬10). ¬

_ (¬1) في "ع" و "ج": زيادة: "له". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 19). (¬3) في "ع" و "ج": "يقدر". (¬4) في"ج": "المهلبي". (¬5) في "ج": "أمره". (¬6) في "ع": "لأمر". (¬7) في "ن" و"ع": "فقد". (¬8) في "ع": "في خاصية". (¬9) في "ن": كالوصالة. (¬10) رواه البخاري (1861)، ومسلم (1102)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

قال ابن المنير: وأحسنُ من هذا: أن (¬1) مدارسته له بالقرآن تجدد له العهد بمزيد غنى النفس، ولهذا قال - عليه السلام -: "مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بالقُرْآنِ، فَلَيْسَ مِنَّا" (¬2)؛ أي: من لم يستغن، والغنى سببُ (¬3) الجود، ويحقق ذلك: أن الجود المذكور أعمُّ من الصدقة، فلو أنه من جنس {فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة: 12]، لكان جودهُ حينئذ يختص (¬4) بالصدقات، وقد جاء الكلام عامًّا يشمل الصدقاتِ والنِّحَلَ والعطايا والنفقاتِ (¬5). (من الريح المرسَلَة): أي: إسراعًا، كذا قيل، والذي يظهر لي: أن المراد بالريح المرسَلَة: هي اللينةُ السهلةُ الهبوب، ضدّ العاصفة، وكأنه من قولهم: ناقةٌ مِرْسال (¬6)؛ أي: سهلة السير. * * * 7 - (7) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكبٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانُوا تُجَّارًا بالشَّأْمِ، فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) "أن" ليست في "ع". (¬2) رواه البخاري (7527). (¬3) في "ج": "بسبب". (¬4) في "ع": "مختص". (¬5) في "ج": "والعطايا والصدقات". (¬6) في "ج": "ناقة مرسلة".

مَادَّ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ، فَأتوْهُ وَهُمْ بإيلِيَاءَ، فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسِهِ، وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ، ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا بتَرْجُمَانِهِ، فَقَالَ: أيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نبَيٌّ؟ فَقَالَ أَبُو سُفْيانَ: فَقُلْتُ: أَناَ أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا، فَقَالَ: أَدْنُوهُ مِنِّي، وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ، ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُمْ: إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ، فَإِنْ كَذَبَنِي، فَكَذِّبُوهُ. فَوَاللَّهِ! لَوْلاَ الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا، لَكَذَبْتُ عَنْهُ. ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَنْ قَالَ: كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ؟ قُلْتُ: هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ. قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبعُونهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَقُلْتُ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ. قَالَ: أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ قُلْتُ: بَلْ يَزِيدُونَ. قَالَ: فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَهَلْ كُنتمْ تتَّهِمُونه بالْكَذِب قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قُلْتُ: لاَ، وَنحنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لاَ نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا. قَالَ: وَلَمْ تُمْكِنِّي كلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ. قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوه؟ قُلْتُ: نعمْ. قَالَ: فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ؟ قُلْتُ: الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ، يَنَالُ مِنَّا، وَننالُ مِنْهُ. قَالَ: مَاذَا يَأْمُرُكمْ؟ قُلْتُ: يَقُولُ: اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بهِ شَيْئًا، وَاتْرُكوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكمْ، وَيَأْمُرُناَ بالصَّلاَةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ. فَقَالَ لِلتَّرْجُمَانِ: قُلْ لَهُ: سَأَلْتُكَ عَنْ نسَبهِ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبٍ قَوْمِهَا. وَسَأَلْتُكَ: هَلْ قَالَ أَحَد مِنْكُمْ هَذَا الْقَوْلَ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لا، فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ أَحَدٌ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ، لَقُلْتُ: رَجُل يَأْتَسِي بقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ. وَسَأَلْتُكَ: هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ، فَذَكَرْتَ

أَنْ لاَ، قُلْتُ: فَلَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ، قُلْتُ: رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ أَبيهِ، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ كنتمْ تتَّهِمُونهُ بالْكَذِب قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ، فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ. وَسَأَلْتُكَ: أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمُ اتَّبَعُوهُ، وَهُمْ أتبَاعُ الرُّسُلِ. وَسَأَلتكَ: أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذلِكَ أَمْرُ الإيمَانِ حَتَّى يَتِمَّ. وَسَأَلْتُكَ: أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، وَكَذَلِكَ الإيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَغْدِرُ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لاَ تَغْدِرُ. وَسَأَلْتُكَ: بمَا يَأْمُرُكُمْ؟ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بهِ شَيْئًا، وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ، وَيَأْمُرُكُمْ بالصَّلاَةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ، فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا، فَسَيَمْلِكُ مَوْضعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ، لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ، فَلَوْ أنِّي أَعْلَمُ أنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ، لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ، لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ. ثُمَّ دَعَا بكِتَاب رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الَّذِي بَعَثَ بهِ دِحْيةُ إِلَى عَظِيم بُصْرَى، فَدَفَعَهُ إِلَى هِرَقْلَ، فَقَرأَهُ، فَإِذَا فِيهِ: بسْم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم، مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيم الرُّومِ، سَلاَمٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أَدْعُوكَ بدِعَايَةِ الإسْلاَمِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، يُؤْتكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ، فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّين، وَ: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إلا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64].

قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَلَمَّا قَالَ مَا قَالَ، وَفَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَاب، كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ، وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ، وَأخرِجْنَا، فَقُلْتُ لأَصْحَابي حِينَ أخرِجْنَا: لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبي كبْشَةَ، إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الأَصْفَرِ. فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيَّ الإسْلاَمَ. وَكانَ ابْنُ النَّاظُورِ، صَاحِبُ إِيلِيَاءَ وَهِرَقْلَ، سُقُفًّا عَلَى نَصَارَى الشَّأْمِ، يُحَدِّثُ أَنَّ هِرَقْلَ حِينَ قَدِمَ إِيلِيَاءَ، أَصْبَحَ يَوْمًا خَبيثَ النَّفْسِ، فَقَالَ بَعْضُ بَطَارِقَتِهِ: قَدِ اسْتَنْكَرْناَ هَيْئتَكَ، قَالَ ابْنُ النَّاظُورِ: وَكانَ هِرَقْلُ حَزَّاءً يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ سَألوهُ: إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ حِينَ نَظَرْتُ فِي النُّجُومِ مَلِكَ الْخِتَانِ قَدْ ظَهَرَ، فَمَنْ يَخْتَتِنُ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ؟ قَالُوا: لَيْسَ يَخْتَتِنُ إِلَّا الْيَهُودُ، فَلاَ يُهِمَّنَّكَ شَأْنهم، وَاكتُبْ إِلَى مَدَائِنِ مُلْكِكَ، فَتقْتُلُوا مَنْ فِيهِمْ مِنَ الْيَهُودِ. فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ، أُتِيَ هِرَقْلُ برَجُلٍ أَرْسَلَ بهِ مَلِكُ غَسَّانَ يُخْبرُ عَنْ خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا اسْتَخْبَرَهُ هِرَقْلُ، قَالَ: اذْهَبُوا فَانْظُرُوا أَمُخْتَتِنٌ هُوَ أَمْ لاَ؟ فَنَظَرُوا إِلَيْهِ، فَحَدَّثُوهُ أَنَّهُ مُخْتَتِنٌ، وَسَأَلَهُ عَنِ الْعَرَب، فَقَالَ: هُمْ يَخْتَتِنُونَ، فَقَالَ هِرَقْلُ: هَذَا مَلِكُ هَذِهِ الأُمَّةِ قَدْ ظَهَرَ. ثُمَّ كتبَ هِرَقْلُ إِلَى صَاحِبٍ لَهُ برُومِيَةَ، وَكانَ نظِيرَهُ فِي الْعِلْم، وَسَارَ هِرَقْلُ إِلَى حِمْصَ، فَلَمْ يَرِمْ حِمْصَ حَتَّى أتاهُ كتَابٌ مِنْ صَاحِبهِ يُوَافِقُ رَأْيَ هِرَقْلَ عَلَى خُرُوجِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَنَّهُ نبَيٌّ، فَأَذِنَ هِرَقْلُ لِعُظَمَاءَ الرُّومِ فِي دَسْكَرَةٍ لَهُ بحِمْصَ، ثُمَّ أَمَرَ بأَبْوَابهَا فَغُلِّقَتْ، ثُمَّ اطَّلَعَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ! هَلْ لَكُمْ فِي الْفَلاَحِ وَالرُّشْدِ، وَأَنْ يَثْبُتَ مُلْكُكُمْ، فتبَايِعُوا هَذَا النَّبيَّ؟ فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الْوَحْشِ إِلَى الأَبْوَاب، فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِّقَتْ، فَلَمَّا رَأَى هِرَقْلُ نَفْرتَهُمْ، وَأَيِسَ مِنَ الإيمَانِ، قَالَ: رُدُّوهُمْ عَلَيَّ، وَقَالَ:

إِنِّي قُلْتُ مَقَالَتِي آنِفًا أَخْتَبرُ بهَا شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينكُمْ، فَقَدْ رَأَيْتُ، فَسَجَدُوا لَهُ، وَرَضُوا عَنْهُ، فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ شَأْنِ هِرَقْلَ. رَوَاهُ صَالحُ بْنُ كَيْسَانَ، وَيُونُسٌ، وَمَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ. (هِرَقل): -بكسر الهاء وفتح الراء-؛ كدمشق على المشهور، يقال (¬1): -بسكون الراء مع كسر القاف- كخِذْرِف، وهو اسمٌ (¬2) له لا ينصرف (¬3) للعلمية والعجمة، ولقبه قيصرُ، قاله الشافعي رضي الله عنه (¬4). (في ركب من قريش): في هنا للمصاحبة؛ نحو: {ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ} [الأعراف:]؛ أي: معهم. قيل: إنهم كانوا ثلاثين رجلًا، وسمي منهم المغيرة بن شعبة، وذلك في "مصنف ابن أبي شيبة" بإسناد صحيح إلى سعيد بن المسيب (¬5). وانتقده شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني -رحمه الله- بأن هذه الرواية يعارضها أن المغيرة كان مسلمًا في الحديبية، وأسلم عام الخندق، فيبعد (¬6) أن يكون حاضرًا (¬7) وهو مسلم ويسكتَ؛ لأن الكتاب (¬8) كان في مدة الهدنة (¬9). ¬

_ (¬1) في "ن" و "ع": "ويقال". (¬2) في "ن": "الاسم". (¬3) في "ن": "تصرف". (¬4) انظر: "التوضيح" لابن الملقن (2/ 376). (¬5) رواه ابن أبي شيبة (36627). (¬6) في "ع" و "ج": "ويبعد". (¬7) في جميع النسخ عدا "ع": "حاضر". (¬8) في "ع": "لأن مدة الكتاب". (¬9) في "ج": "مدة المهادنة".

(تجارًا (¬1)): على زنة كفار، وتِجَار على زنة كلاب، جمع تاجر. (بالشأم): هو إقليم معروف، يقال: مهموزًا ومسهلًا، وزاد أبو الحسين بن سراج: شآم -بهمزة ممدودة (¬2) -، قال القاضي: وأباه أكثرهم فيه إلا في النسب (¬3) (¬4). (مادّ): -بتشديد الدال المهملة- فاعَلَ من المدة (¬5)، ويريد بها: مدةَ الصلح الذي وقع بالحديبية سنة ستٍّ، وهي عشرُ سنين. (أبا سفيان وكفارَ قريش): قال الزركشي: كفار قريش -بالنصب- مفعول معه (¬6). قلت: لا يتعين؛ لجواز كونه معطوفًا على المفعول به؛ أعني: أبا سفيان. (بإِيْلِياء): -بهمزة مكسورة فمثناة من تحت ساكنة فلام مكسورة فمثناة من تحت فألف ممدودة- بوزن كبرياء، وهي بيت المقدس، قيل: معناه: بيت الله، ويقال: -بالقصر (¬7) -، ويقال: -بحذف الياء الأولى وسكون اللام-، حكي الثلاثة في "المشارق" (¬8). ¬

_ (¬1) في "ج": "تجار". (¬2) في "ج" "مهموزة ممدودة". (¬3) في "ن": "إلا بالنسب". (¬4) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 262). (¬5) في "ع": "المادة". (¬6) انظر: "التنقيح" (1/ 20). (¬7) في جميع النسخ عدا "ج": "بالنصب". (¬8) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 59).

(بالتَّرجُمان): هو المفسِّرُ لغةً (¬1) بلغة أخرى لمن لا يفهمها. وقال ابن الصلاح: ليست الترجمة مخصوصة بتفسير لغة بأخرى (¬2)، فقد أطلقوا على قولهم: باب كذا: اسمَ الترجمة؛ لكونه يعبر عما ذكر بعده، وقد كان أبو حمزة (¬3) يترجم بين يدي ابن عباس، ومحمله على أنه كان يترجم عنه إلى من خفي عليه الكلام من الناس؛ لزحامٍ، أو اختصار (¬4). قيل (¬5): هو مُعَرَّب، وقيل: عربي، ويقال: بفتح المثناة من فوق وضم الجيم، وقد يضمان معًا. (أيكم أقربُ نسبًا؟): قال ابن بطال: فيه دليل على أن أقارب الإنسان أولى بالسؤال عنه من غيرهم؛ من أجل أنه لا ينسب إلى قريبه ما يلحقه به عار في نسبه عند العداوة كما يفعل غير القريب (¬6). قلت: يا عجبًا للاستدلال بقول هرقل على أمر مشروع مع أنه من الكفار، وأيضًا فقد يعارض ما ذكره بأن القريب متهم في الإخبار عن نسب قريبه بما يقتضي شرفًا وفخرًا، ولو كان عدوًا له؛ لدخوله في شرف النسب الجامع لهما. قال ابن المنير بعد حكايته (¬7) كلامَ ابن بطال: وأيضًا فإن الأقارب ¬

_ (¬1) "لغة" ليست في "ن". (¬2) في "ج": "لغة بلغة"، وفي "ع": "بتفسير لغة أخرى". (¬3) في "ن": "جمرة". (¬4) نقله العيني في "عمدة القاري" (1/ 308). (¬5) في "ع": "وقيل". (¬6) انظر: "شرح ابن بطال" (1/ 45). (¬7) في "ع": "حكاية".

أخبرُ من الأجانب، ولهذا لا تُقبل (¬1) تزكيةُ البعيد، وندع تزكية القريب المصاحب إما في نسب، أو جوار، أو معيشة، وهذا، وإن كان من تصرف هرقل، وهرقلُ كافر، فهو مما صوبه حملة الشريعة وحسنوه (¬2)، واستدلوا به على سداد سياسة هرقل، ودقةِ نظره. قلت: لا يلزم من تحسينهم لذلك وتصويبه جعله دليلًا لهذا الحكم، إنما الدليل ما نصبه الشارع دليلًا، وموافقةُ شخص من الكفرة برأيه، ونظرِه لذلك الحكم الذي قام الدليلُ الشرعي عليه (¬3) لا يقتضي جعلَ كلامِ ذلك الكافر دليلًا، هذا ما لا سبيل إليه أصلًا. قال ابن الملقن: وفيه تقديمُ صاحب الحسب في أمور المسلمين، ومهماتِ الدين والدنيا (¬4). قلت: وفيه من الإشكال ما مر (¬5). (كَذَبني): -بتخفيف المعجمة-: نقل (¬6) إليَّ الكذبَ. (يأثُروا): -بضم المثلثة وكسرها-، واقتصر في "المشارق" على الضم، ومعناه: يتحدثوا (¬7). ¬

_ (¬1) في "ن" و "ج": "يقبل". (¬2) في "ج": "حسنوا". (¬3) "عليه" ليست في "ج". (¬4) انظر: "التوضيح" (2/ 413). (¬5) في "ن": "مثل ما مر". (¬6) في "خ ": "نسبة". (¬7) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 18).

(عليَّ): أي: عني. (لكذبت (¬1) عنه): أي: عليه، فقد تعارض الحرفان. (ثم كان أولَ ما سألني عنه): قال الزركشي: يجوز نصبه ورفعه (¬2). قلت: هذا على إطلاقه لا يصح، وإنما الصوابُ التفصيل، فإن (¬3) جعلنا "ما" نكرة بمعنى شيء، تعين نصبه على الخبرية، وذلك لأن أن قال (¬4) مؤول بمصدر معرفة. بل قال ابن هشام: إنهم حكموا له بحكم الضمير (¬5). فإذن يتعين أن يكون هو اسم كان، و (أولَ ما سألني) هو الخبر؛ ضرورة أنه متى اختلف الاسمان تعريفًا وتنكيرًا، فالمعرفُ الاسمُ، والنكرةُ الخبرُ، ولا يعكس إلا في الضرورة، وإن جعلنا "ما" موصولة، جاز الأمران، لكن المختار جعلُ أن قال هو الاسم؛ لكونه أعرفَ. (ذو نسب): أي: شريف؛ ليصح كون (¬6) هذا جوابًا عن قوله: كيف نسبه فيكم؟ (فهل قال هذا القولَ منكم أحدٌ قَطُّ قبلَه): فيه شاهد على أن قَطُّ ¬

_ (¬1) في "ج": "الكذب". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 20). (¬3) في "ج": "وإن". (¬4) "قال" ليست في "ع". (¬5) انظر: "مغني اللبيب" (ص: 590). (¬6) "كون" ليست في "ع".

لا تختص بالنفي، وقد نص في "التسهيل (¬1) " على أنها قد (¬2) تستعمل دونه (¬3) لفظًا ومعنى، أو لفظًا لا معنى (¬4). (فهل كان (¬5) من آبائه مِنْ مَلِكَ؟): روي بوجهين مَنْ (¬6) اسم، ومَلَكَ فعل، ومِنْ حرف، ومَلِكٍ اسم، والأشهرُ الثانية، ويؤيده رواية مسلم: "هل كانَ في آبائه مَلِكٌ؟ " (¬7)، وكذا هو في التفسير من البخاري (¬8)، بل في هذا (¬9) الحديث نفسه؛ فإنه قال: "وسألتُك هل كان من آبائه مَلِك؟ ". (سَخْطَة): مفعول له، وهو -بفتح السين-، قال الزركشي: وروي (¬10): "سُخطة" بضمها (¬11) (¬12). قال ابن المنير: سؤاله: هل يرتدُّ أحدٌ عن دينه سَخْطة له؟ سؤالٌ عن ¬

_ (¬1) في "ج": "السهيلي". (¬2) "قد" ليست في "ع". (¬3) في "ج": "تستعمل فيه". (¬4) "أو لفظًا لا معنى": ليست في "ج". (¬5) في "ج": "فهل من كان". (¬6) في "ع": "أمن". (¬7) رواه مسلم (1773). (¬8) رواه البخاري (4553). (¬9) في "ع": "بل هو في هذا". (¬10) في "ج": "روي ضمها". (¬11) "سخطة بضمها": ليست في "ج". (¬12) انظر: "التنقيح" (1/ 21).

مظنة، وارتداد من ارتدَّ من العرب بموته - عليه السلام - إنما (¬1) كان؛ لأنهم لم يكن دخولهم في الإسلام دخولَ تمكُّن، إنما دخلوا قهرًا، وكانوا مؤلَّفة، ويحقِّق ذلك أنهم لما دخلوا (¬2) بعدَ ذلك مستبصرين، لم يرتدَّ أحدٌ منهم إلى الآن (¬3)، إلا شذوذٌ من الأشقياء. (ولم تمكِنِّي (¬4) كلمة أُدخل فيها شيئًا غيرُ هذه الكلمة): برفع غيرُ صفة لكلمة. (قتالكم إياه): فيه انفصال ثاني الضميرين مع إمكان اتصاله. (سِجال، ينال منا، وننال منه): الجملة الفعلية تفسيرية (¬5) لسِجال، لا محل لها من الإعراب. فإن قلت: فماذا يصنع الشَّلَوْبينُ القائلُ بأنها في حكم مفسرها، إن كان ذا محل، فهي كذلك، وإلا، فلا، وهي هنا مفسرة للخبر، فيلزم أن تكون ذاتَ محل، لكنها خالية من رابط يربطها بالمبتدأ. قلت: نقدره (¬6)؛ أي: ينال فيها منا، وننال فيها منه. (ماذا يأمركم؟): يجوز فيه الوجهان، نحو: ماذا صنعت؟ ¬

_ (¬1) في "ن": "لما". (¬2) في "ن": "أنهم دخلوا". (¬3) في "ن": "الإيمان". (¬4) في "ن": "يمكنني"، وفي "ع": "يمكني". (¬5) في "ع" و "ج": "تفسير". (¬6) في "ج": "تقديره".

(اعبدوا الله وحده، ولا تشركوا به شيئًا): التفت فيه إلى أن الثانية كالتأكيد للأولى، ففصلت، وكثيرًا ما يترك (¬1) الالتفات إلى هذا المعنى، فتوصل الثانية بالأولى؛ لما بينهما من التوسط مع اتحاد المسند إليه فيهما، وحصول المناسبة الظاهرة بين مسنديهما. (سألتك عن نسبه): أي: عن (¬2) حال نسبه؛ [لأنه قال أولًا: كيف نسبه] (¬3) فيكم (¬4)؟ أي: على أيِّ حال هو؟ أشريف (¬5)، أم لا؟ (يأتسي): يقتدي، ويتبع، والأُسوة -بكسر الهمزة وضمها-: القدوة. (فذكرت أن ضعفاءَهُم اتبعوه، وهم أتباع الرسل): قال ابن المنير: واستشهادُه على النبوة بذلك صحيح، مصداقُه في قوله تعالى: {أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} [الشعراء: 111]، الصحيح أنهم أرادوا الضعفاء. (يخالط): فاعلُه ضمير يعود على الإيمان، ومفعولُه: "بشاشةَ القلوب"، ويروى: تخالط -بمثناة من فوق-، وبشاشتُه (¬6) بالإضافة إلى ضمير الإيمان، ورفعُه: على أنه ضمير تخالط (¬7)، والقلوبَ: -بالنصب- على أنه مفعوله، والمراد بالبشاشة: الانشراح. ¬

_ (¬1) في "ع": "يكثر". (¬2) "عن" ليست في "ج". (¬3) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬4) في "ج": "فلم". (¬5) في "ع": "هو شريف". (¬6) في "ع" و "ج": "وبشاشة". (¬7) في "ع": "ورفعه على أنه فاعل تخالط".

(وسألتك بما يأمركم؟): قال الزركشي: إثبات الألف مع "ما" الاستفهامية قليل (¬1). قلت: يريد: إذا دخل عليها، جاز (¬2)، ولا داعي هنا إلى التخريج على ذلك؛ إذ يجوز أن تكون الباء بمعنى عن، متعلقة بسأل؛ نحو: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان:59]، و "ما" موصولة (¬3)، والعائد، محذوف. فإن قلت: أمر يتعدى بالباء إلى المفعول الثاني، تقول: أمرتُك بكذا، فالعائد (¬4) حينئذٍ مجرور بغير ما جر به الموصول معنى، فيمتنع حذفه. قلت: قد ثبت حذفُ حرف الجر من المفعول (¬5) الثاني، فينتصب (¬6) حينئذ؛ نحو: أمرتُك الخيرَ، وعليه حمل جماعة من المعربين قوله تعالى: {مَاذَا تَأْمُرِينَ} [النمل: 33]، فجعلوا ماذا المفعولَ الثاني، وجعلوا الأول محذوفًا لفهم المعنى؛ أي: تأمريننا، وإذا كان كذلك، جعلنا العائد المحذوف منصوبًا ولا ضَيْر. (لتجشمتُ لقاءه): أي: تكلفت لقاءه على ما فيه من المشقة. قال ابن بطال: وهذا التجشُّم هو الهجرة، وكانت فرضًا قبل الفتح على كل مسلم، وإنما تأخر النجاشي لمصلحة راجحة؛ وذلك أنه (¬7) في أهل ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 21). (¬2) في "ج": "حال". (¬3) في "ج": "وموصولة". (¬4) في "ج": "والعائد". (¬5) في "ن": "مفعوله". (¬6) في "ن" و "ع" و "ج": "فينصب". (¬7) في "ج": "أنه كان".

مملكته أَغْنى عن الله وعن رسوله وعن جماعة المسلمين منه (¬1) لو (¬2) هاجر بنفسه فردًا (¬3)، مع أنه كان ملجأ مَنْ (¬4) أُوذي من الصحابة، ورِدءًا للمسلمين، وحكم الرِّدْء في جميع أحوال الإسلام حكم المقاتل، وكذلك ردء المحاربين عند مالك والكوفيين، ويجب عليه ما يجب عليهم، وإن لم يحضر الفعل (¬5). (دِحية): بفتح الدال المهملة (¬6) وكسرها، والأشهر الفتح. (بُصرى): -بضم الباء- على زنة حُبْلى: هي (¬7) مدينة حوران، قاله البكري (¬8)، وقال (¬9) ابن مكي: هي مدينة قيسارية (¬10). (عظيم الروم): أي: الذي تعظمه الروم، وعدل عن لفظ الملك إلى هذا اللفظ؛ لما فيه من الملاطفة [مع تحري الصدق، أما الملاطفة] (¬11)، فظاهرة، وأما الصدق، فلأن الروم كانت تعظمه بلا شك، فهو إخبار ¬

_ (¬1) في "ع": "أغنى بعز الله وعز رسوله وعز جماعته المسلمين منه". (¬2) في "ن" و "ع": "ولو". (¬3) في "ن": "فرادى". (¬4) في "ن" و "ع": "لمن". (¬5) انظر: "شرح ابن بطال" (1/ 47). (¬6) "المهملة" ليست في "ن". (¬7) في "ن": "هذه"، وفي "ع" و "ج": "وهي". (¬8) انظر: "معجم ما استعجم" لأبي عبيد البكري (1/ 253). (¬9) في "ج": "قال". (¬10) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 116). (¬11) ما بين معكوفتين سقط من "ج".

بالواقع بخلاف ما لو (¬1) قال: ملك الروم، فإنه يشعر بتسليم ملكه، وهو بحق الدين مسلوب لاستحقاق هذا الوصف. (بدِعاية الإسلام): -بكسر الدال المهملة-؛ أي: بدعوته (¬2)، وهي مصدر من دعا؛ كالشكاية من شكا، والمراد: كلمة التوحيد. وفي البخاري في الجهاد (¬3) (¬4)، وفي مسلم هنا: "بداعية الإسلام" (¬5)؛ أي: الكلمة الداعية إلى الإسلام (¬6)، ويجوز أن يكون مصدرًا كالعافية (¬7). (أسلم تسلم): من الكلام الجزل المشتمل على (¬8) الإيجاز والاختصار، وقد انطوى على الدلالة على خيري (¬9) الدنيا والآخرة، مع ما فيه من بديع التجنيس. (يؤتك الله أجرك مرتين): أي: إيمانك (¬10) بعيسى - عليه السلام -، وإيمانك بي (¬11) بعده. ¬

_ (¬1) في "ج": "ما له". (¬2) في "ج": "بدعواته". (¬3) "الجهاد" زبادة من "ن" و "ع" و"ج". (¬4) رواه البخاري (2782) إلا أنه قال: "بدعاية الإسلام". (¬5) رواه مسلم (1773). (¬6) "إلى الإسلام" ليست في "ن". (¬7) انظر: "التوضيح" لابن الملقن (2/ 400). (¬8) في "ج": "على أن". (¬9) في "ج": "خير". (¬10) في "ن" و "ع": لإيمانك. (¬11) "بي" ليست في "ع".

فإن قلت: على (¬1) ماذا جزم الفعل من قوله (¬2): يؤتك؟ قلت: الظاهر أنه جواب بعد أمر مقدر حذف (¬3) لدلالة المتقدم عليه، ويؤيده التصريح بذلك في رواية البخاري في: الجهاد، والتفسير؛ حيث قال هناك: "أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين" (¬4)، فيجزم إما بإن مقدرة، أو بالأمر، على الخلاف. (الأريسيين (¬5)): اختلف في ضبطها على أوجه: أريسيين -بياءين بعد السين-، وأَرِيسين -بياء واحدة بعدها-، وعليهما: -فالهمزة مفتوحة والراء مكسورة مخففة-، وإِرِّيسين -بهمزة مكسورة وتشديد الراء وياء واحدة بعد السين-، ويَريسين -بياء مفتوحة-، وباقيها (¬6) كالوجه الأول. وقال ابن فارس: الهمزة والراء والسين ليست عربية (¬7). واختلف في المراد بذلك، فقيل: الأكَّارون؛ أي: عليك إثمُ رعاياك، ونبه بالزراع على مَنْ عداهم؛ لأنهم أغلبُ وألينُ عريكة، وقد صرح به في "دلائل النبوة" للبيهقي، والطبري (¬8): "كان عليك إثم الأكَّارين" (¬9). ¬

_ (¬1) "على" ليست في "ن". (¬2) في "ج": "من قولك". (¬3) "حذف" غير واضح في "م"، وهو هكذا في "ن". (¬4) رواه البخاري (2941)، و (4553). (¬5) في "ع" و "ج": "الأريسيين". (¬6) في "ج": "وياء فيها". (¬7) انظر: "مقاييس اللغة" (1/ 79). (¬8) في "ج": "والطبراني". (¬9) رواه الطبري في "تاريخه" (2/ 128)، والبيهقي في "دلائل النبوة" (4/ 384).

وقيل: هم الخدم والخَوَل. وقيل: هم الملوك الذين يقودون (¬1) إلى رأيهم الفاسد. وقيل: هم المتجبرون؛ أي: عليك إثم من تكبر (¬2) عن الحق. وقيل هم اليهود والنصارى أتباع عبد الله بن أريس (¬3) رجلٍ كان في الزمن الأول خالفَ هو وأتباعه (نبيًّا بعث إليهم) (¬4) (¬5). {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا} [آل عمران: 64]: سقطت الواو في رواية الأصيلي وأبي ذر، والتلاوة هكذا (¬6)، وثبت (¬7) في رواية النسفي والقابسي، وغيرهما. وجعله القاضي من الوهم في التلاوة، قال: وقد اختلف المحدثون في مثله، فمنهم من أوجب الإصلاح، ومنهم من بَقَّى اللفظ، ونبه على صوابه (¬8)، وحكى ابن الملقن كلامه، ولم يزد عليه (¬9). قلت: يمكن ألَّا يكون هذا من الوهم في التلاوة، والأصل: وأَتلو عليك، أو وأَقرأ عليك: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا} [آل عمران: 64]، فلم يزد في ¬

_ (¬1) في "ج": "يعودون". (¬2) في "ج" زيادة: "عليك". (¬3) في "ع": "إدريس" وهو خطأ. (¬4) "نبيًّا بعث إليهم": ليست في "ج". (¬5) انظر: "التوضيح" لابن الملقن (3/ 401). (¬6) في "ج": "هذا". (¬7) في "ن" و "ع": "ثبتت"، وفي "ج": "أوتيت". (¬8) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 330). (¬9) انظر: "التوضيح" (2/ 404).

القرآن (¬1) شيئًا، والواو (¬2) إنما هي من كلامه داخلًا على محذوف، ولا محذور فيه. فإن قلت: يلزم عليه حذفُ المعطوف وبقاءُ حرف العطف، وهو ممتنع؟ قلت: إنما ذاك إذا حذف المعطوف وجميع تعلقاته، أما إذا بقي من اللفظ (¬3) شيء هو (¬4) معمول للمحذوف، فلا نسلِّم امتناعَ ذلك؛ مثل: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} [الحشر: 9]؛ أي: وألفوا الإيمان، وزَجَّجْنَ الحَوَاجِبَ وَالعُيُونا؛ أي (¬5): وكَحَّلْنَ، وعَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا؛ أي: وَسَقَيْتُها، إلى غير ذلك. فإن قلت: العطفُ مشكل؛ لأنه يقتضي تقييدَ التلاوة بتوليهم، وليس كذلك. قلت: إنما هو معطوف على مجموع الجملة المشتملة على الشرط والجزاء، لا على الجزاء (¬6) فقط. فإن قلت: ولنا في دفع ما قاله القاضي طريق أخرى؛ وذلك أنه (¬7) يحتمل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يرد التلاوة، بل أراد مخاطبتهم بذلك، وحينئذ فلا إشكال. ¬

_ (¬1) في "ج": "في الواو". (¬2) في "ج": "واو". (¬3) في "ج": "من الأصل". (¬4) في "ج": "وهو". (¬5) "أي" ليست في "ن". (¬6) "لا على الجزاء": ليست في "ج". (¬7) "أنه" ليست في "ن".

قلت: رد (¬1) أبو حامد السبكي بأمرين: أحدهما: أن العلماء استدلوا بهذا الحديث على جواز كتابة الآية والآيتين إلى أرض العدو، ولولا أن المراد التلاوة، لما صح الاستدلال، وهم (¬2) أعلم، وفَهْمُهم أقوم. الثاني (¬3): أنه لو كان كذلك، لقال - صلى الله عليه وسلم -: "وإن (¬4) توليتم". وفي الحديث: " {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64] " (¬5). قلت: يندفع الثاني بأنه من باب الالتفات، ولا مانع من ذلك. (الصخب): الصياح والجلبة، كذا في "الصحاح" (¬6). وقال (¬7) القاضي: اختلاط الأصوات وارتفاعه (¬8) (¬9). (أمِرَ): مثل شَرِبَ؛ أي: عَظُمَ. (أَمْرُ): على زنة فَلْس؛ بمعنى الشأن. (ابن أبي كبشة): يريد النبي - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) في "ن": "رده". (¬2) في "ج": "وهو". (¬3) في "ن" و "ع": "والثاني". (¬4) في "ن" و "ع": "فإن". (¬5) رواه البخاري (2941). (¬6) انظر: "الصحاح" (1/ 162)، (مادة: صخب). (¬7) في "ن": "قال". (¬8) في "م" و "ج": "وارتفاعهما"، والمثبت من "ن" و "ع". (¬9) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 40).

قال ابن جني: كبشة اسم مُرْتَجَلٌ، ليس بمؤنث (¬1) الكبش؛ لأن مؤنث الكبش من غير لفظه (¬2). واختلف في المراد بأبي كبشة هذا، فقيل: هو (¬3) رجل من خزاعة كان يعبد الشِّعْرَى العَبور. قال ابن ماكولا: واسمه وَجْز (¬4) -بواو مفتوحة فجيم ساكنة فزاي- ابن غالب (¬5)، فجاء العربَ بما لا تعرفه من عبادة الشِّعْرى، فلما جاءهم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بما لا يعرفونه من دينهم ودين آبائهم، ودعا (¬6) إلى عبادة الله وحده، نسبوه إلى أبي كبشة (¬7) من حيث مشاركتُه له في مطلق الشذوذ عندهم (¬8). وقيل: هو جدُّه لأُمه (¬9)، كان وهبُ بنُ عبد (¬10) منافٍ يكنى: أبا كبشة (¬11). وقيل: هو والدُ حليمةَ مرضعته. ¬

_ (¬1) في "ع": "لمؤنث". (¬2) انظر: "المحكم" لابن سيدة (6/ 691)، (مادة: كبش). (¬3) "هو" ليست في "ع". (¬4) في "ج": "وجره". (¬5) في "ع": "ابن أبي غالب" وهو خطأ. وانظر: "الإكمال" لابن ماكولا (4/ 179). (¬6) في "ع": "ودعاهم". (¬7) في "ع" و"ج": "إلى ابن أبي كبشة". (¬8) في "ن": "عنهم". (¬9) في "ع": "لأنه". (¬10) "ع" ليست في "ع". (¬11) في "ع": "أبي كبشة".

وقيل: هو حاضنه زوجُ حليمة. وقيل غير ذلك (¬1). (إِنه ليخافه (¬2)): -بكسر الهمزة- من إنَّ. قال القاضي: ضبطناه -بفتح الهمزة-؛ أي (¬3): من أجل ذلك عظم الأمر عند أبي سفيان، والكسرُ هنا صحيح على ابتداء الكلام، والإخبارِ عما رآه (¬4) من هرقل، لا سيما ولام التأكيد ثابتة في الخبر (¬5). (ملك بني الأصفر): أي: الروم. (وكان ابن الناطور): -بطاء مهملة- عند الجماعة، -وبمعجمة- عند الحموي. (صاحبَ إيلياء): منصوب على أنه خبر كان، ومنع القاضي لذلك من حيث إن خبرها: سُقُفًّا، أو يحدث أن هرقل غير (¬6) مستقيم؛ إذ لا مانع من تعدُّد الخبر (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: "شرح ابن بطال" (1/ 50). (¬2) في مطبوعات "صحيح البخاري" المتداولة: "يخافه"، وانظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 53). (¬3) "أي" ليست في "ع" و "ج". (¬4) في "ج": "عما رواه". (¬5) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 43). (¬6) "غير" ليست في "ع". (¬7) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 354).

منع الزركشي رفعَ صاحب على الصفة لما قبله، قال: لأن ما قبله معرفة، وصاحب إيلياء نكرة، والإضافة لا تعرفه؛ لأنها في تقدير (¬1) الانفصال (¬2). قلت: هذا وهم، فقد قال سيبويه: تقول: مررتُ بعبدِ الله ضاربك، كما تقول: مررت بعبدِ الله صاحبك؛ أي: المعروفِ بضربك (¬3). قال الرضي: فإذا قصدت هذا المعنى، لم يعمل اسم الفاعل في محل المجرور به نصبًا كما في صاحبك، وإن كان أصله اسم فاعل من صحب يصحب، بل يقدره كأنه جامد (¬4). و (هرقل) -بالعطف (¬5) على إيلياءَ. (سُقِّف): -بضم السين وكسر (¬6) القاف المشددة-: فعلٌ مبني للمجهول (¬7)؛ أي: قدم، وروي: "سُقُفًّا (¬8) " و "أُسْقُفًّا (¬9) " - بهمزة مضمومة والقاف فيهما مضمومة، وكذا تشديد (¬10) الفاء فيهما-؛ أي: رئيس النصارى، ¬

_ (¬1) في "ع": "طريق". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 24). (¬3) انظر: "الكتاب" لسيبويه (1/ 428). (¬4) انظر: "شرح الرضي على الكافية" (2/ 224). (¬5) "بالعطف" ليست في "ع". (¬6) في "ج": "وبكسر". (¬7) في "ج": "مبني للمفعول". (¬8) في "ج": "سقف". (¬9) في "ج": "أسقف". (¬10) في "ع": "تشد".

والجمع أساقفة (¬1) (¬2). (حَزّاء): -بحاء مهملة مفتوحة وزاي مشددة وهمزة بعد الألف- معناه: المتكهن، يقال (¬3): حزى يحزي، وحزا يحزو (¬4). (ينظر في النجوم): جملة تفسيرية قصد بها شرح معنى الحزاء. قال القاضي: ويمكن أن يكون أراد بيان جهة حزوه؛ لأن التكهن بوجوه، منها ذلك (¬5). (ملك الختان): يروى: مَلَكَ على زنة فعل، ومَلِك واحد الملوك. (يُهِمَّنَّك): مضارع أهم؛ أي: أحزن. (مدائن): -بالهمز- أصح. (ملك غسان): هو الحارث بن أبي شمر الغساني. (هذا (¬6) مُلْك هذه الأمة): بضم الميم وسكون اللام. قال القاضي (¬7): كذا لعامة (¬8) الرواة، وعند القابسي (¬9): -بفتح الميم ¬

_ (¬1) في "ج": "ساقفة". (¬2) انظر: "التوضيح" لابن الملقن (2/ 407). (¬3) في "ن": "ويقال". (¬4) في جميع النسخ عدا "ع": "يحزوا". (¬5) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 191). (¬6) "هذا" ليست في "ع" و"ج". (¬7) "قال القاضي": ليست في "ج". (¬8) في "ج": "كذا العامة". (¬9) في "ن": "القاضي".

وكسر (¬1) اللام-، وعند أبي ذر: "يملك" فعل مضارع، فأراها (¬2) ضمة الميم اتصلت بها فتصحفت (¬3). قال الزركشي: ووجهها (¬4) السهيلي في "أماليِّه": بأن هذا يملك مبتدأ وخبر؛ أي: هذا المذكور يملك هذه الأمة. وقوله: "قد ظهر" جملة مستأنفة، لا في موضع الصفة، ولا الخبر. قلت: أما الخبرية، فلا يظهر لمنعها وجه على القول بجواز تعدد الخبر، وهو الأصح، ولا على القول بمنعه؛ وذلك لأن صاحب هذا القول يجعل الثاني خبر مبتدأ مضمر، فليكن هذا مثله، ولا فرق. قال: ويجوز أن يكون "يملك" نعتًا؛ أي: هذا الرجل يملك هذه الأمة، وقد جاء النعت بعد النعت، ثم حذف (¬5) المنعوت. قال (¬6) الشاعر: [من الرجز] لَوْ قُلْتُ مَا في قَوْمِهَا لم تَيثَمِ ... يَفْضُلُهَا في حَسَبٍ وَمِيسَمِ (¬7) ¬

_ (¬1) في "ج": "وسكون". (¬2) في "ج": "فأزادها". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 380). (¬4) في "ج": "وجهها". (¬5) في "ج": "حذفه". (¬6) في "ن": "وقال". (¬7) البيت لحكيم بن معية الربعي.

أي (¬1): ما (¬2) في قومها (¬3) أحدٌ يفضلها، وهذا إنما هو في الفعل المضارع، لا في الماضي، قاله ابن السراج، وحكاه عن الأخفش. انتهى (¬4). قلت: استشهاده بالبيت على حذف المنعوت بنعت بعد نعت غير متأتٍّ (¬5)؛ إذ ليس فيه إلا نعت واحد، ثم حذفُ المنعوتِ بجملة بابُه (¬6) الشعرُ (¬7) إلا إذا كان بعد (¬8) مجرورٍ بفي؛ كما في البيت، أو بمن؛ كما (¬9) في قوله تعالى: {وَمَا مِنَّا إلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} [الصافات: 164]. (إلى صاحب له برومية): يقال: هو (¬10) ضَغَاطِرُ الأسقفُ الروميُّ، وقيل: في اسمه: بَقَاطِرُ، ورُومِيَة -بتخفيف الياء-: مدينة رئاسة الروم وعِلْمهم. (إلى حمص): جزم (¬11) الزركشي بمنع صرفه للعجمة والتأنيث والعلمية (¬12). ¬

_ (¬1) "أي" ليست في "ج". (¬2) في "ج": "أما". (¬3) في "ج": "قومًا". (¬4) انظر: "التنقيح" للزركشي (1/ 25). (¬5) في "ج": "غير ثبات". (¬6) في "ج": "بأنه". (¬7) في "ع": "بجملته ثابت في الشعر". (¬8) في جميع النسخ عدا "ع": "بعض". (¬9) في "ج": "بمن كان". (¬10) في "ن": "يقال له". (¬11) في "ج": جمع. (¬12) انظر: "التنقيح" (1/ 25).

قلت: في "الصحاح": حمص بلد يذكر ويؤنث (¬1). انتهى. فعلى التذكير ليس إلا العجمة والعلمية، وهو ساكن الوسط كنوح فيصرف. (فلم يَرِمْ): أي: لم (¬2) يفارق. (دَسْكَرَة): بناء كالقصر حوله بيوت، وجمعه دساكر. (والرشد): خلاف الغَيِّ، وفيه لغتان: كقُفْل (¬3) وفَرَح. (فغلقت): -بتشديد اللام- ولا تخفف. (فتبايعوا): -[بمثناة من فوق فموحدة (¬4) - من البيعة، وروي: "فتتابعوا"] (¬5) -بمثناتين من فوق متواليتين فموحدة بعد الألف- من المتابعة بمعنى: الاقتداء (¬6). (فحاصوا): -بحاء وصاد مهملتين-؛ أي نفروا وكَرُّوا راجعين، وقيل: جالوا، والمعنى قريب، وبمعناه (¬7) جاض -بجيم وضاد معجمة-. (وأيس): وروي: "ويئس"، وهما بمعنى، وكان معناهما انقطاع الطمع، والأول مقلوب من الثاني. ¬

_ (¬1) انظر: "الصحاح" للجوهري (3/ 1034). (¬2) "لم" ليست في "ج". (¬3) في "ج": "الفعل". (¬4) "فموحدة": ليست في "ع". (¬5) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬6) انظر: "التوضيح" لابن الملقن (2/ 411). (¬7) في "ع": "والمعنى".

(آنفًا): أي: قريبًا، وقيل: في أول وقت كنا فيه، وقيل: الساعة، قال القاضي: وكله من الاستئناف والقرب (¬1). قال ابن بطال: ولم يصح عندنا أن هرقل أسلم، وإنما آثر ملكه على الجهر بكلمة الحق، ولم يثبت أنه أُكره (¬2) حتى يُعذر، وأمره (¬3) إلى الله عز وجل (¬4). قلت: وفي "السيرة": أن المسلمين مضوا في غزوة مؤتة، وكانت في سنة ثمان، حتى نزلوا معان (¬5) من أرض الشام، فبلغهم أن هرقل نزل في مئة ألف من الروم، ثم التقوا عند مؤتة، وقتل من قتل، إلى آخر القصة (¬6) (¬7)، فهذا فيه مجاهرته للمسلمين، ونصبُه لهم القتال، وذَبُّه عن الكفر وأهله، وهو مما يؤيد عدم إسلامه. قال ابن المنير: والصحيح أن هرقل لا يُعد مسلمًا، وأما قوله: "إني لأعلم (¬8) أنه نبي"، وقوله: "لو كنتُ عنده لغسلتُ عن قدميه"، وهذا (¬9) وإن كان اعتقادًا ونطقًا، إلا أنه قد رجع عن ذلك لما أنكر عليه أهلُ مملكته، ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 44). (¬2) في "ج": "أنه أنكره". (¬3) في "ج": "فأمره". (¬4) انظر: "شرح ابن بطال" (1/ 48). (¬5) في "ج": "نزلوا مكان". (¬6) في "ع" و "ج": "القضية". (¬7) وانظر: "السيرة النبوية" لابن هشام (5/ 24). (¬8) في "ج": "إني لا أعلم" وهو خطأ. (¬9) في "ن" و "ع": "فهذا".

وقال: "إني قلتُ مقالتي آنفًا أختبرُ بها شدتكم على دينكم"، فهذا بقاء منه على دينه، وليست خشيتُه على ذهاب ملكه (¬1) مما يُعد إكراهًا (¬2)، ويكون عذرًا، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2] كما اتقى الله النجاشي، فحفظ عليه ملكه مع جهره بالإيمان (¬3). * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "مملكته". (¬2) في "ع": "على ذهاب ملكه مع جهره بالإيمان مما يعد إكراهًا". (¬3) "مع جهره بالإيمان" ليست في "ع".

كتاب الإيمان

كتابُ الإيمان

كتابُ الإيمان (كتاب الإيمان): قال الجوهري: الكَتْبُ: الجَمْعُ، والكتابُ معروف، والجمع: كُتُبٌ، وكُتْبٌ (¬1)، وقد كتبتُ كَتبًا وكِتابًا وكِتابة (¬2). قال النووي: وهو في الاصطلاح: اسمٌ للمكتوب مجازًا، من باب تسمية المفعول بالمصدر (¬3). زاد غيره: وفيه مجاز آخر إن جنحت بالكتب إلى المعنى المدلول عليه باللفظ. قال بعضهم: يطلق في اصطلاح العلماء والمصنفين على أمور، منها: مجموعُ عبارات دالةٍ على علم من العلوم، ومنها: مجموعُ مسائل ترجع إلى أصل واحد شاملٍ للشرائط والأحكام والأسباب والمقدمات واللواحق؛ ككتاب الطهارة، وكتاب الصلاة. والإيمان في اللغة: التصديق. ¬

_ (¬1) "وكتب" ليست في "ج". (¬2) انظر: "الصحاح" (1/ 208)، (مادة: كتب). (¬3) انظر: "تهذيب الأسماء واللغات" (3/ 289).

وفي "الكشاف": هو إِفْعال من الأَمْن. يقال: أمنته، وآمنته غيري (¬1)، ثم يقال: آمَنَهُ: إذا صَدَّقه، وحقيقته (¬2): آمَنَهُ التكذيبَ والمخالفةَ، وأما تعديته (¬3) بالباء، فلتضمينه معنى أقر وأعترف (¬4). وقد يفهم من ظاهر هذا الكلام أن الإيمان بمعنى التصديق مجاز لغوي، والحق أنه حقيقة، وبه يشعر كلامه في "الأساس" (¬5). وقصده (¬6) في "الكشاف": زيادةُ التحقيق والتدقيق في الوضع واللغة على (¬7) ما هو دأبُه، ومرادُه بقوله: ثم يقال: آمَنَهُ: إذا صدقه: أنه نقل إلى معنى التصديق، ووضع له لغة، ولما كنت إذا صدقت زيدًا [مثلًا، اعترفت به، عُدِّي بالباء على تضمين معنى الاعتراف، وحقيقة التضمين أن يقصد بالفعل معناه الحقيقي] (¬8) مع فعل آخر يناسبه، وهو كثير في كلام العرب، وسيأتي في تحقيق ذلك كلام بعد هذا إن شاء الله تعالى. وأما الإيمان في الشرع: فهو تصديق النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما علم مجيئه به بالضرورة، والأكثرون على أنه لا بد من (¬9) الإقرار مع التمكن، وكثير من ¬

_ (¬1) في "ج": "وغيري" بدل "وآمنته غيري". (¬2) في "ج": "وحقيقة". (¬3) في "ج": "وأما تقدمه". (¬4) انظر: "الكشاف" (1/ 80). (¬5) انظر: "أساس البلاغة" (ص: 21). (¬6) في "ن": "وقصد". (¬7) "على" ليست في "ج". (¬8) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬9) في "ج": "في".

السلف، ومنهم البخاري (¬1) على أنه التصديقُ والإقرارُ والعملُ، لكن لا يخرج بترك العمل من الإيمان؛ خلافًا للمعتزلة، ولا يدخل في الكفر؛ خلافًا (¬2) للخوارج، فالفاسق عندنا مؤمن، وعند المعتزلة ليس بمؤمن ولا كافر. فإن قيل (¬3): كيف لا ينتفي الكل بانتفاء الجزء؟ فالجواب: أن المراد أن الإيمان لا يطلق (¬4) على (¬5) أساس النجاة، وعلى الكامل المنجي بلا خلاف، والدليل على أنه عمل القلب قولُه تعالى: {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ} [المجادلة: 22]. {وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} [المائدة: 41]، {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} الحجرات: 14]. وفي الحديث: "اللَّهُمَّ ثَبتْ قَلْبي عَلَى دِينكَ" (¬6)، ومن كان في قلبه مثقالُ ذرةٍ من (¬7) حبة من خردل (¬8) من الإيمان، والاكتفاء ¬

_ (¬1) "منهم البخاري" ليست في "ج". (¬2) "خلافًا" ليست في "ن". (¬3) في "ج": "فإن قلت". (¬4) في "ن": "أن الإيمان يطلق". (¬5) في "ع": "إلا على". (¬6) رواه ابن ماجة (3834) من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - بهذا اللفظ. ورواه الترمذي (2140)، والإمام أحمد في "المسند" (3/ 112)، والبخاري في "الأدب المفرد" (683)، وغيرهم عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - بلفظ: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك". (¬7) "ذرة من" ليست في "ع". (¬8) في "ج": "من خردلة".

باب: الإيمان وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بني الإسلام على خمس"

بالشهادتين إنما هو (¬1) في حكم الدنيا من عصمة الدم والمال، وحقيقةُ التصديق: الإذعان. * * * باب: الإيمان وقَوْلِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "بُنِيَ الإسلامُ عَلَى خَمْسٍ" وَهُوَ قَوْلٌ وَفِعْلٌ، وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح: 4]. {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13]، {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} [مريم: 76]، {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد: 17]، {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر: 31]، وَقَوْلُهُ: {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [التوبة: 124] , وَقَوْلُهُ -جَلَّ ذِكرهُ-: {فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا} [آل عمران: 173]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا زَادَهُمْ إلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22]. وَالْحُبُّ فِي الله، وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ مِنَ الإيمَانِ. وَكتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ: إِنَّ لِلإيمَانِ فَرَائِضَ وَشَرَائِعَ وَحُدُودًا وَسُنَنًا، فَمَنِ اسْتكْمَلَهَا، اسْتَكْمَلَ الإيمَانَ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْهَا، لَمْ يَسْتكْمِلِ الإيمَانَ، فَإِنْ أَعِشْ، فَسَأُبيِّنُهَا لَكُمْ حَتَّى تَعْمَلُوا بهَا، وَإِنْ أَمُتْ، فَمَا أَناَ عَلَى صُحْبَتِكُمْ بحَرِيصٍ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260]. وَقَالَ مُعَاذٌ: اجْلِسْ بنَا نُؤْمِنْ سَاعَةً. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الْيَقِينُ الإيمَانُ كُلُّهُ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: ¬

_ (¬1) "هو" ليست في "ج".

لاَ يَبْلُغُ الْعَبْدُ حَقِيقَةَ التَّقْوَى حَتَّى يَدَع مَا حَاكَ فِي الصَّدْرِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {شَرَعَ لَكُمْ} [الشورى: 13]: أَوْصَيْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ وَإِيَّاهُ دِينًا وَاحِدًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48]: سَبيلًا وَسُنَّةً. (وهو): أي: الإيمان. قال الزركشي: هذا من كلام البخاري، وهو راجع إلى الإيمان المبوب عليه، لا (¬1) الإسلامِ المذكور في الحديث، فإنه سيأتي (¬2) فيه تغايرهما في باب: سؤال جبريل عن الإيمان (¬3). قلت: هذا ليس بظاهر، فإن مذهب البخاري أن معناهما واحد، ولولا ذلك، لما حسن منه إدخالُ هذا الحديث في كتاب (¬4) الإيمان في معرض الاستدلال به على قبوله الزيادة والنقص، وسيأتي فيه مزيد كلام (¬5). (قول): باللسان. (وفعل): بالجوارح وبالجَنَان، فأطلق على اعتقاد القلب فعلًا. (ويزيد وينقص): أي: الإيمان بهذا التفسير، وأما باعتبار حقيقة التصديق، فلا يزيد ولا ينقص، نعم، هو قابل للشدة والضعف، وقد أطلق كثيرون أن نفس التصديق يزيد بتظاهر الأدلة، وكثرةِ النظر، وينقص بفقد (¬6) ¬

_ (¬1) "لا" ليست في "ج". (¬2) في "ج": "فإنه يأتي". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 27). (¬4) في "ع": "كتب". (¬5) من قوله: "قلت: هذا ليس بظاهر" إلى هنا ليس في "ج". (¬6) في "ع": "لفقد".

ذلك، ولهذا كان إيمان الصديقين (¬1) أقوى من إيمان غيرهم؛ بحيث لا تعتريهم الشبهة، ولا يتزلزل (¬2) إيمانهم، وهو إذا تأملت إنما يرجع إلى القوة والضعف. (والحبُّ في الله، والبغضُ في الله من الإيمان): رواه البيهقي مرفوعًا بلفظ (¬3): "أَوْثَقُ عُرَى الإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ في اللهِ، وتُبْغِضَ في اللهِ" (¬4)، و"في" للسببية (¬5)؛ مثل: "دَخَلَتِ امْرَأةٌ (¬6) النَّارَ في هِرَّةِ" (¬7). (فرائض): جمع فريضة، وهي ما يُحمد فاعلُه (¬8)، ويُذم تاركُه. (وشرائع): جمع شريعة (¬9)، قيل: والمراد بها نحو: صفة الصلاة، وعدد شهر رمضان، وعدد جلد القاذف، وعدد الطلاق، وفيه نظر. (وسننًا): جمع سُنَّة، وهي ما يُحمد فاعلُه، ولا يُذم تاركُه، ويرادفها (¬10): المندوبُ، والتطوُّعُ، والمستَحَبُّ، والنافلة، والمرغَّبُ فيه، وللمالكية في ذلك تفصيلٌ معروف. ¬

_ (¬1) في "ج": "إيمان التصديق". (¬2) في "ج": "ولا يتركون". (¬3) "بلفظ" ليست في "ج". (¬4) رواه البيهقي في "شعب الإيمان" (14) عن البراء بن عازب رضي الله عنهما. (¬5) في "ن": "السببية". (¬6) "امرأة" ليست في "ن". (¬7) رواه البخاري (3318)، ومسلم (2619) عن أبي هريرة رضي الله عنه. (¬8) في "ع": زيادة: "عليه". (¬9) في "ن": "شرائع". (¬10) في "ع" و"ج": "ويراد فيها".

باب: دعاؤكم إيمانكم

(وقال معاذ: اجلسْ بنا نؤمنْ ساعة): قال ذلك للأسودِ بنِ هلالٍ. (وقال ابن مسعود: اليقينُ الإيمانُ كلُّه): ولا يؤكد بكل إلا ذو أجزاء يصحُّ افتراقُها حسًّا أو حكمًا. وقد ذكر عبد الحق في "الجمع بين الصحيحين": أن هذا حديث أسنده محمدُ بنُ خالدٍ المخزوميُّ عن سفيانَ الثوريِّ، عن زبيدٍ، عن أبي وائل، عن عبد الله، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1). (ما حاك في الصدر): ما وقع فيه، ولم ينشرحْ له، وخيف الإثمُ فيه. قال بعضهم: وصوابه: حَكَّ، وردَّه القاضي بأنه يقال: حاكَ يَحيكُ، وحَكَّ يَحُكُّ بمعنى (¬2) (¬3). * * * باب: دُعَاؤُكُمْ إِيمَانُكُمْ (دعاؤكم إيمانكم): قيل: يشير به إلى قوله تعالى: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان: 77]، فسمي الدعاء إيمانًا، والدعاء عمل، فاحتج به على صحة إطلاق (¬4) الإيمان على العمل. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" للزركشي (1/ 28). (¬2) "بمعنى" ليست في "ج". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 217). (¬4) "إطلاق" ليست في "ن".

باب: أمور الإيمان

8 - (8) - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَناَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبي سُفْيَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "بُنِيَ الإسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وِإيتَاءَ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ". (على خمسٍ شهادةِ): قال الزركشي: بالجر على البدل مما قبله، ويجوز الرفع؛ أي: أحدُها شهادةُ (¬1). قلت: أما وجهُ الرفع، فواضح، وأما وجهُ الجر، فقد يقال فيه: إن البدل من خمس هو مجموع المجرورات المتعاطفة، لا كل واحد منها. فإن قلت: يكون كل منها بدلَ بعض؟ قلت: يحتاج حينئذ إلى تقدير رابط. * * * باب: أمورِ الإيمانِ 9 - (9) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بلاَلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبي صَالحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "الإيمَانُ بضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبةً، وَالْحَيَاءُ شُعْبةٌ مِنَ الإيمَانِ". ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 28).

(الجُعْفِي (¬1)): -بجيم مضمومة (¬2) فعين مهملة ساكنة (¬3) ففاء مكسورة فياء النسب -ويقال له: المسندي (¬4)، وسيأتي الكلام عليه قريبًا. (العَقَدِي): -[بعين مهملة وقاف مفتوحتين -نسبة إلى بطن من بجيلة، وقيل: من قيس، وقيل: منهم بالولاء، وقيل: قبيلة] (¬5) من اليمن. (بضْع): -بكسر الباء لا الفتح- على المشهور، وهل هو (¬6) ما بين الثلاثة والعشرة؟ أو ما بين الثلاث إلى خمس (¬7)؟ أو ما بين الخمس إلى السبع؟ أو ما بين الواحد إلى الأربع؟ أقوال، والصحيح الأول. ويقال: بالهاء مع المذكر، وبتركها مع المؤنث، وثبت (¬8) هنا في بعض الأصول، وفي أكثر الروايات في غير هذا الموضع بدون هاء، وثبت (¬9) هنا في الأكثر بالهاء (¬10)، وهو مؤول (¬11). ¬

_ (¬1) "الجعفي": في رواية ابن عساكر، وفي اليونينية: "عبد الله بن محمد"، وهي المعتمدة في النص. (¬2) في "ج": "بضم الجيم". (¬3) "ساكنة" ليست في "ج". (¬4) في "ج": "المسند". (¬5) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬6) في "ج": "وقيل هو". (¬7) في "ج": "الخمس". (¬8) في "ن" و "ع": "وثبتت". (¬9) في "ع": "وتأنيث". (¬10) "بالهاء" ليست في "ج". (¬11) انظر: "التوضيح" لابن الملقن (2/ 470).

(وستون): كذا للمروزي، "وسبعون" لغيره (¬1). وقال القاضي: إنها الصواب (¬2)، وتبعه النووي، وقال: هي زيادة (¬3) ثقة (¬4). وقال ابن الصلاح: الأشبهُ ترجيحُ الأقل؛ لأنه المتيقن (¬5). وفيه ردٌّ لقول الجوهري: إذا جاوزت العشرة، ذهب البضع، لا تقول: بضع وعشرون (¬6)، والأحاديث طافحة بخلاف (¬7) ما قال. (شُعْبة): -بضم الشين المثلثة وإسكان العين المهملة-: القطعة والفرقة. وقال أبو حاتم بنُ حِبان -بكسر الحاء-: إنه تتبعَ الكتابَ والسنة، فجمعَ ما فيهما جميعًا من الطاعات التي عُدَّت من الإيمان. قال: وأسقطتُ المكررَ (¬8)، فكانت (¬9) بضعًا وسبعين، لا تزيد ولا تنقص، فعلمنا (¬10) أن المراد استعمال (¬11) الكتاب والسنة على هذا العدد الخاص (¬12). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (35/ 58). (¬2) انظر: "إكمال المعلم" (1/ 272). (¬3) في "ن": "ليس بزيادة". (¬4) انظر: "شرح مسلم" (2/ 3). (¬5) انظر: "التوضيح" لابن الملقن (2/ 473). (¬6) انظر: "الصحاح" (3/ 1186)، (مادة: بضع). (¬7) "بخلاف" ليست في "ن". (¬8) في "ع": "وأسقط المتكرر". (¬9) في "ج": "وكان". (¬10) في "ن": "فعلمت". (¬11) في "ن" و "ع": "اشتمال". (¬12) انظر: "صحيح ابن حبان" (1/ 387). وقد نقله المؤلف هنا عن ابن الملقن في "التوضيح" (2/ 477).

باب: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده

باب: المسلم مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدهِ (باب: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده): قال ابن المنير: مقصوده (¬1) من هذه الترجمة: أنه فسر الإسلامَ بأنه تركُ العدوان، والعدوانُ معصية، فعد تركها إسلامًا، وذكره (¬2) كما يذكر الحد، فدل ذلك على أن ترك المعاصي داخل في مسمى الإسلام. 10 - (10) - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبي إِيَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبة، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبي السَّفَرِ وإسْمَاعِيلَ، عَنِ الشَّعْبيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضيَ اللهُ عَنْهُما-، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَده، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نهى اللَّهُ عَنْهُ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: حَدَّثَنَا داوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَقَالَ عَبْدُ الأَعْلَى: عَنْ داوُدَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (ابن أبي إِياس (¬3)): بكسر الهمزة. (أبي السَّفَر): بفتح السين وكذا الفاء، وحكي إسكانها. * * * ¬

_ (¬1) "مقصوده" ليست في "ج". (¬2) في "ن": "فذكره". (¬3) في "ع": "أن ابن أبي إياس".

باب: أي الإسلام أفضل؟

باب: أيُّ الإسلامِ أفضلُ؟ 11 - (11) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي بُرْدَةَ، عَنْ أَبي بُرْدَةَ، عَنْ أبي مُوسَى -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ الله! أَيُّ الإسْلاَمِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَده". (قالوا (¬1): يا رسول الله!): في مسلم: "عن أبي موسى، قلت: يا رسول الله! " (¬2)، وجاء في طريق عنه: "سألنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (¬3)، فهذا ظاهر في أن أبا موسى من القائلين الذين أبهموا (¬4) في "البخاري". (أَيُّ الإسلام أفضل؟): لا بد هنا من تقدير (¬5) شيء، فيحتمل أن يقدر: أيُّ خِصالِ الإسلام أفضلُ؟ ويحتمل أن يقدر: أيُّ ذوي الإسلام أفضل؟ فعلى الأول يحتاج إلى أن يقدر أيضًا في قوله: "من سلم المسلمون" أي: خصلة من سلم المسلمون؛ ليطابق الجواب السؤال (¬6). وعلى الثاني لا يقدر في الجواب شيئًا؛ لحصول المطابقة. قال ابن المنير: ومقصود هذه الترجمة: أن الإسلام يتفاضل، ولو كان مجرد التصديق، لما تفاضل، مع أن فيه ما في الترجمة الأولى (¬7). ¬

_ (¬1) في "ع": "قال". (¬2) رواه مسلم (42). (¬3) رواه أبو يعلى في "مسنده" (7288). (¬4) في "ع": "اتهموا" وهو خطأ. (¬5) في "ن": "تقديم". (¬6) في "ع": "الجواب والسؤال". (¬7) في "ع": "مع أنه ينافيه ما في الترجمة الأولى".

باب: إطعام الطعام من الإسلام

باب: إطعام الطَّعامِ مِن الإسلامِ 12 - (12) - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ أَبي الْخَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ الإسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَالَ: "تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ". (أي الإسلام خير؟): لا مجال هنا للتقدير الثاني، فيتعين الأول؛ أي (¬1): أيُّ خصال الإسلام خير؟ (تطعم): مضارع أطعم، وفيه حذف أَن المصدرية في غير مواضعها المشهورة؛ مثل: تَسْمَعُ بالمعيديِّ، على أن بعضهم يرى حذفها على الإطلاق مقيسًا، وفيه وفيما قبله حذفُ المسند إليه لقيام القرينة الدالة عليه. (الطعام): كأنه ذُكر، وإن كان مستغنًى عنه بقوله: "تطعم"؛ لقصد المزاوجة بين هذا اللفظ وبين قوله: (وتَقرَأُ السلامَ): وتقرأ: مضارع قرأ، فهو مفتوح التاء. قال الزركشي: ويجوز ضم التاء وكسر الراء (¬2). قلت: هي لغة سوء. قال القاضي: لا يقال: أقرأه السلام إلا في لغة سوء، إلا إذا كان مكتوبًا، فتقول ذلك؛ أي: اجعله يقرؤه كما يقال: اقرأ الكتاب. انتهى (¬3). ¬

_ (¬1) "أي" ليست "ع". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 30). (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 175).

باب: من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه

ولا تتأتى إرادةُ هذا الآخَر (¬1) في الحديث، والظاهر: أن المراد: الإطعامُ على وجه الصدقة والهدية والضيافة، ونحو ذلك؛ لأن الطعام ذُكر بصيغة العموم، ولا يخفى ما في ذلك وما في بذل السلام من استئلاف القلوب، واستجلاب المودة، فلا جرم وقعَ الحضُّ عليهما. (على من عرفتَ ومن لم تعرف): أي: من المسلمين؛ لثبوت النهي عن ابتداء الكافر بالسلام. * * * باب: من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحبُّ لنفسه 13 - (13) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنس -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَعَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّم، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنسٍ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "لا يُؤْمِنُ أَحَدكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ". (مُسَدَّد): بميم مضمومة فسين مهملة مفتوحة فدال مشددة مفتوحة وأخرى مخففة. (وعن حسين المعلم): معطوف على قوله: عن شعبة، يعني: أن يحيى حدث عن شعبة، وعن حسين عن قتادة. (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه): أي: من الخير، كذا جاء مبينًا في رواية النسائي (¬2). ¬

_ (¬1) في "ع": "الأخير". (¬2) رواه النسائي (5017).

باب: حب الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الإيمان

قال أبو الزناد: ظاهره التساوي، وحقيقته التفضيل؛ لأن الإنسان يحب أن يكون أفضل الناس، فإذا أحب لأخيه مثله، فقد دخل هو من (¬1) جملة المفضولين (¬2). وانتقده ابن المنير بأنه يفضي إلى التناقض، ويستحيل أن يحب النقيضين، فيحب كونه من (¬3) نفسه أفضل مفضولًا، والشرع لا يخالف العقل، فالصحيح أنه لا يفسح (¬4) لأحد أن يحب كونه أفضل الناس، وإنما الذي يفسح له فيه (¬5) حب الفضائل من غير أن يحب لأخيه نقيصة ولا غضاضة بالنسبة إليه، وإذا كان لا يحل له أن يعمد (¬6) على تنقيص الناس، ولا على طلب أن يكون أفضل منهم، لم يلزمه حينئذ لأخيه (¬7) أن يحب له كونه أفضل منه. * * * باب: حبّ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - من الإيمانِ 14 - (14) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، ¬

_ (¬1) في "ن" و "ع": "في". (¬2) انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (1/ 282). (¬3) في "ن" و "ع": "في". (¬4) في "ج": "لا يصح". (¬5) "فيه" ليست في "ع". (¬6) في "ج": "أن يعمل". (¬7) "لأخيه" ليست في "ج".

قَالَ: "فَوَالَّذِي نفسِي بيَدِهِ، لاَ يُؤْمِنُ أَحَدكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَده". (أحب إليه من ولده (¬1)): وهذه محبة الرحمة والشفقة. (ووالده): وهذه محبة الإجلال. * * * 15 - (15) - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أنَسٍ، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - ح. وَحَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنس، قَالَ: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يُؤْمِنُ أَحَدكُمْ حَتَّى أكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِد وَوَلَد وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ". (والناس أجمعين): وهذه محبة الاستحسان، فقد جمع أقسام المحبة الثلاثة، ولا شك أن من حصل له الايمان الكامل، علم أن حقه -عليه الصلاة والسلام- آكدُ من حق ابنه وأبيه والناس أجمعين، وأَحَبَّه أشدَّ من حبه (¬2) لهم قاطبة. وفي "شفا القاضي" (¬3) كلام بديع من (¬4) هذا المعنى حقُّه أن يُكتب بذَوْب التبر لا بالحبر، فانظره هناك (¬5). ¬

_ (¬1) قدم هنا ذكر "الولد" على "الوالد"، وهو كذلك في رواية الأصيلي، والأكثر -في هذا الحديث- تقديم "الوالد" على "الولد" كما في اليونينية، وقد اعتمدتها في متن الحديث. (¬2) في "ع": "محبته". (¬3) في "ج": "وفي "الشفا" للقاضي". (¬4) "من" ساقطة من "ج"، وفي "ن" و"ع": "في". (¬5) انظر: "الشفا" للقاضي عياض (2/ 18).

باب: حلاوة الإيمان

باب: حلاوةِ الإيمانِ 16 - (16) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّاب الثَّقَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنس، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ". (حلاوة الإيمان): تشبيه الإيمان بالعسل مثلًا في ميل النفوس السليمة إليه استعارة بالكناية، وإثبات الحلاوة له استعارة تخييلية (¬1)، ويجوز أن تكون الاستعارة في الحلاوة فقط بأن شبه استلذاذ الإيمان بالحلاوة، والجامع كونُ كلٍّ منهما أمرًا تميل النفوس إليه (¬2)، وحينئذ يكون استعارة مصرحة (¬3). (أحب إليه مما سواهما): فيه الجمع بين اسم الله، واسم رسوله في ضمير واحد، وذلك غير ممتنع منه - صلى الله عليه وسلم - بخلاف غيره، ولهذا أنكر على الخطيب قوله: ومن يعصهما (¬4)، هذه طريقة. وبعضهم يقول: المراد في (¬5) الخطبة التصريح لا الكناية، فلذا (¬6) ¬

_ (¬1) في "ج": "تخليته". (¬2) في "ج": "إليهما". (¬3) انظر: "فتح الباري" (1/ 77). (¬4) رواه مسلم (870)، من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه. (¬5) في "ن" و"ع": "من". (¬6) في "ع": "فلهذا".

باب: علامة الإيمان حب الأنصار

أنكر عليه (¬1). وأما هنا، فالمراد: وَجازةُ اللفظ؛ ليُحفظ. وبعضهم يقول: الكلام هنا جملة واحدة، فلذا (¬2) لم يقم المظهَر مقام المضمَر، وكلام الخطيب جملتان. وقيل غير هذا. (يعود في الكفر): أي: يصير فيه؛ مثل: "عادوا حُمَمًا" (¬3)؛ ليكون اللفظ شاملًا للمسلم الأصلي، ومن أسلم بعد كفره. * * * باب: عَلاَمَةُ الإيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ (باب: علامة الإيمان حب الأنصار): لا يخفى أن علامة الشيء غيرُ (¬4) داخلة في حقيقته، فكيف تفيد هذه الترجمة مقصودَه من أن الأعمال داخلةٌ في مسمى الإيمان؟ وجوابه: أن المستفاد منها كون مجرَّد التصديق بالقلب لا يكفي حتى ينتصب عليه علامةٌ من الأعمال الظاهرة التي منها مؤازرةُ الأنصار، وموادَّتهم، قاله ابن المنير. 17 - (17) - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَليدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (1/ 78). (¬2) في "ع": "فلهذا". (¬3) رواه مسلم (183)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. (¬4) "غير" ليست في "ج".

باب

عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنسًا، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "آيَةُ الإيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ". (ابن جَبْر): بفتح الجيم وسكون الباء الموحدة. * * * باب 18 - (18) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيس عَائِذُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا، وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءَ لَيْلَةَ الْعَقَبةِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ، وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابهِ: "بَايِعُوني عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا باللَّهِ شَيْئًا، وَلاَ تَسْرِقُوا، وَلاَ تَزْنوُا، وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدكمْ، وَلاَ تأتوا ببُهْتَانٍ تَفْتَرُونهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلاَ تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ، فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا، فَهُوَ كفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ، فَهُوَ إِلَى اللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ". فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ. (عائذُ الله): عَلَم، وعائذُ: اسم فاعل من عاذ -بالذال المعجمة-. (وهو أحد النقباء ليلة العقبة): هي العقبة التي بمنى، تُنسب إليها جمرة العقبة، وهما عقبتان، والمذكورة هنا هي الثانية، لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها سبعون من الأنصار، فيهم (¬1) النقباء، وهم اثنا عشر: أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ، ¬

_ (¬1) في "ن" و "ع": "منهم".

وأَسعدُ بنُ زُرارةَ، والبَراءُ بنُ مَعْرورٍ (¬1)، ورافعُ بنُ مالكِ الزُّرَقِيُّ (¬2)، وسعدُ ابنُ خَيْثَمَةَ، وسعدُ بنُ الربيعِ، وسعدُ بنُ عُبادةَ، وعُبادةُ بنُ الصامتِ، وعبدُ الله بنُ رواحةَ، وعبدُ الله بنُ عمرِو بنِ حَرام (¬3)، وأبو الهيثمِ مالكُ ابنُ التَّيْهان، والمنذرُ بنُ عمرِو (¬4)، وكان عُبادة بنُ الصامت راوي هذا الحديث نقيبَ بني عوفِ بنِ الخزرجِ، وهم القواقل (¬5). (وحوله عصابة): جماعة من الناس، ولا واحد لها من لفظها، وهؤلاء هم أهل العقبة الأولى، وكانوا اثني عشر رجلًا (¬6): أسعد بن زرارة، وعوفٌ ومعاذٌ ابنا الحارث، وهما ابنا عفراء، وذكوان بن عبد قيس (¬7)، ورافعُ بن مالك الزُّرَقيان، وعبادة بن الصامت، وعباس بنُ عبادةَ ابنِ نضلَةَ، ويزيد بن ثعلبة، وعقبةُ بن عامر، وقُطبةُ بن عامر، فهؤلاء من الخزرج عشرة، ومن الأوس اثنان: أبو الهيثم بن التيهان، وعُويم (¬8) بنُ ساعدةَ. (ببهتان): بكذب، وهو مصدر بهت صاحبه بَهْتًا وبُهْتانًا. ¬

_ (¬1) في "ج": "بن المعرورة". (¬2) في "ع": "الزريقي". (¬3) في "ع": "وعبد الله بن عمر وابن حرام". (¬4) في "ع": "والمنذر بن عمر". (¬5) في "ن" و "ع": "القوافل". (¬6) في "ن": زيادة: "وهم". (¬7) في "ع": "عبد القيس". (¬8) في "ن" و"ع": "وعويمر".

قال الخطابي: ومعناه هنا: قذف المحصنات، وقد يدخل فيه الاغتياب لهن (¬1). وقد يقال: فما معنى: "بين أيديكم وأرجلكم"، ولا صنع لها في البهت؟ فيجاب: أن (¬2) المباشرة لمعظم الأفعال بالأيدي، والسعي بالأرجل، فأضيف (¬3) الجنايات إليها، وإن شاركها غيرها، فكنى (¬4) عن جملة الذات بذلك. قال: ويحتمل أن المعنى لا تبهتوا الناس كفاحًا يشاهد بعضكم بعضًا، وهو أشد البهت؛ كما (¬5) يقال: فعلت هذا بين يديه؛ أي: بحضرته، وفيه نظر (¬6). (ولا تعصوا في معروف): قال النووي: أي: لا تعصوني، ولا أحدًا ولِّي عليكم من تُبَّاعِي إذا أُمرتم بمعروف (¬7). فيكون المعروف عائدًا إلى التُّبَّاع (¬8)، ولذا لم يقل: تعصوني، ¬

_ (¬1) انظر: "أعلام الحديث" (1/ 151). (¬2) في "ن" و "ع" و "ج": "بأن". (¬3) في "ن" و "ع": "فأضيفت". (¬4) في "ج": "يكنى". (¬5) في "ع": "لما". (¬6) وانظر: "فتح الباري" لابن حجر (82 - 83). (¬7) انظر: "التوضيح" لابن الملقن (2/ 549). (¬8) في "ع": "الأتباع".

ويحتمل أنه أراد نفسه فقط، وقيد بالمعروف (¬1)، وإن كان لا يأمر إلا به، تطييبًا لنفوسهم (¬2). (وفَى): بالتخفيف، ويجوز التشديد. (ومن أصاب من ذلك): أي: مما عدا الشرك؛ فإنه لا يسقطه (¬3) العقوبة عليه في الدنيا. (فعوقب (¬4) في الدنيا، فهو كفارة له): فيه حجة للأكثرين القائلين بأن الحدود كفارات لأهلها، وثم من (¬5) وقف بحديث (¬6) أبي هريرة (¬7): أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: "لا أَدْرِي الحدودُ كَفَّاراتٌ" (¬8). قال ابن الملقن: ويمكن أن يكون حديث (¬9) أبي هريرة أولًا قبل أن يعلم، ثم أُعلم (¬10). ¬

_ (¬1) في "ج": "المعروف". (¬2) انظر: "التوضيح" لابن الملقن (2/ 549). (¬3) في "ع": "لا تسقط". (¬4) في جميع النسخ زيادة: "عليه"، ولم ترد في شيء من نسخ البخاري، والله أعلم. (¬5) "من" ليست في "ع"، وفي "ج": "ومن ثم". (¬6) في "ع": "لحديث". (¬7) في "ن" زيادة: رضي الله عنه. (¬8) رواه الحاكم في "المستدرك" (104)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 329)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (2/ 50) وقال: وحديث عبادة بن الصامت أثبت وأصح إسنادًا من حديث أبي هريرة هذا. (¬9) في "ع": "أن يكون في حديث". (¬10) انظر: "التوضيح" (2/ 551).

باب: من الدين الفرار من الفتن

قلت: كيف يتأتى ذلك، وحديثُ عبادةَ المتضمنُ لجزمه بأن الحدود كفاراتٌ كان قبل الهجرة قطعًا، وأبو هريرة أسلمَ بعدَ الهجرة بسنين (¬1)، فكان (¬2) إسلامه في سنة خيبر بالاتفاق، فكيف يكون حديثه أول؟!! (ثم ستره الله، فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه): فيه دلالة لمذهب أهل الحق أن من ارتكب كبيرة، ومات ولم يتب منها، لم يتحتم دخوله النار، بل هو إلى مشيئة الله؛ كما ذكر في الحديث. فإن قلت: ما الحكمةُ في عطف الجملةِ المتضمنةِ للعقوبة على ما قبلها بالفاء، والمتضمنةِ للستر بثم (¬3)؟ قلت: لعلها التنفير من مواقعة (¬4) المعصية؛ فإن السامع إذا علم أن العقوبة مفاجئة لإصابة المعصية [غير متراخية عنها، وأن الستر متراخٍ، بعثه ذلك على اجتناب المعصية] (¬5) وتَوَقِّيها (¬6)، فتأمله. * * * باب: من الدِّين الفرارُ من الفتنِ 19 - (19) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ ¬

_ (¬1) في "ع": "بسنتين". (¬2) في "ن" و "ج": "وكان". (¬3) في "ج": "ثم". (¬4) في "ع": "موافقة". (¬5) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬6) في "ج": "وتوقها".

الْخُدْرِيِّ: أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِم غَنَمٌ يَتْبَعُ بهَا شَعَفَ الْجبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ، يَفِرُّ بدِينهِ مِنَ الْفِتَنِ". (يوشِك): -بكسر الشين- مضارع أوشك؛ أي: أسرع. قال أبو علي: ولا يقال: "يوشَك" بفتح الشين (¬1). وفي "الصحاح": والعامة يقولون (¬2): يوشَك -بفتح الشين-، وهي لغة رديئة (¬3). (خير مال المسلم (¬4) غنم): قال ابن مالك: يجوز في "خير" و"غنم" رفعُ أحدهما على أنه اسم يكون، ونصبُ الآخر على أنه خبرها، ويجوز رفعُهما على الابتداء والخبر، والجملة في محل نصب على أنها خبر يكون، واسمُها ضمير الشأن (¬5). (يتّبع): بتشديد التاء (¬6) المثناة من فوق ومع (¬7) كسر الموحدة وتخفيفها ساكنة مع فتح الموحدة. (شَعَف): -بشين معجمة وعين مهملة مفتوحتين-: رؤوس الجبال، الواحد شعفة (¬8)؛ كأَكَمَةٍ وأَكَمٍ. ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 296). (¬2) "يقولون" ليست في "ن" و "ع" و"ج". (¬3) انظر: "الصحاح" (4/ 1615)، (مادة: وشك). (¬4) في "ج": "مال مسلم". (¬5) انظر: "شواهد التوضيح" لابن مالك (ص: 145). (¬6) "التاء" ليست في "ن". (¬7) في "ن" و "ج": "مع". (¬8) في جميع النسخ عدا "م": "شعف". ووقع "ع": "الواحدة شعفة".

قال الزركشي: ويروى (¬1): "شعاف" كآكام، قاله ابن (¬2) السِّيد (¬3). واختلف رواة "الموطأ"، فالمشهور من روايتهم: "شَعَف" (¬4)، كما في البخاري. وروي عن يحى: "شُعَب" -بالباء-، ومنهم من ضبطه -بضم الشين وفتح العين- جمع شُعبة، وهو (¬5) ما انفرج بين الجبلين. قال القاضي: وعند ابن (¬6) المرابط -بفتح الشين-، وهو وهم. وعند الطرابلسي: "سَعف" -بالسين المهملة المفتوحة (¬7) -، قال: وهو أيضًا بعيد، وإنما هو جرائد النخل (¬8). وكلامُ الزركشي يؤذن بأن بعض رواة البخاري روى: "شُعَبَ الجبال" جمع شعبة (¬9)، والقاضي إنما حكى الاختلاف فيه بين رواة "الموطأ". (يفر): الظاهر أنه جملة حالية من فاعل "يتبع"، وهو الضمير المستكن. قال ابن المنير: وجه الآية فيه ظهورُ الصدق على ما شاهده الناسُ بعده، ولا يؤيد صدق هذا الحديث إلا وضوحًا. ¬

_ (¬1) في "ج": "ويريد". (¬2) "ابن" ليست في "ج". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 32). (¬4) انظر: "الموطأ" (2/ 970)، وانظر: "التمهيد" لابن عبد البر (19/ 219). (¬5) في "ن": "وهي". (¬6) "ابن" ليست في "ج". (¬7) "المفتوحة" ليست في "ج". (¬8) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 226). (¬9) انظر: "التنقيح" (1/ 32).

باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنا أعلمكم بالله" وأن المعرفة فعل القلب؛ لقول الله تعالى: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} [البقرة: 225]

باب: قَوْلِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَناَ أَعْلَمُكُمْ باللَّهِ" وَأَنَّ الْمَعْرِفَةَ فِعْلُ الْقَلْب؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225] (وأَن المعرفة فعلُ القلب): -بفتح الهمزة- من أَنَّ؛ أي: باب كذا، وباب (¬1) بيان أن المعرفة فعل القلب. قيل: أراد بهذه الترجمة الردَّ على الكَرَّامية في قولهم: إن الإيمان قولٌ باللسان، ولا يشترط عقد القلب. وقيل: أراد (¬2) بيان (¬3) تفاوت الدرجات في العلم، وأن بعض الناس فيه أفضل. 20 - (20) -حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، قَالَ: أَخْبَرَناَ عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَمَرَهُمْ، أَمَرَهُمْ مِنَ الأَعْمَالِ بمَا يُطِيقُونَ، قَالُوا: إِنَّا لَسْنَا كهَيْئَتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبكَ وَمَا تَأَخَّرَ، فَيَغْضَبُ حَتَّى يُعْرَفَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: "إِنَّ أَتْقَاكمْ وَأَعْلَمَكُمْ باللَّهِ أَنَا". (محمد بن سَلام): -بتخفيف اللام- على الصحيح، وبه قطع المحققون. (إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا): أخبرَ بالواقع؛ لما دَعَا إليه من عتاب ¬

_ (¬1) في "ج": "أو باب". (¬2) في "ج": "وقيل: إن أراد". (¬3) "بيان" ليست في "ج".

باب: تفاضل أهل الإيمان في الأعمال

أصحابه، لا لقصد الفخر. فإن قلت: السياقُ يقتضي تفضيلَه على المخاطبين فيما ذكر، وليس هو منهم قطعًا، فقد فُقد شرط استعمال (¬1) أفعل التفضيل مضافًا (¬2)؟ قلت: إنما قصدَ التفضيلَ على كل مَنْ سواه مطلقًا، لا على المضاف إليه وحده، والإضافة لمجرد التوضيح، فما ذكرتَه من الشرط هنا لاغٍ؛ إذ يجوز في هذا المعنى أن يضيفه (¬3) إلى جماعة [هو (¬4) أحدُهم؛ نحو: نبينا - صلى الله عليه وسلم - (¬5) هو أفضل قريش، وأن تضيفه إلى جماعة (¬6)] (¬7) من جنسه ليس داخلًا فيهم؛ نحو: يوسف أحسنُ إخوته، وأن تضيفه إلى غير جماعة؛ نحو: فلان أعلمُ بغدادَ؛ أي: أعلمُ ممن سواه، وهو مختص ببغداد؛ لأنها مسكنه أو (¬8) منشؤه. * * * باب: تفاضُلِ أهلِ الإيمانِ في الأعمالِ 21 - (22) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنيِّ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ ¬

_ (¬1) في "ج": "الاستعمال". (¬2) "مضافًا" ليست في "ج". (¬3) في "ن": "يضيف". (¬4) في "ع": "وهو". (¬5) "- صلى الله عليه وسلم -" ليست في "ن". (¬6) في "ع": "غير جماعة". (¬7) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬8) في "ن": "و".

النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَخْرِجُوا مَنْ كانَ فِي قَلْبهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدلٍ مِنْ إِيمَانٍ. فَيُخْرَجُونَ مِنْهَا قَدِ اسْوَدُّوا، فَيُلْقَوْنَ فِي نهرِ الْحَيَا، أَوِ الْحَيَاةِ -شَكَّ مَالِكٌ-، فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي جَانِب السَّيْلِ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهَا تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيةً؟ ". قَالَ وُهَيْبٌ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو: "الْحَيَاةِ"، وَقَالَ: "خَرْدلٍ مِنْ خَيْرٍ". (مثقال): وزن مقدر، والله (¬1) أعلمُ بتقديره. (خردل): قال القاضي: حَبٌّ معلوم إذا صُنع بالزبيب، فهو الصِّناب (¬2) (¬3). وفي "الصحاح": خَرْدلْتُ اللحمَ؛ أي: قطعته صغارًا -بالدال والذال (¬4) (¬5) -. قال الخطابي: هذا مثل؛ ليكون عيارًا في المعرفة لا الوزن؛ لأن الإيمان ليس بجسم فيوزن (¬6). [وقيل: يُجعل العملُ وهو عَرَضٌ في جسم (¬7) على قدره عند (¬8) الله، ثم يوزن. ¬

_ (¬1) في "ج": "الله". (¬2) في "ن" و"ع": "بالزيت فهو الضباب". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 232). (¬4) في "ع": "بالذال والدال". (¬5) انظر: "الصحاح" (4/ 1684)، (مادة: خردل). (¬6) انظر: "أعلام الحديث" (2/ 588). (¬7) في "ن": "فرجت". (¬8) "عند" ليست في "ج".

وقال إمام الحرمين: الوزن لصحف الأعمال] (¬1). وقيل: تمثل (¬2) الأعراضُ بجواهر (¬3)، فتجعل في كِفة الحسنات جواهر بيض مشرقة، وفي كفة السيئات (¬4) سود مظلمة. (الحيا): -بالقصر-، ومَدَّه (¬5) الأصيلي. قال القاضي: ولا وجه لذكره هنا، لا مقصورًا ولا ممدودًا، لكن للمقصور معنى، وهو كل ما حَيِيَ الناس به (¬6). والحَيَا: المطر والخِصْب، فلعل هذه العين سميت بذلك؛ لخصب (¬7) أجسامِ المغتسلين فيها، و (¬8) لأنهم يحيون بعد غسلهم منها، فلا يموتون على رواية الحياة المشهورة. (الحِبَّة): -بكسر الحاء-: بذرُ الصحراء مما ليس بقوت، و -بالفتح- لغيره؛ كحبة (¬9) الحنطة، هذا أحسنُ الأقوال فيه. وشبهه بالأول؛ لسرعة نباته دون الثاني، وإنما زاد في صفتها بحميل ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين سقط من "ع". (¬2) في "ن": "مثل". (¬3) في "ع": "جواهر". (¬4) في "ن": "الحسنات". (¬5) في "ج": "ومد". (¬6) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 219). (¬7) في "ج": "لخصب الخصب". (¬8) في "ع": "أو". (¬9) في "ن": "كحبطة".

السيل؛ لأنها إذا كانت كذلك، أينعت و (¬1) طلعت؛ بخلاف غيرها من الحبوب. (ثنا عمرو: الحياةِ): -بالكسر- على الحكاية. * * * 22 - (23) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "بَيْنَا أَناَ ناَئِمٌ، رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ، وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثُّدِيَّ، وَمِنْهَا مَا دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّاب وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ". قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "الدِّينَ". (قمص): جمع قميص. (الثُّدِيّ): جمع ثَدْي؛ فثاؤه مضمومة، وقد تكسر إتباعًا لكسرة الدال، والياءُ مشددة. (قالوا): من القائلين: أبو بكر - رضي الله عنه -، ذكره الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" (¬2). (فما أَوَّلْتَ ذلك؟): يحتمل أن يكون جملة فعلية أو اسمية، وبحسب ذلك يختلف الضبط في قوله: ¬

_ (¬1) الواو زيادة من "ن" و"ع" و"ج". (¬2) قلت: رواه الحكيم الترمذي في "نوادره" (1/ 392)، من حديث أبي سلمة رضي الله عنه. ولم أر فيه ذكرًا لأبي بكر رضي الله عنه، والله أعلم.

باب: الحياء من الإيمان

(قال: الدين): فإن جعلنا السؤال جملة فعلية، فالنصب، وإن جعلناه اسمية (¬1)، فالرفع؛ أي: الذي أولته الدين؛ لتحصل بالمطابقة (¬2). قال ابن المنير: وجه الآية فيه (¬3): أن الله تعالى فتح على يدي عمر (¬4) الفتوح (¬5)، ومَصَّر كثيرًا من الأمصار، ونشر الدين (¬6) في الأقطار، فكان ذلك مِصْداقًا (¬7) لهذه الرؤيا. * * * باب: الحياء من الإيمانِ 23 - (24) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِم بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "دَعْهُ؛ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ". (يعظ أخاه في الحياء): -بالمد-؛ أي: يقبح له ارتكابه، ويخوفه منه؛ فإن كثرتَه عَجْزٌ. ¬

_ (¬1) في "ج": "جعلناه فعلية". (¬2) في "ن" و"ع": "المطابقة". (¬3) في "ن": "وجه الآية التأويل فيه"، وفي "ع": "وجه التأويل فيه". (¬4) في "ن" زيادة: "رضي الله عنه". (¬5) "الفتوح" ليست في "ج". (¬6) في "ن": "الدواوين". (¬7) في "ج": "مصدقًا".

باب: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} [التوبة: 5]

(دعه؛ فإن الحياء من الإيمان): فلا يأتي إلا بخير، وذلك إذا كان استعماله على قانون الشرع، وحينئذٍ يكون باعثًا على الطاعات، ومانعًا من المعاصي. * * * باب: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5] 24 - (25) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُسْنَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو رَوْحٍ الْحَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبي يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بحَقِّ الإِسْلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ". (المسنِدِي (¬1)): هو عبدُ الله بنُ محمدٍ الجعفيُّ الذي قدمنا الوعدَ بذكره، وهل قيل له ذلك لطلبه المسندات، أو لكونه أولَ من جمع مسنداتِ الصحابة على التراجم؟ خلاف. (أبو رَوح): بفتح الراء. (الحَرَمي): -بفتح الحاء والراء المهملتين-: نسبة إلى الحرم. (عُمارة): بضم العين المهملة (¬2). ¬

_ (¬1) في "ع": "المسد". (¬2) "المهملة" ليست في "ج".

(واقد): -بالقاف-، وليس في "الصحيحين": وافد -بالفاء-. (أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة): الآية، وهي قوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5]، والحديث المذكور من أدلة قتل تارك الصلاة. وقال إمام الحرمين: إن المسلك فيه ضيق. قال ابن المنير: وأي سعة بعد الكتاب والسُّنة؟ ولا يبعد على ابن حبيب من أصحابنا القائل: بأنه يقتل كفرًا، أن يستدل بهما أيضًا، فإن القتال قبل الشهادتين لا خلاف أنه يقتل المطلوبُ فيه كفرًا، وقد استصحبه الحديث، وجعل غايته أن يفعل الأعمال المذكورة كلها، وكذلك الآية، ودعوى اختلاف القتلين (¬1) قبل الشهادتين وبعدهما مردود بظاهر الاستصحاب (¬2)، واتحاد (¬3) الفعل الذي انتهى بالغاية المذكورة. والاستشهاد بالحديث من وجهين: أحدهما: الغاية، والأخرى (¬4): المفهوم؛ فإن مفهوم الشرط من قوله: "فإذا فعلوا ذلك": أنهم (¬5) متى يفعلونه (¬6) بجملته، وتركوا شيئًا منه، قتلوا كفرًا، ولم يعصموا. ¬

_ (¬1) في "ع": "القتلتين". (¬2) في "ع": "بظاهر الحديث والاستصحاب". (¬3) في "ن": "وإذ تحاد". (¬4) في "ن": "والآخر". (¬5) في "ج": "أن". (¬6) في جميع النسخ عدا "ج": "لم يفعلوه" بدل "يفعلونه".

باب: من قال: إن الإيمان هو العمل لقول الله تعالى: {وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون} [الزخرف: 72]

ووجه ثالث في الدلالة: وهو إدخال المال مع النفس، فإنها (¬1) تنهدر عصمة المال (¬2) إذا قُتل كفرًا، وأما المقتول حَدًّا، فمالُه معصوم (¬3)، وترثُه ورثتُه. * * * باب: مَنْ قَالَ: إِنَّ الإيمَانَ هُوَ الْعَمَلُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف: 72] قَالَ عِدَّةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92، 93] عَنْ قَوْلِ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَقَالَ: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} [الصافات: 61]. ({وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف: 72]): الباء للمقابلة، وهي الداخلة على الأعواض (¬4)، والمعطي بعوض قد يعطي مجانًا، فلا يلزم من جعلها للعوض كون العمل سببًا في دخول الجنة، وأما الباء في قوله - عليه الصلاة والسلام -: "لَنْ يَدْخُلَ أَحَدكُمُ الجَنَّةَ بعَمَلِهِ (¬5) " (¬6)، ¬

_ (¬1) في "ن": "وإنما". (¬2) في "ع": "فإنها يد عصمة، الثالث في الدلالة، وهو إدخال المال مع النفس، وإنما تنهدر عصمة المال". (¬3) في "ج": "معصومًا". (¬4) في "ج": "على الأعراض". (¬5) في "ع": "لن يدخل الجنة أحدكم بعمله". (¬6) رواه البخاري (5349)، ومسلم (3816)، والإمام أحمد في "المسند" (2/ 256) واللفظ له.

فللسببية (¬1)، لا للمقابلة، فقد اختلف المحملان (¬2)، واندفع ما كان يظن من التعارض بين الآية والحديث. (عما كانوا يعملون: عن قول: لا إله إلا الله): المختار أن (¬3) معناه؛ لنسألنهم عن جميع أعمالهم التي (¬4) يتعلق بها التكليف. * * * 25 - (26) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالاَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّب، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: "إِيمَانٌ باللَّهِ وَرَسُولِهِ". قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: "الْجِهَادُ فِي سَبيلِ اللَّهِ". قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: "حَجٌّ مَبْرُورٌ". (سئل: أيُّ العمل أفضل؟): في كتاب: العتق من "البخاري" عن أبي ذر، قال: "سألت النبي - صلى الله عليه وسلم -: أي العمل أفضل؟ " (¬5). (حج مبرور): أي: خالص لا يخالطه إثم، وقد جمع بين اختلاف ألفاظ الأحاديث الواردة في رتب العبادات في الفضل (¬6) بأنه جرى على ¬

_ (¬1) غير واضحة في "ج". (¬2) في "ع": "المحلان". (¬3) "أن" ليست في "ن". (¬4) في "ن": "أي". (¬5) رواه البخاري: (2518). (¬6) في "ع": "بالفضل".

باب: إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة، وكان على الاستسلام أو الخوف من القتل

اختلاف الأحوال، فأعلم كلًّا بما تدعو الحاجة إليه في حقه (¬1)، أو ذكر ما (¬2) لم يعلمه السائل، وتركَ ما علمه. * * * باب: إذا لم يكن الإسلامُ على الحقيقةِ، وكان على الاستسلامِ أو الخوفِ من القتلِ 26 - (27) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدِ بنِ أَبي وَقَّاصٍ، عَنْ سَعْدٍ - رَضيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَعْطَى رَهْطًا وَسَعْدٌ جَالِسٌ، فَتَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا هُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَيَّ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ؟ فَوَاللَّهِ! إِنَّي لأَرَاهُ مُؤْمِنًا، فَقَالَ: "أَوْ مُسْلِمًا". فَسَكَتُّ قَلِيلًا، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ، فَعُدْتُ لِمَقَالَتِي، فَقُلْتُ: مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ؟ فَوَاللَّهِ! إِنِّي لأَرَاه مُؤْمِنًا، فَقَالَ: "أَوْ مُسْلِمًا". ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ، فَعُدْتُ لِمَقَالَتِي، وَعَادَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَالَ: "يَا سَعْدُ! إِنَّي لأُعْطِي الرَّجُلَ، وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ؛ خَشْيَةَ أَنْ يَكُبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ". وَرَوَاهُ يُونُسُ، وَصَالِحٌ، وَمَعْمَرٌ، وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. (رهطًا): هم ما دون العشرة من الرجال لا يكون فيهم امرأة، كذا في "الصحاح" (¬3). ¬

_ (¬1) "إليه في حقه" ليست في "ج". (¬2) "ما" ليست في "ن". (¬3) انظر: "الصحاح" للجوهري (3/ 1128)، (مادة: رهط).

(رجلًا هو أعجبهم إليّ): يقال: هو جعيل بن سراقة، وفي "مغاري" الواقدي: ما يدل على ذلك. (لأَراه مؤمنًا): قال النووي: بفتح (¬1) الهمزة، ولا يجوز ضمها، على أن يُجعل بمعنى أظن؛ لأنه قال: ثم غلبني ما أعلم منه (¬2). وقال القرطبي: الرواية -بالضم- بمعنى أظنه، وهو منه حلف على ظنه، ولم ينكر عليه (¬3). قال ابن المنير: لو خرج قولُ سعد مخرجَ الشهادة، ما أنكر عليه بتُّ القول (¬4) بأنه مؤمن، بل على الشاهد أن يبت (¬5) شهادته في التزكية، وهي أشد من الإيمان؛ لأنها إيمان وعدالة، وإنما خرج مخرج المدح لصاحبه، والتوسلِ له في طلب العطاء، فلذا نوقش في لفظه. (أوْ مسلمًا): -بإسكان الواو-. قال (¬6) الزركشي: على الإضراب عن قوله، والحكم بالظاهر؛ كأنه (¬7) قال: بل مسلمًا، ولا يقطع بإيمانه؛ فإن الباطن لا يعلمه إلا الله (¬8). ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "هو بفتح". (¬2) انظر: "شرح النووي على مسلم" (2/ 181). (¬3) انظر: "المفهم" للقرطبي (1/ 367). (¬4) في "ع": "ما أنكر عليه من القول". (¬5) في "ن" و"ع": "يثبت". (¬6) في "ع": "وقال". (¬7) في "م" و"ج": "فإنه". (¬8) انظر: "التنقيح" (1/ 35).

باب: إفشاء السلام من الإسلام

قلت: سيبويه يراها للإضراب بشرطين: تقدم نفي أو نهي، وإعادة العامل؛ نحو: ما قام زيد، أو ما قام عمرو، ولا يقم زيد، أو (¬1) لا يقم عمرٌو، وكلاهما في الحديث منتفٍ، نعم الكوفيون وبعض البصريين يرونها للإضراب مطلقًا، وعليه يتأتى ما قاله الزركشي. ويمكن جعلُها للشك عند الجميع، والمعنى: قل: لأراه (¬2) مؤمنًا أو مسلمًا، أرشده بذلك إلى التعبير بعبارة سالمة عن الحرج؛ إذ لا بتَّ فيها بأمر باطن لا يطلع عليه. (يَكبه): -بفتح الياء- مضارع كَبَّه: إذا ألقاه، وهو متعدٍّ بدون الهمزة، فإذا جاءت، صار لازمًا، يقال: أكبَّ الرجلُ، على العكس مما هو معروف. * * * باب: إِفْشَاءُ السَّلاَمِ مِنَ الإِسْلامِ وَقَالَ عَمَّارٌ: ثَلاَثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ، فَقَدْ جَمَعَ الإِيمَانَ: الإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ، وَبَذْلُ السَّلاَمِ لِلْعَالَمِ، وَالإِنْفَاقُ مِنَ الإِقْتَارِ. (وقال عمار: ثلاثٌ من جمعهنَّ، فقد جمع الإيمان): رواه البغوي في "شرح السنة" عن عمار مرفوعًا (¬3)، كذا في ابن الملقن (¬4). ¬

_ (¬1) في "ج": "و". (¬2) في "ن": "لا نراه"، وفي "ع": "لا أراه". (¬3) ذكره البغوي في "شرح السنة" (12/ 361) موقوفًا على عمار رضي الله عنه. ورفعه ضعيف، انظر: "تغليق التعليق" لابن حجر (2/ 38). (¬4) انظر: "التوضيح" (2/ 657).

باب: كفران العشير، وكفر دون كفر

باب: كُفْرَانِ الْعَشِيرِ، وَكُفْرٍ دُونَ كُفْرٍ (باب كفرانِ العشير، وكفرٍ دونَ كفرٍ): قال ابن المنير: هذه الترجمة ونحوها تشتمل (¬1) على مقصودين: أحدهما: أن المعاصي لا توجب تخليدَ العصاة، ولا إلحاقَهم بالكفار. الثاني: وهو أهمهما (¬2): أن الكفر يتبعَّضُ كما يتبعض الإيمان، ومقصودُ البخاري أن يوفي (¬3) بصحة مذهبه في أن الإيمان يتبعَّض، ويلزم مثله من الكفر، وإن كنا لا نجيز أن يطلق على العاصي كافرًا لا كفرًا مقيدًا؛ كقوله: "يَكْفُرْنَ العَشِيرَ"، ويجوز أن يطلق الإيمان على بعضه من غير تقييد، وسيأتي الفرق. * * * باب: الْمَعَاصِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَلاَ يُكَفَّرُ صَاحِبُهَا بارْتِكَابهَا إِلَّا بالشِّرْكِ لِقَوْلِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ"، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]. (باب: المعاصي من أمر الجاهلية، ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك): هو من نمط ما تقدم. قال (¬4) ابن المنير: تلطف البخاري في القول؛ لأنه (¬5) لما قرر بالتراجم ¬

_ (¬1) في "ع": "تشمل". (¬2) في "ج": "أهمها". (¬3) في "ع": "يأتي". (¬4) في "ع": "وقال". (¬5) في "ع": "بأنه".

المتقدمة أن الطاعات داخلة في مسمى الإيمان، وأبعاضٌ له، توقع أن يقال: لو كان كذلك؛ لكانت المعاصي أبعاضًا للكفر، ولكان العاصي كافرًا كفرًا ناقصًا، فقرر أن المعاصي تدخل في مسمى الجاهلية، والجاهلية (¬1) كانت كفرًا، ولهذا يقال لمن خالف بعض المخالفة: فيك جاهلية، وكأن إطلاق الكفر على الإيمان (¬2)، إنما منعه الله فضلًا منه؛ لأن رحمته سبقت غضبه، فوسَّع في (¬3) باب الرحمة، وفسح في إطلاق الإيمان على الطاعات، ولم يفسح في باب الغضب، فلم يأذن في إطلاق الكفر على المعاصي، وإن كانت شُعبًا له، وعلاماتٍ (¬4) عليه، ويخشى منه التدرُّع إليه (¬5). قلت: فيه نظر؛ فقد سمَّى الشارع آثارَ الكفر كفرًا، كما سمى آثار التصديق إيمانًا: "مَنْ رَغِبَ عَنْ أَبيهِ فَقَدْ كَفَرَ" (¬6)، "اثْنَانِ في النَّاسِ هُمْ (¬7) بهِمَا كُفْرٌ: الطَّعْنُ في النَّسَب، وَالنِّيَاحَةُ" (¬8)، "أَيُّمَا عَبْدٍ أَبَقَ مِنْ مَوَالِيهِ فَقَدْ كَفَرَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْهِمْ" (¬9)، "لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ" (¬10). ¬

_ (¬1) "والجاهلية" ليست في "ج". (¬2) في "ن" و"ع": "المؤمن". (¬3) "في" ليست في "ج". (¬4) "وعلامات" غير واضحة في "ج". (¬5) في "ج": "عليه". (¬6) رواه البخاري (6386)، ومسلم (62) عن أبي هريرة رضي الله عنه. (¬7) في "ن": "هما". (¬8) رواه مسلم (67) عن أبي هريرة رضي الله عنه. (¬9) رواه مسلم (68) عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه. (¬10) رواه البخاري (6166)، ومسلم (66) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

وإنما كانت هذه الأفعال من آثار الكفر؛ لأن الكافر لا يبالي ما فعل؛ إذ لا يرجو ثوابًا، ولا يخاف عقابًا، فيكثر إقدامُه على المعاصي والمخالفات. * * * 27 - (30) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاصِلٍ الأَحْدَب، عَنِ الْمَعْرُورِ، قَالَ: لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بالرَّبَذَةِ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، وَعَلَى غُلاَمِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا، فَعَيَّرْتُهُ بأُمِّهِ، فَقَالَ لِيَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَبَا ذَرٍّ! أَعَيَّرْتَهُ بأُمِّهِ؟ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ، فَأَعِينُوهُمْ". (المعرور): بعين وراءين (¬1) مهملات. (أبا ذَر): بذال معجمة مفتوحة. (بالرَّبَذَة): -بفتحات، وباؤها موحدة، وذالها معجمة-: موضع على ثلاثة مراحل من المدينة. (إني سابَبْتُ رجلًا): هو بلالُ بن رباح المؤذنُ رضي الله عنه. (فعيرته بأمه): هي حَمامَةُ، من مولَّدي مكةَ لبني جُمَح، وقيل: من مولَّدي السراة. قال ابن المنير: وفيه دليل على أن نفيَ الولد الذي يحدُّ قاذفهُ يوجب ¬

_ (¬1) في "ج": "وراء".

باب: ظلم دون ظلم

الحدَّ، وإن كان أبواه (¬1) كافرين؛ كقوله لحرٍّ مسلمٍ ابنِ كافرين: يا بن الزنا! لا يقال: الزنا في هذه الصورة لا يعدو الكافرين؛ لأنا نقول بتأذي (¬2) الحر المسلم في نسبه، فهو كمباشرته بالقذف، وقد حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه آذاه حين عيره بأمه. انتهى. وفيه نظر، وأنكر ابن قتيبة تعديةَ عَيَّرَ بالباء، والحديثُ يردُّ عليه. (إخوانكم خولكم): -بالنصب (¬3) -؛ أي: احفظوا، ويجوز الرفع على معنى: هم إخوانُكم. قال أبو البقاء: والنصبُ أجودُ (¬4). وتعقبه الزركشي: بأن البخاري رواه في كتاب "حسن الخلق": "هم إخوانُكم"، فيترجح به الرفع (¬5). و (الخَوَل): - بفتح الخاء المعجمة والواو-: حَشَمُ الرجل وأتباعُه، واحدُهم خائِلٌ. * * * باب: ظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٍ (باب: ظلم دون ظلم): معناه كالباب الذي قبله: أن تمام العمل بالإيمان، وأن المعاصي تُنقصه، ولا تُخرج صاحبَها إلى الكفر. ¬

_ (¬1) في "ج": "أباه". (¬2) في "ع": "يتأذى". (¬3) "بالنصب" ليست في "ج". (¬4) انظر: "إعراب الحديث" له (ص: 168). (¬5) انظر: "التنقيح" (1/ 36).

باب: علامة المنافق

28 - (32) - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ح قَالَ: وَحَدَّثَنِي بشْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَمَّا نزَلَتِ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82]، قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]. ({إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]): قال ابن المنير: وانظر كيف يلزم من هذا أن يكون الظلم الواقع في قوله تعالى: {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] هو هذا الظلم الذي هو الشرك إلا بدليل منفصل، والحاصل: أنه - عليه السلام - بيَّن لهم بلفظه أن الظلم الذي أُريد هو الشرك، ثم نزل القرآن بأن الشرك يُسمى ظلمًا مصداقًا (¬1) للسنة. قال: ووجهُ إدخاله لهذه (¬2) الترجمة في باب: كفر دون كفر: أنه قد أطلق على الكفر أنه ظلم، فيلزم أن يصدق أن بعض الظلم كفر، فإذا فتح (¬3) هذا، لزم أن يكون ظلم دون ظلم؛ كقولنا: كفر دون كفر. * * * باب: علامةِ المنافقِ 29 - (34) - حَدَّثَنَا قَبيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ ¬

_ (¬1) في "ج": "مصدقًا". (¬2) في "ج": "في هذه". (¬3) في "ع" و"ج": "صح".

باب: قيام ليلة القدر من الإيمان

النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ، كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ". تَابَعَهُ شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ. (قَبيصَة): بقاف مفتوحة وصاد مهملة. * * * باب: قيام ليلةِ القدرِ من الإيمانِ 30 - (35) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبهِ". (من يقم ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفر له): فيه مجيء فعل الشرط مضارعًا، والجواب ماضيًا، وكذا في قول عائشة - رضي الله عنها -: "إِنَّ أَبا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، مَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ، رَقَّ" (¬1). قاله ابن مالك. وقواه بقوله تعالى: {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ} [الشعراء: 4]؛ لأن تابع الجواب جواب (¬2). و"إيمانًا" مفعول لأجله، أو حال؛ أي: ذا إيمان، "واحتسابًا": عطف عليه في الوجهين. * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (680)، ومسلم (418) عن عائشة رضي الله عنها. (¬2) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 14).

باب: الجهاد من الإيمان

باب: الجهادِ من الإيمان 31 - (36) - حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ حَفْصٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَارَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "انْتَدَبَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبيلِهِ، لاَ يُخْرِجُهُ إِلَّا إِيمَانٌ بي وَتَصْدِيقٌ برُسُلِي، أَنْ أَرْجِعَهُ بمَا ناَلَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ، أَوْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَلَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ". (انتدب): -بنون بعد همزة الوصل-، معناه: سارعَ بالثواب وحسن الجزاء (¬1)، وقيل: تكفل. قال القاضي: وللقابسي (¬2): "ائتدب" -بهمزة صورتها ياء- من المأدبة (¬3). (في سبيله): الهاء عائد (¬4) على "الله"، وجوز ابن مالك عودها على "مَن"، ونعت (¬5) سبيله محذوف؛ أي: لمن خرج في سبيله المرضية، ثم أضمر قول حكى (¬6) به ما بعده لا محل له (¬7). (لا يخرجه إلا إيمان بي وتصديق برسلي): هو على طريق الالتفات عن الغيبة إلى التكلم. ¬

_ (¬1) في "ن" زيادة: "وقيل: أجاب". (¬2) في "ن": "القابسي". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 24). (¬4) في "ن" و"ع": "عائدة". (¬5) في "ن": "وقعت". (¬6) في "ع": "وحكى". (¬7) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 33).

قال ابن مالك في "التوضيح": كان اللائق: إلا إيمانٌ به (¬1)، ولكنه على تقدير حال محذوفة (¬2). ونسبه شهاب الدين ابن (¬3) المرحل إلى الإساءة في قوله: كان اللائق، قال: ولا حاجة إلى تقدير حال محذوفة؛ لأن حذف الحال لا يجوز. قلت: أما الأول، فمسلَّم، وأما الثاني فممنوع؛ فقد ذكر ابن مالك من (¬4) شواهده هنا قوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا} [البقرة: 127]؛ أي: قائلين، وقوله تعالى: {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} [الرعد: 23، 24]؛ أي: قائلين: سلام عليكم، وقوله تعالى: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} [غافر: 7]؛ أي: قائلين (¬5). قال ابن المرحل: وإنما هو من باب الالتفات. قال الزركشي: الأليق أن يقال: عدل عن ضمير الغيبة إلى الحضور (¬6)؛ يعني: أن الالتفات موهم للجسمية، فلا يطلق في كلام الله تعالى، وهذا خلاف ما أطبق عليه علماء (¬7) البيان. ¬

_ (¬1) في "ع": "كأن اللائق الإيمان به". (¬2) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 31). (¬3) "ابن" زيادة من "ن". (¬4) في "ع": "في". (¬5) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 32). (¬6) انظر: "التنقيح" (1/ 37). (¬7) في "ن": "علم".

(أن أَرجعه): -بفتح (¬1) الهمزة- مضارع رجع، قال تعالى: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ} [التوبة: 83]، وقال تعالى: {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10]. (بما نال من أجر): أي: فقط إذا كان حيًّا ولم يَغْنم. (أو غنيمة): أي: مع الأجر إذا كان حيًّا وغَنِم. (أو أُدخله الجنة): أي (¬2): إذا مات، و"أو" للتقسيم، وقد استوفيت (¬3) أقسام من خرج للجهاد؛ إذ لا يخلو من إحدى ثلاث: إما أن يحيا، أو يموت، وعلى الأول: إما (¬4) أن لا يغنم، أو يغنم. (ولوددت أني (¬5) أُقتل في سبيل الله): والمتمني له بالقصد إنما هو حصول أجر (¬6) الشهادة العظمى، وأما ما يلزم عن ذلك من كفر القاتل بما يرتكبه من قتله (¬7)، فليس مقصودًا له حتى يقال: يلزم عليه تمني الكفر، وهذا (¬8) معنى كلام القرافي فيما أظنه. * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "بضم". (¬2) "أي" ليست في "ج". (¬3) في "ع": "استوفت". (¬4) "إما" ليست في "ن". (¬5) في "ج": "أن". (¬6) في "ج": "أثر". (¬7) في "ن": "قبله". (¬8) في "ن": "هذا".

باب: صوم رمضان احتسابا من الإيمان

باب: صوم رمضانَ احتسابًا من الإيمانِ 32 - (38) - حَدَّثَنَا ابنُ سَلاَمٍ، قال: أَخْبَرَناَ مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيد، عنْ أبي سَلَمَة، عنْ أبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبهِ". (فُضَيْل): -بضم الفاء- تصغير فضل. * * * باب: الدِّينُ يُسْرٌ وقول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أحبُّ الدينِ إلى اللهِ الحنيفيَّةُ السَّمْحةُ" 33 - (39) - حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلاَمِ بْنُ مُطَهَّرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ مَعْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْغِفَارِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ". (مطهَّر): بتشديد الهاء وفتحها. (الغِفاري): -بغين معجمة مكسورة- نسبة لجده غفار (¬1). (المقبُري): -بفتح الباء (¬2) الموحدة وضمها-؛ لأنه كان يسكن ¬

_ (¬1) في "ن": "منسوب لجده غفار"، وفي "م": "نسبة جده غفار". (¬2) "الباء" ليست في "ع".

المقابر، وقيل: بل نزل بناحيتها. (أحبُّ الدين إلى الله الحنيفيةُ السمحة): لم يسنده؛ لأنه ليس على شرطه، وساق معناه في الحديث الذي خرجه في الباب، وأسنده ابن أبي شيبة (¬1). ومقصود البخاري من هذه الترجمة: أن الدين يقع على الأعمال؛ لأن الذي يتصف بالعسر واليسر (¬2) إنما هي الأعمال دون التصديق، ولذلك قال: (وشيء من الدلجة): وهي سير الليل كله (¬3)؛ لأن استغراق الليل كله بالعمل شاقٌّ على النفوس. وحمل ابن المنير الغدوة والروحة عليهما في سبيل الله وقتًا من الأوقات، قال: والظاهر أن الدلجة قيام السحر، والله أعلم. وهذه كلها فضلات عن الأعمال الواجبة، ولهذا قال: استعينوا بها؛ أي: بشيء من النوافل. (ولن يشاد الدين إلا غلبه (¬4)): كذا للجمهور، ولابن السكن إثبات لفظ: "أحد" على أنه فاعل، و"الدينَ" مفعول به، وأما على الأول، فكثيرٌ ضبطَ "الدينَ" -بالنصب- على أن الفعل مبني للمعلوم، والفاعل مضمَر ¬

_ (¬1) وكذا أسنده البخاري في "الأدب المفرد" (287)، والإمام أحمد في "المسند" (1/ 226)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وإسناده حسن، كما قال الحافظ في "الفتح" (1/ 117). (¬2) في "ن": "باليسر والعسر". (¬3) في "ن" و"ع": "وهي سير الإبل الليل كله". (¬4) في "ع": "ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه".

باب: الصلاة من الإيمان وقول الله تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} [البقرة: 143]؛ يعني: صلاتكم عند البيت

يعود على ما يفهم (¬1) من السياق. وبعضهم ضبطه -بالرفع- على أن الفعل مبني للمجهول، والمرفوع نائب عن الفاعل، والضمير المنصوب من "غلبه" إما أن يعود إلى الفاعل الذي يدل عليه السياق، أو إلى المصدر المفهوم من غلب، مثل: هذا سُراقَةُ للقرآنِ يَدْرُسُهُ (¬2) والمشادة: -بالشين المعجمة فالدال (¬3) المهملة-: المغالبة (¬4). * * * باب: الصَّلاَةُ مِنَ الإِيمَانِ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143]؛ يَعْنِي: صَلاَتَكُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ (يعني صلاتكم عند البيت): كذا وقع في الأصول. قال السفاقسي: يريد: بيت المقدس. قلت: لفظة "عند" تدفعه، والصواب كما قطع به بعضهم: "إلى بيت المقدس" (¬5). 34 - (40) - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، قَالَ: ¬

_ (¬1) في "ع": "فهم". (¬2) صدر بيت أنشده سيبويه في "الكتاب" (3/ 67)، وعجزه: والمرء عند الرشا إن يلقها ذيب (¬3) في "ن" و"ع": "والدال". (¬4) انظر: "التوضيح" لابن الملقن (3/ 84). (¬5) انظر: "شرح ابن بطال" (1/ 97)، و"التوضيح" لابن الملقن (3/ 94).

حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ أَوَّلَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَزَلَ عَلَى أَجْدَادِهِ، أَوْ قَالَ: أَخْوَالِهِ مِنَ الأَنْصَارِ، وَأَنَّهُ صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلاَةٍ صَلَّاهَا صَلاَةَ الْعَصْرِ، وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ، فمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ وَهُمْ رَاكِعُونَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ باللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قِبَلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَكَانَتِ الْيَهُودُ قَدْ أَعْجَبَهُمْ إِذْ كَانَ يُصَلِّي قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَأَهْلُ الْكِتَاب، فَلَمَّا وَلَّى وَجْهَهُ قِبَلَ الْبَيْتِ، أَنْكَرُوا ذَلِكَ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ فِي حَدِيثِهِ هَذَا: أَنَّهُ مَاتَ عَلَى الْقِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ رِجَالٌ، وَقُتِلُوا، فَلَمْ نَدْرِ مَا نقُولُ فِيهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143]. (كان أولَ ما قدم (¬1) المدينة): بنصب أول. قال الزركشي: خبر كان (¬2). قلت: هو وهم، إنما خبر كان: نزل، وأولَ ظرفٌ لنزل (¬3)، أو متعلق بكان على القول بدلالة الناقصة على الحدث، كما مر. (نزل على أجداده، أو قال: أخواله من الأنصار): شكٌّ من الراوي، وكلاهما صحيح؛ لأن هاشمًا جد أبي النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج من الأنصار في بني عدي بن النجار. ¬

_ (¬1) في "ع": "تقدم". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 40). (¬3) "لنزل" ليست في "ج".

لكن في السيرة: أن نزوله - عليه السلام - أول قدومه إلى المدينة على كلثوم بن الهدم، ثم على أبي أيوب الأنصاري (¬1). وليس واحد منهما من أخواله ولا أجداده؛ لأنهما ليسا من بني عدي ابن النجار. (قِبَل): -بكسر القاف وفتح الموحدة-؛ أي: إلى جهته (¬2). (بيت المَقْدس): -بفتح الميم وإسكان القاف-، ويقال: -بضم الميم وفتح القاف وتشديد الدال-؛ أي: المطهر، والإضافة حينئذ كما في مسجد الجامع. (وأنه أول صلاة): بنصب أول على أنه مفعول يصلي محذوفًا، وقد ثبت كذلك في بعض الروايات. (صلاها): أي: إلى الكعبة، ثم حُذف الجار توسُّعًا. (صلاة العصر): -الرفع (¬3) - عن ابن مالك، والظاهر نصبه على البدل. (فخرج رجل ممن صلى معه): قيل: هو عباد بن نهيك، وقيل: عباد بن بشر الأشهلي. (فمر على أهل مسجد): ليس هذا (¬4) مسجد قباء، وإنما هو مسجد بني سلمة، ويعرف بمسجد القبلتين. ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" لابن الملقن (3/ 94). (¬2) في "ن" و"ع" و"ج": "إلى جهة". (¬3) في "ن" و"ع": "بالرفع". (¬4) في "ج": "ليس على هذا".

باب: حسن إسلام المرء

(فداروا كما هم): أي: على الحالة التي كانوا عليها، فلم يقطعوا (¬1) الصلاة، بل أتموها إلى جهة الكعبة، فصلوا صلاة واحدة إلى جهتين (¬2) بدليلين شرعيين. فإن قلت: ما وجه قوله: "كما هم" في صناعة الإعراب؟ قلت: الظاهر أن الكاف بمعنى على، وأن "ما (¬3) " كافة، و"هم" مبتدأ حذف خبره؛ أي: عليه، أو كائنون. وقد يقال: إن "ما" موصولة، و"هم" مبتدأ حذف خبره؛ أي: عليه، لكن يلزم حذف العائد المجرور مع تخلف شرطه. وفيه: جواز النسخ بخبر الواحد، وإليه ميل المحققين. (وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قبل بيت المقدس، وأهلُ الكتاب): برفع أهل عطفًا على اليهود، فيكون من عطف العام على الخاص؛ إذ اليهودُ أهلُ كتاب. * * * باب: حُسْنُ إِسلامِ المرءِ 35 - (41) - قَالَ مَالِكٌ: أَخْبَرَنِي زيدُ بْنُ أَسْلَمَ: أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِذَا أَسْلَمَ الْعَبْدُ، فَحَسُنَ إِسْلاَمُهُ، يُكَفِّرُ اللَّهُ عَنْهُ كُلَّ سَيَّئَةٍ كَانَ زَلفَهَا، وَكانَ بَعْدَ ¬

_ (¬1) في "ج": "يقطعوها". (¬2) في "ج": "إلى جهة". (¬3) في "ج": "وأما".

ذَلِكَ الْقِصَاصُ: الْحَسَنَةُ بعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبع مِئَةِ ضعْفٍ، وَالسَّيِّئَةُ بمِثْلِهَا إِلَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهَا". (قال مالك: أخبرني زيد بن أسلم): أخرجه هنا معلقًا، فإن بينه وبين مالك واسطة؛ لأنه لم يسمع منه، وعبر عن ذلك بصيغة لا تقتضي التصريح بالسماع، لكنها (¬1) تقتضي حكمه بالصحة إلى من علقه عنه، فإنَّ (قال) من صيغ الجزم، ويقع في بعض النسخ وصل ذلك من قبل أبي ذر الهروي (¬2). وقد صنف الحافظ العلامة شهابُ الدين ابن حجر -سلمه الله، وجمعَ الشملَ به في خير وعافية- كتابًا وصل (¬3) فيه معلقات البخاري، وسماه: "تغليق التعليق" ملكته في سفرين، وهو كتاب حافل لم يسبق إليه. (فحسن إسلامه): أي: أضاف إلى الإيمان حسنَ العمل. قال الزركشي: وزاد البزار فيه: "إن الكافر إذا حسن إسلامه، يكتب له في الإسلام بكل (¬4) حسنة عملها في الشرك"، وإنما اختصره البخاري؛ لأن قاعدة الشرع أن المسلم لا يثاب على عمل لم ينو به القُربة، فكيف بالكافر (¬5)؟ قلت: لا نسلم (¬6) أن هذا هو الحامل للبخاري على اختصاره، ¬

_ (¬1) في "ع": "ولكنها". (¬2) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 122). (¬3) في "ج": "أوصل". (¬4) في "ن" و"ع": "كل". (¬5) انظر: "التنقيح" (1/ 40). (¬6) في "ج": "لا يسلم".

ولأن (¬1) قاعدة الشرع تنافي ما زاده البزار، فإنه قد ثبت في الشرع أن الله تعالى يتفضل على العاجز إذا ترك الأعمال عجزًا بثواب تلك الأفعال (¬2) التي كان يفعل مثلها وهو قادر، فإذا جاز أن يكتب له ثواب ما لم يعمله ألبتة، جاز أن يكتب له ثواب ما عمله (¬3) غير مستوفي الشروط. ووجه مطابقة الحديث للترجمة: أنه لما أثبت للإسلام صفة الحسن، وهي زائدة عليه، دل على اختلاف أحواله، وإنما تختلف الأحوال بالنسبة إلى الأعمال؛ إذ هي القابلة للزيادة والنقص، وأما التصديق، فلا يقبله، على ما مر. هذا معنى كلام ابن المنير رحمه الله. (زلَفها): -بفتح اللام مخففة-: جمعها واكتسبها، أو قربها قربةً إلى الله تعالى. * * * 36 - (42) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَحْسَنَ أَحَدُكُمْ إِسْلاَمَهُ: فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ لَهُ بعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِئَةِ ضعْفٍ، وَكُلُّ سَيِّئَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ لَهُ بمِثْلِهَا". (هَمَّام): بهاء مفتوحة وميم مشددة. * * * ¬

_ (¬1) في "ن" و"ع": "ولا أن". (¬2) في "ع": "العبادة". (¬3) في "ن" و"ع": "ما كان عمله".

باب: أحب الدين إلى الله أدومه

باب: أحبُّ الدِّينِ إلى الله أدومُه 37 - (43) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبي، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ، قَالَ: "مَنْ هَذِهِ؟ ". قَالَتْ: فُلاَنَةُ، تَذْكُرُ مِنْ صَلاَتِهَا، قَالَ: "مَهْ، عَلَيكُمْ بمَا تُطِيقُونَ، فَوَاللَّهِ! لاَ يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا". وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ. (قالت: فلانة): هي الحولاء (¬1) -بحاء مهملة وألف ممدودة- بنت تُوَيْتٍ- بالتصغير بمثناة من فوق في أوله وآخره -وقع تسميتها بذلك في "صحيح مسلم" (¬2). (تَذْكُر): على البناء للمعلوم المؤنث، وللمجهول المذكر. (مَهْ): -اسم فعل- بمعنى: انكفف (¬3). قال الزركشي: فإن وُصلت، نُونت (¬4). قلت: يريد ما قاله صاحب "الصحاح": فإن وَصَلْتَ، نَوَّنْتَ، فقلتَ: مَهٍ مَهٍ (¬5)، والمعروف من كلام النحاة: أنك إن نكرت، نونت، وإلا، فمتى كان التعريف مرادًا، فالهاء ساكنةٌ وقفًا ووصلًا. (لا يَمَل): بفتح المثناة من تحت والميم. (حتى تملوا): قال الزركشي: و"حتى" (¬6) بمعنى الواو، والمعنى: ¬

_ (¬1) في "ج": "والحولاء بنت". (¬2) رواه مسلم (785). (¬3) في "ع": "اكفف". (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 41). (¬5) انظر: "الصحاح" للجوهري (6/ 2250)، (مادة: م هـ هـ). (¬6) في "ج": "حتى".

لا يمل وإن مللتم (¬1). قلت: الاشتغال بحكاية مثل هذا القول الذي لا يلتفت إليه أمر باطل (¬2) لا طائل تحته، ولا وجه لإخراجها عن بابها، ولا شك أن لـ (حتى) الداخلةِ على المضارع المنصوب ثلاثةَ معانٍ: مرادفة إلى، ومرادفة إلا في الاستثناء، وكلاهما ممكن الاعتبار في الحديث، ومرادفة كي التعليلية؛ نحو: أسلم حتى تدخل الجنة، وهذا غير متأتٍّ فيما نحن فيه، وحقيقةُ الملل السآمةُ من الشيء واستثقالُه، وهو على الله محال (¬3)، فيكون من باب الاستعارة التبعية؛ أي: لا يترك إثابتكم تركَ مَنْ يستثقل الشيء ويسأم منه، ويحتمل أن يكون من باب المشاكلة. فإن قلت: أيُّ داع إلى جعل هذا من الاستعارة أو المشاكلة (¬4)، مع أن هذا في مقام السلب كما في قولنا: الله ليس بجوهر ولا عرض، وقوله تعالى: {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} [البقرة: 255]. قلت: أشار بعض المحققين إلى أن هذا إنما هو إذا نُفيت أمثالُ ذلك على الإطلاق بمعنى أنها ليست من شأنه، ولا يتصف بها؛ كما في الأمثلة المذكورة (¬5)، وأما إذا (¬6) نُفيت على (¬7) التقييد، فقد رجع النفي إلى القيد، ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 41). (¬2) "باطل" ليست في "ن" و"ع". (¬3) في "ن": "وهو محال على الله". (¬4) في "ع": "من باب الاستعارة والمشاكلة". (¬5) "المذكورة" ليست في "ج". (¬6) "إذا" ليست في "ج". (¬7) في "ع": "عن".

باب: زيادة الإيمان ونقصانه

وأفاد ثبوتَ أصل الفعل أو إمكانه لا أقل، فاحتيج إلى التأويل؛ كما إذا قيل: لم يلد ذكرًا، ولم يأخذه نوم في هذه الليلة، والفعل هنا منفي على التقييد؛ لأنهم قالوا: إن معناه لا يمل من الثواب، فلزم التأويل، وأيضًا فبحسب الغاية يتعين التأويل؛ إذ المعنى: لا يمل حتى تملوا، فيمل حينئذٍ (¬1). فإن قلت: المشاكلة من قبيل المجاز، فما وجه التجوز (¬2)؟ قلت: ظاهر كلامهم أن وقوع مدلول هذا اللفظ في مقابلة ذاك جهةُ التجوز (¬3) والجواز. (وكان أحبَّ الدين إليه ما داوم عليه صاحبه): صيغة أحب هنا تقتضي (¬4) أن ما لم يداوم عليه صاحبه من الدين محبوب، ولا يكون هذا إلا في العمل؛ ضرورة أن ترك الإيمان كفر. * * * باب: زِيَادَةِ الإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13]، {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر: 31]، وَقَالَ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3]، فَإذا تَرَكَ شَيْئًا مِنَ الْكَمَالِ، فَهُوَ نَاقِصٌ. ¬

_ (¬1) في "ن": "إذا المعنى: لا يمل الثواب، فلزم التأويل، وأيضًا: فبحسب حتى تملوا، فيمل حينئذٍ"، وفي "ع": "إذ المعنى: لا يمل من الثواب حتى تملوا، فيمل حينئذٍ". (¬2) في "ع": "التجويز". (¬3) في "ن" و"ع": "التجويز". (¬4) في "ن": "هذه تقتضي"، وفي "ع": "صيغة أحب تقتضي".

({الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3]، فإذا ترك شيئًا من الكمال، فهو ناقص): قال ابن المنير: لا يقال: إن كان الكمال حادثًا يومئذ، وكان النقصان موجودًا قبلُ، ولا يجوز أن يطلق على الدين والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بين ظهرانَيهم أنه كان ناقصًا مع وجوده طرفة عين. لأنا نقول: المراد بالكمال: أن الفرائض التي قدر الله تعالى أن تنزل متدرجة لا دفعة، كَمُلَ نزولُها يومئذ؛ لحكمة أرادها الله تعالى في التنجيم، وهذا غير مستحيل، وإنما جاء الغلط من جهة اشتراك لفظ النقصان بين الخلل وبين التبعيض الذي ذكرناه. * * * 38 - (44) - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَفِي قَلْبهِ وَزْنُ شَعِيرَةٍ مِنْ خَيْرٍ، وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَفِي قَلْبهِ وَزْنُ بُرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ، وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَفِي قَلْبهِ وَزْنُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ أَبَانُ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "مِنْ إِيمَانٍ" مَكَانَ "مِنْ خَيْرٍ". (يخرج): بالبناء للفاعل؛ من الخروج، وللمفعول؛ من الإخراج. (ذَرّة): بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء. قال الزركشي: وصحفها شعبة -فضم الذال وخفف الراء-، وأوقعه

فيه تقدم الشعير والبر (¬1). (أبان): -بالصرفِ- على أنه فَعال (¬2)، والهمزةُ أصلية، و -المنعِ- على أنها زائدة، ووزنه أَفعل، ففيه العلميةُ ووزن الفعل، واختاره ابن مالك (¬3). * * * 39 - (45) - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ، سَمِعَ جَعْفَرَ بْنَ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعُمَيْسِ، أَخْبَرَنَا قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّاب: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! آيَةٌ فِي كِتَابكُمْ تَقْرَؤُونَهَا، لَوْ عَلَيْنَا -مَعْشَرَ الْيَهُودِ- نَزَلَتْ، لاَتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا. قَالَ: أَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]. قَالَ عُمَرُ: قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَهُوَ قَائِمٌ بعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ. (الصبّاح): بموحدة مشددة. (أبو العُمَيْس): بعين مهملة مضمومة فميم مفتوحة فياء مثناة من تحت ساكنة فسين مهملة. (لاتخذنا ذلك اليومَ عيدًا): أي: ولم تتخذوه أنتم، يحاول نقضَ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 42). (¬2) في "ع": "على زنة فعال". (¬3) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 156).

كونها حقًّا بإهمال يوم نزولها، فبين له (¬1) عمر أنهم احتفلوا فيه احتفالين (¬2)، واتخذوه عيدين. * * * 40 - (46) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ عَمِّهِ أَبي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبيهِ: أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، ثَائِرُ الرَّأْسِ، يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ، وَلاَ يُفْقَهُ مَا يَقُولُ، حَتَّى دَنَا، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ". فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: "لاَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ". قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَصِيَامُ رَمَضَانَ". قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ قَالَ: "لاَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ". قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الزَّكَاةَ، قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: "لاَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ". قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ! لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا، وَلاَ أَنْقُصُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ". (أبي سُهيل): على التصغير. (جاء رجل): قال القاضي: هو ضمامُ بنُ ثعلبةَ أخو بني سعدِ ابنِ بكرٍ (¬3)، وكذا قال ابن بطال (¬4) وغيره، واستشكله القرطبي (¬5) بأن ضمامًا ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "لهم". (¬2) في "ع" و"ج": "اختلفوا فيه اختلافين". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 185). (¬4) انظر: "شرح ابن بطال" (1/ 143). (¬5) انظر: "المفهم" (1/ 162).

إنما هو في حديث أنس، أما في حديث طلحة، فلا، فاستظهر (¬1) أن يكونا قصتين (¬2)؛ لتباين الألفاظ (¬3). (ثائر الرأس): -بثاء مثلثة وهمزة بعد الألف- منتفش الشعر، قائمه على أنه صفة رجل (¬4)، ويُنصب على أنه حال (¬5) منه، وإن كان نكرة؛ لأنه وُصِف (¬6). (نسمع ونفقه): -بالنون المفتوحة وبالياء المثناة من تحت، [وبـ]ـالمضمومة على البناء للمجهول-، والأول أشهر. (دَوِيَّ): -بفتح الدال المهملة-، وحكي ضمها: شدةُ الصوتِ وبُعْدُه في الهواء. (خمسُ صلواتٍ): هو وما بعده مرفوع، والمبتدأ محذوف؛ أي: الإسلام. (إلا أن تطوع): الاستثناء (¬7) متصل عند من يرى لزوم التطوع بالشروع؛ كمالك، ومنقطع عند من يقول: لا يلزم بذلك؛ كالشافعي، والأول هو الأصل (¬8). ¬

_ (¬1) في "ن" و"ع": "واستظهر". (¬2) في "ن" و"ع" و"ج": "قضيتين". (¬3) انظر: "التوضيح" لابن الملقن (3/ 135). (¬4) في "ن" و"ع": "ويرفع على أنه صفة رجل". (¬5) في "ج": "أنه رجال". (¬6) في "ج": "يوصف". (¬7) في "ع": "استثناء". (¬8) انظر: "التوضيح" لابن الملقن (3/ 139).

وتَطَّوع: يروى: -بتشديد الطاء-، والأصل: تتطوع، فأبدل التاء الثانية طاء، وأدغم، ويروى: -بتخفيفها- على حذف إحدى (¬1) التاءين اختصارًا لتخفَّ الكلمة، وهل المحذوف الثانية، وهو الصحيح، أو الأولى؟ قولان (¬2). ولا يخفى أن (¬3) هذا الرجل إنما وفد بالمدينة، وأقل ما (¬4) قيل فيه: أنه وفد سنة خمس، وقد تقرر في ذلك الزمن النهيُ عن أمور (¬5)؛ كالقتل، والزنا، والعقوق، والظلم، والسرقة، فثبت أن عليه وظائفَ أُخَرَ غيرَ الصلاة والزكاة والصيام. وأجاب ابن المنير: بأنه - عليه السلام - كان يجيب بما تقتضيه الحال، وبالأهم (¬6) فالأهم؛ إذ لا يمكن بيان الشريعة دفعة واحدة، لا سيما لحديثِ (¬7) عهدٍ بالإسلام. (لا أزيد على هذا ولا أنقص): أحسنُ ما يقال فيه: أن المعنى: أُبلغها قومي على ما سمعتها من غير زيادة ولا نقص؛ لأنه كان وافدًا لهم ليتعلم ويعلمهم، قاله ابن المنير (¬8). ¬

_ (¬1) "إحدى" ليست في "ج". (¬2) المرجع السابق، (3/ 136). (¬3) "أن" ليست في "ج". (¬4) في "ج": "بما". (¬5) في "ج": "عن الأمور". (¬6) في "ج": "والأهم". (¬7) في "ج": "الحديث". (¬8) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 133).

فإن قلت: في كتاب: الصيام: "وَالَّذِي أَكْرَمَكَ! لا أَتَطَوَّعُ شَيْئًا، وَلا أَنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللهُ عَلَيَّ شيئًا"، فهذا مما يدفع هذا التأويل. قلت: راوي ما في الصيام هو طلحة، وما هنا من رواية أنس، وقد مر قريبًا أن القرطبي جعلها قصتين، فتأمله. (أفلح إن صدق): قال الزركشي: معناه ظاهر باعتبار ما تقدم. قال الزركشي (¬1): وفيه ثلاثة أقوال: الأول: أخبر بفلاحه، ثم أعقبه بالشرط؛ لينبه على سبب فلاحه. الثاني: هو ماض أريد به مستقبل. الثالث: هو على (¬2) التقديم والتأخير؛ أي: إن (¬3) صدق أفلح (¬4). قلت: ليس في الثلاثة ما يفلج (¬5) به الصدر. وفي "القبس": إنما قال له (¬6) النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك؛ لأنه (¬7) كان أول ما أسلم، فأراد أن يطمئن فؤاده عليها، وبعد (¬8) ذلك يفعل ما سواها بما (¬9) يظهر من ترغيب الإسلام (¬10). ¬

_ (¬1) "قال الزركشي" ليست في "ج". (¬2) "على" ليست في "ع". (¬3) "إن" ليست في "ج". (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 44). (¬5) في "ن": "يلج". (¬6) في "ج": "إنما قاله النبي". (¬7) في "ج": "لأنه ذلك". (¬8) في "ج": "وجعل". (¬9) في "ع": "كما". (¬10) انظر: "القبس في شرح الموطأ" لابن العربي (6/ 240).

باب: اتباع الجنائز من الإيمان

باب: اتِّباع الجنائز من الإيمانِ 41 - (47) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ الْمَنْجُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ وَمُحَمَّدٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنِ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيُفْرُغَ مِنْ دَفْنِهَا، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ مِنَ الأَجْرِ بقِيرَاطَيْنِ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ تُدْفَنَ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بقِيرَاطٍ". تَابَعَهُ عُثْمَانُ الْمُؤَذِّنُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، نَحْوَهُ. (المَنْجوفي): -بميم مفتوحة ونون ساكنة وجيم وفاء-: نسبة إلى جده مَنْجوف. (رَوح): بفتح الراء. (وكان معه): الضمير للمسلم. قال الزركشي: أو لصاحب (¬1) الجنازة (¬2). قلت: الأول أولى؛ للتصريح بمسلم في الحديث. (حتى يصلي (¬3)): بالبناء للفاعل والمفعول. (ويَفرغ): يجوز فيه الأمران، وحسن النووي البناء للمفعول (¬4). ¬

_ (¬1) في "ع": "ولصاحب". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 44). (¬3) في "ع": "يصلِّ". (¬4) انظر: "شرح مسلم" (7/ 15).

باب: خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر

(نحوه): مفعول حدثنا. * * * باب: خَوْفِ الْمُؤْمِنِ مِنْ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ وَهُوَ لاَ يَشْعُرُ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: مَا عَرَضْتُ قَوْلِي عَلَى عَمَلِي إِلَّا خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ مُكَذَّبًا. وَقَالَ ابْنُ أَبي مُلَيْكَةَ: أَدْرَكْتُ ثَلاَثِينَ مِنْ أَصْحَاب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ، مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ: إِنَّهُ عَلَى إِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ. (أن يحبَطَ): -بفتح الباء والطاء-، والإحباط قسمان: إحباط إسقاط (¬1): وهو إحباط الكفر لجميع (¬2) الأعمال الصالحة. وإحباط موازنة: وهو وزن العمل الصالح بالسيء، فإن رجح السيء، فأمه هاوية، أو الصالح، فهو في عيشة راضية، والمراد هنا: الثاني، لا الأول. قال ابن المنير: انتقل البخاري من الرد على القدرية إلى الرد على المرجئة، وهما ضدان: القدرية تكفِّر بالذنب، والمرجئة تُهدر الذنبَ بالكلية، وما ساقه في الترجمة صريح في الرد عليهم (¬3). (إلا خشيت أن أكون مكذِّبًا): المختار في ضبطه -كسر الذال المشددة-؛ لأنه خاف التقصير في العمل، وضبط -بفتحها-؛ أي: خشيت ¬

_ (¬1) "إسقاط" ليست في "ج". (¬2) في "م" و "ج": "بجميع". (¬3) انظر: "فتح الباري" (1/ 135).

أن يكذبني مَنْ رأى عملي مخالفًا لقولي (¬1) (مُليكة): -بضم الميم- مصغرًا. * * * 42 - (48) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ زُبَيْدٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا وَائِلٍ عَنِ الْمُرْجِئَةِ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ". (عَرْعَرة): بعينين مفتوحتين وراءين أولاهما (¬2) ساكنة، وكلاهما (¬3) مهملة (¬4). (زُبيد): -بزاي مضمومة وباء موحدة ومثناة (¬5) من تحت-، وليس هو في "الصحيحين" إلا كذلك. (سِباب المسلم): -بكسر السين-: مصدرُ سَبَّ؛ أي: شتمَ، وفسره الراغب بالشتم الوجيع (¬6). (وقتاله): يحتمل ما يؤدي إلى إزهاق نفسه، أو تناوله باليد (¬7) من غير ¬

_ (¬1) المرجع السابق (1/ 136). (¬2) في "ج": "أولهما". (¬3) في "م" و"ن": "وكليهما". (¬4) في "ع": "كلاهما مهمل". (¬5) في "ن" و"ع": "وياء مثناة". (¬6) انظر: "مفردات القرآن" (ص: 391). (¬7) في "ع": "باليدين".

قتل (¬1)، كما ورد في المار بين يدي المصلي "فَلْيُقَاتِلْهُ" (¬2). (كفر): أي: كفر لحقه (¬3)، وليس المراد به ما يُخرج عن الإسلام، وقيل: المراد: قتاله بغير حق، مع استحلال ذلك، فالكفر على بابه (¬4)، وصُحح (¬5) الأولُ؛ إذ به يحصل الزجر عن انتهاك حرمة المسلم، فهو أكثر فائدة. * * * 43 - (49) - أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ يُخْبرُ بلَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَتَلاَحَى رَجُلاَنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: "إِنِّي خَرَجْتُ لأُخْبِرَكُمْ بلَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَإِنَّهُ تَلاَحَى فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ، فَرُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمُ، الْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ وَالتِّسْعِ وَالْخَمْسِ". (فتلاحى رجلان): قال ابن دحية في "العَلَم": المشهور هما كعبُ ابنُ مالك، وعبد الله بن أبي حَدْرَد (¬6)، ولم يأت على ذلك بشاهد. قال الإسماعيلي: إنما ذكر البخاري في هذا الباب هذا الحديث؛ للتنبيه (¬7) ¬

_ (¬1) في "ن": "قتال"، وفي "ع": "من غير قتل له". (¬2) رواه البخاري (509) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. (¬3) في "ع": "أي بحقه". (¬4) في "م" و"ج": "فالكفر بابه". (¬5) في "ج": "فالكفر بأنه صح". (¬6) انظر: "التوضيح" لابن الملقن (3/ 162). (¬7) في "م": "لتنبيه"، وفي "ج": "لينبه"، والمثبت من "ن" و"ع".

باب: سؤال جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإيمان، والإسلام، والإحسان، وعلم الساعة

على أن التلاحي، وهو المماراة والمجادلة، غيرُ السباب الذي هو فسق. (في السبع والتسع (¬1)): في أكثر النسخ هكذا بتقديم الأدنى، وفي بعضها بالعكس (¬2). * * * باب: سؤالِ جبريلَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عن الإيمانِ، والإِسلامِ، والإحسانِ، وعلمِ الساعةِ 44 - (55) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا أَبَو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبي زُرْعَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: مَا الإِيمَانُ؟ قَالَ: "الإِيمَانُ: أَنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَبلِقَائِهِ وَرُسُلِهِ، وَتُؤْمِنَ بالْبَعْثِ". قَالَ: مَا الإِسْلاَمُ؟ قَالَ: "الإِسْلاَمُ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكَ بهِ، وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ، وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ". قَالَ: مَا الإِحْسَانُ؟ قَالَ: "أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ، فَإِنَّهُ يَرَاكَ". قَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: "مَا الْمَسْؤُولُ عَنْهَا بأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، وَسَأُخْبرُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا: إِذَا وَلَدَتِ الأَمَةُ رَبَّهَا، وَإِذَا تَطَاوَلَ رُعَاةُ الإِبلِ الْبُهْمُ فِي الْبُنْيَانِ، فِي خَمْسٍ لاَ يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ"، ثُمَّ تَلاَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 34]، ثُمَّ أَدْبَرَ، فَقَالَ: "رُدُّوهُ". فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا، فَقَالَ: "هَذَا جِبْرِيلُ، جَاءَ يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ". ¬

_ (¬1) في "ع": "والسبع والتسع". (¬2) في "ج": "بالكسر".

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: جَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنَ الإيمَانِ. (أبو حيان): بحاء مهملة وياء آخر الحروف. (بلقائه): مجاز عن رؤية الله حيث لا مانع؛ كما في حق الكفار والمنافقين، أو بلقاء جزائه من ثواب وعقاب. (وتؤمن بالبعث): وهو حشر الأجساد وإحياؤها يوم القيامة، وفي تكرير الباء مع اللقاء والبعث، وتكرير الفعل من قوله: "وتؤمن" مزيدُ اعتناء بهذين الأمرين. (وتقيم الصلاة): أي: تؤديها وتوقعها في الخارج. (الزكاة المفروضة): قيل: إنما قُيدت دون غيرها؛ لأن العرب كانت تدفع المال؛ للسخاء والجود، فنبه بالفرض على رفض نية ما كانوا عليه. قال الزركشي: والظاهر أنها للتأكيد (¬1). قلت: لكنه لا يدفع سؤال الاختصاص. وغايَرَ في هذا الحديث بين الإيمان والإسلام، وقد علمت أن البخاري يراهما مترادفين، والخلاف في ذلك مأثور. قال ابن عبد السلام: إن حُمل الإيمان على التصديق، فإنْ حُمِلَ الإسلام على الشهادتين، أو على (¬2) الدعائم الخمس، فلا عمومَ ولا خصوصَ، وإن حُمل على الانقياد اللغوي؛ كان (¬3) أعم من الإيمان؛ إذ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 46). (¬2) "على" ليست في "ع". (¬3) في "م" و"ج": "لأنه" بدل "كان"، والمثبت من "ن" و"ع".

كلُّ مؤمن مُنقاد، ولا عكس، وإن حُمل الإيمان على التصديق وأعمال الجوارح، فإن حمل الإسلام على ما سبق، كان الإيمان أعم، وإن حمل على الانقياد اللغوي، فهو (¬1) أعم، قال: وإن بنينا على الظاهر، وهو أن الإيمان إذا أُطلق، حُمل على التصديق بالشهادتين، [والإسلام إذا أطلق، حُمل على] (¬2) النطق بهما (¬3)، فلا عموم ولا خصوص. (أشراطها): جمع شَرَط -بتحريك الراء-، وهو العلامة. (رُعاة الإبل البُهمِ): البُهم -بضم الباء- جمع بهيم وهو الأسود، أو المجهول الذي لا يعرف، كما قاله الخطابي (¬4). وهو إما مجرور صفة للإبل بالمعنى الأول، أو مرفوع صفة للرعاة على المعنى الثاني، وروي بفتح الباء، ولا وجه له هنا، فإن البَهم -بالفتح- من ولد الضأن والمعز. (في البنيان): أي: بعد أن كانوا أصحاب بوادٍ ينتجعون مواقع الغيث ولا يستوطنون مكانًا. (في خمس): خبر مبتدأ محذوف. وقال الزركشي: متعلق بمحذوف؛ أي: هي في خمس (¬5). قلت: الصواب ما تقدم. (هذا جبريل جاء (¬6) يعلم الناس دينهم): أي: يريد تعليم الناس؛ ¬

_ (¬1) في "ج": "كان فهو". (¬2) ما بين معكوفتين غير واضح في "م"، وهو هكذا في "ن" و"ع" و"ج". (¬3) "بهما" ليست في "ع". (¬4) انظر: "أعلام الحديث" (1/ 183). (¬5) انظر: "التنقيح" (1/ 47). (¬6) "جاء" ليست في "ن" و"ع".

باب: فضل من استبرأ لدينه

ليصح كونه حالًا مقيدة للعامل، وإلا، فتعليمه إنما كان بعد مجيئه، لا في حين المجيء. قال ابن المنير: وفيه ما يدل على أن السؤال من جملة العلم، فإنه اعتدَّ سؤالَ جبريل علمًا وتعليمًا، ولهذا قيل: السؤالُ نصفُ العلم، ويمكن أن يؤخذ (¬1) من هنا؛ لأن الفائدة انبنت فيه على السؤال والجواب، وقد احتسب السؤال علمًا، ولا خفاءَ بأن (¬2) الجواب علم، فالسؤال حينئذ النصف. قلت: وفيه: أن المستفهِم (¬3) قد يكون عالمًا بما استفهم عنه، وإنما يطلب أن يُفهم السامعَ الجواب، ويكون الاستفهام حينئذ حقيقيًّا؛ إذ هو طلبُ الفهم في الجملة، لا طلبُ فهمِ السائل على الخصوص، وعليه: فلا يُنكر الاستفهام الحقيقي بهذا المعنى في كلام الله تعالى، وقد بينا ذلك في "شرح مغني ابن هشام". * * * باب: فضل من استبرأَ لدينهِ 45 - (52) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الْحَلاَلُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ، اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ: كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلاَ إِنَّ ¬

_ (¬1) "يؤخذ" غير واضحة في "م"، وهي هكذا في "ن" و"ع" و"ج". (¬2) في "ن": "أن". (¬3) في "ن" و"ج": "المتفهم".

باب: أداء الخمس من الإيمان

حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضهِ مَحَارِمُهُ، أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً: إذَا صَلَحَتْ، صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ، فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ". (النُّعمان): بضم النون. (ابن بَشِير): -بفتح الباء وكسر الشين المعجمة- هو من صغار الصحابة. قال الداوودي: لا نعلم أحدًا في سنه يقول: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا هو، وسيأتي الكلام على حديثه في: البيوع. (في أرضه): ثبتت (¬1) في رواية الكشميهني، وسقطت عند الجمهور (¬2). * * * باب: أَدَاءُ الْخُمُسِ مِنَ الإِيمَانِ (باب أداء الخُمس من الإيمان): قال الزركشي: روي: -بضم الخاء وفتحها-، وفي الحديث شاهد للأمرين (¬3)، فإن فيه ذكر الغنيمة، وذكر قواعد الإسلام (¬4). * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "ثبت"، وفي "ج": "تكتب". (¬2) انظر: "فتح الباري" (1/ 156). (¬3) في "ج": "لأمرين". (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 48).

46 - (53) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبي جَمْرَةَ، قَالَ: كُنْتُ أَقْعُدُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ، يُجْلِسُنِي عَلَى سَرِيرِهِ، فَقَالَ: أَقِمْ عِنْدِي حَتَّى أَجْعَلَ لَكَ سَهْمًا مِنْ مَالِي، فَأَقَمْتُ مَعَهُ شَهْرَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا أَتَوُا النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "مَنِ الْقَوْمُ؟ أَوْ مَنِ الْوَفْدُ؟ " قَالُوا: رَبيعَةُ. قَالَ: "مَرْحَبًا بالْقَوْمِ، أَوْ بالْوَفْدِ، غَيْرَ خَزَايَا وَلاَ نَدَامَى". فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّا لاَ نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأْتِيَكَ إِلَّا فِي شَهْرِ الْحَرَامِ، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ، فَمُرْنَا بأَمْرٍ فَصْلٍ، نُخْبرْ بهِ مَنْ وَرَاءَنَا، وَنَدْخُلْ بهِ الْجَنَّةَ. وَسَأَلُوهُ عَنِ الأَشْرِبَةِ: فَأَمَرَهُمْ بأَرْبَعٍ، وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ، أَمَرَهُمْ: بالإِيمَانِ باللَّهِ وَحْدَهُ، قَالَ: "أَتَدْرُونَ مَا الإيمَانُ باللَّهِ وَحْدَهُ؟ ". قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ، وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ الْمَغْنَمِ الْخُمُسَ". وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنِ الْحَنْتَمِ وَالدُّبَّاءِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُزَفَّتِ. وَرُبَّمَا قَالَ: "الْمُقَيَّرِ". وَقَالَ: "احْفَظُوهُنَّ، وَأَخْبرُوا بهِنَّ مَنْ وَرَاءَكُمْ". (أبو جَمْرَة): بجيم مفتوحة وراء. (الوفد (¬1)): اسم جمع، لا جمعٌ لوافد على الصحيح. قال القاضي: وهم القوم يأتون ركبانًا (¬2)، ويؤيده تفسير ابن عباس له بذلك في قوله تعالى: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} [مريم: 85] (¬3). ¬

_ (¬1) في "ج": "الوافد". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 292). (¬3) انظر: "التوضيح" لابن الملقن (3/ 209).

(غير): -بالنصب- على الحال، قال النووي: وهو المعروف -وبالجر (¬1) - على الصفة (¬2). (خزايا): جمع خَزْيان، قال القاضي (¬3): أي: غير مذلين ولا مهانين ولا مفضوحين (¬4) بوطء البلاد وقتل الأنفس (¬5) وسبي (¬6) النساء. (ولا ندامى): قال (¬7) الزركشي: هو من باب الإتباع؛ كالغدايا والعشايا؛ لأن ندامى (¬8) جمع ندمان من المنادمة (¬9)، لا من الندم (¬10). قلت: في "الصحاح (¬11) ": ورجل ندمان؛ أي: نادم (¬12). وكذا في "جامع القزاز" على ما حكاه السفاقسي (¬13)، وحينئذٍ فيكون جاريًا على الأصل. (الشهر الحرام): بتعريفهما، ويروى: بتعريف الحرام، وإضافةِ ¬

_ (¬1) في "ج": "بالجر". (¬2) انظر: "شرح مسلم" (1/ 187). (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 234). (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ن". (¬5) "الأنفس" غير واضحة في "م"، وليست في "ج"، وأثبتها من "ن" و"ع". (¬6) في "ج": "سبي". (¬7) "قال" ليست في "ن". (¬8) في "ن": "الندامى". (¬9) في "ع": "هو من المنادمة"، وفي "ج": "من الندامة المنادمة". (¬10) انظر: "التنقيح" (1/ 48). (¬11) في "ج": "الصحيح". (¬12) انظر: "الصحاح" للجوهري (5/ 2040)، (مادة: ندم). (¬13) وحكاه عياض في "إكمال المعلم" (1/ 230).

الشهر إليه (¬1)؛ كمسجد الجامع؛ أي: شهر الوقت الحرام، و (¬2) يعنون به: رجبًا؛ لتفرده بالتحريم [بين شهور الحل؛ بخلاف سائر الأشهر الحُرُم] (¬3)؛ لتواليها، ويروى: شهر حرام، بتنكيرهما، وهو يصلح لرجب، ولغيره من الأشهر. (الحي): أصله: منزلُ القبيلة، ثم سميت به اتساعًا؛ لأن بعضهم يحيا ببعض، قاله القاضي (¬4). (فصل): ينفصل به المراد، ولا يشكل. (نخبرُ): -بالرفع على الصفة لأمر- كذا ضبطه القرطبي، قال: وأما "ندخلُ به الجنة": فقيدناه بالرفع أيضًا على الصفة، وبالجزم على جواب الأمر (¬5). قلت: يريد على رواية حذف الواو (¬6) من ندخل، وأما على رواية البخاري هنا بإثباتها، فلا يتأتى الجزم في الثاني مع رفع الأول. (فأمرهم بأربع): وعد خمسة، فإما أن زاد (¬7) أداءَ الخمس بعد عد الأربع، وإما أن تكون الشهادة غير معدودة؛ لعلمهم بها. ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" لابن الملقن (3/ 214). (¬2) في "ج": "أو". (¬3) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬4) قلت: هذا قول صاحب "المطالع"، كما نقله عنه ابن الملقن في "التوضيح" (3/ 214). وعبارة القاضي في "مشارق الأنوار" (1/ 219): وسمعت الحي يتحدثون، وثار الحيان: هو منازل قبائلها، وتسمى القبيلة به. (¬5) انظر: "المفهم" (1/ 174). (¬6) "حذف الواو" ليست في "ج". (¬7) في "ن" و"ع": "فإما أن يكون زاد".

(الحَنْتَم): -بفتح الحاء المهملة وسكون (¬1) النون وفتح المثناة من فوق-: جِرارٌ خضرٌ (¬2) مطلية بما يسدُّ مسامَّ الخزف، ولها تأثير في النبيذ كالمزفت، الواحد حنتمة. (الدُّبَّاء): -بالمد وضم الدال (¬3) وتشديد الباء الموحدة-: القرع. (النَّقير): -بنون مفتوحة وقاف:- أصل (¬4) النخلة يُنقر فيُتخذ منها وعاءٌ يُنبذ فيه. (المزَفَّت): -بزاي وفاء (¬5) مشددة-: وعاء مطلي (¬6) بالزفت. وإنما نهى (¬7) عن الانتباذ في هذه؛ لأنها تُسرع الشدة من (¬8) الشراب، وتحريمُ الانتباذ في هذه الظروف كان في صدر الإسلام، ثم نسخ. ففي "صحيح مسلم": "كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنِ الاِنْتِبَاذِ إِلَّا فِي الأَسْقِيَةِ، فَانْتَبِذُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ، وَلا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا" (¬9). قال الزركشي: هذا مذهبنا، وذهب (¬10) مالكٌ وأحمدُ إلى بقاء التحريم (¬11). ¬

_ (¬1) في "ع": "وإسكان". (¬2) في "ج": "خضرًا". (¬3) في "ن" و"ع": زيادة: "المهملة". (¬4) في "ن": "أصله". (¬5) "وفاء" ليست في "ع". (¬6) في "ن" و"ع": "يطلى". (¬7) في "ج": "هي". (¬8) في "ن" و"ع": "في". (¬9) رواه مسلم (977) عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه رضي الله عنهما. (¬10) في "ع": "ومذهب". (¬11) انظر: "التنقيح" (1/ 49).

باب: ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة، ولكل امرئ ما نوى، فدخل فيه الإيمان، والوضوء، والصلاة، والزكاة، والحج، والصوم، والأحكام

قلت: إنما مذهبُ مالك كراهةُ ذلك، لا تحريمه، هذا الذي عليه الفتوى عند علمائنا. (مَن وراءكم): -بفتح مَنْ- في البخاري، وبكسرها عند ابن أبي شيبة (¬1). قال ابن المنير: وفيه حجة للعمل بخبر الواحد، وقول المعترض في الاحتجاج ببعث رسله - عليه السلام - إلى الآفاق، وهم آحاد: أنهم كانوا حكامًا ونوابًا عنه، وحكمُ الواحد مقبول، والشأن في خبره ساقط هنا؛ لأن الوفد جاؤوا متعلمين لأنفسهم، ومتطوعين بالنقل إلى قومهم، فخبرهم حينئذ خبر (¬2) واحد حقيقة. * * * باب: مَا جَاءَ أَنَّ الأَعْمَالَ بالنِّيَّةِ وَالْحِسْبَةِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَدَخَلَ فِيهِ الإِيمَانُ، وَالْوُضُوءُ، وَالصَّلاَةُ، وَالزَّكَاةُ، وَالْحَجُّ، وَالصَّوْمُ، وَالأَحْكَامُ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} [الإسراء: 84]: عَلَى نِيَّتِهِ، "نَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ يَحْتَسِبُهَا صَدَقَةٌ"، وَقَالَ: "وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ". (الأعمال بالنية): أي: تُعتبر أو تصح (¬3) أو تُجتلب، والأول أعم فائدة. وقيل: الأولى تقدير: واقعة؛ لأنه على القاعدة المطَّرِدة، وهذا مسلَّم في تقدير ما يتعلق به الظرف مطلقًا مع قطع النظر عن صورة خاصة. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (17/ 24) من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، به. (¬2) في "ج": "وخبر". (¬3) في "ع": "أو تتضح".

وأما الصورة (¬1) المخصوصة، فبقدر ما يليق مما يدل عليه المعنى أو (¬2) السياق؛ كما في قولك: زيد على الفرس، فيقدر: راكب، ولا ضير. والنِّيَّة -بالتشديد-: من نوى؛ أي: قصد، والأصل: نَوْيَة، فقلبت الواو ياء، وأدغمت، وقد تخفف ياؤه، فتكون من وَنَى: إذا أبطأ؛ لأن النية تحتاج في تصحيحها إلى إبطاء وتأخر، والباء للسببية (¬3)، أو (¬4) المصاحبة، وفي بعض الروايات: "بالنيات"، ومقابلتها الأعمالَ (¬5) مقابلةُ الآحاد بالآحاد؛ أي: لكل عمل نيةٌ، أو (¬6) إشارة إلى (¬7) تنوع النيات؛ يعني: إن (¬8) كان القصد رضا الله (¬9)، فله مزية، أو دخول الجنة، فله مزية، أو الدنيا، فهو بقَدْرِها. (وإنما (¬10) لكل امرئ ما نوى): هذه غير الأولى، فإن الأولى (¬11) منبهة على (¬12) أن العمل لا يصير حاملًا (¬13) لثواب و (¬14) عقاب إلا بالنية. ¬

_ (¬1) "الصورة" ليست في "ج". (¬2) في "ع" و"ج": "و". (¬3) في "ج": "والباء المتسببة". (¬4) في "ج": "و". (¬5) في "ن" و"ع": "للأعمال". (¬6) في "ج": "و". (¬7) في "ج": "إلى أن". (¬8) "إن" ليست في "ج". (¬9) في "ع" و"ج": "رضا الله عنه". (¬10) "إنما" ليست في نص البخاري. (¬11) "فإن الأولى" ليست في "ج". (¬12) في "ج": "إلى". (¬13) في "ن": "حاصلًا". (¬14) في "ع": "أو".

والثانية: على أن العامل يكون له من العمل على (¬1) قدر نيته، ولهذا أخرت الثانية على (¬2) الأولى؛ لترتبها (¬3) عليها. وقدَّره الشيخ عز الدين بن عبد السلام: إنما (¬4) يحصل لكل امرئ ثوابُ العمل الذي نواه. وعلى (¬5) هذا: فالجملة الأولى لبيان ما يُجزى من الأعمال الدنيوية، والثانية؛ لبيان (¬6) ما ترتب (¬7) عليها (¬8) من الثواب في الآخرة. وقال الخطابي: أفادت (¬9) الثانية اشتراط تعينِ (¬10) المنوي، فلا يكفيه في الفائتة مجردُ نية الفائتة، بل لا بد أن يعينها، ولولا الثانية، لاقتضت الأولى صحة النية بلا تعيين، أو أوهمت ذلك، ثم من الأعمال ما لا يشترط فيه النية؛ كقضاء الدين، ومنها ما يشترط فيه؛ كالصلاة (¬11). قال ابن المنير: وضابطه أن العمل الذي مقصودُه الثواب في الآخرة ¬

_ (¬1) في "ج": "ما". (¬2) في "ع": "عن". (¬3) في "ن": "لترتيبها". (¬4) في "ع": "وإنما". (¬5) في "ج": "على". (¬6) "لبيان" ليست في "ن". (¬7) في "ن" و"ع": "يترتب". (¬8) في "ع" و"ج": "عليه". (¬9) في "م" و"ج": "إفادة". (¬10) في "ن": "تعيينها"، وفي "ع": "تعيين". (¬11) انظر: "أعلام الحديث" (1/ 113).

هو محلُّ الاشتراط، والعمل الذي تظهر فائدته ناجزًا، و (¬1) تتقاضاه الطبيعة قبل الشريعة؛ لملاءمةٍ بينهما، لا تشترط فيه النية، فمن الأول: التيمم، ومن الثاني: إزالة النجاسة، وقد تختلف في بعض الصور؛ لتحقيق مناطٍ؛ كالوضوء، وحيث لا تشترط النية في إزالة النجاسة، وردِّ الوديعة، وقضاء الدين، فإنها تشترط لمن يرد (¬2) مع الغرض العاجل الثواب الآجل. قال العلماء: والنيةُ والإيمان مما يُطلب به الثوابُ الآجل، مع أنه لا تشترط نيتهما، وما ذلك (¬3) إلا لما يفضي إليه الاشتراط في النية من التسلسل، وفي الإيمان من (¬4) الدور. قال: فالحق أن النية نفسَها تتعلق بنفسها، وبالمنويِّ، فهي كالعلم الذي يتعلق بنفسِه، وبالمعلوم، فلا تسلسل، وأما الإيمان، فلأنه نفسَه حضورٌ وتعظيم (¬5) للحق، فهو متميز (¬6) بنفسه؛ كالخوف، والرجاء، والمحبة، والتوكل، فلا تحتاج إلى نية تشترط فيها (¬7) شرعًا. هذا معنى كلامه (¬8). قلت: وقد جعل القرافي النية مما صورته كافية في تحصيل مصلحته؛ إذ مصلحتها التمييز، وهو حاصل بها مع القصد وبدونه. ¬

_ (¬1) في "ع": "أو". (¬2) في "ن" و"ع": "يريد". (¬3) في "ن": "ذاك". (¬4) في "ع" و"ج": "بين". (¬5) في "ن": "تعليم". (¬6) في "ع": "مميز". (¬7) في "ع": "فيه". (¬8) وانظر: "فتح الباري" (1/ 164).

47 - (54) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ، عَنْ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الأَعْمَالُ بالنِّيَّةِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ". (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله): مؤول على إقامة السبب مقام المسبب؛ لاشتهار المسبب (¬1)؛ أي: فقد استحق الثواب العظيم المستقر للمهاجرين. وقدر (¬2) ابن دقيق العيد: فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله نيةً وعقدًا (¬3)، فهجرته إلى الله ورسوله حكمًا وشرعًا (¬4). ورده الزركشي: بأن المقدر حينئذٍ حال مُبَيِّنةٌ، فلا تحذف، واستند إلى نقل ذكره عن الزبيدي في "شرح الجمل" (¬5). قلت: ظاهرُ نصوصهم جوازُ الحذف، ويؤيده: أن الحال خبر في المعنى، أو صفة، وكلاهما يسوغ حذفه؛ لدليل، فلا مانع في الحال أن يكون كذلك. وفيه: وضعُ الظاهر موضعَ المضمر؛ إذ الأصل: فهجرتُه إليهما، وفيه وجهان: ¬

_ (¬1) في "ع": "السبب". (¬2) في "ع": "وقد زاد". (¬3) في "ن": "عقلًا". (¬4) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 11). (¬5) انظر: "التنقيح" (1/ 5).

أحدهما: قصد الاستلذاذ بذكره، ولهذا لم يُعَدْ في الثانية، وهي قوله: "ومن كانت هجرته إلى دنيا" إعراضًا عن تكرير لفظ الدنيا، هذا معنى (¬1) كلام الفاكهاني في "شرح العمدة" (¬2). وثانيهما: خشية الجمع بينهما في ضمير واحد (¬3)، وفيه بحث قد مر. (دُنيا (¬4)): -بضم الدال لا بكسرها- على المشهور تأنيث أَدْنى، فهي (¬5) من باب أَفْعَلِ التفضيل، وهي نكرة، فكان حقُّها أن تلزم الإفرادَ والتذكير، لكنها خلعت عنها الوصفية غالبًا، فأجريت (¬6) مجرى ما لم يكن وصفًا قطُّ؛ كرُجعى، وقد ظهر أنها ممنوعة من الصرف، وحُكي تنوينها. قال ابن جني: وهي نادرة. (أو امرأةٍ): قال الزركشي في تعليقه على "عمدة الأحكام": هو من عطف الخاص على العام؛ بدليل حديث: "الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِهَا المَرْأَةُ الصَّالِحَةُ" (¬7). ¬

_ (¬1) "معنى" غير واضحة في "م"، وهي كذا في "ن" و"ع" و"ج". (¬2) انظر: "رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام" للفاكهاني (1/ 33). (¬3) "واحد" ليست في "ج". (¬4) "إلى دنيا" في رواية أبي الوقت وابن عساكر والحموي، وفي اليونينية: "لدنيا"، وهي المعتمدة في النص. (¬5) في "ع": "فهو". (¬6) في "ج": "فأخرجت". (¬7) رواه مسلم (1467) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.

وفيه ردٌّ على ابن مالك في "شرح عمدته": إذ زعم أن عطف الخاص على العام إنما يكون بالواو. قلت: إنما يرد (¬1) إذا قلنا: إن النكرة في سياق الشرط للعموم الشمولي، وفيه بحث؛ فقد قيل: إنما هي في سياقه (¬2) للعموم البدلي؛ بدليل أنه إذا قال: إن رأيتِ رجلًا، فأنتِ طالق، وقع الطلاقُ برؤيةِ واحدٍ. * * * 48 - (48) - حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبي وَقَّاصٍ: أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ". (فِي فِي امرأتك): ويروى: "في فم امرأتك" (¬3)، وهي لغة قليلة، قال القاضي: وفيه ست لغات: فَمٌ وفُمٌ وفِمٌ، ثم التشديد (¬4). * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "يراد". (¬2) في "ن": "إنها في سياقه"، وفي "ج": "سياق". (¬3) انظر: "فتح الباري" (1/ 166). (¬4) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 159).

باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم"، وقوله تعالى: {إذا نصحوا لله ورسوله} [التوبة: 91]

باب: قَوْلِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ"، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 91] (باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: الدينُ النصيحةُ لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم): قال ابن المنير: جاء حديث بلفظ (¬1) الترجمة، ولم يدخله البخاري، إنما أدخل معناه في الحديث الذي أورده. ووجه المطابقة: أنه - عليه السلام - بايعهم على النصيحة كما بايعهم على الإسلام، فدل أنها معتبرة بعد الإسلام؛ خلافًا للمرجئة؛ إذ لا يعتبر عندهم سوى الإسلام، ولا يضر الإخلال بما عداه. وظن ابنُ بطال أن مقصود البخاري: الردُّ على من زعم أن الإسلامَ التوحيدُ (¬2)، ويدخل فيه الأعمال، وهم القدريةُ (¬3)، وهو ظاهر في العكس؛ لأنه لما بايعه على الإسلام، قال له: وعلى النصيحة، فلو دخلت في الإسلام، لما استأنف لها بيعة. 49 - (57) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ أَبي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. (قيس بن أبي حازم): بحاء مهملة وزاي. * * * ¬

_ (¬1) "بلفظ" ليست في "ن". (¬2) في "ج": "حد". (¬3) انظر: "شرح ابن بطال" (1/ 120).

50 - (58) - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ يَوْمَ مَاتَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، قَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: عَلَيْكُمْ باتِّقَاءِ اللَّهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَالْوَقَارِ، وَالسَّكِينَةِ، حَتَّى يَأْتِيَكُمْ أَمِيرٌ، فَإِنَّمَا يَأْتِيكُمُ الآنَ. ثُمَّ قَالَ: اسْتَعْفُوا لأَمِيرِكُمْ، فَإِنَّهُ كَانَ يُحِبُّ الْعَفْوَ. ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أَتَيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قُلْتُ: أُبَايِعُكَ عَلَى الإِسْلاَمِ، فشَرَطَ عَلَيَّ: وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. فَبَايَعْتُهُ عَلَى هَذَا، وَرَب هَذَا الْمَسْجدِ! إِنِّي لَنَاصِحٌ لَكُمْ. ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَنَزَلَ. (عِلاقة): بكسر العين. (فشرط علي: والنصحِ لكل مسلم): النصح -بالجر- معطوف على محذوف تقديره: فشرط عليَّ المبايعةَ على الإسلامِ، والنصحِ. * * *

كتاب العلم

كتاب العلم

باب: من سئل علما وهو مشتغل في حديثه، فأتم الحديث ثم أجاب السائل

كِتابُ العِلمِ باب: مَنْ سُئِلَ علمًا وهو مشتغلٌ في حديثهِ، فأتمَّ الحديثَ ثم أجابَ السائلَ 51 - (59) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ ح. وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبي، قَالَ: حَدَّثَنِي هِلاَلُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَيْنَمَا النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ، جَاءَهُ أَعْرَابيٌّ فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُحَدِّثُ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: سَمِعَ مَا قَالَ، فَكَرِهَ مَا قَالَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ لَمْ يَسْمَعْ. حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ، قَالَ: "أَيْنَ -أُرَاهُ- السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ". قَالَ: هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "فإِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ، فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ". قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: "إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ، فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ". (كتاب: العلم). (فُلَيْح): -بضم الفاء- مصغَّر.

(جاءه أعرابي): فيه استعمال جواب بينما (¬1) بدون إِذْ وإِذا، وهو فصيح، كما أن إثبات أحدهما فيه كذلك، وقد مر. (أين): مبتدؤه محذوف، وفسره (¬2) الراوي بقوله: (أُراه: السائلُ عن الساعة): وأُراه (¬3) -بضم الهمزة-؛ أي: أظنه، ويصح في السائل -الرفعُ- على معنى أراه يريد: أين السائل؟ فحُذف ما ذُكر، وذُكر ما حُذف، و -النصب- على معنى أُراه يريد: السائلَ. (قال: ها أنا): أي: حاضر. (قال: فإذا ضُيعت الأمانة): أي: إن شئت معرفة وقتها، فالفاء رابطةُ جواب الشرط. (وُسِّد): -بواو مضمومة- عند الجمهور، وزاد القابسي: "أُسِّد" -بهمزة- كوُقِّتت وأُقِّتت (¬4)؛ أي: جُعل وأُسند (¬5) (¬6)، وفي باب: رفع الأمانة، أواخر الكتاب: "إِذَا أُسْنِدَ الأَمْرُ" (¬7). (إلى غير أهله): قال الزركشي: أي: جعل له غير أهله وسادًا، فتكون إلى (¬8) بمعنى اللام (¬9). ¬

_ (¬1) في "ج": "بينهما". (¬2) في "ن": "فسره"، وفي "ع": "وقد فسره". (¬3) في "ع": "أراه". (¬4) في "ع": "كوقت وأقت". (¬5) في "ع": "وأسد". (¬6) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 294). (¬7) رواه البخاري (6496) عن أبي هريرة رضي الله عنه. (¬8) "إلى" ليست في "ج". (¬9) انظر: "التنقيح" (1/ 51).

باب: من رفع صوته بالعلم

قال ابن المنير: وينبغي أن يُجعل هذا الحديث أصلًا في أخذ الدروس والقراءة والحكومات والفتاوى عند الازدحام على (¬1) السبق. * * * باب: من رفعَ صوتَه بالعلمِ 52 - (60) - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبي بشْرٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: تَخَلَّفَ عَنَّا النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا، فَأَدْركَنَا -وَقَدْ أَرْهَقَتْنَا الصَّلاَةُ-، وَنَحْنُ نتَوَضَّأُ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا، فَنَادَى بأَعْلَى صَوْتهِ: "وَيْلٌ لِلأَعْقَاب مِنَ النَّارِ". مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلاَثًا. (عارم): بعين وراء مهملتين. (ماهَك): -بفتح الهاء- ولا ينصرف للعجمة والعلمية. وعن الأصيلي: -كسر الهاء، وصرفه-، ورأيت من نقل أن الدارقطني قال في "الأفراد": إن ماهك أُمه، واعتذر هذا الناقل عما في الترمذي: "عن يوسفَ بنِ ماهك، عن أمه مُسَيْكة" (¬2) بتجويز أن تكون مُسيكةُ لقبًا (¬3)، فإن صح هذا، فمنعُ الصرف متحتمٌ. (وقد أرهقتنا): -بتاء التأنيث- ونا ضمير نصب، وقوله: "الصلاة": مرفوع على أنه فاعل؛ أي: أعجلتنا الصلاة؛ لضيق ¬

_ (¬1) في "ج": "إلى". (¬2) الترمذي (881). (¬3) انظر: "التوضيح" لابن الملقن (3/ 258)، و"فتح الباري" (1/ 173).

باب: قول المحدث: "حدثنا" أو "أخبرنا" أو "أنبأنا"

وقتها، ويروى: "أَرْهَقْنا" (¬1) بدون تاء، ونا فاعل، والصلاةَ مفعول؛ أي: أخرناها. (ويل للأعقاب من النار): يحتمل أن تكون الألف واللام للعهد (¬2)، والمراد: الأعقاب التي رآها (¬3) لم ينلها ماء، ويحتمل أن (¬4) لا يخص بتلك الأعقاب المرئية له، بل المراد: كلُّ عَقِبٍ لم يعمَّها المطهرُ (¬5)، فتكون عهديةً جنسية، ولا يجوز أن تكون الأداة للعموم المطلق. * * * باب: قولِ المحَدِّث: "حدثنا" أو "أخبرنا" أو "أنبأنا" 53 - (61) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ، فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ؟ ". فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَاسْتَحْيَيْتُ، ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "هِيَ النَّخْلَةُ". (وإنها مَثَل المسلم): -بفتح الميم والثاء المثلثة-، وهو في الأصل (¬6) بمعنى المِثل -بكسر الميم-، وهو النظير، واستعير للحال، أو (¬7) ¬

_ (¬1) رواه البخاري (96). (¬2) في "ج": "للعقاب". (¬3) "رآها" ليست في "ع". (¬4) في "ن" و"ع": "أنه". (¬5) في "ع": "المتطهر". (¬6) في "ج": "في الأصح". (¬7) في "ج": "و".

الصفة، أو (¬1) القصة إذا كان لها شأن، وفيها غرابة، كأنه قيل: وإن مثلها؛ أي: حالها العجيبة الشأن كحال المسلم. (قال: هي النخلة): قال السهيلي في "التعريف": زاد فيه الحارث ابن أسامة في "مسنده": زيادة تساوي رحلةً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "هِيَ النَّخْلَةُ (¬2) لا تَسْقُطُ لَهَا أُبْلُمَةٌ (¬3)، وَكَذَلِكَ المُؤْمِنُ لا تَسْقُطُ لَهُ دَعْوَةٌ" (¬4)، فبيَّنَ وجهَ الشبه، وساق الطحاوي هذا الحديث في معرض الاستدلال على أن الخبر والحديث واحد. وردَّه ابنُ المنير: بأنه أطلق فيه الحديث على المشافهة، ولا خلاف فيه (¬5)، وإنما الخلاف في إطلاقه على البلاغ فقط. قال: وأحسنُ ما يشهد لذلك قولُ الرجلِ المؤمنِ الذي هو يومئذٍ خيرُ أهلِ الأرض للدجال: "أَنْتَ الدَّجَّالُ الكَذَّابُ الَّذِي حَدَّثَنَا عَنْكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -" (¬6)، وذلك الرجل إنما سمع (¬7) بلاغًا، لا شِفاهًا. * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "و". (¬2) في "ع": "نعم هي النخلة". (¬3) في المطبوع من "المسند": "أنملة"، وكذا وقع في "الفتح" (1/ 176). (¬4) رواه الحارث بن أسامة في "مسنده" (1067) عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -. (¬5) في "ع" و"ج": "ولا خلاف عندهم فيه". (¬6) رواه البخاري (1783)، ومسلم (2938)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. (¬7) في "ج": "الرجل جمع".

باب: طرح الإمام المسألة على أصحابه ليختبر ما عندهم من العلم

باب: طرحِ الإمامِ المسألةَ على أصحابه ليختبرَ ما عندهم من العلمِ 54 - (62) - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ، حَدِّثُونِي مَا هِيَ؟ ". قَالَ: فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "هِيَ النَّخْلَةُ". (مَخْلَد): بميم مفتوحة وخاء معجمة ساكنة. * * * باب: الْقِرَاءَةُ وَالْعَرْضُ عَلَى الْمُحَدِّثِ وَرَأَى الْحَسَنُ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ الْقِرَاءَةَ جَائِزَةً، وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الْعَالِمِ بحَدِيثِ ضمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، قَالَ لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ؟ قَالَ: "نَعَمْ". قَالَ: فَهَذِهِ قِرَاءَةٌ عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. أَخْبَرَ ضمَامٌ قَوْمَهُ بذَلِكَ فَأَجَازُوهُ. وَاحْتَجَّ مَالِكٌ بالصَّكِّ يُقْرَأُ عَلَى الْقَوْمِ، فَيَقُولُونَ: أَشْهَدَنَا فُلاَنٌ، وَيُقْرَأُ ذَلِكَ قِرَاءَةً عَلَيهِمْ، وَيُقْرَأُ عَلَى الْمُقْرِئِ فَيَقُولُ الْقَارِئُ: أَقْرأَنِي فُلاَنٌ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لاَ بَأْسَ بالْقِرَاءَةِ عَلَى الْعَالِمِ. وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرَبْرِيُّ، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: إِذَا قُرِئَ عَلَى الْمُحَدِّثِ، فَلاَ بَأْسَ

أَنْ يَقُولَ: حَدَّثَنِي. قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَاصِمٍ يَقُولُ عَنْ مَالِكٍ وَسُفْيَانَ: الْقِرَاءَةُ عَلَى الْعَالِم وَقِرَاءَتُهُ سَوَاءٌ. (ضمام (¬1)): بضاد معجمة مكسورة. (بالصَّكِّ): -بفتح الصاد المهملة وتشديد الكاف-: الكتاب، قال الجوهري: وهو فارسي معرب (¬2). (محمد بن سَلام): -بتخفيف اللام- على الصحيح المشهور. * * * 55 - (63) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدٍ -هُوَ الْمَقْبُرِيُّ-، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبي نَمِرٍ: أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ ابْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَسْجدِ، دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ، فَأَنَاخَهُ فِي الْمَسْجدِ، ثُمَّ عَقَلَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ؟ وَالنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُتَّكِئٌ بَيْنَ ظَهْرانَيْهِمْ، فَقُلْنَا: هَذَا الرَّجُلُ الأَبْيَضُ الْمُتَّكِئُ. فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِب؟ فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ أَجَبْتُكَ". فَقَالَ الرَّجُلُ لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَلاَ تَجِدْ عَلَيَّ فِي نَفْسِكَ. فَقَالَ: "سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ". فَقَالَ: أَسْأَلُكَ برَبكَ وَرَب مَنْ قَبْلَكَ، آللَّهُ أَرْسَلَكَ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ؟ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ نعَمْ". قَالَ: أَنْشُدُكَ باللَّهِ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ؟ قَالَ: "اللَّهُمَّ نَعَمْ". قَالَ: أَنْشُدُكَ باللَّهِ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ مِنَ ¬

_ (¬1) في "ع": "ضرار" وهو خطأ. (¬2) انظر: "الصحاح" للجوهري (4/ 1596)، (مادة: ص ك ك).

السَّنَةِ؟ قَالَ: "اللَّهُمَّ نَعَمْ". قَالَ: أَنْشُدُكَ باللَّهِ، آللَّهُ أَمَرَكَ أن تَأْخُذَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَتَقْسِمَهَا عَلَى فُقَرَائِنَا؟ فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ نَعَمْ". فَقَالَ الرَّجُلُ: آمَنْتُ بمَا جِئْتَ بهِ، وَأَنَا رَسُولُ مَنْ وَرَائِي مِنْ قَوْمِي، وَأَنَا ضمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ، أَخُو بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ. رَوَاهُ مُوسَى، وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابتٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بهَذَا. (ابن أبي نَمِر): بنون مفتوحة وميم مكسورة. (بين ظهرانَيْهم): يقال: أقام بين أَظْهُرِ القوم، وبينَ ظَهْرَيْهِم (¬1)، وبينَ ظَهْرانَيْهِم؛ أي: بينهم، وإقحامُ الأظهر، وهو جمعُ ظهر على معنى: أن إقامته فيهم على سبيل الاستظهار والاستناد إليهم، ثم زيدت الألف والنون على ظهر عند التثنية للتأكيد (¬2)، وكأَنَّ معنى التثنية: أن ظهرًا منهم قدامه، وآخر وراءه (¬3)، فهو محفوف (¬4) من جانبيه، ثم كثر حتى استُعمل في الإقامة بين القوم مطلقًا. قلت: ثبوت النون مع الإضافة مشكل. (فقال له الرجل: ابنَ عبدِ المطلب): قال الزركشي: هو -بفتح الهمزة والنون- على النداء للمضاف، لا على الخبر، ولا على الاستفهام؛ ¬

_ (¬1) "وبين ظهريهم" ليست في "ع". (¬2) "للتأكيد" ليست في "ج". (¬3) في "ن": "وراء". (¬4) في جميع النسخ عدا "ع": "مكفوف".

بدليل قوله - عليه الصلاة والسلام -: "قد أجبتك"، ورواية (¬1) أبي داود: "يا بنَ عبدِ المطلب! " (¬2) (¬3). قلت: إن ثبتت الرواية -بفتح الهمزة-، فلا كلام، وإلا، فلا مانع من أن تكون همزة الوصل التي في ابن سقطت للدرج، وحرف النداء محذوف، وهو في مثله قياس مطَّرِدٌ بلا خلاف، ولا دليل في شيء مما ذكره على تعيين فتح الهمزة. (أَنشُدُك): -بفتح الهمزة وضم الشين المعجمة-؛ أي: أسألك. (آللهُ): بالمد (¬4) مع الرفع. (أن نصلي الصلوات (¬5)): -بالنون- عند الأصيلي، و -بالتاء (¬6) - عند غيره، قال القاضي: والأولُ أوجه (¬7). (فتَقسمها): -بفتح التاء-، ولم يسأله عن الحج، لأنه (¬8) كان معلومًا عندهم في شريعة إبراهيم (¬9). ¬

_ (¬1) في "ع": "وفي رواية". (¬2) رواه أبو داود (486) عن أنس بن مالك رضي الله عنه. (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 52). (¬4) في "ج": "بالرفع بمد". (¬5) في "ن": "الصلوات الخمس". (¬6) في "ع": "والتاء". (¬7) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 15). (¬8) في جميع النسخ عدا "ع": "كأنه". (¬9) في "ع": "إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -".

باب: ما يذكر في المناولة، وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان

(آمنت بما جئتَ به): وليس مستندُه في الإيمان السؤالَ والجوابَ والقسمَ خاصة، بل مستندُه (¬1) المعجزات التي آمنَ عليها البشر، وإنما هذا السؤالُ والاستفهام على (¬2) الوجه الذي (¬3) وقع من بقايا جَفاءِ (¬4) الأعراب الذين وَسِعَهُمْ حلمُه عليه الصلاة والسلام. * * * باب: مَا يُذْكَرُ فِي الْمُنَاوَلَةِ، وَكِتَاب أَهْلِ الْعِلْمِ بالْعِلْمِ إِلَى الْبُلْدَانِ وَقَالَ أَنَسٌ: نَسَخَ عُثْمَانُ الْمَصَاحِفَ، فَبَعَثَ بهَا إِلَى الآفَاقِ. وَرَأَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَمَالِكٌ ذَلِكَ جَائِزًا. وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَهْلِ الْحِجَازِ فِي الْمُنَاوَلَةِ بحَدِيثِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ حَيْثُ كَتَبَ لأَمِيرِ السَّرِيَّةِ كِتَابًا، وَقَالَ: "لاَ تَقْرَأْهُ حَتى تَبْلُغَ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا". فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْمَكَانَ، قَرَأَهُ عَلَى النَّاسِ، وَأَخْبَرَهُمْ بأَمْرِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (نسخ عثمانُ المصاحفَ، فبعث بها (¬5) إلى الآفاق): سُئل ابن المنير عن وجه إدخال هذا في المناولة والإجازة مع أن القرآن إنما يثبت بالتواتر؟ وأجاب (¬6): بأنَّ المستفاد من بعث المصاحف والمناولة فيها إنما هو ¬

_ (¬1) في "ن" زيادة: "في الإيمان". (¬2) في "ع": "عن". (¬3) "الذي" ليست في "ج". (¬4) في "ع": "جفايا". (¬5) "بها" ليست في "ن". (¬6) "وأجاب" ليست في "ع".

الإسناد إلى عثمان، لا أصل ثبوت القرآن، فإذا رأينا في الإمام (¬1) حرفًا مما اختلف السبعة فيه، جاز أن يسند إلى عثمان أنه قرأ بذلك، وإن كنا لم نسمع قراءته، وهذا كما يروي التلميذ عن المقرئين السبع (¬2)، ويسند إليهم (¬3)، وإن كانت السبع (¬4) متواترة عنده من غير الشيخ. قال: وهذا تحقيق يرتفع به الإشكال عن عنعنة (¬5) القرآن، وإسنادِها إلى الآحاد، [فلا يظن أنّا أثبتنا القرآن بالآحاد، بل بالتواتر، وأولئك الآحاد] (¬6) من جملة عدد التواتر، ومزيتهم (¬7) الشهرةُ بالحذقِ والتجويد في الأداء. قلت: وبهذا يجاب عما حكاه شيخنا أبو عبد الله بن عرفة عن شيخه ابن عبد السلام، وابنِ إدريسَ من أن السبعَ غيرُ متواترة، مستدِلَّيْنِ بأن شرط التواتر استواءُ الطرفين فيه والوسطِ، والسبعُ تنتهي إلى أبي عمرٍو الداني. قال شيخنا - رحمه الله -: وكان جوابي للشيخين (¬8): منعُ حصرِ وقفِها على الداني، بل شاركه في ذلك عدد كثير، والخاصُّ به شهرتُها فقط، وهذا قريب مما سبق. ¬

_ (¬1) في "ن" و"ع": "في مصحف الإمام". (¬2) في "ن" و"ع": "المقرئ للسبع". (¬3) في "ن و "ع": "إليه". (¬4) في "ع": "السبعة". (¬5) في "ن" و"ع": زيادة: "القراء". (¬6) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬7) في "ع": "ومن مزيتهم". (¬8) في "ع" و"ج": "جوابي الشيخين".

(حيث كتب لأمير السرية كتابًا): أمير السرية عبدُ الله بن جحش - رضي الله عنه -، وهي ثمانيةُ رَهْطٍ من المهاجرين: سعدُ بنُ أبي وَقَّاص، وعُكَّاشَة، وعُتْبَةُ بنُ غَزوانَ، وأبو حذيفةَ بنُ عتبةَ بنِ ربيعةَ، وسُهَيل بنُ بيضاءَ، وعامرُ بنُ ربيعةَ، وواقدُ بنُ عبد الله، وخالدُ بنُ البُكَير. ونص الكتاب: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" أمّا بعد: "فَسِرْ عَلَى بَرَكَةِ اللهِ بمَنْ مَعَكَ (¬1) مِنْ أَصْحَابكَ حَتَّى تَنْزِلَ ببَطْنِ (¬2) نَخْلَةَ (¬3)، فَتَرَصَّدْ بهَا عِيرَ قُرَيْشٍ؛ لَعَلَّكَ أَنْ تَأْتِيَنَا بخَبَرٍ مِنْهُ (¬4) " (¬5). * * * 56 - (64) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ بكِتَابهِ رَجُلًا، وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ، فَدَفَعَهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إِلَى كسْرَى، فَلَمَّا قَرَأَهُ، مَزَّقَهُ، فَحَسِبْتُ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيَّب قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ. ¬

_ (¬1) في "ع": "تبعك". (¬2) في "ن": "بطن". (¬3) في "ع" و"ج": "ببطن نخل". (¬4) في "ن": "منه بخبر"، وفي "ع": "منها بخبر"، وفي "ج": "تأتينا عنه بخبر". (¬5) انظر: "السيرة النبوية" لابن هشام (3/ 147).

(بعث بكتابه رجلًا): هو عبدُ اللهِ بنُ حُذافَةَ السَّهْمِيُّ، وقيل: خُنَيْسٌ أخوه، ذكره ابن بَشْكَوالَ عن عُمَرَ بنِ شَبَّةَ (¬1)، وتُعقِّب بأن خُنيسًا مات في أُحد، وهي في (¬2) الثالثة، والرسلُ إلى الملوك إنما كانوا في السابعة. وحكى ابنُ بَشْكوال في رواية: أن هذا الرجل كان شُجاعَ بنَ وَهْبٍ (¬3)، وتُعُقِّبَ بأن شجاعًا كان الرسولَ إلى الحارثِ بنِ أبي شَمِرٍ الغَسَّاني. (فدفعه (¬4) عظيم البحرين): قلت (¬5): لعله المنذِرُ بنُ ساوَى العَبْدِيُّ. (إلى كَسرى): -بفتح الكاف وكسرها-: هو ابنُ هُرْمُزَ، وهو أَبْرَويز (¬6)، ومعناه بالعربية: المظفَّر. قال ابن المنير: ووجهُ (¬7) دخولِ كسرى في المناولة: أنه - عليه الصلاة والسلام - لم يقرأ كتابه على رسوله، ولكنْ ناولَه إياه، وأجازَ له أن يُسند ما فيه عنه، ويقول: هذا كتابُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، ويلزم المبعوثَ إليه العملُ بما فيه، وهذه ثمرة الإجازة من (¬8) الأحاديث. ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "شيبة" وهو خطأ. (¬2) "في" ليست في "ع". (¬3) انظر: "غوامض الأسماء المبهمة" لابن بشكوال (1/ 113). (¬4) في "ع" زيادة: "إلى". (¬5) في "ن" و"ع": "قيل". (¬6) في "ن": "وهو ابن أبرويز". (¬7) في "ع" و"ج": "وجه". (¬8) في "ن" و"ع": "في".

باب: من قعد حيث ينتهي به المجلس، ومن رأى فرجة في الحلقة فجلس فيها

(فحسبت أن ابن المسيَّب): -بكسر الياء وفتحها-، قال السفاقسي: -وبالفتح- رويناه (¬1). * * * باب: مَنْ قَعَدَ حيثُ ينتهي به المجلسُ، ومن رأى فرجةً في الحلْقة فجلس فيها 57 - (66) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبي طَلْحَةَ: أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ أَبي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ، وَالنَّاسُ مَعَهُ، إِذْ أَقْبَلَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ، فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَذَهَبَ وَاحِدٌ، قَالَ: فَوَقَفَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا: فَرَأَى فُرْجَةً فِي الْحَلْقَةِ، فَجَلَسَ فِيهَا، وَأَمَّا الآخَرُ: فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ، وَأَمَّا الثَّالِثُ: فَأَدْبَرَ ذَاهِبًا، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "أَلاَ أُخْبرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلاَثَةِ؟ أَمَّا أَحَدُهُمْ، فَأَوَى إِلَى اللَّهِ، فَآوَاهُ اللَّهُ، وَأَمَّا الآخَرُ، فَاسْتَحْيَا، فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ، وَأَمَّا الآخَرُ، فَأَعْرَضَ، فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ". (مولى عَقيل): بفتح العين. (نَفَر): -بالتحريك-: عدة (¬2) رجال (¬3) من ثلاثة إلى عشرة. (فُرْجَة): -بضم الفاء وفتحها-: هي الخالية بين شيئين. ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 399). (¬2) في "ج": "في عدة". (¬3) في "ع": "في عدة من الرجال".

قال السفاقسي: -وبالضم- رويناها، وهي -بالفتح- انفراجُ الهمِّ؛ كقوله: [من المنسرح] رُبَّمَا تَجْزَعُ (¬1) النُّفُوسُ مِنَ الأَمْـ (¬2) ... ـرِ لَهُ (¬3) فَرْجَةٌ كَحَلِّ العِقالِ (¬4) (¬5) (في الحلْقة): -بإسكان اللام لا فتحها- على المشهور. قال العسكري: وهي كلُّ مستديرٍ خالي (¬6) الوسطِ، والجمعُ حَلَق -بفتح الحاء واللام (¬7) - (¬8). (فأوى إلى الله): أي: انضم إلى فضل الله. (فآواه الله): أي: جعل له (¬9) في المجلس مكانًا وفُسحةً. وقيل: قَرَّبَه إلى (¬10) موضعِ نبيه. وقيل: يحتمل أن يؤويه يوم القيامة إلى (¬11) ظل عرشه. قال القاضي: أشهر ما يُقرأُ بقصر الألف من الكلمة الأولى، ومدِّها من ¬

_ (¬1) في "ج": "ربما تكره". (¬2) في "ن": "الأمير". (¬3) في "ج": "ما له". (¬4) لأمية بن أبي الصلت. (¬5) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 150). (¬6) في "ج": "حال". (¬7) في "ج": "بفتح اللام والحاء". (¬8) وانظر: "فتح الباري" (1/ 189). (¬9) في "ع": "جعل الله له". (¬10) في "ن": "أي". (¬11) في "ن": "في".

باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "رب مبلغ أوعى من سامع"

الثانية المعدَّاة، وإن كان عند أهل اللغة في كل من الكلمتين الوجهان (¬1). (فاستحيا، فاستحيا الله منه): يجوز أن يكون للمشاكلة (¬2)، وأن يكون من الاستعارة كما في: "إِنَّ (¬3) اللهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي (¬4) إِذَا رَفَعَ العَبْدُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا حَتَّى يَضَعَ فِيهِمَا خَيْرًا" (¬5). * * * باب: قَوْلِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "رُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ" (رُبَّ مبلَّغ): اسمُ مفعول، فاللام (¬6) -مفتوحة-، وغلط من كسرها. (أوعى): صفة لمجرورِ رُبَّ، والعاملُ الذي يتعلق به محذوف؛ أي: يوجد، هذا هو (¬7) مذهب الأكثرين. 58 - (67) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا بشْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي بَكْرَةَ، عَنْ أَبيهِ: ذَكَرَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَعَدَ عَلَى بَعِيرِهِ، وَأَمْسَكَ إِنْسَانٌ بخِطَامِهِ -أَوْ بزِمَامِهِ-، قَالَ: "أَيُّ يَوْمٍ ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 52). (¬2) في "ن" و"ع": "من المشاكلة". (¬3) "إن" ليست في "ج". (¬4) "يستحيي" ليست في "ج". (¬5) رواه أبو داود (1488)، والترمذي (3556) عن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - دون قوله: "حتى يضع فيهما خيرًا". ورواه مع هذه الزيادة من حديث سلمان: المحاملي في "أماليه" (433)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (8/ 317). (¬6) في "ج": "باللام". (¬7) "هو" ليست في "ن" و"ع".

هَذَا؟ ". فَسَكَتْنَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ سِوَى اسْمِهِ، قَالَ: "أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ ". قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: "فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ ". فَسَكَتْنَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بغَيْرِ اسْمهِ، فَقَالَ: "أَلَيْسَ بذِي الْحِجَّةِ؟ ". قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، بَيْنَكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَإِنَّ الشَّاهِدَ عَسَى أَنْ يُبَلِّغَ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ مِنْهُ". (بشْر): بكسر الباء وبالشين المعجمة. (عن أبيه، قال ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم -): الضمير في "قال، وذكر": يعودان على أبي بكرة، والنبيَّ مفعول بذَكَر، فهو منصوب، وذكر جملة حالية من فاعل قال، فيقدر قد؛ مثل: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء: 90]؛ أي: قال أبو بكرة في حال كونه قد ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم -. (قعد على بعيره): معمول القول، وإنما قعد (¬1) لحاجته إلى إسماع الناس، والنهي عن اتخاذ ظهورها منابرَ محمولٌ على ما إذا لم تَدْعُ إليه حاجة (¬2). (وأمسك إنسان بخِطامه): بكسر الخاء المعجمة. (أو بزمامه): كلاهما بمعنىً، وإنما شك الراوي في اللفظِ المسموعِ منها. وفي "الطبراني الأوسط": "عن أُمِّ الحُصَيْنِ، قالت: حججتُ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجةَ الوداع، فرأيت بلالًا وأسامةَ، و (¬3) بلالٌ يقود خِطام ¬

_ (¬1) في "ج": "يقعد". (¬2) في "ج" و"ع": "الحاجة إليه". (¬3) "الواو" زيادة من "ن" و"ع".

راحلته، والآخرُ رافعًا ثوبَه يستُره (¬1) من الحر حتى رمى جمرةَ العقبة، ثم انصرفَ، فوقف على الناس، فقال قولًا كثيرًا" الحديث (¬2). فيحتمل أن يفسر الإنسان المبهم في البخاري ببلال، وفي النسائي (¬3): حديث أم الحصين، وفيه التصريح بأن القائد بلال، فتأمله. (بذي الحِجة): هو في "الصحاح" (¬4) -بكسر الحاء-، وأباه قوم (¬5). وقال القزاز (¬6): الأشهر فيه الفتح. (فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام): هذا من باب المقتضى، وذلك أن الذوات لا تحرم، فلا بد من تقدير شيء يصحح الكلام. قال الزركشي: هو على حذف مضاف (¬7)؛ أي: سفكَ دمائكم، وأخذَ أموالكم، وثلبَ أعراضكم، فيقدر لكل ما يناسبه (¬8). قلت: أولى من تقديره أن يقدر كلمة انتهاك مرة واحدة، والأصل: فإن انتهاك دمائكم وأموالكم وأعراضكم، ولا حاجة إلى تقديره مع كل واحد من هذه الأمور؛ لصحة انسحابه على الجميع (¬9)، وذلك لأن انتهاك الشيء: تناولُه بغير حق، نص عليه القاضي، مع أن في هذا التقدير ¬

_ (¬1) في "ن" و"ع": "يستتر به". (¬2) رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (1165)، وفي "المعجم الكبير" (25/ 157). (¬3) رواه النسائي (3060). (¬4) في "ن": "وفي الصحاح". (¬5) انظر: "الصحاح" (1/ 304)، (مادة: حجج). (¬6) في "ع": "الفراء". (¬7) في "ن" و"ج": "المضاف". (¬8) انظر: "التنقيح" (1/ 55). (¬9) في "ج": "الجمع".

غنيةً عما يحتاج إليه الأول، وذلك لأن سفكَ الدم وأخذَ المال وثلبَ العرض إنما يحرم إذا كان بغير حق، فلا بد من تقدير ذلك على الأول، وأما مع تقدير الانتهاك الذي هو (¬1) مفهومُه: تناولُ الشيء بغير حق، فلا يحتاج إليه. (كحرمة يومكم هذا): استشكل؛ لأن حرمة الدماء أعظمُ من حرمة حشيش الحرم وقتل صيده، فكيف شبهت بما هو (¬2) دونها؟ وأجيب: بأن مناط التشبيه ظهورُه عند السامع، وتحريمُ اليوم كان أثبتَ في نفوسهم من حرمة الدماء؛ إذ هي عادةُ سلفهم، وتحريمُ الشرع طارئ، فإنما شبه الشيء بما هو فوقه باعتبار ظهوره عند السامع. (فإن الشاهد عسى أن يبلغه (¬3) من هو أوعى له): أي: الحديث (¬4). (منه): فيه أنه (¬5) قد يأتي مَنْ يكون له من الفهم في العلم ما ليس لمن تقدمه، إلا أن ذلك قليل؛ لأن ربَّ للتقليل، وعسى للطَّمَع، لا للتحقيق. وفيه (¬6): الأخذ عن حامل العلم، وإن جهل معناه، وهو مأجور في تبليغه، قيل: ويعد من العلماء. قال ابن المنير: وفيه: أن تفسير الراوي مقبول، وأنه أولى من اجتهاد المتأخر (¬7)؛ لأنه - عليه السلام - قلل كونَ المتأخر مرجَّحَ النظر على المتقدم. ¬

_ (¬1) "هو" ليست في "ن" و"ع". (¬2) "هو" ليست في "ن". (¬3) في المطبوع من "البخاري": "يبلغ". (¬4) في "ن": "للحديث". (¬5) في "ج": "أن". (¬6) في "ج": "وقيل". (¬7) في "ج": "والمتأخر".

باب: العلم قبل القول والعمل

باب: الْعِلْمُ قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلا اللَّهُ} [محمد: 19]، فَبَدَأَ بالْعِلْمِ، وَأَنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبيَاءِ -وَرَّثُوا الْعِلْمَ- مَنْ أَخَذَهُ، أَخَذَ بحَظٍّ وَافِرٍ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ بهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]، وَقَالَ: {وَمَا يَعْقِلُهَا إلا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 43]، {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 10]، وَقَالَ: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9]. وَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا الْعِلْمُ بالتَّعَلُّمِ". وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: لَوْ وَضَعْتُمُ الصَّمْصَامَةَ عَلَى هَذِهِ -وَأَشَارَ إِلَى قَفَاهُ-، ثُمَّ ظَنَنْتُ أَنِّي أُنْفِذُ كَلِمَةً سَمِعْتُهَا مِنَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَبْلَ أَنْ تُجِيزُوا عَلَيَّ، لأَنْفَذْتُهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {كُونُوا رَبَّانِيِّينَ} [آل عمران: 79]: حُكَمَاءَ فُقَهَاءَ. وَيُقَالُ: الرَّبَّانِيُّ: الَّذِي يُرَبي النَّاسَ بصِغَارِ الْعِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ. (باب: العلم قبل القول والعمل): قال ابن المنير: ترجم (¬1) على مكانة العلم؛ لئلا يسبق إلى الذهن من قولهم: إن العلم لا ينفع إلا بالعمل الصحيح (¬2) في طلب العلم، فأراد البخاري: أن العلم شرط في القول، وفي العمل (¬3)، لا يعتبران إلا به، وهو متقدم عليهما، وواجب قبلهما؛ لأنه مصحح للنيةِ (¬4) المصححةِ للعمل. ¬

_ (¬1) في "ن" و"ع" زيادة: "البخاري". (¬2) في "م": "التضجيع"، والمثبت من النسخ الأخرى. (¬3) في "م" و "ج": "العلم"، والمثبت من "ن" و"ع". (¬4) في جميع النسخ عدا "ع": "النية".

باب: ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا

(وإنما العلم بالتعلم): -بضم اللام مشددة-، قيل: هو الصواب، ويروى: "بالتعليم"، وهو حديث رواه الحافظ أبو نعيم في "رياضة (¬1) المتعلمين": عن أبي الدرداء مرفوعاَ: "إِنَّمَا العِلْمُ بالتَّعَلُّمِ، وَإِنَّمَا الحِلْمُ بالتَّحَلُّمِ (¬2)، وَمَنْ يَتَحَرَّ الخَيْرَ يُعْطَهُ (¬3) " (¬4). (الصَّمصَامة): -بفتح الصادين المهملتين-: السيف الصارم. (أُنفذ): مضارع للمتكلم -بذال معجمة-؛ أي: أُمضي. (تجيزوا): مضارع أجاز -بزاي-؛ أي (¬5): تقتلوني. * * * باب: ما كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يتخوّلُهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا 59 - (68) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي وَائِلٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَخَوَّلُنَا بالْمَوْعِظَةِ فِي الأَيَّامِ؛ كَرَاهَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا. (يتخولنا): -بخاء معجمة (¬6) ولام-؛ أي (¬7): يتعهدنا (¬8)، أو يتخذنا ¬

_ (¬1) في "ج": "رضا". (¬2) في "ج": "وإنما الحكم بالتحكم". (¬3) في "ج": "يتعلمه". (¬4) ورواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (2663)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (5/ 201). وانظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 194). (¬5) "أي" ليست في "ج". (¬6) "معجمة" ليست في "ج". (¬7) "أي" ليست في "ع". (¬8) في "ج": "يقصدنا".

باب: من جعل لأهل العلم أياما معلومة

خولًا، أو يصلحنا، أو يذللنا، أو يحبسنا عليها، وقال الأصمعي: أظنها: "يتخوَّن" -بالنون-؛ أي: يتعهد، وقال أبو عمرو: الصواب: "يتحول" -بالحاء المهملة-؛ أي: يطلب حالاتنا وأوقات نشاطنا (¬1). (كراهة): وفي بعض النسخ: "كراهية" بزيادة آخر الحروف، لغتان. * * * 60 - (69) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا وَلاَ تُنَفِّرُوا". (محمد بن بشّار): بموحدة وشين معجمة مشددة. (أبو التيّاح): بمثناة من فوق فمثناة من تحت مشددة وحاء مهملة بعد الألف. * * * باب: مَنْ جَعَلَ لأَهْلِ الْعِلْمِ أَيَّامًا مَعْلُومَةً (باب: من جعل لأهل العلم أيامًا معلومة): وفي بعض النسخ: "يومًا معلومًا" (¬2). 61 - (70) - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبي وَائِلٍ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُذَكِّرُ النَّاسَ فِي كُلِّ خَمِيسٍ، ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" لابن الملقن (3/ 333). (¬2) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 197).

باب: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين

فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! لَوَدِدْتُ أَنَّكَ ذَكَّرْتَنَا كُلَّ يَوْمٍ؟ قَالَ: أَمَا إِنَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ أَنِّي أَكرَهُ أَنْ أُمِلَّكُمْ، وَإنِّي أَتَخَوَّلُكُمْ بالْمَوْعِظَةِ، كَمَا كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَخَوَّلُنَا بهَا؛ مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا. (أني أكره أن أُمِلَّكم): -بهمزة مضمومة-؛ أي: أوقعكم في الملل بمعنى الضجَر. * * * باب: مَنْ يُرِدِ اللهُ به خيرًا يفقِّهه في الدِّين 62 - (71) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ خَطِيبًا يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ، وَاللَّهُ يُعْطِي، وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ". (ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله): أي: من ذهابهم قُبيل وجود الأشراط (¬1) التي لا يُنتفع بعدها بالأعمال، فيكون الموت حينئذٍ خيرًا من الحياة، وينتهي تمام الدين بأهله إلى ذلك الوقت، ويبقى شرار الناس، فعلى وجوههم تقوم (¬2) الراجفة تتبعها الرادفة. بهذا جمع ابن المنير بين ذلك، وبين قوله - عليه الصلاة والسلام (¬3) -: ¬

_ (¬1) في "ن" زيادة: "من الحياة". (¬2) "تقوم" زيادة من "ن" و"ع". (¬3) في "ن" و"ع" و"ج": "- عليه السلام -".

باب: الفهم في العلم

"لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لا يَقُولَ أَحَدٌ: الله، الله" (¬1)، و"لا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ" (¬2). وقال: معنى (¬3) لا تقوم الساعة: لا تقوم أشراطُها التي تَبْطُل (¬4) التكاليفُ (¬5) عندها (¬6)، ولا ينفع الإيمانُ (¬7) معها. وقال الطبري: هو عام أُريد به الخصوص؛ أي: لا تقوم الساعة على (¬8) من يُوحِّد إلا بموضع (¬9) كذا، فإن به طائفةً على الحق، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس بموضع كذا (¬10). * * * باب: الْفَهْمِ فِي الْعِلْمِ (باب: الفهم في (¬11) العلم): قال الزركشي: الفهم -بإسكان الهاء وفتحها-، لغتان (¬12). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (148) عن أنس بن مالك رضي الله عنه. (¬2) رواه مسلم (2949) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما. (¬3) "معنى" ليست في "ج". (¬4) في "ج": "بطل". (¬5) في "ع": "التكليف". (¬6) في "ج": "عندهما". (¬7) في "ن": "إيمان". (¬8) في "ج": "إلا على". (¬9) في "ع": "بمواضع". (¬10) انظر: "التوضيح" لابن الملقن (3/ 347). (¬11) في "م" و"ن": "من"، والمثبت من "ع" و"ج". (¬12) انظر: "التنقيح" (1/ 58).

باب: الاغتباط في العلم والحكمة

63 - (72) - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ أَبي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَمْ أَسْمَعْهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَّا حَدِيثًا وَاحِدًا، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأُتِيَ بجُمَّارٍ، فَقَالَ: "إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً، مَثَلُهَا كمَثَلِ الْمُسْلِم". فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ: هِيَ النَّخْلَةُ، فَإِذَا أَناَ أَصْغَرُ الْقَوْمِ، فَسَكَتُّ، قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "هِيَ النَّخْلَةُ". (بجُمّار): -بجيم مضمومة وميم مشددة-: قلبُ النخلة شحمُها (¬1). (مَثَلُها كمَثَل المسلم): تقدم ضبطه. قال ابن المنير: وفي الحديث أصلٌ كبير يُحتج به للعمل بالقياس، وخصوصًا القياس المشتمل على الشبه الخلقي، فلا (¬2) مستند في استخراج (¬3) هذا الجواب إلا قياس الشبه الخلقي مشوبًا بالمعنوي؛ لأن الانتفاع بالمؤمن معنوي، والانتفاع بالنخلة حسي خلقي. هذا كلامه، وفيه نظر. * * * باب: الاِغْتِبَاطِ فِي الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ وَقَالَ عُمَرُ: تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا. (باب: الاغتباط في العلم والحكمة): الاغتباط -بغين معجمة-. ¬

_ (¬1) في "ن": "شحمتها". (¬2) في "ن": "ولا". (¬3) في "ع" و"ج": "فلا مستند لاستخراج".

(وقال عمر: تفقهوا قبل أن تُسودوا): وذلك لأن من سَوَّده الناس يستحيي (¬1) أن يقعد مقعدَ المتعلم خوفًا على رئاسته عند العامة. ووجه مطابقة الترجمة (¬2): أن في هذه الوصية ما يُحقق (¬3) استحقاقَ العلم؛ لأن يُغْبَطَ (¬4) به (¬5) صاحبُه حيثُ وقع التحذيرُ من أن تكون السيادة مانعًا (¬6) من طلبه، ومراده: اطلبوا العلم قبل السيادة وبعدها، ولا يكن وجودُها مانعًا كما في الطباع، وتسوَّدوا: تُفَعَّلُوا؛ من ساد يسود. وحكى الزبيدي في "طبقات النحويين": أن أبا محمد الأعرابي قال لإبراهيم بن الحجاج الثائر بإِشْبيلِيَّةَ: أيها الأمير! ما سَيَّدَتْكَ العربُ (¬7) إلا بحقِّك (¬8) -يقولها بالياء-، فلما أُنكر عليه، قال: السواد: السخام، وأصرَّ على أن الصواب معه. * * * 64 - (73) - حدثنا الحُمَيْدِيُّ، قالَ: حدَّثنا سُفْيانُ، قالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعيلُ بنُ أبي خَالِدٍ عَلَى غَيْرِ ما حَدَّثَنَاهُ الزُّهرِيُّ، قالَ: سَمِعْتُ قَيْسَ بنَ ¬

_ (¬1) في "ج": "يستحي". (¬2) في "ن" و"ع": "ووجه مطابقته للترجمة". (¬3) في "ع": "يتحقق". (¬4) في "ج": "يضبط". (¬5) في "ع": "يغتبط به". (¬6) في "ن" و"ع": "مانعة". (¬7) "العرب" ليست في "ن". (¬8) في "ن" و"ع": "بحق".

أَبي حَازِمٍ، قالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهْوَ يَقْضي بهَا وَيُعَلِّمُهَا". (لا حسد إلا في اثنتين): قال الزركشي: قيل: أرادَ: الغِبْطَة (¬1)، وهي: تمني مثلِ ما له من غير زوال النعمة عنه، وهذا هو قضية تبويب البخاري. وقيل: بل هو على حقيقته، وهو كلام تام (¬2) قُصد به نفيُ الحسد، أو النهيُ عنه، ثم قال: "إلا في اثنتين"، فأباح هذين، وأخرجَهما من جملة المنهيِّ (¬3) عنه (¬4)؛ كما رخص في نوع من الكذب، وإن كانت جملته محظورة، وهو استثناء من غير الجنس على الأول، ومنه على الثاني (¬5). قلت: هكذا رأيت في نسختي منه، وهو مشكل؛ فإن الاستثناء متصل على الأول قطعًا؛ لأنه استثناء مفرغ (¬6) من خبر عام مقدر؛ أي: لا غبطة في شيء من الأشياء إلا في اثنتين، وأما على الثاني: فجعله متصلًا يلزم عليه إباحة الحسد في الاثنتين كما صرح به، والحسدُ الحقيقي -وهو تمني زوالِ نعمة المحسود عنه، وصيرورتها إلى الحاسد- لا يُباح أصلًا، وكيف يُباح تمني زوال نعم (¬7) الله عن المسلمين القائمين بحق الله فيها (¬8)؟ ¬

_ (¬1) في "ن": "بالغبطة". (¬2) في "ع": "عام". (¬3) في "ج": "النهي". (¬4) "عنه" ليست في "ن". (¬5) انظر: "التنقيح" (1/ 58). (¬6) في "ع": "متفرع". (¬7) في "ج": "نعمة". (¬8) في "ج": "فيهما".

باب: ما ذكر في ذهاب موسى - صلى الله عليه وسلم - في البحر إلى الخضر، وقوله تعالى: {هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا} [الكهف: 66]

(رجل): لا بد من تقدير مضاف؛ أي: خصلةُ رجلٍ؛ لأن المراد بالثنتين: خصلتان، فرجل (¬1) هذا إما مرفوع؛ أي (¬2): أحدهما خصلة رجل، أو مجرور على أن يكون هو وما بعده بدلًا، وكلاهما ثابت في النسخ، والنصب جائز بإضمارِ أعني. (هلَكته): -بفتح اللام-؛ أي: هلاكه (¬3). * * * باب: مَا ذُكِرَ فِي ذَهَاب مُوسَى - صلى الله عليه وسلم - فِي الْبَحْرِ إِلَى الْخَضرِ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف: 66] (باب: ما ذكر في ذهاب موسى في البحر): في هذا القيد تنبيه على شرف العلم، حتى جاز في طلبه المخاطرةُ بركوب البحر، وركبه الأنبياء في طلبه؛ بخلاف طلب الدنيا في البحر، فقد كرهه بعضهم، واستثقله الكل. ووجه مطابقتها للقصة: أن موسى - عليه السلام - اتبع الخضر؛ ليتعلم منه في البحر حالَ ركوبهما السفينة، وفي البر بعدَ نزولهما. 65 - (74) - حَدَّثَنَي مُحَمَّدُ بْنُ غُرَيْرٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَ: أَنَّ ¬

_ (¬1) في "ن": "ورجل". (¬2) "أي" ليست في "ج". (¬3) في "ع": "إهلاكه".

عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ تَمَارَى هُوَ وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسِ ابْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ فِي صَاحِب مُوسَى، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ خَضرٌ، فَمَرَّ بهِمَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، فَدَعَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: إِنِّي تَمَارَيْتُ أَنَا وَصَاحِبي هَذَا فِي صَاحِب مُوسَى، الَّذِي سَأَلَ مُوسَى السَّبيلَ إِلَى لُقِيِّهِ، هَلْ سَمِعْتَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَذْكرُ شَأْنَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "بَيْنَمَا مُوسَى فِي مَلإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ؟ قَالَ مُوسَى: لاَ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى: بَلَى، عَبْدُنَا خَضرٌ، فَسَأَلَ مُوسَى السَّبيلَ إِلَيْهِ، فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ الْحُوتَ آيَةً، وَقِيلَ لَهُ: إِذَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَارْجِعْ، فَإِنَّكَ سَتَلْقَاهُ، وَكَانَ يَتَّبعُ أثرَ الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ، فَقَالَ لِمُوسَى فَتَاهُ: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ؟ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ، وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ. قَالَ: ذَلِكَ مَا كنَّا نَبْغِي، فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا، فَوَجَدَا خَضرًا، فَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا الَّذِي قَصَّ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي كِتَابهِ". (محمد بن غُرير): بغين معجمة مضمومة (¬1) وراءين مهملتين. (تمارى): اختلف. (والحُر): بحاء مهملة مضمومة (¬2) وراء مهملة. (خَضر): -بفتح أوله وكسر ثانيه، [وبكسر (¬3) أوله وإسكان ثانيه] (¬4) - وهو لقب، قالوا: واسمه: بليا بنُ ملكان، وقيل غير ذلك. ¬

_ (¬1) في "ع": "محمد خريز -بخاء معجمة مضمومة-" وهو خطأ. (¬2) من قوله: "وراءين" إلى قوله: "مضمومة" ليس في "ج". (¬3) في "ن": "كسر". (¬4) ما بين معكوفتين سقط من "ج".

باب: متى يصح سماع الصغير

(لُقِيّه): بلام مضمومة فقاف مكسورة فياء مشددة. (بلَى عبدُنا خضر): أي: أعلمُ منك، كذا عند الأكثر -بلام مفتوحة وألف- مثل: على، وانظر هذا مع قولهم: إن بلى (¬1) تختص بالنفي، وتقتضي إبطاله، فإن النفي الواقع قبلها هو قول موسى - عليه السلام -: "لا"؛ أي: لا أعلم أحدًا أعلمَ مني، وهذا ليس إبطالًا (¬2) له ألبتة. وقال الحميدي: ويروى: "بلْ" -بإسكان اللام- (¬3). (فقَدْتَ الحوت): بفتح القاف. * * * 66 - (75) - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ضَمَّنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَالَ: "اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ". (أبو مَعْمَر): بميمين مفتوحتين بينهما عين مهملة ساكنة. * * * باب: مَتَى يَصِحُّ سَمَاعُ الصَّغِيرِ 67 - (76) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، ¬

_ (¬1) في "ع": "إن لهم إن بلى". (¬2) في "ع": "وليس هذا إبطالًا". (¬3) انظر: "الجمع بين الصحيحين" للحميدي (1/ 400).

قَالَ: أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ أَتَانٍ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الاِحْتِلاَمَ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي بمِنًى إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ، فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْض الصَّفِّ، وَأَرْسَلْتُ الأَتَانَ تَرْتَعُ، فَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ، فَلَمْ يُنْكَرْ ذَلِكَ عَلَيَّ. (باب: متى يصح سماع الصغير). (حمار أَتان): -بفتح الهمزة ومثناة (¬1) من فوق-: هي (¬2) الأنثى من الحُمُر. وروي: -بتنوينهما (¬3) -، فأتانٍ نعتٌ، أو بدلُ غلطٍ، قال القاضي: أو بدلُ بعضٍ (¬4). قلت: لا ربط (¬5) أصلًا، فيمتنع. قال السهيلي: أو بدل كل نحو: {شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ} [النور: 35]، وروي: بإضافة حمار إلى أتان. قال سراج بن عبد الملك: كذا وجدت مضبوطًا في بعض الأصول. واستنكرها السهيلي، وقال: إنما يجوزه من جوز (¬6) إضافةَ الشيء إلى نفسه إذا اختلف اللفظان. قال أبو موسى المديني، وتبعه ابن الأثير: إنما أتبع الحمار بالأتان؛ لينبه ¬

_ (¬1) "ومثناة" ليست في "ع"، وفي "ج": "بفتح ومثناة". (¬2) "هي" ليست في "ن"، وفي "ع": "وهي". (¬3) في "ج": "بتنوينها". (¬4) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 16). (¬5) في "ن" و"ع": "لا رابط". (¬6) في "ج": "جواز".

على أن الأنثى من الحمر لا تقطع الصلاة، فكذا المرأة (¬1). واعترض بأن العلة ليست مجرد الأنوثة فقط، بل الأنوثة تقيد البشرية؛ لأنها مَظِنَّة الشهوة. (وأنا يومئذ): أي: في تلك المدة، وليس المراد: اليومَ (¬2) الواحد. (ناهزت الاحتلام): قارَبْتُه. (بمنى): بالصرف وتركه. (وأرسلتُ الأتان ترتع): أي: تأكل ما يقويها (¬3)، وترتع مرفوعٌ، وهي جملة في موضع نصب على الحال من الأتان، وهي حال مقدرة؛ لأنه لم يرسلها في تلك الحال، وإنما أرسلها قبلُ مقدَّرًا كونُها على تلك الحال. وجوز ابن السِّيد فيه أن يريد: لترتع، فلما حذف الناصب، رفع؛ كقوله (¬4) تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ} [الزمر: 64]. * * * 68 - (77) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنِي الزُّبَيْدِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبيعِ، قَالَ. عَقَلْتُ مِنَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَجَّةً مَجَّهَا فِي وَجْهِي، وَأَنَا ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ، مِنْ دَلْوٍ. (أبو مُسْهِر): بميم مضمومة فسين مهملة ساكنة فهاء مكسورة. ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 26). (¬2) في "ج": "باليوم". (¬3) في "ن" و"ع": "يقوتها". (¬4) في "ن": "لقوله".

(الزُّبيدي): -بزاي مضمومة فموحدة فمثناة من تحت فدال مهملة-: نسبة إلى زُبيد قبيلة. (عقَلت): بفتح القاف. (مجَّهَا): أي: رماها من فيه من الماء. (وأنا ابن خمس سنين): وفي خارج "الصحيح": "ابن أربع (¬1) " (¬2). واستدرك المهلب على البخاري كونه لم يذكر عبد الله بن الزبير حيث (¬3) عقل رؤية (¬4) أبيه، وهو يختلف (¬5) إلى قريظة في غزوة الخندق، مع أنه أصغرُ منهما، وذلك لأنه ولد في الثانية من الهجرة، والخندقُ كانت على (¬6) أربع سنين من الهجرة، فيكون قد عقل وهو ابن سنتين. وردَّه ابن المنير: بأن البخاري إنما أراد سماعَ العلم والسنن (¬7)، لا الأحوالَ الوجوديةَ، وابنُ عباس نقل سُنَّةً في أن المرور بين يدي المصلي لا يُبطل الصلاة (¬8)، ومحمودُ بنُ الربيع نقل سُنَّةً أيضًا في (¬9) كونه - عليه ¬

_ (¬1) في "ن" و"ع" و"ج": "ابن أربع سنين". (¬2) قال الحافظ في "الفتح" (1/ 208): ولم أقف على هذا صريحًا في شيء من الروايات بعد التتبع التام. (¬3) في "ع": "حين". (¬4) في "ع": "رواية". (¬5) في "ج": "مختلف". (¬6) في "ع": "في". (¬7) في "م": "السن"، والمثبت من النسخ الأخرى. (¬8) في "م": "للصلاة"، والمثبت من النسخ الأخرى. (¬9) في "ن" و"ع": "من".

باب: الخروج في طلب العلم

السلام - مجَّ مجةً في وجهه على سبيل إفادته البركة؛ كالتحنيك (¬1)، ومجرد رؤيته - عليه السلام - فائدة شرعية يثبت بها (¬2) كونُه صحابيًّا، فأما (¬3) كون الزبير أتى بني قريظة، فليس فيه سُنَّةٌ حتى يُحتسب من الباب. * * * باب: الْخُرُوجِ فِي طَلَب الْعِلْمِ وَرَحَلَ جَابرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ، فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ (ورحل جابر بن عبد الله مسيرةَ شهر إلى عبد الله بن أُنيس في حديث واحد): هو (¬4) حديثُ المظالم، رواه الحاكم في "المستدرك" (¬5) في كتاب: الأهوال، وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه (¬6)، وقد رواه البخاري في أواخر (¬7) "الصحيح" بصيغة التمريض، فقال: "ويذكر عن جابر" (¬8). قال الزركشي: وهذا أحدُ ما نقض قولَ من جعل قاعدتَه في التعليق تضعيفَ ما يرويه بصيغة التمريض، وتصحيحَه بصيغة الجزم (¬9). ¬

_ (¬1) في "ج": "والتحنيك". (¬2) في "ج": "ثبتت في". (¬3) في "ن": "وأما". (¬4) في "ع" و"ج": "وهو". (¬5) في "ع": "في مستدركه". (¬6) رواه الحاكم (5/ 87). (¬7) في "ع" و"ج": "آخر". (¬8) ذكره البخاري تعليقًا في كتاب: التوحيد، في باب: {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلا لِمَنْ أَذِنَ} [سبأ: 23] (6/ 2719). (¬9) انظر: "التنقيح" (1/ 62).

69 - (78) - حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ خَالِدُ بْنُ خَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: أَخْبَرَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ تَمَارَى هُوَ وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسِ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ فِي صَاحِبِ مُوسَى، فَمَرَّ بِهِمَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، فَدَعَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: إِنِّي تَمَارَيْتُ أَنَا وَصَاحِبِي هَذَا فِي صَاحِبِ مُوسَى الَّذِي سَأَلَ السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ، هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَذْكُرُ شَأْنَهُ؟ فَقَالَ أُبَيٌّ: نَعَمْ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَذْكُرُ شَأْنَهُ يَقُولُ: "بَيْنَمَا مُوسَى فِي مَلإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَتَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ؟ قَالَ مُوسَى: لاَ، فَأَوْحَى اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - إِلَى مُوسَى: بَلَى، عَبْدُنَا خَضِرٌ، فَسَأَلَ السَّبِيلَ إِلَى لُقِيَّهِ، فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ الْحُوتَ آيَةً، وَقِيلَ لَهُ: إِذَا فَقَدْتَ الْحُوتَ، فَارْجِعْ، فَإِنَّكَ سَتَلْقَاهُ، فَكَانَ مُوسَى - صلى الله عليه وسلم - يَتَّبِعُ أَثَرَ الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ، فَقَالَ فَتَى مُوسَى لِمُوسَى: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ، فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ، وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ، قَالَ مُوسَى: ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي، فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا، فَوَجَدَا خَضِرًا، فَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا مَا قَصَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ". (خالد بن خَلِيٍّ (¬1)): -بخاء معجمة مفتوحة ولام مكسورة وياء مشددة- بوزن (¬2) عَلِيٍّ. * * * ¬

_ (¬1) يوجد هنا كلام غير واضح في "ن"، ولعله: "خالد بن خلي قاضي حمص". (¬2) في "ع": "مثل".

باب: فضل من علم وعلم

باب: فضلِ من عَلِمَ وعَلَّمَ 70 - (79) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ، كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا، فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ، قَبِلَتِ الْمَاءَ، فَأَنْبَتَتِ الْكَلأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ، أَمْسَكَتِ الْمَاءَ، فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى، إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لاَ تُمْسِكُ مَاءً، وَلاَ تُنْبِتُ كَلأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقِهَ فِي دِينِ اللَّهِ، وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ، فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ إِسْحَاقُ: وَكَانَ مِنْهَا طَائِفَةٌ قَيَّلَتِ الْمَاءَ، قَاعٌ يَعْلُوهُ الْمَاءُ، وَالصَّفْصَفُ: الْمُسْتَوِي مِنَ الأَرْضِ. (بُريد): -بموحدة مضمومة- مصغَّر. (مَثَل): -بفتحتين-، وكذا: (كمَثَل الغيث): أي: تلك الحال العجيبة الشأن كهذه الحالة (¬1) العجيبة الشأن. (نَقِية): -بنون مفتوحة فقاف مكسورة-، هذا (¬2) هو المعروف في الرواية. وحكى السفاقسي عن الخطابي: "ثغبة" -بثاء مثلثة وغين معجمة وباء ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "الحال". (¬2) في "ع" و"ج": "وهذا".

موحدة-: وهي مستنقع الماء في الجبال والصخور (¬1). (قبلت الماء (¬2)) -بالباء الموحدة-: من القَبول. (فأنبتت الكلأ والعشب): الكلأ -مهموز مقصور-: الرطب واليابس من العشب، والرطبُ منه هو العشب. (أجادب): -بجيم ودال مهملة- جمع جَدب على غير قياس، والأرض الجَدْبة: التي لم تُمْطَر، وهي هنا: الأرضُ التي لا تشرب، ولا تُنبت؛ لصلابتها، وروي: "أجاذب (¬3) ": -بذال معجمة-، وهي صلاب الأرض التي تمسك الماء. وروي: "أجارد (¬4) ": أي: جرداء بارزة لا يسترها النبات. وروي: "إِخاذات": -بكسر الهمزة وتخفيف الخاء والذال المعجمة (¬5) -: من الأخذ جمع إخاذة، وهي الغدران التي تمسك الماء. وقال عبدُ الغافر الفارسيُّ: إنه الصواب (¬6) (¬7). (قيعان): جمع قاع، وهو الأرض المستوية، وقيل: الملساء، وقيل: التي لا نبات بها، ويجمع أيضًا على أَقْوُع، وأَقْواع، فهي من ذوات الواو. ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 134). (¬2) "الماء" ليست في "ع". (¬3) في "ع": "أجذاب". (¬4) في "ع": "أجادر". (¬5) في "ن" و"ع": "المعجمتين". (¬6) في "ع": "إنه صواب". (¬7) انظر: "التنقيح" للزركشي (1/ 63).

(فَقُه): بضم القاف وكسرها (¬1). (قال إسحاق): كذا وقع غير منسوب (¬2) في غير ما موضع من البخاري، وهو من المواضع المشكلة فيه. وقد حكى الجياني عن الحافظ ابن السكن: ما كان في البخاري: "عن إسحاق" غيرَ منسوب، فهو ابنُ راهويه (¬3). (وكان منها طائفة قيّلت): -بياء مثناة من تحت مشددة (¬4) -، فقيل (¬5): هو تصحيف من إسحاق (¬6)، وقيل: بل هو صحيح، ومعناه: شربت القيل، وهو شربُ نصفِ النهار، يقال: قَيَّلَتِ الإِبِلُ: إذا شربتْ في ذلك الوقت. (والمصطف: المستوي من الأرض): كذا وقع في نسخ (¬7)، والصواب: "والصفصف" كما وقع في كتاب: التفسير في سورة طه، وهو إشارة إلى تفسير (¬8) قوله تعالى: {قَاعًا صَفْصَفًا} [طه: 106]. وتشبيه الهدى والعلم بالغيث المذكور تشبيه مفرد بمركب، إذ الهدى مفرد، وكذا العلم، والمشبه به، وهو غيث كثير أصاب أرضًا، منها ما قبله فأنبت، ومنها ما أمسكه خاصةً، ومنها ما لم ينبت، ولم يمسك، مركبٌ من ¬

_ (¬1) في "ج": "بضم القاف وفتحها كسرها". (¬2) في "ج": "منصوب". (¬3) انظر: "التوضيح" لابن الملقن (3/ 408). (¬4) في "ن": "بياء مشددة مثناة من تحت". (¬5) في "ج": "قيل". (¬6) في "ع": "هو من تصحيف ابن إسحاق". (¬7) في "ن" و"ع" زيادة: "البخاري". (¬8) "تفسير" ليست في "ن".

عدة أمور كما تراه، وشبه من انتفع بالعلم ونفع به بأرض قبلت الماء، وأنبتت الكلأ والعشب، وهو تمثيل؛ لأن وجه الشبه فيه هو الهيئة الحاصلة من قبول المحل لما يَرِدُ عليه من الخير، مع ظهور آثاره وانتشارها على وجهٍ عامِّ الثمرة، متعدِّي النفع، ولا يخفى أن هذه الهيئة منتزعة من أمور متعددة، ويجوز أن يشبه انتفاعه بقبول الأرض للماء، ونفعه المتعدي بإنباتها الكلأ (¬1) والعشب، والأول أَفْحَلُ وأَجزل؛ لأن لهيئة المركبات من الموقع في النفس ما ليس في المفردات (¬2) في (¬3) ذواتها من غير نظر إلى تَضامِّها (¬4) ولا التفات إلى هيئتها (¬5) الاجتماعية. قال الشيخُ عبدُ القاهر في قول القائل: وَكَأَنَّ أَجْرَامَ النُّجُومِ لَوَامِعًا ... دُرَرٌ نُثِرْنَ (¬6) عَلَى بِسَاطٍ أَزْرَقِ لو قلت (¬7): كأن النجوم دُرَرٌ، وكأن السماء بساط أزرقُ؛ كان التشبيه مقبولًا، لكن أين هو من التشبيه الذي يريك الهيئةَ التي تملأ النواظرَ عجبًا، وتستوقف العيون، وتستنطق القلوب بذكر اسم (¬8) الله من طلوع النجوم ¬

_ (¬1) في "ع": "للكلأ". (¬2) في "ن" و"ع": "ما ليس للمفردات". (¬3) في "ج": "من". (¬4) في "ن": "نظامها". (¬5) في "ن" و"ج": "هيئاتها". (¬6) في "ع" و"ج": "نشرن". (¬7) في "ع": "لو قال". (¬8) "اسم" ليست في "ن" و"ع" و"ج".

مؤتلقةً مفترقةً في أديم السماء، وهي زرقاء زرقتها الصافية (¬1) بحسب الرؤية (¬2)، والنجوم تبرق وتتلألأ في أثناء تلك الزرقة. ومن لك بهذه الصورة إذا جعلت التشبيه (¬3) مفردًا، وشبه من انتفع بالعلم في خاصة نفسه، ولم ينفع به أحدًا بأرض أمسكت الماء، ولم تنبت شيئًا؟!! أو شبه انتفاعَه المجردَ بإمساك الأرض للماء مع عدم إنباتها، وشبه مَنْ عدمَ فضيلتي النفع والانتفاع جميعًا بأرض لم تمسك ماء (¬4) أصلًا. أو شبه فواتَ ذلك له بعدم إمساكها الماء، وهذه الحالات الثلاث مستوفيةٌ لأقسام الناس، ففيه من البديع التقسيم. فإن قلت: ليس في الحديث تعرض (¬5) إلى القسم الثاني، وذلك أنه قال: "فذلك مثل مَنْ فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به، فعلِم وعلَّم"، وهذا هو القسم الأول. ثم قال: "ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا، ولم يقبل هدى الله (¬6) الذي أُرسلت به"، وهذا هو القسم الثالث، فأين الثاني؟ قلت: يحتمل أن يكون ذكر من الأقسام أدناها، وطوى ذكر ما هو بينهما؛ لفهمه من أقسام المشبه (¬7) به المذكورة أولًا. ¬

_ (¬1) "الصافية" ليست في "ج". (¬2) في "ج" زيادة: "الصافية". (¬3) في "ج": "التمثيل". (¬4) "ماء" ليست في "ج". (¬5) في "ن": "التعرض". (¬6) في "ن": "بهدى الله". (¬7) في "ج": "المشتبه".

باب: رفع العلم وظهور الجهل

ويحتمل أن يكون قوله: "نفعه إلى آخره" صلة موصول محذوف معطوف على الموصول الأول؛ أي: فذلك مَثَل مَنْ فقه في دين الله، ومثل مَنْ نفعه؛ كقول حسان: أَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللهِ مِنْكُمْ ... وَيَمْدَحُهُ وَيَنصُرُهُ سَوَاءُ أي: ومن يمدحه وينصره (¬1)، وعلى هذا فتكون (¬2) الأقسام الثلاثة مذكورة، فمن فقه في دين الله هو الثاني، ومن نفعه الله من ذلك (¬3) فعلِم وعلَّم هو الأول، ومن لم يرفع بذلك رأسًا هو الثالث، وفيه حينئذٍ لَفٌّ ونَشْرٌ غير مرتب، فتأمل (¬4). * * * باب: رَفْعِ الْعِلْمِ وَظُهُورِ الْجَهْلِ وَقَالَ رَبِيعَةُ: لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يُضَيِّعَ نَفْسَهُ (باب: رفع العلم وظهور الجهل، وقال ربيعة: لا ينبغي لأحد عنده شيء من العلم أن يضيع نفسه). ووجه مطابقة هذا لرفع العلم: أن ذا الفهم إذا ضيع نفسه، فلم يتعلم، أفضى إلى رفع العلم جملة؛ لأن البليدَ لا يقبله (¬5)، فهو عنه مرتفع، ¬

_ (¬1) في "ع": "ومن ينصره سواء"، وفي "ج": "وينصره سواء". (¬2) في "ن": "أي: وعلى هذا تكون". (¬3) في "ن" و"ع": "ومن نفعه الله بذلك". (¬4) انظر كلام عبد القاهر في "أسرار البلاغة" (ص: 169). (¬5) في "ن" و"ع": "لا يقبل".

باب: فضل العلم

فلو لم يتعلم الفَهِم (¬1)؛ لارتفع عنه أيضًا، فيرتفع عمومًا، وذلك من الأشراط التي لا تقارِن في الوجود إلا شرار الخلق (¬2)، فعلى الناس توقيها (¬3) ما أمكن، قاله ابن المنير. وقال الزركشي: معنى أن يضيع نفسه: أن يهينها (¬4)؛ أي: لا يأتي بعلمه أهلَ الدنيا، ويتواضع لهم (¬5)، لكنه (¬6) لا يطابق الترجمة حينئذٍ. * * * 71 - (80) - حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَاعَةِ: أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَثْبُتَ الْجَهْلُ، ويُشْرَبَ الْخَمْرُ، وَيَظْهَرَ الزِّناَ". (ابن مَيْسَرة): بميم مفتوحة فمثناة من تحت ساكنة فسين مهملة مفتوحة فراء. * * * باب: فضلِ العلمِ 72 - (82) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: ¬

_ (¬1) في (ع): "الفهيم". (¬2) في "ج": "من الخلق". (¬3) في "م" و"ج": "توقعها"، والمثبت من "ن" و"ع". (¬4) في "م " و"ج ": "يهيناها"، والمثبت من "ن" و"ع". (¬5) انظر: "التنقيح" (1/ 64). (¬6) في "ن" و "ع": "قلت: لكنه".

حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "بَيْنَا أَناَ ناَئِمٌ، أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ، فَشَرِبْتُ حَتَّى إنِّي لأَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ فِي أَظْفَارِي، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ ابْنَ الْخَطَّابِ". قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "الْعِلْمَ". (عُفير): -بعين مهملة مضمومة وفاء- مصغَّر. (عُقيل): بضم العين. (حمزة): بحاء مهملة وزاي. (حتى إِني لأرى): إني (¬1) -بكسر الهمزة-، وأَرى -بفتحها-. (الرِّي): -بفتح الراء وكسرها-، قاله الجوهري (¬2). وقيل: بالكسر: الفعل، وبالفتح: المصدر. (أظفاري): جمع ظفر، ورواه في التعبير: "من أطرافي"، و"من أظافيري" (¬3)، والكل واحد. (قال: العلمَ): -بالنصب-، ويجوز الرفع. ووجه مناسبة الحديث للترجمة: أنه عبر عن العلم (¬4) بأنه فضلة النبي - صلى الله عليه وسلم - ونصيبه مما آتاه الله، وناهيك له فضلًا أنه جزء من (¬5) النبوة، ¬

_ (¬1) في جميع النسخ عدا "ع": "إن". (¬2) انظر: "الصحاح" (6/ 2365). (¬3) رواه البخاري (7007) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. (¬4) في "ج": "عبر بالعلم". (¬5) "من" ليست في "ج".

باب: الفتيا وهو واقف على الدابة وغيرها

وميراث منها، قاله ابن المنير. * * * باب: الْفُتْيَا وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى الدَّابّة وَغَيْرِهَا (باب: الفتيا وهو واقف على الدابة): ليس في حديث هذا الباب تصريح بلفظ الدابة، لكن قال في كتاب الحج: "كان على ناقته (¬1) في حجة الوداع" (¬2). 73 - (83) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَفَ فِي حَجَّةِ الْوَداعِ بِمِنًى لِلنَّاسِ يَسْألونه، فَجَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ؟ فَقَالَ: "اذْبَحْ وَلاَ حَرَجَ". فَجَاءَ آخَرُ، فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ قَالَ: "ارْمِ وَلاَ حَرَجَ". فَمَا سُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلاَ أُخِّرَ إلَّا قَالَ: "افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ". (ابن عمرو بن العاص): -بإثبات الياء- على الأصح (¬3). (ولا حرج): أي: عليك، أو فيه؛ نحو: لا ضير. وفيه: جواز سؤال العالم راكبًا وواقفًا، وعلى كلِّ حال، ولا يعارض بهذا ما (¬4) يؤثر عن مالك من كراهة (¬5) الكلام في العلم، والسؤال عن ¬

_ (¬1) في "م" و "ن": "كان ناقته". (¬2) رواه البخاري (1738) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. (¬3) في "ع" و"ج": "الأفصح". (¬4) في "ع": "هذا بما". (¬5) في "ج": "كراهية".

باب: من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس

الحديث في الطريق؛ لأن الموقف بمنى لا يعدُّ من الطرقات؛ لأنه موقف سُنَّةٍ وعبادةٍ وذكرٍ، ووقت حاجة إلى التعلم خوفَ الفوات، إما بالزمان، أو بالمكان، قاله ابن المنير. * * * باب: من أجاب الفُتيا بإشارةِ اليدِ والرأسِ 74 - (84) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أيوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ فِي حَجَّتِهِ، فَقَالَ: ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ، قَالَ: "وَلاَ حَرَجَ". قَالَ: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ؟ فَأَوْمَأَ بِيَدِه: "وَلاَ حَرَجَ". (وُهيب): مصغَّر. (عكرمة): بعين وراء مهملتين. * * * 75 - (85) - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبي سُفْيَانَ، عَنْ سَالِم، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يُقْبَضُ الْعِلْمُ، وَيَظْهَرُ الْجَهْلُ وَالْفِتَنُ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَمَا الْهَرْجُ؟ فَقَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ فَحَرَّفَهَا، كَأَنَّهُ يُرِيدُ الْقَتْلَ. (الهَرْج): بفتح الهاء وإسكان الراء. * * *

76 - (86) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ فَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ، قَالَتْ: أتيْتُ عَائِشَةَ وَهِيَ تُصَلِّي، فَقُلْتُ: مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ فَأَشَارَتْ إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ، فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ! قُلْتُ: آيَةٌ؟ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا: أَيْ نعم، فَقُمْتُ حَتَّى تَجَلَّانِي الْغَشْيُ، فَجَعَلْتُ أَصُبُّ عَلَى رَأْسِي الْمَاءَ، فَحَمِدَ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأثنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "مَا مِنْ شَيْءٍ لَمْ أكُنْ أُرِيتُهُ إلَّا رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي، حَتَّى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، فَأُوحِيَ إِلَيَّ: أَنَكمْ تُفْتَنُونَ فِي قُبُورِكُمْ مِثْلَ، أَوْ قَرِيبًا -لاَ أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ- مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيح الدَّجَّالِ، يُقَالُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ، أَوِ الْمُوقِنُ -لاَ أَدْرِي بِأَيِّهِمَا قَالَتْ أَسْمَاءُ-، فَيقُولُ: هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، جَاءَناَ بِالْبيناتِ وَالْهُدَى، فَأَجَبْنَا وَاتَّبَعْنَا، هُوَ مُحَمَّدٌ، ثَلاَثًا، فَيُقَالُ: نَمْ صَالِحًا، قَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُوقنًا بِهِ، وَأَمَّا الْمُنَافِقُ، أَوِ الْمُرْتَابُ -لاَ أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ،- فَيقُولُ: لاَ أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا، فَقُلْتُهُ". (الغَشِيّ): -بكسر الشين المعجمة وتشديد الياء-، وروي: -بتخفيفها وسكون الشين-، وهما بمعنى، يريد: الغشاوة، وهي الغطاء. ويروى: -بعين مهملة-، قال القاضي (¬1): وليس بشيء (¬2). (حتى الجنةِ والنارِ): قال الزركشي: يجوز فيهما الفتح والجر والرفع (¬3) (¬4). ¬

_ (¬1) في "ن" و"ع ": "قاله القاضي". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 139). (¬3) في "ج": "والرفع والجر". (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 65).

قلت: أما النصب؛ فبالعطف على المنصوب المتقدم، وأما الرفع؛ فعلى الابتداء، والخبرُ محذوف؛ أي: مرئيتان (¬1)، وحتى حينئذٍ حرف ابتداء، وأما الجر، فمشكل؛ لأنه لا وجه له إلا العطف على المجرور المتقدم، وهو ممتنع؛ لما يلزم عليه من زيادة "من" مع المعرفة، والصحيح منعُه. (مثلَ أو قريبَ): بغير تنوين فيهما في المشهور في البخاري، كذا قال الزركشي (¬2). ووجهها (¬3) أن يكون أراد (¬4): تفتنون مثلَ فتنةِ الدجال، أو قريبَ الشبهِ (¬5) من فتنة الدجال، فحُذف المضافُ إليه (¬6) قريبَ، وبقي هو على هيئته الأولى، قاله ابن مالك (¬7). ووقع لبعضهم: تنوينهما. وقال القاضي: الأحسنُ تنوين الثاني، وتركُه في (¬8) الأول (¬9). قال ابن مالك: هذه الرواية المشهورة، ووجهها: بأن الأصل مثلَ فتنة الدجال، أو قريبًا منها، فحذف ما كان مثل مضافًا إليه؛ لدلالة ¬

_ (¬1) في "ع ": "مرئيان". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 66). (¬3) في "ن" و"ع": "وجههما". (¬4) في "ج": "تكون إرادة". (¬5) في "ج": "التشبه". (¬6) لعل الصواب: "إلى". (¬7) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 102). (¬8) "في" ليست في "ج". (¬9) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 354).

ما بعده، وترك هو على هيئته قبل الحذف (¬1). (لا أدري أيَّهما): بنصب أيّ. (قد علمنا إن كنتَ لموقنًا): إِن -بكسر الهمزة- هي المخففة من الثقيلة، واللام مفيدة للفرق بينها وبين النافية. قال الزركشي: وحكى السفاقسي فتحَ "أَنْ" على جعلِها مصدرية؛ أي: علمنا كونَك موقنًا (¬2)، وردَّه بدخول اللام (¬3). قلت: إنما تكون اللام مانعة إذا جُعلت لامَ الابتداء على رأي سيبويه ومَنْ تابعَه، وأما على رأي الفارسي، وابن جني، وجماعة: أنها لامٌ (¬4) غيرُ لام (¬5) الابتداء، اجتُلبت؛ للفرق، فيسوغ الفتح، بل يتعين حينئذ؛ لوجود المقتضي، وانتفاء المانع. ثم قيل: المعنى: إنك موقن؛ نحو: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} [آل عمران: 110]؛ أي: أنتم. قال القاضي: والأظهر بقاؤها على بابها، والمعنى: إنك كنت موقنًا (¬6). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 102). (¬2) في "ع": "لموقنًا". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 66). (¬4) "لام" ليست في "ج". (¬5) "لام" ليست في "ع". (¬6) انظر: "إكمال المعلم" (3/ 346).

باب: تحريض النبي - صلى الله عليه وسلم - وفد عبد القيس على أن يحفظوا الإيمان والعلم، ويخبروا من وراءهم

باب: تحريض النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وفدَ عبدِ القيس على أن يحفظوا الإيمانَ والعلمَ، ويُخبروا مَنْ وراءَهم 77 - (87) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبي جَمْرَةَ، قَالَ: كُنْتُ أُتَرْجِمُ بَيْنَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَبَيْنَ النَّاسِ، فَقَالَ: إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ أتوُا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "مَنِ الْوَفْدُ. أَوْ: مَنِ الْقَوْمُ؟ ". قَالُوا: رَبِيعَةُ، فَقَالَ: "مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ، أَوْ بِالْوَفْدِ، غَيْرَ خَزَايَا، وَلاَ نَدَامَى". قَالُوا: إِنَّا نأتِيكَ مِنْ شُقَّةٍ بَعِيدَةٍ، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ كفَّارِ مُضَرَ، وَلاَ نستَطِيعُ أَنْ نأتِيَكَ إلَّا فِي شَهْرٍ حَرَامٍ، فَمُرْناَ بِأَمْرٍ نُخْبِرْ بِهِ مَنْ وَرَاءَناَ، نَدْخُل بِهِ الْجَنَّةَ. فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ، وَنهاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: أَمَرَهُمْ بِالإيمَانِ بِاللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَحْدَهُ، قَالَ: "هَلْ تَدْرُونَ مَا الإيمَانُ بِاللَّهِ وَحْده؟ ". قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءُ الزكاة، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَتُعْطُوا الْخُمُسَ مِنَ الْمَغْنَم". وَنهاهُمْ عَنِ الدُّبَّاءِ، وَالْحَنْتَم، وَالْمُزَفَّتِ. قَالَ شُعْبَةُ: رُبَّمَا قَالَ: "النَّقِيرِ". وَرُبَّمَا قَالَ: "الْمُقَيَّرِ". قَالَ: "احْفَظُوهُ، وَأَخْبِرُوهُ مَنْ وَرَاءكُمْ". (أبي جمرة): -بجيم وراء-، وقد مر. (وتعطوا): منصوب بإضمار أن. (احفظوا وأخبروا (¬1) مَنْ وراءكم): لم يقتصر على سماعهم الحديثَ ¬

_ (¬1) كذا في رواية ابن عساكر وأبي ذر والكشميهني، وفي اليونينية، وهي المعتمدة في النص: "احفظوه وأخبروه".

باب: الرحلة في المسألة النازلة، وتعليم أهله

منه، بل أضاف إلى سماعهم منه إذنهَ لهم في التحديث (¬1) عنه، وإسنادِ الرواية عنه. قال ابن المنير: وهو أصل في عدم الاقتصار على السماع حتى يأذن المسمع في الرواية عنه. قلت: وفيه نظر (¬2). * * * باب: الرِّحلةِ في المسألةِ النازلة، وتعليم أهله 78 - (88) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أبو الْحَسَنِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبي حُسَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبةَ بْنِ الْحَارِثِ: أَنَّهُ تَزَوَّجَ ابْنَةً لأَبِي إِهَابِ بْنِ عَزِيزٍ، فَأتَتْهُ امْرَأةٌ فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُ عُقْبةَ وَالَّتِي تَزَوَّجَ، فَقَالَ لَهَا عُقْبةُ: مَا أَعْلَمُ أَنَّكِ أَرْضَعْتنِي، وَلاَ أَخْبَرْتنِي، فَرَكِبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْمَدِينَةِ، فَسَألهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ؟ ". فَفَارَقَهَا عُقْبةُ، وَنكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ. (أبي حُسين): بالتصغير. (ابن أبي مليكة): كذلك. (تزوج ابنةً لأبي إِهاب): -بكسر الهمزة-، ولا يعرف اسمه. (ابن عَزيز): -بفتح العين المهملة وزايين معجمتين- على وزن سعيد، ¬

_ (¬1) في "ن": "التحدث". (¬2) "نظر" ليست في "ج".

باب: التناوب في العلم

والبنتُ كنيتُها أم يحيى، وقيل: اسمها غنية، وقيل: زينب. * * * باب: التناوبِ في العلم 79 - (89) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ (ح). قَالَ أبو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَناَ يُونس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عبيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ: كنْتُ أَناَ وَجَارٌ لِي مِنَ الأَنْصَارِ، فِي بني أُمَيَّةَ بْنِ زيدٍ، وَهْيَ مِنْ عَوَالِي الْمَدِينَةِ، وَكنَّا نتَنَاوَبُ النُّزُولَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، يَنْزِلُ يَوْمًا، وَأَنْزِلُ يَوْمًا، فَإِذَا نزَلْتُ، جِئْتُهُ بِخَبَرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنَ الْوَحْيِ وَغَيْرِهِ، وَإذَا نزَلَ، فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَنَزَلَ صَاحِبِي الأَنْصَارِيُّ يَوْمَ نَوْبَتِهِ، فَضَرَبَ بَابِي ضَرْبًا شَدِيدًا، فَقَالَ: أثَمَّ هُوَ؟ فَفَزِعْتُ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ عَظِيمٌ. قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ، فَإِذَا هِيَ تَبْكِي، فَقُلْتُ: طَلَّقَكُنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَتْ: لاَ أَدْرِي. ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ وَأَناَ قَائِمٌ: أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟ قَالَ: "لاَ". فَقُلْتُ: اللَّهُ أكبرُ. (عن عمر - رضي الله عنه -: كنت أنا وجارٌ لي من الأنصار): قال القسطلاني: إن هذا الجار المبهم يقال له: عِتْبانُ بنُ مالكٍ، ويقال: أَوْسُ (¬1) بنُ خوليٍّ، وهذا الخلاف إنما ذكره ابن بَشْكوال في "كتابه الصغير" فيمن آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين عمر، وهذا لا يلزم منه الجوار. ¬

_ (¬1) في "ع": "ويقال له: أوس".

باب: الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يكره

(أثَمّ (¬1) هو؟): -بثاء مثلثة مفتوحة وميم مشددة- ظرف للمكان البعيد؛ أي: أهناك هو؟ (قد حدث أمر عظيم): يريد: تطليقَ النبي - صلى الله عليه وسلم - زوجاته، ذكره في كتاب: الطلاق، واختصره هنا. * * * باب: الْغَضَبِ فِي الْمَوْعِظَةِ وَالتَّعْلِيم إذا رَأَى مَا يَكْرَهُ (باب: الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يكره): قال ابن المنير: أراد البخاري: الفرق بين قضاء القاضي وهو غضبان، وبين إسماعِ المحدِّث، أو تعليمِ المعلِّم، أو تذكرةِ الواعظ، فكل (¬2) هذه بالغضب أجدرُ، وخصوصًا الموعظة، فيستحب فيها تكلف الانزعاج إن لم يجد الإنسان من نفسه ذلك؛ لأنها على هيئة النذارة بالواقع القريب المخوف. قلت: أما الوعظ، فمسلَّم، وأما إسماعُ المحدِّث، وتعليم المعلِّم، فلا نسلِّم أنهما (¬3) أجدرُ بالغضب؛ لأنه مما يدهش الفكر، فقد يفضي الإسماع والتعليم (¬4) في هذه الحالة إلى خلل، والمطلوبُ فيهما كمالُ الضبط، فتأمله. * * * ¬

_ (¬1) في "ن": "ثم". (¬2) في "ن" و "ع": "وكل". (¬3) في "ن": "أنها"، وفي "ع": "أنه". (¬4) في "ع": "الإسماع به والتعليم".

80 - (90) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كثِيرٍ، قَالَ: أَخْبَرَناَ سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لاَ أكادُ أُدْرِكُ الصَّلاَةَ مِمَّا يُطَوِّلُ بِنَا فُلاَنٌ، فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْ يَوْمِئِذٍ، فَقَالَ: "أيُّهَا النَّاسُ! إِنَّكمْ مُنَفِّرُونَ، فَمَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ، فَلْيُخَفِّفْ؛ فَإِنَّ فِيهِمُ الْمَرِيضَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ". (ابن كثير): ضد قليل (¬1). (ابن أبي حازم): بحاء مهملة فزاي. (لا أكاد أدرك الصلاة مما يطول بنا فلان): في "مسند (¬2) أبي يعلى" ما يدل على أنه أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ (¬3)، وسيأتي فيه كلام، وهذا اللفظ كذا وقع في الأصول، وهو لا ينتظم؛ فإن التطويل يقتضي الإدراكَ، لا عدمَه. وقد رواه الفريابي: "إني لأتاخرُ عن الصلاة في الفجر؛ مما يطوِّلُ بنا فلانٌ" (¬4)، وهو أظهر، ولعل الأول تغيير منه، ولعله: لأكاد أتركُ الصلاة، فزيدت بعد "لا" ألفٌ (¬5)، وفُصلت التاء من الراء، فجُعلت دالًّا، حكى الزركشي ذلك كله نقلًا عن القاضي (¬6). ¬

_ (¬1) في "ع": "القليل". (¬2) في جميع النسخ عدا "ن": "ابن". (¬3) رواه أبو يعلى في "مسنده" (1798). (¬4) رواه البخاري (704) عن أبي مسعود رضي الله عنه. (¬5) في "ن" و "ع": "فزيدت بعد الألف". (¬6) انظر: "التنقيح" (1/ 68)، و"مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 311).

قلت: ما في الأصول صحيح له وجهٌ ظاهر، وذلك لأن عدم مقاربته لإدراك الصلاة مع الإمام ناشئ عن تأخره عن حضورها، ومسبَّبٌ عنه، فعبر عن السبب بالمسبب، وعلله بتطويل الإمام، وذلك لأنه إذا اعتيد التطويل منه، تقاعد المأمومُ عن المبادرة؛ ركونًا إلى حصول الإدراك بسبب التطويل، فيتأخر لذلك، وهو معنى الرواية الأخرى، فالتطويلُ سببُ التأخر الذي هو سبب [في عدم مقاربة الإدراك، فجعل سببًا لعدم المقاربة؛ لأن سبب الشيء سبب] (¬1) لذلك الشيء، ولا داعي إلى حمل الرواية الثانية في الأمهات الصحيحة على التصحيف. والله الموفق. (وذا الحاجة): -بالنصب-، ووجهه ظاهر، وروي: -بالرفع-، فإن صَحَّتْ، فعلى أنه مبتدأ حُذف خبرُه، والجملة عطف على الجملة المتقدمة، هكذا ينبغي أن يُعرَب. * * * 81 - (91) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ الْمَدِينيُّ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ، عَنْ زيدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ اللُّقَطَةِ، فَقَالَ: "اِعْرِفْ وِكاءَهَا، أَوْ قَالَ: وِعَاءَهَا، وَعِفَاصَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، ثُمَّ اسْتَمْتِعْ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا، فَأَدِّهَا إِلَيْهِ". قَالَ: فَضَالَّةُ الإبِلِ؟ فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنتَاهُ، أَوْ قَالَ: احْمَرَّ وَجْهُهُ، فَقَالَ: "وَمَا لَكَ وَلَهَا؟! مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا، تَرِدُ الْمَاءَ، وَتَرْعَى الشَّجَرَ، فَذَرْهَا حَتَّى يَلْقَاهَا ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين سقط من "ع".

رَبُّهَا". قَالَ: فَضَالَّةُ الْغَنَم؟ قَالَ: "لَكَ، أَوْ لأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ". (سأله رجل): قيل: هو بلال المؤذن، وقيل غيره، وسيأتي. (عن اللُّقَطة): بضم اللام وفتح القاف. قال القاضي: ولا يجوز الإسكان (¬1)، وجوزه غيره. وقال (¬2) صاحب "العين": اللُّقَطَة (¬3) اسمٌ لما لُقِط (¬4)، و -بفتح القاف-: الملتقَط (¬5). واستصوبه ابن بري في "حواشي الصحاح"، قال: لأن الفُعْلَة للمفعول؛ كالضُّحْكَة، والفُعَلَة للفاعل كالضُّحَكَة، والتحريك للمفعول نادر. (وكاءها): ما يُربط به. (أو قال: وعاءها): واحد الأوعية، وهي الظروف. (وعِفاصها): -بعين مهملة مكسورة وفاء وصاد مهملة-: هو الوعاء أيضًا. * * * 82 - (92) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبي مُوسَى، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَشْيَاءَ ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 362). (¬2) في "ع ": "قال". (¬3) في "ع ": وقال صاحب "العين" في كتاب اللغة ينسب إلى الخليل بن أحمد: اللقطة. (¬4) انظر: "كتاب العين" (5/ 100). (¬5) في "ع ": الملقوط.

باب: من برك على ركبتيه عند الإمام أو المحدث

كَرِهَهَا، فَلَمَّا أُكْثِرَ عَلَيْهِ، غَضِبَ، ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ: "سَلُوني عَمَّا شِئتمْ". قَالَ رَجُلٌ: مَنْ أَبِي؟ قَالَ: "أبَوكَ حُذَافَةُ". فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: مَنْ أَبِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: "أَبُوكَ سَالِمٌ مَوْلَى شَيْبة". فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ مَا فِي وَجْهِهِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّا نَتُوبُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. (قال رجل: من أبي؟): هو عبد الله بن حُذافة الرسولُ إلى كسرى. (حُذافة): بحاء مهملة مضمومة وذال معجمة وفاء. (فقام آخر): يقال: اسمه سعد، كذا في "التمهيد" لابن عبد البر (¬1). * * * باب: مَنْ بَرَكَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ عِنْدَ الإمَامِ أَوِ الْمُحَدِّثِ (باب: من برك على ركبتيه (¬2)): قال الجوهري: بَرَك البعير: إذا استناخ، وهو -بفتحتين (¬3) -. 83 - (93) - حَدَّثَنَا أبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خرَجَ، فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ فَقَالَ: مَنْ أَبِي؟ فَقَالَ: "أَبُوكَ حُذَافَةُ". ثُمَّ أكثَرَ أَنْ يَقُولَ: ¬

_ (¬1) انظر: "التمهيد" (21/ 291). (¬2) في "ع": "ركبته". (¬3) انظر: "الصحاح" (4/ 1574)، (مادة: برك).

باب: من أعاد الحديث ثلاثا ليفهم عنه

"سَلُونِي". فَبَرَكَ عُمَرُ عَلَى رُكبَتَيْهِ، فَقَالَ: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإسْلاَمِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - نبِيًّا، فَسَكَتَ. (ثم أكثر): بثاء مثلثة. * * * باب: مَنْ أَعَادَ الْحَدِيثَ ثَلاَثًا لِيُفْهَمَ عَنْهُ (باب: من أعاد الحديث ثلاثًا ليُفهَم): بمثناة من تحت مضمومة والهاء مفتوحة أو مكسورة. 84 - (94) - حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، قالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَنسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَلَّمَ، سَلَّمَ ثَلاَثًا، وَإِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ، أَعَادَهَا ثَلاَثًا. (أعادها ثلاثًا): لا يصح أن يكون أعاد مع بقائه على ظاهره عاملًا في ثلاثًا؛ ضرورة أنه يستلزم قولَ تلك الكلمة أربعَ مرات، فإن الإعادة ثلاثًا إنما يُتحقق بها؛ إذ المرة الأولى لا إعادة فيها، فإما أن تُضمن أعاد (¬1) معنى: قال، ويصح عملها في ثلاثًا بالمعنى المضمن، أو تُبقى أعاد على معناه، وتَجعل العاملَ محذوفًا؛ أي: أعادها، فقالها، وعليهما: فلم تقع الإعادة إلا مرتين. قال ابن المنير: نبه بهذه الترجمة على الرد على من كره استعادة الطالب ¬

_ (¬1) في "ع": "يضمن إعادة".

للحديث، وَعدَّهُ من البلادة والتقصير، وكان ابن شهاب لا يجيب من استعاد منه، والحق أنه يختلف باختلاف القرائح، وفي (¬1) الناس من لا يحفظ بمرة، فلا (¬2) عتب عليه في الاستعادة، ولا عذر للمعيد (¬3) إذا لم يُعِد، بل الإعادة عليه أحق من الابتداء؛ إذ الشروعُ مُلزم. * * * 85 - (96) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانة، عَنْ أَبي بِشْرٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: تَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ سَافَرْناَهُ، فَأَدْركَنَا وَقَدْ أَرْهَقْنَا الصَّلاَةَ، صَلاَةَ الْعَصْرِ، وَنحنُ نتَوَضَّأُ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتهِ: "وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ". مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلاَثًا. (أرهقنا) (¬4): فعل وفاعل. (الصلاةَ): مفعول به، وقد مر. (صلاةَ العصر): -بالنصب على البدل-، وفي بعض النسخ: -بالرفع- خبر مبتدأ محذوف. * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "ومن". (¬2) في "ع": "ولا". (¬3) في جميع النسخ عدا "ع": "للمفيد". (¬4) من قوله: "باب: الغضب في الموعظة والتعليم" (ص: 218) إلى هنا سقط من "ج".

باب: تعليم الرجل أمته وأهله

باب: تعليم الرجلِ أَمتَه وأهلَه 86 - (97) - أَخْبَرَناَ مُحَمَّد -هُوَ ابْنُ سَلاَمٍ-، حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا صَالح بْنُ حَيَّانَ، قَالَ: قَالَ عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ثَلاَثةٌ لَهُمْ أَجْرَانِ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، آمَنَ بِنَبِيِّهِ، وَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وَالْعَبْدُ الْمَمْلُوكُ إِذَا أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ، وَرَجُلٌ كانَتْ عِنْدَهُ أَمَةٌ يَطَؤُهَا، فَأَدَّبَهَا فَأحْسَنَ تَأْدِيبَهَا، وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا فتزَوَّجَهَا، فَلَهُ أَجْرَانِ". ثُمَّ قَالَ عَامرٌ: أَعْطَيْنَاكَهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ، قَدْ كانَ يُرْكَبُ فِيمَا دُونها إِلَى الْمَدِينَةِ. (ابن حيّان): بحاء مهملة وياء آخر الحروف مشددة. (وعلمها فأحسن تعليمها): فيه التأكيد على العالم في تعليم بناته (¬1) وأهله شرائعَ الدين؛ لأن هذا الحديث يستحثُّ على تعليم الإماء، فكيف بالحرائر الأقارب (¬2)؟ قاله ابن المنير. * * * باب: عِظَةِ الإمامِ النساءَ وَتعليمِهنَّ 87 - (98) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَيُّوبَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى ¬

_ (¬1) في "م": "أنبائه"، والمثبت من النسخ الأخرى. (¬2) في "ع" و"ج": "والأقارب".

باب: الحرص على الحديث

النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -أَوْ قَالَ عَطَاءٌ: أَشْهَدُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ وَمَعَهُ بِلاَلٌ، فَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يُسْمِعِ النِّسَاءَ، فَوَعَظَهُنَّ، وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَجَعَلَتِ الْمَرْأة تُلْقِي الْقُرْطَ وَالْخَاتَمَ، وَبِلاَلٌ يَأْخُذُ فِي طَرَفِ ثَوبهِ. وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ: عَنْ أيُّوبَ، عَنْ عَطَاءٍ، وَقَالَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَشْهَدُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (فوعظهن): هذا أصل في حضور النساء المواعيد، ومجالسَ الخير؛ بشرط السلامة من الفتنة. (وأمرهن بالصدقة): فيه تضعيف القول بأن الرجل يَحْجُرُ على امرأته (¬1) في الصدقة بعض الحَجْر، قاله ابن المنير أيضًا. * * * باب: الحرصِ على الحديث 88 - (99) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبي عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَقَدْ ظَنَنْتُ -يَا أَبَا هُرَيْرَةَ- أَنْ لاَ يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ؛ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ، أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ: مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إلَّا اللَّهُ، خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ، أَوْ نَفْسِهِ". (ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحدٌ أولُ منك): ¬

_ (¬1) في "ج": "إمرأة".

يروى (¬1): برفع أول على أنه صفةٌ لأحد، أو بدلٌ منه، ونصبه على الظرفية، أو الحالية من أحد؛ لوقوعه في سياق النفي. وحكى الزركشي عن القاضي: أنه مفعول ثان لظننت (¬2)، ولا يظهر له وجه. (مخلصًا (¬3) (¬4)): حمله ابن بطال على الإخلاص العام الذي هو من لوازم التوحيد (¬5). وردَّه (¬6) ابن المنير: بأن هذا لا يخلو عنه مؤمن، فتعطل (¬7) صيغةُ أَفْعَلَ، وهو لم يسأله عمن يستأهل شفاعته، وإنما سأل عن أسعدِ (¬8) الناس بها، فينبغي أن يُحمل على إخلاصٍ (¬9) خاصٍّ (¬10) يختص ببعضٍ دون بعض، ولا يخفى تفاوت رتبه. * * * ¬

_ (¬1) "يروى" ليست في "ع " و"ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 72) و"مشارق الأنوار" (2/ 354). (¬3) في "ن": "حمله". (¬4) كذا: في رواية الكشميهني وأبي الوقت، وفي اليونينية: "خالصًا"، وهي المعتمدة في النص. (¬5) انظر: "شرح ابن بطال" (1/ 176). (¬6) في "ج": "وذكر". (¬7) في "ن": "فيتعطل". (¬8) في جميع النسخ عدا "ع": "أقعد". (¬9) في "ع": "الإخلاص". (¬10) "خاص" ليست في "ن" و"ع".

باب: كيف يقبض العلم

باب: كيْفَ يُقْبَضُ الْعِلْمُ وَكتبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى أَبي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ: انْظُرْ مَا كَانَ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاكتُبْهُ؛ فَإِنِّي خِفْتُ دُرُوسَ الْعِلْم، وَذَهَابَ الْعُلَمَاءِ، وَلاَ تَقْبَلْ إلَّا حَدِيثَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَلْتُفْشُوا الْعِلْمَ، وَلْتَجْلِسُوا حَتَّى يُعَلَّمَ مَنْ لاَ يَعْلَمُ؛ فَإِنَّ الْعِلْمَ لاَ يَهْلِكُ حَتَّى يَكُونَ سِرًّا. حَدَّثَنَا الْعَلاَءُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ: بِذَلِكَ؛ يَعْنِي: حَدِيثَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، إِلَى قَوْلهِ: ذَهَابَ الْعُلَمَاءِ. (ولْتُفشوا العلمَ، ولْتَجلِسوا (¬1)): الأول -بضم ياء (¬2) المضارعة- من الإفشاء، والثاني -بفتحها- من الجلوس، ولامه مكسورة. فيه: أن أخذ الدروس في المساجد والجوامع والمدارس هو الشأن (¬3)؛ لأنه حينئذٍ يكون جَهْرًا، وأما الدورُ، فهو فيها سر؛ لأنها محجورة. وفيه: أن الفتوى تستحق برؤية الناس وهم العلماء لأهلية (¬4) المنتصب لها (¬5)، وتقديمهم له. ¬

_ (¬1) في جميع النسخ عدا "ع": "وليفشوا العلم وليجلسوا". (¬2) في "ع": "تاء، ياء" ليست في "ج". (¬3) في "ع": "هو البيان". (¬4) في جميع النسخ عدا "ع": "أهلية". (¬5) في "ج": "أهلية النصب".

(فإن العلم لا يهلِك): -بكسر اللام- مضارع هلك. * * * 89 - (100) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُويسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ الله لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا". قَالَ الْفِرَبْرِيُّ: حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا قتيْبةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ هِشَامٍ، نَحْوَهُ. [(رؤوسًا) بضم الهمزة وبالتنوين، جمع رأس]، وفي مسلم بوجهين: هذا (¬1)، [والثاني: رؤساء، بالمد]، جمع رئيس، [وكلاهما صحيح، والأول أشهر] (¬2) كذا قال النووي (¬3). فإن قلت: الواقع بعد حتى في الحديث جملة شرطية، فكيف وقعت غاية؟ قلت: التقدير: [ولكن يقبض العلم بقبض العلماء إلى أن يتخذ الناس رؤساء جهالًا وقتَ انقراض أهل العلم، فالغاية] (¬4) في الحقيقة هو ما يَنْسَبِكُ من الجواب مرتبًا على فعل الشرط. ¬

_ (¬1) "هذا" ليست في "ن". (¬2) ما بين المعكوفات سقط من جميع النسخ، والاستدراك من "شرح مسلم". (¬3) انظر: "شرح مسلم" للنووي (16/ 224)، وانظر: "التنقيح" للزركشي (1/ 72). (¬4) ما بين معكوفتين سقط من "ج".

باب: هل يجعل للنساء يوم على حدة في العلم؟

باب: هل يُجعل للنساء يومٌ على حِدَةٍ في العلم؟ 90 - (101) - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي بْنُ الأَصْبَهَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالحٍ ذَكوَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: قَالَتِ النِّسَاءُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ، فَوَعَدَهُنَّ يَوْمًا لَقِيَهُنَّ فِيهِ، فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ، فَكَانَ فِيمَا قَالَ لَهُنَّ: "مَا مِنْكُنَّ امْرَأةٌ تُقَدِّمُ ثَلاَثَةً مِنْ وَلَدِهَا، إلَّا كَانَ لَهَا حِجَابًا مِنَ النَّارِ". فَقَالَتِ امْرَأةٌ: وَاثْنَتيْنِ؟ فَقَالَ: "وَاثْنَتيْنِ". (آدم): لا ينصرف للعجمة والعلمية إن قيل: إنه أعجمي (¬1)، وإلا، فللعلمية ووزنِ الفعل. (إلا كان): أي: ما تقدمه (¬2). (لها حجابًا): -بالنصب- خبر كان، واسمها ضمير يعود لما تقدمه؛ لفهمه من الكلام السابق، ويروى: "حجاب" -بالرفع- على أنه اسم كان، ولها خبرُها (¬3) تقدم على الاسم. (فقالت امرأة: واثنين (¬4)): الذي يظهر لي أنه على حذف همزة ¬

_ (¬1) في "ن": "عجمي". (¬2) في "ج": "تقدم". (¬3) في "ن": "على أنه اسم كان وخبرها"، وفي "ع": "ولها خبر"، وفي "ج": "والهاء خبرها". (¬4) كذا وقع في جميع النسخ: "واثنين". قال الحافظ في "الفتح" (1/ 236): ولكريمة "واثنتين" بزيادة تاء التأنيث.

الاستفهام، كأنها (¬1) قالت: أو (¬2) امرأة تقدم اثنين مثلُها؛ أي: مثلُ التي (¬3) تقدم ثلاثًا، وقرينة السؤال ترشد إلى الهمزة. والأخفش يرى أن (¬4) مثله مقيس. وهذه المرأة هي أم مُبَشِّر (¬5)، وقيل: أم هانئ، وقيل: أم سُلَيم، ذكره ابن بَشْكَوال (¬6) وفيه نظر سيذكر في محله. * * * 91 - (102) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَصْبَهَانِيِّ، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، بِهَذَا. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَصْبَهَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: "ثَلاَثَةً لَمْ يَبْلُغوا الْحِنْثَ". (لم يبلغوا الحنث): أي الإثم؛ يعني: أنهم ماتوا قبل البلوغ (¬7)، فلم يكتب الإثم عليهم. ¬

_ (¬1) في "ج": "كأن". (¬2) في "ج": "و". (¬3) في "ن": "الذي". (¬4) في "م" و"ج": "يروي أنه"، والمثبت من "ن" و"ع". (¬5) في "ع": "ميسرة". (¬6) انظر: "غوامض الأسماء المبهمة" (1/ 136). (¬7) "البلوغ" ليست في "ن".

باب: من سمع شيئا فراجع حتى يعرفه

قال ابن المنير: ووجه اعتبار عدم البلوغ: أن الأطفال أعلقُ بالقلوب، والمصيبة بهم عند النساء أشدُّ؛ لأن وقت الحضانة قائم، وفيه إيماء إلى أن الحضانة إلى البلوغ، ووجه آخر، وهو أن البالغ الكامل بصدد أن يتزوج، ويولد له، فإذا مات، كثرت بواكيه، وأسعدْنَ أمَّه، فخفَّ حزنها. قلت: الظاهر هو (¬1) الوجه الأول. * * * باب: مَنْ سَمِعَ شيئًا فراجَعَ حتى يعرِفَه 92 - (103) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبي مُلَيْكَةَ: أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَتْ لاَ تَسْمَعُ شَيْئًا لاَ تَعْرِفُهُ، إلَّا رَاجَعَتْ فِيهِ حَتَّى تَعْرِفَهُ، وَأَن النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ حُوسبَ، عُذِّبَ". قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: أَوَ لَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8]؟ قَالَتْ: فَقَالَ: "إِنَّمَا ذَلِكِ الْعَرْضُ، وَلَكِنْ: مَنْ نُوقشَ الْحِسَابَ يَهْلِكْ". (إنما ذلكِ العرضُ): -بكسر الكاف-؛ لأن الخطاب لمؤنث. * * * باب: ليُبلِّغِ العلمَ الشاهدُ الغائبَ 93 - (104) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: ¬

_ (¬1) "هو" ليست في "ع".

حَدَّثَنِي سَعِيدٌ، عَنْ أبي شُرَيْحٍ: أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ -وَهْوَ يبعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ-: ائْذَنْ لِي أيُّها الأَمِيرُ، أُحَدِّثْكَ قَوْلًا قَامَ بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ، سَمِعَتْهُ أُذُناَيَ، وَوَعَاهُ قَلْبِي، وَأَبْصَرتهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ: حَمِدَ اللَّهَ، وَأثنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ، وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلاَ يَحِلُّ لاِمْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلاَ يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيهَا، فَقُولُوا: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ لِرَسُولهِ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نهارٍ، ثُمَّ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كحُرْمَتِهَا بِالأَمْسِ، وَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ". فَقِيلَ لأَبِي شُرَيْحٍ: مَا قَالَ عَمْرٌو؟ قَالَ: أَناَ أَعْلَمُ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ، لاَ يُعِيذُ عَاصِيًا، وَلاَ فَارًّا بِدَمٍ، وَلاَ فَارًّا بِخَرْبَةٍ. (وهو يبعث البعوث إلى مكة): أي: حين أظهرَ عبدُ الله بنُ الزبير الخلافَ على يزيدَ (¬1) في سنة إحدى وستين من الهجرة، وكان يزيدُ قد ولَّى عمَرو (¬2) بنَ سعيدٍ المدينةَ. (يسفِك): يروى: -بكسر الفاء وبضمها-، وهما وجهان جائزان. (بها): الباء ظرفية، وقد روي: "فيها". (ولا يعضِد): -بكسر الضاد معجمة (¬3) -: يقطع. (بخَرْبة): -بتثليث الخاء المعجمة وإسكان الراء على المشهور-: ¬

_ (¬1) في "ن": "يزيد بن معاوية". (¬2) في "ج": "عمر". (¬3) في "ع": "المعجمة".

باب: إثم من كذب على النبي - صلى الله عليه وسلم -

السرقة، وأصلها: سرقة الإبل، وتطلق على كل خيانة. * * * باب: إثم مَنْ كذبَ على النبي - صلى الله عليه وسلم - 94 - (106) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، قَالَ: أخبَرَناَ شُعْبةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْصُورٌ، قَالَ: سَمِعْتُ رِبْعِيَّ بْنَ حِراشٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَكْذِبُوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ، فَلْيَلِج النَّارَ". (رِبعي): بكسر الراء. (ابن حِراش): بحاء مهملة مكسورة وشين معجمة. (فليلج النار): من الولوج، ولفظه أمر، ومعناه: الخبر؛ أي: يلج، وقيل: دعاء عليه ثم أخرج مخرج الذم. * * * 95 - (107) - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَليدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أبَيهِ، قَالَ: قُلْتُ لِلزُّبَيْرِ: إِنِّي لاَ أَسْمَعُكَ تُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كمَا يُحَدِّثُ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ؟ قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أُفَارِقْهُ، وَلَكِنْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ، فَلْيتبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ". (أما): هي هنا حرف استفتاح، ولذلك كسرت همزة إِن بعدها في قوله: "إني لم أفارقه". وفي هذا الباب حديث من ثلاثيات البخاري، وهي أعلى ما عنده فيه. * * *

96 - (109) - حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ يَقُلْ عَلَيَّ مَا لَمْ أقَلْ، فَلْيتبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ". (يزيد): علم منقول من مضارع زاد. (ابن أبي عُبيد): مصغر عبد. * * * 97 - (110) - حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبي حَصِينٍ، عَنْ أبي صَالحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "تَسَمَّوْا بِاسْمِي، وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي، وَمَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ، فَقَدْ رَآنِي؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَتَمَثَّلُ فِي صُورتي، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيتبوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ". (أبي حَصِين): بحاء وصاد مهملتين بفتح الأول وكسر الثاني، وهكذا كل كنية، وما كان اسمًا: فحاؤه مضمومة. (ولا تَكَنَّوْا (¬1)): [أي: تتكنوا (¬2) فحذف إحدى التاءين، وقد مر مثله] (¬3). (بكنيتي): أي: أبي (¬4) القاسم، وفي المسألة خلاف، بالجواز ¬

_ (¬1) كذا: في رواية أبي ذر الهروي والأصيلي وغيرهما، وفي اليونينية: "تكتنوا"، وهي المعتمدة في النص. (¬2) في "ع": "أي لا تتكنوا". (¬3) ما بين معكوفتين سقط من "ن". (¬4) في "ج": "أي إلى أبي".

فقيل (¬1): مطلقًا، وقيل: بالمنع مطلقًا (¬2)، وقيل: به في حياته (¬3). قال [الباجي: وفقهاء الأمصار على جواز التسمية والتكنية بأبي القاسم، والنهيُ عنه منسوخٌ، ودخل] (¬4) القاضي أبو القاسم بن زيتون على المستنصر بالله سلطان إفريقية، فقال له: لمَ تسمَّيْتَ بأبي القاسم مع صحة حديث: "تَسَمَّوا باسمي ولا تَكَنَّوا بكنيتي"؟ فأجابه بأن قال: إنما تسميت (¬5) بكنيته - صلى الله عليه وسلم -، ولم أتكنَّ بها، واستحسنه بعض الشيوخ. (من كذب علي متعمدًا): المختار أن الكذب عدمُ مطابقة الخبر للواقع، ولا يُشترط في كونه كذبًا تعمُّدُه، والحديث يشهد له؛ لدلالته على انقسام الكذب إلى متعمَّدٍ، وغيره. (فليتبوأ مقعده من النار): أي: فليتخذه مباءة، وأصله من مباءة الإبل، وهي أَعطانُها، وقد ذهب أبو محمدٍ الجوينيُّ إلى كفر من كذبَ متعمدًا عليه -عليه الصلاة والسلام-، وغلَّطَه في ذلك الناس، حتى ولدُه إمامُ الحرمين. وانتصر له ابن المنير بأن خصوصية الوعيد توجب ذلك؛ إذ لو كان ¬

_ (¬1) في "ن": "قيل". (¬2) في "ع": "وقيل مطلقًا بالمنع". (¬3) في "ع": "حياته - صلى الله عليه وسلم -". (¬4) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬5) في "ج": "سميت".

بمطلق النار؛ لكان كل كاذب (¬1) كذلك (¬2) عليه وعلى غيره، فإنما الوعيد بالخلود، ولهذا قال: "فليتبوأ"؛ أي: فليتخذها مباءة ومسكنًا، وذلك هو الخلود. قلت: لا نسلِّم دلالةَ التبوُّء على الخلود، ولو سلِّم، فلا نسلِّم أن الوعيد بالخلود مقتضٍ (¬3) للكفر بدليل متعمد القتل الحرام. قال: وأيضًا: فإن الكاذب عليه في تحليل حرام مثلًا قد (¬4) استحلَّ ذلك الحرام، وحمل على استحلاله على قطع منه، واستحلال الحرام مطلقًا كفر. قلت: لا نسلم أن الكذب عليه ملازم لاستحلاله، ولا لاستحلال متعلقه، فقد يكذب عليه في تحليل حرام مثلًا، مع قطعه بأن الكذب عليه حرام، وأن ذلك الحرام ليس بمستحل؛ كما يقدم العصاة (¬5) من المؤمنين على ارتكاب (¬6) الكبائرِ مع اعتقادهم لحرمتها (¬7). * * * ¬

_ (¬1) في "ن": "إذ لو كان بمطلق النار لكل كاذب عليه". (¬2) في "م" و "ن": "لذلك". (¬3) في "ج": "مقتضى". (¬4) في "ع": "فقد". (¬5) في "ع": "تقدم للعصاة". (¬6) في جميع النسخ عدا "ن": "ارتكابهم". (¬7) في "ج": "تحرمها".

باب: كتابة العلم

باب: كتابةِ العلم 98 - (111) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبي جُحَيْفَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيٍّ: هَلْ عِنْدكمْ كتَابٌ؟ قَالَ: لاَ، إلَّا كِتَابُ اللَّهِ، أَوْ فَهْمٌ أُعْطِيَهُ رَجُل مُسْلِمٌ، أَوْ مَا فِي هَذه الصَّحِيفَةِ. قَالَ: قُلْتُ: فَمَا فِي هَذه الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: الْعَقْلُ، وَفَكَاكُ الأَسِيرِ، وَلاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ. (أبي جُحيفة): بجيم وحاء مهملة وفاء، مصغّر. (قلت (¬1) لعلي: هل عندكم كتاب؟ قال: لا، إلا كتابُ الله، أو فهمٌ أُعطيه رجل مسلم (¬2)، أو ما في هذه الصحيفة): قال ابن المنير: يعني بالفهم المذكور: التفقه (¬3)، والاستنباط، والتأويل، وانظر هل يقتضي لفظه أن الفقه كان مكتوبًا أم لا؟ والظاهر أنه كان مكتوبًا عندهم؛ لأن السائل قال له: هل عندكم كتاب؟ فقال: لا كتابَ عندنا إلا كتابُ الله، أو فهمٌ، أو هذه الصحيفة، وكانت فيها أحاديث، فاستثناؤه الفهمَ من الكتاب يدلُّ على أن الفهم الذي (¬4) هو الفقه كان حينئذٍ كتابًا، وإلا كان استثناء من غير الجنس، وهو (¬5) خلاف ¬

_ (¬1) في "ع": "فقلت". (¬2) "مسلم" ليست في "ج". (¬3) في "ج": "والفقه". (¬4) في "ج": "التي". (¬5) في "ع": "وهذا".

الأصل، لا سيما وقوله: إلا كتابُ الله، أو هذه الصحيفة استثناء من الجنس قطعًا، فالمعطوف بينهما مثلهما، وأيضًا فهو مرفوع، والاستثناء من غير الجنس لا يكون إلا منصوبًا، فيكون ذلك أصلًا في كتابة (¬1) الفقه. (قلت: وما في هذه الصحيفة؟): بالواو، وفي رواية: بالفاء. (فِكاك): بكسر الفاء، وفتحها، وهو (¬2) أفصح، قاله القزاز (¬3). * * * 99 - (112) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيرَةَ: أَنَّ خُزَاعَةَ قتَلُوا رَجُلًا مِنْ بَنِي لَيْثٍ -عَامَ فَتْح مَكَّةَ- بِقَتِيلٍ مِنْهُمْ قَتَلُوهُ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَخَطَبَ، فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْقَتْلَ، أَوِ الْفِيلَ -شَكَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ-، وَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وَالْمُؤْمِنِينَ، أَلاَ وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، ولم تَحِل لأَحَدٍ بَعْدِي، أَلاَ وَإِنَّهَا حَلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نهارٍ، أَلاَ وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ حَرَامٌ، لاَ يُخْتَلَى شَوْكهَا، وَلاَ يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلاَ تُلْتَقَطُ سَاقِطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدٍ، فَمَنْ قُتِلَ، فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُعْقَلَ، وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ أَهْلُ الْقَتيلِ". فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، فَقَالَ: اكْتُبْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: "اكْتبوا لأَبي فُلاَنٍ". فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ: إلَّا الإذْخِرَ يَا رَسُولَ الله؛ فَإِنَّا نَجْعَلُهُ فِي بُيُوتنَا وَقُبُورِناَ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إلَّا الإذْخِرَ، إلَّا الإذْخِرَ". ¬

_ (¬1) في "ع": "كتاب". (¬2) "وهو" ليست في "ن". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 74).

قَالَ أبُو عَبْدِ اللَّهِ: يُقَالُ: يُقَادُ بِالْقَافِ، فَقِيلَ لأَبِي عبد الله: أَيُّ شَيْءٍ كتَبَ لَهُ؟ قَالَ: كتَبَ لَهُ هَذِهِ الْخُطْبةَ. (ابن دُكين): بدال مهملة وكاف، مصغَّر (¬1). (أن خزاعة قتلوا رجلًا من بني ليث بقتيل منهم): في "السيرة": أن خراش بن أمية قتل ابن الأثوع (¬2) الهذلي بقتيل قتل في الجاهلية يقال له: أحمر، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا مَعْشَرَ خُزَاعَةَ! ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ عَنِ القَتْلِ (¬3)، فَمَنْ قُتِلَ بَعْدَ مَقَامِي هَذَا، فَأَهْلُهُ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ" (¬4). (الفيل أو القتل): وغيره؛ أي: غير أبي نعيم، يقول: "الفيل" -بالفاء- من غير شك، وهذا تصريح من البخاري بأن الجمهور على رواية الفيل -بالفاء-، قيل: وهو الصواب، والمراد بحبس الفيل: حبسُ أهله، أو حبسُه (¬5) نفسه كما في قضيته المشهورة. (خلاها) (¬6): حشيشها اليابس. ¬

_ (¬1) في "ج": "مصغرًا". (¬2) في "ج": "الأقرع". (¬3) في "ج": "القتلى". (¬4) انظر: "سيرة ابن هشام" (5/ 76 - 77). (¬5) في "ج": "حبس". (¬6) "خلاها": ليست في نص البخارى هنا. وقد رواه البخاري في كتاب: الحج، في باب: لا ينفر صيد الحرم، رقم: 1833، بلفظ: حَدَّثَنَا مُحَمَدُ بْنُ الْمُثنَّى: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عباس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ الله حرَّمَ مَكَّةَ، فَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَلاَ تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي، وإِنَّمَا أُحلَّتْ لِي سَاعَةَ مِنْ نهارٍ، لاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا، وَلاَ يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلاَ يُنَفَّرُ =

(ساقطتها): لُقَطَتُها. (إلا لمنشد): لمعرِّفٍ، نشدتُ الضالةَ: طلبتُها، وأَنْشَدْتُها: عَرَّفتها، وسيأتي الكلام في فقهه (¬1) إن شاء الله تعالى. (فمن قتل): كذا رواه هنا، قالوا: وهو مختصر، والصواب ما رواه في الديات: "مَنْ (¬2) قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ" (¬3) بزيادة: له قتيل (¬4). قلت: وهذا صواب بلا شك، كما أن الأول (¬5) صواب أيضًا، ولا يظهر كون الثانية هي (¬6) الصواب فقط، وكأنهم فهموا أن قوله: "فهو بخير النظرين" يقضي بخطأ هذه الرواية؛ إذ المقتول لا نظر له. قلت: وليس بشيء؛ إذ يمكن جعلُ الضمير من قوله: "فهو" عائد إلى الولي المفهوم من السياق فاستقام الكلام، وصحت الروايتان جميعًا، فلله الحمد (¬7). ¬

_ = صَيْدُهَا، وَلاَ تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إلَّا لِمُعَرِّفٍ. وَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إلَّا الإْذخِرَ، لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا. فَقَالَ: "إلَّا الإِذْخِرَ". وَعَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا: لاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا؟ هُوَ أَنْ يُنَحِّيَهُ مِنَ الظِّل يَنْزِلُ مَكَانهَ. (¬1) "في فقهه": غير واضح في "م"، وهو هكذا في "ن"، وفي "ع" و"ج": "الكلام فيه". (¬2) "ع": "فمن". (¬3) رواه البخاري (6880) عن أبي هريرة رضي الله عنه. (¬4) "قتيل" ليست في "ع". (¬5) في "ن" و"ع" و"ج": "الأولى". (¬6) في "م" و"ج": "هو". (¬7) في "ن": "والحمد لله".

(إما أن يُعقَل): -بضم أوله وفتح ثالثه-؛ أي: يُدفع عقلُه، وهو الدية. (وإما أن يقاد): قال الزركشي: أي: يقتل (¬1). قلت: لا ينتظم مع قوله: أهل القتيل؛ إذ يصير المعنى: وإما أن يقتل أهل القتيل، وهو باطل، ولعل معنى يقاد: يمكن من القود وهو القتل؛ أي: وإما أن يمكن أهل القتيل من القود (¬2)، فيستقيم المعنى. قال السفاقسي: رويناه بالقاف، وهو الظاهر، ومن رواه: "يفادى" -بالفاء والألف-، فليس ببين؛ لأن الفداء والعقل واحد (¬3). وفيه: حجة لمن يرى (¬4) أن ولي القتيل بالخيار، وسيأتي في محله. (اكتبوا لأبي فلان): هو أبو شاه -بهاء- في الوصل والوقف (¬5). (فقال رجل من قريش): هو العباس بن عبد المطلب. وفي "مصنف ابن أبي شيبة": أن القائل: "إلا (¬6) الإذخر" اسمه شاه (¬7). وفي "أسد الغابة": أن (¬8) اسمه "مينا" -بميم فمثناة من تحت فنون-، ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 75). (¬2) في "ج": "يمكن من القود، وهو القتل؛ أي: وإما أن يمكن أهل القتيل من القول". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 75). (¬4) في "ن": "لمن يروي". (¬5) "والوقف" ليست في "ن". (¬6) "إلا" ليست في "ن"، وفي "ج": "لا". (¬7) رواه ابن أبي شيبة (36921). (¬8) في "ج": "الغابة اسم كتاب في معرفة الصحابة لابن الأثير أن".

أخرجه أبو موسى، وقال: لعله تصحيف (¬1). (إلا الإذْخر): -بكسر الهمزة والخاء المعجمة وسكون الذال معجمة-: حشيشة معروفة (¬2) طيبة الريح. * * * 100 - (113) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: أَخْبَرَنِي وَهْبُ بْنُ مُنَبِهٍ، عَنْ أَخِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَحَدٌ أكثَرَ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّي، إلَّا مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو؛ فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلاَ أكتُبُ. تَابَعَهُ مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (ما من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أحدٌ أكثرُ): الذي يظهر أن "ما" هذه مهملة غير عاملة عمل ليس، وأن "أحدٌ" مبتدأ، و"أكثرُ" صفته (¬3)، و"من أصحاب النبي (¬4) " خبره. قال الزركشي: "أحدٌ" -بالرفع- اسم "ما" (¬5)، و"أكثر" صفته، ويروى (¬6) بنصب أكثر (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: "أسد الغابة" (5/ 302). (¬2) في "ج": "ومعروفة". (¬3) في "ج": "صفة". (¬4) في "ن" و"ج": زيادة: "- صلى الله عليه وسلم -". (¬5) في "ن" و"ع": "اسمها". (¬6) في "ن": "وروي". (¬7) انظر: "التنقيح" (1/ 75).

قلت: قوله: اسم ما يقتضي أنها عاملة، وأحدُ الشروط متخلِّف (¬1)، وهو تأخر (¬2) الخبر، واغتفارهم (¬3) لتقدم الظرف، وإنما (¬4) هو إذا كان معمولًا للخبر لا خبرًا (¬5)، وأما نصب أكثر، فيحتمل أن يكون حالًا من الضمير المستكن في الظرف المتقدم على بحث فيه، فتأمله. (إلا ما كان من عبد الله بن عمرو): في إعرابه إشكال، وذلك لأن "ما" عبارة (¬6) عن المستثنى، وسواء جعلتها موصولة، أو موصوفة، لا يتأتى أن (¬7) يصير المعنى إلا الحديث الذي كان من ابن عمرو، أو إلا حديثًا كان منه، فإنه أكثر (¬8) حديثًا عنه مني، ولا يتصور إلا بتكلف (¬9)، ولو قيل: إلا عبد الله بن عمرو (¬10)، لم يكن فيه إشكال، فتأمله. * * * 101 - (114) - حَدَّثَنَا يحْيىَ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ ¬

_ (¬1) في "ج": "مختلف". (¬2) في "ن" و "ع" و"ج": "تأخير". (¬3) في "ع" و"ج": "واعتقادهم". (¬4) في "ن": "إنما". (¬5) في "ن" و"ع": "ولا خبر". (¬6) في "ج": "هو عبارة". (¬7) في "ن" و"ع": "إذا". (¬8) في "ن" و "ع": "فإنه كان أكثر". (¬9) في "ع": "إلا بتكليف". (¬10) في "ع": "عبد الله بن عمر".

عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا اشْتَدَّ بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَجَعُهُ، قَالَ: "ائتوني بِكِتَابٍ أكتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لاَ تَضِلُّوا بَعْدَه". قَالَ عُمَرُ: إنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - غلَبَهُ الْوَجَعُ، وَعِنْدَناَ كتَابُ اللَّهِ حَسْبُنَا، فَاخْتَلَفُوا، وَكَثُرَ اللَّغَطُ، قَالَ: "قُومُوا عَنِّي، وَلاَ يَنْبَغِي عِنْدِي التَّنَازُعُ". فَخَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الرَّزَّيةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَبَيْنَ كتَابِهِ. (أكتبْ لكم كتابًا): الفعل مجزوم في جواب الأمر. والكتابُ: قال الخطابي: يحتمل أن يكون بتعيين الخليفة بعده، أو بما يرفع الخلاف في أحكام الدين (¬1). ووجهُ ما فعله عمر: أنه لو نص على كل حكم بعينه؛ لطال، وبطل الاجتهاد، واستوى الناس. وقيل: إنما كان ذلك اختبارًا للصحابة، فظهر (¬2) المراد لعمر (¬3)، وخفي على ابن عباس رضي الله عنه. (الرزية): قيدها السفاقسي (¬4) -بالهمز-، ويجوز تركه (¬5). ¬

_ (¬1) "الدين" غير واضحة في "ج"، وانظر: "أعلام الحديث" للخطابي (1/ 217)، و"التنقيح" (1/ 75). (¬2) في "ن": "وظهر". (¬3) في "ع" زيادة "رضي الله عنه". (¬4) في "ع" و"ج": "قيد هذا السفاقسي". (¬5) انظر: "التنقيح" (1/ 76).

باب: العلم والعظة بالليل

باب: الْعِلْم وَالْعِظَةِ بِاللَّيْلِ (باب: العلم والعظة بالليل (¬1)): أراد الاحتجاج بصحة تصرف الناس في إلقاء الدروس بالليل، وأخذ المواعيد بالوعظ والتذكير والسير، ولا يدخل ذلك في النهي عن الحديث بعد العشاء. 102 - (115) - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ هِنْدٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ. وَعَمْرٍو وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ هِنْدٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتِ: اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَقَالَ: "سُبْحَانَ اللَّهِ مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ الْفِتَنِ، وَمَاذَا فُتِحَ مِنَ الْخَزَائِنِ! أَيْقِظُوا صَوَاحِبَاتِ الْحُجَرِ، فَرُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٌ فِي الآخِرَةِ". (أَيقظوا صواحب (¬2) الحجر): -بفتح الهمزة- فعل أمر من أيقظه: إذا نبهه (¬3) من النوم. والحُجَر: البيوت -بضم المهملة وفتح الجيم- جمع حُجْرة -بضم الحاء وسكون الجيم-. وإنما خص صواحب الحجر؛ لأنهن (¬4) الحاضرات حينئذٍ، أو من قبيل: "ابْدَأْ بِنَفْسِكَ ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ" في الدِّينِ كَمَا هُوَ في الدُّنْيَا. ¬

_ (¬1) في "م ": "في الليل". (¬2) كذا: في رواية أبي ذر الهروي والأصيلي وغيرهما، وفي اليونينية: "صواحبات"، وهي المعتمدة في النص. (¬3) في "م": "انتبهه"، والمثبت من النسخ الأخرى. (¬4) في "ع": "لأنهم".

باب: السمر بالعلم

(فربَّ كاسيةٍ في الدنيا عاريةٍ في الآخرة): قال القاضي: أكثرُ الروايات بخفض (¬1) عارية على الوصف (¬2). ورفعُها على أنها (¬3) خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هي عارية، والجملة نعت، والفعل الذي يتعلق به رُبَّ محذوف؛ أي: توجد، وقد مر مثله، والكوفيون يرون ربَّ اسمًا، فعاريةٌ خبرها. * * * باب: السَّمَرِ بِالْعِلْم (باب السمر بالعلم (¬4)): السَّمَر -بالتحريك-: الحديث بالليل. 103 - (116) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْعِشَاءَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ، قَامَ، فَقَالَ: "أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فَإِنَّ رَأْسَ مِئَةِ سَنَةٍ مِنْهَا، لاَ يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ". (أبي حَثْمَة (¬5)): بحاء مهملة مفتوحة وثاء مثلثة ساكنة. (أرأيتكم ليلتكم هذه): التاء في أرأيتكم فاعل، والكاف حرف خطاب، ¬

_ (¬1) في "ن": "خفض". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 355)، و"التنقيح" (1/ 76). (¬3) في "ع": "على أنه". (¬4) في "ن": " (باب السمر بالعلم والعظة في الليل): أراد الاحتجاج لصحة السمر". (¬5) في "ع": "حثيمة".

هذا هو الصحيح، وهو قول سيبويه، ومعناه: أخبروني، ولا (¬1) يستعمل إلا في الاستخبار عن حالة عجيبة، ولا بد من استفهام ظاهر أو مقدر يبين الحالة المستخبَرَ عنها، فالظاهر نحو: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إلا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ} [الأنعام: 47] (¬2)، والمقدر نحو: {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} [الإسراء: 62]؛ أي: أخبرني هل هو أفضل مني؟ فإن قلت: كيف تقدره في الحديث؟ قلت: أقدره هكذا: أرأيتكم ليلتكم هذه، هل تدرون ما يحدث بعدها من الأمور العجيبة؟ فإن قلت: إذا كان أرأيتكم بمعنى (¬3) أخبروني، فعلى ماذا ينصب (¬4) ليلتَكم؟ قلت: على أنه مفعول ثان (¬5) لأخبروني، وثَمَّ مضافٌ محذوف؛ أي: شأن ليلتكم، أو خبر ليلتكم (¬6)، ولا يخفى عنك التقدير في نظائره. (لا يبقى ممن (¬7) هو على ظهر الأرض أحد): خبر إن من قوله: "فإن رأس مئة سنة منها"، والرابط محذوف؛ للعلم به؛ أي: عند مجيئه، وقد احتج بهذا على موت الخضر. ¬

_ (¬1) في "ج": "لا". (¬2) الآية ليست في "ج". (¬3) في "ن": "يعني". (¬4) في "ن" و"ج": "فعلى ما ينصب"، وفي "ع": "فعلى ما انتصب". (¬5) في جميع النسخ عدا "ع": "ثاني". (¬6) "أو خبر ليلتكم" ليست في "ن". (¬7) في "ع": "من".

وأجيب: بجواز ألا يكون على ظهرها إذ ذاك، أو أن (¬1) المعنى: ممن ترونه وتعرفونه، و (¬2) أراد بالبلد المدينة. * * * 104 - (117) - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبةُ، قَالَ: حَدَّثنَا الْحَكَمُ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتي مَيْمُونة بِنْتِ الْحَارِثِ، زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَهَا فِي لَيْلَتِهَا، فَصَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْعِشَاءَ، ثُمَّ جَاءَ إلَى مَنْزِلهِ، فَصَلَّى أَرْبَعَ ركَعَاتٍ، ثُمَّ ناَمَ، ثُمَّ قَامَ، ثُمَّ قَالَ: "ناَمَ الْغُلَيِّمُ؟ "، أَوْ كَلِمَةً تُشْبِهُهَا، ثُمَّ قَامَ، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارهِ، فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينهِ، فَصَلَّى خَمْسَ ركَعَاتٍ، ثُمَّ صَلَّى ركْعَتَيْنِ، ثُمَّ ناَمَ، حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ، أَوْ خَطِيطَهُ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ. (نام الغليم): -بنون (¬3) قبل الألف-، والغليم: تصغيرُ غلام، وفي رواية: "يا أمَّ الغليم! " (¬4) على النداء، والأول هو الظاهر. (غطيطه، أو خطيطه): قال الداودي: الغطيط والخطيط واحد، وهو النفخُ عند (¬5) الخَفْقَة (¬6) وهي النَّعْسَة. ¬

_ (¬1) في "ج": "وأن". (¬2) في "ن" و"ع": "أو". (¬3) في "ع": "بالنون". (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 77). (¬5) في "ن": "عن". (¬6) في "ع": "عند الخنقة".

وقال ابن بطال: لم أجدها بالخاء في اللغة (¬1). وقال القاضي: لا معنى له هنا (¬2). وحديث ابن عمر ظاهر في الترجمة. وأما حديث ابن عباس، فيظهر عدمُ مطابقته لها؛ إذ لا سمر فيه؟ وأجاب ابن المنير: بأن قوله: نام (¬3) الغليم وإن كان (¬4) خفيفًا يثبت به أصلُ السمر؛ إذ هو حديثٌ مع غيره (¬5) بعد العشاء. قال: ويحتمل أن يريد (¬6): ارتقابَ ابن عباس لأحواله - عليه السلام -، وسهرَه لذلك، ولا فرق بين التعلم (¬7) من القول، والتعلم من الفعل، فتعلُّمه مع السهر هو معنى السمر. والقائلة (¬8) التي كُره لها السمرُ إنما هي السهر خوفَ التفريط في صلاة الصبح، وإذا (¬9) كان سمرًا (¬10) لعلم، فهو في طاعة فلا بأس. قلت: آثار التكلف (¬11) على الوجه الثاني ظاهرة. ¬

_ (¬1) انظر: "شرح ابن بطال" (ص: 41). (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 235)، و "التنقيح" (1/ 78). (¬3) "نام" ليست في "ع". (¬4) في "ج": "كل". (¬5) في "ج": "غير". (¬6) في "ع": "إن أريد". (¬7) في جميع النسخ عدا "ج": "التعليم". (¬8) في "م" و"ن": "الغائلة"، والمثبت من "ع" و"ج". (¬9) في "ج": "إذا". (¬10) في "ن": "سهرًا". (¬11) في "ج": "التكليف".

باب: حفظ العلم

وأجاب غيره: بأن الغالب: أن الأقارب والأضياف إذا اجتمعوا، فلا بد أن تجري بينهم مؤانسة، وحديثه -عليه الصلاة والسلام- كله علم وفائدة، ويبعد منه أن يدخل بيته، ويجدَ ابنَ عباس، فلا يسأله ولا يكلمه أصلًا. * * * باب: حفظِ العلمِ 105 - (118) - حدثنا عَبْدُ العَزيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الأَعْرجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، قال: إنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ: أكثَرَ أبو هُرَيْرَةَ، وَلَوْلا آيَتَان فِي كتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُ حَدِيثًا، ثُمَّ يَتْلُو: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ} إلي قوله {الرحيم} [البقرة: 159]. إنَّ إِخْوَانَنَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، وِإِنَّ إِخْوَانَنَا مِنَ الأَنْصَارِ كان يَشْغَلُهُمُ الْعَمَلُ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كان يَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِشِبَعِ بَطْنِهِ، وَيَحْضُرُ مَا لاَ يَحْضُرُونَ، وَيَحْفَظُ مَا لاَ يَحْفَظُونَ. (يَشغَلهم): مضارع شغل، فهو مفتوح الياء، وغينُه مفتوحة أيضًا، وحكي: "أشغله" رباعيًّا، وهو ضعيف. (الصَّفْق بالأسواق): -بفتح الصاد المهملة وسكون الفاء-، أصلُه: الضربُ باليد عند البيع. (لشِبعْ): -باللام في أوله-، ويروى: -بالباء-، وهو -بكسر الشين المعجمة وإسكان الموحدة-: اسمٌ لما يُشْبع، و-بفتحها- مصدر شَبع (¬1) على زِنةَ فَرِحَ. ¬

_ (¬1) في "ن" و "ع" و "ج": "مصدر لشبع".

106 - (119) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبي بَكْرٍ أبو مُصْعَبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ أَبي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي أَسْمَعُ مِنْكَ حَدِيثًا كَثِيرًا أَنْسَاهُ؟ قَالَ: "ابْسُطْ رِداءَكَ"، فَبَسَطْتُهُ، قَالَ: فَغَرَفَ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "ضُمَّهُ"، فَضَمَمْتُهُ، فَمَا نَسِيتُ شَيْئًا بَعْدَهُ. حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ بِهَذَا، أَوْ قَالَ: غرَفَ بِيَدِهِ فِيهِ. (ثم قال: ضمهُ): في الميم الحركاتُ الثلاث، وقيل: ليس إلا الضم؛ لمكان الهاء المضمومة (¬1). * * * 107 - (120) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وِعَاءَيْنِ: فَأَمَّا أَحَدُهُمَا، فَبَثَثْتُهُ، وَأَمَّا الآخَرُ، فَلَوْ بَثَثْتُهُ، قُطِعَ هَذَا الْبُلْعُومُ. (وأما الآخر، فلو بثثته (¬2)): أظهرته وأشعته. (لقطع (¬3) هذا البُلعوم): -بضم الباء-: مجرى الطعام من (¬4) الحلق. ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 260). (¬2) في "م": "بينته". (¬3) كذا في جميع النسخ، وفي اليونينية: "قطع"، وهي المعتمدة في النص. (¬4) في "ع" و "ج": "في".

باب: الإنصات للعلماء

وهذا محمول على أمر الفتن، وتعيين المنافقين والمرتدين، ونحو ذلك مما (¬1) لا تعلق له بحكم شرير، وقد اتخذ الباطنية هذا الكلام وَزَرًا في تصحيح (¬2) باطلهم واعتقادهم أن للشريعة ظاهرًا وباطنًا بقول أبي هريرة هذا، ولا تمسكَ لهم فيه بوجه. * * * باب: الإنصاتِ للعلماءِ 108 - (121) - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبةُ، قَالَ: أَخْبَرني عَلِيُّ بْنُ مُدْرِكٍ، عَنْ أَبي زُرْعَةَ، عَنْ جَرِيرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُ فِي حَجَّةِ الْوَداعِ: "اِسْتَنْصِتِ النَّاسَ"، فَقَالَ: "لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ". (عن جرير: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له في حجة الوداع: استنصت الناس): أنكر بعضهم لفظة: "له" في هذا الحديث؛ لأن جريرًا (¬3) أسلم قبل وفاته -عليه الصلاة والسلام- بأربعين يومًا. وتوقف المنذري؛ لثبوتها من الطرق (¬4) الصحيحة (¬5). وقد ذكر غيرُ واحد أنه أسلم في رمضان سنة عشرٍ، فأمكن (¬6) حضورُه ¬

_ (¬1) في "م": و"ما"، والمثبت من النسخ الأخرى. (¬2) في "ج": "الكلام وأصله: أراد بالهمز أوله ردًّا في الصحيح". (¬3) في "ج": "جرير". (¬4) في "ع": "في الطريق". (¬5) انظر: "التنقيح" (1/ 79). (¬6) في "ج": "فأنكر".

مسلمًا لحجة (¬1) الوداع، وظهر أن لا خلل في الحديث. (لا ترجعوا بعدي كفارًا): قيل: أي: مثلَ الكفار في قتل بعضهم بعضًا. وقيل: هؤلاء أهل الردَّة الذين قتلهم الصدِّيق رضي الله عنه. وقيل: الكفر على حقيقته، والمعنى: لا ترجعوا بعدي كفارًا. (يضرب بعضكم رقاب بعض): أي: مستحلِّين لذلك. قال القاضي: والرواية -برفع الباء-، ومن سكَّنها أحال المعنى؛ لأن التقدير: لا تفعلوا فعلَ الكفار فتتشبهوا بهم في حال قتلهم (¬2) بعضهم (¬3) بعضًا (¬4). وجوز أبو البقاء وابن مالك الجزمَ على تقدير شرط مضمَر؛ أي: فإن ترجعوا، يضربْ (¬5). وتعلق بعض (¬6) أهل البدع بهذا في إنكار حجيَّة الإجماع؛ كما قال الماوردي؛ لأنه نهى الأمة بأسرها عن الكفر، ولولا جواز إجماعها عليه، لما نهاها (¬7). وأجيب: بأن الامتناع إنما جاء من جهة خبر الصادق، لا من الإمكان. ¬

_ (¬1) في "ج": "بحجة". (¬2) في "ن": "حالة قتل"، وفي "ع": "حال قتل". (¬3) في "ج": "بعضكم". (¬4) انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (1/ 324)، و"التنقيح" (1/ 79). (¬5) انظر: "إعراب الحديث" (ص: 218)، و"شواهد التوضيح" (ص: 139)، و"التنقيح" (1/ 79). (¬6) في "ج": "وتعلق بعضكم بعضًا بعض". (¬7) في "ن": "لما نهى".

باب: ما يستحب للعالم إذا سئل: أي الناس أعلم؟ فيكل العلم إلى الله

باب: ما يستحبُّ للعالم إذا سُئِلَ: أيُّ الناسِ أعلمُ؟ فيكِلُ العلمَ إلى الله 109 - (122) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ نَوْفًا الْبِكَالِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى لَيْسَ بِمُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِنَّمَا هُوَ مُوسَى آخَرُ؟ فَقَالَ: كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أُبَيُّ بْنُ كعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "قَامَ مُوسَى النَّبِيُّ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَسُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ فَقَالَ: أَناَ أَعْلَمُ، فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ، إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ. قَالَ: يَا رَبِ! وَكيْفَ بِهِ؟ فَقِيلَ لَهُ: احْمِلْ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ، فَإِذَا فَقَدْتَهُ، فَهْوَ ثَمَّ، فَانْطَلَقَ، وَانْطَلَقَ بِفَتَاهُ يُوشَعَ بْنِ نوُنٍ، وَحَمَلاَ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ، حَتَّى كاناَ عِنْدَ الصَّخْرَةِ، وَضَعَا رُؤُوسَهُمَا وَنَامَا، فَانْسَلَّ الْحُوتُ مِنَ الْمِكْتَلِ، فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا، وَكانَ لِمُوسَى وَفَتَاهُ عَجَبًا، فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِهِمَا وَيَوْمِهِمَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ، قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ: آتِنَا غَدَاءَنَا، لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِناَ هَذَا نصبًا. وَلَمْ يَجدْ مُوسَى مَسًّا مِنَ النَّصَبِ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِي أُمِرَ بِهِ، فَقَالَ لَهُ فتاهُ: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ؟ فَإنِّي نسَيتُ الْحُوتَ، قَالَ مُوسَى: ذَلِكَ مَا كُنَّا نبغِي، فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا، فَلَمَّا انتهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ، إِذَا رَجُل مُسَجًّى بِثَوْبٍ، أَوْ قَالَ تَسَجَّى بِثَوْبِهِ، فَسَلَّمَ مُوسَى، فَقَالَ الْخَضِرُ: وَأنَّى بِأَرْضِكَ السَّلاَمُ؟ فَقَالَ: أَناَ مُوسَى، فَقَالَ: مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نعمْ، قَالَ: هَلْ أتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا؟ قَالَ: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا، يَا مُوسَى! إِنِّي عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْم اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ لاَ تَعْلَمُهُ

أَنْتَ، وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ عَلَّمَكَهُ لاَ أَعْلَمُهُ. قَالَ: سَتجِدُنِي إِنْ شَاءَ الله صَابِرًا، وَلاَ أَعْصِي لَكَ أَمْرًا. فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، لَيْسَ لَهُمَا سَفِينةٌ، فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينةٌ، فَكَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمَا، فَعُرِفَ الْخَضِرُ، فَحَمَلُوهُمَا بِغَيْرِ نَوْلٍ، فَجَاءَ عُصْفُورٌ، فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ، فَنَقَرَ نَقْرَةً أَوْ نقرَتَيْنِ فِي الْبَحْرِ، فَقَالَ الْخَضِرُ: يَا مُوسَى! مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْم اللَّهِ إلَّا كنَقْرَةِ هَذَا الْعُصْفُورِ فِي الْبَحْرِ، فَعَمَدَ الْخَضِرُ إِلَى لَوْحٍ مِنْ ألوَاحِ السَّفِينَةِ فَنَزَعَهُ، فَقَالَ مُوسَى: قَوْمٌ حَمَلُونا بِغَيْرِ نَوْلٍ، عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ، فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا؟ قَالَ: أَلَمْ أقلْ: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا؟ قَالَ: لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نسَيتُ -فَكَانَتِ الأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا- فَانْطَلَقَا، فَإِذَا غُلاَمٌ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَ الْخَضِرُ بِرَأْسِهِ مِنْ أَعْلاَهُ، فَاقْتَلَعَ رَأْسَهُ بِيَدِهِ، فَقَالَ مُوسَى: أَقتلْتَ نَفْسًا زكيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ؟ قَالَ: أَلَمْ أقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا؟ -قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: وَهَذَا أَوْكَدُ-، فَانْطَلَقَا، حَتَّى إِذَا أتيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا، فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا، فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ، قَالَ الْخَضِرُ بِيَدِهِ فَأَقَامَهُ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا، قَالَ: هَذَا فِرَاقُ بَيْني وَبَيْنكَ". قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى، لَوَدِدْنَا لَوْ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا". (إن نَوْفًا): - بفتح النون وإسكان الواو وآخره فاء (¬1) -: هو أبو رُشَيْدِ ابنُ فَضَالَةَ ابنُ امرأةِ كعب، كان من علماء التابعين. ¬

_ (¬1) في "ع": "في آخره فاء"، وفي "ج": "فائه".

(البِكالي): بكسر الموحدة وتخفيف الكاف. وقيل: -بفتحها (¬1) مع تشديد الكاف-، وبكال من حِمْيَرَ. (إنما (¬2) هو موسًى آخرُ): أي: شخصٌ آخرُ مسمًّى بموسى (¬3)، فهو نكرة، فينصرف؛ لزوال علميته. وجعله ابن مالك من قبيل ما نُكِّرَ تحقيقًا (¬4)، يريد: باعتبار جعله بمعنى شخص مسمًّى بهذا الاسم، ذلك موجود كثيرًا، فيتحقق (¬5) له شياع (¬6) في أمته بالاعتبار المذكور، بخلاف مثل: لا بصرةَ (¬7) لكم؛ أي: لا بلدَ مسمَّاة بالبصرة، فهذا ليس محققًا، إنما هو أمر مقدر ضرورةَ أن لا شيء من البلاد مسمًّى (¬8) بالبصرة غير تلك المدينة الواحدة. فأما وجود أشخاص يسمَّى كلٌّ منهم بموسى، فمن قبيل المحقَّق، لا المقدَّر، فلا وجه حينئذٍ لاستشكال الزركشي جعلَ ابن مالك تنكيرَ موسى مثالًا للتحقيقي (¬9)، فتأمله. ¬

_ (¬1) في "ع": "بفتحهما". (¬2) "إنما" ليست في "ج". (¬3) في "ع": "مسمى موسى". (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 80). (¬5) في "ع": "كثير متحقق". (¬6) في "ج": "شاع". (¬7) في "ج": "بصيرة". (¬8) في "ع": "يسمى". (¬9) في "ع": "للتخففي"، وفي "ج": "للتحقيق".

(فقال: كذب عدوُّ الله): أي: قال غيرَ الواقع، ولا يلزم منه تعمُّدُه، وهذا الكلام من ابن عباس - رضي الله عنهما - خرجَ مخرَج التنفير عن هذا القول، لا القدح في القائل. (فعتب الله عليه): أي: لم (¬1) يرض قوله شرعًا، وأما العَتْبُ بمعنى المَوْجِدَة (¬2) وتغيُّر النفس، فمستحيلٌ على الله تعالى، وعَتَبَ كضرب وخرج. قال ابن المنير: وأورد الشارح -يعني: ابن بطال- كلامًا كثيرًا عن السلف في التحذير من دعوى العلم، والتحضيضِ على قول القائل: لا أدري، وما كان لائقًا (¬3) بهذا السياق؛ فإن فيه إشعارًا بأن الآحاد بلغوا من التحرز ما لم يبلغه موسى - عليه السلام -، وهذا لا يجوز اعتقادُه، ولا إيرادُه في سياق العتب على موسى، بل يقتصر على ما ورد في الحديث. وليس قول موسى - عليه السلام -: "أنا أعلم" كقول الآحاد لهذا القول، ولا نتيجةُ قوله (¬4) كنتيجة قولهم، بل كانت (¬5) نتيجةُ قوله المزيدَ من العلم، وتمهيدَ قواعدِ ما (¬6) جرى بينه وبين الخضر، والتنبيه (¬7) بتلك الكلمة إلى زيادات في التواضع، وإلى مزيد (¬8) حرصٍ في طلب العلم. ¬

_ (¬1) "لم" ليست في "ن". (¬2) في "ع": "المؤاخذة". (¬3) في "ن": "على قول العالم بلا أدري، ولا ما كان لائقًا". (¬4) في "ن": "لقوله". (¬5) في "ع": "بل كان". (¬6) في "ن": "مما". (¬7) في "ع": "التنبيه". (¬8) في "ن" و"ع": "مزية".

وإطلاقُ الشارح الخطأ عليه؛ حيثُ بين له الخضرُ ما بين، غلطٌ (¬1)؛ فإن موسى - عليه السلام - قضى بالظاهر المتعَبَّد (¬2) به، وكشفُ الغيب لمخالفة الباطن له لا يطَّرق (¬3) له خطأ؛ كما لو قضى القاضي ببراءة الخصم بيمينه حيث لم يُحضر المدعي بينتَه (¬4)، فقامت البينةُ بعدُ، فلا يكون القاضي مخطئًا، بل لو أقر الخصمُ نفسُه أنه حلف يمينًا فاجرةً، استحلفه القاضي إياها، فلا يكون القاضي مخطئًا بالإجماع. وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ، فَلاَ يَأْخُذْهُ، إِنَّمَا (¬5) أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ نَارٍ" (¬6). أفترى ذلك من النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا صوابًا محضًا لا ينسب إليه فيه خطأ بالإجماع؟!! وإنما عاد موسى على نفسه بالاعتراف بالنسيان؛ لأنه كان واعدَ الخضر ألَّا يُنْكِر عليه، ثم غلبه في الأولى (¬7) النسيانُ، وفي الثانية اعتيادُ (¬8) الغيرة والحمية لظاهر الشرع الذي هو متعبَّد به (¬9). ¬

_ (¬1) في "ع": "غلطه". (¬2) في "ج": "المعتد". (¬3) في "ن" و"ع": "يتطرق". (¬4) في "ن" و"ع" و"ج": "بينة". (¬5) في "ن": "فإنما". (¬6) رواه البخاري (6967)، ومسلم (1713) عن أم سلمة رضي الله عنها. (¬7) في "ع": "الأول". (¬8) لعلها: "اعتبارُ". (¬9) في "ن": "الذي تعبد ربه"، وفي "ج": "معتد به".

والأدبُ مع جميع الأنبياء واجب {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة: 285]، والله الموفق. (في مِكتَل):- بميم مكسورة ومثناة من فوق مفتوحة-: القُفَّة. (يوشَعَ): -بالفتح- لا ينصرف. (فانطلقا بقيةَ ليلتِهما ويومِهما (¬1)): أما الليلة، فمضاف إليه بقية، ويومِهما: إما -بالجر- عطفًا عليه، وإما -بالنصب- عطفًا على البقية (¬2)، والمراد: سير جميعه، كذا جاء (¬3) هنا. وفي التفسير: "بقيةَ يومِهما وليلِهما (¬4) " (¬5)، وهو الظاهر. (مسجًّى): مغطًّى. (وأنى بأرضك السلام؟!): أنى بمعنى: من أين؟ أو بمعنى: كيف؟ وهي (¬6) خبر مقدم على المبتدأ، وهو السلام، وبأرضك إما متعلق بما تعلق به الظرف، أو في محل نصب على الحال من الضمير المستتر فيه العائد على السلام، والاستفهام هنا تعجبي، وذلك أنه لما رآه في أرض قفرٍ (¬7)، استبعد (¬8) علمَه بالسلام وكيفيته. ¬

_ (¬1) في "ج": "يومهما وليلتهما". (¬2) في "ع": "على بقية". (¬3) "جاء" ليست في "ج". (¬4) في "ن"و "ع": "وليلتهما". (¬5) رواه البخاري (4725) عن أبي بن كعب رضي الله عنه. (¬6) في "ن" و"ج": "وهو". (¬7) في "ن" و"ج": "قفراء". (¬8) في "ع": "ثم استبعد".

(فكلموهم أن يحملوهما): هكذا ورد بصيغة الجماعة (¬1) [أولًا، وصيغة ضمير الاثنين ثانيًا، والمعنى: أن موسى (¬2) والخضر ويوشَع (¬3) كلموا أصحاب السفينة، فأتى بضمير الجماعة] (¬4) على الأصل، وأتى بضمير الاثنين في يحملوهما عائدًا [إلى الخضر وموسى -عليهما السلام-، ويوشعُ تبعٌ لهما، وقد قال الله (¬5) تعالى: {فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طه: 117] (¬6) , فخاطبهما، ثم خاطبه؛ لأنها (¬7) في حكم التبع له. (قوم حملونا): قال الزركشي: أي: هؤلاء قومٌ، أو: هم قومٌ، فالمبتدأ محذوف، وقومٌ (¬8) خبره (¬9). قلت: ويجوز أن يكون قومٌ مبتدأ، وإن كان نكرة؛ لأنه قد وُجد مسوّغٌ الابتداء (¬10)، وخبرُه: عمدتَ إلى سفينتهم. (بغير نَوْل): -بفتح النون وإسكان الواو-؛ أي (¬11): بغير أجرة. ¬

_ (¬1) في "ن": "بصيغة ضمير الجماعة". (¬2) في "ن": "يوشع، وهو تصحيف". (¬3) في "ن": "واليوشع". (¬4) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬5) لفظ الجلالة "الله": ليس في "ن". (¬6) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬7) في "ن": "لأنهما". (¬8) في "ج": "قوم". (¬9) انظر: "التنقيح" (1/ 82). (¬10) في "ن" و "ع" زيادة: "به". (¬11) "أي": ليست في "ن" و "ع".

(عُصفور): -بضم العين-، وذكر بعضهم أنه (¬1) الصُّرَد. (نَقْرَة): بفتح النون وإسكان القاف. (ما نقص علمي وعلمُك من علم الله إلا كنقرة هذا العصفور): لفظ (¬2) النقص هنا ليست (¬3) على ظاهرها؛ إذ علمُ الله تعالى لا تدخله زيادةٌ ولا نقص، وإنما هذا على طريق التمثيل؛ أي: إن علمَنا بالنسبة إلى علم الله كنسبة هذه النقرة؛ فإنها لحقارتها لا تظهر، فكأنه (¬4) لم يأخذ شيئًا (¬5). ¬

_ (¬1) في "ج": "أنهم". (¬2) في "ع" و"ج": "لفظة". (¬3) في "ن": "ليست هنا". (¬4) في "ن": "وكأنه". (¬5) سقط من النسخة "م" تتمة شرح هذا الحديث، وشرح حديثين آخرين، وقد رأيت إثبات ذلك في الهامش هنا من النسخ الأخرى مع إهمال الفروق فيما بينها، وهو كالآتي: [قال القاضي: أو يرجع ذلك في حقهما؛ أي: ما نقص علمنا مما جهلناه من معلومات الله إلا كهذا تقديرًا، وجاء في البخاري: "ما علمي وعلمك في جنب علم الله"؛ أي: معلومه، إلا كما أخذ هذا العصفور، وقيل: (إلا) بمعنى (ولا)، والظاهر أنه على التمثيل، وما عداه فيه تكلف. (فعَمدَ): بفتحتين. (فأخذ برأسه): الباء للإلصاق، والمعنى: أنه ألصق أخذه برأسه؛ أي: جرَّه إليه برأسه، ثم اقتلعه، ولو كانت زائدة كما قيل، لم يكن لقوله: "اقتلعه" معنى زائدًا على أخذه، مع أن هذا ليس من محال زيادة الباء. =

باب: من سأل وهو قائم عالما جالسا

. . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = (لوددنا): على وزن شربنا. (لو صبر): أي: صبرَه، فلو فيه مصدرية؛ مثل: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ} [القلم: 9]. باب: من سأل وهو قائمٌ عالمًا جالسًا (123) - حدثنا عثمان قال: أخبرنا جرير، عن منصور، عن أبي وائل، عن أبي موسى قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! ما القتال في سبيل الله؟ فإن أحدنا يقاتل غضبًا، ويقاتل حميَّةً. فرفع إليه رأسه -قال: وما رفع إليه رأسه إلا أنه كان قائمًا- فقال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله عز وجل". (باب: من سأل وهو قائم عالمًا جالسًا) قال ابن المنير: وموقع هذا من الفقه التنبيه على أن مثل هذا مستثنى من قوله: "من أحب أن يتمثَّل له الناس قيامًا، فليتبوأ مقعده من النار"، فنبه بالحديث الذي أورده من هذا الباب على أن هذه الهيئة مع سلامة النفس مشروعة. باب: السؤال والفتيا عند رمي الجمار (124) - حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة، عن الزهري، عن عيسى ابن طلحة، عن عبد الله بن عمرو قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الجمرة وهو يُسْأل، فقال رجل: يا رسول الله! نحرت قبل أن أرميَ. قال: "ارمِ ولا حرج". قال آخر: يا رسول الله! حلقت قبل أن أرميَ. قال: "انحر ولا حرج". فما سئل عن شيء قُدِّم ولا أُخِّر إلا قال: "افعل ولا حرج". (باب السؤال والفتيا عند رمي الجمار): قال ابن المنير: نبه بذلك على أن الكلام في حالة الرمي مع الآدميين جائز كالطواف، ولا كالصلاة، وكثير من العامة يعتقد أن الكلام في أثناء الوضوء يبطل الوضوء كالصلاة، فمثل هذا يحتاج إلى الترجمة عليه وبيانه من السنة. =

باب: قول الله تعالى {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} [الإسراء: 85]

باب: قول الله تعالى {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إلا قَلِيلًا} [الإسراء: 85] 110 - (125) - حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ سُلَيْمَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: بَيْنَا أَناَ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي خَرِبِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَسِيبٍ مَعَهُ، فَمَرَّ بِنَفَرٍ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ تَسْألوهُ، لاَ يَجيءُ فِيهِ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونه، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَنَسْأَلنَهُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِم! مَا الرُّوحُ؟ فَسَكَتَ، فَقُلْتُ: إِنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ، فَقُمْتُ، فَلَمَّا انْجَلَى عَنهُ، فقَالَ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إلا قَلِيلًا} [الإسراء: 85]. قَالَ الأَعْمَشُ: هَكَذَا فِي قِرَاءَتِنَا. (خَرِب المدينة): بفتح الخاء المعجمة وكسر الراء، وعكسه. قال القاضي: كذا رواه البخاري بخاء معجمة وآخره باء موحدة، ¬

_ = قلت: لكنه ترجم، ولم يأت ببيان من السنة. فإن الحديث الذي ساقه في الباب لا يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسأل ويفتي عند رمي الجمار، وإنما فيه أن الراوي رآه عند الجمرة وهو يسأل، وقد انتقد ذلك على البخاري. قلت: وقوله: "كان يسأل، ويفتي عند رمي الجمار ... الخ" هو موجود في النسخة "م".

باب: من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه، فيقعوا في أشد منه

ورواه في غير هذا الموضع "حرث" (¬1) بحاء مهملة وآخره ثاء مثلثة (¬2). * * * باب: مَنْ تركَ بعضَ الاختيارِ مخافةَ أنْ يقصُرَ فهمُ بعضِ الناسِ عنه، فيقعوا في أشدَّ منه 111 - (126) - حدثنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسَى، عَنْ إسْرَائيلَ، عَنْ أَبِي إسْحاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ، قالَ: قالَ لي ابنُ الزُّبَيْرِ: كَانَتْ عَائِشَةُ تُسِرُّ إِلَيْكَ كَثِيرًا، فَمَا حَدَّثَتْكَ فِي الْكَعْبةِ؟ قُلْتُ: قَالَتْ لِي: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا عَائِشَةُ! لَوْلاَ قَوْمُكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ -قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: بِكُفْرٍ-، لنقَضْتُ الْكَعْبةَ، فَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ: بَابٌ يَدْخُلُ النَّاسُ، وَبَابٌ يَخْرُجُونَ". فَفَعَلَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ. (لولا (¬3) قومك حديثٌ عهدهم): فيه إثبات خبر المبتدأ بعد لولا، وإنما أثبت؛ لكونه خاصًّا لا دليل عليه لو حذف. وأتحقق الآن أني وقعت (¬4) في كلام ابن أبي الربيع في "شرح الإيضاح" على ما معناه أنه تتبع طرق هذا الحديث، فلم يجد فيه إثبات الخبر، وهذا ¬

_ (¬1) رواه البخاري (7462). (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 190)، و"التنقيح" (1/ 85). (¬3) في "ع": "ولولا". (¬4) في "ن" و "ع": "وقفت".

يرد عليه، فحرره (¬1). (لجعلت (¬2) (¬3) لها بابين: بابًا): بنصب بابًا، على أنه وما بعده بدلٌ من المنصوب، وبالرفع (¬4) على أنه خبرٌ لمحذوف؛ أي: أحدهما بابٌ يدخل الناس منه، والآخر: بابٌ يخرجون منه، أو على أنه وما بعده خبرُ محذوف؛ أي: باب (¬5) كذا، وباب كذا. وقد استدل الأصيلي بهذا (¬6) الحديث في مسألة من النكاح: وذلك أن يتيمة غنية كان لها ابنُ عم فيه ميلٌ إلى الصبوة، فخطبها هو ورجل غني، فمال الوصيُّ إلى الرجل، وكانت اليتيمة وابن عمها متحابين، فرُفع ذلك إلى القاضي، فأفتى فقهاء وقته أن لا تُزَوَّجَ من ابن عمها، وأفتى الأصيلي بأن تُزوَّجَ منه؛ خشية أن يقعا في المكروه استدلالًا بهذا الحديث، فزُوِّجَتْ منه (¬7). وتعقبه ابن المنير: بأن هذا (¬8) لا يؤخذ على إطلاقه، فإن المتزوجة لو هَوِيَتْ غيرَ زوجها، وخُشي عليها الوقوعُ في الزنا، لم يلزم زوجَها طلاقُها ¬

_ (¬1) في "ج": "هذا يدل عليه خبره". (¬2) في "ن" و "ع" و"ج": "ولجعلت". (¬3) في البخاري: "فجعلت". (¬4) في "ج": "وبالنصب". (¬5) في "ن" و"ع" و"ج": "أي هما باب". (¬6) في "ع": "لهذا". (¬7) انظر: "التوضيح" لابن الملقن (3/ 651)، و"شرح ابن بطال" (1/ 206). (¬8) "هذا": ليست في "ن".

باب: من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن لا يفهموا

إجماعًا، وكذا الطالبُ لنكاح أمةٍ هَوِيَهَا وهو غني لا نُزوجه (¬1) إياها، وإن خاف (¬2) العنتَ فيها الذي هو أشدُّ، ويُلْزَمُ بالتعفف، أو الحد (¬3)، والذي (¬4) في الحديث إنما هو الخشيةُ على الجم (¬5) الغفير، فلا تقاس عليه الضرورة القاصرة. * * * باب: من خصَّ بالعلمِ قومًا دونَ قومٍ كراهيةَ أن لا يفهموا 112 - (128) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وَمُعَاذٌ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ، قَالَ: "يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ! ". قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ الله وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: "يَا مُعَاذُ! ". قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ الله وَسَعْدَيْكَ، ثَلاَثًا، قَالَ: "مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إلَّا الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ، إلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ". قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أفلاَ أُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا؟ قَالَ: "إِذًا يَتَّكِلُوا". وَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتهِ تَأثُّمًا. (رَديفُه (¬6)): على صيغة فعيل: هو الراكبُ خلفَ الراكب. ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "يزوجه". (¬2) في "ن" و"ع": "خافت". (¬3) في "ج": "والحد". (¬4) في "ع": "أو الحداد الذي". (¬5) في "م" و"ن": "الجماء"، والمثبت من "ع" و"ج". (¬6) في "ع": "رديف".

باب: الحياء في العلم

(يا معاذُ بنَ جبل!): -بضم الذال- على أصل المنادى العلم المفرد، و -بالفتح- على الإتباع، وابنَ منصوبٌ بلا خلاف. (أفلا أخبر (¬1) الناسَ فيستبشروا): بالنصب على القاعدة في نصب المضارع المقترن بالفاء في جواب العرض، وعند الكشميهني: "فيستبشرون" (¬2) -بالرفع- على أن الفاء لمجرد العطف في (¬3) غير سببية كما في الأول. (إذًا يتّكلوا): -بتشديد التاء-؛ من الاتكال، وعند الكشميهني: بالنون وضم الكاف (¬4)؛ أي: يمتنعوا من العمل. (وأخبر بها معاذٌ عند موته تأثمًا): لأجل مجانبة الإثم وإلقائه عن نفسه. * * * باب: الحياءِ في العلم 113 - (130) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زينَبَ بْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِ مِنَ الْحَقِّ، فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ". فَغَطَّتْ أُمُّ سَلَمَةَ -تَعْنِي: وَجْهَهَا-، وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَتَحْتَلِمُ الْمَرْأة؟ قَالَ: "نعَمْ، تَرِبَتْ يَمِينُكِ، فَبِمَ يُشْبِهُهَا وَلَدُهَا؟! ". ¬

_ (¬1) في البخاري: "أخبر به". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 86). (¬3) في "ن"و "ع": "من". (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 86).

(إذا رأت الماء): أي: في اليقظة كما يراه الرجل في منامه إذا استيقظ، ولو رأى أو رأت أنهما أنزلا، واستيقظا فلم يجدا ماء، فلا غسل عليهما، فالرجل والمرأة في ذلك سواء، وإنما يختلفان في اليقظة، فلا يغتسل الرجل حتى يرى الماء، أو يلتقي الختانان، وأما المرأة تجد لذة الإنزال بغير التقاء الختان (¬1)، فإنها تغتسل، وإن لم تر الماء؛ لأن ماءها تقذفه (¬2) إلى داخل الفرج، ولا يكاد يخرج منه شيء إلا في الحين عند الامتلاء، كذا في ابن (¬3) المنير. (إن الله لا يستحيي من الحق): تمهيد لبسط (¬4) عذرها في ذكر ما تستحيي النساء من ذكره، وهو أصل فيما يصنعه (¬5) الكتاب والأدباء من استفتاح مكاتباتهم ومخاطباتهم بما يناسب المقصود، ويسمى: بَراعةَ الاستهلال (¬6). وما يفعلونه في ابتداء ذلك من التمهيدات لما يأتون به، ويحسنه في مثل ذلك: أن العذر إذا تقدمَ، دفعَ النفسَ عن نسبة القبح إلى المعتذَر عنه، فأدركته صافيًا من العيب، وإذا تأخر، أدركت قبحه أولًا، ثم يأتي العذر رافعًا لا دافعًا (¬7) كالأول. ¬

_ (¬1) في "ن". "ختانان"، وفي "ج": "ختان". (¬2) في "ن" و"ع": "قذفه". (¬3) "ابن" ليست في "ج". (¬4) في "ع": "بسط". (¬5) في "ج": "يصيغه". (¬6) في "ع": "يناسب المقصود، وهو أصل براعة الاستهلال". (¬7) في "ع": "دافعًا لا رافعًا".

باب: من استحيا فأمر غيره بالسؤال

وقد مر في تأويل: "إِنَّ اللهَ لا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا" ما يرشد إلى تأويل ما هنا. (وتحتلم المرأة؟): هو على حذف همزة الاستفهام، وفي بعض النسخ: "أَوَتحتلم؟ " بإثباتها. * * * باب: من استحيا فأمرَ غيرَه بالسُّؤال 114 - (132) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ داوُدَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدٍ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً، فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ أَنْ يَسْأَلَ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: "فِيهِ الْوُضُوءُ". (فأمرتُ المقداد): هو ابنُ عمرِو (¬1) بنِ ثعلبة، ونُسب إلى الأسود؛ لأنه كان تبناه في الجاهلية. * * * باب: ذكرِ العلم والفُتيا في المسجد 115 - (133) - حَدَّثَنِي قُتَيْبةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا نَافِعٌ مَوْلَى عبد الله بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَجُلًا قَامَ فِي الْمَسْجدِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مِنْ أَيْنَ تأْمُرُناَ ¬

_ (¬1) في "ج": "عمر".

باب: من أجاب السائل بأكثر مما سأله

أَنْ نهُلَّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَيُهِلُّ أَهْلُ الشَّأْمِ مِنَ الْجُحْفَةِ، وَيُهِلُّ أَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ". وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَيَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "ويُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِن يَلَمْلَمَ". وَكانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: لَمْ أَفْقَهْ هَذه مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. (أن نُهل (¬1)): -بضم حرف المضارعة-؛ لأن الماضي: "أهلَّ" رباعي. (قَرْن): بفتح القاف وإسكان الراء. (يلملم): قال القاضي: ويقال: "ألَمْلَم"، وهو الأصل، والياء بدل منها، وهو على ليلتين من مكة (¬2). * * * باب: مَنْ أَجَابَ السَّائِلَ بِأكثَرَ مِمَّا سَأَلَهُ (باب: من أجاب السائل بأكثر مما سأله): قال ابن المنير: وموقع الترجمة من الفوائد التنبيهُ على أن مطابقةَ الجواب للسؤال حتى لا يكون الجواب عامًّا، والسؤال خاصًّا غيرُ لازمة، فيوجب ذلك حملَ اللفظ العام الوارد على سبب خاص على عمومه، لا على خصوص السبب؛ لأنه جواب وزيادة فائدة، وهو المذهب الصحيح من القاعدة، والتحقيق بعد هذا كله أن السائل (¬3) عما يلبس المحرم عَمَّمَ السؤالَ؛ لأن "ما" مبهمة عامة، والمحرِمُ عامٌّ، فلا ينطبق على سؤاله إلا جواب عام يشمل جميعَ ¬

_ (¬1) في "ع": "أن تهل". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 58). (¬3) في "ج": "إن كان السائل".

ما يلبسه (¬1) كلُّ محرم في كل حالة، فيدخل في ذلك الخفان المقطوعان للضرورة عند عدم النعلين. لا يقال: سأل عن الإثبات، فأجيب (¬2) بالنفي، فحصل الغرض من الإثبات والنفي، وهو أزيدُ من السؤال؛ لأنا نقول: السؤالُ عن وجود أحد الضدين سؤالٌ عن عدم الآخر ضرورة؛ إذ لا انفكاك (¬3) للمحل القابل للشيء وضده عن واحد منهما، فسؤاله عما يلبس سؤالٌ عما لا يلبس. ولا يتصور أن يعلم السائل حصرَ الملبوس في كذا حتى يعلم أن ما سوى ذلك لا يلبس، فما (¬4) في القضية إلا المطابقة من حيث المعنى، لا أزيد، ولا أنقص. ولو أن أحدًا علم أن أحد رجلين قام وقعد الآخر، ولم يتعين له القائم، فقال: أيُّ الرجلين قام؟ فقيل له: فلان؛ لعلم أن الآخر لم يقم. وهاهنا لو أجابه الرسول بما يُلبَس على سبيل الحصر كما سأل، لعلم أن هذه الأصناف مما لا (¬5) يلبس، وإنما كانت البلاغة في العدول عما لا ينحصر إلى ما ينحصر، والكل مسؤول عنه، فلا يؤخذ منه قاعدة العام الوارد على سبب خاص، وهي التي (¬6) أرادها البخاري، إلا بأن يقول: لم ¬

_ (¬1) في "ج": "بليه". (¬2) في "ج": "فأجاب". (¬3) في "ج": "إذ الانفكاك". (¬4) في "ع": "كما". (¬5) "لا" ليست في "ج". (¬6) "التي" ليست في "ن".

يمتنع القائل بالخصوص في العموم إلا لعدم المطابقة اللفظية التي تحمد (¬1) في الكلام، فيقال له: قد انفكت في حديث المحرم، وحمد (¬2) الكلام للاختصار، فينبغي (¬3) أن يحمد (¬4) لزيادة الفائدة (¬5) على السبب بطريق الأولى. * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "تحمل". (¬2) في "ن" و"ع" و"ج": "وحمل". (¬3) في "ع": "وينبغي". (¬4) في "ج": "يحمل". (¬5) في "ن": "أن يحمد لفائدة الزيادة"، وفي "ع": "أن يتحمل الزيادة للفائدة".

كتاب الوضوء

كتاب الوضوء

كتاب الوضوء (كتاب (¬1): الوُضوء): -بضم الواو- للفعل -وبفتحها- للماء، هذا هو الأشهر. وقيل: -بالفتح- فيهما، وقيل: -بالضم- فيهما، وتأتي الثلاث في الطهور. وإذا قلنا: إن (¬2) الوَضوء -بالفتح- اسم للماء، فهل هو اسم لمطلق (¬3) الماء، أو للماء بقيد (¬4) كونه متوضَّأً به، أو مُعَدًّا للوضوء به؟ فيه نظر يحتاج إلى كشفٍ، قاله ابن دقيق العيد (¬5). * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "باب". (¬2) في "ن" و "ع" و"ج": "بأن". (¬3) في "ن": "فهو هو اسم لمطلق". (¬4) في "ج": "مقيد". (¬5) انظر: "شرح عمدة الأحكام" له (1/ 32).

باب: ما جاء في الوضوء وقول الله تعالى: {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين} [المائدة: 6]

باب: مَا جَاءَ فِي الوُضُوءِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] قَالَ أبو عَبْدِ اللَّهِ: وَبَيَّنَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ فَرْضَ الْوُضُوءَ مَرَّةً مَرَّةً، وَتَوَضَّأَ أَيْضًا مَرَّتَيْنِ وَثَلاَثًا، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ثَلاَثٍ، وَكَرِهَ أَهْلُ الْعِلْم الإسْرَافَ فِيهِ، وَأَنْ يُجَاوِزُوا فِعْلَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب: ما جاء في قول الله تعالى): كذا في النسخ الصحيحة، ووقع في نسخةٍ: "باب ما جاء في الوضوء، وقولِ الله تعالى". (أن فرض الوضوء مرة مرة): برفعهما على الخبرية، وفي بعض الأصول: بنصبهما (¬1) على الحال السَّادَّةِ مسدَّ الخبر بفعل (¬2)؛ كقراءة بعضهم: {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} [يوسف: 8]. (ولم يزد على ثلاثة): كذا ثبت، وكان الأصل: "ثلاث"؛ إذ المعدود مؤنث، لكنه أوله بأشياء. وفي هذا إشارة من البخاري إلى منع الزيادة على الثلاث، وفيه خلاف، فقيل: حرام، وقيل: مكروه، وقيل: خلاف الأولى، وأبعدَ قومٌ زعموا أن الزيادةَ على الثلاث تُبطل الوضوء. * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "نصبهما". (¬2) في "ن": "مسد الخبر أي بفعل"، وفي "ع" و"ج": "مسد الخبر؛ أي: يفعل مرةً مرة".

باب: لا تقبل صلاة بغير طهور

باب: لاَ تُقْبَلُ صَلاَةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ (باب: لا تُقبل صلاةٌ بغير طهور): هذا لفظ حديث صحيح وقع في "صحيح (¬1) مسلم" من طريق ابن عمر بزيادة: "وَلا صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ" (¬2). 116 - (135) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِهٍ: أَنَّهُ سَمعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تُقْبَلُ صَلاَةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يتَوَضَّأ". قَالَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ: مَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ. (الحنظلي): بظاء معجمة. (معْمر): -بعين ساكنة- وقد مر. (مُنَبِه): اسم فاعل من نَبَّه، بتشديد الموحدة. (لا تقبل (¬3) صلاة من أحدث): هو من الحدث. وفي "المحكم": الحدث: الإيذاء، وقد أحدث (¬4). وقال الصغاني (¬5) في "العباب": وأما قول الفقهاء: أحدث إذا أتى ¬

_ (¬1) "صحيح" ليست في "ن" و"ع" و"ج". (¬2) رواه مسلم (224). (¬3) في "ج" و "م": "لا يقبل". (¬4) انظر: "المحكم" لابن سيده (3/ 254). (¬5) في "ج": "الصاغاني".

منه ما نقض (¬1) طهارته، فلا تعرفه العرب. (حتى يتوضأ): أي: فيقبل (¬2) حينئذٍ، وقد فسر القَبول: بأنه تَرَتُّبُ الغرضِ المطلوب من الشيء عليه، والغرضُ من الصلاة: وقوعُها مجزئةً لمطابقتها (¬3) الأمرَ (¬4)، ولا شك أن هذا المعنى إذا انتفى، انتفت الصحة. وفسره بعضهم: بأنه كونُ العبادةِ بحيثُ يترتبُ على فعلها الثوابُ والأجر كونها (¬5) مطابقةً للأمر (¬6)؛ ليدفع بذلك ما ورد في أن العبد إذا أَبقَ لا تُقبل له صلاة، وكذا في شارب الخمر، وفيمن أتى عرَّافًا، لكن هذا يضر في حديث أبي هريرة؛ إذ القبول حينئذٍ أخصُّ، فلا يلزم من نفيه نفيُ الصحة، وعلى التفسير الأول يندفع هذا، لكن يرد عليه صلاة الآبق ونحوه، فيحتاج تحريرًا. وقال لي بعض الفضلاء: يلزم في حديث أبي هريرة: أن الصلاة الواقعة في حال الحدث إذا وقع بعدها وضوء صحت، فقلت له: الإجماعُ يدفعه. فقال: يمكن أن يدفع من لفظ الشارع، وهو أولى من التمسك بدليل خارج، وذلك بأن تجعل الغاية للصلاة، لا لعدم القبول، والمعنى: صلاة ¬

_ (¬1) في "ع": "ينقض". (¬2) في "ج": "فقبل". (¬3) في "ن": "لمطابقها". (¬4) في "ع": "لمطابقتها لأمر الله". (¬5) في "ن" و "ع": "لكونها". (¬6) في "ج": "لأمر".

أحدكم إذا أحدثَ حتى يتوضأ لا تُقبل، والله أعلم. (قال رجل من حضرموت): هي (¬1) اسم بلدة (¬2) من بلاد اليمن، واسم قبيلة، مُنع من الصرف للعلمية والتركيب. فإن قلت: لمَ لمْ يخرج الحديث المطابق للترجمة؟ قلت: لأن في سنده سِمَاكَ بنَ حَرْبٍ، وليس هو على شرطه، وإن أخرج له تعليقًا، كذا قيل. فإن قلت: لم عدل عن الترجمة بلفظ مطابق لحديثها إلى ما صنع؟ قلت: لينبه على أن خصوصية الوضوء في قبول الصلاة غيرُ معتبرة، بل المعتبر هو الطهور أَعَمُّ من أن (¬3) يكون وضوءًا أو غيرَه؛ كالتيمم بشرطه. فإن قلت: المراد بالحدث (¬4) في الحديث (¬5): حدثٌ خاص، وهو الواقع في الصلاة، ولذلك فسره بالريح الذي يسبق في الصلاة غالبًا. قلت: لا نسلِّم، ولعل أبا هريرة أجاب السائل عما يجهله، أو عما يحتاج إليه في الغالب، وعلى الجملة: يُحتمل قيامُ قرائنَ حاليةٍ لأبي هريرة اقتضت التخصيصَ الذي اعتمدَه، ولو سُلِّم، كان هذا (¬6) استدلالًا على أن (¬7) ¬

_ (¬1) "هي": ليست في "ع". (¬2) في "ع" و "ج": "بلد". (¬3) "أن" زيادة من "ن" و"ع" و"ج". (¬4) في "ن" و"ج": "بالحديث". (¬5) "في الحديث" ليست في "ج". (¬6) "هذا" ليست في "ن". (¬7) "أن" ليست في "ن".

باب: فضل الوضوء، والغر المحجلون من آثار الوضوء

ما هو أغلظُ (¬1) من الريح من بابٍ أولى، أو نبه على التسوية بين الحدث في الصلاة، والحدثِ في غيرها؛ لئلا يتخيل الفرق (¬2)؛ كما فرق بعضُهم بين أن يشك (¬3) في الحدث في الصلاة فيلغيه، وبين شكه في غيرها فيعتبره. * * * باب: فَضْلِ الْوُضُوء، وَالْغُرِّ الْمُحَجَّلُونَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ (باب: فضل الوضوء، والغر المحجلون من آثار الوضوء): رأيت في بعض النسخ: "والغُرِّ المحجلين" -بالجر- عطفًا على الوضوء، ولا غبار عليه، وأما الرفعُ، فمشكل. قال الزركشي: وإنما قطعه عما قبله؛ لأنه ليس من جملة الترجمة (¬4). قلت: فما فائدة الإتيان به حينئذ، ولم يبين وجه إعرابه؟ والظاهر على ما قال: أن يكون مبتدأ حذف خبره، والأصل: وحديثُ الغرِّ المحجلين دليلٌ عليه؛ أي: على فضل الوضوء، فحذف الخبر والمضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، فإن كان هذا مراده، فهو حملٌ للفظ (¬5) على ما لا فائدة فيه؛ إذ حديثُ الغرِّ المحجلين مسوقٌ في الباب، وإنما كان هذا يحسن لو لم يذكره، وذكر غيره مما يدل على فضل الوضوء، ¬

_ (¬1) في "ع": "ما هذا غلظ". (¬2) في "ع": "للفرق". (¬3) في "ن": "بين إن شك". (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 89). (¬5) في "ع": "حمل اللفظ".

ولا يصح أن يكون "الغر المحجلون" مبتدأ، و"من آثار الوضوء" خبره؛ لعدم صحة الحمل، ولعدم الفائدة، كما تقدم. فإن قلت: فماذا تصنع به، وهو ثابت في الأمهات الصحيحة؟ قلت: لعل وجهه أن (¬1) الفضل هنا مصدر قولك: فَضَلَ الشيءُ يَفْضُل فهو فاضل (¬2)، وأضيف إلى الوضوء، وهو (¬3) فاعله، فهو (¬4) في محل رفع، فعطف "الغرُّ المحجلون" على هذا المحل، كما عطف على (¬5) اللفظ في النسخة الأخرى، والمعنى واحد. فإن قلت: هذا ممنوع عند الحذَّاق؛ كسيبويه ومَنْ وافقه من أهل البصرة. قلت: قد أجازه الكوفيون مطلقًا، وأبو عمرٍو من البصريين في العطف والبدل، واختار ابن مالك المذهبَ الكوفي، واستظهره (¬6)؛ لكثرة ما سمع منه، والتأويل (¬7) خلاف الظاهر، هذا غاية ما ظهر لي فيه (¬8)، فتأمله. * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "هنا أن". (¬2) في "ج": "أفضل". (¬3) في "ع": "فهو". (¬4) في "ع": "وهو". (¬5) "على" ليست في "ج". (¬6) في جميع النسخ عدا "ع": "واستظهر". (¬7) في "ج": "والقائل". (¬8) فيه "ليست في "ع" و"ج".

117 - (136) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلاَلٍ، عَنْ نعيْمِ الْمُجْمِرِ، قَالَ: رَقِيتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجدِ، فتوَضَّأَ، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ، فَلْيَفْعَلْ". (عن نعيمٍ المُجْمِرِ): هو بضم الميم وإسكان الجيم وكسر الميم الثانية، وقيل: بفتح الجيم وتشديد الميم أبعدها، وُصف به نُعيم؛ لأنه كان يجمِّر المسجد؛ أي: يبخِّره] (¬1). وقال ابن حِبَّان: لأن أباه كان يأخذ المجمر قدامَ عمرَ بنِ الخطاب إذا خرج إلى الصلاة في شهر رمضان (¬2). وقال النووي: هو صفة لعبد الله، ويطلق على ابنه نُعيم مجازًا (¬3). قال ابن دقيق العيد: ولا يتعين المجاز حتى يتبين انتقال الحقيقة، وهو أنه لم يكن يجمر المسجد، وهذا يحتاج إلى نقلٍ ممن عاصره، قال: وكلام البخاري يدلُّ على أنه صفة لنعيم (¬4). (رقيت): -بكسر القاف- على الصحيح المشهور، وحكي الفتح مع الهمز وعدمه، واختلف في أجودهما. (على ظهر المسجد): يومًا. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬2) انظر: "الثقات" لابن حبان (5/ 476)، و"التوضيح" لابن الملقن (4/ 24). (¬3) انظر: "شرح مسلم" للنووي (3/ 134)، و"التنقيح" (1/ 89). (¬4) انظر: "شرح الإمام" لابن دقيق (4/ 281).

(فتوضأ): والأكثرون على جواز مثله؛ أي: الوضوء في المسجد، ولا فرق بين أعلاه وأسفله، وممن قال به من أصحابنا ابنُ القاسم، وكرهه بعضُ العلماء تنزيهًا للمسجد. (إن أمتي): المراد بهم (¬1) هنا أتباعه - صلى الله عليه وسلم - جعلنا الله منهم (¬2). (غرًّا محجلين): الغرة: بياض في جبهة الفرس، والتحجيل: بياض في يديها ورجليها، فأطلق ذلك على النُّور الذي يكون في مواضع الوضوء استعارة. وغرًّا: جمع أغر (¬3)، وهو والوصف (¬4) الآخر إما مفعولٌ بـ "يدعون"؛ كأنه بمعنى (¬5): يسمَّون غرًّا، قاله ابن دقيق العيد (¬6)، والأقرب أنه حال. قال الزركشي: أي: يُدعون إلى يوم القيامة، وهم بهذه الصفة، فيتعدى "يُدعون" في المعنى بالحرف؛ كقوله: {يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ} [آل عمران: 23] (¬7). قلت: حذف مثل هذا الحرف ونصب المجرور بعد حذفه غير مَقيسٍ، ولنا مندوحة عن ارتكابه بأن نجعل يوم القيامة ظرفًا؛ أي: يُدعون فيه غرًّا محجلين (¬8)، ولا نزاع فيه. ¬

_ (¬1) في "ع": "به". (¬2) في "ع": زيادة: "آمين". (¬3) "جمع أغر" ليست في "ج". (¬4) "ن" و"ع" و "ج": "وهو الوصف". (¬5) في "ع": "معنى". (¬6) انظر: "شرح العمدة" له (1/ 45)، و"التنقيح" (1/ 89). (¬7) انظر: "التنقيح" (1/ 89). (¬8) في "ج": "محجلون".

باب: لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن

(من آثار الوُضوء): الرواية فيه بضم الواو، وجوَّز ابنُ دقيقِ العيد فتحَها على أن المراد: الماء (¬1)، والظاهر أن "من" فيه (¬2) تعليلية؛ فيكون هذا علة للغرة والتحجيل، فيتعلق إمَّا بـ "يدعون"، وإمَّا بأحد الوصفين على طريق التنازع. وقد وقع في الترمذي من حديث عبد الله بن بُسْر وصححه: "أُمَّتِي يَوْمَ القِيَامَةِ غُرٌّ مِنَ السُّجُودِ، مُحَجَّلَةٌ مِنَ الوُضُوءِ" (¬3)، وهو معارض لظاهر ما في البخاري. * * * باب: لا يتوضَّأُ من الشكِّ حتى يستيقِنَ 118 - (137) - حَدّثنا عليٌّ، قالَ: حَدَّثَنَا سُفْيانُ، قالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عنْ سَعيدِ بنِ المُسَيَّبِ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمِ، عَنْ عَمِّهِ: أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: الرَّجُلَ الَّذِي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلاَةِ؟ فَقَالَ: "لاَ يَنْفَتِلْ -أَوْ: لاَ يَنْصَرِفْ- حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا". (أنه شكا): كذا الرواية هنا بالبناء (¬4) للمعلوم، وجوَّز النووي الضم (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: "شرح العمدة" لابن دقيق (1/ 46)، و"التنقيح" (1/ 89). (¬2) "فيه" ليست في "ج". (¬3) رواه الترمذي (607). (¬4) "بالبناء" ليست في "ن". (¬5) انظر: "شرح مسلم" (4/ 51)، و "التنقيح" (1/ 90).

قال الزركشي: وعلى هذين يجوز في الرجل الرفع، والنصب (¬1). قلت: بل الوجهان محتملان على الأول وحده، وذلك أن ضمير "أنه" يحتمل أن يكون ضمير الشأن، وشكا الرجل فعلٌ وفاعلٌ تفسيرٌ للشأن، ويحتمل أن يعود إلى الراوي، وشكا مسند (¬2) إلى ضمير يعود إليه أيضًا (¬3)، والرجل مفعول به. (حتى يسمع صوتًا، أو يجد ريحًا): محملُه عند المالكية على مَن (¬4) استنكحه الشكُّ؛ بدليلِ شكا، والشكوى لا تكون إلا من علَّةٍ، أو على من شكَّ في سبب ناجز منحصر (¬5)؛ كالذي يتخيَّل (¬6) في دبُره حركةً، ولم يتيقَّنْ خروجَ الخارج، وهو قولٌ في المذهب، إن كان الشك تخيلًا من سبب ناجز، بَنى على الطهارة، وإن كان شكَّ هل بالَ ونسيَ، أو لم يبل، فهذا يَبني على الحدث. قال ابن المنير: وما ينبغي أن يكون هذا القول إلا تفسيرًا (¬7)، ولا يعدُّ خلافًا، وبالجملة: فقد بان أن الحديث لا يرد علينا. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 90). (¬2) في "ع" و"ج": "وشكا الرجل مسند". (¬3) "أيضًا" ليست في "ن". (¬4) "على من" ليست في "ج". (¬5) في "ج": "منحصرة". (¬6) في جميع النسخ عدا "ع": "يخيل". (¬7) في "ج": "تفسير".

باب: التخفيف في الوضوء

باب: التخفيفِ في الوضوء 119 - (138) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، قَالَ: أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ناَمَ حَتَّى نَفَخَ، ثُمَّ صَلَّى. وَرُبَّمَا قَالَ: اضْطَجَعَ حَتَّى نَفَخَ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى. ثُمَّ حَدَّثَنَا بِهِ سُفْيَانُ، مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونة لَيْلَةً، فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ، قَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَتَوَضَّأَ مِنْ شَنٍّ مُعَلَّقٍ وُضُوءًا خَفِيفًا، يُخَفِّفُهُ عَمْرٌو وَيُقَلِّلُهُ، وَقَامَ يُصَلِّي، فتوَضَّأْتُ نَحْوًا مِمَّا تَوَضَّأَ، ثُمَّ جِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: عَنْ شِمَالِهِ، فَحَوَّلَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينهِ، ثُمَّ صَلَّى مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ اضْطَجَعَ، فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ، ثُمَّ أتاهُ الْمُنَادِي فَآذَنَهُ بِالصَّلاَةِ، فَقَامَ مَعَهُ إِلَى الصَّلاَةِ، فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. قُلْنَا لِعَمْرٍو: إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تنَامُ عَيْنُهُ وَلاَ يَنَامُ قَلْبُه؟ قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: رُؤْيَا الأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ. ثُمَّ قَرَأَ: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102]. (كريب): مصغرًا. (فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - من الليل): كذا لأكثرهم: "فقام"؛ من القيام، وعند أبي ذر: "فنام"؛ من (¬1) النوم، قال القاضي: وهو الصواب؛ لأن بعده: "فلما كان في بعض الليل، قام" (¬2). ¬

_ (¬1) "من" غير واضحة في "م"، وهي هكذا في "ن" و "ع". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 33)، و"التنقيح" (1/ 90).

باب: إسباغ الوضوء

(شَن): -بفتح الشين المعجمة-: هي القِرْبَةُ الخَلَق (¬1). (معلق): بالتذكير على (¬2) إرادة الجلد، ويروى: "معلقة" على الأصل. (يخففه عمرو ويقلله (¬3)): استظهر ابن المنير احتمالَ أن يكون المراد: فعلَهُ مرةً لم يُكثر فيها من الدلك، فيكون التخفيف راجعًا إلى عدم الإكثار من الدلك، والتقليل راجع إلى عدم التعداد، والمعنى: فعله مرة واحدة بغير إكثار من الدلك فيها، فهي قليلة (¬4) خفيفة، وتوصل بذلك إلى الاستدلال على إيجاب الدلك حيث فعل أبلغ ما يكون في الاختصار، ولم يختصره. قلت: لا ينهض (¬5) مجرد هذا حجةً له، فتأمله. * * * باب: إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِسْبَاغُ الْوُضُوءَ: الإنْقَاءُ. (وقال ابن عمر: إسباغ الوضوء: الإنقاء): المعروف في اللغة أن إسباغ الوضوء: إتمامُه، وإكمالُه، والمبالغةُ فيه. 120 - (139) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُوسَى ¬

_ (¬1) في "ع": "الخلقة". (¬2) "على" ليست في "ن". (¬3) في "ن": "ويثقله". (¬4) "قليلة" غير واضحة في "م"، وهي هكذا في "ن". (¬5) في "ع": "لا ينتهض".

ابْنِ عُقْبةَ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زيدٍ: أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ عَرَفَةَ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالشِّعْبِ، نَزَلَ فَبَالَ، ثم تَوَضَّأَ، وَلَمْ يُسْبغِ الْوُضُوءَ، فَقُلْتُ: الصَّلاَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: "الصَّلاَةُ أَمَامَكَ". فَرَكِبَ، فَلَمَّا جَاءَ الْمُزْدلِفَةَ، نَزَلَ فتوَضَّأَ، فَأَسْبَغ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَناَخَ كُلُّ إنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلهِ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الْعِشَاءُ، فَصَلَّى، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا. (بالشِّعب): بكسر الشين المعجمة. (فقلت: الصلاةَ): -بالنصب-؛ أي: أتريد الصلاة؟ وقال القاضي: على الإغراء، ويجوز الرفع؛ أي (¬1): حانت أو حضرت (¬2). (فلما جاء المزدلفة، نزل فتوضأ، فأسبغ الوضوء): ظاهره يرد على أهل المذهب حيث يقولون: لا يجدد إلا من صلى، وإلا كان تكرارًا زائدًا (¬3) على الثلاث. وحاول ابن المنير الجواب بأنه يجوز أن يكون في الثاني فعل مرتين، فلم يزد بالأولى (¬4) وبهذا على الثلاث، لكن يقال: فكيف يفعل في المسح، وقد كرره؟ ¬

_ (¬1) "أي" ليست في "ن". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 352)، و"التنقيح" (1/ 90). (¬3) في "ج": "تكرار زائد". (¬4) في "ن" و"ع" و"ج": "بالأول".

باب: غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة

قال: ولك أن تقول: لما أراد استدراكَ فضل العدد، أعاد (¬1) المسحَ؛ رعاية للترتيب، ففيه دليل على صحة القول بأن مستدرِكَ المسحِ إذا نسيه، يُعيد غسلَ رجليه؛ حفظًا لنظام الترتيب، وفيه خلاف، هكذا (¬2) كلامه، وفيه ما لا يخفى عليك. * * * باب: غسلِ الوجهِ باليدينِ مِن غَرفَة واحدة 121 - (140) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيم، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْخُزَاعِيُّ مَنْصُورُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ بِلاَلٍ -يَعْنِي: سُلَيْمَانَ-، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ، أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَمَضْمَضَ بِهَا وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَجَعَلَ بِهَا هَكَذَا، أَضَافَهَا إِلَى يَدِهِ الأُخْرَى، فَغَسَلَ بِهِمَا وَجْهَهُ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ الْيُمْنَى، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ الْيُسْرَى، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَرَشَّ عَلَى رِجْلِهِ الْيُمْنَى حَتَّى غَسَلَهَا، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً أُخْرَى، فَغَسَلَ بِهَا رِجْلَهُ -يَعْنِي: الْيُسْرَى-، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَوَضَّأُ. (غُرفة): بضم الغين المعجمة (¬3) وفتحها. ¬

_ (¬1) في "ع": "أراد". (¬2) في "ع": "هذا". (¬3) "المعجمة" ليست في "ن" و"ع".

باب: التسمية على كل حال، وعند الوقاع

(فرش على رجله (¬1)): أي: رَشًّا عمَّها؛ بدليل قوله: "حتى غسلها"، وكأنه أراد: أن الماء كان خفيفًا. * * * باب: التَّسْمِيَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَعِنْدَ الْوِقَاعِ (باب: التسمية على كل حال): أي: من الطهارة وعدمها. (وعند الوقاع): مصدرُ قولكَ: واقعَ الرجلُ امرأته: إذا جامَعَها، ومقصودُه: الردُّ على من قال: لا يذكر الله إلا على طهارة، وعلى من كره ذلك في حالين: عند الخلاء، والوقاع؛ كما ذهب إليه ابن عباس، وعطاء، ومجاهد. قال ابن المنير: وقولهم هذا يدل على أنهم كانوا يعتقدون رفضَ الطهارة بالنية. 122 - (141) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِم بْنِ أبي الْجَعْدِ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أتى أَهْلَهُ قَالَ: بِاسم اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَقُضِيَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ، لَمْ يَضُرُّهُ". (يبلُغ): -بالبناء للفاعل- مثل يأكل. (لم يضرُّه): -بضم الراء- على الأفصح. * * * ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "رجليه".

باب: ما يقول عند الخلاء

باب: ما يقولُ عندَ الخَلاءِ 123 - (142) - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذَا دَخَلَ الخلاء، قَالَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ". تَابَعَهُ ابْنُ عَرْعَرَةَ عَنْ شُعْبَةَ. وَقَالَ غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبةَ: إِذَا أتى الخلاءَ. وَقَالَ مُوسَى، عَنْ حَمَّادٍ: إِذَا دَخَلَ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ زيدٍ: حَدَّثَنَا عَبدُ الْعَزِيزِ: إذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ. (أعوذ بك من الخبُث): -بضم الباء (¬1) - جمعُ خبيث، وصرح الخطابي بأن تسكينها ممنوع، وعدَّه من أغاليط المحدِّثين (¬2)، وأنكره النووي (¬3)، وابنُ دقيق العيد (¬4)؛ لأن فُعُلًا -بضم الفاء والعين- تخفف عينه بالتسكين اتفاقًا. ورده الزركشي في "تعليق العمدة": بأن التخفيف إنما يَطَّرِدُ فيما لا يُلْبِس؛ كعُنْق من المفرد، ورُسْل من الجمع، لا فيما يُلْبِسُ؛ كحُمُرٍ؛ فإنه لو خُفف، أَلْبَسَ، بِجَمْعِ (¬5) أحمرَ (¬6) (¬7). ¬

_ (¬1) في "ن": بضم الخاء، وفي "ع" و"ج": بضم الخاء والباء. (¬2) انظر: "معالم السنن" للخطابي (1/ 10)، و"التنقيح" (1/ 91). (¬3) انظر: "شرح مسلم" (4/ 71). (¬4) انظر: "شرح العمدة" له (1/ 50). (¬5) في "ن" و"ج": "يجمع". (¬6) في "ع": "لا فيما يلبس كخمر، فإنه لو خفف التبس بجمع آخر". (¬7) انظر: "النكت على العمدة" (ص: 23).

باب: وضع الماء عند الخلاء

قلت (¬1): لا أعرف هذا التفصيلَ لأحدٍ من أئمة العربية، بل في كلامه ما يدفعُه؛ فإنه صرح بجواز التخفيف في عُنْق، مع أنه يُلْبِس حينئذ بجمعِ أَعْنَقَ، وهو الرجلُ الطويلُ العنقِ، والأنثى عَنْقاء بيِّنَة (¬2) العَنَق، وجمعُها: عُنْق، بضم العين وإسكان النون. * * * باب: وضعِ الماءِ عند الخَلاءِ 124 - (143) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِم، قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبي يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ الْخَلاَءَ، فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا، قَالَ: "مَنْ وَضَعَ هَذَا؟ "، فَأُخْبِرَ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ". (فوضعت له وَضوءًا): بفتح الواو. (فقال: اللهم فقهه في الدين): قال ابن المنير: وجهُ تفقُّهِ ابنِ عباس في ذلك: أنه قدر الاحتمالات ثلاثة: أن (¬3) يدخل إليه بالماء في الخلاء، وأن يخرج فيطلب الماء من (¬4) مكان بعيد عن الخلاء، وأن يخرج فيجده عند الخلاء، فعرف أن هذا التقدير أسلمُها؛ لأن في الأول: تعرضًا للاطلاع (¬5)، ¬

_ (¬1) "قلت" ليست في "ج". (¬2) "بينة" ليست في "ج". (¬3) في "ع": "بأن". (¬4) في "ع": "في". (¬5) في "ن": "تعرضًا على الاطلاع".

باب: لا تستقبل القبلة بغائط أو بول، إلا عند البناء: جدار أو نحوه

وفي الثاني: تعرضًا لإطالة زمن التلبس بالنجاسة، وفي الثالثة (¬1): سلامةً من الغائلتين، ففعله. * * * باب: لا تُستقبل القبلةُ بغائطٍ أو بولٍ، إلا عند البناءِ: جدارٍ أو نحوه 125 - (144) - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبي أيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أتى أَحَدُكُمُ الْغَائِطَ، فَلاَ يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ، وَلاَ يُوَلِّهَا ظَهْرَهُ، شَرِّقُوا، أَوْ غَرِّبُوا". (ابن أبي ذئْب (¬2)): بذال معجمة فهمزة ساكنة فموحدة، وقد تسهل الهمزة. * * * باب: من تبرَّز على لبِنَتينِ 126 - (145) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: إِذَا قَعَدْتَ عَلَى حَاجَتِكَ، فَلاَ تَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ، وَلاَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: لَقَدِ ارْتَقَيْتُ يَوْمًا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَنَا، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - علَى لَبِنتَيْنِ، ¬

_ (¬1) في "ن" و"ع": "وفي الثالث". (¬2) في "ع": "ذؤيب".

مُسْتَقْبِلًا بَيْتَ الْمَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ. وَقَالَ: لَعَلَّكَ مِنَ الَّذِينَ يُصَلُّونَ عَلَى أَوْرَاكِهِمْ؟ فَقُلْتُ: لاَ أَدْرِي وَاللَّهِ. قَالَ مَالِكٌ: يَعْنِي: الَّذِي يُصَلِّي وَلاَ يرتَفِعُ عَنِ الأَرْضِ، يَسْجُدُ وَهُوَ لاَصِقٌ بِالأَرْضِ. (ابن حَبَّان): بحاء مهملة مفتوحة (¬1) فموحدة مشددة. (لقد ظهرت (¬2)): أي: عَلَوْتُ. (فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على لَبِنتين): -بفتح اللام وكسر الباء الموحدة، وبكسر اللام وسكون الباء- تثنية لَبِنَة ولِبْنَة (¬3) وهو هذا الطوب المعلوم. قال ابن القصار: يجوز (¬4) أن يكون حانت منه التفاتة، فرآه من غير قصد (¬5) (¬6). وقال ابن المنير: قد عُلم من آداب الاستنجاء التسترُ بغاية الإمكان، وقد كان ذلك شأنَه - عليه السلام -، والجالس -وخصوصًا للبول- لا تنكشف منه -وخصوصًا للبعيد عنه- عورةٌ، فلا وجه لاستشكال اعتماد (¬7) النظر، [ولو كانت تلك اللبنتان بحيث يطَّلع على عورة الجالس ¬

_ (¬1) "مفتوحة": ليست في "ن". (¬2) في البخاري: "ارتقيت". (¬3) "ولبنة": ليست في "ن" و"ع". (¬4) في "ن" و "ع" و"ج": "ويجوز". (¬5) في "ن": "قصده". (¬6) انظر: "التوضيح" لابن الملقن (4/ 112). (¬7) في "ج": "إهمال اعتماد".

باب: خروج النساء إلى البراز

عليهما من تعمد النظر] (¬1)، أو من حانت منه التفاتة، لما كان الرسول - عليه السلام - مع شدة تستره يجلس عليهما. * * * باب: خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْبَرَازِ (البَراز) -بفتح الموحدة وراء وزاي بينهما ألف-: هو المتسع من الأرض، وقد كني به عن قضاء الحاجة. 127 - (146) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَن أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كُنَّ يَخْرُجْنَ بِاللَّيْلِ إِذَا تَبَرَّزْنَ إِلَى الْمَنَاصِعِ، وَهُوَ صَعِيدٌ أَفْيَحُ، فَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: احْجُبْ نِسَاءَكَ، فَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُ، فَخَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ، زَوْجُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي عِشَاءً، وَكَانَتِ امْرَأَةً طَوِيلَةً، فَنَاداهَا عُمَرُ: أَلاَ قَدْ عَرَفْنَاكِ يَا سَوْدَةُ؛ حِرْصًا عَلَى أَنْ يَنْزِلَ الْحِجَابُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الْحِجَابِ. [(إذا تبرزن): تَفَعَّلْنَ؛ من البَراز الذي هو كنايةٌ عن قضاء الحاجة] (¬2). (المَناصِع): بميم مفتوحة ونون وصاد وعين مهملتين. (أفيح): واسع، بفاء وحاء مهملة بينهما آخر الحروف. * * * ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬2) ما بين معكوفتين سقط من "ج".

باب: الاستنجاء بالماء

باب: الاستنجاءِ بالماءِ 128 - (150) - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَليدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ أَبي مُعَاذٍ -وَاسْمُهُ عَطَاءُ بْنُ أَبي مَيْمُونة- قَالَ: سَمِعْتُ أَنس بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا خَرَجَ لِحَاجَتِهِ، أَجِيءُ أَناَ وَغُلاَمٌ، مَعَنَا إِداوَةٌ مِنْ مَاءٍ، يَعْنِي: يَسْتَنْجي بِهِ. (أنا وغلام): قال ابن المنير: فيه حجة حسنة (¬1) لمشايخ الصوفية في انتداب الشباب إلى خدمة السقايات، وإعانة الفقهاء (¬2) على الطهارات، وفيه دليل على أن تلك عادة لهم (¬3). (معنا إِداوة): -بكسر الهمزة-: آنية للماء كالمطهرة. (يعني: يستنجي به (¬4)): هذا من قول أبي الوليد شيخ البخاري، كذا قاله الإسماعيلي، وقدح بذلك في تبويب البخاري (¬5)، يريد: أن الماء يحتمل أن يكون للاستنجاء، أو للوضوء، فلا دليل فيه على الترجمة. قلت: وليس بقادح؛ إذ لو لم تكن الفائدة (¬6) مذكورة؛ لكان (¬7) في الحديث إشارة ترشد إلى أن المقصود [بالإداوة: الاستنجاء؛ إذ لو كان ¬

_ (¬1) "حسنة" ليست في "ن". (¬2) في جميع النسخ عدا "ع": "الفقراء". (¬3) في "م": "لهما"، والمثبت من النسخ الأخرى. (¬4) في "ع": "منه". (¬5) انظر: "التنقيح" (1/ 92). (¬6) في جميع النسخ عدا "ع": "العناية". (¬7) في "ج": "إذ كان".

باب: حمل العنزة مع الماء في الاستنجاء

المقصود] (¬1) الوضوء، لما احتاجا إلى (¬2) أن يجيئاه (¬3) بها، بل كان هو يجيئها (¬4) إلى مكانها (¬5)؛ فإنه لا معنى للإبعاد في نفس الوضوء، كذا قال ابن المنير، فتأمله. * * * باب: حملِ العَنَزَة مع الماء في الاستنجاءِ 129 - (152) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبي مَيْمُونة: سَمِعَ أَنس بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْخُلُ الْخَلاَءَ، فَأَحْمِلُ أَناَ وَغُلاَمٌ إِداوَةً منْ مَاءٍ، وَعَنَزَةً، يَسْتَنجِي بِالْمَاءِ. تَابَعَهُ النَّضْرُ وَشَاذَانُ عَنْ شُعْبَةَ. الْعَنَزَةُ: عَصًا عَلَيْهِ زُجٌّ. (وعَنَزَة): -بتحريك الثلاثة-؛ أي: عكازة، أو عصًا (¬6). (شاذان): بشين وذال معجمتين. * * * ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬2) "إلى" ليست في "ن". (¬3) في "ع": "يجيئه". (¬4) "يجيئه" زيادة من "ع". (¬5) في جميع النسخ عدا "ع": "مكانهما". (¬6) في "ع": "عصاة".

باب: النهي عن الاستنجاء باليمين

باب: النَّهي عن الاستنجاءِ باليمينِ 130 - (152) - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ -هُوَ الدَّسْتَوَائيُّ-، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ، فَلاَ يَتَنَفَّسْ فِي الإنَاءِ، وَإِذَا أتى الْخَلاَءَ، فَلاَ يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينهِ، وَلاَ يتَمَسَّحْ بِيَمِينهِ". (الدَّسْتَوائي): بدال مهملة مفتوحة فسين مهملة ساكنة فمثناة من فوق مفتوحة فواو فألف ممدودة، ويقال: بنون بعد ألف (¬1) بدل الهمزة. (فلا يمس ذكره بيمينه): النهيُ للتنزيه؛ خلافًا للظاهرية، وقد صرح بعض الشافعية في ذلك بالتحريم. * * * باب: الاستنجاءِ بالحجارةِ 131 - (155) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو ابْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو الْمَكِّيُّ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: اتَّبَعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وَخَرَجَ لِحَاجَتِهِ، فَكَانَ لاَ يَلْتَفِتُ، فَدَنوتُ مِنْهُ، فَقَالَ: "ابْغِنِي أَحْجَارًا أَسْتَنْفِضْ بِهَا -أَوْ نحوَهُ-، وَلاَ تَأْتِنِي بِعَظْمٍ، وَلاَ رَوْثٍ"، فَأتيْتُهُ بِأَحْجَارٍ بِطَرَفِ ثِيَابِي، فَوَضَعْتُهَا إِلَى جَنْبِهِ، وَأَعْرَضْتُ عَنْهُ، فَلَمَّا قَضَى، أتبَعَهُ بِهِنَّ. (ابغني): بهمزة وصل؛ أي: اطلُبْ لي، ولو كان بقطع الهمزة، لكان ¬

_ (¬1) في "ن" و "ع": "الألف".

باب: لا يستنجى بروث

معناه: أَعِنِّي على (¬1) الطلب، والمراد: الأولُ. (أستنفضْ): قال الفراء: كذا روي أستفعِلْ؛ من النفض، وهذا موضع أستنظف؛ من النظافة (¬2). وقال المازري: الاستنفاض: الاستخراج، ويكنى به عن الاستنجاء (¬3)، وهو المراد هنا. وقال أبو الفرج: أي: أُزيل (¬4) عني الأذى، وأراد: الاستجمار؛ لأن المستجمر ينفض عن نفسه (¬5) أذى الحدث بالحجارة (¬6). * * * باب: لا يُستنجى برَوثٍ 132 - (156) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِى إسْحَاقَ، قَالَ: لَيْسَ أَبُو عُبَيْدَةَ ذَكَرَهُ، وَلَكِنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ: أَنهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ يَقُولُ: أَتَى النبي - صلى الله عليه وسلم - الْغَائِطَ، فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ، فَوَجَدْتُ حَجَرَيْنِ، وَالْتَمَسْتُ الثَّالِثَ فَلَم أَجِدْهُ، فَأَخَذْتُ رَوْثَةً، فَأتيْتُهُ بِهَا، فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ، وَألقَى الرَّوْثَةَ، وَقَالَ: "هَذَا رِكْسٌ". (وقال: هذا ركس): أي: نجس أو قذر، وعند أبي ذر: "ركسٌ" ¬

_ (¬1) في "ج": "عن". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 93). (¬3) عزاه في "الفتح" (1/ 256) و"عمدة القاري" (2/ 299) إلى المطرزي. (¬4) في "ج": "أزال". (¬5) "عن نفسه" ليست في "ن" و"ع". (¬6) انظر: "غريب الحديث" لابن الجوزي (2/ 427)، و "التنقيح" (1/ 93).

باب: الوضوء مرة مرة

-بالكاف-؛ أي: رَدٌّ عليكَ؛ من قوله تعالى: {أُرْكِسُوا فِيهَا} [النساء: 91]، وقيل (¬1): رجيع (¬2)؛ أي: ردّ من حال الطهارة إلى حال النجاسة. قال ابن المنير: ووجهُ إتيانه بالروثة بعدَ أمره بالأحجار: أنه قاسَ الروثَ (¬3) على الحجر بجامع الجمود، فقطع - عليه السلام - قياسَه بالفرق، أو بإبداء المانع، ولكنه ما قاسه (¬4) إلا لضرورة عدم المنصوص عليه. * * * باب: الوُضوءِ مرةً مرةً 133 - (157) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيانُ، عَنْ زيدٍ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: تَوَضَّأَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مرَّةً مَرَّةً. (توضأ النبي - صلى الله عليه وسلم - مرة مرة): استدل به ابن بطال على طهورية الماء المستعمل بناء على أن (¬5) الماء يكون مستعملًا بملاقاة (¬6) أول جزء من العضو، ثم يمر وهو مستعمل، فيجزئ، وهذا غلط، فإن المراد ¬

_ (¬1) في "ن": " {أُرْكِسُوا فِيهَا}؛ أي: رُدُّوا وقيل"، وفي "ع" و "ج": {أُرْكِسُوا فِيهَا}: رُدوا، وقيل". (¬2) في "ج": "رجع". (¬3) في "ن": "الروثة". (¬4) في "ن" و"ع": "قاس". (¬5) "أن" ليست في "ن". (¬6) في "ع": "ملاقاة".

باب: الوضوء ثلاثا ثلاثا

بالمستعمل: ما انفصل عن (¬1) العضو بعد كمال [طهارته، أو بعد كمال] (¬2) طهارة الأعضاء كلها، ثم لا معنى لتخصيص (¬3) الاستدلال بحديث المرة. * * * باب: الوضوءِ ثلاثًا ثلاثًا 134 - (159) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأُوَيْسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ: أَنَّ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّان: دَعَا بإنَاءٍ، فَأَفْرَغَ عَلَى كفَّيْهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ، فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الإنَاءِ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا، وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلاَثَ مِرَارٍ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى ركْعَتَيْنِ لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". (نحو وضوئي): التقدير: من توضأ وضوءًا نحوَ وضوئي هذا. (لا يحدث فيهما (¬4) نفسه): زاد (¬5) الطبراني (¬6) في "معجمه الكبير": ¬

_ (¬1) في "ع": "من". (¬2) ما بين معكوفتين سقط من "ن" و "ج". (¬3) في "ن" و"ع": "لتخصيصه". (¬4) في "م": "فيها". (¬5) في "ج": "رواه". (¬6) في "ع": "الطبري" وهو خطأ.

"إلا بخير (¬1) " (¬2). قال ابن المنير: وانظر، لو أكثر من حديث النفس، ولم يجاهدها في الإقبال على الصلاة، واقتضى ذلك إحباط أجره، فهل يقتضي ذلك إحباط الإجزاء، ويكون كمن (¬3) لم يصل؟ وانظر فيمن حدث نفسه حديث العزم على المعصية وهو في الصلاة، هل يكون ذلك مبطلًا لصلاته؟ * * * 135 - (160) - وَعَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ صَالح بْنُ كيْسَانَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَكِنْ عُرْوَةُ يُحَدِّثُ عَنْ حُمرَانَ: فَلَمَّا تَوَضَّأَ عُثْمَانُ، قَالَ: أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا لَوْلاَ آيَةٌ مَا حَدَّثتكُمُوه؟ سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لاَ يَتَوَضَّأُ رَجُلٌ يُحْسِنُ وُضُوءَهُ، وَيُصَلِّي الصَّلاَةَ، إلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلاَةِ حَتَّى يُصَلِّيَهَا". قَالَ عُرْوَةُ: الآيَةُ: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ} [البقرة: 159]. (لا يتوضأ رجل فيحسنُ): -بالرفع-، وروي: "يحسن (¬4) " بلا فاء. * * * ¬

_ (¬1) في "ن": "إلا من بخير". (¬2) رواه الطبراني في "الأوسط" (5/ 169)، و"الصغير" (2/ 46)، ولم أجده في "الكبير". (¬3) في "ن": "لمن". (¬4) "يحسن" ليست في "ج".

باب: الاستنثار في الوضوء

باب: الاستنثارِ في الوُضوءِ 136 - (161) - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبدُ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونس، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيسَ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ تَوَضَّأ فَلْيَسْتَنْثِرْ، وَمَنِ استَجْمَرَ فَلْيُوترْ". (عبْدان): بعين مهملة مفتوحة فموحدة ساكنة، غير مصروف. (فليستنثر): يستفْعِل؛ من النثر، وهو رميُ الماء من الأنف بعد استنشاقه. قال الخطابي: مأخوذ من النَّثْرَة، وهي الأنف (¬1). * * * باب: الاِستِجمَارِ وِتْرًا (باب: الاستجمار وترًا): قال ابن المنير: لما كان هذا الفعل يتعلق بمزيل ومُزال (¬2)، [اشتق اسمه تارة من المزيل، وهو الاستجمار، وتارة من المزال] (¬3)، وهو الاستنجاء. 137 - (162) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدكمْ، فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ، ثُمَّ لِيَنْثُرْ، وَمَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوترْ، وَإِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدكمْ مِنْ نَوْمِهِ، فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئه؛ فَإِنَّ أَحَدكُمْ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُه". ¬

_ (¬1) انظر: "غريب الحديث" للخطابي (1/ 136)، و"التنقيح" (1/ 94). (¬2) في "ج": "بمزيد ويزال". (¬3) ما بين معكوفتين سقط من "ج".

(فليجعل في أنفه): أي (¬1): ماء، فحذفه للعلم به، وقد ثبت في بعض النسخ. (ثم ليستنثر): من الاستنثار -كما تقدم-، وفي بعضها: "ثم (¬2) لينتثر" يفتعل، بدون سين. (فإن أحدكم): في إضافة ذلك إلى المخاطبين إشارة إلى مخالفة نومه - عليه السلام - لذلك؛ فإن عينه تنام ولا ينام قلبه (¬3). (أين باتت يده): تأتي بات بمعنى: نزل ليلًا، وبمعنى: اقتران الفعل بالليل. وحكى الزمخشري: أنها تكون بمعنى صار، وكذا ابن حزم، ولذا (¬4) أوجب غسل اليد من نوم النهار، وهو مما خُطئ فيه، وممن جعلها في الحديث بمعنى صار: الأُبَّدِيُّ (¬5)، وابنُ بَرهان (¬6)، وغيرهما. قال ابن المنير: وفيه دليل على أن الماء القليل ينجُس بالنجاسة ¬

_ (¬1) "أي" ليست في "ج". (¬2) "ثم" ليست في "ن". (¬3) رواه البخاري (1147)، ومسلم (738) من حديث عائشة رضي الله عنها، وفيه: "يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي". (¬4) في "ن" و "ج": "وكذا". (¬5) في "ج": "من نُحاة الأندلس". (¬6) في "ج": "بفتح الباء غير مضمومة، وهو من نُحاة البصريين".

باب: غسل الأعقاب

اليسيرة التي لا تغيره (¬1)؛ فإنا نعلم أن الذي عساه أن يعلق (¬2) باليد، ويخفى عن الحس، ويقال فيه: لا يدري أين باتت يده، لا يغير شكل الماء، وقد احتاط له مع الاحتمال، فكيف لا ينجس به إذا تيقنه؟! قلت: يمكن التفريق بين حالتي التوهُّم واليقين؛ بأن تثبت عندَ اليقين زيادةٌ في رتبة الكراهة لم تكن ثابتةً عند التوهم، فلم يلزم أن يكون أثر اليقين النجاسةَ ولا بدَّ. * * * باب: غَسلِ الأعقابِ 138 - (165) - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَكَانَ يَمُرُّ بِنَا وَالنَّاسُ يَتَوَضَّؤُونَ مِنَ المِطْهَرَةِ، قَالَ: أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ؛ فَإِنَّ أَبَا الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النارِ". (من المِطهرة): بكسر الميم. * * * باب: غَسْلِ الرِّجلين في النَّعلين، ولا يمسحُ على النَّعلين 139 - (166) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالكٌ، عَنْ ¬

_ (¬1) في "ن": "تغير". (¬2) في "ج": "الذي عناه يتعلق".

سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْج: أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! رَأَيْتُكَ تَصْنعُ أَرْبَعًا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ يَصْنَعُهَا؟ قَالَ: وَمَا هِيَ يَا بْنَ جُرَيْجِ؟ قَالَ: رَأَيْتُكَ لاَ تَمَسُّ مِنَ الأَرْكَانِ إِلَّا الْيَمَانِيَيْن، وَرَأَيْتُكَ تَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ، وَرَأَيْتُكَ تَصبُغُ بِالصُّفْرَةِ، وَرَأَيْتُكَ إِذَا كُنْتَ بِمَكَّةَ أَهَلَّ النَّاسُ إِذَا رَأَوُا الْهِلاَلَ، وَلَمْ تُهِلَّ أَنْتَ حَتَّى كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ. فَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَمَّا الأَرْكَانُ: فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يمسُّ إِلَّا الْيَمَانِيَيْنِ، وَأَمَّا النِّعَالُ السِّبْتِيَّةُ: فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَلْبَسُ النَّعْلَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَعَر ويَتَوَضَّأُ فِيهَا، فَأَنَا أحُبُّ أَنْ ألبَسَهَا، وَأَمَّا الصُّفْرَةُ: فَإِنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصْبُغُ بِهَا، فَأَناَ أُحِبُّ أَنْ أَصْبُغَ بِهَا، وَأَمَّا الإهْلاَلُ: فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلتهُ. (إلا اليمانِيَيْنِ): بتخفيف الياء التي تلي النون. (السِّبتية): -بكسر السين المهملة-: كلُّ جلدٍ مدبوغ، وقيل: ما لا شعرَ عليه، وهو ظاهر جواب ابن عمر. (ويتوضأ فيهما (¬1)): هو ظاهر في استدلال البخاري به على غسل الرجلين في النعلين، وقال الإسماعيلي: فيه نظر (¬2). (يصبغ (¬3) بها): من الصباغ، وروي: "يصنع" -بالمهملة- من الصنع، ¬

_ (¬1) في البخاري: "فيها". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 95)، و"التوضيح" (4/ 206). (¬3) في "ن": "أصبغ".

والأظهر (¬1) كما قال (¬2) القاضي: أن المراد: صبغ الثياب، لا الشعر؛ فإنه لم ينقل عنه - عليه السلام - صبغ (¬3) شعره، وفي (¬4) أبي داود: "أنه - عليه السلام- كان يُصَفِّرُ لحيتَهُ بالوَرْسِ والزَّعفرانِ" (¬5). قلت: ويمكن حمله على أن ذلك كان مما (¬6) يتطيب به، لا أنه يصبغ بهما. وفي "الموطأ": "أن عبد الرحمن بن الأسود كان أبيضَ اللحية والرأس، فغدا ذاتَ يومٍ وقد حَمَّرَها، فقال له (¬7) القوم: هذا أحسنُ، فقال: إن (¬8) أمي عائشةَ زوجَ النبي - صلى الله عليه وسلم - أرسلت إليَّ البارحةَ جاريتَها نُخيلة، فأقسمتْ عليَّ لأصبغَنَّ، وأخبرتني أن أبا بكر كان يصبغ" (¬9). قال مالك: في هذا الحديث بيان أن رسول (¬10) الله - صلى الله عليه وسلم - لم (¬11) يصبغ، ¬

_ (¬1) في "ع": "وهو الأظهر". (¬2) في "ج": "قاله". (¬3) في "ج": "ويمكن حمله على أن ذلك صبغ". (¬4) في جميع النسخ عدا "ن": "وعن". (¬5) رواه أبو داود (4210) عن ابن عمر رضي الله عنهما، وانظر: "إكمال المعلم " (4/ 184). (¬6) في "ن" و"ع": "فيما". (¬7) "له" ليست في "ع". (¬8) "إن" ليست في "ن". (¬9) رواه مالك في "الموطأ" (2/ 949). (¬10) في "ج": "بيان لرسول". (¬11) في "ج": "أن".

باب: التماس الوضوء إذا حانت الصلاة

ولو صبغ، لأرسلت بذلك عائشة إلى عبد الرحمن بن الأسود (¬1). * * * باب: التماسِ الوضوءِ إذا حانتِ الصَّلاةُ 140 - (169) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَحَانَتْ صَلاَةُ الْعَصْرِ، فَالْتَمَسَ النَّاسُ الْوَضُوءَ فَلَمْ يَجدُوهُ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بِوَضُوءٍ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي ذَلِكَ الإنَاءِ يَدَهُ، وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَوَضَّؤُوا مِنْهُ، قَالَ: فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ أَصَابِعِهِ، حَتَّى تَوَضَّؤُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ. (فالتمس الناس الوَضوء): -بالفتح-: اسم للماء، كما مر. (يَنبُع): -بفتح أوله وتثليث ثالثه- لغات ثلاث (¬2). * * * باب: الْمَاءِ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ شَعَرُ الإنْسَانِ وَكانَ عَطَاءٌ لاَ يَرَى بِهِ بَأْسًا: أَنْ يُتَّخَذَ مِنْهَا الْخُيُوطُ وَالْحِبَالُ، وَسُؤْرِ الْكِلاَبِ وَمَمَرِّهَا فِي الْمَسْجِدِ، وَقَالَ الزُّهْرِيّ: إِذَا وَلَغَ فِي إِناَءٍ لَيْسَ لَهُ وَضُوء غَيْرُه يَتَوَضَّأُ بِهِ. وَقَالَ سُفْيَانُ: هَذَا الْفِقْهُ بِعَينهِ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6]. وَهَذَا مَاءٌ، وَفِي النَّفْسِ مِنْهُ شَيْءٌ، ¬

_ (¬1) في "ع": "لأرسلت عائشة إلى عبد الرحمن بن الأسود بذلك". (¬2) في "ع": "ثلاث لغات".

يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَتَيَمَّمُ. (وسؤرِ الكلب (¬1)): -مهموز- مجرور بالعطف على الماءِ الذي أُضيف إليه باب، فهو من (¬2) بقية الترجمة. * * * 141 - (170) - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: قُلْتُ لِعَبِيدَةَ: عِنْدَناَ مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أَصَبْنَاهُ مِنْ قِبَلِ أَنسٍ، أَوْ مِن قِبَلِ أَهْلِ أَنسٍ، فَقَالَ: لأَنْ تَكُونَ عِنْدِي شَعَرَةٌ مِنْهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِن الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. (لعَبيدة): بفتح العين المهملة. * * * 142 - (173) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَن ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ أَبِي صَالح، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَّ رَجُلًا رَأَى كَلْبًا يأكل الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَأَخَذَ الرَّجُلُ خُفَّهُ، فَجَعَلَ يَغْرِفُ لَهُ بِهِ حَتَّى أَرْوَاهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ". (الثرى (¬3)): -بمثلثة (¬4) مقصورة-: الترابُ النَّدِيُّ. * * * ¬

_ (¬1) في "ن": "الكلاب". (¬2) من "ليست في "ج". (¬3) في "ن": "الثوري". (¬4) في "م" و "ن": "بمثلة"، وفي "ج": "مثلثة"، والمثبت من "ع".

143 - (174) - وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَاب، قَالَ: حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أبِيهِ، قَالَ: كَانَتِ الْكِلاَبُ تبول، وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجدِ، فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. (وقال أحمد بن شبيب (¬1)): هذا (¬2) من شيوخ البخاري، ولم يصرح بسماعه منه هنا، وإنما علقه بصيغة الجزم، فيفيد صحته عنده، لكن هل يُحمل على سماعه منه، أو (¬3) لا؟ في كلام ابن الصلاح: أن حكمَ "قالَ" في ذلك حكمُ "عن"، وأنه محمول على الاتصال (¬4)، ثم مثل في موضع آخر لتعاليق البخاري بأمثلة ذكر منها شيوخه؛ كالقعنبي (¬5)، فاضطرب كلامه (¬6)، والمختار: أن حكمه كغيره؛ إذ يحتمل عدم (¬7) سماعه من شيخه الذي علق عنه (¬8). (كانت الكلاب تُقبل وتُدبر): وفي أبي داود عن ابن عمر زيادة: "تبول" (¬9). ¬

_ (¬1) في "م": "شيب"، والمثبت من النسخ الأخرى. (¬2) في "ع": "هو". (¬3) في "ج": "و". (¬4) انظر: "مقدمة ابن الصلاح" (ص: 36). (¬5) انظر: "مقدمة ابن الصلاح" (ص: 10). (¬6) دفَع الحافظ ابن جر في "النكت على ابن الصلاح" (1/ 235) هذا الاعتراض، وبين وجهَ الصواب في قوله. (¬7) في "ج": "أو يحتمل عن ابن عمر زيادة إلى عدم". (¬8) في "ن" و "ع": "عليه". (¬9) رواه أبو داود (382). قلت: هذه الزيادة موجودة في نص البخاري.

باب: من لم ير الوضوء إلا من المخرجين: من القبل والدبر وقول الله تعالى: {أو جاء أحد منكم من الغائط} [النساء: 43]

قال ابن المنير: وهي تعكر على الاستدلال بتمكينها (¬1) من المسجد على طهارتها؛ إذ لا خلاف في نجاسة بولها. * * * 144 - (175) - حَدثنا حَفْصُ بْنُ عمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عنِ ابْنِ أَبي السَّفَرِ، عنِ الشَّعْبِيِّ، عنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمِ، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ، فَقَتَلَ، فَكُلْ، وإذا أكَلَ، فَلاَ تَأكلْ، فَإِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ". قُلْتُ: أُرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ؟ قَالَ: "فَلاَ تأكُلْ؛ فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كلْبِكَ، وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى كلْبٍ آخَرَ". (إذا أرسلتَ كلبك المعلَّم، فقتلَ، فكلْ): قال ابن المنير: والعجب أن مذهب الشافعية: أن السكين إذا سُقيت بماء نجس، نجست (¬2) الذبيحة، فأين ذلك من ناب الكلب النجسِ العينِ عندَهم، وقد أجمعنا على أن ذكاته شرعية لا تنجس المذكي. * * * باب: مَنْ لَمْ يَرَ الْوُضُوءَ إِلَّا مِنَ الْمَخْرَجَيْنِ: مِنَ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43] وَقَالَ عَطَاءٌ -فِيمَن يَخْرُجُ مِنْ دُبُرِهِ الدُّودُ، أَوْ مِنْ ذَكَرِهِ نَحْوُ الْقَمْلَةِ-: يعيد الوضوء. ¬

_ (¬1) في "ن" و "ع" و "ج" ": "بتمكنها". (¬2) في "ع": "تنجست".

وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: إِذَا ضَحِكَ فِي الصَّلاَةِ، أَعَادَ الصَّلاَةَ، وَلَمْ يُعِدِ الْوُضُوءَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنْ أَخَذَ مِنْ شَعَرِهِ وَأَظْفَارِه، أَوْ خَلَعَ خُفَّيهِ، فَلاَ وُضُوءَ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لاَ وُضُوءَ إِلَّا مِنْ حَدَثٍ. وَيُذْكَرُ عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ، فَرُمِيَ رَجُلٌ بِسَهْمِ، فَنَزَفَهُ الدَّمُ، فَرَكعَ وَسَجَدَ، وَمَضَى فِي صَلاَتِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: مَا زَالَ الْمُسْلِمُونَ يُصَلونَ فِي جِرَاحَاتِهِمْ. وَقَالَ طَاوُسٌ، وَمُحَمدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَعَطَاء، وَأَهْلُ الْحِجَازِ: لَيْسَ فِي الدَّمِ وُضُوء. وَعَصَرَ ابْنُ عُمَرَ بثْرَةً، فَخَرَجَ مِنْهَا الدَّمُ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. وَبَزَقَ ابْنُ أَبي أَوْفَى دَمًا، فَمَضَى فِي صَلاَتِهِ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَالْحَسَنُ فِيمَنْ يَحْتَجمُ: لَيْسَ عَلَيْهِ إِلا غَسْلُ مَحَاجِمِهِ. (فرُمي رجل بسهم): هو (¬1) عَبَّادُ بنُ بِشْر. قال ابنُ بشكوال: وقيل: هو عمارة بن حزم، قال: وكونهُ عبادًا أثبتُ (¬2). (فنزفه الدمُ): أي: خرج منه دم كثير حتى ضَعُفَ، كذا في "الصحاح" (¬3). ¬

_ (¬1) في "ج": "وهو". (¬2) انظر: "غوامض الأسماء المبهمة" (1/ 439). (¬3) انظر: "الصحاح" للجوهري (4/ 1431)، مادة: (ن ز ف).

وقال السفاقسي: كذا رويناه، والذي عند أهل اللغة: نُزِفَ دمه، على البناء لما لم يسم فاعله (¬1). (بَثرَة): -بإسكان الثاء المثلثة بعد الموحدة المفتوحة-: واحد (¬2) البثور، وهي خُرَّاجٌ صغارٌ. * * * 145 - (179) - حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبي سَلَمَةَ: أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ: أَنْ زيدَ بْنَ خَالِدٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَأَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِذَا جَامَعَ فَلَمْ يُمْنِ؟ قَالَ عُثْمَانُ: يَتَوَضَّأُ كمَا يَتَوَضَّأُ لِلصلاَةِ، وَيَغْسِلُ ذَكَرَهُ. قَالَ عُثْمَانُ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ عَلِيًّا، وَالزُّبَيْرَ، وَطَلْحَةَ، وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم-، فَأَمَرُوهُ بِذَلِكَ. (إذا جامع ولم يمن، قال عثمان: يتوضأ كما يتوضأ للصلاة، ويغسل ذَكَرَه): لا شك أن الإجماع قد استقرَّ على خلافه، فهو منسوخ إذًا، فكيف استدل به البخاري؟ وأجاب ابن المنير: بأن النسخ لا يُغير مقصودَ الاستدلال؛ لأن المنسوخ أُحيل فيه الوضوء [على المذي، وهو خارج من المخرج، والناسخ أُحيل الغسلُ فيه (¬3)] (¬4) على المني، فجعل الإيلاج مظنة ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (4/ 265). (¬2) في "ن" و "ع": "واحدة". (¬3) في "ع": "أحيل فيه الغسل". (¬4) ما بين معكوفتين سقط من "ج".

عليه (¬1)، وهو أيضًا خارج من المخرج، فما تعدى الحكم فيهما عن المخرج، وهو مقصود الاستدلال، هكذا قال (¬2)، فتأمله. * * * 146 - (180) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا النَّضْرُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَم، عَنْ ذَكوَانَ أَبِي صَالح، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَرْسَلَ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَجَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَعَلَّنَا أَعْجَلْنَاكَ؟ "، فَقَالَ: نعمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أُعْجلْتَ، أَوْ قُحِطْتَ، فَعَلَيْكَ الْوُضُوءُ". تَابَعَهُ وَهْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبةُ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَلَمْ يَقُلْ غُنْدَرٌ، وَيَحْيىَ عَنْ شُعْبة: "الْوُضُوءُ". (أرسل إلى رجل من الأنصار): هو صالح الأنصاري، ذكره عبد الغني بن سعيد (¬3). وحكى ابنُ بَشْكَوال قولًا آخر: أنه رافعُ بنُ خَديج (¬4). (إذا أُعْجِلت): بالبناء للمجهول (¬5). (أو قُحَطت): أي: فَتَرْتَ ولم تُنزل. ¬

_ (¬1) في "ع": "عنده". (¬2) "قال" ليست في "ن". (¬3) في "ع": صالح الأنصاري - رضي الله عنه -، ذكره عبد الغني بن سعد بن سعيد. (¬4) انظر: "غوامض الأسماء المبهمة" لابن بشكوال (1/ 378)، و"التوضيح" (4/ 276). (¬5) في "ع" و"ج": "بالبناء للمفعول".

باب: الرجل يوضيء صاحبه

قال السفاقسي (¬1): رويناه -بفتح الحاء-، وروي: -بكسرها-، وهكذا وقع ثلاثيًّا، والذي ذكر صاحبُ "الأفعال"، والهَرَويّ: أقحط: إذا أَكْسَلَ (¬2). قلت: وفي "المشارق": روي: "أُقْحِطت" بضم الهمزة (¬3) (¬4). (فعليك الوضوء): -بالرفع- على الابتداء، وما قبلَه خبرُه، و -النصب- على الإغراء. * * * باب: الرَّجلِ يوضِّيءُ صاحبَه 147 - (181) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زيدٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: لَمَّا أفاضَ مِنْ عَرَفَةَ، عَدَلَ إِلَى الشِّعْبِ، فَقَضَى حَاجَتَهُ. قَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ: فَجَعَلْتُ أَصُبُّ عَلَيْهِ وَيَتَوَضَّأُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أتُصَلِّي؟ فَقَالَ: "الْمُصَلَّى أَمَامَكَ". (فجعلت أصبُّ عليه ويتوضأ): قيل: أورده البخاري دليلًا على أنه يجوز للرجل أن يُوَضِئه غيرهُ، ووجهُه أنه لزمَ المتوضيء اغترافُ الماء لأعضائه، وجاز أن يكفيه غيرُه، والاغترافُ بعض الوضوء، فكذا ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 97). (¬2) في "ع" و "ج": "كسل". وانظر: "الأفعال" لابن القطاع (3/ 14)، و"التوضيح" لابن الملقن (4/ 277). (¬3) "الهمزة" ليست في "ج". (¬4) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 172).

باب: قراءة القرآن بعد الحدث وغيره

يجوز سائرُ الوضوء. ورده ابن المنير: بأن الاغتراف ليس بعض الوضوء، إنما (¬1) هو بعضُ وسائله، ولا عبرة بالوسائل، ألا تراه (¬2) لو اغترف، ثم نوى والماءُ بكفه (¬3)، أجزأه؟ ولو كان بعض الوضوء، لزمَ تقدمُ العمل على النية. * * * باب: قراءةِ القرآنِ بعد الحدثِ وغيره 148 - (183) - حَدَّثَنا إِسْمَاعِيلُ، قالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عن مَخْرَمَةَ ابْنِ سُلَيْمَانَ، عن كُرَيْبٍ مَوْلَى ابنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّه بَاتَ ليلةً عِنْدَ مَيْمُونة زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَهِيَ خَالتهُ، فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ الْوِسَادَةِ، وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَهْلُهُ فِي طُولهَا، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ، أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ، أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ، اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَلَسَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ الآيَاتِ الْخَوَاتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ، فَتَوَضَّأَ مِنْهَا، فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ، فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي، وَأَخَذَ بِأُذُنِي الْيُمْنَى يَفْتِلُهَا، فَصَلَّى ركْعَتَيْنِ، ثُمَّ ركْعَتَيْنِ، ثُمَّ ركعَتَيْنِ، ثُمَّ ركعَتَيْنِ، ثُمَّ ركْعَتَيْنِ، ثُمَّ ؤكعَتَيْنِ، ثُمَّ أَوْتَرَ، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى أتاهُ الْمُؤَذِّنُ، فَقَامَ ¬

_ (¬1) في "ع" و "ج": "وإنما". (¬2) في "ج": "ترى". (¬3) في "ع": "بكفيه".

باب: من لم يتوضأ إلا من الغشي المثقل

فَصَلَّى ركعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ. (فاضطجعتُ في عُرض الوسادة): -بضم العين- بمعنى (¬1) الجانب، -وبالفتح- ضد الطول. ونازعه الإسماعيلي في الاستدلال بالحديث على أن الوضوء للحدث؛ فإن (¬2) نوم النبي - صلى الله عليه وسلم - لا ينقض وضوءه (¬3)، وتبعه ابن المنير. قلت: في (¬4) هذا الحديث: (واضطجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهله في طولها): ومضاجعته لأهله في فراش واحد مَظِنَّةٌ لجوَلان (¬5) اليد والمباشرة، فالظاهر (¬6) أنه كان ثَمَّ منه لمسٌ لأهله (¬7)، فلعل البخاري اعتمدَ على أن الناقض حصل من هذه الحيثية بناء على ظاهر الحال، لا على (¬8) أن نومه حَدَث. * * * باب: مَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ إِلَّا مِنَ الْغَشْيِ الْمُثْقِلِ (الغَشْي): تقدم ضبطه. ¬

_ (¬1) في "ع": "يعني". (¬2) في "ن": "قال". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 97). (¬4) في "ج": "وفى". (¬5) في "ج": "من أهله". (¬6) في "ن": "والظاهر". (¬7) في "ج": "من أهله". (¬8) في "ج": "من على".

(المثقِل (¬1)): -بكسر القاف-: اسمُ (¬2) فاعل من أثقله (¬3) الغَشْيُ. * * * 149 - (184) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنِ امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ، عَنْ جَدَّتِهَا أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبي بَكْرٍ: أنَّهَا قَالَتْ: أتيْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ يُصَلُّونَ، وإذَا هِيَ قَائِمَةٌ تُصَلِّي، فَقُلْتُ: مَا لِلنَّاسِ؟ فَأَشَارَتْ بِيَدِهَا نَحْوَ السَّمَاءِ، وَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ! فَقُلْتُ: آيَةٌ؟ فَأَشَارَتْ؟ أَيْ: نعَمْ، فَقُمْتُ حَتَّى تَجَلَّانِي الْغَشْيُ، وَجَعَلْتُ أَصُبُّ فَوْقَ رَأْسِي مَاءً، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، حَمِدَ اللَّهَ، وَأثنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "مَا مِنْ شَيْءٍ كُنْتُ لَمْ أَرَهُ إِلَّا قَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا، حَتَّى الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَكمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ مِثْلَ -أَوْ قَرِيبًا مِنْ- فِتْنَةِ الدجَّالِ -لاَ أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ-، يُؤْتَى أَحَدُكُمْ فَيُقَالُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ أَوِ الْمُوقِنُ -لاَ أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ-، فَيَقُولُ: هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، جَاءَناَ بِالْبيِّنَاتِ وَالْهُدَى، فَأَجَبْنَا وَآمَنَّا وَاتَّبَعْنَا، فَيُقَالُ: نمْ صَالِحًا، فَقَدْ عَلِمْنَا إِنْ كنْتَ لَمُؤْمِنًا. وَأَمَّا الْمُنَافِقُ، أَوِ الْمُرْتَابُ -لاَ أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ-، فَيقُولُ: لاَ أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا، فَقُلْتُهُ". (فأشارت أن نعم): -بالنون-، وفي بعض النسخ: "أَيْ" بآخر الحروف. ¬

_ (¬1) في "ع": "المثقلة". (¬2) "اسم" ليست في "ج". (¬3) في "ج": "ثقله".

باب: مسح الرأس كله

باب: مسح الرأسِ كلِّهُ 150 - (185) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ يُوسفَ، قالَ: أَخْبَرَنَا مَالِك، عَنْ عَمرِو بْنِ يَحْيَى المَازِنيِّ، عَنْ أَبيهِ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَبْدِ اللهِ بنِ زَيْدٍ، وَهْوَ جَدُّ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى: أتسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَني كيْفَ كَانَ رَسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يتَوَضَّأُ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زيدٍ: نعَمْ، فَدَعا بِمَاءٍ، فَأَفْرغ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلاَثًا، ثُمَّ غسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا، ثُمَّ غسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ، ثُمَ غسَلَ رِجْلَيْهِ. (أن رجلًا قال لعبد الله بن زيد، وهو جدُّ عمرِو بنِ يحيى): الضمير في "وهو جد عمرو بن يحيى" [عائد على الرجل القائل. قال الدمياطي: وكونُه جدَّ عمرِو بنِ يحيى] (¬1) ليس بصحيح، بل هو عَمُّ أبيه. وقد وهم في ذلك بأن (¬2) الضمير عائد على عبد الله بن زيد، وهو جدُّ عمرِو بنِ يحيى لأمه، قاله (¬3) في "تهذيب الكمال" (¬4). ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬2) في "ع": "لأن"، وفي "ج": "أن". (¬3) في "ج": "يحيى لأنه قال". (¬4) انظر: (22/ 295). قلت: قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (1/ 290): وأما قولُ صاحب الكمال ومن تبعه في ترجمة عمرو بن يحيى أنه ابنُ بنتِ عبد الله بن زيد، فغلط توهمه من هذه الرواية.

باب: غسل الرجلين إلى الكعبين

باب: غَسل الرِّجلينِ إلى الكعبينِ 151 - (186) - حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْب، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أبِيهِ: شَهِدْتُ عَمْرَو بْنَ أَبي حَسَنٍ: سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زيدٍ، عَنْ وُضُوءِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَدَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ، فَتَوَضَّأَ لَهُمْ وُضُوءَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأكفَأَ عَلَى يَدِهِ مِنَ التَّوْرِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلاَثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي التَّوْرِ، فَمَضْمَض وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ، ثَلاَثَ غَرَفَاتٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَمَسَحَ رَأْسَهُ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ غَسلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ. (فدعا بِتَوْر): -بالمثناة من فوق (¬1) -: إناء يُشرب فيه، قاله الجوهري (¬2). وحكى ابن سِيْده خلافًا في كونه عربيًّا أو دخيلًا (¬3). (فأكفأ على يده (¬4)): كفأتُ الإناء: قَلَبْتُه، وأكفَأْتُه لغةٌ، قاله الجوهري (¬5)، واستشكله في "شرح الإلمام" (¬6)؛ لأن الإفاء للإناء لا للماء، ¬

_ (¬1) في "ع": "بالتاء المثناة من فوق". (¬2) انظر: "الصحاح" (2/ 602)، (مادة: ت ور). (¬3) انظر: "المحكم" لابن سيده (9/ 530). (¬4) في "ع": "يديه". (¬5) انظر: "الصحاح" (1/ 68) (مادة: ك ف أ)، و "التنقيح" (1/ 98). (¬6) انظر: "شرح الإلمام" لابن دقيق (3/ 567).

باب: استعمال فضل وضوء الناس وأمر جرير بن عبد الله أهله أن يتوضؤوا بفضل سواكه

والمفرَغُ الذي يُفيضه (¬1) من الإناء (¬2) على يده هو الماء، ولا يكفأ. * * * باب: اسْتِعْمَالِ فَضْلِ وَضُوءِ النَّاسِ وَأَمَرَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَهْلَهُ أَنْ يَتَوَضَّؤُوا بِفَضْلِ سِوَاكِهِ (بفضل سواكه): أي: ما بلَّ فيه السواك (¬3). قال الزركشي: وأراد (¬4) البخاري بأحاديث هذا الباب طهارةَ الماء المستعمل رَدًّا (¬5) على من قال بتنجيسه نجاسة حُكْمِيَّة، ولا دليل فيه إن جوز الطهارة به؛ لأن المذكور إنما هو التمسُّح به، والشربُ للبركة، ولا يختلف في جوازه (¬6). قلت: لو تنجس حكمًا، لم يُتَبَرَّكْ به؛ إذ التنجسُ مقتض للإبعاد، لا لحصول البركة. 152 - (188) - وقَالَ أَبُو مُوسى: دَعَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِقَدَحٍ فِيهِ مَاء، فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ فِيهِ، وَمَجَّ فيهِ، ثُمَّ قالَ لَهُمَا: "اِشْرَبَا مِنْهُ، وَأَفْرِغَا عَلَى وُجُوهِكُمَا وَنُحُورِكمَا". ¬

_ (¬1) في "ج": "يقتضيه". (¬2) في "ج": "لإناء". (¬3) في "ع" و"ج": "سواكه". (¬4) في "ن" و "ع": "أراد". (¬5) في "ع": "رادًّا". (¬6) انظر: "التنقيح" (1/ 98).

(ثم قال لهما: اشربا وأفرغا): الأول بهمزة وصل، والثاني بهمزة قطع * * * 153 - (190) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُونسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْجَعْدِ، قَالَ: سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: ذَهَبَتْ بِي خَالَتِي إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ ابْنَ أختِي وَجِعٌ، فَمَسَحَ رَأْسِي، وَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُؤئهِ، ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ، فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَم النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، مِثْلَ زِرِّ الْحَجَلَةِ. (وجِع): كذا لأكثر الرواة (¬1) -بالجيم المكسورة-، وذكرها البخاري في: المناقب؛ أي: به وجع (¬2) في رجليه، وفي رواية ابن السكن: "وَقِعٌ" -بالقاف-، وهو بمعنى الأول؟ أي: مشتكٍ (¬3) مريضٌ. (مثلِ زر الحجلة): قال الزركشي: -بجرِّ "مثل"- على النعت لـ "خاتم (¬4) النبوة" (¬5). قلت: مثل لا يتعرف بالإضافة. ¬

_ (¬1) في "ن" و "ع": "الروايات". (¬2) في "ع": "ووجع". (¬3) في "ج": "جسده". (¬4) في "ج": "خاتم". (¬5) انظر: "التنقيح" (1/ 98).

باب: من مضمض واستنشق من غرفة واحدة

و -بالنصب- على الحال؛ أي: مشبهًا لزرِّ الحجلة، وهي التي تُشد على حِجال العرائس من (¬1) الكِلَل والستور، ووَهِمَ مَنْ ظنها بيضةُ حَجَلِ الطير. * * باب: مَنْ مضمض واستنشق من غَرفة واحدة 154 - (191) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زيدٍ: أَنَّهُ أَفْرغَ مِن الإنَاءِ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ غَسَلَ -أَوْ مَضمَضَ وَاسْتَنْشَقَ- مِنْ كفَّةٍ وَاحِدَةٍ، فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلاَثًا، فَغَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَا أَقْبَلَ وَمَا أَدْبَرَ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا وُضُوءُ رَسولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. (من كُفَّةٍ واحدة): -بضم الكاف وفتحها-؛ كغُرْفَة وغَرْفَة؛ أي: ما ملأ كفَّه من الماء. * * * باب: وُضُوءِ الرَّجُلِ معَ امْرَأَتِهِ، وَفَضْلِ وَضُوء الْمَرْأَةِ، وَتَوَضَّأَ عُمَرُ بِالْحَمِيم، مِنْ بَيْتِ نَصْرَانِيَّةٍ (باب: وُضوء الرجل مع المرأة (¬2)): بضم الواو. ¬

_ (¬1) في "ن" و "ع": "في". (¬2) كذا وقع في نسخ الكتاب، وفي اليونينية: "امرأته"، وهي المعتمدة في النص.

باب: صب النبي - صلى الله عليه وسلم - وضوءه على مغمى عليه

(وفضل وَضوء المرأة): أي (¬1): ما (¬2) يفضل من وَضوئها، وهو بفتح الواو. (بالحميم (¬3)): بالماء المسخَّن، فَعيل بمعنى مفعول، ومنه سُمِّي الحَمَّام؛ لاستحمام (¬4) من يدخل فيه. * * * باب: صبِّ النبي - صلى الله عليه وسلم - وضوءَه على مُغْمى عليه 155 - (194) - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَليدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ: جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُنِي، وَأَناَ مَرِيضٌ لا أَعْقِلُ، فتوَضَّأَ وَصَبَّ عَلَيَّ مِنْ وَضُوئهِ، فَعَقَلْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَنِ الْمِيرَاثُ؟ إِنَّمَا يَرِثُنِي كَلاَلةٌ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الْفَرَائِضِ. (لا أَعْقِل): بكسر القاف. (فعقَلْتُ): بفتحها. * * * باب: الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ فِي الْمِخْضَبِ وَالْقَدَحِ وَالْخَشَبِ وَالْحِجَارَةِ (في المِخضب): -بميم مكسورة وخاء وضاد معجمتين-: قدح. ¬

_ (¬1) "أي" ليست في "ن" و "ع". (¬2) في "ع": "هو ما". (¬3) في "ج": "وبالحميم". (¬4) في "ج": "الاستحمام".

156 - (197) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زيدٍ، قَالَ: أتى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخْرَجْنَا لَهُ مَاءً فِي تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ، فتوَضَّأَ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا، وَيَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، فَأَقْبَلَ بِهِ وَأَدْبَرَ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ. (من صُفر): -بضم الصاد المهملة وكسرها-: النحاس، قاله ابن مالك في "مثلثه" (¬1). وفي "الصحاح": والصفر: -بالضم- الذي تُعمل منه الأواني، وأبو عبيد يقول: بالكسر (¬2). * * * 157 - (198) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ: أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ، اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ فِي أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي، فَأَذِنَّ لَهُ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ رَجُلَينِ، تَخُطُّ رِجْلاَهُ فِي الأَرْضِ، بَيْنَ عَبَّاسٍ وَرَجُلٍ آخَرَ. قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَأَخْبَرْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: أتَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الآخَرُ؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: هُوَ عَلِيٌّ، وَكَانَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- تُحَدِّثُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ بَعْدَ مَا دَخَلَ بَيْتَهُ، وَاشْتَدَّ وَجَعُهُ: "هَرِيقُوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ، لَمْ تُحْلَلْ أَوْكيتُهُنَّ، لَعَلِّي أَعْهَدُ إِلَى ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" لابن الملقن (4/ 334). (¬2) انظر: "الصحاح" (2/ 714) (مادة: ص ف ر).

باب: الوضوء من التور

النَّاسِ". وَأُجْلِسَ فِي مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ طَفِقْنَا نَصُبُّ عَلَيْهِ تِلْكَ، حَتَّى طَفِقَ يُشِيرُ إِلَيْنَا: "أَنْ قَدْ فَعَلْتُنَّ". ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ. (هَريقوا): أي: أَريقوا، وفي رواية: "أَهريقوا" (¬1) بهمزة مفتوحة (¬2). وجوز السفاقسي -فتح الهاء وإسكانها-، واستشكل الجمعَ بين الهمزة والهاء (¬3). (لم تُحلل أوكيتُهن): -جمع وِكاء-، وهو ما يربط به رأسُ السقاء، وإنما شرط ذلك مبالغةً في نظافة الماء، وكونِه مصونًا عن مخالطة الأيدي، ولعله خصَّ السبعَ تبركًا بأن (¬4) لها شأنًا في كثير من الأحوال. (ثم طفِقنا): -بكسر الفاء وفتحها-: شَرَعْنا. * * * باب: الوُضوءَ من التَّورِ 158 - (200) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنس: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ، فَأُتِيَ بِقَدح رَحْرَاحٍ، فِيهِ شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ، فَوَضَعَ أَصَابِعَهُ فِيهِ، قَالَ أَنسٌ: فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، قَالَ أَنسٌ: فَحَزَرْتُ مَنْ تَوَضَّأَ، مَا بَيْنَ السَّبْعِينَ إِلَى الثَّمَانِينَ. ¬

_ (¬1) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (4/ 254). (¬2) في "ن": "بهمزة والهاء". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 99). (¬4) في "ن" و "ع" و "ج": "لأن".

باب: الوضوء بالمد

(بقدح رَحْراح): -بمهملات أولها مفتوح وثانيها (¬1) ساكن-: واسعٍ قصيرٍ، وهو أبلغُ في المعجزة. * * * باب: الوضوءَ بالمُدِّ 159 - (201) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مِسْعَر، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ جَبْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنسًا يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَغْسِلُ، أَوْ: كَانَ يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ، وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ. (يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد): الصاعُ عند أهل المدينة خمسةُ أرطال وثلث، والمدُّ ربعُ الصاع رِطْل وثلث، وعند أهل العراق الصاعُ ثمانيةُ أرطال، والمدُّ رِطلانِ. ورجع أبو يوسف إلى الأول حين ناظره مالكٌ في زِنَةِ المد (¬2)، وأتى (¬3) بمدِّ أبناء المهاجرين والأنصار وراثةً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة (¬4). قال ابن المنير: انظر (¬5) هذه الأوزان من أي شيء هي؟ أمن الماء، أو التمر، أو البر، أو الشعير؟ وأوزانها تختلف، فليس وزن ملء المد برًّا كوزن (¬6) ¬

_ (¬1) في "ج": "وآخرها". (¬2) في "ج": "في رؤية المدينة". (¬3) في "ن" و "ع": "وأتاه". (¬4) رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/ 51). (¬5) في "ع": وانظر". (¬6) في "ن" و"ج": "لوزن".

باب: المسح على الخفين

ملئه (¬1) شعيرًا، فلا ينضبط قدرُ المدِّ حتى يُعلم الموزونُ ما كان، وقد قيل: إنه الماء؛ لأنه لا يعلو على رأس الكيل، بل يساويه، وإذا أضفنا علاوة الكيل إلى الكيل لم يتحرر، قالوا: فأصح ما عبر الماء (¬2). * * * باب: المسح على الخفَّينِ 165 - (252) - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ الْمِصْرِيُّ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرو: حَدَّثَنِي أبو النَّضْرِ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ. وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ: سَأَلَ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: نعمْ، إِذَا حَدَّثَكَ شَيْئًا سَعْد، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلاَ تَسْأَلْ عَنْهُ غيْرَهُ. وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: أَخْبَرَنِي أبو النَّضْرِ: أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ أَخْبَرَهُ: أَنَّ سَعْدًا، فَقَالَ عُمَرُ لِعَبْدِ اللَّهِ: نَحْوَهُ. (أَصْبَغ): -بهمزة مفتوحة فصاد مهملة ساكنة فموحدة مفتوحة فغين معجمة- لا ينصرف. (إذا حدثك شيئًا سعد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلا تسأل عنه (¬3) غيره): فيه أصل ¬

_ (¬1) في "ن"و "ع": "مثله". (¬2) في "ن": "أصح ما عبر به الماء"، وفي "ع": "فأصح ما عبر به الماء". (¬3) "عنه" ليست في "ن".

حسن في شرعيته للاستظهار (¬1) على البينة وعلى الرواية؛ فإنه (¬2) ليس كل واحد (¬3) يُستظهر عليه، فسعد ممن (¬4) لا يُستظهر عليه، وذلك أصل في تفاوت رتب العدالة، ودخول الترجيح في ذلك عند التعارض، قاله ابن المنير. * * * 161 - (203) - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ ناَفِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبيهِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ خَرَجَ لِحَاجَتِهِ، فَاتَّبَعَهُ الْمُغِيرَةُ بإداوَةٍ فِيهَا مَاءٌ، فَصَبَّ عَلَيْهِ حِينَ فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ، فتوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ. (فأتْبعه): -بهمزة قطع مفتوحة فمثناة من فوق ساكنة- من الإفعال، -وبهمزة (¬5) وصل وتشديد التاء- من الافتعال. * * * 162 - (204) - حدَّثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قالَ: حَدَّثنا شَيْبَانُ، عَنْ يَحيَى، عنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَعْفَرِ بنَ عَمْرِو بنِ أُميَّةَ الضَّمْرِيِّ: أنَّ أَباهُ أَخبَرهُ: أنُّه ¬

_ (¬1) في "ن" و "ع": "في شرعية الاستظهار"، وفي "ج": "شرعيتها للاستظهار". (¬2) في "ن" و "ع": "وإنه". (¬3) في "ن" و "ع": "كل أحد". (¬4) في "م" و "ج": "من"، والمثبت من "ن" و "ع". (¬5) في "ج": "وهمزة".

باب: إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان

رَأَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ. وتابَعَهُ حَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ، وَأَبَانُ، عَنْ يَحْيَى. (الضَّمْري): بضاد معجمة مفتوحة وميم ساكنة وراء. * * باب: إذا أدخلَ رجليهِ وهما طاهرتانِ 163 - (206) - حَدَّثَنَا أبو نعيْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا زكرِيَّاءُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كنْت مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، فَأَهْويتُ لأَنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ: "دَعْهُمَا؛ فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرتيْنِ"، فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا. (في سفر): هذه (¬1) السفرة هي غزوة تبوك كما بين في رواية أخرى في "الصحيح" (¬2). (فأهويت): أي: مِلْت بيدي. (لأنزِع): بكسر الزاي. (طاهرتين): نصب على الحال من الضمير في قوله: "أدخلتهما". وفي رواية أبي الهيثم (¬3): "وهما طاهرتان"، وبينهما فرق إذا تأملت. ولا حجة فيه على مَنْ جَوَّزَ المسحَ إذا غسل إحدى رجليه، ولبس ¬

_ (¬1) في "م": "هذا"، والمثبت من النسخ الأخرى. (¬2) رواها البخاري (4159). (¬3) هو الكشميهني تلميذ الفربري راوي الصحيح عن البخاري.

باب: من لم يتوضأ من لحم الشاة والسويق

أحدهما (¬1) كما ظنه ابن بطال (¬2)؛ إذ يحتمل أن يكون إدخالُ كلِّ رِجْل بعد كمال طهارة المجموع (¬3)، أو بعد طهارتها فقط، واللفظُ صادقٌ على كل احتمال منهما (¬4)، نعم إن ضم إلى هذا دليلٌ على أن طهارة إحداهما (¬5) لا تحصل إلا بكمال الطهارة في جميع الأعضاء، انتهض هذا حجةً. * * * باب: من لم يتوضأْ من لحم الشَّاةِ والسويقِ 164 - (208) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أمُيَّةَ: أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ رَأَى رَسولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَحْتَزُّ مِنْ كتِفِ شَاةٍ، فَدُعِيَ إِلَى الصَّلاَةِ، فَأَلْقَى السِّكِّينَ، فَصَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. (يحتز): -بحاء مهملة وزاي-: يقطع. * * * باب: من مضمض من السَّويق ولم يتوضأ 165 - (209) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخبرَناَ مَالِكٌ، عَنْ ¬

_ (¬1) في "ن" و "ع": "إحداهما". (¬2) انظر: "شرح ابن بطال" (1/ 309). (¬3) في "ع": إكمال الطهارة للمجموع". (¬4) "منهما" ليست في "ن" و "ع". (¬5) في "ن": "أحدهما".

يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ مَوْلَى بَنِي حَارِثَةَ: أَنَّ سُويدَ بْنَ النُّعْمَانِ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ خَيْبَرَ، حَتَّى إِذَا كانُوا بِالصَّهْبَاء، وَهِيَ أَدْنىَ خَيْبَرَ، فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ دَعَا بِالأَزْوَادِ، فَلَمْ يُؤْتَ إِلَّا بِالسَّوِيقِ، فَأَمَرَ بِهِ فَثُرِّيَ، فَأكلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَأكلْنَا، ثُمَّ قَامَ إلَى الْمَغْرِبِ، فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا، ثُمَّ صَلَّى، وَلَمْ يتوَضَّأْ. (عن بُشير): بموحدة وشين معجمة، مصغَّر. (ابن يَسار): بمثناة من تحت مفتوحة وسين مهملة. (السكين (¬1)): يذكر ويؤنث. فيه: جواز قطع اللحم بالسكين للحاجة من صلابة اللحم، أو كبر القطعة، ونحو ذلك. قيل: ويكره لغير حاجة (¬2). وقال الخطابي: إنما نهى عن قطع الخبز بالسكين. (فثري): نُدِّي بالماء، ولُيِّنَ حتى صار كالثَّرَى. قال القرطبي: قيدناه بتشديد الراء وتخفيفها (¬3). وقال الخطابي: هذا يدل على أن الوضوء مما مسته النار منسوخ؛ لأنه متقدم، وخيبرُ إنما (¬4) ¬

_ (¬1) في "ع": "والسكين". (¬2) في "ع": "لغير الحاجة". (¬3) انظر: "التنقيح" للزركشي (1/ 101). (¬4) في "ج": "أنها".

باب: الوضوء من النوم ومن لم ير من النعسة والنعستين، أو الخفقة وضوءا

كانت سنة سبع (¬1) (¬2). * * * 166 - (210) - وَحَدَّثَنَا أَصْبَغُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنْ مَيْمُونة: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أكلَ عِنْدَهَا كتِفًا، ثُمَّ صَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. (كتِفًا): -بفتح أوله وكسر ثانيه-، ويخفف، فيصير كفَلْس وخُبْز. * * * باب: الْوُضُوءِ مِنَ النَّوْمِ وَمَنْ لَمْ يَرَ مِنَ النَّعْسَةِ وَالنَّعْسَتَيْنِ، أَوِ الْخَفْقَةِ وُضُوءًا (ومن لم ير من النعسة (¬3) والنعستين، أو الخفقة): قال السفاقسي: الخفْقة -بسكون الفاء-: هي النعسة، وكأنه (¬4) كرر لاختلاف اللفظ، وتبعه الزركشي (¬5). قلت: في "الصحاح" (¬6): خَفَقَ الرجلُ؛ أي: حَرَّكَ رأسَه وهو ناعسٌ، ¬

_ (¬1) في "ج": "تسع" وهو خطأ. (¬2) انظر: "أعلام الحديث" للخطابي (1/ 271)، و"التنقيح" (1/ 101). (¬3) في "ج": "من السنة لنفسه". (¬4) في "ن": "فكأنه". (¬5) انظر: "التنقيح" (1/ 101). (¬6) انظر: "الصحاح" (4/ 1469) (مادة: خ ف ق).

وفي الحديث: "كَانَتْ رُؤُوسُهُمْ تَخْفُقُ خَفْقَة أَوْ خَفْقَتَيْنِ" (¬1). وقال القاضي: الخَفْقة -بفتح الخاء وسكون الفاء (¬2) -: هي كالسِّنَة (¬3) من النوم، وأصلُه: مَيْلُ رأسِه من ذلك المرة، واضطرابه (¬4). فإذن اللفظان متغايران (¬5)، لا مترادفان، والعطفُ على بابه. * * * 167 - (212) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِك، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا نعسَ أَحَدكمْ وَهُوَ يُصَلِّي، فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ؛ فَإِنَّ أَحَدكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ ناَعسٌ، لاَ يَدْرِي لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبَّ نَفْسَهُ". (لا يدري لعله يستغفر فيسبَّ نفسه): تعليل النهي (¬6) عن الصلاة حينئذٍ بذهاب العقل المؤدي إلى عكس (¬7) الأمر يدلُّ على أن النعاس الخفيفَ (¬8) إذا لم يبلغْ هذا المبلغَ، صلى به، وهذا هو مضمون الترجمة من ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (200)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 119) عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -. (¬2) في "ج": "القاف". (¬3) في "ع": "وهي كالنعسة". (¬4) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 245). (¬5) في "ج": "اللفظان تعليل النهي عن متغايران". (¬6) في "ع": "للنهي"، وفي "ج": "انتهى". (¬7) في "ع": "انعكاس". (¬8) "الخفيف" ليست في "ن" و "ع" و "ج".

أن النعاس الخفيف لا يوجب الوضوء. وقال الزركشي: استنبط عدم الانتقاض بالنعاس من قوله: "إذا صَلَّى وهو ناعس"، والواو للحال، فجعله مصليًا مع النعاس، فدل على بقاء وضوئه (¬1). قلت: فيه ضعف؛ إذ (¬2) لا يمتنع (¬3) مثل قولك: إذا صلى الإنسان وهو محدث، كان كذا، فيحمل على أنه إذا فعل صورة الصلاة، فلا تقوى دلالة الحديث (¬4) على ما أراده. قال ابن مالك: وفي قوله: "فيسبّ نفسَه" جوازُ الرفع باعتبار (¬5) عطف الفعل على الفعل، وجوازُ النصب بجعلِ "فيسبَّ" (¬6) جوابًا لـ "لعل" (¬7)؛ كَليْتَ، وهو مما خفي (¬8) على أكثرهم، ونحوه: {أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4)} [عبس: 4]، نصبه عاصم، {فَاطَّلَعَ} [الصافات: 55] نصبه حَفْصٌ (¬9). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 101). (¬2) في "ج": "أن". (¬3) في "ن": "يمنع". (¬4) في "ن": "الحدث". (¬5) في "ع": "جواب للفعل باعتبار". (¬6) في "ج": "فيسب نفسه". (¬7) في "ع": "للفعل". (¬8) في "ن" و "ع": "يخفى". (¬9) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 150).

باب: الوضوء من غير حدث

باب: الوُضوء من غير حَدَثٍ 168 - (214) - حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنسًا (ح). قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَامِرٍ، عَنْ أَنس، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَوَضَّأُ عِنْدَ كلِّ صَلاَةٍ. قُلْتُ: كَيْفَ كُنتمْ تَصْنَعُونَ؟ قَالَ: يُجْزِئُ أَحَدَناَ الْوُضُوءُ مَا لَمْ يُحْدِثْ. (يجزئ): مضارع أجزأ -بالهمزة (¬1) - بمعنى: كفى. (أحدنا الوضوء ما لم يحدث): هذا موضع الترجمة، وأن الوضوء من غير حدث غير واجب، وساق هذا عقيبَ الحديث (¬2) الأول (¬3)؛ دليلًا على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان (¬4) يأخذ بالأفضل في تجديد الوضوء من غير حدث، لا أنه واجب. * * * باب: من الكبائر أن لا يستتر من بوله 169 - (216) - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ، أَوْ مَكَّةَ، فَسَمِعَ صوْتَ إِنْسَانينِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ¬

_ (¬1) في "ن" و"ع": "بالهمز". (¬2) في "ج": "الحدث". (¬3) في "ع": "وأن الوضوء من غير حدث لا أنه واجب وإنما عقب بالحديث الأول". (¬4) "كان" ليست في "ج".

"يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ". ثُمَّ قَالَ: "بَلَى، كَانَ أَحَدُهُمَا لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلهِ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ". ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ، فَكَسَرَهَا كِسْوَتَيْنِ، فَوَضَعَ عَلَى كلِّ قَبْرٍ مِنْهُمَا كِسْوَةً، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: "لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ تَيْبَسَا. أَوْ: إِلَى أَنْ يَيْبَسَا". (بحائط): أي: بستان. (من حيطان المدينةِ أو مكةَ): كذا وقع هنا على الشك، وفي كتاب: الأدب الجزمُ بالمدينة (¬1)، قالوا: وهو الصواب. (صوت إنسانين يُعذبان في قبورهما): فيه شاهد على جواز جمع المضاف المثنى معنىً، وإن لم يكن المضاف (¬2) جزءَ ما أضيف إليه؛ نحو: "إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا" (¬3). (وما يعذبان في كبير): أي: دَفْعُه (¬4)؛ لأنه يسير على من يريد التوقِّيَ منه، ولا يراد (¬5) أنه من الصغائر لا الكبائر؛ لأنه قد ورد في الصحيح من الحديث: "وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ" (¬6)، فيحمل هذا على أنه كبير من الذنوب، وذلك على سهولة الدفعِ والاحتراز، هذا كله كلام ابن دقيق العيد (¬7). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6055) عن ابن عباس - رضي الله عنهما -. (¬2) في "ج": "مضاف". (¬3) رواه البخاري (6318) عن علي - رضي الله عنه -. (¬4) في "ع": "رفعه". (¬5) في "ج": "والإيراد". (¬6) رواه البخاري (6055). (¬7) انظر: "شرح عمدة الأحكام" (1/ 62).

قلت: يمكن وجهٌ أظهرُ من هذا، وذلك أن تجعل "ما" مصدرية (¬1)، وهي وصلتها في محل رفع على الابتداء، وقوله: "في كبيرٍ" [خبر؛ أي: وتعذيبُهما في كبير] (¬2)، وهذا هو معنى الرواية الصحيحة التي ذكرها. فإن قلت: يمنع من ذلك قولُه في هذا الحديث نفسِه: "ثم قال: بلى"، وهي مختصة بإيجاب النفي، ولا نفيَ مع جعلك "ما" مصدريةً. قلت: قد يجاب بأنا لا نسلم أنها لا تقع إلا بعد نفي، فقد ذهب بعضهم إلى أنها تستعمل بعد الإيجاب المجرَّد مستدلًا بقوله: وَقَدْ بَعُدَتْ (¬3) بِالوَصْلِ بَيْني وَبَيْنَهَا ... بَلَى إِنَّ مَنْ زَارَ القُبُورَ لَيَبْعُدَا (¬4) أي: ليبعدن -بالنون الخفيفة-، نقله الرضي، سلَّمنا أنه لا بد من سبق النفي لها، لكنهم قد يعطون الشيء حكمَ ما أشبهه في لفظه، وقد فعلوا ذلك في "ما" المصدرية، فعاملوها معاملة "ما" النافية في زيادة إنْ بعدها (¬5). قال الشاعر: وَرَجِّ الفَتَى لِلخَيْرِ مَا إِنْ رَأَيْتَهُ ... عَلَى السِّنِّ خَيْرًا لا يَزَالُ يَزِيدُ ¬

_ (¬1) في "ج": "تجعل المصدرية". (¬2) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬3) في "ج": "تعهدت". (¬4) في "ع": "ليبعدن"، وفي "ج": "بعيد". (¬5) في "ج": "بعدها معاملة ما النافية في رسالة إن تعهدها".

[كذلك هنا أتى ببلى (¬1) بعد "ما" المصدرية كما يأتي بعد "ما" النافية، وقد يحمل] (¬2) قوله: بلى، على (¬3) إيجاب النفي الذي قد يسبق إلى وهم السامع من قوله: "وما يُعَذَّبان في كبيرٍ"، وإن كان هو في نفس الأمر غيرَ مراد للمتكلم (¬4)، فتأمله. (لا يستتر من بوله): -بتاءين مثناتين من فوق-، كذا (¬5) للبخاري، فيحتمل أن يكون المراد: الاستتارَ عن العيون، فالعذابُ على كشف العورة (¬6)، والاستتارُ حينئذٍ يستعمل (¬7) في حقيقته، ويحتمل أن يراد: التوقي من (¬8) البول، إما بعدم (¬9) ملابسته، وإما بالاحتراز عن مفسدة تتعلق به؛ كانتقاض الطهارة، فيكون الاستتار مستعملًا في التوقِّي مجازًا؛ لأن المستتر عن الشيء فيه بعدٌ عنه واحتجاب، وذلك شبيه بالبعد من ملابسة البول، والثاني أرجحُ؛ لما يلزم من اطراح خصوصية البول من (¬10) الاعتبار، ¬

_ (¬1) في "ن": "بل". (¬2) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬3) "على" ليست في "ج". (¬4) في "ن" و "ع": "المتكلم". (¬5) في "ع": "وكذا". (¬6) في "ن": "على الكشف للعورة". (¬7) في "ن" و "ع": "مستعمل". (¬8) في "ج": "من كشف العورة". (¬9) في "ج": "بعد". (¬10) في "ن" و "ع": "عن".

فظاهرُ (¬1) الحديث اعتبارُها في عذاب القبر. (يمشي بالنميمة): أي: المحرمة، وإلا، فلا تمنع إذا كانت (¬2) لجلب (¬3) مصلحة، أو لدرء مفسدة تتعلق بالغير. (فدعا بجريدة): أي: بسَعَفَة. (فوضع على كل قبر): قال الحافظ (¬4) أبو مسعود الحازمي: كان الغرس بإزاء الرأس، ثبت ذلك بإسناد صحيح (¬5). قال الزركشي في "تعليق العمدة": وفي رواية: "غَرَزَ نِصْفَهُ عِنْدَ رَأْسِهِ، وَنصْفَهُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ"، ذكرها صاحب "الترغيب" (¬6). قلت: فيكون القطع حينئذ أربعًا. (لعله أن يخفف عنهما): فيه وقوع أن يفعل خبرَ اسمِ عَيْن، والغالبُ خلافه (¬7)؛ {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:130] {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ} [طه: 44]. (ما لم تيبَسا): -بمثناة من فوق أو من تحت في أوله، والباء الموحدة مفتوحة-، وذلك لأن النبات يسبح ما دام رَطْبًا، وأخذ بعضُهم من هذا انتفاعَ الميت بقراءة القرآن على قبره من باب أولى، ومما وقع السؤالُ عنه ¬

_ (¬1) في "ن" و "ع" و "ج": "وظاهر". (¬2) "كانت" ليست في "ن". (¬3) في "ن": "يجلب"، وفي "ج": "طلب". (¬4) "الحافظ" ليست في "ج". (¬5) رواه الإمام أحمد في (المسند" (2/ 441)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (3/ 52) عن أبي هريرة رضي الله عنه. (¬6) انظر: "النكت على العمدة" (ص: 28). (¬7) في "ع" زيادة: "نحو".

باب: ما جاء في غسل البول

حالُ (¬1) صاحبي القبرين، هل كانا مسلمين؟ وروى صاحب "الترهيب" من طريق الطبراني: أنهما هلكا في الجاهلية، وساق الحديث، وقال: هو حسن (¬2)، وإن كان إسناده ليس بالقوي؛ لأنهما لو كانا مسلمين (¬3)، لما كان لشفاعته لهما (¬4) إلى أن تيبس الجريدتان (¬5) معنى، ولكنه لما رآهما يعذبان، لم يَسْتَجِز (¬6) من عطفه ولطفه تركَهما، فشفع لهما إلى المدة المذكورة. * * * باب: مَا جَاءَ فِي غَسْلِ الْبَولِ وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لصَاحِبِ الْقَبْرِ: "كَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلهِ". وَلَمْ يَذْكُرْ سِوَى بَوْلِ النَّاسِ. (كان لا يستتر من بوله، ولم يذكر سوى بول الناس): يريد أنه لا حجة لمن تمسك بقوله: لا يستتر من البول على نجاسة بول كل حيوان، وإن كان مأكولًا (¬7)؛ لأن هذا محمول على بول الآدمي؛ بدليل الرواية الأخرى: ¬

_ (¬1) في "ن": "قال". (¬2) في "ع": "قال: وهو حسن". (¬3) "لو كانا مسلمين" ليست في "ج". (¬4) في "ج": "كان لشفاعتهما". (¬5) في "ن": "الجريدتين". (¬6) في "ن" و "ع": "لم ير". (¬7) في "ج": "محمولًا مأكولًا".

باب: صب الماء على البول في المسجد

"كانَ لا يستترُ من بوله"، وقد رويت كذلك مرات. * * * 170 - (218) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عنْ مُجَاهِدٍ، عنْ طَاوُسٍ، عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِقَبْرَيْنِ، فَقَالَ: "إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا، فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ، فَكَانَ يَمشِي بِالنَّمِيمَةِ". ثمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً، فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ، فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: "لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا". قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: وَحَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا: مِثْلَهُ: "يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلهِ". (محمد بن خازم): بخاء معجمة وزاي. * * * باب: صبِّ الماءِ على البول في المسجد 171 - (220) - حَدَّثَنَا أبو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبةَ بْنِ مَسْعُودٍ: أَن أَبَا هُرَيْرةَ قَالَ: قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجدِ، فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "دَعُوهُ، وَهَرِيقُوا علَى بَوْلهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ، أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثتمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ".

باب: بول الصبيان

(سَجْلًا): -بسين مهملة مفتوحة وجيم ساكنة-: الدلو المملوءة ماء، ولا يقال لها سجل إلا وهي مملوءة، وإلا فهي دلو. (أو ذَنوبًا): -بفتح الذال المعجمة-: مثل السجل. * * * باب: بولِ الصبيانِ 172 - (222) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أخبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّهَا قَالَتْ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِصَبِيٍّ، فَبَالَ علَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ، فَأَتْبَعَهُ إِيَّاهُ. (بصبي): قيل (¬1): يحتمل أن يكون الحسنَ، أو الحسين، أو عبدَ الله بنَ الزبير. وفي الدارقطني: تعيين أنه عبد الله بن الزبير (¬2). * * * 173 - (223) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخبَرَناَ مَالِك، عَنِ ابْنِ شِهَابِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عتْبة، عَنْ أُم قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ: أنَّهَا أتتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ، لَمْ يأكلِ الطَّعَامَ، إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي حِجْره، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ، فَنَضَحَهُ، وَلَم يَغْسِلْهُ. ¬

_ (¬1) في "ج": "مثل". (¬2) رواه الدارقطني في "السنن" (1/ 129) عن عائشة رضي الله عنها.

باب: البول قائما وقاعدا

(في حَجره): بفتح الحاء المهملة (¬1) وكسرها. باب: البولِ قائمًا وقاعدًا 174 - (224) - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: أتى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سُبَاطَةَ قَوْمٍ، فَبَالَ قَائِمًا، ثمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَجئتهُ بِمَاءٍ، فَتَوَضَّأَ. (سُباطة قوم): -بضم السين المهملة-: مزبلتهم، وأصلُه: الكناسة التي تلقى فيها. (فبال قائمًا): وفي الترجمة: باب البول قائمًا وقاعدًا، فأخذ الأول من نص الحديث (¬2)، والثاني من دليله؛ لأنه إذا جاز قائمًا، كان جوازه قاعدًا أولى؛ لأنه أمكن. * * * باب: البولِ عند صاحبِه، والتستُّرِ بالحائط 175 - (225) - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبي شَيْبةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: رَأَيْتُنِي أَناَ وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - نتمَاشَى، فَأتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ خَلْفَ حَائِطٍ، فَقَامَ كَمَا يَقُومُ أَحَدكم، فَبَالَ، فَانتبَذْتُ مِنْهُ، فَأشَارَ إِلَيَّ، فجئْتُهُ، فَقُمْتُ عِنْدَ عَقِبِهِ حَتَّى فَرَغَ. ¬

_ (¬1) "المهملة" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "من نص الشارع"، وفي "ج": "من نص الشافعي رضي الله عنه".

باب: غسل الدم

(رأيتني أنا والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - نتماشى): برفع النبي ونصبه. * * * باب: غَسلِ الدَّمِ 176 - (227) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثتنِي فَاطِمَةُ، عَنْ أَسْمَاءَ، قَالَتْ: جَاءَتِ امْرَأةٌ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ إِحْدَاناَ تَحِيض فِي الثَّوْبِ، كيْفَ تَصْنعُ؟ قَالَ: "تَحُتُّهُ، ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ، وَتنضَحُهُ، وَتُصَلِّي فِيهِ". (تحتُّه): من الحتِّ -بمثناة من فوق-، وهو القشر والإزالة بالحكّ والتقليع. (تقرصه): بصاد مهملة. قال القاضي: هو بالتثقيل، وكسر الراء، وبالتخفيف وضم الراء، بمعنى: تقطعه بظفرها (¬1). وفي السفاقسي: سئل عنه الأخفش، فضم إصبعه الإبهام والسبابة، وأخذ بهما شيئًا من ثوبه، فقال: هكذا يفعل بالماء في موضع الدم كما يقرص الرجل جاريته (¬2). (وتنضِحه): أي: تغسله، وهو بكسر الضاد المعجمة، وحكي فتحها. ويقال: إن أبا حيان قرأ في بعض المجالس الحديثية: "وانضَح فرجك" ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 180)، و"التنقيح" (1/ 104). (¬2) انظر: "التمهيد" لابن عبد البر (22/ 230).

-بفتح الضاد-، فرد عليه السراج الدمنهوري، وقال: نص النووي على (¬1) أنه بالكسر، فقال أبو حيان: حق النووي أن يستفيد هذا مني، والذي قلت (¬2) هو القياس، وكلام الجوهري يشهد للنووي. لكن نقل عن صاحب "الجامع": أن الكسر لغة، وأن الأفصح الفتح (¬3). * * * 177 - (228) - حَدَّثَنَا مُحَمَّد، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عن أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بْنَةُ أَبي حُبَيْشٍ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي امْرَأة أُسْتَحَاضُ فَلاَ أَطْهُرُ، أَفَأَدعُ الصَّلاَةَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ، إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ، وَلَيسَ بِحَيْضٍ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ، فَدَعِي الصَّلاَةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ، فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ، ثُمَّ صَلِّي". قَالَ: وَقَالَ أَبِي: "ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلاَةٍ، حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ". (إنما ذلكِ): بكسر الكاف. (عرق): أي: انفجر، قاله الأخفش، وقد جاء ذلك في رواية، [ويجوز أن يكون التعبير بالعرق كناية عن دم الاستحاضة. ¬

_ (¬1) في "ع": "عليه". (¬2) في "ن" و "ع": والذي قلته". (¬3) انظر: "الصحاح" للجوهري (1/ 411)، و"شرح مسلم" للنووي (3/ 200).

باب: غسل المني وفركه، وغسل ما يصيب من المرأة

(فإذا أقبلت حِيضتك)] (¬1): قال الخطابي: هو بكسر الحاء، وغلَّطَ من فتَحها، وجوَّز القاضي وغيره الفتح، وهو أقوى؛ لأن المراد: الحيض (¬2). * * * باب: غَسْلِ الْمَنِيِّ وَفركِهِ، وَغَسْلِ مَا يُصِيبُ مِنَ الْمَرْأَةِ (باب: غسلِ المني وفركِه): لم يذكر البخاري الفركَ في شيء من الطرق التي أوردها، مع أنه ترجم له، وقد ذكره مسلم (¬3)، وبه استدل القائل بطهارة المني؛ إذ لو كان نجسًا، لم يكتف فيه (¬4) إلا بالغسل، وأبو حنيفة يرى أن فركَ يابسه كافي في تطهيره. وقال (¬5) ابن المنير: لو كان المني طاهرًا كالماء، لم يكن لقلعه من الثوب لأجل الصلاة [معنًى، فإلزامُ قلعِه بالفرك لأجل الصلاة] (¬6) دليلٌ على نجاسته (¬7). (وغسلِ ما يصيب من المرأة): ثم ساق حديث عائشة في المني: "كنتُ أغسلُه من ثوبِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -". ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 217). (¬3) رواه مسلم (288) عن عائشة رضي الله عنها. (¬4) في "ج": "به". (¬5) في "ع": "قال". (¬6) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬7) في "ع": "دليل على النجاسة".

باب: إذا غسل الجنابة أو غيرها فلم يذهب أثره

ووجهُ استنباطه منه: أن منيه - عليه السلام - إنما كان من جماع؛ لأن الاحتلام ممتنع في حقه، فإذن لا بدَّ أن يكون ثَمَّ شيء من رطوبة فرج المرأة قد خالط الذكر. * * * باب: إذا غسلَ الجنابةَ أو غيرَها فلم يذهبْ أثرُه 178 - (231) - حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، قَالَ: سَأَلْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ: فِي الثَّوْبِ تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ؟ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: كنْتُ أَغْسِلُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى الصَّلاَةِ، وَأثرُ الْغَسْلِ فِيهِ: بُقَعُ الْمَاء. (أثر الغسل): كان البخاري فهم أن الباقي (¬1) في الثوب أثر المني، [فيكون المراد بأثر الغسل: أثر المني] (¬2) المغسول، وقوله في الحديث الثاني: * * * 179 - (232) - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثنَا زُهَيْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا كانَتْ تَغْسِلُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَ أَرَاهُ فِيهِ بُقْعَةً أَوْ بُقَعًا. (كانت تغسل المني من ثوب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم أراه فيه بقعة أو بقعًا): يدل ¬

_ (¬1) في "ع": "أن للباقي". (¬2) ما بين معكوفتين سقط من "ن".

ظاهرًا على (¬1) أنها بقع المني؛ إذ الأصلُ في الضمير عَوْدُه إلى أقربِ مذكور. قال ابن المنير: وهو دليل على أن إزالة النجاسة مبنية على التيسير، لا على التنطُّع (¬2)، ألا ترى أثر (¬3) النجاسة وصبغها (¬4) كيف اغتفر (¬5)، وهو في الحقيقة عين (¬6) النجاسة؛ إذ العرض (¬7) لا ينتقل، ولا يتحول (¬8) نفس الصبغ من الدم إلى الثوب، ولكن ذلك الأثر نفسُ جرمِ الدم، وكان بنو إسرائيل مؤاخَذين فيها بالإصر (¬9) الشديد، ولهذا قَصُّوا (¬10) الثيابَ والجلودَ. انتهى. (ومِهران): المذكور في سند هذا (¬11) الحديث: بكسر الميم، غير مصروف. * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "على ظاهرًا". (¬2) في "ع" و"ج": "على التفسير، لا على القطع". (¬3) في "ن" و "ع": "ألا ترى أن أثر". (¬4) في "ج": "وصفتها". (¬5) في "ج": "اعتبر". (¬6) في "ج": "غير". (¬7) في "ج": "الغرض". (¬8) في "ن": "يحول". (¬9) في "ج": "بالأمر". (¬10) في "ج": "قصر". (¬11) "هذا" ليست في "ع".

باب: أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها

باب: أَبْوَالِ الإبِلِ وَالدَّوَابِ وَالْغَنَم وَمَرَابِضِهَا وَصَلَّى أَبُو مُوسَى فِي دارِ الْبَرِيدِ وَالسِّرْقِينِ، وَالْبَرِّيَّةُ إِلَى جَنْبِهِ، فَقَالَ: هَا هُنَا وَثمَّ سَوَاءٌ. (البريد): الدابة المرتبة في الرباط، ثم سُمي به الرسولُ المحمول عليها، ثم سُميت المسافة به، والجمع بُرُدٌ، قاله (¬1) المُطَرَّزِيُ، والمراد (¬2) هنا: الأول. (السَّرقين): -بقاف-، ويقال: بجيم، وبفتح سينه فيها وتكسر، قال القاضي: وهي فارسية (¬3). (والبَرِّيةُ إلى جنبه): بموحدة مفتوحة وراء مشددة. قال في "الصحاح": هي (¬4) الصحراء (¬5). قال الزركشي: وقصد البخاري من هذا الباب طهارةُ بولِ ما يؤكل لحمُه، ولا حجةَ له في فعل أبي موسى، ولا في الثالث؛ لاحتمال أنه بسط ثوبًا، ولا في حديث أنس الثاني؛ لأنه للتداوي، ونحن نقول به (¬6). قلت: قد ورد أنه - عليه السلام - سُئل عن الاستشفاء (¬7) بالخمر، ¬

_ (¬1) في "ج": "قال". (¬2) في "ج": "والمرأة". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 213)، و"التنقيح" (1/ 105). (¬4) "هي" ليست في "ج". (¬5) انظر: "الصحاح" (2/ 588) (مادة: ب ر ر). (¬6) انظر: "التنقيح" (1/ 106). (¬7) في "ع": "الاستقاء".

فقال: "ذَلِكَ داءٌ، وَلَيْسَ بِشِفَاءٍ" (¬1). وقال (¬2) ابن مسعود: ما كان الله ليجعلَ فيما حَرَّمَ شِفاءً (¬3). * * * 180 - (233) - حَدَّثَنَا سلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أيوبَ، عَنْ أبي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنس، قَالَ: قَدِمَ أُنَاسٌ مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ، فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ، فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِلِقَاحٍ، وَأَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَألبَانِهَا، فَانْطَلَقُوا، فَلَمَّا صَحُّوا، قتلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَاسْتَاقُوا النَّعَمَ، فَجَاءَ الْخَبَر فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، فَبَعَثَ فِى آثَارِهِمْ، فَلَمَّا ارْتَفَعَ النَّهَارُ، جِيءَ بِهِمْ، فَأَمَرَ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وسُمِرَتْ أَعْيُنُهُمْ، وَألقُوا فِي الْحَرَّةِ، يَسْتَسْقُونَ فَلاَ يُسْقَوْنَ. قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: فَهَؤُلاَءَ سَرَقُوا وَقتلُوا، وَكَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ، وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ. (عُكْل): بضم العين المهملة وسكون الكاف وآخره لام. (أو عُرَيْنَة): -بضم العين المهملة وفتح الراء وسكون آخر الحروف بعدها نون-، هذا شكٌّ الراوي، وعُكْل هم عُرينة، قاله السفاقسي (¬4). ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجة (3500)، وأحمد في "مسنده" (5/ 292)، وابن حبان في "صحيحه" (1389)، والطبراني في "المعجم الكبير" (8/ 323)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 108). (¬2) في "ع": "قال". (¬3) رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 108). (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 106).

(فاجتَووُا المدينة): -بهمزة وصل فجيم (¬1) بعدها تاء الافتعال (¬2) والواو الثانية مضمومة- واو (¬3) ضمير يعود على الناس الذين (¬4) تقدم ذكرهم؛ أي: استوخموها؛ كأنه مأخوذ من الجوى، وهو داء يصيب الجوف. (بلِقاح): -بكسر اللام-، ويقال: بفتحها، وهي ذوات الألبان من الإبل، قاله القاضي (¬5). (في آثارهم): جمع إِثْر -بكسر الهمزة وإسكان الثاء، ويجوز فتحها-، قاله صاحب (¬6) "المجمل" (¬7). (وسفرت): -بميم مشددة-، قال النووي: كذا ضبطوه في البخاري؛ أي: كَحَلَ أعينَهم بمساميرَ مَحْمِيَّةٍ (¬8). وقال المنذري: هو (¬9) -بتخفيف الميم-؛ أي: كَحَلَها بالمسامير، وشدَّدها بعضُهم، والأولُ أشهرُ وأوجَهُ، وقيل: سُمِّرَتْ: فُقئت" (¬10). ¬

_ (¬1) في "ن": "وبجيم". (¬2) في "ج": "لافتعال". (¬3) "واو" ليست في "ج". (¬4) في "ع": "الذي". (¬5) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 362). (¬6) في "ع": "قاله في المجمل". (¬7) انظر: "مجمل اللغة" لابن دريد (ص: 86). (¬8) انظر: "شرح النووي على صحيح مسلم" (11/ 155). (¬9) في "ع": "وهو". (¬10) انظر: "التنقيح" للزركشي (1/ 106).

باب: ما يقع من النجاسات في السمن والماء

(الحَرّة): -بحاء مهملة مفتوحة وراء مشددة-: هي أرض ذات حجارة سود. * * * باب: ما يقعُ من النَّجاساتِ في السَّمنِ والماءِ 181 - (235) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِك، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ سَقَطَتْ فِي سَمْنٍ، فَقَالَ: "ألقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا فَاطْرَحُوهُ، وَكُلُوا سَمْنَكُمْ". (عن فأْرة): بهمزة ساكنة بعد الفاء، ويجوز إبدالها ألفًا. * * * 182 - (237) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "كلُّ كَلْمٍ يُكْلَمُهُ الْمُسْلِمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كهَيْئَتِهَا إِذْ طُعِنَتْ، تَفَجَّرُ دَمًا، اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ، وَالْعَرْفُ عَرْفُ الْمِسْكِ". (كَلْم): -بكاف مفتوحة فلام ساكنة-: جرح. (يُكلَمه): -بمثناة من تحت مضمومة (¬1) واللام مفتوحة- في محل جر صفة لكلم. (تكون): -بتأنيث الضمير- اعتبارًا بمعنى الكَلْم. ¬

_ (¬1) في "ن": "مضمة".

قال الجوهري: والكَلْمُ: الجراحة (¬1). وجرى على ذلك في تأنيثه أيضًا في قوله: (كهيئتها): وذكر الضمير أولًا في قوله: "يكلمه" باعتبار اللفظ، أو باعتبار المعنى أيضًا، إذ الكلم (¬2) يطلق على الجرح. وقال الزركشي: [على تأويل الكلم، وتوضحه رواية القابسي] (¬3): "كُلُّ كَلْمَةٍ" (¬4). قال ابن المنير: ومقصودُه (¬5) بالترجمة: أن المعتبر في النجاسة الصفات، فلما كان ريشُ الميتة لا يتغير بموتها؛ لأنه (¬6) لا تحلُّه الحياةُ، طهر، وكذلك العظام (¬7)، وكذلك الماء (¬8) إذا خالطته نجاسة ولم تغيره، وكذلك السمنُ البعيدُ عن موضع الفأرة إذا لم يتغير. ووجه الاستدلال بحديث دم الشهيد: أنه لما تغيرت صفته (¬9) إلى صفةِ طاهر، وهو المسك؛ بطل حكمُ النجاسة فيه، على أن القيامةَ ليست ¬

_ (¬1) انظر: "الصحاح" (5/ 2023) (مادة: ك ل م). (¬2) في "ج": "الكلمة". (¬3) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 106). (¬5) في "ج": "ومقصود". (¬6) "لأنه" ليست في "ع". (¬7) في "ج": "الطعام". (¬8) في "ن" و "ع": "وكذلك العظام والماء". (¬9) في "ج": "صفة".

باب: البول في الماء الدائم

دارَ أعمال ولا أحكام، وإنما لما عظم الدم لحيلولةِ صفتِه إلى صفةِ ما هو مُستطابٌ معظَّمٌ في العادة، علمنا أن المعتبر الصفاتُ لا الذواتُ. * * * باب: البولِ في الماء الدَّائم 183 - (238) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو الزِّناَدِ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ هُرْمُزَ الأَعْرَجَ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ". (أن عبدَ الرحمن بنَ هرمزَ الأعرجَ): الكل بفتحة، لكنها في هرمزَ وحدَه علامةُ الجر؛ لأنه مضاف إليه غيرُ منصرف، وفي البواقي علامةُ (¬1) النصب. * * * 184 - (239) - وَبِإِسْنَادِهِ، قَالَ: "لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِم الَّذِي لاَ يَجْرِي، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ". (ثم يغتسل فيه): -برفع اللام- هي الرواية الصحيحة. ومنع القرطبي نصبَه، وذكر أن ثَمَّ من قيده بالجزم، وردَّه بانه لو أريد ذلك، لقيل: ثم لا يغتسلن؛ لأن الأصلَ تساوي الفعلين في النهي عنهما، فتأكيدُ أحدهما بالنون دون الثاني دليلٌ على أنه لم يرد عطفه عليه (¬2). ¬

_ (¬1) في "ع": "علامات". (¬2) انظر: "المفهم" للقرطبي (1/ 541).

وذكر النووي عن شيخه ابن مالك: أنه جوزَ الجزمَ فيه عطفًا على يبولَنَّ، والنصبَ بإضمار "أن" على إعطاء "ثم" حكمَ واو الجمع، واستشكل النووي الثاني: بأن النصبَ يقتضي أن المنهي عنه (¬1) الجمعُ بينهما، دون إفراد أحدهما، وهو (¬2) باطل (¬3). قال ابن دقيق العيد: وهو ضعيف؛ لأنه ليس فيه أكثر من كون هذا الحديث لا يتناول النهيَ عن البول في الماء الراكد بمفرده، ولا يلزم أن يدل على الأحكام المتعددة بلفظ واحد، فيؤخذ النهيُ عن الجمع من هنا (¬4)، وعن الإفراد من محل آخر (¬5). قال الزركشي: واعلم أنه يحتمل أن يكون أبو هريرة سمع هذا مع ما قبلَه من النبي - صلى الله عليه وسلم - في نسق واحد، فحدَّث بهما جميعا، ويحتمل أن يكون هَمامٌ فعلَ ذلك، وأنه سمعهما (¬6) من أبي هريرة، وإلا، فليس في الحديث الأول -يريد: "نحن الآخرون السابقون"- مناسبةٌ للترجمة (¬7). قلت: إنما ساق البخاري الحديث من طريق الأعرج عن أبي هريرة، لا من حديث همام، فالاحتمالُ الثاني ساقط. ¬

_ (¬1) "عنه" ليست في "ع". (¬2) في "ج": "هو". (¬3) انظر: "شرح مسلم" للنووي (3/ 187)، و"شواهد التوضيح" لابن مالك (ص: 164). (¬4) في "ج": "هنا قبله". (¬5) انظر: "شرح الإلمام" لابن دقيق (1/ 178). (¬6) في "ع": "سمعه"، وفي "ج": "سمعها". (¬7) انظر: "التنقيح" (1/ 107).

وحاول ابن المنير - رحمه الله - إبداءَ وجهٍ للمطابقة (¬1)، على تقدير أن يكون سماع الحديثين مفترقين؛ بأن قال: السرُّ في اجتماع الآخِرِ في الوجود، والسبقِ في البعث لهذه الأمة: أن الدنيا مثلُها للمؤمن (¬2) مثلُ السجن، وقد أدخل الله الأولين والآخِرين فيه على ترتيب، فمقتضى ذلك: أن الآخر في الدخول هو الأولُ في الخروج؛ كالوعاء إذا (¬3) ملأته بأشياء وُضع بعضُها فوق بعض، ثم استخرجتَها (¬4)، فإنما تُخرج أولًا ما أدخلْتَه (¬5) آخرًا، فهذا هو السر في كون هذه الأمة آخرًا في الوجود الأولِ، وأولَ في الوجود الثاني، ولها في ذلك من المصلحة (¬6) قلةُ بقائها في سجن الدنيا، وفي إطباق البلاء بما خَصَّها الله به (¬7) في (¬8) قِصَر الأعمار (¬9)، ومن (¬10) السبقِ إلى المعاد، فإذا فُهمتْ هذه الحقيقةُ، تصور الفَطِنُ معناها عامًّا، فكيف يليق بكيِّسٍ أن يعمد (¬11) إلى ماء راكدٍ يُطهر النجاسةَ، فيبول فيه، ثم يتوضأ ¬

_ (¬1) في "ع": "المطابقة". (¬2) في "ع": "للمؤمنين". (¬3) "إذا" ليست في "ج". (¬4) في "ع" و"ج": "استخرجها". (¬5) في "ج": "أدخله". (¬6) في "ج": "مصلحة". (¬7) "به" ليست في "م". (¬8) في "ن" و "ع": "من". (¬9) في "ج": "الأعمال". (¬10) في "ج": "من". (¬11) "أن يعمد" ليست في "ن".

باب: إذا ألقي على ظهر المصلي قذر أو جيفة لم تفسد عليه صلاته

منه، فأولُ ما يلاقيه بولُه الذي (¬1) عزم (¬2) على التطهر (¬3) منه، وهو عكسٌ للحقائق، وإخلالٌ بالمقاصد لا يتعاطاه لبيبٌ، والحقُّ واحدٌ، وإن تباعدَ ما بين طرفيه. قلت: آثار التكليف بادية على وجهه، فانظره. * * * باب: إذا أُلْقِيَ على ظهرِ المصلي قَذَرٌ أو جيفةٌ لم تفسدْ عليه صلاتُه 185 - (240) - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبي، عَنْ شُعْبة، عَنْ أَبي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَاجِدٌ (ح). قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ أَبي إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ: أَن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ حَدَّثَهُ: أَن النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ، وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ، إِذْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أيُّكُمْ يَجيءُ بِسَلَى جَزُورِ بَنِي فُلاَن، فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ؟ فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ، فَجَاءَ بِهِ، فَنَظَرَ، حَتَّى إِذَا سَجَدَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَأَناَ أَنْظُرُ لاَ أُغَيِّرُ شَيْئًا، لَوْ كَانَ لِي مَنَعَةٌ، قَالَ: فَجَعَلُوا ¬

_ (¬1) في "م": "للذي"، والمثبت من النسخ الأخرى. (¬2) في "ج": "عمد". (¬3) في "ع" و"ج": "إلى التطهير".

يَضْحَكُونَ، وَيُحِيلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَاجِدٌ لاَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، حَتَّى جَاءَتْهُ فَاطِمَةُ، فَطَرَحَتْ عَنْ ظَهْرِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، ثمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ"، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَشَقَّ عَلَيْهِمْ إِذْ دَعَا عَلَيْهِمْ، قَالَ: وَكانُوا يُرَوْنَ أَنَّ الدَّعْوَةَ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ مُسْتَجَابَة، ثمَّ سَمَّى: "اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ، وَعَلَيْكَ بِعُتْبةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشيبةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَليدِ بْنِ عُتْبةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ"، وَعَدَّ السَّابع فَلَمْ يَحْفَظْهُ، قَالَ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَده لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ عَدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَرْعَى فِي الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ. (سَلا جزور): -بفتح السين المهملة-: الوعاء الذي يخرج منه الجنين إذا وُلد. (فانبعث أشقى القوم): هو عُقبة بنُ أبي مُعيط كما صرح به البخاري في موضع آخر، وقيل: إنه أبو جهل، حكاه السفاقسي عن الداودي (¬1). قال ابن المنير: وفيه: أن المباشرةَ آكدُ من الإعانة، وقد كان هؤلاء متعاونين على الجناية (¬2)، مشتركين فيها، إلا أنه أشقاهم في الإثم؛ لأنه باشر، ولأنه كان أكثر عملًا. (وأنا أنظر لا أغني شيئًا): كذا للنسفي والحموي، وعند غيرهم: "لا أُغيرُ شيئًا". قال القاضي: والأولُ أوجَهُ، وإن كان معناهما يصح؛ أي: لو كان ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" لابن الملقن (4/ 497). (¬2) في "ع" و"ج": "الخيانة".

معي مَنْ يُغني؛ لأغنيت، وكفيت (¬1) شرهم، وغيرت (¬2) فعلهم (¬3). (مَنَعة): -بفتح الميم والنون-؛ أي: جماعة يمنعون، جمع مانع. قال القاضي: وهو أكثر الضبط، ويقال فيه: بسكون النون أيضًا؛ أي: عزة امتناع أمتنع بها (¬4). (ويُحيل بعضهم على بعض): أي: يحيل بعضهم (¬5) في الضحك على بعض؛ أي (¬6): ينسبه إلى غيره؛ من أحلتُ الغريمَ، ورواه مسلم: "ويَميل" (¬7) -بالميم-؛ من الميل، وهو ظاهر. (وكانوا (¬8) يُرون): -بضم الياء وفتحها-؛ أي: يظنون أو يعلمون. (وعدَّ السابعَ، فلم يحفَظه): -بفتح الفاء-: هو عُمارة بن الوليد، كما ذكره البخاري في الصلاة. وقد نُوزع البخاري في الاستدلال بهذا الحديث؛ لأن هذا كان قبل ورود الأحكام، ولم يكن إذ ذاك (¬9) تعبُّد (¬10) بتحريمه؛ كالخمر، ¬

_ (¬1) في "ن" و "ع": "وكففت". (¬2) في "ن" و "ع": "أو غيرت فعلهم". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 137). (¬4) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 384). (¬5) "أي يحيل بعضهم" ليست في "ن". (¬6) "أي "ليست" في "ج". (¬7) رواه مسلم (1794). (¬8) في "ن": "فكانوا". (¬9) في "ع" و "ج": "آنذ اك". (¬10) في "ع": "يعتد".

باب: غسل المرأة أباها الدم عن وجهه

قاله الخطابي (¬1) * * * باب: غَسلِ المرأة أباها الدَّمَ عن وجهه 186 - (243) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أبي حَازِمٍ: سَمِعَ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ، وَسَأَلَهُ النَّاسُ، وَمَا بَيْني وَبَيْنَهُ أَحَدٌ: بِأَيِّ شَيْءٍ دُووِيَ جُرْحُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالَ: مَا بقِيَ أَحَدٌ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، كَانَ عَلِيٌّ يَجيءُ بِتُرْسِهِ فِيهِ مَاءٌ، وَفَاطِمَةُ تَغْسِلُ عَنْ وَجْهِهِ الدَّمَ، فَأُخِذَ حَصِيرٌ فَأُحْرِقَ، فَحُشِيَ بِهِ جُرْحُهُ. (أبي حازم): بحاء مهملة وزاي. (دووي): فُوعِلَ، بالبناء لما لم (¬2) يسم فاعله؛ من المداواة (¬3). (ما بقي أحد أعلمُ به مني): برفع أعلم على النعت، ونصبه على الحال من النكرة الواقعة في (¬4) سياق النفي. * * * باب: السِّواك 187 - (244) - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ ¬

_ (¬1) انظر: "أعلام الحديث" (1/ 291). (¬2) "لم" ليست في "ن". (¬3) في "ج": "المداوة". (¬4) في "ج": "من".

باب: دفع السواك إلى الأكبر

غيْلاَنَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبيهِ، قَالَ: أتيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَوَجَدْتُهُ يَسْتَنُّ بِسِوَاكٍ بِيَدِه، يَقُولُ: أُعْ، أُعْ، وَالسِّوَاكُ فِي فِيهِ، كَأَنَّهُ يَتَهَوَّعُ. (غيلان): بغين معجمة. (يستن): يدلُكُ أسنانه. (يقول): الظاهر عود الضمير إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويحتمل عودُه إلى السواك مجازًا من باب امتلاء الحوض، وقال الدارقطني (¬1): كذا قيل، وفيه بعد. (أُعْ أُعْ): بضم الهمزة وإسكان العين المهملة. (كأنه يتهوع): أي: يتقيأ. * * * باب: دفعِ السِّواكِ إلى الأكبرِ 188 - (246) - وَقَالَ عَفَّانُ: حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُويرِيَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أُرَانِي أتسَوَّكُ بِسِوَاكٍ، فَجَاءَنِي رَجُلاَنِ، أَحَدُهُمَا أكبر مِنَ الآخَرِ، فَنَاوَلْتُ السِّوَاكَ الأَصْغَرَ مِنْهُمَا، فَقِيلَ لِي: كبِّرْ، فَدَفَعْتُهُ إِلَى الأكبَرِ مِنْهُمَا". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: اخْتَصَرَهُ نُعَيْمٌ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ أُسَامَةَ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. ¬

_ (¬1) في "م" و "ع": "قطني"، والمثبت من "ن" و"ج".

(ابن جويرية): -تصغير جارية-، وهو علم. (قال: أُراني أتسوك): يحكي حالة رآها (¬1) في النوم، والهمزة مضمومة. قال الزركشي: وحذفها المستملي، وهو خطأ؛ لأنه أخبر عما رآه في النوم (¬2). قلت: ما أسرعَ الناسَ (¬3) إلى الطعن في الروايات بمجرد الآراء! يحتمل ما رواه المستملي (¬4) أن يكون فاعلُ رآني (¬5) ضميرًا (¬6) يعود إلى المَلَك الذي قال له في النوم: كَبِّرْ، فترك التصريحَ بالظاهر، فأضمر (¬7) لقرينة حالية. وفي حديث نعيم (¬8) الذي أشار إليه البخاري بعد هذا: كان النبي (¬9) - عليه السلام - يستنُّ (¬10) فأعطاه أكبرَ القوم، وقال: "أَمَرَني جِبْرِيلُ أَنْ أكبِّر"، رواه الإسماعيلي عن القاسم بن زكريا بسنده، ورواه -أيضًا- عن الحسن بسنده، وفيه: "إِنَّ جِبْرِيلَ أَمَرَني أَنْ أَدْفَعَ إِلَى كبَرِهِمْ" (¬11). ¬

_ (¬1) في "ج": "أراها". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 159). (¬3) في "ن" و "ع": "ما أسرع كثير من الناس". (¬4) "ما رواه المستملي" ليس في "ج". (¬5) في "ج": "أراني". (¬6) في "ع": "ضميره". (¬7) في "ن" و"ع": "وأضمر". (¬8) في "ع": "وفي تفسير حديث نعيم". (¬9) "النبي" ليست في "ن". (¬10) "يستن" ليست في "ج". (¬11) انظر: "التوضيح" لابن الملقن (4/ 531).

باب: فضل من بات على الوضوء

(فقيل لي: كبر): فيه أولويةُ تقديمِ ذي السِّنِّ. قال ابن المنير: وانظر في جلساء صاحب المنزل إذا أراد تقديمَ أحدهم للإمامة، وعلى يمينه الأصغر، وغيره الأكبر، وتساوت الصفات (¬1) إلا ذلك، هل يقدم الأيمن أو الأكبر (¬2)؟ الظاهر: الأكبر؛ لأنه لا مدخلَ لليمين في فضيلة الإمامة؛ بخلاف السن. * * * باب: فضلِ مَنْ باتَ على الوُضوء 189 - (247) - حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أتيْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ، ثُمَّ قُل: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَألجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبةً وَرَهْبةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ. فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ، فَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تتكَلَّمُ بِهِ". قَالَ: فَرَدَّدْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا بَلَغْتُ: "اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ"، قُلْتُ: وَرَسُولكَ، قَالَ: "لاَ، وَنبَيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ". (سعد بن عُبيدة): بضم العين. ¬

_ (¬1) في "ن" و"ع": "الصفوف". (¬2) في "م": "الأصغر والأكبر"، وفي "ن": "الأيمن والأكبر"، والمثبت من "ع" و "ج".

(إذا أتيت مضجَعك): -بفتح الجيم-: [إذا (¬1) أردت الإتيان] (¬2) إلى مضجعك؛ لأن بعده: (فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع): وهذا إنما هو عند إرادة الإتيان، لا عند نفس الإتيان. (رغبة ورهبة إليك): قال الزركشي: هو متعلق بالأول، وأما الرهبة، فإنما يتعدَّى بمن، والأصلُ: رغبة إليك، ورهبة منك (¬3). قلت: سبقه ابن الجوزي إلى ذلك، ولا يتعين (¬4)؛ لاحتمال أن يكون المراد التجأت إليك رغبة ورهبة؛ أي: رجاءً وخوفًا، وحذف متعلق إلى؛ لدلالة ما سبق عليه (¬5). (لا ملجأ): بالهمز (¬6). (ولا منجا): -بالقصر-، وكلاهما مبني غير منون. (قال: لا (¬7)، ونبيِّك الذي أرسلت): فيه مع (¬8) الأمر بتحري لفظه (¬9) ¬

_ (¬1) في "ن": "أي إذا". (¬2) ما بين معكوفتين سقط من "ع". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 109). (¬4) في "ج": "يتعلق". (¬5) "عليه" ليست في "ج". (¬6) في "ع" و "ج": "بالهمزة". (¬7) "لا" ليست في "ن". (¬8) في "ج": "معنى". (¬9) في "ع": لفظة.

التنبيهُ على (¬1) إيراد الكلام نصًّا أو ظاهرًا فيما سِيقَ لأجله، والمقصود منه هنا التصديقُ به - عليه السلام -، ولا (¬2) شك أن قوله: "ونبيك الذي أرسلتَ" [مُوَفٍّ بهذا (¬3) القصد قطعًا؛ بخلاف قوله: ورسولك الذي أرسلت] (¬4)؛ لصدقه على من أُرسل من الملائكة إلى الأنبياء. * * * ¬

_ (¬1) في "م" و"ج": "وعلى"، والمثبت من "ن" و "ع". (¬2) في "ج": "لا". (¬3) في "ع": "لهذا". (¬4) ما بين معكوفتين سقط من "ج".

كتاب الغسل

كتاب الغُسْل

باب: الوضوء قبل الغسل

كتاب الغسل (كتاب: الغسل): -بالفتح-: اسم الفعل (¬1)، و -بالضم-: اسم الماء، وهو قول أبي زيد. وقيل: هو فيهما معًا اسمٌ للفعل، وهو قول الأصمعي (¬2). وقيل: هو بالضم: اسم للماء، فإن أريد المصدر، جاز الضم والفتح في المشهور. قاله النووي (¬3). باب: الوُضوء قبلَ الغُسْلِ 190 - (248) - حدّثَنا عبْدُ اللهِ بنُ يُوسُفَ، قالَ: أَخْبَرَنا مَالكٌ، عنْ هِشَامٍ، عنْ أَبيهِ، عَن عائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ، بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثمَّ يَتَوَضَّأُ كمَا يَتَوَضَّأُ لِلصلاَةِ، ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي الْمَاءِ، فَيُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ شَعَرِهِ، ثُمَّ يَصبُّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثَ ¬

_ (¬1) في "ع": "للفعل". (¬2) انظر: "شرح مسلم" (3/ 99). (¬3) انظر: "شرح النووي على مسلم" (3/ 99).

غُرَفٍ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جِلْده كلِّهِ. (إذا اغتسل): أرادَ الغسلَ، أو شرعَ (¬1) فيه. (من الجنابة): وقد (¬2) تطلق على المعنى الحكمي الناشئ من (¬3) التقاء الختانين، أو الإنزال. (ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة): قد يقال: إن هذا يدل على أن هذه الأعضاء مغسولة عن الجنابة؛ إذ لو كانت للوضوء، لم يصح التشبيه؛ لعدم المغايرة. وأجيب: بحصول المغايرة من حيث إنه شبه الوضوء الواقع في ابتداء غسل الجنابة (¬4) بالوضوء للصلاة في غير الغسل، وبأن وضوء الصلاة (¬5) له صورة معنوية ذهنية، فشبَّهَ هذا الفردَ الذي وقع في الخارج بذلك المعلوم في الذهن، قاله ابن دقيق العيد (¬6). (ثم يُدخل أصابعه): ظاهرُه: العَشْرُ. (فيخلل بها أصولَ الشعر): أى: يدخلها فيما بين أجزاء الشعر. وتردَّد بعضُهم في أن التخليل هل يكون بنقل الماء، أو بالأصابع مبلولة؟ ¬

_ (¬1) في "ج": "وشرع". (¬2) في "ن" و "ع": "قد". (¬3) في "ن" و "ع": "قد". (¬4) في "ع": "الغسل للجنابة". (¬5) في "ع": "الوضوء للصلاة". (¬6) انظر: "شرح عمدة الأحكام" (1/ 93).

باب: غسل الرجل مع امرأته

وظاهر ما في البخاري: الثاني، ورُجِّح الأولُ بما وقع في بعض الروايات الصحيحة في كتاب مسلم: "ثم يأخذ الماءَ، فيُدْخِل أصابعَه في أصول الشعر" (¬1). * * * باب: غُسلِ الرَّجلِ مع امرأتهِ 191 - (250) - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إياسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كنْتُ أَغْتَسِلُ أَناَ وَالنَّبِي - صلى الله عليه وسلم - مِنْ إِناَء وَاحِدٍ، مِنْ قَدح يُقَالُ لَهُ: الْفَرَقُ. (الفَرَق): -بفتح الراء وإسكانها-، لغتان، والفتح أفصح وأشهر، هو (¬2) ثلاثة آصُعٍ، حكاه مسلم عن سفيان (¬3). * * * باب: الغُسلِ بالصَّاعِ ونحوِه 192 - (251) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: حَدَّثَنِي شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ يَقُولُ: دَخَلْتُ أَناَ وَأَخُو عَائِشَةَ عَلَى عَائِشَةَ، فَسَأَلَهَا أَخُوهَا عَنْ غُسْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَدَعَتْ بإناَءٍ نَحْوًا مِنْ صَاعٍ، فَاغتَسَلَتْ، وَأفاضَتْ عَلَى رَأْسهَا، ¬

_ (¬1) رواه مسلم (316) عن عائشة رضي الله عنها. (¬2) "هو" ليست في "ج". (¬3) حكاه مسلم تحت رقم: (319).

وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهَا حِجَابٌ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وَبَهْزٌ، وَالْجُدِّيُّ، عَنْ شُعْبَةَ: قَدْرِ صَاعٍ. (دخلت أنا وأخو عائشة): هو أخوها من الرضاعة كما صرح به في مسلم، واسمه فيما قيل: عبدُ الله بنُ يزيد، قاله النووي (¬1). (فدعت بإناء نحوًا (¬2)): -بالجر- على النعت على اللفظ، وروي: بالنصب؛ إذ المعنى: طلبتْ إناءً. (بَهْز): بموحدة مفتوحة فهاء ساكنة فزاي. (الجُدِّيُّ): بجيم مضمومة (¬3) فدال مهملة مشددة فياء النسبة (¬4). (قدرِ صاع): -بالكسر- على الحكاية. * * * 193 - (252) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَ: حَدثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبي إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ: أَنهُ كَانَ عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، هُوَ وَأَبُوهُ، وَعِنْدَهُ قَوْمٌ، فَسَألوهُ عَنِ الْغُسْلِ، فَقَالَ: يَكْفِيكَ صَاعٌ. فَقَالَ رَجُلٌ: مَا يَكْفِيني، فَقَالَ جَابِرٌ: كَانَ يَكْفِي مَن هُوَ أَوْفَى مِنْكَ شَعَرًا، وَخَيْرٌ مِنْكَ، ثُمَ أَمَّنَا فِي ثَوْبٍ. ¬

_ (¬1) انظر: "شرح النووي على مسلم" (4/ 4). (¬2) في "ج": "نحو". (¬3) في "ج": "بضم الجيم". (¬4) في "ن" و"ع": "النسب".

(فقال رجل: ما يكفيني (¬1)): هو الحسنُ بنُ محمدِ بنِ (¬2) عليِّ بنِ أبي طالبٍ، أبوه ابنُ الحنفية، واسمُها خَوْلَةُ بنتُ جعفرٍ، وفي الباب الذي بعده ما يدلُّ عليه. (وخير منك): -بالرفع- عطفٌ على "أوفى" من قوله: "مَنْ هو أوفى منكَ شعرًا". قال الزركشي: ويروى بالنصب عطفًا على "شعرًا"؛ لأن "أوفى" بمعنى أكثر (¬3). قلت: إنما يتأتى هذا إن أريد بقوله: خيرًا: واحدُ (¬4) الخير، لا ما يُقصد به التفصيل (¬5)، والغرض أن التفضيل فيه مراد؛ بدليل اقترانه بمن الجارَّة للمفضل عليه (¬6)، فالصواب جعلُه معطوفًا على من؛ أي: يكفي مَنْ هو أوفى منك شعرًا، ويكفي خيرًا (¬7) منك كما قاله الفاكهاني (¬8). فإن قلت: العطف يقتضي المغايرة، والغرض أن المراد واحد؟ قلت: هو كعطف الصفات والموصوفُ واحد. ¬

_ (¬1) في "ع": "ما يكفي". (¬2) "ابن" ليست في "ج". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 110). (¬4) في "ج": "واحدًا". (¬5) في "ن" و "ع": "التفضيل". (¬6) "للمفضل عليه" مكررة في "ج". (¬7) في "ج": "خير". (¬8) انظر: "رياض الأفهام" (1/ 422).

باب: من أفاض على رأسه ثلاثا

فإن قلت: لما لا يجعل "منك" الثانيةَ تأكيدًا لمنك الأولى، فلا يكون "خير" للتفضيل؟ قلت: بعدهُ ظاهر لا يخفى على ذي طبع سليم. * * * باب: مَنْ أفاضَ على رأسِه ثلاثًا 194 - (254) - حَدَّثَنَا أبو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبي إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي جُبَيْرُ بنُ مُطْعِم، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَّا أَناَ، فَأفِيضُ عَلَى رَأْسِي ثَلاَثًا"، وَأَشَارَ بِيَدَيْهِ كلْتَيْهِمَا. (ابن صُرَد): بضم الصاد المهملة وفتح الراء وبدال مهملة. (وأشار بيديه كليهما (¬1)): قال الزركشي: ويروى: "كلتاهما" على لغة من ألزمَ المثنى الألفَ مطلقًا (¬2). * * * 195 - (255) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ مُخْوِلِ بْنِ رَاشدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُفْرِغُ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثًا. (محمد بن يسار): -بمثناة من تحت وسين مهملة-، وفي نسخة: ¬

_ (¬1) في "ن" و "ع": "بيديه كلتيهما"، وفي "ج": "بيديه". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 111).

بموحدة وشين معجمة، كذا في "تنقيح الزركشي" (¬1). وقال القاضي في حرف الباء: وأما بشار، فوالد محمدٍ وحدَه (¬2). (مُخْوِل): بميم (¬3) مضمومة وخاء معجمة ساكنة وواو مكسورة مخففة (¬4) وآخره لام. ويقال أيضًا: بفتح الخاء وتشديد الواو. * * * 196 - (256) - حَدَّثَنَا أَبُو نعيْم، قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَامٍ: حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ، قَالَ: قَالَ لِي جَابِرٌ: أتانِي ابْنُ عَمِّكَ، يُعَرِّضُ بِالْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ: كَيْفَ الْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ؟ فَقُلْتُ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَأخُذُ ثَلاَثَةَ أَكُفِّ، وَيُفِيضُهَا عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ يُفِيض عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ، فَقَالَ لِي الْحَسَنُ: إِنِّي رَجُلٌ كثِيرُ الشَّعَرِ؟ فَقُلْتُ: كَانَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أكثَرَ مِنْكَ شَعَرًا. (مَعْمَر بن يحيى): بميمين مفتوحتين بينهما عين مهملة ساكنة، وعند القابسي: بميم مضمومة وميم مشددة بعد العين مفتوحة: اسمُ مفعول من التعمير، وكذا قيده الحاكم، وليس له في "الصحيح" غير هذا الحديث. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 111). (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 110). (¬3) في " ن": "مفتوحة بميم". (¬4) في "ن": "وواو مفتوحة ساكنة مخففة".

باب: الغسل مرة واحدة

باب: الغُسلِ مرةً واحدةً 197 - (257) - حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَالِم بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَتْ مَيْمُونَةُ: وَضَعْتُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ماءً لِلْغُسْلِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلاَثًا، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى شِمَالِهِ، فَغَسَلَ مَذَاكِيرَهُ، ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ بِالأَرْضِ، ثمَّ مَضْمَض وَاسْتَنْشَقَ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ أفاضَ عَلَى جَسَده، ثُمَّ تَحَوَّلَ مِنْ مَكَانِهِ، فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ. (مذاكيره): جَمَعَه مع أنه ليس في الجسد منه إلا واحد باعتبارِ تسميةِ كل جزء منه باسم الكل، ثم هو جمعُ ذَكَرٍ على (¬1) غير قياس، كأنهم فرقوا بين العضو حيث جمع هكذا، وبين الفحل (¬2)؛ حيث جُمع على ذكور، وذُكران، وقيل: هو جمعٌ لا واحدَ له؛ كأبابيل (¬3). * * * باب: مَنْ بَدَأَ بِالْحِلاَبِ أَوِ الطيبِ عِنْدَ الْغُسْلِ (باب: من بدأ بالحلاب أو الطيب قبل (¬4) الغسل): هذا مما (¬5) وَهَّموا البخاريَّ فيه؛ فإنه ظن أن الحِلاب -بكسر المهملة- نوعٌ من الطيب، فبوَّبَ ¬

_ (¬1) في "ع" و "ج": "يأتي على". (¬2) في "ع": "حيث جمع بين هذا وبين الفحل". (¬3) "كأبابيل" ليست في "ج". (¬4) في البخاري: "عند". (¬5) في "ج": "ما".

عليه، وإنما هو إناءٌ صُبَّ فيه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ماء، وروي خارج "الصحيح" بجيم مضمومة وتشديد اللام، وفسر بماء الورد (¬1). وفي "نهاية (¬2) ابن الأثير": يحتمل أن يكون البخاري أراد هذا، ولكن المروي في كتابه إنما هو بالحاء (¬3). قلت: فإذن لا وجه لاحتمال إرادته (¬4) الجلاب، بالجيم. * * * 198 - (258) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصم، عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنِ الْقَاسِم، عَنْ عَائِشةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ، دَعَا بِشَيءٍ نحوَ الْحِلاَبِ، فَأَخَذَ بِكَفِّهِ، فَبَدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الأَيمَنِ، ثُمَّ الأَيْسَرِ، فَقَالَ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ. [(فقال بهما): أي: فعل بكفيه (¬5)، فأطلق القول على الفعل مجازًا] (¬6). (على وسَط رأسه (¬7)): -بتحريك السين- من وسط؛ لأنه اسمٌ غيرُ ظرف. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 112). (¬2) في "ع": "رواية". (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (1/ 422). (¬4) في "ع": "احتمال إرادته". وفي بقية النسخ: "لاحتمال المراد به". (¬5) في "م" و"ج": "بكيفيته"، والمثبت من "ن" و"ع". (¬6) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬7) كذا في رواية أبي ذر الهروي والأصيلي وغيرهما، وفي اليونينية: "على رأسه"، وهي المعتمدة في النص.

باب: المضمضة والاستنشاق في الجنابة

قال الجوهري: كلُّ موضع صلح فيه بين، فهو وَسْط -بالتسكين-، وإلا، فبالتحريك (¬1). وقال الأزهري: كل (¬2) ما يبينُ بعضُه من بعض؛ كوسْط الصف، والقلادة (¬3)، فهو بالإسكان، وما كان مُصْمَتًا لا يبينُ بعضُه من بعض؛ كالدار، والراحة (¬4)، فهو بالفتح، قال: وقد أجازوا في المفتوح (¬5) السكون، ولم يجيزوا في الساكن الفتح (¬6). * * * باب: المضمضةِ والاستنشاقِ في الجنابةِ 199 - (259) - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ، عَنْ كرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدثتنَا مَيْمُونة، قَالَتْ: صَبَبْتُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - غُسْلًا، فَأَفْرَغَ بِيَمِينهِ عَلَى يَسَارِه، فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ، ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ الأَرْضَ، فمَسَحَهَا بِالتُّرَابِ، ثُمَّ غَسَلَهَا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ، وَأفاضَ عَلَى رَأْسِهِ، ثمَّ تَنَحَّى، فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ، ثُمَّ أُتِيَ بِمِنْدِيلٍ، فَلَمْ يَنْفُضْ بِهَا. ¬

_ (¬1) انظر: "الصحاح" (3/ 1167). (¬2) "كل" ليست في "ج". (¬3) في "ن": "والفلاة". (¬4) في "ج": "والواحة". (¬5) في "ع": "الفتح". (¬6) انظر: "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" (ص: 110).

باب: هل يدخل الجنب يده في الإناء قبل أن يغسلها إذا لم يكن على يده قذر غير الجنابة؟

(صببت للنبي - صلى الله عليه وسلم - غُسلًا): -بضم الغين-؛ أي: ماء يغتسل به (¬1)؛ كما جاء بعد هذا في باب: تفريق الغسل. (ثم قال بيده الأرضِ): أي: ضربَ بيده؛ كما جاء في "أبي داود" (¬2)، ففيه إطلاقُ القول على الفعل مجازًا، كما (¬3) مر. (ثم أتي بمنديل، فلم ينفض بها): أعاد الضمير مؤنثًا على تأويل المنديل بالخرقة؛ نحو: أَتَتْهُ (¬4) كتابي، فاحتقرها؛ أي: صحيفتي. قال البخاري: "يعني: لم يتمسَّحْ به"، وسيأتي الكلام فيه في باب: نفض اليدين من غسل الجنابة (¬5). * * * باب: هل يُدخِلُ الجنبُ يدَه في الإناءِ قبلَ أن يغسلَها إذا لم يكن على يده قذرٌ غيرُ الجنابةِ؟ 200 - (261) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، أَخْبَرَنَا أَفْلَحُ، عَنِ الْقَاسِم، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كنْتُ أَغتَسِلُ أَناَ وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ إِناَءٍ وَاحِدٍ، تَخْتَلِفُ أَيْدِينَا فِيهِ. (أفلح): -بفاء وحاء مهملة- لا ينصرف. ¬

_ (¬1) "به" ليست في "ج". (¬2) رواه أبو داود (245). (¬3) "كما" ليست في "ج". (¬4) في "ع": "أتاه". (¬5) في "ع" و "ج": "غسل اليدين".

201 - (262) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا اغتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ، غَسَلَ يَدَه. (إذا اغتسل من الجنابة، غسل يده): هذا يناسب الباب؛ لأنه عقده (¬1)؛ لأن الجنب هل يُدخل يدَه الإناءَ قبل أن يغسلها (¬2) إذا لم يكن على يده قذرٌ غيرُ (¬3) الجنابة؟ وأما ما عداه من أحاديث الباب، فليس فيه إدخالُ اليد (¬4) الإناء قبل غسلها (¬5) في غسل الجنابة، ووجهُه: أن الغسل إما بحدث (¬6) حكمي، أو حادث عيني، وقد فرض الكلام فيمن ليس على يده قذر، فلم يبق إلا الحدثُ الحكمي، وليس بمانع من إدخال اليد (¬7)؛ لأن الجنابة لو كانت تتصل بالماء حكمًا؛ لامتنع إدخال اليد إلا بعد كمال الطهارة، وقد تحقق جوازُ إدخالها أثناء الغسل، فلا مانع إذن من إدخالها أولًا كإدخالها وسطًا، قاله ابن المنير. * * * ¬

_ (¬1) في "ن": "عقد". (¬2) في "ع": "يغسلهما". (¬3) "غير" ليست في "ع". (¬4) في "ع": "اليدين". (¬5) في "ع": "غسلهما". (¬6) في "ن" و "ع": "لحدث". (¬7) في "ع": "اليدين".

باب: تفريق الغسل والوضوء

202 - (263) - وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِم، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: مِثْلَهُ. (عن عائشة: مثلَه): -بالنصب-؛ أي: حدثنا (¬1)، ويروى: "بمثله". * * * باب: تفريقِ الغُسلِ والوضوءِ 203 - (265) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ، قَالَ: حَدَّثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ سَالِم بْنِ أَبي الْجَعْدِ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَتْ مَيْمُونة: وَضعْت لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَاءً يَغْتَسِلُ بِهِ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ، فَغَسَلَهُمَا مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلاَثًا، ثُمَّ أَفْرغَ بِيَمِينهِ عَلَى شِمَالِهِ، فَغَسَلَ مَذَاكيرَهُ، ثُمَّ دلكَ يَدَهُ بِالأَرْضِ، ثمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَ غَسَلَ رَأْسَهُ ثَلاَثًا، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى جَسَدِهِ، ثمَّ تَنَحَّى مِنْ مَقَامِهِ، فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ. (ابن محبوب): -بحاء مهملة وموحدتين-: اسمُ مفعول من حَبَّهُ. (ثم تَنَحَّى من مَقامه): -بفتح الميم-؛ أي: موضعِ قيامه، وهذا موضعُ استدلالِ البخاري على التعريف (¬2)، ولكنه يسير؛ فإن التنحي إلى مكان قريب، ولا يخالف في ذلك أحد. * * * ¬

_ (¬1) "حدثنا" ليست في "ن"، وفي "ع" و"ج": "حديثًا". (¬2) في "ن": "التفريق".

باب: من أفرغ بيمينه على شماله في الغسل

باب: مَنْ أفرغ بيمينهِ على شمالِه في الغُسل 204 - (266) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو عَوَانة، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ سَالِم بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونةَ بِنْتِ الْحَارِثِ، قَالَتْ: وَضَعْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - غُسْلًا، وَسَتَرْتُهُ، فَصَبَّ عَلَى يَدِهِ، فَغَسَلَهَا مَرَّةً أَوْ مَرتَيْنِ -قَالَ سُلَيْمَانُ: لاَ أَدْرِي، أَذَكَرَ الثالِثَةَ أَمْ لاَ-، ثُمَّ أَفْرَغَ بِيَمِينهِ عَلَى شِمَالِهِ، فَغَسَلَ فرْجَهُ، ثُمَّ دلكَ يَدَهُ بِالأَرْضِ، أَوْ بِالْحَائِطِ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَغسَلَ رَأْسَهُ، ثُمَّ صَبَّ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ، فَنَاوَلْتُهُ خِرْقَةً، فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَلَمْ يُرِدْهَا. (ولم يردها): من الإرادة، لا من الرد، وقد صحفه بعضهم، فشدَّد على أنه من الرد، فغير المعنى. وفي "سنن الدارقطني": "فردَّها"، وهو صريح (¬1). * * * باب: إذا جامَعَ ثمَّ عادَ، ومَنْ دارَ على نسائه في غُسلٍ واحد 205 - (267) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، تَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَيَحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنتشِرِ، عَنْ أَبِيهِ، ¬

_ (¬1) في "ع": "صحيح".

قَالَ: ذَكَرْتُهُ لِعَائِشَةَ، فَقَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَيَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ، ثُمَّ يُصْبِحُ مُحْرِمًا يَنْضَخُ طِيبًا. (ينضِخُ طيبًا): بضاد معجمة تكسر وتفتح (¬1)، وخاء تعجم (¬2) وتهمل. * * * 206 - (268) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبي، عَنْ قتادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ فِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ، مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَهُنَّ إِحْدَى عَشْرَةَ. قَالَ: قُلْتُ لأَنسٍ: أَوَكَانَ يُطِيقُهُ؟ قَالَ: كنَّا نتَحَدَّثُ أَنَّهُ أعطِيَ قُوَّةَ ثَلاَثِينَ. وَقَالَ سَعِيدٌ، عَنْ قتادَة: إِنَّ أَنسًا حَدَّثَهُمْ: تِسْعُ نِسْوَةٍ. (يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار، وهن إحدى عشرة): عائشةُ، وسَوْدَة، وحَفْصة، وزينبُ بنتُ جحش (¬3)، وأُمُّ سَلَمَةَ، وأُمُّ حَبيبة، وميمونة، وصفية، وجُوَيْرية (¬4)، هؤلاء التسع زوجات، وماريةُ، وريحانة، وهما (¬5) سريتان، فهن إحدى عشرة امرأة. ¬

_ (¬1) في "ع": "تفتح وتكسر". (¬2) في "ع": "وخاء معجمة". (¬3) "بنت جحش" ليست في "ن". (¬4) في "ج": "جورة". (¬5) "وهما" ليست في "ن".

باب: غسل المذي والوضوء منه

وفيه: أن الأَمَةَ تدخل في نساء الرجل، فيتعلق (¬1) بها الظهار؛ لقوله (¬2): {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3]. (إن أنسًا حدثهم: تسعُ نسوةٍ): لا يعارض الأول؛ لاحتمال تحديثه في وقتين، وأراد بالتسع الزوجات (¬3) المذكورات. قال ابن المنير: وليس في حديث دورانه - عليه السلام - دليلٌ على الترجمة؛ لأن مضمونها أن ذلك في غسل واحد (¬4)، والحديث ساكت عن هذا القيد، فيحتمل أنه طاف عليهن في ساعة واحدة، واغتسل في خلال ذلك عن (¬5) كل فعلة غسلًا. * * * باب: غسلِ المذي والوضوءِ منهُ 207 - (269) - حَدَّثَنَا أبو الْوَليدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً، فَأمَرْتُ رَجُلًا أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لِمَكَانِ ابْنَتِهِ، فَسَأَلَ، فَقَالَ: "تَوَضَّأْ، وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ". (فأمرتُ رجلًا): هو المقدادُ بنُ الأسود، أو عمارٌ، فقد صرح البخاري ¬

_ (¬1) في "ج": "فيعلق". (¬2) في "ن" و "ع" و"ج": "لقوله تعالى". (¬3) في "ع": "زوجات". (¬4) في "ع": "في الغسل الواحد". (¬5) في "ع": "من".

باب: من تطيب ثم اغتسل، وبقي أثر الطيب

بالأول (¬1) (¬2)، وجاء أيضًا: أنه أرسل عمارًا لذلك (¬3) (¬4). (اغسل (¬5) ذكرك): يدل على نجاسة المذي، وهو ظاهر فيما ذهب إليه طائفة من أصحابنا أنه يغسل منه الذكر كلَّه، وعليه: فيحتاج إلى نية؛ من حيث إنه لم يقتصر على الأمر بغسل محل الخروج، فهي طهارة تعبدية، والجمهور على خلاف ذلك نظرًا إلى المعنى. * * * باب: من تطيَّبَ ثم اغتسلَ، وبقي أثرُ الطِّيبِ 208 - (270) - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو عَوَانة، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنتشِرِ، عَنْ أبيهِ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ، فَذَكَرْتُ لَهَا قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ: مَا أحُبُّ أَنْ أُصْبحَ مُحْرِمًا أَنْضَخُ طِيبًا، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَناَ طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ طَافَ فِي نِسَائِهِ، ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا. (ابن المنتشر): اسمُ فاعل من انتشرَ. * * * 209 - (271) - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ، ¬

_ (¬1) في "ج": "في الأول". (¬2) رواه البخارى (132). (¬3) في "ع": "كذلك". (¬4) رواه النسائي (154). (¬5) في "ن" و "ع": "واغسل".

باب: تخليل الشعر

عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كأنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطّيبِ فِي مَفْرِقِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ مُحْرِمٌ. (وبِيْص الطيب): -بواو فموحدة مكسورة (¬1) فمثناة من تحت ساكنة فصاد مهملة-؛ أي: بريق لون الطيب ولمعانه. (في مَفْرِق): بميم مفتوحة وراء (¬2) مكسورة، وبالعكس: هو مكان فَرْقِ الشعر من الجبهة إلى دائرة وسط الرأس. * * * باب: تخليلِ الشَّعرِ 210 - (272) - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ، غَسَلَ يَدَيْهِ، وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ اغْتَسَلَ، ثُمَّ يُخَلِّلُ بِيَدِهِ شَعَرَهُ، حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنْ قَدْ أَرْوَى بَشَرتهُ، أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ. (أَرْوى بشرته): من الريِّ الذي (¬3) هو (¬4) خلافُ العطش، استعير لشدة بلِّ الشعر بالماء، والبشرة: ظاهرُ جلدِ الإنسان. ¬

_ (¬1) في "م": "فمكسورة"، والمثبت من النسخ الأخرى. (¬2) في "ج": "وراءه". (¬3) "الذي" ليست في "ج". (¬4) "هو" زيادة من "ن" و "ع".

(ثم غسل (¬1) سائر جسده): أي: بقيته، والأصلُ في السائر: أن يُستعمل بمعنى: البقية، وقالوا: هو مأخوذ من السُّؤْر، وأُنكر استعمالها بمعنى الجميع (¬2). وفي " الصحاح": وسائر القوم: جميعُهم (¬3). وتُعُقِّبَ. * * * 211 - (273) - وَقَالَتْ: كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَناَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ إِناَءٍ وَاحِدٍ، نَغْرِفُ مِنْهُ جَمِيعًا. (نغرف منه جميعًا): تكرر هذا فيما تقدم، وقد أُخذ منه جوازُ اغتسال الرجل بفضل طهور المرأة، فإنهما إذا تعاقبا الاغتراف، تأخر اغترافه في (¬4) بعض المرات عنها، وجميعًا لا يدل على اتحاد (¬5) الزمن حتى يندفع التعاقب، وللمخالف أن يحمله على شروعهما جميعًا؛ لاحتمال اللفظ له، ولا عموم فيه، فيكتفي بالقول به (¬6) من وجه، قاله ابن دقيق العيد (¬7). * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "يغسل". (¬2) في "ج": "الجمع". (¬3) انظر: "الصحاح" (2/ 692)، (مادة: سير). (¬4) في "ج": "وفي". (¬5) "اتحاد" ليست في "ج". (¬6) في "ع": "فيه". (¬7) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 94).

باب: من توضأ في الجنابة، ثم غسل سائر جسده، ولم يعد غسل مواضع الوضوء مرة أخرى

باب: من توضَّأَ في الجنابة، ثم غسل سائر جسدِه، ولم يُعِدْ غسلَ مواضعِ الوضوء مرةً أخرى 212 - (274) - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ سَالِمِ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونة، قَالَتْ: وَضَعَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وَضُوءًا لِجَنَابَةٍ، فَأكفَأَ بِيَمِينهِ عَلَى شِمَالِهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ، ثُمَّ ضَرَبَ يَدَهُ بِالأَرْضِ أَوِ الْحَائِطِ، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ أفاضَ عَلَى رَأْسِهِ الْمَاءَ، ثُمَّ غَسَلَ جَسَدَهُ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، قَالَتْ: فَأَتَيْتُهُ بِخِرْقَةٍ، فَلَمْ يُرِدْهَا، فَجَعَلَ يَنْفُض بِيَدِهِ. (وَضوءًا لجنابة): -بفتح الواو-، وقد (¬1) يؤخذ منه أن الوضوء اسمٌ لمطلق الماء، لا للماء؛ بقيد كونه مضافًا إلى الوضوء، [وذلك لأنها إضافة إلى الجنابة، ولم تضفه إلى الوضوء] (¬2)، وقد روي: "وضوءًا (¬3) " -بالتنوين-، و"لِجنابة" بلام جارة. (ثم غسل جسده): هذا ظاهر في غسله لجميع جسده، فلا يطابق ما (¬4) في الترجمة من أنه يغسل بعد الوضوء سائر جسده، وكان الأليق (¬5) بهذه الترجمة الحديث السابق المنصوص فيه على غسل سائر الجسد. ¬

_ (¬1) في "ج": "قد". (¬2) ما بين معكوفتين سقط من "ع" وفي "ج". (¬3) "وضوءًا" ليس في "ع". (¬4) في "ن": "فيما". (¬5) "الأليق" ليست في "ج"، وفي "ع": "وكان اللائق".

باب: إذا ذكر في المسجد أنه جنب، خرج كما هو ولا يتيمم

فإن قلت: فماذا يُعتذر به عن البخاري؟ قلت: أما استفادة الترجمة من قوله: "ثم غسل جسده"، فمحتملة من جهة العرف، وذلك أنها لم تذكر أنه أعاد غسل أعضاء الوضوء، وذكرُ الجسدِ بعدَ ذكرِ أعضاءٍ معينة منه يفهم عُرفًا بقية الجسد، لا جملته، كذا (¬1) قرره ابن المنير. قال: ولم يأت هنا بحديث: "ثم غسلَ سائرَ جسدِه"؛ لما (¬2) في "سائر" من الدلالة على الجميع (¬3) لغةً، وهو وإن كان مشتقًّا من السؤر، وهو البقية، فإن العرف قد غير وضعه الأصلي، تقول (¬4) العرب: تَبًّا له سائرَ اليوم، وما تعني إلا اليومَ بجملته، وهو بمثابة قاطبةً، ونحوها. قلت: قد علمت ما فيه بحسب اللعْة، ودعوى النقل على (¬5) خلاف الأصل. * * * باب: إذا ذكَر في المسجد أنه جنبٌ، خرجَ كما هو ولا يتيمَّمُ 213 - (275) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ ¬

_ (¬1) في "ج": "على كذا". (¬2) في "ج": "كما". (¬3) في "ع": "جميع". (¬4) في "ع": "بقول". (¬5) في "ج": "إلى".

باب: نفض اليدين من الغسل عن الجنابة

عُمَرَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، وَعُدِّلَتِ الصُّفُوفُ قِيَامًا، فَخَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ، ذَكرَ أَنَّهُ جُنُبٌ، فَقَالَ لَنَا: "مَكَانكُمْ"، ثُمَّ رَجَعَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْنَا وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ، فَكَبَّرَ، فَصَلَّيْنَا مَعَهُ. تَابَعَهُ عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَرَوَاهُ الأَوْزَاعِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيَ. (مكانكم): ظرف؛ أي: اثبتوا. * * * باب: نَفْضِ الْيَدَيْنِ مِنَ الْغُسْلِ عَنِ الْجَنَابَةِ (باب: نفض اليدين من غسل الجنابة (¬1)): وجهُ دخولها في الفقه: ألا يُتخيل أن مثلَ هذا طرحٌ لأثر العبادة، فبين جوازَه. 214 - (276) - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ الأَعْمَشَ، عَنْ سَالِمِ، عَنْ كرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَتْ مَيْمُونة: وَضَعْتُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - غُسْلًا، فَسَتَرْتُهُ بِثَوْبٍ، وَصَبَّ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ صَبَّ بِيَمِينهِ عَلَى شِمَالِهِ فَغَسَلَ فَرْجَهُ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ الأَرْضَ فَمَسَحَهَا، ثُمَّ غَسَلَهَا، فَمَضْمَض واسْتَنْشَقَ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ صَبَّ عَلَى رَأْسِهِ، وَأَفَاضَ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ، فَنَاوَلْتُهُ ¬

_ (¬1) كذا في رواية أبي ذر الهروي والأصيلي وغيرهما، وفي رواية كريمة: "باب نفض اليدين من الغسل عن الجنابة".

باب: من اغتسل عريانا وحده في الخلوة، ومن تستر، فالتستر أفضل

ثَوْبًا، فَلَمْ يَأْخُذْه، فَانْطَلَقَ وَهْوَ يَنْفُضُ يَدَيْهِ. (أبو حمزة): بحاء مهملة وزاي. (فلم يأخذه، فانطلق وهو ينفض يديه (¬1)): تركَه -والله أعلم- خوفًا من الدخول في أحوال المترفين (¬2). وقيل: تركه إبقاء لآثار (¬3) العبادة، فلم يمسحها، وترجمةُ البخاري تأبى هذا المعنى، فتأمله (¬4). * * * باب: من اغتسلَ عُريانًا وحدَه في الخَلوةِ، ومن تستَّر، فالتستُّر أفضلُ 215 - (278) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً، يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، وَكَانَ مُوسَى يَغْتَسِلُ وَحْدَهُ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ! مَا يَمْنعُ مُوسَى أَنْ يَغْتَسِلَ مَعَنَا إِلَّا أَنَّهُ آدَرُ، فَذَهَبَ مَرَّةً يَغْتَسِلُ، فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ، فَفَرَّ الْحَجَرُ بِثَوْبِهِ، فَخَرَجَ فِي إِثْرِهِ، يَقُولُ: ثَوْبِي يَا حَجَرُ، حَتَّى نَظَرَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى مُوسَى، فَقَالُوا: وَاللَّهِ! مَا بِمُوسَى مِنْ بَأْسٍ، وَأَخَذَ ثَوْبَهُ، فَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرْبًا". فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: ¬

_ (¬1) في "ع": "يده". (¬2) في "ع": "المسرفين". (¬3) في "ع": "لأثر". (¬4) في "ع": "وترجمه البخاري بما في هذا المعنى، فتأمله".

وَاللهِ! إِنَّهُ لَنَدَب بِالْحَجَرِ، سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ، ضَرْبًا بِالْحَجَرِ. (آدَرُ): -بالمد غير منصرف-؛ أي: منتفخ الخِصْيتين. (فجَمَحَ (¬1)): -بجيم وميم وحاء مهملة مفتوحات-: أسرع. (حتى نظرتْ بنو إسرائيل إلى موسى): قال ابن بطال: فيه دليل على إباحة نظر العورة عند الضرورة (¬2). قال ابن المنير: الصحيح أن موسى - عليه السلام - لم يتعمد تمكينهم من نظر العورة، وإنما ألجأه الله تعالى إلى (¬3) ذلك بآية أظهرها لبراءته مما تُنُقِّصَ به، وكان الحجر في ذلك كالبشر يفرُّ بثوب الرجل، فيلزمُه اتباعُه، أو (¬4) يجوز ذلك (¬5) للضرورة. (فطفِق): -بكسر الفاء-: من أفعال المقاربة؛ أي: شرع، وقد مر. (بالحجر): أي (¬6): يوقع بالحجر، ولم أقدره بضرب (¬7)؛ لئلا يلزم زيادة الباء في غير محلها. (ضربًا): أي: يضربه ضربًا. ¬

_ (¬1) كذا في رواية أبي ذر الهروي والأصيلي وغيرهما عن الكشميهني، وفي اليونينية: "فخرج"، وهي المعتمدة في النص. (¬2) انظر: "شرح ابن بطال" (1/ 393). (¬3) "إلى" ليست في "ن". (¬4) في "ع" و"ج": "إذ". (¬5) "ذلك" ليست في "ن". (¬6) في "ج": "أن". (¬7) في "م": "بصرت"، والمثبت من النسخ الأخرى.

قال ابن المنير: لما فعل الحجر فعلَ البشر، أَدَّبه موسى - عليه السلام - أَدبَهم، ولم يمنعه من ذلك كونُ الحجر آيةً (¬1)؛ لاحتمال أن تكون الآية في خلق الحياة له والإدراك، فلما صار كذلك (¬2)، عصى بالفرار بثوبه، فأدَّبه على معصيته. وقد قال العلماء (¬3): لو تحدّى نبي بإحياء ميتِ، فأحيا (¬4) اللهُ تعالى، فكذَّب ذلك النبيَّ، لم يُقدح في معجزته (¬5)؛ لأنه قد صار بشرًا مكلفًا، فهو (¬6) كغيره من المكذبين. وفي المسألة خلاف، والصحيح: أنه لو تحدى بنطق يده، فنطقت بتكذيبه، لم تقم له معجزة. (لنَدَب بالحجر): -بفتح النون والدال المهملة-: أثر الجرح إذا لم يرتفع عن الجلد، كذا في "الصحاح" (¬7). فإن حُمل (¬8) على ظاهره، ففيه آية (¬9) لموسى - عليه السلام -، وإلا، فيكون استعارة. ¬

_ (¬1) آية: ليست في "ج". (¬2) في "ج": "فلما كان ذلك". (¬3) في "ع" و"ج": "وقال العلماء". (¬4) في "ن" و "ع": فأحياه. (¬5) "ع": معجزاته. (¬6) فهو: ليست في "ن"، وفي "ع" و"ج": وهو. (¬7) انظر: "الصحاح" للجوهري (1/ 223)، (مادة: ندب). (¬8) في "ج": "حمله". (¬9) في "ج": "أن".

(ستةً أو سبعةً): أي: ستة آثار، أو سبعة آثار، ويُحتمل الرفعُ على أنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هي ستة، أو سبعة، والضمير عائد على (¬1) الآثار (¬2)، ويُحتمل النصبُ على الحال من الضمير المستكِنِّ في قوله: بالحجر، فإنه ظرف مستقر صفة (¬3) لندب (¬4)؛ أي: إنه لندبٌ (¬5) استقرَّ بالحجر حالة (¬6) كونه ستةَ (¬7) آثار أو سبعةً. * * * 216 - (279) - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "بَيْنَا أيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا، فَخَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَجَعَلَ أيوبُ يَحْتَثِي في ثَوْبِهِ، فَنَادهُ رَبُّهُ: يَا أيوبُ! ألمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى؟ قَالَ: بَلَى وَعِزَّتِكَ! وَلَكِنْ لاَ غِنَى بِي عَنْ بَرَكتِكَ". وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبةَ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "بيْنَا أيوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا". (بينا أيوب يغتسل عريانًا، فخرَّ عليه جرادٌ من ذهب): الظاهر أن (¬8) ¬

_ (¬1) في "ن": "إلى". (¬2) في "ع": "على أثر". (¬3) "صفة" ليست في "ن". (¬4) في "ج": "الندب". (¬5) "أي: إنه لندب" ليست في "ج". (¬6) في "ع": "استقر بالحجر عليه حالة". (¬7) "ستة" ليست في "ج". (¬8) في "ج": "أنه".

باب: عرق الجنب، وأن المسلم لا ينجس

قوله: "خر عليه جراد" هو جواب "بينا"، وقد اقترن بالفاء، والمعهود اقترانه بإذ (¬1) أو إذا (¬2)، أو تجرده، فإما أن يُدَّعى زيادةُ الفاء، أو حذفُ شيء يكون جوابًا، وانظر ما تقديره. (فجعل يَحْثي): -بحاء مهملة فثاء مثلثةِ-؛ من الحثية، وهي الأخذُ باليد. ويروى: بزيادة مثناة من فوق بعد الحاء، يفتعلُ من الحثية. ووقع عند الشيخ أبي (¬3) الحسن: "يحتثن" بنون في آخره. قال السفاقسي: ولم أجده في اللغة (¬4). (ألم أكن أغنيتك عما ترى؟): لا يُحمل هذا على المعاتية كما فهم بعضُهم، وإنما هو استنطاقٌ بالحجة. * * * باب: عَرَقِ الجُنُبِ، وأنَّ المسلمَ لا ينجُسُ 217 - (283) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَكْرٌ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَقِيَهُ فِي بَعْضِ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ وَهْوَ جُنُبٌ، فَانْخَنَسْتُ مِنْهُ، فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: "أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ "، قَالَ: كُنْتُ جُنُبًا، فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ وَأَناَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، فَقَالَ: "سُبْحَانَ اللَّهِ! إِن المُسْلِمَ لاَ يَنْجُسُ". ¬

_ (¬1) في "ن" و "ج": "بإذا". (¬2) "أو "إذا" ليست في "ج". (¬3) في "ج": "أبو". (¬4) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 180).

(فانخنست منه): أي: انقبضت وتأخرت -بخاء معجمة بين نونين-. ويروى: "فانبجست" -بنون فموحدة فجيم-؛ أي: اندفعت عنه. ويروى: "فانبخست" من البخس الذي هو النقص، ووُجِّهت -على استبعادها- بأنه اعتقد نقصان نفسه بجنابته عن مجالسته (¬1). ويروى: "فانتجست" -بنون فمثناة فجيم-؛ [من النجاسة؛ أي: اعتقدت نفسي نجسًا. ويروى: "فانتجشت" -بنون فمثناة من فوق] (¬2) فجيم فشين معجمة-؛ من النجش (¬3)، وهو الإسراع. فهذه (¬4) خمسُ رواياتٍ مذكورةٌ (¬5) في "تعليق العمدة" (¬6). (كنت جنبًا): أي: ذا جنابةٍ. ويستعمل للمذكر والمؤنث، والواحد وغيره بلفظ واحد، قال الله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا} [المائدة: 6] وقال بعض أزواجه - عليه السلام -: "إني (¬7) كنتُ جنبًا" (¬8). ¬

_ (¬1) في "ع": "عن نفسه مجالسته". (¬2) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬3) في "ع": "النجيش". (¬4) في "م" و "ج": "فهذا". (¬5) في "ع": "مذكورات". (¬6) انظر: "النكت على العمدة" للزركشي (ص: 46). (¬7) في "ج": "إن". (¬8) رواه أبو داود (68)، والترمذي (65)، وابن ماجة (370) عن ابن عباس رضي الله عنهما.

باب: الجنب يخرج ويمشي في السوق وغيره

وقد يقال: جنبان، وجنبون، وأجناب. (سبحان الله!): تعجب من اعتقاد أبي هريرة التنجسَ (¬1) من الجنابة. (إن المؤمن لا ينجس): مضارع نجُس -بفتح الجيم وضمها-، ويقال: "نَجِس" -بكسر الجيم- ينجَس -بفتحها-. ويقال للشيء: نَجَسٌ: بمعنى (¬2): أن عينَه نجسٌ (¬3)، وبمعنى: أنه متنجِّس بإصابة النجاسة له (¬4)، فيحمل ما في الحديث على المعنى الأول، لا الثاني؛ لإمكان تنجُّسه. وطهارةُ الميتِ، ونجاستُه أمرٌ مختلَف فيه، والكلام فيه طويل لا يليق بهذا التعليق. * * * باب: الجنب يخرُجُ ويمشي في السُّوق وغيرِهِ 218 - (284) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قتادَةَ: أَنَّ أَنس بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ: أَنَّ نبَيَّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كاَنَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نِسْوَةٍ. (زريع): -بزاي فراء- مصغَّر زَرْع. ¬

_ (¬1) في "ن" و"ج": "التنجيس". (¬2) في "م": "يعني". (¬3) في "ج": "تنجس". (¬4) في "ج": "فأصابه نجاسة".

باب: كينونة الجنب في البيت، إذا توضأ قبل أن يغتسل

219 - (285) - حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ بَكْرٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَقِيَني رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَناَ جُنُبٌ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَمَشَيْتُ مَعَهُ حَتَّى قَعَدَ، فَانْسَلَلْتُ، فَأتيْتُ الرَّحْلَ، فَاغتَسَلْتُ، ثُمَّ جِئْتُ وَهْوَ قَاعِدٌ، فَقَالَ: "أَيْنَ كنْتَ يَا أَبَا هِرٍّ؟ "، فَقُلْتُ لَهُ، فَقَالَ: "سُبْحَانَ اللَّهِ يَا أَبَا هِرٍّ! إِنَّ الْمُؤْمِنَ لاَ يَنْجُسُ". (عيّاش): بمثناة من تحت مشددة وشين معجمة. * * * باب: كيْنُونَةِ الْجُنُبِ فِي الْبَيْتِ، إِذَا تَوَضَّأَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ (كينونة الجنب): مصدر كان يكون، وأصله: كَيَّنونة -بتشديد الياء-، ثم خفف؛ كهَيِّنٍ. * * * باب: نومِ الجُنُبِ 220 - (287) - حَدَّثَنَا قُتَيْبةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَيَرْقُدُ أَحَدُناَ وَهْوَ جُنُبٌ؟ قَالَ: "نعمْ، إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدكمْ، فَلْيَرْقُدْ وَهُوَ جُنُبٌ". (إذا توضأ أحدُكم فليرقد): فيه دليل لأحد القولين عندنا بإيجاب وضوء الجنب قبل النوم، [وذلك لأنه وقفَ إباحةَ الرقاد على الوضوء؛ لأن النوم] (¬1) ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين سقط من "ج".

باب: إذا التقى الختانان

من حيث هو نوم، مباحٌ، فالأمر للإباحة، وقد وقفها على الوضوء، وهو المطلوب. * * * 221 - (290) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ قَالَ: ذَكَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "تَوَضَّأْ، وَاغسِلْ ذَكَرَكَ، ثمَّ نَمْ". (توضأْ واغسلْ ذكرك، ثم نم): هو أظهر من الأول في إيجاب وضوء الجنب عند النوم، وفيه (¬1) من البديع تجنيسُ التصحيف. * * * باب: إذا التقى الختانانِ 222 - (291) - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ (ح). وَحَدَّثَنَا أبُو نُعَيْمٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ قتادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ، ثُمَّ جَهَدَهَا، فَقَدْ وَجَبَ الْغَسْلُ". تَابَعَهُ عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ شُعْبةَ: مِثْلَهُ. وَقَالَ مُوسَى: حَدَّثَنَا أَبَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ: مِثْلَهُ. ¬

_ (¬1) في "ع": "فيه".

باب: غسل ما يصيب من فرج المرأة

(بين شُعَبها الأربع): -بضم الشين المعجمة وفتح العين المهملة-: جمع شُعْبَة. قال ابن دقيق العيد: والأقربُ عندي أن المراد: يداها ورجلاها، أو رجلاها وفخذاها (¬1)، وكنى بذلك عن الجماع، واكتفى به عن التصريح (¬2). (ثم جهدها): قال الخطابي: الجهد: من أسماء النكاح (¬3). * * * باب: غَسلِ ما يُصيبُ من فرج المرأةِ 223 - (293) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَة، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبي، قَالَ: أَخْبَرني أَبُو أيوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أُبَيُّ بْنُ كعْبٍ: أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَلَمْ يُنْزِلْ؟ قَالَ: "يَغْسِلُ مَا مَسَّ المَرْأَةَ مِنْهُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي". قَالَ أبو عَبْدِ اللَّهِ: الْغَسْلُ أَحْوَطُ، وَذَاكَ الآخِرُ، وإنَّمَا بَيَّنَّا لاِخْتِلاَفِهِمْ. (وذلك (¬4) الآخر): يروى: -بكسر الخاء (¬5) -؛ أي: الأمر المتأخر من فعله (¬6) عليه الصلاة والسلام، فهو ناسخ لما قبله. ¬

_ (¬1) "أو رجلاها وفخذاها" ليست في "ع". (¬2) انظر: "شرح عمدة الأحكام" (1/ 104). (¬3) انظر: "أعلام الحديث" (1/ 124)، وقد عزاه إلى ابن الأعرابي. (¬4) في البخاري: "وذاك". (¬5) من قوله: "قال الخطابي" إلى هنا ليس في "ج". (¬6) في "ج": "فضله".

ويروى: بفتح الخاء؛ أي (¬1): وذلك الوجه الآخَر إنما بيناه؛ لاختلافهم، ففيه جنوح (¬2) لمذهب (¬3) داود. والجمهورُ على وجوب الغسل بالتقاء الختانين. * * * ¬

_ (¬1) "أي " ليست في "ن". (¬2) في "ن" و "ع": "جرح". (¬3) في "ج": "المذهب".

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مَصَابِيحُ الجَامِعِ [2]

جَمِيعُ الحُقُوقِ مَحْفُوظَة الطَّبْعَةُ الأُولَى 1430 هـ - 2009 م ردمك: 0 - 12 - 418 - 9933 - 978 ISBN قَامَت بعمليات التنضيد الضوئي والإخراج الفني والطباعة دَار النَّوَادِر لصَاحِبهَا ومديرها نور الدّين طَالب سوريا - دمشق - ص. ب: 34306 لبنان - بيروت - ص. ب: 5180/ 14 هَاتِف: 00963112227001 - فاكس: 00963112227011 www.daralnawader.com

كتاب الحيض

كتابُ الحَيْضِ

باب: كيف كان بدء الحيض وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هذا شيء كتبه الله على بنات آدم"

كتاب الحيض باب: كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الحَيْضِ وَقَوْلِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "هَذَا شَيْءٌ كتبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ" وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ أَوَّلُ مَا أُرْسلَ الحَيْضُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَحَدِيثُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَكثَرُ. (كتاب: الحيض). (كان أولُ ما أرسل الحيضُ علي بني إسرائيل): أولُ -بالرفع-: اسم كان، والحيضُ مرفوع بـ "أُرسل" (¬1) نائب عن الفاعل، وعلي بني إسرائيل هو الخبر. (وحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -): يعني: أن قوله -عليه الصلاة والسلام-: "إِنَّ هَذَا (¬2) أَمْرٌ كتبه الله علي بناتِ آدمَ" عامٌّ في جميع الآدميات. ونقل الزركشي (¬3) عن الداودي: أنه قال: ليس في الحديث مخالفة ¬

_ (¬1) في "ج": "ما أرسل". (¬2) "إن هذا" غير واضح في "م"، وهو هكذا في "ن"، وفي "ع" و"ج": "هذا". (¬3) "الزركشي" غير واضح في "م"، وهو هكذا في "ن" و"ع" و"ج".

باب: الأمر بالنفساء إذا نفسن

لهذا القول؛ فإن نساء بني (¬1) إسرائيل من بنات آدم (¬2). قلت: المخالفة ظاهرة؛ فإن هذا القول يقتضي أن (¬3) غير نساء بني إسرائيل لم يرسَلْ عليهن الحيض، والحديثُ ظاهر في أن جميع بنات (¬4) آدم كُتب عليهن الحيض، إسرائيلياتٍ كُنَّ أو غيرَهن، [نعم، لو حمل هذا (¬5) القول على أن المراد] (¬6): إرسال (¬7) الحيض إرسال حكمه؛ بمعنى أن كون الحيض مانعًا ابتدئ بهن الإسرائيليات، وحمل الحديث على قضاء الله تعالى على بنات آدم بوجود (¬8) الحيض كما هو الظاهر منه (¬9)، لم يكن ثَمَّ مخالفة، فتأمله. * * * باب: الأمرِ بالنُّفساء إذا نُفِسْنَ 224 - (294) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِم، قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ يَقُولُ: سَمِعْتُ ¬

_ (¬1) "فإن نساء بني" غير واضح في "م"، وهو هكذا في "ن" و "ع" و"ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 117). (¬3) "يقتضي أن" غير واضح في "م"، وهو هكذا في "ن" و"ع" و"ج". (¬4) "في أن جميع بنات" غير واضح في "م"، وهو هكذا في "ن" و "ع" و"ج". (¬5) في "ج": حديث هذا". (¬6) ما بين معكوفتين غير واضح في "م"، وهو هكذا في "ن" و "ع" و"ج". (¬7) في "ع" و"ج": "بإرسال". (¬8) في "ن": "ولوجود". (¬9) "منه" غير واضح في "م"، وهو هكذا في "ن" و"ع" و "ج".

باب: غسل الحائض رأس زوجها وترجيله

عَائِشَةَ تَقُولُ: خَرَجْنَا لاَ نَرى إلَّا الْحَجَّ، فَلَمَّا كُنَّا بِسَرِفَ، حِضْتُ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَناَ أَبْكِي، قَالَ: "مَا لَكِ؟ أَنُفِسْتِ؟ "، قُلْتُ: نعَمْ، قَالَ: "إنَّ هَذَا أَمْرٌ كتبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَاقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لاَ تَطُوفي بِالْبَيْتِ". قَالَتْ: وَضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ نِسَائِهِ بِالْبقَرِ. (بسَرِف (¬1)): -بفتح السين المهملة وكسر الراء-: [موضع بين مكة والمدينة] (¬2) ممنوعٌ من (¬3) الصرف، وقد يُصرف. (أنَفِست؟): -بفتح النون وكسر الفاء-؛ أي: حِضْتِ، ويرد (¬4) مع ذلك للولادة (¬5) نُفست -بضم النون-، هذا عند الأكثرين. * * * باب: غسلِ الحائض رأسَ زوجِها وترجيلهِ 225 - (295) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بنِ عروَةَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُنْتُ أُرَجِّلُ رأس رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَناَ حَائِضٌ. (أُرَجِّل): -بضم الهمزة وتشديد الجيم-: أُمشط الشعر وأُرسله. ¬

_ (¬1) في "ع": "سرف". (¬2) ما بين معكوفتين غير واضح في "م"، وهو هكذا في "ن" و "ع" و"ج". (¬3) "من" ليست في "ع". (¬4) "ويرد" غير واضحة في "م"، وهي هكذا في "ج"، وفي "ع": "ويرد"، وفي "ن": "ويزداد". (¬5) في "ج": "الولادة".

226 - (296) - حَدثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ: أَن ابْنَ جُرَيْجِ أَخْبَرَهُمْ، قَالَ: أَخْبَرَنِي هِشَامٌ، عَنْ عُرْوَةَ: أَنَّهُ سُئِلَ: أتخْدُمُنِي الْحَائِضُ، أَوْ تَدْنوُ مِنِّي الْمَرْأة وَهْيَ جُنُبٌ؟ فَقَالَ عُرْوَةُ: كُلُّ ذَلِكَ عَلَيَّ هَيِّنٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ تَخْدُمُنِي، وَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ فِي ذَلِكَ بَأْسٌ، أَخْبَرتنِي عَائِشَةُ: أَنَّهَا كَانَتْ تُرَجِّلُ، تَعْنِي: رَأْسَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَهِيَ حَائِضٌ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَئِذٍ مُجَاوِر فِي الْمَسْجدِ، يُدْنِي لَهَا رَأْسَهُ، وَهْيَ فِي حُجْرتهَا، فترَجِّلُهُ وَهْيَ حَائِضٌ. (كلُّ ذلك عليَّ (¬1) هينٌ، وكل ذلك تخدمني): "كلُّ" الأول مبتدأ، وخبره "هينٌ"، وهو ظاهر، و"كلُّ" الثاني يصح فيه الرفعُ، وخبرُه تخدمني [من الخدمة، والنصبُ على الظرفية؛ يعني: أن الحائض تخدمني] (¬2) في كل حال مما ذُكر (¬3)، والنصبُ على أن "تَجِدُ" (¬4) مضارعُ وَجَدَ، و"مني" جار ومجرور؛ أي (¬5): إنلك (¬6) تجدُ كلَّ ذلك مني. (مجاور): على جهة الاعتكاف. * * * ¬

_ (¬1) "علي" ليست في ج، وفي "ع": "هو عليَّ". (¬2) ما بين معكوفتين سقط من "ن". (¬3) في "ج": "ذكروا". (¬4) في "ج": "والنصب على الظرفية يعني أن الحائض مضارع". (¬5) "أي" ليست في "ج". (¬6) في "ج": "إن".

باب: قراءة الرجل في حجر امرأته وهي حائض

باب: قِرَاءَةِ الرَّجُلِ فِي حِجْرِ امْرَأَتِهِ وَهْي حَائِضٌ وَكَانَ أَبُو وَائِلٍ: يُرْسِلُ خَادِمَهُ وَهْيَ حَائِضٌ إِلَى أَبِي رَزِينٍ، فتأْتِيهِ بِالْمُصْحَفِ، فتمْسِكُهُ بِعِلاَقَتِهِ. (بعِلاقَتِه (¬1)): بكسر العين المهملة وبالقاف. * * * 227 - (297) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ: سَمِعَ زُهَيْرًا، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ: أَنَّ أمُّهُ حَدَّثَتْهُ: أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَتَّكِئُ فِي حَجْرِي وَأَناَ حَائِضٌ، ثُمَّ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ. (يتكئ): بالهمزة. (في حَجري): بفتح الحاء وكسرها، وقد مر. (وأنا حائض): بالهمز (¬2) بعد الألف. * * * باب: من سمَّى النِّفاس حيضًا 228 - (298) - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبي كثِيرٍ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ: أَنَّ زينَبَ بْنَةَ أُمِّ سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ: أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ حَدَّثَتْهَا، قَالَتْ: بَيْنَا أَناَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُضْطَجِعَةً فِي خَمِيصة، إذْ حِضْتُ، فَانْسَلَلْتُ، فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي، قَالَ: "أَنُفِسْتِ؟ "، قُلْتُ: نعمْ، فَدَعَانِي، فَاضْطَجَعْتُ مَعَهُ فِي الْخَمِيلَةِ. ¬

_ (¬1) في "ع": "بعلاقة". (¬2) في "ج": بالهمزة.

(بينا أنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1) مضطجعة): -بالرفع- خبر، وبالنصب - حال من ضمير الظرف المستقر. (في خميصةٍ (¬2)): كساء أسود فيه أعلام. (فأخذت ثياب حِيضتي): -بكسر الحاء-، وقد تقدم الفرقُ بينه وبين الفتح. (في الخميلة): ثوب من صوف له خَمَلٌ. وسأل ابن المنير (¬3) عن فقه هذه الترجمة، وهي قوله: "باب: من سمى النفاسَ حيضًا"، وكيف يطابق الحديث، وإنما فيه تسمية الحيض نفاسًا؟ وأجاب: بأنه نبه على أن حكم النفاس والحيض في منافاة الصلاة (¬4) ونحوِها واحدٌ، وألجأه إلى ذلك عدمُ وجدانه حديثًا في ذلك على شرطه، فاستنبط اتحادَهما في الحكم من هنا (¬5). وظن ابن بطال أنه يلزم من تسمية الحيض نفاسًا تسميةُ النفاس حيضًا (¬6). وليس كذلك (¬7)؛ لجواز أن يكون (¬8) كالإنسان والحيوان (¬9). ¬

_ (¬1) في "ع": "مع رسول - صلى الله عليه وسلم -". (¬2) في "ع": "في الخميصة". (¬3) في "ن": "ابن المنذر". (¬4) في "ع": "المنافاة للصلاة". (¬5) في "ع": من هذا. (¬6) انظر: "شرح ابن بطال" (1/ 416). (¬7) في "ن": "وليس ذلك". (¬8) في "ع": "يكونا". (¬9) في "ن": "لجواز أن يكونا والإنسان كالحيوان".

باب: مباشرة الحائض

وإنما الوجه أن الحيض سمي (¬1) نفاسًا؛ لأنه دم، والنفاس (¬2): الدم (¬3)، فقد اشترك هو والحيض في المعنى الذي لأجله سمي النفاس نفاسًا، فوجب جوازُ تسمية الحيض نفاسًا، وهذا ينبني على أن تسمية النفاس لم تكن لخروج (¬4) النفس التي هي النسمة (¬5)، وإنما كانت لخروج الدم. والله أعلم. * * * باب: مباشرةِ الحائضِ 229 - (300) وَكانَ يَأْمُرُنِي فَأَتَّزِرُ، فَيُبَاشِرُنِي وَأَناَ حَائِضٌ. (فَأَتَّزِرُ): -بتاء مشددة بعد الهمزة-، كذا ثبت في النسخ. وقال المطرزي: الصوابُ: "أأَتَّزِرُ"، بهمزتين ثانيتهما (¬6) فاء أَفتعل (¬7)، من الإزار. وقطع الزمخشري بخطأ الإدغام. وجوزه ابن مالك، وقال: هو مقصور على السماع؛ كأتزر، وأتَّكل، ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "يسمى". (¬2) في جميع النسخ عدا "ع": "والنفس". (¬3) في "ع": "دم". (¬4) في "ن": "بخروج". (¬5) في "ع": "هي من النسمة". (¬6) في "ع" و "ج": "ثانيهما". (¬7) في "ن" و "ع": "يفتعل"، وفي "ج": "فافتعل".

ومنه (¬1) قراءة ابن محيصن: {فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ} [البقرة: 283] بألف وصل وتاء مشددة (¬2). * * * 230 - (302) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبُو إِسْحَاقَ -هُوَ الشَّيْبَانِيُّ-، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كانَتْ إِحْدَاناَ إِذَا كانَتْ حَائِضًا، فَأَرَادَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُبَاشِرَهَا، أَمَرَهَا أَنْ تَتَّزِرَ فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا، ثُمَّ يُبَاشِرُهَا. قَالَتْ: وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ، كَمَا كَانَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - يَمْلِكُ إِرْبَهُ؟ تَابَعَهُ خَالِدٌ، وَجَرِيرٌ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ. (أن تتزر (¬3)): كما تقدم، وفي نسخة: "تأَتَّزِرُ (¬4) " -بهمزة- على (¬5) القياس (¬6). (في فور حيضتها (¬7)): أي: في ابتدائها قبل أن يطول زمنها. (ثم يباشرها): أي: تلاقي بشرتُه بشرتَها (¬8)، ولا يريدُ الجماعَ. ¬

_ (¬1) في "م": "منه". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 119). (¬3) في "ع": "يتزر". (¬4) في "ع" و"ج": "يأَتَّزِرُ". (¬5) "على" ليست في "ج". (¬6) "ع": "فهو على القياس". (¬7) في "م": "حيضة". (¬8) "بشرتها" ليست في "ج"، وفي "ع": "لبشرتها".

باب: ترك الحائض الصوم

(إِرْبه): قال القاضي: كذا رويناه عن كافة شيوخنا في هذه الأصول -بكسر الهمزة وسكون الراء-، وفسروه (¬1) بحاجته، وقيل: لعقله، وقيل: لعضوه (¬2) (¬3). وقال أبو عبيد، والخطابي: كذا يقوله أكثر الرواة، والإرب: العضو، وإنما هو لأَرَبه -بفتح الهمزة والراء-، أو لأربته (¬4)؛ أي: حاجته، قالوا: والأَرْب أيضًا: الحاجة. قال الخطابي: والأول أظهر. انتهى (¬5) (¬6). قلت: هذه الحاجة (¬7) من الخطابي في مخالفة الأكثرين بلا مُرَجِّع، فإذا ثبتت (¬8) الرواية هكذا، والمعنى صحيح كما اعترف به، فما هذا التعسُّفُ؟! * * * باب: تركِ الحائض الصومَ 231 - (304) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبي مَرْيَمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ¬

_ (¬1) في "ج": "فسره". (¬2) في "ع" و "ج": "وقيل: بعقله، وقيل: بعضوه". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 26). (¬4) في "ن" و "ع": "والأريبة"، وفي "ج": "ولأربته". (¬5) "انتهى" ليست في "ع". (¬6) انظر: "أعلام الحديث" (1/ 312)، و "التنقيح" (1/ 119). (¬7) في "ن" و "ع": "لحاجة". (¬8) في "ن": "ثبت".

جَعْفَرٍ، قَالَ: أخْبَرَنِي زيدٌ -هُوَ ابْنُ أَسْلَمَ-، عَنْ عِياضِ بْنِ عَبْدِ الله، عَنْ أبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِي، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي أَضْحًى، أَوْ فِطْر، إِلَى الْمُصَلَّى، فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ النِّسَاءَ! تَصَدَّقْنَ؛ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أكثَرَ أَهْلِ النارِ". فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: "تُكْثِرْنَ اللعْنَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، مَا رَأيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إحْدَاكُنَّ". قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِيننَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: "أليْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟ ". قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: "فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أليْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟ ". قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: "فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينهَا". (فذلكِ من نقصان عقلها): -بكسر الكاف- وكذا: "فذلكِ من نقصان دينها"؛ لأن الخطاب لمؤنث. فإن [قلت: إنما هو خطاب لإناث، والمعهودُ فيه فَذَلِكُنَّ] (¬1)؟ قلت: قد عُهد في خطاب المذكر الاستغناءُ بذلكَ عن ذلكم، قال الله تعالى: {فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ} [البقرة: 85]. {ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ} [المجادلة: 12]، فهذا مثلُه في المؤنث، على أن بعض النحاة نقل لغة بأنه يُكتفى -بكاف مكسورة- مفردة لكل مؤنث. فإن قلت (¬2): هل تتلمح (¬3) وجهًا آخر للإفراد؟ ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين سقط من "ن". (¬2) "فإن قلت" ليست في "ج". (¬3) في "ع": "تتملح"، وفي "ج": "يفلح".

باب: تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت

قلت: نعم، وذلك بأن (¬1) يكون الخطاب لغير معين (¬2) من النساء؛ ليعم الخطاب كلًّا منهن على سبيل البدل؛ إشارةً إلى أن حالتهن (¬3) في النقص تناهت (¬4) في الظهور إلى حيث يمتنع خفاؤها، فلا يختص بها واحدةً دون أخرى، فلا يختصُّ حينئذٍ بهذا الخطاب مخاطَبَةٌ دون مخاطَبَةٍ، ولقد (¬5) أبعدَ من قال: إن (¬6) المرادَ بالعقل هنا (¬7): الدِّيَةُ. * * * باب: تَقْضِي الْحَائِضُ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا إِلَّا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: لاَ بَأْسَ أَنْ تَقْرَأَ الآيَةَ. وَلَمْ يَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالْقِرَاءَةِ لِلْجُنُبِ بَأْسًا. وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كلِّ أَحْيَانِهِ. وَقَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ: كُنَّا نؤمَرُ أَنْ يَخْرُجَ الْحُيَّضُ فَيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ وَيَدْعُونَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَخْبَرَني أَبُو سُفْيَانَ: أَنَّ هِرَقْلَ دَعَا بِكِتَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَرَأَ، فَإِذَا فِيهِ: "بِسْم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم، وَ: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ} [آل عمران: 64] ". ¬

_ (¬1) "بأن" ليست في "ج". (¬2) في "ج": "يعني بغير معنى". (¬3) في "ن": "حالتهم". (¬4) في "ع": "مما يثبت". (¬5) في "ع": "وقد". (¬6) "إن" ليست في "ع" و"ج". (¬7) "هنا" ليست في "ن".

وَقَالَ عَطَاءٌ، عَنْ جَابِرٍ: حَاضَتْ عَائشَةُ، فَنَسَكَتِ المَنَاسِكَ، غَيْرَ الطَّوَافِ بالبَيْتِ، ولا تُصَلِّي. وقالَ الحَكَمُ: إنِّي لأَذْبَحُ وأَناَ جُنُبٌ، وقالَ اللهُ: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121]. (كنا نؤمر أن نخرج الحيض): ببناء نخرج للمفعول، ورفع الحيض، ونُخرج -بنون مضمومة- بالبناء للفاعل، ونصب الحيض على أنه مفعول به. 232 - (305) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ الْقَاسِم، عَنِ الْقَاسِم بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لاَ نَذْكُرُ إِلَّا الْحَجَّ، فَلَمَّا جِئْنَا سَرِفَ، طَمِثْتُ، فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأَناَ أَبْكِي، فَقَالَ: "مَا يُبْكِيكِ؟ "، قُلْتُ: لَوَدِدْتُ -وَاللَّهِ- أنِّي لَمْ أَحُجَّ الْعَامَ. قَالَ: "لَعَلَّكِ نُفِسْتِ؟ "، قُلْتُ نعمْ، قَالَ: "فَإِنَّ ذَلِكَ شَيْء كتبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَافْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لاَ تَطُوفي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي". (طَمِثْتُ (¬1)): -بطاء مهملة وميم مكسورة-؛ أي: حضتُ. * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "طمث".

باب: غسل دم المحيض

باب: غسلِ دمِ المحيضِ 233 - (307) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّهَا قَالَتْ: سَأَلَتِ امْرَأةٌ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَرَأَيْتَ إِحْدَاناَ، إِذَا أَصَابَ ثَوْبَهَا الدَّمُ مِنَ الْحَيْضَةِ، كيْفَ تَصْنَعُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَصَابَ ثَوْبَ إِحْدَاكُنَّ الدَّمُ مِنَ الْحَيْضَةِ، فَلْتَقْرُصْهُ، ثُمَّ لِتَنْضَحْهُ بِمَاءٍ، ثُمَّ لِتُصَلِّي فِيهِ". (عن أسماءَ بنتِ أبي بكر (¬1)، قالت: سألتِ امرأةٌ النبي - صلى الله عليه وسلم -): السائلةُ هي أسماءُ الراودة. * * * باب: الاعتكافِ للمستحاضَةِ 234 - (309) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قالَ: حَدَّثَنَا خالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ خالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - اعْتكَفَ مَعَهُ بَعْضُ نِسَائِهِ، وَهْيَ مُسْتَحاضَةٌ تَرَى الدَّمَ، فَرُبَّما وضَعَتِ الطَّسْتَ تَحْتَهَا مِنَ الدَّمِ. وَزَعَمَ: أَنَّ عَائِشَةَ رَأَتْ مَاءَ الْعُصْفُرِ، فَقَالَتْ: كَأَنَّ هَذَا شَيْءٌ كَانَتْ فُلاَنَةُ تَجدُهُ. (اعتكف معه بعض نسائه): يقال: إنها سَوْدَةُ بنتُ زَمْعَةَ، وقيل: إن (¬2) زينبَ بنتَ جحشٍ استُحيضت، وهو (¬3) غير صحيح، وإنما المستحاضةُ ¬

_ (¬1) في "ع" زيادة: "الصديق". (¬2) في "ع" و "ج": "إنها". (¬3) في "ج": "وقوع".

باب: الطيب للمرأة عند غسلها من المحيض

أختاها (¬1) حَمْنَةُ وأُمُّ حَبيبةَ. (فقالت: هذا شيء كانت فلانةُ تجده): قيل: فلانة هذه رَمْلَةُ أُمُّ حَبيبةَ بنتُ أبي سفيان، ولعله (¬2) انتقال من (¬3) أم حبيبة بنتِ جحش إلى هذه. * * * 235 - (312) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: مَا كَانَ لإحْدَاناَ إِلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ، تَحِيضُ فِيهِ، فَإِذَا أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ دَمٍ، قَالَتْ بِرِيقِهَا، فَقَصَعَتْهُ بِظُفْرِهَا. (فمصعته): -بصاد وعين مهملتين-: أذهبتْه، ويروى: "فقصعته" -بقاف (¬4) -؛ أي: فدلكته بالظفر (¬5). * * * باب: الطِّيب للمرأةِ عند غُسلها من المحيض 236 - (313) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ ابْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حَفْصَةَ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: أَوْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَتْ: كنَّا نُنْهَى أَنْ نُحِدَّ عَلَى ¬

_ (¬1) في (م): "أختها". (¬2) في "ج": "وبعده". (¬3) في "ع": "عن". (¬4) "بقاف" ليست في "ج". (¬5) انظر: "التنقيح" (1/ 120).

باب: دلك المرأة نفسها إذا تطهرت من المحيض

مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ، إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَلاَ نكتَحِلُ، وَلاَ نَتَطَيَّبُ، وَلاَ نلبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ، وَقَدْ رُخِّصَ لنا عِنْدَ الطُّهْرِ، إِذَا اغْتَسَلَتْ إِحْدَاناَ مِنْ مَحِيضِهَا، فِي نُبْذَةٍ مِنْ كُسْتِ أَظْفَارٍ، وَكُنَّا نُنْهَى عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ. قَالَ: رَوَاهُ هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (أن نُحِدَّ): بضم أوله وكسر ثانيه، وبفتح الأول وضم (¬1) الثاني. (ولا نكتحلُ): -بالرفع-، وليس معطوفًا على المنصوب المتقدم؛ لفساد المعنى. (ثوب عَصْب): -بعين مفتوحة وصاد ساكنة وكلاهما مهمل-: نوع من البرود يُعْصَبُ (¬2) غزلُه، ثم يُصبغ. (كست أظفار): قال ابن بطال: كذا روي، والصواب: "ظفار": ساحل من عدن، والكست والقسط لغتان (¬3). (ابن حسان): بالصرف من الحُسْن، وعدمِه من الحِسِّ. * * * باب: دَلْكِ المرأة نفسَها إذا تطهَّرت من المحيضِ 237 - (314) - حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مَنْصُورِ ¬

_ (¬1) في "ن" و"ع" و "ج": "وكسر". (¬2) في "ع": "ويعصب". (¬3) انظر: "شرح ابن بطال" (1/ 438).

ابْنِ صَفِيَّةَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ غُسْلِهَا مِنَ الْمَحِيضِ، فَأَمَرَهَا كَيْفَ تَغْتَسِلُ، قَالَ: "خُذِي فِرْصَةً مِنْ مِسْكٍ، فَتَطَهَّرِي بِهَا". قَالَتْ: كَيْفَ أتطَهَّرُ؟ قَالَ: "تَطَهَّرِي بِهَا". قَالَتْ: كَيْفَ؟ قَالَ: "سُبْحَانَ اللَّهِ! تَطَهَّرِي". فَاجْتَبَذْتُهَا إِلَيَّ، فَقُلْتُ: تَتَبَّعِي بِهَا أثرَ الدَّمِ. (أن امرأة سألت النبي - صلى الله عليه وسلم -): وفي (¬1) الباب الذي بعده: "من الأنصار"، قيل: هي أسماء بنت شَكَل. وقال الخطيب في "مبهماته": إنها أسماءُ بنتُ يزيدَ بنِ السَّكَنِ خطيبةُ النساء، وصوبه بعض المتأخرين؛ لأنه ليس في (¬2) الأنصار مَنِ اسمُه شَكَل، وتُعقب بجواز تعدُّد الواقعة (¬3). (فِرْصَة):-بفاء مكسورة وصاد مهملة-: قطعة، وقيل: -بفتح القاف والصاد المهملة-؛ أي: شيئًا يسيرًا مثل القرصة بطرف الإصبعين، وقال ابن قتيبة: إنما هو -بالقاف [والضاد المعجمة-؛ أي: قطعة (¬4). قلت: لا مجال للرأي في مثله، والرواية ثابتة بالفاء (¬5)] (¬6) والصاد المهملة، والمعنى صحيح بنقل أئمة (¬7) اللغة. ¬

_ (¬1) في "م": "من". (¬2) في "ن": "في". (¬3) انظر: "التوضيح" (5/ 80). (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 121). (¬5) في "ع": "بالقاف". (¬6) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬7) في "ج": "أهل".

باب: غسل المحيض

(من مِسك): -بكسر الميم- في المشهور، وقيل: -بفتحها-: قطعة من (¬1) الجلد (¬2). وقال ابن قتيبة: ليس المرادُ المِسْكَ؛ لأن العرب لم يكن في وُسعهم استعمالهُ، وإنما معناه: الإمساك، وقد سُمع: مَسَكه مَسْكًا (¬3). * * * باب: غسلِ المحيضِ 238 - (315) - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: كيْفَ أَغْتَسِلُ مِنَ الْمَحِيضِ؟ قَالَ: "خُذِي فِرْصَةً مُمَسَّكَةً، فَتَوَضَّئِي ثَلاَثًا". ثمَّ إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَحْيَا، فَأَعْرَضَ بِوَجْهِهِ، أَوْ قَالَ: "تَوَضَّئِي بِهَا". فَأَخَذْتُهَا فَجَذَبْتُهَا، فَأَخْبَرْتُهَا بِمَا يُرِيدُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. (ممسَّكةً): اسم مفعول من مَسَّكتها (¬4): إذا طَيَّبتها (¬5) بالمسك، ومنهم من كسر السين، والأول (¬6) يدفع إنكارَ ابن قتيبة. * * * ¬

_ (¬1) "من" ليست في "ن". (¬2) في "ع" و"ج": "جلد". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 121). (¬4) في "م": "مسَّكها". (¬5) في "ج": "طيبها". (¬6) في "ج": "في الأول".

باب: امتشاط المرأة عند غسلها من المحيض

باب: امتشاطِ المرأةِ عند غُسلها من المحيضِ 239 - (316) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ: حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ: أَن عَائِشَةَ قَالَتْ: أَهْلَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّةِ الْوَداعِ، فَكُنْتُ مِمَّنْ تَمَتَّعِ وَلَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ، فَزَعَمَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ، وَلَمْ تَطْهُرْ حَتَّى دَخَلَتْ لَيْلَةُ عَرَفةَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَذِهِ لَيْلَةُ عَرَفَةَ، وَإِنَّمَا كنْتُ تَمَتَّعْتُ بِعُمْرَةٍ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "انْقُضِي رَأْسَكِ، وَامْتَشِطِي، وَأَمْسِكِي عَنْ عُمْرتكِ". فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا قَضَيْتُ الْحَجَّ، أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ، فَأعْمَرَنِي مِنَ التَّنْعِيم، مَكَانَ عُمْرتي الَّتِي نَسَكْتُ. (فزعمت أنها حاضت، ولم تطهر حتى دخلت ليلة عرفة): قال ابن المنير: فيه دليل على أن حيض عائشةَ كان ثلاثةَ أيام خاصة؛ لأنه -عليه السلام- دخل مكة في الخامس من ذي الحجة، فحاضت يومئذ، وطهرت (¬1) يومَ عرفة. انتهى. فإن قلت: ليس في هذا (¬2) الحديث أنها حاضت يومئذ، فلا دليل فيه. قلت: في باب: كيف تهل الحائض بالحج والعمرة: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةِ" إلى آخر كلامه، قالت: فحضتُ، ففيه دليل على أن حيضها كان بفور (¬3) يومَ (¬4) القدوم إلى مكة، قالت: فلم أزل ¬

_ (¬1) في "ن": "فطهرت". (¬2) "هذا" ليست في "ع" و"ج". (¬3) "بفور" ليست في "ن". (¬4) "يوم" ليست في "ع" و "ج".

باب: نقض المرأة شعرها عند غسل المحيض

حائضًا حتى كان يومُ عرفة. فانظره. [(هذا ليلة يوم عرفة (¬1)): أي: هذا الوقت، ومن روى: "هذه" فالإشارة إلى الليلة على الأصل] (¬2). * * * باب: نقضِ المرأة شعرَها عند غسلِ المحيضِ 240 - (317) - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: خَرَجْنَا مُوَافِينَ لِهِلاَلِ ذِي الْحِجَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، فَلْيُهْلِلْ، فَإِنِّي لَوْلاَ أنِّي أَهْدَيْتُ، لأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ". فَأَهَلَّ بَعْضُهُمْ بِعُمْرَةٍ، وَأَهَلَّ بَعْضُهُمْ بِحَجٍّ، وَكُنْتُ أَناَ مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، فَأَدْركَنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَناَ حَائِضٌ، فَشَكَوْتُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "دَعِي عُمْرتكِ، وَانْقُضِي رَأْسَكِ، وَامْتَشِطِي وأَهِلِّي بِحَجٍّ". فَفَعَلْتُ، حَتَّى إِذَا كَانَ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ، أَرْسَلَ مَعِي أَخِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبي بَكْرٍ، فَخَرَجْتُ إِلَى التَّنْعِيم، فَأَهلَلْتُ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ عُمْرتي. قَالَ هِشَامٌ: وَلَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ هَدْيٌ، وَلاَ صَوْمٌ، وَلاَ صَدَقَةٌ. (انقضي رأسك): -بالقاف-؛ أي: حُلِّي شعر الرأس. ¬

_ (¬1) كذا في رواية أبي ذر الهروي والأصيلي وغيرهما، "وهذه ليلة عرفة": رواية اليونينية، وفي المعتمدة في النص. (¬2) ما بين معكوفتين سقط من "ج".

باب: مخلقة وغير مخلقة

(ليلة الحصْبة): -بحاء مهملة وصاد ساكنة-: ليلةَ نزولهم المُحصَّب؛ موضعٍ خارجَ مكةَ. (مكان عمرتي التي نسكت (¬1)): -بنون في أوله-؛ من النسك، كذا لأبي ذر، ورواه أبو زيد: "سَكَتُّ"؛ من السكوت، قيل: كأنها تعني: سَكَتُّ عنها (¬2). * * * باب: مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ (باب: مخلقة وغير مخلقةٍ): قال ابن المنير: أدخل هذه الترجمة في أبواب الحيض؛ لينبه بها على أن دم الحامل ليس بحيض؛ لأن الحمل إن تم، فالرحمُ مشغول به، وما ينفصل عنه من دم، إنما هو (¬3) رشحُ غذائه، أو فضلته (¬4)، ونحو ذلك، فليس بحيض، وإن لم يتمَّ، وكانت المضغةُ غيرَ مخلقة، مَجَّها (¬5) الرحم مضغةً مائعةً حكمُها حكمُ الولد، فكيف يكون الولد حيضًا؟ 241 - (318) -حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّاد، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- ¬

_ (¬1) "التي نسكت" ليست في نص البخاري المتداول. (¬2) في "ن": "فيها". (¬3) "هو" ليست في "ج". (¬4) في "ج": "وفضلته". (¬5) في "ن": "محقها".

باب: إقبال المحيض وإدباره

وَكَّلَ بِالرَّحِم مَلَكًا، يَقُولُ: يَا رَبِّ! نُطفَةٌ، يَا رَبِّ! عَلَقَةٌ، يَا رَبِّ! مُضْغَةٌ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ خَلْقَهُ، قَالَ: أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ شَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ؟ فَمَا الرِّزْقُ وَالأَجَلُ؟ فَيُكْتَبُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ". (يا رب! نطفة): مرفوعٌ خبرُ مبتدأ محذوف، ومنصوبٌ عند القابسي على إضمارِ فعلٍ (¬1). * * * باب: إِقْبَالِ الْمَحِيضِ وَإِدْبَارهِ وَكُنَّ نِسَاءٌ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ بِالدُّرْجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ، فتقُولُ: لاَ تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ، تُرِيدُ بِذَلِكَ: الطُّهْرَ مِنَ الْحَيْضَةِ. وَبَلَغَ ابْنَةَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: أَنَّ نِسَاءً يَدْعُونَ بِالْمَصَابِيح مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، يَنْظُرْنَ إِلَى الطُّهْرِ، فَقَالَتْ: مَا كانَ النِّسَاءُ يَصْنَعْنَ هَذَا، وَعَابَتْ عَلَيْهِنَّ. (وكن نساءٌ يبعثن): على لغة: "يَتَعاقَبُونَ فِيكُمْ مَلائِكَةٌ"، فأورده (¬2) هكذا غير مسند، وقد أسنده الإمام مالك في "الموطأ" (¬3). (بالدُّرْجة): -بضم أوله وإسكان ثانيه-: هي قطنةٌ تُدخلها المرأة فرجَها؛ لاختبار الطهر. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 124). (¬2) في "ن" و "ع": "وأورده". (¬3) رواه مالك في "الموطأ" (1/ 59).

وروي: بكسر (¬1) أوله وفتح ثانيه، جمع دُرَجَة. (القَصّة (¬2)): -بقاف مفتوحة وصاد مهملة مشددة-: ماء أبيض يخرج آخر الحيض، فيتبين نقاءُ الرحم، شُبه بالقصة، وهي الجيرُ (¬3). وقال (¬4) أبو عبيد الهروي: معناه: أن يخرج ما تحشي به الحائض نقيًّا كالقصة، كأنه ذهب إلى الجفوف (¬5). قال القاضي: وبينهما (¬6) عند (¬7) النساء وأهل المعرفة (¬8) فرق بيِّن (¬9). انتهى (¬10). وسببه أن الجفوف عَدَم، والقَصَّة وجود، والوجودُ أبلغُ دلالةً، وكيف لا والرحمُ قد يجف في أثناء الحيض؟ وقد تنظف (¬11) الحائض فيجف رحمُها ساعة، والقَصة لا تكون إلا طهرًا. * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "بفتح". (¬2) في "ن": "القصة البيضاء". (¬3) في "ع": "الحبر". (¬4) في "ج": "قال". (¬5) في "ج": "الحرف". (¬6) "وبينهما" ليست في "ن". (¬7) في "ج": "فرق عند". (¬8) في "ن": "وأهل اللغة المعرفة". (¬9) "بين" ليست في "ج". (¬10) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 188). (¬11) في "م": "تنتظف".

باب: لا تقضي الحائض الصلاة

باب: لا تقضي الحائضُ الصلاةَ 242 - (321) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا قتادَةُ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي مُعَاذَةُ: أَنَّ امْرَأةً قالَت لِعَائِشَةَ: أتجْزِي إِحْدَاناَ صَلاَتَهَا إِذَا طَهُرَتْ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ كنَّا نحَيضُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلاَ يَأْمُرُناَ بِهِ، أَوْ قَالَتْ: فَلاَ نَفْعَلُهُ. (حدثتني معاذةُ: أن امرأة قالت لعائشة): وقع في مسلم ما يقتضي أن هذه المرأة هي معاذة (¬1). (أتجزي إحدانا صلاتها): تَجزي: -بفتح المثناة من فوق وآخره آخر الحروف-، وصلاتَها: منصوبٌ مفعول تجزي، ومعناه: [أتقضي إحدانا صلاتها؟ وهو مثل قوله في الرواية الأخرى (¬2)] (¬3): "أتقضي إحدانا الصلاةَ أيامَ حيضها؟ " (¬4). * * * باب: مَنِ اتَّخَذَ ثِيَابَ الْحَيْض سِوَى ثِيَابِ الطُّهْرِ (باب: من اتخذ ثياب الحيض سوى ثياب الطهر): قال ابن بطال: لا يعارض حديث هذا الباب قولَ عائشة: ما كان لإحدانا إلا ثوبٌ واحدٌ تحيض فيه؛ لأن هذا في بدء الإسلام؛ لقلة ذات اليد، ثم وسع الله ¬

_ (¬1) رواه مسلم (335) عن عائشة رضي الله عنها. (¬2) في "م": "الأخيرة". (¬3) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬4) رواه مسلم (335) عن عائشة رضي الله عنها.

باب: شهود الحائض العيدين ودعوة المسلمين، ويعتزلن المصلى

عليهم (¬1) بالغنائم والفتوح، فاتخذ النساء للحيض ثيابًا غيرَ ثياب اللباس (¬2). قال ابن المنير: ويجوز أن يكون ثياب الحيضة: خرقها، وحفاظها، ونحوهما (¬3)، وكنّت عنها (¬4) بالثياب تجملًا وتأدبًا. * * * باب: شهودِ الحائضِ العيدين ودعوة المسلمينَ، ويعتزلْنَ المُصلَّى 243 - (324) - حَدَّثَنَا محمد -هُوَ ابْنُ سَلاَمٍ-، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حَفْصَةَ، قَالَتْ: كُنَّا نَمْنَعُ عَوَاتِقَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ فِي الْعِيدَيْنِ، فَقَدِمَتِ امْرَأةٌ، فَنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ، فَحَدَّثَتْ عَنْ أُخْتِهَا، وَكَانَ زَوْجُ أُخْتِهَا غَزَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثِنْتَيْ عَشَرَةَ، وَكَانَتْ أختِي مَعَهُ فِي سِتٍّ، قَالَتْ: كُنَّا نُدَاوِي الْكَلْمَى، وَنقُومُ عَلَى الْمَرْضَى، فَسَألتْ أُخْتِي النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: أَعَلَى إِحْدَاناَ بَأْسٌ، إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ، أَنْ لاَ تَخْرُجَ؟ قَالَ: "لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا، وَلْتَشْهَدِ الْخَيْرَ، وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ". فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ، سَأَلْتُهَا: أَسَمِعْتِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَتْ: بِأَبِي! نعمْ، وَكَانَتْ لاَ تَذْكُرُهُ إِلَّا قَالَتْ: بِأبِي! سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "يَخْرُجُ الْعَوَاتِقُ، وَذَوَاتُ ¬

_ (¬1) في "م": "ثم وسع عليهم". (¬2) انظر: "شرح ابن بطال" (1/ 449). (¬3) في "م": "ونحوها". (¬4) في "ن": "عليها".

الْخُدُورِ، أَوِ الْعَوَاتِقُ ذَوَاتُ الْخُدُورِ، وَالْحُيَّضُ، وَلْيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ، وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ، وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّض الْمُصَلَّى". قَالَتْ حَفْصَةُ: فَقُلْتُ: اَلْحُيَّضُ؟ فَقَالَتْ: أليْسَ تَشْهَدُ عَرَفَةَ، وَكَذَا وَكَذَا؟ (قالت: بأبي! نعم): أي: أفدي (¬1) بأبي المذكورَ، قال ابن (¬2) مالك: وفيه أربعة أوجه: أحدها (¬3): سلامة الهمزة والياء، والثاني: إبدالها ياء (¬4) وسلامة الياء (¬5)، والثالث: سلامة (¬6) الهمزة وإبدال الياء ألفًا، والرابع: إبدال الهمزة ياء والياء ألفًا (¬7). (قالت حفصة: فقلت: آلحُيَّض؟): بالمد على الاستفهام مرفوع؛ أي: أتخرج الحُيَّض (¬8)؟ * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "فدى". (¬2) "ابن" ليست في "ج". (¬3) في "ن": "إحداها"، وفي "ج": "أحدهما". (¬4) في "ن" و "ع": "إبدال الهاء ياء". (¬5) في "ع": "وسلامة الهمزة والياء". (¬6) "الياء والثالث سلامة" ليست في "ن". (¬7) انظر: "شواهد التوضيح" لابن مالك (ص: 201). (¬8) في "ع": "بالحيض".

باب: إذا حاضت في شهر ثلاث حيض، وما يصدق النساء في الحيض والحمل، فيما يمكن من الحيض لقول الله تعالى: {ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن} [البقرة: 228]

باب: إِذَا حَاضَتْ فِي شَهْرٍ ثَلاَثَ حِيَضٍ، وَمَا يُصَدَّقُ النِّسَاءُ فِي الْحَيْضِ وَالْحَمْلِ، فِيمَا يُمْكِنُ مِنَ الْحَيْضِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228] وَيُذْكَرُ عَنْ عَلِيٍّ وَشُرَيْحٍ: إِنِ امْرَأةٌ جَاءَتْ بِبيِّنَةٍ مِنْ بِطَانَةِ أَهْلِهَا، مِمَّنْ يُرْضَى دِينُهُ: أَنَّهَا حَاضَتْ ثَلاَثًا فِي شَهْرٍ، صُدِّقَتْ. وَقَالَ عَطَاءٌ: أَقْرَاؤُهَا مَا كَانَتْ. وَبِهِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ. وَقَالَ عَطَاءٌ: الْحَيْض يَوْمٌ إِلَى خَمْسَ عَشْرَةَ. وَقَالَ مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ: سَأَلْتُ ابْنَ سِيرِينَ عَنِ الْمَرْأَةِ تَرَى الدَّمَ، بَعْدَ قَرْئِهَا بِخَمْسَةِ أَيَّامٍ؟ قَالَ: النِّسَاءُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ. (وقال معتمر (¬1) عن أبيه): معتمر: اسمُ فاعل من اعتمر. * * * باب: الصفرة والكُدرةِ في غير أيام الحيضِ 244 - (326) - حَدَّثَنَا قُتَيْبةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ: كنَّا لاَ نعدُّ الْكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ شَيئًا. (كنا لا نعدُّ الكدرةَ والصفرة (¬2) شيئًا): حمله البخاري وغيره على أن الكدرة والصفرة لا تعد شيئًا في غير أيام الحيض. ¬

_ (¬1) في "ن": "معمر". (¬2) في "ع": "الصفرة والكدرة".

باب: عرق الاستحاضة

ومالك (¬1) - رضي الله عنه - يرى أنهما (¬2) حيض مطلقًا، وأورد عليه حديث أم عطية. قال ابن المنير: ولم لا يُحمل قولُها (¬3): "على الطهر"؟ أي: كنا لا نعد الصفرة والكدرة في آخر الحيض طُهرًا بخلاف القَصَّة البيضاء (¬4). * * * باب: عِرقِ الاستحاضةِ 245 - (327) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْنٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبي ذِئْبٍ، عَنِ ابْنِ شهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، وَعَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ اسْتُحِيضَتْ سَبعَ سِنِينَ، فَسَألتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ، فَقَالَ: "هَذَا عِرْقٌ". فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلاَةٍ. (أن أم حبيبة استُحيضت سبع سنين): هي أم حبيبة بنتُ جحش، لا أمُّ حبيبةَ زوجُ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد عد المنذري المستحاضات في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فذكرهن خمسًا: حَمْنَةُ بنتُ جحش، وأُمُّ حبيبةَ بنتُ جحش، وفاطمةُ بنتُ أبي حُبيش واسمه قيس، وسهلةُ بنتُ سهيلٍ (¬5) القرشيةُ العامرية، ¬

_ (¬1) في "ع": "في غير أيام الحيض طهرًا بخلاف القصة البيضاء، ومالك". (¬2) في "ج": أنها. (¬3) في "ن": "قولهما". (¬4) "بخلاف القصة البيضاء" ليست في "ع". (¬5) في "ع" و "ج": "سهل".

باب: الصلاة على النفساء وسنتها

وسَوْدَةُ بنتُ زمعةَ. * * * باب: الصَّلاةِ على النُّفَساءِ وسُنَّتِها 246 - (332) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شَبَابَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبةُ، عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّم، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ: أَنَّ امْرَأةً مَاتَتْ فِي بَطْنٍ، فَصَلَّى عَلَيْهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَامَ وَسَطَهَا. (ابن أبي سُريج): بسين مهملة مضمومة وجيم، مصغَّر. (شَبَابَة): بشين معجمة وموحدتين خفيفتين. (أن امرأة ماتت في بطن): أي: في حمل. (فصلى عليها النبي - صلى الله عليه وسلم -): في "صحيح مسلم": قال سمرة: "صليتُ خلفَ النبي - صلى الله عليه وسلم - على أم كعبٍ ماتت وهي نُفَساء" (¬1)، قيل: فهذه الرواية فيها بيان المبهم (¬2)، قال ابن الأثير: وهي أنصارية (¬3). (فقام وسَطها): -بفتح السين-، وقد روي بالسكون، وهو يرد على من قال: يقف في المرأة عند منكبها. * * * ¬

_ (¬1) رواه مسلم (964). (¬2) في "ج": "المهم". (¬3) انظر: "أسد الغابة" لابن الأثير (7/ 383).

باب

باب 247 - (333) - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانة -اسْمُهُ الْوَضَّاحُ- مِنْ كِتَابِهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ خَالَتِي مَيْمُونَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهَا كَانَتْ تَكُونُ حَائِضًا لاَ تُصَلِّي، وَهْيَ مُفْتَرِشَةٌ بِحِذَاءِ مَسْجدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَهْوَ يُصَلِّي عَلَى خُمْرَتِهِ، إِذَا سَجَدَ، أَصَابَنِي بَعْضُ ثَوْبِهِ. (بحِذاء): بحاء مهملة مكسورة فذال (¬1) معجمة. (مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -): قال الزركشي: أي: موضع سجوده (¬2)، ليس المسجدَ المشهور (¬3). قلت: المنقول عن سيبويه: أنه إذا أُريد موضعُ السجود، قيل: مسجَد -بالفتح- لا غير. (على خُمرته): -بخاء معجمة مضمومة-: هي ما يُصنع من (¬4) سَعَف النخل بقدر ما يوضع عليه الوجهُ والكفَّان، فإن (¬5) زاد على ذلك، فهو حصير. ¬

_ (¬1) في "ن": "وذال". (¬2) في "ع": "موضع السجود". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 126). (¬4) في "ع": "ما يصبغ به من". (¬5) في "ن": "فإذا".

قيل: وسميت خمرة (¬1)؛ لأنها تستر وجه المصلي عن حر الأرض، ومنه الخمار. * * * ¬

_ (¬1) "خمرة" ليست في "ج".

كتاب التيمم

كتاب التيمم

باب

كتاب التيمم باب 248 - (334) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِم، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَعْضِ أَسْفَارِه، حَتَّى إِذَا كنَّا بِالْبَيْدَاءِ، أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ، انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي، فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْتِمَاسِهِ، وَأقامَ النَّاسُ مَعَهُ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَقَالُوا: أَلاَ تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ؟ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالنَّاسِ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - واضعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ ناَمَ، فَقَالَ: حَبَسْتِ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالنَّاسَ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ؟! فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، وَجَعَلَ يَطْعُنُنِي بِيَدِهِ فِي خَاصِرتي، فَلاَ يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلَّا مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى فَخِذِي، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ أَصبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّم، فتَيَمَّمُوا، فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ: مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ، فَأَصَبْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ.

(كتاب: التيمم). (كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره): قيل: هي غزوة بني المصطلق، وهي المُريسيع (¬1) سنةَ أربع أو خمس أو ست، أقوال، الصحيحُ: الآخِر. (بالبيداء): هي (¬2) ذو الحليفة. (أو بذات الجيش): وراء (¬3) ذي الحليفة. (انقطع (¬4) عقد لي (¬5)): ليس مرادها أنه لها بطريق الملك؛ بدليل ما في الباب الذي بعده: أنها استعارت من أسماءَ قلادةً، فجعلت العقدَ لها (¬6) باعتبار حيازتها واستحقاقها لمنفعته (¬7)، أو الانتفاع به. (فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة؟!): -بإثبات الألف- داخلة على "لا"، وعند الجمهور: بسقوطها. (يطعُنني): -بضم العين-، وحكي فتحها. وقيل: الفتح للقول، والضم للرمح. وقيل: كلاهما بالضم، حكاه في "الجامع". ¬

_ (¬1) "المريسيع" ليست في "ن". (¬2) في "ج": "في". (¬3) في "ج": "وروي". (¬4) "انقطع" ليست في "ع". (¬5) في "ن": "انقطع عقدي". (¬6) في "ن": "إما". (¬7) في "ع": "المنفعة".

(في خاصرتي): أي: جَنْبي. (فأنزل الله -عز وجل- آية التيمم): ولم يقل: آية الوضوء، وإن كان مبدوءًا به في الآية؛ لأن الطارئ في ذلك الوقت حكمُ التيمم، والوضوءُ كان مُقَرًّا (¬1) قبلُ، يدل عليه: "وليس معهم ماء". (أُسيد): تصغير (¬2) أسد. (ابن الحضير): بحاء مهملة وضاد معجمة، مصغر. * * * 249 - (335) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ (ح). قَالَ: وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ النَّضْرِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ -هُوَ ابْنُ صُهَيْبٍ الْفَقِيرُ-، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: نصُرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجدًا وَطَهُورًا، فَأيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أمُّتِي أَدْرَكتْهُ الصَّلاَةُ، فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْمَغَانِمُ، وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً". (ابن سنان): واحد الأسنة. (يزيد): من الزيادة. ¬

_ (¬1) في "ن": "مقدرًا"، وفي "ع": "مقررًا". (¬2) في "ع": "مصغر".

(الفقير (¬1)): أي: الذي به (¬2) علة في (¬3) فَقار ظهره، وليس المراد: الفقيرَ من المال. (نصرت بالرعب): وهو الخوف؛ لتوقع محذور. (مسيرة شهر): قيد في الخصوصية المذكورة، وذلك لا ينفي وجود الرعب من (¬4) غيره في أقل من هذه المسافة، نعم، ويقتضي أنه لم يوجد لغيره في هذه المسافة، ولا (¬5) في أكثرَ منها. (مسجدًا): الظاهر أنه من مجاز التشبيه؛ إذ المسجدُ حقيقةٌ عرفيةٌ في المكان المبني للصلاة، فلما جازت الصلاة في الأرض كلها، كانت كالمسجد في ذلك، فأطلق (¬6) عليها اسمه. فإن قيل (¬7): أي داع إلى العدول عن حمله على حقيقته اللغوية، وهي (¬8) موضع السجود؟ قلنا: إن بنينا (¬9) على ما مر من قول سيبويه، فواضح، وإن جوز ¬

_ (¬1) في "م" و "ع" و"ج": "ابن الفقير". (¬2) "به" ليست في "ن". (¬3) في "ع": "من". (¬4) في "ع": "في". (¬5) في "ج": "لا". (¬6) في "ج": "فانطلق". (¬7) في "ج": "فإن قلت". (¬8) في "ج": "وفي". (¬9) في "ج": "ينبني".

الكسر فيه، فالظاهر أن الخصوصية هي (¬1) كونُ الأرض محلًا لإيقاع الصلاة بجملتها فيها، لا لإيقاع السجود فقط؛ فإنه لم ينقل عن الأمم الماضية أنها كانت تخص السجود بموضع دون موضع. (وطَهورًا): أخذ منه بعض المالكية أن لفظ (¬2) طَهور يُستعمل لا في رفع حدث، ولا إزالة (¬3) خبث، وتوسل بذلك إلى القدح في استدلال الشافعية على نجاسة الكلب بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "طَهُورُ إِناَءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الكَلْبُ أَنْ يُغْسَلَ سَبْعًا" (¬4)؛ حيث قالوا: كل (¬5) طهور يستعمل إما عن حدث، أو (¬6) خبث، ولا حدث، فتعين الخبثُ، فمنع هذا المالكي الحصر بأنها (¬7) تستعمل في إباحة الاستعمال كما في التراب. (وأُعطيت الشفاعة): الأقربُ أن الألف واللام فيه للعهد، والمراد: شفاعتُه العظمى المختصةُ به (¬8) بلا خلاف. (وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس (¬9) عامة): لا يرد عليه أن نوحًا - عليه السلام - بعد خروجه من الفلك كان مبعوثًا إلى ¬

_ (¬1) في "ج": "في". (¬2) في "ن" و "ع": "لفظة". (¬3) في "ع": "ولا في إزالة". (¬4) رواه مسلم (279) عن أبي هريرة رضي الله عنه. (¬5) "كل" ليست في "ن". (¬6) في "ج": "وإما". (¬7) في "ج": "لأنها". (¬8) "به" ليست في "ج". (¬9) في "ع" و"ج": "وبعثت للناس".

باب: إذا لم يجد ماء ولا ترابا

أهل الأرض عامةً، وهم الناجون معه؛ إذ لم يبق إذ ذاك (¬1) معه (¬2) غيرُهم؛ لأن هذا العموم لم يكن في أصل البعثة، [وإنما هو بحادث (¬3)، وعمومُ رسالة نبينا - صلى الله عليه وسلم - ثابت في أصل البعثة] (¬4). * * * باب: إذا لم يجدْ ماءً ولا ترابًا 250 - (336) - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلاَدَةً، فَهَلَكَتْ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا، فَوَجَدَهَا، فَأَدْركتهم الصَّلاَةُ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَصَلَّوْا، فَشَكَوْا ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّم، فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ لِعَائِشَةَ: جَزَاكِ اللَّهُ خَيْرًا، فَوَاللَّهِ! مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ تَكْرَهِينَهُ، إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكِ لَكِ وَلِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ خَيْرًا. (فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلًا، فوجدها (¬5)): هو أُسيد بن حُضير كما جاء (¬6) في رواية: "بعثَ أُسيدَ بن حُضيرٍ وأناسًا معه" (¬7). ¬

_ (¬1) في "ج": "لم يبق معه إدراك". (¬2) "معه" ليست في "ع". (¬3) في "ع": "حادث". (¬4) ما بين معكوفتين سقط من "ن". (¬5) في "ج": "فوجدهما". (¬6) "جاء" ليست في "ن". (¬7) رواه أبو داود (317).

باب: التيمم في الحضر، إذا لم يجد الماء، وخاف فوت الصلاة

باب: التَّيَمُّم فِي الْحَضَر، إِذَا لَمْ يَجدِ الْمَاءَ، وَخَافَ فوْتَ الصَّلاَةِ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَقَالَ الْحَسَنُ فِي الْمَرِيضِ عِنْدَهُ الْمَاءُ وَلاَ يَجدُ مَنْ يُنَاوِلُهُ: يَتَيَمَّمُ. وَأَقْبَلَ ابْنُ عُمَرَ مِنْ أَرْضِهِ بِالْجُرُفِ، فَحَضَرَتِ الْعَصْرُ بِمِرْبَدِ النَّعَم، فَصَلَّى، ثُمَّ دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَة، فَلَمْ يُعِدْ. (بالجُرُف (¬1)): بجيم وراء (¬2) مضمومتين. قال ابن الأثير في "نهايته": موضع قريب من المدينة (¬3). قال القاضي: وهو على ثلاثة أميالٍ منها (¬4). (بمِرْبَد النَّعَم): -بميم مكسورة وراء ساكنة وموحدة مفتوحة ودال مهملة-: هو موضع على ميلين من المدينة. (فصلى (¬5)). لم يذكر البخاري أنه تيمم، وقد رواه مالك (¬6) وغيره. * * * 251 - (337) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ الأَعْرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَيْرًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ¬

_ (¬1) في "ن": "الجرف". (¬2) في "ج": "بالزاي". (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 735). (¬4) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 168). (¬5) في "ج": "صل". (¬6) رواه الإمام مالك في "الموطأ" (1/ 56).

أَقْبَلْتُ أَناَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونة زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَبِي جُهَيْمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ الأَنْصَارِيِّ، فَقَالَ أَبُو الْجُهَيْم: أَقْبَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجدَارِ، فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ ويَدَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ. (عبد الله بن يسار): بمثناة من تحت فسين مهملة. (على أبي جُهيم): بضم الجيم، مصغر. (من نحو بئر جمل): -بجيم-: موضع بالمدينة، فيه مال من أموالها. قال الزركشي: وأَثرُ ابن عمر فيه التيممُ في السفر القصير (¬1)، لا في (¬2) الحضر، والحديثُ ليس فيه التيمم لرفع الحدث، بل للذِّكْر؛ فإنَّ ردَّ السلام يجوز على غير طُهر (¬3). قلت: مراده (¬4) الاعتراض على البخاري بأن ما ساقه لا يدل على مضمون ترجمته، وهو التيمم في الحضر إذا لم يجد الماء، وخاف فوات الوقت، وهذا أمر سبقه إليه غيره. وأجيب (¬5): بأن كلًّا من الأثر، والحديث يدل على المقصود من باب أولى. ¬

_ (¬1) في "م" و"ج": "القصر"، والمثبت من "ن" و"ع". (¬2) في "ع": "لأنه في". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 129). (¬4) في "ج" و"م": "مراد". (¬5) في "م": "نجيب".

باب: المتيمم هل ينفخ فيهما؟

أما الأثر، فإن (¬1) ابن عمر تيمم بمربد النعم (¬2)، وهو طرف المدينة (¬3)، وقد بقي عليه من الوقت بقية؛ لأنه خشي فوت الوقت الفاضل، فأحرى أن يتيمم (¬4) الحضريُّ الذي يخشى خروج الوقت كله. وأما الحديث، فلأنه (¬5) تيمم في الحضر لما ليست الطهارة شرطًا (¬6) فيه؛ محافظةً على الذِّكْر بطهارة، فتيممُ الحاضرِ للصلاة التي الطهارةُ شرطٌ فيها مع كونه خاشيًا لخروج وقتها أحقُّ وأحرى. * * * باب: المتيمِّمُ هل ينفخُ فيهما؟ 252 - (338) - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ، عَنْ ذَرٍّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أبيهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أُصِبِ الْمَاءَ، فَقَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَمَا تَذْكُرُ أَنَّا كنَّا فِي سَفَرٍ أَناَ وَأَنْتَ، فَأَمَّا أَنْتَ، فَلَمْ تُصَلِّ، وَأَمَّا أَناَ فتمَعَّكْتُ، فَصَلَّيْتُ، فَذَكَرْتُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ النَّبِيُّ: "إنَّمَا كانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا". فَضَرَبَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِكَفَّيهِ الأَرْضَ، وَنَفَخَ فيهِمَا، ثُمَّ ¬

_ (¬1) في "ن": "فلأن"، وفي "ج": "قال". (¬2) في "ج": "النعيم". (¬3) في "ن": "وهو في طرف المدينة". (¬4) في "ن": "إن تيمم"، وفي "ع": "أن يتم". (¬5) في "ج": "إن تيمم"، وفي "ع": "أن يتم". (¬6) في "ج": "شرط".

مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ؟ (ابن أَبْزى): بهمزة مفتوحة وموحدة ساكنة وزاي. (إني أَجنبت): -بهمزة مفتوحة وجيم-، يقال: أجنبَ الرجلُ، وجَنُبَ -بالضم (¬1) - وجَنَب -بالفتح-. (فتمعكت فصليت): قال ابن دقيق العيد: كأنه لما رأى أن (¬2) الوضوء خاصٌّ ببعض الأعضاء، وكان بدلُه -وهو التيممُ- خاصًّا أيضًا، فوجب (¬3) أن يكون بدلُ الغسل الذي يعمُ جميعَ البدن عامًّا له أيضًا. (إنما كان يكفيك هكذا (¬4)): قال ابن حزم: فيه إبطال القياس؛ لأن عمارًا قاس التيمم للجنابة على الغسل لها، فأبطل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ورُدَّ بأنه لا يلزم من بطلان هذا القياس الخاص بطلانُ القياس على وجه (¬5) العموم، والقائسون (¬6) لا يعتقدون صحةَ كل قياس (¬7). * * * ¬

_ (¬1) "بالضم" ليست في "ج". (¬2) "أن" ليست في "ج". (¬3) في "ن": "وجب". (¬4) في "ج": "هذا". (¬5) في "ن" و "ع": "جهة". (¬6) في "ج": "القائسون". (¬7) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 111).

باب: التيمم للوجه والكفين

باب: التيمُّم للوجهِ والكفَّينِ 253 - (340) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنِ الْحَكَم، عَنْ ذَرٍّ، عَنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ شَهِدَ عُمَرَ، وَقَالَ لَهُ عَمَّارٌ: كُنَّا فِي سَرِيَّةٍ، فَأَجْنَبْنَا. وَقَالَ: تَفَلَ فِيهِمَا. (تفَل): بمثناة من فوق وفاءٍ مفتوحةٍ (¬1). * * * 254 - (341) - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ كثِيرٍ، أخبرنا شُعْبةُ، عنِ الحَكَم، عنْ ذَرٍّ، عنِ ابنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بنِ أَبْزَى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ، قالَ: قالَ عَمَّارٌ لِعُمَرَ: تَمَعَّكْتُ، فَأتيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "يَكْفِيكَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّينِ". (فقال: يكفيك الوجهُ والكفين): برفع الوجه على الفاعلية، ونصب الكفين على أنه مفعول معه، ويرفع بالعطف (¬2)، وهو الأجود، وظاهر كلام (¬3) ابن مالك: أن ثم رواية بجر الوجه؛ فإنه قال: وفي جر الوجه (¬4) مِن "يكفيك الوجهِ والكفين" وجهان: أحدهما: أن الأصل يكفيك مسحُ الوجه، فحذف المضاف، وبقي المجرور به على ما كان عليه. ¬

_ (¬1) في "ن" و"ع": "مفتوحتين". (¬2) في "ج": "على العطف". (¬3) في "ج": "الكلام". (¬4) في "ن": "وفي جر من جر الوجه"، وفي "ع": "وفي رواية من جر الوجه".

باب: الصعيد الطيب وضوء المسلم، يكفيه من الماء

والثاني: أن تكون الكاف حرف جر زائدًا (¬1)؛ كما في: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]. قلت: يدفعه كتابةُ الكاف متصلة بالفعل. ثم قال: ويجوز على هذا الوجه رفعُ الكفين بالعطف على موضع الوجه (¬2)، فإنه فاعل (¬3). * * * باب: الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُسْلِم، يَكْفِيهِ مِنَ الْمَاءِ وَقَالَ الْحَسَنُ: يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ مَا لَمْ يُحْدِثْ. وَأَمَّ ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ مُتَيَمِّمٌ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: لاَ بَأْسَ بِالصَّلاَةِ عَلَى السَّبَخَةِ، وَالتَّيَمُّم بِهَا. (على السَّبَخَة): -بفتحات وسين مهملة وخاء معجمة-: الأرض المالحة، وجمعها سِباخٌ، فإذا وُصفت بها الأرض، كسرت الباء. * * * 255 - (344) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، عَنْ عِمْرَانَ، قَالَ: كنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَإِنَّا أَسْرَيْنَا، حَتَّى كُنَّا فِي آخِرِ اللَّيْلِ، وَقَعْنَا وَقْعَةً، وَلاَ وَقْعَةَ أَحْلَى عِنْدَ الْمُسَافِرِ مِنْهَا، فَمَا أَيْقَظَنَا إِلَّا حَرُّ الشَّمْسِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنِ ¬

_ (¬1) في "ج": "زائد". (¬2) في "م" و"ج": "رفع الكفين على موضع الوجه". (¬3) انظر: "شواهد التوضيح" لابن مالك (ص: 200).

اسْتَيْقَظَ فُلاَنٌ، ثُمَّ فُلاَنٌ، ثُمَّ فُلاَنٌ -يُسَمِّيهِم أَبُو رَجَاءٍ، فَنَسِيَ عَوفٌ-، ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّاب الرَّابعُ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا ناَمَ، لَمْ يُوقَظْ حَتَّى يَكُونَ هُوَ يَسْتَيْقِظُ لأَنَّا لاَ نَدْرِي مَا يَحْدُثُ لَهُ فِي نومِهِ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ عُمَرُ، وَرَأَى مَا أَصَابَ النَّاسَ، وَكَانَ رَجُلًا جَلِيدًا، فَكَبَّرَ، وَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ، فَمَا زَالَ يُكَبِرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ، حَتَّى اسْتَيْقَظَ بِصَوْتهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ، شَكَوْا إِلَيْهِ الَّذِي أَصَابَهُمْ، قَالَ: "لاَ ضَيْرَ، أَوْ: لاَ يَضِيرُ، ارْتَحِلُوا". فَارْتَحَلَ، فَسَارَ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ نزَلَ، فَدَعَا بِالْوَضُوءِ فتوَضَّأَ، وَنُودِيَ بِالصَّلاَةِ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ، فَلَمَّا انْفَتَلَ مِنْ صلاَتِهِ، إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْقَوْمِ، قَالَ: "مَا مَنَعَكَ يَا فُلاَنُ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ؟ ". قَالَ: أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ، وَلاَ مَاءَ، قَالَ: "عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ؛ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ". ثُمَّ سَارَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَاشْتكَى إِلَيْهِ النَّاسُ مِنَ الْعَطَش، فَنَزَلَ فَدَعَا فُلاَنًا -كَان يُسَمِّيهِ أَبُو رَجَاءٍ، نسَيَهُ عَوْفٌ-، وَدَعَا عَلِيًّا، فَقَالَ: "اذْهَبَا فَابْتَغِيَا الْمَاءَ". فَانْطَلَقَا، فَتَلَقَّيَا امْرَأَةً بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ، أَوْ سَطِيحَتَيْنِ مِنْ مَاءٍ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا، فَقَالاَ لَهَا: أَيْنَ الْمَاءُ؟ قَالَتْ: عَهْدِي بِالْمَاءِ أَمْسِ هَذِهِ السَّاعَةَ، وَنَفَرُناَ خُلُوفًا، قَالاَ لَهَا: انْطَلِقِي إِذًا، قَالَتْ: إِلَى أَيْنَ؟ قَالاَ: إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَتِ: الَّذِي يُقَالُ لَهُ الصَّابِئُ؟ قَالاَ: هُوَ الَّذِي تَعْنِينَ، فَانْطَلِقِي، فَجَاءَا بِهَا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَحَدَّثَاهُ الْحَدِيثَ، قَالَ: فَاسْتَنْزَلُوهَا عَنْ بَعِيرِهَا، وَدَعَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِإِناَءٍ، فَفَرَّغَ فِيهِ مِنْ أَفْوَاهِ الْمَزَادَتَيْنِ، أَوِ السَّطِيحَتَيْنِ، وَأَوْكأ أَفْوَاهَهُمَا، وَأَطْلَقَ الْعَزَالِيَ، وَنُودِيَ فِي النَّاسِ: اسْقُوا وَاسْتَقُوا، فَسَقَى مَنْ شَاءَ، وَاسْتَقَى مَنْ شَاءَ، وَكَانَ آخِرَ ذَاكَ أَنْ أَعْطَى الَّذِي أَصَابَتْهُ الْجَنَابَةُ إِناَء مِنْ مَاءٍ، قَالَ: "اذْهَبْ، فَأَفْرِغْهُ عَلَيْكَ". وَهْيَ قَائِمَةٌ تَنْظُرُ إِلَى مَا يُفْعَلُ

بِمَائِهَا، وَايْمُ اللَّهِ! لَقَدْ أُقْلِعَ عَنْهَا، وَإِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْنَا أَنَّهَا أَشَدُّ مِلأَةً مِنْهَا حِينَ ابْتَدَأَ فِيهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اجْمَعُوا لَهَا". فَجَمَعُوا لَهَا مِنْ بَيْنِ عَجْوَةٍ وَدقِيقَةٍ وَسَوِيقَةٍ، حَتَّى جَمَعُوا لَهَا طَعَامًا، فَجَعَلُوهَا فِي ثَوْبٍ، وَحَمَلُوهَا عَلَى بَعِيرِهَا، وَوَضَعُوا الثَّوْبَ بَيْنَ يَدَيْهَا، قَالَ لَهَا: "تَعْلَمِينَ، مَا رَزِئْنَا مِنْ مَائِكِ شَيْئًا، وَلَكِنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي أَسْقَاناَ". فَأَتَتْ أَهْلَهَا وَقَدِ احْتَبَسَتْ عَنْهُم، قَالُوا: مَا حَبَسَكِ يَا فُلاَنة؟ قَالَتِ: الْعَجَبُ، لَقِيَني رَجُلاَنِ، فَذَهَبَا بِي إِلَى هَذَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ الصَّابِئُ، فَفَعَلَ كَذَا وَكَذَا، فَوَاللَّهِ! إِنَّهُ لأَسْحَرُ النَّاسِ مِنْ بَيْنِ هَذِهِ وَهَذِهِ -وَقَالَتْ بِإِصْبَعَيْهَا الْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ، فَرَفَعَتْهُمَا إِلَى السَّمَاءِ؛ تَعْنِي: السَّمَاءَ وَالأَرْضَ-، أَوْ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ حَقًّا. فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ -بَعْدَ ذَلِكَ- يُغِيرُونَ عَلَى مَنْ حَوْلَهَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَلاَ يُصِيبُونَ الصِّرْمَ الَّذِي هِيَ مِنْهُ، فَقَالَتْ يَوْمًا لِقَوْمِهَا: مَا أُرَى أَنَّ هَؤُلاَءِ الْقَوْمَ يَدَعُونكُمْ عَمْدًا، فَهَلْ لَكُمْ فِي الإسْلاَمِ؟ فَأَطَاعُوهَا، فَدَخَلُوا فِي الإسْلاَمِ. (ابن مسرهد (¬1)): -بميم وسين وراء مهملتين (¬2) وهاء ودال مهملة (¬3) -: عَلَم على (¬4) صيغة اسم المفعول، يقال: سَرْهَدْتُ الصبيَّ: أحسنتُ (¬5) غذاءه، وسنامٌ مُسَرْهَدٌ؛ أي: سمين. ¬

_ (¬1) في البخاري: "مسدد". (¬2) "مهملتين" ليست في "ن". (¬3) في "ج": "مهملتين". (¬4) في "ج": "على علم". (¬5) في "ع": "إذا أحسنت".

(وكان أولَ من استيقظ فلانٌ): اسم كان، وأولَ -بالنصب-: خبرها. قال الزركشي: و"مَنْ" نكرة موصوفة، فتكون أول (¬1) أيضًا نكرة (¬2)؛ لإضافته إلى النكرة؛ أي: أول رجل استيقظ (¬3). قلت: لا يتعين؛ لجواز كونها موصولة؛ أي: وكان (¬4) أول الذين استيقظوا، وعاد الضمير بالإفراد رعاية (¬5) للفظ مَنْ. (ثم فلان): الأَوْلى أن يُجعل هذا من عطف الجمل؛ أي: ثم استيقظ فلان، إذ ترتُّبهم في الاستيقاظ يدفع اجتماعهم جميعهم في الأولية. ولا يمتنع أن يكون من عطف المفردات، ويكون الاجتماع في الأولية باعتبار البعض، لا الكل؛ أي: إن جماعة استيقظوا على الترتيب، وسبقوا غيرهم في الاستيقاظ، لكن هذا لا يتأتى على رأي الزركشي؛ لأنه قال: أي: أولُ رجلٍ، فإذا جعل هذا من قبيل عطف المفردات؛ لزم الإخبارُ عن جماعة بأنهم أولُ رجل استيقظ، وهو باطل. (ثم عمر بن الخطاب الرابعَ): أي: ثم كان، فالرابع (¬6) منصوب على أنه خبرها. ¬

_ (¬1) "أول" ليست في "ن". (¬2) في "ع": "فيكون أول نكرة أيضًا". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 130). (¬4) في "ع" و "ج": "كان". (¬5) في "ج": "غاية". (¬6) في "ن": "والرابع".

(جليدًا): من الجلادة بمعنى: الصلابة. (لا ضير، أو لا يضير (¬1)): الضير والضرر بمعنى. (أصابتني (¬2) جنابة، ولا ماءَ): أي: عندي، أو أجده، أو نحو ذلك، لكنه أورده ظاهرًا في نفي وجود الماء بالكلية؛ ليكون أبلغَ في بسط عذره. (فدعا فلانًا -كان يسميه أبو رجاء، فنسيه عوف-): هو عمران بن حصين كما جاء في رواية مسلم (¬3) بن زرير، وقد أوردها البخاري في باب (¬4): علامات: النبوة في الإسلام (¬5) (¬6). (فابغيا الماء): أي: اطلباه، وهو من الثلاثي، فهمزته (¬7) همزة وصل، يقال: بَغَى الشيء: إذا طلبه، وفي نسخة: "فابتغيا"؛ من الابتغاء. (مزادتين، أو سطيحتين): قال الزركشي: المَزادة -بميم مفتوحة- وهي بمعنى السطيحة: القربة الكبيرة بزيادة جلدة فيها مثل الراوية (¬8). قلت: في "المشارق": قيل: المزادة والراوية سواء. ¬

_ (¬1) في "ع": "لا ضير ولا نضير". (¬2) في "ن": "أصابني". (¬3) في "ع": "أسلم". (¬4) "في باب" ليست في "ج". (¬5) "في الإسلام" ليست في "ن". (¬6) رواه البخاري (3571). (¬7) في "ج": "همزته". (¬8) انظر: "التنقيح" (1/ 131).

وقيل (¬1): الراوية: ما زيد فيه جلد ثالث بين جلدين (¬2) ليتسع. وقيل: المزادة: القربة الكبير (¬3) التي تحمل على الدابة، والسطيحة؛ وعاء من جلدين سطح أحدهما (¬4) على الآخر (¬5). (قالت: عهدي بالماء أمس هذه الساعة): يحتمل أن يكون عهدي مبتدأ، وبالماء متعلقٌ به، وأمسِ ظرفٌ له، وهذه الساعة بدلٌ من أمس بَدَلُ بعضٍ من كُلٍّ؛ أي: مثلُ هذه الساعة منه، والخبر محذوف؛ أي: حاصل. ويحتمل أن يكون بالماء [خبر عهدي، وأمسِ ظرف لعامل هذا الخبر؛ أي: عهدي مُلْتَبِسٌ (¬6) بالماء] (¬7) في أمس. فإن قلت: لِمَ لمْ تجعل الظرف متعلقًا بعهدي كما في الاحتمال الأول؟ قلت: لأني جعلت بالماء خبرًا، فلو علقت الظرفَ بالعهد، مع كونه مصدرًا، لزم الإخبار عن المصدر قبل استكمال معمولاته (¬8)، وهو باطل. ¬

_ (¬1) في "ج": "سهو أو قيل". (¬2) في "ع" و "ج": "جلدتين". (¬3) في "ن" و "ع": "وقيل: المزادة: القربة، وقيل: القربة الكبيرة". (¬4) في "ج": "أحديهما"، وفي "م": "إحداهما". (¬5) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 314). (¬6) في "ن": "متلبس". (¬7) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬8) في "ن": "معلوماته".

ويحتمل أن يكون أمسِ خبرًا، وإن كان ظرفًا؛ لأن المبتدأ اسم معنى (¬1). (ونفرنا خُلُوف): -بخاء معجمة ولام مخففة مضمومتين-؛ أي: غُيَّبٌ، أو خرجَ رجالُهم للاستقاء (¬2) وخلَّفوا النساءَ، أو غابوا وخلَّفوهن، على الخلاف في تفسيره. ويروى: "خلوفًا" بالنصب على الحال السَّادَّة (¬3) مسدَّ الخبر؛ أي: متروكون خلوفًا؛ مثل: {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} [يوسف: 8]-بالنصب- على القراءة الشاذة. (الذي يقال له: الصابئ): -بهمزة، ويسهل (¬4) -؛ أي: الخارج من دين إلى آخر. (قالا: هو الذي تعنين): فيه تخلُّص حسن؛ لأنهما لو قالا: نعم، لكان. فيه تقرير (¬5) لكونه -عليه الصلاة والسلام- صابئًا، فتخلصا بهذا اللفظ، وأشارا (¬6) إلى ذاته الشريفة لا إلى تسميتها. (العَزالِيَ): -بعين مهملة مفتوحة فزاي فألف فلام مكسورة فياء مفتوحة-، واحدتها عَزْلاء، وهي عُروة المزادة التي يخرج منها الماء بسعة. ¬

_ (¬1) في "ن": "معين". (¬2) في "م" و "ج": "للاستسقاء". (¬3) في "ع": "الساد". (¬4) في "ن": "تسهل"، وفي "ع" و "ج": "وتسهل". (¬5) في "ج" و"م": "تقرر". (¬6) في "ج" و "م": "وأشار".

(في الناس: اسقوا (¬1)): -بهمزة وصل وبهمزة قطع-، يقال: سَقَى وأَسْقَى، وكلاهما في القرآن. (وكان آخَر ذاك أن أعطى): بنصبا آخَر على أنه خبر كان، و"أن (¬2) أعطى" اسمُها، وهذا الأحسن، ويجوز العكس، وقد قريء: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إلا أَنْ قَالُوا} [النمل: 56] بالوجهين (¬3). (إلى ما يفعل): بالبناء للمعلوم وللمجهول (¬4) أيضًا. (وايم الله!): بكسر الهمزة وفتحها والميم مضمومة فيها، ولغاتها كثيرة. (أشد مِلأَةً): -بميم مكسورة فلام ساكنة فهمزة مفتوحة فهاء (¬5) التأنيث-؛ أي: امتلاءً (¬6). (ودقيقة (¬7)): بفتح أوله، وبضمه (¬8) على التصغير. (ما رَزِئنا): -بفتح الراء [وكسر الزاي وفتحها ثم همزة (¬9) -؛ أي: نَقَصْنا. ¬

_ (¬1) في "ن": "استقوا". (¬2) "وأن" ليست في "ج". (¬3) "بالوجهين" ليست في ج، وفي "ع": "قالوا آخر جوابًا بالوجهين". (¬4) في "ج": "والمجهول". (¬5) في "ع": "فتاء". (¬6) في "ج": "في إملاء". (¬7) في "ع": "ورقيقة". (¬8) في "م" و "ن": "وبضمة". (¬9) "ثم همزة" ليست في "ع".

(يُغِيرون): -بضم الياء-؛ من أغار، ويجوز فتحها؛ من غار] (¬1)، وهي قليلة. (الصِّرْم): -بكسر الصاد وسكون (¬2) الراء-: [النَّفَر ينزلون بأهليهم على الماء] (¬3)، كذا قال الخطابي (¬4). وفي "الصحاح": الصِّرم -بكسر الصاد-: أَبياتٌ من الناس مجتمعة (¬5) (¬6). (ما أرى (¬7) أَنّ هؤلاء القومَ يَدَعونكم عمدًا): هو بفتح الهمزة من "أن"، وتشديد نونها عند الأصيلي وغيره، وجعلها (¬8) بعضهم بمعنى لعلَّ. قال القاضي: وقد تكون "أن" عندي على (¬9) وجهها، وتكون في موضع المفعول، والمعنى (¬10) عنده: ما أدري (¬11) ترك هؤلاء إياكم عمدًا لماذا هو (¬12). ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬2) في "ع": "وبسكون". (¬3) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬4) انظر: "غريب الحديث" (2/ 282). (¬5) في "ع" و "ج": "مجتمعين". (¬6) انظر: "الصحاح" للجوهري (5/ 1965). (¬7) في "ن" و"ج": "أدري". (¬8) في "م" و "ن": "جعلها". (¬9) "على" ليست في "ج". (¬10) في "ن" و "ع": "فالمعنى". (¬11) في "ع": "ما أرى". (¬12) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 43).

وقال أبو البقاء: الجيد أن يكون: إِن هؤلاء -بالكسر- على الإهمال، ولا تفتح على إعمال (¬1) أدري (¬2) فيه، والمعنى: ما أدري ماذا (¬3) يمتنعون من الإسلام، إن المسلمين تركوا الإغارة عليكم عمدًا مع القدرة (¬4). وقال ابن مالك: وقع في بعض نسخ البخاري: "ما أدري"، وفي بعضها: "ما أرى"، وكلاهما صحيح، وأَرى (¬5) -بفتح الهمزة-، و "ما" بمعنى الذي، وأَنَّ -بفتح الهمزة-، معناه (¬6) الذي أعلم أن هؤلاء يَدَعونكم عمدًا لا جهلًا (¬7). قال ابن المنير: وفيه دليل على جواز طعام المخارجة؛ لأن الصحابة تخارجوا في عوض الماء. وفيه: أن [العقود التي بنيت على المكارم لا يُشترط فيها تحريرُ العِوض أولًا؛ كالحمَّام والسِّقاء، ونحوه. وفيه: أن] (¬8) الخوارق لا تغير الأحكام، ألا ترى كيف انخرقت العادة ¬

_ (¬1) في "ج": "إلا على إعمال". (¬2) في "ع": "أرى". (¬3) في "ن": "ما أدري لماذا"، وفي "ع": "ما أرى لماذا". (¬4) انظر: "إعراب الحديث" (ص: 286). (¬5) في "ع": "وأراه". (¬6) في "ن": "فمعناه". (¬7) انظر: "التنقيح" (1/ 133). (¬8) ما بين معكوفتين سقط من "ج".

في تكثير ذلك الماء، فلم يخرج (¬1) ذلك المأخوذ عن ملكها؟ قلت: لا نسلِّم أن الماء المأخوذ على ملكها (¬2)، ولذا (¬3) قال -عليه السلام-: "ما رَزِئْنا من مائكِ شيئًا". فإن قلت: فقد أعطوها عوضًا عما أُخذ (¬4)، وذلك (¬5) دليل لملكها؟ قلت: لا نسلم (¬6) أن العوض عن الماء المأخوذ، وإنما (¬7) هو ثواب لها وقع تطييبًا (¬8) لخاطرها في مقابلة حبسها في ذلك الوقت عن المسير إلى قومها، وما نالها من مخافتها (¬9) أخذَ مائها ورجوعها بغير (¬10) شيء، فزيد في الماء ببركته - عليه السلام - ما (¬11) حصل به النفع. قال: وفيه: جواز البيع على الغائب بضرورة (¬12) دين، أو بيع كامل ¬

_ (¬1) "يخرج" ليست في "ج". (¬2) في "ن": "عن ملكها"، وفي "ع": "من ملكها". (¬3) في "ع": "ولهذا"، وفي "ج": "وكذا". (¬4) في "ع" و "ج": "أخذوا". (¬5) في "ن": "عوضًا عما أخذوا ذلك". (¬6) في "ن": "قلت: نسلم". (¬7) في "ع": "إنما". (¬8) في "ج": "تطييب". (¬9) في "ج": "مخالفتها". (¬10) في "ج": "من غير". (¬11) في "ج": "إما". (¬12) في "ع" و "ج": "لضرورة".

باب: التيمم ضربة

ونحوه، ألا ترى أن الماء كان لقومها، وهم غُيَّب (¬1)، فبيع (¬2) عليهم لضرورة أصحاب الحقوق؛ إذ إحياءُ الأنفسِ حقٌّ على الناس كلهم (¬3)؟ قلت: هذا بعيد جدًّا، وفيه مثلُ ما تقدم مع زيادة، وهي ما في قوله أولًا: إن المأخوذ كان ملكها، وقوله ثانيًا: إنه ملك لقومها من التعارض ظاهرًا. * * * باب: التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ (باب: التيمم ضربة): إن (¬4) نونت الباب، فقوله: التيممُ ضربةٌ مبتدأ وخبر (¬5)، وإن أضفته (¬6) إلى التيمم، فضربةً نصب على الحال. فإن قلت: هذا ليس من الصور الثلاث التي (¬7) تقع فيها الحال من المضاف إليه. قلت: بل هو منها، وذلك لأن المعنى: باب: شرح التيمم، فالتيمم بحسب الأصل مضاف إلى ما يصلح عمله في الحال، وهو من الصور الثلاث. ¬

_ (¬1) "وهم غيب" ليست في "ج". (¬2) في "ع" و "ج": "وبيع". (¬3) في "ع": "إذ الإحياء حق الأنفس على الناس كلهم". (¬4) في "ج": "أي". (¬5) "وخبر" ليست في "ن". (¬6) في "ج": "ضفته". (¬7) في "ج": "الذي".

256 - (347) -حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: لَوْ أَن رَجُلًا أَجْنَبَ، فَلَمْ يَجدِ الْمَاءَ شَهْرًا، أَمَا كَانَ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي. فَكَيْفَ تَصْنَعُونَ بِهَذِهِ الآيَةِ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6]؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَوْ رُخِّصَ لَهُمْ فِي هَذَا، لأَوْشَكُوا إِذَا بَرَدَ عَلَيْهِمُ الْمَاءُ أَنْ يَتَيَمَّمُوا الصَّعِيدَ. قُلْتُ: وَإِنَّمَا كَرِهْتُمْ هَذَا لِذَا؟ قَالَ: نعَمْ. فَقَالَ أَبُو مُوسَى: ألمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَاجَةٍ، فَأَجْنَبْتُ، فَلَمْ أَجِدِ الْمَاءَ، فتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّة، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَصْنَعَ هَكَذَا"، فَضَرَبَ بِكَفِّهِ ضَرْبَةً عَلَى الأَرْضِ، ثُمَّ نَفَضَهَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهَا ظَهْرَ كفِّهِ بِشِمَالِهِ، أَوْ ظَهْرَ شِمَالِهِ بِكَفِّهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أفلَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِ عَمَّارٍ؟ وَزَادَ يَعْلَى: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي مُوسَى، فَقَالَ أبو مُوسَى: ألمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَنِي أَناَ وَأَنْتَ، فَأَجْنَبْتُ، فتَمَعَّكْتُ بِالصَّعِيدِ، فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخْبَرْناَهُ، فَقَالَ: "إِنَّمَا كانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا"، وَمَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ وَاحِدَةً؟ (وضرب بكفه ضربة): إلى هذا يرجع مذهب مالك عند التحقيق. ومذهبُ الشافعي: أنه لا بد من ضربتين، وقد ورد في حديث: "التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ: ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ، وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ" (¬1). ¬

_ (¬1) رواه الدارقطني في "السنن" (1/ 180)، والطبراني في "المعجم الكبير" =

قال ابن دقيق العيد: إلا أنه لا يقاوم هذا الحديث في الصحة، ولا يعارَضُ مثلُه بمثلهِ (¬1). * * * ¬

_ = (12/ 367)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 287)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 207) عن ابن عمر رضي الله عنهما. (¬1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" (1/ 113).

كتاب الصلاة

كتاب الصلاة

باب: كيف فرضت الصلوات في الإسراء؟

كتاب الصلاة باب: كيف فُرِضَتِ الصَّلواتُ في الإسراءِ؟ 257 - (349) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يُحَدِّثُ: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "فُرِجَ عَنْ سَقْفِ بَيْتِي وَأَناَ بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ، فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَأَفْرَغَهُ فِي صَدْرِي، ثُمَّ أَطْبَقَهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا، فَلَمَّا جِئْتُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ: افْتَحْ، قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا جِبْرِيلُ، قَالَ: هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ؟ قَالَ: نعمْ، مَعِي مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نعمْ. فَلَمَّا فتحَ، عَلَوْناَ السَّمَاءَ الدُّنْيَا، فَإِذَا رَجُل قَاعِدٌ، عَلَى يَمِينهِ أَسْوِدَةٌ، وَعَلَى يَسَارِه أَسْوِدَةٌ، إِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينهِ، ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَسَارِه، بَكَى، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالح وَالاِبْنِ الصَّالح، قُلْتُ لِجبْرِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا آدَمُ، وَهَذِهِ الأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينهِ وَشمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ، فَأَهْلُ الْيَمِينِ مِنْهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَالأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ، فَإِذَا نَظَرَ عَنْ يَمِينهِ، ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شمَالِهِ، بَكَى، حَتَّى عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثانِيَةِ، فَقَالَ

لِخَازِنهَا: افْتَحْ، فَقَالَ لَهُ خَازِنها مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُ، فَفَتَحَ". قَالَ أَنسٌ: فَذَكرَ: أَنَّهُ وَجَدَ فِي السَّمَوَاتِ آدَمَ، وَإِدْرِيس، وَمُوسَى، وَعِيسَى، وَإِبْرَاهِيمَ -صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ-، وَلَمْ يُثْبِتْ كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ، غَيْرَ أَنَّهُ ذَكرَ: أَنَّهُ وَجَدَ آدَمَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّمَاءِ السادِسَةِ، قَالَ أَنسٌ: "فَلَما مَرَّ جِبْرِيلُ بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِإِدْرِيس، قَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالح وَالأخِ الصَّالح، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا إِدْرِيس، ثُمَّ مَرَرْتُ بِمُوسَى، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالح وَالأخِ الصَّالح، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا مُوسَى، ثُمَّ مَرَرْتُ بِعِيسَى، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالأخِ الصَّالح وَالنَّبِيِّ الصَّالح، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا عِيسَى، ثُمَّ مَرَرْتُ بِإِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالح وَالاِبْنِ الصَّالح، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا إِبْرَاهِيمُ - صلى الله عليه وسلم -". قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي ابْنُ حَزْمٍ: أَنَّ ابْنَ عَباسٍ وَأَبَا حَبَّةَ الأَنْصَارِيَّ كَاناَ يَقُولاَنِ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ثُمَّ عُرِجَ بِي حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوًى أَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الأَقْلاَمِ". قَالَ ابنُ حَزْمٍ، وَأَنسُ بنُ مَالِكٍ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَفَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلاَةً، فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ، حَتَّى مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ: مَا فَرَضَ اللَّهُ لَكَ عَلَى أمَّتِكَ؟ قُلْتُ: فَرَضَ خَمْسِينَ صَلاَةً، قَالَ: فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ، فَرَاجَعَنِي، فَوَضَعَ شَطْرَهَا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، قُلْتُ: وَضَعَ شَطْرَهَا، فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ، فَرَاجَعْتُ، فَوَضَعَ شَطْرَهَا، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَإِن أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ، فَرَاجَعْتُهُ، فَقَالَ: هِيَ خَمْسٌ، وَهْيَ خَمْسُونَ، لاَ يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ، فَقُلْتُ: اسْتَحْيَيْتُ

مِنْ رَبي، ثُمَّ انْطَلَقَ بِي، حَتَّى انتهَى بِي إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لاَ أَدْرِي مَا هِيَ، ثُمَّ أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ، فَإِذَا فِيهَا حَبَائِلُ اللُّؤْلُؤِ، وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ". (كتاب: الصلاة). (فُرِج): مبني للمجهول. (فَفَرَجَ): -بفتحات- مبني للمعلوم؛ أي: شق، وفي بعض النسخ: بتشديد الراء للمبالغة. (بطَست): -بفتح الطاء-، وحكى ابن الأنباري فيها الكسر أيضًا (¬1)، وهو فارسي كما نقله الجواليقي عن أبي عبيد (¬2)، وخص الطست بذلك دون غيره من الأواني؛ لأنه آلة الغسل عرفًا. (من ذهب): ليس فيه ما يوهم استعمال أواني الذهب [لنا؛ فإن هذا من فعل الملائكة، ولا يلزم مساواتهم لنا في الحكم. (ممتلئ): ذكر على معنى الإناء] (¬3)، وإلا فالطستُ مؤنثةٌ. (حكمةً وإيمانًا): أي: شيئًا (¬4) تحصل بسبب ملابسته (¬5) الحكمةُ ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" لابن الملقن (5/ 229 - 230). (¬2) في "ج": "عبيدة". (¬3) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬4) في "ج": "شيء". (¬5) في "ن" و "ع" و "ج": "ملابسة".

والإيمان، [فأطلقا عليه تسميةً للشيء (¬1) باسم مُسببه، أو هو تمثيل؛ لينكشف (¬2) بالمحسوس ما هو معقول] (¬3). قيل: والحكمةُ هي العلمُ المتصفُ بالأحكام، المشتملُ (¬4) على المعرفة بالله تعالى، والمصحوبُ (¬5) بنفاذِ البصيرة، وتهذيبِ النفس، وفعلِ الحق، وتركِ الباطل. (فقال: أرسل إلي؟): -بهمزة واحدة-، وفي نسخة: -بهمزتين-؛ أي: هل أرسل إليه (¬6) للعروج إلى السماء؛ إذ كان (¬7) الأمر في بعثه رسولًا إلى الخلق شائعًا مستفيضًا قبل العروج به (¬8). (أَسْوِدَة): جمعُ سواد؛ كزمان وأزمنة، وهي الأشخاص. (مرحبًا بالنبي الصالح والابن الصالح): جمع بين صلاح الأنبياء وصلاح الأبناء، كأنه قال: مرحبًا بالنبي التام في نبوته، والابنِ البارِّ (¬9) في بُنُوَّته، وكذا القول في النبي الصالح والأخ الصالح. ¬

_ (¬1) في "ن": "الشيء". (¬2) في "ع": "فينكشف". (¬3) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬4) في "ع": "المشتملة". (¬5) في "ن" و "ع": "المصحوب". (¬6) في "ع" و "ج": "إلينا". (¬7) في "ع": "إذا كان". (¬8) "به" ليست في "ج". (¬9) في "ع": "الابن التام".

(نَسَم بنيه): أي: أرواحهم -بنون وسين مهملة مفتوحتين (¬1) - جمعُ نَسَمَةٍ. (فلما مر جبريل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2) بإدريس): الباء الأولى للمصاحبة، والثاثية للإلصاق، وكلاهما متعلق بمر. (فأخبرني ابن حزم): هو أبو بكر بنُ (¬3) محمدِ بنِ عمرِو (¬4) بنِ حزمٍ قاضي المدينة وأميرُها زمنَ الوليد، مات سنة عشر ومئة، عن أربع وثمانين سنة. (وأبا حَبّة الأنصاري): هو (¬5) البدري -بحاء مهملة مفتوحة وموحدة مشددة-، وللقابسي: بياء مثناة. قال الزركشي: وقال الواقدي: [ممن شهد بدرًا أبو حنة؛ يعني: بالنون، واسمه مالك بنُ عمرِو بنِ ثابتٍ] (¬6)، وليس (¬7) ممن شهد بدرًا أحدٌ يُكنى أبا حَبَّةَ؛ يعني: بالباء، وإنما أبو حبة بن غَزِيَّة (¬8) من بني النجار، قُتل باليمامة، ولم يشهد بدرًا، والأول (¬9) قاله عبد الله بن محمد بن عمارة (¬10) ¬

_ (¬1) في "ن" و "م": "مفتوحة". (¬2) "بالنبي - صلى الله عليه وسلم -": ليست في "ج". (¬3) "ابن" ليست في "ج". (¬4) في "ع": "عمر". (¬5) "هو" ليست في "ع" و "ج". (¬6) ما بين معكوفتين سقط من "ع". (¬7) "وليس" ليست في "ج". (¬8) في "ع": "ابن عرفة". (¬9) في "ع": "الأول". (¬10) "عمارة" ليست في "ن"، وفي "ع" و"ج" "عبد الله بن عمار".

الأنصاري، وهو أعلم بالأنصار (¬1) (¬2). (حتى ظهرتُ): أي: علوتُ، وقد مر مثله. (لمستوًى): -بواو مفتوحة-؛ أي: موضع مشرف يستوي عليه، وهو المصعد. (صريفُ الأقلام): أي: صريرُها، وهو صوت حركتها وجريانها على اللوح. (فوضع شطرها): أي: جزءًا منها، وليس المراد النصف. [قلت: ويدل عليه قوله في المرة الثانية: فوضع شطرها، وليس المراد به النصفُ] (¬3) قطعًا؛ للزوم أن يكون وضع ثنتي عشرة صلاة ونصفَ صلاة، وهو باطل (¬4). قالوا: فيه (¬5) جواز النسخ قبل الفعل خلافَ رأي المعتزلة. قال ابن المنير: لكن الكلَّ متفقون على أن النسخ لا يتصور قبل البلاغ (¬6)، وقد جاء به (¬7) حديث الإسراء فأشكل على الطائفتين. قلت: بل الخلاف مأثور، نص عليه ابنُ دقيق العيد في "شرح ¬

_ (¬1) في "ع": "بالأنصاري". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 136). (¬3) ما بين معكوفتين سقط من "ع". (¬4) في "ع": "ونصف صلاة ونصف وهو باطل". (¬5) في "ن" و "ع" و "ج": "وفيه". (¬6) في "ج": "البلوغ". (¬7) في "ع": "فيه".

العمدة" (¬1)، وغيره، وقد تعلق القائل بعدم ثبوت النسخ في حق المكلف قبل بلوغ الخطاب له بحديث أهل قباء في الصلاة؛ إذ لو ثبت الحكم في حقهم؛ لبطل ما فعلوه من التوجُّه إلى بيت المقدس قبلَ ورود الناسخ إليهم. (فإذا فيها (¬2) حبائل (¬3) اللؤلؤ): اتفقت الرواة (¬4) على أنها (¬5) حَبائل -بحاء مهملة فموحدة فألف فهمزة فلام-، قالوا: وهي تصحيف. وفي البخاري في الأنبياء: "جَنَابِذُ" -بجيم ونون وموحدة بعد الألف وذال معجمة- جمع جنبذة، وهي القبة، قال القاضي: وهذا هو الصواب (¬6). ومن ذهب إلى صحة الرواية، قال: إن الحبائل: القلائد والعقود (¬7)، وهو تَخَيُّلٌ ضعيف، بل هو تصحيف، فالحبائل إنما تكون (¬8) جمع حبالة أو حَبيلة (¬9). * * * 258 - (350) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ ¬

_ (¬1) نظر: "شرح عمدة الأحكام" (1/ 191). (¬2) في "م": "فيه". (¬3) في "ع" و "ج": "جنابذ". (¬4) في "ج": "الرواية". (¬5) "أنها" ليست في "ج". (¬6) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 177). (¬7) في "ن": "والعقد". (¬8) "إنما تكون" ليست في "ج". (¬9) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 553).

باب: وجوب الصلاة في الثياب وقول الله تعالى: {خذوا زينتكم عند كل مسجد} [الأعراف: 31] ومن صلى ملتحفا في ثوب واحد

صَالح بْنِ كيْسَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: فَرَضَ اللَّهُ الصَّلاَةَ حِينَ فَرَضَهَا: رَكعَتَيْنِ رَكعَتَيْنِ، فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَأُقِرَّتْ صَلاَةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ فِي صَلاَةِ الْحَضَرِ. (فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين): قيل: إنها (¬1) فرضت قبل الإسراء، [والزيادةُ استقرت ليلةَ الإسراء] (¬2)، وقيل: كان ابتداء الفرض ليلةَ الإسراء، والزيادةُ بعده، ويؤيد هذا ما رواه البخاري في: باب: الهجرة: "فُرضت الصلاة ركعتين، ثم هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، ففرضت أربعًا" (¬3). * * * باب: وُجُوبِ الصَّلاَةِ فِي الثِّيَابِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] وَمَنْ صَلَّى مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ويُذْكَرُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَزُرُّهُ، وَلَوْ بِشَوْكَةٍ". فِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ، وَمَنْ صَلَّى فِي الثَّوْبِ الَّذِي يُجَامِعُ فِيهِ مَا لَمْ يَرَ أَذًى. وَأَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ لاَ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَان. (ويذكر عن سلمة): قال الزركشي: هذا التعليق رواه أبو داود، ¬

_ (¬1) في "ن" و "ع": "قيل: المراد أنها". (¬2) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬3) رواه البخاري (3935) عن عائشة رضي الله عنها.

والنسائي (¬1)، وفي سنده (¬2) موسى بنُ محمد، وفي حديثه مناكير، قاله البخاري في "التاريخ" (¬3)، فلذلك قال: (وفي إسناده نظر): قال مغلطاي: وخرَّجه ابن حبان في "صحيحه"، وابن خزيمة أيضًا (¬4)، وقال فيه: هذا (¬5) حديث مدني صحيح (¬6). * * * 259 - (351) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ: أُمِرْناَ أَنْ نُخْرِجَ الْحُيَّضَ يَوْمَ الْعِيدَيْنِ، وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، فيَشْهَدْنَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَدَعْوَتَهُمْ، ويعْتَزِلُ الْحُيَّضُ عَنْ مُصَلَّاهُنَّ، قَالَتِ امْرَأةٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِحْدَاناَ لَيْسَ لَهَا جِلْبَابٌ؟ قَالَ: "لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا". وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، حَدَّثتنَا أُمُّ عَطِيَّةَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، بِهَذَا. (قالت امرأة: يا رسول الله! إحدانا ليس لها جلباب): هذه المرأة هي أم عطية، كَنَّتْ بذلك عن نفسها، ففي (¬7) رواية: "قلت: يا رسول الله! ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (632)، والنسائي (765). (¬2) في "ج": "سند". (¬3) انظر: "التاريخ الكبير" (7/ 294). (¬4) رواه ابن خزيمة (777)، وابن حبان (2294). (¬5) "هذا" ليست في "ع". (¬6) انظر: "التوضيح" لابن الملقن (5/ 276). (¬7) في "ن" و "ع": "وفي".

باب: عقد الإزار على القفا في الصلاة

إحدانا" (¬1) الحديث. * * * باب: عقدِ الإزارِ على القَفَا في الصَّلاةِ 260 - (352) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي وَاقِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: صَلَّى جَابِرٌ فِي إِزَارٍ قَدْ عَقَدَهُ مِنْ قِبَلِ قَفَاهُ، وَثيَابُهُ مَوْضُوعَةٌ عَلَى الْمِشْجَبِ، قَالَ لَهُ قَائِلٌ: تُصَلِّي فِي إِزَارٍ وَاحِدٍ؟! فَقَالَ: إِنَّمَا صَنَعْتُ ذَلِكَ؛ لِيَرَانِي أَحْمَقُ مِثْلُكَ، وَأَيُّنا كَانَ لَهُ ثَوْبَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟! (على المِشْجَب): -بميم مكسورة فشين معجمة ساكنة فجيم مفتوحة فموحدة-: عيدان تُضم رؤوسها، ويُفرج بين قوائمها، وتوضع عليها الثيابُ والأسقية؛ لتبريد (¬2) الماء، وهو من تشاجبَ الأمرُ: إذا اختلطَ وتداخلَ. (فقال له قائل: تصلي في إزار واحد؟!): القائل هذا الكلام لجابر - رضي الله عنه - هو عُبادةُ بنُ الوليدِ بنِ عُبادةَ بنِ الصامتِ، وفي حديث جابرٍ الطويل في آخرِ "مسلم" ما يدل عليه (¬3). (أحمق): غير منصرف؛ كناية عن الجاهل. * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (980) عن حفصة بنت سيرين رضي الله عنها. (¬2) في "ع" و "ج": "لتبرد". (¬3) رواه مسلم (3006).

باب: الصلاة في الثوب الواحد ملتحفا به

261 - (353) - حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ أَبُو مُصْعَبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ أَبي الْمَوَالِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَقَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ. (ابن أبي الموالي): جمع مولى، ويقال بإثبات الياء في آخره، وبحذفها، والأولُ أفصح. * * * باب: الصلاةِ في الثوب الواحد مُلتحِفًا به 262 - (356) - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبُو أسُامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبيهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ أَبي سَلَمَةَ أَخْبَرَهُ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، مُشْتَمِلًا بِهِ، فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَاضِعًا طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ. (ابن أبي سلَمة): بفتح اللام. (يصلي في ثوب واحد مشتملًا (¬1) به): -بالنصب- على الحال، وبالرفع: خبر مبتدأ محذوف. قال الزركشي: وبالجر على المجاورة؛ كقوله: في بِجَادٍ مُزَمَّلِ (¬2). قلت: الأَوْلى (¬3) أن يُجعل صفةً لثوب. ¬

_ (¬1) في "ع" و "ج": "مشتمل". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 138). (¬3) في "ج": "في الأولى".

فإن قلت: لو كان، لبرز (¬1) الضمير؛ لجريانِ الصفةِ (¬2) على غير من هي له؟ قلت: الكوفيون قاطبةً لا يوجبون إبرازه عند أَمْنِ اللَّبْس، ووافقهم ابنُ مالك، ومذهبُهم في المسألة قوي، واللَّبْسُ (¬3) في الحديث مُنْتَفٍ (¬4). * * * 263 - (357) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ ابْنُ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ: أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ، أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ الْفَتْح، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ، وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ، قالَتْ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: "مَنْ هَذِهِ؟ ". فَقُلْتُ: أَناَ أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: "مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ". فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ، قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ ركعَاتٍ، مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! زَعَمَ ابْنُ أُمِّي: أَنَّهُ قَاتِل رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ، فُلاَنَ بْنَ هُبَيْرَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ أَجَرْناَ مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئ! ". قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ: وَذَاكَ ضُحًى. ¬

_ (¬1) في "ج": "البرز". (¬2) في "ج": "صفة". (¬3) في "ج": "علي واللبس". (¬4) في "ج": "متفق".

(أبي (¬1) النضر): بنون وضاد معجمة. (مرحبًا بأم هانئ): ويروى: "يا أُمَّ هانئ! " بالنداء، قال القاضي: والروايتان معروفتان صحيحتان، والباء أكثر استعمالًا (¬2). (فصلى ثمانيَ ركعات): بنصب الياء، وفي بعض النسخ: حذفها، وإثبات (¬3) حركة النصب على النون. (زعم ابنُ أُمِّي): هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو أخوها شقيقُها، لكنها (¬4) نسبته إلى أمها؛ لأنها بصدد الشكاية في إخفار ذمتها، فذكرت ما بعثها على الشكوى؛ حيث أُصيبت بأمر من محل يقتضي ألا تصاب منه؛ لما جرت العادة به من أن الإخوة من قبل الأم أشدُّ في اقتضاء الحنان والرعاية من غيرها. (قاتلٌ رجلًا قد أجرتُه: فلانَ بنَ هُبيرة): قال ابن الجوزي: إن كان هذا من ولدها؛ فالظاهر أنه جعدة (¬5) (¬6). (قد أَجرنا مَنْ أجرتِ): -بالراء- فيهما؛ من الإجارة بمعنى الأمان. * * * ¬

_ (¬1) في "ن": "أبو". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 40). (¬3) في "م": "فإثبات"، وفي "ج": "بإثبات"، والمثبت من "ن" و"ع". (¬4) في "ع": "لكنه". (¬5) في "ع": "أنه جعفر". (¬6) انظر: "التوضيح" لابن الملقن (5/ 288).

باب: إذا صلى في الثوب الواحد فليجعل على عاتقيه

264 - (358) -حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ: أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ عَنِ الصَّلاَةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَوَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ؟! ". (أوَلكلكم ثوبان؟!): الاستفهام فيه للإنكار الإبطالي؛ أي: ليس لكلكم ثوبان، وسترُ العورة واجبٌ، والصلاة (¬1) متحتِّمَةٌ، فإذن الصلاةُ في الثوب الواحد جائزةٌ. * * * باب: إذا صلَّى في الثوب الواحد فليجعل على عاتقَيه 265 - (359) - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبي الزِّناَدِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ، لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ شَيْءٌ". (لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد، ليس على عاتقه (¬2) منه شيء): يحتمل أن تكون الجملة المصدرة (¬3) بـ "ليس" حالًا من الفاعل أو من المجرور (¬4)، والضميرُ مقدر؛ أي: شيء (¬5) منه، و"لا" نافية، ويصلي ¬

_ (¬1) في "ع": "وستر العورة واجبة للصلاة". (¬2) كذا في جميع النسخ: "عاتقه" وهي رواية، كما قال الحافظ في "الفتح" (1/ 561)، والمثبت في نص الكتاب من اليونينية. (¬3) في "ن": "المصدرية". (¬4) في "ع" و"ج": "المجرورة". (¬5) في "ج": "أي: أيّ شيء".

باب: إذا كان الثوب ضيقا

بإثبات الياء، [وهو خبر في معنى الإنشاء؛ أي: النهي. وقال ابن الأثير: كذا في "الصحيحين" بإثبات الياء] (¬1)، وذلك لا يجوز؛ لأن حذفها علامةُ الجزم بلا الناهية (¬2). [قلت: فيه إساءة (¬3) ظاهرة. قال (¬4): فإن صحت الرواية، فتحمل على أن "لا" نافية] (¬5). قلت: لا وجه للتردد (¬6)، فقد صحت الرواية بذلك، ولها وجه صحيح، والنهي المرادُ ليس محمولًا على التحريم، فقد ثبت أنه - عليه السلام - صلى في ثوب واحد كان أحد طرفيه على بعض نسائه وهي نائمة، والثوب الواحد لا يتسع طرفه الواحد لأن يأتزر به، ويجعل على عاتقه منه شيئًا، قاله الخطابي (¬7). والعاتق: هو موضعُ الرداء من المنكِب. * * * باب: إذا كان الثوبُ ضَيِّقًا 266 - (361) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬2) انظر: "التنقيح" للزركشي (1/ 139). (¬3) في "ن" و"ع": "إشارة". (¬4) "قال" ليست في "ع"، وفي "ن": "قلت". (¬5) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬6) في "ع": "للمذكور". (¬7) انظر: "أعلام الحديث" (1/ 350). وانظر: "التنقيح" للزركشي (1/ 139).

سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: سَألنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الصَّلاَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ، فَقَالَ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَعْضِ أَسْفَارِه، فَجئْتُ لَيْلَةً لِبَعْضِ أَمْرِي، فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي، وَعَلَيَّ ثَوْبٌ وَاحِدٌ، فَاشْتَمَلْتُ بِهِ، وَصَلَّيْتُ إلَى جَانِبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: "مَا السُّرَى يَا جَابِرُ؟ "، فَأَخْبَرْتُهُ بِحَاجَتِي، فَلَمَّا فَرَغْتُ، قَالَ: "مَا هَذَا الاِشْتِمَالُ الَّذِي رَأَيْتُ؟ "، قُلْتُ: كَانَ ثَوْبٌ -يَعْنِي: ضَاقَ-، قَالَ: "فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا فَالْتَحِفْ بِهِ، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ بِهِ". (ما السُّرَى؟): أي: ما يوجبُ سُراك؟ وهو السيرُ في الليل خاصةً، سأله؛ لعلمه بأنَّ الحامل له على المجيء في الليل أمرٌ أكيد. (ما هذا الاشتمال؟): قيل: هو اشتمالُ الصَّمَّاءِ المنهيُّ عنه. وقيل: الالتفاف (¬1) به من غير أن يجعل طرفيه على (¬2) عاتقيه. وانظر كرم أخلاقه - صلى الله عليه وسلم -، وحسنَ معاملته وملاطفته؛ حيث (¬3) لم يبدأ جابرًا (¬4) بالإنكار عليه في الاشتمال المذكور، وإنما سأله أولًا عن حاجته التي بعثه (¬5) على المجيء في الليل، حتى إذا فرغ منها، التفت إلى إرشاده وتعليمه - صلى الله عليه وسلم -. (قلت: كان ثوبًا): -بالنصب- على أنه خبر كان، واسمُها ضمير ¬

_ (¬1) في "ع": "لالتفاتٍ"، وفي "ج": "الالتفات". (¬2) في "ج": "على طرفيه على". (¬3) في "ع": "ثم حيث". (¬4) في "ج": "جابر". (¬5) في "ع": "بعثته".

باب: الصلاة في الجبة الشأمية

يعود على ما يُفهمه السياق؛ أي: كان الذي (¬1) اشتملتُ به ثوبًا واحدًا. وفي بعض النسخ: بالرفع، قال الزركشي: على أنها تامة (¬2). قلت: الاقتصارُ على ذلك لا يظهر، فأيُّ (¬3) معنىً لإخباره بوجود (¬4) ثوب (¬5) في الجملة؟ فينبغي أن يقدر ما يناسب المقام. (فالتحفْ به): الالتحافُ هنا بمعنى: الارتداء، وهو أن يأتزر باحدى طرفي الثوب، ويرتدي بالطرف الآخر منه. (فاتَّزِرْ به): هكذا هو -بتشديد التاء-، وقد سبق الكلام فيه (¬6). * * * باب: الصَّلاَةِ فِي الْجُبَّةِ الشَّأْمِيَّةِ وَقَالَ الْحَسَنُ فِي الثِّيَابِ يَنْسِجُهَا الْمَجُوسِيُّ: لَمْ يَرَ بِهَا بَأْسًا. وَقَالَ مَعْمَرٌ: رَأَيْتُ الزُّهْرِيَّ يَلْبَسُ مِنْ ثِيَابِ الْيَمَنِ مَا صُبِغَ بِالْبَوْلِ. وَصلَّى عَلِيٌّ فِي ثَوْبٍ غيْرِ مَقْصُورٍ. (ينسِجها (¬7)): قال السفاقسي: قرأناه بكسر السين، وهو في اللغة بضمها وكسرها (¬8). ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "أي الذي كان". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 140). (¬3) في "ن": "وأي". (¬4) في "ج": "بوجوده". (¬5) في "ع": "بوجوده ثوبه". (¬6) في "م": "فيها". (¬7) في "ع": "تنسجها". (¬8) انظر: "التنقيح" (1/ 140).

(رأيت الزهري يلبس من ثياب اليمن ما (¬1) صبغ بالبول): يريد: بعد (¬2) تطهيره بالغسل. (في ثوب غير مقصور): أي: خامٍ غيرِ مدقوق. * * * 267 - (363) - حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ شُعْبة، قَالَ: كنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، فَقَالَ: "يَا مُغِيرَةُ! خُذِ الإداوَةَ"، فَأَخَذْتُهَا، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى تَوَارَى عَنِّي، فَقَضَى حَاجَتَهُ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَأْمِيَّةٌ، فَذَهَبَ لِيُخْرِجَ يَدَهُ مِنْ كُمِّهَا، فَضَاقَتْ، فَأَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ أَسْفَلِهَا، فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ، فَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، ثُمَّ صَلَّى. (كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر (¬3)): يريد في غزوة تبوك. (وعليه جبة شامية): قال الداودي: كانت من صوف. ففيه (¬4): طهارة شعر الميتة وهو مذهب مالك؛ لأن الشام كانت حينئذ دار كفر. * * * ¬

_ (¬1) في "م": "من". (¬2) في "ن": "بعض". (¬3) في "ع": "مضر". (¬4) في "ن" و "ع": "كانت من صوف ميتة، ففيه".

باب: كراهية التعري في الصلاة وغيرها

باب: كراهيةِ التعرِّي في الصلاةِ وغيرِها 268 - (364) - حَدَّثَنَا مَطَرُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَكرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَنْقُلُ مَعَهُمُ الْحِجَارَةَ لِلْكَعْبةِ، وَعَلَيهِ إِزَارُهُ، فَقَالَ لَهُ الْعَباسُ عَمُّهُ: يَا بْنَ أَخِي! لَوْ حَلَلْتَ إِزَارَكَ، فَجَعَلْتَ عَلَى مَنْكِبَيْكَ دُونَ الْحِجَارَةِ، قَالَ: فَحَلَّهُ، فَجَعَلَهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، فَسَقَطَ مَغْشِيًّا عَلَيهِ، فَمَا رُئِيَ بَعْدَ ذَلِكَ عُرْيَانًا - صلى الله عليه وسلم -. (لو حللت إزارك): أي (¬1): لكان حسنًا، على أن "لو" شرطية، ويجوز أن تكون للتمني، فلا حذف. (فما رُئِيَ): براء مضمومة فهمزة مكسورة فياء مفتوحة، ويروى: بكسر الراء بعدها ياء ساكنة فهمزة مفتوحة. * * * باب: الصلاة في القميصِ والسَّراويل والتُّبَّانِ والقَباء 269 - (365) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَامَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَأَلَهُ عَنِ الصَّلاَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ، فَقَالَ: "أَوَكُلُّكُمْ يَجدُ ثَوْبَيْنِ؟! ". ثُمَّ سَألَ رَجُلٌ عُمَرَ، فَقَالَ: إِذَا وَسَّعَ اللَّهُ، فَأَوْسِعُوا، جَمَعَ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ، صَلَّى رَجُلٌ فِي إِزَارٍ وَرِداءٍ، فِي إِزَارٍ وَقَمِيصٍ، فِي إِزَارٍ وَقَبَاءٍ، فِي سَرَاوِيلَ ¬

_ (¬1) "أي" ليست في "ج".

وَرِداءٍ، فِي سَرَاوِيلَ وَقَمِيصٍ، فِي سَرَاوِيلَ وَقَبَاءٍ، فِي تُبَّانٍ وَقَبَاءٍ، فِي تُبَّانٍ وَقَمِيصٍ، قَالَ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: فِي تُبَّانٍ وَرِداءٍ. (جمع رجل عليه ثيابه): فيه وقوع الماضي بمعنى الأمر؛ أي: ليجمع، "وكذا صلى رجل في كذا"؛ أي: ليصل، ومثله في كلام العرب: اتقى الله امرؤٌ فعل خيرًا يُثبْ (¬1) عليه؛ أي: ليتق (¬2) وليفعل. (في إزار وقميص، في إزار وقباء): قال ابن مالك: فيه حذف حرف العطف؛ فإن الأصل: صلى (¬3) رجل (¬4) في إزار ورداء (¬5)، أو في إزار وقميص، أو في إزار وقباء (¬6). قلت: لا يتعين؛ لاحتمال أن يكون المحذوف فعلًا؛ أي: صلى في إزارٍ وقميص، صلى في إزار وقباء، وكذا في (¬7) الباقي، والمعنى: ليجمع عليه ثيابه، ليصل في كذا، ليصل في كذا، والحمل (¬8) على هذا أولى (¬9)؛ لثبوته إجماعًا، وحذفُ حرفِ العطف بابُه الشعر (¬10) فقط عند بعض، ¬

_ (¬1) في "ج": "ثبت". (¬2) في "ج": "وليتق"، وفي "م": "ليتقي". (¬3) في "ن": "صلَّ". (¬4) في "ع": "رجل صلى". (¬5) "ورداء" ليست في "ع". (¬6) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 63). (¬7) "في" ليست في "ن". (¬8) في "ع" و "ج": "فالحمل". (¬9) "أولى" ليست في "ن". (¬10) في "ع": "ثابت في الشعر".

باب: ما يستر من العورة

ووقوعُه (¬1) في الشعر مختلَف (¬2) فيه. * * * 270 - (366) - حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَألَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ؟ فَقَالَ: "لاَ يَلْبَسُ الْقَمِيصَ، وَلاَ السَّرَاوِيلَ، وَلاَ الْبُرْنُسَ، وَلاَ ثَوْبًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ، وَلاَ وَرْسٌ، فَمَنْ لَمْ يَجدِ النَّعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُوناَ أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ". وَعَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَهُ. (لا يلبسِ القميص): "لا" ناهية (¬3)، فتكسر (¬4) السين، أو نافية، فتضم. * * * باب: ما يستُرُ من العورة 271 - (367) - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ اشتِمَالِ الصَّمَّاءِ، وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ. ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "وقوعه". (¬2) في "ج": "يختلف". (¬3) في "ج": "نافية". (¬4) في "ج": "فبكسر".

(عن اشتمال الصماء): قال مالك في "العتبية": هو أن يشتمل بالثوب على منكبيه، ويخرج يده (¬1) اليسرى [من تحته، وليس عليه مئزر (¬2). قال أبو عبيد: والفقهاء يقولون: هو أن يشتمل بثوب واحد ليس عليه غيره، ثم يرفعه من (¬3) أحد جانبيه، فيضعه على منكبيه] (¬4) فيبدو منه فرجه (¬5). وقال أهل اللغة: هو أن يَتَجَلَّل بالثوب، فلا يرفع منه جانبًا، وعليه: فيكون النهي؛ لعدم قدرته على الاستعانة بيديه فيما يعرِض له في الصلاة. (وأن يحتبي): قال السفاقسي: والاحتباء بالثوب: هو أن يحتزم بالثوب على حَقْوَيه وركبتيه (¬6) وفرجه؛ إذ كانت العرب تفعله لترتفق في جلوسها، وكذلك فسره البخاري في كتاب: اللباس (¬7). وقال الخطابي: هو أن يجمع ظهره ورجليه (¬8) بثوب واحد (¬9). * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "في يده". (¬2) انظر: "التمهيد" لابن عبد البر (12/ 167). (¬3) في "ع": "على". (¬4) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬5) انظر: "غريب الحديث" له (2/ 118). (¬6) في "ع": "وركبته". (¬7) رواه البخاري (5482). وانظر: "التنقيح" (1/ 141). (¬8) في "ع": "ورجله". (¬9) انظر: "غريب الحديث" له (3/ 37).

272 - (368) - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبي الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: نَهَى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعَتَيْنِ: عَنِ اللِّمَاسِ وَالنِّبَاذِ، وَأَنْ يَشْتَمِلَ الصَّمَّاءَ، وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ. (في بَيعتين): قال الزركشي: اشتهر على الألسنة بفتح الباء، والأحسنُ ضبطُه بكسرها؛ لأن المراد به الهيئة (¬1). قال في "الصحاح": يقال: إنه لحسن (¬2) البِيعة؛ يعني (¬3): بكسر الباء؛ من البيع، مثل: الرِّكْبَة والجِلْسَة (¬4). * * * 273 - (369) - حَدَّثنا إِسحاقُ، قَالَ: حَدَّثَنا يَعْقُوبُ بنُ إِبرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنا ابْن أَخِي شِهابٍ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: أخبَرَني حُمَيدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ عَوْفٍ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَنِي أبُو بَكْرٍ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ، فِي مُؤَذِّنِينَ يَوْمَ النَّحْرِ، نؤذِّنُ بِمِنًى: أَلا أن لاَ يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلاَ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ. (نؤذن بمنى: أَلا (¬5) أن لا يحج (¬6) بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان): يحتمل أن تكون "أن" تفسيرية، و"لا" نافية، ويحجُّ مرفوع. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 141). (¬2) في "ن" و "ع": "يحسن". (¬3) "يعني" ليست في "ن". (¬4) انظر: "الصحاح" للجوهري (3/ 1189)، (مادة: بيع). (¬5) في "م": "على". (¬6) في "م" و "ج": "يجمع".

باب: الصلاة بغير رداء

فإن قلت: لم لا يجوز أن تكون ناهية؟ قلت: لأن بعده: "ولا يطوف". ويحتمل أن تكون ناصبة، فيحجَّ منصوب، وكذا يطوفَ، وأما قوله بعد هذا: "لا يحج ولا يطوف" فبالرفع (¬1) لا غير. * * * باب: الصلاةِ بغيرِ رِداء 274 - (370) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي الْمَوَالِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ مُلْتَحِفًا بِهِ، وَرِداؤُهُ مَوْضُوعٌ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قُلْنَا: يَا أَبَا عَبْدِ الله! تُصَلِّي وَرِداؤُكَ مَوْضُوعٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَحْبَبْتُ أَنْ يَرَانِي الْجُهَّالُ مِثْلُكُمْ، رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي هَكَذَا. (وهو يصلي في ثوب ملتحف به): بالرفع والنصب (¬2) والجر، وتوجيهها (¬3) ما سبق في قوله: "يصلي (¬4) في ثوب واحد مشتمل به". (أن يراني الجهال مثلكم): قال (¬5) الزركشي: برفع مثل على الصفة، وهي، وإن كانت لا تتعرف بالإضافة، فالموصوفُ قريبٌ من النكرة؛ لأن اللام فيه للجنس (¬6). ¬

_ (¬1) في "ج": "بالرفع". (¬2) "والنصب" ليست في "ج". (¬3) في "ج": "وتوجيههما". (¬4) "يصلي" ليست في "ج". (¬5) "قال" ليست في "ن". (¬6) انظر: "التنقيح" (1/ 142).

باب: ما يذكر في الفخذ

قلت: ولك أن تجعله بدلًا. * * * باب: مَا يُذْكَرُ فِي الْفَخِذِ ويُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاس، وَجَرْهَدٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْفَخِذُ عَوْرَةٌ". وَقَالَ أَنسٌ: حَسَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ فَخِذِهِ، وَحَدِيثُ أَنسٍ أَسْنَدُ، وَحَدِيثُ جَرهَدٍ أَحْوَطُ حَتَّى يُخْرَجَ مِنِ اخْتِلاَفِهِم. وَقَالَ أَبو مُوسَى: غَطَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رُكْبَتَيْهِ حِينَ دَخَلَ عُثْمَان. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولهِ - صلى الله عليه وسلم - وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي، فَثَقُلَتْ عَلَيَّ، حَتَّى خِفْتُ أَنْ ترَضَّ فَخِذِي. (جَرْهَد): على زنة جعفر، بجيم وراء وهاء ودال مهملة. (ابن جَحْش): كفَلْس، بجيم وحاء مهملة وشين معجمة. (وحديث أنس أَسْنَدُ): أي: أصحُّ إسنادًا. فإن قلت: فيه بناء (¬1) أفعل التفضيل من غير ثلاثي، وهو غير مقيس؟ قلت: إذا كان الفعل على صيغة أفعل كمسألتنا (¬2)، فهو مقيس عند سيبويه، وناهيك به! (وحديث جَرهد أحوطُ): للخروج من الخلاف. (وقال زيد بن ثابت: أنزل الله على رسوله): هذا التعليق قطعة من ¬

_ (¬1) في "ج": "تبعًا". (¬2) في "ع": "كهذا البناء".

حديث أخرجه البخاري في: الجهاد، والتفسير (¬1)، وسيأتي إن شاء الله تعالى. (وفخذه على فخذي، فثقُلت): بضم القاف. (أن ترض): بالبناء للمعلوم، فقوله (¬2): "فخذي" منصوب بفتحة مقدرة، وبالبناء للمجهول، فهو مرفوع بضمة مقدرة. قال الزركشي: لا معنى لإدخاله في هذا الباب؛ فإنه ليس فيه أنه لا حائل بينهما، بل الظاهر كونه مع الحائل (¬3). قلت: سنتكلم عليه في محله إن شاء الله تعالى. * * * 275 - (371) - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنس: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - غَزَا خَيْبَرَ، فَصَلَّيْنَا عِنْدَهَا صَلاَةَ الْغَدَاةِ بِغَلَسٍ، فَرَكبَ نبِيُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَركبَ أبو طَلْحَةَ، وَأَناَ رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ، فَأَجْرَى نبَيُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - في زُقَاقِ خَيْبَرَ، وَإِنَّ رُكبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نبِيِّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ حَسَرَ الإزَارَ عَنْ فَخِذِهِ، حَتَّى إِنِّي أَنْظُرُ إلَى بَيَاضِ فَخِذِ نبَيِّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا دَخَلَ القَرْيَةَ، قَالَ: "اللهُ أكبرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ، فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ". قَالَهَا ثلاَثًا، قَالَ: وَخَرَجَ الْقَوْمُ إِلَى أَعْمَالِهِمْ، فَقَالُوا: مُحَمَّدٌ -قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ: وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَالْخَمِيسُ، يَعْنِي: الْجَيْشَ-، قَالَ: فَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2832)، و (4592) عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه. (¬2) في "ج": "من قوله". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 142).

فَجُمِعَ السَّبْيُ، فَجَاءَ دِحْيَةُ، فَقَالَ: يَا نبَيَّ اللَّهِ! أَعْطِنِي جَارِيَةً مِنَ السَّبْيِ، قَالَ: "اذْهَبْ فَخُذْ جَارِيَةً". فَأَخَذَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُييٍّ، فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا نبَيَّ اللَّهِ! أَعْطَيْتَ دِحْية صَفِيَّة بِنْتَ حُييٍّ، سَيِّدَةَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، لاَ تَصْلُحُ إِلَّا لَكَ، قَالَ: "ادْعُوهُ بِهَا". فَجَاءَ بِهَا، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "خُذْ جَارِيةً مِنَ السَّبْيِ غَيْرَهَا". قَالَ: فَأَعْتَقَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَتَزَوَّجَهَا. فَقَالَ لَهُ ثَابِتٌ: بَا أَبَا حَمْزَةَ! مَا أَصْدَقَهَا؟ قَالَ: نَفْسَهَا، أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالطَّرِيقِ، جَهَّزَتْهَا لَهُ أُمُّ سُلَيْمٍ، فَأَهْدَتْهَا لَهُ مِنَ اللَّيْلِ، فَأَصْبَحَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَرُوسًا، فَقَالَ: "مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْء، فَلْيَجئْ بِهِ". وَبَسَطَ نِطَعًا، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجيءُ بِالتَّمْرِ، وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجيءُ بِالسَّمْنِ، قَالَ: وَأَحْسِبُهُ قَدْ ذَكَرَ السَّوِيقَ، قَالَ: فَحَاسُوا حَيْسًا، فَكَانَتْ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. (عُليّة): بعين مهملة مضمومة ولام فياء (¬1) مشددةٍ، مصغَّر. (ثم حسر الإزار عن فخذه (¬2)): قال الزركشي: حُسر -بضم أوله مبني للمفعول- بدليل رواية مسلم: "فانحسر" (¬3)؛ أي: بغير اختياره لضرورة الإجراء، وحينئذٍ ففي دلالته على ما أراده نظر (¬4). قلت: قد يكون البخاري إنما استدل بعدم تغطيتها (¬5) بعد الانكشاف، ¬

_ (¬1) في "ن": "وياء". (¬2) في "ع": "فخذيه". (¬3) قلت: رواية مسلم (1365) بلفظ: "وانحسر". (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 142 - 143). (¬5) في "م": "تغطيتهما".

وأظن أن حسر يَرِد مع بنائه للمعلوم بمعنى انحسر، ويدل عليه شاهد النحاة (¬1) المشهور: [من الطويل] وَإِنْسَانُ عَيْنِي يَحْسِرُ الماءُ تَارَةً ... فَيَبْدُو (¬2) وَتَارَاتٍ يَجمُ فَيَغْرَقُ (¬3) فحرِّرْه. (فقالوا: محمدٌ): أي: جاء محمد، أو هذا (¬4). (والخميس): -بالرفع- عطف على محمد، -وبالنصب- على أنه مفعول معه. قيل: وسمي الجيش خميسًا؛ لأنه يُقسم خمسةَ أخماس: ميمنة، وميسر، وقلبًا، وجناحين. وقيل بدلهما: المقدمة، والساقة. وقال ابن سِيْده: لأنه يخمس ما وجده (¬5). ورُدَّ بأن أهل الجاهلية كانوا يسمونه بذلك، ولا يعرفون التخميس (¬6). (خذ جارية من السبي غيرها): قيل: المأخوذة (¬7) هي أختُ زوج صفية، وهو كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق. وقيل: بنتُ عم صفية. ¬

_ (¬1) في "ج": "البخاري". (¬2) في "ن" و "ع": "فيبدوا"، وفي "ج": "فيبدا". (¬3) البيت لذي الرُّمة. (¬4) في "ج": وهذا. (¬5) انظر: "المحكم" له (5/ 92)، (مادة: خمس). (¬6) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 574). (¬7) في "ن" و"ع": "بدلها".

باب: في كم تصلي المرأة في الثياب

وفي "سيرة ابن سيد الناس": أنه أعطاه ابنتي عمها (¬1). (نِطَعًا): -بكسر النون وفتحها وفتح الطاء المهملة-، وعليها اقتصر ثعلب في "الفصيح" (¬2)، وفيه لغات (¬3) أخر. (فحاسوا حيسًا): بحاء وسين مهملتين، والحيس: المتخذ من الأَقِط والتمر والسمن، وقد يُجعل عِوَضَ الأقطِ الدقيقُ. * * * باب: في كم تُصلِّي المرأة في الثياب 276 - (372) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ: أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الْفَجْرَ، فَيَشْهَدُ مَعَهُ نِسَاءٌ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ، مُتَلَفِّعَاتٍ فِي مُرُوطِهِنَّ، ثُمَّ يَرْجِعْنَ إِلَى بُيُوتهِنَّ، مَا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ. (متلفّعَات): -بعين مهملة بعد الفاء المشددة-؛ أي: مغطيات الرؤوس والأجساد، ورواه (¬4) الأصيلي: "متلففات" -بفاء ثانية في موضع العين (¬5) -، ومعناهما واحد، أو متقارب، وفيه: الرفع؛ على أنه صفة لنساء، والنصب على الحال من النكرة الموصوفة. ¬

_ (¬1) انظر: "عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير" لابن سيد الناس (2/ 137). (¬2) في "ع": "الصحيح". (¬3) في "ن": "وهي لغات". (¬4) في "ج": "وقد رواه". (¬5) انظر: "التنقيح" (1/ 143).

باب: إذا صلى في ثوب له أعلام، ونظر إلى علمها

(في مروطهن): هي أكسية معلمة تكون (¬1) من خَزٍّ، وتكون من صوفٍ. (ما يعرفهن أحد): أي: أهنَّ نساء أم رجال؛ (¬2) بل يبصر الرائي سوادًا، وهذا يدل على شدة التغليس، يحتمل هذا (¬3)، ويحتمل أمرًا آخر (¬4)، وهو أن الرائي يعرف أنهن نساء، لكن لا يعرف فلانة من فلانة، وهذا دون الأول في التنكير. * * * باب: إذا صلَّى في ثوبٍ له أعلامٌ، ونظر إلى عَلَمِها 277 - (373) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَن النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلاَمٌ، فَنَظَرَ إِلَى أَعْلاَمِهَا نظرَةً، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: "اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إِلَى أَبِي جَهْمٍ، وَائتوني بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْم، فَإِنَّهَا ألهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلاَتِي". وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَى عَلَمِهَا وَأَنَا فِي الصَّلاَةِ، فَأَخَافُ أَنْ تَفْتِنَنِي". (وائتوني بأنبَجانية أبي جهم): الأَنبَجانية (¬5) -بقطع الهمزة-، ويروى: ¬

_ (¬1) "معلمة تكون" ليست في "ج". (¬2) في "ع" و"ج": "أهن رجال أم نساء". (¬3) "يحتمل هذا" ليست في "ج". (¬4) في "ج": "آخرًا". (¬5) "الأنبجانية" غير واضحة في "م"، وهي هكذا في "ن" و "ع".

باب: إن صلى في ثوب مصلب أو تصاوير، هل تفسد صلاته؟ وما ينهى عن ذلك

بفتحها وكسرها (¬1) وبفتح الباء الموحدة وكسرها وبتثقيل الياء المثناة من تحت وتخفيفها-، وهي الكساء الغليظ لا علم له، فإن كان فيه علم، فهو الخميصة. (ألهتني): أي: شغلتني (¬2)؛ من لهِي -بكسر الهاء-، وليس من لها لهوًا. (فأخاف أن تَفتنني): يروى: بفك النونين (¬3) وبالإدغام؛ مثل: {مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ} [الكهف: 95]، وأوله مفتوح؛ من فتن. قال الزركشي: ويجوز الضم، يقال: أفتنه، وأنكره الأصمعي (¬4). * * * باب: إِنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ مُصَلَّبٍ أَوْ تَصَاوِيرَ، هَلْ تَفْسُدُ صَلاَتُهُ؟ وَمَا يُنْهَى عَنْ ذَلِكَ (في ثوب مصلب): أي: فيه صلبان. (أو تصاويرَ): -بفتح الراء- عطفًا (¬5) على مصلب، بتقدير: أو ذي تصاوير، فحذف المضاف، وأقام (¬6) المضاف إليه مقامه. 278 - (374) - حَدَّثَنَا أَبو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا ¬

_ (¬1) في "ع": "وبكسرها". (¬2) في "ج": "أشغلتني". (¬3) في "ن" و "ع": "التنوين". (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 144). (¬5) في "ج": "عطف". (¬6) في "ج": "وأقيم".

باب: من صلى في فروج حرير، ثم نزعه

عَبْدُ الْوَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ: كَانَ قِرَامٌ لِعَائِشَةَ، سَتَرَتْ بِهِ جَانِبَ بَيْتِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمِيطِي عَنَّا قِرَامَكِ هَذَا، فَإِنَّهُ لاَ تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ فِي صَلاَتِي". (قِرامك): -بقاف مكسورة-: هو (¬1) ستر رقيق فيه رقم ونقوش، وإنما أدخل حديث القرام في باب الصلاة في الثوب (¬2) الذي فيه تصاوير؛ لأن النهي عن التجمل يقتضي (¬3) النهي عن ملابسته في الصلاة بطريق الأولى. * * * باب: مَنْ صَلَّى فِي فَرُّوجِ حَرِيرٍ، ثُمَّ نَزَعَهُ (في فَرُّوج حرير): -بفتح الفاء مع (¬4) تشديد الراء وتخفيفها-: هو (¬5) قَباء يُشق من خلفه. * * * باب: الصَّلاَةِ فِي السُّطُوحِ وَالْمِنْبَرِ وَالْخَشَبِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَلَمْ يَرَ الْحَسَنُ بَأْسًا أَنْ يُصَلَّى عَلَى الْجُمْدِ وَالْقَنَاطِرِ، وَإِنْ جَرَى تَحْتَهَا بَوْلٌ، أَوْ فَوْقَهَا، أَوْ أَمَامَهَا، إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا ¬

_ (¬1) في "ع": "وهو". (¬2) في "ج": "الثواب". (¬3) في "ن" و "ع": "عن التجمل به يقضي". (¬4) في "ن": "بفتح الفاء مع عن ملابسته". (¬5) في "ن" و "ج": "وهو".

سُتْرَةٌ. وَصَلَّى أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى سَقْفِ الْمَسْجدِ بِصَلاَةِ الإمَامِ. وَصَلَّى ابْنُ عُمَرَ عَلَى الثَّلْج. (أن يصلَّى على الجَمْد): -بفتح الجيم وضمها مع سكون الميم-: الأرض الصلبة، والمراد به هنا: الماء (¬1) الجامد (¬2) من شدة البرد. قال القاضي: في (¬3) كتاب الأصيلي وأبي (¬4) ذر: بفتح الميم، والصواب السكون (¬5). * * * 279 - (377) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ، قَالَ: سَألوا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ الْمِنْبَرُ؟ فَقَالَ: مَا بَقِيَ بِالنَّاسِ أَعْلَمُ مِنِّي، هُوَ مِنْ أَثْلِ الغَابَةِ، عَمِلَهُ فُلان مَولَى فُلانة لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَامَ عَليهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ عُمِلَ وَوُضعَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، كبَّرَ وَقَامَ النَّاسُ خَلْفَهُ، فَقَرَأَ وَرَكعَ، وَرَكعَ النَّاسُ خَلْفَهُ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى، فَسَجَدَ عَلَى الأَرْضِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ قَرَأَ، ثُمَّ ركَعَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى حَتَّى سَجَدَ بِالأَرْضِ، فَهَذَا شَأْنُهُ. ¬

_ (¬1) "الماء" ليست في "ع". (¬2) في "ج": "الجليد". (¬3) في "ن" و"ع": "وفي". (¬4) في "ن": "وأبو". (¬5) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 152).

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: سَأَلَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ- عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: فَإِنَّمَا أَرَدْتُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ أَعْلَى مِنَ النَّاسِ، فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَكُونَ الإمَامُ أَعْلَى مِنَ النَّاسِ؛ بِهَذَا الْحَدِيثِ. قَالَ: فَقُلْتُ: إِنَّ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ كانَ يُسْأَلُ عَنْ هَذَا كثِيرًا، فَلَمْ تَسْمَعْهُ مِنْهُ؟ قَالَ: لاَ. (هو من أَثْل الغابة): الأثل -بالمثلثة-: شجر كالطرفاء، والغابة -بغين معجمة وباء موحدة-: موضع بقرب المدينة. (عمله فلان مولى فلانة): قال (¬1) الزركشي: ذكر الصاغاني أنه باقوم الرومي (¬2) مولى سعيد بن العاص. وقيل: غلام لسعد بن عبادة. ويقال: غلام للعباس (¬3). قلت: لا (¬4) ينبغي أن يُفسر مبهمُ البخاري بشيء مما ذكره؛ فإن المبهم مولى فلانة، لا مولى فلان. وقيل: هو صالح مولى التوءمة. * * * 280 - (378) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيم، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ ¬

_ (¬1) "قال" زيادة من "ع". (¬2) في "ن" و "ع": "ياقوت الرومي". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 146). (¬4) في "ع": "ولا".

هَارُونَ، قَالَ: أخبَرَناَ حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ، فَجُحِشَتْ سَاقُهُ، أَوْ كَتِفُهُ، وَآلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا، فَجَلَسَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ، دَرَجَتُهَا مِنْ جُذُوعٍ، فَأَتَاهُ أَصْحَابُهُ يَعُودُونهُ، فَصَلَّى بِهِمْ جَالِسًا وَهُمْ قِيَامٌ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ: "إِنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا سجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِنْ صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا". وَنَزَلَ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّكَ آلَيْتَ شَهْرًا؟ فَقَالَ: "إِنَّ الشَّهْرَ تِسْع وَعِشْرُونَ". (يزيد (¬1) بن هارون): بمثناة من تحت وزاي. (فجُحِشت): -بجيم مضمومة فحاء مهملة مكسورة فشين معجمة-؛ أي: خدشت. (مَشْرُبةٍ): -بميم مفتوحة فشين ساكنة (¬2) فراء مضمومة، وتفتح، فموحدة-: غرفة معلقةٌ. (إن (¬3) الشهر تسع وعشرون): الألف واللام للعهد؛ أي: هذا الشهرُ الذي عينتُه (¬4) للإيلاء، وإلا، فلو أطلق الشهر، ولم يعين (¬5)، لزمه ثلاثون يومًا، وأنث العدد إما لتغليب الليالي (¬6)؛ لدخولها في مسمى الشهر، وإما لأن ¬

_ (¬1) في "ج": "ويزيد". (¬2) في "ج": "فشين معجمة ساكنة". (¬3) في "ع": "فإن". (¬4) في "ع": "عنيته". (¬5) في "ن": "يعينه". (¬6) في "ج": "للتغليب لليالي".

باب: الصلاة على الحصير

المميز محذوف على رأي من يقول بجواز (¬1) تأنيثه عند حذف المميز المذكر (¬2). وإدخال هذا الحديث في باب: الصلاة على الخشب واضح؛ لأنه - عليه السلام - صلى بأصحابه على الألواح المشربة وخشبها. * * * باب: الصَّلاَةِ عَلَى الْحَصِيرِ وَصَلَّى جَابِرٌ، وَأَبُو سَعِيدٍ فِي السَّفِينَةِ قَائِمًا. وَقَالَ الْحَسَنُ: قَائِمًا مَا لَمْ تَشُقَّ عَلَى أَصْحَابِكَ، تَدُورُ مَعَهَا، وَإِلَّا، فَقَاعِدًا. (باب: الصلاة على الحصير. وصلى جابر بن عبد الله (¬3) وأبو سعيد في السفينة): إنما أدخل هذا في ترجمة الصلاة على الحصير؛ لأنهما اشتركا في أن الصلاة عليهما صلاة على غير الأرض. 281 - (380) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ لَهُ، فَأكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: "قُومُوا فَلأُصَلِّ لَكُمْ". قَالَ أَنسٌ: فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا، قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ، فَنَضَحْتُهُ بِمَاءَ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَصَفَفْتُ وَالْيتيمَ وَرَاءَهُ، وَالْعَجُوزُ ¬

_ (¬1) في "ج": "يجوز". (¬2) في "ع" و "ج": "المذكور". (¬3) كذا في رواية أبي ذر الهروي وأبي الوقت، وفي اليونينية: "وصلى جابر".

مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ. (قوموا فلأصلِّ لكم): يروى: بحذف الياء وثبوتها (¬1) مفتوحة و (¬2) ساكنة. فعلى الأول: اللام لام أمر، وحذف الياء علامة الجزم، وهو من أمر المتكلمِ نفسَه بفعل مقرون باللام، وهو -على قِلَّتِه- فصيح؛ نحو: {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} [العنكبوت: 12]. وعلى الثاني: تكون (¬3) لام كي، والفعلُ بعدها منصوب بأن مضمرة، وأَنْ (¬4) والفعل في تأويل مصدر (¬5)، واللامُ ومصحوبها خبرُ مبتدأ محذوف، والتقدير: قوموا، فقيامُكم لأصلِّيَ لكم، ويجوز على مذهب الأخفش أن تكون الفاء زائدة، واللام متعلقة بفعل الأمر. وعلى الثالث: يحتمل أن تكون اللام لام كي، وسكنت الياء تخفيفًا (¬6)، وهي لغة مشهورة، ويحتمل أن تكون لام الأمر، وثبتت (¬7) الياء إجراءً للمعتَلِّ مجرى الصحيح؛ كقراءة قُنبل: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ}. وعند الكشميهني: "قوموا أصلي لكم"، وهي واضحة. ¬

_ (¬1) في "م": "وبثبوتها"، والمثبت من النسخ الأخرى. (¬2) الواو سقطت من "ع" و "ج". (¬3) "تكون" ليست في "ع" و"ج". (¬4) "وأن" ليست في "ع". (¬5) في "ع": "المصدر". (¬6) في "ج": "تخفيفها". (¬7) في "ع" و "ج": "وتثبت".

(وصففتُ أنا واليتيم): برفع اليتيم مع ثبوت أنا، [وهو واضح، و (¬1) مع سقوطها، ففيه العطفُ على ضمير الرفع المتصل بدون تأكيد ولا فاصل، وبنصب (¬2) اليتيم على أنه مفعول معه مع ثبوت أنا] (¬3) وحذفها (¬4)، والصاد من (¬5) صَففت: مفتوحة، وتروى: بالضم، ورجحها بعضهم بأن صَفَّ متعدٍّ، وليس في اللفظ مفعولٌ. واليتيمُ المذكورُ هو ضَمْرَةُ جدُّ حسينِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ ضميرة، قاله ابن حبيب في "الواضحة" فيما نقله ابن بشكوال (¬6). (والعجوز من ورائنا): هي أُمُّ سُلَيم، والمشهورُ أن مِنْ -بكسر الميم- حرف جر، و (¬7) ورائنا مجرور (¬8) به، وجوز بعض النحاة (¬9) أن تكون مَنْ موصولة، ووراءنا ظرفًا (¬10). وأورد هنا سؤال (¬11)، وهو أنه في هذا الحديث بدأ بالأكل، وفي حديث عتبان بن مالك: بدأ بالصلاة قبل الأكل (¬12). ¬

_ (¬1) الواو سقطت من "ج". (¬2) في "ن": "ونصب". (¬3) ما بين معكوفتين سقط من "ع". (¬4) "وحذفها" ليست في "ن". (¬5) في "ج": "ومن". (¬6) انظر: "غوامض الأسماء المبهمة" (1/ 170 - 171). (¬7) الواو زيادة من "ن" و "ع". (¬8) في "ع": "ظرف مجرور". (¬9) "النحاة" سقط من "م" و"ج". (¬10) في "ج": "وراءنا ظرف". (¬11) في "ن": "وأوردها سؤال"، وفي "ع": "هذا السؤال". (¬12) رواه البخاري (425)، ومسلم (33).

باب: الصلاة على الفراش

فقيل: لأنه (¬1) في حديث عتبان دُعي للصلاة في بيته، فبدأ بها؛ إذ هي السبب الذي دعي لأجله. وأما أم سليم، فدعته للطعام، فبدأ به، فراعى في كل موضع سببه. ويحتمل أن يكون طعام عتبان لم يتهيأ بعد، ولهذا قال: "حبسناه على خزير (¬2) لنا"؛ أي: عوقناه حتى طبخ، فبدأ بالصلاة، وطعامُ أم سليم كان مهيأ فأحضرته (¬3)، فبدأ به، والله أعلم. * * * باب: الصلاةِ على الفراشِ 282 - (382) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهَا قَالَتْ: كنْتُ أَناَمُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَرِجْلاَيَ فِي قِبْلَتِهِ، فَإِذَا سَجَدَ، غَمَزَنِي، فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ، فَإِذَا قَامَ، بَسَطْتُهُمَا، قَالَتْ: وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ. (أبي النضر): تقدم ضبطه بضاد معجمة. * * * 283 - (383) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، ¬

_ (¬1) في "ع": لأن. (¬2) في " ن " و"ع": "جرير" وهو خطأ. (¬3) في "ج": "متهيأ فحضرته".

باب: السجود على الثوب في شدة الحر

عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ: أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي، وَهْيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، عَلَى فِرَاشِ أَهْلِهِ؛ اعْتِرَاضَ الْجَنَازَةِ. (اعتراض الجنازة): مصدر (¬1) نوعي (¬2)؛ أي: معترضة مثل (¬3) اعتراض الجنازة. * * * باب: السُّجُودِ عَلَى الثَّوْبِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ الْقَوْمُ يَسْجُدُونَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ، وَيَدَاهُ فِي كُمِّهِ. (والقَلَنْسُوة): بفتح القاف واللام وإسكان النون وضم السين المهملة وتخفيف الواو. 284 - (385) - حَدَّثنَا أَبُو الوَليدِ هِشامُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، قَالَ: حَدَّثنا بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ، قَالَ: حَدَّثَنِي غَالِبٌ القَطَّانُ، عَن بَكْرٍ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَنس بْنُ مَالكٍ، قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَيَضَعُ أَحَدُنَا طَرَفَ الثَّوْبِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ فِي مَكَانِ السُّجُودِ. (بِشْر بن المفضَّل (¬4)): بموحدة وشين معجمة. ¬

_ (¬1) "مصدر" ليست في "ج". (¬2) في "ج": "ونوعي". (¬3) "مثل" ليست في "ج". (¬4) في "ج": "الفضل".

باب: يبدي ضبعيه ويجافي في السجود

باب: يُبْدِي ضَبْعَيْهِ وَيُجَافِي فِي السُّجُودِ (يبدي ضَبْعيه): -بفتح الضاد المعجمة وسكون الموحدة-: وسط العضد. وقيل: هو ما تحت الإبط. 285 - (390) - أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ هُرْمُزَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا صَلَّى، فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ، حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ نَحْوَهُ. (ابن مُضر): بميم مضمومة وضاد معجمة وراء (¬1)، غير منصرف للعلمية والعدل. (عن عبدِ الله بنِ مالكٍ ابن بُحينة): ابن مالك صفةٌ لعبد الله، فقد وقع "ابن" فيه صفةً بين عَلَمَين من غير فاصل، فتُحذف الألف منه خَطًّا، و"ابن بحينة" ليس صفةً لمالك، وإنما هو صفة أخرى لعبد الله؛ إذ بُحينة أمُّه، فينون مالك، وتثبت الألف من "ابن بحينة"؛ لأنه وإن كان صفة لعبد الله، لكن وقع الفاصل. (فَرج بين يديه): بفتح الفاء. قال السفاقسي: رويناه بالتشديد، والمعروف في اللغة: التخفيف (¬2). (حتى يبدوَ): بواو مفتوحةٍ؛ أي: يظهر. ¬

_ (¬1) في "ج": "مفتوحة وراء". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 148).

باب: فضل استقبال القبلة

باب: فضلِ استقبالِ القبلةِ 286 - (391) - حَدَّثنا عَمْرُو بنُ عَبّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنا ابنُ المَهْدِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنا مَنْصُورُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ سِياهٍ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولهِ، فَلاَ تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ". (عمرو بن عباس): بباء موحدة وسين مهملة. (ميمون بن سِياهٍ): بسين مهملة مكسورة ومثناة من تحت وهاء بعد الألف منونة، والسياهُ في لغة بعض العجم: الأسودُ. (الذي له ذمة الله): الذمة بمعنى: العهد، والأمان، والحرمة، والحق. (فلا تُخْفِروا الله): بتاء المخاطبين مضمومةً، وخاء معجمة ساكنة وفاء مكسورة (¬1)؛ أي: لا تخونوا الله في تضييع حقِّ مَنْ هذه حالهُ، يقال: خَفَرْتُ الرجل: إذا حميته، وأَخفرتُه: إذا نقضتُ عهده، والهمزة فيه للسلب؛ أي: أزلتُ خفارته؛ كأشكيته: إذا أَزلتُ شكواه. * * * 287 - (392) - حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ ¬

_ (¬1) وفاء مكسورة: ليست في "ج".

النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا، وَصَلَّوْا صَلاَتَنَا، وَاسْتَقْبَلُوا قِبْلَتَنَا، وَذَبَحُوا ذَبِيحَتَنَا، فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ، إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ". (فإذا قالوها، وصلوا صلاتنا، واستقبلوا قبلتنا، وذبحوا ذبيحتنا، فقد حَرُمت علينا دماؤهم): قال ابن المنير: فيه دليل على قتل تارك الصلاة؛ لقوله - عليه السلام -: "فإذا قالوها، وصلَّوا صلاتنا، حرمت دماؤهم". فمفهوم الشرط: إذا قالوها، وامتنعوا من الصلاة، لم تحرم دماؤهم، منكِرين للصلاة كانوا أو مقرين؛ لأنه رتب استصحاب سقوط العصمة طي ترك الصلاة، لا ترك الإقرار بها. لا يقال (¬1): فالذبيحة لا يُقتل تاركها؛ لأنا نقول: إذا أخرج الإجماع بعضًا، لم يُخرج الكل. قلت: انظر نَصَّه في الحديث على استقبال قبلتنا بعد قوله (¬2): "صلوا صلاتنا"، هل هو لدفع ما يُتوهم من أن المراد: مشابهةُ صلاتهم بصلاتنا (¬3) في الأقوال والأفعال الداخلة في ماهيتها، أو للاعتناء بشأن القبلة؛ فإن ترك المخالفين لنا فيها أشقُّ شيء (¬4) عليهم، فنص على (¬5) استقبالها مبالغة (¬6) وتأكيدًا. ¬

_ (¬1) "لا يقال" ليست في "ج". (¬2) في "ن": "بقوله". (¬3) في "ن": "لصلاتنا". (¬4) "شيء" ليست في "ع". (¬5) في "ج": "إلى". (¬6) في "ج": "لغة".

باب: قبلة أهل المدينة، وأهل الشأم، والمشرق

باب: قِبْلَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَأَهْلِ الشَّأمِ، وَالْمَشْرِقِ لَيْسَ فِي الْمَشْرِقِ وَلاَ فِي الْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا". (باب: قبلة أهل المدينة وأهل الشأم والمشرق)؛ قال القاضي: ضبط أكثرهم قوله: والمشرقُ: بضم القاف، وبعضهم: بكسرها (¬1). قال الزركشي: الكسر يؤدي إلى إشكال، وهو إثبات قبلة لهم. قلت: إثبات قبلة لأهل (¬2) المشرق في الجملة لا إشكال فيه؛ لأنهم لا بد لهم أن يصلوا إلى الكعبة، فلهم قبلة يستقبلونها قطعًا، إنما الإشكال لو جعل الشرق نفسه مع استدبار الكعبة قبلة، وليس في جر المشرق ما يقتضي أن يكون المشرقُ نفسُه قبلة، وكيف يتوهم هذا، والبخاري قد ألصق بهذا الكلام قوله: "ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة"؟ ثم قال الزركشي: فالصواب (¬3) الرفع عطفًا على باب؛ أي: وبابُ حكم [المشرق؛ أي: باب حكم هذا] (¬4)، وباب حكم هذا، ثم حذفنا (¬5) من الثاني باب وحكم، وأقمنا المشرق مقام الأول (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 358). (¬2) في "ج": "لهم لأهل". (¬3) في "ن": "والصواب". (¬4) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬5) في "ن": "وباب حكم المشرق؛ أي: باب حكم هذا، ثم حذفت"، وفي "ع": "أي: بابٌ في حكم هذا، وباب حكم هذا". (¬6) انظر: "التنقيح" (1/ 150).

قلت: هذا قصورٌ ظاهر؛ فإن ما وجه به الرفع يمكن أن يوجه به الكسر، وذلك بأن يكون المشرق معطوفًا على ما أضيف إليه باب، وهو قبلة، لا على المدينة، ولا على الشام، فكأنه قال: باب حكم قبلة أهل المدينة، وحكم المشرق، ولا إشكال ألبتة. والله الموفق (¬1). * * * 288 - (394) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَطَاء بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا أتيْتُمُ الْغَائِطَ، فَلاَ تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ، وَلاَ تَسْتَدْبِرُوهَا، شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا". قَالَ أَبُو أَيُّوبَ: فَقَدِمْنَا الشَّأْمَ، فَوَجَدْناَ مَرَاحِيضَ بُنِيَتْ قِبَلَ الْقِبْلَةِ، فَنَنْحَرِفُ، وَنستَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى. وَعَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أَيُّوبَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَهُ. (إذا أتيتم الغائط): يحتمل أن يكون استعمل لفظ الغائط مجازًا في قضاء الحاجة كيف كان؛ لأن هذا حكم عام في جميع صور قضاء الحاجة. (فلا تستقبلوا القبلة، ولا تستدبروها): الظاهر أنه لإظهار الاحترام وتعظيم القبلة، لكن هل هو من جهة خروج الخارج المستقذَر، أو من جهة كشف العورة؟ ¬

_ (¬1) في "ع": "والله أعلم".

باب: قول الله تعالى: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} [البقرة: 125]

فيه خلاف ينبني عليه جواز الوطء مستقبل القبلة مع كشف (¬1) العورة، فمن علل بالخارج، أباح، ومن علل بالعورة، منع. * * * باب: قولِ الله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] 289 - (395) - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: سَأَلْنَا ابْنَ عُمَرَ عَنْ رَجُلٍ طَافَ بِالْبَيْتِ الْعُمْرَةَ، وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، أَيَأْتِي امْرَأَتَهُ؟ فَقَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ. (عن رجل طاف بالبيت العمرةَ): بالنصب؛ أي: طواف العمرة، ثم حذف المضافُ وأُقيم المضاف إليه مقامه، ويروى: "لِلعمرة" -بلام الجر- (¬2)؛ أي: لأجل العمرة. * * * 290 - (398) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا دَخَلَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - الْبَيْتَ، دَعَا فِي نَوَاحِيهِ كُلِّهَا، وَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ، فَلَمَّا خَرَجَ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي قُبُلِ الْكَعْبَةِ، وَقَالَ: "هَذِهِ الْقِبْلَةُ". ¬

_ (¬1) في "ع": "كشفه". (¬2) قال الحافظ في "الفتح" (1/ 595): كذا للأكثر.

باب: التوجه نحو القبلة حيث كان

(في قُبُل الكعبة): -بضم القاف والباء-، ويجوز إسكانها؛ أي: في مقابلها (¬1). (وقال: هذه القبلة): أي: التي (¬2) استقر أمرها، فلا يُنسخ كما نُسخ استقبالُ بيت المقدس. ويحتمل أن يكون علمهم (¬3) السنة في مقام الإمام، واستقبال البيت من وجه الكعبة (¬4)، وإن كانت الصلاة في جميع جهاتها جائزة. ويحتمل أن يكون دل به على أن حكم من شاهد البيت وعاينه في استقباله خلاف حكم من غاب عنه، فيصلي تحريًا واجتهادًا، قاله الخطابي (¬5). * * * باب: التوجُّهِ نحو القبلةِ حيثُ كان 291 - (401) - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: صَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -قَالَ إِبْرَاهِيمُ: لاَ أَدْرِي زَادَ أَوْ نَقَصَ-، فَلَمَّا سَلَّمَ، قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَحَدَثَ فِي الصَّلاَةِ شَيْءٌ؟ قَالَ: "وَمَا ذَاكَ؟ ". قَالُوا: صَلَّيْتَ كَذَا وَكَذَا، فَثَنَى رِجْلَيْهِ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ. فَلَمَّا أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، قَالَ: ¬

_ (¬1) في "ع": "مقابلتها". (¬2) في "ج": "الذي". (¬3) "علمهم" ليست في "ن"، وفي "ج": "أعلمهم". (¬4) "الكعبة" ليست في "ع". (¬5) انظر: "أعلام الحديث" (1/ 380). وانظر: "التنقيح" للزركشي (1/ 151).

باب: ما جاء في القبلة ومن لا يرى الإعادة على من سها، فصلى إلى غير القبلة

"إِنَّهُ لَوْ حَدَثَ فِي الصَّلاَةِ شَيْءٌ، لَنبَّأْتُكُمْ بِهِ، وَلَكِنْ، إِنَّمَا أَناَ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أَنْسَى كمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نسَيتُ، فَذَكِّرُونِي، وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ، فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ، فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ ليُسَلِّمْ، ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ". (فثنى رجله): بتخفيف النون، وفي بعض النسخ (¬1): "رجليه" بالتثنية. (أَنسْى كما تنسون): بهمزة مفتوحةٍ وسين مخففةٍ. قال (¬2) الزركشي: ومن قيده بضم أوله وتشديد ثالثه، لم يناسب التشبيه (¬3). * * * باب: مَا جَاءَ فِي الْقِبْلَةِ وَمَنْ لاَ يَرَى الإعَادَةَ عَلَى مَنْ سَهَا، فَصَلَّى إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَقَدْ سَلَّمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي ركْعَتَيِ الظُّهْرِ، وَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ، ثُمَّ أَتَمَّ مَا بَقِيَ. (باب: ما جاء في القبلة، ومن لا يرى (¬4) الإعادة على من سها، فصلَّى إلى غير القبلة): ذكر فيه أنه - عليه السلام - سلم في ركعتي الظهر (¬5)، ¬

_ (¬1) في "ع": "وفي نسخة". (¬2) "قال" زيادة من "ع". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 151). (¬4) في "م": "لم ير". (¬5) في "ع": "ركعتين من الظهر".

وأقبل على الناس بوجهه، ثم أتم ما بقي، مستدلًا بذلك على ما تضمنته الترجمة، ووجههُ: أن انصرافه - عليه السلام - وإقباله على الناس بوجهه بعدَ سلامه، كان وهو عند نفسه في غير صلاة، فلما مضى على صلاته، كان وقتَ استدبارِ القبلة في حكم المصلِّي، فيؤخذ منه أن من اجتهد، ولم يصادف القبلة، لا يعيد. * * * 292 - (403) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ، إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ، فَاسْتَقْبَلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ، فَاستَدَارُوا إِلَى الكَعبةِ. (فاستقبَلوها): -بفتح الباء- على أنه فعل ماض، كذا لجمهور الرواة (¬1)، وعند الأصيلي: بكسرها، على أنه فعل أمر. ووجه الاستدلال بحديث ابن عمر هذا: أنهم في حال انحرافهم غير مستقبلين القبلةَ التي فُرضت عليهم، ولم يؤمروا بإعادته (¬2)، فكذا المجتهدُ في القبلة لا تلزمه إعادة. * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "كذا عند الجمهور من الرواة"، وفي "ج": "كذا عند الرواة". (¬2) في "ن" و "ع": "بإعادة".

باب: حك البزاق باليد من المسجد

باب: حَكِّ البُزاق باليد من المسجدِ 293 - (405) - حَدَّثَنا قُتَيبةُ، قَالَ: حَدَّثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيدٍ، عَنْ أَنسٍ: أَنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى نُخَامَةً في القِبْلَةِ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، حَتَّى رُئِيَ فِي وَجْهِهِ، فَقَامَ فَحَكَّهُ بِيَدِهِ، فَقَالَ: "إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي صَلاَتِهِ، فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ، أَوْ: إِنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَلاَ يَبْزُقَنَّ أَحَدُكُمْ قِبَلَ قِبْلَتِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ". ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ، فَبَصَقَ فِيهِ، ثُمَّ رَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، فَقَالَ: "أَوْ يَفْعَلْ هَكَذَا". (حتى رُئِيَ): بضم الراء وهمزة مكسورة بعدها ياء مفتوحة، وبكسر الراء فياء (¬1) فهمزة-، وقد مر مثله. * * * 294 - (407) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبَيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ مُخَاطًا، أَوْ بُصَاقًا، أَوْ نُخَامَةً، فَحَكَّهُ. (مخاطًا أو بصاقًا أو نخامًة): قيل: المخاط من الأنف، والبصاق من الفم، والنخامة من الصدر، يقال (¬2): تنخَّمَ وتنخَّعَ، وفرق بعضُهم فجعله من الصدر (¬3) بالعين، ومن الرأس (¬4) بالميم. ¬

_ (¬1) "فياء" ليست في "م". (¬2) في "ع": "ويقال". (¬3) في "ج": "المصدر". (¬4) في "ج": "المصدر".

باب: حك المخاط بالحصى من المسجد

باب: حَكِّ المُخاط بالحصى من المسجد 295 - (408 و 409) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا سَعِيدٍ حَدَّثَاهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى نُخَامَةً فِي جِدَارِ الْمَسْجِدِ، فتُنَاوَلَ حَصَاةً، فَحَكَّهَا، فَقَالَ: "إِذَا تَنَخَّمَ أَحَدُكُمْ، فَلاَ يتنَخَّمَنَّ قِبَلَ وَجْهِهِ، وَلاَ عَنْ يَمِينهِ، وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى". (فتناول حصاة، فحتَّها): بمثناة من فوق، ويروى: بكاف، من الحكِّ. * * * باب: لا يبصُقُ عن يمينهِ في الصَّلاةِ 296 - (412) - حَدَّثنا حَفْصُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنا شُعْبَة، قَالَ: أَخْبَرنِي قَتَادَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَتْفِلَنَّ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلاَ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ تَحْتَ رِجْلِهِ". "لا (¬1) يتفِلن": بتاء مثناة من فوق بعد حرف المضارعة، وفاءٍ تكسر وتضم. * * * باب: دفنِ النُّخامة في المسجد 297 - (416) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ ¬

_ (¬1) في "ج": "ولا".

باب: إذا بدره البزاق، فليأخذ بطرف ثوبه

مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ: سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلاَةِ، فَلاَ يَبْصُقْ أَمَامَهُ؛ فَإِنَّمَا يُنَاجِي اللَّهَ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ، وَلاَ عَنْ يَمِينهِ؛ فَإِنَّ عَنْ يَمِينهِ مَلَكًا، وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ، فَيَدْفِنُهَا". (وليبصق عن يساره): بالصاد المهملة، ويروى: بالزاي. * * * باب: إِذَا بَدَرَهُ الْبُزَاقُ، فَلْيَأْخُذْ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ (باب: إذا بدره البزاق (¬1)): أنكر هذا من جهة اللغة؛ إذ المعروف: بدرتُ إليه، وأجيب بأن هذا من باب المغالبة (¬2)؛ أي: بادَر البزاقَ فبدرَهُ؛ أي: غلبه في السبق، وهذا معروف (¬3) لا منكر. 298 - (417) - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ: أَن النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى نُخَامَةً فِي الْقِبْلَةِ، فَحَكَّهَا بِيَدِهِ، وَرُئِيَ مِنْهُ كَرَاهِيَةٌ، أَوْ رُئِيَ كَرَاهِيَتُهُ لِذَلِكَ، وَشِدَّتُهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: "إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي صَلاَتِهِ، فَإِنَّمَا يُنَاجِي رَبَّهُ، أَوْ: رَبُّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قِبْلَتِهِ، فَلاَ يَبْزُقَنَّ فِي قِبْلَتِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ". ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ، فَبَزَقَ فِيهِ، وَرَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، قَالَ: "أَوْ يَفْعَلُ هَكَذَا". ¬

_ (¬1) في "ع": "البصاق". (¬2) في "ع": "المقابلة". (¬3) في "ج": "يعرف".

باب: عظة الإمام الناس في إتمام الصلاة وذكر القبلة

(ورئي منه، أو رئي كراهيته): الوجهان في "رُئي" كما سبق. * * * باب: عظةِ الإمام الناسَ في إتمامِ الصلاةِ وذكرِ القبلةِ 299 - (419) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ, قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِلاَلِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - صَلاَةً، ثُمَّ رَقِيَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ فِي الصَّلاَةِ وَفِي الرُّكُوعِ: "إِنِّي لأَرَاكُمْ مِنْ وَرَائِي كمَا أَرَاكُمْ". (ثم رقِيَ المنبر): بكسر القاف وفتح الياء. * * * باب: هَلْ يُقَالُ: مَسْجِدُ بَنِي فُلاَنٍ؟ (باب: هل يقال: مسجد بني فلان؟): روي عن النخعي: أنه كان يكره أن يقال: مسجد فلان (¬1)، ولا يرى بأسًا أن يقال: مصلى فلان (¬2)، واستُشكل الفرق. قال ابن المنير: وكأنه تأول قوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} [الجن: 18] على أنه: لا ينبغي أن ينسب إلى غير الله بهذه الصيغة. * * * ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "بني فلان". (¬2) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (8070).

300 - (420) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَن رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتي أُضْمِرَتْ مِنَ الْحَفْيَاءِ، وَأَمَدُهَا ثَنِيَّةُ الْوَدَاعِ، وَسَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضْمَرْ مِنَ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ، وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ فِيمَنْ سَابَقَ بِهَا. (بين الخيل التي أُضمرت): قال الجوهري: تضميرُ الفرس: أن يعلفه حتى يسمن، ثم تردَّه إلى القوت، وذلك في أربعين يومًا (¬1). وقال غيره: الإضمار: أن تُدخل الفرسَ في بيت، وتُجَلِّلَ عليه بجُلٍّ؛ ليكثرَ عرقُه، وتُنقص من علفه لينقص لحمُه، فيكون أقوى للجري. وقال الخطابي: تضمير الخيل: أن تُعلف مدةً حتى تسمن (¬2)، ثم تُغَشَّى بالجِلال، ولا تُعْلَف إلا قوتًا حتى تعرقَ فيذهبَ رهلُها، وتَطيب (¬3) (¬4). (من الحَفْياء (¬5)): بفتح الحاء المهملة وسكون الفاء وبمثناة من تحت تليها ألف ممدودة: موضع. قال السفاقسي: وربما قرئت (¬6): بضم الحاء مع القصر (¬7). (التي لم تُضْمَر): بالبناء للمجهول؛ من الإضمار، والتضمير. ¬

_ (¬1) انظر: "الصحاح" (2/ 722)، (مادة: ضمر). (¬2) "تسمن" ليست في "ج". (¬3) في "ج": "رهلها وتطييبه". (¬4) انظر: "أعلام الحديث" (1/ 388). (¬5) في "ج": "الحفيات". (¬6) في "ن" و"ع": "قرئ". (¬7) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 220).

باب: القسمة، وتعليق القنو في المسجد

(بني زُرَيقٍ): بزاي مضمومة فراء مفتوحة وقاف، مصغَّر. * * * باب: الْقِسْمَةِ، وَتَعْلِيقِ الْقِنْوِ فِي الْمَسْجدِ (باب: القسمة (¬1)، وتعليق القنو في المسجد): قال ابن المنير: نبه بالقسمة في المسجد على أن البيع بخلاف ذلك؛ لأن القسمة تمييز (¬2) حق، ولا مغابنةَ فيها، فلا (¬3) ينبغي البيع في المسجد؛ لدخول المفسدة (¬4) فيه، ولم يسق البخاري في هذا الباب حديثًا لتعليق القنو. قال (¬5) ابن بطال: أغفله، وهو أمر مشهور (¬6). قال (¬7) ابن الملقن: وقد يقال: إنه أخذه من وضع (¬8) المال في المسجد فيه (¬9)؛ بجامع أن كلًّا منهما وضع فيه للأخذ منه (¬10). ¬

_ (¬1) في "ج": "التسمية". (¬2) في "م" و"ج": "تميز"، والمثبت من "ن" و"ع". (¬3) في "ج": "لا". (¬4) في "ج": "المسجد". (¬5) في "ج": "وقال". (¬6) انظر: "شرح ابن بطال" (2/ 73). (¬7) في "ع": "وقال". (¬8) في "ج": "موضع". (¬9) "فيه" ليست في "ن"، وفي "ج": "المسجد لدخول المفسدة فيه". (¬10) انظر: "التوضيح" (5/ 431).

301 - (421) - وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، فَقَالَ: "انْثرُوهُ فِي الْمَسْجدِ". وَكَانَ أكثَرَ مَالٍ أُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الصَّلاَةِ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلاَةَ، جَاءَ، فَجَلَسَ إِلَيْهِ، فَمَا كَانَ يَرَى أَحَدًا إِلَّا أَعْطَاهُ، إِذْ جَاءَهُ الْعَبَّاسُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَعْطِنِي، فَإِنِّي فَادَيْتُ نفسِي وَفَادَيْتُ عَقِيلًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "خُذْ". فَحَثَا فِي ثَوْبِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! اُؤْمُرْ بَعْضَهُمْ يَرْفَعْهُ إِلَيَّ، قَالَ: "لاَ". قَالَ: فَارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَيَّ، قَالَ: "لاَ"، فَنَثَرَ مِنْهُ، ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! اُؤْمُرْ بَعْضَهُمْ يَرْفَعْهُ عَلَيَّ، قَالَ: "لاَ"، قَالَ: فَارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَيَّ، قَالَ: "لاَ"، فَنَثَرَ مِنْهُ، ثُمَّ احْتَمَلَهُ، فَأَلْقَاهُ عَلَى كَاهِلِهِ، ثُمَّ انْطَلَقَ، فَمَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُتْبِعُهُ بَصَرَهُ حَتَّى خَفِي عَلَيْنَا؛ عَجَبًا مِنْ حِرْصِهِ، فَمَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَثَمَّ مِنْهَا دِرْهَمٌ. (إذ جاءه العباس): المعنى -والله أعلم-: فبينا هو على ذلك، إذ جاءه العباس. (وفاديت عَقيلًا): بفتح العين المهملة. (فحثى): بحاء مهملة وثاء مثلثة، يقال: حثى يحثو ويحثي، وقد مر. (يقلُّه): مضارع (¬1) أَقَلَّ؛ أي: رفع وحمل. (مُرْ بعضهم): بضم الميم، ويروى: "اؤمر" بالهمز على الأصل. (يرفعْه): بالجزم؛ أي: فإن تأمره، يرفعه، وبالرفع: لا على إرادة السببية. ¬

_ (¬1) في "ج": "فعل مضارع".

باب: من دعا لطعام في المسجد، ومن أجاب منه

(قال: لا، قال: فارفع (¬1) أنت علي، قال: لا): قيل: إنه امتنع -عليه السلام- من (¬2) الأمرين؛ زجرًا له عن الحرص على الاستكثار حتى لا يأخذ فوق حاجته (¬3)، ولئلا يعينه على ما يختاره. قال السفاقسي: وفيه: أنه لا يلزمه (¬4) التسوية (¬5) في القسمة بين الأصناف الثمانية؛ إذ لو ساوى بينهم، ما أعطى العباس بغير كيل ولا وزن، ولم يعط غيره مثله (¬6). (على كاهله): هو ما بين الكتفين. * * * باب: مَنْ دعا لطعام في المسجد، ومن أجاب منه 302 - (422) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: سَمِعَ أَنسًا، قَالَ: وَجَدْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَسْجدِ مَعَهُ ناَسٌ، فَقُمْتُ، فَقَالَ لِي: "آرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ؟ "، قُلْتُ: نعَمْ، فَقَالَ: "لِطَعَامٍ؟ "، قُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ لِمَنْ معه: "قُومُوا"، فَانْطَلَقَ، وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ. ¬

_ (¬1) في "ع": "فارفعه". (¬2) في "ج": "عن". (¬3) في "م" و"ج": "حاجة". (¬4) في "ن": "يلزم". (¬5) في "ج": "التسمية". (¬6) انظر: "التوضيح" لابن الملقن (5/ 434).

باب: القضاء واللعان في المسجد بين الرجال والنساء

(سمع أنسًا (¬1) وجدت النبي - صلى الله عليه وسلم -): أي: سمع أنسًا يقول: وجدت. (آرسلك أبو طلحة؟): قال ابن الملقن: آرسلك -بالمد-، وهو عَلَم من أعلام نبوته؛ لأن أبا طلحة أرسله (¬2). قلت: لا يظهر هذا مع وجود الاستفهام؛ إذ ليس فيه إخبار ألبتة. * * * باب: القضاءِ واللِّعانِ في المسجد بين الرجال والنساءِ 303 - (423) - حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَني ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، أَيَقْتُلُهُ؟ فتلاَعَنَا فِي الْمَسْجِدِ، وَأَناَ شَاهِدٌ. (ابن جريج): بجيمين، مصغَّر (¬3). (أن رجلًا قال: يا رسول الله! أرأيت رجلًا وجد مع امرأته): الرجل القائل هو (¬4) عويمر العجلاني. وقيل: هو سعدُ بنُ عبادةَ (¬5)، وتُعقب بأن هذا الحديث فيه: "فتلاعنا"؛ أي: الرجل القائل وامرأته، ولم يتفق لسعد ذلك (¬6). ¬

_ (¬1) في "البخاري- نسخة اليونينية": زيادة: "قال" بعد قوله: "أنسًا". (¬2) انظر: "التوضيح" (5/ 435). (¬3) في "ج": "مصغرًا". (¬4) "هو" ليست في "ج". (¬5) "ابن عبادة" ليست في "م". (¬6) في "ن": "وذلك".

باب: إذا دخل بيتا، يصلي حيث شاء، أو حيث أمر، ولا يتجسس

وقيل: عاصم العجلاني، وليس كذلك؛ فإن عاصمًا رسولُ هذه الواقعة، لا سائل لنفسه؛ لأن عويمرًا قال له: "سلْ لي يا عاصمُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فجاء عاصم، فسأل، فكره رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - المسائل وعابها، فجاء عويمر بعد ذلك، وسأل لنفسه" (¬1). * * * باب: إِذَا دَخَلَ بَيْتًا، يُصَلِّي حَيْثُ شَاءَ، أَوْ حَيْثُ أُمِرَ، وَلاَ يَتَجَسَّسُ (باب: إذا دخل بيتًا، يصلي حيث شاء، أو حيث أُمر، ولا يتجسس): بالجيم وبالحاء المهملة. قيل (¬2): ليس في الحديث الذي ساقه في هذه الترجمة ما يقتضي أن يصلي حيث شاء، وإنما يقتضي أن يصلي حيث أمر؛ لقوله: "أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ لَكَ؟ " (¬3). و (¬4) قال ابن المنير: إنما أراد البخاري التنبيه على أن المسألة موضعُ نظرٍ، هل يصلّي من دُعي إلى المنزل حيث شاء؛ لأن الإذن للداخل في البيت عامٌّ لكل جزء منه، أو يستأذن في مكان صلاته؛ لأنه - عليه السلام - فعل ذلك؟ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4745)، ومسلم (1492) عن سهل بن سعد رضي الله عنه. (¬2) "قيل" ليست في "ج". (¬3) تقدم تخريجه من حديث عتبان بن مالك رضي الله عنه. (¬4) الواو سقطت من "ج".

باب: المساجد في البيوت

فقال (¬1): والظاهر: (¬2) الأولُ؛ لأنه - عليه السلام - إنما استأذن؛ لأنه دُعي ليصلي في مكان يتخذه صاحبُ البيت مصلى. وقوله: "ولا يتجسس" يؤخذ منه النهي عن فضول النظر في منزل الداعي؛ لاحتمال الاطلاع على عورة له، وإنما ينبغي أن يؤثر رضا الداعي، وموضع محبته كما فعل - عليه السلام -. * * * باب: المساجدِ في البيوتِ 304 - (425) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيُّ: أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ -وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الأَنْصَارِ-: أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَدْ أَنْكَرْتُ بَصَرِي، وَأَناَ أُصَلِّي لِقَوْمِي، فَإِذَا كَانَتِ الأَمْطَارُ، سَالَ الْوَادِي الَّذِي بَيْني وَبَيْنَهُمْ، لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ آتِيَ مَسْجدَهُمْ فَأُصَلِّيَ بِهِمْ، وَوَدِدْتُ -يَا رَسُولَ اللَّهِ- أَنَّكَ تَأْتِيني فتُصَلِّيَ فِي بَيْتِي، فَأَتَّخِذَهُ مُصَلًّى، قَالَ: فَقَالَ لَه رسُولُ اللهُ: "سَأَفْعَلْ إِنْ شَاءَ اللهُ". قَالَ عِتْبَانُ: فَغَدَا رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ حِينَ ارْتَفَعَ النَّهَارُ، فَاسْتَأْذَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَذِنْتُ لَهُ، فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ، ثُمَّ قَالَ: "أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ؟ "، فأشرتُ لَهُ إِلَى ناحِيةٍ مِنَ البَيْتِ، فقامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَكَبَّرَ، فَقُمْنَا فَصَفَّنا، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، قَالَ: ¬

_ (¬1) في "ن": "قال". (¬2) في "ع": "يقال الظاهر".

وَحَبَسْنَاهُ عَلَى خَزِيرَةٍ صَنَعْنَاهَا لَهُ، قَالَ: فَثَابَ فِي الْبَيْتِ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ ذَوُو عَدَدٍ، فَاجْتَمَعُوا، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: أَيْنَ مَالِكُ بْنُ الدُّخَيْشِنِ، أَوِ: ابْنُ الدُّخْشُنِ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ مُنَافِقٌ لاَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَقُلْ ذَلِكَ، أَلاَ تَرَاهُ قَدْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، يُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ؟! "، قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّا نَرَى وَجْهَهُ وَنصِيحَتَهُ إِلَى الْمُنَافِقِينَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ". قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: ثُمَّ سَأَلْتُ الْحُصَيْنَ بْنَ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيَّ -وَهْوَ أَحَدُ بَنِي سَالِمٍ، وَهُوَ مِنْ سَرَاتِهِمْ- عَنْ حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَصَدَّقَهُ بِذَلِكَ. (عِتبان): بعين مهملة مكسورة (¬1). (فتصليَ (¬2)): قال الزركشي (¬3): -بالنصب-[جواب التمني، وأَتخذَه: -بالنصب- عطفًا عليه (¬4). قلت: إن ثبتت الرواية-، بالنصب] (¬5) -، فالفعل منصوب بأن مضمرة، وإضمارها هنا جائز، لا (¬6) لازم، و"أن" والفعل بتقدير مصدر معطوف على المصدر المسبوك من أنك تأتيني؛ أي: وددت إتيانكَ، فصلاتَك، فاتخاذي ¬

_ (¬1) في "ع": "مكسورة مهملة". (¬2) في "ع": "يصلي". (¬3) "قال الزركشي" ليست في "ج". (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 155). (¬5) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬6) "لا" سقطت من "ن".

لمكان (¬1) صلاتك مصلًّى (¬2)، وهذا ليس في شيء من جواب التمني الذي يريدونه، وكيف ولو أظهرت "أن" هنا لم يمتنع، وهناك يمتنع؟ ولو رفع تصلِّي وما بعده بالعطف على الفعل المرفوع المتقدم، وهو (¬3) قولك (¬4): تأتيني، لصح، والمعنى بحاله. (فصففنا): -بالفك-، ونا فاعل، ويروى: "صفنا" -بالإدغام- ونا مفعول. (على خزيرة): بخاء معجمة فزاي. وروي: بحاء وراءين مهملات. وفي "البخاري" في باب: الأطعمة تفسيرُ الأولى (¬5)، قال النضر: هي من النخالة، كما أن الحريرة -بمهملة- كلها من اللبن (¬6). وفي "الصحاح": الخزيرة؛ يعني: بالمعجمة (¬7): أن تُنصب القدرُ بلحم يقطع صغارًا على ماء كثير، فإذا نضج، ذر (¬8) عليه الدقيق، وإن لم يكن فيها لحم، فهي (¬9) عصيدة (¬10). ¬

_ (¬1) في "ج": "فاتخاذ بمكان". (¬2) في "ن": "فصلى". (¬3) "وهو" ليست في "ج". (¬4) في "ن" و"ع": "وهو قوله". (¬5) في "ع": "الأول". (¬6) انظر: "صحيح البخاري" (5/ 2063). (¬7) في "ع": "الغريرة بغين معجمة". (¬8) في "ع": "رد". (¬9) في "ع": "فهو". (¬10) انظر: "الصحاح" للجوهري (2/ 644)، (مادة: خزر).

وفيه: و (¬1) الحريرة؛ يعني: -بالمهملة-: دقيقٌ يطبخ بلبن (¬2). (فثاب في البيت رجال): بثاء مثلثة وموحدة بينهما ألف. قال السفاقسي: أي: اجتمعوا. قلت: لو جعل كذلك، مع أن بعده: فاجتمعوا، لزم (¬3) عطف (¬4) الشيء على مرادفه، وهو (¬5) خلاف الأصل، والأولى أن يفسر (¬6) هذا بما ذكره القاضي، وذلك أنه قال: وثاب الناس: جاؤوا متتالين بعضُهم إثرَ بعض (¬7). (ابن الدُّخَيْشِن): بدال مهملة وخاء وشين معجمتين ونون على التصغير، ويروى أيضًا على التصغير، بميم عوض النون. (أو: ابن الدُّخْشُن): على التكبير، بضم الدال وسكون الخاء وضم الشين. (فقال بعضهم: ذلك منافق): بلام قبل الكاف. ويروى: بدون لام. نقل بعضُ الشارحين عن ابن عبد البر: أن القائل "ذلك منافق" هو عِتبانُ بنُ مالك، وفيه نظر (¬8). ¬

_ (¬1) الواو سقطت من "ج". (¬2) انظر: "الصحاح" (2/ 628)، (مادة: حرر). (¬3) في "ع": "للزم". (¬4) في "ج": "العطف". (¬5) في "ج": "أي وهو". (¬6) في "ج": "تفسير". (¬7) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 135). (¬8) انظر: "التمهيد" (10/ 151).

(لا تقل ذلك): يروى: بلام، وبدونها، وإنما كرهت الصحابة من ابن الدخشن مجالسة المنافقين ومودتهم، وقد انتفت المظنة -ولله المنةُ- بشهادةِ مَنْ لا ينطِق عن الهوى أنه قال: "لا إله إلا الله يريد بذلك وجه الله". قال ابن المنير: وفي هذا الحديث الرخصةُ (¬1) في [بيع الدار (¬2)، وقد اتخذ مالكُها (¬3) فيها مكانًا يحترمه، ويصلِّي فيه، ويسميه مسجدًا، وإنما (¬4)] (¬5) يحرم بيعُ المساجد المحبَّسَةِ (¬6) للناس عمومًا، فمسجدُ البيت مرتفعٌ في الحرمة عن سائر البيت، ولهذا لا يُقعد فيه جنبًا، ولا يَبلغ حرمة (¬7) المسجد المطلق، ولهذا (¬8) يُباع، ويتحرز (¬9) أهلُ العوائد في الفنادق بمساجد يتخذونها فيها بمحاريب (¬10) يتوقَّوْنَ بذلك أن تُنزل للفرنج (¬11) ونحوهم، فلا يَمنع ذلك من بيعها. ولا ينبغي أن يُستجاز إنزالُها للفرنج؛ لحرمة صورة المسجد، وإن كان مملوكًا. ¬

_ (¬1) في "ج": "رخصة". (¬2) في "ج": "الدور". (¬3) في "ج": "مالكًا". (¬4) في "ج": "وأنه". (¬5) ما بين معكوفتين غير واضح في "م" وهو هكذا في "ع". (¬6) في "ن" و "ع": "المحتسبة". (¬7) في "ن" و "ع": "حرمته". (¬8) في "ج": "وبهذا". (¬9) في "ن" و "ع": "ويحترم". (¬10) في "ن" و "ع" و "الفرنج": "محاريب". (¬11) في "ن" و"ع": "الفرنج"، وفي "ج": "أن تنزل الفرنج".

باب: هل تنبش قبور مشركي الجاهلية، ويتخذ مكانها مساجد لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لعن الله اليهود؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" وما يكره من الصلاة في القبور

(وهو من سَراتهم): -بفتح السين المهملة- جمع سَرِيٍّ؛ أي: من خيارهم (¬1). ومنع (¬2) السهيلي كونَه جمعًا، ونسبَ النحاةَ فيه إلى الوهم، وسيأتي كلامه (¬3). * * * باب: هَلْ تُنْبَشُ قُبُورُ مُشْرِكِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَيُتَّخَذُ مَكَانَهَا مَسَاجِدَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ؛ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ" وَمَا يُكْرَهُ مِنَ الصَّلاَةِ فِي الْقُبُورِ وَرَأَى عُمَرُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُصَلِّي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقَالَ: الْقَبْرَ الْقَبْرَ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالإعَادَةِ. (باب: هل تُنبش قبورُ مشركي الجاهلية، ويُتخذ مكانها مساجد؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: لعن الله اليهود، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد): هذا التعليل مشكل في الظاهر، ويرتفع إشكاله بأن يقال: المعنى: هل تُنبش قبورُ المشركين من أهل الجاهلية، ويتخذ مكانها مساجد؛ لانتفاء المحذور الذي هو سببٌ في لعن مَن اتخذ قبورَ الأنبياء مساجد، سواء نبشها، أو لم ينبشها، وذلك لأن اللعن مع النبش ناشئ عن الاستهانة بالأنبياء عليهم السلام، ومع عدم النبش ناشئ عن الغلو بعبادة قبورهم، والسجودِ لها، ¬

_ (¬1) في "ج": "أخيارهم". (¬2) في "ع": "وسمع". (¬3) في "ن" و"ع" زيادة: "فيه".

والغلوُّ كالاستهانة (¬1)، كلاهما مذموم، فقبورُ المشركين الذين لا ذمة لهم إذا نبُشت، فاتخذ (¬2) مكانها مساجد، انتفت الغائلتان منها؛ إذ لا حرج في استهانتها بالنبش، واتخاذُ المساجد (¬3) مكانها ليس تعظيمًا لها، بل هو من باب (¬4) تبديل (¬5) السيئة بالحسنة، وهذا بخلاف قبور (¬6) أهل الذمة؛ لأن لأهل (¬7) الذمة حقًّا، هذا معنى كلام ابن المنير. قال: وقد تلتبس (¬8) صورٌ في الجواز بصور من (¬9) المنع، من (¬10) ذلك أن كنيسة (¬11) بالإسكندرية تعرض لها من له ناحيةٌ من السلطان، فهدمها، واتخذها مسجدًا، [وفيها قبورٌ لأهل الذمة، فاستفتى في إبقاء القبور أو نبشها (¬12)، فهذه صورة تشكل بصورة المنع] (¬13)، وليست منها، وذلك أن (¬14) الكنيسة إذا ¬

_ (¬1) في "ج": "كاستهانة". (¬2) في "ن": "واتخذ". (¬3) في "ج": "المسجد". (¬4) "باب" ليست في "ج". (¬5) في "م" و"ج": "تبدل". (¬6) "قبور" ليست في "ج". (¬7) في "ن" و"ع": "لأن للذمة". (¬8) في "ج": "تنتبش". (¬9) في "م" و"ع": "في". (¬10) في "م" و"ج": "في". (¬11) في "ن": "كنيسته". (¬12) في "م" و"ج": "انبشها". (¬13) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬14) "أن" ليست في "ج".

انهدمت، أو هدمها متعدٍّ، فقد فات الأمر فيها، ولا يجوز أن تعاد؛ لأنا إن أمرنا المسلمَ المتعديَ بإعادتها، فقد [أمرنا المسلمَ باتخاذ الكنائس، فذلك (¬1) لا يسوغ، وإن أَذِنَّا لأهل الذمة أن يعيدوها، فقد] (¬2) رُفعت فينا (¬3) اليهوديةُ والنصرانية، وهو منهيٌّ عنه، وإذا فات جعلُها كنيسة، وقد اتُّخِذت مسجدًا بحكم السلطنة، صارت (¬4) لها حرمةُ المساجد؛ لأنها قطعة أرض صارت للمسلمين، فبناها السلطان مسجدًا، فلا يُنقض ذلك، وإذا صارت مسجدًا، تَعَيَّنَ أن تُنبش فيها تلك القبور، هذا (¬5) مضافٌ (¬6) إلى أن المستفيض: أن بعض الخلفاء هدم كنائس الإسكندرية بجملتها، فما كان ينبغي أن تُعاد، فلا حق لها إذن لمَّا أعيدت. ثم أعجب من ذلك: أن الصحيح أن مصر (¬7) والإسكندرية فُتحت عَنْوَةً، فالعجبُ استجازةُ إبقاء (¬8) الكنائس فيهما (¬9)، والنص أن بلاد العنوة تهدم كنائُسها في الفتوح، ولهذا لا ترى (¬10) كنيسة في بلاد المغرب البتة، وهم على الحق في ذلك. انتهى. ¬

_ (¬1) "أن" سقطت من "ن" و"ع". (¬2) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬3) في "ن": "ترفعت فيها"، وفي "ع": "وقعت فينا". (¬4) في "ن" و "ع": "صار". (¬5) في "ع": "أن ينبش ما فيها من القبور فهذا"، وفي "ج": "وهذا". (¬6) في "ج": "يضاف". (¬7) في "ج": "مصر فتحت". (¬8) في "ج": "أيضًا". (¬9) في "ج": "فيها". (¬10) "ترى" ليست في "ن".

قلت: الذي به الفتوى عند المالكية: أن (¬1) لأهل العنوة إحداثَ كنيسة إن شُرط لهم ذلك، وإلا فلا. * * * 305 - (427) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبي، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ: ذَكرَتَا كنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ، فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَذَكَرَتَا لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "إِنَّ أُولَئِكِ، إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ، فَمَاتَ، بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكِ الصُّوَرَ، فَأُولَئِكِ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". (إن أولئكِ): بكسر الكاف؛ لأن الخطاب لمؤنث، وكذا الكاف في (¬2) تلكِ أو تيكِ الصور، وأولئك، فيما (¬3) يأتي بعد. (شرار الخلق): -جمع شَرّ- كبحر وبحار. قال السفاقسي: وأما أشرار، فجمع شَرٍّ كزند؛ وأزناد، قاله يونس، أو جمع شَرير؛ كيتيم وأيتام، قاله الأخفش. * * * 306 - (428) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ، فَنَزَلَ أَعْلَى الْمَدِينَةِ فِي حَيٍّ يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَأَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فيهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى بَنِي النَّجَّارِ، فَجَاؤُوا مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) "أن": ليست في "ج". (¬2) في "ن": "من". (¬3) في "م": "فيما".

عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَأَبُو بَكْرٍ رِدْفُهُ، وَمَلأُ بَنِي النَّجَّارِ حَوْلَهُ، حَتَّى ألقَى بِفِنَاءِ أَبِي أَيُّوبَ، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُصَلِّيَ حَيْثُ أَدْركَتْهُ الصَّلاَةُ، وَيُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، وَأَنَّهُ أَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسْجدِ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَلإٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، فَقَالَ: "يَا بَنِي النَّجَّارِ! ثَامِنُوني بِحَائِطِكُمْ هَذَا". قَالُوا: لاَ وَاللَّهِ، لاَ نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ، فَقَالَ أَنَسٌ: فَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ لَكُمْ، قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ، وَفِيهِ خَرِبٌ، وَفِيهِ نَخْلٌ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ، ثُمَّ بِالْخَرِبِ فَسُوِّيتْ، وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ، فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ الْمَسْجدِ، وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ الْحِجَارَةَ، وَجَعَلُوا يَنْقُلُونَ الصَّخْرَ، وَهُمْ يَرْتَجِزُونَ، وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَعَهُمْ، وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الآخِرَهْ. . . فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ (فأقام النبي - صلى الله عليه وسلم - فيهم أربعَ عشرةَ ليلة): ولبعض رواة البخاري: "أربعًا وعشرين". (فجاؤوا متقلدي السيوفِ): بحذف النون للإضافة، والسيوفِ -بالجر-، وبإثباتها، فلا إضافة، والسيوفَ: بالنصب. (بفِناء أبي أيوب): بكسر الفاء وهو ممدود. (وإنه أمَر): بالبناء للفاعل وللمفعول (¬1). (ثامنوني بحائطكم): أي: اذكروا (¬2) لي ثمنه، وبايعوني فيه. (وفيه خَرِب): -بفتح الخاء المعجمة وكسر الراء-: اسم جنس جمعي، واحده خَرِبَةٌ؛ ككَلِم وكَلِمَة. ¬

_ (¬1) في "ج": "والمفعول". (¬2) في "ج": "إنما ذكروا".

ويروى: بكسر الخاء وفتح الراء، جمعُ خِرْبَة؛ كِقرْبَة وقِرَب. قال الليث: وهي لغة بني تميم، وقد يجوز أن يكون المفرد مخففًا من المكسور الراء، ثم جمع (¬1) رعاية لصورته بعد التخفيف؛ كجمع (¬2) ما لا تخفيف فيه. واستحسن الخطابي أن يكون (¬3): حَدَبًا -بحاء ودال (¬4) مهملتين- واحدُهُ حدبةٌ، لو ساعدت الرواية عليه؛ لقوله: "فسويت (¬5) "، وإنما يسوى المكان المحدَوْدب (¬6)، وأما الخرب -بالخاء المعجمة والراء- فتبنى وتعمر (¬7). هذا كلامه، وليس بشيء؛ لأن كونها خربًا لا يمنع (¬8) تسويتها؛ لاحتمال أن يكون فيها بناء متهدمٌ، ونقض (¬9) مجتمعٌ منع من اصطحاب أجزاء الأرض واستوائها، فسويت الأرض بإزالة ما كان في تلك الخرب، لا مانع من هذا أصلًا، ولا تُدفع (¬10) الرواية الصحيحة بما (¬11) قاله (¬12). ¬

_ (¬1) في "ع": "يجمع". (¬2) في "ن": "لجمع". (¬3) "أن يكون" ليست في "ن". (¬4) "ودال" ليست في "ج". (¬5) في "ع": "فسويت الأرض". (¬6) في "ع": "المحدود". (¬7) انظر: "أعلام الحديث" (1/ 391). (¬8) في "ن" و"ع": "خرابًا لا يدفع". (¬9) في "ن" و"ع": "وبعض". (¬10) في "ج": "ترفع". (¬11) في "ج": "لما". (¬12) في "ن" و"ع": "بمثل ما قاله".

باب: الصلاة في مواضع الإبل

باب: الصلاةِ في مواضعِ الإبلِ 307 - (430) - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَيَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يُصَلِّي إِلَى بَعِيرِهِ، وَقَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُهُ. (سليمان بن حيان): من الحياة. * * * باب: من صلَّى وقُدَّامَهُ تَنُّورٌ أو نارٌ أو شيءٌ مما يُعبَدُ، فأراد به اللهَ 308 - (431) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: انْخَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَالَ: "أُرِيتُ النَّارَ، فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَالْيَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ". (فلم أر منظرًا كاليوم قَطُّ أفظعَ): بفاء (¬1) وظاء معجمة، وسيأتي الكلام عليه في الكسوف. وقال السفاقسي: لا حجة فيه على ما بوب له، لأنه - عليه السلام - لم يفعل ذلك مختارًا، وإنما عرض عليه ذلك بغير اختيار لمعنى أراده الله تعالى تنبيهًا لعباده (¬2). * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "بياء". (¬2) في "ن": "وإنما عرض عليه ذلك فعبر اختياره بمعنى أرادها لله تعالى تنبيهًا لعباده".

باب: كراهية الصلاة في المقابر

باب: كراهيةِ الصلاةِ في المقابرِ 309 - (432) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "اجْعَلُوا فِي بُيُوتكُمْ مِنْ صَلاَتِكُمْ، وَلاَ تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا". (ولا تتخذوها قبورًا): حمله (¬1) البخاري على منع الصلاة في المقابر، وتُعقب بأن القصد الحثُّ على الصلاة في البيت؛ فإن (¬2) الموتى لا يصلون في قبورهم، وكأنه قال (¬3): لا تكونوا (¬4) كالموتى، وليس فيه تعرض لجواز الصلاة في المقابر، ولا منعها. * * * باب: الصَّلاَةِ فِي الْبِيعَةِ وَقَالَ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: إِنَّا لاَ نَدْخُلُ كنَائِسَكُمْ؛ مِنْ أَجْلِ التَّمَاثِيلِ الَّتِي فِيهَا، الصُّوَرِ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُصَلِّي فِي الْبِيعَةِ، إِلَّا بِيعَةً فِيهَا تَمَاثِيلُ. (وقال عمر: إنا لا ندخل كنائسكم؛ من أجل التماثيل التي فيها الصُّوَرِ): يجوز (¬5) في "الصور" الجرُّ على البدل، والنصبُ بإضمارِ أَعني، والرفعُ إما (¬6) على أنه مبتدأ خبره فيها، والصلة جملة اسمية، وإما على أنه ¬

_ (¬1) في "ج": "حملها". (¬2) في "ن": "وإن". (¬3) في "ن": "فكأنهم قالوا". (¬4) في "ج": "لا يكون". (¬5) في "ج": "ويجوز". (¬6) "إما" ليست في "ع".

باب

خبر مبتدأ محذوف، والصلة جملة فعلية؛ أي: التي استقرت فيها، وصرح ابن مالك بجواز الجر على أن يكون معطوفًا بواو محذوفة (¬1)، والواو ثابتة في بعض النسخ. * * * باب 310 - (435 و 436) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ: أَنَّ عَائِشَةَ، وَعَبْدَ اللَّهِ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَا: لَمَّا نُزِلَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ بِهَا، كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ وهُوَ كَذَلِكَ: "لَعْنَةُ اللهِ عَلَى اليَهُودِ والنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِم مَسَاجِدَ"؛ يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا. (لما نُزِلَ برسول الله - صلى الله عليه وسلم -): نُزِل، بالبناء للمفعول. وذكر فيه الزركشي البناءَ للفاعل (¬2). * * * باب: قولِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "جُعلت ليَ الأرضُ مسجدًا وطهورًا" 311 - (438) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَيَّارٌ -هُوَ أَبُو الْحَكَمِ- قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ الْفَقِيرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أُعْطِيتُ خَمْسًا، لَمْ يُعْطَهُنَّ ¬

_ (¬1) في "ج" و"م": "محذوف". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 158).

باب: نوم المرأة في المسجد

أَحَدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأَيُّما رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْركَتْهُ الصَلاَةُ، فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ". (ابن سنان): بسين مهملة ونونين بينهما ألف. (سَيَّار): فَعَّال من السير، قيل: وإنما أتى بحديث هذا السند: "جُعلت لي الأرضُ مسجدًا"؛ ليبين أن كراهية (¬1) الصلاة فيما تقدم ليست (¬2) للتحريم. * * * باب: نومِ المرأةِ في المسجد 312 - (439) - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ وَلِيدَةً كانَتْ سَوْدَاءَ لِحَيٍّ مِنَ الْعَرَبِ، فَأَعْتَقُوهَا، فَكَانَتْ مَعَهُمْ، قَالَتْ: فَخَرَجَتْ صَبِيَّةٌ لَهُمْ، عَلَيْهَا وِشَاحٌ أَحْمَرُ مِنْ سُيُورٍ، قَالَتْ: فَوَضَعَتْهُ، أَوْ وَقَعَ مِنْهَا، فَمَرَّتْ بِهِ حُدَيَّاةٌ وَهْوَ مُلْقًى، فَحَسِبَتْهُ لَحْمًا، فَخَطِفَتْهُ، قَالَتْ: فَالْتَمَسُوهُ فَلَمْ يَجدُوهُ، قَالَتْ: فَاتَّهَمُونِي بِهِ، قَالَتْ: فَطَفِقُوا يُفَتِّشُونَ، حَتَّى فَتَّشُوا قُبُلَهَا، قَالَتْ: وَاللَّهِ! إِنِّي لَقَائِمَةٌ مَعَهُمْ، إِذْ مَرَّتِ الْحُدَيَّاةُ فَأَلْقَتْهُ، قَالَتْ: فَوَقَعَ بَيْنَهُمْ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: هَذَا ¬

_ (¬1) في "ن" و"ج": "كراهة". (¬2) في "م" و"ج": "ليس".

الَّذِي اتَهَمْتُمُوني بِهِ، زَعَمْتُمْ وَأَناَ مِنْهُ بَرِيئَةٌ، وَهُوَ ذَا هُوَ، قَالَتْ: فَجَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَسْلَمَتْ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَكَانَ لَهَا خِبَاءٌ فِي الْمَسْجدِ، أَوْ حِفْشٌ، قَالَتْ: فَكَانَتْ تَأْتِينِي فَتَحَدَّثُ عِنْدِي، قَالَتْ: فَلاَ تَجْلِسُ عِنْدِي مَجْلِسًا، إِلاَّ قَالَتْ: وَيَوْمَ الْوِشَاحِ مِنْ أَعَاجِيبِ رَبِّنَا. . . أَلاَ إِنَّهُ مِنْ بَلْدَةِ الْكُفْرِ أَنْجَانِي قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ لَهَا: مَا شَأْنُكِ، لاَ تَقْعُدِينَ مَعِي مَقْعَدًا إِلَّا قُلْتِ هَذَا؟ قَالَتْ: فَحَدَّثَتْنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ. (وشاح): قال الجوهري: الوِشاح يُنسج عريضًا من أديم، ويُرَصَّع بالجواهر، وتشدُّه المرأة بين عاتقيها (¬1) وكَشْحِها (¬2). قال السفاقسي: وقيل: الوشاح: خيطان (¬3) من لؤلؤ مخالَفٌ بينهما، تتوشح المرأة به. وقال الداودي: الوشاح: ثوب كالرداء ونحوه. قلت: هذا لا يصلح تفسيرًا لما في (¬4) الحديث؛ لأنها قالت: "وشاحٌ أحمرُ من سُيور". (فمرت حُدَيّاة): بحاء مهملة مضمومة فدال مهملة مفتوحة فمثناة من تحت مشددة فألف، كذا في بعض النسخ، والمراد بها: الحِدَأَة على وزن ¬

_ (¬1) في "م" و"ج": "عاتقها"، والمثبت من "ن" و "ع". (¬2) انظر: "الصحاح" (1/ 415)، (مادة: وشح). (¬3) في "ج": "خطان". (¬4) في "ج": "و".

العِنَبَة. وفي بعضها: حُدَيَّة (¬1) -على التصغير- مثل تميرة (¬2). (فخطِفته): -بكسر الطاء المهملة لا بفتحها- على اللغة الجيدة (¬3). (وهو ذا هو): يحتمل أن يكون الضمير الأول ضمير الشان، "وذا" مبتدأ، والإشارة إلى ما ألقته الحِدَأة، والضمير الثاني راجع إلى الذي اتهمتموني (¬4)، [والجملة خبر ضمير الشأن. ويحتمل أن يكون كل من الضميرين عائدًا إلى الذي اتهمتموني] (¬5)، لكن خبر الثاني محذوف؛ أي: حاضر. (أو حِفْش): بحاء مهملة مكسورة ففاء ساكنة فشين معجمة؛ أي: بيت صغير. (من تعاجيب ربنا): الزركشي: لا واحد له من لفظه، ومعناه عجائب (¬6). قلت: كذا هو في "الصحاح" (¬7)، لكن لا أدري لم لا يُجعل جمعًا لـ "تعجيب"، مع أنه ثابت في اللغة، يقال: عَجَّبت فلانًا تعجيبًا: إذا جعلتُه يعجب، وجَمْعُ المصدرِ باعتبار أنواعه لا يمتنع (¬8). ¬

_ (¬1) في "م": "حدياة". (¬2) في "ن" و "ع": "نميرة". (¬3) في "ج": "الجديدة". (¬4) في "ع": "اتهموني". (¬5) ما بين معكوفتين سقط من "ع". (¬6) انظر: "التنقيح" (1/ 159). (¬7) انظر: "الصحاح" للجوهري (1/ 177)، (مادة: عجب). (¬8) في "ن": "لا يمنع".

باب: نوم الرجال في المسجد

باب: نَوْمِ الرِّجَالِ فِي الْمَسْجدِ وَقَالَ أَبُو قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسٍ: قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ عُكْلٍ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَكَانوُا فِي الصُّفَّةِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي بَكْرٍ: كَانَ أَصْحَابُ الصُّفَّةِ الْفُقَرَاءَ. (كان أصحاب الصفة الفقراء): الصفة: هي السقائف التي في مؤخر المسجد، وأصحابُ الصفة اسمُ كان، والفقراءَ خبرُها، ويجوز العكس. * * * 313 - (440) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ: أَنَّهُ كَانَ يَنَامُ -وَهْوَ شَابٌّ أَعْزَبُ لاَ أَهْلَ لَهُ- فِي مَسْجدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (وهو شاب أعزب): أي غير متزوج، كذا عند (¬1) الأكثر بهمزة. ولأبي زيد: "عَزَب" بدونها، وهي اللغة الفصيحة (¬2). * * * 314 - (441) - حَدَّثَنَا قُتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثنَاَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْتَ فَاطِمَةَ، فَلَمْ يَجدْ عَلِيًّا فِي الْبَيْتِ، فَقَالَ: "أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ؟ ". قَالَتْ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ، فَغَاضَبَنِي، فَخَرَجَ، فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لإنسانٍ: ¬

_ (¬1) في "ن" و"ع": "كذا هو عند". (¬2) في "ج": "الصحيحة".

باب: الصلاة إذا قدم من سفر

"انْظُرْ أَيْنَ هُوَ". فَجَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هُوَ فِي الْمَسْجدِ رَاقِدٌ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ مُضْطَجِعٌ، قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ، وَأَصَابَهُ تُرَابٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمْسَحُهُ عَنْهُ وَيَقُولُ: "قُمْ أَبَا تُرَابٍ، قُمْ أَبَا تُرَابٍ". (ولم (¬1) يقل): مضارع قال؛ من القيلولة. * * * باب: الصلاةِ إذا قدِمَ من سَفَرٍ 315 - (443) - حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِي الْمَسْجدِ، قَالَ مِسْعَرٌ: أُرَاهُ قَالَ: ضُحًى، فَقَالَ: "صَلِّ رَكعَتَيْنِ". وَكَانَ لِي عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَقَضَانِي وَزَادَنِي. (مِسعَر): بميم مكسورة وعينه مفتوحة. (مُحارِب): بميم مضمومة فحاء مهملة فألف فراء مكسورة فموحدة. (ابن دِثار): بدال مكسورة (¬2) وثاء مثلثة. (قال مسعر: أُراه): -بضم الهمزة-؛ أي: أظنه. * * * ¬

_ (¬1) كذا في رواية الأصيلي، وفي اليونينية: "فلم"، وهي المعتمدة في النص. (¬2) في "ج": "بدال مهملة مكسورة".

باب: إذا دخل المسجد فليركع ركعتين

باب: إذا دخلَ المسجدَ فليركَعْ ركعتينِ 316 - (444) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ، عَنْ أَبي قتادَةَ السَّلَمِيَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ". (عمرو (¬1) بن سُليم): بضم السين، مصغَّر. (الزُّرَقي): بزاي مضمومة فراء مفتوحة فقاف فياء النسب. (عن أبي قتادة السَّلِمي (¬2)): ضبطه أكثر الرواة، بكسر اللام، نسبة إلى بني سَلِمَة، بكسرها، وضبطه الأصيلي والجياني: بالفتح. قال القاضي: وأهل العربية يفتحون اللام؛ لكراهة توالي الكسرات كما قيل: نَمَرِي (¬3). * * * باب: الحَدَثِ في المسجد 317 - (445) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ¬

_ (¬1) في "ج": "عمر". (¬2) في "ج": "الأسلمي". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 241).

باب: بنيان المسجد

"الْمَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ، مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، مَا لَمْ يُحْدِثْ، تَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ". (ما لم يحدِث): أي: ما لم يحصل له ناقضُ الطهارة (¬1)، وفسره بعضهم بالحديثِ في غيرِ ذكرِ الله. * * * باب: بُنْيَانِ الْمَسْجدِ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: كَانَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ. وَأَمَرَ عُمَرُ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ، وَقَالَ: أَكِنَّ النَّاسَ مِنَ الْمَطَرِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُحَمِّرَ أَوْ تُصَفِّرَ، فَتَفْتِنَ النَّاسَ. وَقَالَ أَنَسٌ: يَتَبَاهَوْنَ بِهَا، ثُمَّ لاَ يَعْمُرُونَهَا إِلَّا قَلِيلًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لتزَخْرِفُنَّهَا كمَا زَخْرَفَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. (وأَكَنَّ (¬2) الناسَ من المطر): يقال: كننتُ زيدًا أُكِنُّه (¬3): إذا جعلت له كِنًّا -بكسر الكاف-؛ أي: ما يستره، وأكننتُه، رباعيًّا، فضبط الأصيلي هذه الكلمة على الثاني -بهمزة مفتوحة على الأمر- (¬4)، وضبطه غيره على الأول، لكِن (¬5) -بكسر الكاف بدون همزة-، قال القاضي: وهما صحيحان (¬6). ¬

_ (¬1) في "ن" و "ع": "للطهارة". (¬2) كذا في رواية الأصيلي، وفي اليونينية: "وقال: أكن"، وهي المعتمدة في النص. (¬3) "أكنه" ليست في "ج". (¬4) في "ج": "مفتوحة كالأمر". (¬5) في "ن" وفي "ع": "ولكن". (¬6) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 343).

(فتَفتن الناس (¬1)): ماضيه: فَتَنَ. وضبطه الزركشي: بضم التاء، على أنه من أَفْتَنَ، وأنكره الأصمعي (¬2). فينبغي تحرير الرواية (¬3) فيه. قال ابن المنير: فإن قلت: إذا كان تشييد المساجد وتحميرُها وتصفيرُها منهيًّا (¬4) عنه، فكيف تنفذ الوصية به؟ وماذا تقول في المسجد الشريف وقد حدث فيه ما حدث من الانهدام، هل كان الأَوْلى أن يعاد بالتشييد، أو كما كان باللَّبِن والعريش؟!! قلت: قد حدث عند الناس مؤمنِهم وكافرِهم تشييدُ بيوتهم وتزيينُها، ولم يمكن أن يُمنعوا من ذلك، فكانت (¬5) بيوتُ الله أولى، وذلك لو أنا بنينا مساجدنا باللبن النَّيءِ، وسقفناها (¬6) بالسعف، وجعلناها متطامِنَة بين الدور الشاهقة، ولعلها لأهل الذمة، لكانت الاستهانة (¬7) ظاهرة (¬8)، فحدث للناس فتاوى بقدر ما أحدثوا، ولو أن المسجد الشريف أُعيد بالطين والسعف، وشُيِّدت دورُ المدينة إلى جنبه، لكان ذلك إهمالًا من المسلمين، فالذي ¬

_ (¬1) "الناس" ليست في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح " (1/ 160). (¬3) في "ج": "الوصية". (¬4) في "ن": "منهي"، و"ع": "ينهى". (¬5) في "ج": "وكانت". (¬6) في "ج": "وسقفها". (¬7) في "ع" و "ج": "مستهابة". (¬8) "ظاهرة" ليست في "ع" و"ج".

باب: التعاون في بناء المسجد

اختاره الله الآن للمسلمين خيرٌ إن شاء الله تعالى، ولو كان الزمانُ كما كان، لما عُدل منه عن إعادة المسجد إلى ما يناسب حال القوم من التواضع والتقنُّع. * * * 318 - (446) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا نَافِعٌ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ أَخْبَرَهُ: أَنَّ الْمَسْحِدَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَبْنِيًّا بِاللَّبِنِ، وَسَقْفُهُ الْجَرِيدُ، وَعَمَدُهُ خَشَبُ النَّخْلِ، فَلَمْ يَزِدْ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ شَيْئًا، وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ، وَبَنَاهُ عَلَى بُنْيَانِهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِاللَّبِنِ وَالْجَرِيدِ، وَأَعَادَ عُمُدَهُ خَشَبًا، ثُمَّ غَيَّرَهُ عُثْمَانُ، فَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً كَثِيرَةً، وَبَنَى جِدَارَهُ بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ وَالْقَصَّةِ، وَجَعَلَ عَمَدَهُ مِنْ حِجَارَةٍ مَنْقُوشَةٍ، وَسَقَفَهُ بِالسَّاجِ. (وعَمَدُه خشبُ النخل): عَمَدُه: بفتح العين المهملة والميم. وروي بضمهما (¬1). (والقَصَّة): الجِصُّ، لغة حجازية. (بالساج): ضَرْبٌ من الخشب، والواحدةُ ساجَةٌ. * * * باب: التعاونِ في بناء المسجد 319 - (447) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُخْتَارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ عِكْرِمَةَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ وَلاِبْنهِ عَلِيٍّ: ¬

_ (¬1) في "م": "بضمها".

باب: يأخذ بنصول النبل إذا مر في المسجد

انْطَلِقَا إِلَى أَبي سَعِيدٍ، فَاسْمَعَا مِنْ حَدِيثهِ، فَانْطَلَقْنَا، فَإِذَا هُوَ فِي حَائِطٍ يُصْلِحُهُ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَاحْتَبَى، ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا، حَتَّى أَتَى ذِكْرُ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: كُنَّا نَحْمِلُ لَبِنَةً لَبِنَةً، وَعَمَّارٌ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ، فَرَآهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَيَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْهُ، وَيَقُولُ: "وَيْحَ عَمَّارٍ! تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ، وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ". قَالَ: يَقُولُ عَمَّارٌ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ. (ويحَ عمارٍ!): قال القاضي: "ويح" كلمة لمن وقع في مهلكة لا يستحقها، فَيُتَرَحَّم عليه، ويُرْثى له، و"ويل" لمن يستحقها، ولا يُترحم عليه (¬1). (يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار): كذا لأكثرهم، قال القاضي: فيه نقص، وتمامه في رواية ابن السكن: "وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الفِئَةُ البَاغِيَةُ" (¬2). * * * باب: يأخذُ بنُصُولِ النَّبْلِ إذا مرَّ في المسجد 320 - (451) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: قُلْتُ لِعَمْرٍو: أَسَمِعْتَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: مَرَّ رَجُلٌ فِي الْمَسْحِدِ وَمَعَهُ سِهَامٌ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمْسِكْ بِنِصَالِهَا". (قلت لعمرو: أسمعتَ جابرَ بنَ عبد الله يقول): ليس فيه أن عَمْرًا قال له (¬3): نعم، [فليس فيه إسناد، ولكن (¬4) وقع في رواية الأصيلي: أنه ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 297). (¬2) المرجع السابق، (2/ 382). (¬3) "له" ليست في ع، وفي "ج": "عمرًا قاله". (¬4) في "ن": "لكن".

باب: المرور في المسجد

قال له: نعم] (¬1)، وقد ذكره البخاري في غير هذا الموضع، وحذفه هنا اختصارًا (¬2). (أمسِكْ بنصالها): جمع نَصْل -بالصاد المهملة- يجمع على نُصول، كما ذكره في الترجمة. * * * باب: المرورِ في المسجد 321 - (452) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "مَنْ مَرَّ فِي شَيْءٍ مِنْ مَسَاجِدِناَ، أَوْ أَسْوَاقِنَا، بِنَبْلٍ، فَلْيَأْخُذْ عَلَى نِصَالِهَا، لاَ يَعْقِرْ بِكَفِّهِ مُسْلِمًا". (فلياخذ على نصالها): أي: بساتر يمنع من أذاها. (لا يعقرْ): "لا" ناهية، والفعلُ مجزوم. * * * باب: الشِّعْرِ في المسجدِ 322 - (453) - حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ الحَكَمُ بنُ نَافِعٍ، قَالَ: أَخْبَرناَ شُعَيبٌ، عَن الزُّهرِي، قَالَ: أَخْبَرنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَنَّهُ سَمِعَ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ يَسْتَشْهِدُ أَبَا هُرَيْرَةَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ! هَلْ ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين سقط من "ع". (¬2) رواه البخاري (7073).

سَمِعْتَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "يَا حَسَّانُ! أَجِبْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ"؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: نَعَمْ. (أَنْشُدك الله): بفتح الهمزة وضم الشين، ونصب الاسم الشريف، و (¬1) يروى: "بالله". (أجب عن رسول الله، اللهمَّ أيده بروح القدس): الزركشي: ليس (¬2) في الحديث تصريح بالتبويب (¬3)؛ لأنه لم يذكر أنه أجاب في المسجد، لكن ذكره البخاري في: بدء الخلق (¬4). قلت: فيتجه السؤال عن وجه عُدوله عن الاستشهاد بالتصريح إلى غيره. وجوابه: أن قصدَه تشحيذُ الأذهان بالإشارات، لا مَلْءُ الصحف بما يَسبق (¬5) إلى أذهان (¬6) العامة. ووجه ذلك هنا: أن هذه المقالة منه - صلى الله عليه وسلم - دالة على أن للشِّعْر حقًّا يتأهَّل صاحبُه؛ لأن يُؤَيَّد في النطق (¬7) به بالملائكة، وما هذا شأنُه يجوز قولهُ في المسجد قطعًا، والذي يحرُم إنشاده فيه ما كان من الباطل المنافي ¬

_ (¬1) الواو سقطت من "ج". (¬2) "ليس" ليست في "ج". (¬3) في "ج": "الحديث تبويب بالتبويب". (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 162). (¬5) في "ن" و "ع": "سبق". (¬6) في "ن" و"ع": "الأذهان". (¬7) في "ج": "لأن يتأيد بالنطق".

باب: أصحاب الحراب في المسجد

لما اتُّخِذت له المساجدُ من الحق. هذا معنى كلام ابن المنير، وهو حسن (¬1). * * * باب: أَصْحَابِ الْحِرَابِ فِي الْمَسْجدِ (باب: أصحاب الحِراب): -بكسر الحاء المهملة- جمعُ حَرْبَة. * * * باب: ذكرِ البيع والشِّراء على المنبر في المسجد 323 - (456) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أتَتْهَا بَرِيرَةُ تَسْألُهَا فِي كِتَابَتِهَا، فَقَالَتْ: إِنْ شِئْتِ أَعْطَيْتُ أَهْلَكِ، وَيَكُونُ الْوَلاَءُ لِي، وَقَالَ أَهْلُهَا: إِنْ شِئْتِ أَعْطَيْتِهَا مَا بَقِيَ، -وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: إِنْ شِئْتِ أَعْتَقْتِهَا-، وَيَكُونُ الْوَلاَءُ لَنَا. فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، ذَكَّرَتْهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: "ابْتَاعِيهَا فَأَعْتِقِيهَا؛ فَإِنَّ الْوَلاَءَ لِمَنْ أَعْتَقَ". ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْمِنْبَرِ -وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: فَصَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْمِنْبَرِ-، فَقَالَ: "مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟! مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَلَيْسَ لَهُ، وَإِنِ اشْتَرَطَ مِئَةَ مَرَّةٍ". قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ يَحْيَى، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَمْرَةَ. وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ ¬

_ (¬1) في "ع": "أحسن".

عَائِشَةَ. رَوَاهُ مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَمْرَةَ: أَنَّ بَرِيرَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ: صَعِدَ الْمِنْبَرَ. (أتتها بَريرَة): عَلَم ممنوع من الصرف، منقول من بريرة، واحدة البرير (¬1)، وهو ثمر الأراك، وليس من البِرّ حتى يُقال: إنه يقتضي التزكيةُ، ومع ذلك أقر اسمها، ولم يغيره كما غير اسم بَرَّةَ. (فلما جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ذَكَّرَته ذلك): الزركشي: صوابه ذَكَرْتُ له ذلك (¬2). قلت: هذا من جنس ما تقدم، وهو الهجوم (¬3) على تخطئة الرواية الصحيحة بالخيال، وكأنه فهم أن (¬4) الضمير المنصوبَ عائد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذلك مفعولُ ذَكَّرْتُ، فاحتاج إلى تقدير الحرف؛ ضرورة أن ذَكَر إنما يتعدى بنفسه إلى واحد (¬5)، وليس الأمر (¬6) كما ظنه، بل الضمير (¬7) عائد إلى الأمر المتقدم، وذلك بدلٌ منه، والمفعول الذي يتعدى إليه هذا الفعل بحرف الجر حُذف مع الحرف الجار له؛ لدلالة ما تقدم عليه، فآل الأمرُ إلى أنها قالت: فلما جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ذكرتُ ذلك الأمرَ له، وليتَ ¬

_ (¬1) في "ع": "البربرة". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 163). (¬3) في "ع": "هجوم". (¬4) في "ج": "من". (¬5) في "ج": "بنفسه وليس ذكرت، فاحتاج إلى تقدير الحرف ضرورة". (¬6) في "ج": "ذكرت الأمر". (¬7) في "ج" زيادة: "المنصوب".

باب: التقاضي والملازمة في المسجد

شِعري ما المانعُ من حمل هذه الرواية الصحيحة على هذا الوجه الشائع، ولا غبار (¬1) عليه؟!! (فقال: ابتاعيها فأعتقيها): الفعل الأول بهمزة وصل، والثاني بهمزة قطع. * * * باب: التَّقَاضِي وَالْمُلاَزَمَةِ فِي الْمَسْجِدِ (باب: التقاضي): أي: طلب قضاء الدين. (والملازمة في المسجد): حملها ابن المنير على الترسيم على الخصم، فسأل (¬2) عن وجه ذكره (¬3)، مع أن الذي في حديث الباب إنما هو التقاضي. وأجاب (¬4): بأنه أخذه بالقياس على مضمون الحديث بطريق الأولى؛ لأن ابن (¬5) أبي حدرد لزم خصمَه في وقت التقاضي والخصومة، وظاهرُ الأمر أنهما كانا ينتظران النبي - صلى الله عليه وسلم - للفصل بينهما، فإذا جاز اللزامُ (¬6) في حال الخصومة وارتفاع الأصوات، فاللزام (¬7) بعد انفصالها أجدر، فتأمله. ¬

_ (¬1) في "ج": "عبارة". (¬2) في "ع": "على الخصم في وقت التقاضي فسأل". (¬3) في "ن": "ذكر". (¬4) في "ع": "فأجاب". (¬5) في "ج": "الأولى لابن". (¬6) في "ج": "اللوم". (¬7) في "ج": "فاللزم".

باب: كنس المسجد، والتقاط الخرق والقذى والعيدان

324 - (457) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ كعْبٍ: أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجدِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا، حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ، فَنَادَى: "يَا كَعْبُ! "، قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ هَذَا". وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ: أَيِ: الشَّطْرَ، قَالَ: لَقَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "قُمْ فَاقْضِهِ". (كشف سَجف حجرته): قال السفاقسي: روي: بفتح السين وكسرها، ورويناه: بالكسر، وهو في اللغة: الستر. وقال الداودي: السجف: الباب. (فأومأ): أوله همزة (¬1)، وكذا آخره. (أي: الشطرَ): -بالنصب-؛ أي: ضَعِ الشطرَ، وهو تفسيرٌ للمقصود الذي أومأ إليه - صلى الله عليه وسلم - (¬2). * * * باب: كَنْسِ الْمَسْجِدِ، وَالْتِقَاطِ الْخِرَقِ وَالْقَذَى وَالْعِيدَانِ (باب: كنس المسجد): نبه على شرعية مثل هذا، ولا يتخيل (¬3) أنه ترفيه للمصلين واشتغال بالدنيا وزينتها. ¬

_ (¬1) في "ج": "هذه". (¬2) في "ن": "النبي - صلى الله عليه وسلم -". (¬3) في "ن": "يخيل"، وفي "ع": "إذ لا يتخيل".

باب: تحريم تجارة الخمر في المسجد

325 - (458) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَجُلًا أَسْوَدَ، أَوِ امْرَأَةً سَوْدَاءَ، كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ، فَمَاتَ، فَسَأَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْهُ، فَقَالُوا: مَاتَ، قَالَ: "أَفَلاَ كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ، دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ، أَوْ قَالَ: قَبْرِهَا"، فَأَتَى قَبْرَهُ فَصَلَّى عَلَيْهاِ. (أن رجلًا أسودَ أو امرأةً سوداء كان يقم (¬1) المسجد): حذف "أو كانت (¬2) تقم المسجد"؛ للدلالة عليه، ويَقُمُّ -بفتح حرف المضارعة وضم القاف- معناه: يكنس، والمرأة المبهمة هي أم محجن (¬3)، ويقال: محجنة، ذكره الذهبي في "التجريد" (¬4). باب: تَحْرِيم تِجَارَةِ الْخَمْرِ فِي الْمَسْجِدِ (باب: تحريم تجارة الخمر في المسجد): لا يتعلق "في المسجد" بالتحريم (¬5)، وإنما يتعلق بمحذوف، والتقدير: باب (¬6): ذكر تحريم تجارة ¬

_ (¬1) في "ع": "كانت تقم". (¬2) في "ع": "وكانت". (¬3) في "ج": "محجز". (¬4) انظر: "التوضيح" لابن الملقن (5/ 579). (¬5) في "ن": "التحريم"، وفي "ع": "بتحريم". (¬6) "باب" ليست في "ج".

باب: الخدم للمسجد

الخمر في المسجد، فيتعلق بالذكر، ففيه (¬1) تنبيه على أنه لا بأس بذكر النهي عن المحرمات في المسجد، وتبيينِ أحكامها. * * * 326 - (459) - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا أُنْزِلَ الآيَاتُ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي الرِّبَا، خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْمَسْجِدِ، فَقَرَأَهُنَّ عَلَى النَّاسِ، ثُمَّ حَرَّمَ تِجَارَةَ الْخَمْرِ. (عَبدان): بعين مهملة مفتوحة موحدة، وقد مر. (عن أبي حمزة): بحاء مهملة (¬2) وزاي. * * * باب: الخَدَمِ للمسجد 327 - (460) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ وَاقِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ امْرَأَةً، أَوْ رَجُلًا، كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ، وَلاَ أُرَاهُ إِلَّا امْرَأَةً، فَذَكَرَ حَدِيثَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ صلَّى عَلَى قَبْرِهِ. (أن امرأة أو رجلًا كانت تقم المسجد): حذف "أو كان يقم المسجد" كما سبق. فإن قلت: حذف من الأول خبر المؤنث، وهنا خبر المذكر، فما وجهه؟ ¬

_ (¬1) في "ع": "فيه". (¬2) "مهملة" ليست في "ع".

باب: الأسير أو الغريم يربط في المسجد

قلت (¬1): اعتبر السابق في الموضعين؛ ليكون جاريًا (¬2) على المهيع الكثير، وهو الحذف من الثاني؛ لدلالة الأول. [(ولا أُراه إلا امرأة): -بضم الهمزة- من أراه؛ أي: أظنه، والضمير عائد على مَنْ كان يقمُّ، فتأمل (¬3)] (¬4). * * * باب: الأسيرِ أو الغريمِ يُربط في المسجد 328 - (461) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا رَوْحٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: قَالَ: "إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِّ تَفَلَّتَ عَلَيَّ الْبَارِحَةَ -أَوْ كَلِمَةً نحوَهَا-؛ لِيقْطَعَ عَلَيَّ الصَّلاَةَ، فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، حَتَّى تُصْبِحُوا وَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِي سُلَيْمَانَ: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص: 35] ". قَالَ رَوْحٌ: فَرَدَّهُ خَاسِئًا. (إن عفريتًا (¬5) تفلَّت علي): أي: توثَّب وتسرَّع إليَّ. (البارحة): أقرب ليلة مضت (¬6). ¬

_ (¬1) في "ن": "فإن قلت". (¬2) "جاريًا" ليست في "ع". (¬3) في "ج": "فتأمله". (¬4) ما بين معكوفتين سقط من "ع". (¬5) في "ع" و"ج": "شيطانًا". (¬6) "مضت" ليست في "ج".

باب: الاغتسال إذا أسلم، وربط الأسير أيضا في المسجد، وكان شريح يأمر الغريم أن يحبس إلى سارية المسجد

(أن أربِطه): بكسر الباء الموحدة، ماضيه: ربَط، بفتحها. (فذكرت قول أخي سليمان): يشير إلى أنه لم يرد مزاحمته فيما أُعطيه (¬1)، فتركه مع القدرة عليه، وهل كانت إرادتُه لربطه بعد تمام الصلاة أو فيها؛ لأنه يسير؟! احتمالان ذكرهما ابن الملقن (¬2). * * * باب: الاِغْتِسَالِ إِذَا أَسْلَمَ، وَرَبْطِ الأَسِيرِ أَيْضًا فِي الْمَسْجِدِ، وكان شريح يأمر الغريم أن يحبس إلى سارية المسجد (وكان شُرَيْح): بشين معجمة وحاء مهملة، مصغَّر. 329 - (462) - حَدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ: سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ، يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ". فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. (ثُمامة بنُ أُثال): بضم الأول من الاسمين، والثاء مثلثة فيهما. قال ابن المنير: ترجم قبل هذه على ربط الأسير والغريم في المسجد، ثم ساق حديث العفريت، وفيه أنه لم يربطه، وقد كان حديث ¬

_ (¬1) في "ج": "أعطاه". (¬2) انظر: "التوضيح" (5/ 591).

باب: الخيمة في المسجد للمرضى وغيرهم

ثمامة هذا نَصَّ على المقصود؛ لأنه كان (¬1) أسيرًا، فرُبِط في المسجد، فإما أن يكون سلك عادته (¬2) في الاستدلال بالخفي، والإعراضِ عن الجلي؛ اكتفاء بسبق الأفهام إليه. وإما أن يكون ترك حديثَ ثمامة هناك؛ لأنه - عليه السلام -[لم يربطه، ولا أمر بربطه، بل قال حين رآه مربوطًا: "أطلقوا ثُمامة"] (¬3)، فهو بأن (¬4) يكون إنكارًا لفعلهم أولى بأن يكون إقرارًا لفعلهم (¬5) بخلاف قصة العفريت، فإنه - عليه السلام - هو الذي هم بربطه (¬6)، وإنما امتنع لأمر أجنبي. * * * باب: الخيمةِ في المسجد للمرضى وغيرِهم 330 - (463) - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أُصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فِي الأَكْحَلِ، فَضَرَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ؛ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ، فَلَمْ يَرُعْهُمْ -وَفِي الْمَسْجدِ خَيْمَةٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ- إِلَّا الدَّمُ يَسِيلُ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا أَهْلَ الْخَيْمَةِ! مَا هَذَا الَّذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ؟ فَإِذَا سَعْدٌ يَغْذُو جُرْحُهُ دَمًا، فَمَاتَ فِيهَا. ¬

_ (¬1) "كان" ليست في "ع". (¬2) في "ج": "عارية". (¬3) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬4) في "ع": "فهذا لا". (¬5) "لفعلهم" ليست في "ع". (¬6) في "ع": "هو الذي يربطه".

باب

(ابن نُمَيْر (¬1)): بنون مضمومة، مصغَّر (¬2). (فلم يرعهم): أي لم يفزعهم (¬3)، يعنون بهذا اللفظ: السرعة، لا نفس الفزع. (يغذو جرحُه): -بغين وذال معجمتين-؛ أي: يسيل. * * * باب 331 - (465) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ: أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَا مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، وَمَعَهُمَا مِثْلُ الْمِصْبَاحَيْنِ، يُضِيئَانِ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا، فَلَمَّا افْتَرَقَا، صَارَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاحِدٌ، حَتَّى أَتَى أَهْلَهُ. (أن رجلين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - خرجا): هما أُسيد بن حضير، وعباد بن بشير (¬4). * * * ¬

_ (¬1) في "ن": "حدثنا نمير". (¬2) في "ع": "مصغرًا". (¬3) في "ج": "فلم يرفعهم". (¬4) في "ج": "بشر".

باب: الخوخة والممر في المسجد

باب: الْخَوْخَةِ وَالْمَمَرِّ فِي الْمَسْجِدِ (باب: الخوخَة والممرِّ في المسجد): نبه بذلك على أن المرور في المسجد لما يعرض للإنسان من شؤونه جائز، وهو من قبيل الارتفاق بما لله فيما لا يضرُّ كبيرَ (¬1) مضرَّةٍ، ولا يقال: إن المساجد لم توضع طرقات، أو تختصر (¬2) بها الطرقات؛ فإن التشديدَ في ذلك تنطُّع، والمسجدُ والطرقاتُ كلُّها لله مرافقُ للمسلمين، فيستعان ببعضها على بعض؛ كجامع مصر، وجامع الإسكندرية الأوسط، وقد كان ممر أبي بكر رضي الله عنه (¬3) إلى داره في (¬4) المسجد. * * * 332 - (466) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: خَطَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ". فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، فَقُلْتُ فِي نفسِي: مَا يُبْكِي هَذَا الشَّيْخَ إِنْ يَكُنِ اللَّهُ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ؟! فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - هُوَ الْعَبْدَ، وَكانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا، قَالَ: "يَا أَبَا بَكْرٍ! لاَ تَبْكِ، إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ ¬

_ (¬1) في "ع": "كثير". (¬2) في "ج": "تختص". (¬3) "رضي الله عنه" زيادة من "ع". (¬4) في "ن": "من".

كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنْ أُمَّتِي، لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلاَمِ وَمَوَدَّتُهُ، لاَ يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلَّا سُدَّ، إِلَّا بَابُ أَبي بَكْرٍ". (ما يبكي هذا الشيخ أن يكون الله خَيَّرَ عبدًا): أي (¬1): أيُّ شيء يبكيه من كون الله خير عبدًا؟ وفي نسخة: "إِنْ يَكُنِ اللهُ خَيَّرَ عَبْدًا" بإن الشرطية، والجواب محذوف مدلولٌ عليه بما تقدم، ففيه ورودُ الشرط مضارعًا مع حذف الجواب. ووقع في بعض النسخ: "أَنْ يَكُونَ الله عبدًا خَيَّر" ["وإنْ يَكُنِ اللهُ عَبْدًا خيَّرَ"] (¬2) بتقديم المفعول، مع فتح أن وكسرها. (إن أمنَّ الناس عليَّ في صحبته وماله أبو بكر): أي أَبْذَلُ لنفسه، وأَعْطى لماله، والمَنُّ: العطاء، ولم يرد به المِنَّةَ؛ لأنها تفسدُ الصنيعة (¬3)، ولا منةَ لأحد على النبي - صلى الله عليه وسلم -. ويروى: "إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ". قال الزركشي: على حذف اسمها، والجار والمجرور صفته (¬4)؛ أي: إن رجلًا من أمن الناس (¬5). قلت: هذا التركيب هو مثل: "إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذابًا يَوْمَ القِيَامَةِ المُصَوِّرُونَ" (¬6)، فيتأتى فيه القول بزيادة (مِنْ) في الإيجاب، ومع ¬

_ (¬1) "أي" ليست في "ج". (¬2) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬3) في "ج": "المنيعة". (¬4) في "ج": "صفة". (¬5) انظر: "التنقيح" (1/ 166). (¬6) رواه البخاري (5950)، ومسلم (2109) عن ابن مسعود رضي الله عنه.

المعرفة على رأي الأخفش، والقول بأن اسم "إن" ضمير الشأن، وهو محذوف. (ولكن أخوة الإسلام): كذا عند أكثر (¬1) الرواة، وعند الأصيلي: "ولَكِنْ خُوَّةُ (¬2) الإِسْلامِ" بغير (¬3) ألف (¬4). قال ابن مالك: نقل حركة الهمزة إلى النون، وحذفت الهمزة على القاعدة المشهورة، فصار: ولكنُ خوةُ الإسلام، فليكنِ النطقُ به كذلك، ولك تسكين (¬5) النون تخفيفًا (¬6). (إلا بابُ أبي بكر): بالرفع على البدل، والنصب على الاستثناء. قال ابن المنير: ولعل الحكمة في ذلك إظهارُ خصوصية أبي بكر رضي الله عنه (¬7) بالخلافة والإمامة بعده دون سائر الناس، فأبقى خوخته إلى محل إمامته (¬8)، رفقًا به وبالمسلمين في تيسير الأمر على إمامتهم. * * * ¬

_ (¬1) "أكثر": ليست في "ج". (¬2) في "ج": "أخوة". (¬3) في "ج": "من غير". (¬4) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 22). (¬5) في "ن": "ولكن تسكين"، و "ع": "ولكن تسكن". (¬6) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 82). (¬7) "رضي الله عنه" زيادة من "ع". (¬8) في "ن": "إقامته".

باب: الأبواب والغلق للكعبة والمساجد

باب: الأَبْوَابِ وَالْغَلَقِ لِلْكَعْبةِ وَالْمَسَاجِدِ 333 - (467) - قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: يَا عَبْدَ الْمَلِكِ! لَوْ رَأَيْتَ مَسَاجِدَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبْوَابَهَا. (باب: الأبواب والغَلَق): بتحريك اللام. (لو رأيتَ مساجدَ ابن عباس وأبوابها): أي: لرأيتَ عجبًا، فحذف الجواب. * * * باب: رفع الصوتِ في المسجدِ 334 - (470) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْجُعَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: كنْتُ قَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ، فَحَصَبَنِي رَجُلٌ، فَنَظَرْتُ، فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَأْتِنِي بِهَذَيْنِ، فَجِئْتُهُ بِهِمَا، قَالَ: مَنْ أَنْتُمَا؟ أَوْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمَا؟ قَالاَ: مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ، قَالَ: لَوْ كنْتُمَا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ، لأَوْجَعْتُكُمَا، تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا فِي مَسْجدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟! (يزيد): بزاي. (ابن خُصيفة): بخاء معجمة مضمومة، مصغَّر. * * *

335 - (471) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا لَهُ عَلَيْهِ، فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَسْجِدِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وهُوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حتَّى كشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ، وَناَدَى: "يَا كَعْبُ ابْنَ مَالِكٍ! يَا كَعْبُ! "، قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ: "ضَعِ الشَّطْرَ مِنْ دَيْنِكَ"، قَالَ كَعْبٌ: قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قُمْ فَاقْضِهِ". (فارتفعت أصواتُهما): ظن ابن بطال أن البخاري بوب على جواز رفع الصوت في المسجد، [وأنه ساق هذا الحديث دليلًا عليه، واعتذر عن سياقته (¬1) إنكارَ عمرَ لرفع الصوت في المسجد] (¬2) بأنه إنما كان لرفعه في لغط (¬3) ممنوع (¬4). ونازعه ابنُ المنير بأن البخاري إنما أراد إنكارَ رفعِ الصوت (¬5)، واعتمد في (¬6) حديث ابن أبي حدرد على تتمته في موضع آخر، وذلك أنهما ¬

_ (¬1) في "ن" و"ع": "سياقه". (¬2) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬3) في "ع"و "ج": "لفظ". (¬4) انظر: "شرح ابن بطال" (2/ 106). (¬5) في "ن" و "ع" زيادة: "في المسجد". (¬6) في "ن": "من".

باب: الحلق والجلوس في المسجد

تلاحيا، فارتفعت أصواتهما في المسجد، فرفع الله عِلْمَ عينِ (¬1) ليلةِ القدرِ بسبب ذلك؛ مؤاخذةً ومحنة للعامة بذنب الخاصة، فأيُّ إنكار أشدُّ من ذلك؟! * * * باب: الْحِلَقِ وَالْجُلُوسِ فِي الْمَسْجدِ (باب الحلَق): -بحاء مهملة ولام مفتوحتين- جمع حِلْقة -بسكون اللام- على غير قياس، وقال الأصمعي بكسرها (¬2)، مثل: بَدْرَة وبِدَر، قاله (¬3) الجوهري (¬4). وإنما ترجم عليه؛ لأنه قد يتخيل كراهته (¬5) [من جهة أن الحلقة لا بد أن يستدبر بعضها القبلة (¬6)، فاعلم بأن ذلك لا كراهية] (¬7) فيه ألبتة. 336 - (472) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ ¬

_ (¬1) في "ج": "عن". (¬2) "بكسرها": ليست في "ن". (¬3) في "م" و"ج": "قال"، والمثبت من "ن" و "ع". (¬4) انظر: "الصحاح" له (4/ 1463)، (مادة: حلق). (¬5) في "ج": "كراهيته". (¬6) في "ن": "لقبلة". (¬7) ما بين معكوفتين سقط من "ع".

عَلَى الْمِنْبَرِ: مَا تَرَى فِي صَلاَةِ اللَّيْلِ؟ قَالَ: "مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ، صَلَّى وَاحِدَةً، فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى". وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: اجْعَلُوا آخِرَ صَلاَتِكُمْ وِتْرًا؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ بِهِ. (قال (¬1): مثنى مثنى): غير منصرف، فلا تنوين فيه. قال الزركشي في "تعليق العمدة": استشكل بعضهم التكرار بأن القاعدة فيما عُدل من أسماء الأعداد أنه لا يُكرر (¬2)، فلا يقال: جاء القوم مثنى مثنى. وأجيب: بأنه تأكيد لفظي، لا لقصد التكرار؛ فإن ذلك مستفاد من الصيغة. قلت: هذا جواب ابن الحاجب، ذكره في "أماليه". ثم قال الزركشي: وأقول: إن (¬3) أصل السؤال فاسد، بل لا بد من التكرار إذا كان العدل في (¬4) لفظ واحد؛ كمثنى مثنى، وثلاث ثلاث، قال الشاعر: هَنِيئًا لِأرْبَابِ البُيُوِت بُيُوتُهُمْ. . . وَلِلآكِلِينَ التَّمْرَ مَخْمَسَ مَخْمَسَا ومنه الحديث: "مَثْنَى مَثْنَى"، فإن وقعت بين لفظين، أو ألفاظ مختلفة، لم يجزِ التكرارُ ك: {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [فاطر: 1]، والحكمة في ذلك أن ¬

_ (¬1) "قال": ليست في "ع" و"ج". (¬2) في "ع": "تكرير". (¬3) "إن": ليست في "ن". (¬4) في "ع": "العدول عن".

ألفاظ العدد المعدولة (¬1) مشروطة (¬2) بسبق ما يقع (¬3) فيه التفصيل تحقيقًا؛ نحوَ: {أُولِي أَجْنِحَةٍ} [فاطر: 1]، أو تقديرًا؛ نحَو: "صَلاةُ الليلِ"، فإذا أُريد تفصيله من نوع واحد، وجب تكرره؛ لأن وقوعه بعده إنما هو على جهة الخبرية، أو الحالية، أو الوصفية، فحملُه عليه يقتضي مطابقتَه له، فلا بد من تكرُّرِه لتحصلَ الموافقة؛ إذ لا يحسُنُ وصفُ الجماعة باثنين، وإن كان من ألفاظ متعددة، فالمجموعُ تفصيلٌ للمجموع، فكان وافيًا به (¬4). قلت: لا أعرف أحدًا من النحاة ذهب إلى هذا التفصيل الذي ذكره. وفي "الصحاح": إذا قلت: جاءت الخيلُ مثنى (¬5)، فالمعنى: اثنين اثنين (¬6)؛ أي: جاؤوا مزدوجين. فهذا مما يقدح في إيجاب (¬7) التكرير في اللفظ الواحد. ثم بناءُ (¬8) ما ذكره على الحكمة التي أبداها بناءٌ واهٍ (¬9)؛ لأن المطابقة حاصلةٌ بدون تكرير اللفظ المعدول (¬10) من جهة المعنى، وذلك أنك إذا ¬

_ (¬1) في "ع": "المعدودة". (¬2) في "ن": "بشروطه". (¬3) في "ع": "وقع". (¬4) انظر: "النكت على العمدة" للزركشي (ص: 122). (¬5) في "ع": "مثنى مثنى". (¬6) انظر: "الصحاح" للجوهري (6/ 2294)، (مادة: ثنى). (¬7) في "ن" و"ع": إيجابه. (¬8) في "ج": "بنى". (¬9) في "ع": "التي أبداها مساواة" وفي "ج": "أبداها بناؤه". (¬10) في "ع": "المعدود".

قلت: جاء القوم مثنى، إنما معناه: اثنين اثنين، وهكذا فهو بمعنى مُزْدَوجِين؛ كما قال الجوهري. ولا شك في صحة (¬1) حمل مزدوجين على القوم، ثم تكريرُ اللفظ المعدول لا يوجب المطابقة؛ لأن الثاني كالأول سواء، وليس ثمَ حرفٌ يقتضي الجمعَ حتى تحصل المطابقة التي قصدَها، فلا يظهر وجهٌ صحيح لما قاله، والله أعلم. * * * 337 - (474) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عبد الله بْنِ أَبي طَلْحَةَ: أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِىِ طَالِبٍ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَسْجِدِ، فَأَقْبَلَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ، فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَذَهَبَ وَاحِدٌ: فَأَمَّا أَحَدُهُمَا، فَرَأَى فُرْجَةً، فَجَلَسَ، وَأَمَّا الآخَرُ، فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "أَلاَ أُخبِرُكُمْ عَنِ الثَّلاَثَةِ؟ أَمَّا أَحَدُهُمْ، فَأَوَى إِلَى اللَّهِ، فَآوَاهُ اللَّهُ، وَأَمَّا الآخَرُ، فَاسْتَحْيَا، فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ، وَأَمَّا الآخَرُ، فَأَعْرَضَ، فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ". (بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد (¬2)، فأقبل (¬3) ثلاثة نفر): فيه زيادة الفاء على جواب بينما. ¬

_ (¬1) في "ع": "صحته". (¬2) "في المسجد" ليست في "ن". (¬3) في "ع" و"ج": "إذ أقبل".

باب: المسجد يكون في الطريق من غير ضرر بالناس

قال الزركشي: وحديث الثلاثة سبق ضبطه في كتاب: العلم (¬1). قلت: لكن ليس فيه هذا اللفظ الذي تؤخذ منه هذه الفائدة، وإنما هو (¬2) فيه: "بينما هو جالسٌ في المسجد، والناسُ معه، إذْ أقبلَ ثلاثةُ نَفَرٍ" (¬3)، فتُلقي الجوابُ بإذ على ما هو معهود، وأما هنا، فتلقاه بالفاء. * * * باب: المسجدِ يكون في الطريق من غير ضررٍ بالناس 338 - (476) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - طرَفَيِّ النَّهَارِ: بُكْرَةً وَعَشِيّهً، ثُمَّ بَدَا لأَبي بَكْرٍ، فَابْتَنَى مَسْجدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ، وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فيقِفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ، يَعْجَبُونَ مِنْهُ، ويَنْظُرُونَ إِليِهِ، وكَانَ أَبُو بكرٍ رَجُلًا بَكَّاءً، لا يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذَا قَرَأَ القُرْآنَ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرِيشٍ مِنَ المشْرِكِينَ. (ثم بدا لأبي بكر (¬4)): من البدو بمعنى: الظهور، بلا همز (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 168). (¬2) "هو" ليست في "ع". (¬3) تقدم برقم (66) عند البخاري. (¬4) في "ع": "بكرة". (¬5) "بلا همز" ليست في "ع".

باب: الصلاة في مسجد السوق

باب: الصَّلاةِ في مَسْجدِ السُّوقِ وصلَّى ابنُ عَوْنٍ في مَسْجدٍ في دَارٍ يُغْلَقُ عَلَيهِمُ البَابُ. (باب: الصلاة في مسجد السوق): تقع هذه الترجمة في بعض النسخ بدون ذكر باب. (وصلى ابنُ عون في مسجدِ في دارٍ يُغْلَق عليهم البابُ): وليس في هذا ذكر السوق. 339 - (477) - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنا أَبُو مُعَاويَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَن أَبِي صَالِحٍ، عَن أَبي هُرَيْرَةَ، عَن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "صَلاةُ الجَمِيعِ تَزِيْدُ عَلَى صَلاَتِهِ في بَيْتِهِ، وَصَلاَتِهِ فِي سُوقِهِ، خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، فَإِنَّ أَحَدكُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ، وَأَتَى الْمَسْجِدَ، لاَ يُرِيدُ إِلَّا الصَّلاَةَ، لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِها دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ خَطِيئَةً، حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ، وَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ، كَانَ فِي صَلاَةٍ مَا كَانَتْ تَحْبِسُهُ، وَتُصَلِّي -يَعْنِي:- عَلَيْهِ الْمَلاَئِكَةُ، مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ". (تزيد على صلاته في بيته وصلاتِه (¬1) في سوقه): وليس في (¬2) هذا للمسجد (¬3) ذكرٌ، فكيف ترجم للصلاة في مسجد السوق؟ قال ابن المنير: أراد إثباتَ جواز بناء المسجد داخلَ السوق؛ لئلا ¬

_ (¬1) في "ج": "وعلى صلاته". (¬2) "وليس في" ليست في "ج". (¬3) في "ع" و "ج": "المسجد".

باب: تشبيك الأصابع في المسجد وغيره

يُتخيل أن المسجد في المكان المحجور لا يُشرع؛ كمسجد (¬1) الجمعة، فنبه بصلاة ابن عون على أن المسجد الذي صلى فيه كان محجورًا، ومع ذلك فله حكمُ المساجد، ثم خص السوق في الترجمة؛ لئلا يُتخيل أنها لما كانت (¬2) شرَّ البقاع، وبها يركز الشيطانُ رايته -كما ورد- يمنع ذلك اتخاذَ المسجدِ فيها، فبين الحديث (¬3) أنها محل للصلاة، فيجوز بناء المسجد فيها، والله أعلم. * * * باب: تَشْبِيكِ الأَصَابِعِ فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ (باب: تشبيك الأصابع في المسجد وغيره): قال ابن المنير: وجهُ إدخال هذه الترجمة في الفقه معارَضَةُ المراسيل التي وردت في النهي عن التشبيك في المسجد، والتحقيقُ أنها لا تعارضها؛ إذ المنهيُّ عنه فعلُه على وجه الولع، والذي في الحديث إنما هو لقصد (¬4) التمثيل، وتصويرِ المعقول بصورة المحسوس، ونحو ذلك من المقاصد الصحيحة (¬5). * * * ¬

_ (¬1) في "ن" و "ع": "لمسجد". (¬2) في "م" و"ج": "كان". (¬3) في "ج": "بالحديث". (¬4) في "ج": "إنما يقصد". (¬5) في "ع": "الحسنة".

340 - (481) - حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ عبد الله بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا"، وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ. (خَلاد): بخاء معجمة مفتوحة. * * * 341 - (482) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ شُمَيْلٍ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِحْدَى صَلاَتَيِ الْعَشِيِّ -قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: سَمَّاهَا أَبُو هُرَيْرَةَ، وَلَكِنْ نسَيتُ أَنَا-، قَالَ: فَصَلَّى بِنَا رَكعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ إِلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا كَأَنَّهُ غَضْبَانُ، وَوَضَعَ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى اليُسْرَى، وشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهُ، ووَضَعَ خَدَّهُ الأَيْمَنَ عَلى ظَهْرِ كَفِّهِ اليُسْرَى، وَخَرَجَتِ السُّرْعَانُ مِنْ أَبْوَابِ المَسْجِدِ، فَقَالُوا: قَصُرَتِ الصَّلاةُ؟ وَفِي القَوْمِ أَبُو بَكْرٍ، وعُمَرُ، فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ، وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ طُولٌ، يُقَالُ لَهُ: ذُو الْيَدَيْنِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَنسِيتَ، أَمْ قَصُرَتِ الصَّلاَةُ؟ قَالَ: "لَمْ أَنْسَ، وَلَمْ تُقْصَرْ"، فَقَالَ: "أَكَمَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ؟ "، فَقَالُوا: نَعَمْ، فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى مَا تَرَكَ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ. فَرُبَّمَا سَأَلُوهُ: ثُمَّ سَلَّمَ؟ فَيَقُولُ: نُبِّئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ: ثُمَّ سَلَّمَ.

(إحدى صلاتي العشي (¬1)): هي الظهر، كما ذكر (¬2) البخاري في موضع آخر (¬3). (وخرجت السُّرعان): قال السفاقسي: ضبطناه بضم السين، وهو في اللغة: بفتحها وفتح الراء. الزركشي: هو -بالتحريك- جمعُ سريع: أوائلُ الناس، قال أبو الفرج: فيه ثلاث لغات: فتح السين وكسرها، وضمها، والراء ساكنة، والنون نصب أبدًا، انتهى (¬4). قلت: يا عجبًا لتسويد (¬5) الصحف بمثل هذه (¬6) اللغات الثلاث! إنما هي في سِرْعانَ الذي هو اسمُ فعل؛ أي: سَرَعَ، وكذا قال: والنونُ نصبٌ أبدًا؛ أي: مفتوحةً لا تتغير عن الفتح؛ لأنها حركة بناء، فأما جمعُ سريع، فمعربٌ تعتورُ (¬7) نونَه الحركاتُ الثلاث، فنقل اللفظ في غير محله كما رأيت. (قصرت الصلاة (¬8)): بتخفيف الصاد، والفعل مبني للفاعل أو المفعول. ¬

_ (¬1) "إحدى صلاتي العشي" ليست في "ج". (¬2) في "ن" و "ع": "ذكره"، وفي "ج": "يذكر". (¬3) رواه البخاري (5704). وقد وقع في البخاري أيضًا (1169) الشك بين صلاة الظهر أو العصر. (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 168). (¬5) في "ع": "تسويد". (¬6) في "م": "هذا". (¬7) في "ج": "بغير". (¬8) في "م" و"ج": "قصر من الصلاة".

باب: المساجد التي على طرق المدينة، والمواضع التي صلى فيها النبي - صلى الله عليه وسلم -

قال الحافظ المِزِّيُّ: الأولى البناء للمفعول؛ لقوله: "لم تُقْصَر" بالبناء له، ولا خلاف في هذا، فكذا الأول. قلت: في الترجيح بهذا (¬1) نظر. (رجل في يديه (¬2) طولٌ): هو الخِرْباقُ بنُ سارَيةَ. * * * باب: المساجدِ التي على طُرقِ المدينةِ، والمواضعِ التي صلَّى فيها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - 342 - (483) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ سَالِمَ بْنَ عبد الله يَتَحَرَّى أَمَاكِنَ مِنَ الطَّرِيقِ فَيُصَلِّي فِيهَا، وَيُحَدِّثُ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يُصَلِّي فِيهَا، وَأَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فِي تِلْكَ الأَمْكِنَةِ. وَحَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي تِلْكَ الأَمْكِنَةِ. وَسَأَلْتُ سَالِمًا، فَلاَ أَعْلَمُهُ إِلَّا وَافَقَ نَافِعًا فِي الأَمْكِنَةِ كُلِّهَا، إِلَّا أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي مَسْجِدٍ بِشَرَفِ الرَّوْحَاءَ. (المقدَّمي): بدال مشددة (¬3) مفتوحة. ¬

_ (¬1) في "ع": "لهذا". (¬2) في "ع": "يده". (¬3) في "م": "مشدد".

(بشَرَف الروحاء): بشين معجمة وراء مفتوحتين (¬1)، وفاء، والروحاء -ممدود-: اسم موضع. * * * 343 - (484) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمَ بْنُ المُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ عِيَاضٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَن نَافِعٍ: أَنَّ عبد الله أَخْبَرهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَنْزِلُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ حِينَ يَعْتَمِرُ، وَفِي حَجَّتِهِ حِينَ حَجَّ، تَحْتَ سَمُرَةٍ، فِي مَوْضعِ الْمَسْجِدِ الَّذِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ، وَكَانَ إِذَا رَجَعَ مِنْ غَزْوٍ، كَانَ فِي تِلْكَ الطَّرِيقِ، أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، هَبَطَ مِنْ بَطْنِ وَادٍ، فَإِذَا ظَهَرَ مِنْ بَطْنِ وَادٍ، أَنَاخَ بِالْبَطْحَاءِ الَّتِي عَلَى شَفِيرِ الْوَادِي الشَّرْقِيَّةِ، فَعَرَّسَ ثَمَّ حَتَّى يُصْبحَ، لَيْسَ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الَّذِي بحِجَارَةٍ، وَلاَ عَلَى الأَكَمَةِ الَّتِي عَلَيْهَا الْمَسْجدُ، كَانَ ثَمَّ خَلِيجٌ يُصَلِّي عبد الله عِنْدَهُ، فِي بَطْنِهِ كُثُبٌ، كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَمَّ يُصَلِّي، فَدَحَا السَّيلُ فِيهِ بِالبَطْحَاءِ، حَتَّى دُفِنَ ذَلِكَ المكَانُ، الّذي كَانَ عبد الله يُصلِّي فِيهِ. (تحت سَمُرَة): -بفتح السين المهملة وضم الميم-: واحدة السَّمُر، وهو شجرُ الطَّلْح (¬2). (فدحا فيه السيل بالبطحاء): دحا -بحاء مهملة-؛ أي: دفع، يقال: دحا المطرُ الحصباءَ عن وجه الأرض؛ إي: دفعها وأزالها (¬3)، والبطحاء: ¬

_ (¬1) في "ن": "بشين مفتوحة معجمة وراء مفتوحة". (¬2) في "ع": "الطلع". (¬3) في "ع": "أو أزالها".

مَسِيلٌ (¬1) واسعٌ فيه دِقاق (¬2) الحصى. وقال الداودي: كل أرض منحدرة (¬3). وقال الخطابي: حجارة ورمل (¬4). * * * 344 - (485) - وَأَنَّ عبد الله بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى حَيْثُ المَسْجِدُ الصَّغيرُ، الَّذِي دُونَ المَسْجِدِ الَّذِي بِشَرَفِ الرَّوحاءَ، وقَدْ كَانَ عبد الله يَعْلَمُ المَكَانَ الَّذِي كانَ صَلَّى فِيهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، يَقُولُ: ثَمَّ عَنْ يَمِينِكَ، حِينَ تَقُومُ فِي الْمَسْجِدِ تُصَلِّي، وَذَلِكَ الْمَسْجِدُ عَلَى حَافَةِ الطَّرِيقِ الْيُمْنَى، وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى مَكَّةَ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ الأَكْبَرِ رَمْيَةٌ بِحَجَرٍ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ. (وقد (¬5) كان عبد الله يعلم): مضارع عَلِم، أو أَعلم. (المكان الذي صلى فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ثَمَّ عن يمينك): قال القاضي: كذا في جميع النسخ، وهو تصحيف وصوابه (¬6) بعواسج عن يمينك، فصُحِّف (¬7) بقوله: يقول ثم (¬8). ¬

_ (¬1) في "ع": "سيل". (¬2) في "ع": "دقائق". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 57). (¬4) انظر: "التوضيح" (6/ 26). (¬5) "وقد" ليست في "ج". (¬6) "وصوابه" ليست في "ن". (¬7) في "ج": "وصحف". (¬8) في "ن": "فصحف يقوله: وثم عن يمينك"، وفي "ع": "فصحف بقوله: وثم".

وذكر الحميدي هذا الحرف، فقال: تنزل (¬1) ثَمَّ عن يمينك، وكان يقول: التصحيفُ في تنزل، والإشكالُ باقٍ، والأولُ أَبينُ (¬2). (على حافة الطريق): -بحاء مهملة وفاء مخففة-؛ أي: جانبه. * * * 345 - (486) - وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي إِلَى الْعِرْقِ الَّذِي عِنْدَ مُنْصَرَفِ الرَّوْحَاءَ، وَذَلِكَ الْعِرْقُ انْتِهَاءُ طَرَفِهِ عَلَى حَافَةِ الطَّرِيقِ، دُونَ الْمَسْجِدِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُنْصَرَفِ، وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى مَكَّةَ، وَقَدِ ابْتُنِيَ ثَمَّ مَسْجِدٌ، فَلَمْ يَكُنْ عبد الله يُصَلِّي فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ، كَانَ يَتْرُكُهُ عَنْ يَسَارِهِ وَوَرَاءَهُ، ويُصَلِّي أَمَامَهُ إِلَى الْعِرْقِ نَفْسِهِ. وَكَانَ عبد الله يَرُوحُ مِنَ الرَّوْحَاءَ، فَلاَ يُصَلِّي الظُّهْرَ حَتَّى يَأْتِيَ ذَلِكَ الْمَكَانَ، فَيُصَلِّي فِيهِ الظُّهْرَ، وَاِذَا أَقْبَلَ مِنْ مَكَّةَ، فَإِنْ مَرَّ بِهِ قَبْلَ الصُّبْحِ بِسَاعَةٍ، أَوْ مِنْ آخِرِ السَّحَرِ، عَرَّسَ حَتَّى يُصَلِّيَ بِهَا الصُّبْحَ. (إلى العِرْق): -بعين مهملة مكسورة وراء ساكنة وقاف-: جبل صغير. * * * 346 - (487) - وَأَنَّ عبد الله حَدَّثَهُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَنْزِلُ تَحْتَ سَرْحَةٍ ضَخْمَةٍ، دُونَ الرُّوَيثَةِ، عَنْ يَمِينِ الطَّرِيقِ وَوِجَاهَ الطَّرِيقِ، فِي مَكَانٍ ¬

_ (¬1) في "ع": "يقول". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 131 - 132).

بَطْحٍ سَهْلٍ، حَتَّى يُفْضِيَ مِنْ أَكَمَةٍ دُوَيْنَ بَرِيدِ الرُّوَيثَةِ بِمِيلَيْنِ، وَقَدِ انْكَسَرَ أَعْلاَهَا فَانْثَنَى فِي جَوْفِهَا، وَهِيَ قَائِمَةٌ عَلَى سَاقٍ، وَفِي سَاقِهَا كُثُبٌ كَثِيرَةٌ. (تحت سرحة ضخمة): شجرة عظيمة. (دون الرُّوَيْثَة): -بضم (¬1) الراء وثاء (¬2) مثلثة على التصغير-: اسم موضع. (وُجاه): -بضم الواو وكسرها-؛ أي: تجاهه وتلقاءَهُ. [(في مكان بَطح): -بسكون الطاء المهملة-؛ أي: واسع. (حين يفضي): حين ظرف، كذا عند الجمهور] (¬3). ورواه النسفي: "حتى" حرف غاية، ونُسِبَ إلى الوهم (¬4). (دُوَيْنَ): تصغير دونَ؛ لتقريب المسافة. (بَريد): -بباء موحدة مفتوحة-، ووقع في بعض الأصول: "تريد (¬5) " من الإرادة -بتاء (¬6) مثناة-، قالوا: وهو تصحيف. (وهي (¬7) قائمة على ساق): يريد: أنها كالبنيان، ليست متسعةً من أسفل، وضيقةً من فوق. ¬

_ (¬1) في "ج": "وضم". (¬2) في "ن": "وبثاء". (¬3) ما بين معكوفتين سقط من "م". (¬4) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 179). (¬5) في "ن" و"ج": "يريد". (¬6) في "ن" و "ج": "بياء". (¬7) "وهي" ليست في "ع" و"ج".

347 - (488) - وَأَنَّ عبد الله بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى فِي طَرَفِ تَلْعَةٍ مِنْ وَرَاءِ الْعَرْجِ، وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى هَضْبَةٍ، عِنْدَ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ قَبْرَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ، عَلَى الْقُبُورِ رَضْمٌ مِنْ حِجَارَةٍ عَنْ يَمِينِ الطَّرِيقِ، عِنْدَ سَلِمَاتِ الطَّرِيقِ، بَيْنَ أُولَئِكَ السَّلِمَاتِ كَانَ عبد الله يَرُوحُ مِنَ الْعَرْجِ بَعْدَ أَنْ تَمِيلَ الشَّمْسُ بِالْهَاجِرَةِ، فَيُصَلِّي الظُّهْرَ فِي ذَلِكَ الْمَسْجدِ. (في طرف تَلْعة (¬1)): -بفتح المثناة من تحت وسكون اللام وبعين مهملة-: مجرى أعلى (¬2) الأرض إلى بطن الوادي، قاله أبو عمرو، أو: ما (¬3) ارتفع من الأرض (¬4) وما انهبط منها، قاله أبو عبيدة، وهو عنده من الأضداد (¬5). (من وراء العَرْج): -بعين مهملة مفتوحة وراء ساكنة-: منزل بطريق مكة، وإليه ينسب العَرْجِيُّ الشاعرُ، وهو: عبد الله بنُ عمرِو بنِ عثمانَ بنِ عفانَ، قاله الجوهري (¬6). (إلى هَضْبة): بهاء مفتوحة فضاد معجمة ساكنة فباء موحدة (¬7). ¬

_ (¬1) في "ع": "يلعة". (¬2) في "ج": "أهل". (¬3) في "ع": "أو أما ما". (¬4) "من الأرض" ليست في "ع". (¬5) انظر: "الصحاح" للجوهري (3/ 1192)، (مادة: تلع). (¬6) المرجع السابق (1/ 329)، (مادة: عرج). (¬7) في "ع": "بهاء مضمومة وضاد معجمة ساكنة وباء موحدة".

قال ابن فارس: هي الأكمة الملساء (¬1) القليلة النبات (¬2). وفي "الصحاح": هي الجبل المنبسط على وجه الأرض (¬3). وقيل: هي فوق الكثيب، ودون الجبل. وقيل: هي الكدية. وقيل: الصخرة الراسية الضخمة، كذا في السفاقسي. (رضْم): حجارة كبار. وفي "الصحاح": صخور عظام يُرضم بعضُها فوق بعض (¬4). السفاقسي: ورويناه -بسكون الضاد-يعني: المعجمة (¬5)، وكذا هو في اللغة. ورواه الأصيلي بفتحها. (السَّلَمات): روي: بفتح اللام؛ أي: الشجرات، وبكسرها؛ أي: الصخرات. * * * 348 - (489) - وَأَنَّ عبد الله بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَزَلَ عِنْدَ سَرَحَاتٍ عَنْ يَسَارِ الطَّرِيقِ، فِي مَسِيلٍ دُونَ هَرْشَى، ذَلِكَ الْمَسِيلُ ¬

_ (¬1) في "ج": "الملسى". (¬2) انظر: "مقاييس اللغة" (6/ 55). (¬3) انظر: "الصحاح" للجوهري (1/ 238)، (مادة: هضب). (¬4) المرجع السابق (5/ 1933)، (مادة: رضم). (¬5) في "ع" زيادة: "عقبه".

لاَصِقٌ بِكُرَاعِ هَرْشَى، بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ قَرِيبٌ مِنْ غَلْوَةٍ. وَكَانَ عبد الله يُصَلِّي إِلَى سَرْحَةٍ، هِيَ أَقْرَبُ السَّرَحَاتِ إِلَى الطَّرِيقِ، وَهْيَ أَطْوَلُهُنَّ. (هَرْشى): بالقصر على وزن دَعْوى -وشينه (¬1) معجمة-: عقبة (¬2) بقرب الجحفة. (غَلْوَة): -بغين معجمة-: رَميةُ سهم ثلثا ميل، وقيل: مئة ذراع. (السَّرَحَات): بفتحات. * * * 349 - (490) - وَأَنَّ عبد الله بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَنْزِلُ فِي الْمَسِيلِ الَّذِي فِي أَدْنىَ مَرِّ الظَّهْرَانِ قِبَلَ الْمَدِينَةِ، حِينَ يَهْبِطُ مِنَ الصَّفْرَاوَاتِ، يَنْزِلُ فِي بَطْنِ ذَلِكَ الْمَسِيلِ عَنْ يَسَارِ الطَّرِيقِ، وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى مَكَّةَ، لَيْسَ بَيْنَ مَنْزِلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وبَيْنَ الطَّرِيقِ إِلَّا رَمْيَةٌ بِحَجَرٍ. (أدنى مَرّ الظهران): -بفتح الميم وتشديد الراء-، وهو بطن مرّ، تقول العامة له (¬3): بطن مرو. * * * 350 - (491) - وَأَنَّ عبد الله بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَنْزِلُ بِذِي طُوًى، وَيَبِيتُ حَتَّى يُصْبِحَ، يُصَلِّي الصُّبْحَ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ، وَمُصَلَّى ¬

_ (¬1) في "ن": "وشين"، و "ع": "بشين". (¬2) "عقبة" ليست في "ع". (¬3) "له" ليست في "ع" و"ج".

رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَلِكَ عَلَى أكَمَةٍ غَلِيظَةٍ، لَيْسَ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي بُنِيَ ثَمَّ، وَلَكِنْ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَكَمَةٍ غَلِيظَةٍ. (بذي طَوى): قال القاضي: بفتح الطاء والواو، مقصور، وكسرَ الطاء بعضُهم، وبالكسر: قيدها الأصيلي بخطه. وبعضهم يقولها بالضم، والصواب: الفتح، وهو وادٍ بمكة. قال أبو علي: هو منونٌ على فُعَلٍ (¬1). * * * 351 - (492) - وَأَنَّ عبد الله حَدَّثَهُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَقْبَلَ فُرْضَتَيِ الْجَبَلِ، الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَبَلِ الطَّوِيلِ نَحْوَ الْكَعْبَةِ، فَجَعَلَ الْمَسْجِدَ الَّذِي بُنِيَ ثَمَّ يَسَارَ الْمَسْجِدِ بِطَرَفِ الأَكَمَةِ، وَمُصَلَّى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَسْفَلَ مِنْهُ عَلَى الأَكَمَةِ السَّوْدَاءِ، تَدَعُ مِنَ الأكَمَةِ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ أَوْ نَحْوَهَا، ثُمَّ تُصَلِّي مُسْتَقْبِلَ الْفُرْضَتَيْنِ مِنَ الْجَبَلِ الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ. (فُرضتي الجبل): تثنية فرضة، بفاء مضمومة وضاد معجمة. قال السفاقسي: هي (¬2) مدخل الطريق إليه. وقال ابن فارس وغيره: مشرعة في النهر يسيل منها. وقال الداودي: يعني بالفرضَتَين: الشقَّين المرتفعين (¬3)، إلا أنهما كبيران. ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 276). (¬2) في "ع": "هو". (¬3) في "ع": "الشفتين المرتفعتين".

وفيما ذكره البخاري في هذا الباب (¬1): الحرصُ على تحري الصلاة في الأماكن التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي فيها على وجه التبرك كما كان ابنُ عمرَ - رضي الله عنهما - يفعل، وقد ورد (¬2) أن عمر - رضي الله عنه - كان في سفر، فصلى (¬3) الغداةَ، ثم أتى على مكان، فجعل الناسُ يأتونه، فيقولون: صلَّى فيه - عليه السلام -، فقال عمر: إنما هلك أهلُ الكتاب أنهم اتبعوا آثارَ أنبيائهم فاتخذوها كنائسَ وبِيَعًا، فمن عرضتْ له الصلاةُ، فليصلِّ، وإلا فليمضِ، كذا في ابن بطال (¬4). قال ابن المنير: ومن رحمة (¬5) هذه الأمة بعلمائها حتى (¬6) جعل (¬7) اتفاقَهم رحمةً، واختلافَهم رحمةً: أن مثل هذه القضية اختلف فيها عمرُ وابنُه - رضي الله عنهما -، فحَفظ اختلافُهما على الناس أمرين عظيمين في الدين (¬8): أحدهما: اقتفاء آثاره - عليه السلام - تعظيمًا وتبركًا. والثاني: السلامة في الاتباع من الابتداع، ألا ترى عمر - رضي الله عنه - كيف نبه على أن هذه المساجد التي صلى فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - ليست من المشاعر، ولا لاحقة بالمساجد الثلاثة في التعظيم؟ فالحمدُ لله على أن علت هذه الأمة ¬

_ (¬1) "الباب" ليست في "ج". (¬2) في "ج": "وقد روي ورد". (¬3) في "ج": "فصار". (¬4) انظر: "شرح ابن بطال" (2/ 126). (¬5) في "ج": "رحمته". (¬6) "حتى" ليست في "ع". (¬7) "جعل" ليست في "ن". (¬8) في "ع": "الدارين".

باب: الصلاة إلى العنزة

في الاتباع (¬1) وما غلت، ولكن اقتدت (¬2). والله المستعان. * * * باب: الصَّلاةِ إلى العنَزَةِ 352 - (499) - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْنُ ابنُ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْهَاجِرَةِ، فَأُتِيَ بِوَضُوءٍ، فَتَوَضَّأَ، فَصَلَّى بِنَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ، وَالْمَرْأة وَالْحِمَارُ يَمُرُّونَ مِنْ وَرَائِهَا. (والمرأة والحمار): أي: وغيرهما. (يمرون من ورائها): ففيه حذف العاطف والمعطوف؛ مثل: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} [الحديد: 10]؛ أي: ومَنْ أنفق من بعده، وهذا لا بد منه في الحديث، وإلا وَجَبَ أن يُقال: يمران. * * * 353 - (500) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ بَزِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَاذَانُ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا خَرَجَ لِحَاجَتِهِ، تَبِعْتُهُ أَناَ وَغُلاَمٌ، وَمَعَنَا عُكَّازَةٌ، أَوْ عَصًا، أَوْ عَنَزَةٌ، وَمَعَنَا إِدَاوَةٌ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ، ناَوَلْنَاهُ الإدَاوَةَ. ¬

_ (¬1) في "ع": "اتباع". (¬2) في "ن" و "ع" زيادة: "واهتدت".

باب: السترة بمكة وغيرها

(ومعنا عُكّازة): بضم العين المهملة (¬1) وتشديد الكاف وبعد الألف زاي. قال ابن المنير: وفيه دليل حسن للصوفية على اتخاذ العكاز، وما أرى أوائلهم نَحَوْا إلا هذا النَّحْو، ثم اتبعهم (¬2) عوامهم فيه. * * * باب: السُّتْرَةِ بِمَكَّةَ وَغَيْرِهَا (باب: السترة بمكة وغيرها): ذكر مكة خصوصًا رفعًا لوهم من يتوهم أن السترة قبلة، فلا ينبغي أن تُتخذ بمكة؛ إذ لا ينبغي (¬3) أن يكون بمكةَ قبلةٌ إلا الكعبة. قاله ابن المنير أيضًا. * * * باب: الصَّلاَةِ إِلَى الأُسْطُوَانَةِ وَقَالَ عُمَرُ: الْمُصَلُّونَ أَحَقُّ بِالسَّوَارِي مِنَ الْمُتَحَدِّثِينَ إِلَيْهَا. وَرَأَى عُمَرُ رَجُلًا يُصَلِّي بَيْنَ أُسْطُوَانَتَيْنِ، فَأَدْناَهُ إِلَى سَارِيَةٍ، فَقَالَ: صَلِّ إِلَيْهَا. (ورأى ابن عمر (¬4) رجلًا يصلي بين أسطوانتين (¬5)): هو قرةُ والدُ ¬

_ (¬1) "المهملة" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "اتبعوهم". (¬3) في "ع": "بمكة ولا ينبغي". (¬4) كذا في أبي ذر الهروي والأصيلي وغيرهما، وفي رواية ابن عساكر: "عمر"، وهي المعتمدة في النص. (¬5) في "ج": "الإسطوانتين".

معاويةَ بنِ قرةَ (¬1)، كما أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (¬2). فالأُسطُوانة (¬3) -بضم الهمزة والطاء المهملة-: السارية (¬4)، ونونها أصلية، فهي أُفعُوالة كأُقحُوانة؛ بدليل أنه يقال في جمعه: أساطين، لا أساطي، كذا في الزركشي (¬5)، وفيه نظر. (فأدناه إلى سارية، فقال: صل إليها): كأنه فعل ذلك حذرًا من تقطيع الصفوف. ابن المنير: وفيه غائلة أخرى، وهي أن ما بين الأساطين مرفقٌ (¬6) لوضع نعال المصلين، وسَلِمت الصلاةُ بين الأسطوانتين (¬7) في الكعبة من الأمرين؛ لأنها لا يكون هناك صفوف مؤتمين (¬8)، ولا تُدْخَل بالنعال، فإذا حوجيتَ، فقيل لك: أين تصلي بين الأساطين (¬9) بلا كراهة ولا شرط؟ فقل: بين أساطين الكعبة. * * * ¬

_ (¬1) ابن قرة: ليست في "ع". (¬2) رواه ابن أبي شيبة (7502). (¬3) في "ن" و "ع": "والأسطوانة". (¬4) في "ن": "هي السارية". (¬5) انظر: "التنقيح" (1/ 172). (¬6) في "ع": "مرتفق". (¬7) في "ع": "لوضع نعال المصلين، والصلاة بين الأسطوانة". (¬8) "مؤتمين" ليست في "ع". (¬9) في "ج": "الأسطوانتين".

باب: الصلاة بين السواري في غير جماعة

باب: الصَّلاة بين السَّواري في غير جماعةٍ 354 - (504) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جُويرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْبَيْتَ، وَأسُامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، وَبِلاَلٌ، فَأَطَالَ، ثُمَّ خَرَجَ، كُنْتُ أَوَّلَ النَّاسِ دَخَلَ عَلَى أَثَرِهِ، فَسَأَلْتُ بِلاَلًا: أَيْنَ صَلَّى؟ قَالَ: بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْمُقَدَّمَيْنِ. (إِثْره): بهمزة مكسورة فثاء مثلثة ساكنة، ويقال بفتحهما. * * * 355 - (505) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عبد الله بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ الْكَعْبَةَ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَبِلاَلٌ، وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ الْحَجَبِيُّ، فَأَغْلَقَهَا عَلَيْهِ، وَمَكَثَ فِيهَا، فَسَأَلْتُ بِلاَلًا حِينَ خَرَجَ: مَا صَنَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: جَعَلَ عَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ، وَعَمُودًا عَنْ يَمِينهِ، وَثَلاَثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ، وَكَانَ الْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ، ثُمَّ صَلَّى. وَقَالَ لَنَا إِسْمَاعِيلُ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، وَقَالَ: عَمُودَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ. (الحَجَبي): -بفتحتين-: نسبة إلى حِجابة الكعبة. (ومكُث): بضم الكاف وفتحها. * * * باب 356 - (506) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ،

باب: الصلاة إلى الراحلة والبعير والشجر والرحل

قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عبد الله كَانَ إِذَا دَخَلَ الْكَعْبَةَ، مَشَى قِبَلَ وَجْهِهِ حِينَ يَدْخُلُ، وَجَعَلَ الْبَابَ قِبَلَ ظَهْرِهِ، فَمَشَى حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجدَارِ الَّذِي قِبَلَ وَجْهِهِ قَرِيبًا مِنْ ثَلاَثَةِ أَذْرُعٍ، صَلَّى، يَتَوَخَّى الْمَكَانَ الَّذِي أَخْبَرَهُ بِهِ بِلاَلٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى فِيهِ. قَالَ: وَلَيْسَ عَلَى أَحَدِناَ بَأْسٌ، إِنْ صَلَّى فِي أَيِّ نَوَاحِي الْبَيْتِ شَاءَ. (أبو ضَمْرة): بضاد مفتوحة فميم ساكنة. (فمشى حتى يكون بينه وبين الجدار الذي قبل وجهه قريب من ثلاثة أذرع): قريب -بالرفع- اسمُ يكون، والظرف المقدَّم خبرُها، ويقع في بعض النسخ: "قريبًا" -بالنصب-، وخطأه الزركشي (¬1). قلت: يمكن أن يكون (¬2) على حذف الموصول وبقاء صلته؛ أي: حتى يكون الذي بينه (¬3)، ولكنه (¬4) ليس بمقيس. (يتوخى): -بخاء معجمة-؛ أي: يقصد. * * * باب: الصلاةِ إلى الرَّاحلةِ والبعير والشَّجَرِ والرَّحْلِ 357 - (507) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ عبيد الله، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ كَانَ يُعَرِّضُ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 172). (¬2) "يكون" ليست في "ن". (¬3) في "ن": "يليه". (¬4) في "ج": "ولكن".

رَاحِلَتَهُ، فَيُصَلِّي إِلَيْهَا، قُلْتُ: أفرَأَيْتَ إِذَا هَبَّتِ الرِّكَابُ؟ قَالَ: كَانَ يَأْخُذُ هَذَا الرَّحْلَ فَيُعَدِّلُهُ، فَيُصَلِّي إِلَى آخِرَتِهِ، أَوْ قَالَ: مُؤَخَّرِهِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَفْعَلُهُ. (يَعرض (¬1)): -بفتح أوله-؛ أي: يجعلها (¬2) عرضًا في قبلته، وقيل بضم الأول. قال (¬3) القاضي: والأولُ أوجَهُ. ويقال: عرض (¬4) العودَ على الإناء يعرِضه ويعرُضه (¬5)، بضم (¬6) راء (¬7) المضارع وكسرها (¬8). (هبّت الركاب): -بتشديد الموحدة-: تحركت واضطربت. (إلى آخِرته): بالمد وكسر الخاء المعجمة. (أو قال: مؤخَّره): بالهمز (¬9) وتشديد الخاء وفتحها، المراد بكل منهما: ما يستدبرُه الراكبُ من الرحل، والأفصحُ الآخِرَة. * * * ¬

_ (¬1) في "ن": "فعرض". (¬2) في "ن" و "ج": "بفتحها". (¬3) في "ع": "قاله". (¬4) في "ع": "أعرض". (¬5) "ويعرضه" ليست في "ن". (¬6) في "م": "وبضم". (¬7) في "ع": "ياء". (¬8) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 74). (¬9) في "ن" و "ع" و "ج": "بالهمزة".

باب: الصلاة إلى السرير

باب: الصَّلاةِ إلى السَّريرِ 358 - (508) - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَعَدَلْتُمُوناَ بِالْكَلْبِ وَالْحِمَارِ؟ لَقَدْ رَأَيْتُنِي مُضْطَجعَةً عَلَى السَّرِيرِ، فَيَجيءُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَيَتَوَسَّطُ السَّرِيرَ، فَيُصَلِّي، فَأَكْرَهُ أَنْ أُسَنِّحَهُ، فَأَنْسَلُّ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيِ السَّرِيرِ، حَتَّى أَنْسَلَّ مِنْ لِحَافِي. (فأكره أن أَسْنِحه): -بهمزة مفتوحة وسين مهملة ساكنة ونون مكسورة- في رواية، مفتوحة (¬1) في رواية أخرى، والمعروف في اللغة (¬2) الفتحُ؛ أي (¬3): أكره أن أستقبله ببدني في صلاته؛ من سنحَ الشيءُ لي: إذا عرض (¬4)، ومنه السانحُ ضدُّ البارِحِ، والسانحُ: هو الذي يمرُّ من مَياسِرِك إلى ميامنك، ويمكنك رميه، والبارِحُ لا يمكن (¬5) أن ترميه حتى تنحرفَ إليه، والعربُ تتيمن بالسانح، وتتشاءم بالبارح، وقال رُؤْبَةُ: السانحُ ما ولاك (¬6) ميامنه. . . [والبارح ما ولاك (¬7) مياسره] (¬8) ¬

_ (¬1) "في رواية مفتوحة" ليست في "ن" و"ع". (¬2) "اللغة" ليست في "ج". (¬3) في "ج": "أني". (¬4) في "ج": "أعرض". (¬5) في "ع": "يمكنك". (¬6) في "ن": "والاك". (¬7) في "ج": "والاك". (¬8) ما بين معكوفتين سقط من "ن".

باب: يرد المصلي من مر بين يديه

باب: يَرُدُّ الْمُصَلِّي مَنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَرَدَّ ابْنُ عُمَرَ فِي التَّشَهُّدِ، وَفِي الْكَعْبَةِ، وَقَالَ: إِنْ أَبَى إِلَّا أَنْ تُقَاتِلَهُ، فَقَاتِلْهُ. (إن أبي إلا أن تقاتلَه، فقاتلْه): الواقع بعد الفاء فعل أمر من القتال، فلامه ساكنة، وفي بعض النسخ: بلا فاء، فهو فعل ماض، فلامه مفتوحة، والمراد: أن يدفعه دفعًا شديدًا يشبه دفع المقاتل. 359 - (509) - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ: أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. وَحَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلاَلٍ الْعَدَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ يُصَلِّي إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، فَأَرَادَ شَابٌّ مِنْ بَنِي أَبِي مُعَيْطٍ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَدَفَعَ أَبُو سَعِيدٍ فِي صَدْرِهِ، فَنَظَرَ الشَّابُّ فَلَمْ يَجدْ مَسَاغًا إِلَّا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَعَادَ لِيَجْتَازَ، فَدَفَعَهُ أَبُو سَعِيدٍ أَشَدَّ مِنَ الأُولَى، فَنَالَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى مَرْوَانَ، فَشَكَا إِلَيْهِ مَا لَقِيَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَدَخَلَ أَبُو سَعِيدٍ خَلْفَهُ عَلَى مَرْوَانَ، فَقَالَ: مَا لَكَ وَلاِبْنِ أَخِيكَ يَا أَبَا سَعِيدٍ؟ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقُولُ: "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلْيَدْفَعْهُ، فَإِنْ أَبَى، فَلْيُقَاتِلْهُ؛ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ". (فأراد شابٌّ من بني أبي مُعيط): قال الخطيب: هو عبدُ الرحمنِ بنُ الحارثِ بنِ هشامٍ المخزومي، وهذا مردود؛ لأن عبدَ الرحمن ليس من

باب: إثم المار بين يدي المصلي

بني (¬1) أبي معيط (¬2). وفي النسائي: عن أبي سعيد الخدري (¬3): "أنه كان يصلي، فإذا بابنٍ لمروانَ (¬4) يمرُّ بينَ يديه، فَدَرَأَه"، وذكر الحديث (¬5)، ونبه ابن الجوزي على أن هذا الابن اسمه داود (¬6). (فإنما هو شيطان): أي: فِعلُه فِعلُ الشيطان (¬7)، ويحتمل أن الشيطان معه، وحاملٌ له على ذلك الفعل. * * * باب: إثمِ المارِّ بين يدي المصلِّي 360 - (510) - حَدَّثنَا عبد الله بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرناَ مَالِكٌ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، مَوْلَى عُمَرَ بنِ عبيد الله، مَوْلَى بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ: أَنَّ زَيدَ بْنَ خَالِدٍ أَرْسَلَهُ إِلَى أَبِي جُهَيْمِ، يَسْأَلُهُ: مَاذَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي؟ فَقَالَ أَبُو جُهَيْمِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ، لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ". قَالَ أَبُو النَّضْرِ: لاَ أَدْرِي، أَقَالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، أَوْ شَهْرًا، أَوْ سَنَةً. ¬

_ (¬1) "بني" ليست في "ج". (¬2) في "ع": "ليس ابن أبي معيط". (¬3) في "ع": "عن أبي عبد الرحمن السلمي". (¬4) في "ج": "مروان". (¬5) رواه النسائي (4862). (¬6) انظر: "التوضيح" (6/ 60). (¬7) في "ن" و"ع": "شيطان".

باب: التطوع خلف المرأة

(لكان أن يقف أربعين خيرًا له): الزركشي: بالنصب على الخبر، وبالضم على الاسم (¬1). قلت: مر في مثله بحث، فراجعه. * * * باب: التطوُّعِ خلفَ المرأةِ 361 - (513) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عبيد الله، عَنْ أَبي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهَا قَالَتْ: كنْتُ أَناَمُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَرِجْلاَيَ فِي قِبْلَتِهِ، فَإِذَا سَجَدَ، غَمَزَنِي، فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ، فَإِذَا قَامَ، بَسَطْتُهُمَا، قَالَتْ: وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ. (غمزني): أي: طعن بإصبعه فيّ لأقبض رجلي من قبلته، وقيل: أشار إلي. * * * باب: مَنْ قَال: لا يقطعُ الصلاةَ شيءٌ 362 - (514) - حَدَّثَنا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، قَالَ: حَدَّثَنا أَبِي، قَالَ: حَدَّثنا الأَعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثَنا إِبراهيمُ، عَن الأَسودِ، عَن عَائِشَةَ. قَالَ الأَعْمَشُ: وَحَدَّثَنِي مُسْلِمٌ، عَن مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ: ذُكِرَ عِنْدَهَا مَا يَقْطَعُ الصَّلاَةَ: ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 173).

الْكَلْبُ، وَالْحِمَارُ، وَالْمَرْأة، فَقَالَتْ: شَبَّهْتُمُوناَ بِالْحُمُرِ وَالْكِلاَبِ؟! وَاللَّهِ! لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي، وَإِنِّي عَلَى السَّرِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ مُضْطَجعَةً، فَتَبْدُو لِي الْحَاجَةُ، فَأَكْرَهُ أَنْ أَجْلِسَ، فَأُوذِيَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَنْسَلُّ مِنْ عِنْدِ رِجْلَيْهِ. (فقالت: شبهتمونا بالحمر والكلاب؟!): قال ابن مالك: المشهورُ تعديةُ شَبَّهَ إلى مُشَبَّهٍ (¬1) ومُشَبَّهٍ به، دونَ باءٍ؛ كقول امرئ القيس: فَشَبَّهْتُهُمْ في الآلِ لَمَّا تَكَمَّشُوا (¬2). . . حَدائِقَ دَوْمٍ أَوْ سَفِينًا (¬3) مُقَيَّرَا [ويجوز أن يُعدَّى إلى الثاني بالباء، ومنه قول عائشة هذا] (¬4). وقول الشاعر: وَلَهَا مَبْسِمٌ (¬5) يُشَبَّهُ بِالإِغْـ ... ـرِيضِ بَعْدَ الهُدُوءِ عَذْبُ المَذَاقِ وقد كان بعض المعجبين بآرائهم يخطِّئ سيبويهِ وغيرَه من أئمة العربية في قولهم: شبه كذا بكذا، ويزعم أنه لحن، وليس زعمُه صحيحًا، بل سقوط الباء وثبوتها جائزان، وسقوطها (¬6) أشهر في كلام القدماء، وثبوتها لازم في عرف العلماء (¬7). ¬

_ (¬1) في "ع": شبه. (¬2) في "ع": "يلبسوا". (¬3) في "ع": "سفيرًا". (¬4) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬5) في "ن": "ميسم". (¬6) في "ع": فسقوطها. (¬7) انظر: "شواهد التوضيح" لابن مالك (ص: 95).

باب: إذا حمل جارية صغيرة على عنقه في الصلاة

باب: إِذَا حَمَلَ جَارِيَةً صَغِيرَةً عَلَى عُنُقِهِ فِي الصَّلاَةِ (باب: إذا حمل جارية صغيرة على عنقه): قال ابن المنير: لم يترجم عليها بقيدِ كونها ذاتَ محرم، ولا يفيد كون الحامل مصليًا، وعلى ذلك المذهبُ: أن مباشرة الصغيرة بالحمل والمس (¬1) ونحو ذلك لا يخص (¬2) ذا المحرم. وقد استُفتي الشيخُ الورعُ الكبيرُ الكباريُّ (¬3) في رُقية صغيرة مبطولةٍ بالمسح عليها من غير ذي المحرم (¬4)، فأفتى بجواز ذلك، فرقاها، فقدَّر الله شفاءها، ولعل ذلك ببركة الورع وحسن الاقتداء. وإليه أشار البخاري في إطلاق الترجمة حيث أثبت أن (¬5) ذا المحرم وغيره سواء. 363 - (516) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عبد الله بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمِ الزُّرَقِيِّ، عَنْ أَبي قتادَةَ الأَنْصَارِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي، وَهْوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلأَبِي الْعَاصِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، فَإِذَا سَجَدَ، وَضَعَهَا، وَإِذَا قَامَ، حَمَلَهَا. ¬

_ (¬1) في "ج": "اللمس". (¬2) في "ع": "يختص". (¬3) في "ن": "الكناري". (¬4) في "ن": "محرم بذي"، وفي "ج": "محرم". (¬5) في "م" و"ن": "حتى ثبت على أن"، و"ج": "حتى ثبت أن"، والمثبت من "ع".

باب: إذا صلى إلى فراش فيه حائض

(وهو حاملٌ أمامةَ): يجوز (¬1) في "حامل" التنوينُ، وتركُه (¬2) للإضافة، ويظهر أثر ذلك في قوله: بنت زينب، فيجوز فيها: الفتح والكسر، بالاعتبارين. قال الزركشي: وأما بنت (¬3) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبالكسر خاصة (¬4). قلت: يريد: لأنها صفةٌ لزينبَ، وهي مجرورة قطعًا، فإن ثبتت الرواية كما قال، فلا كلامَ، وإلا، فمقتضى العربية جوازُ القطع بوجهين رفعًا ونصبًا. (وهي لأبي (¬5) العاص بن ربيعة بن عبد شمس): صهرُ النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا إنما هو أبو العاصِ بنُ الربيع، لا ابنُ ربيعة كما في الأصل، كذا قاله غير واحد (¬6). * * * باب: إذا صلَّى إلى فراشٍ فيه حائِضٌ 364 - (517) - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ ¬

_ (¬1) في "ن": "بجواز". (¬2) في "ع": "وغيره". (¬3) "بنت" ليست في "ن". (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 174). (¬5) نص البخاري: "ولأبي". (¬6) انظر: "التوضيح" (6/ 78).

باب: المرأة تطرح عن المصلي شيئا من الأذى

الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عبد الله بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ، قَالَ: أَخْبَرَتْنِي خَالَتِي مَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ، قَالَتْ: كَانَ فِرَاشِي حِيَالَ مُصَلَّى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَرُبَّمَا وَقَعَ ثَوْبُهُ عَلَيَّ وَأَناَ عَلَى فِرَاشِي. (ابن زُرارة): بزاي مضمومة وراءين (¬1) بينهما ألف. (هشيم): بياء مخففة، مصغَّر. (الشيباني): بشين معجمة. * * * باب: المرأةِ تطرحُ عن المصلِّي شيئًا من الأذى 365 - (520) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ السُّورَمَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عبيد الله بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عبد الله، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قائِمٌ يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبةِ، وَجَمْعُ قُرَيْشٍ فِي مَجَالِسِهِمْ، إِذْ قَالَ قَائِل مِنْهُمْ: أَلاَ تَنْظُرُونَ إِلَى هَذَا الْمُرَائِي؟ أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَى جَزُورِ آلِ فُلاَنٍ، فَيَعْمِدُ إِلَى فَرْثِهَا وَدَمِهَا وَسَلاَهَا، فَيَجيءُ بِهِ، ثُمَّ يُمْهِلُهُ، حَتَّى إِذَا سَجَدَ، وَضَعَهُ بَيْنَ كتِفَيْهِ؟ فَانْبَعَثَ أَشْقَاهُمْ، فَلَمَّا سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَضَعَهُ بَيْنَ كتِفَيْهِ، وَثَبَتَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَاجِدًا، فَضَحِكُوا حَتَّى مَالَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ مِنَ الضَّحِكِ، فَانْطَلَقَ مُنْطَلِق إِلَى فَاطِمَةَ -عَلَيْهَا السَّلاَمُ-، وَهْيَ جُويرِيَةٌ، فَأَقْبَلَتْ تَسْعَى، وَثَبَتَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَاجِدًا، حَتَّى ألْقَتْهُ عَنْهُ، وَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَسُبُّهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) في "ن" زيادة: "مهملتين".

الصَّلاَةَ، قَالَ: "اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ"، ثُمَّ سَمَّى: "اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِعَمْرِو بْنِ هِشَامٍ، وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَليدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبي مُعَيْطٍ، وَعُمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ". قَالَ عبد الله: فَوَاللَّهِ! لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ، ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ، قَلِيبِ بَدْرٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَأُتْبعَ أَصْحَابُ الْقَلِيبِ لَعْنَةً". (فيعمِد): -بكسر الميم-؛ أي: يقصد. (حتى ألقته عنه): إنما أتى به البخاري هنا؛ لأنها لما ألقته عنه، لم تقصد إلى أخذ ما على ظهره من ورائه، كما لم تقصد إلى أخذه من أمامه، بل تتناوله (¬1) من حيث أمكن، وهذا أبلغ في (¬2) مرورها بين يديه، هكذا قيل. (اللهم عليك بقريش): إما على حذف المضاف، أو الصفة؛ أي: كفارِ قريشٍ، أو قريشٍ الكفارِ. (وعمارة بن الوليد): هذا مُشكل مع قوله: "فوالله! لقد رأيتُهم صرعى يوم بدر"؛ فإن المعروف عند الأخباريين أن عُمارة لم يحضر بدرًا، وأنه (¬3) توفي بجزيرةٍ بأرضِ الحبشة، ويذكرون أن النجاشي نفخ في إحليله سحرًا لتهمةٍ لحقته عنده، فهام على وجهه مع الوُحُش. ¬

_ (¬1) في "ن" و "ج": "يتناوله". (¬2) في "ع" و "ج": "من". (¬3) في "ع": "وإنما".

باب: مواقيت الصلاة وفضلها وقوله: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} [النساء: 103]، وقته عليهم

(ثم سُحبوا إلى القليب): أي: جُرُّوا إلى القليب، وهي البئرُ قبل أن تُطْوَى. وقال أبو عبيد: هي البئر العادية القديمة (¬1). (قليبِ بدر): بالجر على أنه بدل، ويجوز رفعه ونصبه. * * * باب: مَوَاقِيتِ الصَّلاَةِ وَفَضْلِهَا وَقَوْلِهِ: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103]، وَقَّتَهُ عَلَيْهِمْ (مواقيت الصلاة): هي جمع ميقات، وهو الوقتُ المضروب (¬2) للفعل، والموضعُ، يقال: هذا ميقاتُ أهل الشام للموضع الذي يُحرمون منه، كذا في "الصحاح" (¬3). (وقّته عليهم): قال السفاقسي: رويناه بالتشديد، وهو في اللغة بالتخفيف، ويدل عليه قوله تعالى: {موقُوتًا} [النساء: 103]؛ إذ لو كان مشددًا، لكان مُوَقَّتًا. قلت: في "الصحاح": والتوقيت: تحديد الأوقات، تقول: وَقَّتُّهُ ليوم كذا، مثل أَجَّلْتُه (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: "غريب الحديث" له (1/ 283). (¬2) في "ج": "المعلوم". (¬3) انظر: (1/ 269)، (مادة: وقت). (¬4) انظر: (1/ 270) منه.

366 - (521) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ مَسْلَمَةَ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَّرَ الصَّلاَةَ يَوْمًا، فَدَخَلَ عَلَيْهِ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، فَأَخْبَرَهُ: أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَخَّرَ الصَّلاَةَ يَوْمًا، وَهْوَ بِالْعِرَاقِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا مُغِيرَةُ؟! أَلَيسَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ جِبْرِيلَ - صلى الله عليه وسلم - نَزَلَ فَصَلَّى، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ صَلَّى، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ صَلَّى، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ صَلَّى، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ صَلَّى، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَالَ: "بِهَذَا أُمِرْتُ"؟ فَقَالَ عُمَرُ لِعُرْوَةَ: اعْلَمْ مَا تُحَدِّثُ، أَوَ إِنَّ جِبْرِيلَ هُوَ أَقَامَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقْتَ الصَّلاَةِ؟ قَالَ عُرْوَةُ: كَذَلِكَ كَانَ بَشِيرُ بْنُ أَبي مَسْعُودٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ. (أليس قد علمت): كذا الرواية، قال الزركشي: والأفصح: ألست (¬1). قلت: تَبِع فيه ابنَ السِّيْد في "تعليقه على غريب الموطأ"، ونصه: هكذا جاءت الرواية، وهي جائزة، إلا أن المشهور في الاستعمال (¬2) الفصيح: ألستَ، للمخاطب؛ فإنما (¬3) يقال: أليس، للغائب. انتهى. وهو متعقَّب، فإنه يوهم جوازَ استعمال مثل هذا التركيب، مع إرادة أن يكون ما دخلت ليس (¬4) عليه ضميرَ المخاطب، وليس كذلك، بل هما تركيبان مختلفان يُستعمل كلٌّ منهما في مقام خاص، فإن أريد إدخالُ ليس ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 176). (¬2) في "ع": "في تعليق الاستعمال"، وفي "ج": "تعليقه الاستعمال". (¬3) في "ن" و "ع": "وإنما". (¬4) "ليس" ليست في "ج".

على ضمير المخاطب، تعين: ألستَ قد علمتَ، وإن أُريد إدخالها على (¬1) ضمير الشأن مخبرًا عنه بالجملة التي أسند فعلُها إلى المخاطب، تعين: أليسَ قد علمتَ، وليس أحدُهما بأفصحَ من الآخر، فتأمله. (نزل، فصلى (¬2) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -): يحتمل من حيث اللفظ أن يكون صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد فراغ (¬3) جبريل، لكن ثبت من خارج: أنه صلى معه، وجبريلُ الإمامُ. وأخذ ابن العربي منه جوازَ صلاة المفترِض خلفَ المتنفِّل (¬4). قلت: يحتمل أن يكون الله تعالى كلَّف جبريلَ - عليه السلام - إبلاغَ ذلك بالقول، وبيانَه بالفعل، فتكون الصلاة المذكورة فرضًا على جبريل أيضًا، لا سيما على رواية: "بهذا أُمِرْتُ". وقيل: هذا الحديث يعارض حديثَ إمامةِ جبريلَ لكل صلاة وقتينِ في يومينِ، إذ لو صحَّ، لم يكن لاحتجاج (¬5) عروةَ على عمرَ معنى؛ لأن عمر (¬6) أخرها إلى الوقت الآخر، فاحتجاجُ عروة يدل على أنه إنما صلى به في وقت واحد. ¬

_ (¬1) في "ج": "إدخال ليس على ضمير المخاطب تعين: ألستَ قد علمتَ، وإن أريد إدخال الهاء على". (¬2) "فصلى" ليست في "ج". (¬3) في "ج": "صلاة". (¬4) انظر: "عارضة الأحوذي" (1/ 258). وانظر: "التوضيح " (6/ 97). (¬5) في "ج": "الاحتجاج". (¬6) "معنى لأن عمر" ليست في "ع".

باب: البيعة على إقام الصلاة

(بهذا أمرتَ): -بفتح التاء- عند الأكثر؛ أي: شُرع لك (¬1)، وتروى بالضم؛ أي: أُمِرْتُ أنا أن أصلي بك (¬2). (أوَ إن جبريل): -بفتح الواو- على أنها عاطفة، والهمزة قبلها للاستفهام، وإِنَّ: بكسر الهمزة، وهو الأظهر، وجعله ابنُ السِّيْد متحتمًا، وليس كذلك، فقد رُويت بالفتح، على تقدير: أوَعلمتَ، أوَبَلغَكَ (¬3). * * * 367 - (522) - قَالَ عُرْوَةُ: وَلَقَدْ حَدَثَتْنِي عَائِشَةُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي الْعَصْرَ، وَالشَّمْسُ فِي حُجْرتهَا قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ. (قبل أن تظهر): أي: تخرج وترتفع. قال ابن السِّيد: والفقهاء يقولون: معناه: قبل أن يظهر الظلُّ على الجدار، والأولُ أليقُ بالحديث؛ لأن ضمير تظهر عائدٌ إلى الشمس، ولم يتقدم للظل في الحديث ذكر. * * * باب: البَيعةِ على إقامِ الصَّلاةِ 368 - (524) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسٌ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عبد الله، قَالَ: بَايَعْتُ ¬

_ (¬1) "لك" ليست في "ج". (¬2) في "ج": "لك". (¬3) في "ج": "أوبلغت".

باب: الصلاة كفارة

رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْح لِكُلِّ مُسْلِمٍ. (والنصح لكل مسلم): نَصٌّ لجريرٍ على ذلك في مبايعته؛ لأنه كان سيدَ بَجِيلةَ، وقائدَهم، فالحاجةُ إلى نصيحته آكدُ؛ بخلاف وفدِ عبدِ القَيْس (¬1). * * * باب: الصَّلاةِ كفارةٌ 369 - (525) - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنا يَحيَى، عَنْ الأَعْمَشِ، قَالَ: حَدَّثَنا شَقِيقٌ، قَالَ: سَمِعْتُ حُذَيفةَ، قَالَ: كنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عُمَر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، فَقَال: أَيُّكُمُ يَحْفَظُ قَولَ رسولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - في الْفِتْنَةِ؟ قُلْتُ: أَناَ، كَمَا قَالَهُ. قَالَ: إِنَّكَ عَلَيْهِ -أَوْ عَلَيْهَا- لَجَرِيءٌ، قُلْتُ: "فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ، تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصَّوْمُ وَالصَّدَقَةُ وَالأَمْرُ وَالنَّهْيُ"، قَالَ: لَيْسَ هَذَا أُرِيدُ، وَلَكِنِ الْفِتْنَةَ الَّتِي تَمُوجُ كمَا يَمُوجُ الْبَحْرُ، قَالَ: لَيْسَ عَلَيْكَ مِنْهَا بَأْسٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا، قَالَ: أَيُكْسَرُ أَمْ يُفْتَحُ؟ قَالَ: يُكْسَرُ، قَالَ: إِذًا لاَ يُغْلَقَ أَبَدًا، قُلْنَا: أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ الْبَابَ؟ قَالَ: نَعَمْ، كمَا أَنَّ دُونَ الْغَدِ اللَّيْلَةَ، إِنِّي حَدَّثْتُهُ بِحَدِيثٍ لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ. فَهِبْنَا أَنْ نسأَلَ حُذَيْفَةَ، فَأَمَرْناَ مَسْرُوقًا فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: الْبَابُ عُمَرُ. (إنك عليه): أي: على التحديث بقوله - عليه السلام -. (أو عليها): أي: على الرواية. ¬

_ (¬1) في "ج": "قيس".

(لجريء): على زنة فَعيل، أولُه جيم، وآخره همزة (¬1)؛ أي: جَسورٌ مِقْدام، قال ذلك على جهة الإنكار؛ لأنه ادعى علمًا غريبًا عميقًا. (فتنةُ الرجل في أهله وماله وولده): باعتبار (¬2) ما يعرض (¬3) له من حوادث الشر. (ولكنِ الفتنةَ): منصوب بفعل محذوف؛ أي: أعني الفتنةَ الكبرى الكاملة (¬4)، وإنما قال أولًا: أيكم يحفظ قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الفتنة (¬5)، وظاهره العموم، لكنه (¬6) لم يرده، وإنما أراد الفتنةَ التي فسرها أخيرًا، ففيه جوازُ إطلاقِ العام وإرادةِ الخاص، ولا سيما مع القرائن، وكان الأداة لاستغراق خصائص الجنس. (إن بينك وبينها بابًا مغلقًا): اسم مفعول من أُغْلِق رباعيًّا. وقيل: إن عمر - رضي الله عنه - لما رأى الأمرَ كاد يتغير، سأل عن الفتنة التي كانت بعده؛ خوفًا أن (¬7) يدركها، مع أنه علم البابَ الذي (¬8) تكون الفتنةُ بعدَ كسره، لكنه من شدة الخوف خشي أن يكون نسي، فسأل مَنْ ذَكَره. ¬

_ (¬1) في "ع": "همز". (¬2) في "ن" و"ع": "أي: باعتبار". (¬3) في "ع" و"ج": "ما يحدث". (¬4) في "ع": "الكامل". (¬5) "في الفتنة" ليست في "ع". (¬6) في "ن": "ولكنه". (¬7) في "ع": "من أن". (¬8) في "ع": "التي".

(قال: يكسر): أي تُقتل، ولا تموت بدون قتل. (قال: إذًا لا يغلق أبدًا): لأن الإغلاق إنما يكون في الصحيح، وأما الكسر، فهو هتكٌ لا يُجبر، و"إذن" هذه (¬1) هي الناصبة، وفي كتابتها بالنون خلاف، ويغلقَ (¬2) منصوب بها لتوفر ما اشترط في عملها؛ من تصديرها، واستقبال الفعل، واتصاله بها، أو انفصالِه عنها بالقسم، أو بلا النافية. (أكان عمر يعلم الباب؟ قال: نعم): قيل: وإنما علمه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان على حراء هو (¬3) وأبو بكر وعمر وعثمان، فقال: "إِنَّما عَلَيْكَ نبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ" (¬4). (ليس بالأغاليط): جمع أُغْلوطة، وهو ما يُغْلَط به من المسائل. (فهِبنا (¬5)): -بهاء مكسورة-؛ من المهابة. * * * 370 - (526) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ مِنَ امْرَأَةٍ قُبْلَةً، فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخْبَرَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114]. فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَلِي هَذَا؟ قَالَ: "لِجَمِيعِ أُمَّتِي كلِّهِمْ". ¬

_ (¬1) "هذه" ليست في "ج". (¬2) في "ج": "تعلق". (¬3) في "ن": "وهو". (¬4) رواه البخاري (3675) عن أنس بن مالك رضي الله عنه. (¬5) في "ن": "وهبنا".

(النَّهْدِي): بفتح النون (¬1). (أن رجلًا أصابَ من امرأة قُبلة): هو أبو اليسر كعبُ بنُ مالكٍ كما أخرجه النسائي والترمذي (¬2)، وقيل: نبهان التمار (¬3)، وقيل: عمرو (¬4) بنُ غزيَّةَ، ويقال: إن هذا الثالث اسمُه زيدٌ، وكنيتُه أبو عمرٍو، نقله الطبراني. وقيل: إن الرجل هو ابنُ مُعَتِّبٍ (¬5) رجلٌ من الأنصار، ذكره ابنُ (¬6) أبي خَيْثَمَة. وقيل: هو أبو مقيل (¬7) عامرُ بنُ قيسٍ الأنصاريُّ، حكاه مقاتل. وقيل: عبادٌ، حكاه القرطبي (¬8). (فقال الرجل): اللام فيه للعهد الذِّكْرِي، فيجيء في تعيينه [الخلافُ السابق، وجاء في رواية أخرى: "فقالَ رجلٌ من القوم" (¬9). ¬

_ (¬1) "النون" ليست في "ن". (¬2) رواه الترمذي (3115)، والنسائي في "السنن الكبرى" (7327) عن أبي اليسر رضي الله عنه. (¬3) في "ع": "عمر نبهان التمار". (¬4) في "ع" و"ج": "عمر". (¬5) في "ع": "معقب". (¬6) "ابن" ليست في "ج". (¬7) في "ن" و"ع": "مقبل". (¬8) انظر: "التوضيح" لابن الملقن (6/ 116). (¬9) رواه مسلم (2763).

باب: فضل الصلاة لوقتها

وذكر ابن الجوزي في تعيينه] (¬1) ثلاثة أقوال عزاها إلى الخَطيب: قيل: عمر بن الخَطَّاب، وقيل: أبو اليسر (¬2)، وقيل: معاذ بن جبل (¬3). (قال: لجميع أمتي): انظر هل فيه دليل على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؟ * * * باب: فَضْلِ الصَّلَاةِ لِوَقْتِهَا (باب: فضل الصلاة لوقتها): الزركشي: اللام فيه للتأقيت بمعنى (¬4) عند؛ كقوله تعالى: {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] (¬5). قلت: هي في التحقيق للاختصاص، والاختصاصُ على ثلاثة أضرُب: إما أن يختص الفعل (¬6) بالزمان؛ لوقوعه فيه، وما نحن فيه من هذا القَبيل؛ نحو: كتبتُه لغرَّةِ كذا، أو لوقوعِه قبلَه؛ نحو: لخمسٍ خَلَوْنَ، أو بعدَه؛ نحو: لليلةٍ بقيتْ. * * * ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬2) في "ع": "قيل: هو أبو اليسر، وقيل: عمر بن الخَطَّاب". (¬3) انظر: "كشف المشكل من حديث الصحيحين" لابن الجوزي (1/ 296). (¬4) في "ن": "يعني". (¬5) انظر: "التنقيح" (1/ 179). (¬6) في "ج": "بالفعل".

371 - (527) - حَدَّثَنَا أبُو الْوَليدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: الْوَلِيدُ بْنُ الْعَيْزَارِ أَخْبَرَنِي، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو الشَّيْبَانِيَّ يَقُولُ: حَدَّثَنَا صَاحِبُ هَذ الدَّارِ، وَأَشَارَ إِلَى دَارِ عبد الله، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: "الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا"، قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: "ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ"، قَالَ: ثُمَّ أيُّ؟ قَالَ: "الْجهَادُ في سَبِيلِ اللهِ" قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ، وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ، لَزَادَنِي. (ابن العَيْزار): بعين مهملة مفتوحة فمثناة من تحت ساكنة فزاي فألف فراء. (قال: ثمّ أَيُّ): قيده الشيخ تاج الدين الفاكهاني في "شرح العمدة" بالتشديد وعدم التنوين لأنه موقوف عليه في كلام السائل ينتظر الجواب منه - عليه السلام -، والتنوينُ لا يوقَف عليه إجماعًا. قال: وإنما نبهتُ على هذا؛ لأني رأيت كثيرًا ينونه، ويصلُه بما بعده، وهو خطأ، بل ينبغي أن يوقَف عليه وقفةً لطيفة، ثم يأتي بما بعده (¬1). قلت: هذا عجيب؛ فإن الحاكي لا يجب عليه في حالة وصل الكلام بما قبله أو بما بعده أن يراعي حال المحكيِّ عنه في الابتداء أو الوقف (¬2)، بل يفعل هو بما تقتضيه حالته التي هو فيها، والاستعمالاتُ الفصيحةُ تشهد (¬3) لذلك (¬4)، قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ ¬

_ (¬1) انظر: "رياض الأفهام شرح عمدة الأحكام" للفاكهاني (1/ 524). (¬2) في "ج": "والوقف". (¬3) في "ج": "تشهدت". (¬4) في "ن": "بذلك".

هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيم} [الأنفال:32]. فهذا كلام محكي بُدئ بهمزةِ قطع، وخُتم بتنوين، ولم يقل أحد بوجوب الوقف على {قَالُوا} [الأنفال: 32]؛ محافظةً على الإتيان بهمزة القطع؛ كما كانت في كلامهم المحكي، ولا بوجوب الوقف على الميم بالسكون كما وقفوا عليه، بل يجوز الوصلُ إجماعًا فتراعي حالته، ولا وجه للتوقف في مثله أصلًا، وشواهدُه كثيرة. على أن ابن الجوزي قيده في "مشكل الصحيحين" بالتشديد والتنوين، وقال: هكذا سمعته من ابن الخَشَّاب. [وقال -يعني: ابن الخَشَّاب-] (¬1): لا يجوز إلَّا تنوينُه؛ لأنه اسمٌ غير مضاف (¬2). قال الزركشي في "تعليق العمدة": وهو ممنوع؛ لأنه مضاف تقديرًا؛ لوقوعه في الاستفهام، والتقدير: أيُّ العمل أفضل؟ فالأولى أن يوقَف عليه بإسكان الياء (¬3). قلت: وهذا أَيضًا عجيب، كأنه فهم أن ابن الخشاب نفى كونهَ مضافًا مطلقًا [حتى أورد (¬4) عليه أنَّه مضافٌ تقديرًا، وليس هذا مرادَ ابنِ الخشاب ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬2) انظر: "كشف المشكل من حديث الصحيحين" لابن الجوزي (1/ 292). (¬3) انظر: "النكت على العمدة" للزركشي (ص: 61). (¬4) في "ع": "أورده".

باب: الصلوات الخمس كفارة

قطعًا] (¬1)؛ إذ هو بصدد (¬2) تعليله إيجابَ التنوين فيه (¬3)، وهو يثبت بكونه غيرَ مضاف لفظًا، وتقدير الإضافة لا يوجب عدَم تنوينه، بل ولا يجوزه (¬4)، فما هذا الكلام؟! وفي قوله: الأَولى أن يوقَف عليه بإسكان الياء ما مرَّ في (¬5) الإشكال. * * * باب: الصَّلواتِ الخمسِ كفارةٌ 372 - (528) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، وَالدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ، يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا، مَا تَقُولُ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنهِ؟ "، قَالُوا: لا يُبْقِي مِنْ دَرَنهِ شَيْئًا، قَالَ: "فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو الله بِهِ الْخَطَايَا". (ابن حمزة): بحاء مهملة وزاي. (ابن أبي حازم): كذلك. (أرأيتم): هي هنا بمعنى: أخبروني؛ مثل: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى} [العلق: 9 - 10] وهو منقول من رأيت؛ بمعنى: أبصرتَ، أو عرفتَ، ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين سقط من "ن". (¬2) في "ع": "إذ مقصود". (¬3) "فيه" ليست في "ن". (¬4) في "ج": "يجوز". (¬5) في "ع": "من".

كأنه قيل: لأبصرتَ (¬1) وشاهدتَ حالتَه العجيبةَ، أو عرفتها، أخبرني عنها، فلا يُستعمل إلَّا في الإخبار عن حالة عجيبة، ولا بد من استفهام ظاهر أو مقدر يبين الحالةَ المستخبَرَ عنها، كما مر في: "أَرَأَيْتكُمْ (¬2) لَيْلَتَكُمْ هَذه" في باب: السمر في العلم (¬3). (لو أن نَهَرًا): بفتح الهاء وإسكانها. (بباب أحدكم): ظرف مستقر صفة (¬4) لنهر. (يغتسل منه (¬5)): إما (¬6) صفة ثانية، أو حال من الضمير المستكِنِّ في الظرف المذكور. (كلَّ يوم): ظرف ليغتسل. (خمس مرات (¬7)): مصدر له. (ما تقول ذلك يبقي من درنه؟): جواب "لو" اقترن بالاستفهام، كما اقترن (¬8) به (¬9) جوابُ "إن" الشرطية في مثل قوله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق: 14] هكذا مَثَّل بعضُهم. ¬

_ (¬1) في "ن" و"ع": "أبصرته". (¬2) في "ن": "رأيتكم". (¬3) تقدم عند البُخَارِيّ برقم (116). (¬4) "صفة" ليست في "ع". (¬5) قلت: عند البُخَارِيّ -نسخة اليونينية: "فيه". (¬6) في "ن": "إنما". (¬7) عند البُخَارِيّ - نسخة اليونينية: "خمسًا". (¬8) في "م": "أقرن". (¬9) في "ن" و"ع": "اقترن بالاسم".

ومثَّل الرضيُّ لذلك بقوله تعالى: {أَرَأَيْتَكُمْ (¬1) إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ} [الأنعام: 47] (¬2). وفيهما نظر؛ فإن (¬3) اقتران الجواب في مثله بالفاء واجب، ولا محلَّ لهذه الجملة المتضمنة للاستفهام؛ لأنها مستأنفة لبيان الحال المستخبَرِ عنها؛ كأنه (¬4) لما قال (¬5): "أرأيتم"، قالوا (¬6): عن أبي شيء تسأل؟ فقال (¬7): "لو أَنَّ نهرًا ببابِ أحدِكم" إلى آخره، وليست مفعولًا ثانيًا لأرأيتم، كما ظنه بعضهم من نظائر هذا التركيب. و (يبقي): -بالباء الموحدة- للجمهور (¬8). قال القاضي: وعند بعض شيوخنا: بالنُّون، والأول أوجه (¬9). فإن قلت: خاطب أولًا الجماعة، ثم أفرد في "تقول"، فما وجهه؟ قلت: أقبلَ على الكل أولًا فخاطبهم جميعًا، ثم أفردَ؛ إشارةً إلى أن هذا الحكم لا [يخاطب به معين؛ لتَناهيهِ في الظهور، فلا يختص به] (¬10) مخاطبٌ دونَ مخاطب، وقد مر نظيرُه. ¬

_ (¬1) في "ج": "أرأيتم". (¬2) انظر: "شرح الرضي على الكافية" (4/ 162). (¬3) في "ج": "لأن". (¬4) في "م": "كأنهم". (¬5) في "ن": "قالوا". (¬6) "قالوا" ليست في "ن". (¬7) "فقال" ليست في "ن". (¬8) في "ع": "للمجهول". (¬9) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 100). (¬10) ما بين معكوفتين سقط من "ج".

قال ابن مالك: فيه إجراءُ فعل القول مجرى فعل الظن؛ لأن "ما" الاستفهامية تقدمت، ووليها فعل القول مضارعًا (¬1) مسنَدًا إلى ضمير المخاطب، فاستحقَّ أن يعمل عمل فعل (¬2) الظن، فـ "ذلك" (¬3) في موضع نصب [مفعول أول، و "يُبقي" في موضع نصب مفعول ثان (¬4)، و"ما" الاستفهامية في موضع نصب] (¬5) بـ "يبقي"، وقُدم؛ لأن الاستفهام له الصدرُ، والتقدير: أي شيء تظنُّ ذلك الاغتسالَ مُبقيًا من درنه؟ (¬6). شبه (¬7) على جهة التمثيل حالَ المسلم المقترِفِ لبعض الذنوب، المحافظِ على أداء الصلواتِ الخمس في زوال الأذى عنه وطهارته من أقذار السيئات بحالِ المغتسِل في (¬8) نهر على باب داره كلَّ يوم خمسَ مرات في نقاءِ بدنه من الأوساخ وزوالِها عنه، ويجوز أن يكون هذا من تشبيه أشياءَ بأشياءَ، فشُبهت الصلاةُ بالنهر؛ لأنها تُنَقِّي صاحبَها من درن الذنوب كما ينقي النهرُ البدنَ من الأوساخ التي تعلق (¬9) به بالاغتسال فيه. ¬

_ (¬1) في "ع": "ووليها فعلًا مضارعًا". (¬2) "فعل" ليست في "ع". (¬3) "فذلك" ليست في "ع". (¬4) في "ع": "ثاني". (¬5) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬6) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 91 - 92). (¬7) في "م" و"ج": "مشبه". (¬8) في "ن" و"ع": "من". (¬9) في "ن" و"ع": "تتعلق".

باب: تضييع الصلاة عن وقتها

وشبه قربَ تعاطي الصلاة وسهولتَه يكون النهر قريبًا من مجاوره على باب داره، وشبه أداءها كلَّ يوم خمسَ مرات بالاغتسال المتعدِّدِ لذلك (¬1)، وشُبهت الذنوب بالأدران؛ للتأذي بملابستها، وشُبه محوُ السيئات عن المكلَّف بنقاء البدن وصفائِه، والأولُ أفحلُ وأجزلُ كما سبق في كتاب: العلم. قيل: وفيه إشارة إلى الصغائر بذكر الدرن (¬2)؛ إذ يبعد تشبيه كبائر الجرائم بذلك. (لا يُبقي من درنه شيئًا): يبقي أَيضًا مضارع أَبقى، وفاعلُه ضمير يعود إلى ما تقدم؛ أي: لا يُبقي ذلك الفعلُ أو الاغتسالُ المذكورُ، وشيئًا: مفعول به. * * * باب: تضييعِ الصَّلاةِ عن وقتِها 373 - (529) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَهْدِيٌّ، عَنْ غَيْلَانَ، عَنْ أَنسٍ، قَالَ: مَا أعرِفُ شَيْئًا مِمَّا كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. قِيلَ: الصَّلَاةُ؟ قَالَ: أليْسَ ضَيَّعْتُمْ مَا ضَيَّعْتُمْ فِيهَا؟! (غَيلان): بغين معجمة مفتوحة. (أليس صنعتم (¬3)): اسم "ليس" ضمير شأن مستتر فيها، و"صنعتم" ¬

_ (¬1) في "م" و"ع": "كذلك". (¬2) "بذكر الدرن" ليست في "ج". (¬3) كذا في رواية ابن عساكر، وفي رواية أبي ذر وغيره: "ضيعتم"، وهي المعتدة في النص.

في موضع نصب على أنَّه خبرها، ويعني: تأخيرها عن الوقت المستحب، لا أنهم (¬1) أخروها عن الوقت كله. * * * 374 - (530) - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ وَاصِلٍ أَبُو عُبَيْدَةَ الْحَدَّادُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبي رَوَّادٍ أَخِي عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بِدِمَشْقَ، وَهُوَ يَبْكِي، فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ: لا أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا أَدْرَكتُ إلا هَذِهِ الصَّلَاةَ، وَهَذِهِ الصَّلَاةُ قَدْ ضُيِّعَتْ. وَقَالَ بَكْرٌ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبُرْسَانِيُّ: أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبي رَوَّادٍ نَحْوَهٌ. (أبو عُبيدة): بضم العين وهاء التأنيث، مصغَّر. (الحداد): بحاء ودالين مهملات. (رَوّاد): براء مفتوحة وواو مشددة فألف فدال (¬2) مهملة. (البُرساني): بضم الباء الموحدة. * * * ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "لأنهم" بدل "لا أنَّهم". (¬2) في "ع": "ودال".

باب: الإبراد بالظهر في شدة الحر

باب: الإبرادِ بالظُّهرِ في شدَّة الحرِّ 375 - (533 و 534) - حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ، قَالَ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ: حَدَّثَنَا الأَعْرَجُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَغَيْرُهُ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، وَنَافِعٌ مَوْلَى عبد الله بْنِ عُمَرَ، عَنْ عبد الله بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ قَالَ: "إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ، فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلَاةِ؛ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ؟. (كَيسان): بفتح الكاف. [(فأبرِدوا بالصلاة (¬1)): الفعل -بقطع الهمزة وكسر الراء-؛ أي: أخروها عن وقت الهاجرة إلى حين يبرد النهار، يقال: أبردَ: إذا دخل في وقت البرد (¬2)؛ كما يقال: أظهر، وأَصْحَر، والباء للتعدية، فالمعنى: ادخُلوا الصلاة في البرد. * * * 376 - (535) - حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْمُهَاجِرِ أَبِي الْحَسَنِ: سَمِعَ زيدَ بْنَ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: أَذَّنَ مُؤَذِّنُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الظُّهْرَ، فَقَالَ: "أَبْرِدْ أَبْرِدْ". أَوْ قَالَ: "انْتَظِرِ انْتَظِرْ". وَقَالَ: "شِدَّةُ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَإذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ، فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلَاةِ". حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ. ¬

_ (¬1) كذا في رواية أبي ذر الهروي عن الكشميهني، وفي رواية: "فأبردوا عن الصلاة"، وهي المعتمدة في النص. (¬2) في "م" و"ع" و"ج": "دخل وقت البرد".

(محمَّد بن بشار (¬1)): بموحدة وشين معجمة. (غُنْدَر): بضم أوله وفتح ثالثه، وقد مر. (عن المهاجِر): على زنة اسم الفاعل؛ من هاجر. (أذن مؤذن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الظُّهْرَ): الزركشي: كذا وقع في هذه الرواية: أذن الظهرَ، وصوابه: "بالظهر"، أو "للظهر" كما روي (¬2) في الباب الذي بعد هذا، وكذا هو في مسلم (¬3) (¬4). قلت: الرواية هذه صحيحة، ولها وجه صحيح، فالقطع بخطئها خطأ (¬5)، ووجهُها أن يكون الأصل: أذن وقتَ الظهر، فحذف المضاف الذي هو الوقت، وأقيم الظهرُ مقامه، ومثلُه جائز بلا شك، تقول: جئتك وقتَ صلاةِ العصر، وجئتك صلاةَ العصر (¬6). فإن قلت: لكن ليس في هذا تعيينُ الصلاة التي أذن لها. قلت: حُذف للعلم به؛ أي: أذن وقت الظهر لها (¬7)، ومن المعلوم ¬

_ (¬1) كذا في رواية أبي ذر الهروي والأصيلي وابن عساكر وأبي الوقت، وفي اليونينية: "ابن بشار"، وهي المعتمدة في النص. (¬2) "أو للظهر كما روي" ليست في "ع". (¬3) رواه مسلم (616). (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 181). (¬5) "خطأ" ليست في "ن". (¬6) "وجئتك صلاة العصر" ليست في "ع". (¬7) في "ن": "يليها"، وفي "ع": "بها".

أنَّه لا يؤذن في وقت الظهر (¬1) لغيرها من الصلوات] (¬2). (فأبردوا عن الصلاة): الزركشي: قيل (¬3): "عن" بمعنى الباء، وقد جاء مصرَّحًا به (¬4) في الرواية الأخرى، وقيل: زائدة، يقال: أبرد بكذا (¬5): إذا فعله في برد النهار (¬6). قلت: ضعفُ الثاني ظاهرٌ، وأَولى من الأول أن يضمن أبردوا معنى: تصحَّروا؛ أي: إذا اشتد الحُر، فتأخَّروا عن الصلاة مُبرِدين، أو أبرِدوا متأخِّرين عنها، وقد مرَّ لنا أن حقيقةَ التضمين أن يُقصد بالفعل معناه الحقيقي مع فعل آخرَ يناسبه (¬7)، ووعدنا هناك بكلام فيه. فنقول: قد استُشكل هذا بأن الفعل المذكور إن كان في معناه الحقيقي، فلا دلالة على الفعل الآخر، وإن كان في معنى الفعل الآخر، فلا دلالة على معناه (¬8) الحقيقي، وإن كان فيهما جميعًا لزم الجمعُ بين الحقيقة والمجاز. وأجيب: بأنه في معناه الحقيقي مع حذف حالٍ مأخوذٍ من الفعل الآخر بمعونة القرينة اللفظية، وقد يعكس كما مثلناه، ومنه قوله تعالى: ¬

_ (¬1) في "ن": لا يؤذن للصلاة في وقت الظهر. (¬2) ما بين معكوفتين سقط من "ج" وذلك من قوله: "فأبردوا بالصلاة" (ص: 158). (¬3) "قيل" ليست في "ج". (¬4) "به" ليست في "ع" و"ج". (¬5) في "ن" و "ع": "كذا". (¬6) انظر: "التنقيح" (1/ 181). (¬7) في "ع": "مناسبة". (¬8) في "ع": "معنى".

{وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185]؛ أي: لتكبروه (¬1) حامدين على ما هداكم، أو لتحمدوا الله مكبرين على ما هداكم. فإن قيل: صلةُ المتروكِ تدل على زيادة القصد إليه، فجعلُه أصلًا، وجعلُ المذكورِ (¬2) حالًا وتَبَعًا أولى. فالجواب: إن (¬3) ذكر صلته يدل على اعتباره في الجملة، لا (¬4) على زيادة القصد إليه؛ إذ لا دلالة بدونه (¬5)، فينبغي جعلُ الأولِ أصلًا، والتبعِ حالًا. * * * 377 - (537) - "وَاشْتكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فَقَالَتْ: يَا رَبِّ! أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ في الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ في الصَّيْفِ، فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ". (واشتكت النَّار إلى ربها): اختُلف هل هذه الشكاة حقيقة بكلام، أو هي مجازٌ عُبِّر فيه بلسان الحال عن لسان المقال؛ كقوله: شكا إليَّ جملي طولَ السُّرى قال الأستاذ أبو الوليد الطرطوشي: وإذا قلنا بأنه حقيقة، فلا يحتاج ¬

_ (¬1) في "ج": "لتكبروا". (¬2) في "ن": "في جعل المذكور". (¬3) في "ع": "إذًا". (¬4) في "ع": "إِلا". (¬5) في "ع": "فلا زيادة بدونه".

إلى أكثر (¬1) من وجود الكلام في الجسم، أما في: "تَحَاجَّتِ (¬2) النَّارُ وَالجَنَّةُ" (¬3)، فلا بدَّ من وجود العلم مع الكلام؛ لأن المحاجَّة تقتضي التفطن لوجه الدلالة. (فأذن لها بنفسين: نفسٍ في الشتاء، ونفسٍ في الصيف): بالجرِّ فيهما على البدل، وفيه من البديع: التوسيعُ (¬4)؛ مثل: "يَشِيبُ ابْنُ آدَمَ وَتَشِبُّ فِيهِ (¬5) خَصْلَتَانِ: الحِرْصُ وَطُولُ الأَمَلِ" (¬6). (أشدُّ ما تجدون من الحُر، وأشدُّ ما تجدون من الزمهرير): بجر "أشدَّ" في الموضعين على البدل، وبالرفع على أنَّه خبر مبتدأ محذوف، وجُوز فيه النصبُ على أن يكون مفعولًا بـ "تجدون" الواقعِ بعدَه، وفيه بُعد (¬7). * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "كثر". (¬2) في "ع": "محاجة". (¬3) رواه البُخَارِيّ (4569)، ومسلم (2846)، عن أبي هريرة رضي الله عنه. (¬4) في "ن": "التوسع". (¬5) في "ن": "معه"، وفي "ع": "منه". (¬6) رواه مسلم (1047) عن أنس -رَضِيَ الله عَنْهُ- بلفظ: "يهرمُ ابنُ آدمَ وتشبُّ منه اثنتان: الحرص على المال، والحرص على العمر". (¬7) قلت: وهذا كله على رواية أبي ذر والأصيلي وأبي الوقت التي اعتمدها المؤلف هنا، ووقع في "اليونينية": "فهو أشد".

باب: وقت الظهر عند الزوال

باب: وقتِ الظُّهرِ عند الزَّوال 378 - (540) - حَدَّثَنا أَبُو اليَمانِ، قَالَ: أَخْبَرنَا شُعَيبٌ، عَن الزُّهريِّ، فَالَ: أَخْبَرني أَنْسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرجَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ، فَصَلَّى الظُّهْرَ، فَقَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَذَكَرَ السَّاعَةَ، فَذَكَرَ أَنَّ فِيهَا أُمُورًا عِظَامًا، ثُمَّ قَالَ: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ، فَلْيَسْأَلْ، فَلَا تَسْألوني عَنْ شَيْءٍ إلا أَخْبَرْتُكُمْ مَا دُمْتُ في مَقَامِي هَذَا". فَأَكثَرَ النَّاسُ في الْبُكَاءِ، وَأَكثَرَ أَنْ يَقُولَ: "سَلُونِي". فَقَامَ عبد الله بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ، فَقَالَ: مَنْ أَبي؟ قَالَ: "أَبُوكَ حُذَافَةُ". ثُمَّ أَكَثَرَ أَنْ يَقُولَ: "سَلُونِي". فَبَرَكَ عُمَرُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: رَضِينَا بِاللهِ رَبًّا، وَبِالإسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نبَيًّا، فَسَكَتَ. ثُمَّ قَالَ: "عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفًا، في عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ، فَلَمْ أَرَ كَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ". (فأكثر النَّاس من (¬1) البكاء، وأكثرَ أن يقول: سلوا): قيل: سبب ذلك: أنَّه - عليه السلام - بلغه أن قومًا من المنافقين ينالون (¬2) منه، ويُعَجِّزونه عن بعض ما يسألونه، فَتَغَيَّظَ عليهم، وقال: "لا تسألوني عن شيء إلَّا أخبرتُكم به" (¬3)، وبكى (¬4) النَّاسُ خوف نزول العذاب العامِّ المعهودِ في الأممِ الخالية. ¬

_ (¬1) في "ن" و"ع": "في". (¬2) في "م" و"ج": "يسألون". (¬3) رواه البُخَارِيّ (7294). (¬4) في "م" و"ع": "وبكاء".

(في عُرض هذا الحائط): -بضم العين المهملة (¬1) -؛ أي: جانبه وناحيته، فإما أن يكون رُفعت إليه الجنةُ والنار، أو زُوِيَ له ما بينَهما، أو مُثِّلا له. * * * 379 - (541) - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبي الْمِنْهَالِ، عَنْ أَبي بَرْزَةَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الصُّبْحَ، وَأَحَدُنَا يَعْرِفُ جَلِيسَهُ، وَيَقْرَأُ فِيهَا مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى الْمِئةِ، وَيُصَلِّي الظُّهْرَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، وَالْعَصْرَ وَأَحَدُنَا يَذْهَبُ إِلَى أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجَعَ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ، وَنسَيتُ مَا قَالَ في الْمَغْرِبِ، وَلًا يُبَالِي بِتَأْخِيرِ الْعِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، ثُمَّ قَالَ: إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ. وَقَالَ مُعَاذٌ: قَالَ شُعْبَةُ: ثُمَّ لَقِيتُهُ مَرَّةً، فَقَالَ: أَوْ ثُلُثِ اللَّيْلِ. (والشمسُ حيةٌ): أريد به: بقاءُ حرها، وعدمُ تغيرِ لونها، على طريق الاستعارة. * * * 380 - (542) - حَدَّثنَا مُحَمَدٌ -يَعْنِي: ابنَ مُقَاتِلَ-، قَالَ: أَخْبَرنَا عبد الله، قَالَ: أَخْبَرنَا خَالِدُ بنُ عَبْدِ الرَّحمنِ، حدَّثَنِي غَالِبٌ الْقَطَّانُ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عبد الله الْمُزَنيِّ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كنّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالظَّهَائِرِ، فَسَجَدْنَا عَلَى ثِيَابِنَا اتِّقَاءَ الْحَرِّ. ¬

_ (¬1) في "ج": "الغين المعجمة".

باب: تأخير الظهر إلى العصر

(إذا صلينا خلف النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - بالظهائر): جمع ظَهيرة، وهي شدةُ الحر، وهي الهاجِرة. (سجدنا): -بدون فاء- جواب إذا، وفي بعض النسخ: "فسجدنا" بالفاء، إما على الزيادة، أو على حذف معطوف عليه. * * * باب: تأخيرِ الظُّهرِ إلى العصرِ 381 - (543) - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ -هُوَ ابْنُ زَيْدٍ-، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى بِالْمَدِينَةِ سَبْعًا وَثَمَانِيًا: الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، فَقَالَ أَيُّوبُ: لَعَلَّهُ في لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ؟ قَالَ: عَسَى. (صلى بالمدينة سبعًا): يعني: المغربَ والعشاء (¬1). (وثمانيًا): يعني: الظهرَ والعصر (¬2). (فقال أَيُّوب: لعله في ليلة مطيرةٍ؟): كذا تأوله مالك، وهو قول الشَّافعيّ رضي الله عنه، وهو يرد على من زعم أن بين آخرِ وقتِ الظهر وآخرِ (¬3) وقتِ العصر فاصلةً لا تصلح لشيء منهما (¬4). ¬

_ (¬1) "والعشاء" ليست في "ن". (¬2) في "ع": "الظهر والظهر". (¬3) في "ن" و "ع": "وأول". (¬4) في "ج": "منها".

باب: وقت العصر

قال ابن المنير: أصحُّ ما في تأويل الحديث، والذي نحا إليه البُخَارِيّ في الترجمة؛ أنَّه - عليه السلام - أخَّر الظهرَ لآخرِ وقتها، وقدَّم العصرَ لأولِ وقتها، فصلى كلًّا منهما في وقتها (¬1)، ولم يفصل بينهما، فسُمِّي ذلك جمعًا، فإما أن يكون تركَ فضيلةَ أولِ الوقت لعذر، أو (¬2) لقصدِ بيان المشروعية. لا يقال: لو أراد (¬3) بيانَ المشروعية لأخَّر العصرَ إلى آخرِ وقتها؛ لأنا نقول: كذا فعل في واقعة أخرى حين سأله السائل، ففعل ذلك في الخمس بجملتها، وقال للسائل: "مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ". انتهى. قلت: هذا لا يتأتَّى له في المغرب والعشاء، فتأمله. * * * باب: وقتِ العصرِ 382 - (547) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَوْفٌ، عَنْ سَيَّارِ بْنِ سَلَامَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَبِي عَلَى أَبي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ؟ فَقَالَ: كَانَ يُصَلِّي الْهَجيرَ، الَّتِي تَدْعُونها الأُولَى، حِينَ تَدْحَضُ الشَّمْسُ، وَيُصَلِّي الْعَصْرَ، ثُمَّ يَرْجِعُ أَحَدُنَا إِلَى رَحْلِهِ في أَقْصَى الْمَدِينَةِ، وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ، وَنسَيتُ مَا قَالَ في الْمَغْرِبِ، وَكَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ ¬

_ (¬1) في "م": "وقتهما". (¬2) "أو" ليست في "ن". (¬3) في "ن": "الوارد".

باب: إثم من فاتته العصر

الْعِشَاءَ، الَّتِي تَدْعُونها الْعَتَمَةَ، وَكانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا، وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا، وَكَانَ يَنْفَتِلُ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ حِينَ يَعْرِفُ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ، وَيقْرَأُ بِالسِّتِّينَ إِلَى الْمِيَّةِ. (عن سَيَّارٍ): بسين مهملة ومثناة (¬1) من تحت. * * * 383 - (549) - حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبُو بَكْرِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ: صَلَّيْنَا مَعَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الظُّهْرَ، ثُمَّ خَرَجْنَا حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَنس بْنِ مَالِكٍ، فَوَجَدْنَاهُ يُصَلِّي الْعَصْرَ، فَقُلْتُ: يَا عَمِّ! مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّيْتَ؟ قَالَ: الْعَصْرُ، وَهَذِهِ صَلَاةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الَّتِي كنَّا نُصَلِّي مَعَهُ. (سهل بن حُنَيْف (¬2)): بتصغير الثاني خاصة. * * * باب: إثمِ مَنْ فاتته العصرُ 384 - (552) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ، كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ". ¬

_ (¬1) في "ن": "وبمثناة". (¬2) في "ع": "حنين".

(فكأنما (¬1) وُتِرَ أهلَه ومالَه): -بالنصب- على أنَّه مفعول ثان (¬2) لـ "وتر"، والمفعولُ الآخَرُ هو الضمير المستتر في وُتِرَ العائد للرجل الذي فاتته العصر، والمعنى: قد (¬3) نقص أهله (¬4) وماله، فكأنه سُلِبَهما، وتُرِكَ فردًا منهما، قال الله تعالى: {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 35]. ويروى: "فقد وتر أهلُه" -بالرفع- على أنَّه نائب عن الفاعل، ولا ضمير في "وتر"، والمعنى صحيح؛ أي: فقد سلب أهلُه وماله، ولا شكَّ في صحة تسليط (¬5) السلب عليهما. قال المهلب: وإنما عظمت صلاةُ العصر بذلك؛ لاجتماع المتعاقبين (¬6) من الملائكة فيها، والمرادُ: فواتُها في الجماعة، لا فواتُها جملة؛ لاشتراك الصلواتِ كلِّها في ذلك (¬7)، فيبطل اختصاص العصر. واعترضه ابن المنير: بأن صلاة الفجر -أَيضًا - يجتمع فيها المتعاقبون، فالسؤال عن وجه الاختصاص باقٍ. قال: والحق: أن الله يخصُّ ما شاء من الصلوات بما شاء من الفضيلة ¬

_ (¬1) كذا في رواية أبي ذر الهروي عن الكشميهني، وفي رواية ابن عساكر: "كأنما"، وهي المعتمدة في النص. (¬2) "ثان" ليست في "ع". (¬3) في "ن" و"ع": "فقد". (¬4) في "ع": "بعض أهله". (¬5) في "ج": "بسيط". (¬6) في "ع": "المتعاقدين". (¬7) في "م": "في قدر"، وفي "ج": "في وقت قدر".

باب: من ترك العصر

والتأكيد، ولعل التهديد غُلِّظ في العصر؛ لأنه لا عذرَ لمفوتها (¬1) إما عن وقتها، أو عن (¬2) الجماعة؛ لأنه وقتُ يقظةٍ؛ بخلاف الفجر، فربما قام النَّوم عندها (¬3) عذرًا. * * * باب: مَنْ ترك العصرَ 385 - (553) - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبي الْمَلِيح، قَالَ: كُنَّا مَعَ بُرَيْدَةَ في غَزْوَةٍ، في يَوْمٍ ذِي غَيْمٍ، فَقَالَ: بَكِّرُوا بِصَلاةِ الْعَصْرِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ، فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ". (ابن أبي كثير): بالثاء المثلثة. (كنا مع بُريدةَ في غزوة في يومٍ ذي غير، فقال: بَكِّروا بصلاة (¬4) العصر): بُريدة: بضم الباء الموحدة وبالراء، مصغَّر، وإنما خص يوم الغيم بذلك؛ لأنه مَظِنَّةُ التأخير تَنَطُّعًا في الاحتياط، أو إخلادًا (¬5) من النفس إلى التأخير الزائد عن الحد بحجة الاحتياط، فقابل ما في الطباع بالتنبيه (¬6) ¬

_ (¬1) في "م" و"ج": "لفوتها". (¬2) "عن" ليست في "ع". (¬3) في "م" و"ع": "عنها". (¬4) في "ع": "صلاة". (¬5) في "ن" و"ع": "أو إحدادًا"، وفي "ج": "وإخلادًا". (¬6) في "ن" و"ع": "بالنسبة".

على مخالفتها (¬1)، والاجتهاد في التلوُّم إليها بالتحرِّي بحسب الإمكان. (فقد حبط عمله): أما من يقول: بأن تارك الصلاة كافر، فالأمرُ عنده ظاهر، وأما من ينكر إحباطَ الكبائر للأعمال، وهم الجمهور، فإما أن يكون معناه: إحباط الموازنة، كما مر، أو يوقف عنه عملُه مدةً حتَّى يكون فيها بمنزلة المحبَط إلى أن يأتيه من فضل الله ما يدرك به ثواب عمله. قال ابن العربي: وإلى هذا الوقت (¬2) وقعت الإشارة بحديث يروي: "أَوَّلُ ما يُنْظَرُ فيهِ مِنْ عَمَلِ العَبْدِ يَوْمَ القِيَامةِ الصَّلاةُ" (¬3)؛ كما أنَّه في قسم المنهيات: "أَوَّلُ ما يُحْكَمُ فيه الدِّمَاءُ (¬4) " (¬5)، فإن (¬6) خلص منها، نُظر في سائر معاصيه، وإن لم يخلص منها، فهذه تكفيه، فيتوقف النظر في بقية المعاصي مدةً هنا كما يتوقف النظر في بقية الطاعات مدةً هناك. * * * ¬

_ (¬1) في "ن": "مخالفها". (¬2) في "م" و"ن": "الوقف"، والمثبت من "ع" و"ج". (¬3) رواه أبو داود (864)، وابن ماجة (1425)، وغيرهما من حديث أبي هريرة -رَضِيَ الله عَنْهُ- بلفظ نحوه. (¬4) في "ن" و"ج": "أول ما يحكم فيه منها الدماء". (¬5) رواه مسلم (1678) عن عبد الله بن مسعود -رَضِيَ الله عَنْهُ- بلفظ: "أولُ ما يُحكم بين النَّاس في الدماء". (¬6) في "م" و"ج": "وإن".

باب: فضل صلاة العصر

باب: فضلِ صلاةِ العصرِ 386 - (554) - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةً -يَعْنِي: الْبَدْرَ-، فَقَالَ: "إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبُّكُمْ، كمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ، لا تُضَامُونَ في رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لا تُغْلَبُوا عَلَى صَلاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا، فَافْعَلُوا". ثُمَّ قَرَأَ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق:39]. قَالَ إِسْمَاعِيلُ: افْعَلُوا: لا تَفُوتَنَّكُمْ. (لا تُضامُون): الأكثر فيه هكذا -بضم التاء المثناة من فوق وتخفيف الميم-؛ أي: لا ينالُكم ضيمٌ في رؤيته، فيراه بعضُكم دونَ بعضٍ، والضيمُ: الظلم. وروي: بضمها وفتحها مع التشديد في الميم، من الضَّمِّ (¬1)؛ أي: لا ينضَمُّ بعضُكم إلى بعض في وقت النظر؛ لإشكاله وخفائه كما تفعلون عند النظر إلى الهلال ونحوه. * * * 387 - (555) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ: مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ، وَمَلائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ في صَلَاةِ ¬

_ (¬1) "من الضم" ليست في "ج".

باب: من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب

الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْألهُمْ، وَهْوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كيْفَ تَرَكتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأتيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ". (يتعاقبون فيكم ملائكة): جاء على لغة: "أكلوني البراغيث"، وكان - عليه السلام - يعرف لغةَ جميع (¬1) العرب. وقال السهيلي في هذا الحديث: إن الواو فيه علامة إضمار؛ لأنه حديث مختصر رواه البَزَّار مطولًا مجودًا (¬2)، فقال فيه: "إنَّ لِلهِ مَلائِكَةً يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ" (¬3). قلت: دعوى لا دليلَ عليها، فلا يُلتفت إليها، وقد اعتمدها أبو حيانَ في ردِّ كلام ابن (¬4) مالكٍ في الاستدلال بهذا الحديث، ومعنى التعاقُب: إتيانُ طائفة بعدَ أخرى. * * * باب: مَنْ أدرك ركعةً من العصرِ قبلَ الغروبِ 388 - (556) - حَدَّثنَا أَبُو نَعِيمٍ، قَالَ: حَدَّثنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَدْرَكَ ¬

_ (¬1) في "ج": "جمع". (¬2) في "ع": "مجردًا"، وفي "ج": "مُحَددًا". (¬3) قال الحافظ في "الفتح" (2/ 42): وقد سومح في العزو إلى "مسند البَزَّار"، مع أن هذا الحديث بهذا اللفظ في الصحيحين، فالعزو إليهما أولى. (¬4) "ابن" ليست في "ن".

أَحَدُكُمْ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ، قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ، وَإِذَا أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْح، قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ". (إذا أدرك أحدُكم سجدةً): أي: ركعةً؛ من باب إطلاق البعض وإرادة الكلِّ، وتبويبُ البُخَارِيّ يفسره. وفيه: دليل على صحة إطلاق (¬1) إدراك السابقِ للاحق (¬2)؛ فإن وجود المصلي سابقٌ على وجود الصلاة التي تجب عليه، ومع ذلك قيل: أدركها، ولم يقل: أدركته. وقد مر فيه كلامٌ في: بدء الوحي، في قول ورقة: "إِنْ أدركْ يومَكَ" [على رواية (¬3) "السيرة"، وقد تكرر مثلُ هذا التركيب في الأحاديث] (¬4)، وهو مؤيِّدٌ لهذا (¬5) الإطلاق، فتأمله. * * * 389 - (557) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عبد الله، قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِم بْنِ عبد الله، عَنْ أَبيهِ: أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَا سَلَفَ قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَم كَمَا بَيْنَ صَلاةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، أُوتِيَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ، فَعَمِلُوا، ¬

_ (¬1) "إطلاق" زيادة من "ن" و "ع". (¬2) في "ج": "اللاحق". (¬3) في "ن": "على رواة". (¬4) ما بين معكوفتين سقط من"ج". (¬5) في "ج": "هذا".

حَتَّى إِذَا انتصَفَ النَّهَارُ، عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُوتِيَ أَهْلُ الإنْجيلِ الإنْجيلَ، فَعَمِلُوا إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُوتينَا الْقُرآنَ، فَعَمِلْنَا إِلَى غُرُوبِ الشَمْس، فَأُعْطِينَا قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، فَقَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ: أَيْ رَبَّنَا! أَعْطَيْتَ هَؤُلَاءَ قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، وَأَعْطَيْتَنَا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، وَنحنُ كُنَّا أَكثَرَ عَمَلًا، قَالَ: قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ أَجْرِكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالُوا: لا، قَالَ: فَهْوَ فَضْلِي أُوتيهِ مَنْ أَشَاءُ". (فأُعطوا قيراطًا قيراطًا): أي: فأُعطوا أجورهم (¬1) قيراطًا قيراطًا، فهو حال، والمعنى: أُعطوا الأجرَ متساوين فيه، وهو مثل قولهم: ادخلوا رجلًا رجلًا؛ أي: مرتبين (¬2)، وعلمته النحوَ بابًا بابًا، وانتصابُ الثاني في ذلك على التأكيد عند الزجاج، والوصفِ عند أبي الفتح، وبالاسم الأول عند أبي علي. قال أبو حيان: والأَولى انتصابُه بالعامل في الأول؛ لأن المجموع هو (¬3) الحال، ولو قيل: إنه على إضمار الفاء؛ لكان حسنًا. وقد نص أبو الحسن: أنَّه لا يدخل في ذلك من العواطف غير الفاء. قال ابن هشام: ويرد الأولَ: أنَّه غيرُ صالح للسقوط، فلا تأكيد. ¬

_ (¬1) في "ع": "أعطوا أجودهم"، وفي "م": "أعطوا أجرهم". (¬2) في "ع": "مترتبين". (¬3) "هو" ليست في "ن" و "ع".

والثاني (¬1): أن معناه ولفظه كالموصوف؛ فإنَّه (¬2) جامد. والثالثَ: أنَّه متوقف على تأويل الأول مرتبًا (¬3)، والثاني بالجمع. والخامس: أن العاطف لا يُترك أبدًا أو غالبًا. ثم قال: ولعل الزجاج قائل: إن بابًا الأولَ بمعنى مرتبًا، والتزم ذكر الثاني؛ لأن ذكره أمارة على المعنى الذي قُصد بالأول، وربَّ شيءٍ لا يلزمُ ابتداءً، ثم يلزمُ لعارضٍ (¬4). ولعل أَبا الفتح (¬5) يقدِّر: بابًا سابقَ باب، ثم حذف المضاف كما صح عند الخليل: مررت (¬6) يزيد زهير على تقدير مثل، وجاء زيد زهيرًا على (¬7) ذلك عنده وعند غيره. قلت: كل هذا تكلف ظاهر (¬8)، والإشكالُ بحاله، ويظهر لي في إعراب الحديث وجهٌ قريب، وذلك أن قوله: "فأُعطوا" يدل على أن كُلًّا ¬

_ (¬1) في "ن": "فلا تأكيد للثاني". (¬2) في "ن": "وإنَّه". (¬3) في "م": "بمرتبًا". (¬4) في "ن": "العارض" (¬5) "الفتح" ليست في "ن". (¬6) في "ع": "مورث" (¬7) في "ع" "وعلى". (¬8) في "ج": "مكلف ظاهرًا".

أعطي أجرَه، فيقدَّر (¬1): أُعطي كلٌّ منهم قيراطًا قيراطًا (¬2)، فيكون "قيراطًا" الأولُ مفعولَ أُعطي الثاني، و"قيراطًا" الثاني تأكيدًا، ولا إشكال. فإن قلت: هو غير صالح للسقوط هنا. قلت: لا نسلم عدمَ صلاحيته لذلك مع إرادة التقدير المذكور (¬3)، والله أعلم. فإن قلت: فما (¬4) وجه مطابقة حديث ابن عمر (¬5) للترجمة، وإنما حديثه مثالٌ لمنازل الأمم عند الله؛ فإن هذه الأمة أقصرُها عمرًا، وأقلُّها عملًا، وأعظمُها ثوابًا؟ قلت: أورده ابن المنير، وأجاب: بأنه (¬6) يُستنبط بتلطُّف (¬7) من قوله: "فعملْنا إلى غروب الشَّمس"، فدل (¬8) أن وقت العمل ممتدٌّ (¬9) إلى الغروب، وأنه لا يفوت، وأقربُ الأعمالِ المشهور بهذا الوقت صلاةُ العصر، وهو من قَبيل الأخذِ من الإشارة، لا (¬10) من صريح العبارة، وليس المراد عملًا ¬

_ (¬1) في "ج": "فتقدير". (¬2) "قيراطًا" الثَّانية أشير إليها في "م" ولكنها لم تثبت في الهامش. (¬3) "المذكور" ليست في "ن"، وفي "ج": "المذكر". (¬4) في "ن": "ما". (¬5) في "ع": زيادة: "رضي الله عنهما". (¬6) "بأنه" ليست في "ج". (¬7) في "ج": "تلطف". (¬8) في "ع": "فقال". (¬9) في "ج": "ممتدًا". (¬10) في "ج": "لأن".

باب: وقت المغرب

خاصًّا بهذا الوقت هو صلاة، بل المراد: سائر (¬1) أعمال (¬2) الأمة من الصلوات وغيرها من العبادات في سائر (¬3) مدة بقاء الملة (¬4) إلى قيام الساعة. * * * باب: وقتِ المغربِ 390 - (559) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ، قَالَ؛ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّجَاشِيِّ صُهَيْبٌ مَوْلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ يَقُولُ: كُنَّا نُصَلِّي الْمَغْرِبَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا، وَإِنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نبلِهِ. (ابن مِهران): بميم مكسورة، وقد مر. (أبو النَّجاشيّ): بنون مفتوحةٍ. (وإنه ليبصرُ مواقعَ نبله (¬5)): أي: حيث (¬6) تقع، وهو يدل على تعجيلها، وعدم تطويلها. ¬

_ (¬1) في "م" و"ج": "شأن". (¬2) في "ج": "الأعمال". (¬3) في "م": "شأن". (¬4) في "ن": "الأمة". (¬5) في "ع": "قبلة". (¬6) في "ع": "حين"، وفي "ج": "حتى".

قال ابن المنير: حتَّى إن أهل الحرم يصلون في الجهات الأربع من الكعبة المغربَ في وقت واحد؛ بخلاف سائر الصلوات؛ فإن كل إمام له فيها وقت مرتب، ولا يصلون جملة إلَّا المغربَ خاصة، ومكةُ مجمع (¬1) الأمصار، فالواقعُ فيها إجماع (¬2) من سائر الأقطار. * * * 391 - (560) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: قَدِمَ الْحَجَّاجُ، فَسَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عبد الله، فَقَالَ: كانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ، وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ نقِيَّةٌ، وَالْمَغْرِبَ إِذَا وَجَبَتْ، وَالْعِشَاءَ أَحْيَانًا وَأَحْيَانًا، إِذَا رَآهُمُ اجْتَمَعُوا، عَجَّلَ، وَإذَا رَآهُمْ أَبْطَوْا، أَخَّرَ، وَالصُّبْحَ -كَانُوا، أَوْ- كانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ. (والصبح كانوا أو كان النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - يصليها بغلس): قال ابن بطال: معناه: كانوا مع النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - مجتمعين، أو لم يكونوا مجتمعين، فإنَّه - صلى الله عليه وسلم - ما كان يصليها بغلس، ولا يصنع فيها ما كان يصنع في العشاء؛ من (¬3) تعجيلها إذا اجتمعوا، وتأخيرها إذا أبطؤوا. قال: وهذا من فصيح الكلام، وفيه حذفان (¬4): حذفُ خبرِ (¬5) كانوا، ¬

_ (¬1) في "م": "تجمع". (¬2) في "ج": "اجتماع". (¬3) "من" ليست في "ج". (¬4) في "ع": "حذفا". (¬5) في "ج": "حذف خبر وحذف خبر".

وهو جائز، وقوله: "أو (¬1) " يعني: أو لم يكونوا مجتمعين، حذف الجملة التي بعدها مع كونها مقتضية (¬2) لها (¬3). قال الحافظ رشيد الدين العطار (¬4): وقد جاء في لفظ هذا (¬5) الحديث في "صحيح مسلم": "والصُّبْحَ كانوا -أو قال (¬6):- كان النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - (¬7) يصليها بغلس" (¬8)، وظاهر هذا اللفظ يقتضي أنَّه شك من الرواي، فإن كان كذلك، فيحتاج إلى تقديرٍ آخرَ غيرِ ما ذكره ابن بطال. هذا كله كلام الزركشي في "التنقيح" (¬9). قلت: فيه أمران: أحدهما: إقرارُ ابنِ بطال على دعواه أن هذا من فصيح الكلام، مع اشتماله على حذف المعطوف وبقاء العاطف فقط، وهو باطل، وهو نظير ما زعمه بعضهم في قوله تعالى: {أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ} [الزخرف: 51 - 52] أن الوقف على "أم"، وأن (¬10) التقدير: أم تبصرون، ثم يبتدئ: "أنا خير". ¬

_ (¬1) في "ع": "أي". (¬2) في "ج": "تقتضه". (¬3) انظر: "شرح ابن بطال" (2/ 187 - 188). (¬4) في "ج": "العطاري". (¬5) "هذا" ليست في "ج". (¬6) في "ع": "وقال". (¬7) "كان النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -" ليست في "ج". (¬8) رواه مسلم (646). (¬9) انظر: "التنقيح" (1/ 184). (¬10) في "ع": "فإن".

قال ابن هشام في "المغني": وهذا باطل؛ إذ لم يُسمع حذفُ معطوف بدون عاطفه (¬1). الثاني: عدم إبدائه للتقدير (¬2) المحتاج إليه بفرض بطلان (¬3) كلام ابن بطال. وقد حمل ابن المنير الكلامَ على وجهِ أقربَ مما ذهب إليه ابن بطال، وذلك أن الصبح (¬4) معطوف على ما سبق، والتقدير: وكان النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - يصلي الصبح، وقوله: "كانوا" محذوف الخبر؛ أي: مجتمعين. وقوله: أو كان النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - محذوف الخبر أَيضًا؛ أي: منفردًا؛ بدلالة كونه قسيمًا (¬5) للأول. هذا معنى كلامه. فإن قلت: فما حكم قوله: يصليها بغَلَس؟ قلت: يحتمل أن يكون بدلًا من الأول، أو حالًا، أو "يصليها" تأكيد (¬6)، و"بغلس" متعلق بالأول. ثم قال ابن المنير: ويحتمل عندي أن يكون شكًّا (¬7) من الرواي المتأخر، هل قال الأول: كانوا، أو كان النَّبِيّ؟ قلت: وعلى أن يكون شكًّا، فالتقدير: كانوا يصلونها بغلس، أو كان ¬

_ (¬1) انظر: "مغني اللبيب" (ص: 64). (¬2) في "ج": للتقدم". (¬3) في "ج": "بطلانه". (¬4) "الصبح" ليست في "ن". (¬5) في "ن" و"ع" و"ج": "قسمًا". (¬6) في "ن": و"ع": "تأكيدًا". (¬7) في "ع": "إشكالًا".

باب: من كره أن يقال للمغرب العشاء

النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - يصليها بغلس، فحذف من الأول؛ لدلالة الثاني عليه (¬1)؛ على (¬2) نحو: فَإِنِّي وَقَيَّارٌ بِهَا لَغَرِيبُ (¬3) (¬4) * * * باب: مَنْ كَرِهَ أن يقالَ للمغربِ العشاءُ 392 - (563) - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ -هُوَ عبد الله بْنُ عَمْرٍو-، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ بُرَيْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عبد الله الْمُزَنِيُّ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "لا تَغْلِبَنَّكُمُ الأَعْرَابُ عَلَى اسْم صَلاتِكُمُ الْمَغْرِبِ". قَالَ: الأَعْرَابُ، وَتَقُولُ: هِيَ الْعِشَاءُ. (لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم المغرب): أي: لا تتبعوهم في تسميتهم. قال المهلب (¬5): لأن التسمية من الله ومن الرسول (¬6) لا تُترك لرأي (¬7) أحد. ¬

_ (¬1) "عليه" ليست في "ج". (¬2) "على" ليست في "ن". (¬3) في "ج": "لعرب". (¬4) عجز بيت لضابئ البُرْجُمي، كما في "خزانة الأدب" للبغدادي (10/ 312)، وصدره: ومن يك أمس بالمدينة رحله (¬5) في "ج": "المهلبي". (¬6) "ومن الرسول" ليست في "ج". (¬7) في "ن" و"ع": "يترك الرأي".

باب: ذكر العشاء والعتمة، ومن رآه واسعا

وردَّه (¬1) ابن المنير: بأنه لا خلاف في جواز الوضع والاصطلاح، ولو قلنا: إن الأصل توقيف، ولو كان كما قال؛ امتنع مجاز النقل، وإنما السرُّ في النهي سدُّ الذريعة؛ لئلا تُسمى عشاء، فيمتد وقتها من غروب الشَّمس؛ أخذًا من لفظ العشاء؛ فإنَّه لا يخص الغروب (¬2)، بل هو ممتد جدًّا. * * * باب: ذِكْرِ الْعِشَاءِ وَالْعَتَمَةِ، وَمَنْ رَآهُ وَاسِعًا قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أثقَلُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ الْعِشَاءُ وَالْفَجْرُ". وَقَالَ: "لَوْ يَعْلَمُونَ مَا في الْعَتَمَةِ وَالْفَجْرِ". قَالَ أَبُو عبد الله: وَالاِخْتِيَارُ: أَنْ يَقُولَ: الْعِشَاءُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ} [النور: 58]. وَيُذْكَرُ عَنْ أَبي مُوسَى، قَالَ: كنَّا نَتَنَاوَبُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، فَأَعْتَمَ بِهَا. (ويذكر عن أبي موسى): هذا التعليق أسنده في باب: فضل العشاء، قريبًا، وهذا أحد (¬3) ما يرد به على (¬4) ابن الصلاح في دعواه: أن تعليقات البُخَارِيّ التي يذكرها بصيغة التمريض لا تكون صحيحة عنده. (كنا نتناوب): أي: نأتي نوبةً بعد نوبة. ¬

_ (¬1) في "ج": "رواه". (¬2) في "ع": "المغرب". (¬3) في "ن": "حد". (¬4) في "ن": "يرويه عن".

باب: فضل العشاء

(فأعتم): أي: دخلَ في العتمة، وهي الظُّلْمَة، وقيل: إنها اسم لثلث (¬1) الليل الأول بعد غروب الشفق، على ما نقل عن الخليل (¬2). * * * باب: فضلِ العشاءِ 393 - (567) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَأَصْحَابِي الَّذِينَ قَدِمُوا مَعِي في السَّفِينَةِ نُزُولًا في بَقِيعِ بُطْحَانَ، وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْمَدِينَةِ، فَكَانَ يَتَنَاوَبُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ كُلَّ لَيْلَةٍ نَفَرٌ مِنْهُمْ، فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ -عَلَيْهِ السَّلامُ- أَنَا وَأَصْحَابِي، وَلَهُ بَعْضُ الشُّغْلِ في بَعْضِ أَمْرِهِ، فَأَعْتَمَ بِالصَّلَاةِ حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ، ثُمَّ خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَصَلَّى بِهِمْ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ، قَالَ: لِمَنْ حَضَرَهُ: "عَلَى رِسْلِكُمْ، أَبْشِرُوا، إِنَّ مِنْ نِعْمَةِ اللهِ عَلَيْكُمْ: أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يُصَلِّي هَذِهِ السَّاعَةَ غَيْرُكمْ". أَوْ قَالَ: "مَا صَلَّى هَذِهِ السَّاعَةَ أَحَدٌ غَيْرُكُمْ". لا يَدْرِي أَيَّ الْكَلِمَتَيْنِ قَالَ، قَالَ أَبُو مُوسَى: فَرَجَعْنَا، فَفَرِحْنَا بِمَا سَمِعْنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. (في بَقيع): بفتح الموحدة. (بُطحان): قال ابن قرقول: في رواية المحدثين: بضم الباء (¬3)، وحكى أهل اللغة: فتح الباء وكسر الطاء. ¬

_ (¬1) في "ج": "ثلث". (¬2) ونقله المؤلف عن "شرح العمدة" لابن دقيق (1/ 144). (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 185).

باب: النوم قبل العشاء لمن غلب

(حتَّى ابْهارَّ الليلُ): -بهمزة وصل فموحدة ساكنة فهاء فألف فراء مسنددة-؛ أي: انتصف. (على رِسْلِكم): -بكسر الراء وفتحها -؛ أي: تَأَنَّوْا. (أبشروا، إِن من نعمة الله عليكم): بكسر همزة إن: على أن الجملة مستأنفة، وبفتحها: على أن حرف الجر مقدر؛ أي: أبشروا بأن من نعمة الله. (أَنه ليس أحد من النَّاس يصلي هذه الساعة غيرُكم): بفتح همزة أن وجهًا واحدًا؛ لأنها في موضع المفرد، وهو اسم أن؛ أي: إن من نعمة الله عليكم عدمُ صلاةِ أحدٍ غيرِكم في هذه الساعة؛ أي: انفرادكم بهذه العبادة. * * * باب: النَّومِ قبلَ العشاءَ لمن غُلِبَ 394 - (571) - وقَالَ: سَمِعْتُ ابنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: أَعْتَمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةً بِالِعشاء، حَتَّى رَقَدَ النَّاسُ واسْتَيْقَظُوا، ورَقَدُوا واسْتَيْقَظُوا، فَقَامَ عُمَرُ بنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: الصَّلَاةَ، قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَخَرَجَ نبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ الآنَ، يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً، وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ: "لَوْلا أَنْ أشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، لأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُصَلُّوهَا هَكَذَا". فَاسْتَثْبَتُّ عَطَاءً: كيْفَ وَضَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رَأْسِهِ يَدَهُ، كمَا أَنْبَأَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَبَدَّدَ لِي عَطَاء بَيْنَ أَصَابِعِهِ شَيْئًا مِنْ تَبْدِيدٍ، ثُمَّ وَضَعَ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ عَلَى قَرْنِ الرَّأْسِ، ثُمَّ ضَمَّهَا، يُمِرُّهَا كَذَلِكَ عَلَى الرَّأْسِ، حَتَّى مَسَّتْ إِبْهَامُهُ طَرَفَ الأُذُنِ، مِمَّا يَلِي

باب: وقت العشاء إلى نصف الليل

الْوَجْهَ عَلَى الصُّدْغ وَنَاحِيةِ اللِّحْيَةِ، لا يُقَصِّرُ، وَلَا يَبْطُشُ إلا كَذَلِكَ، وَقَالَ: "لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، لأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُصَلُّوا هَكَذَا". (فبدَّد): أي: فَرَّقَ. (ثم ضمَّها): -بضاد معجمة وميم-، كذا رواه (¬1) البُخَارِيّ، ولمسلم: بصاد مهملة وموحدة (¬2). قال القاضي: وهو الصواب؛ فإنَّه يصف عصرَ الماء من الشعر باليد (¬3). (لا يعْصِر): بعين وصاد مكسورة مهملتين (¬4). وفي رواية: بالقاف، وهي رواية مسلم؛ أي: لا يقصر عن فعله ذلك من إجراء أصابعه عليه متمهلًا دون بطش. * * * باب: وقتِ العشاءِ إلى نصف اللَّيلِ 395 - (572) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيم الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنس، قَالَ: أَخَّرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَاةَ الْعِشَاءَ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ صَلَّى، ثُمَّ قَالَ: "قَدْ صَلَّى النَّاسُ وَنَامُوا، أَمَا إِنَّكمْ في صَلَاةٍ مَا انْتَظَرْتمُوهَا". ¬

_ (¬1) في "ن": "رواية". (¬2) رواه مسلم (642). (¬3) انظر: "إكمال المعلم" (2/ 606). (¬4) في "ج": "مهملتين مكسورة".

باب: فضل صلاة الفجر

وَزَادَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ: سَمِعَ أَنسًا: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ خَاتَمِهِ لَيْلَتَئِذٍ. (أمَا إِنكم): -بتخفيف الميم، وبكسر إنَّ-، على أنّ (¬1) أما حرف استفتاح. قال الزركشي: -وبالفتح- على جعلها بمعنى حقًّا (¬2). قلت: فالهمزة للاستفهام، والمقامُ غير صالح له، والشأن في الرواية. (وَبيص): أي: بريق، وقد مر. * * * باب: فضلِ صلاةِ الفجرِ 396 - (573) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ، قَالَ لِي جَرِيرُ بْنُ عبد الله: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، إِذْ نظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، فَقَالَ: "أَمَا إِنَّكمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا، لا تُضَامُونَ -أَوْ لا تُضَاهُونَ- في رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا، فَافْعَلُوا". ثُمَّ قَالَ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه: 130]. (لا تضامون): سبق ضبطُه. ¬

_ (¬1) "على أن" ليست في "م". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 186).

(أو لا تضاهون): أي: لا (¬1) يشتبه عليكم. * * * 397 - (574) - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنِي أَبُو جَمْرَةَ، عَنْ أَبي بَكْرِ بْنِ أَبي مُوسَى، عَنْ أَبيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ صَلَّى الْبَرْديْنِ، دَخَلَ الْجَنَّةَ". وَقَالَ ابْنُ رَجَاءٍ: حَدَّثَنَا هَمَّام، عَنْ أبي جَمْرَةَ: أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عبد الله بْنِ قَيْسٍ أَخْبَرَهُ بِهَذَا. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ حَبَّانَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ: حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ، عَنْ أَبي بَكْرِ بْنِ عبد الله، عَنْ أَبيهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَهُ. (هُدبة): بالهاء المضمومة والموحدة. (أبو جَمرة): بالجيم مفتوحة، وقد تكرر في هذا الباب، وكله فيه بالجيم، ومر (¬2) قبل ذلك. (البَرْدَين): الفجر والعصر؛ لفعلِهما طَرَفي (¬3) النهار، وهو وقت البرد. (حَبّان): بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة. * * * ¬

_ (¬1) "لا" لست في "ن". (¬2) في "ع": "وقد مر". (¬3) في "ج": "كل في طرفي".

باب: وقت الفجر

باب: وقتِ الفجرِ 398 - (576) - حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ صَبَّاحٍ: سَمِعَ رَوْحًا، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ نبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ تَسَحَّرَا، فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ سَحُورِهِمَا، قَامَ نبَيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بها إِلَى الصَّلَاةِ، فَصَلَّى. قُلْنَا لأَنسٍ: كَمْ كَانَ بَيْنَ فَرَاغِهِمَا مِنْ سَحُورِهِمَا وَدُخُولهِمَا في الصَّلاةِ؟ قَالَ: قَدْرُ مَا يَقْرَأُ الرَّجُلُ خَمْسِينَ آية. (فلما فرغا (¬1) من سَحورهما): -بفتح السين المهملة- وهو اسم ما يؤكل في السحر، وأما (¬2) بالضم، فهو اسم لنفس الفعل، وسيأتي. * * * 399 - (577) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبي حَازِمٍ: أَنَّهُ سَمِعَ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ: كُنْتُ أتسَحَّرُ في أَهْلِي، ثُمَّ يَكُونُ سُرْعَةٌ بِي، أَنْ أُدْرِكَ صَلَاةَ الْفَجْرِ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. (ثم يكون سرعةٌ بي أن أدركَ صلاةَ الفجر): قال الزركشي: بنصب سرعة خبر مقدم، وبالرفع -في (¬3) لغة من جَوَّزَ الإخبارَ في بابِ كان عن النكرة بالمعرفة (¬4). ¬

_ (¬1) في "م" و"ج" و"ع": "فرغ". (¬2) في "ج": "أما". (¬3) في "ع": "على". (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 186).

قلت: لا يتعين تخريجُ الرفعِ على ذلك؛ إذ (¬1) يجوز أن (¬2) تكون تامة، و"أن أدرك" على حذف لام التعليل؛ أي: ثم توجد (¬3) سرعة بي لإدراكي (¬4) صلاة الفجر، وهذا وجه لا غبار عليه، ولا خلاف فيه، فالتخريج (¬5) عليه أَولى، وسُرْعة: بضم السين المهملة وإسكان الراء (¬6). * * * 400 - (578) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرتْهُ، قَالَتْ: كُنَّ نِسَاءُ الْمُؤْمِنَاتِ، يَشْهَدْنَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَاةَ الْفَجْرِ، مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ، ثُمَّ يَنْقَلِبْنَ إِلَى بُيُوتهِنَّ حِينَ يَقْضِينَ الصَّلَاةَ، لا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الْغَلَسِ. (كن (¬7) نساء المؤمنات): قال الزركشي: يجوز في "نساء" وجهان: النصب على أنَّه خبر كان، و"يشهدن" (¬8) خبر ثان. ¬

_ (¬1) في "ج": "إن". (¬2) في "م": "كون". (¬3) في "ج": "تؤخذ". (¬4) في "ع" و"ج": "لإدراك". (¬5) في "ج": "فالتصريح". (¬6) "الراء" ليست في "ج". (¬7) "كن" ليست في "ن". (¬8) في "ج": "ويشهد".

قلت: لا يظهر هذا الوجه؛ إذ ليس القصدُ إلَّا الإخبارَ عن (¬1) النسوة المصليات بأنهن (¬2) نساء المؤمنات، والمعنى (¬3) عليه، والذي يظهر أنَّه مفعولٌ بمحذوف، وذلك أنها (¬4) لما قالت: كُنَّ، فأضمرت، ولا مُعاد (¬5) في الظاهر، قصدت رفعَ اللَّبْس (¬6) بما قالته؛ أي: أعني: نساء المؤمنات، والخبر هو "يشهدن". الوجه الثاني: الرفعُ على أنَّه بدلٌ من الضمير في "كُنَّ"، أو اسم كان على لغة "أكلوني البراغيث". قال ابن مالك: وفي إضافة نساء إلى [المؤمنات شاهدٌ على إضافة الموصوف إلى الصفة عند أَمْن اللَّبْس؛ لأن] (¬7) الأصل: [وكن النساء المؤمنات، وهو نظير مسجد الجامع (¬8). قلت: فيؤول على أن الأصل] (¬9): نساءُ الطوائِف المؤمنات، والطوائفُ أعمُّ من النساء، فهو كنساء الحي، فلا يكون فيه شاهد. ¬

_ (¬1) في "ج": "على". (¬2) في "ن": "أنهن"، وفي "ج": "فإنهن". (¬3) في "م": "ولا المعنى". (¬4) في "ج": "لأنها". (¬5) في "م" و"ج": "معادًا". (¬6) في "ن": "اللبن". (¬7) ما بين معكوفتين سقط من "ن". (¬8) انظر: "التنقيح" (1/ 187). (¬9) ما بين معكوفتين سقط من "ج".

باب: من أدرك من الفجر ركعة

باب: مَنْ أدركَ من الفجر ركعةً 401 - (579) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، وَعَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، وَعَنِ الأَعْرَجِ، يُحَدِّثُونَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصُّبْح رَكعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ". (بُسْر بن سعيد): بضم الموحدة وإسكان السين المهملة. * * * باب: الصلاةِ بعد الفجر حتَّى ترتفعَ الشَّمسُ 402 - (581) - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبي الْعَالِية، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ، وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي عُمَرُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْح حَتَّى تَشْرُقَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ. حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَاسٌ بِهَذَا. (عن ابن عباس، قال: شهد عندي رجال مَرْضيون): أي: أخبرني (¬1) وأعلمني، وليس بمعنى الشهادة عند الحاكم قطعًا. ¬

_ (¬1) في "ن": "أخبروني".

(وأرضاهم عندي عمرُ): وفي التِّرْمِذِيّ: "سمعتُ غيرَ واحدٍ من أصحابِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، منهم عمر، وكانَ من أحبِّهم إليَّ" (¬1). وفيه: رد على الروافض فيما يدَّعونه من المباينة بين أهل البيت وأكابر الصَّحَابَة. (حتَّى تَشرُق): -بفتح التاء وضم الراء- لأجل رواية: "حتَّى تَطْلُعَ" (¬2)، -وبضم التاء وكسر الراء-، يقال: شرقت الشمسُ تشرق شروقًا: طلعت (¬3)، وأشرقت تُشرق إشراقًا: أضاءتْ وانبسطت. * * * 403 - (583) - وَقَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَأَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَأَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَغِيبَ". تَابَعَهُ عَبْدَةُ. (حاجب الشَّمس): هو حرفُها الأعلى من قُرصها، سُمي بذلك؛ لأنه أولُ ما يبدو (¬4) منها كحاجب الإنسان. * * * ¬

_ (¬1) رواه التِّرْمِذِيّ (183). (¬2) رواه البُخَارِيّ (1197) عن أبي سعيد الخُدرِيّ رضي الله عنه. (¬3) في "ع" و"ج": "فاطلعت". (¬4) في "ج": "يبدوا".

باب: لا يتحرى الصلاة قبل غروب الشمس

404 - (584) - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ عبيد الله، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بِيْعَتَيْنِ، وَعَنْ لِبْسَتَيْنِ، وَعَنْ صَلَاتَيْنِ: نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَعَنِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ، وَعَنْ الاِحْتِبَاءِ في ثَوْبٍ وَاحِدٍ، يُفْضِي بِفَرْجِهِ إِلَى السَّمَاءَ، وَعَنِ الْمُنَابَذَةِ، وَالْمُلَامَسَةِ. (عُبيد بن إسماعيل): تصغير عبد. (خُبيب): بضم الخاء المعجمة، مصغَّر. (نهى عن بِيعتين ولِبستين): -بكسر أولهما -؛ لأن المراد: الهيئةُ، لا المرَّةُ. * * * باب: لا يَتَحَرَّى الصَّلَاةَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ (باب: لا تُتَحَرَّى (¬1) الصلاةُ): بمثناة من فوق مفتوحة، على البناء للمفعول، والصلاةُ: -بالرفع- على أنَّه المفعول المُقام (¬2). 405 - (585) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لا يَتَحَرَّى أَحَدُكُمْ، فَيُصَلِّي عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلَا عِنْدَ غُرُوبِهَا". ¬

_ (¬1) كذا في رواية أبي ذر الهروي والأصيلي، وفي رواية ابن عساكر وأبِي ذر الهروي: "لا يتحرى"، وهي المعتمدة في النص. (¬2) في "ع" و"ج": "التام".

(لا يتحرى أحدُكم فيصلي): "لا" نافية (¬1)، والكلامُ خبر، ولك في المضارع المقرون بالفاء: النصبُ، مثل: ما تأتينا فتحدِّثَنا؛ أي: لا يكونُ من أحدِكم تَحَرٍّ في صلاة (¬2)، وما يكونُ منك (¬3) [إتيانٌ فحديثٌ، ومعنى هذا: نفيُ التحري، فتنتفي الصلاة، ونفيُ الإتيان فينتفي] (¬4) الحديثُ؛ أي: ما يتحرى، فكيف يصلي؟ وما يأتينا، فكيف يحدثنا؟! ويحتمل أن يكون معناه: نفيَ (¬5) الصلاة فقط، حتَّى كأنه قيل: لا يتحراها مصليًا، بل غير مصلٍّ، وكذا المثال. ويجوز الرفع على أن يكون عطفٌ على الفعل المنفي، فيكون كلٌّ منهما داخلًا (¬6) عليه حرف النفي. ولك الرفع على القطع، فيكون (¬7) موجبًا، وهذا متأتٍّ في المثال، لا في الحديث. * * * 406 - (587) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، قَالَ: سَمِعْتُ حُمْرَانَ بْنَ أَبَانَ يُحَدِّثُ عَنْ ¬

_ (¬1) في "ن": "لأنه فيه". (¬2) في "ن": "تحر فصلاه"، وفي "ج": "الصلاة". (¬3) في "ن": "مثل"، وفي "ج": "يكون من أحدكم منكم". (¬4) ما بين معكوفتين سقط من "ن". (¬5) في "ن": "يبقي". (¬6) في "ج": "داخل". (¬7) "فيكون" ليست في "ع".

باب: ما يصلى بعد العصر من الفوائت ونحوها

مُعَاوِيَةَ، قَالَ: إِنَّكمْ لَتصَلُّونَ صَلَاةً، لَقَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَمَا رَأَيْنَاهُ يُصَلِّيهَا، وَلَقَدْ نَهَى عَنْهُمَا. يَعْنِي: الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ. (محمَّد بن أَبان): بالصرف، وبتركه (1)، وقد مرَّ. * * * باب: ما يُصلَّى بعد العصرِ من الفوائتِ ونحوِها 457 - (590) - حَدَّثَنَا أَبُو نعيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبي: أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ، قَالَتْ: وَالَّذِي ذَهَبَ بِهِ! مَا تَرَكهُمَا حَتَّى لَقِيَ اللهَ، وَمَا لَقِيَ اللهَ تَعَالَى حَتَّى ثَقُلَ عَنِ الصَّلَاةِ، وَكَانَ يُصَلِّي كَثِيرًا مِنْ صَلَاتِهِ قَاعِدًا -تَعْنِي: الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ-، وَكانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّيهِمَا، وَلًا يُصَلِّيهِمَا في الْمَسْجدِ؛ مَخَافَةَ أَنْ يُثَقِّلَ عَلَى أُمَّتِهِ، وَكَانَ يُحِبُّ مَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ. (مخافة أن يثقِّل على أمته): يثقِّل: من التثقيل، فالفعل مسند إلى ضميرٍ [عائدٍ إليه، وتُخفف، وأوله بمثناة من فوق، فالفعل مسند إلى ضمير] (2) الصلاة. (وكان يحب أن يخفف عنهم): ببناء "يخفف" للفاعل وللمفعول (3). * * * (1) في "ن": "وتركه". (2) ما بين معكوفتين سقط من "ن" و"ع". (3) في "ج": "والمفعول".

باب: التبكير بالصلاة في يوم غيم

باب: التبكيرِ بالصَّلاةِ في يومِ غيمٍ 408 - (594) - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى -هُوَ ابْنُ أَبي كَثِيرٍ-، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ: أَنَّ أَبَا الْمَلِيح حَدَّثَهُ، قَالَ: كنَّا مَعَ بُرَيْدَةَ في يَوْمٍ ذِي غَيْمٍ، فَقَالَ: بَكِّرُوا بِالصَّلَاةِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ حَبِطَ عَمَلُهُ". (بكروا بالصلاة): أي: قَدِّموها في أول الوقت. * * * باب: الأذانِ بعد ذهابِ الوقتِ 409 - (595) - حَدَّثَنَا عِمْرانُ بْنُ مَيْسَرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ عبد الله بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أبَيهِ، قَالَ: سِرْنَا مَعَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةً، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: لَوْ عَرَّسْتَ بِنَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "أَخَافُ أَنْ تَنَامُوا عَنِ الصَّلَاةِ". قَالَ بِلَالٌ: أَنَا أُوقِظُكُمْ، فَاضْطَجَعُوا، وَأَسْنَدَ بِلَالٌ ظَهْرَهُ إِلَى رَاحِلَتِهِ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَنَامَ، فَاسْتَيْقَظَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَقَالَ: "يَا بِلَالُ! أَيْنَ مَا قُلْتَ؟ ". قَالَ: مَا أُلْقِيَتْ عَلَيَّ نومَةٌ مِثْلُهَا قَطُّ، قَالَ: "إِنَّ اللهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ، وَرَدَّهَا عَلَيْكُمْ حِينَ شَاءَ، يَا بِلَالُ! قُمْ فَأَذِّنْ بِالنَّاسِ بِالصَّلَاةِ"، فتَوَضَّأ، فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ وَابْيَاضَّتْ، قَامَ فَصَلَّى. (سرنا مع النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ليلة): كان ذلك في رجوعه من خَيبر. (لو عَرَّسْتَ بنا يَا رسول الله): يحتمل أن يكون "لو" للتمني،

فلا حذف، ويحتملُ الشرطيةَ، فالجوابُ محذوف؛ أي: لو عرست بنا، لاسترحْنا، والتعريس -بمهملات-: نزولُ المسافر من آخر (¬1) الليل للاستراحة. (يَا بلال! قم فأَذِّن): قال ابن المنير: فيه حجة لمن أذن للفوائت، ولا يعارضه حديثُ الخندقِ؛ لأن (¬2) تلك الصلاة لما اجتمعت هي (¬3) وغيرها، كانت في حكم الواحدة، ولهذا أَذَّنَ للعشاء خاصةً، ولأن المقصود بالأذان الجمعيةُ، وقد استُغني عنها بالجمعية للحاضرة (¬4). ألا ترى أنا نقول في الجمع بين الصلاتين (¬5) أذانٌ واحد على قول معتبر؟ وانظر إذا منعنا الأذانَ للفائتة كيف يُصنع بمساجد العشائر (¬6) إذا أخر الإمامُ الظهرَ -مثلًا - إلى آخر الأولى (¬7)، أو إلى أول (¬8) الثَّانية، هل يؤذن لها في (¬9) آخر وقتها، أو لا يؤذن؟ فما (¬10) يُرى أحد (¬11) يؤذِّنُ حينئذٍ إلَّا أُنكر عليه، ¬

_ (¬1) في "ع": "نزول المسافرين آخر". (¬2) في "ع": "ولأن". (¬3) في "ن": "وهي". (¬4) في "ن": "للحاضر"، وفي "ع" و"ج": "الحاضرة". (¬5) في "م": "الصلاة". (¬6) في "م": "العشاءين". (¬7) في "ن": "الفائتة الأولى"، وفي "ع": "العامة الأولى". (¬8) "أول" ليست في "ع". (¬9) في "ن": "وهي في". (¬10) في "ج": "فلا". (¬11) في "ن" و"ع": "أحدًا".

باب: من صلى بالناس جماعة بعد ذهاب الوقت

ولا كذلك (¬1) من يؤخر العتمة (¬2) أو الصبح إلى آخر وقتها، فإنَّه يؤذِّن، ولا ينكر عليه. والسرُّ في ذلك أن الأذان في الوقت المشترك يُلْبِس (¬3)، ويُظَنُّ (¬4) أنَّه أذان (¬5) للعصر (¬6) وهو ينوي الظهر، ولا كذلك العتمة (¬7) والصبح؛ لأنه لا زحمة حينئذ في وقتها (¬8). (وابياضَّتْ): بضاد مشددة بعد الألف. * * * باب: مَنْ صلَّى بالنَّاسِ جماعةً بعد ذهابِ الوقتِ 410 - (596) - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عبد الله: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَاءَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ، حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ، قَالَ ¬

_ (¬1) في "ع": "عليه وكذلك". (¬2) في "ع": "العتمة إلى آخِر الصبح". (¬3) "يلبس" ليست في "ن"، وفي "ع": "يلتبس". (¬4) في "ن": "وهو يظن". (¬5) في "ع": "أذن". (¬6) في "ن": و"ع": "العصر". (¬7) في "ع" و"ج": "في العتمة". (¬8) في "ن" و"ع": "وقتيهما".

النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَاللهِ! مَا صَلَّيْتُهَا". فَقُمْنَا إِلَى بُطْحَانَ، فَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ، وَتَوَضأْنَا لَهَا، فَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ. (عن أبي سَلَمَةَ): بفتحات. (ما كِدت): بكسر الكاف، وحكي ضمها. وكان هذا التأخير قبل صلاة الخوف، ثم نسخ. (فصلى العصر): أي: إمامًا، ففيه التجميعُ للفوائت (¬1)، وهو خلاف قول الليث. قال ابن بطال: ولا فرق بين الجمعة وغيرها في قياس ولا نظر؛ بدليل هذا الحديث يشير إلى أنَّه حجة على مالك -رَضِيَ الله عَنْهُ- حيث قال: لا يجمع ممن فاتته الجمعة إلَّا المرضى (¬2) والمسافرون والمسجونون (¬3) (¬4). قال ابن المنير: والفرق ظاهر، وذلك أن سَدَّ الذريعة في الجمعة يقتضي منعَ (¬5) التجميع للظهر؛ لئلا يجدَ أهلُ البدعة (¬6) ذريعةً بذلك (¬7)، ¬

_ (¬1) في "ج": "للفوات". (¬2) في "ج": "إلَّا أن المرضى". (¬3) في "ج": "المسجونين". (¬4) انظر: "شرح ابن بطال" (2/ 216 - 217). (¬5) في "ن" و "ع": "مع". (¬6) في "ن": "البدع"، وفي "ع": "الذرع". (¬7) في "ع": "لذلك".

باب: من نسي صلاة، فليصل إذا ذكرها

وهم لا يرون صلاة إلَّا (¬1) خلف المعصوم، فيجمعون (¬2) للظهر لحجة (¬3) العذر، ونيتُهم التتميم (¬4) على المسلمين، ولا يعهد في مصر من أمصار المسلمين مسجدٌ (¬5) أقيمت فيه (¬6) الظهرُ يومَ الجمعة جماعةً بحجة أن أهله شملَهم العذرُ، ولأجل هذا لم يجوز مالكٌ جمعَها إلَّا لمن لا يحضر المسجد؛ كالمريض والمسجون والمسافر؛ لأن (¬7) هؤلاء لا يتهمون. * * * باب: مَنْ نسِيَ صلاةً، فليصلِّ إذا ذكرها 411 - (597) - حَدّثَنَا أبو نعيْمِ، وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَا: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنس، عَنِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "مَنْ نسَيَ صَلَاةً، فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا، لا كَفَّارَةَ لَهَا إلا ذَلِكَ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} " [طه: 14]. قَالَ مُوسَى: قَالَ هَمَّامٌ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ بَعْدُ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14]. وَقَالَ حَبَّانُ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ: حَدَّثَنَا قتادَةُ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، نَحْوَهُ. ¬

_ (¬1) في "ن" و"ج": "الجمعة إلَّا". (¬2) في "ن" و"ع": "فيجتمعون". (¬3) في "ن" و"ع": "بحجة". (¬4) في "ن" و"ع": "التيمم". (¬5) "مسجد" ليست في "ع". (¬6) "فيه" ليست في "ج". (¬7) في "ج": "لا".

باب: ما يكره من السمر بعد العشاء

{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14]: الأَّمر في الآية لموسى - عليه السلام -، فنبه النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - بتلاوة هذه الآية [على ثبوت هذا الحكم في حقنا، وأخذه من هذه الآية] (¬1) التي تضمنت الأمر لموسى - عليه السلام -، وأن هذا شرع لنا أَيضًا. (قال همام: سمعته بعدُ يقول): الضمير يرجع إلى قتادة. * * * باب: مَا يُكْرَهُ مِنَ السَّمَرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ (من السمَر بعد العشاء): بفتح ميم (¬2) السمر. قال القاضي: كذا الرواية. قال أبو مروانَ بنُ سِراج: الإسكان أولى؛ لأنه اسم الفعل، وكذا ضبطه بعضهم، وبالفتح-: هو الحديثُ بعدَها، وأصلُه لونُ ضوء القمر؛ لأنهم (¬3) كانوا يتحدثون إليه، ومنه سمي الأسمر؛ لشبهه ذلك اللون (¬4). * * * باب: السَّمرِ في الفقهِ والخيرِ بعد العشاءِ 412 - (600) - حَدَّثَنا عبد الله بنُ الصَّباحِ، قَالَ: حَدَّثَنا أَبُو عَلِيٍّ ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬2) في "ج": "الميم". (¬3) "لأنهم" ليست في "ج". (¬4) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 220).

الحَنَفِيُّ: حَدَّثَنا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: انْتَظَرْنَا الْحَسَنَ، وَرَاثَ عَلَيْنَا، حَتَّى قَرُبْنَا مِنْ وَقْتِ قِيَامِهِ، فَجَاءَ فَقَالَ: دَعَانًا جِيرَانُنَا هَؤُلَاءِ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ أَنسٌ: نظَرْنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ لَيْلَةٍ، حَتَّى كانَ شَطْرُ اللَّيْلِ يَبْلُغُهُ، فَجَاءَ فَصَلَّى لَنَا، ثُمَّ خَطَبَنَا فَقَالَ: "أَلا إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا ثُمَّ رَقَدُوا، وَإِنَّكمْ لَمْ تَزَالُوا في صَلَاةٍ مَا انْتَظَرْتُمُ الصَّلَاةَ". قَالَ الْحَسَنُ: وَإِنَّ الْقَوْمَ لا يَزَالُونَ بِخَيْرٍ مَا انْتَظَرُوا الْخَيْرَ. قَالَ قُرَّةُ: هُوَ مِنْ حَدِيثِ أَنسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (راث): -بثاء مثلثة-: أبطأ. (جِيراننا): -بكسر الجيم- جمع جار. * * * 413 - (601) - حَدَّثَنا أَبُو اليَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمُ بنُ عبد الله بنِ عُمَرَ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ: أَن عبد الله بْنَ عُمَرَ قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَاةَ الْعِشَاءِ في آخِرِ حَيَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ، قَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فَإِنَّ رَأْسَ مِئَةٍ، لا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَد". فَوَهَلَ النَّاسُ في مَقَالَةِ رَسُولِ اللهِ -عَلَيْهِ السَّلامُ- إِلَى مَا يَتَحَدَّثُونَ مِنْ هَذِهِ الأَحَادِيثِ، عَنْ مِئَةِ سَنَةٍ، وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ"، يُرِيدُ بِذَلِكَ: أَنَّهَا تَخْرِمُ ذَلِكَ الْقَرْنَ. (ابن أبي حَثْمة): بحاء مهملة مفتوحة وثاء مثلثة ساكنة.

باب: السمر مع الضيف والأهل

(فوَهَل النَّاس): -بفتح الواو والهاء-؛ أي: ذهبَ وهمهم (¬1) إلى ما أريد بذلك، وسياقُ الحديث يرفع الإشكال. * * * باب: السَّمرِ مع الضَّيفِ والأهلِ 414 - (602) - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي بَكْرٍ: أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا أُنَاسًا فُقَرَاءَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ، فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ، وَإِنْ أَرْبَعٌ، فَخَامِسٌ أَوْ سَادِسٌ". وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ بِثَلَاثَةٍ، فَانْطَلَقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَشَرَةٍ، قَالَ: فَهْوَ أَنَا وَأَبي وَأُمِّي، فَلَا أَدْرِي قَالَ: وَامْرَأَتِي وَخَادِمٌ، بَيْنَنَا وَبَيْنَ بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ تَعَشَّى عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ لَبِثَ حَيْثُ صُلِّيَتِ الْعِشَاءُ، ثُمَّ رَجَعَ فَلَبِثَ حَتَّى تَعَشَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَاءَ بَعْدَ مَا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ الله، قَالَتْ لَهُ امْرَأتهُ: وَمَا حَبَسَكَ عَنْ أَضْيَافِكَ، أَوْ قَالَتْ ضَيْفِكَ؟ قَالَ: أَوَمَا عَشَّيْتِيهِمْ؟ قَالَتْ: أَبَوْا حَتَّى تَجيءَ، قَدْ عُرِضُوا فَأَبَوْا، قَالَ: فَذَهَبْتُ أَنَا فَاخْتَبَأْتُ، فَقَالَ: يَا غُنْثَرُ! فَجَدَّع وَسَبَّ، وَقَالَ: كُلُوا لا هَنِيئًا، فَقَالَ: وَاللهِ! لا أَطْعَمُهُ أَبَدًا، وَايْمُ اللهِ! مَا كُنَّا نَأْخُذُ مِنْ لُقْمَةٍ إلا رَبَا مِنْ أَسْفَلِهَا أَكثَرُ مِنْهَا، قَالَ: يَعْنِي: حَتَّى شَبِعُوا، وَصَارَتْ أَكثَرَ مِمَّا كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ، فَإِذَا هِيَ كَمَا هِيَ، أَوْ أكثَرَ مِنْهَا، فَقَالَ لأمْرَأَتِهِ: يَا أُخْتَ بَنِيْ فِرَاسٍ! مَا هَذَا؟ قَالَتْ: لا وَقُرَّةِ عَيْني، لَهِيَ إلَّا أَنْ أكثَرَ مِنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ، ¬

_ (¬1) في "م" و"ج": "وهمتهم".

فَأَكَلَ مِنْهَا أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ -يعْنِي: يَمِينَهُ-، ثُمَّ أكلَ مِنْهَا لُقْمَةً، ثُمَّ حَمَلَهَا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ، وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمٍ عَقْدٌ، فَمَضَى الأَجَلُ، فَفَرَّقَنَا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، مَعَ كلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أُنَاسٌ، الله أَعْلَمُ كَمْ مَعَ كلِّ رَجُلٍ، فَأَكَلُوا مِنْهَا أَجْمَعُونَ. أَوْ كَمَا قَالَ. (وإن أربعٍ، فخامس أو سادس): قيده بعضهم بجر الجميع (¬1)، والتقدير: وإن كان عنده طعام أربع، فليذهب بخامس، أو سادس، فحذف الجار، وأبقى عمله؛ كقراءة بعضهم: {وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [الأنفال: 67]؛ أي: يريد (¬2) ثوابَ الآخرةِ، وكما روى يونس عن العرب: مررت برجلٍ صالحٍ، وإن لا صالحٍ فطالحٍ، على تقدير: وإن لا أمر بصالحٍ، فقد مررتُ بطالحٍ. (فلبث حتَّى تعشى - صلى الله عليه وسلم -): تعشى -بمثناة من فوق وعين مهملة وستين معجمة (¬3) -، كذا في البُخَارِيّ (¬4)، ووقع في "صحيح مسلم": حتَّى نعس (¬5) (¬6): -بنون وعين وسين مهملتين-، قال القاضي: وهو الصواب (¬7). ¬

_ (¬1) في "م": "الجمع". (¬2) "يريد" ليست في "ن" و"ع". (¬3) "وستين معجمة" ليست في "ن". (¬4) في "ن" و "ع": "للبخاري". (¬5) في "ن": "نعس النَّبِيّ". (¬6) رواه مسلم (2057). (¬7) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 19).

(أوما عَشَّيْتيهم (¬1)): قال المهلب: فيه أن الولد والأهل يلزمهم من التحفي بأمور الضيف مثلُ ما يلزمُ صاحبَ المنزل. قال ابن المنير: وفيه حجة لتصحيح ذبحِ الولدِ المدلِّ عن أَبيه الضحيةَ قبل حضوره؛ لأنه مأذونٌ بالعادة فيه. وفيه إيماء لتنفيذ نكاح الأخ أختَه البكرَ إذا أمضاه الأبُ؛ بخلاف الأجنبي. قلت: الظاهرُ أنْ لا حجةَ ولا إيماءَ في ذلك. (قد عُرِّضوا): قيل: بضم العين وتشديد الراء المكسورة؛ أي: أُطعموا من العُراضة: -بضم العين-، وهي الميرة، حكاه (¬2) الزركشي عن الجوهري (¬3). وقال في "المشارق": عُرِضوا -بتخفيف الراء، على ما لم يسم فاعله-؛ أي: أُطعموا، والعَراضة: -بفتح العين-: الهدية (¬4). (يَا غُنْثَرُ!): بغين معجمة مضمومة فنون ساكنة فثاء مثلثة. قال القاضي: -بالفتح والضم- عن أبي الحسين وغيره. وذكر الخطابي فيه عن النسفي: أنَّه -بعين مهملة وتاء مثناة من فوق-، وفسره بالذباب الأخضر أو الأزرق (¬5)، والصحيح الأول، ومعناه: ¬

_ (¬1) في "ن" و "ع": "عشيتهم". (¬2) "حكاه" ليست في "ع". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 190). وانظر: "الصحاح" للجوهري (3/ 1087)، (مادة: عرض). (¬4) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 75)، ووقع عنده: "والعُراضة: بضم العين". (¬5) في "م": "الأخضر الأزرق".

يَا لئيمُ يَا دنيءُ! تحقيرًا له، تشبيهًا بالذباب، والغنثر: ذباب، كذا في "المشارق" (¬1). (فجَدَّعَ): -بجيم مفتوحة ودال مشددة-؛ أي: دعاء بقطع الأنف أو الأذن أو الشفة (¬2)، وقيل: هو السبُّ. (وأيم الله!): -بقطع همزة "أيم"، ووصلها- وقد مر ضبطه. (رَبَا): براء وموحدة. (أكثر): بالمثلثة والموحدة. (فقالت: لا وقرة عيني!): "لا": إما زائدة، أو نافية؛ أي: لا شيء غير (¬3) ما أقوله وحَقِّ قرةِ عيني، لهي (¬4) الآنَ أكثرُ منها قبلَ ذلك ثلاث مرات. قيل: وأرادت بـ: قرة عينها: النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -. ففيه: الحلف بالمخلوق، ويحتمل: وخالقِ قرةِ عيني! (ففرقنا اثني عشر رجلًا): هكذا بالياء في بعض النسخ، ووجهها واضح، وهو النصب على الحال من مفعول فرقنا، وفي بعضها بالألف على لغة بني الحارثِ (¬5) بنِ كعب، قاله ابن مالك (¬6) (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 93). (¬2) في "ج": "والأذن والشفة". (¬3) في "م": "وغير". (¬4) في "ج": "لهن". (¬5) في "م": "بلحارث"، وفي "ن": "لمحارب"، وفي "ج": "بالحارث"، والتصويب من "شواهد التوضيح". (¬6) في "ع": "على لغة كعب بن مالك". (¬7) انظر: في "شواهد التوضيح" له (ص: 97).

كتاب الأذان

كِتابُ الأَذان

باب: بدء الأذان

كِتابُ الأَذانِ باب: بَدْءُ الأَذَانِ (بدء الأذان): بهمزة بعد الدال المهملة. 415 - (604) - حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، قَالَ: حَدّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَني نَافِعٌ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا المَدِينَةَ، يَجْتَمِعُونَ، فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلَاةَ، لَيْسَ يُنَادَى لَهَا، فَتكَلَّمُوا يَوْمًا في ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى، وَقَالَ بَعْضُهُم: بَلْ بُوقًا مِثْلَ قَرْنِ الْيَهُودِ، فَقَالَ عُمَر: أَوَ لا تَبْعَثُونَ رَجُلًا يُنَادِي بِالصَّلَاةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا بِلَالُ! قُمْ فَنَادِ بِالصَّلَاةِ". (يتحينون): يتفعلون؛ من الحسين (¬1)، وهو الوقت؛ أي: يقدِّرون أحيانها ليدركوها (¬2) في الوقت. (ناقوسًا): توقف الجواليقي هل هو عربي أو (¬3) معرب (¬4). ¬

_ (¬1) في "ج": "يتفعلون الخير". (¬2) في "ن" و"ع" و"ج": "ليدركونها". (¬3) في "ن": "أم". (¬4) في "ع": "عربي معرب".

باب: الأذان مثنى مثنى

قال الزركشي: وهو خشبة طويلة تضرب بأصغر منها (¬1). * * * باب: الأَذَانُ مَثْنَى مَثْنَى (باب الأذان مثنى مثنى): الثاني تأكيد للأول كما قاله (¬2) ابن الحاجب، وقد مر البحث فيه. 416 - (605) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنسٍ، قَالَ: أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ، وَأَنْ يُوتِرَ الإقَامَةَ، إلا الإقَامَةَ. (أُمِر بلال): بالبناء للمفعول، كذا هنا، وفي النَّسائيّ: "أمر النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - بلالًا" (¬3). (أن يشفع الأذان): أي: يجعل كلماته مثناة. (ويوتر الإقامة): أي: يُفردها، وظاهره يدل للمالكية في إيتار لفظ الإقامة، والشافعي يثنيه عملًا بالحديث الآخر، ويوتر الإقامةَ إلَّا الإقامَة (¬4)؛ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 191). (¬2) في "ج": "قال". (¬3) رواه النَّسائيّ (627). (¬4) "إلَّا الإقامة" ليست في "ج"، والحديث رواه البُخَارِيّ (580)، عن أنس -رضي الله عنه- أَيضًا.

باب: فضل التأذين

أي: إلَّا لفظ (¬1): قد قامت الصلاة. ومذهبُ مالك يتأيد بعمل أهل المدينة، وهو في مثل هذا قوي؛ لأن طريقه (¬2) النقلُ، والعادةُ في مثله تقتضي شيوعَ العمل، وإنه لو كان تغيُّر، لعُلم. * * * باب: فضلِ التَّأذينِ 417 - (608) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ، أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ، حَتَّى لا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ، فَإِذَا قَضَى النِّدَاءَ، أَقْبَلَ، حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ، أَدْبَرَ، حَثَّى إِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ، أَقْبَلَ، حَتَّى يَخْطُرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ، يَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا، اذْكُرْ كذَا؛ لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكرُ، حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لا يَدْرِي كَمْ صَلَّى". (حتى إذا ثوّب): بثاء مثلثة وواو مشددة، مبني للمفعول؛ أي: أُعيد الدعاء إليها، والمرادُ: الإقامة. (حتَّى يخطر): قال القاضي: ضبطناه عن المتقنين بالكسر، وسمعناه من أكثر الرواة بالضم، والكسرُ هو الوجه؛ أي (¬3): يوسوس، وأما الضم: ¬

_ (¬1) في "ع": "ويوتر الإقامة؛ أي: ألفاظ الإقامة، إلَّا لفظ"، وفي "ج": "إلَّا لفظ الإقامة". (¬2) في "ج": "طريقة". (¬3) في "ن": "الذين".

فمن المرور (¬1). (حتَّى يظَل): بظاء معجمة مفتوحة، كذا الرواية (¬2)، والرجلُ: اسمُها، والفعلية الآتية خبرُها. وحكى الداودي: يضل (¬3)؛ من الضلال بمعنى: ينسى. (إِن يدري كم صلى): "إِن" -بكسر الهمزة- نافية على وفق الرواية الأخرى: "لا يدري" (¬4)، ويروى: بفتحها. قال ابن عبد البر: هي رواية أكثرهم (¬5). قال صاحب "المفهم": وكذا ضبطها الأصيلي في البُخَارِيّ: "أَنْ" بالفتح، وليست (¬6) بشيء إلَّا مع رواية الضاد، فيكون أن مع الفعل بتأويل المصدر مفعول (¬7) "يضل أن يدري" بإسقاط (¬8) حرف الجر؛ أي: يضل عن درايته، وينسى عدد ركعاته (¬9). ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 234). (¬2) "الرواية" ليست في "ن". (¬3) في "ن": "حتَّى يضل". (¬4) رواه البُخَارِيّ (1222). (¬5) انظر: "التمهيد" (18/ 319). (¬6) في "ع" و"ج": "وليس". (¬7) في "م": "ومفعول". (¬8) في "م" و"ع": "يضل أن بإسقاط". (¬9) انظر: "المفهم" للقرطبي (2/ 17)، وانظر: "التنقيح" (1/ 192).

باب: رفع الصوت بالنداء

قلت: بل هي شيء حسن مع رواية الظاء المعجمة، ووجهها (¬1) أن يكون الخبر محذوفًا لدلالة الكلام عليه، والتقدير حتَّى يظل (¬2) الرجلُ جاهلًا درايتَه بعدد الركعات، ولا نقدر حرفًا، أو حتَّى يظل الرجلُ ساهيًا عن أن يدري، والحرفُ محذوف، وهذا مثل ما خرج عليه مع كون يضل بالضاد، والمعنى واحد، فتأمله. * * * باب: رَفْعِ الصَّوْتِ بِالنِّدَاءِ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَذِّنْ أَذَانًا سَمْحًا، وَإِلَّا فَاعْتَزِلْنَا. (وقال عمر [بن] عبد العزيز: أذن أذانًا سمْحًا): -بإسكان الميم-؛ من السماحة (¬3)، وهي عدم الاشتطاط. وأورد ابن المنير سؤالًا، فقال: ما وجهُ دخولِ قولِ عمر في رفع الصوت، وقد أمر مؤذنه أن يؤذن (¬4) أذانًا سمحًا، وهدده على ترك ذلك بالعزل، فهو حض على غض الصوت، أو ترك التطريب، ولا يلزم من النهي عن التطريب الأمرُ برفع الصوت؟ وأجاب: بأن البُخَارِيّ أراد: أنَّه ليس كل رفعٍ محمودًا (¬5)، إلَّا رفعًا (¬6) ¬

_ (¬1) في "ع": "ووجهًا". (¬2) في "ن": "يضل بالرجل"، وفي "ع": "يضل الرَّجل". (¬3) في "م": "المسامحة". (¬4) "أن يؤذن" ليست في "ن". (¬5) في "ع": "محمود". (¬6) في "ج": "رفع".

باب: ما يحقن بالأذان من الدماء

بهذه المثابة غير مطرب (¬1)، أو غير (¬2) عال فظيع. * * * 418 - (609) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عبد الله بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الأَنْصَارِيِّ ثُمَّ الْمَازنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ لَهُ: إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ في غَنَمِكَ، أَوْ بَادِيَتِكَ، فَأَذَّنْتَ بِالصَّلَاةِ، فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ، فَإِنَّهُ: "لا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ، إلا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. (لا يسمع مَدى صوت المؤذن): -بفتح الميم-؛ من مدى الشيء؛ أي: غايته. * * * باب: ما يُحقَنُ بالأذان من الدِّماء 419 - (610) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا غَزَا بِنَا قَوْمًا، لَمْ يَكُنْ يَغْزُو بِنَا حَتَّى يُصْبحَ وَيَنْظُرَ: فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا، كَفَّ عَنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا، أَغَارَ عَلَيْهِمْ. قَالَ: فَخَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ، فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِمْ ¬

_ (¬1) في "ع": "منطرب". (¬2) "غير" ليست في "ع".

باب: ما يقول إذا سمع المنادي

لَيْلًا، فَلَمَّا أَصْبَحَ، وَلَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا، رَكبَ، وَرَكبْتُ خَلْفَ أَبي طَلْحَةَ، وَإِنَّ قَدَمِي لَتَمَسُّ قَدَمَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: فَخَرَجُوا إِلَيْنَا بِمَكَاتِلِهِمْ وَمَسَاحِيهِمْ، فَلَمَّا رَأَوُا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَاللهِ، مُحَمَّد وَالْخَمِيسُ، قَالَ: فَلَمَّا رَآهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "الله أكبَرُ، الله أكبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ". (أغار): كذا بالهمزة، ويقال: غار -ثلاثيًّا-، وهو الهجوم على العدو ضحًى (¬1) من غير إعلامهم (¬2). * * * باب: ما يقولُ إذا سَمِعَ المنادِي 420 - (612) - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ: أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يَوْمًا: فَقَالَ مِثْلَهُ، إِلَى قَوْلِهِ: "وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ". حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى نَحْوَهُ. (وهب بن جرير): بجيم وراءين بينهما ياء، على زنة رغيف. * * * ¬

_ (¬1) في "ن": "صبحًا". (¬2) في "ع" و"ج": "ضحى من غير إعلام".

باب: الدعاء عند النداء

باب: الدُّعاءِ عندَ النِّداءِ 421 - (614) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أبي حَمْزَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عبد الله: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ". (علي بن عياش): بمثناة وستين معجمة. (شعيب بن أبي حمزة): بحاء مهملة وزاي. (مقامًا محمودًا الذي وعدته): بدل من النكرة، أو صفة لها على رأي الأخفش القائل بجواز وصفه به إذا تخصصت بوصف، أو مرفوع خبر مبتدأ محذوف. * * * باب: الاِسْتِهَامِ في الأَذَانِ (باب: الاستهام في الأذان): والاستهام: الاقتراع بالسهام. 422 - (615) - حَدَّثَنا عبد الله بنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرنَا مَالِكٌ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا في النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجدُوا إلا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَليهِ، لاسْتَهَمُوا، ولَو يَعْلَمُونَ مَا في التَّهْجيرِ، لاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا في العَتْمَةِ والصُّبحِ، لأَتَوْهُمَا ولَو حَبْوًا".

(لو يعلم النَّاس): عدل عن الأصل، وهو كون شرطها فعلًا ماضيًا، إلى (¬1) كونه مضارعًا؛ قصدًا لاستحضار صورة المتعلق (¬2) بهذا الأمر العجيب الذي يفضي (¬3) الحرصُ على تحصيله إلى الاستهام عليه. (لاستهموا عليه (¬4)): أي: اقترعوا، وقيل: لتنافسوا في الابتداء به حتَّى تؤدي إلى الاقتراع. وأورد ابن المنير سؤالًا، فقال: الاستهامُ على الإمامة متوجه؛ لأن الإِمام لا يكون إلَّا واحدًا، وأما الأذان، فقد كان يمكن أن يؤذنوا كلهم، فما وجه تنافسهم وازدحامهم؟ وأجاب: بأنهم إما أن يستهموا على التولية؛ بحيث يكون المؤذن مُوَلًّى من قبل الإِمام، وللولاية (¬5) مزية؛ لأن صاحبها يلتزم (¬6) الوظيفة، فهو من جنس مزية أهل الديوان على المطوعة (¬7)؛ لأن المدونين (¬8) يلتزمون ويروعون، وإما أن يكون استهامهم (¬9) على أن يكون أحدهم صاحبَ الوقت ¬

_ (¬1) في "ج": "أي". (¬2) في "ن" و "ع": "العلم المتعلق". (¬3) في "ن": "يقضي"، وفي "ع": "يقتضي". (¬4) "عليه" ليست في نص البُخَارِيّ- نسخة اليونينية. (¬5) في "ج": "والولاية". (¬6) في "ع" و"ج": "يلزم". (¬7) في "ع": "المتطوعين". (¬8) في "ع": "المؤذنين". (¬9) في "ع": "يكون المؤذن الاستفهام".

يقلَّد ويرجَع إليه، وإما أن يكون على الانفراد؛ أي: في أن يكون المؤذن واحدًا، والناس يستمعون، أو عددًا محصورًا. وأما الصف الأول، فالظاهر أنَّه باعتبار الموقف، لا باعتبار السبق؛ لأن الذي يمكن أن يستهم فيه الموقف، وأما السبق، فلا زحمة فيه، ولهذا خص الأذان والصف الأول بالاستهام، وقيل في غيره: "لاستبقوا"، ولم يقل (¬1): لاستهموا. انتهى. والضمير المجرور في قوله: لاستهموا عليه: قال ابن عبد البر: عائد (¬2) على الصف الأول، وهو أقرب مذكور. قال: وهذا وجه الكلام (¬3). والظاهر خلافُ ما قال، وأن يكون الضمير عائدًا على مجموع النداء والصف الأول باعتبار (¬4) كونهما شيئًا (¬5) مذكورًا؛ أي: لاستهموا على المذكور، وهو الأذان والصف الأول، ومثلُ هذا ليس بعزيز في كلام العرب، وقد فعلوا ذلك في اسم الإشارة، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان: 68]؛ أي: يفعل المذكورَ من كذا وكذا وكذا (¬6)، وعلى ¬

_ (¬1) في "ع": "وإن لم يقل". (¬2) "عائد" ليست في "ع". (¬3) انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (1/ 378). (¬4) في "ج": "وباعتبار". (¬5) في "ج": "سببًا". (¬6) في "ع": "من كذا وكذا".

باب: الكلام في الأذان

هذا جرى البُخَارِيّ، ولا شك أنَّه أَولى من الأول؛ لأنه إن (¬1) رجع (¬2) إلى الصف الأول، بقي ذكرُ النداء ضائعًا، فإن قدر: لو يعلم النَّاس ما في النداء، لاستهموا عليه، وما في الصف الأول، لاستهموا، لكنه (¬3) حذف من الأول لدلالة الثاني، جاء ما قاله البُخَارِيّ، مع أن الحذف مستغنًى عنه كما (¬4) قدرناه. * * * باب: الكلامِ في الأذانِ 423 - (616) - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنا حَمَّادٌ، عَنْ أَيوبَ، وعَبْدِ الحَميدِ صَاحِبِ الزِيادِيِّ، وعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ عبد الله بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ في يَوْمٍ رَدْغٍ، فَلَمَّا بَلَغَ الْمُؤَذِّنُ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ: الصَّلَاةَ في الرِّحَالِ، فَنَظَرَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، فَقَالَ: فَعَلَ هَذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، وَإِنَّهَا عَزْمَةٌ. (في يوم ذي (¬5) رَدغْ): -براء مفتوحة فدال مهملة (¬6) ساكنة، أو مفتوحة فغين معجمة-: الغيم البارد، وقيل: المطر، ويروى: "رزغ" بزاي في موضع الدال. ¬

_ (¬1) "إن" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "راجع". (¬3) في "ن": "عليه لكنه". (¬4) في "ن" و"ع": "بما". (¬5) "ذي" ليست في نص البُخَارِيّ - نسخة اليونينية. (¬6) "مهملة "ليست في "ن".

(الصلاةَ في الرحال): بنصب الصلاة على الإغراء، وبرفعها على الابتداء، والمراد: أن الصلاة توقع في مواضع الرحال. (وإنها عَزْمة): بفتح العين المهملة وإسكان الزاي، والضمير للجمعة. قال ابن الملقن: وقد جاء في بعض طرقه مفسرًا: أن الجمعة عزمة (¬1) (¬2). قال الزركشي: ولم يسبق لها في الحديث ذكر (¬3). قلت: لكن سبقَ ما يرشد إليها، وهو قوله: خطبنا، وليس من شرط (¬4) مَعاد الضمير أن يكون مذكورًا بالمطابقة. قال ابن المنير: وظاهرُ الحديث -فيما أفهم-: أنَّه صلى بهم الجمعة، ولم يرخص فيها، وإنما قال: الصلاة في الرحال؛ إشارة إلى العصر، كأنه حمل عنهم (¬5) الجماعة (¬6)، وإلا، فلا وجه لكونه جمعهم بالأذان للجمعة وخطبهم، ثم يبيح لهم التخلف عن الجمعة، وهم قد (¬7) حضرواه وأما قوله: وإنها (¬8) عزمة، فيحتمل أن يريد الجمعة؛ أي: هي ¬

_ (¬1) في ع": "عزيمة". (¬2) انظر: "التوضيح" (6/ 350). (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 194). (¬4) في "ج": "شروط". (¬5) في "ج": "عندهم". (¬6) في "ن" و"ع": "الجماعة فيها". (¬7) في "ن": "وهم فقد"، وفي "م": "وقد". (¬8) "وإنها" ليست في "ج"، وفي "م": "فإنها".

باب: أذان الأعمى إذا كان له من يخبره

عزمة (¬1)، والاجتماع لها واجب؛ بخلاف العصر، فقرن (¬2) لهم بين كونه جمعهم للجمعة، وحمل عنهم الجماعة في العصر بما ذكره. ويحتمل أن يريد: أن هذه الرخصة في ترك الجماعة في العصر في المطر عزيمة، لا (¬3) يؤخذ بغيرها (¬4)؛ لئلا يشددوا على أنفسهم ويحضروا. ويحتمل أن يكون جمعهم للجمعة حتَّى أعلمهم أن الرخصة في تركها سنة، فيعملون (¬5) بذلك في المستقبل، فهذا معنى كلام المهلب. انتهى. والاحتمال الأول هو الظاهر. والله أعلم (¬6). * * * باب: أذانِ الأعمى إذا كان له من يُخْبِرُه 424 - (617) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عبد الله، عَنْ أبَيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ". ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى، لا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ. ¬

_ (¬1) في "ن" و"ع": "عزيمة". (¬2) في "ن" و"ع": "ففرق". (¬3) في "ن": "أو". (¬4) في "ع": "لا يوجد لغيرها". (¬5) في "ن" و"ع": "فيعلمون". (¬6) "والله أعلم" ليست في "ع" و"ج".

باب: الأذان قبل الفجر

(حتَّى يقال له: أصبحتَ أصبحتَ): أي: قاربت الصبح (¬1) جدًّا، فالذي يأكل مع قول القائل: أصبحتَ، إنما أكل في آخر الليل (¬2)، وإلا، فلو كان المرادُ بـ: أصبحتَ: دخلتَ في الصبح، لكان الأكلُ حينئذ أكلًا مع الفجر. * * * باب: الأذانِ قبلَ الفجرِ 425 - (621) - حَدَّثنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنا زُهَيْرٌ: حَدَّثنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ عبد الله بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "لا يَمْنَعَنَّ أَحَدُكُمْ -أَوْ أَحَدًا مِنْكُمْ- أَذَانُ بِلَالٍ مِن سَحُورِهِ؛ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ -أَوْ يُنَادِي- بِلَيلٍ، لِيَرْجِعَ قَائِمَكُم، وَلِيُنَبِهِ نَائِمَكُمْ، وَلَيْسَ أَنْ يَقُولَ الفَجْرُ، أَو الصَّبْحُ". وقَالَ بِأَصابِعِهِ، وَرَفَعَهَا إِلَى فَوْقُ، وَطَاْطَأَ إِلَى أَسْفَلَ: "حَتَّى يَقُولَ هَكَذَا". وَقَالَ زُهَيْرٌ بِسَبَّابَتَيْهِ: إِحْدَاهُمَا فَوْقَ الأُخْرَى، ثُمَّ مَدَّهَا عَنْ يَمِينهِ وَشِمَالِهِ. (النَّهدي): بفتح النُّون. (لا يمنعن أحدكم أذانُ بلال من سَحوره): الزركشي: بفتح السين (¬3). قلت: فيقدَّر حينئذ مضاف (¬4)؛ أي: من أكلِ سَحوره، ولو كان ¬

_ (¬1) في "ن": "الصباح". (¬2) في "ع": "النهار". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 194). (¬4) في "ع": "مضافًا".

بالضم، لم يحتج إلى تقدير. (ليرجع): مضارع رَجَعَ المتعدي إلى واحدٍ؛ مثل: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ} [التوبة: 83]، {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10] وفاعله (¬1) ضمير يعود على بلال. (قائمَكم): -بالنصب- على أنَّه مفعول يرجع؛ أي: ليرجع (¬2) مَنْ قد قام إلى الاستراحة بنومة السحر. (ولينبه نائمَكم): أي: للصلاة. (ويرفعها (¬3) إلى فوقٍ): قال الزركشي: بالجر والتنوين؛ لأنه ظرف متصرِّفٌ، وبالضم على البناء، وقطعه عن (¬4) الإضافة (¬5). قلت: ظاهره (¬6) أن قطعَه عن الإضافة مختصٌ (¬7) في حالة البناء على الضم، دونَ حالة تنوينه، وهو أمر قد ذهب إليه بعضُهم، ففرق بين جئتُ قبلًا، وجئتُ من قَبْلُ بأنه أعرب الأول؛ لعدم تضمن (¬8) الإضافة، ومعناه جئتُ متقدِّمًا (¬9)، وبُني الثاني؛ لتضمنها، ومعناه: ¬

_ (¬1) في "ع": "فاعله". (¬2) في "ع": "لا يرجع". (¬3) عند البُخَارِيّ -نسخة اليونينية: "ورفعها". (¬4) في "ج": "على". (¬5) انظر: "التنقيح" (1/ 195). (¬6) في "ع": "الظاهر". (¬7) "مختص" ليست في "ن". (¬8) في "ع" و "ج": "تضمين". (¬9) في "ن": "قديمًا".

باب: كم بين الأذان والإقامة، ومن ينتظر الإقامة؟

جئت (¬1) متقدمًا على كذا، والذي اختاره بعضُ المحققين: أن التنوين عوض من المضاف إليه، وأنه لا فرق في المعنى بين ما أُعرب من هذه الظروف المقطوعة (¬2) وما بُني منها، قال: وهو الحق. * * * باب: كم بينَ الأذانِ والإقامةِ، ومن ينتظر الإقامةَ؟ 426 - (624) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عبد الله بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "بَيْنَ كُلِّ أَذَانينِ صَلَاةٌ -ثَلاثًا- لِمَنْ شَاءَ". (عن الجُريري): بضم الجيم وراءين، مصغَّر (¬3). (بين كل أذانين صلاة): يريد: الرواتبَ التي تصلَّى بين الأذان والإقامة قبلَ الفرض. * * * 427 - (625) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ عامِرٍ الأَنْصارِيَّ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ الْمُؤَدنُ إِذَا أَذَّنَ، قَامَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) في "ع": "مختص في حالة البناء على الضم، دون حالة تنوينه، وهذا قد ذهب إليه بعضهم، ففرق بين جئت متقدمًا ... ". (¬2) "المقطوعة" ليست في "ن". (¬3) في "ن": "مصغرين".

باب: من انتظر الإقامة

يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ، حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُمْ كَذَلِكَ، يُصَلُّونَ الرَّكعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإقَامَةِ شَيْءٌ. قَالَ عُثْمَانُ بْنُ جَبَلَةَ، وَأَبُو دَاوُدَ، عَنْ شُعْبَةَ: لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلَّا قَلِيلٌ. (عثمان بن جَبَلَةَ): بجيم وموحدة ولام مفتوحات. * * * باب: من انتظرَ الإقامةَ 428 - (626) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَني عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ بِالأُولَى مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ، قَامَ فَرَكَعَ رَكعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، بَعْدَ أَنْ يَسْتَبِينَ الْفَجْرُ، ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ، حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلإقَامَةِ. (كان إذا سكت المؤذن): الزركشي: قال الصغاني (¬1): سكب -بباء موحدة (¬2) -: أذن، والمحدثون يقولونه: بالتاء المثناة؛ من السكوت، وهو تصحيف، وأصلُه من سكب الماء؛ يعني: صَبَّهُ؛ كما يقال: أفرغ في أذني حديثًا (¬3). ¬

_ (¬1) في "ن": "الصاغاني". (¬2) في "ج": "بالباء الموحدة". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 195).

قلت: الرواية بالمثناة صحيحة، وهي بينة الصواب، والباء في (¬1) بالأولى (¬2) من صلاة الصبح بمعنى عن؛ مثل: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 59]، فلا وجه لنسبة المحدثين إلى التصحيف، وكونِ سكب بالباء الموحدة، قاله الخطابي. وقال: حَدَّثَنَا عبدُ العزيز بنُ محمَّد، عن ابن الجنيد (¬3)، قال (¬4): حَدَّثَنَا سويد، حَدَّثَنَا ابن المبارك، عن الأَوْزَاعِيّ، عن الزُّهْرِيّ، عن عروة، عن عائشة. قال سويد: سكب يريد: أذن. قال (¬5) الخطابي: وهو استعارة، شبه آذانهم (¬6) بالأقماع يُصب فيها الكلامُ صبَّ الماء في الإناء (¬7). وهذا له وجه، لكنه لا يدفع رواية من جعله من السكوت. (ثم اضطجع على شقه الأيمن حتَّى يأتيه المؤذن): قال ابن بطال: فيه دليل على أن الحض (¬8) على الاستباق إلى المسجد هو (¬9) لمن كان على مسافة لا يسمع فيها الإقامة. ¬

_ (¬1) في "م" و "ع" و"ن": "والباء بالأولى". (¬2) في "ع" و"ج": "بالأول". (¬3) "عن ابن الجنيد" ليست في "ع"، وفي "ج": "محمَّد بن الجنيد". (¬4) "قال" ليست في "ن". (¬5) في "ج": "قاله". (¬6) في "ع": "كلامهم". (¬7) انظر: "غريب الحديث" (1/ 167). (¬8) في "م" و"ج": "على الحض". (¬9) "هو" ليست في "ع"، وفي "ج": "وهو".

باب: بين كل أذانين صلاة لمن شاء

وأما مجاور (¬1) المسجد الذي يسمعها منه، فانتظارُ الصلاة في داره كانتظارها في المسجد؛ لأنه - عليه السلام - لم يكن بالذي يترك الأفضلَ، ويحضُّ عليه الأمة (¬2)، بل كان يشدد على نفسه، ويحب التَّخفيف عن أمته (¬3). * * * باب: بين كلِّ أذانين صلاةٌ لمن شاء 429 - (627) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: حَدّثَنَا كهْمَسُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ عبد الله بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عبد الله بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "بَيْنَ كُلِّ أَذَانينِ صَلَاةٌ، بَيْنَ كُلِّ أَذَانينِ صَلَاةٌ". ثُمَّ قَالَ في الثَّالِثَةِ: "لِمَنْ شَاءَ". (عبد الله بن يزيد): من الزيادة. (كهمس): منصرف -بكاف فهاء فميم فسين مهملة- بزنة جعفر. * * * باب: مَنْ قال: ليؤذِّنْ في السَّفر مؤذِّنٌ واحدٌ 430 - (628) - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ مَالِكٍ بْنِ الْحُوَيْرِثِ: أتيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - في نَفَرٍ ¬

_ (¬1) في "ج": "مجاورة". (¬2) في "ج": بالإقامة". (¬3) انظر: "شرح ابن بطال" (2/ 253).

مِنْ قَوْمِي، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ رَحِيمًا رَفِيقًا، فَلَمَّا رَأَى شَوْقَنَا إِلَى أَهَالِينَا، قَالَ: "ارْجِعُوا فَكُونُوا فِيهِمْ، وَعَلِّمُوهُمْ، وَصَلُّوا، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَلْيُوذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أكبَرُكُمْ". (مُعَلّى): بميم مضمومة فعين مهملة مفتوحة فلام مشددة. (رفيقًا): بفاء؛ من الرفق، وبقاف؛ من الرقة. (فإذا حضرت الصلاة، فليؤذن لكم أحدكم): وهذا موضعُ الترجمة، وقد يتخيل أنَّه إنما بين لهم في الحديث حالهم إذا وصلوا إلى أهليهم، وحينئذ قال: "فإذا حضرتِ الصلاة"، فلا يطابق هذا ما ترجم عليه، والحق أن الكلام ليس قاصرًا على وصولهم إلى أهليهم (¬1)، بل هو آتٍ على جميع أحوالهم منذُ خروجِهم من عنده. قال ابن المنير: وفائدةُ الترجمة التنبيهُ على أن واحدًا من المسافرين يكفي أذانُه دون بقية الرفقة؛ لئلا يتخيل طلبه من (¬2) جميعهم؛ بدليل ما يأتي في الترجمة الثَّانية: أنَّه قال للرفيقين (¬3): "أَذِّنا، وأَقِيمَا" (¬4)، فبين بهذه الترجمة أن التعدد ليس شرطًا (¬5). * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "أهلهم". (¬2) في "م" و"ج": "في". (¬3) في "ع": "للفريقين". (¬4) رواه البُخَارِيّ (658). (¬5) في "ج": "بشرط".

باب: الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة والإقامة

باب: الأذانِ للمسافرين إذا كانوا جماعةً والإقامة 431 - (632) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى، عَنْ عبيد الله بْنِ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، قَالَ: أَذَّنَ ابْنُ عُمَرَ في لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ بِضَجْنَانَ، ثُمَّ قَالَ: صَلُّوا في رِحَالِكُمْ. فَأَخْبَرَنَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَأْمُرُ مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ، ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِهِ: "أَلَا صَلُّوا في الرِّحَالِ". في اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ، أَوِ الْمَطِيرَةِ في السَّفَرِ. (بضَجْنانَ): غير منصرف: عَلَم جبل على بريدٍ من مكة، بضاد معجمة مفتوحة (¬1) وجيم ساكنة ونونين بينهما أَلْف. * * * باب: هَلْ يَتَتَبَّعُ الْمُؤَذِّنُ فَاهُ هَا هُنَا وَهَا هُنَا؟ وَهَلْ يَلْتَفِتُ في الأَذَانِ؟ وَيُذْكَرُ عَنْ بِلَالٍ: أَنَّهُ جَعَلَ إِصْبَعَيْهِ في أُذُنَيْهِ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لا يَجْعَلُ إِصْبَعَيْهِ في أُذُنَيْهِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: لا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ. وَقَالَ عَطَاء: الْوُضُوءُ حَقٌّ وَسُنَّةٌ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كلِّ أَحْيَانِهِ. (باب: هل يُتْبعُ (¬2) المؤذن فاه ها هنا وها هنا؟ وهل يلتفت في الأذان؟): يُتبع -بضم أوله وكسر ثالثه-: مضارعُ أَتْبَعَ رباعيًّا. ¬

_ (¬1) "مفتوحة" ليست في "ع". (¬2) في "ن": "يتتبع".

كان النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - يذكر الله على كل أحيانه): أي: سواءٌ كان على وضوء، أو لم يكن، والأذانُ ذكرٌ، فلا يُشترط في المؤذن أن يؤذن وهو على وضوء. قال ابن المنير: ووجهُ إدخاله هذا تحت الترجمة (¬1) المذكورة إرادتُه الاحتجاجَ على جواز استدبار القبلة؛ فإن (¬2) مشترِطَ (¬3) الاستقبال [ألحقَه بالصلاة، وأبطل عليه هذا الإلحاق بمخالفته لحكم (¬4) الصلاة في الطهارة، فكذا الاستقبال] (¬5) بطريق الأولى؛ فإن الطهارة أدخلُ (¬6) في الاشتراط من الاستقبال (¬7). ويؤيد هذا النظر: أن بعضهم قال (¬8): يستدبر عند (¬9) حَيَّ على الصلاة؛ لأن هذه خطاب للنَّاس، لا ذكر، فبعدت عن شبه الصلاة، فسقط اعتبار الاستقبال فيها. * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "تحت هذه الترجمة". (¬2) "فإن" ليست في "ن". (¬3) في "ن": "بشرط"، وفي "ج": "اشترط". (¬4) في "ع": "مخالفة محكم". (¬5) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬6) في "ج": "تدخل". (¬7) في "ج": "ألحقه بالصلاة، وأبطل عليه هذا الإلحاق بمخالفته حكم الصلاة في الطهارة، فكذا الاستقبال". (¬8) في "ج": "أنَّه قال". (¬9) "عند" ليست في "ج".

باب: قول الرجل فاتتنا الصلاة

باب: قولِ الرَّجُلِ فاتتنا الصَّلاةُ 432 - (635) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عبد الله بْنِ أَبي قتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ نصُلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، إِذْ سَمِعَ جَلَبَةَ رِجَالٍ، فَلَمَّا صَلَّى، قَالَ: "مَا شَأْنُكُمْ؟ "، قَالُوا: اسْتَعْجَلْنَا إِلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: "فَلَا تَفْعَلُوا، إِذَا أتيْتُمُ الصَّلَاةَ، فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، فَمَا أَدْرَكتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا". (جَلَبَة): بجيم فلام فموحدة (¬1) مفتوحات: أصوات مختلفة. (فعليكم بالسكينة): وفي رواية: "فعليكم السكينةُ"، ويجوز في السكينة الرفع على الابتداء، والخبر ما قبله، والنصب بعليكم ويكون إغراء. قال الزركشي: وفي إدخال الباء في الرواية الأولى إشكال؛ [أنَّه متعدٍّ بنفسه؛ كقوله تعالى: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [المائدة: 105] (¬2). قلت: لا إشكال] (¬3) ألبتة؛ لأن أسماء الأفعال، وإن كان حكمها في التعدي واللزوم حكمَ الأفعال التي هي بمعناها، إلَّا أن الباء تزاد في مفعولها كثيرًا؛ نحو: عليك به؛ لضعفها في العمل، فتعمل بحرف عادتُه اتصال اللازم (¬4) إلى المفعول. ¬

_ (¬1) في "ج": "ولام موحدة". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 196). (¬3) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬4) في "ع": "عامة اتصال اللام".

باب: هل يخرج من المسجد لعلة؟

قال الرضي وغيره: وفي "الصحاح" وتقول: عليَّ زيدًا، وعليَّ بزيدٍ (¬1)، ومعناه: أعطني (¬2). وهَلَّا (¬3) استشكلَ الزركشيُّ: "اللهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ [اللهمَّ عليكَ بقريشٍ، اللهمَّ عليكَ بقريشٍ] (¬4)، اللهمَّ عليكَ بعَمْرِو بنِ هشامٍ" (¬5)؟! * * * باب: هل يخرجُ من المسجدِ لعلَّةٍ؟ 433 - (639) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عبد الله، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ صالح بْنِ كيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ: أَن رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ، وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، وَعُدِّلَتِ الصُّفُوفُ، حَتَّى إِذَا قَامَ في مُصَلَّاهُ، انْتَظَرْنَا أَنْ يُكَبِّرَ، انْصَرَفَ، قَالَ: "عَلَى مَكَانِكُمْ"، فَمَكَثْنَا عَلَى هَيْئَتِنَا، حَتى خَرَجَ إِلَيْنَا يَنْطُفُ رَأْسُهُ مَاءً، وَقَدِ اغْتَسَلَ. (على مكانكم): أي: اثبتوا، أو (¬6) كونوا، أو (¬7) نحو ذلك، وسبق ¬

_ (¬1) في "ج": "زيد". (¬2) انظر: "الصحاح" للجوهري (6/ 2438)، (مادة: ع ل ا). وانظر: "شرح الرضي على الكافية" (1/ 448). (¬3) في "م": "وهل لا". (¬4) ما بين معكوفتين سقط من "ع و"ج". (¬5) رواه البُخَارِيّ (520) عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. (¬6) في "ن" و"ع" و"ج": "و". (¬7) في "ن" و"ع": "و".

في باب: تفريق الوضوء روايتُه (¬1) مكانكَم: بالنصب. (فمكثنا على هَيئاتنَا (¬2)): قال ابن التين (¬3): رويناه بفتح الهاء والنون، وفي أخرى بكسر الهاء (¬4). وكذا في "الصحاح" يقال: امشِ على هِيْنَتِكَ؛ أي: على (¬5) رِسْلِك (¬6). قال: وفي (¬7) رواية (¬8): بفتح الهاء والهمزة، قال: وهو أَبينُ؛ أي: على حالنا (¬9) (¬10). قلت: في "الصحاح": فلانٌ حسنُ الهَيئة والهِيئَة (¬11)؛ يعني: بفتح الهاء وكسرها مع الهمزة قبل هاء التأنيث. (حتَّى خرج (¬12) إلينا ينطِف رأسُه (¬13)): ينطِف: -بكسر الطاء وضمها-؛ أي: يقطُر، وقد مرَّ. ¬

_ (¬1) في "ن": "والله". (¬2) في "ن": "هيئتنا". (¬3) في "ن" و"ع" و"ج": "المنير"، وفي "ع": زيادة: "رضي الله عنه". (¬4) انظر: "التوضيح" (6/ 409). (¬5) "على" ليست في "ن". (¬6) انظر: "الصحاح" للجوهري (6/ 2218)، (مادة: هون). (¬7) في "ع" و"ج": "في". (¬8) في "ج": "روايته". (¬9) في "ن": "حالها"، وفي "ع": "حالتنا". (¬10) انظر: "التوضيح" (6/ 409). (¬11) انظر: "الصحاح" للجوهري (1/ 85)، (مادة: هيأ). (¬12) في "ع": "يخرج". (¬13) "رأسه" ليست في "ع" و"ج".

باب: الكلام إذا أقيمت الصلاة

قال ابن المنير: وفيه: أن الأَولى ألا يتحمل الإِمام بخروجه عذرًا غيرَ العذر الصحيح؛ مثل: أن يُمسك بأنفه يُخيل أنَّه رَعِفَ، وإنما أحدث، أو ذكر الحديث. ويحتمل أن يفعل ذلك مَن غلبَ عليه الحياء، وخشي على نفسه -إن لم يخيل (¬1) - أن (¬2) يتمادى على الفساد لشدة الحياء، فهذا لا دواء له إلَّا التخييل (¬3)، وليس الفعل بصيغة (¬4) فيتخيل أنَّه كاذب، إنما هو تعريض، وفيه مندوحة. * * * باب: الكلامِ إذا أقيمتِ الصَّلاةُ 434 - (643) - حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبدُ الأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، قَالَ: سَأَلْتُ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ، عَنِ الرَّجُلِ يَتكَلَّمُ بَعْدَ مَا تُقَامُ الصَّلَاةُ، فَحَدَّثَنِي عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَعَرَضَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ، فَحَبَسَهُ بَعْدَ مَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنْ مَنَعَتْهُ أُمُّهُ عَنِ الْعِشَاءَ في الْجَمَاعَةِ، شَفَقَةً عَلَيهِ، لَمْ يُطِعْهَا. (عيّاش): بمثناة من تحت مشددة وستين معجمة. * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "يتخيل". (¬2) "يخيل أن" ليست في "ج". (¬3) في "ع": "التخيل". (¬4) في "ن" و"ع": "بصفة".

باب: وجوب صلاة الجماعة

باب: وجوبِ صلاةِ الجماعة 435 - (644) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدهِ! لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ: أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا، أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنتَيْنِ، لَشَهِدَ الْعِشَاءَ". (لقد هممتُ أن آمرَ بحطب): أُخذ منه تقديمُ الوعيد والتهديد على العقوبة، وسرُّه (¬1): أن المفسدة إذا ارتفعت بالأهون من الزواجر، اكتفي به عن الأعلى. (فيحطب): -بالنصب- عطفًا على المنصوب المتقدم، وكذا الأفعالُ الواقعةُ بعد هذا كلُّها منصوب بالعطف (¬2). (ثم أخالفَ إلى رجال): اختُلف هل هم مؤمنون، أو منافقون؟ وميلُ ابن دقيق العيد إلى الثاني (¬3). (لو يعلم أحدُهم أنَّه يجد عَرْقًا): بفتح العين المهملة وسكون الراء وبالقاف. ¬

_ (¬1) في "ن": "وشره". (¬2) في "ج": "على العطف". (¬3) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 164).

باب: فضل صلاة الجماعة

قال القاضي: هو العظم الذي عليه بقيةُ (¬1) اللحم (¬2). وقال الجوهري: الذي أُخذ عنه اللحم (¬3). وأتى بشرط لو (¬4) مضارعًا؛ لاستحضار الصورة المستبشعة. (أو مِرماتين): بكسر الميم الأولى على الصحيح. وقيل (¬5) بفتحها؛ تثنية مرماة: ظِلْفُ الشاة، وقيل: ما بين ظِلْفيها، وقيل: سهمٌ يتعلم عليه الرمي، والمعنى: أنَّه إنما شهدها (¬6) للحقير من الدنيا، لا (¬7) لوجه الله تعالى، وهذا مما أيد به ابن دقيق العيد حملَ هذا على المنافقين (¬8). * * * باب: فضلِ صلاةِ الجماعةِ 436 - (645) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ يُوسُفَ، أخبرنا اللَّيْثُ، حَدَّثني ابنُ الهادِ، عن عبدِ اللهِ بْنِ خَبَّابٍ، عن أَبي سعيدٍ الخدريِّ أَنَّه سَمِعَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: "صَلاةُ الجماعَةِ تَفْضُلُ صَلاةَ الفَذِّ بِخَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ دَرَجَةً". ¬

_ (¬1) "بقية": ليست في "ع". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 76). (¬3) انظر: "الصحاح" (4/ 1523)، (مادة: عرق). (¬4) "لو" ليست في "ن". (¬5) "وقيل" ليست في "ج". (¬6) في "ع": "شدها". (¬7) في "ج": "إلا". (¬8) انظر: "شرح عمدة الأحكام" له (1/ 164).

(ابن خَبّاب): بخاء معجمة مفتوحة فموحدة [مشددة فألف فموحدة] (¬1). * * * 437 - (647) - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ الوَاحِدِ، قَالَ: حَدَّثَنا الأَعْمشُ، قَالَ: سَمِعتُ أَبَا صَالحٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "صَلاةُ الرَّجُلِ في الْجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلَاتِهِ في بَيْتهِ، وَفِي سُوقهِ، خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، وَذَلِكَ أنَّهُ: إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ، لا يُخْرِجُهُ إلا الصَّلَاةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً، إلا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئةٌ، فَإِذَا صَلَّى، لَمْ تَزَلِ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ في مُصَلَّاهُ: اللهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللهُمَّ ارْحَمْهُ، وَلَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ في صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ". (تضعف (¬2) على صلاته في بيته وفي سوقه خمسًا وعشرين ضعفًا): أُنث بتأويل الدرجة كما في الرواية الأخرى، ووجهُ النصب ظاهر. وقد روي بالجر على تقدير الباء؛ أي: بخمسٍ وعشرين؛ مثل: أشارت (¬3) كليبٍ، وهو شاذ، كذا وجهه ابن مالك. * * * ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين سقط من "ن" و"ع". (¬2) في "ج": "تضاعف". (¬3) في "م": "أساءت"، وفي "ج": "إثبات" والتصويب من"ن" و"ع".

باب: فضل صلاة الفجر في جماعة

باب: فَضْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ في جَمَاعَةٍ (باب: فضل الفجر (¬1) في جماعة): ساق فيه حديث أبي موسى: "أَعْظَمُ النَّاسِ أَجْرًا في الصَّلَاةِ أَبْعَدُهُمْ فَأبْعَدُهُمْ مَمْشًى". ووجهُ اختصاصه بصلاة الفجر: أنَّه جعل بُعد الممشى سببًا في زيادة الأجر لأجل المشقة، والمشيُ لصلاة الفجر أشقُّ منه لغيرها؛ لمصادفة ذلك الظلمةَ، ووقتَ النومة المشتهاة طبعًا. قاله ابن المنير. * * * باب: فضلِ التَّهجير إلى الظُّهر 438 - (653) - ثُمَّ قَالَ: "الشُّهَدَاءُ خَمْسَة: الْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِيقُ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ في سَبِيلِ اللهِ". وَقَالَ: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا في النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يجِدُوا إلا أَنْ يَسْتَهِمُوا، لاسْتَهَمُوا عَلَيْهِ". (الشُّهداء خمسة): ووجهها واضح، ويروى؛ "خمس" بتأويل: الأنفس، أو النسمات. (وصاحب الهَدْم): -بفتح الهاء وإسكان الدال المهملة-: اسم لفعل الهادم، ومن رواه والهَدِم (¬2) -بفتح الهاء وكسر الدال-، فالمراد (¬3) ¬

_ (¬1) كذا في رواية ابن عساكر والأصيلي وأبي الوقت، وفي اليونينية: "فضل صلاة الفجر"، وهي المعتمدة في النص. (¬2) في "ع": "الهدم". (¬3) في "ج": "والمراد".

باب: احتساب الآثار

به: الميتُ الذي مات تحت الهَدَم -بفتحهما جميعًا- وهو ما انهدم. * * * باب: احتساب الآثار 439 - (655) - حَدَّثَنَا محمدُ بْنُ عبد الله بْنِ حَوْشَبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا بَنِي سَلِمَةَ! أَلَا تَحْتَسِبُونَ آثَارَكمْ". وَقَالَ مُجَاهدٌ في قَوْلهِ: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يس: 12]. قَالَ: خُطَاهُمْ. (حُميد): بضم الحاء المهملة، مصغَّر. (ابن حَوْشَب): مثل كوكب، بحاء مهملة وستين معجمة. (ألا تحتسبون آثاركم؟): أي: كثرة خطاكم إلى المسجد. زاد البُخَارِيّ في الحج: "وكره أن تُعرى المدينة" (¬1)، وهذا تنبيه على علة أخرى تحملهم على مقامهم بمواضعهم، وهو كون جهات المدينة تبقى خالية. * * * باب: فضل العشاء ني الجماعة 440 - (657) - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ ¬

_ (¬1) رواه البُخَارِيّ (1887).

باب: اثنان فما فوقهما جماعة

النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ صَلَاةٌ أَثْقَلَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنَ الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا، لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ الْمُؤَذِّنَ فَيُقِيمَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا يَؤُمُّ النَّاسَ، ثُمَ آخُذَ شُعَلًا مِنْ نَارٍ، فَأُحَرِّقَ عَلَى مَنْ لا يَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ بَعْدُ". (فأحرِّقَ على من لا يخرج إلى الصلاة بعُذْر): بعين مهملة مضمومة وذال معجمة ساكنة وراء، كذا رواه الجمهور هنا، وهو مشكل، ولأبي ذر: "بعد". قال القاضي: وهو الصواب؛ أي: من لا يخرج إليها بعد الإقامة (¬1). قال الزركشي: لكن ذكره الداودي: لا بعذر، فإن صحت روايته فهو جيد، وقد روى أبو داود معناه ليست له علة (¬2). * * * باب: اثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ (باب: اثنان فما فوقهما جماعة): هذا رواه ابن ماجة من حديث أبي موسى (¬3)، والدارقطني من حديث عمرو بن شعيب، عن أَبيه، عن جده (¬4)، وإسنادهما ضعيف، لا جرم أن البُخَارِيّ اكتفى عنه بحديث مالك بن الحويرث، ونبه في الترجمة عليه. ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 97). (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 198). (¬3) رواه ابن ماجة (972). (¬4) رواه الدارقطني (1/ 281).

باب: من جلس في المسجد ينتظر الصلاة، وفضل المساجد

باب: مَنْ جلسَ في المسجد ينتظرُ الصلاةَ، وفضلِ المساجدِ 441 - (660) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عبيد الله، قَالَ: حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ الله في ظِلِّهِ، يَوْمَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ: الإمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نشَأَ في عِبَادَةِ رَبِهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا في اللهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ، وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ، وَرَجُل تَصَدَّقَ، أَخْفَى حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ". (خُبيب بن عبد الرَّحْمَن): بخاء معجمة مضمومة، وقد مر. (ورجل تصدق أخفى): الزركشي: كذا لهم أخفى؛ أفعل تفضيل (¬1) (¬2). قلت: لا يتعين، وأحسن منه أن يكون فعلًا ماضيًا، والجملة حال من فاعل تصدَّق، وهو الضمير العائد على رجل، و"قد" مقدرة (¬3)؛ مثل: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء: 90]؛ أي: تصدق في حال (¬4) كونه قد أخفى تصدقه، وهو بمعنى الرواية الأخرى، وذلك أن الأصيلي ضبطه إِخفاء -بكسر الهمزة والمد- مصدرًا (¬5)؛ أي: تصدق يخفي إخفاء، [أو ذا ¬

_ (¬1) في "ع": "التفضيل". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 199). (¬3) في "ع": "رجل وهو متعد". (¬4) في "ن": "حالة". (¬5) في "ع": "مصدر".

باب: من غدا إلى المسجد ومن راح

إخفاء] (¬1)، أو مخفيًّا على تأويل المصدر باسم الفاعل، جُعل (¬2) كأنه نفسُ الإخفاء مبالغة. * * * باب: مَنْ غَدا إلى المسجد ومَنْ راحَ 442 - (662) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عبد الله، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجدِ وَرَاحَ، أَعَدَّ الله لَهُ نُزُلَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ". (من غدا إلى المسجد وراح): أصل (¬3) غدا: خرج بغُدْوَة؛ أي: مُبَكِّرًا، وراح: رجع بعشيٍّ (¬4)، ثم قد يستعمل (¬5) في الخروج مطلقًا توسُّعًا، وهذا الحديث يصلح لكل من الأمرين. (أعد الله له نُزُله): -بضمتين- ما يُهيأ للنزيل الضيف، ويخفف بتسكين الزاي؛ كعُنْقٍ في عُنُقٍ. * * * ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬2) في "ج": "جعله". (¬3) في "ج": "صلى". (¬4) في "ن": "تعشى"، وفي "ع": "بعشا". (¬5) في "ن" و"ج": "يستعملان".

باب: إذا أقيمت الصلاة، فلا صلاة إلا المكتوبة

باب: إذا أقيمت الصلاة، فلا صلاة إلَّا المكتوبة 443 - (663) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عبد الله، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ عبد الله بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِرَجُلٍ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: سَمِعْتُ حَفْصَ بْنَ عَاصِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنَ الأَزْدِ، يُقَالُ لَهُ: مَالِكٌ ابْنُ بُحَيْنَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى رَجُلًا -وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ- يُصَلِّي ركْعَتَيْنِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، لَاثَ بِهِ النَّاسُ، وَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "آلصُّبْحَ أَرْبَعًا؟! آلصُّبْحَ أَرْبَعًا؟! ". تَابَعَهُ غُنْدَرٌ وَمُعَاذٌ، عَنْ شُعْبَةَ في مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ حَفْصٍ، عَنْ عبد الله ابْنِ بُحَيْنَةَ. وَقَالَ حَمَّاد: أَخْبَرَنَا سَعدٌ، عَنْ حَفْصٍ، عَنْ مَالِكٍ. (بهز بن أسد): بموحدة وزاي. (رأى رجلًا -وقد أقيمت الصلاة- يصلي ركعتين): الرَّجل المذكور هو عبد الله بن مالك بن القشب (¬1) راوي الحديث، وبحينة أمه صحابية، واسمها كما قال ابن سعد (¬2): عبدةُ بنتُ (¬3) الحارثِ بنِ المطَّلب (¬4) بنِ عبدِ مناف (¬5). ¬

_ (¬1) في "ن" و"ع": "العشب". (¬2) في جميع النسخ عدا "ع": "سعيد". (¬3) في "ج": "ابن". (¬4) في "ن" و "ع": "عبد المطَّلب". (¬5) انظر: "الطبقات الكبرى" (8/ 228).

باب: حد المريض أن يشهد الجماعة

وقد اتفق لقيسِ بنِ عمرٍو نحوُ هذه الواقعةِ، رواه الشَّافعيّ، وأبو داود، والتِّرمذيّ، وابن ماجة (¬1). (لاثَ به النَّاسُ): -بثاء مثلثة-؛ أي: أحاطوا به. (آلصبحَ (¬2) أربعًا؟!): أي: أتصلي الصبحَ في حال كونها أربع ركعات؟! فحذف الفعل (¬3)؛ لدلالة القرينة الحالية عليه، والاستفهامُ هذا للإنكار التوبيخي (¬4). * * * باب: حَدِّ الْمَرِيضِ أَنْ يَشْهَدَ الْجَمَاعَةَ (باب: حَد المريض أن يشهد الجماعة): ضبط حَد بالحاء المهملة المفتوحة؛ أي: حدَّته وحرصه على شهود الجماعة. وضبط بالجيم المكسورة؛ من الاجتهاد؛ أي: اجتهاده (¬5) في شهودها. 444 - (664) - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، ¬

_ (¬1) رواه الشَّافعيّ في "مسنده" (ص: 168)، وأبو داود (1267)، والتِّرمذيّ (422)، وابن ماجة (1154). (¬2) في "ع": "تصلي الصبح". (¬3) في "ج": "القول". (¬4) في "ج": "والتوبيخ". (¬5) "أي: اجتهاده" ليست في "ن" و "ع".

قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: قَالَ الأَسْوَدُ: قَالَ: كنَّا عِنْدَ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، فَذَكَرْناَ الْمُوَاظَبةَ عَلَى الصَّلاَةِ، وَالتَّعْظِيمَ لَهَا، قَالَتْ: لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ، فَأُذِّنَ، فَقَالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ". فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ، لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، وَأَعَادَ، فَأَعَادُوا لَهُ، فَأَعَادَ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: "إِنَّكنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ". فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى، فَوَجَدَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، كَأَنِّي أَنْظُرُ رِجْلَيْهِ تَخُطَّانِ مِنَ الْوَجَعِ، فَأَرَادَ أبو بَكْرٍ أَنْ يَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ مَكَانَكَ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنبِهِ. قِيلَ لِلأَعْمَشِ: وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم - يُصَلِّي، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلاَتِهِ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَةِ أَبي بَكْرٍ؟ فَقَالَ بِرَأْسِهِ: نَعَمْ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ بَعْضَهُ. وَزَادَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي قَائِمًا. (قالت: لما مرض): لم يذكر بعد هذا فعل ماض مجرد من الفاء يصلح جوابًا للمسائل كلها بالفاء، فتأمله. (فأُذِّنَ): من التأذين، بالبناء للمفعول. (أَسِيفٌ): أي: شديد الحزن، يقال: أَسِفَ الرجلُ: إذا اشتد حزنُه، فهو بمعنى فاعل؛ كحزنَ، فهو حزينٌ.

باب: الرخصة في المطر والعلة أن يصلي في رحله

(يُهادى بين رجلين): ببناء الفعل للمفعول؛ أي: يمشي (¬1) بينهما معتمدًا عليهما لضعفه. (تخطَّان): أي: ضعفت قوتُه حتى كاد يجرهما غيرَ معتمد عليهما. * * * باب: الرُّخصةِ في المطرِ والعلَّةِ أن يُصلِّي في رحلهِ 445 - (667) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيِّ: أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ وَهْوَ أَعْمَى، وَأَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهَا تَكُون الظُّلْمَةُ وَالسَّيْلُ، وَأَناَ رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ، فَصَلِّ يَا رَسُولَ اللهِ فِي بَيْتِي مَكَانًا أتَّخِذُهُ مُصَلًّى، فَجَاءَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ؟ "، فَأَشَارَ إِلَى مَكَانٍ مِنَ الْبَيْتِ، فَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. (إنها تكون الظلمة): الضمير المنصوب بـ "إنَّ" ضميرُ القصة. (وأنا رجل ضرير البصر): أي: ناقص البصر؛ يعني: أنه حصل لبصره شيء من الضرر. قال ابن عبد البر (¬2): كان عتبان ضريرَ البصر، ثم عمي (¬3). الزركشي: وقال الرافعي في "شرح (¬4) المسند": لفظ الخبر: ضريرُ ¬

_ (¬1) "يمشي" ليست في "ج". (¬2) في "ع": "ابن عتبان". (¬3) انظر: "الاستيعاب" (3/ 1236). (¬4) في "ن": "في فرع".

[البصر، والاستعمالُ من غير لفظ (¬1) البصر؛ لأنه يقال: رجل ضرير] (¬2)؛ من الضرر؛ أي: ذاهب البصر (¬3). وليس كما قال، بل الضرير: الذي ذهب بصره، وضريرُ البصر: هو الذي ضعُف بصرُه، فلذلك قال: ضرير (¬4) البصر؛ لأنه لم يكن عَمِيَ بعدُ؛ كقوله (¬5) في الرواية الأخرى: "وفي بصري بعضُ الشيء". (فصلِّ في بيتي مكانًا): نصب مكانًا على الظرف، وإن كان محدودًا، وشرط نصبه موجود على ما قاله بعض المحققين، وهو أن لفظ مكان لا ينتصب على الظرف مطلقًا، بل بشرط (¬6) أن يكون الفعل المتعدي إليه إما مشتقًا من الحدث (¬7) الواقع فيه؛ نحو: قاتلتُ مكانَ القتال، أو مشتقًا من (¬8) مصدرٍ (¬9) بمعنى الاستقرار، فصح انتصابه بالفعل المذكور. (أتخذْه): إما بالجزم؛ لوقوعه في جواب الأمر؛ أي (¬10): إنْ تُصلِّ فيه (¬11) أتخذْه، وإما بالرفع، والجملة في محل نصب صفة لـ "مكانًا"، أو ¬

_ (¬1) في "ع": "لفظه". (¬2) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 201). (¬4) في "ن": "ضريرة". (¬5) في "م": "لقوله"، والمثبت من النسخ الأخرى. (¬6) في "ن" و "ع": "يشترط". (¬7) في "ج": "الحديث". (¬8) في "ن": "بمعنى من". (¬9) في "ع": "المصدر". (¬10) "أي" ليست في "ن". (¬11) "تصل فيه" ليست في "ج".

باب: هل يصلي الإمام بمن حضر؟ وهل يخطب يوم الجمعة في المطر؟

مستأنفة لا محل لها، وساق البُخاريّ - رحمه الله - هذا الحديث مساقَ الاحتجاج به على سقوط الجماعة لعذر. وقد يقال: إنما يدل على الرخصة في ترك الجماعة في المسجد، لا على تركها مطلقًا، وجعل ابن بطال موضعَ الدلالة منه قولَه: فصلّ (¬1) يا رسول الله في بيتي مكانًا أتخذه مصلى. قال: وهذا يدل على صحة صلاة المنفرد (¬2)؛ إذ لو لم تصح، لبينه - عليه السلام - له، وقال: لا يصح (¬3) لك في مصلاك هذا صلاة حتى تجتمع فيه مع غيرك (¬4). * * * باب: هل يُصلِّي الإمامُ بمن حضرَ؟ وهل يخطُبُ يومَ الجمعةِ في المطر؟ 446 - (668) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ ابْنُ زيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ صَاحِبُ الزِّيَادِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عبد الله ابْنَ الْحَارِثِ، قَالَ: خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ فِي يَوْمٍ ذِي رَدغٍ، فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ لَمَّا بَلَغَ: حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ، قَالَ: قُلِ: الصَّلاَةُ فِي الرِّحَالِ، فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، فَكَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا، فَقَالَ: كَأَنَّكمْ أَنْكَرْتُمْ هَذَا، إِنَّ هَذَا فَعَلَهُ مَنْ هُوَ ¬

_ (¬1) في "ج": "فصلي". (¬2) في "ج": "المفرد". (¬3) في "ن": "لا يصلح". (¬4) انظر: "شرح ابن بطال" (2/ 291).

خَيْرٌ مِنِّي -يَعْنِي: النَّبِيَّ - صَلَّى الله عليه وسلم -، إِنَّهَا عَزْمَةٌ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَحْرِجَكُمْ. وَعَنْ حَمَّادٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عبد الله بنِ الحَارثِ، عَنْ ابنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: كَرِهْتُ أَنْ أُؤَثِّمَكُم، فتجيئُونَ تَدُوسُونَ الطِّينَ إِلَى رُكبِكُمْ. (أُحرجكم): روي من الحرج، ويشهد له الرواية التي بعده: "أَنْ أُؤَثِّمَكُمْ (¬1) "، وروي من الإخراج، بخاء معجمة (¬2). (فتجيئون): بالقطع على تقدير مبتدأ؛ أي: فأنتم. قال الزركشي: ويجوز أن يكون معطوفًا على "أن أُحرجَكم"، ونصبه على لغة من يرفع الفعل بعدَ "أَنْ" حَمْلًا على "ما" (¬3) أختِها؛ كقراءة مجاهدٍ: {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] بضم الميم (¬4). قلت: إهمال "أن" قليل، والقطعُ كثير مَقيسٌ، فلا داعي إلى العدول عن الأول إلى الثاني، والقراءةُ مخرجة على أن الضمير المسنَدَ إليه يُتِمّ ضميرُ جماعة عاد على "مَنْ" باعتبار معناها؛ مثل: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ} [يونس: 42]، ورسمُ المصحف لا يجري على قياس المصطلح عليه في الخط. * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "أؤاثمكم". (¬2) رواه ابن خزيمة في "وصحيحه" (1865)، والحاكم في "المستدرك" (1049). (¬3) في "ج": "على ما على". (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 203).

باب: إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة

447 - (670) - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ سِيرِينَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنسًا يَقُولُ: قَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: إِنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ الصَّلاَةَ مَعَكَ، وَكَانَ رَجُلًا ضَخْمًا، فَصَنَعَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - طَعَامًا، فَدَعَاهُ إِلَى مَنْزِلهِ، فَبَسَطَ لَهُ حَصِيرًا، وَنَضَحَ طَرَفَ الْحَصِيرِ، صَلَّى عَلَيْهِ ركعَتَيْنِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ آلِ الْجَارُودِ لأَنسَ: أكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَ: مَا رَأَيْتُهُ صَلَّاهَا إِلَّا يَوْمَئِذٍ. (قال رجل من الأنصار: إني لا أستطيع الصلاة معك): هو عِتبانُ بنُ مالِكٍ. (فقال رجل من آل الجارود): قال الزركشي: اسمه عبدُ الحميد (¬1). * * * باب: إذا حضر الطعامُ وأُقيمتِ الصلاةُ 448 - (672) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا قُدِّمَ الْعَشَاءُ، فَابْدَؤُوا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا صَلاَةَ الْمَغْرِبِ، وَلاَ تَعْجَلُوا عَنْ عَشَائِكُمْ". (ولا تَعجَلوا): بفتح أوله وثالثه. فيه (¬2): دليل على تقديم فضيلة حضور القلب في الصلاة على فضيلة أول الوقت، فإنهما لما تزاحما، قدم صاحبُ الشرع الوسيلةَ إلى حضور ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 203). (¬2) في "ج": "فهو فيه".

باب: إذا دعي الإمام إلى الصلاة وبيده ما يأكل

القلب على أداء الصلاة في أول الوقت. * * * باب: إذا دُعي الإمام إلى الصلاة وبيده ما يأكلُ 449 - (675) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عبد الله، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ صَالحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ: أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْكُلُ ذِرَاعًا يَحْتَزُّ مِنْهَا، فَدُعِيَ إِلَى الصَّلاَةِ، فَقَامَ فَطَرَحَ السِّكِّينَ، فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. (يأكل ذراعًا): أي: من الشاة. (يحتزُّ): بحاء مهملة وزاي، وقد مر. (منها): أي: من الذراع. * * * باب: من كان في حاجةِ أهلهِ، فأقيمتِ الصَّلاةُ، فخرج 450 - (676) - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ: مَا كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ -تَعْنِي: خِدْمَةَ أَهْلِهِ-، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ، خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ. (في مَهنة أهله): بميم مفتوحة، وحكي كسرها. (فإذا حضرت الصلاة، خرج): قال ابن المنير: وفيه من الفقه: رفعُ

باب: من صلى بالناس وهو لا يريد إلا أن يعلمهم صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسنته

خيالِ (¬1) مَنْ يتخيل أن الصلاةَ لها أُهبة خاصةٌ، فيستعد لها، ولا يفعلها متصلًا بحوائج الدنيا حتى يأخذ لها أُهبتَها، وهذا تنطُّع، وإنما المقصودُ البِدارُ. وقد كره (¬2) الصحابة أن يُحْرِموا غِبَّ (¬3) الإحلالِ، والمذاكيرُ تقطُر ماء؛ استبشاعًا لترك أُهبة الإحرام (¬4) قبلَه بأيام، فأنكر - عليه السلام - ذلك. * * * باب: من صلَّى بالناس وهو لا يريد إلَّا أنْ يعلِّمهم صلاةَ النبيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم - وسنَّتَه 451 - (677) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أبي قِلاَبَةَ، قَالَ: جَاءَناَ مَالِكُ بْنُ الْحُويرِثِ فِي مَسْجدِناَ هَذَا، فَقَالَ: إِنِّي لأُصَلِّي بِكُمْ، وَمَا أُرِيدُ الصَّلاَةَ، أُصَلِّي كيْفَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي، فَقُلْتُ لأَبي قِلاَبَةَ: كَيْفَ كَانَ يُصَلِّي؟ قَالَ: مِثْلَ شَيْخِنَا هَذَا. قَالَ: وَكَانَ شَيْخًا يَجْلِسُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ، قَبْلَ أَنْ يَنْهَضَ فِي الرَّكعَةِ الأُولَى. (إني لأُصلي (¬5) بكم وما أريد الصلاة): أي: إلا لكي أُعَلِّمَكم صفةَ ¬

_ (¬1) في "ج": "خلاف خيال". (¬2) في "ع" و "ج": "ذكر". (¬3) في "ج": "تحت". (¬4) في "م": "للإحرام". (¬5) في "م" و "ج": "لا أصلي".

باب: أهل العلم والفضل أحق بالإمامة

الصلاة المشروعة؛ يشير إليه قولُه: أصلِّي كيف (¬1) رأيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، ولا بد أن ينوي معلِّم (¬2) الصلاة التقربَ (¬3) إلى الله بالصلاة، [وتأتي نيةُ التعليم تبعًا، فتجتمع نيتان صالحتان في عمل واحد؛ كمن اغتسل ينوي الجنابةَ والجمعةَ] (¬4) معًا. (مثل صلاة شيخنا هذا): هو عَمْرُو بن سَلِمَةَ، بكسر اللام (¬5). * * * باب: أهلُ العلم والفضلِ أحقُّ بالإمامة 452 - (678) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نصرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: مَرِضَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم -، فَاشْتَدَّ مَرَضُهُ، فَقَالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ". قَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّهُ رَجُلٌ رَقِيقٌ، إِذَا قَامَ مَقَامَكَ، لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ. قَالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ". فَعَادَتْ، فَقَالَ: "مُرِي أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ". فَأتاهُ الرَّسُولُ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (إسحاق بن نصر): بصاد مهملة. ¬

_ (¬1) في "ع": "كيف أصلي". (¬2) في "ن" و "ع" و "ج": "معكم". (¬3) في "ج": "تقربًا". (¬4) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬5) "بكسر اللام" ليست في "ج".

(عبد الملك بن عُمير): بضم العين المهملة، مصغر (¬1). (رجل رقيق): -بقافين-؛ أي: ضعيف هَيِّن لَيِّن. (إنكن صواحبُ يوسفَ): قال الزركشي: يعني: في تظاهرهن (¬2) بالإلحاح (¬3) حتى يصلن إلى أغراضهن؛ كتظاهر امرأةِ العزيزِ ونسائها على يوسف - عليه السلام - ليصرفنه عن (¬4) رأيه في الاستعصام (¬5). [وقال الشيخ عز الدين في "أماليه": وجه التشبيه بهن وجودُ مكرٍ في القضيتين] (¬6)، وهو مخالفةُ الظاهرِ لما في الباطن، وصواحبُ (¬7) يوسفَ أتين (¬8) زليخا ليعتبنها، ومقصودُهن أن يدعون يوسفَ لأنفسِهن، وعائشة - رضي الله عنها - كان مرادُها ألَّا يَتَطَيَّرَ الناسُ بأبيها؛ لوقوفه مكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. * * * 453 - (680) - حَدَّثَنَا أبو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنسُ بْنُ مَالِكٍ الأَنْصَارِيُّ، وَكَانَ تَبِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، ¬

_ (¬1) في "ج": "مصغر بكسر اللام". (¬2) في "ن": "الظاهر هن". (¬3) في "ج": "بإلحاح". (¬4) في "م" و"ج": "على". (¬5) انظر: "التنقيح" (1/ 204). (¬6) ما بين معكوفتين سقط من "ن". (¬7) في "ج": "فصواحب". (¬8) "أتين" ليست في "ج".

وَخَدَمَهُ، وَصَحِبَهُ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُصَلِّي لَهُمْ فِي وَجَعِ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم - الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، حَتَّى إِذَا كانَ يَوْمُ الاِثْنَيْنِ، وَهُمْ صُفُوفٌ فِي الصَّلاَةِ، فَكَشَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم - سِتْرَ الْحُجْرَةِ، يَنْظُرُ إِلَيْنَا وَهْوَ قَائِمٌ، كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ، ثُمَّ تَبَسَّمَ يَضْحَكُ، فَهَمَمْنَا أَنْ نَفْتَتِنَ مِنَ الْفَرَحِ بِرُؤْيَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم -، فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ، وَظَنَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى الله عليه وسلم - خَارِجٌ إلَى الصَّلاَةِ، فَأشَارَ إِلَيْنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنْ أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ"، وَأَرْخَى السِّتْرَ، فتوُفِّيَ مِنْ يَوْمِهِ. (كأن وجهه ورقةُ مصحف): وجهُ التشبيه: رقةُ الجلد، وصفاءُ البشرة من الدم. * * * 454 - (681) - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنسٍ، قَالَ: لَمْ يَخْرُجِ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم - ثَلاَثًا، فَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ يَتَقَدَّمُ، فَقَالَ نبَيُّ اللهِ - صَلَّى الله عليه وسلم - بِالْحِجَابِ فَرَفَعَهُ، فَلَمَّا وَضَحَ وَجْهُ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم -، مَا نَظَرْناَ مَنْظَرًا كَانَ أَعْجَبَ إِلَيْنَا مِنْ وَجْهِ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم - حِينَ وَضَحَ لَنَا، فَأَوْمَأَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَتَقَدَّمَ، وَأَرْخَى النَّبِيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم - الْحِجَابَ، فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ. (فقال نبي الله - صَلَّى الله عليه وسلم - بالحجاب فرفعه): هو من إجراء "قال" مجرى فَعَلَ مجازًا. * * *

باب: من قام إلى جنب الإمام لعلة

455 - (682) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يُونس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عبد الله: أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ أبِيهِ، قَالَ: لَمَّا اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَجَعُهُ، قِيلَ لَهُ فِي الصَّلاَةِ، فَقَالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ". قَالَتْ عَائشةُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيق، إِذَا قَرَأَ، غَلَبَهُ الْبُكَاءُ، قَالَ: "مُرُوهُ فَيُصَلِّي"، فَعَاوَدَتْهُ، قَالَ: "مُرُوهُ فَيُصَلِّي، إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ". تَابَعَهُ الزُّبَيْدِيُّ، وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى الْكَلْبِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ عُقَيْل، وَمَعْمَرٌ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَمْزَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (مروه فَلْيُصَلِّ (¬1)): فعلٌ مجزوم بحذف الياء، وتثبت الياء في بعض الأصول، ومنه: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} [يوسف: 90] في قراءة مَنْ جزمَ {وَيَصْبِرْ}. (تابعه الزُّبيدي): بزاي مضمومة، مصغَّر (¬2). (وقال عُقيل): بالتصغير، وقد مر. * * * باب: مَنْ قامَ إلى جنبِ الإمام لعلَّةٍ 456 - (683) - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، ¬

_ (¬1) كذا في رواية أبي ذر الهروي والأصيلي وابن عساكر، وفي اليونينية: "فيصلي"، وهي المعتمدة في النص. (¬2) في "ع": "مصغرًا".

قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فِي مَرَضِهِ، فَكَانَ يُصَلِّي بِهِمْ. قَالَ عُرْوَةُ: فَوَجَدَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ، فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ يَؤُمُّ النَّاسَ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ، اسْتَأْخَرَ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ: "أَنْ كمَا أَنْتَ". فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عليه وسلم - حِذَاءَ أَبِي بَكْرٍ إِلَى جَنْبِهِ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلاَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَةِ أَبِي بَكْرٍ. (فكان أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم -): مِثْلُ هذا خاص به -عليه الصلاة والسلام-، وليس لإمامٍ عند أهل المذهب إذا أحرمَ نائبُه لعذر اتفقَ للإمام، ثم حضر الإمامُ أن يخرج النائبُ من الإمامة، ويدخل الإمامُ الأصليُّ، بل يصلي الإمامُ مأمومًا إن شاء، ولا بد، وإن خالفا، أبطلا الصلاة عليهما جميعًا، وإنما اختص النَّبيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم - بهذا الحكم؛ لأن فضله على المأمومين مقطوع به. وأما تفاضلُ الخلق بعدَه، فحدسٌ لا قطعٌ. نعم (¬1) اختلف أهلُ المذهب في الإمام إذا نابَهُ عذرٌ في أثناء الصلاة، فاستَخْلَفَ، ثم زال عذره، هل يُتِمُّ مأمومًا ولا بدَّ، أو (¬2) له أن يُخرج النائبَ ويدخل؟ قولان: الأولُ ليحيى بن عمير، والثاني في "العتبية". قال ابن المنير: و (¬3) هو أصح، وأسعد بظاهر الحديث. ¬

_ (¬1) في "ع": "ثم". (¬2) في "ج": "و". (¬3) الواو سقطت من "ج".

باب: من دخل ليؤم الناس فجاء الإمام الأول، فتأخر الأول أو لم يتأخر جازت صلاته

باب: من دخل ليؤمَّ الناسَ فجاء الإمامُ الأولُ، فتأخر الأولُ أو لم يتأخر جازت صلاتُه 457 - (684) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أبي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ، فَحَانَتِ الصَّلاَةُ، فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ إِلَى أبي بَكْرٍ، فَقَالَ: أتصَلِّي لِلنَّاسِ فَأُقِيمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ، فَجَاءَ رَسُولُ الله - صَلَّى الله عليه وسلم - وَالنَّاسُ فِي الصَّلاَةِ، فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ، فَصَفَّقَ النَّاسُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لاَ يَلْتَفِتُ فِي صَلاَتِهِ، فلما أكثَرَ الناسُ التَّصْفِيقَ، الْتَفَتَ، فَرَأَى رَسُولَ اللهِ - صَلَّى الله عليه وسلم -، فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنِ امْكُثْ مَكَانَكَ"، فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَدَيْهِ، فَحَمِدَ الله عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفِّ، وَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عليه وسلم -، فَصَلَّى، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: "يَا أَبَا بَكْرٍ! مَا مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ إِذْ أَمَرْتُكَ؟ "، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا كَانَ لاِبْنِ أَبي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ الله - صَلَّى الله عليه وسلم -، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا لِي رَأَيْتُكُمْ أكثَرْتُمُ التَّصْفِيقَ؟! مَنْ رَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلاَتِهِ، فَلْيُسَبحْ؛ فَإِنَّهُ إِذَا سَبح، الْتُفِتَ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءَ". (فحانت الصلاة): أي: حضر حينُها. (فجاء المؤذن): هو بلال رضي الله عنه. (أتصلي للناس، فأُقيمَ؟): بالنصب؛ لأنه في جواب الاستفهام. * * *

باب: إذا استووا في القراءة فليؤمهم أكبرهم

باب: إذا استووا في القراءة فليؤمَّهم أكبرُهم 458 - (685) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبةَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُويرِثِ، قَالَ: قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ شَبَبةٌ، فَلَبِثْنَا عِنْدَهُ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم - رَحِيمًا، فَقَالَ: "لَوْ رَجَعْتُمْ إِلَى بِلاَدِكُمْ فَعَلَّمْتُمُوهُمْ، مُرُوهُمْ فَلْيُصَلّوا صَلاَةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، وَصَلاَةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، وَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ، فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدكمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أكبَرُكُمْ". (نحن شَبَبة): جمع شابٍّ (¬1)؛ مثل: كاتِب، وكتَبَة. (فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبرُكم): فيه تنبيه على تفاوت مرتبتي الإمامة والتأذين؛ حيث أشار إلى اعتبار الفضيلة في الإمامة، ولم يشر في الأذان إلى وصف خاص، هذا (¬2) ونحن نعتبر فيمن يولَّى الأذانَ أوصافًا خاصةً (¬3)؛ من علمِ الوقت، وحسنِ الصوت، ونحو ذلك، لكنها غيرُ مهمة كالإمامة (¬4). * * * باب: إنَّما جُعِل الإمامُ ليؤتمَّ به 459 - (687) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ ¬

_ (¬1) "جمع شاب" ليست في "ع". (¬2) "هذا" ليست في "ع". (¬3) في "ج": "خاصًّا". (¬4) "كالإمامة" ليست في "ع".

مُوسَى بْنِ أَبي عَائِشَةَ، عَنْ عبيد الله بْنِ عبد الله بْنِ عُتْبةَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ، فَقُلْتُ: أَلاَ تُحَدِّثِيني عَنْ مَرَضِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَتْ: بَلَى، ثَقُلَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "أَصَلَّى النَّاسُ؟ "، قُلْنَا: لاَ، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ، قَالَ: "ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ". قَالَتْ: فَفَعَلْنَا، فَاغْتَسَلَ، فَذَهَبَ لِينوءَ، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "أَصَلَّى النَّاسُ؟ "، قُلْنَا: لاَ، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ الله، قَالَ: "ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ". قَالَتْ: فَقَعَدَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ، فَأغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: "أَصَلَّى النَّاسُ؟ "، قُلْنَا: لاَ، هُمْ يَنتظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: "ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ". فَقَعَدَ فَاغتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أفاقَ فَقَالَ: "أَصَلَّى النَّاسُ؟ "، فَقُلْنَا: لاَ، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللهِ، وَالنَّاسُ عُكُوفٌ فِي الْمَسْجدِ، يَنْتَظِرُونَ النَّبِيَّ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- لِصَلاَةِ الْعِشَاءَ الآخِرَةِ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم - إِلَى أَبي بَكْرٍ: بأَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، فَأَتَاهُ الرَّسُولُ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْمُرُكَ أَنْ تُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، فَقَالَ أبو بَكْرٍ، وَكَانَ رَجُلًا رَقيقًا: يَا عُمَرُ! صَلِّ بِالنَّاسِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ، فَصَلى أبو بَكْرٍ تِلْكَ الأيامَ، ثُمَّ إِنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَجَدَ مِنْ نفسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ، أَحَدُهُمَا الْعَبَّاسُ، لِصَلاَةِ الظُّهْرِ، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَلَمَّا رَآهُ أبو بَكْرٍ، ذَهَبَ لِيتأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم - بِأَنْ لاَ يَتَأَخَّرَ، قَالَ: "أَجْلِسَانِي إِلَى جَنْبِهِ"، فَأَجْلَسَاهُ إِلَى جَنْبِ أَبي بَكْرٍ، قَالَ: فَجَعَلَ أبو بَكْرٍ يُصَلِّي وَهْوَ يَأْتَمُّ بِصَلاَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم -، وَالنَّاسُ بِصَلاَةِ أَبي بَكْرٍ، وَالنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَاعِدٌ. قَالَ عبيد الله: فَدَخَلْتُ عَلَى عبد الله بْنِ عَبَّاسٍ، فَقُلْتُ لَهُ: أَلاَ أعْرِضُ عَلَيْكَ مَا حَدَّثتنِي عَائِشَةُ عَنْ مَرَضِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: هَاتِ، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ

حَدِيثَهَا، فَمَا أَنْكَرَ مِنْهُ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: أَسَمَّتْ لَكَ الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ مَعَ الْعَبَّاسِ؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: هُوَ عَلِيٌّ. (فذهب لِينوءَ): أي: ليقومَ وينهضَ. (ضعوا لي ماء): أي: ضعوا لي، كما ثبت في الرواية الأخرى، لكنه حذف حرف الجر فوصل الفعل بنفسه إلى المفعول. (قال: هاتِ): بالكسر (¬1)، ويقال (¬2) للمؤنثة: هاتي، بياء (¬3). قال الزركشي: وبه يُرد على ابن عصفور في قوله: إنها اسم فعل، وإنما هي فعل أمر (¬4)؛ لأن الضمائر المرفوعة البارزة لا تتصل إلا بالأفعال (¬5). قلت: له أن يمنع هذا الحصر؛ ففي كلام الفارسي ما يدفعه، فقد صرح بأن "ليس" حرف، وإن لحاق (¬6) الضمير لها (¬7)؛ نحو: لست، ولستما لشبهها بالفعل؛ لكونها على ثلاثة أحرف، وبمعنى: ما كان، وكونه رافعًا وناصبًا؛ كما ألحق الضمير هاتي، هاتيا، هاتوا، هاتِينَ، مع كونه اسمَ فعلٍ لقوة مشابهته للأفعال لفظًا، وإذا كان كذلك، فابنُ عصفور ليس مبتدعًا للقول بأن هاتِ اسمُ فعل، وليس ثَمَّ إجماعٌ على أن الضمير البارز لا يلحق ¬

_ (¬1) في "ن": "بالكسرة فحذف حرف الجر فوصل الفعل بنفسه". (¬2) في "ن": "أو يقال". (¬3) "بياء" ليست في "ج". (¬4) في "ع": "الأمر". (¬5) انظر: "التنقيح" (1/ 205). (¬6) في "ع": "إلحاق". (¬7) في "ن" و "ع": "بها".

إلا الفعل، فلا ينقدح (¬1) ردُّه. * * * 460 - (688) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّهَا قَالَتْ: صَلَّى رَسُولُ الله - صَلَّى الله عليه وسلم - في بَيْتِهِ وَهْوَ شَاكٍ، فَصَلَّى جَالِسًا، وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ: "أَنِ اجْلِسُوا". فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: "إِنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا ركعَ، فَارْكعُوا، وَإِذَا رَفَعَ، فَارْفَعُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا، فَصَلُّوا جُلُوسًا". (وهو شاكٍ): أي: موجَع. * * * 461 - (689) - حَدَّثَنا عبد الله بنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخبْرناَ مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ: أنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى الله عليه وسلم - ركبَ فَرَسًا فَصَرعَ عَنْهُ، فَجُحِشَ شِقُّهُ الأَيْمَنُ، فَصَلَّى صَلاةً مِنَ الصَّلَوَاتِ وهُو قَاعِدٌ، فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعودٌ، فَلَمَّا انْصَرفَ، قَالَ: "إِنَّمَا جُعِلَ الإماَمُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا صَلَّى قائِمًا، فَصَلُّوا قِيَامًا، فإِذَا ركعَ فَارْكَعُوا، وإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وإذا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمنْ حَمِدَه، فَقُولُوا: رَبَّنَا ولَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا، فَصَلُّوا قِيَامًا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا، فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ". قَالَ أَبُو عبد الله: قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: قَوْلُهُ: "إِذَا صَلَّى جَالِسًا، فَصَلُّوا جُلُوسًا" هُوَ فِي مَرَضِهِ الْقَدِيم، ثُمَّ صَلى بَعْدَ ذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم - جالِسًا، ¬

_ (¬1) في "ع": "يقدح".

باب: متى يسجد من خلف الإمام؟

وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامًا، لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْقُعُودِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالآخِرِ فَالآخِرِ، مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم -. (فجحش): قال الزركشي: أي: انخدشَ (¬1). وقال الجوهري: الجَحْش: يعني -بفتح الجيم وسكون الحاء-: سَحْج الجلد، يقال: أصابه شيء فجَحَشَ وجهه (¬2). (فصلوا جلوسًا أجمعون): بالرفع، تأكيد لضمير (¬3) فصلوا. ويروى: "أجمعين"، وخُرِّج على أن يكون حالًا، أو تأكيدًا لجلوسًا، وكلاهما لا يقول به البصريون. * * * باب: متى يسجُدُ مَنْ خلفَ الإمامِ؟ 462 - (690) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِى عبد الله بْنُ يَزيدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْبَرَاءُ، وَهْوَ غَيْرُ كَذُوبٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عليه وسلم - إِذَا قَالَ: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَه"، لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَقَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم - سَاجِدًا، ثُمَّ نَقَعُ سُجُودًا بَعْدَهُ. حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبي إِسْحَاقَ نَحْوَهُ، بِهَذَا. (حدثني أبو إسحاق، حدثني عبد الله بن يزيد، حدثني البراء، وهو ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 205). (¬2) انظر: "الصحاح" (3/ 997)، (مادة: جحش). (¬3) في "م" و "ج": "بضمير".

باب: إمامة العبد والمولى

غير كذوب): حمل بعضُهم "وهو غير كذوب" على أنه كلامُ أبي إسحاق في وصف عبد الله بنِ يزيدَ، لا كلامُ عبد الله بنِ يزيدَ في وصف البراءِ بنِ عازب؛ كأنه فعل ذلك تنزيهًا للبراء عن مثل هذه التزكية؛ لأنه في مقام الصحبة. قال ابن دقيق العيد: فإن قصدوا هذا، فعبد الله بنُ يزيدَ قد شهد الحديبيةَ وهو ابنُ سبعَ عشرةَ سنة. وبعضُهم تعلق في رد الكلام الأول برواية شعبة عن أبي إسحاق، قال: "سمعتُ عبد الله بنَ يزيدَ يخطب يقول: حدَّثنا البراء، وكان (¬1) غيرَ كذوب" (¬2). وهذا لا يدفع الاحتمال، على أني أستشكل إيرادَ هذه الصيغة في مقام التزكية؛ لعدم دلالة اللفظ على انتفاء الكذب مطلقًا؛ فإنَّ "كذوبًا" للمبالغة والكثرة، فلا يلزم من نفيها نفيُ أصلِ الكذب، والثاني هو المطلوب، لكن قد يقال: يُحمل بمعونة القرائن، ومناسبةِ المقام على أن المراد نفيُ مطلق الكذب، لا نفيُ الكثير منه، والله أعلم. * * * باب: إمامةِ العبدِ والمولى 463 - (692) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ عبيد الله، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ ¬

_ (¬1) في "ع": "وهو". (¬2) رواه البُخاريّ (747)، وانظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 206).

باب: إمامة المفتون والمبتدع

الأَوَّلُونَ الْعَصْبَةَ -مَوْضعٌ بِقُبَاءٍ - قَبْلَ مَقْدَمِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى الله عليه وسلم -، كانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَكَانَ أكثَرَهُمْ قُرْآنًا. (العَصْبة): بفتح العين المهملة وإسكان الصاد المهملة بعدها جاء (¬1) موحدة، فسره في الحديث بأنه موضع بقباء. * * * باب: إِمَامَةِ الْمَفْتُونِ وَالْمُبْتَدع 464 - (695) - قَالَ أَبُو عبد الله: وَقَالَ لَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عبيد الله ابْنِ عَدِيِّ بْنِ خِيَارٍ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، وَهْوَ مَحْصُورٌ، فَقَالَ: إِنَّكَ إِمَامُ عَامَّةٍ، وَنَزَلَ بِكَ مَا تَرَى، وَيُصَلِّي لَنَا إِمَامُ فِتْنَةٍ، وَنَتَحَرَّجُ؟ فَقَالَ: الصَّلاَةُ أَحْسَنُ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ، فَإِذَا أَحْسَنَ النَّاسُ، فَأحْسِنْ مَعَهُمْ، وَإِذَا أَسَاؤُوا، فَاجْتَنِبْ إِسَاءَتَهُمْ. وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: لاَ نَرَى أَنْ يُصَلَّى خَلْفَ الْمُخَنَّثِ، إِلَّا مِنْ ضَرُورةٍ لاَ بُدَّ مِنْهَا. (باب: إمامة المفتون والمبتدع). (ابن الخِيار): بخاء معجمة مكسورة ومثناة من تحت. (ويصلي (¬2) لنا إمامُ فتنةٍ): هو عبدُ الرحمنِ بنُ عُدَيْسٍ البكريُّ، نقله ¬

_ (¬1) "باء" ليست في "ن". (¬2) في "ن" و "ع": "أيصلي".

ابنُ عبدِ البَرِّ في "التمهيد" عن ابن وضاح وغيره (¬1). وفي "مرآة الزمان" لابن الجوزي: اختُلف فيه، فقيل: هو الغافقيُّ بنُ حربٍ العَكِّيُّ (¬2)، وقيل: عبدُ الرحمن بنُ عُدَيْسٍ البكريُّ، وقيل: كنانةُ بنُ بِشْرٍ. (الصلاةُ أحسنُ (¬3) ما يعمل النَّاس): جواب شديد خلص به من الفتيا والفتنة معًا، وذلك أن الصلاة التي هي (¬4) أحسنُ ما يعمل النَّاس هي الصلاةُ الصحيحة، وصلاةُ صاحبِ الفتنة وتقدُّمه (¬5) على الأئمة فاسدةٌ عند القائل بأن المبتدعَ كافر، أو فاسقٌ فسقًا يرجع إلى شروط الصلاة، وهو وجهُ القولِ بأنه يعيدُ المؤتَمُّ به أبدًا، وهي (¬6) رواية عن مالك ليست بالشاذة، فيحتمل أن يكون عثمانُ - رضي الله عنه - رأى أن الصلاة خلفَ المبتدع المفتتن لا تصحُّ، ولكن حادَ عن الجواب، وتوقَّى الخوضَ في الفتنة، فعَرَّضَ بما عَرَّض. (لا نرى أن يصلَّى خلفَ المخنّث): قال الزركشي: بكسر النون. وقال الجوهري: الانخناث: التثنِّي والتكسُّر، وخنثتُ الشيءَ فتخنَّثَ؛ ¬

_ (¬1) انظر: "التمهيد" (10/ 294). (¬2) في "ع": "العتكي". (¬3) في "ن" و "ع": "أحسن الصلاة". (¬4) في "ج": "الصلاة هي الذي". (¬5) في "ج" و "ع": "دمه". (¬6) في "ن" و "ج": "به وهي".

أي: عطفتُه فتعطَّفَ، ومنه سمي المخنث (¬1). ومقتضاه (¬2) أنه بفتح النون. قال القاضي: وسمي بذلك؛ لانعطافه، وتخلُّقه بأخلاق النساء (¬3). وحُمل المرادُ به هنا (¬4) على الذي ذاك (¬5) من خُلقه، قال (¬6): فأما مَنْ قصد ذلك، فهو ملعون فاسق. قال ابن المنير (¬7): وأدخلَ البخاريُّ مع ذكر المفتونِ والمبتدعِ المخنثَ؛ إزراءً بأهل البِدَع، وتسويةً بينهم وبين هذا الصنف الرَّذِل (¬8)، والله أعلم. * * * 465 - (696) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ: أَنَّهُ سَمِعَ أَنسَ بْنَ مَالِكٍ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأَبِي ذَرٍّ: "اسْمَعْ وَأَطِعْ وَلَوْ لِحَبَشِيٍّ، كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبةٌ". (اسمع وأطع ولو لحبشي كأن رأسه زبيبة): قال ابن المنير: و (¬9) وجهُ ¬

_ (¬1) انظر: "الصحاح" (1/ 280)، (مادة: خنث). (¬2) في "ج": "مقتضاه". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 241). (¬4) "هنا" ليست في "ع". (¬5) في "ج": "ذلك". (¬6) "قال "ليست في "ج". (¬7) في "ن": "قال الزركشي: قال ابن المنير". (¬8) في "ن" و "ع": "الرذيل". (¬9) الواو سقطت من "ج".

باب: يقوم عن يمين الإمام بحذائه سواء إذا كانا اثنين

مطابقته للترجمة: أن السياق يرشد إلى إيجاب طاعته، وإن كان أبعدَ النَّاس عن أن يُطاع؛ لأن مثلَ هذه الصفة إنما توجد في أعجميٍّ حديثِ العهدِ دخلَ في الإسلام، ومثلُ هذا -في الغالب- لا يخلو من نقص في دينه، لو لم يكن إلا الجهل اللازم لأمثاله، وما يخلو الجاهل إلى هذا الحد (¬1) من ارتكابِ البدعة، واقتحامِ الفتنة، والله أعلم. ولو لم يكن إلا في (¬2) افتتانه بنفسه؛ حيث تقدَّم للإمامة، وليس من أهلها؛ لأن لها أهلًا من الحسب والنسب (¬3) والعلم، فتأمل ذلك. * * * باب: يقومُ عن يمين الإمام بحذائه سواءً إذا كانا اثنينِ 466 - (697) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونة، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى الله عليه وسلم - الْعِشَاءَ، ثُمَّ جَاءَ فَصَلَّى أَرْبَعَ ركَعَاتٍ، ثُمَّ ناَمَ، ثُمَّ قَامَ، فجِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَاره، فَجَعَلَنِي عَنْ يمينه، فَصَلَّى خَمْسَ ركَعَاتٍ، ثُمَّ صَلى ركعَتَيْنِ، ثُمَّ ناَمَ حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ، أَوْ قَالَ: خَطِيطَهُ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ. (غطيطه: أو قال: خطيطه): سبق الكلام عليه. * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "أحد". (¬2) "في" ليست في "ج". (¬3) في "ن": "من النسب والحسب".

باب: إذا طول الإمام وكان للرجل حاجة فخرج فصلى

باب: إذا طوَّلَ الإمامُ وكان للرجل حاجةٌ فخرج فصلَّى 467 - (701) - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو، قالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عبد الله، قَالَ: كَانَ مُعَاذُ ابْنُ جَبَلٍ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم -، ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ، فَقَرَأَ بِالْبقَرَةِ، فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ، فَكَأَنَّ مُعَاذًا تَنَاوَلَ مِنْهُ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صَلَّى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "فَتَّانٌ، فَتَّانٌ، فَتَّانٌ"، ثَلاَثَ مِرَارٍ، أَوْ قَالَ: "فَاتِنًا، فَاتِنًا، فَاتِنًا"، وَأمَرَهُ بِسُورتَيْنِ مِنْ أَوْسَطِ الْمُفَصَّلِ. قَالَ عَمْرٌو. لاَ أَحْفَظُهُمَا. (فانصرف رجل، وكأن معاذًا تناول منه): الرجل المذكور هو حزمُ ابنُ أَبي كعب (¬1)، وقيل: سليمُ بنُ الحارث، وقيل: حزام (¬2) بن أبي كعب (¬3) الأنصاري، بالزاي، وقيل: حرام بن ملحان، بالراء، قاله الخطيب (¬4). والقول الأول في "سنن أبي داود" (¬5)، وفي "التاريخ الكبير" للبخاري (¬6). * * * باب: تخفيفِ الإمامِ في القيام، وإتمام الركوع والسُّجود 468 - (702) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، قَالَ: ¬

_ (¬1) في "ج": "بن كعب". (¬2) في "ج": "حزم". (¬3) في "ج": "بن كعب". (¬4) انظر: "التوضيح" (6/ 558). (¬5) رواه أبو داود (791). (¬6) انظر: "التاريخ الكبير" (3/ 110).

باب: من شكا إمامه إذا طول

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَيْسًا، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو مَسْعُودٍ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي لأتأَخَّرُ عَنْ صَلاَةِ الْغَدَاةِ مِنْ أَجْلِ فُلاَنٍ؛ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْهُ يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ، فَلْيتَجَوَّزْ؛ فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ". (فأيكم ما صلَّى بالناس، فليتجَوَّزْ): "ما": زائدة. ومقتضى هذا: التخفيفُ في جميع الصلاة، وهو مَسوقٌ (¬1) في باب: تخفيف الإمام في القيام وإتمام الركوع والسجود، ووجهه أنه بَيَّنَ بالترجمة مقصودَ الحديث؛ فإن (¬2) المراد: التخفيفُ في القيام، لا في الركوع والسجود؛ لأن الذي يطول غالبًا هو القيام، وما عداه أمرُه (¬3) سهل لا يشقُّ إتمامُه على أحد. * * * باب: مَنْ شَكَا إِمَامَهُ إِذَا طَوَّلَ وَقَالَ أَبُو أُسَيْدٍ: طَوَّلْتَ بِنَا يَا بُنَيَّ. (وقال أبو أسيد: طَوَّلْت بنا يا بني): أبو أُسيد -بضم الهمزة، مصغر (¬4) -، وابنه هذا هو المنذر؛ كما جاء مصرَّحًا به في "مسند ابن أبي شيبة" (¬5). ¬

_ (¬1) في "ن": "مسبوق". (¬2) في "ن" و "ج": "وأن"، وفي "ع": "وإنما". (¬3) في "ع": "أمر". (¬4) في "ع": "مصغرًا". (¬5) روى ابن أبي شيبة في "المصنف" (6117) عن المنذر بن أبي أسيد الأنصاري =

469 - (705) - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عبد الله الأَنْصَارِيَّ، قَالَ: أَقْبَلَ رَجُلٌ بِنَاضِحَيْنِ وَقَدْ جَنَحَ اللَّيْلُ، فَوَافَقَ مُعَاذًا يُصَلِّي، فترَكَ ناَضِحَهُ، وَأَقْبَلَ إِلَى مُعَاذٍ، فَقَرَأَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ، أَوِ النِّسَاءَ، فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ، وَبَلَغَهُ أَنَّ مُعَاذًا ناَلَ مِنْهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى الله عليه وسلم -، فَشَكَا إِلَيْهِ مُعَاذًا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم -: "يَا مُعَاذُ! أَفَتَّانٌ أَنْتَ؟! "، أَوْ: "أفَاتِنٌ؟! "، ثَلاَثَ مِرَارٍ: "فَلَوْلاَ صَلَّيْتَ بِسَبح اسْمَ رَبِكَ، وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى؛ فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَكَ الْكَبِيرُ وَالضَّعِيفُ وَذُو الْحَاجَةِ". أَحْسِبُ هذا فِي الْحَدِيثِ. قَالَ أَبُو عبد الله: وَتَابَعَهُ سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ، وَمِسْعَرٌ، وَالشَّيْبَانِيُّ. قَالَ عَمْرٌو: وَعبيد الله بْنُ مِقْسَمٍ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ: قَرَأَ مُعَاذ فِي الْعِشَاءِ بِالْبقَرَةِ. وَتَابَعَهُ الأَعْمَشُ، عَنْ مُحَارِبٍ. (بناضحين): تثنية ناضح، وهو الجمل الذي يُسقى عليه الماء. (فترك ناضحيه (¬1)): بمثناة من فوق (¬2) فراء مخففة، أو: بموحدة (¬3) وراء (¬4) مشددة. (ومِسعر): بكسر الميم، وقد مر. (ابن مِقسم): بكسر الميم أيضًا. ¬

_ = قال: كان أبي يصلي خلفي، فربما قال لي: يا بني! طولت بنا اليوم. (¬1) في البُخاريّ - نسخة اليونينية: "ناضحه". (¬2) في "م": "من تحت". (¬3) في "ع": "وبموحدة". (¬4) في "ع": "فراء".

باب: الإيجاز في الصلاة وإكمالها

باب: الإيجازِ في الصلاة وإكمالِها 470 - (706) - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم - يُوجِزُ الصَّلاَةَ، وَيُكْمِلُهَا. (يوجز الصلاة): -بالجيم والزاي-؛ من الإيجاز. (ويُكملها): بتخفيف الميم؛ من الإكمال، وتشديدها؛ من التكميل. * * * باب: مَنْ أسمعَ النَّاسَ تكبيرَ الإمامِ 471 - (712) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: لَمَّا مَرِضَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، أتاهُ بِلاَلٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلاَةِ، فَقَالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ"، قُلْتُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، إِنْ يَقُمْ مَقَامَكَ، يَبْكِي، فَلاَ يَقْدِرُ عَلَى الْقِرَاءَةِ، قَالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ"، فَقُلْتُ مِثْلَهُ، فَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ: "إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَل"، فَصَلَّى، وَخَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم - يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَخُطُّ بِرِجْلَيْهِ الأَرْضَ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ، ذَهَبَ يَتَأَخَّرُ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ: "أَنْ صَلِّ"، فَتَأَخَّرَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، وَقَعَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم - إِلَى جَنْبِهِ، وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُ النَّاسَ التَّكْبِيرَ. تَابَعَهُ مُحَاضِرٌ عَنِ الأَعْمَشِ.

(وخرج النَّبيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم - يُهادى بين رجلين): الرجلان هما: العباس، وعليُّ بنُ أبي طالب - رضي الله عنهما - كما سبق في بعض متون البُخاريّ، وقيل: عليٌّ، والفضلُ بنُ العباس، قاله الخطيب. قال النووي: الأصح (¬1) أنهما قضيتان، فخروجُه إلى [الصلاة (¬2) كان بين عليٍّ والعباس، وخروجُه من] (¬3) بيت ميمونةَ إلى بيت عائشةَ بين الفَضْل وعلي. وجاء في "معالم السنن" للخطابي: بين عليٍّ وأسامةَ، وهو محمول على أنه تارة يكون هذا وهذا، وتارة يكون هذا وهذا، أو أن اثنين في جانب، وواحدٌ أو اثنان في جانب، وكان الخروج مرات (¬4). وفي "طبقات ابن سعد": عن عائشة: أنه يوم الاثنين أصبح مُفيقًا، فخرج متوكئًا (¬5) على الفضلِ بنِ عباسٍ، وعلي ثوبانَ غلامِهِ (¬6). * * * ¬

_ (¬1) في "ن": "الصحيح". (¬2) في"ع": "فخروجه إلى بيت ميمونة". (¬3) ما بين معكوفتين سقط من "ن". (¬4) وانظر: "هدي الساري" للحافظ ابن حجر (ص: 263). (¬5) "متوكئًا" ليست في "ع". (¬6) انظر: "الطبقات الكبرى" (2/ 220).

باب: الرجل يأتم بالإمام، ويأتم الناس بالمأموم

باب: الرجلُ يأتمُّ بالإمامِ، ويأتم النَّاسُ بالمأمومِ 472 - (713) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عليه وسلم -، جَاءَ بِلاَلٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلاَةِ، فَقَالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ"، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، وَإِنَّهُ مَتَى مَا يَقُمْ مَقَامَكَ لاَ يُسْمِعُ النَّاسَ، فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ، فَقَالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ". فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ: قُولي لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، وَإِنَّهُ مَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ لاَ يُسْمِعِ النَّاسَ، فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ، قَالَ: "إِنَّكُنَّ لأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ". فَلَمَّا دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ، وَجَدَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي نفسِهِ خِفَّةً، فَقَامَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، وَرِجْلاَهُ يَخُطَّانِ فِي الأَرْضِ، حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجدَ، فَلَمَّا سَمِعَ أَبُو بَكْرٍ حِسَّهُ، ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ يَتَأَخَّرُ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي قَائِمًا، وَكانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عليه وسلم - يُصَلِّي قَاعِدًا، يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَالنَّاسُ مُقْتَدُونَ بِصَلاَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. (مروا أبا بكر يصلي): أي: أن يصلي؛ بدليل الرواية الأخرى هنا بإثبات أن. (وإنه متى يقوم مقامك لا يُسْمِعُ النَّاس): لا خفاء في أن "متى" شرطية، فحقُّها جزمُ المضارع بعدها.

باب: هل يأخذ الإمام إذا شك بقول الناس

قال ابن مالك (¬1): لكنها أُهملت (¬2) هنا؛ حملًا على "إذا" (¬3)، وهي رواية الإمام أحمد في "المسند" (¬4)، وقد جاء مثلُه في الشعر، وحُكم بشذوذه، ومَقامك، بفتح أوله، ويُسْمِع، بضم الياء وإسكان السين؛ من الإسماع. * * * باب: هل يأخذُ الإمامُ إذا شكَّ بقولِ النَّاسِ 473 - (714) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنس، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبي تَمِيمَةَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ الله - صَلَّى الله عليه وسلم - انْصَرَفَ مِنَ اثْنَتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ: أقصُرَتِ الصلاَةُ، أَمْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ؟ "، فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَصَلَّى اثْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كبَّرَ، فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ. (السَّخْتِياني): بسين مهملة (¬5) مفتوحة فخاء ساكنة فتاء مكسورة فمثناة من تحت، سبق ضبطه. * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "قال ابن المنير ما نكره". (¬2) في "ع": "أهلت". (¬3) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 19). (¬4) رواه أحمد في "مسنده" (6/ 96)، ورواه البُخاريّ (678). (¬5) "مهملة" ليست في "ن".

باب: إذا بكى الإمام في الصلاة

باب: إِذَا بَكَى الإمَامُ فِي الصَّلاَةِ وَقَالَ عبد الله بْنُ شَدَّادٍ: سَمِعْتُ نَشِيجَ عُمَرَ، وَأَنَا فِي آخِرِ الصُّفُوفِ، يَقْرَأُ: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86]. (نَشِيج عمر): -بنون مفتوحة فشين معجمة مكسورة فمثناة من تحت فجيم-: هو أشد البكاء. * * * باب: تسويةِ الصفوفِ عند الإقامةِ وبعدَها 474 - (717) - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم -: "لتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ". (أو ليخالفن (¬1) الله بين وجوهكم): أي: تفترقون (¬2)، فيأخذ كل واحد وجهًا غيرَ الذي أخذ صاحبُه؛ لأن تقدم (¬3) الشخص على غيره مَظِنَّةُ الكِبْرِ المفسِدِ للقلوب. ويحتمل أن تكون المخالفة (¬4) في الجزاء، فيجازي مستوي الصف بخير، والخارجَ عنه بشر. ¬

_ (¬1) في "ع": "فيخالفن". (¬2) في "ن" و"ج": "يفترقون". (¬3) في "ج": "يتقدم". (¬4) في "ن" و "ع": "المراد المخالفة".

باب: إقبال الإمام على الناس عند تسوية الصفوف

475 - (718) - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أقِيمُوا الصُّفُوفَ؛ فَإِنِّي أَرَاكُمْ خَلْفَ ظَهْرِي". (فإني أراكم خلف ظهري): يجوز أن تكون هذه الرؤية (¬1) إدراكًا خاصًّا به - صلى الله عليه وسلم - محققًا انخرقت له فيه العادة، أو يكون الإدراكُ العينيُّ انخرقت العادةُ فيه، فكان يرى به من غير مقابلة، وأهل السنة لا يشترطون في الرؤية عقلًا بَيِّنَةً (¬2) مخصوصة ولا مقابلة. * * * باب: إقبالِ الإمامِ على الناسِ عند تسويةِ الصفوفِ 476 - (719) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبي رَجَاءٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، حَدَّثَنَا أَنسٌ، قَالَ: أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عليه وسلم - بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: "أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، وَتَرَاصُّوا؛ فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي". (ابن قُدامة): بضم القاف وبدال مهملة (¬3) مخففة. * * * ¬

_ (¬1) في "ن" و"ع" و"ج": "الرواية". (¬2) في "ن" و"ع": "عقدًا بنية". (¬3) "مهملة" ليست في "ن".

باب: الصف الأول

باب: الصفِّ الأولِ 477 - (720) - حَدَّثَنا أبو عَاصِمٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الشُّهَداءُ: الغَرِقُ، والمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْهَدْمُ". (سُمَيّ): بضم السين المهملة وفتح الميم وياء مثناة من تحت مشددة، مصغَّر. (الغرِق): بكسر الراء بدون ياء، و (¬1) معها أيضًا (¬2)، وكلاهما صحيح. (والهدِم): -بكسر الدال-: الذي يموت تحت الهدَم -بفتحها-، وقد مر، ومن رواه هنا بإسكان الدال، فمعناه: ذو الهدم؛ أي: الذي يموت بفعل الهادم. قال الزركشي: لكن الحقيقة (¬3) أن ما انهدم هو الذي يقتل؛ يعني: فيكون بفتح الدال (¬4). * * * باب: إِثْمِ مَنْ لَمْ يُتِمَّ الصُّفُوفَ (باب: إثم من لم يتمَّ الصف): الزركشي: بفتح الميم المشددة من "يتم" (¬5). ¬

_ (¬1) الواو سقطت من"ن". (¬2) "أيضًا" ليست في (ن). (¬3) "الحقيقة" ليست في "ع". (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 208). (¬5) انظر: "التنقيح" (1/ 208).

باب: إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصف

قلت: أو بكسرها على الأصل، لا سيما وقبلها كسرة يمكن أن تراعى في الإتباع. * * * 478 - (724) - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّائِيُّ، عَنْ بُشيْرِ بْنِ يَسَارٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ: أَنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَقِيلَ لَهُ: مَا أَنْكَرْتَ مِنَّا مُنْذُ يَوْمِ عَهِدْتَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: مَا أَنْكَرْتُ شَيْئًا إلَّا أَنَّكمْ لاَ تُقِيمُونَ الصُّفُوفَ. وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ بُشيْرِ بْنِ يَسَارٍ: قَدِمَ عَلَيْنَا أَنسُ بْنُ مَالِكٍ الْمَدِينَةَ، بِهَذَا. (بُشير بن يسار): بُشير: بموحدة مضمومة وشين معجمة، مصغَّر، ويَسار: بمثناة من تحت مفتوحة فسين مهملة فألف فراء. (ما أنكرتَ منا منذ يومُ عهدت): قال الزركشي: يجوز في "يوم" الرفعُ والنصبُ والجرُّ (¬1). قلت: ظاهره أن الثلاث حركات إعراب، وليس كذلك؛ فإن الفتحَ هنا حركةُ بناء قطعًا. * * * باب: إلزاقِ المنكبِ بالمنكبِ والقدم بالقدمِ في الصفِّ 479 - (725) - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ ¬

_ (¬1) المرجع السابق (1/ 209).

باب: المرأة وحدها تكون صفا

حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ؛ فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي". وَكَانَ أَحَدُناَ يُلْزِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ، وَقَدَمَهُ بِقَدَمِهِ. (يُلْزِق): من الإلزاق. * * * باب: المرأة وحدها تكون صفًّا 480 - (727) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْحَاقَ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: صَلَّيْتُ أَنَا وَيَتِيمٌ فِي بَيْتِنَا، خَلْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأُمِّي أُمُّ سُلَيْمِ خَلْفَنَا. (صليت أنا ويتيم في بيتنا): تقدم في باب: الصلاة على الحصير: أن اليتيم اسمه ضميرة الحميري (¬1). * * * باب: إِذَا كَانَ بَيْنَ الإمَامِ وَبَيْنَ الْقَوْمِ حَائِطٌ أَوْ سُتْرَةٌ وَقَالَ الْحَسَنُ: لاَ بَأسَ أَنْ تُصَلِّيَ، وَبَيْنَكَ وَبَيْنَهُ نَهْرٌ. وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: يَأْتَمُّ بِالإمَامِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ أَوْ جِدَارٌ، إِذَا سَمِعَ تَكْبِيرَ الإمَامِ. (أبو مِجلَز): بميم مكسورة ولام مفتوحة وبالزاي (¬2). * * * ¬

_ (¬1) برقم (380) عند البُخاريّ. (¬2) "وبالزاي" ليست في "ن" و"ع" و "ج".

باب: صلاة الليل

481 - (729) - حَدَّثَنَا مُحَمَّد، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عليه وسلم - يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ فِي حُجْرتهِ، وَجِدَارُ الْحُجْرَةِ قَصِيرٌ، فَرَأَى النَّاسُ شَخْصَ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم -، فَقَامَ أُناَسٌ يُصَلُّونَ بِصَلاَتِهِ، فَأَصْبَحُوا فَتَحَدَّثُوا بِذَلِكَ، فَقَامَ لَيْلَةَ الثَّانِيَةِ، فَقَامَ مَعَهُ أُناَس يُصَلُّونَ بِصَلاَتِهِ، صَنَعُوا ذَلِكَ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً، حَتَّى إِذَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يَخْرُجْ، فَلَمَّا أَصْبَحَ، ذَكَرَ ذَلِكَ النَّاسُ، فَقَالَ: "إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْكُمْ صَلاَةُ اللَّيْلِ". (فقام ليلة الثانية): كذا في رواية أبي الوقت بإضافة ليلة إلى الثانية، وقد يقال: هو من إضافة الموصوف إلى الصفة، وليس كذلك، بل هو على تقدير ليلة الصبيحة (¬1) الثانية. * * * باب: صلاةِ الليلِ 482 - (730) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الفُدَيْكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبي ذِئْبٍ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ لَهُ حَصِيرٌ، يَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ، وَيَحْتَجِرُهُ بِاللَّيْل، فَثَابَ إِلَيْهِ ناَسٌ، فَصَلَّوْا وَرَاءَهُ. (ابن أبي الفُديك): بضم الفاء، مصغَّر. (فثاب): بمثلثة أوله وموحدة آخره. ¬

_ (¬1) في "ن" و"ع": "الصبحة".

باب: إيجاب التكبير، وافتتاح الصلاة

ويروى: "فآب (¬1) " -بهمزة ممدودة-؛ أي: رجعوا من كل أَوْب، ولم يذكر أكثرُ أهل الغريب (¬2) غيره. * * * باب: إِيجَابِ التَّكْبِيرِ، وَافْتِتَاحِ الصَّلاَةِ (باب: إيجاب التكبير): قال الإسماعيلي: ليس في حديثه الأول تعرضٌ للتكبير، ولا للافتتاح به، وليس في حديثه الثاني إيجابه (¬3)، وإنما فيه متابعتُه في تكبيره، وأنهم لا يسبقونه. * * * باب: رفعِ اليدينِ إذا قام من الركعتينِ 483 - (739) - حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عبيد الله، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ، كبَّرَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَإذَا ركعَ، رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَالَ: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَه". رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ، رَفَعَ يَدَيْهِ، وَرَفَعَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ نبَيِّ اللهِ - صَلَّى الله عليه وسلم -. رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَرَوَاهُ ابْنُ طَهْمَانَ، عَنْ أَيُّوبَ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، مُخْتَصَرًا. (عياش): بمثناة من تحت وشين معجمة. ¬

_ (¬1) "فآب" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "ولم يذكر أهل العلم". (¬3) في "ع": "إيجاب".

باب: وضع اليمنى على اليسرى

باب: وضعِ اليمنى على اليُسْرى 484 - (740) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلاَةِ. قَالَ أَبُو حَازِمٍ: لاَ أَعْلَمُهُ إِلَّا يَنْمِي ذَلِكَ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَ إِسْمَاعِيلُ: يُنْمَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَقُلْ: يَنْمِي. (قال إسماعيل: يُنمَى): أي (¬1): بالبناء للمفعول. (ولم يقل: يَنمِي): -بفتح أوله وكسر ثالثه- بالبناء للفاعل، يقال: نميتُ الحديث؛ أي: أسندتُه. * * * باب: ما يقولُ بعدَ التكبيرِ 485 - (743) - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عنْ أَنس: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى الله عليه وسلم -، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلاَةَ: بِـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2]. (بِـ {الْحَمْدُ (¬2) لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2]): بضم الدال على الحكاية. * * * 486 - (744) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ ¬

_ (¬1) "أي" ليست في "ع". (¬2) في "ن" و"ع": "الحمد".

ابْنُ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو زُرْعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عليه وسلم - يَسْكُتُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَبَيْنَ الْقِرَاءَةِ إِسْكَاتَةً -قَالَ: أَحْسِبُهُ قَالَ: هُنَيَّةً- فَقُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ! إِسْكَاتُكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ، مَا تَقُولُ؟ قَالَ: "أقولُ: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْني وَبَيْنَ خَطَايَايَ كمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنسَ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْج وَالْبَرَدِ". (عُمارة): بضم العين المهملة. (ابن القَعْقَاع): بعينين مهملتين أولاهما ساكنة بين قافين مفتوحتين. (إسكاتة): معناه: سكوت يقتضي كلامًا بعده. (هُنَيئة): بهاء مضمومة فنون مفتوحة فياء تصغير فهمزة. قال القاضي: وهي (¬1) رواية الجمهور (¬2). وقال النووي: بتشديد الياء بلا همزة (¬3)، تصغير هَنَة؛ أي: قليلًا من الزمان، ويقال: هنيهة (¬4) أيضًا (¬5). * * * ¬

_ (¬1) في "ن": "وهو". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 271). (¬3) في "ن" و "ع" و"ج": "همز". (¬4) في "ج": "هنية". (¬5) انظر: "شرح مسلم" (5/ 96).

باب

باب 487 - (745) - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبي مَرْيَمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبي بَكْرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى الله عليه وسلم - صَلَّى صَلاَةَ الْكُسُوفِ، فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ ركعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ ركعَ فَأَطَالَ الرّكُوعَ، ثُمَّ رَفعَ، ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ رَفَعَ، ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ ركعَ فَأَطَالَ الرّكُوعَ، ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ ركَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ رَفَعَ، فَسَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ رَفَعَ، ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجودَ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَقَالَ: "قد دَنَتْ مِنِّي الجَنَّةُ، حَتَّى لَوِ اجْتَزْتُ عَلَيْهَا، لجَئِتكُمُ بِقِطَافٍ مِنْ قِطَافِهَا، وَدنَتْ مِنِّي النَّارُ حَتَّى قُلْتُ: أَيْ رَبِ! وَأَناَ مَعَهُمْ؟ فَإِذَا امْرَأةٌ -حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ:- تَخْدِشُهَا هِرَّةٌ، قُلْتُ: مَا شَأنُ هَذِهِ؟ قَالُوا: حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا، لاَ أَطْعَمَتْهَا، وَلاَ أَرْسَلَتْهَا تأكُلُ -قَالَ نَافِعٌ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ:- مِنْ خَشِيشِ، أَوْ خِشَاشِ الأَرْضِ". (خَشيش (¬1)، أو خِشاش الأرض): الخِشاش: هوامُّ الأرض، وقيل: نباتُها، وهو مثلث الخاء المعجمة، وخشيش تصغيره. قال القاضي: وروي بالحاء المهملة فيهما، وهو وهم (¬2). * * * ¬

_ (¬1) في "ن" و "ع": "من خشيش". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 214).

باب: رفع البصر إلى الإمام في الصلاة

باب: رَفْعِ الْبَصَرِ إِلَى الإمَامِ فِي الصَّلاَةِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي صَلاَةِ الْكُسُوفِ: "فَرَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، حِينَ رَأَيْتُمُوني تَأَخَّرْتُ". (يحطم بعضها بعضًا): أي: يأكل، وبه سميت الحُطَمَة. * * * 488 - (748) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عبد الله بْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَصَلَّى، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلُ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ، ثُمَّ رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْتَ؟ قَالَ: "إِنِّي أُرِيتُ الْجَنَّةَ، فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا، وَلَوْ أَخَذْتهُ، لأكلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا". (تكعكعتَ (¬1)): أي رجعتَ وراءك. * * * 489 - (749) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِلاَلُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: صَلَّى لَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ رَقَا الْمِنْبَرَ، فَأَشَارَ بِيَدَيْهِ قِبَلَ قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ قَالَ: "لَقَدْ رَأَيْتُ الآنَ مُنْذ صَلَّيْتُ لَكُمُ الصَّلاَةَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، مُمَثَّلَتَيْنِ فِي قِبْلَةِ هَذَا الْجدَارِ، فَلَمْ أَرَ كالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ"، ثَلاَثًا. (ممثلتين في قبلة هذا الجدار): أي: معترضتين في جهة قبلة الجدار ¬

_ (¬1) في "ع": "تكعكت".

باب: رفع البصر إلى السماء في الصلاة

وناحيتها، فيكون قد رآهما حقيقة. ويحتمل أن يكون معناه: عُرض (¬1) عليّ مثالُهما، وضُرب له ذلك في الحائط كما قال: في عُرض الحائط، فأُرِيَ مثالَهما. * * * باب: رفعِ البصرِ إلى السماء في الصَّلاةِ 490 - (750) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عبد الله، قَالَ: أخبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبي عَرُوبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قتادة: أَنَّ أَنس بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلاَتِهِمْ؟! "، فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ، حَتَّى قَالَ: "لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ، أَوْ لتخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ". (ابن أبي عَروبة): بعين مهملة مفتوحة. * * * باب: هل يلتفت لأمرٍ ينزلُ به، أو يرى شيئًا أو بُصاقًا في القبلةِ 491 - (753) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ قَالَ: رَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم - نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجدِ، وَهْوَ يُصَلِّي بَيْنَ يَدَيِ النَّاسِ، فَحَتَّهَا، ثُمَّ قَالَ حِينَ انْصَرَفَ: "إنَّ أَحَدكمْ إذَا كَانَ فِي الصَّلاَةِ، فَإِنَّ اللهَ قِبَلَ وَجْهِهِ، فَلاَ يتنخَّمَنَّ أَحَدٌ قِبَلَ وَجْهِهِ فِي الصَّلاَةِ". رَوَاهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَابْنُ أَبي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ. ¬

_ (¬1) "عرض" ليست في "ج".

باب: وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها في الحضر والسفر وما يجهر فيها وما يخافت

(فحَتَّها): بمثناة من فوق (¬1)، وظاهر تبوبيه يقتضي أنه فعل ذلك في الصلاة، وفي بعض طرقه ما يدل على أن حتَّه لها كان خارج (¬2) الصلاة. * * * 492 - (754) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنسٌ، قَالَ: بَيْنَمَا الْمُسْلِمُونَ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ، لَمْ يَفْجَأْهُمْ إِلَّا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَشَفَ سِتْرَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ صُفُوفٌ، فتبسَّمَ يَضْحَكُ، وَنَكَصَ أبو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَلَى عَقِبَيْهِ، لِيَصِلَ لَهُ الصَّفَّ، فَظَنَّ أَنَّهُ يُرِيدُ الْخُرُوجَ، وَهَمَّ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَفْتَتِنُوا فِي صَلاَتِهِمْ، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ: "أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ"، فَأَرْخَى السِّتْرَ، وَتُوُفِّيَ مِنْ آخِرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ. (سِجْف): مثل "سِتْر" زنةً ومعنى (¬3)، واللفظان مرويان (¬4). * * * باب: وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها في الحضر والسفر وما يُجهَر فيها وما يخافَت 493 - (755) - حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أبُو عَوَانةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: شَكَا أَهْلُ الْكُوفَةِ سَعْدًا ¬

_ (¬1) في "ن": "تحت". (¬2) في "ج": "في خارج". (¬3) في "ن": "ويعني". (¬4) في "ع": "يرويان".

إِلَى عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، فَعَزَلَهُ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَمَّارًا، فَشَكَوْا حَتَّى ذَكَرُوا أَنَّهُ لاَ يُحْسِنُ يُصَلِّي، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ! إِنَّ هَؤُلاَءِ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ لاَ تُحْسِنُ تُصَلِّي؟ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: أَمَّا أَناَ، وَاللهِ! فَإِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ صَلاَةَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى الله عليه وسلم -، مَا أَخْرِمُ عَنْهَا، أُصَلِّي صَلاَةَ الْعِشَاءِ، فَأَرْكُدُ فِي الأُولَيَيْنِ، وَأَخِفُّ فِي الأُخْرَيَيْنِ. قَالَ: ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ. فَأَرْسَلَ مَعَهُ رَجُلًا -أَوْ رِجَالًا- إِلَى الْكُوفَةِ، فَسَأَلَ عَنْهُ أَهْلَ الْكُوفَةِ، وَلَمْ يَدَع مَسْجدًا إِلَّا سَألَ عَنْهُ، وَيُثْنُونَ مَعْرُوفًا، حَتَّى دَخَلَ مَسْجِدًا لِبَنِي عَبْسٍ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، يُقَالُ لَهُ: أُسَامَةُ بْنُ قَتَادَةَ، يُكْنَى: أَبَا سَعْدَةَ، قَالَ: أَمَّا إِذْ نشَدْتَنَا، فَإِنَّ سَعْدًا كَانَ لاَ يَسِيرُ بِالسَّرِيَّةِ، وَلاَ يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ، وَلاَ يَعْدِلُ فِي الْقَضِيَّةِ. قَالَ سَعْدٌ: أَمَا وَاللهِ! لأَدْعُوَنَّ بِثَلاَثٍ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ عَبْدُكَ هَذَا كَاذِبًا، قَامَ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَأَطِلْ عُمْرَهُ، وَأَطِلْ فَقْرَهُ، وَعَرِّضْهُ بِالْفِتَنِ. وَكَانَ بَعْدُ إِذَا سُئِلَ يَقُولُ: شَيْخٌ كَبِيرٌ مَفْتُونٌ، أَصَابتني دَعْوَةُ سَعْدٍ. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: فَأَناَ رَأَيْتُهُ بَعْدُ، قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ مِنَ الْكِبَرِ، وَإِنَّهُ لَيتَعَرَّضُ لِلْجَوَارِي فِي الطُّرُقِ يَغْمِزُهُنَّ. (ما أَخْرم): -بهمزة مفتوحة فخاء معجمة ساكنة فراء فميم-؛ أي: ما أنقص. (فأركُدُ في الأُولَيين): أي: أُطول القيام حتى تنقضي القراءة. (وأحذف في الأُخْرَيين): أي: أَقتصر على القراءة الخفيفة بالنسبة إلى الأوليين، ويدل عليه الرواية الأخرى: "وأَخِفُّ في الأُخْرَيين (¬1) "، فهذا يتضمن قراءة الإمام. ¬

_ (¬1) في "ج": "الأخيرتين".

(لا يسير بالسرية): أي: لا يخرج بنفسه مع السرية، وقيل: لا يسير بالسرية العادلة (¬1). (ولا (¬2) يقسم): مضارع قَسَمَ قسمةً. (وعُرْضَةً بالفتن): أي: اجعلْه عُرضةً لها. فيه: أجواز الدعاء على الظالم بالفتنة في دينه. قال ابن المنير: وكان في النفس من هذه القاعدة إشكال، وذلك] (¬3) أن (¬4) الدعاء بمثله يستلزم وقوعَ المعاصي، حتى تأملتُ هذا الحديث، فوجدته (¬5) سائغًا (¬6)، والسبب في جوازه أن وقوع المعاصي (¬7) لم تُقَيد من حيثُ (¬8) كونُها معاصيَ، ولكن من حيث أداؤها إلى نكاية الظالم وعقوبته (¬9)، وهذا كما قيل في تمني الشهادة أنه مشروع، وإن كان حاصلُه تمنيَ قتلِ الكافر للمسلم، وهذا معصية ووهنٌ (¬10) في الدين (¬11). ¬

_ (¬1) في "ج": "العامة". (¬2) في "ج": "ولو لم"، وفي "م": "ولم". (¬3) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬4) في "ج": "من". (¬5) في "ن": "فرأيته". (¬6) في "ن" و "ع": "شائعًا". (¬7) "المعاصي" ليست في "ن". (¬8) "حيث" ليست في "ج". (¬9) في "ج": "ونحو عقوبته". (¬10) "ووهن" ليست في "ن". (¬11) في "ع": "معصية ووهن فيه".

ولكن (¬1) الغرض من تمني الشهادة ثوابُها لا نفسُها، ووجدت (¬2) في دعوات الأنبياء -عليهم السلام- قال الله تعالى حكاية عن موسى: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا} [يونس: 88]، وقال عن نوح - عليه السلام -: {وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إلا ضَلَالًا} [نوح: 24]. * * * 494 - (757) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عبيد الله، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ الْمَسْجدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَرَدَّ، وَقَالَ: "ارْجِعْ فَصَلِّ؛ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ"، فَرَجَعَ يُصَلِّي كَمَا صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "ارْجِعْ فَصَلِّ؟؛ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ"، ثَلاَثًا، فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ! مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ، فَعَلِّمْنِي، فَقَالَ: "إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ، فَكَبِرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا". (فدخل رجل فصلى، ثم (¬3) جاء فسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فردَّهُ فقال (¬4): ¬

_ (¬1) في "ن": "الدين ووهن فيه ولكن". (¬2) في "ع": "ووجد". (¬3) في "ن" و "ع": "فصلى كما صَلَّى ثم". (¬4) كذا في رواية أبي ذر الهروي وابن عساكر، وفي اليونينية: "وقال"، وهي المعتمدة في النص.

باب: القراءة في الظهر

ارجع فصلِّ؛ فإنك لم تصل): وهذا (¬1) الرجل هو خلاد جدُّ يحيى بنِ عبدِ (¬2) الله بنِ خلاد، قاله في "أسد الغابة" (¬3). وهذا يتضمن قراءة الفذ، فإما أن يُتلقى حكم المأموم كما ذكره في الترجمة من القياس على الفذ، وإما أن يتلقى من قوله لهذا المقصر (¬4) في صلاته: "إذا قمتَ إلى الصلاة، فكبر، ثم اقرأ"، فعلَّمَه كيف يصلي، ولم يخصَّ حالةَ الائتمام من حالة الانفراد في سياق البيان، ولا سيما لمن ظهر قصوره في العلم، فدل على التسوية، وإلا، كان بيان (¬5) الحكم على التفصيل (¬6) متعينًا. * * * باب: الْقِرَاءَةِ فِي الظُّهْرِ (باب: القراءة في الظهر): بوب على ذلك، وساق ما يدل عليه من السُّنة؛ لأنه قد روي عن ابن عباس: أنه سئل (¬7): "أفي الظهر والعصر قراءة؟ فقال: لا" (¬8)، وإليه ذهب سُويد بن غَفَلَةَ. ¬

_ (¬1) في "ن": "هذا". (¬2) في "ج": "عبيد". (¬3) انظر: "أسد الغابة" لابن الأثير (2/ 184). (¬4) في "ع": "المقصور". (¬5) في "ع": "يتأتى". (¬6) في "ج": "التفضيل". (¬7) "أنه سئل" ليست في "ع". (¬8) رواه أبو داود (808)، والنَّسائيُّ (3581)، وأحمد (1/ 249).

باب: القراءة في العصر

وعارض الطبريُّ هذه الرواية عن ابن عباس بما رواه بسنده إليه، قال: "قد علمتُ (¬1) السُّنَّةَ كلَّها، غير أني (¬2) لا أدري أكان رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - يقرأ في الظهر والعصر، أم لا؟ " (¬3). * * * 495 - (758) - حَدَّثَنَا أبو النُّعْمَانِ: حَدَّثَنَا أبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ ابْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ سَعْدٌ: كُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ صَلاَةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، صلاَتَيِ الْعَشِيِّ، لاَ أَخْرِمُ عَنْهَا، أَرْكُدُ فِي الأُولَيَيْنِ، وَأَحْذِفُ فِي الأُخْرَيَيْنِ. فَقَالَ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: ذَلِكَ الظَّنُّ بِكَ. (قال سعد: كنتُ أصلِّي بهم صلاةَ رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - صلاتي (¬4) العشيِّ): كذا رواه الأصيلي -يعني: الظهر والعصر-، وهو موافق للترجمة. وذكر القاضي: أن أكثر الرواة قال: "صلاتي (¬5) العشاء" (¬6). * * * باب: القراءةِ في العَصْرِ 496 - (761) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ¬

_ (¬1) "علمت" ليست في "ن". (¬2) في "م" و "ج" و "ن": "أن". (¬3) رواه الطبري في "تفسيره " (18/ 150). (¬4) "صلاتي" ليست في "ن". (¬5) في "ن" و "ع" و "ج": "صلاة". (¬6) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 104).

باب: القراءة في المغرب

الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبي مَعْمَرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِخَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ: أكانَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قُلْتُ بِأَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ قِرَاءَتَهُ؟ قَالَ: بِاضْطِرَابِ لِحْيتِهِ. (ابن الأَرَتِّ): بمثناة من فوق. * * * باب: القراءة في المغرب 497 - (764) - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَم، قَالَ: قَالَ لِي زيدُ بْنُ ثَابِتٍ: مَا لَكَ تَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارٍ، وَقَدْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ بِطُولِ الطُّولَيَيْنِ؟ (بطولَى (¬1) الطولَيين): طولى تأنيث أطول، والطوليين تثنية (¬2) الطولى (¬3). قال ابن بطال: يريد: أنه كان يقرأ فيها بأطول السورتين؛ يعني: الأنعام، والأعراف، ولو أراد البقرة، لقال: بطولَى الطُّوَلِ، فدل ذلك على (¬4) أنه أراد الأعراف، وهي (¬5) أطول السور بعد البقرة (¬6). ¬

_ (¬1) كذا في رواية الأصيلي وأبي ذر الهروي، وفي اليونينية: "بطول"، وهي المعتمدة في النص. (¬2) في "ج": "يشبه". (¬3) في "م": "الطول". (¬4) في "ع": "لقال بأطول السور، ويدل على ذلك". (¬5) في "ع": "الأنعام والأعراف، وهو". (¬6) انظر: "شرح ابن بطال" (2/ 381).

باب: القراءة في العشاء بالسجدة

ونازعه ابن المنير: بأن النساء أطولُ منها كلماتٍ، تزيد عليها بمئتين، وإن كان عدد آي الأعراف أكثرَ، إلا أن العدد تعبُّد (¬1). قال: وأحسنُ ما عندي في الجمع بين الآثار المختلفة في إطالة القراءة في المغرب وتخفيفها أن تُحمل الإطالةُ على الندرة؛ تنبيهًا على المشروعية، وُيحمل التخفيف [على العادة والكثرة؛ تنبيهًا على الأولى، ولذلك قال في الإطالة: سمعته يقرأ، وفي التخفيف] (¬2): كان يقرأ. * * * باب: القراءةِ في العشاء بالسَّجدةِ 498 - (768) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي التَّيْمِيُّ، عَنْ بَكْرٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْعَتَمَةَ، فَقَرَأَ: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1]، فَسَجَدَ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ؟ قَالَ: سَجَدْتُ بِهَا خَلْفَ أَبِي الْقَاسِم - صلى الله عليه وسلم -، فَلاَ أَزَالُ أَسْجُدُ بِهَا حَتَّى ألقَاهُ. (سجدت فيها (¬3) خلفَ أبي القاسم): ليس في هذا اللفظ دليل على أن ذلك كان في الصلاة خلف النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فلا حجة فيه على مالك حيث كره للإمام أن يتعمد (¬4) قراءة سورة فيها سجدة في الفريضة. ¬

_ (¬1) في "ن": "تقيد". (¬2) ما بين معكوفتين من "ج". (¬3) كذا في رواية أبي ذر الهروي عن الحَمُّوِي والمستملي، وفي رواية أبي الوقت: "بها"، وهي المعتمدة في النص. (¬4) في "ع": "يعتمد".

باب: يطول في الأوليين، ويحذف في الأخريين

باب: يُطَوِّلُ في الأولَيَينِ، ويحذِفُ في الأُخريين 499 - (770) - حَدَثَنا سُلَيْمَانُ بنُ حَربٍ، قَالَ: حَدَّثنَا شُعبةُ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بنَ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِسَعْدٍ: لَقَدْ شَكَوْكَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى الصَّلاَةِ. قَالَ: أَمَّا أَنَا، فَأَمُدُّ فِي الأُولَيَيْنِ، وَأَحْذِفُ فِي الأُخْرَيَيْنِ، وَلاَ آلُو مَا اقْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَ: صَدَقْتَ، ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ، أَوْ ظَنِّي بِكَ. (في كل شيء حتى الصلاةِ): بالجر، قال الزركشي: لأن "حتى" جارَّة (¬1). قلت: الجارةُ بمعنى إلى، وليست هنا كذلك، وإنما هي عاطفة، فالجرُّ بالعطف. * * * باب: الجهرِ بقراءةِ صلاة الفجرِ 500 - (773) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: انْطَلَقَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم - فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الشُّهُبُ، فَرَجَعَتِ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ، فَقَالُوا: مَا لَكُمْ؟ فَقَالُوا: حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُهُبُ. قَالُوا: مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إلا شَيْءٌ حَدَثَ، فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، فَانْظُرُوا مَا هَذَا الَّذِي حَالَ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 213).

بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ. فَانْصَرَفَ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ، إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم - وَهْوَ بِنَخْلَةَ، عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَهْوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلاَةَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ، اسْتَمَعُوا لَهُ، فَقَالُوا: هَذَا وَاللهِ! الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، فَهُنَالِكَ حِينَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ، وَقَالُوا: يَا قَوْمَنَا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} [الجن: 1 - 2]، فَأَنْزَلَ اللهُ عَلَى نبَيِّهِ - صَلَّى الله عليه وسلم -: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ} [الجن: 1]، وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ قَوْلُ الْجنِّ. (إلى سوق عكاظ): الزركشي: يجوز تنوينُه مع الجر، وفتحُه. ففي "المحكم": عن اللحياني: أهلُ الحجاز تصرفُها، وتميمٌ لا تصرفها (¬1). قال السفاقسي: هو من إضافة الشيء إلى نفسه؛ لأن عكاظ اسمُ سوق للعرب (¬2) بناحية مكّة (¬3). قلت: لعل العَلَمَ هو مجموعُ قولنا: سوق عكاظ؛ كما قالوا في شهر رمضان، وإن قالوا: عكاظ، فعلى (¬4) الحذف؛ كقولهم: رمضان، وسيأتي تحقيقُه في الصيام إن شاء الله تعالى. (توجهوا نحو تهامة إلى النَّبيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم - وهو بنخلة): كذا للبخاري، وهو ¬

_ (¬1) انظر: "المحكم" لابن سيده (1/ 267)، (مادة: ع ك ظ). (¬2) في "ع": "العرب". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 213). (¬4) في "ج": "فعل".

باب: الجمع بين السورتين في الركعة، والقراءة بالخواتيم، وبسورة قبل سورة، وبأول سورة

موضع معروف، وعند مسلم: "بنخل" (¬1). وذكر الحاكم في "المستدرك": أنهم كانوا تسعة (¬2)، وفي هذا الحديث أن زمن الشهب إنما وقع في أول الإسلام من أجل استراق الشياطين (¬3) السمع. وفي "مسلم" ما يعارضه، ولاختلاف الأحاديث اختلف الناسُ على قولين، والأحسنُ التوسطُ، فيقال: إنها كانت تُرمى قبل المولد، ثم استمر ذلك وكثر حتى مُنعوا بالكلِّية، وفيه جمعٌ بين الأحاديث، هكذا قيل. * * * باب: الْجَمْعِ بَيْنَ السُّورتيْنِ فِي الرَّكعَةِ، وَالْقِرَاءَةِ بِالْخَوَاتِيمِ، وَبِسُورَةٍ قَبْلَ سُورَةٍ، وَبِأَوَّلِ سُورَةٍ 501 - (774 / م) - وَقَالَ عبيد الله بنُ عُمَرَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ، وَكَانَ كُلَّمَا افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ بِهَا لَهُمْ فِي الصَّلاَةِ مِمَّا يَقْرَأُ بِهِ، افْتَتَحَ بـ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا، ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً أُخْرَى مَعَهَا، وَكَانَ يَصْنعُ ذَلِكَ فِي كُلِّ ركعَةٍ، فَكَلَّمَهُ أَصْحَاُبهُ، فَقَالُوا: إِنَّكَ تَفْتَتِحُ بِهَذِهِ السُّورَةِ، ثُمَّ لا تَرَى أَنَّهَا تُجْزِئُكَ حَتَّى تَقْرَأَ بِأخرَى، فَإِمَّا تَقْرَأُ بِهَا، وإِمَّا أَنْ تَدَعُهَا وتَقْرَأَ بِأخرَى، فَقَالَ: مَا أَناَ بِتَارِكهَا، إِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ أَؤُمَّكُمْ بِذَلِكَ، فَعَلْتُ، ¬

_ (¬1) رواه مسلم (449). (¬2) رواه الحاكم (3701). (¬3) في "ع": "الشيطان".

وَإِنْ كَرِهْتُمْ، تَرَكتُكُمْ، وَكَانوُا يَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْ أَفْضَلِهِمْ، وَكَرِهُوا أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ، فَلَمَّا أتاهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم -، أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: "يَا فُلاَنُ! مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَفْعَلَ مَا يَأْمُرُكَ بهِ أَصْحَابُكَ؟ وَمَا يَحْمِلُكَ عَلَى لُزُومِ هَذ السُّورَةِ فِي كُلِّ ركعَةٍ؟ "، فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّهَا، فَقَالَ: "حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ". (باب: الجمع بين السورتين في ركعة (¬1) (¬2)). (كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء): هو كُلثوم بن الهِدْم. * * * 502 - (775) - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: قَرَأْتُ الْمُفَصَّلَ اللَّيْلَةَ فِي ركعَةٍ، فَقَالَ: هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ؟! لَقَدْ عَرَفْتُ النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم - يَقْرِنُ بَيْنَهُنَّ، فَذَكَرَ عِشْرِينَ سُورَةً مِنَ الْمُفَصَّلِ، سُورتيْنِ فِي كُلِّ ركعَةٍ. (جاء رجل إلى ابن مسعود، فقال: قرأت المفصل): هو نهِيكُ بنُ سِنانٍ البجليُّ (¬3)، قاله الخطيب، وابن بشكوال (¬4)، وهو مصرح به في "مسلم" (¬5). ¬

_ (¬1) في "ج": "كل ركعة". (¬2) كذا في رواية ابن عساكر وأبي ذر الهروي، وفي اليونينية: "الركعة"، وهي المعتمدة في النص. (¬3) في "ج": "البجيلي". (¬4) انظر: "غوامض الأسماء المبهمة" له (1/ 86). (¬5) رواه مسلم (822).

باب: جهر الإمام بالتأمين

باب: جَهْرِ الإمَامِ بِالتَّأمِينِ وَقَالَ عَطَاءٌ: آمِينَ دُعَاءٌ، أَمَّنَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَمَنْ وَرَاءَهُ، حَتَّى إِنَّ لِلْمَسْجدِ لَلَجَّةً. وَكانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُنَادِي الإمَامَ: لاَ تَفُتْنِي بِآمِينَ. وَقَالَ نَافِعٌ: كانَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يَدَعُهُ، وَيَحُضُّهُمْ، وَسَمِعْتُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ خَيْرًا. (باب: جهر الإمام بالتأمين، وقال عطاء: آمين دعاء): قال ابن المنير: وجهُ مطابقة هذه الترجمة: أن الحكم بكونه دعاءً يقتضي أن يقوله الإمام؛ لأنه في مقام الداعي بالمأموم، وإنما مُنع الإمامُ منها عند القائل بالمنع؛ لأنه إجابة للدعاء، فاقتضى ذلك أن يجيب بها المأمومُ دعاءَ إمامه. (حتى إِن للمسجد): -بكسر إن (¬1) -، و"حتى" هنا (¬2) حرف ابتداء. (لَلجَّة): قال السفاقسي: وروي: "للَجَبَة". قال في "الصحاح": لَجَّةُ الناسِ: أصواتُهم، وصيحهم (¬3) بفتح اللام (¬4). وقال: اللَّجَبُ؛ يعني: -بفتح اللام والجيم-: الصوتُ والجَلَبَة (¬5). (وكان أبو هريرة ينادي الإمام): في "طبقات ابن سعد" ما يدل على ¬

_ (¬1) "ن" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "ها هنا". (¬3) في "ن" و "ع": "وضجيجهم"، وفي "ج": "وصيحتهم" وفي "الصحاح": "وضجتهم". (¬4) انظر: "الصحاح" (1/ 338)، (مادة: ل ج ج). (¬5) المرجع السابق (1/ 218)، (مادة: ل ج ب).

أن الإمام هو العلاءُ بنُ الحَضْرَمِيِّ (¬1). (لا تفتني بآمين): كذا في بعض النسخ: "تفتني" -بفاء فمثناة (¬2) من تحت-؛ من الفوت؛ أي: لا تعجل بالقراءة فيفوتني فضلُ التأمين. قال الزركشي: وفي بعض النسخ: "لا تفشي" بالفاء والشين المعجمة، والمحفوظ (¬3): "لا تَسْبقني" بسين مهملة ثم جاء موحدة ثم قاف (¬4). قال ابن بطال: معناه: لا تُحرم بالصلاة حتى أفرغَ من الإقامة؛ لئلا تسبقني بقراءة الفاتحة، فيفوتني التأمينُ معك، وهو حجة للحنفية في قولهم: إذا بلغ المؤذنُ في الإقامة إلى قوله: قد قامت الصلاة، وجب على الإمام الإحرامُ، والفقهاء على خلافهم (¬5)، لا يرون إحرام (¬6) الإمام إلا بعد تمام الإقامة (¬7). قلت: ليس ما ذكره من الحجة ظاهرًا (¬8)، فتأمله. (ويحضهم): بحاء مهملة وضاد معجمة. (وسمعت منه في ذلك خيرًا): بياء آخر الحروف ساكنة لأكثرهم، وبالموحدة مفتوحة عند أبي ذر. ¬

_ (¬1) انظر: "الطبقات الكبرى" (4/ 360). (¬2) في "ع": "مثناة". (¬3) في "ع": "والمعنى". (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 215). (¬5) في "ن" و "ع": "خلافه". (¬6) في "ج": "أحرم". (¬7) انظر: "شرح ابن بطال" (2/ 396 - 397). (¬8) في "ج": "حجة ظاهر".

باب: جهر الإمام بالتأمين

قيل: وهو أولى. * * * باب: جهرِ الإمامِ بالتأمينِ 503 - (780) - حَدَّثَنا عبد الله بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَأَبي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا أَمَّنَ الإمَامُ فَأَمِّنُوا؛ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تأمِينَ الْمَلاَئِكَةِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "آمِينَ". (فإنّه من وافق تأمينُه تأمينَ الملائكة، غُفر له ما تقدم من ذنبه): قال القاضي تاج الدين السبكي في "الأشباه والنظائر": هذا مما يدل على أن المفضول (¬1) قد يكون له مزيةٌ ليست للفاضل؛ فإن ظاهر هذا يشمل الصغائر والكبائر. ثم قال: وهنا سؤال، وهو أنه قد ثبت أن الصلاة (¬2) إلى الصلاة كفارةٌ لما بينهما ما اجتُنبت الكبائر، فإذا كانت الفرائض لا تكفِّر الكبائرَ، فكيف تكفِّرها سُنة، وهي التأمينُ إذا وافق التأمينَ، وقد أخذ شخص مرة يهوِّلُ أمرَ هذا السؤال، ويقول (¬3): كبائر الفرائض تصغُرُ عن هذا التكفير، وكبائر الجرائم تكفِّرها نافلة؟! ¬

_ (¬1) في "ع": "الفضول". (¬2) في "ج": "أن من الصلاة". (¬3) في "م" و "ج": "ويقال".

والجواب: أن المكفِّر ليس التأمين الذي هو فعلُ المؤمن، بل وِفاقُ الملائكة (¬1)، وليس ذلك إلى صُنعه (¬2)، بل فضلٌ من الله، وعلامةٌ على سعادة مَنْ وافقَ. قلت: فأين (¬3) المفضولُ الذي امتاز عن الفاضل؟ ليس هنا إلا الموافقةُ التي (¬4) هي فضل (¬5) من الله (¬6)، وعلامة على سعادة من وافق، وليست من صنع العبد [أَفتراه يقول: إنها مفضولة بالنسبة إلى ما هو من صنع العبد] (¬7) وكسبه في هذا المحل؟ هذا عجيب. وفي كلام ابن المنير ما يشير إلى أن المقتضي للمغفرة هو مراقبةُ (¬8) المأموم لوظيفة التأمين (¬9)، وإيقاعُه في محله على ما ينبغي (¬10)، كما هو شأن الملائكة (¬11)، فذكرُ موافقتِهم ليس لأنه سبب المغفرة، بل للتنبيه على السبب، وهو مماثلتهم في الإقبال (¬12) والجد، وفعل التأمين على أكمل وجه. ¬

_ (¬1) في "ع" زيادة: "عليهم السلام". (¬2) في "ج": "صيغه". (¬3) في "ع": "فإن". (¬4) في "م": "الذي". (¬5) "فضل" ليست في "ن". (¬6) في "ع": "هو من فضل الله تعالى". (¬7) ما بين معكوفتين سقط من "م" و "ج". (¬8) في "ع": "موافقة". (¬9) "التأمين" ليست في "ع". (¬10) في "ج": "ينبني". (¬11) في "ع" زيادة: "عليهم السلام". (¬12) في "ع": "الأفعال".

باب: جهر المأموم بالتأمين

(يقول: آمين): بالمد، ويجوز القصر (¬1)؛ أي: اللهمَّ استجِبْ، فهو دعاء كما تقدم، لكنه يُذكر عَقيبَ الدعاء؛ لأنه بمثابة التلخيص بعد البسط، فالداعي يفصِّل، والمؤمن يُجْمِل، وموقعُها بعد الفاتحة موقعَ قولِ القائل: "اللهمَّ استجبْ لنا فيما دعوناك به من الهداية إلى الصراط المستقيم صراطِ الذين أنعمت عليهم، ولا تجعلنا من المغضوب عليهم، ولا الضالين"، فلخص ذلك تحت قوله: آمين، فإن قالها الإمام، فكأنه دعا مرتين مفضلًا ومجمَلًا. وإن قالها المأموم: فكأنه اقتدى بالإمام حيث دعا بدعاء الفاتحة مفصلًا، فدعا هو بها (¬2) مجملًا، ومن هنا أخذ البُخاريّ جهر (¬3) المأموم بالتأمين؛ لأن الإمام دعا جهرًا، وقد وُظف على المأموم (¬4) الاقتداءُ به، والذي يليق أن يؤمن جهرًا. وفيه نظر. * * * باب: جهرِ المأمومِ بالتأمين 504 - (782) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا قَالَ الإمَامُ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7]، فَقُولُوا: آمِينَ؛ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلاَئِكَةِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". ¬

_ (¬1) في "ع": "بالقصر". (¬2) في "ن": "به". (¬3) في "ج": "وجهر". (¬4) في "ن": "المأموم إمام".

باب: إذا ركع دون الصف

تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَنُعَيْمٌ الْمُجْمِرُ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. (ونعيم المجمِرُ عن أبي هريرةَ): برفع نعيم على أنه فاعل "تابعَ" من قوله: تابعه محمدُ بنُ عمرٍو عن أبي سلمةَ عن أبي هريرةَ. * * * باب: إِذَا ركعَ دُونَ الصَّفِّ (باب: إذا ركع دون الصف): قال ابن المنير: هذه الترجمة مما تورَّع فيه البُخاريّ وَرَعًا لطيفًا دقيقًا، وذلك أنه أشكلَ عليه معنى "زَادَكَ اللهُ حِرْصًا، وَلا تَعُدْ" (¬1)؛ لأن أولَ الكلام يُفهم تصويبَ الفعل، وآخرَه يفهم التخطئةَ، فترجم ترجمة مجملة وَكَلَ فيها الأمر (¬2) في معنى الحديث إلى اجتهاد الناظر. والذي يظهر: أنه - عليه السلام - صَوَّبَ من فعل أبي بكر (¬3) الجهةَ العامة، وهي الحرصُ على إدراك فضيلة الجماعة، فدعا له بالزيادة منه، وردَّ عليه الحرصَ الخاصَّ حتى ركعَ منفردًا، فنهاه عنه، فينصرف (¬4) حرصُه بعد إجابة الدعوة فيه إلى المبادرة إلى المسجد أولَ (¬5) الوقتِ حيثُ يأمنُ الفوتَ. ¬

_ (¬1) رواه البُخاريّ (783) عن أبي بكرة رضي الله عنه. (¬2) في "ع": "وكل أمر فيها"، وفي "ج": "وكل الأمر فيها". (¬3) في "م" و"ج": "أبي بكرة". (¬4) في "ن": "فيصرف". (¬5) في "ج": "وأول".

باب: إتمام التكبير في الركوع

باب: إتمامِ التكبيرِ في الرُّكوعِ 505 - (784) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِد، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَلاَءَ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: صَلَّى مَعَ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِالْبَصْرَةِ، فَقَالَ: ذَكَّرَناَ هَذَا الرَّجُلُ صَلاَةً كُنَّا نُصَلِّيهَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرَ أَنَّهُ كانَ يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَفَعَ وَكُلَّمَا وَضَعَ. (ذكّرنا هذا الرجل): بتشديد الكاف؛ من التذكير. * * * باب: إتمامِ التكبيرِ في السُّجودِ 506 - (786) - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ غَيْلاَنَ ابْنِ جَرِيرٍ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عبد الله، قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَناَ وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، فَكَانَ إِذَا سَجَدَ، كبَّرَ، وإذَا رَفَعَ رَأْسَهُ، كَبَّرَ، وَإِذَا نَهَضَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ، كَبَّرَ، فَلَمَّا قَضى الصَّلاَةَ، أَخَذَ بِيَدِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، فَقَالَ: قَدْ ذَكَّرَنِي هَذَا صَلاَةَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، أَوْ قَالَ: لَقَدْ صَلَّى بِنَا صَلاَةَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى الله عليه وسلم -. (غَيْلان): بغين معجمة. (قد ذكرني هذا بصلاة): ويروى: "صلاةَ (¬1) " بالنصب. * * * ¬

_ (¬1) في "م": "بصلاة".

باب: التكبير إذا قام من السجود

507 - (787) - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: رَأَيتُ رَجُلًا عِنْدَ الْمَقَامِ، يُكَبِّرُ فِي كلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ، وَإِذَا قَامَ، وَإِذَا وَضَعَ، فَأَخْبَرْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: أَوَلَيْسَ تِلْكَ صَلاَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم -، لاَ أُمَّ لَكَ؟! (عن أبي بِشْر): بموحدة مكسورة فشين معجمة ساكنة. * * * باب: التكبيرِ إذا قامَ من السُّجود 508 - (788) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ شَيْخٍ بِمَكَّةَ، فَكَبَّرَ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ تَكْبِيرَةً، فَقُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّهُ أَحْمَقُ، فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، سُنَّةُ أَبي الْقَاسِم - صلى الله عليه وسلم -. وَقَالَ مُوسَى: حَدَّثَنَا أَبَانُ، حَدَّثَنَا قتادَةُ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ. (ثكِلتك أمك): -بثاء مثلثة فكاف (¬1) مكسورة-؛ أي: فقدتك. (سنة أبي القاسم): بالرفع خبر مبتدأ مضمر؛ أي: هي، وبالنصب؛ أي: فعلَ. * * * 509 - (789) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ¬

_ (¬1) في "ن": "وكاف".

باب: وضع الأكف على الركب في الركوع

الْحَارِثِ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عليه وسلم - إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ، يُكَبِرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ: "سَمِعَ اللهُ لَمِنْ حَمِدَه" حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنَ الرَّكعَةِ، ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ: "ربنا لَكَ الْحَمْدُ". قَالَ عبد الله: "وَلَكَ الْحَمْدُ". ثُمَّ يُكَبِرُ حِينَ يَهْوِي، ثُمَّ يُكَبِرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يُكَبِرُ حِينَ يَسْجُدُ، ثُمَّ يُكَبِرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الصَّلاَةِ كُلِّهَا حَتَّى يَقْضِيَهَا، ويكَبِرُ حِينَ يَقُومُ مِنَ الثِّنتيْنِ بَعْدَ الْجُلُوسِ. (حين يَهوِي): بفتح أوله وكسر ثالثه. * * * باب: وضعِ الأكُفِّ على الرُّكب في الرُّكوعِ 510 - (790) - حَدَّثَنَا أبو الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُصْعَبَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ: صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ أَبي، فَطَبَّقْتُ بَيْنَ كَفَّيَّ، ثُمَّ وَضَعْتُهُمَا بَيْنَ فَخِذَيَّ، فَنَهَانِي أَبي، وَقَالَ: كنَّا نَفْعَلُهُ، فَنُهِينَا عَنْهُ، وَأُمِرْناَ أَنْ نَضَعَ أَيْدِيَنَا عَلَى الرُّكَبِ. (أبي يعْفُور): بمثناة من تحت فعين مهملة ساكنة ففاء مضمومة فواو فراء. * * * باب: اسْتِوَاءِ الظَّهْرِ فِي الركُوعِ وَقَالَ أبو حُمَيْدٍ فِي أَصْحَابِهِ: ركعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ. (باب: استواء الظهر في الركوع).

(أبو حُميد): مصغَر. * * * (ثم هصر ظهره): -بصاد مهملة-؛ أي: ثناه إلى الأرض وعطفَه للركوع. قال صاحب "الأفعال": هَصَرَ الشيءَ: أخذ بأعلاه ليُميله إلى نفسه (¬1). قال الزركشي: فمن زعم انبسط مغترًا (¬2) بتبويب البُخاريّ باب: استواء الظهر، فقد غلط (¬3). * * * 511 - (792) - حَدَّثَنَا بَدَلُ بْنُ الْمُحَبَّرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَني الْحَكَمُ، عَنِ ابْنِ أَبي لَيْلَى، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: كَانَ رُكوعُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَسُجُودُهُ، وَبَينَ السَّجْدَتَينِ، وَإِذَا رَفَعَ مِنَ الركوعِ، مَا خَلاَ الْقِيَامَ وَالْقُعُود، قَرِيبًا مِنَ السَّوَاء. (بَدَل): -بموحدة ودال مهملة مفتوحتين-. (ابن المُحَبَّر): -بميم مضمومة فحاء مهملة مفتوحة فموحدة مفتوحة (¬4) مشددة-. ¬

_ (¬1) انظر: "الأفعال" لابن القطاع (3/ 338). (¬2) في "ن": "معبرًا". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 217). (¬4) "مفتوحة" ليست في "ع" و "ج".

(قريبًا من السواء): هذا أيضًا لا يطابق الترجمة؛ لأن الاستواء المذكور فيها هو الهيئة المعلومة السالمة من الحنوة والحدبة، والمذكور في الحديث إنما هو (¬1) تساوي الركوعِ والسجودِ، والجلوسِ بين السجدتين في الزمان إطالةً وتخفيفًا. * * * 512 - (794) - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي". (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك): قيل: هو جملة واحدة على أن الواو زائدة، وقيل: جملتان على أنها عاطفة، ومتعلق الباء محذوف؛ أي: وبحمدك سبحتك. وقال الخطابي: المعنى: وبمعونتك التي هي نعمةٌ توجِب عليَّ حمدَك سَبَّحْتُك (¬2)، لا بحولي وقوتي، يريد: أنه مما أُقيم فيه المسبب. * * * ¬

_ (¬1) هو: ليست في "ج". (¬2) في "ج": سبحانك.

باب

باب 513 - (797) - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لأُقَرِّبَنَّ صَلاَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم -. فَكَانَ أبو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقْنُتُ فِي رَكعَةِ الأُخْرَىِ مِنْ صَلاَةِ الظُّهْرِ، وَصَلاَةِ الْعِشَاءِ، وَصَلاَةِ الصُّبْح، بَعْدَ مَا يَقُولُ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ، وَيَلْعَنُ الْكُفَّارَ. (لأقربَنَّ): من (¬1) التقريب، مع نون التأكيد الثقيلة. * * * 514 - (799) - حَدَّثَنا عبد الله بنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالَكٍ، عَن نُعَيْمٍ بنِ عبد الله المُجْمِرِ، عَنْ عَلِيِّ بنِ يَحْيَى بنِ خَلَّادٍ الزُّرَقِيِّ، عَنْ أَبيهِ، عَن رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقيِّ، قَالَ: كُنَّا يَوْمًا نُصَلِّي وَرَاءَ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ، قَالَ: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ". قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ. فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: "مَنِ الْمُتَكَلِّمُ؟ ". قَالَ: أَناَ، قَالَ: "رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلاَثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا، أيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ". (فقال رجل وراءه: ربنا ولك الحمدُ): في التِّرمذيُّ بيانُ أن المبهمَ رفاعةُ ابنُ رافعِ ابن عفراء (¬2)، وهل هو راوي هذا الحديث أو غيره؟ يحتاج إلى تحرير. ¬

_ (¬1) في "ج": "جمع". (¬2) رواه التِّرمذيُّ (404).

(بِضعة وثلاثين ملكًا): ويروى: "بضعًا"، وكلاهما -بكسر الموحدة-، وهذا مما يرد به على الجوهري في قوله: إنك إذا جاوزتَ لفظَ العشرِ، ذهبَ البِضْعُ، وقد مر في كتاب: الإيمان. (يبتدرونها): أي: يسارعون إليها (¬1). (أيهم يكتبها أول): "أَيُّ": استفهامية، وهي (¬2) مبتدأ، و"يكتبها" خبره. فإن قلت: [بماذا تتعلق هذه الجملة الاستفهامية؟ قلت] (¬3): بمحذوف (¬4) دلَّ عليه "يبتدرونها" (¬5)؛ لأنه قيل (¬6): يبتدرونها؛ ليعلموا أيهم يكتبها أول، أو ينظرون (¬7) أيهم يكتبها، ولا يصح أن يكون متعلقًا بيبتدرون؛ لأنه ليس من الأفعال التي تتعلق بالاستفهام، ولا مما يحكى به. فإن قلت: والنظر أيضًا ليس من الأفعال القلبية، والتعليق [من خواصها، فكيف ساغ لك تقديره؟ ¬

_ (¬1) "إليها" ليست في "ج". (¬2) في "ع": "وهم". (¬3) ما بين معكوفتين سقط من: "ن". (¬4) في "ن": "محذوف". (¬5) في "ن": "يبتدرونها خبره". (¬6) "يبتدرونها لأنه قيل" ليست في "ع". (¬7) في "ن": "ينظروا".

قلت: في كلام ابن الحاجب وغيره من المحققين ما يقتضي أن التعليق (¬1)] (¬2) لا يخص أفعالَ القلوب المتعدية إلى اثنين، بل يخص كلَّ قلبي (¬3)، وإن تعدى إلى واحد، كعَرَفَ (¬4)، فالنظرُ (¬5) ها هنا يُحمل على نظر البصيرة، فيصح تعليقُه. واقتصر الزركشي حيث جعلها استفهامية على أن المعلق هو يبتدرون، وإن لم يكن قلبيًا، وهذا مذهبٌ مرغوبٌ عنه. وجُوِّزَ (¬6) أن تكون "أَيُّ" موصولة (¬7) بدلًا من فاعل يبتدرون. وأولُ: إما (¬8) مبني على الضم (¬9)؛ لأنه ظرف قُطع عن الإضافة؛ كـ: قَبْلُ وبَعْدُ؛ أي: يكتبها أولَ أوقاتِ كتابتها، وإما معرب: بالنصب على الحال، وهو غير منصرف؛ أي: أسبقَ من غيره. * * * ¬

_ (¬1) في "ن": "التحقيق". (¬2) ما بين معكوفتين سقط من "ع". (¬3) في "ن": "قلب". (¬4) في "ن": "لعرف". (¬5) في "ن" و"ع": "والنظر". (¬6) في "ج": "وهو جواز". (¬7) في "ج": "هي موضع موصولة". (¬8) في "ج": "ما". (¬9) في "م": "الضمير".

باب: الاطمأنينة حين يرفع رأسه من الركوع

باب: الاطْمَأْنِينَةِ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: رَفَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم -، وَاسْتَوَى جَالِسًا، حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ. (كل فَقار): -بفتح الفاء-: خَرَزاتُ الصلْب، وهي مفاصلُه، الواحدةُ فَقارَةٌ. 515 - (802) - حَدَّثَنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبي قِلاَبَةَ، قَالَ: كَانَ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ يُرِينَا كَيْفَ كَانَ صَلاَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم -، وَذَاكَ فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلاَةٍ، فَقَامَ، فَأَمْكَنَ الْقِيَامَ، ثُمَّ ركعَ، فَأَمْكَنَ الرُّكوعَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَأَنْصَتَ هُنَيَّةً، قَالَ: فَصَلَّى بِنَا صَلاَةَ شَيْخِنَا هَذَا أبي بُرَيْدٍ، وَكَانَ أَبُو بُرَيْدٍ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ الآخِرَةِ، اسْتَوَى قَاعِدًا، ثُمَّ نَهَضَ. (فأنصب): من الإنصاب، أو (¬1) من الإنصات، وهو السكوت، ضُبط بالوجهين، قال السفاقسي: والأولُ أوجهُ (¬2). (صلاة شيخنا هذا أبي يزيدَ، وكان أبو يزيدَ): هو من الزيادة في الموضعين غير منصرف عند الرواة، إلا الحَمُّوِي، فإنّه قال في الموضعين: "أبو بُريد" -بالموحدة والراء على التصغير-، واسمه عمرو بن سلِمة -بكسر اللام -، هكذا قال أبو عليٍّ الجياني (¬3). ¬

_ (¬1) "من الإنصاب، أو" ليست في "ج". (¬2) انظر تعقب الحافظ ابن حجر على هذا في "الفتح" (2/ 338). (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 111).

باب: يهوي بالتكبير حين يسجد

باب: يَهْوِي بالتكبيرِ حيِنَ يَسْجُدُ 516 - (804) - وقَالَ أبو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: وكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ يَقُولُ: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَه، رَبَّنَا ولَكَ الحَمْدُ". يَدْعُو لرِجَالٍ فَيُسَمِّيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ، فيقُولُ: "اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَليدَ بْنَ الْوَليدِ، وَسَلَمَةَ ابْنَ هِشَامٍ، وَعَيَّاش بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأتكَ عَلَى مُضَرَ، وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ". وَأَهْلُ الْمَشْرِقِ يَوْمَئِذٍ مِنْ مُضَرَ مُخَالِفُونَ لَهُ. (اللهم اشدُدْ) بهمزة وصل. (وَطْأتك): بواو مفتوحة فطاء مهملة ساكنة فهمزة، يريد: بأسَك وعقوبتَكَ. (على مُضَرَ): بضاد معجمة، والميم مضمومة، غير منصرف، يريد: كفار قريش. (واجعلْها): قال الزركشي: الضمير للوطأة، أو للأيام، وإن لم يسبق لها ذكر؛ لما دل عليه المفعولُ الثاني الذي هو "سنين" (¬1). قلت: لا مانع من أن يُجعل عائدًا (¬2) إلى السنين، لا إلى الأيام التي دلت عليها "السنين"، وقد نصوا على جواز عَوْدِ الضمير على المتأخِّر لفظًا ورتبةً (¬3) إذا كان مخبرًا عنه بخبر يفسره؛ مثل: {إِن هى إِلًا حَيَاتنُا اَلدُّنيَا نَمُوتُ وَنَحيَا} [المؤمنون: 37]، وما نحن فيه من هذا القَبيل. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 219). (¬2) في "ج": "عائد". (¬3) في "م" و"ج": "أو رتبة".

باب: فضل السجود

(سنين): جمع سَنَة، والمراد بها (¬1) هنا: زمنُ القحط. (كسني يوسف): بإسقاط النون للإضافة؛ جريًا على اللغة الغالبة فيه، وهي إجراؤه مجرى جمع المذكر السالم. * * * باب: فضلِ السُّجودِ 517 - (806) - حَدَّثَنَا أبو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثيُّ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُمَا: أَنَّ النَّاسَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: "هَلْ تُمَارُونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ؟ "، قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "فَهَلْ تُمَارُونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟ "، قَالُوا: لاَ، قَالَ: "فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ، يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا، فَلْيَتَّبِعْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبعُ الشَّمْسَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يتبعُ الْقَمَرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبعُ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فَيَأْتِيهِمُ اللهُ فَيقُولُ: أَناَ رَبكُّمْ، فَيقُولُونَ: هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأتِيَنَا رَبنَا، فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ، فَيَأْتِيهِمُ اللهُ فَيقُولُ: أَناَ رَبُّكُمْ، فَيقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، فَيَدْعُوهُمْ، فَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَاني جَهَنَّمَ، فَأكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَجُوزُ مِنَ الرُّسُلِ بِأُمَّتِهِ، وَلاَ يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إِلَّا الرسُلُ، وَكَلاَمُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، وَفِي جَهَنَّمَ كَلاَلِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، هَلْ رَأَيْتُمْ ¬

_ (¬1) "بها" ليست في "ج".

شَوْكَ السَّعْدَانِ؟ "، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: "فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلَّا اللهُ، تَخْطَفُ النَّاسَ بِأعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُوبقُ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَرْدَلُ ثُمَّ يَنْجُو، حَتَّى إِذَا أَرَادَ اللهُ رَحْمَةَ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، أَمَرَ اللهُ الْمَلاَئِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مَنْ كَانَ يَعبد الله، فَيُخْرِجُونَهُمْ، وَيَعْرِفُونَهُمْ بِآثَارِ السجُودِ، وَحَرَّمَ اللهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تأكلَ أثرَ السُّجُودِ، فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ، فَكُلُّ ابْنِ آدَمَ تأكله النَّارُ إِلَّا أثرَ السُّجُودِ، فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ قَدِ امْتَحَشُوا، فَيُصَب عَلَيْهِمْ مَاءُ الْحَيَاةِ، فَينبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، ثُمَّ يَفْرُغُ اللهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ، وَيَبْقَى رَجُلٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَهْوَ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دخُولًا الْجَنَّةَ، مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ قِبَلَ النَّارِ، فَيقُولُ: يَا رَبِّ! اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ، قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا، وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا، فَيقُولُ: هَلْ عَسَيْتَ إِنْ فُعِلَ ذَلِكَ بِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَ ذَلِكَ؟ فَيقُولُ: لاَ وَعِزَّتِكَ! فَيُعْطِي اللهَ مَا يَشَاءُ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ، فَيَصْرِف اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ، فَإِذَا أَقْبَلَ بِهِ عَلَى الْجَنَّةِ، رَأَى بَهْجَتَهَا، سَكَتَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَبِّ! قَدِّمْنِي عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ، فَيقُولُ اللهُ لَهُ: أليْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ الْعُهُودَ وَالْمَيثِاق، أَنْ لاَ تَسْأَلَ غَيْرَ الَّذِي كنْتَ سَألْتَ؟ فَيقُولُ: يَا رَبِّ! لاَ أكَونُ أَشْقَى خَلْقِكَ، فَيقُولُ: فَمَا عَسَيْتَ إِنْ أُعْطِيتَ ذَلِكَ أَنْ لاَ تَسْأَلَ غَيْرَه؟ فَيقُولُ: لاَ وَعِزَّتِكَ! لاَ أَسْأَلُ غَيْرَ ذَلِكَ، فَيُعْطِي رَبَّهُ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ، فَيُقَدِّمُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا بَلَغَ بَابَهَا، فَرَأَى زَهْرتهَا، وَمَا فِيهَا مِنَ النَّضْرَةِ وَالسُّرُورِ، فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَسْكُتَ، فَيقُولُ: يَا رَبِّ! أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ، فَيقُولُ اللهُ: ويحَكَ يَا ابْنَ آدَمَ! مَا أَغْدَرَكَ! أليْسَ

قَدْ أَعْطَيْتَ الْعُهُودَ وَالْمِيثَاقَ، أَنْ لاَ تَسْأَلَ غيْرَ الَّذِي أُعْطِيتَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ! لاَ تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ، فَيَضْحَكُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- مِنْهُ، ثُمَّ يَأْذَنُ لَهُ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، فَيقُولُ: تَمَنَّ، فَيتمَنَّى، حَتَّى إِذَا انْقَطَعَ أُمْنِيتُهُ، قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: مِنْ كَذَا وَكَذَا، أَقْبَلَ يُذَكِّرُهُ رَبُّهُ، حَتَّى إِذَا انْتَهَتْ بِهِ الأَمَانِيُّ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: لَكَ ذَلِكَ، وَمِثْلُهُ مَعَهُ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ لأَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "قَالَ اللهُ: لَكَ ذَلِكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَمْ أَحْفَظْ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَّا قَوْلَهُ: "لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ". قَالَ أبو سَعِيدٍ: إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "ذَلِكَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ". (تَمارَون): قال الخطابي: أي: تتمارون من المرية، وهي الشك، فيكون بفتح التاء والراء (¬1) جميعًا (¬2). وقال السفاقسي: الذي ضبطناه بضمها (¬3). (فليتَبِعْه (¬4)): روي بتشديد التاء المثناة من فوق وكسر الموحدة، وبتخفيف (¬5) المثناة وفتح الموحدة. ¬

_ (¬1) في "ع": "بفتح الراء والواو". (¬2) انظر: "أعلام الحديث" (1/ 523). (¬3) في "ن": "بضمها"، وفي "ج": "الضم". وانظر: "التنقيح" (1/ 220). (¬4) كذا: في رواية أبي ذر الهروي وأبي الوقت، وفي اليونينية: "فليتبع" وهي المعتمدة في النص. (¬5) في "ن": "وتخفيف".

(هذا مكانُنَا): -بالرفع- على أنه خبر "هذا". (أول من يجوز): وفي رواية: "يُجيز"، وهي لغة في جاز، يقال: جاز، وأجاز، بمعنى؛ أي: يقطع مسافةَ الصراط. قلت: وعلى الثانية جاء قولي في خطبة (¬1) هذا التعليق: أول من يجيز، واخترتها على يجوز؛ لمكان المناسبة وإيهام التورية بألفاظ المحدثين. (السَّعدان): -بفتح أوله -: نَبْتٌ له شوكٌ، من جيد مراعي الإبل، يضرب به المثل: مرعىً (¬2) ولا كالسعدان. (تخطَف): بفتح الطاء في الأفصح، ويجوز كسرها (¬3). (يوبق): قال ابن قرقول: بموحدة؛ أي: يهلك. قال (¬4) الطبري: بمثلثة، من الوثاق (¬5). (يُخردل): -بخاء معجمة ودال مهملة-؛ أي: تُجعل أعضاؤه (¬6) كالخردل. قال الزركشي: وعن (¬7) أبي عبيد بإعجام الذال، والأصيلي: ¬

_ (¬1) في "ع": "تخطئة". (¬2) في "ج": "مراعًا". (¬3) في "ع": "في الأصح، وكسرها جائز". (¬4) في "ن" و"ع": "وقال". (¬5) انظر: "التنقيح " (1/ 221). (¬6) في "ج": "عضوه". (¬7) في "ج": "عن".

بالجيم؛ بمعنى: الإشراف: على الهلاك (¬1). (وحرم الله على النار أن تأكل أثرَ السجود): وهذا (¬2) مما يشهد للترجمة (¬3) على فضل السجود، واستشهد له ابن بطال بقوله - عليه السلام -: "أَقْرَبُ مَا يَكُونُ العَبْدُ إِذَا سَجَدَ" (¬4). وهو واضح. قال (¬5): ولُعِنَ إبليسُ لإبائِه عن السجود لعنةً أَبْلَسَهُ بها، وأَيْئَسَهُ (¬6) من رحمته إلى يوم القيامة (¬7). واعترضه ابن المنير: بأن السجود الذي أمر به إبليس (¬8) لا تعلم هيئته ولا تقتضي اللعنة اختصاصَ السجود بالهيئة العرفية، وأيضًا: فإبليسُ إنما استوجبَ اللعنةَ بكفره؛ حيثُ جحدَ ما نصَّ اللهُ عليه (¬9) من فضل آدم، فجنح إلى قياسٍ فاسدٍ يعارض به النصَّ، ويكذِّبه، فلعنه (¬10) الله. (امتحشوا): ضبطه القاضي عن المتقنين بالبناء للفاعل، وروي: ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 221). (¬2) في "ن" و "ع": "هذا". (¬3) في "ج": "مما يدل على الترجمة". (¬4) رواه مسلم (482) عن أبي هريرة رضي الله عنه. (¬5) "قال" ليست في "ن". (¬6) في "م" و "ج": "لعنة أنكسه بها أَيْئَسَهُ". (¬7) انظر: "شرح ابن بطال" (2/ 423 - 424). (¬8) "إبليس" ليست في "ن" و "ع". (¬9) في "ن": "له عليه"، وفي "ع": "الله تعالى له عليه". (¬10) في "م": "لعنه".

بالبناء للمفعول؛ أي: احترقوا، وقال الداودي: معناه (¬1): انقبضوا واسودوا (¬2). (الحِبة): بحاء مهملة (¬3) مكسورة، وقد مر في العلم. (قَشَبَني): أي: سمني؛ وكل مسمومٍ قشيبٌ. قال الزركشي: هو بقاف وشين وباء موحدة مفتوحات (¬4). قلت: ظاهره أن الشين مخففة. وفي "الصحاح": وقَشَبَني ريحه (¬5) تقشيبًا؛ أي: آذاني؛ كأنه قال: سَمَّني ريحُه (¬6) (¬7). (وأحرقني ذَكاؤها): -بفتح الذال المعجمة والمد (¬8) -؛ أي (¬9): لهيبُها (¬10). قال النووي: والأشهرُ في اللغة القصر (¬11). ¬

_ (¬1) في "م" و"ج": "معنى". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 374). (¬3) في "م": "بمهملة". (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 221). (¬5) في "م" و "ج": "بريحه". (¬6) في "ع": "بريحه". (¬7) انظر: "الصحاح" للجوهري (1/ 202)، (مادة: قشب). (¬8) "المعجمة" ليست في "م". (¬9) "أي" ليست في "ن". (¬10) في "ن" و "ع": "لهبها". (¬11) انظر: "شرح مسلم" له (3/ 23).

(هل عسِيت): بكسر السين، ويجوز فتحها. (إن): حرف شرط. (فُعِلَ): مبني للمفعول. (أن تسأل): بالنصب بأن المتقدمة. وقال (¬1) الزركشي: بفتح أن المخففة (¬2). قلت: لو عبر بالخفيفة (¬3)، لسلم من إيهام إرادة المخففة من الثقيلة. (أليس قد أُعطيتَ): اسمُ "ليس" ضميرُ الشأن. (فيضحك الله): معناه عند العلماء: الرضا، لا ضحكٌ بلهواتٍ، وتعجبٍ كما (¬4) هو منا، وسيأتي في كتاب: الاعتصام إن شاء الله تعالى ما يرفع مشكلات هذا الحديث (¬5). ¬

_ (¬1) في "ع": "قال". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 222). (¬3) في "ع": "بالحقيقة". (¬4) "كما" ليست في "ج". (¬5) قلت: لا إشكال في هذا الحديث وأمثاله على مذهب السلف المثبتين لهذه الصفة وغيرها من الصفات الثابتة بنص القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية؛ لأنهم ينفون مشابهة صفات الخالق لصفات المخلوق، ويسلِّمون أمرها إلى الباري سبحانه وتعالى، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]. ثم إن الإشكال وارد عند هؤلاء العلماء الذين فسَّروا الضحك بالرضا؛ فإنهم يقولون رضا لا كرضا المخلوقين، فلو أنهم قالوا: ضحك لا كضحك المخلوقين؛ لسلِموا وسلَّموا، ولعله يأتي في كتاب الاعتصام زيادة بيان في هذا، والله أعلم.

باب: يبدي ضبعيه ويجافي في السجود

(الأمانيّ): -بتشديد الياء-: جمعُ أُمْنِيَّة. * * * باب: يُبْدِي ضَبْعَيْهِ وَيُجَافِي فِي السُّجُودِ (يبدي ضَبْعيه): -بضاد معجمة مفتوحة وموحدة ساكنة- تثنية ضَبْع: وسطُ العَضُد. 518 - (807) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ مُضَرَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ هُرْمُزَ، عَنْ عبد الله بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا صَلَّى، فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ، حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، نَحْوَهُ. (بَكْر): بفتح الموحدة وسكون الكاف. (ابن مضَر): بفتح الضاد المعجمة، غير منصرف. (عن عبد الله بنِ مالكٍ ابنِ بَحينةَ): سبق البحث فيه. * * * باب: السُّجودِ على سبعة أعظُم 519 - (810) - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "أُمِرْناَ أَنْ نسجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُم، وَلاَ نكُفَّ ثَوْبًا، وَلاَ شَعَرًا".

باب: السجود على الأنف والسجود على الطين

(ولا نكُفَّ (¬1)): -بضم الكاف-، والفعل إما منصوب بالعطف على المنصوب المتقدم؛ أي: أمرني (¬2) أن أسجدَ، وأن لا نكفَّ (¬3)، وإما مرفوعٌ على أن الجملة مستأنفة كالجملة الأولى. ويروى: "ولا نكفِتَ" (¬4) -بسكون الكاف (¬5) وكسر الفاء بعدها مثناة من فوق-، والكفُّ: القبضُ والضمُّ، وكذا الكَفْتُ، يريد: جمعَ الثوب باليدين عند الركوع والسجود. * * * باب: السُّجودِ على الأنفِ والسُّجود على الطِّينِ 520 - (813) - حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: انْطَلَقْتُ إلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، فَقُلْتُ: أَلاَ تَخْرُجُ بِنَا إِلَى النَّخْلِ نَتَحَدَّثْ، فَخَرَجَ، فَقَالَ: قُلْتُ: حَدِّثْنِي مَا سَمِعْتَ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ؟ قَالَ: اعْتكَفَ رَسُولُ الله - صَلَّى الله عليه وسلم - عَشْرَ الأُوَلِ مِنْ رَمَضَانَ، وَاعْتكَفْنَا مَعَهُ، فَأتاهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ، فَاعْتكَفَ الْعَشْرَ الأَوْسَطَ، فَاعْتكَفْنَا مَعَهُ، فَأتاهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ، قَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خطِيبًا صَبِيحَةَ عِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ، فَقَالَ: "مَنْ كَانَ اعْتكَفَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلْيَرْجِعْ، فَإِنِّي أرُيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، وَإِنِّي نُسِّيتُهَا، ¬

_ (¬1) في "ن" و "ع": "يكف". (¬2) في "ن" و "ع": "أمرت". (¬3) في "ن" و "ع" و "ج": "يكف". (¬4) رواه مسلم (490). (¬5) "بسكون الكاف" ليست في "ن".

وإنَّهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، فِي وِترٍ، وإنِّي رَأَيْتُ كَأَنِّي أَسْجُدُ فِي طِينٍ وَمَاءٍ". وَكَانَ سَقْفُ الْمَسْجدِ جَرِيدَ النَّخْلِ، وَمَا نرَى فِي السَّمَاءِ شَيْئًا، فَجَاءَتْ قَزْعَةٌ، فَأُمْطِرْنَا، فَصَلَّى بِنَا النَّبِيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم - حَتَّى رَأَيْتُ أثرَ الطينِ وَالْمَاءِ عَلَى جَبْهَةِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى الله عليه وسلم - وَأَرْنبَتِهِ، تَصْدِيقَ رُؤْيَاهُ. (اعتكف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأَولَ): كذا (¬1) في بعض النسخ بدون موصوف، والهمزة مفتوحة، أو مضمومة؛ [أي: العشرَ الأول، فذكر الأُولى] (¬2)، أو العشرَ الأُول جمُعها. وفي بعضها: العَشْرَ الأُوَلَ، قال الزركشي: وهو الوجه (¬3) (¬4). (فاعتكف العشرَ الأوسطَ): هكذا أكثرُ الروايات، ووجِّهَ بأنه جاء على لفظ العشر؛ لأنه مذكر (¬5). وروي: "الوُسُط" -بواو وسين مضمومتين- جمعُ واسط؛ كبازل، وبزل (¬6)، على أنه لو قيل هنا (¬7): الوسَط -بفتح السين- جمعُ وسطى؛ لكان حسنًا. (وإني نَسِيتها): روي بفتح النون وكسر السين المخففة. ¬

_ (¬1) في "ن" و "ع" زيادة: "وقع". (¬2) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬3) "وهو الوجه" ليست في "ج". (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 222). (¬5) في "ع": "مذكور". (¬6) في "ن": "كنازل ونزل". (¬7) "هنا" ليست في "ن".

وروي بضم النون وتشديد السين. (في العشر الأواخر): جمع آخرة، وهذا جارٍ على القياس. قال ابن الحاجب: ولا يقال هنا الأُخَر جمعٌ لأُخرى (¬1)؛ لعدم دلالتها على التأخير (¬2) الوجودي، وهو مراد. وفيه بحث. (قَزَعَة): -بقاف وزاي وعين مهملة مفتوحات-: قطعة من الغيم. (على جبهة رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - وأرنبته): هي طَرَفُ الأنف. [قال ابن بطال: فيه (¬3) حجة لمن أوجب السجود على الأنف] (¬4) والجبهة (¬5). واعترضه ابن المنير: بأن الفعل لا يدل على الوجوب، فلعله أخذ بالأكمل، وأخذه من قوله: "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُوني أُصَلِّي" (¬6)، يعارض بأن المندوبَ في أفعال الصلاة أكثرُ من الواجب، فعارض الغالبُ ذلك الأصلَ. وفيه نظر. ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "الأخرى". (¬2) في "ن": "التأخر". (¬3) في "م" و "ج": "هي". (¬4) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬5) انظر: "شرح ابن بطال" (2/ 431). (¬6) تقدم برقم (631) عند البُخاريّ.

باب: عقد الثياب وشدها

باب: عَقْد الثيابِ وشدِّها 521 - (814) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: كَانَ النَّاسُ يُصَلُّونَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَهُمْ عَاقِدُو أُزْرِهِمْ مِنَ الصِّغَرِ عَلَى رِقَابِهِمْ، فَقِيلَ لِلنِّسَاءِ: "لاَ تَرْفَعْنَ رُؤُوسَكُنَّ حَتَّى يَسْتَوِيَ الرِّجَالُ جُلُوسًا". (وهم عاقدو أُزْرِهم): بإضافة الأولِ وهو مرفوعٌ إلى الثاني، وروي: "عَاقِدي أُزْرِهم" (¬1) بنصب عاقدي على الحال؛ أي: وهم مؤتزرون عاقدي أُزرهم، كذا قاله ابن مالك (¬2). * * * باب: لاَ يَكُفُّ شَعَرًا (باب: لا يكفَّ شعرًا): بفتح الفاء عند المحدثين، وضمها عند المحققين من النحاة، وكذا باب: "لا يَكُفَّ ثوبَه في الصلاة". * * * باب: المُكثِ بينَ السجدتينِ 522 - (818) - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ: أَنَّ مَالِكَ بْنَ الْحُوَيْرِثِ قَالَ لأَصْحَابِهِ: أَلاَ أنُبِّئُكُمْ صَلاَةَ ¬

_ (¬1) رواه البُخاريّ (362)، ومسلم (441) عن سهل بن سعد رضي الله عنه. (¬2) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 110 - 111).

باب: لا يفترش ذراعيه في السجود

رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: وَذَاكَ فِي غَيْرِ حِينِ صَلاَةٍ، فَقَامَ، ثُمَّ ركَعَ فَكَبَّرَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَامَ هُنَيّةً، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ هُنَيّةً، فَصَلَّى صَلاَةَ عَمْرِو ابْنِ سَلِمَةَ شَيْخِنَا هَذَا. قَالَ أَيُّوبُ: كَانَ يَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ أَرَهُمْ يَفْعَلُونه، كَانَ يَقْعُدُ فِي الثالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ. (عمرو بن سلِمة): بلام مكسورة (¬1). * * * 523 - (820) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيم، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عبد الله الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنِ الْحَكَم، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: كَانَ سُجُودُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَرُكوعُهُ، وَقُعُودُهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ. (الزُّبيري (¬2)): بضم الزاي (¬3)، وبراء. * * * باب: لاَ يَفْتَرِشُ ذِرَاعَيْهِ فِي السُّجُودِ (باب: لا يفترِشُ): بالجزم والرفع. * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "بكسر اللام". (¬2) في "ن" و "ع": "الزهري". (¬3) في "ج": "الراء".

باب: سنة الجلوس في التشهد

باب: سُنَّةِ الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ وَكَانَتْ أُمُّ الدَّرْداءِ تَجْلِسُ فِي صَلاَتِهَا جِلْسَةَ الرَّجُلِ، وَكَانَتْ فَقِيهةُ. (في صلاتها جِلسة الرجل): بكسر الجيم؛ لأن (¬1) المراد: الهيئةُ. 524 - (827) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ الْقَاسِم، عَنْ عبد الله بْنِ عبد الله: أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ كَانَ يَرَى عبد الله بْنَ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- يترَبَّعُ فِي الصَّلاَةِ إِذَا جَلَسَ، فَفَعَلْتُهُ، وَأَناَ يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ، فَنَهَانِي عبد الله بْنُ عُمَرَ، وَقَالَ: إِنَّمَا سُنَّةُ الصَّلاَةِ أَنْ تَنْصبَ رِجْلَكَ الْيُمْنَى، وَتَثْنِيَ الْيُسْرَى، فَقُلْتُ: إِنَّكَ تَفْعَلُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ رِجْلَيَّ لاَ تَحْمِلاَنِي. (إن رجلاي لا تحملاني): في بعض النسخ: "رجلاي" هكذا على إجراء المثني مجرى المقصور، وفي بعضها: "رِجْلَيَّ" على المشهور. * * * 525 - (828) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاء. وَحَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، وَيَزِيدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ: أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا ¬

_ (¬1) "لأن" ليست في "ن".

مَعَ نَفَرٍ مِنْ أصحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرْناَ صَلاَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم -، فَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ: أَناَ كُنْتُ أحفَظَكُمْ لِصَلاَةِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى الله عليه وسلم -، رَأَيْتُهُ إِذَا كبّرَ، جَعَلَ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا ركَعَ، أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكبَتَيْهِ، ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ، اسْتَوَى حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانهُ، فَإِذَا سَجَدَ، وَضَعَ يَدَيْهِ غيْرَ مُفْتَرِشٍ، وَلاَ قَابِضِهِمَا، وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابع رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ، فَإذَا جَلَسَ فِي الرَّكعَتَيْنِ، جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى، وَنصبَ الْيُمْنَى، وإذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ، قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَنصبَ الأُخْرَى، وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ. وَسَمِعَ اللَّيْثُ يَزِيدَ بْنَ أَبي حَبِيبٍ، وَيَزِيدُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَلْحَلَةَ، وَابْنُ حَلْحَلَةَ مِنَ ابْنِ عَطَاءٍ. قَالَ أَبُو صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ: كُلُّ فَقَارٍ. وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبي حَبِيبٍ: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرٍو حَدَّثَهُ: كُلُّ فَقَارٍ. (ابن حَلحَلة): بحاءين مهملتين مفتوحتين. (قال أبو صالح، عن الليث: كُلُّ فِقار): حكى صاحب "المطالع" في هذه الرواية عن ابن السكن: كسر الفاء. و (¬1) حكي عن الأصيلي: تقديم القاف على الفاء، قيل: وهو تصحيف (¬2). (أن محمد بن عمرو حديثه: كُلَّ فَقاره (¬3)): هكذا بهاء التأنيث واحدُه فَقارٌ بدونها. ¬

_ (¬1) الواو سقطت من "ع". (¬2) وانظر: "مشارق الأنوار" (2/ 162). (¬3) كذا في رواية أبي ذر الهروي عن الكشميهني، وفي اليونينية: "فقار"، وهي =

باب: من لم ير التشهد الأول واجبا

باب: من لَمْ يرَ التَّشَهُّدَ الأولَ واجبًا 526 - (829) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزَ مَوْلَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَقَالَ مَرَّةً: مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ: أَنَّ عبد الله بْنَ بُحَيْنَةَ، وَهْوَ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ، وَهْوَ حَلِيفٌ لِبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى بِهِمُ الظُّهْرَ، فَقَامَ فِي الرَّكعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ، لَمْ يَجْلِسْ، فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، حَتَّى إِذَا قَضَى الصَّلاَةَ، وَانتظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ، كَبَّرَ وَهْوَ جَالِسٌ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، ثُمَّ سَلَّمَ. (من أزد شَنوءة): -بفتح الشين المعجمة ونون وهمزة- على وزن (¬1) فَعُولة (¬2). * * * باب: التشهُّدِ في الآخرةِ 527 - (831) - حَدَّثَنَا أَبو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: قَالَ: عبد الله: كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قُلْنَا: السَّلاَمُ عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ، السَّلاَمُ عَلَى فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ، فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "إِنَّ اللهَ هُوَ السَّلاَمُ، فَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، ¬

_ = المعتمدة في النص. (¬1) "وزن" ليست في "ن". (¬2) في "م" و "ج": "فعلولة".

باب: الدعاء قبل السلام

فَلْيَقُلِ: التَّحِيَّاتُ للهِ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّها النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، فَإِنَّكمْ إِذَا قُلْتُمُوهَا، أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ للهِ صَالحٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ". (وعلي (¬1) عباد الله الصالحين؛ فإنكم إذا قلتموها، أصابت كلَّ عبدٍ [للهِ] صالح): فيه دليل على أن للعموم صيغة، وأن هذه الصيغةَ منها، وهو مذهب الفقهاء؛ خلافًا لمن توقف في ذلك من الأصوليين. * * * باب: الدعاءِ قَبلَ السَّلامِ 528 - (832) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُرْوَةُ بْنُ الزبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلاَةِ: "اللَّهُمَ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيح الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَفِتْنَةِ الْمَمَاتِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأثَم وَالْمَغْرَمِ". فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أكثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنَ الْمَغْرَمِ؟ فَقَالَ: "إِن الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ، حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ". (من المأثم): الأمر الذي يأثم به الإنسان، أو هو الإثمُ نفسُه؛ وضعًا للمصدر موضعَ الاسم. ¬

_ (¬1) "وعلى" ليست في "م".

(والمغرم (¬1)): أي: الدَّيْن (¬2) الذي يحمل على الغرم (¬3)، والمراد به: دَين استُدين في أمر غير جائز، أو جائز، ثم عجز عن أدائه، فأما دين احتيج إليه، وهو قادر على وفائه، فلا (¬4) يستفاد منه. * * * 529 - (834) - حَدَّثَنَا قُتَيْبةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ ابْنِ أَبي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عبد الله بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ - صَلَّى الله عليه وسلم -: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي. قَالَ: "قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ". (ظلمًا كثيرًا): بمثلثة أو (¬5) بموحدة، روايتان. (مغفرة من عندك): إشارة إلى التوحيد؛ كأنه قال: لا يفعل هذا إلا أنت، فافعل (¬6) أنت، أو هو (¬7) إشارة إلى طلب مغفرةٍ متفضَّل بها من ¬

_ (¬1) في "ج": "والمغرب". (¬2) "الدين" ليست في "ن". (¬3) في "ج": "المغرم". (¬4) في "ج": "ما لا". (¬5) في "ن" و "ع": "و". (¬6) في "ن": "فافعله". (¬7) في "ع": "كأنه قال: فافعل أنت وهو".

باب: ما يتخير من الدعاء بعد التشهد، وليس بواجب

عند الله، لا (¬1) يقتضيها سببٌ من العبد من عمل حسن (¬2) ولا غيره، فهي رحمة من عنده، وهذا (¬3) تَبَرُّؤ من الأسباب، والإدلالِ بالأعمال، وهو حسن. * * * باب: مَا يُتَخَيَّرُ مِنَ الدُّعَاءَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ (باب: ما يتخير من الدعاء): ببناء يُتَخَيَّر للمفعول. 530 - (835) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ الأَعْمَشِ، حَدَّثَنِي شَقِيقٌ، عَنْ عبد الله، قَالَ: كُنَّا إِذَا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الصَّلاَةِ، قُلْنَا: السَّلاَمُ عَلَى اللهِ مِنْ عِبَادِهِ، السَّلاَمُ عَلَى فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَقُولُوا: السَّلاَمُ عَلَى اللهِ؛ فَإِنَّ اللهَ هُوَ السَّلاَمُ، وَلَكِنْ قُولُوا: التَّحِيَّاتُ للهِ، وَالصَّلَوَاتُ، وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمْ، أَصَابَ كُلَّ عَبْدٍ فِي السَّمَاءِ، أَوْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ يتَخَيَّرُ مِنَ الدُّعَاءَ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ، فَيَدْعُو". (ثم ليتخير من الدعاء أعجبَه إليه): قال ابن المنير: الدعاءُ بأمور الدنيا في الصلاة خطر، وذلك أنه قد يلتبس عليه الدنيا الجائزة بالمحظورة، ¬

_ (¬1) "لا" ليست في "ن" و "ع". (¬2) في "ن": "خير". (¬3) "وهذا" ليست في "ن".

باب: من لم يمسح جبهته وأنفه حتى صلى

فيدعو بالمحظور (¬1)، فيكون عاصيًا متكلمًا في الصلاة، فتبطل صلاته وهو لا يشعر. ألا ترى أن العامة يلتبس عليها الحقُّ بالباطل، فلو حكم حاكمٌ على عاميٍّ بحق، فظنه باطلًا، [فدعا على الحاكم باطلًا] (¬2)، بَطَلَت صلاتُه، وتمييزُ الحظوظ الجائزة من المحرمة عسرٌ (¬3) جدًّا، فالصواب أن لا يدعوَ (¬4) بدنياه إلا على ثبتٍ من الجواز. * * * باب: مَنْ لَمْ يَمْسَحْ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ حَتَّى صَلَّى (باب: من لم يمسح جبهتَه وأنفَه حتى صلَّى): ساق فيه حديث أبي سعيد، قال: "رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صَلَّى الله عليه وسلم - سَجَدَ (¬5) فِي المَاءِ وَالطِّينِ حَتَّى رَأَيْتُ أثَرَ الطِّينِ فِي جَبْهَتِهِ"، يحتمل (¬6) أن يكون تركه لذلك؛ لكونه آية وعلامة على ليلة القدر، وقد تقدمت الآثارُ بذلك، فقصد (¬7) إبقاءه لذلك ليراه النَّاس، فيستدلوا على عين تلك الليلة. ¬

_ (¬1) في "ع": "بالمحظورة". (¬2) ما بين معكوفتين سقط من "ن". (¬3) في "ج": "عسير". (¬4) في "ع": "يدعوا". (¬5) في "ع" و "ج": "يسجد". (¬6) في "ع": "ويحتمل". (¬7) في "ع": "قصد".

باب: يسلم حين يسلم الإمام

باب: يسلِّمُ حين يسلِّمُ الإمامُ 531 - (838) - حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عِتْبَانَ، قَالَ: صَلَّيْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ. (حِبّان بن موسى): بحاء مكسورة وباء موحدة مشددة (¬1). * * * باب: منْ لم ير ردَّ السَّلامِ على الإمامِ، واكتفى بتسليم الصَّلاةِ 532 - (839) - حَدَّثنَا عَبْدَانُ، قَالَ: أَخْبَرناَ عبد الله، قَالَ: أَخْبَرناَ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ عَقَلَ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى الله عليه وسلم -، وَعَقَلَ مَجَّةً مَجَّهَا مِنْ دلوٍ كانَ فِي دارِهِمْ. (عقَل): -بفتح القاف-: فهم. * * * 533 - (840) - قَالَ: سَمِعْتُ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ الأَنْصَارِيَّ، ثُمَّ أَحَدَ بَنِي سَالِمٍ، قَالَ: كُنْتُ أصُلِّي لِقَوْمِي بَنِي سَالِمٍ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: إِنِّي أَنْكَرْتُ بَصَرِي، وَإِنَّ السُّيُولَ تَحُولُ بَيْني وَبَيْنَ مَسْجِدِ قَوْمِي، فَلَوَدِدْتُ أَنَّكَ جِئْتَ فَصَلَّيْتَ فِي بَيْتِي مَكَانًا، حَتَّى أتَّخِذَهُ مَسْجدًا، فَقَالَ: "أَفْعَلُ إِنْ ¬

_ (¬1) في "ن": "مكسورة".

باب: الذكر بعد الصلاة

شَاءَ اللهُ". فَغَدَا عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عليه وسلم -، وَأَبُو بَكْرٍ مَعَهُ، بَعْدَ مَا اشتَدَّ النَّهَارُ، فَاسْتَأْذَنَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم -، فَأَذِنْتُ لَهُ، فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى قَالَ: "أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أصُلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ؟ "، فَأشَارَ إِلَيْهِ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي أَحَبَّ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ، فَقَامَ، فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ، ثُمَّ سَلَّمَ، وَسلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ. (تَحُول): -بحاء مهملة مضمومة-؛ أي: تكون حائلة تصدُّني عن الوصول إلى مسجد قومي. * * * باب: الذِّكرِ بعد الصَّلاةِ 534 - (841) - حَدَّثَنَا إسْحَاقُ بْنُ نصرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَني عَمْرٌو: أَنَّ أَبَا مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، أَخْبَرَهُ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَفع الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ، حِينَ يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنَ الْمَكْتُوبَةِ، كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم -. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُنْتُ أَعْلَمُ إِذَا انْصَرَفُوا بِذَلِكَ إِذَا سَمِعْتُهُ. (كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته): قد (¬1) يحتمل أن يقال في هذا: إن (¬2) "إذا" الأولى وقعت مفعولًا به لأعلم؛ أي: أعلم وقتَ انصرافهم، ¬

_ (¬1) "قد" ليست في "ج". (¬2) "إنّ" ليست في "م".

لا سيما في وقت انصرافهم (¬1)؛ كقوله (¬2) - عليه السلام -: "إِنِّي لأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى" (¬3). ويجاب عنهما: بأن التقدير (¬4): أعلم شأنهم، أو شأنك (¬5)، ونحو هذا، والإشارةُ إذا (¬6) راجعة إلى رفع الأصوات. وقال الزركشي: إنها راجعة إلى الانصراف (¬7). والظاهرُ الأولُ. * * * 535 - (843) - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنا مُعْتَمِرٌ، عَنْ عبيد الله، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالح، عَن أَبِي هُرَيْرةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: جَاءَ الْفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنَ الأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلاَ وَالنَّعِيم الْمُقِيم: يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ، يَحُجُّونَ بِهَا، وَيَعْتَمِرُونَ، وَيُجَاهِدُونَ، وَيَتَصَدَّقُونَ. قالَ: "أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ إِنْ أَخَذْتُمْ، أَدْركْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ، وَلَمْ ¬

_ (¬1) في "ج": "تصرفهم". (¬2) في "ن" و "ع": "لقوله". (¬3) رواه البُخاريّ (5228)، ومسلم (2439) عن عائشة رضي الله عنها. (¬4) "بأن التقدير" ليست في "ن". (¬5) في "ن": "أعلم شأنك أو شأنهم". (¬6) "بذا" ليست في "ج". (¬7) انظر: "التنقيح" (1/ 227).

يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانيهِ، إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ؟ تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثًا وثَلاثِينَ". فَاخْتَلَفْنا بَيْنَنا، فَقَالَ بَعْضُنَا: نُسَبِّحُ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، ونَحمَدُ ثلاثًا وثَلاثِينَ، وَنُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: "تَقُولُ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ للهِ، وَاللَّهُ أكبَرُ، حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ". (الدُّثُور): -بضم الدال المهملة وضم الثاء المثلثة،-: جمعُ دَثْر -بفتح الدال وسكون الثاء-، وهو المال الكثير. (وكنتم خيرَ مَنْ أنتم بين ظهرانيهِ إلا من عملَ مثلهِ): في ظاهره إشكال؛ إذ كيف تثبت (¬1) الأفضلية مع التساوي في العمل؟ فيتأول (¬2) إلا من عمل مثله، وزاد بغيره من فعل البر؛ بدليل سياق الحديث، هكذا وقع لبعضهم. قلت: فهم هذا القائل أن المعنى إلا من عمل مثلَه فهو خير منكم، فورد الإشكال، فاحتيج إلى التأويل، وهذا غير مستقيم؛ إذ القاعدة لا تقتضي هذا الذي فهمه وبنى الإشكال عليه (¬3)، وإنما تقتضي أن يكون المعنى: إلا من عمل مثلَه، فلستم خيرًا منه؛ ضرورةَ أن هذا هو نقيضُ الحكم الثابت للمستثنى منه، وانتفاءُ (¬4) خيريةِ المخاطبين بالنسبة إلى من ¬

_ (¬1) في "ن" و "ع": "ثبتت". (¬2) في "ن": "فيؤل"، وفي "ع": "فيأول". (¬3) "عليه" ليست في "ع". (¬4) في "ج": "وانتفى".

عمل مثلَ عملهم صادقٌ بمساواتهم لهم (¬1) في الخيرية، وهذا حق لا يتوجه معه الإشكال المذكور ألبتة، فتأمله. قال المهلب: وفي حديث أبي هريرةَ فضلُ الغنى نصًّا (¬2) لا تأويلًا، إذا استوت أعمالهم المفروضة، فللغنيِّ حينئذ من فضل عملِ البر ما لا سبيلَ للفقير إليه. واعترضه ابن المنير: بأن الفضل المذكور فيه خارجٌ عن محل الخلاف؛ إذ لا يختلفون في أن الفقير لم يبلغ فضل الصدقة، وكيف يختلفون فيه، وهو لم يفعل الصدقة، وإنما الخلاف إذا قابلنا مزية الفقير بثواب (¬3) الصبر على مصيبة السَّغَب والشَّظَف (¬4)، ورضاه بذلك، بمزية الغني بثواب الصدقات، أيهما يكون أكثر ثوابًا؟ وقولهم: ذهب أهلُ الدثور بالدرجات العلا، يعنون: المستحَقَّةَ بالصدقة، ولعل هناك ما هو أعلى منها للصابرين على البأساء والضراء. (تسبحون وتحمدون وتكبرون خلفَ (¬5) كلِّ صلاة ثلاثًا وثلاثين): هذه الأفعال [الثلاثة تنازعت في الظرف والمصدر. (حتى يكون منهن كلِّهن): -بكسر اللام- تأكيد] (¬6) للضمير المجرور. ¬

_ (¬1) في "ن" و "ع": "له". (¬2) في "ج": "فصلًا". (¬3) في "ع": "بصواب". (¬4) في "ج": "والشظب". (¬5) في "ن": "دبر". (¬6) ما بين معكوفتين سقط من "ج".

(ثلاثًا وثلاثين): كذا ثبت في الروايات، وروي: "ثلاث وثلاثون" (¬1). قال الزركشي: وهو الوجه (¬2). قلت: مقتضاه أن الروايات الآخر لا وجه لها مع ثبوتها، وهو قريب من التصريح بالتلحين، وليس كذلك، فوجه الرفع ظاهر، وهو أن يكون "ثلاث وثلاثون" هو (¬3) اسمها، "ومنهن كلهن" خبرها، ولا ضمير حينئذ في يكون، ووجه النصب أن يكون في "يكون" (¬4) ضمير مستتر عائد على العدد المتقدم، "وثلاثًا وثلاثين" هو الخبر، والمعنى: حتى يكون العددُ منهن ثلاثًا وثلاثين، ولا إشكال، والله الموفق. * * * 536 - (844) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ وَرَّادٍ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: أَمْلَى عَلَيَّ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، فِي كتَابٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ: "لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهْوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ". وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، بِهَذَا، وَعَنِ الْحَكَم، عَنِ الْقَاسِم بْنِ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (596) عن كعب بن عجرة رضي الله عنه. (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 228). (¬3) في "ج": "وهو". (¬4) في "م": "فيكون".

مُخَيْمِرَةَ، عَنْ وَرَّادٍ، بِهَذَا. وَقَالَ الْحَسَنُ: الْجَدُّ: غِنًى. (اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطيَ لما منعت): أجاز البغداديون تركَ تنوين الاسم المطول، فأجازوا: لا طالعَ جبلًا، أَجْرَوه في ذلك مجرى المضاف؛ كما أُجري مجراه في الإعراب، قال ابن هشام: وعلى ذلك يتخرج الحديث (¬1). وتبعه الزركشي في "تعليق العمدة". قلت: بل يتخرج على قول البصريين أيضًا: بأن يجعل "مانع" (¬2) اسمَ لا مفردًا مبنيًّا معَها، إما لتركيبه معها تركيبَ خمسةَ عشرَ، وإمَّا لتضمُّنِه معنى الاستغراقية (¬3)، على الخلاف المعروف في المسألة، والخبر محذوف؛ أي: لا مانعَ لما أعطيت، واللام للتقوية، فلك أن تقول: تتعلق، ولك أن تقول: لا يتعلق. وكذا القولُ في: ولا معطيَ لما منعت، وجَوَّزَ الحذفَ ذكر (¬4) مثل المحذوف (¬5)، وحسنه (¬6) دفعُ التكرار، فظهر بذلك أن التنوين على رأي البصريين ممتنع. ¬

_ (¬1) انظر: "مغني اللبيب" (ص: 515). (¬2) في "ج": "جامع". (¬3) في "ج": "من الاستغراقية". (¬4) في "ن": "ذكره". (¬5) "مثل المحذوف" ليست في ن، وفي "ع": "مثل ما حذف". (¬6) في "ن": "حذف وحسنته"، وفي "ج": "في حسنه".

ولعل السر في العدول عن تنوينه إرادةُ التنصيص على الاستغراق، ومع التنوين يكون الاستغراق ظاهرًا لا نصًّا. فإن قلت: [إذا نون الاسمُ كان مطولًا، "ولا" عاملة، وقد تقرر أنها عند العمل ماضية على الاستغراق. (قلت)] (¬1): خَصَّ بعضُهم الاستغراقَ بحالة البناء، أو (¬2) من جهة تضمُّن معنى من الاستغراقية، ولو سلم ما قلته، لم يتعين عملُها في هذا الاسم المنصوب حتى يكون النص على الاستغراق (¬3) حاصلًا (¬4)؛ لاحتمال (¬5) أن يكون منصوبًا بفعل محذوف؛ أي: لا (¬6) نجد، أو لا (¬7) نرى مانعًا ولا معطيًا، فعدل إلى البناء؛ لسلامته من هذا الاحتمال. (ولا ينفع ذا الجَدِّ منك الجَدُّ): الصحيح المشهور فيه فتح الجيم (¬8)، وهو الحظ، والمعنى: لا ينفع ذا الحظ والمال والغنى (¬9) غناؤه، ويروى: بكسر الجيم، وهو الإسراع في الهرب؛ أي: لا ينفعه ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين سقط من "ن". (¬2) في "ج": "بحالة النص". (¬3) من قوله: "قلت" إلى قوله: "الاستغراق" ليست في "ج". (¬4) في "م": "خاصًّا". (¬5) في "ن": "لا لاحتمال". (¬6) "لا" ليست في "ن". (¬7) في "ج": "ولا". (¬8) في "ع": "الميم". (¬9) "والغنى" ليست في "ج".

باب: يستقبل الإمام الناس إذا سلم

هربُه منك، ومعنى "من": البدلية؛ أي: لا ينفع ذا (¬1) الجد بذلك؛ أي: بدل طاعتك جدُّه، وقد حررنا (¬2) الكلام في ذلك في "حاشية المغني". * * * باب: يستقبلُ الإمامُ الناسَ إذا سلَّمَ 537 - (845) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عليه وسلم - إِذَا صَلَّى صَلاَةً، أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ. (سَمُرَة بن جندُب): بضم الميم وضم الدال المهملة وفتحها. * * * 538 - (846) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ صَالح بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ عبيد الله بْنِ عبد الله بْنِ عُتْبةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ زيدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ: أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلاَةَ الصُّبْح بِالْحُدَيْبِيَةِ، عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلَةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: "هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ "، قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْناَ بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي، وَكَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي، وَمُؤمِنٌ بِالْكَوْكَبِ". ¬

_ (¬1) "ذا" ليست في "ج". (¬2) في "ج": "جوزنا".

(بالحديبية): بالتشديد والتخفيف. (على إِثْر): -بكسر الهمزة وإسكان الثاء المثلثة وبفتحها-؛ أي: عقب، وقد مر. (سماء): أي: مطر. (كانت): بضمير التأنيث عائدًا (¬1) إلى سماء؛ لأنها تؤنث وتذكر أيضًا. (أصبح من عبادي مؤمن بي (¬2) وكافر): قال الزركشي: الإضافة في عبادي للتغليب؛ فإنها للتشريف، والكافر ليس من أهله. قلت: التغليب على خلاف الأصل، ولم لا (¬3) يجوز أن يكون الإضافة لمجرد الملك؟ ثم قال: ومعنى الكفر هنا: الكفر (¬4) الحقيقي؛ لأنه قابله بالإيمان حقيقة، وذلك في حق من اعتقد أن المطر من فعل الكواكب، فأما من اعتقد أن الله هو خالقه ومخترعه، ثم تكلم بذلك القول، فهو مخطئٌ غيرُ كافر (¬5) (¬6). ¬

_ (¬1) في "ج": "عائد". (¬2) "بي" ليست في "ع". (¬3) "لا" ليست في "ج". (¬4) "هنا الكفر" ليست في "ج". (¬5) انظر: "التنقيح" (1/ 228). (¬6) جاء بعده في النُّسخ كلها ما نصه: " (ابن منير): بصيغة اسم الفاعل من أنار". ولا موضع لها ها هنا، اللهم إلا أن يكون المؤلف رحمه الله قد سبق نظره إلى حديث آخر من الأحاديث الآتية، فقدم ما حقه التأخير، والله أعلم.

باب: مكث الإمام في مصلاه بعد السلام

باب: مُكْثِ الإمامِ في مُصلَّاه بعد السَّلامِ 539 - (849) - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ هِنْدٍ بِنْتِ الْحَارِثِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا سَلَّمَ، يَمْكُثُ فِي مَكَانِهِ يَسِيرًا. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَنُرَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، لِكَي يَنْفُذَ مَنْ يَنْصَرِفُ مِنَ النِّسَاءِ. (قال ابن شهاب: فنُرى): بضم النون. * * * 540 - (850) - وَقَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ: أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ كَتَبَ إِلَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي هِنْدُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْفِرَاسِيَّةُ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَتْ مِنْ صَوَاحِبَاتِهَا، قَالَتْ: كَانَ يُسَلِّمُ، فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ، فَيَدْخُلْنَ بُيُوتَهُنَّ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يَنْصَرِفَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَخْبَرَتْنِي هِنْدُ الْفِرَاسِيَّةُ. وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: حَدَّثَتْنِي هِنْدُ الْفِرَاسِيَّةُ. وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ: أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ: أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ الْحَارِثِ الْقُرَشِيَّةَ أَخْبَرَتْهُ، وَكَانَتْ تَحْتَ مَعْبَدِ ابْنِ الْمِقْدَادِ، وَهْوَ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ، وَكَانَتْ تَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَقَالَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: حَدَّثتنِي هِنْدُ الْقُرَشِيَّةُ. وَقَالَ ابْنُ أَبي عَتِيقٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ هِنْدٍ الْفِرَاسِيَّةِ. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يَحْيَى ابْنُ سَعِيدٍ: حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ، حَدَّثَتْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

باب: من صلى بالناس فذكر حاجة فتخطاهم

(وكانت من صواحباته): هو من جمع الجمع المكسر (¬1) جمع سلامة، وهو مسموع (¬2) في هذه اللفظة. (الزُّبيدي): بضم الزاي وبالدال المهملة. (مَعْبد): بميم مفتوحة فعين ساكنة فموحدة (¬3) فدال مهملة. (حَليف): بحاء مهملة مفتوحة. * * * باب: من صلَّى بالنَّاس فذكر حاجةً فتخطَّاهم 541 - (851) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونسُ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبَةَ، قَالَ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْمَدِينَةِ الْعَصْرَ، فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا، فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ، إِلَى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ، فَفَزِعَ النَّاسُ مِنْ سُرْعَتِهِ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ، فَرَأَى أَنَّهُمْ عَجِبُوا مِنْ سُرْعَتِهِ، فَقَالَ: "ذَكَرْتُ شَيْئًا مِنْ تِبْرٍ عِنْدَناَ، فَكَرِهْتُ أَنْ يَحْبِسَنِي، فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ". (فذكرت شيئًا من تبر عندنا): فيه: أن عروضَ الذكر في الصلاة في أجنبيٍّ عنها من وجوه الخير، وإنشاء العزم في أثنائها (¬4) على الأمور المحمودة، لا يبطلها، ولا يقدح في كمالها. ¬

_ (¬1) في "ج": "المسكر". (¬2) في "ع": "مسوغ". (¬3) في "م" و"ج" و"ن" "فموحدة ساكنة". (¬4) في "ن": "إثباتها".

باب: الانفتال والانصراف عن اليمين والشمال

باب: الانفتالِ والانصرافِ عن اليمين والشِّمالِ 542 - (852) - حَدَّثَنا أَبُو الوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَن سُلَيمانَ، عَن عُمَارَةَ بنِ عُمَيرٍ، عَنِ الأَسْوَدِ، قَالَ: قَالَ عبد الله: لا يَجْعَلْ أَحَدُكُمُ لِلشَّيْطَانِ شَيْئًا مِنْ صَلاَتِهِ، يَرَى أَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَنْصَرِفَ إِلَّا عَنْ يَمِينِهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَثِيرًا يَنْصَرِفُ عَنْ يَسَارِهِ. (يَرى أن حقًّا عليه): بفتح الياء من يرى. (إلَّا (¬1) ينصرف إلا عن يمينه): فيه: أن المندوب ربما انقلب مكروهًا إذا خيف على الناس أن يرفعوه عن رتبته. وقد قال أبو عبيدة لمن انصرف عن يساره: هذا أصاب السنة. يريد - والله أعلم -: حيث لم يلزم (¬2) التيامن [على أنه سنة مؤكدة، أو واجب، وإلا فما يظن أن التياسُرَ (¬3) سُنَّةٌ حتى يكون التيامن] (¬4) بدعةً، إنما (¬5) البدعةُ في رفع التيامن عن رتبته، وإليه ينظر (¬6) مالكٌ من كراهيةِ صيامِ الأيام الستةِ. ¬

_ (¬1) في "ن" و "ع": "أن لا". (¬2) في "ع": "يلتزم" (¬3) في "ن": "التيامن". (¬4) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬5) في "ج": "أما". (¬6) في "ع": "نظر".

باب: ما جاء في الثوم النيء والبصل والكراث وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من أكل الثوم أو البصل، من الجوع أو غيره، فلا يقربن مسجدنا".

باب: مَا جَاءَ فِي الثُّومِ النِّيءِ وَالْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ وَقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَكَلَ الثُّومَ أَوِ الْبَصَلَ، مِنَ الْجُوعِ أَوْ غَيْرِهِ، فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجدَناَ". (باب ما جاء في الثُّوم): بضم الثاء المثلثة. (النِّيْء): -بنون مكسورة فمثناة من تحت ساكنة فهمزة-: الذي لم يُطبخ، أو طُبخ ولم (¬1) ينضج. (وقولِ النبي - صلى الله عليه وسلم -): بجر القول. (فلا يقربَنَّ مسجدنا): قال ابن المنير: قد قيل عندنا: يُمنع المجذومُ والأبرص وأصحاب الصنائع الكريهة الرائحة؛ كالسمَّاك (¬2)، وتاجر الكتان، والغزل، كل هؤلاء يكره لهم دخولُ المسجد لتلك الرائحة. واستدلوا بنهي أكل الثوم. وهو عندي تقصير في الاحتجاج؛ فإن آكلَ الثوم هو الذي أدخلَ على نفسه باختياره هذا المانعَ؛ بخلاف المجذوم، فكيف يُلحق المضطرُّ بالمختار (¬3)، ولكن في بعض الطرق: "من جوع أو غيره"، فيتأتى (¬4) حينئذ الاستدلال، ويمكن التمسكُ أيضًا بعموم: "من أكل"؛ لشموله (¬5) المضطرَّ والمختار. ¬

_ (¬1) في "ع": "أو لم". (¬2) في "ج": "كالأسماك". (¬3) في "ن": "المختار". (¬4) في "ج": "فيأتي". (¬5) في "ج": "لشمول".

وقول ابن بطال: إن قوله: "من أكل" يدل على إباحة الأكل (¬1)، غيرُ متجه؛ بدليل "مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا" (¬2)؛ إذ (¬3) هذه الصيغةُ إنما تدل على الوقوع من حيث هو لا يفيد كونَه مباحًا، وله مندوحة عن هذا بقوله: "كُلْ فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لا تُنَاجِي". * * * 543 - (855) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: زَعَمَ عَطَاءٌ: أَنَّ جَابِرَ بْنَ عبد الله زَعَمَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا، فَلْيَعْتَزِلْنَا". أَوْ قَالَ: "فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجدَناَ، وَلْيقْعُدْ فِي بَيْتِهِ". وَأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِقِدْرٍ فِيهِ خَضِرَاتٌ مِنْ بُقُولٍ، فَوَجَدَ لَهَا رِيحًا، فَسَأَلَ، فَأُخْبِرَ بِمَا فِيهَا مِنَ الْبُقُولِ، فَقَالَ: "قَرِّبُوهَا" إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ كَانَ مَعَهُ، فَلَمَّا رَآهُ كَرِهَ أَكْلَهَا، قَالَ: "كُلْ؛ فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لاَ تُنَاجِي". وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ بَعْدَ حَدِيثِ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: وَهْوَ يُثْبِتُ قَوْلَ يُونسُ. (بقِدر): بقاف مكسورة، ومقتضاه الكراهيةُ، وإن طبخ، ويحتمل أن يكون ذلك محمولًا على أن الطبخ لم يُمِتْ رائحته، فكأنه نيءٌ. قال في "المطالع": والصواب: "ببدر" يعني: -بباء موحدة-؛ أي: ¬

_ (¬1) انظر: "شرح ابن بطال" (2/ 465). (¬2) رواه مسلم (101) عن أبي هريرة رضي الله عنه. (¬3) في "ج": "أن".

باب: وضوء الصبيان، ومتى يجب عليهم الغسل والطهور؟ وحضورهم الجماعة والعيدين والجنائز، وصفوفهم

طبق شبه بالبدر (¬1)؛ لاستدارته، ورواية البدر في "البخاري" نفسِه من حديث أحمد بن صالح، وقال: "أتي ببدر، وقال ابن وهب: يعني (¬2): طبقًا" (¬3). (خَضِرات): بخاء معجمة مفتوحة وضاد معجمة مكسورة (¬4)، وبعضهم قيده بضم الخاء وفتح (¬5) الضاد. * * * 544 - (856) - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ أَنسًا: مَا سَمِعْتَ نبِيَّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الثُّومِ؟ فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ، فَلاَ يَقْرَبْنَّا". أَوْ: "لاَ يُصَلِّيَنَّ مَعَنَا". (فلا يقربَنَّا): بنون التأكيد والباء مفتوحة. * * * باب: وُضُوءِ الصِّبْيَانِ، وَمَتَى يَجِبُ عَلَيْهِمُ الْغُسْلُ وَالطُّهُورُ؟ وَحُضُورِهِمُ الْجَمَاعَةَ وَالْعِيدَيْنِ وَالْجَنَائِزَ، وَصُفُوفِهِمْ (باب: وضوء الصبيان، ومتى يجب عليهم الوضوءُ والغُسْلُ): برفعهما. ¬

_ (¬1) في "ن" و"ع" و "ج": "شبه بالبدر". (¬2) في "ن": "قال يعني". (¬3) وانظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 81). (¬4) في "ع": "وضاد معجمة مفتوحة وتاء مكسورة". (¬5) في "ع": "وبفتح".

(وحضورِهم): -بالجر- عطفًا على وضوء، وكذا: "وصفوفِهم". 545 - (857) - حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنِي غُنْدَرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ، قَالَ: أَخْبَرني مَنْ مَرَّ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى قَبْرٍ مَنْبُوذٍ، فَأَمَّهُمْ، وَصَفُّوا عَلَيْهِ. فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَمْرٍو! مَنْ حَدَّثَكَ؟ فَقَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ. (على قبر منبوذ): بذال معجمة، وجُوز فيه الإضافةُ وعدمُها. * * * 546 - (859) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عبد الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، قَالَ: أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونة لَيْلَةً، فَنَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ، قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فتوَضَّأَ مِنْ شَنٍّ مُعَلَّقٍ وُضُوءًا خَفِيفًا -يُخَفِّفُهُ عَمْرٌو ويُقَلِّلُهُ جِدًّا-، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَقُمْتُ فتوَضَّأْتُ نَحْوًا مِمَّا تَوَضَّأَ، ثُمَّ جِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَحَوَّلَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ صَلَّى مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ اضْطَجَعَ، فَنَامَ حَتَّى نفَخَ، فَأتاهُ الْمُنَادِي يَأْذِنُهُ بِالصَّلاَةِ، فَقَامَ مَعَهُ إِلَى الصَّلاَةِ، فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. قُلْنَا لِعَمْرٍو: إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَنَامُ عَيْنُهُ وَلاَ يَنَامُ قَلْبُهُ؟ قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: إِنَّ رُؤْيَا الأَنْبِيَاءَ وَحْيٌ، ثُمَّ قَرَأَ: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102]. (فآذنه (¬1)): بفاء العطف، وآذنه -بالمد-؛ أي: أعلمه. ¬

_ (¬1) كذا في رواية الكشميهني، وفي اليونينية: "يأذنه"، وهي المعتمدة في النص.

ويروى: "يُؤْذِنُهُ" -بمثناة من تحت مضمومة وهمزة ساكنة- مضارع آذَنَ، بالمد. * * * 547 - (860) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ ابْنِ عبد الله بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِطَعَامٍ صَنَعَتُهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ، فَقَالَ: "قُومُوا فَلأُصَلِّيَ بِكُمْ". فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ، فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالْيَتِيمُ مَعِي، وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ. (قوموا فلأصلي بكم): قال ابن مالك: روي بحذف الياء وثبوتها ساكنة ومفتوحة، واللام عند ثبوت الياء مفتوحة (¬1) لامُ كي، والفعلُ بعدها منصوب بأن مضمرة، وأن والفعل (¬2) في تأويل مصدر (¬3)، واللامُ ومصحوبُها خبرٌ لمبتدأ، والتقدير: قوموا فقيامُكم لأصلِّيَ لكم. قلت: أو ليس بخبر، والتقدير: قوموا، فلأصليَ لكم أمرتُكم بالقيام. قال: ويجوز على مذهب الأخفش أن تكون (¬4) الفاء زائدة، واللام متعلقة بقوموا، واللام عند حذف الياء لامُ الأمر (¬5)، ويجوز فتحُها على لغة ¬

_ (¬1) في "ج": "لا مفتوحة". (¬2) في "م": "الفعل"، وفي "ع": "بأن مضمرة والفعل". (¬3) في "ن": "مصدر محذوف"، وفي "ع": "المصدر محذوف". (¬4) "تكون" ليست في "ن". (¬5) في "م": "أمر".

سُليم، وتسكينُها بعد الفاء والواو وثم على لغة قريش. وأما رواية مَنْ أثبتَ الياءَ ساكنةً، فيحتمل أن يكون لام كي، وأسكنت الياء تخفيفًا، وهي لغة مشهورة؛ أعني: تسكين الياء المفتوحة، ومنه قراءة الحسن: {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} [البقرة: 278]. ويحتمل أن يكون لام الأمر، وثبتت (¬1) الياء في الجزم إجراءً للمعتل مجرى الصحيح؛ كقراءة قُنبل: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} [يوسف: 90] (¬2). وقال صاحب "المفهم": ويروى: بفتح اللام وإثبات الياء، قال: وهذه أسدُّها؛ لأن اللام تكون جوابَ قسم محذوف، وحينئذ تلزمها النون في الإعراب (¬3). قلت: فيرِدُ عليه عدمُ تأكيد الفعل بالنون، فكيف يكون هذا الوجهُ مع جريانه (¬4) على غير الأعرف (¬5) أشد الوجوه؟ ولو قال: إن جواب القسم جملة اسمية حذف مبتدأها؛ أي: فلأن أصلي لسلم، على بحث فيه. قال الزركشي: وإنما قال: لكم -باللام- مع أن الأصل أصلي (¬6) بكم؛ لأنه أراد من أجلكم ليقتدوا بي (¬7). ¬

_ (¬1) في "م": "وتثبت". (¬2) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 186). (¬3) انظر: "المفهم" للقرطبي (2/ 288). (¬4) في "ن": "جريمته". (¬5) في "م": "الأعراف". (¬6) في "ج": "أصل". (¬7) انظر: "التنقيح" (1/ 231).

(والعجوز من ورائنِا): -بالكسر- على الأشهر على أن "من" جارة، وجوز (¬1) فيه الفتح على أن "من" موصولة. * * * 548 - (862) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَعْتَم النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. وَقَالَ عَيَّاشٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْعِشَاءِ، حَتَّى ناَدَاهُ عُمَرُ: قَدْ ناَمَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "إِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ يُصَلِّي هَذ الصَّلاَةَ غَيْرُكُمْ". وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَوْمَئِذٍ يُصَلِّي غَيْرَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. (وقال عياش): بمثناة من تحت وشين معجمة. (ليس أحدٌ من أهلِ الأرض يصلِّي هذه الصلاةَ غيرُكُم): برفع "غير" ونصبه؛ مثل: ما جاءني أحد غيرُ زيد، وكذا قوله: غير أهل المدينة. * * * 549 - (863) - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَابِسٍ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضيَ اللهُ عَنْهُما -: قَالَ لَهُ رَجُلٌ: شَهِدْتَ الْخُرُوجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: نَعَمْ، ¬

_ (¬1) في "ع": "ويتجوز".

باب: خروج النساء إلى المساجد بالليل والغلس

وَلَوْلاَ مَكَانِي مِنْهُ، مَا شَهِدْتُهُ، يَعْنِي: مِنْ صِغَرِهِ، أَتَى الْعَلَمَ الَّذِي عِنْدَ دَارِ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ، ثُمَّ خَطَبَ، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ، وَذَكَّرَهُنَّ، وَأَمَرَهُنَّ أَنْ يَتَصَدَّقْنَ، فَجَعَلَتِ المَرْأةُ تُهْوِي بِيَدِهَا إِلَى حَلْقِهَا، تُلْقِي فِي ثَوْبِ بِلاَلٍ، ثُمَّ أتى هُوَ وَبِلاَلٌ الْبَيْتَ. (ابن عابِس (¬1)): بعين مهملة وموحدة مكسورة (¬2) وسين مهملة. (فجعلت المرأة تهوي): من أهوت وهوت (¬3). (إلى حَلَقها): -بفتح الحاء المهملة واللام معًا-: جمعُ حَلْقة، بإسكانها؛ أي: القرط، وسكَّن الأصيليُّ لامَ حلْقها، وكأنه أرادَ المحلَّ الذي يعلَّق فيه. * * * باب: خروجِ النساء إلى المساجد باللَّيلِ والغَلَسِ 550 - (864) - حَدَّثنَا أَبُو اليمَانِ، قَالَ: أَخبَرناَ شُعَيْبٌ، عَنْ الزُّهريِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةَ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهَا -، قَالَتْ: أَعْتَمِ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بِالْعَتَمَةِ، حَتَّى ناَدَاهُ عُمَرُ: ناَمَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، فخَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "مَا يَنْتَظِرُهَا أَحَدٌ غَيْرُكُمْ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ". وَلاَ يُصَلَّى يَوْمَئِذٍ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ، وَكَانوُا يُصَلُّونَ الْعَتَمَةَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الأَوَّلِ. ¬

_ (¬1) في "ع": "ابن عباس". (¬2) "مكسورة" ليست في "ع". (¬3) في "ن": "من هوت وأهوت".

باب: انتظار الناس قيام الإمام العالم

(فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل الأولِ): بجر "الأول" على أنه صفة لثلث. فإن قلت: لا يضاف بين إلا إلى (¬1) متعدِّدٍ (¬2)، وكان مقتضى الظاهر أن يقال: فيما بين أن يغيب الشفق وثلثِ الليل، بالواو، لا بإلى. قلت: المضاف إليه الدال على التعدد محذوف؛ أي: فيما بين أزمنة الغيبوبة إلى الثلث الأول. * * * باب: انتظارِ الناسِ قيامَ الإمامِ العالم 551 - (867) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ (ح). وَحَدَّثَنَا عبد الله بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيُصَلِّي الصُّبْحَ، فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ، مَا يُعْرَفْنَ مِنَ الْغَلَسِ. (قالت: إِنْ كان): بكسر الهمزة وتخفيف النون، وهي المخففة من الثقيلة. (لَيصلِّي): اللام هي الفارقة عند البصريين بين النافية والمخففة، والكوفيون يجعلونها بمعنى إلا، و "إن" نافية. ¬

_ (¬1) في "ج": "وإلى". (¬2) في "م" و"ج": "متعدٍّ".

باب: صلاة النساء خلف الرجال

552 - (869) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ، لَمَنَعَهُنَّ كمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ. قُلتُ لِعَمْرَةَ: أَوَ مُنِعْنَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. (قالت: لو أدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أحدث النساء لمنعهنَّ): فيه أنه يحدُث للناس فتاوى بقدر ما أحدثوا كما قاله الإمام مالك رضي الله عنه، وليس هذا من التمسك بالمصالح المرسَلة المباينة للشريعة كما تخيله بعضُهم، وإنما مراده كمراد (¬1) عائشة -رضي الله عنها-؛ أي: يحدثون أمرًا تقضي (¬2) أصول الشريعة فيه غير ما اقتضته قبل حدوث ذلك الأمر، ولا غرر في تبعية الأحكام للأحوال. * * * باب: صلاةِ النساءَ خلفَ الرجالِ 553 - (870) - حَدَثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ هِنْدٍ بِنْتِ الْحَارِثِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا سَلَّمَ، قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ، وَيَمْكُثُ هُوَ فِي مَقَامِهِ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ. قَالَ نَرَى - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَن ذَلِكَ كَانَ لِكَي يَنْصَرِفَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الرِّجَالِ. ¬

_ (¬1) في "ع": "مراده كما ادعته". (¬2) في "ن" و"ع" و "ج": "يقتضي".

باب: سرعة انصراف النساء من الصبح، وقلة مقامهن في المسجد

(ابن قَزَعَة): بقاف فزاي (¬1) وعين مهملة (¬2) مفتوحات، وقد مر. (في مَقامه): -بفتح الميم-: اسمُ (¬3) مكان القيام. * * * باب: سُرْعَةِ انْصِرَافِ النِّسَاءِ مِنَ الصُّبْح، وَقِلَّةِ مُقَامِهِنَّ فِي الْمَسْجدِ (باب: انصراف النساء وقلة مُقامِهِن): مصدر ميمي (¬4) من أقام، فميمه مضمومة؛ أي: قلة إقامتهن. 554 - (872) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِم، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي الصُّبْحَ بِغَلَسٍ، فَيَنْصَرِفْنَ نِسَاءُ الْمُؤْمِنِينَ، لاَ يُعْرَفْنَ مِنَ الْغَلَسِ، أَوْ لاَ يَعْرِفُ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا. (فينصرفْنَ نساءُ المؤمنين): بإثبات نون الإناث، على لغة: "يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلائِكَةٌ"، وقد مرَّ. ¬

_ (¬1) في "ن": "وزاي". (¬2) "مهملة" ليست في "ن". (¬3) في "ن": "أي". (¬4) في "ن": "مسمى".

كتاب الجمعة

كِتابُ الجُمُعَةِ

باب: فرض الجمعة

كِتابُ الجُمُعَةِ (كتاب: الجمُعة): الزركشي: بضم الميم وفتحها وإسكانها (¬1)، فالأولان؛ لكونها جامعة، والثالث لجمعهم فيها؛ فإن فُعَلَة -بالتحريك- للفاعل؛ كهُمَزَة، وفُعْلَة للمفعول؛ كهُزْأة (¬2). قلت: ظاهره (¬3) أن الثلاثة ثابتة في البخاري، وما أظن ذلك، والظاهر أن الذي فيه هو المشهور الذي قرأ به السبعة، وهو ضم الميم، فإن ثبت من جهة الرواية بالثلاثة (¬4) هنا، فلا كلام. * * * باب: فرضِ الجمعةِ 555 - (876) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّناَدِ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ هُرْمُزَ الأَعْرَجَ مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، ¬

_ (¬1) في "ج": "وإسكانها وفتحها". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 235). (¬3) في "ج": "ظاهر". (¬4) في "ن" و "ع": "الرواية أنه بالأوجه الثلاثة".

حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَهَدَاناَ اللَّهُ، فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ؛ الْيَهُودُ غَدًا، وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ". (نحن الآخِرون): أي: زمانًا في الدنيا. (السابِقون): أي: منزلةً وكرامةً يومَ القيامة في القضاء لهم قبل الخلائق، وفي دخول الجنة. قال ابن المنير: وموقعُ ذكر يوم الجمعة عَقيبَ (¬1) قوله: "نحن الآخِرون السابقون" تحقيقُ أن هذه الأمة تأخرتْ زمانًا، وسبقتْ فضلًا؛ لأن يومَهم الجمعةُ، وهو سابق على السبت والأحد، وكونه مسبوقًا بسبتٍ قبلَه مثلًا يندفع بفرض الكلام (¬2) في أول سبت عظموه، ففاتهم تعظيمُ يومِ الجمعة الذي قبله قطعًا. (بَيْدَ أنهم): بفتح الموحدة وسكون المثناة من تحت وفتح الدال المهملة. في "الصحاح": بَيْدَ بمعنى: غير، يقال: إنه كثيرُ المال، بَيْدَ أنه بخيلٌ (¬3). واختار ابن مالك كونَه حرفَ استثناء (¬4)، وسيأتي فيه كلام، والضمير ¬

_ (¬1) في "ن" و"ع": "عقب". (¬2) في "ن": "الكلام بفرض". (¬3) انظر: "الصحاح" للجوهري (2/ 450)، (مادة: ب ي د). (¬4) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 156).

من قوله: "أنهم" عائدٌ على اليهود والنصارى؛ لقرينةٍ (¬1) قامت عليه. (فاختلفوا فيه، فهدانا الله له): قال ابن المنير: فيه دليل لطيف على أن الإجماع يخصُّ هذه الأمة؛ خلافًا لمن زعم (¬2) أن غيرهم مثلُهم، ووجهُ الدليل: أن كل واحدة (¬3) من الأمتين أجمعت على تفضيل يوم، وأخطأت. قال: والسر في اختصاص هذه الأمة بالصواب في الإجماع: أنهم الجماعة بالحقيقة؛ لأن نبينا - عليه الصلاة والسلام - بُعث إلى الناس كافة، وغيره من الأنبياء (¬4) إنما كان يُبعث لقومه (¬5) -وهم بعضٌ من كُلٍّ- فتصدُق على كل أمة أن المؤمنين غيرُ منحصرين فيهم في عصر واحد، وأما هذه الأمة، فالمؤمنون منحصرون فيهم، ويد الله مع الجماعة. (اليهود غدًا، والنصارى بعدَ غد): أي: يُعَيِّدُ اليهود غدًا، وتُعَيِّدُ النصارى بعد غد، و (¬6) كذا قدَّره ابن مالك؛ ليسلم من الإخبار بظرف الزمان عن الجُثَّة، وقيل: التقدير: اليهودُ يعظِّمون غدًا، والنصارى يعظِّمون بعدَ غد، فليس ظرفًا، و (¬7) إنما هو مفعول به. ¬

_ (¬1) في "ع": "بقرينة". (¬2) في "ج": "يزعم". (¬3) في "م" و "ج": "واحد". (¬4) في "ع" زيادة: "عليهم الصلاة والسلام". (¬5) في "ع": "إلى قومه". (¬6) الواو سقطت من "ع". (¬7) وسقطت من "ج".

باب: فضل الغسل يوم الجمعة

قلت: قوله بعد ذلك في رواية أخرى: "فَغَدًا اليَهُودُ (¬1)، وَبَعْدَ غَدٍ النصارى (¬2) " يرجِّح (¬3) الأول. وفيه بحث. * * * باب: فَضْلِ الغُسلِ يومَ الجمعةِ 556 - (878) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُويرِيَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِم بْنِ عبد الله بْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بَيْنَمَا هُوَ قَائِمٌ فِي الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَنَادَاهُ عُمَرُ: أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ؟ قَالَ: إنِّي شُغِلْتُ، فَلَمْ أَنْقَلِبْ إِلَى أَهْلِي حَتَّى سَمِعْتُ التَّأْذِينَ، فَلَمْ أَزِدْ أَنْ تَوَضَّأْتُ. فَقَالَ: وَالْوُضُوءُ أَيْضًا، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ؟! (إذ دخل رجل من المهاجرين الأولين): هو عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، وهو المراد أيضًا بالمبهَم الذي ذكره بعدُ في باب: فضل الجمعة، عن أبي هريرة. (إني شُغِلْتُ): بالبناء للمفعول. (فقال: والوضوء أيضًا؟!): إنكار آخر على ترك السنة المؤكدة التي ¬

_ (¬1) في "ن" و "ع": "لليهود". (¬2) في "ن" و "ع": "للنصارى". (¬3) في "ج": "ورجح".

هي الغسل، وجوزوا فيه الرفعَ والنصب، فالرفع على أنه مبتدأ، والخبر محذوف، تقديره: والوضوءُ مقتَصرٌ عليه، ولو قدروا (¬1): الوضوءُ أيضًا مما يُنكر؛ أي: وإفراد (¬2) الوضوء، فحذف المضاف؛ لأن قوله: فلم أزد على أن توضأت يدل على أنه اقتصر على الوضوء؛ لكان حسنًا. قال الزركشي: والنصب على أنه مفعول بإضمار فعل تقديره: أتخصُّ الوضوءَ دونَ الغسل؟! والواو عوض من همزة الاستفهام؛ كما قرأ ابن كثير: {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ} [الأعراف: 123]. قلت: تخفيف الهمزة بإبدالها واوًا صحيح؛ لوقوعها مفتوحة بعد ضمة، وأما في الحديث، فليس كذلك؛ لوقوعها مفتوحة بعد فتحة، فلا وجه لإبدالها فيه واوًا، ولو جعله على حذف الهمزة؛ أي: أَوَ تخصُّ الوضوءَ أيضًا؟ لجرى على مذهب الأخفش في جواز حذفها قياسًا عند أَمْنِ اللَّبْس، والقرينةُ الحاليةُ المقتضيةُ للإنكار شاهدةٌ بذلك، فلا لَبْس. ثم نقلُ الزركشي عن ابن السِّيد: أنه روي (¬3) بالرفع، على لفظ الخبر، والصواب: آلوضوءُ -بالمد- على لفظ الاستفهام؛ كقوله تعالى: {ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} [يونس: 59] (¬4). قلت: نقلُ كلامِ ابن السِّيدِ بقصدِ (¬5) توجيهِ ما في البخاري به غلطٌ؛ ¬

_ (¬1) في "ج": "قدر". (¬2) في "ع" و "ج": "وأفرد". (¬3) في "ع": "يروى". (¬4) انظر: "التنقيح" للزركشي (1/ 236). (¬5) في "ع": "يقتضي".

باب: الطيب للجمعة

فإن كلام ابن السيد في حديث "الموطأ"، وليس فيه واو، إنما (¬1) هو: "فقالَ له عمرُ: الوضوءُ أيضًا" (¬2)، وهذا يمكن فيه المدُّ بجعل همزة الاستفهام داخلةً على همزة (¬3) الوصل، [وأما في حديث البخاري، فالواو داخلة على همزة الوصل] (¬4)، فلا يمكن الإتيان بعدها بهمزة الاستفهام على ما هو معروف في محله. * * * باب: الطِّيبِ للجمعةِ 557 - (880) - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبي بَكْرِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ، وَأَنْ يَسْتَنَّ، وَأَنْ يَمَسَّ طِيبًا إِنْ وَجَدَ". قَالَ عَمْرٌو: أَمَّا الْغُسْلُ، فَأَشْهَدُ أَنَّهُ وَاجِبٌ، وَأَمَّا الاِسْتِنَانُ وَالطِّيبُ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَوَاجِبٌ هُوَ، أَمْ لاَ؟ وَلَكِنْ هَكَذَا فِي الْحَدِيثِ. قَالَ أَبُو عبد الله: هُوَ أَخُو مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَلَمْ يُسَمَّ أَبُو بَكْرٍ ¬

_ (¬1) في "ن": "وإنما". (¬2) رواه مالك في "الموطأ" (1/ 101) إلا أنه بلفظ البخاري هنا. (¬3) "همزة" ليست في "ع". (¬4) ما بين معكوفتين سقط من "ع".

هَذَا، رَوَاهُ عَنْهُ بُكَيْرُ بْنُ الأَشَجِّ، وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلاَلٍ، وَعِدَّةٌ. وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ يُكْنَى بِأَبِي بَكْرٍ، وَأَبي عبد الله. (واجب على كل محتلم): أي: بالغ، وخَصَّه بالذكر؛ لأن الاحتلام أكثرُ ما يبلغ به الذكر؛ لقوله (¬1): "لا يَقْبَلُ اللهُ صَلاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ" (¬2)؛ لأن الحيض أغلُب (¬3) ما يبلغُ به الإناثُ، وهذا صريحٌ في وجوب غُسل الجمعة، وما (¬4) يأتي من قوله: "إِذَا رَاحَ أَحَدُكُمْ إِلَى الجُمُعَةِ، فَلْيَغْتَسِلْ" ظاهرٌ فيه. فقال بعض الناس بالوجوب تمسكًا بذلك، وخالف الأكثرون، وهم محتاجون إلى الاعتذار. وأقول: مما عارضوا به حديث: "مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَبِهَا وَنِعْمَتْ (¬5)، وَمَنِ اغْتَسَلَ، فَالغُسْلُ أَفْضَلُ" (¬6). قال ابن المنير: الوجوبُ لغةً: السقوطُ، فكأَن (¬7) الخطابَ عبءٌ ثقيلٌ ¬

_ (¬1) في "ج": "كقوله". (¬2) رواه أبو داود (641)، والترمذي (377)، وابن ماجة (655) عن عائشة رضي الله عنها. (¬3) في "م": "أبلغ". وفي "ج": "أكثر". (¬4) في "ع": "وبما". (¬5) في "ج": "ونعت". (¬6) رواه أبو داود (354)، والترمذي (497)، والنسائي (3/ 94) عن سمرة رضي الله عنه. (¬7) في "ن" و "ع": "وكان".

باب: فضل الجمعة

سقطَ على (¬1) المخاطَب، فكل (¬2) خطابٍ فيه تكليفٌ مؤكَّد ينبغي بالأصالة أن يسمَّى واجبًا، فيدخل فيه الفرضُ والسننُ المؤكَّدة، وتخصيصُ الواجب بالفرض (¬3) اصطلاحٌ حادثٌ، فلا دليل (¬4) في الحديث على فرضية الغسل. انتهى. وفيه نظر. * * * باب: فَضلِ الجمعةِ 558 - (881) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ. "مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ، ثُمَّ رَاحَ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ، حَضَرَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ". (السَّمَّان): نسبة إلى بيع السمن. ¬

_ (¬1) في "ج": "عن". (¬2) في "ن" و "ع": "وكل". (¬3) في "ع": "والفرض". (¬4) في "ع" و"ج": "دلالة".

باب: الدهن للجمعة

(من اغتسل يومَ الجمعة غُسلَ الجنابة): أي: غُسلًا مثلَ غسل الجنابة. (ومن راح في الساعة الثانية): اختُلف هل الأفضلُ التبكيرُ (¬1) إلى الجمعة، وهو مذهب الشافعي، أو التهجيرُ (¬2)، وهو مذهب مالك؛ تمسكًا بأن الرواحَ لا يكون إلا بعد الزوال، والساعةُ في اللغة: الجزءُ من الزمان، وحملُها على الأجزاء الزمانية التي يُقسم النهار فيها إلى اثني (¬3) عشر جزءًا تبعد إحالة الشرع عليه؛ لاحتياجه إلى حسابٍ ومراجعةِ آلات تدلُّ عليه. (دِجاجة): بفتح الدال وكسرها، والفتح هو الفصيح، وعكس بعضهم، وقد حكي فيه (¬4) التثليث. * * * باب: الدُّهنِ للجُمعةِ 559 - (883) - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبي، عَنِ ابْنِ وَدِيعَةَ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ، أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ، فَلاَ يُفَرِّقُ بَيْنَ ¬

_ (¬1) في "ج": "التكبير". (¬2) في "ج": "والهجير". (¬3) في "ج": "اثنا". (¬4) في "ن": "فيها".

باب: يلبس أحسن ما يجد

اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإِمَامُ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى". (ثم ينصت): مضارع أَنْصَتَ، ويقال: نَصَتَ (¬1) أيضًا. * * * باب: يلبسُ أحسنَ ما يجدُ 560 - (886) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عبد الله بْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى حُلَّةَ سِيَرَاءَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجدِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَوِ اشْتَرَيْتَ هَذِهِ، فَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلِلْوَفْدِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ". ثُمَّ جَاءَتْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهَا حُلَلٌ، فَأَعْطَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - مِنْهَا حُلَّةً، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَسَوْتَنِيهَا، وَقَدْ قُلْتَ فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ مَا قُلْتَ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا". فَكَسَاهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَخًا لَهُ بِمَكَّةَ مُشْرِكًا. (حلة سيراء): بالإضافة؛ مثل: ثوبُ خَزٍّ. قال في "المطالع": على ذلك ضبطناه عن المتقنين، ويروى: بالتنوين، على الصفة أو البدل. وقال الخطابي: الحلة السيراء: هي (¬2) المضلَّعَة بالحرير، وسميت ¬

_ (¬1) في "ع": "صنت". (¬2) في "ج": "وهي".

سيراء؛ لما فيها من الخطوط التي تشبه السيور (¬1)؛ كما يقال: ناقة عُشَرَاء (¬2). قال السفاقسي: يريد أن عُشراء مأخوذٌ (¬3) من عشرة؛ أي: إذا كمل حملُ الناقة عشرةَ أشهر، سميت عشراء، كذلك سميت الحلة سيراء؛ لأنها مأخوذة من السيور. وفي "الصحاح (¬4) ": هي بُرْدٌ فيه خطوط صُفْر (¬5). (في حلة عطارد): هو ابنُ حاجب (¬6) التميميُّ، قدمَ في وفد تميم، ولعل (¬7) المراد بحلة عطارد هذه: ما وقع في "مسلم"، ولفظه: رأى (¬8) عمرُ عطاردَ التميميَّ يُقيم بالسوق (¬9) [حلة سيراء، وكان رجلًا يغشى الملوك، ويصيب منهم] (¬10)، فقال عمر (¬11): يا رسول الله (¬12)! إني رأيت عطاردًا يقيم ¬

_ (¬1) في "ن": "السهور". (¬2) انظر: "أعلام الحديث" (1/ 575). (¬3) في "ج": "مأخوذًا". (¬4) "الصحاح" ليست في "ج". (¬5) انظر: "الصحاح" للجوهري (2/ 692)، (مادة: س ي ر). (¬6) في "ج": "الحاجب". (¬7) في "ج": "ولعله". (¬8) في "ج": "أي". (¬9) في "ع": "بحلة يقيمها في السوق". (¬10) ما بين معكوفتين سقط من "ع". (¬11) "عمر" ليست في "ع". (¬12) لفظ الجلالة "الله" ليس في "ج".

في السوق (¬1) حلة سيراء، فلو اشتريتَها فلبستَها لوفود العرب إذا قدموا عليك، فقال: "إِنَّمَا يَلْبَسُ الحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ" (¬2) الحديث، وأسلمَ عطارد (¬3)، وله صحبةٌ. (لم أكسكها لتلبسَها): فيه دليل على أنه يقال: كساه: إذا أعطاه كسوة، لبسَها أو لا، ويؤخذ من ذلك أن فرض الكفارة يتأدَّى بإعطائه الكسوةَ، لبسها أو لا، وكذا (¬4) الطعام. (فكساها عمرُ أخًا له بمكةَ مشركًا): قال ابن المنير (¬5): هو أخوه لأمه (¬6) عثمانُ بنُ حكيم. قال: وأما زيد بن الخطاب أخو (¬7) عمر، فإنه (¬8) أسلمَ قبلَ عمرَ. وقال الدمياطي: الذي أرسل إليه عمرُ الحلَة لم يكن أخاه، إنما هو أخو أخيه زيدٍ لأمه أسماءَ بنتِ وهبٍ. ¬

_ (¬1) في "ع": "رأيت عطارد في السوق". (¬2) رواه مسلم (2068). (¬3) "عطارد" ليست في "م" و"ج". (¬4) في "ع": "وكذلك". (¬5) في "ن": "قال المنذر". (¬6) "لأمه" ليست في "ن". (¬7) في "ع": "أبو". (¬8) في "ج": "إنه".

باب: السواك يوم الجمعة

باب: السِّواكِ يومَ الجمعةِ 561 - (887) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، أَوْ عَلَى النَّاسِ، لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلاَةٍ". (لولا أن أشق على أمتي، أو على الناس، لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة): في ظاهره إشكال، وذلك لأن القاعدة في لولا الامتناعية أن تدخل على اسمية ففعلية (¬1)؛ لربط امتناع الثانية بوجود الأولى (¬2)، وهنا العكس، فإن الممتنعَ المشقةُ، والموجودَ الأمرُ؛ إذ قد ثبت أمره بالسواك. وجوابه: أن التقدير لولا مخافةُ (¬3) أن أشقَّ (¬4) لأمرتُهم أمرَ إيجاب. * * * 562 - (889) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كثِيرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ وَحُصَيْنٍ، عَنْ أَبي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ، يَشُوصُ فَاهُ. ¬

_ (¬1) في "ج": "فعلية". (¬2) في "م": "الأول". (¬3) في "ج": "المخافة". (¬4) "أن أشق" ليست في "ج".

باب: من تسوك بسواك غيره

(ابن كثير): بالثاء (¬1) المثلثة. (وحُصَيْن): بالتصغير. (يَشُوص فاهُ): -بفتح الياء المثناة من تحت وضم الشين المعجمة وبالصاد المهملة-؛ أي: يدلُكُ أسنانهَ بالسِّواك عرضًا، وقيل: هو غسلُها، وقيل: تنقيتُها (¬2). وقال ابن دريد: هو الاستياكُ من سُفْلٍ (¬3) إلى عُلْوٍ، ومنه سمي هذا الداء: الشوصة؛ لأنها ريح تخرج ترفع القلب عن موضعه (¬4). * * * باب: من تسوَّكَ بسواكِ غيرِه 563 - (890) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، قَالَ: قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي بَكْرٍ، وَمَعَهُ سِوَاكٌ يَسْتَنُّ بِهِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ لَهُ: أَعْطِنِي هَذَا السِّوَاكَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَأَعْطَانِيهِ، فَقَصَمْتُهُ، ثُمَّ مَضَغْتُهُ، فَأَعْطَيْتُهُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَاسْتَنَّ بِهِ، وَهْوَ مُسْتَنِدٌ الَى صَدْرِي. ¬

_ (¬1) في "ع": "بثاء". (¬2) في "ج": "هو تنقيتها". (¬3) في "ع": "أسفل". (¬4) انظر: "جمهرة اللغة" لابن دريد (2/ 865).

باب: ما يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة

(فقَصَمْتُه): -بقاف وصاد مهملة مفتوحتين-، كذا لأكثرهم؛ أي: كسرته، ولابن السكن وغيره: بضاد معجمة مكسورة، تعني: أنها مضغَتْه بأسنانها ولَيَّنَتْه (¬1). * * * باب: مَا يُقْرَأُ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ (باب: ما يقرأُ): بالبناء للفاعل وللمفعول (¬2). * * * باب: الجمعةِ في القُرى والمُدُنِ 564 - (892) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ، بَعْدَ جُمُعَةٍ فِي مَسْجدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فِي مَسْجدِ عَبْدِ الْقَيْسِ، بِجُوَاثَى مِنَ الْبَحْرَيْنِ. (أبو جمرة): بجيم (¬3)، وقد مر. (الضُّبَعي): -بضم الضاد المعجمة وفتح الموحدة- نسبة لبني ضبيعة. ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 23). (¬2) في "ج": "والمفعول". (¬3) "بجيم" ليست في "ج".

(بجُواثى): -بجيم مضمومة وواو محضة خفيفة، ومنهم من همزها، وثاء مثلثة-: قرية من قرى عبد القيس. * * * 565 - (893) - حَدَّثَنا بِشْرُ بنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الله، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُس، عَنْ الزُّهرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَالِمُ بْنُ عبد الله، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "كُلُّكُمْ رَاعٍ". وَزَادَ اللَّيْثُ: قَالَ يُونُسُ: كَتَبَ رُزَيْقُ بْنُ حُكَيْمٍ إِلَى ابْنِ شِهَابٍ، وَأَناَ مَعَهُ يَوْمَئِذٍ بِوَادِي الْقُرَى: هَلْ تَرَى أَنْ أجُمِّعَ؟ وَرُزَيْقٌ عَامِلٌ عَلَى أَرْضٍ يَعْمَلُهَا، وَفِيهَا جَمَاعَةٌ مِنَ السُّودَانِ وَغَيْرِهِمْ، وَرُزيقٌ يَوْمَئِذٍ عَلَى أَيْلَةَ، فَكَتَبَ ابْنُ شِهَابٍ، وَأَناَ أَسْمَعُ، يَأْمُرُهُ أَنْ يُجَمِّعَ، يُخْبِرُهُ: أَنَّ سَالِمًا حَدَّثَهُ: أَنَّ عبد الله بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ". قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: "وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ إلَيهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ". (بِشْر بن محمد): بكسر الباء وإسكان الشين المعجمة. (كتب رُزَيق): براء مضمومة فزاي مفتوحة. (ابن حُكَيْم): بضم الحاء المهملة، على صيغة تصغير الثلاثي.

باب

(أن أُجَمِّع): بتشديد الميم؛ من التجميع. * * * باب 566 - (899) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "ائْذَنُوا لِلنِّسَاءَ بِاللَّيْلِ إِلَى الْمَسَاجِدِ". (شَبَابَة): بشين معجمة وموحدتين مفتوحتين بينهما (¬1) ألف. * * * 567 - (900) - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا عبيد الله بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَتِ امْرَأةٌ لِعُمَرَ تَشْهَدُ صَلاَةَ الصُّبْحِ وَالْعِشَاءَ فِي الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ، فَقِيلَ لَهَا: لِمَ تَخْرُجِينَ، وَقَدْ تَعْلَمِينَ أَنَّ عُمَرَ يَكْرَهُ ذَلِكِ وَيَغَارُ؟ قَالَتْ: وَمَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْهَانِي؟ قَالَ: يَمْنَعُهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ". (كانت امرأةٌ لعمرَ تشهد صلاة الصبح): قيل: لعلها عاتِكَةُ بنتُ زيدِ بنِ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ؛ فإن في ترجمتها أنها كانت تخرج إلى المسجد، فلما خطبها عمر، شرطت عليه ألا يمنعها المسجد، فأجابها على كُرْهٍ منه. ¬

_ (¬1) في "ن": "بين".

باب: الرخصة إن لم يحضر الجمعة في المطر

(وقد تعلمين أن عمر يكره ذلكِ): -بكسر الكاف-؛ لأن الخطاب لمؤنثة (¬1). * * * باب: الرُّخصةِ إن لم يحضرِ الجمعةَ في المطر 568 - (901) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ صَاحِبُ الزِّيَادِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ الْحَارِثِ ابْنُ عَمِّ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ: إِذَا قُلْتَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَلاَ تَقُلْ: حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ، قُلْ: صَلُّوا فِي بُيُوتكُمْ. فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا، قَالَ: فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، إِنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ، فَتَمْشُونَ فِي الطِّينِ وَالدَّحْضِ. (أن أُحْرجكم): -بضم الهمزة وإسكان الحاء المهملة-؛ من الحَرَج، وتساعده الرواية السابقة: "أُؤَثِّمَكُمْ" (¬2)؛ أي (¬3): أكون سببًا في اكتسابكم (¬4) للإثم عند حرج صدوركم، فربما يقع تسخُّط، أو كلامٌ غير مرضي. وجوزوا فيه الخاء المعجمة. ¬

_ (¬1) في "ن": "المؤنث". (¬2) تقدمت برقم (668) عند البخاري. (¬3) "أي" ليست في "ج". (¬4) في "م" و "ع": "إكسابكم".

باب: من أين تؤتى الجمعة؟ وعلى من تجب؟ لقول الله - جل وعز -: {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة} [الجمعة: 9]

(والدَّحْض): قيده القاضي بإسكان الحاء المهملة (¬1). وفي "الصحاح": مكان دَحْضٌ (¬2)، ودَحَض أيضًا (¬3) -بالتحريك-؛ أي: زَلَق (¬4)؛ يعني: بالفتح. * * * باب: مِنْ أَيْنَ تُؤْتَى الْجُمُعَةُ؟ وَعَلَى مَنْ تَجِبُ؟ لِقَوْلِ اللَّهِ - جَلَّ وَعَزَّ -: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] وَقَالَ عَطَاءٌ: إِذَا كُنْتَ فِي قَرْيَةٍ جَامِعَةٍ، فَنُودِيَ بِالصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَحَقٌّ عَلَيْكَ أَنْ تَشْهَدَهَا، سَمِعْتَ النِّدَاءَ أَوْ لَمْ تَسْمَعْهُ. وَكَانَ أَنسٌ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فِي قَصْرِهِ، أَحْيَانًا يُجَمِّعُ، وَأَحْيَانًا لاَ يُجَمِّعُ، وَهْوَ بِالزَّاوِيَةِ عَلَى فَرْسَخَيْنِ. (وهو بالزاوية): بالزاي. 569 - (902) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ عبيد الله بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ: أَنَّ مُحَمَّدَ ابْنَ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَتْ: كَانَ النَّاسُ يَنْتَابُونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَالْعَوَالِي، فَيَأْتُونَ ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 254). (¬2) "دحض" ليست في "ج". (¬3) "أيضًا" ليست في "ج". (¬4) انظر: "الصحاح" (3/ 1075)، (مادة: دحض).

باب: وقت الجمعة إذا زالت الشمس

فِي الْغُبَارِ يُصِيبُهُمُ الْغُبَارُ وَالْعَرَقُ، فَيَخْرُجُ مِنْهُمُ الْعَرَقُ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِنْسَانٌ مِنْهُمْ وَهْوَ عِنْدِي، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا". (ينتابون (¬1)): يبتدرون مرة بعد أخرى، يفتعلون من النوبة (¬2). وقيل: ينتابون (¬3): يأتون. (والعوالي): ما كان من جهة نجد من المدينة من قراها، أدناها ثلاثة أميال، وأبعدها ثمانية. (لو أنكم تطهرتم): "لو" إما للتمني فلا جواب، أو للشرط فالجواب محذوف؛ أي: لكان حسنًا. * * * باب: وقت الجمعةِ إذا زالتِ الشمسُ 570 - (903) - حَدَّثَنا عَبْدَانُ، قَالَ: أَخْبَرناَ عبد الله، قَالَ: أَخْبَرنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ: أَنَّهُ سَأَلَ عَمْرَةَ عَنِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَتْ: قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: كَانَ النَّاسُ مَهَنَةَ أَنْفُسِهِمْ، وَكَانُوا إِذَا رَاحُوا إِلَى الْجُمُعَةِ، رَاحُوا فِي هَيْئَتِهِمْ، فَقِيلَ لَهُمْ: "لَوِ اغْتَسَلْتُمْ". (مَهَنَةَ أنفسِهم): أي: خَدَمَ أَنفسِهم -بفتحات-؛ جمعُ ماهن؛ مثل: كاتب، وكَتَبَة (¬4). ¬

_ (¬1) في "ع": "يتناوبون". (¬2) في "م": "التوبة". (¬3) في "ج": "يتناوبون". (¬4) في "ع": "كتبة وكاتب".

باب: إذا اشتد الحر يوم الجمعة

571 - (954) - حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ. (سُريج بن النعمان): بسين مهملة مضمومة وجيم، مصغَّر، وقد مر. * * * 572 - (905) - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنسٍ، قَالَ: كُنَّا نُبَكِّرُ بِالْجُمُعَةِ، وَنَقِيلُ بَعْدَ الْجُمُعَةِ. (ونقيل): بفتح أوله، مضارع قالَ قيلولة. * * * باب: إذا اشتدَّ الحرُّ يومَ الجمعةِ 573 - (906) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَلْدَةَ -هُوَ خَالِدُ بْنُ دِينَارٍ-، قَالَ: سَمِعْتُ أَنس بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا اشْتَدَّ الْبَرْدُ، بَكَّرَ بِالصَّلاَةِ، وَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ، أَبْرَدَ بِالصَّلاَةِ، يَعْنِي: الْجُمُعَةَ. (أبو خَلْدة): بخاء معجمة مفتوحة ولام ساكنة. * * *

باب: المشي إلى الجمعة وقول الله - عز وجل ذكره -: {فاسعوا إلى ذكر الله} [الجمعة: 9].

باب: المَشِي إِلَى الجُمْعَةِ وَقَولُ اللهِ - عَزَّ وجَلَّ ذِكْرُهُ -: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9]. وَمَنْ قَالَ: السَّعيُ: العَمَلُ، والذَّهابُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالى: {وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا} [الإسراء: 19]. وقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -: يَحْرُمُ البَيْعُ حِينئِذٍ. وقَالَ عَطَاءٌ: تَحْرُمُ الصِنَاعَاتُ كُلُّهَا. وقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَهْوَ مُسَافِرٌ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ. (باب: المشي إلى الجمعة، وقول الله - عز وجل -: {فَاسْعَوْا} [الجمعة: 9] إلى آخر الترجمة): وأورد فيها قولَ ابن عباس بحرمة البيع، وقولَ عطاء: بتحريم الصناعات. 574 - (907) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عبد الله، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَليدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَايَةُ بْنُ رِفَاعَةَ، قَالَ: أَدْرَكَنِي أَبُو عَبْسٍ، وَأَناَ أَذْهَبُ إِلَى الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ". (يزيد بن أبي مريم): وقع على الصواب في الأكثر: بمثناة من تحت وزاي. قال الزركشي: ووقع في (¬1) أصل كريمة: بُرَيْد -بضم الموحدة وبالراء-، وهو غلط (¬2). (عَباية): بعين مهملة مفتوحة فموحدة فمثناة من تحت بعد الألف. ¬

_ (¬1) في "ع": "على". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 241).

(ابن رِفاعة): براء مكسورة وفاء وعين مهملة. (أبو (¬1) عَبْس): -بعين مفتوحة فموحدة (¬2) ساكنة-: هو عبد الرحمن ابن جبر (¬3). * * * 575 - (908) - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: عَنْ سَعِيدٍ وَأَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَحَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَلاَ تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ، وَأْتُوهَا تَمْشُونَ، عَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا". (عليكم السكينةُ): إما برفع السكينة على أنه مبتدأ أُخبر (¬4) عنه بما قبله، والجملة حال من ضمير: "وَأْتوها تمشون"، وإما بالنصب على الإغراء، وقد مر. قال ابن المنير: ووجهُ المطابقة لتحريم الصناعات والبيع، ولإيجاب ¬

_ (¬1) في "ع": "ابن". (¬2) "فموحدة" ليست في "ج". (¬3) في "ع": "خير". (¬4) في "ن": "أم خبر".

باب: لا يفرق بين اثنين يوم الجمعة

شهود المسافر لها: أن (¬1) الله قابلَ بينَ الأمر بالسعي، والنهي (¬2) عن البيع، فدل على أن المراد به سعي الآخرة؛ لأنه الذي يقابل سعيَ الدنيا؛ كالبيع [والصناعة والسفر، فلما كانت هذه الأعمال كلُّها داخلةً تحت النهي عن البيع] (¬3)؛ من حيث إن الجميع (¬4) يجمعه سعيُ الدنيا، دلَّ على أن السعيَ المأمورَ به سعيُ الآخرة، وهو العملُ لها (¬5)، لا الجريُ، ويؤكده تظافرُ الأوامر بالسكينة. وإنما أدخل حديث أبي عبس؛ لدلالته على أن الذي أدركه أبو عبس لم يكن يجري؛ لأنه لو كان كذلك، لما أدركه غالبًا، ولما احتمل الوقت المحادثة؛ لأنها كالمتعذرة (¬6) مع الجري. * * * باب: لاَ يُفَرَّقْ بَيْنَ اثْنَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ (باب: لا يفرّقْ بين اثنين)؛ "لا" ناهية، والفعل من التفريق: مبني للفاعل والمفعول، يريد: النهيَ عن التخطِّي، والتفرقةُ تتناول أمرين: ¬

_ (¬1) في "ع": "لأن". (¬2) في "ع": "والنهي بالسعي". (¬3) ما بين معكوفتين سقط من "ع". (¬4) في "ع": "الجمع". (¬5) في "ع": "البيع والصناعة والسفر، فلما كانت هذه الأعمال كلها داخلة تحت النهي عن البيع، وهو العمل بها". (¬6) في "ع": "كالمعتذرة".

باب: لا يقيم الرجل أخاه يوم الجمعة ويقعد في مكانه

أحدُهما: التخطِّي، والثاني: أن يزحزحَ كلًّا منهما عن مكانه، ويجلسَ بينهما، وكلاهما (¬1) ممنوع؛ فإن السابق استحق مجلسَه، فليس للطارئ أن يحول بينَه وبينه. وقول مالك - رحمه الله -: يجوز التخطِّي قبل جلوس الإمام على المنبر إلى الفُرَج، فصحيح (¬2)؛ فإنه (¬3) لولا ذلك، لأمضينا للمتعدِّي (¬4) تعديه، ألا ترى لو أن صفًّا انتظم في مؤخَّر المسجد بحيث لا يدخل إلى مقدَّمه إلا بتخطيهم، أكان (¬5) ذلك ممتنعًا، ويبقى المسجد خاليًا، والصف حائلًا؟ هذا ما لا سبيل إليه. * * * باب: لاَ يُقِيمُ الرَّجُلُ أَخَاهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَقْعُدُ فِي مَكَانِهِ (باب: لا يقيم): "لا" نافية، والفعل مرفوع، والخبر في معنى النهي. 576 - (911) - حَدَّثَنَا مُحَمَّد، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعًا يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - يَقُولُ: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُقِيمَ الرَّجُلُ أَخَاهُ مِنْ مَقْعَدِهِ، وَيَجْلِسَ فِيهِ. قُلْتُ لِنَافِعٍ: الْجُمُعَةَ؟ قَالَ: الْجُمُعَةَ وَغَيْرَهَا. ¬

_ (¬1) في "ن": "فكلاهما". (¬2) في "ن" و "ع": "صحيح". (¬3) في "ع" و"ج": "لأنه". (¬4) في "ع": "للمتعد". (¬5) في "ج": "لكان".

باب: الأذان يوم الجمعة

(مَخْلَد): بميم مفتوحة فخاء معجمة ساكنة. (قلت لنافع: الجمعةَ): قيل: هو منصوب على إسقاط الخافض؛ أي: في الجمعة. (قال: الجمعةَ وغيرَها): منصوبان، وعند أبي ذر: برفعهما. * * * باب: الأذانِ يوم الجمعة 577 - (912) - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: كَانَ النِّدَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، أَوَّلُهُ إِذَا جَلَسَ الإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ، عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، وَكَثُرَ النَّاسُ، زَادَ النِّدَاءَ الثالِثَ عَلَى الزَّوْرَاءِ. (الزَّوراء): -بزاي مفتوحة فواو فراء، ممدود (¬1) -: موضع بسوق المسجد قريب المسجد (¬2)، وقيل: إنه مرتفع كالمنارة. * * * باب: المؤذنِ الواحدِ يومَ الجمعةِ 578 - (913) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ: أَنَّ الَّذِي زَادَ التَّأْذِينَ ¬

_ (¬1) في "ن" و "ع" و"ج": "ممدودة". (¬2) "قريب المسجد" ليست في "ن".

باب: يجيب الإمام على المنبر إذا سمع النداء

الثَّالِثَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - حِينَ كَثُرَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُؤَذِّنٌ غَيْرَ وَاحِدٍ، وَكَانَ التَّأْذِينُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حِينَ يَجْلِسُ الإِمَامُ، يَعْنِي: عَلَى الْمِنْبَرِ. (الماجِشون): بجيم مكسورة فشين معجمة. * * * باب: يجيبُ الإمامُ على المنبر إذا سَمِعَ النِّداءَ 579 - (914) - حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبي سُفْيَانَ، وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى الْمِنْبَرِ، أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ، قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَأنَاَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَأَناَ، فَلَمَّا أَنْ قَضَى التَّأْذِينَ، قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى هَذَا الْمَجْلِسِ، حِينَ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ، يَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ مِنِّي مِنْ مَقَالَتِي. (فلما أن قضى التأذينَ): "أن" زائدة، و (قضى) مسند إلى ضمير يعود إلى المؤذن، والتأذينَ منصوب على أنه مفعول به، وفي نسخة: "فلما انقضى التأذينُ" من الانقضاء، ورفع التأذين على أنه فاعل.

باب: الخطبة على المنبر

باب: الخطبةِ على المنبرِ 580 - (917) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عبد الله بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيُّ الْقُرَشِيُّ الإسْكَنْدَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمِ بْنُ دِينَارٍ: أَنَّ رِجَالًا أَتَوْا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ، وَقَدِ امْتَرَوْا فِي الْمِنْبَرِ مِمَّ عُودُهُ؟ فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ! إِنِّي لأَعْرِفُ مِمَّا هُوَ، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ أَوَّلَ يَوْمٍ وُضِعَ، وَأَوَّلَ يَوْمٍ جَلَسَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إلَى فُلاَنَةَ -امْرَأَةٍ قَدْ سَمَّاهَا سَهْلٌ-: "مُرِي غُلاَمَكِ النَّجَّارَ أَنْ يَعْمَلَ لِي أَعْوَادًا أَجْلِسُ عَلَيْهِنَّ إِذَا كَلَّمْتُ النَّاسَ"، فَأَمَرَتْهُ، فَعَمِلَهَا مِنْ طَرْفَاءِ الْغَابَةِ، ثُمَّ جَاءَ بِهَا، فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَمَرَ بِهَا، فَوُضِعَتْ هَاهُنَا، ثُمَّ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى عَلَيْهَا، وَكبَّرَ وَهْوَ عَلَيْهَا، ثُمَّ رَكعَ وَهْوَ عَلَيْهَا، ثُمَّ نَزَلَ الْقَهْقَرَى، فَسَجَدَ فِي أَصْلِ الْمِنْبَرِ، ثُمَّ عَادَ، فَلَمَّا فَرَغَ، أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّمَا صَنَعْتُ هَذا لِتَأْتَمُّوا، وَلِتَعَلَّمُوا صَلاَتِي". (القارِيُّ): نسبة إلى قبيلة يقال لها: القارة، فالياءُ مشددة، ولا همز. (أبو حازم (¬1)): بحاء مهملة، وحديثه مستوفىً أوائلَ الصلاة. (إني لأعرف مما هو): فيه ثبوت ألف "ما" الاستفهامية المجرورة، وهو قليل؛ كقراءة عكرمة وعيسى: {عَمَّا يَتَسَاءَلُونَ}، والمشهورُ (¬2) الحذفُ: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} [النبأ: 1]، {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} [النازعات: 43]. ¬

_ (¬1) في "ع": "حمزة". (¬2) في "ن": "فالمشهور".

باب: من قال في الخطبة بعد الثناء: أما بعد

(ولتَعَلَّموا صلاتي): -بفتح العين وتشديد اللام-؛ أي: ولتتعلموا (¬1). * * * 581 - (918) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَنَسٍ: أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عبد الله قَالَ: كَانَ جِذْعٌ يَقُومُ إِلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا وُضِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ، سَمِعْنَا لِلْجذْعِ مِثْلَ أَصْواتِ العِشَارِ، حَتَّى نَزَلَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ. قَالَ سُلَيمَانُ، عَن يَحْيَى: أَخْبَرَنِي حَفْصُ بْنُ عبيد الله بنِ أَنس: أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا. (جِذْع): بكسر الجيم وإسكان الذال المعجمة. (أصواتِ العِشار): -بكسر العين- جمع عُشَرَاء (¬2)، وهي الناقة التي أتت عليها من يوم أُرسل فيها الفحلُ عَشَرةُ أشهر، كذا في "الصحاح" (¬3). * * * باب: من قال في الخطبة بعد الثَّناء: أما بعد 582 - (922) - وَقَالَ مَحْمُودٌ: حَدَّثَنَا أَبُو أسُامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ ابْنُ عُرْوَةَ، قَالَ: أَخْبَرَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبي بَكْرٍ، قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ، قُلْتُ: ¬

_ (¬1) في "ج": "ولتعملوا". (¬2) في "ج": "عشرات". (¬3) انظر: "الصحاح" (2/ 747)، (مادة: عشر).

مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا إِلَى السَّمَاءِ، فَقُلْتُ: آيَةٌ؟ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا: أَيْ نَعَمْ، قَالَتْ: فَأَطَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جِدًّا حَتَّى تَجَلَّانِي الْغَشْيُ، وَإِلَى جَنْبِي قِرْبَةٌ فِيهَا مَاءٌ، فَفَتَحْتُهَا، فَجَعَلْتُ أَصُبُّ مِنْهَا عَلَى رَأْسِي، فَانْصرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ، فَخَطَبَ النَّاسَ، وَحَمِدَ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ". قَالَتْ: وَلَغِطَ نِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَانْكَفَأْتُ إِلَيْهِنَّ لأُسَكِّتَهُنَّ، فَقُلْتُ لِعَائِشَةَ: مَا قَالَ؟ قَالَتْ: قَالَ: "مَا مِنْ شَيْءٍ لَمْ أَكُنْ أُرِيتُهُ إِلَّا قَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا، حَتَّى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وإِنَّهُ قَد أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُم تُفْتَنونَ فِي القُبورِ، مِثْلَ -أَو قَرِيبَ مِنْ- فِتْنةِ المَسِيح الدَّجَالِ، يُؤْتَى أَحَدُكُمُ، فَيُقَالُ لَهُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا المُؤمِنُ -أَوْ قَالَ: الْمُوقِنُ- شَكَّ هِشَامٌ، فَيقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللَّهِ، هُوَ مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم -، جَاءَناَ بِالْبيِّنَاتِ وَالْهُدَى، فَآمَنَّا وَأَجَبْنَا وَاتَّبَعْنَا وَصَدَّقْنَا، فَيُقَالُ لَهُ: نَمْ صَالِحًا، قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ إِنْ كُنْتَ لَتُؤْمِنُ بِهِ، وَأَمَّا الْمُنَافِقُ -أَوْ قَالَ: الْمُرْتَابُ- شَكَّ هِشَامٌ، فَيُقَالُ لَهُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا، فَقُلْتُ". قَالَ هِشَامٌ: فَلَقَدْ قَالَتْ لِي فَاطِمَةُ فَأَوْعَيْتُهُ، غَيْرَ أَنَّهَا ذَكَرَتْ مَا يُغَلِّظُ عَلَيْهِ. (أخبرتني فاطمة بنتُ المنذر): هو ابنُ الزبيرِ بنِ العوام. (قلت: ما شأن الناس؟): "ما" (¬1) استفهامية، و "الناس" مجرور مضاف إليه (¬2). ¬

_ (¬1) "ما" ليست في "ج". (¬2) "إليه" ليست في "ج".

583 - (923) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِمَالٍ، أَوْ سَبْيٍ، فَقَسَمَهُ، فَأَعْطَى رِجَالًا، وَتَرَكَ رِجَالًا، فَبَلَغَهُ أَنَّ الَّذِينَ تَرَكَ عَتَبُوا، فَحَمِدَ اللَّهَ، ثُمَّ أَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ: فَوَاللَّهِ! إِنِّي لأُعْطِي الرَّجُلَ وَأَدَعُ الرَّجُلَ، وَالَّذِي أَدَعُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الَّذِي أُعْطِي، وَلَكِنْ أُعْطِي أَقْوَامًا لِمَا أَرَى فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْجَزَعِ وَالْهَلَعِ، وَأَكِلُ أَقْوَامًا إِلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْغِنَى وَالْخَيْرِ، فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ". فَوَاللَّهِ! مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِكَلِمَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حُمْرَ النَّعَمِ. تَابَعَهُ يُونُسُ. (فيهم عمرُو بن تَغْلِب): بمثناة من فوق مفتوحة فغين معجمة ساكنة فلام مكسورة فموحدة، غير مصروف. * * * 584 - (924) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ: أَن عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، فَصَلَّى فِي الْمَسْجدِ، فَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلاَتِهِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا، فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ فَصَلَّوْا مَعَهُ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا، فَكَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجدِ مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَصَلَّوْا بِصَلاَتِهِ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ، عَجَزَ الْمَسْجدُ عَنْ أَهْلِهِ، حَتَّى خَرَجَ لِصَلاَةِ الصُّبْح، فَلَمَّا قَضَى الْفَجْرَ، أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ

فتشَهَّدَ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ مَكَانُكُمْ، لَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ، فَتَعْجِزُوا عَنْهَا". تَابَعَهُ يُونس. (فتعجِزوا عنها): -بجيم مكسورة- مضارع عجَز، بفتحها. (تابعه يونس): الزركشي: قال المزي في "أطرافه": أي (¬1): في "أما بعد" خاصة، وفيما قاله نظر؛ فإن متابعته في الحديث كله (¬2) ثابتةٌ في مسلم، والنسائي (¬3). * * * 585 - (925) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَني عُرْوَةُ، عَنْ أَبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ عَشِيَّةً بَعْدَ الصَّلاَةِ، فتشَهَّدَ وَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ". تَابَعَهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَأَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ". تَابَعَهُ الْعَدَنِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، فِي: "أَمَّا بَعْدُ". (العدني): نسبة إلى عدن. ¬

_ (¬1) "أي" ليست في "ج". (¬2) في "ع": "كلمة". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 244).

586 - (926) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَمِعْتُهُ حِينَ تَشَهَّدَ يَقُولُ: "أَمَّا بَعْدُ". تَابَعَهُ الزُّبَيْدِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ. (الزُّبيدي): بضم الزاي. * * * 587 - (927) - حَدَّثَنَا إَسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْغَسِيلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَ: صَعِدَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمِنْبَرَ، وَكَانَ آخِرَ مَجْلِسٍ جَلَسَهُ، مُتَعَطّفاً مِلْحَفَةً عَلَى مَنْكِبَيْهِ، قَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ بِعِصَابَةٍ دَسِمَةٍ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ! إِلَيَّ". فَثَابُوا إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنَ الأَنْصَارِ يَقِلُّونَ، وَيَكْثُرُ النَّاسُ، فَمَنْ وَلِيَ شَيْئاً مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، فَاسْتَطَاعَ أَنْ يَضُرَّ فِيهِ أَحَداً، أَوْ يَنْفَعَ فِيهِ أَحَداً، فَلْيَقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَيَتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيِّهِمْ". (ابن الغَسيل (¬1)):- بغين معجمة (¬2) مفتوحة - نسبة إلى جده عبد الله ابنِ حنظلةَ ابنِ الغسيل. (وكان آخرَ مجلس): بالنصب خبر كان، واسمُها مضمَر. ¬

_ (¬1) "ابن الغسيل" ليست في "ن"، وفي "ع": "العبدي". (¬2) "معجمة" ليست في "ع".

باب: الاستماع إلى الخطبة

(متعطِّفاً بِملْحَفَة): بميم مكسورة وحاء مهملة مفتوحة (¬1)، ويسمى الرداء عِطافاً (¬2)؛ لوقوعه على عِطْفَي الرجل. (عَصَبَ): بصاد مهملة مخففة مفتوحة. (دَسِمَةٍ): - بفتح أوله وكسر ثانيه -؛ أي: لونُها لونُ الدَّسَم؛ كالزيتِ وشبهِه، وقيل: سوداء. (أيها الناس! إليَّ): أي: انهضوا (¬3). (عن مسيئهم): بالهمزة، وفي بعض الأصول: بياء مشددة بلا همز (¬4). * * * باب: الاِسْتِمَاعِ إِلَى الْخُطْبةِ 588 - (929) - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي عبد الله الأَغَرِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَقَفَتِ الْمَلاَئِكَةُ عَلَى بَابِ الْمَسْجدِ، يَكْتُبُونَ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ، وَمَثَلُ الْمُهَجِّرِ كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي بَدَنةً، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي بَقَرَةً، ثُمَّ كبْشاً، ثُمَّ دَجَاجَةً، ثمَّ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ، طَوَوْا صُحُفَهُمْ، وَيَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ". ¬

_ (¬1) في "ج": "مهملة مخففة مفتوحة". (¬2) في "ن" و"ع" و"ج": "عطفاً". (¬3) في "ن" و "ع" زيادة: "إلي". (¬4) في "ع": "همزة".

(باب: الاستماع إلى الخطبة (¬1)). (ومَثَلُ المهجِّر): أي: الذي (¬2) يأتي في الهاجرة، وهو مما يدل (¬3) لمالك (¬4)، واحتمال أن يكون من هَجْرِ المنزلِ أيَّ وقتٍ كان، أو من الهِجِّيرَى (¬5)؛ بمعنى: الدَّأْب (¬6) والعادة، مما لا يخفى بعده. (كمثل الذي أهدى (¬7) بدنةً): خبر عن "مثلُ المهجر" (¬8). (ثم كالذي يهدي بقرة): لا يصحُّ عطفه على الخبر؛ لئلا يقعا معاً (¬9) خبراً عن واحد، وهو مستحيل، وإنما هو خبر مبتدأ محذوف؛ أي: ثم الثاني كالذي يهدي بقرة. (ثم كبشاً): ليس معطوفاً على بقرة؛ لأن المعنى يأباه، وإنما هو معمولُ فعلٍ محذوف، والتقديرُ: ثم الثالثُ كالذي يهدي كبشاً، فحذف ما حذف؛ لدلالة المتقدم، واصنعْ مثلَ هذا في قوله: "ثم دجاجة، ثم بيضة". ¬

_ (¬1) في "ن" و"ج": "للخطبة"، وفي "ع": "في الخطبة". (¬2) في "خ": "التي". (¬3) في "ن": "وما يدل". (¬4) في "ن": "المالك". (¬5) في "ن": "الهجري"، وفي "ع": "الهجير". (¬6) "الدأب" ليست في "ن". (¬7) عند البخاري - نسخة اليونينية: "يهدي". (¬8) في "ج": "خبر اسم الهجر". (¬9) "معاً" ليست في "ع".

باب: إذا رأى الإمام رجلا جاء وهو يخطب أمره أن يصلي ركعتين

(يكتبون الأولَ فالأولَ): بالنصب على الحال؛ أي: مرتبين (¬1)، وجاءت معرفة، وهو قليل. (طَوَوا صحفَهم، ويستمعون الذكر): أتى بصيغة المضارع؛ لاستحضار (¬2) صورة الحال اعتناءً بهذه المزِيَّة، وحملاً على الاقتداء بالملائكة، وهذا موضعُ الاستشهاد على الترجمة. * * * باب: إذا رأى الإمامُ رجلاً جاء وهو يخطب أمره أَنْ يصلِّيَ ركعتين 589 - (930) - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ عَمْرِو ابْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عبد الله، قَالَ: جَاءَ رَجُل، وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: "أَصَلَّيْتَ يَا فُلاَنُ؟ "، قَالَ: لاَ، قَالَ: "قُمْ فَارْكَعْ". (جاء رجل والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يخطُب الناسَ يومَ الجمعة): هو سُلَيْكُ بنُ عَمْرو، وقيل: ابنُ هُدْبَةَ الغَطَفانيُّ، وقيل: هو النعمانُ بنُ قَوْقَل، ذكره الخطيب في "مبهماته". (قال: قم فاركعْ): هو مما استدل به الشافعية على أن (¬3) من دخل ¬

_ (¬1) في "ن": "مرتين"، وفي "ج": "مترتبين". (¬2) في "ج": "لاستحضاره". (¬3) "أن" ليست في "ج".

باب: رفع اليدين في الخطبة

المسجد في خلال الخطبة يركعُ تحيةَ المسجد، وقد قُدِحَ فيه: بأن المأمورَ به ليسَ التحية؛ لفواتها بالجلوس. والبحثُ في ذلك طويل لا يحتمله هذا التعليق. * * * باب: رفعِ اليدينِ في الخطبةِ 590 - (932) - حَدَّثَنَا مُسَدَّد، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنسَ. وَعَنْ يُونسُ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنسَ، قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِذْ قَامَ رَجُل، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلَكَ الْكُرَاعُ، وَهَلَكَ الشَّاءُ، فَادع اللَّهَ أَنْ يَسْقِيَنَا. فَمَدَّ يَدَيْهِ وَدَعَا. (هلك الكُراع): - بضم الكاف -: اسم لجَمْعِ الخيل، وضبطه الأصيلي بالكسر، قال القاضي: وهو خطأ (¬1). * * * باب: الاستسقاءَ في الخُطبة يومَ الجمعةِ 591 - (933) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَليدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عبد الله بْنِ أَبي طَلْحَةَ، عَنْ أَنسِ ابْنِ مَالِكٍ، قَالَ: أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَبَيْنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ، قَامَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلَكَ الْمَالُ ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 339).

وَجَاعَ الْعِيَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا. فَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً، فَوَالَّذِي نفسِي بِيَدِهِ! مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الْجبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَمُطِرْناَ يَوْمَنَا ذَلِكَ، وَمِنَ الْغَدِ وَبَعْدَ الْغَدِ، وَالَّذِي يَلِيهِ، حَتَّى الْجُمُعَةِ الأُخْرَى. وَقَامَ ذَلِكَ الأَعْرَابِيُّ، أَوْ قَالَ: غَيْرُهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ، وَغَرِقَ الْمَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا. فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا". فَمَا يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ السَّحَابِ إِلاَّ انْفَرَجَتْ، وَصَارَتِ الْمَدِينَةُ مِثْلَ الْجَوْبَةِ، وَسَالَ الْوَادِي قَنَاةُ شَهْراً، وَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلاَّ حَدَّثَ بِالْجَوْدِ. (حتى الجمعةِ الأخرى): -بالجر-؛ أي: إلى الجمعة الأخرى. (مثل الجَوْبة): -بجيم مفتوحة (¬1) وواو ساكنة وباء موحدة-: هي الحفرة المستديرة؛ أي: خرجنا والغيمُ والسحابُ محيطان بآفاق (¬2) المدينة. قال القاضي: وصحَّفها بعضُهم بالنون، ثم فسرها بالشمس في سوادها حين تغيب، والمعنى: أن السحاب تقطَّعَ حولَ المدينة مستديراً، وانكشف عنها حتى باينت ما جاوزها مباينةَ الجونةِ (¬3) لما حولها (¬4). (وسال الوادي قَناةُ): -بقاف مفتوحة فنون فالف فهاء تأنيث - مرفوعٌ ¬

_ (¬1) في "ن": "مفتوحة مثل الجوبة بجيم مفتوحة وواو". (¬2) في "ن": "وباء بآفاق"، وفي "ع": "بأكفاف". (¬3) في "ن" و "ع": "الجوبة". (¬4) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 167).

باب: إذا نفر الناس عن الإمام في صلاة الجمعة، فصلاة الإمام ومن بقي جائزة

على البدل (¬1) من الوادي، وهو غيرُ منصرف للتأنيث والعلمية؛ إذ هو اسمٌ لوادٍ معين من أودية المدينة. و (¬2) قال صاحب "المفهم": رُوي خارج "الصحيح": سال وادي قناةَ، بالجر على الإضافة (¬3). (حدث بالجَود): - بفتح الجيم -: المطر الغزير. * * * باب: إذا نفرَ الناسُ عن الإمام في صلاة الجمعة، فصلاةُ الإمامِ ومن بقي جائزة 592 - (936) - حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عبد الله، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، إِذْ أَقْبَلَتْ عِيرٌ تَحْمِلُ طَعَاماً، فَالْتَفَتُوا إِلَيْهَا، حَتَّى مَا بَقِيَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلاَّ اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً، فَنَزَلَتْ هَذهِ الآيَةُ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11]. (إذ أقبلت عِيرٌ): - بعين مهملة مكسورة -: هي الإبل تحمل الطعام أو التجارة. وفي "مراسيل أبي داود" بيانُ القادم بالتجارة: أنه دحيةُ، وأن ذلك كان بعد أن صلى الجمعة، وقبل أن يخطب، وأن هذا كان في ابتداء ¬

_ (¬1) في "ج": "على أن البدل". (¬2) الواو سقطت من "ج". (¬3) رواه مسلم (897). وانظر: "المفهم" للقرطبي (2/ 545).

الإسلام يقدم صلاة الجمعة على الخطبة مثل العيدين، وذكره في حديث مقاتل، قال: فمن ذلك اليوم قُدمت الخطبة، وأُخرت الصلاة (¬1)، ويقال: إن صاحب العير عبد الرحمن بن عوف. (حتى ما بقي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا اثنا عشر رجلاً): جاء في "الصحيح (¬2) " لما ذكر جابر: الإثني (¬3) عشر، قال: وأنا منهم، وفي أفراد مسلم: ومنهم أبو بكر وعمر (¬4). وذكر السهيلي: أنه جاء ذكرُ أسماء الباقين في حديثٍ مرسلٍ رواه أسدُ بنُ عمرٍو والدُ موسى بنِ أسدٍ، وهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وسعيد، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة، وبلال، وابن مسعود في رواية (¬5). وفي رواية (¬6): عمار بن ياسر، وأهمل جابراً، وهو في "الصحيح" كما مر، وسالماً مولى أبي حذيفة، وذكره إسماعيل بن أبي زياد الشامي في تفسير ابن عباس. (فنزلت هذه الآية: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجمعة: 11]): ¬

_ (¬1) انظر: "المراسيل" لأبي داود (62). (¬2) في "ع": "الصحاح". (¬3) في "ع": "الاثنا". (¬4) رواه مسلم (863). وانظر: "التوضيح" لابن الملقن (7/ 629). (¬5) "في رواية" ليست في "ن". (¬6) "وفي رواية" ليست في "ع".

حضرتُ (¬1) بالقاهرة في سنة سبع وثمانين وسبع مئة، أو سنة ثمان درساً بالشيخونية عند بعض حُذاق المالكية، فأفضى الكلام إلى أنه إذا ذُكر متعاطفان بأو، فإنه يعاد الضمير إلى أحدهما، فقال ذلك المدرس: وزعم بعض أصحابنا أن منه هذه الآية، وهو خطأ؛ لأنه لم يعد إلى أحدهما بعينه (¬2)، بل إلى أحدهما معيناً، وهو التجارة، وليس البحث فيه. فقلت له: يلزم إما الحذف، أو الإتيان بما لا فائدة فيه، والأولُ خلافُ الأصل، والثاني باطل؛ لأنك إما أن تقدر أو إليه، فيلزم الأول، أو لا تقدر شيئاً ألبتة، فيلزم الثاني؛ لأن ذكر اللهو يكون حينئذٍ ضائعاً. فقال: تقدر أو إليه للدلالة عليه. فقلت له: هذا ممكن، غير أن لنا عنه مندوحةً، فاستبعدَ ذلك، وكان يقطع باستحالته. فقلت له (¬3): يمكن أن يعود الضمير إلى مصدر الفعل المتقدم، وهو الرؤية؛ كأنه (¬4) قيل: وإذا رأوا تجارةً أو لهواً، انفضوا إلى الرؤية الواقعة على التجارة أو اللهو، فاستحسنه. ثم رأيته بعد ذلك بنحو (¬5) عشرين سنة في "شرح الحاجبية (¬6) " للرضي، وفي غيره، والله الموفق. ¬

_ (¬1) في "ن" و "ع": "قال المؤلف: حضرت". (¬2) في "م": "أحدهما لا بعينه". (¬3) "له" ليست في "ن". (¬4) في "ج": "فكأنه". (¬5) في "ن": "نحو". (¬6) في "ع" و "ح": "ذكر ذلك في شرح الحاجبية".

باب: قول الله تعالى {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله} [الجمعة: 10]

باب: قول الله تعالى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10] 593 - (938) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ، قَالَ: كانَتْ فِينَا امْرَأَةٌ، تَجْعَلُ عَلَى أَرْبِعَاءَ فِي مَزْرَعَةٍ لَهَا سِلْقاً، فَكَانَتْ إِذَا كانَ يَوْمُ جُمُعَةٍ، تَنْزِعُ أُصُولَ السِّلْقِ، فَتَجْعَلُهُ فِي قِدْرٍ، ثُمَّ تَجْعَلُ عَلَيْهِ قَبْضَةً مِنْ شَعِيرٍ تَطْحَنُهَا، فَتكُونُ أصُولُ السِّلْقِ عَرْقَهُ، وَكُنَّا نَنْصَرِفُ مِن صَلاَةِ الْجُمُعَةِ، فَنُسَلِّمُ عَلَيْهَا، فتقَرِّبُ ذَلِكَ الطَّعَامَ إِلَيْنَا، فَنَلْعَقُهُ، وَكُنَّا نَتَمَنَّى يَوْمَ الْجُمُعَةِ؛ لِطَعَامِهَا ذَلِكَ. (تجعل): بالجيم والعين، وروي: "تحقل (¬1) " بالحاء المهملة والقاف. (على أربِعاء): - بكسر الباء الموحدة والمد -: جمعُ ربيع، وهو النهر الصغير الذي يسقي المزارع (¬2). (في مزرعة لها): الزركشي (¬3): هي مثلثة الراء، قاله ابن مالك (¬4). قلت: لكن الشأن في الرواية، فينبغي تحريرها. (سِلْقاً): - بسين مهملة مكسورة فلام ساكنة فقاف - وهو منصوب على المفعولية، وعند الأصيلي: بالرفع، ووجهه القاضي بأنه مفعولٌ لم يُسَمَّ ¬

_ (¬1) في "ج": "يحقل". (¬2) في "ج": "الزرع". (¬3) في "ج": "قال الزركشي". (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 247).

فاعلُه، فيُجعل على أن تُضم الياءُ منه، أو يكون سلقٌ مبتدأ، وخبره: لها (¬1). (قُبضة): بالضم والفتح، قال الجوهري: والقُبضة - بالضم -: ما قبضت عليه من شيء، يقال: أعطاه قُبضة من سَويق، أو تمر؛ أي: كَفًّا منه، وربما جاء بالفتح (¬2). (تطحَنهَا): - بفتح الحاء المهملة -؛ من الطحن، ولبعضهم: "تطبخها"- بالموحدة والخاء المعجمة -؛ من الطبخ. (عَرْقَهُ): - بعين مهملة مفتوحة فراء ساكنة فقاف -: هو العظم الذي عليه اللحم، شبه به أصول السلق؛ أي: إن أضلاع (¬3) السلق قامت في الطبخ مقامَ قطعِ اللحم، وقيده بعضهم: بالغين المعجمة والفاء؛ أي: مرقه الذي يُغْرَف، قال الزركشي: وليس بشيء (¬4). (فنلعَقه): بفتح العين المهملة. ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 158 - 159). (¬2) انظر: "الصحاح" للجوهري (3/ 1100)، (مادة: قبض). (¬3) في "ج": "ضلاع". (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 248).

كتاب صلاة الخوف

كِتابُ صَلاَةِ الخَوفِ

باب: صلاة الخوف

كِتابُ صَلاَةِ الخَوفِ باب: صَلاَةِ الْخَوْفِ 594 - (942) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُهُ: هَلْ صَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعْنِي: صَلاَةَ الْخَوْفِ؟ -، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ: أَنَّ عبد الله بْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قِبَلَ نَجْدٍ، فَوَازينَا الْعَدُوَّ، فَصَافَفْنَا لَهُمْ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي لَنَا، فَقَامَتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ تُصَلِّي، وَأَقْبَلَتْ طَائِفَةٌ عَلَى الْعَدُوِّ، وَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَنْ مَعَهُ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا مَكَانَ الطَّائِفَةِ الَّتِي لَمْ تُصَلِّ، فَجَاؤُوا، فَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِهِمْ رَكَعَةً، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَرَكَعَ لِنَفْسِهِ رَكَعَةً، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ. (أبواب (¬1) صلاة الخوف). (فوازَيْنا العدو): - بزاي -: صرنا: قبالَتَه (¬2). ¬

_ (¬1) "أبواب" ليست في "ج"، وفي "ن" و"ع": "باب". (¬2) في "ج": "قباله".

باب: يحرس بعضهم بعضا في صلاة الخوف

باب: يَحْرُسُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ (باب: يحرس بعضهم بعضاً): ساق فيه حديثَ ابن عباس، ولم يذكر صالحَ بنَ خَوّاتٍ عمن شهدَ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف يومَ ذاتِ الرقاع: أن طائفة صفت معه، وطائفة [وجاه العدو، فصلى بالتي معه ركعة، ثم ثبت قائماً، وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا، فصفوا] (¬1) وجاه العدو (¬2)، وجاءت الطائفة الأخرى، فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالساً، وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم. قال مالك: هذا أحسنُ ما سمعتُ في صلاة الخوف (¬3). وقال ابن المنير: وكأن البخاري كان قائلاً في صلاة الخوف بخلاف مذهب مالك المشهور، فلهذا لم يذكر حديثَ ابنِ خَوَّاتٍ في صلاة الخوف، وأَخَّره، وذكره في: المغازي، وذكر هنا ما يناسب مذهبَه من الأحاديث، وجعل هذه الترجمة كأنها مندرجةٌ في ترجمة صلاة المسايفة (¬4)؛ كأنه يقول: إذا جازت هذه المنافيات من الركوب والمشي، والطعن والضرب؛ لأجل الخوف، فلا يُستكثر مجردُ الحراسة في الصلاة؛ كما في حديث ابن عباس الذي ساقه في هذا الباب. قال: وإنما ساغ له إخفاءُ الحديث الذي هو حجةٌ (¬5) عليه، وذكرَهُ في غير مَظِنته؛ لأنه رأى أن الأدلة التي دلت على جواز الحراسة في الصلاة ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين سقط من "ن". (¬2) في "ج": "وجاه العدو بالتي معه ركعة". (¬3) انظر: "صحيح البخاري" (4135). (¬4) في "ج": "المسابقة". (¬5) في "ن" و "ع": "متجه".

باب: الصلاة عند مناهضة الحصون ولقاء العدو

مبينةٌ لا يُترك العملُ بها، وكلُّ مجتهد يعتقد الصوابَ معه والخطأ مع غيره، على القول بأن المصيب واحد، وهو الصحيح، وكأنه (¬1) حَذِرَ على الواقف على حديث ابن خَوّات (¬2) من الخطأ في اعتقاده مانعاً من هذه التي صححها حديثُ ابن عباس، والله أعلم. * * * باب: الصَّلاَةِ عِنْدَ مُنَاهَضَةِ الْحُصُونِ وَلقَاءَ الْعَدُوِّ وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: إِنْ كَانَ تَهَيَّأَ الْفَتْحُ، وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الصَّلاَةِ، صَلَّوْا إِيمَاءً، كُلُّ امْرِئٍ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الإِيمَاءَ، أَخَّرُوا الصَّلاَةَ، حَتَّى يَنْكَشِفَ الْقِتَالُ، أَوْ يَأْمَنُوا، فَيُصَلُّوا رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا، صَلَّوْا رَكَعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، لاَ يُجْزِئُهُمُ التَّكْبِيرُ، وَيُؤَخِّرُوهَا حَتَّى يَأْمَنُوا. وَبِهِ قَالَ مَكْحُولٌ. وَقَالَ أَنسٌ: حَضَرْتُ عِنْدَ مُنَاهَضَةِ حِصْنِ تُسْتَرَ عِنْدَ إِضَاءَةِ الْفَجْرِ، وَاشْتَدَّ اشْتِعَالُ الْقِتَالِ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الصَّلاَةِ، فَلَمْ نُصَلِّ إِلاَّ بَعْدَ ارْتفَاعِ النَّهَارِ، فَصَلَّيْنَاهَا وَنَحْنُ مَعَ أَبي مُوسَى، فَفُتِحَ لَنَا، وَقَالَ أَنسٌ: وَمَا يَسُرُّنِي بِتِلْكَ الصَّلاَةِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. (إن كان تهيأ الفتح): أي: اتفق، وتمكن، ورواه القابسي: "إن كان بها الفتح" (¬3). ¬

_ (¬1) في "ج": "فكأنه". (¬2) في "ج": "صفوان". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 73).

(تُسْتَر): بمثناتين من فوق أولاهما (¬1) مضمومة والثانية مفتوحة. (اشتعال القتال): تشبيه القتال بالنار استعارة بالكناية، وإثبات الاشتعال [لها (¬2) استعارة تخييلية، أو شبهت (¬3) شدة الحرب وقوة احْتِدامِها (¬4) بالاشتعال] (¬5)، فتكون الاستعارة تصريحية. (وما يسرني بتلك الصلاة): أي: بدلَ تلك الصلاة، فالباء للبدل مثلها: فَلَيْتَ لِي بِهِمُ قَومْاً إِذَا رَكِبوا (¬6) (¬7) * * * 595 - (945) - حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكيع، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُبَارَكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عبد الله، قَالَ: جَاءَ عُمَرُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، فَجَعَلَ يَسُبُّ كفَّارَ قُرَيْشٍ، وَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا صَلَّيْتُ الْعَصْرَ حَتَى كَادَتِ الشَّمْسُ أَنْ تَغِيبَ، فَقَالَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَأَناَ - وَاللَّهِ - ¬

_ (¬1) في "ع": "وأولاهما"، وفي "ع": "أولهما". (¬2) في "ن": "بها". (¬3) في "ع": "وشبهت". (¬4) في "ن": "احتلامها"، وفي "ع": "التهابها". (¬5) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬6) في "ج": أركبوا. (¬7) صدر بيت لقريط العنبري. انظر: "خزانة الأدب" للبغدادي (6/ 253)، وعجزه: شنُّوا الإغارةَ فرساناً وركباناً

باب: صلاة الطالب والمطلوب، راكبا وإيماء

مَا صَلَّيْتُهَا بَعْدُ". قَالَ: فَنَزَلَ إِلَى بُطْحَانَ، فتَوَضَّأَ، وَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَابَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ بَعْدَهَا. (بعد ما كادت الشمس أن تغيب): فيه دخول "أن" على خبر "كاد"، والأكثر تجريدُه منها. * * * باب: صَلاَةِ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ، رَاكِباً وَإِيمَاءً وَقَالَ الْوَلِيدُ: ذَكَرْتُ لِلأَوْزَاعِيِّ صَلاَةَ شُرَحْبِيلَ بْنِ السَّمِطِ وَأَصْحَابِهِ عَلَى ظَهْرِ الدَّابّةِ، فَقَالَ: كَذَلِكَ الأَمْرُ عِنْدَناَ إِذَا تُخُوِّفَ الْفَوْتُ. وَاحْتَجَّ الْوَلِيدُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ". (باب: صلاة الطالب والمطلوب راكباً وإيماءً): مصدر أومأ، وروي: "وقائماً". (شُرَحْبِيل): بشين معجمة مضمومة فراء مفتوحة فحاء مهملة ساكنة فموحدة مكسورة فمثناة من تحت فلام، غير منصرف. (ابن السَّمِط): بفتح السين المهملة وكسر الميم. ويقال: بكسر السين وإسكان الميم. (إذا تَخوف الفوتَ): ببناء الفعل للفاعل (¬1)، فالفوتَ منصوب، وبنائه (¬2) للمفعول، فالفوتُ مرفوع. ¬

_ (¬1) في "ج": "والفاعل". (¬2) في "م": "وبناؤه".

596 - (946) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ النَبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَنَا لَمَّا رَجَعَ مِنَ الأَحْزَابِ: "لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ". فَأَدْرَكَ بَعْضَهُمُ الْعَصْرُ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نصُلِّي، لَمْ يُرَدْ مِنَّا ذَلِكَ، فَذُكرَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِداً مِنْهُمْ. (ابن أسماءَ): بالفتح، غير منصرف. (فأدركَ بعضَهم العصرُ): - بنصب الأول، ورفع الثاني - وهو مثل: "إِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ" (¬1). (وقال بعضهم: بل نصلِّي، لم يردْ منَّا ذلك): بناء الفعل المجزوم للفاعل (¬2)، وللمفعول (¬3). (فلم يعنف أحداً منهم): فدل على أن كلاًّ لم يعصِ (¬4)، واستدل البخاري على مضمون (¬5) الترجمة بفعل الطائفة التي صلَّت، وظهرَ له أنها لم تنزل؛ لأنه - عليه السلام - أمرهم بالاستعجال إلى بني قريظة، والنزولُ ينافي مقصود الجِدِّ في الوصول (¬6). فمنهم: مَنْ بنى على (¬7) أن النزولَ للصلاة معصية؛ للأمر الخاصِّ ¬

_ (¬1) تقدم عند البخاري برقم (3). (¬2) في "ن": "للفاعل المجزوم". (¬3) في "ج": "والمفعول". (¬4) في "ن": "كلام القصر"، وفي "ع": "أن كلاً لم يقصر". (¬5) في "ع": "تضمين". (¬6) في "ج": "الأصول". (¬7) في "ج": "أن" بدل "على".

باب: التبكير والغلس بالصبح، والصلاة عند الإغارة والحرب

بالجد، فتركها إلى أن فات وقتها؛ لوجود المعارض. ومنهم: من جمعَ بين دليلَي (¬1) وجوب الصلاة، ووجوب الإسراع، فصلى راكباً. ولو نزل (¬2) للاشتغال بالصلاة، لكان ذلك مضادَّة لما أمر به - عليه السلام - من الإسراع، وهذا لا يُظَنُّ بأحد من الصحابة على (¬3) ثُقوب أفهامهم، و (¬4) حسن اقتدائهم. * * * باب: التبكيرِ والغَلَسِ بالصبح، والصلاةِ عند الإغارةِ والحربِ 597 - (947) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، وَثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى الصُّبْحَ بِغَلَسٍ، ثُمَّ رَكِبَ فَقَالَ: "اللَّهُ أكبَرُ! خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ". فَخَرَجُوا يَسْعَوْنَ فِي السِّكَكِ وَبَقُولُونَ: مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ. قَالَ: وَالْخَمِيسُ: الْجَيْشُ، فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَتَلَ الْمُقَاتِلَةَ، وَسَبَى الذَّرَارِيَّ، فَصَارَتْ صَفِيَّهُ لِدِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ، وَصَارَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، وَجَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَهَا. فَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ لِثَابِتٍ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! أَنْتَ سَأَلْتَ أَنَسًا مَا أَمْهَرَهَا؟ قَالَ: أَمْهَرَهَا نَفْسَهَا، فَتبَسَّمَ. ¬

_ (¬1) في "ج": "دليل". (¬2) في "ن": ترك. (¬3) في "ج": "بل". (¬4) الواو سقطت من "ج".

(البُناني): بموحدة مضمومة وبنونين (¬1) بينهما ألف وآخره ياء النسب. (الله أكبر! خربتْ خَيبر): قال المهلب: فقال - عليه السلام - لخيبرَ: الخرابُ (¬2)؛ من اسمها على أهلها، فكان كذلك، فهذا (¬3) من الفأل الحسن (¬4)، لا من الطِّيرة التي كان يكرهها؛ إذ ليس هناك (¬5) طِيرة بالخراب؛ لأن الخراب لخيبر سعادةٌ للنبي (¬6) - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه. وقال ابن المنير: إنما بَتَّ - عليه السلام - القولَ بخراب خيبر ثقةً بوعد الله؛ حيث يقول: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات: 171 - 173] إلى قوله: {فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ} [الصافات: 177]، فلما نزل جُندُ الله بخيبر مع الصباح؛ لزم الإيمانُ بالنصر وفاءً بالوعد، وإنما الفأل عند الاحتمال، وتتمةُ الحديث تبين ما قلناه، وهي قوله: "إنا إذا نَزَلْنا بساحة قوم فساءَ صباحُ المنذَرين" وكان ذلك تنبيهاً على مصداق الوعد بمجموع الأوصاف، وما يُتخيل من لزوم أن يوقن (¬7) بالظفر كلُّ إمامٍ أو (¬8) أميرٍ نزلَ بساحة العدو صباحاً بعدَ ¬

_ (¬1) في "ن": "ونونين"، وفي "ج": "وبنون". (¬2) في "ع": "بالخراب". (¬3) في "ج": "وهذا". (¬4) "الحسن" ليست في "ع". (¬5) في "ع": "هنا". (¬6) في "ن": "النبي". (¬7) في "ج": "يوقف". (¬8) في "ج": "و".

الإنذار، مندفعٌ (¬1) بأنه لا يقطع أحدٌ بأنه من جند الله إلا المعصوم. (محمد والخميسُ): برفع الخميس ونصبه، وقد مر. (لدحية): بفتح الدال وكسرها، وقد مر. (ما أمهرها؟): ويروى: "مهرها"، وهما لغتان. ¬

_ (¬1) في "ن": "يندفع"، وفي "ع": "ويندفع".

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مَصَابِيحُ الجَامِعِ [3]

جَمِيعُ الحُقُوقِ مَحْفُوظَة الطَّبْعَةُ الأُولَى 1430 هـ - 2009 م ردمك: 0 - 12 - 418 - 9933 - 978 ISBN قَامَت بعمليات التنضيد الضوئي والإخراج الفني والطباعة دَار النَّوَادِر لصَاحِبهَا ومديرها نور الدّين طَالب سوريا - دمشق - ص. ب: 34306 لبنان - بيروت - ص. ب: 5180/ 14 هَاتِف: 00963112227001 - فاكس: 00963112227011 www.daralnawader.com

كتاب العيدين

كِتابُ العِيْدَيْنِ

باب: في العيدين، والتجمل فيه

كِتابُ العِيْدَيْنِ باب: في العيدينِ، والتجمُّلِ فيهِ 598 - (948) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عبد الله: أَنَّ عبد الله بْنَ عُمَرَ قَالَ: أَخَذَ عُمَرُ جُبَّهً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ، فَأَخَذَهَا فَأتى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ابْتَعْ هَذِهِ تَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَالْوُفُودِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لَا خَلاَقَ لَهُ". فَلَبِثَ عُمَرُ مَا شاءَ اللَّهُ أَنْ يَلْبَثَ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِجُبَّةِ دِيبَاجٍ، فَأَقْبَلَ بِهَا عُمَرُ، فَأتى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّكَ قُلْتَ: "إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَن لَا خَلاَقَ لَهُ"، وَأَرْسَلْتَ إِلَيَّ بِهَذِهِ الْجُبَّةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "تَبِيعُهَا، أَوْ تُصِيبُ بِهَا حَاجَتَكَ". (صلاة (¬1) العيدين). (ابتعْ هذه تجمَّلْ بها): قال الزركشي: بجزمهما (¬2) [على الأمر (¬3) ¬

_ (¬1) عند البخاري - نسخة اليونينية: "كتاب". (¬2) في "ج": "بجزمها". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 251).

باب: الحراب والدرق يوم العيد

قلت: الظاهر أن الثاني مضارع مجزوم واقع في جواب الأمر] (¬1)، فإن (¬2) تَبْتَعْها تتجملْ (¬3)، وحذف منه إحدى التاءين، مثل: {نَارًا تَلَظَّى} [الليل: 14]، ويروى: "أَبتاعُ هذه تَجَمَّلُ (¬4) بها؟ " (¬5) - بالرفع - فيهما على الاستفهام. * * * باب: الحِرابِ والدَّرقِ يوم العيدِ 599 - (949) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرٌو: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَسَدِيَّ حَدَّثَهُ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءٍ بُعَاثَ، فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ، وَحَوَّلَ وَجْهَهُ، وَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِي، وَقَالَ: مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟! فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -، فَقَالَ: "دَعْهُمَا". فَلَمَّا غَفَلَ، غَمَزْتُهُمَا، فَخَرَجَتَا. (جاريتان): قيل: الجارية في النساء كالغلام في الرجال يقعان على مَنْ دونَ البلوغ فيهما. (تغنيان (¬6)): ترفعان أصواتهما بإنشاد العرب، وهو قريب من الحُداء. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين سقط من "ن". (¬2) في "ع": "أي: فإن". (¬3) في "ج": "تتبعها تجمل". (¬4) في "ع": "أتجمل". (¬5) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 509). (¬6) في "ع": "يغنيان".

وروى ابن أبي الدنيا من طريق فُلَيْحِ بنِ سليمانَ، عن هشامِ بنِ عُرْوَةَ، عن أبيه، عن عائشةَ (¬1)، قالت: "دخلَ عليَّ أبو بكر، والنبي - صلى الله عليه وسلم - متقنِّعُ، وحمامةُ وصاحبتها تغنيان (¬2) عندي" (¬3) الحديث، فهذا فيه تعيين إحداهما. (بُعاث): بضم الموحدة وعين مهملة وثاء مثلثة. قال مصعب: يجوز فيه الصرف وعدمه، وهو يوم كانت الأنصار اقتتلوا فيه، وقالوا فيه الأشعار، وكان للأوس (¬4) على الخزرج، وبُعاث: اسمُ حصن (¬5) للأوس. (مزمارة الشيطان): بهاء التأنيث، وهذا من الصدِّيق - رضي الله عنه - إنكارٌ (¬6) لما سمع مُعتمداً (¬7) على ما تقرَّر عنده من تحريم اللهو والغناء مطلقاً، ولم يعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قررهن على هذا النزر اليسير، وأنه ليس من قبيل المنكر، وعند ذلك قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "دعهما"، ثم علل له الإباحة بأنه يوم عيد؛ أي: يوم سرور وفرح شرعي (¬8)، فلا يُنْكَر فيه مثلُ هذا. * * * ¬

_ (¬1) في "ع" زيادة: "رضي الله عنها". (¬2) في "ع": "يغنيا". (¬3) رواه ابن أبي الدنيا في كتاب "العيدين" له، وإسناده صحيح كما قال الحافظ في "الفتح" (2/ 440). (¬4) في "ن" و"ج": "الأوس". (¬5) في "ج": "حصين". (¬6) في "ن": "إن كان". (¬7) في "ن": "متعمداً". (¬8) "شرعي" ليست في "ع"، وفي "ج": "شرعين".

600 - (950) - وَكَانَ يَوْمَ عِيدٍ، يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ، فَإِمَّا سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وَإِمَّا قَالَ: "تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ؟ "، فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ، خَدِّي عَلَى خَدَّهِ، وَهُوَ يَقُولُ: "دُونَكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ"، حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ، قَالَ: "حَسْبُكِ؟ ". قُلْتُ: نعَمْ، قَالَ: "فَاذْهَبِي". (دونكَم): نصب على الظرف؛ بمعنى الإغراء، والمغرى به محذوف (¬1)؛ لدلالة القرينة الحالية عليه، والتقدير: دونكم اللعب. (أَرْفدة): - بفتح الهمزة وإسكان الراء وفتح الفاء وكسرها، والكسر أشهر-: وهو جد الحبشة. (ملِلتُ): بكسر اللام. (قال: حسبك؟): أي: يكفيك، قال الزركشي: وهو محذوف همزة الاستفهام (¬2). قلت: حذف (¬3) لا داعي إليه (¬4) مع أن في جوازه كلاماً. فإن قلت: قولها: "نعم" يقتضي فهمها الاستفهام. قلت: ممنوع (¬5)، فنعم (¬6) تأتي لتصديق المخبر، ولا مانع من جعلها هنا كذلك، ولم يرد البخاري الاستدلال على أن (¬7) حمل الحراب والدرق ¬

_ (¬1) "محذوف" ليست في "ع". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 252). (¬3) في "ج": "أو حذف". (¬4) في "ع": "له". (¬5) "ممنوع" ليست في "ج". (¬6) في "ج": "نعم". (¬7) "أن" ليست في "ن".

باب: سنة العيدين لأهل الإسلام

من سنن العيد (¬1) كما فهمه ابن بطال عنه (¬2) (¬3)، وإنما مراده (¬4): الاستدلالُ على أن العيد يُغتفر فيه من اللهو واللعب ما لا يُغتفر في غيره، فهو استدلال على إباحة ذلك، لا على ندبه. * * * باب: سنَّةِ العيدينِ لأهل الإسلامِ 601 - (952) - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ، وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الأَنْصَارِ، تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ، قَالَتْ: وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟! وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَبَا بَكْرٍ! إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيداً، وَهَذَا عِيدُنَا". (قالت: وليستا بمغنيتين): قال المهلب: يعني: الغناء الذي فيه (¬5) ذكرُ الخنا، والتعريض بالفواحش، والظاهر: أن عائشة - رضي الله عنها - إنما عَنَتْ أنهما ليستا متصدِّيتين للغناء، ولا مشتهرتين به. والله أعلم. (أمزاميرُ): - بالرفع - على أنه مبتدأ، وروي: بباء الجو داخلة عليه هكذا: "بمزامير الشيطان"؛ أي: أيُزْمر أو يُلعب بمزامير الشيطان؟! ¬

_ (¬1) في "ع": "العبيد". (¬2) "عنه" ليست في "ع". (¬3) انظر: "شرح ابن بطال" (2/ 548). (¬4) في "ج": "مراد". (¬5) في "ع": "هو".

باب: الأكل يوم الفطر قبل الخروج

باب: الأكلِ يومَ الفطرِ قبلَ الخروجِ 602 - (953) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثنا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبيد الله بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنسٍ، عَنْ أَنسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكلَ تَمَرَاتٍ. وَقَالَ مُرَجَّى بْنُ رَجَاءٍ: حَدَّثَنِي عبيد الله، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسٌ، عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: وَيَأْكُلُهُن وِتْراً. (مرجَّى): على صيغة اسم المفعول من رجّى، بتشديد الجيم. (ابن رجاء): بالجيم مخففة (¬1)، وهو ممدود. * * * باب: الأكلِ يومَ النَّحرِ 603 - (954) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ، فَلْيُعِدْ". فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: هَذَا يَوْم يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ، وَذَكَرَ مِنْ جِيرَانِهِ، فَكَأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَدَّقَهُ، قَالَ: وَعِنْدِي جَذَعَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ، فَرَخَّصَ لَهُ النَبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلاَ أَدْرِي: أَبَلَغَتِ الرُّخْصَةُ مَنْ سِوَاهُ، أَمْ لَا؟. (من جِيرانه): - بجيم مكسورة - جمع جار. (¬2) (هَنَة): - بتخفيف النون -؛ أي: حاجة وفاقة. ¬

_ (¬1) في "ع": "المخففة". (¬2) قوله: "هنة" لم تقع في هذه الرواية، وقد رواها البخاري (5241)، والله أعلم.

604 - (955) - حَدَّثنَا عُثْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْبَرَاءَ بْنِ عَازِبٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الأَضْحَى بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَقَالَ: "مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا، وَنَسَكَ نُسُكَنَا، فَقَدْ أَصَابَ النُّسُكَ، وَمَنْ نَسَكَ قَبْلَ الصَّلاَةِ، فَإِنَّهُ قَبْلَ الصَّلاَةِ، وَلاَ نُسُكَ لَهُ". فَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ خَالُ الْبَرَاءِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَإِنِّي نَسَكْتُ شَاتِي قَبْلَ الصَّلاَةِ، وَعَرَفْتُ أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ تَكُونَ شَاتِي أَوَّلَ مَا يُذْبَحُ فِي بَيْتِي، فَذَبَحْتُ شَاتِي، وَتَغَدَّيْتُ قَبْلَ أَنْ آتيَ الصَّلاَةَ، قَالَ: "شَاتُكَ شَاةُ لَحْمٍ". قَالَ: يا رَسُولَ اللهِ! فَإِنَّ عِنْدَنا عَنَاقاً لنَا جَذَعَةً، هِيَ أحَبُّ إلَيَّ مِنْ شاتَيْنِ، أفتجْزِي عَنِّي؟ قال: "نعمْ، ولَنْ تَجْزِيَ عَنْ أحَدٍ بَعْدَكَ". (نسْكنا): هو بإسكان السين: العبادة -، وبضمها: جمع نسيكة (¬1)، وهي الذبيحة. (وعرفت أن اليوم يوم أكل وشُرب): هو بضم الشين (¬2)؛ من شرب. قال الزركشي في "تعليق العمدة": ويجوز فتحُها كما قيل به في: "مِنَى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشَرْبٍ" (¬3). قلت: ليس هذا محل القياس، وإنما المعتمد فيه الرواية. (شاتُك شاةُ لحم): قال الفاكهاني: ليس هذا من (¬4) الإضافة اللفظية ولا المعنوية، أما الأول، فواضحٌ، وأما الثاني، فلأن المعنوية بتقدير ¬

_ (¬1) في "ج": "نسكة". (¬2) في "ن": "هو الضم". (¬3) انظر: "النكت على العمدة" له (ص: 140). (¬4) في "م" و"ج": "في".

اللام، أو "من"، أو "في"، ولا يصح شيء منها هنا، وهذا غير مسلَّم؛ إذ لا مانعَ أن يكون التقدير: شاتُك شاةٌ (¬1) منسوبةٌ للحم، لا للنسك (¬2)، فاستُفيد من إضافتها إلى اللحم نفيُ الإجزاء، كما أنها لو أُضيفت إلى النسك، استُفيد الإجزاء (¬3). (ولن تَجْزي): - بفتح التاء وإسكان الجيم بلا همزة (¬4) -؛ أي: تقضي، كذا ضبطه القاضي (¬5). قال الزركشي في "تعليق العمدة" نقلاً عن الجوهري: إن بني تميم تقول: "أجزأَتْ عنكَ شاةٌ" - بالهمز (¬6) -، قال: وعلى هذا فيجوز في الحديث ضمُّ التاء، ولهذا جوزها (¬7) ابن الأثير (¬8). قلت: إن كان تجويز الهمزة مستنداً إلى مجرد نقل الجوهري عن التميميين جوازُه، لا على رواية ثبتتْ فيه، فلا سمعَ ولا طاعةَ. قال ابن المنير: فيه جوازُ تأخير البيان إلى وقت الحاجة؛ لأن الأُضحية كانت مضافة إلى اليوم، ولم يبين شرطُ تقدمِ ذبحِ الإمام قبلَ ذلك. ¬

_ (¬1) في "ج": "شاتك". (¬2) في "ن": "النسك". (¬3) انظر: "رياض الأفهام شرح عمدة الأحكام" (3/ 47). (¬4) في "ج": "همز". (¬5) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 147). (¬6) في "ع" و"ج": "بالهمزة". (¬7) في "ن" و "ع": "جوزهما". (¬8) انظر: "النكت على العمدة" (ص: 140).

باب: الخروج إلى المصلى بغير منبر

وفيه: دليل على أن من تقرَّبَ بشيء مخصوص، فلم يصحَّ، لا يلزمُه فيه أصلُ القربة، بل يعود الأصل لملكه لأن قوله (¬1): "شاتُك شاةُ لحم"؛ أي: على عادة الذبح للأكل المجرد من القربة، فلم يلزمْ من بطلان كونها أضحيةً انتقالُ ملكه عنها، فيؤخذ منه أن من عَيَّنَ الأضحيةَ، فطرأ عليها عيبٌ لا تجزي معه، صنع بها ما شاء. * * * باب: الخروجِ إلى المُصلَّى بغير منبرٍ 605 - (ذ 956) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي زَيْدٌ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عبد الله بْنِ أَبِي سَرْحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالأَضْحَى إِلَى الْمُصَلَّى، فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلاَةُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ، وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ، فَيَعِظُهُمْ، وَيُوصِيهِمْ، وَيَأْمُرُهُمْ، فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ بَعْثاً، قَطَعَهُ، أَوْ يَأْمُرَ بِشَيْءٍ، أَمَرَ بِهِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَلَمْ يَزَلِ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى خَرَجْتُ مَعَ مَرْوَانَ - وَهْوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ - فِي أَضْحًى أَوْ فِطْرٍ، فَلَمَّا أتيْنَا الْمُصَلَّى، إِذَا مِنْبَرٌ بَنَاهُ كثِيرُ ابْنُ الصَّلْتِ، فَإِذَا مَرْوَانُ يُرِيدُ أَنْ يَرْتَقِيَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَجَبَذتُ بِثَوبِهِ، فَجَبَذَنِي، فَارْتَفَعَ فَخَطَبَ قَبْلَ الصَّلاَةِ، فَقُلْتُ لَهُ: غَيَّرْتُمْ وَاللَّهِ، فَقَالَ: أَبَا سَعِيدٍ! قَدْ ذَهَبَ مَا تَعْلَمُ، فَقُلْتُ: مَا أَعْلَمُ - وَاللَّهِ - خَيْرٌ مِمَّا لَا أَعْلَمُ، فَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَجْلِسُونَ لنا بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَجَعَلْتُهَا قَبْلَ الصَّلاَةِ. ¬

_ (¬1) في "ج": "قولك".

باب: المشي والركوب إلى العيد بغير أذان ولا إقامة

(فجعلتها قبل الصلاة): كأن مروان حمل تقديم النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاةَ على الخطبة على (¬1) الأولوية، وحمله أبو سعيد على التعيين والشرطية، واعتلَّ مروان في ترك الأَوْلى بتغير حال الناس، وأنهم لا يثبتون إن هو أَخَّرَها، فرأى أن المحافظة على أصل (¬2) السنة (¬3) أولى من المحافظة على هيئة فيها ليستْ من شرطها، على أن تقديم الخطبة على الصلاة فعلَه قبلَه عثمانُ، ومعاوية، رواه عبد الرزاق في "مصنفه" (¬4). * * * باب: المشيِ والرُّكوبِ إلى العيدِ بغيرِ أذانٍ ولا إقامة 606 - (961) - وعَنْ جَابِرِ بْنِ عبد الله، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ فَبَدَأَ بِالصَّلاةِ، ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ بَعْدُ، فَلَمَّا فَرَغَ نبيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، نَزَلَ، فَأَتَى النِّسَاءَ، فَذَكَّرَهُنَّ، وَهْوَ يَتَوَوَكَأُ عَلَى يَدِ بِلاَلٍ، وَبِلاَلٌ بَاسِطٌ ثَوْبَهُ، يُلْقِي فِيهِ النِّسَاءُ صَدَقَةً. قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَتَرَى حَقًّا عَلَى الإِمَامِ الآنَ أَنْ يَأْتِيَ النِّسَاءَ فَيُذَكرَهُنَّ حِينَ يَفْرُغُ؟ قَالَ: إن ذَلِكَ لَحَقٌ عَلَيْهِمْ، وَمَا لَهُمْ أَنْ لَا يَفْعَلُوا. (قلت لعطاء: أتَرى حَقًّا؟): - بفتح التاء - من ترى. ¬

_ (¬1) "على" ليست في "ج". (¬2) في "ن": "على أن أصل". (¬3) في "ج": "النسبة". (¬4) رواه عبد الرزاق في "المصنف" (5645)، عن عثمان رضي الله عنه، و (5646)، عن معاوية رضي الله عنه.

باب: الخطبة بعد العيد

باب: الخطبةِ بعد العيدِ 607 - (964) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى يَوْمَ الْفِطْرِ رَكْعَتَيْنِ، لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلاَ بَعْدَهَا، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ وَمَعَهُ بِلاَلٌ، فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَجَعَلْنَّ يُلْقِينَ، تُلْقِي الْمَرْأةُ خُرْصَهَا وَسِخَابَهَا. (خُرصها): - بضم (¬1) الخاء المعجمة -: الحلقة الصغيرة من الحلي تعلَّق بالأُذُن، وحكي فيه كسر الخاء. (وسِخابها): - بسين مهملة مكسورة (¬2) وخاء معجمة وموحدة بعد الألف -: خيط فيه خَرَزٌ. و (¬3) قال البخاري: هي قِلادةٌ من طيبٍ، أو مسكٍ (¬4)، وغيرِه، أو قَرَنْفُلٍ، ليس (¬5) فيه من الجوهر شيء (¬6). * * * 608 - (965) - حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَوَّلَ ¬

_ (¬1) في "ج": "بفتح". (¬2) "مكسورة" ليست في "ع". (¬3) الواو ليست في "ج". (¬4) انظر: "صحيح البخاري" (5/ 2206). (¬5) في "ع": "أو غيره وقد قيل ليس". (¬6) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 209).

باب: ما يكره من حمل السلاح في العيد والحرم

مَا نَبْدَأُ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ نَحَرَ قَبْلَ الصَّلاَةِ، فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسْكِ فِي شَيْءٍ". فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، يُقَالُ لَهُ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ذَبَحْتُ، وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ، فَقَالَ: "اجْعَلْهُ مَكَانَهُ، وَلَنْ تُوفِي، أَوْ تَجْزِيَ، عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ". (زُبيد)؛ بزاي مضمومة وموحدة، مصغر. * * * باب: ما يُكْرهُ من حملِ السِّلاحِ في العيد والحرمِ 609 - (966) - حَدَّثَنَا زَكرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى، أَبُو السُّكَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: كنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ حِينَ أَصَابَهُ سِنَانُ الرُّمْحٍ فِي أَخْمَصِ قَدَمِهِ، فَلَزِقَتْ قَدَمُهُ بِالرِّكَابِ، فَنَزَلْتُ فَنَزَعْتُهَا، وَذَلِكَ بِمِنى، فَبَلَغَ الْحَجَّاجَ، فَجَعَلَ يَعُودُهُ، فَقَالَ الْحَجَّاجُ: لَوْ نَعْلَمُ مَنْ أَصَابَكَ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَنْتَ أَصَبْتَنِي، قَالَ: وَكيْفَ؟ قَالَ: حَمَلْتَ السِّلاَحَ فِي يَوْمٍ لَمْ يَكُنْ يُحْمَلُ فِيهِ، وَأَدْخَلْتَ السِّلاَحَ الْحَرَمَ، وَلَمْ يَكُنِ السِّلاَحُ يُدْخَلُ الْحَرَمَ. (أبو السُّكَين): بضم السين، مصغَّر. (في أَخْمَص قدميه): - بهمزة (¬1) مفتوحة فخاء معجمة ساكنة فميم فصاد مهملة -: هو ما دخل من باطن القدم فلم يُصب الأرضَ. ¬

_ (¬1) في "ج": "بهمز".

باب: التبكير إلى العيد

(ولم يكن السلاح يُدخل الحرم): - بضم المثناة من تحت - في "يُدْخَل" على البناء للمفعول، وترجم البخاري أولاً على الحراب والدرق في العيد، وذكر حديث (¬1) لعب (¬2) الحبشة، وترجم هنا على السلاح، وساق فيه ما يقتضي المنع؛ تنبيهاً على الفرق بين حمل الآلات الخفيفة للَّعِب والإدمان عليها، فيغتفر، وبين حمل السلاح الذي يجتمع الجندُ على حمله يومَ العيد، ويُفضي إلى العقر، ديالى الجرح عند الازدحام، فيُمنع. * * * باب: التَّبْكِيرِ إِلَى الْعِيدِ وَقَالَ عبد الله بْنُ بُسْرٍ: إِنْ كنَّا فَرَغْنَا فِي هَذهِ السَّاعَةِ، وَذَلِكَ حِينَ التَّسْبِيح. (باب: التبكير (¬3) للعيد): بتقديم المثناة من فوق على الموحدة. (عبد الله بن بُسْر): بضم الموحدة وسكون السين المهملة. (إن كنا قد (¬4) فرغنا في هذه الساعة): الزركشي: قيل: صوابه: لقد كنا فرغنا (¬5). ¬

_ (¬1) في "ع": "وذكر في حديث". (¬2) في "ج": "بنت". (¬3) في "ن": "التكبير". (¬4) "قد" ليست عند البخاري، نسخة اليونينية. (¬5) انظر: "التنقيح" (1/ 254).

قلت: يريد هذا القائل: أن الإتيانَ باللام الفارقة لازمٌ، وإنما يكون ذلك عند خوف اللبس. قال ابن مالك: فإن أُمن اللبس، لم يلزم؛ كقراءة أبي رجاء: {وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الزخرف: 35]- بكسر اللام -، ومنه: "إِنْ كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ التَّيَمُّنَ" (¬1)، "وَإِنْ كَانَ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ" (¬2)، وغير ذلك (¬3). * * * 610 - (968) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ زُبَيْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْبَرَاءَ، قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ النَّحْرِ، قَالَ: "إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ". فَقَامَ خَالِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَنَا ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أُصَلِّيَ، وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ، قَالَ: "اجْعَلْهَا مَكَانَهَا"، أَوْ قَالَ: "اذْبَحْهَا، وَلَنْ تَجْزِيَ جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ". (إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلِّيَ): قال ابن المنير: إنما يدل هذا على البداءة بالصلاة، ثم الخطبة، ثم النحر، لا على التبكير الذي ترجم عليه، وإنما تمسَّك به بناء (¬4) على أن المؤخر لصلاة العيد عن أول ¬

_ (¬1) رواه مسلم (268) عن عائشة رضي الله عنها. (¬2) رواه البخاري (4250) عن ابن عمر رضي الله عنه. (¬3) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 50 - 51). (¬4) "بناء" ليست في "ع".

باب: فضل العمل في أيام التشريق

النهار بدأ بغير الصلاة؛ لأنه بدأ بتركها، والاشتغال عنها بما لا يخلو الإنسان منه عند خلوه عن الصلاة، وهو استنباط خفي يجنح إلى الجمود على اللفظ، والإعراض عن النظر إلى السياق، وله وجه، والله أعلم. ويحقق (¬1) ما قلناه: أنه قال في طريق أخرى تأتي: "إِنَّ أَوَّلَ نُسْكِنا في يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نَبْدَأَ بِالصَّلاةِ" (¬2)، فالأولية (¬3) باعتبار المناسك، لا باعتبار النهار. * * * باب: فضلِ العملِ في أيامِ التَّشريقِ 611 - (969) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُسْلِم الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ قَالَ: "مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ أَفْضَلُ مِنَ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ". قَالُوا: وَلاَ الْجهَادُ؟ قَالَ: "وَلاَ الْجهَادُ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ". (ما العملُ في أيام أفضلُ منه (¬4) في هذه) (¬5): "العملُ" مبتدأ، و"في أيام" متعلق به، و"أفضلُ" خبره، و"منه" (¬6) متعلق بأفضل. ¬

_ (¬1) في "ج": "ويحققه". (¬2) رواه البخاري (976). (¬3) في "م" و"ج": "فالأولوية". (¬4) في "ن" و "ع": "منها". (¬5) في البخاري - نسخة اليونينية: "في أيام العشر أفضل من العمل في هذه" بدل "في أيام أفضل منه في هذه". (¬6) في "ع": وهنا وفي "م": ومنها.

قيل: والضمير عائد إلى (¬1) العمل باعتبار أن المراد به: الأعمال. قلت: أو باعتبار إرادة القربة مع عدم تأويله بالجمع؛ أي: ما القُرْبة في أيام أفضل منها في هذه، ودعوى الزركشي أن الضمير للعمل بتقدير الأعمال؛ كقوله تعالى: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ} [النور: 31] غلط؛ لأن الطفل يطلق (¬2) على الواحد وعلى الجماعة بلفظ واحد؛ بخلاف العمل، وقوله: "في هذه" ظرفٌ مستقرٌّ حالٌ (¬3) من الضمير المجرور بـ "من" (¬4). (إلا رجل): قيل: هو متصل، والرفعُ على البدل، وهو على حذف مضاف؛ أي: إلا عملُ رجلٍ. وقيل: منقطع؛ أي: لكنْ رجلٌ خرج يخاطر بنفسه وماله، فلم يرجع بشيء أفضل من غيره. قلت: إنما يستقيم هذا على اللغة التميمية، وإلا، فالمنقطع عند غيرهم واجب النصب. (يخاطر بنفسه): أي: يُشرف بها على الهلاك. (فلم يرجع بشيء): أي: بشيء (¬5) من ماله، وتسلم نفسه، أو (¬6) بشيء منهما؛ بأن يذهبَ ماله، ويُستشهد. ¬

_ (¬1) في "ع": "على". (¬2) "يطلق" ليست في "ن". (¬3) "حال" ليست في "ج". (¬4) "بمن" ليست في "ج". (¬5) "بشيء" ليست في "ج". (¬6) في "ج": "أي".

باب: حمل العنزة - أو الحربة - بين يدي الإمام يوم العيد

باب: حملِ العَنزةِ - أو الحربةِ - بين يدي الإمام يومِ العيدِ 612 - (973) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَليدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو، قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَغْدُو إِلَى الْمُصَلَّى، وَالْعَنَزَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ تُحْمَلُ، وَتُنْصَبُ بِالْمُصَلَّى بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيُصَلِّي إِلَيْهَا. (والعَنَزَة بين يديه تُحمل وتُنصب بالمصلَّى): قال ابن المنير: فيه دليل على أن سنة المصلِّي البَرَاحُ بلا بُنيانٍ ولا منبرٍ، والمنبرُ فيها حادث. * * * باب: خروجِ الصِّبيانِ إلى المُصلَّى 613 - (975) - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى، فَصَلَّى، ثُمَّ خَطَبَ، ثُمَّ أتَى النِّسَاءَ، فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ، وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ. (عمرو بن عباس): بموحدة وسين مهملة. * * * باب: العَلَمِ الذي بالمُصلَّي 614 - (977) - حَدَّثَنَا مُسَدَّد، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَابِسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قِيلَ لَهُ: أَشَهِدْتَ الْعِيدَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَوْلاَ مَكانِي مِنَ الصِّغَرِ

باب: موعظة الإمام النساء يوم العيد

مَا شَهِدْتُهُ، حَتَّى أَتَى الْعَلَمَ الَّذِي عِنْدَ دَارِ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ، فَصَلَّى، ثُمَّ خَطَبَ، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ, وَمَعَهُ بِلاَلٌ، فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ، وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَرَأَيْتُهُنَّ يُهْوِينَ بِأَيْدِيهِنَّ، يَقْذِفْنَهُ فِي ثَوْبِ بِلاَلٍ، ثُمَّ انْطَلَقَ هُوَ وَبِلاَلٌ إِلَى بَيْتِهِ. (ولولا مكاني من الصغر، ما شهدته): هذا هو الشاهد على الترجمة بخروج الصبيان إلى المصلَّى. (ثم أتى النساءَ, ومعه بلال): فيه أن الأدب في مخاطبة النساء في الموعظة أو الحكومة أن لا يحضر من الرجال إلا من تدعو الحاجةُ إليه من شاهد، أو عونِ أميرٍ (¬1) ونحوه، ألا ترى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - منع الرجالَ الحضورَ معهنَّ، ولهذا قال ابن عباس: ولولا مكاني من الصغر، ما شهدتُه، ومَكَّنَ بلالاً مع كونه رجلاً؛ لأنه كان يقبض الصدقة منهنَّ. * * * باب: موعظةِ الإمامِ النساءَ يومِ العيدِ 615 - (978) - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عبد الله، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الْفِطْرِ، فَصَلَّى، فَبَدَأَ بِالصَّلاَةِ، ثُمَّ خَطَبَ، فَلَمَّا فَرَغَ، نَزَلَ، فَأَتَى النِّسَاءَ، فَذَكَّرَهُنَّ، وَهْوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى يَدِ بِلاَلٍ، وَبِلاَلٌ بَاسِطٌ ثَوْبَهُ، يُلْقِي فِيهِ النِّسَاءُ الصَّدَقَةَ. ¬

_ (¬1) في "ن": "أمين".

قُلْتُ لِعَطَاءٍ: زَكَاةَ يَوْمِ الْفِطْرِ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ صَدَقَةً يَتَصَدَّقْنَ حِينَئِذٍ، تُلْقِي فَتَخَهَا، وَيُلْقِينَ. قُلْتُ: أَتُرَى حَقًّا عَلَى الإِمَامِ ذَلِكَ وَيُذَكِّرُهُنَّ؟ قَالَ: إِنَّهُ لَحَقٌّ عَلَيْهِمْ، وَمَا لَهُمْ لَا يَفْعَلُونَهُ؟ (وبلالٌ باسط، ثوبه): بإضافة باسط، وعدمِها. (فَتَخَتَهَا): بفاء فمثناة من فوق فخاء معجمة فمثناة أيضًا مفتوحات، ويروى: بحذف التاء الأخيرة. * * * 616 - (979) - قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِم، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: شَهِدْتُ الْفِطْرَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُم - يُصَلُّونَهَا قَبْلَ الْخُطْبَةِ، ثُمَّ يُخْطَبُ بَعْدُ، خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ حِينَ يُجْلِسُ بِيَدِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ يَشُقُّهُمْ، حَتَّى جَاءَ النِّسَاءَ، مَعَهُ بِلاَلٌ، فَقَالَ: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} [الممتحنة: 12]، ثُمَّ قَالَ حِينَ فَرَغَ مِنْهَا: "آنْتُنَّ عَلَى ذَلِكِ؟ ". قَالَتِ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ، لَمْ يُجبْهُ غَيْرُهَا: نعَمْ. لَا يَدْرِي حَسَنٌ مَنْ هِيَ، قَالَ: "فَتَصَدَّقْنَ"، فَبَسَطَ بِلاَلٌ ثَوْبَهُ، ثُمَّ قَالَ: "هَلُمَّ، لَكُنَّ فِدَاءٌ أَبِي وَأُمِّي". فَيُلْقِينَ الْفَتَخَ وَالْخَوَاتِيمَ فِي ثَوْبِ بِلاَلٍ. قَالَ عَبْدُ الرَّزَاقِ: الْفَتَخُ: الْخَوَاتِيمُ الْعِظَامُ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. (والفتخُ خواتيمُ عظامٌ كانت في الجاهلية): كذا فسره البخاري، الواحدةُ فَتَخَةٌ، وقال الأصمعي: هي خواتيمُ لا فُصوصَ لها.

وفي "الجمهرة" (¬1): الفَتَخَة (¬2): حَلَقَةٌ من ذهبٍ، أو فضةٍ، لا فَصَّ لها، وربما اتُّخذ لها فَصٌّ كالخاتم، كذا في "المشارق" (¬3). (ثم يُخْطَب بعد): ببناء يخطب للمفعول. (حين يُجْلس بيده): أي: يشير بيده يأمرهم بالجلوس (¬4) - بضم أوله وسكون الجيم - من الإجلاس، أو - بفتحها - من التجليس فاللام مشددة. (أنتنَّ على ذلكِ؟): بكسر الكاف، وهذا ما وقع فيه ذلك - بالكسر - موقع ذلكنَّ. (لا يدري حَسَنٌ مَنْ هي): يريد: حسنَ بنَ مسلم راويَ الحديث عن طاوس. قال الزركشي: ووقع في "صحيح مسلم": "لا يدري حينئذ من هي" (¬5)، وهو تصحيف من حَسَن (¬6). (فِداء): بكسر الفاء، يمد ويقصر، وبالفتح يُقصر لا غير. قاله الجوهري (¬7) وغيره. ¬

_ (¬1) انظر: "جمهرة اللغة" لابن دريد (1/ 389). (¬2) في "ج": "أن الفتخة". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 145). (¬4) في "ن" و "ع": "بالجلوس يجلس". (¬5) رواه مسلم (884). (¬6) انظر: "التنقيح" (1/ 256). (¬7) انظر: "الصحاح" (6/ 2453)، (مادة: ف د ى).

باب: إذا لم يكن لها جلباب في العيد

باب: إذا لم يكن لها جلبابٌ في العيدِ 617 - (980) - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، قَالَتْ: كُنَّا نَمْنعُ جَوَارِيَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ يَوْمَ الْعِيدِ، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ، فَنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ، فَأَتَيْتُهَا، فَحَدَّثَتْ أَنَّ زَوْجَ أُخْتِهَا غَزَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً، فَكَانَتْ أُخْتُهَا مَعَهُ فِي سِتِّ غَزَوَاتٍ، فَقَالَتْ: فَكُنَّا نَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى، وَنُدَاوِي الْكَلْمَى، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! عَلَى إِحْدَانَا بَأْسٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ أَنْ لَا تَخْرُجَ؟ فَقَالَ: "لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جلْبَابِهَا، فَلْيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ". قَالَتْ حَفْصَةُ: فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ، أتيْتُهَا فَسَأَلْتُهَا: أَسَمِعْتِ فِي كَذَا وَكَذَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ بِأَبِي، وَقَلَّمَا ذَكَرَتِ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - إِلاَّ قَالَتْ: بِأَبِي، قَالَ: "لِيَخْرُجِ الْعَوَاتِقُ ذَوَاتُ الْخُدُورِ"، أَوْ قالَ: "الْعَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الْخُدُورِ - شَكَّ أَيُّوبُ - وَالْحُيَّض، وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى، وَلْيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ". قَالَتْ: فَقُلْتُ لَهَا: الْحُيَّضُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، أَلَيْسَ الْحَائِضُ تَشْهَدُ عَرَفَاتٍ، وَتَشْهَدُ كَذَا، وَتَشْهَدُ كَذَا؟ (لتُلْبِسها صاحبتها من جلبابها): الجلباب: الملحفة، وقيل: الخِمار، وقيل: المِقْنَعَة تغطي بها رأسها. ثم قيل: المراد به: الجنسُ؛ أي: تُعيرها من جلبابها (¬1)، وقد روي كذلك. ¬

_ (¬1) في "ن" و "ع": "جلابيبها".

باب: اعتزال الحيض المصلى

وقيل: هو على المواساة فيه، وإنه واحد، ويشهد له رواية: "تُلْبِسُها صاحِبَتُها طائِفَةً مِنْ ثَوْبِها" (¬1)، أو يكون على طريق المبالغة؛ أي: يخرجْنَ ولو اثنتانِ في جلباب واحد. * * * باب: اعتزالِ الحُيَّضِ المُصلَّى 618 - (981) - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنا ابْنُ أَبي عَدِي، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّد، قَالَ: قالَتْ أُمّ عَطِيَّةَ: أَمَرَنا أَنْ نَخْرُجَ، فَنُخْرِجَ الْحُيضَ، والْعَواتِقَ، وَذَواتِ الْخُدُورِ. قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: أَوِ الْعَواتِقَ ذَواتِ الْخُدُورِ، فأَمَّا الْحُيَّضُ: فَيَشْهَدْنَ جَماعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَدَعْوَتَهُمْ، ويعْتَزِلْنَ مُصَلَّاهُمْ. (قالت أم عطية: أَمَرَنَا): [بالبناء للفاعل، كذا قيدوه؛ أي: رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬2). (أن نَخرُج): -بفتح النون وضم الراء-؛ من الخروج. (فنُخرِج الحيض): - بضم النون وكسر الراء-؛ من الإخراج. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1136)، عن أم عطية رضي الله عنها. (¬2) ما بين معكوفتين سقط من "ع و "ج ".

باب: كلام الإمام والناس في خطبة العيد وإذا سئل الإمام عن شيء وهو يخطب

باب: كَلاَمِ الإمامِ والناسِ في خُطْبَةِ الْعِيدِ وَإذا سُئِلَ الإِمامُ عَنْ شَيْء وَهْوَ يَخْطُبُ (باب: كلام الإمامِ و (¬1) الناسِ): بجر الناس عطفاً (¬2) على الإمام. 619 - (983) - حَدّثَنا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدّثَنا أبَو الأحوَصِ، قَالَ: حَدَّثَنا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ، عَنِ الشَّعْبِي، عَنِ الْبَراءَ بْنِ عازِبٍ، قَالَ: خَطَبَنا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَقالَ: "مَنْ صَلَّى صَلاَتَنا، وَنَسَكَ نُسكَنَا، فَقَدْ أَصابَ النُّسُكَ، وَمَنْ نَسَكَ قَبْلَ الصَّلاَةِ، فَتِلْكَ شاةُ لَحم". فَقامَ أَبو بُردَةَ بْنُ نِيارٍ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ! واللهِ! لَقَد نَسَكْتُ قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ إِلَى الصَّلاَةِ، وَعَرَفْتُ أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ أكلٍ وَشُربٍ، فتعَجَّلْتُ وَأَكَلْتُ، وَأَطْعَمْتُ أَهْلِي وَجِيرانِي. فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "تِلْكَ شاةُ لَحم". قَالَ: فَإِنَّ عِنْدِي عَناقَ جَذَعَةٍ، هِيَ خيرٌ مِنْ شاتَيْ لَحْمٍ، فَهَلْ تَجْزِي عَنِّي؟ قَالَ: "نَعَمْ، وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ". (أبو الأحوص): بحاء وصاد مهملتين. (فإن عندي عَناقَ جَذَعَةٍ): -بنصب- عَناق اسم إن، وجر - جذعةٍ على الإضافة. ويروى: بنصبهما (¬3)؛ ففي الإضافة حينئذ إشكال. ¬

_ (¬1) الواو سقطت من "ج". (¬2) في "ج": "عطف". (¬3) في "ن" و "ع": "بنصبها".

باب: من خالف الطريق إذا رجع يوم العيد

620 - (984) - حَدَّثَنا حامِدُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ حَمّادِ بْنِ زيدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحمدٍ: أَن أَنس بْنَ مالِكٍ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صلَّى يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ خَطَبَ، فَأَمَرَ مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ أَنْ يُعِيدَ ذَبْحَهُ، فَقامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصارِ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ! جِيرانٌ لِي، إِمّا قَالَ: بِهِمْ خَصاصَةٌ، وَإِمّا قَالَ: بِهِمْ فَقْرٌ، وَإِنِّي ذَبَحتُ قَبْلَ الصَّلاَةِ، وَعِنْدِي عَناقٌ لِي، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ شاتَيْ لَحْمٍ، فَرَخَّصَ لَهُ فِيها. (أن يعيد ذَبحه): -بفتح الذال المعجمة-: مصدر ذَبَح-، وبكسرها: اسم الشيء المذبوح. (بهم خَصاصة): -بفتح الخاء المعجمة-؛ أي: فقرٌ. * * * باب: من خالفَ الطريقَ إذا رجع يومَ العيدِ 621 - (986) - حَدَّثَنا مُحَمَّد، قَالَ: أَخْبَرَنا أَبو تُمَيْلَةَ يَحْيىَ بْنُ واضحِ، عَنْ فُلَيْح بْنِ سُلَيْمانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحارِثِ، عَنْ جابِرٍ، قَالَ: كانَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -، إِذا كانَ يَوْمُ عِيدٍ، خالَفَ الطَّرِيقَ. تابَعَهُ يُونسٌ بنُ مُحمدٍ، عَنْ فُلَيْحٍ، وَحَدِيثُ جابِرٍ أَصَحُّ. (أبو تُميلة): بمثناة من فوق مضمومة وميم، على التصغير. (إذا كانَ يومُ عيد): -بالرفع- فاعل "كان"، وهي تامة. (خالف الطريق): جواب إذا.

باب: إذا فاته العيد يصلي ركعتين، وكذلك النساء، ومن كان في البيوت والقرى لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هذا عيدنا أهل الإسلام"

باب: إِذا فاتَهُ الْعِيدُ يُصَلِّي رَكعَتَيْنِ، وَكذَلِكَ النِّساءُ، وَمَنْ كانَ في الْبُيُوتِ والْقُرَى لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "هَذا عِيدُنا أَهْلَ الإسْلاَمِ" (هذا عيدنا أهلَ الإِسلام): -بنصب- أهل على الاختصاص، أو النداء، ويؤيده رواية: "يا أَهْلَ الإِسْلامِ". 622 - (987) - حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ: أَنَّ أَبا بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- دَخَلَ عَلَيْها وَعِنْدَها جارِيَتانِ، في أيَّامِ مِنًى، تُدَفِّقانِ وَتَضْرِبانِ، والنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُتَغَشِّ بِثَوْبِهِ، فانتهَرَهُما أَبُو بَكْرٍ، فَكَشَفَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ وَجْهِهِ، فَقالَ: "دَعْهُما يا أَبا بَكْرٍ؛ فَإِنَّها أَيَّامُ عِيدٍ، وَتلْكَ الأيَّامُ أيَّامُ مِنًى". (تُدَفِّفان): أي: تضربان بالدُّفِّ. (متغشِّ بثوبه): مستترٌ به مُتَجَلِّلٌ (¬1). * * * 623 - (988) - وَقالَتْ عائِشَةُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتُرُنِي، وَأَنا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ، وَهُمْ يَلْعَبُونَ في الْمَسْجدِ، فَزَجَرَهُمْ عُمَرُ، فَقالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "دَعْهُمْ، أَمْنًا بَنِي أَرْفِدَةَ". يَعْنِي: مِنَ الأَمْنِ. (أَمْناً): -بالنصب- على المصدر؛ أي: آمنوا (¬2) أمنًا ولا تخافوا، وقيل: هو حال؛ أي: العبوا آمنين. ¬

_ (¬1) في "ع": "متخلل". (¬2) كذا في الأصل، والصواب: "ائْمنُوا".

واعلم: أن البخاري ساق حديث عائشة - رضي الله عنها - في هذا الباب الذي عقده؛ لأنَّ مَنْ فاته العيدُ يصلِّي ركعتين، وليس في حديثها للصلاة ذكر ألبتة، فأخذ ابن المنير يتمحل للمطابقة (¬1) بأن قال: موضعُ الاستدلال قوله (¬2): فإنها أيامُ عيد، فأضاف سُنَّةَ العيد إلى اليوم على الإطلاق، فيستوي في إقامتها الفذُّ والجماعة، و (¬3) لا يخفى عليك ما فيه من البعد، ثم أورد على نفسه أن الجمعةَ قد أضيفت (¬4) إلى اليوم، ومع ذلك فلا تنعقد إلا جماعة. وأجاب: بأن الجمعةَ خرجت بدليل، فيبقى (¬5) ما عداها على الأصل، فلا سبيل إلى اشتراط الجماعة في العيد إلا بنص. قال: وترجمة البخاري توهِمُ أنَّه لا يصلّيها فَذًّا (¬6) إلا مَنْ فاتته مع (¬7) الجماعة، وليس كذلك، بل تنعقد للفذِّ (¬8) مع إمكان الجماعة. ¬

_ (¬1) في "ج": "يتجمل المطابقة". (¬2) في "ن": "قولها". (¬3) الواو سقطت من "ج". (¬4) في "ع": "أن الجمعة هنا ليست قد منذ صليت". (¬5) في "ج": "فبقي". (¬6) في "ج": "فذ". (¬7) "مع" ليست في "ن". (¬8) في "ج": "للفرد".

كتاب الوتر

كِتابُ الوِترِ

باب: ما جاء في الوتر

كِتابُ الوِترِ باب: ما جاءَ فِي الْوِتْرِ (باب: ما جاء في الوِتر): هو بكسر الواو، وجاء فيه الفتح أيضًا. 624 - (990) - حَدَّثَنا عبد الله بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنا مالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، وَعبد الله بْنِ دِينارٍ، عَنِ ابن عُمَرَ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَلاَةِ اللَّيْلِ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذا خَشِيَ أَحَدكُمُ الصُّبْحَ، صَلَّى ركعَةً واحِدَةً تُوترُ لَهُ ما قَدْ صَلَّى". (عن ابن عمر: أن رجلًا سأل النبي -صلى الله عليه وسلم-): روى الطبراني في "المعجم الصغير": أن (¬1) ابن عمر كان سائلًا للنبي -صلى الله عليه وسلم- عن هذا الحكم (¬2)، فيحتمل أن يُفسر مبهمُ البخاري به. واعتُرِض بأن في (¬3) "مسلم" ما ينفيه من طريق عبد الله بن شقيق، عن عبد الله بن عمر: أن رجلًا سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنا بينه وبين السائل، فقال: ¬

_ (¬1) في "ن" و "ع": "ما يدلّ على أن". (¬2) رواه الطبراني (286). (¬3) "في" ليست في "ج".

يا رسول الله! كيف صلاة الليل؟ فقال: "مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذا (¬1) خَشِيتَ الصُّبْحَ، فَصَلِّ (¬2) رَكْعَةً واحِدَةً، واجْعَلْ آخِرَ صَلاتِكَ وِتْرًا" (¬3) قلت: يحتمل تعدُّدَ الواقعة، فلا منافاة. * * * 625 - (992) - حَدَّثَنا عبد الله بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ مَخْرَمَةَ ابْنِ سُلَيْمانَ، عَنْ كُرَيْبٍ: أَنَّ ابْنَ عَبّاسٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ باتَ عِنْدَ مَيْمُونة، وَهْيَ خَالتهُ، فاضْطَجَعْتُ في عَرْضِ وِسادَةٍ، واضْطَجَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَهْلُهُ في طُولها، فَنامَ حَتَّى انتصَفَ اللَّيْلُ، أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ، فاسْتَيْقَظَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ قَرَأَ عَشْرَ آياتٍ مِنْ آلِ عِمْرانَ، ثُمَّ قامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ، فَتَوَضَّأَ فأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ قامَ يُصَلِّي، فَصَنَعْتُ مِثْلَهُ، فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي، وَأَخَذَ بأُذُنِي يَفْتِلُها، ثُمَّ صَلَّى ركْعَتَيْنِ، ثُمَّ ركعَتَيْنِ، ثُمَّ ركعَتَيْنِ، ثُمَّ ركعَتَيْنِ، ثُمَّ ركْعَتَيْنِ، ثُمَّ ركْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَوْتَرَ، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جاءَهُ الْمُؤَذِّنُ، فَقامَ فَصَلَّى ركعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُبْحَ. (مَخْرَمَة): بإسكان الخاء المعجمة وفتح ما عداها. ¬

_ (¬1) في "ع": "فإن". (¬2) في "ج": "فصلى". (¬3) رواه مسلم (749).

باب: ساعات الوتر

باب: سَاعَاتِ الْوِتْرِ 626 - (995) - حَدَّثَنا أَبُو النُّعْمانِ، قَالَ: حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنا أَنسُ بْنُ سِيرِينَ، قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ: أَرَأَيْتَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الْغَداةِ، أُطِيلُ فِيهِما الْقِراءَةَ؟ فَقالَ: كانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، وَيُوترُ بِرَكْعَةٍ، وَيُصَلِّي الرَّكعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الْغَداةِ، وَكأَنَّ الأَذانَ بِأُذُنيهِ. قَالَ حَمّاد: أَيْ: سُرْعَةً. (باب: ساعات الوتر). (أُطيل فيهما القراءةَ؟): يروى: "أُطيل" هكذا (¬1) بجعل المضارع فيه للمتكلم، وهمزة الاستفهام محذوفة؛ أي: أَأُطيِل (¬2)، ويروى: "أَتُطيل" بهمزة الاستفهام مع (¬3) جعل المضارع للمخاطب. (وكأَنَّ الأذانَ): "كأن" حرفُ تشبيه، ووقع في عبارة بعضهم أنها لإنشاء التشبيه، ومقتضى ذلك أن تكون الجملة التي هي منها إنشائية، وهذا الموضع قد يُدعى أنَّه مبطلٌ له؛ ضرورة أن قوله: "وكأنَّ الأذانَ بأذنيه" حالٌ من فاعل "يصلي" في قوله (¬4): يصلي ركعتين قبل صلاة الغداة، فلو كانت (¬5) الجملة إنشائية، لم تقع حالًا. ¬

_ (¬1) في "ج": "هكذا أطيل". (¬2) في "ن "و "ج": "أطيل". (¬3) "مع" ليست في "ج". (¬4) في "م": "قولها". (¬5) في "ج": "وكانت".

627 - (996) - حَدَّثَنا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، قَالَ: حَدَّثَنا أَبي، قَالَ: حَدَّثَنا الأَعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُسْلِمٌ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عائِشَةَ، قالَتْ: كُلَّ اللَّيْلِ أَوْتَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وانتهَى وِتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ. (كلَّ الليل أوترَ): أي: لم يخصَّ منه وقتًا معيناً لا يتعداه. وقد اختلف السلفُ والخلفُ في المستحَبِّ في ذلك، فروي عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -، وعثمان، وجماعةٍ من الصحابة: أنهم كانوا (¬1) يوترون أولَ الليل، وعن عمرَ، وعليِّ، وجماعةٍ أُخَرَ: أنهم كانوا يوترون آخرَ الليل (¬2)، واستحبَّه مالك. وروى حماد بن سلمة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يا أَبا بَكْرٍ! مَتَى تُوترُ"، قال: أولَ الليل، وقال لعمر: "مَتَى تُوتُرِ"، قال: آخر الليل، فقال لأبي بكر: "أَخَذْتَ بِالحَزْمِ"، وقال لعمر: "أَخَذْتَ بِالقُوَّةِ" (¬3). وسأل ابن المنير عن وجه اختيارِ الجمهور لفعل (¬4) عمرَ في ذلك، مع أن أبا بكر أفضلُ منه. وأجاب (¬5): بأنهم فهموا من الحديث ترجيحَ فعلِ عمر - رضي الله عنه -؛ لأنه وصفه بالقوة، وهي أفضل من الحزم لمن أُعطيها. ¬

_ (¬1) "كانوا" ليست في "ج". (¬2) رواه مالك في "الموطأ" (1/ 124). (¬3) رواه ابن خزيمة في "صحيحه" (1084)، والحاكم في "المستدرك" (1120)، وغيرهما، من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت، عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة، به. (¬4) في "ج": "بفعل". (¬5) في "ع": "فأجاب".

باب: ليجعل آخر صلاته وترا

باب: ليجعلْ آخرَ صلاته وِترًا 628 - (998) - حَدَثَنا مُسَدَدٌ، قَالَ: حَدَثَنا يَحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عبيد الله، حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنْ عبد الله، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "اجْعَلُوا آخِرَ صَلاَتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا". (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا): قد (¬1) علم أن المقصود بالوتر أن تكون الصلاة كلُّها وتراً؛ لقوله -عليه السلام -: "صَلَّى رَكْعَةً (¬2) تُوترُ لَهُ ما قَدْ صَلَّى" (¬3)، فما الحكمةُ في استحبابِ كونِ الوترِ آخرَ الصلاة، مع أنَّه يوتر الأشفاع، تقدمَ عليها أو تأخرَ؟ قال ابن المنير: كأن المقصود من ذلك أن يكون أولُ صلاةِ [ليلٍ وترًا، وآخرُها وترًا؛ لأنَّ أولَ صلاةِ] (¬4) الليل المغربُ، وهي وتر، فإذا كان آخرُها وترًا، بدأت بالوتر، وختمت به، وللبداءة والخاتمة اعتبارٌ زائد على اعتبار الأوساط (¬5). ولمالكٍ في إعادة الوتر إذا تنفَّل بعدَها قولان، المشهور: أنها لا تُعاد (¬6)؛ لأنَّ إعادتها تُصَيِّرُ الصلاةَ كلَّها شَفْعًا، فيبطل المقصودُ منها، وهو توجيه حسنٌ جارٍ على قاعدة جليلة، وهي أن الهيئة والتتمة إذا أفضى ¬

_ (¬1) في "ج": "تقدر". (¬2) في "ع": "وصلَّى ركعة واحدة". (¬3) رواه البخاري (990)، ومسلم (749) عن ابن عمر رضي الله عنه. (¬4) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬5) في "ج": "الأوسط". (¬6) في "ج": "تفارق".

باب: القنوت قبل الركوع وبعده

اعتبارها لإبطال أصلها، كانت هي بالإبطال أولى، فوقوعُ الوتر آخر الصلاة هيئة لها، فلو أعادها لينتظم له هيئتُها، لأبطلَ أصلَها؛ لأنَّ الصلاة حينئذ تعود كلها شفعًا. * * * باب: القنوتِ قبلَ الركوعِ وبعدَه 629 - (1001) - حدثنا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سُئِلَ أَنسٌ: أقنَتَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- في الصُّبْح؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقِيلَ لَهُ: أَوَقَنَتَ قَبْلَ الرُّكوعِ؟ قَالَ: بَعْدَ الرُّكوعِ يَسِيرًا. (فقيل [له]: أَوَقَنَتَ): بهمزة استفهام، فواو عاطفة. * * * 630 - (1002) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حدثنا عَبْدُ الْواحِدِ، قَالَ: حَدَّثَنا عاصِمٌ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنس بْنَ مالِكٍ عَنِ الْقُنُوتِ، فَقالَ: قَدْ كانَ الْقُنُوتُ. قُلْتُ: قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَه؟ قَالَ: قَبْلَهُ. قَالَ: فَإِنَّ فُلاَنًا أَخْبَرَنِي عَنْكَ أَنَّكَ قُلْتَ: بَعْدَ الرُّكوعِ؟ فَقالَ: كَذَبَ، إنَّما قَنَتَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ الرُكوعِ شَهْرًا، أُراهُ كانَ بَعَثَ قَوْمًا يُقالُ لَهُمُ: الْقُرّاءُ، زُهاءَ سَبْعِينَ رَجُلًا، إِلَى قَوْمٍ مِنَ الْمُشْرِكينَ دُونَ أُولَئِكَ، وَكانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَهْدٌ، فَقَنَتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَهْرًا يَدْعُو عَلَيْهِمْ. (قلت: قبل الركوع أو بعده؟ قال: قبلَه): هذا هو الذي استحسنه مالك، ووجَّهَه المهلبُ بالتوسعة لإدراك المسبوق.

واعترضه ابنُ المنير بأن هذا يأباه نهيُه عن إطالة الإمام في الركوع؛ ليدركه الداخلُ، وينقضُه الفَذُّ، ومن أَمَّ بمكانٍ منحصرٍ لا يطرأ فيه غيرُ الحاضرين، قال: وما أرى (¬1) أن مُستندَه (¬2) إلا أعمال (¬3) وآثار في الباب، ولعل (¬4) له مستنداً من قوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]، والقيام المشهور بهذا الاسم إنما هو القيام قبل الركوع، لا ما بعده؛ فإنما هو اعتدالٌ للفصل (¬5) بين الركوع والسجود، وتفسيرُ القنوت في الآية بالسكوت خلافُ الظاهر العرفي الشرعي. قلت: فيه نظر، فتأمله. (زُهاءً (¬6) سبعين رجلًا): - بزاي مضمومة فهاء فألف ممدودة (¬7) -؛ أي: قدرَ سبعين رجلًا (¬8). * * * 631 - (1003) - أَخْبَرَنا أَحمَدُ بْنُ يُونسُ، قَالَ: حَدَّثَنا زائِدَةُ، عَنِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ أَنسٍ، قَالَ: قَنَتَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- شَهْرًا، يَدعُو عَلَى رِعْلٍ وَذَكوانَ. ¬

_ (¬1) في "ج": "روي". (¬2) في "م ": "مسنده". (¬3) في "ج": "الأعمال". (¬4) في "ج": "ولعله". (¬5) في "ع ": "للفاصل". (¬6) "زهاء" ليست في "ج". (¬7) في "ج": "مضمومة". (¬8) "رجلًا" ليست في "ن".

(أبو مِجلز): بميم مكسورة، وقد مر، وهو لاحِقُ بنُ حُمَيْدٍ. (رِعْل): براء مهملة (¬1) مكسورة فعين مهملة ساكنة فلام. (وذَكوان): بذال معجمة مفتوحة، غير منصرف. ¬

_ (¬1) "مهملة" ليست في "ن".

كتاب الاستسقاء

كِتابُ الِاستسقَاءِ

باب: دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: "واجعلها عليهم سنين كسني يوسف"

كِتابُ الِاستسقَاءِ (الاستسقاء): هو طلب السقيا. باب: دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: "واجعلها عليهم سنينَ كسِني يوسف" 632 - (1006) - حَدَّثَنا قتيْبةُ، حَدَّثَنا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرّحمَنِ، عَنْ أَبي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إِذا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ يَقُولُ: "اللهُمَّ أَنجْ عَيّاشَ بْنَ أَبي رَبِيعَةَ، اللهُمَّ أَنجْ سَلَمَةَ بْنَ هِشامٍ، اللهُمَّ أَنجْ الْوَليدَ بْنَ الْوَليدِ، اللهُمَّ أَنجْ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، اللهُمَّ اشْدُد وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللهُمَّ اجْعَلْها سِنِينَ كسِنِي يُوسُفَ". وَأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "غِفارُ غَفَرَ الله لَها، وَأَسْلَمُ سالَمَها الله". قَالَ ابْنُ أَبي الزِّنَادِ، عَنْ أَبيهِ: هَذا كُلُّهُ في الصُّبْح. (اللهم أَنجْ): بهمزة قطع، وهي للتعدية، يقال: نجا فلانٌ، وأَنْجَيْتُهُ. قال صاحب "المفهم": وقد عُدِّيَ بالتضعيف أيضًا، وهؤلاء المدعوُّ لهم قومٌ من أهل مكة أسلموا، ففتنهم أهلُ مكة، وعذَّبوهم، وبعد ذلك نجوا منهم، فهاجروا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 261).

(غفارُ غفر الله لها، وأسلمُ سالمها الله): من المسالمة، وهي تركُ الحرب. وقيل: بمعنى سَلَّمها (¬1)،، وهل هو دعاء أو خبر؟ رأيان، وعلى كُلّ، ففيه (¬2) جناسُ الاشتقاق. * * * 633 - (1007) - حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصورٍ، عَنْ أَبِي الضحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عبد الله، فَقالَ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمّا رَأَى مِنَ النَّاسِ إِدْبارًا، قَالَ: "اللهُمَّ سَبع كَسَبع يُوسُفَ". فَأَخَذَتْهُمْ سَنةٌ حَصَّتْ كُل شَيْءٍ، حَتَّى أكَلُوا الْجُلُودَ والْمَيْتَةَ والْجِيَفَ، وَيَنْظُرَ أَحَدُهُمْ إِلَى السَّماءِ، فَيَرَى الدُّخانَ مِنَ الْجُوعِ. فَأَتاهُ أَبُو سُفْيانَ، فَقالَ: يا مُحَمَّدُ! إِنَّكَ تَأْمُرُ بِطاعَةِ اللهِ، وَبِصِلَةِ الرَّحِم، وَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا، فادْعُ اللهَ لَهُمْ، قَالَ الله تَعالَى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} إلى قوله {عَائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} [الدخان: 10 - 16]. فالْبَطْشَةُ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَدْ مَضَتِ الدُّخانُ، والْبَطْشَةُ، واللِّزامُ، وَآيَةُ الرُّومِ. (اللهم سبعًا كسبع يوسف): منصوب بفعل مضمر؛ أي: ابعثْ عليهم، أو سَلِّطْ، هكذا (¬3) لأكثر الرواة، وهو المختار. ولأبي ذر: "سبعٌ" -بالرفع- على أنَّه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: مطلوبي منك فيهم سبعٌ، أو نحو هذا. ¬

_ (¬1) في "ج": "سالمها". (¬2) في "ع" و"ج": "وعلى كل حال، ففيه". (¬3) في "ع"، و"ج": "كذا".

باب: سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا

(حَصَّتْ كلَّ شيء): -بالحاء والصاد المهملتين-؛ أي: أَذهبتْ واستأصلتْ (¬1). (وينظرُ أحدُهم): برفع الفعل على الاستئناف، ونصبه بـ: حتى؛ أي: حتى ينظرَ (¬2) أحدُهم. * * * باب: سُؤالِ النّاسِ الإمامَ الاِسْتِسْقاءَ إِذا قُحِطُوا (باب: سؤال الناس الإمامَ الاستسقاءَ إذا قُحِطوا). -بضم (¬3) القاف وكسر الحاء المهملة-؛ أي: أصابهم القحطُ. قال ابن المنير: ووجهُ إدخال الترجمة في الفقه: التنبيهُ على أن للعامة حقاً على الإمام أن يستسقي لهم إذا سألوا ذلك، ولو كان رأيُه هو التأخيرَ من باب التفويض. 634 - (1008) - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنا أَبُو قُتَيْبةَ، قَالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ الرّحمَنِ بْنُ عبد الله بْنِ دِينارٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَتَمَثلُ بِشِعرِ أَبي طالِبٍ: وَأَبْيَض يُسْتَسقَى الْغَمامُ بِوَجْهِهِ. . . ثِمالُ اليَتَامَى عِصْمَةٌ لِلأَرامِلِ ¬

_ (¬1) في "ن" و"ع": "أذهبته، واستأصلته:. (¬2) "أي: حتى" ليست في "م". (¬3) في "ج": "بكسر".

(سمعت ابن عمر يتمثل بشعر أبي طالب: وأبيض يُستسقى الغمامُ بوجهه. . . ثمالُ اليتامى عصمةٌ للأرامل ظن ابن هشام -رحمه الله- أن أبيضَ مجرور (¬1) برُبَّ مضمرة (¬2)، وليس كذلك، بل هو منصوب معطوف على المنصوب (¬3) في قوله قبل هذا البيت: وَما تَركُ قَوْمٍ لا أَبا لَكَ سَيِّدًا. . . يَحُوطُ (¬4) الذِّمارَ غَيْرَ ذَرْبٍ مُواكِلِ الذِّمار: ما يجب عليه حمايتُه، والذّرْبُ: الجادُّ، والمواكِلُ: المُتكِّلُ على أصحابه (¬5). ويُستسقى: بالبناء للمفعول، والغمامُ نائب عن الفاعل، والثِّمالُ -بكسر الثاء (¬6) المثلثة-: الغياث (¬7) الذي يقوم بأمر من يلجأ إليه، والعصمةُ: ما يُعتصم به؛ أي: يُتمسك. والأرامل: جمعُ أرملَ، وهو الرجل الذي لا امرأة له، وأرملة: هي التي لا زوج لها، ويجوز في ثمالَ وعصمةَ النصب والرفع. ¬

_ (¬1) في "ج": مجرورة. (¬2) انظر: "مغني اللبيب" (ص: 182). (¬3) "على المنصوب" ليست في "ع". (¬4) في "ج": "بخطوط". (¬5) في "ج": "بأصحابه". (¬6) "الثاء" ليست في "ع". (¬7) في "ج": "الغباب".

فإن قلت: الاستسقاء إنما كان بعدَ الهجرة، فما معنى قول أبي طالب: يُستسقى الغمام بوجهه؟! قلت: روى الخطابي بسنده خبرًا فيه: أن قريشًا تتابعت عليهم سنو جدب في حياة عبد المطلب فارتقى هو ومن حضره من قريش أبا قُبيس، فقام عبدُ المطلب، فاعتضد ابنَ ابنهِ محمدًا -صلوات الله عليه وسلامه-، فرفعه على عاتقه، وهو يومئذ غلام قد أيفع، أو قد كرب، ثمَّ دعا، فسُقوا في الحال (¬1). فقد شاهد أبو طالب ما دلَّ (¬2) على ما قال، ذكره السهيلي في "الروض الأُنُف" (¬3). * * * 635 - (1010) - حَدَّثَنا الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنا مُحمَّدُ بنُ عبد الله الأَنْصاِريُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عبد الله بْنُ المُثَنَّى، عَنْ ثُمامَةَ بْنِ عبد الله بْنِ أَنسٍ، عَنْ أَنسٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- كانَ إِذا قُحِطُوا، اسْتَسْقَى بِالْعَبّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. فَقالَ: اللهُمَّ إِنّا كُنّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنا فتسْقِينا، وَإِنّا نَثَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نبِيِّنا فاسْقِنا، قَالَ: فَيُسْقَوْنَ. (اللهم إنا كنا (¬4) نتوسل إليك بنبينا): قال المهلب: هذا موضع الترجمة، وهو معنى قول أبي طالب: يُستسقى الغمامُ بوجهه. ¬

_ (¬1) انظر: "غريب الحديث" للخطابي (1/ 435 - 436). (¬2) في "ن" و "ع": "دله". (¬3) انظر: "الروض الأنف" (2/ 28). (¬4) "كنا" ليست في "ن".

باب: تحويل الرداء في الاستسقاء

باب: تَحْوِيلِ الرِّداءِ في الاِسْتِسْقاءِ (باب: تحويل الرداء): وللجرجاني: تحريك الراء والكاف، قيل (¬1): وهو وهم. * * * باب: الاستسقاء في المسجد الجامعِ 636 - (1013) - حَدَّثَنا مُحَمَّدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنا أَبُو ضَمْرَةَ أَنسُ بْنُ عِياضٍ، قَالَ: حَدَّثَنا شَرِيكُ بْنُ عبد الله بْنِ أِبي نَمِرٍ: أَنهُ سَمِعَ أَنسَ بْنَ مالِكٍ يَذْكُرُ: أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ بابٍ كانَ وُجاهَ الْمِنْبَرِ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قائِمٌ يَخْطُبُ، فاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قائِمًا، فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ! هَلَكَتِ الْمَواشِي، وانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فادع اللهَ يُغِيثُنا. قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَيْهِ، فَقالَ: "اللهُمَّ اسْقِنا، اللهُمَّ اسْقِنا، اللهُمَّ اسْقِنا". قَالَ أَنسٌ: وَلا واللهِ! ما نَرَى في السَّماءَ مِنْ سَحابٍ، وَلا قَزَعَةً، ولا شَيْئًا، وما بَيْنَنا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ ولا دارٍ. قَالَ: فَطَلَعَتْ مِن وَرائِهِ سَحابَةٌ مِثْلُ التُّرسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّماءَ، انْتَشَرتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ. قَالَ: واللهِ! ما رَأَيْنا الشَّمْسَ سِتًّا. ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبابِ في الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ، وَرسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَائِمٌ يَخْطُبُ، فاسْتَقْبَلَهُ قائِمًا، فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ! هَلَكَتِ الأَمْوالُ، وانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فادع اللهَ يُمْسِكْها. قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "اللهُمَّ حَوالَيْنا وَلا عَلَيْنا، اللهُمَّ عَلَى الآكامِ والْجبالِ، والآجامِ والظِّرابِ، والأَوْدِيَةِ وَمَنابِتِ الشَّجَرِ". قَالَ: فانْقَطَعَتْ، وَخَرَجْنا نَمْشِي في الشَّمْس. ¬

_ (¬1) قيل "ليست في "ج".

قَالَ شَرِيكٌ: فَسَأَلْتُ أَنَسًا: أَهُوَ الرَّجُلُ الأَوَّلُ؟ قَالَ: لا أدْرِي. (وُجاه المنبر): بضم الواو وكسرها. (وانقطعت السُّبُل): أي: الطرق؛ لهلاك الإبل، ولعدم ما يؤكل. (اللهمَّ اسقِنا): قال الزركشي: يجوز فيه قطعُ الهمزة، ووصلُها؛ لأنه ورد في القرآن ثلاثياً ورباعياً (¬1). قلت: إن ثبتت الرواية بهما، فلا كلام، وإلَّا اقتصرنا (¬2) من الجائزَيْن (¬3) على ما وردت الرواية به. (ما نرى في السماء من سحابٍ ولا قَزَعَةً): -بقاف فزاي فعين مهملة مفتوحات فهاء تأنيث مشغولة بكسرة- إعراب على التبعية لسحاب (¬4) لفظًا، ونفتحهُ (¬5) على التبعية له محلاً، وهما روايتان، والقزعةُ: القطعةُ من (¬6) السحاب. ونقل الزركشي عن أبي عبيد - رضي الله عنه -: أنَّه خَصَّه بما يكون في الخريف (¬7) (¬8). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 263). (¬2) في "ج": "والاقتصار". (¬3) في "ع": "الجائز"، وفي "ج": "الجانبين". (¬4) "لسحاب" ليست في "ج". (¬5) في "ن": "والفتحة". (¬6) "من" ليست في "ع". (¬7) في "ج": "الحديث". (¬8) انظر: "التنقيح" (1/ 264).

باب: الاستسقاء في خطبة الجمعة غير مستقبل القبلة

باب: الاستسقاء في خُطبةِ الجمعة غير مستقبلِ القبلة 637 - (1014) - حَدَّثَنا قُتَيْبةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَنسِ بْنِ مالِكٍ: أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجدَ يَوْمَ جُمُعَةٍ، مِنْ بابٍ كانَ نحوَ دارِ الْقَضاءِ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قائِمٌ يَخْطُبُ، فاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قائِمًا، ثُمَّ قَالَ: يا رَسُولَ اللهِ! هَلَكَتِ الأَمْوالُ، وانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فادْعُ اللهَ يُغِيثُنا. فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ أغِثْنا، اللهُمَّ أغِثْنا، اللهُمَّ أغِثْنا". قَالَ أَنسٌ: وَلا واللهِ! ما نَرَى في السَّماءِ مِنْ سَحابٍ، وَلا قَزَعَةً، وَما بَيْنَنا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلا دارٍ. قَالَ: فَطَلَعَتْ مِنْ وَرائِهِ سَحابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّماءَ، انْتَشَرَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ، فَلا واللهِ! ما رَأَينا الشَّمسَ سِتًّا، ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٍ مِنْ ذَلِكَ الْبابِ في الْجُمُعَةِ، وَرَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قائمٌ يَخْطُبُ، فاسْتَقْبَلَهُ قائِمًا، فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ! هَلَكَتِ الأَمْوالُ، وانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فادع اللهَ يُمْسِكْها عَنَّا. قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ حَوالَيْنا وَلا عَلَيْنا، اللهُمَّ عَلَى الآكامِ والظِّرابِ، وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ وَمَنابِتِ الشَّجَرِ". قَالَ: فَأَقْلَعَتْ، وَخَرَجْنا نَمْشِي في الشَّمْسِ. قَالَ شَريك: سألْتُ أَنسَ بنُ مالِكَ: أَهُوَ الرَّجُلُ الأَوَّلُ؟ فَقالَ: ما أدرِي. (سَلْع): كفَلْس: جبل بالمدينة، وقد مر. (مثلُ الترس): في كثافتها واستدارتها. (سَبْتاً): أي: من سبت إلى سبت؛ بدليل الرواية الأخرى: "من جُمعة إلى جُمعة"، وقيل: إنما السبتُ قطعةٌ من الزمان.

وللقابسي وأبي ذر: "سبتنا (¬1) " كما يقال: "جمعتنا"، والمعروف (¬2) الأول. ورواه الداودي: "ستًا"، وفسره (¬3) بستة أيام، قال القاضي: وهو وهم وتصحيف (¬4) (¬5). (ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائمًا يخطب فاستقبله): يروى: قائماً هكذا -بالنصب- على أنَّه حال من فاعل يخطب، وهو الضمير المستكِنُّ فيه، ويروى بالرفع، على أنَّه خبرٌ أول. (حوالينا): ظرف لمحذوف؛ أي: أنزلِ المطرَ، و (¬6) نحو ذلك. (ولا علينا): يريد: في المدينة والمباني والمساكن مما لا (¬7) يتضرر بتوالي المطر عليه. (الإكام): على وزن الجِبال، وروي: "الآكام" بهمزة مفتوحة بعدها ألف. (والظِّراب): -بظاء معجمة (¬8) مكسورة-: الروابي (¬9) الصغار، واحدها ¬

_ (¬1) في "ج": "سبتاً". (¬2) في "ن": "ومعروف". (¬3) في "ج": "فسره". (¬4) في "ع": "تصحيف ووهم". (¬5) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 203). (¬6) في "ن" و"ع": "أو". (¬7) "لا" ليست في "ن"و "ع". (¬8) "معجمة" ليست في "ن". (¬9) "الروابي" ليست في "ع".

ظَرِب؛ مثل: كَتِف (¬1)، قال الزركشي: وخُصَّت بالذكر؛ لأنها أوفقُ للزراعة من رؤوس الجبال (¬2). قلت: الجبال أيضًا مما ذُكر في متن الحديث هنا، فما هذه الخصوصية بالذكر، ولعله يريد الحديثَ [الذي في الترجمة الآتية؛ فإنَّه لم يُذكر فيه الجبال] (¬3). (فادع الله يَغثنا): -بفتح الياء، وبالجزم- على الجواب، وروي برفع الفعل وضم الياء، من الإغاثة، وهي الإجابة، ولعل الأصل: أن يغيثَنا، فحذفت "أن" فارتفع (¬4) الفعل، وهل (¬5) ذلك مقيس؟ فيه خلاف. (اللهم أَغِثْنا): قال الزركشي: كذا الرواية بالهمز رباعيًا؛ أي: هَبْ لنا غيثاً؛ والهمزة فيه للتعدية، وقيل: صوابُه: غِثْنا؛ من غاث، قالوا: وأما أغثنا، فإنه من الإغاثة، وليس من طلب الغيث (¬6). قلت: على تقدير تسليمه لا يضر اعتبار الإغاثة من الغوث في هذا المقام، ولا ثمَّ ما يُنافيه، والروايةُ ثابتة به، ولها وجه، فلا سبيل إلى دفعها بمجرد ما قيل، فتأمله. ¬

_ (¬1) "كتف" ليست في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 265). (¬3) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬4) في "ج": "فرفع". (¬5) في "ج": "وأهل". (¬6) انظر: "التنقيح" (1/ 264).

(فسألت أنسًا: أهو الرجل الأوّل؟ فقال: ما (¬1) أدري): هذا مع أنَّه عبر أولًا بقوله: إن رجلًا دخل المسجد، وعبر ثانياً بقوله: ثمَّ دخل رجل من ذلك الباب، فأتى برجل نكرةً في الموضعين، مع تجويز أن يكون الثاني هو الأول، ففيه أن النكرةَ إذا أُعيدت نكرةً لا يُجزم بأن مدلولها ثانياً غيرُ مدلولها أولًا، بل الأمرُ محتملٌ، والمسألة مقررة في محلها، فلا نُطوِّل بذكرها. (اللهمَّ حَوالينا و (¬2) لا علينا): تقدم مثله. قال ابن المنير: وفي إدخال الواو معنى دقيق (¬3)، وذلك أنَّه (¬4) لو أسقطها، لكان مستسقِياً للآكام والظراب ونحوها (¬5) مما لا يُستسقى له؛ لقلة الحاجة إلى الماء هنالك، وحيث أدخل الواو، آذن بأن طلبَ المطر على هذه الجهات ليس مقصودًا لعينه (¬6)، ولكن ليكونَ وقايةً من أذى (¬7) المطر على نفس المدينة، فليست الواو مخلَصَة للعطف، ولكنها كواو التعليل وفائه، فالمراد: أنَّه إن سبق في قضائك (¬8) أنْ لا بدَّ من المطر، فاجعله حول المدينة، ويدل على أن الواو ليست لمحض العطف اقترانهُا (¬9) ¬

_ (¬1) في "م": "لا". (¬2) الواو سقطت من "م". (¬3) في "ع": "رقيق". (¬4) "أنه" ليست في "ن". (¬5) في "ع": "ونحوهما". (¬6) في "ج": "بعينه". (¬7) "أذى" ليست في "ن" و"ج". (¬8) في "ن": "فضائل". (¬9) في "ج": "لا يترائها".

بحرف النفي (¬1)، ولم يتقدم مثله. ولو قلت: اضرب زيدًا ولا عَمْرًا، ما (¬2) استقام على العطف. قلت: لم يستقم إلى إجراءُ هذا الكلام على القواعد، وليس لنا في كلام العرب واو وُضعت للتعليل، وليس (¬3) "لا" هنا للنفي، وإنما هي (¬4) الدعائية (¬5)؛ مثل: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا} [البقرة: 286]، والمراد: أنزل المطر حوالينا حيث لا نستضرُّ به، ولا تُنزله علينا حيث نستضرُّ به، فلم يطلب منع الغيث بالكلية، وهو من حسن الأدب في الدعاء (¬6)؛ لأنَّ الغيث رحمة الله (¬7) ونعمتُه [المطلوبة، فكيف يُطلب منه رفعُ نعمته] (¬8) وكشفُ رحمته؟! وإنما يُسأل سبحانه كشفَ البلاء، والمزيدَ من النعماء، وكذا فعل عليه السلام؛ فإنما سأل جلبَ النفع ودفعَ الضرر (¬9)، فهو استسقاء (¬10) بالنسبة إلى محلين، والواو لمحض العطف، و"لا" جازمة، لا نافية، ولا إشكال ألبتة، ولو حذفت الواو، وجعلت "لا" نافية، وهي مع ذلك للعطف، لاستقام ¬

_ (¬1) في "ج": "النهي". (¬2) في "ن" و "ع" و"ج": "وأما". (¬3) في "م": "وليس". (¬4) "هي" ليست في "ج". (¬5) في "ن": "ادعائية"، في "ج": "الدعاء". (¬6) في "ن": "الدعائية؛ مثل ربنا لا تؤاخذنا". (¬7) لفظ الجلالة "الله" ليس في "ج". (¬8) ما بين معكوفتين سقط من "ن". (¬9) في "ن": "الضر". (¬10) في "ن" و "ع" زيادة: "واستصحاء".

باب: الاستسقاء على المنبر

الكلام، لكن أؤثر الأوّل -والله أعلم- لاشتماله على جملتين طلبيتين، والمقامُ يناسبه، فتأملْه (¬1). * * * باب: الاِسْتِسْقاءَ عَلى المنْبَرِ 638 - (1015) - حَدَّثَنا مُسَدَّد، قَالَ: حَدَّثَنا أَبُو عَوانةَ، عَن قَتادَةَ، عَنْ أَنسٍ، قَالَ: بَيْنَما رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِذْ جاءَ رَجُلٌ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ! قَحَطَ الْمَطَرُ، فادع اللهَ أَنْ يَسْقِيَنا. فَدَعا، فَمُطِرْنَا، فَما كِدْنا أَنْ نَصِلَ إِلَى مَنازِلِنا، فَما زِلْنا نُمْطَرُ إِلَى الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ. قَالَ: فَقامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ غَيْرُهُ، فَقالَ: يا رَسُولَ الله! ادع اللهَ أَنْ يَصرِفَهُ عَنّا. فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ حَوالَيْنا وَلا عَلَيْنا". قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ السَّحابَ يَتَقَطَّعُ يَمِينًا وَشِمالًا، يُمْطَرُونَ، وَلا يُمْطَرُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ. (باب: الاستسقاء على المنبر). (بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب يوم الجمعة): هذا يدلّ للترجمة؛ فإنَّه -عليه الصلاة والسلام- كان لا يخطب يوم الجمعة بعد اتخاذ المنبر إلا عليه. ¬

_ (¬1) "فتأمله" ليست في "ج"، وفي "ن" و "ع": "فتأمل".

باب: من اكتفى بصلاة الجمعة في الاستسقاء

باب: مَنْ اكتَفى بصلاةِ الجُمعةِ في الاستسقاءِ 639 - (1016) - حَدَّثَنا عبد الله بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ شَرِيكِ ابْنِ عبد الله، عَنْ أَنسِ، قَالَ: جاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقالَ: هَلَكَتِ الْمَواشِي، وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ. فَدَعا، فَمُطِرنا مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ، ثُمَّ جاءَ فَقالَ: تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ، وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ، وَهَلَكَتِ الْمَواشِي، فادع اللهَ يمسِكْها، فَقامَ - صلى الله عليه وسلم - فَقالَ: "اللهُمَّ عَلَى الآكامِ والظِّرابِ والأَوْدِيَةِ وَمَنابِتِ الشَّجَرِ"، فانْجابَتْ عَنِ الْمَدِينَةِ انْجيابَ الثَّوْبِ. (فمُطِرنا): استعمله ثلاثيًا، وهي لغة فيه بمعنى الرباعي، وفَرَّقَ بعضُهم فقال: أمطر (¬1) في العذاب، ومطر (¬2) في الرحمة، والأحاديثُ واردة بخلافه. (ثم جاء): فاعلُه ضمير يعود على (¬3) المذكور، فيلزم اتحاد الرجل الجائي، وكأنه بني هنا على ظن عنده، وفي بعض المواضع شكَّ فقال: لا أدري أهو الرجلُ الأول، أم غيرُه؟ (فانجابت انجيابَ الثوب): أي: تقطَّعت كما يتقطَّع الثوبُ قِطعاً متفرقةً. ¬

_ (¬1) في "ع": "أمطرنا". (¬2) في "ع ": "ومطرنا". (¬3) في "ن": "إلى".

باب: ما قيل: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحول رداءه في الاستسقاء يوم الجمعة

باب: ما قِيلَ: إِنَّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يُحَوِّلْ رِداءَهُ في الاِسْتِسْقاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ (باب: ما قيل: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يحوِّلْ رداءه): قال الإسماعيلي: لا أعلم أحدًا ذكر في حديث أنس تحويلَ الرداء، وإذا قال المحدث: لم يذكر أنَّه حول، لم يجز أن يقال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يحول؛ لأنَّ عدمَ ذكرِ الشيء لا يوجب عَدم ذلك (¬1) الشيء. * * * باب: إَذا اسْتَشْفَعُوا إلَى الإمامِ لِيَسْتَسْقِي لَهُمْ، لَمْ يَرُدَّهُمْ (باب: إذا استشفعوا إلى الإمام (¬2) ليستسقيَ لهم): سأل ابن المنير عن السرّ في كونه -عليه السلام - لم يبدأ بالاستسقاء حتَّى سألوه، مع أنَّه -عليه السلام - أشفقُ عليهم منهم، وأولى بهم من أنفسهم؟ وأجاب: بأن مَقامَه -عليه السلام - التوكُّلُ والصبرُ على البأساء والضراء، وكذلك كان أصحابُه الخاصة يقتدون به (¬3)، وهذا المقام لا تصل إليه العامة وأهل البوادي، ولهذا (¬4) -والله أعلم- كان السائل في الاستسقاء بدوياً، فلما سألوه، أجاب (¬5)؛ رعايةً لهم، وإقامة لسنَّة هذه العبادة فيمن (¬6) ¬

_ (¬1) في "ع": "عدم ذكر ذلك". (¬2) في "ع": "للإمام". (¬3) في "ن": "به يقتدون". (¬4) في "ج": "وهذا". (¬5) في "ع": "فأجاب". (¬6) في "ع": "فمن".

باب: إذا استشفع المشركون بالمسلمين عند القحط

بعدَه من أهل الأزمنة التي يغلب على أهلها الجزعُ (¬1)، وقلةُ الصبر على اللأواء، فيؤخذ منه: أن الأفضلَ للأئمةِ الاستسقاءُ، ولمن ينفرد (¬2) بنفسه بصحراءَ أو (¬3) سفينةٍ الصبرُ والتسليمُ للقضاء؛ لأنه -عليه السلام- قبل السؤال فَوَّضَ، ولم يستسقِ. * * * باب: إِذا اسْتَشْفَعَ الْمُشْرِكُونَ بِالْمُسْلِمِينَ عِنْدَ الْقَحْطِ (باب: إذا استشفع المشركون بالمسلمين عندَ القحط): غرضه -والله أعلم- بهذه الترجمة التنبيهُ على أن للمشركين مدخلاً في الاستسقاء، وقد فسح العلماء في خروجهم مع المسلمين غير منفردين بالاستسقاء؛ لأنَّ الرحمة التي وسعت كل شيء تسعُهم في الدنيا، وإنما مُنعوا من الانفراد؛ لئلا يصادف ذلك السقي، فيكون فتنة للضعفاء، كذا قاله ابن المنير. 640 - (1020) - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ سُفْيانَ، حَدَّثَنا مَنْصُورٌ والأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي الضّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: أتيْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ، فَقالَ: إِنَّ قُرَيْشًا أَبْطَؤُوا عَنِ الإسْلاَمِ، فَدَعا عَلَيْهِمُ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخَذَتْهُمْ سَنةٌ حَتَّى هَلَكُوا فِيها، وأَكَلُوا الْمَيْتَةَ والْعِظامَ، فَجاءَهُ أَبُو سُفْيانَ، فَقالَ: يا مُحَمَدُ! جِئْتَ تَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِم، وَإِنَّ قَوْمَكَ هَلَكُوا، فادع اللهَ. ¬

_ (¬1) في "ن": "الجرح"، وفي "ع": "الجوع". (¬2) في "ع": "يفرد". (¬3) في "م": "و".

فَقَرَأَ: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10]. ثُمَّ عادُوا إِلَى كُفْرِهِمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالَى: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} [الدخان: 16]: يَوْمَ بَدْرٍ. قَالَ: وَزادَ أَسْباطٌ، عَنْ مَنْصُورٍ: فَدَعا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَسُقُوا الْغَيْثَ، فَأَطْبقَتْ عَلَيْهِمْ سَبْعًا، وَشَكا النّاسُ كَثْرَةَ الْمَطَرِ، قَالَ: "اللهُمَّ حَوالَيْنا وَلا عَلَيْنا"، فانْحَدَرَتِ السَّحابَةُ عَنْ رَأْسِهِ، فَسُقُوا النّاسُ حَوْلَهُمْ. (وزاد (¬1) أسباط عن منصور: فدعا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فسقوا الغيثَ، فأطبقت عليهم سبعاً): هذا إنما كان في قصة المدينة، لا في قصة قريش، وأهلُ المدينة لم يدع عليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- (¬2) بأن يُصابوا بقحط، و (¬3) كيف وهم أصحابه وأنصارُه وأحبابه (¬4)، وإنما دعا على قريش الذين أبطؤوا عن الإسلام، فأصيبوا بالقحط، فإدخالُ زيادة (¬5) أسباط في هذا المحل خللٌ ظاهر، ويبينه قوله في هذه الزيادة: "اللهمَّ حَوالينا ولا علينا". (فانحدرت السحابةُ عن رأسه): وهذه قضيةُ المدينة بعينها، وليس الوقتُ الذي أُصيب فيه (¬6) أهلُ مكة أصيب فيه أهلُ المدينة، قاله الداودي وغيره. ¬

_ (¬1) "وزاد" ليست في "ن". (¬2) في "ع": "النبي -صلى الله عليه وسلم- عليهم". (¬3) الواو سقطت من "ع". (¬4) في "ع": "أنصاره وأصحابه". (¬5) في "ع": "زيادات". (¬6) في "ج": "عنه".

باب: الدعاء إذا كثر المطر

ونقله ابن التين (¬1)، وقاله الدمياطي متعجباً من البخاري في إيراد هذا، مع أن (¬2) أسباط هو (¬3) ابن (¬4) محمَّد بن عبد الرحمن القاضي، ضعفه الكوفيون، ومات في سنة مئتين، وقد بأن لك بما ذكرناه أن ترجمة الباب لا معنى لإيرادها؛ لابتنائها (¬5) على وهم (¬6). (فسُقُوا الناسُ): بالرفع على البدل من الضمير، أو فاعل على لغة: "يَتَعاقَبُونَ فِيكُمْ مَلائِكَةٌ". * * * باب: الدعاءِ إذا كثُرَ المطرُ 641 - (1021) - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدّثَنا مُعْتَمِرٌ، عَنْ عبيد الله، عَنْ ثابِتٍ، عَنْ أَنسٍ، قَالَ: كانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَخْطُبُ يَوْمَ جُمُعَةٍ، فَقامَ النّاسُ فَصاحُوا، فَقالُوا: يا رَسُولَ اللهِ! قَحَطَ الْمَطَرُ، واحمَرَّتِ الشَّجَرُ، وَهَلَكَتِ الْبَهائِمُ، فادع اللهَ يَسْقِينا. فَقالَ: "اللهُمَّ اسْقِنا". مَرَّتَيْنِ، وايْمُ اللهِ! ما نَرَى في السَّماءَ قَزَعَةً مِنْ سَحابٍ، فَنَشَأَتْ سَحابَةٌ وَأَمْطَرَتْ، وَنَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ فَصَلَّى، فَلَمّا انْصَرَفَ، لَمْ تَزَلْ تُمْطِرُ إِلَى الْجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيها، فَلَمّا قامَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ، صاحُوا إِلَيْهِ: تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ، ¬

_ (¬1) في "ن" و "ع" و "ج": "المنير". (¬2) "أن" ليست في "ج". (¬3) في "ج": "فهو". (¬4) "ابن" ليست في "ج". (¬5) في "ن" و"ع": "لانبنائها". (¬6) انظر: "التوضيح" لابن الملقن (8/ 257).

باب: الدعاء في الاستسقاء قائما

وانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فادع اللهَ يَحبِسُها عَنّا. فتبَسَّمَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-، ثم قَالَ: "اللهُمَّ حَوالَيْنا وَلا عَلَيْنا". فَكُشِطَتِ الْمَدِينَةُ، فَجَعَلَتْ تُمْطِوُ حَوْلَها، وَلا تَمْطُرُ بِالْمَدِينَةِ قَطْرَةً، فَنَظَرْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَإِنَّها لَفِي مِثْلِ الإكْلِيلِ. (فتكشطت (¬1) المدينةُ): من تكشط السحابُ؛ أي: تقطع (¬2) وتفرق، والكشطُ والقشط إخوان. (ولا تَمْطُر): بفتح أوله وضم ثالثه. (لفي مثلِ الإكليل): هو ما أحاطَ بالشيء، وروضةٌ مكلَّلَة: محفوفَةٌ بالنُّوْر، وأصلُه الاستدارة. * * * باب: الدعاءَ في الاستسقاءِ قائمًا 642 - (1022) - وَقالَ لَنا أَبُو نعيْمٍ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ أَبي إِسحاقَ: خَرَجَ عبد الله بنُ يَزِيدَ الأَنْصارِيُّ، وَخَرَجَ مَعَهُ الْبَراءُ بْنُ عازِبٍ، وَزَيْدُ بْنُ أرْقَمَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، فاستَسْقَى، فَقامَ بِهِمْ عَلَى رِجْلَيْهِ عَلَى غَيْرِ مِنْبَرٍ، فاسْتَغْفَرَ، ثُمَّ صَلَّى ركعَتَيْنِ يَجْهَرُ بِالْقِراءَةِ، وَلَمْ يُؤَذِّنْ، وَلَمْ يُقِمْ. قَالَ أَبُو إِسْحاقَ: وَرَأَى عبد الله بْنُ يَزِيدَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -. (خرج عبد الله بن يزيد): -بالزاي-؛ من الزيادة. ¬

_ (¬1) في البخاري - نسخة اليونينية: "فكشطت". (¬2) في "ج": "يقطع".

باب: رفع الناس أيديهم مع الإمام في الاستسقاء

باب: رَفْعِ النّاسِ أَيْدِيَهُمْ مَعَ الإمامِ في الاِسْتِسْقاءِ 643 - (1029) - قَالَ أيُّوبُ بْنُ سُلَيْمانَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ بِلاَلٍ، قَالَ يَحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ: سَمِعْتُ أَنسَ بْنَ مالِكٍ، قَالَ: أتى رَجُلٌ أَعْرابِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْبَدْوِ، إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ! هَلَكَتِ الْماشِيةُ، هَلَكَ الْعِيالُ، هَلَكَ النّاسُ. فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَيْهِ يَدْعُو، وَرَفَعَ النّاسُ أَيْدِيَهُمْ مَعَهُ يَدْعُونَ. قَالَ: فَما خَرَجْنا مِنَ الْمَسْجدِ حَتَّى مُطِرنَا، فَما زِلْنا نُمْطَرُ حَتَّى كانَتِ الْجُمُعَةُ الأُخْرَى، فَأَتَى الرَّجُلُ إِلَى نبَيِّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ! بَشَقَ الْمُسافِرُ، وَمُنِعَ الطَّرِيقُ. (باب: رفع الناس أيديهم). (حتى مُطرْنَا): بدون همزة مبني للمفعول. (فأتى الرجل): ظاهره أنه الرجل الأوّل؛ إذ الألفُ واللام فيه (¬1) للعهد الذكْرِي، وقد مر الكلام فيه قريبًا. (بَشَق المسافر): بموحدة وشين معجمة مفتوحتين وقاف، كذا قيده الأصيلي. قال القاضي: وفي "المنضَّد": بَشِق -بكسر الشين-: تأخر، وقال غيره: ذل، وقيل: حُبِس، وقيل: هو مشتقٌّ من الباشِق، وهو طائر لا يتصرفُ إذا كَثُر المطر (¬2). ¬

_ (¬1) في "ج": "فيه واللام". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 101).

باب: ما يقال إذا أمطرت

644 - (1030) - وَقالَ الأُوَيْسِيُّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ يَحيىَ بْنِ سَعِيدٍ وَشَرِيكٍ، سَمِعَا أَنَسًا، عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْتُ بَياضَ إِبْطَيْهِ. (حتى يرى (¬1) بياض إبطيه): هذا من جماله (¬2) - صلى الله عليه وسلم -؛ [فإن كل إبط من الناس متغير؛ لأنه مغموم مِرواح] (¬3)، وكان منه - صلى الله عليه وسلم - أبيضَ عَطِرًا. * * * باب: ما يُقالُ إذَا أَمْطَرَتْ وقالَ ابنُ عَبّاسٍ: {كَصَيِّبٍ} [البقرة: 19]: المَطَرُ. وقالَ غَيْرُهُ: صابَ وأصابَ يَصُوبُ. (باب: ما يُقال إذا أمطرت (¬4)، وقال ابن عباس: {كَصَيِّبٍ} المطر): ساق هذا وإن لم يكن من الترجمة في شيء؛ لأنه لما عزم أن يستشهد عليها بقوله -عليه السلام:- "صَيبًا نَافِعًا"، قَدَّمَ (¬5) تفسيرَ ابن عباس للصَّيِّبِ بأنّه (¬6) المطر. ¬

_ (¬1) كذا في رواية ابن عساكر، وفي اليونينية: "رأيت"، وهي المعتمدة في النص. (¬2) في "ن" و"ع": "كماله". (¬3) ما بين معكوفتين سقط من "ع". (¬4) في "م": "مطرت". (¬5) في "ع" و "ج": "فقدم". (¬6) في "ج": "لأنه".

باب: من تمطر في المطر، حتى يتحادر على لحيته

645 - (1032) - حَدَّثَنا مُحَمَّد -هُوَ ابنُ مُقاتِلٍ أبو الحَسَنِ المروَزِيُّ-، قَالَ: أَخْبَرَنا عبد الله، قَالَ: أَخْبَرَنا عبيد الله، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ الْقاسِم بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إِذا رَأَى الْمَطَرَ، قَالَ: "صَيِّبًا نَافِعًا". تابَعَهُ الْقاسِمُ بْنُ يَحيىَ، عَنْ عبيد الله. وَرَواهُ الأَوْزاعِيُّ وَعُقَيْلٌ، عَنْ نَافِعٍ. (إذا رأى المطر، قال: صيبًا نافعًا): أي: اللهم اجعلْه صيبًا نافعًا، وهذا كالخبر الموطّئ (¬1) في قولك: زيدٌ رجل فاضلٌ؛ إذ الصفةُ هي المقصودة بالإخبار بها، ولولا هي لم تحصل الفائدة. هذا إن بنينا على قول ابن عباس أن الصَيّبَ هو المطر، وإن بنينا على أنَّه (¬2) المطرُ الكثير (¬3) كما نقله الواحدي، فكلٌّ (¬4) من "صيبًا، ونافعًا" مقصود، والاقتصار عليه محصّل للفائدة. * * * باب: مَنْ تَمَطَّرَ في الْمَطَرِ، حَتَّى يَتَحادَرَ عَلَى لِحْيَتِهِ (باب من تَمَطرَ): أي: تعرَّض للمطر، وتطلَّبَ نزولَه عليه، وإنما يفعل ذلك رجاءَ بركته (¬5)؛ لأنه حديثُ عهدٍ بربِّه كما وردَ في حديث (¬6)، ¬

_ (¬1) في "ج": "الموصى". (¬2) "أنه" ليست في "ج". (¬3) في "ج": "الكبير". (¬4) في "ج ": "وكل". (¬5) في "ج ": "بركه". (¬6) رواه مسلم (898)، من حديث أنس رضي الله عنه.

باب: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "نصرت بالصبا"

وأخذ البخاري التمطُّرَ من الحديث الذي ساقه في الباب من ناحية أنَّه كان يمكنه التوقي منه بثوب ونحوه، فتركَ فعلَ ذلك (¬1) قَصدًا (¬2) للتمطُّر، والله أعلم. * * * باب: قولِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "نُصِرتُ بالصَّبا" 646 - (1035) - حَدَّثَنا مُسْلِم، قَالَ: حَدَّثَنا شُعْبةُ، عَنِ الْحَكَم، عَنْ مُجاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: أَن النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "نُصِرتُ بِالصَّبا، وَأُهْلِكَتْ عادٌ بِالدَّبُورِ". (نصرت بالصَّبا): -بفتح الصاد المهملة-، وهي الريح التي تهب من المشرق (¬3). قال الزركشي: إذا استوى الليل والنهار (¬4)، وتسمَّى: القَبول أيضًا (¬5). (وأُهلكت عادٌ بالدَّبور): -بفتح الدال المهملة-: هي الريح الغربية؛ سميت (¬6) بذلك؛ لأنها تأتي من دُبُرِ الكعبة. ¬

_ (¬1) "ذلك" ليست في "ع". (¬2) في "ج": "قصد". (¬3) في "ن" و"ج": "الشرق". (¬4) "والنهار" ليست في "ن". (¬5) انظر: "التنقيح" (1/ 271). (¬6) في "ن": "قيل: سميت".

باب: ما قيل في الزلازل والآيات

قال ابن بطال: فيه تفضيلُ المخلوقات بعضها على (¬1) بعض (¬2)، يريد: من إضافة النصر للصبا، والإهلاكِ للدبور. وفيه نظر؛ فإن (¬3) كلَّ واحدةٍ منهما (¬4) أهلكت أعداءَ الله، ونصرت أنبياءه وأولياءه. * * * باب: ما قيل في الزَّلازلِ والآياتِ 647 - (1036) - حَدَّثَنا أبَو الْيَمانِ، قَالَ: أَخْبَرَنا شُعَيْبٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبَو الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرّحمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "لا تَقُومُ السّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ، وَيَتَقارَبَ الزَّمانُ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ، وَهْوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ، حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمالُ فَيَفِيضُ". (حتى يُقبض العلم): فيه دليل على عِظم شأنه، وأنه العصمة والأَمَنَة. (وثكثر الزلازل): جمع زَلْزلة، وهي حركةُ الأرض واضطرابُها، حتى ربما يسقط البناءُ القائم عليها. (ويتقارب الزمان): قيل: المراد؛ قرب القيامة. ¬

_ (¬1) في "ن": "من". (¬2) انظر: "شرح ابن بطال" (3/ 25). (¬3) في "ج": "لأن". (¬4) في "ج": "كل واحد منها".

وقيل: قصر الأزمنة عما جرت العادة به (¬1)، حتى تكون السنةُ كالشهر (¬2)، والشهر كالجمعة (¬3)، والجمعة كاليوم (¬4). وقيل: قصر الأعمار، وقلة البركة فيها (¬5). وقيل: هو (¬6) تقاربُ أحوال الناس في الفساد. (حتى يكثر فيكم المالُ فيفيضُ): -بفاء وضاد معجمة-؛ أي: حتى (¬7) يكثر، فيفضل (¬8) منه بأيدي مُلاَّكه (¬9) ما لا حاجة لهم به. وقيل: بل ينتشر فيهم، ويَعُمُّهم. * * * 648 - (1037) - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنا حُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: "اللهُمَّ بارِكْ لَنا في شامِنا وَفِي يَمَنِنَا". قَالَ: قالُوا: وَفِي نَجْدِنَا؟ قَالَ: قَالَ: "اللهُمَّ بارِكْ لَنا في شامِنا وَفِي يَمَنِنا". قَالَ: قالُوا: وَفِي نَجْدِنَا؟ قَالَ: قَالَ: "هُناكَ الزَّلاَزِلُ والْفِتَنُ، وَبِها يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطانِ". ¬

_ (¬1) في "ع": "به العادة". (¬2) "كالشهر" ليست في "ن"، وفي "ع": "كشهر". (¬3) "كالجمعة" ليست في "ن"، وفي "ع": "كجمعة". (¬4) في "ن": "واليوم"، وفي "ع": "كيوم". (¬5) في "ع": بها. (¬6) "هو" ليست في "ع"، في "ج": "وقيل: هي". (¬7) "حتى" ليست في "ن". (¬8) في "ن": "فيفيض". (¬9) في "ج": "مالكه".

(عن ابن عمر، قال: اللهم بارك لنا في شامنا): هكذا وقع هنا موقوفًا، وهو مرفوع، أخرجه (¬1) الترمذي (¬2). ونقل ابن بطال عن القابسي: أنه سقط في الحديث: عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّ ذلك لا يدرك بالرأي (¬3). (قال: هنالك الزلازل والفتن): ولذلك -والله أعلم- أمسكَ عن الدعاء للمشرق؛ لأنه علم العاقبة، وأن القدرَ سبقَ بوقوع الفتنة فيها، والزلازلُ ونحوُها من العقوبات. قال ابن المنير: والأدبُ أن لا يُدعى بخلاف القدر مع كشف العاقبة. قلت: بل هو حينئذ (¬4) محرَّم، والله أعلم. ¬

_ (¬1) في "ن": "خرجه". (¬2) رواه الترمذي (3953). (¬3) انظر: "شرح ابن بطال" (3/ 27). (¬4) "حينئذ" ليست في "ن".

كتاب الكسوف

كِتابُ الكسُوفِ

باب: الصلاة في كسوف الشمس

كِتابُ الكسُوفِ (الكسوف): هو التغير إلى السواد، ومنه: كَسَفَ (¬1) وجهُه: إذا تغير، وفعله يستعمل لازمًا ومتعديًا، يقال: كَسَفَتِ الشمسُ، وكَسَفَها الله، وهل (¬2) هو والخسوف بمعنى أو لا؟ سيأتي (¬3) بعد. باب: الصلاةِ في كسوفِ الشمسِ 649 - (1042) - حَدَّثَنا أَصبَغُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْروٌ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْقاسِم حَدَّثَهُ، عَنْ أَبيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّهُ كانَ يُخْبِرُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الشَّمْسَ والْقَمَرَ لا يَخْسِفانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَياتِهِ، وَلَكِنَّهُما آيَتانِ مِنْ آياتِ اللهِ، فَإِذا رَأَيْتُمُوهُما، فَصَلُّوا". (فإذا رأيتموهما): -بميم قبل الألف ضمير اثنين-؛ أي: الكسوفين: ¬

_ (¬1) في "ج": "كشف". (¬2) في "ع" و"ج": "وقيل". (¬3) في "ع": "وسيأتي".

باب: الصدقة في الكسوف

كسوفَ الشمس، وكسوفَ القمر، وفي بعض النسخ: "فإذا رأيتموه"؛ أي: الكسوف (¬1). (لا يَخسفان): بفتح المثناة من تحت. ونقل ابن الصلاح: أنهم منعوا ضمها، كذا قاله الزركشي (¬2). * * * باب: الصدقةِ في الكسوف 650 - (1044) - حَدَّثَنا عبد الله بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ هِشامِ ابْنِ عُروَةَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عائِشَةَ: أَنَّها قالَتْ: خَسَفَتِ الشّمسُ في عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالنّاسِ، فَقامَ، فَأَطالَ الْقِيامَ، ثُمَّ ركعَ، فَأَطالَ الرُّكوعَ، ثُمَّ قامَ، فَأَطالَ الْقِيامَ، وَهْوَ دُونَ الْقِيامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ ركعَ، فَأَطالَ الرُّكوعَ، وَهْوَ دُونَ الرُّكوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ، فَأَطالَ السُّجُودَ، ثُمَّ فَعَلَ في الرَّكعَةِ الثّانِتةِ مِثْلَ ما فَعَلَ في الأُولَى، ثُمَّ انْصَرَفَ، وَقَدِ انْجَلَتِ الشَّمْسُ، فَخَطَبَ النّاسَ، فَحَمِدَ اللهَ وَأثنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ الشَّمْسَ والْقَمَرَ آيَتانِ مِنْ آياتِ اللهِ، لا يَنْخَسِفانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَياتِهِ، فَإِذا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ، فادْعُوا اللهَ، وَكبِّرُوا، وَصَلُّوا، وَتَصَدَّقُوا". ثُمَّ قَالَ: "يا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ! واللهِ! ما مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ أَنْ يَزْنيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ، يا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ! واللهِ! لَوْ تَعْلَمُونَ ما أَعْلَمُ، لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلَبَكَيْتُمْ كثِيرًا". ¬

_ (¬1) "أي: الكسوف" ليست في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 272).

باب: النداء بـ "الصلاة جامعة" في الكسوف

(إن الشمس والقمر آيتان): أي: كسوفهما آيتان؛ لأنه الذي خرج الحديث بسببه. (ما من أحدٍ أغيرُ): روي أغير: بضمة وفتحة، وعلى كل، فيحتمل "ما" أن تكون حجازية، أو تميمية، أما إذا رفع، فيحتمل أن (¬1) تكون صفة لأحد باعتبار المحل، والخبر محذوف منصوب، فتأتي الحجازية، ويحتمل تقدير (¬2) الخبر المحذوف مرفوعًا، أو يجعل أغيرُ (¬3) نفسُه خبراً، فتأتي التميمية، وأما مع الفتح، فيحتمل نصبُه على الخبر، وجرُّه بالفتحة على الصفة، والخبر [محذوف منصوب، فالحجازية، وأن يكون مجروراً بالفتحة على الصفة والخبر] (¬4) المحذوف مرفوع، فالتميمية. وأما نسبة المغيرة إلى الله تعالى، وليست من الصفات اللائقة به، فأولها الأستاذ أبو بكر بن فَوْرَك على الزجر والتحريم (¬5). * * * باب: النِّداءَ بِـ "الصَّلاَةَ جامِعَةً" في الْكُسُوفِ (باب: النداء بالصلاةَ جامعةً): على الحكاية؛ أي: بهذا اللفظ، "والصلاةَ" نصب على الإغراء، و"جامعةَ" حال منها. ¬

_ (¬1) في "ن": "ما أن". (¬2) في "ع": "منصوب، فالحجازية، وأن يكون مجروراً بالفتحة على الصفة، والخبرُ محذوف مرفوع، فالتميمية، ويحتمل بتقدير". (¬3) في "ج ": "غير". (¬4) ما بين معكوفتين سقط من "ع" و"ج". (¬5) قلت: سيأتي الكلام عن هذا الموضع وأمثاله في كتاب الاعتصام إن شاء الله، وفيه توضيح ما قد يشكل على الأفهام في هذا الباب بعون الله تعالى.

باب: هل يقول: كسفت الشمس أو خسفت؟

651 - (1045) - حَدّثَنا إِسْحاقُ، قَالَ: أَخْبَرَنا يَحيىَ بْنُ صالح، قَالَ: حَدَّثَنا مُعاوِيَةُ بْنُ سَلَّامِ بْنِ أَبِي سَلَّامٍ الْحَبَشِيُّ الدِّمَسْقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنا يَحيىَ بْنُ أَبِي كثِيرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرّحمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عبد الله بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: لَمّا كسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، نُودِيَ: إِن الصَّلاَةَ جامِعَةٌ. (ابن سلاّم بن أبي سلاّم): بتشديد اللام فيهما معاً. (الحَبَشي): بحاء مهملة وباء موحدة مفتوحتين (¬1) وشين (¬2) معجمة. * * * باب: هل يقول: كسفتِ الشمسُ أو خسفَت؟ 652 - (1047) - حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عُقَيْل، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُروَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى يَوْمَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقامَ فَكَبَّرَ، فَقَرَأَ قِراءَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ ركعَ رُكوعًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقالَ: "سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ"، وَقامَ كما هُوَ، ثُمَّ قَرَأَ قِراءَةً طَوِيلَةً، وَهْيَ أَدنىَ مِنَ الْقِراءَةِ الأُولَى، ثُمَّ ركَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، وَهْيَ أَدْنىَ مِنَ الرَّكْعَةِ الأُولَى، ثُمَّ سَجَدَ سُجُودًا طَوِيلًا، ثُمَّ فَعَلَ في الرَّكعَةِ الآخِرَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ سَلَّمَ وَقَدْ ¬

_ (¬1) "مفتوحتين" ليست في "ن". (¬2) في "ع": "وغين".

تَجَلَّتِ الشَّمْسُ، فَخَطَبَ النّاسَ، فَقالَ في كُسُوفِ الشَّمْسِ والْقَمَرِ: "إِنَّهُما آيَتانِ مِنْ آياتِ اللهِ، لا يَخْسِفانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَياتِهِ، فَإِذا رَأَيْتُمُوهُما، فافْزَعُوا إِلَى الصَّلاَةِ". (خَسفت): بفتح الخاء. (فقال في كسوف الشمس والقمر: إنهما آيتان من آيات الله، لا يخسفان): قال ابن المنير: أما الاستشهاد على الجواز في حال الانفراد بالإطلاق في التثنية (¬1)، فغير متوجه؛ لأنَّ التثنية بابُ تغليب، فلعله غلَّب أحدَ الفعلين كما غلَّب أحدَ الاسمين. قلت: التغليب مجاز، فدعواه على خلاف (¬2) الأصل، فالاستدلالُ بالحديثِ مُتَأَتٍّ. وقوله: كما غلَّب أحد الاسمين، إن أراد في هذا الحديث الخاص، ممنوع، وإن أراد (¬3) فيما هو خارج؛ كالقمرين، فلا يقيده، بل ولو (¬4) كان في هذا الحديث ما يقتضي تغليبَ أحد الاسمين، لم يلزم منه تغليبُ أحدِ الفعلين. ¬

_ (¬1) في "ع": "بالتثنية". (¬2) في "ع": "حذف". (¬3) في "ع": "أراده". (¬4) في "ع": "فلا يفيده ولو"، وفي "ج": "لو".

باب: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يخوف الله عباده بالكسوف"

باب: قولِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "يخوِّف اللهُ عبادَه بالكسوف" 653 - (1048) - حَدَّثَنا قُتَيْتةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يُونسَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الشَّمْسَ والْقَمَرَ آيَتانِ مِنْ آياتِ اللهِ، لا يَنْكَسِفانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلَكِنَّ اللهَ تَعالَى يُخَوِّفُ بِها عِبادَهُ". وَقالَ أبو عبد الله: لَمْ يَذْكُر عَبْدُ الْوارِثِ، وَشُعْبةُ، وَخالِدُ بْنُ عبد الله، وَحَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَن يُونسَ: "يُخَوِّفُ بِها عِبادَهُ". وَتابَعَهُ مُوسَى، عَنْ مُبارَكٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكرَةَ، عَن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللهَ تَعالَى يُخَوِّفُ بِهِما عِبادَهُ". وَتابَعَهُ أَشْعَثُ، عَنِ الْحَسَنِ. (ولكن يخوف الله بهما (¬1) عباده): التخويفُ عبارة عن إحداث الخوف بسبب، ثمَّ قد يقع الخوف، وقد لا يقع. فإن قيل: يلزم الخلفُ (¬2) في الوعيد. فالجواب: المنعُ؛ لأنَّ الخلفَ وضدَّه من عوارض الأقوال، وأما الأفعال، فلا، إنما هي من جنس المعاريض، والصحيحُ عندنا فيما يتميز به الواجب أنَّه التخويف، ولهذا لم يلزم الخلفُ على تقدير المغفرة. فإن قيل: الوعيدُ لفظ، فكيف يخلص (¬3) من الخلف؟ ¬

_ (¬1) كذا في رواية أبي ذر الهروي والأصيلي وابن عساكر عن الكشميهني، وفي اليونينية: "بها"، وهي المعتمدة في النص. (¬2) في "ع": "الخوف". (¬3) في "ن" و"ع": "يتخلص".

باب: التعوذ من عذاب القبر في الكسوف

فالجواب: أن لفظ الوعيد عام أُريد به الخصوص، غير أن كلَّ أحد يقول: لعلِّي داخل في العموم، فيحصل له التخويف، فيحصل الخوف، وإن كان الله تعالى لم يُرده في العموم، ولكن أراد تخويفه بإيراد العموم، وسَتْر العاقبة عنه في بيان أنَّه خارج منه، فيجتمع حيئنذ الوعيد والمغفرة، ولا خُلْفَ، ومصداقُه في قوله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59]. * * * باب: التعوُّذ من عذابِ القبر في الكسوف 654 - (1049) - حَدَّثَنا عبد الله بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ يَحيىَ ابْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرّحمَنِ، عَنْ عائِشَةَ زَوْج النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّ يَهُودِيَّةً جاءَتْ تَسْألها، فَقالَتْ لَها. أَعاذَكِ الله مِنْ عَذابِ الْقَبْرِ. فَسَأَلَتْ عائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْها- رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أيعَذَّبُ النّاسُ في قُبُورِهِمْ؟ فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "عائِذًا بِاللهِ مِنْ ذَلِكَ". (عائذًا بالله): من الصفات القائمة مقامَ المصدر؛ أي: عِياذاً بك. والذي اختاره ابنُ مالك في مثل [هذا] أن (¬1) يكون حالًا مؤكدة؛ أي: أعوذ عائذا بالله. ¬

_ (¬1) في "ج": "من".

باب: طول السجود في الكسوف

باب: طولِ السّجودِ في الكسوف 655 - (1051) - حَدَّثَنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنا شَيْبانُ، عَنْ يَحيىَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عبد الله بْنِ عَمْرٍو: أَنَّهُ قَالَ: لَمّا كسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، نُودِيَ: إِنَّ الصَّلاَةَ جامِعَة، فَرَكعَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ركعَتَيْنِ في سَجْدَةٍ، ثُمَّ قامَ فَرَكعَ ركْعَتَيْنِ في سَجْدَةٍ، ثُمَّ جَلَسَ، ثُمَّ جُلِّيَ عَنِ الشَّمْسِ. قَالَ: وَقالَتْ عائِشَةُ - رضِيَ اللهُ عَنْها-: ما سَجَدتُ سُجُودًا قَطّ كانَ أَطْوَلَ مِنْها. (ما سجدث سجودًا قَطُّ كان أطولَ (منها): إما أن تكون عبرت بالسجود عن الصلاة كلّها، كأنها قالت: ما صليتُ صلاةً قَطُّ كانت (¬1) أطولَ منها، غير أنها أعادت (¬2) الضمير المستكنَّ في "كان" على السجود؛ اعتبارًا بلفظه، إذ (¬3) هو (¬4) مذكر (¬5)، وأعادت ضمير "منها" عليه؛ اعتبارًا بمعناه؛ إذ هو مؤنث، وإما أن يكون قولها: "منها" على حذف مضاف؛ أي: من سجودها. * * * باب: صلاةِ الكسوفِ جماعةً 656 - (1052) - حَدَّثَنا عبد الله بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عنْ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطاءِ بْنِ يَسارٍ، عَنْ عبد الله بْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: ¬

_ (¬1) "كانت" ليست في "ع". (¬2) في "ج": "أنها إعادة". (¬3) في "م": "أو". (¬4) في "ج": "بلفظه وهو". (¬5) في "ع": "مذكور".

انْخَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقامَ قِيامًا طَوِيلًا، نَحوًا مِنْ قِراءَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَفَعَ فَقامَ قِيامًا طَوِيلًا، وَهْوَ دُونَ الْقِيامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ قامَ قِيامًا طَوِيلًا، وَهْوَ دُونَ الْقِيامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ ركعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، وَهْوَ دُونَ الرّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ فَقامَ قِيامًا طَوِيلًا، وَهْوَ دُونَ الْقِيامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ ركعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، وَهوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ تَجَلَّتِ الشمسُ، فَقالَ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الشَّمْسَ والْقَمَرَ آيَتانِ مِنْ آياتِ اللهِ، لا يَخْسِفانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَياتِهِ، فَإِذا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ، فاذْكُرُوا اللهَ". قالُوا: يا رَسُولَ اللهِ! رَأَيْناكَ تَناوَلْتَ شَيْئًا في مَقامِكَ، ثُمَّ رَأَيْناكَ كَعْكَعْتَ؟ قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ، فتناوَلْتُ عُنْقُودًا، وَلَوْ أَصَبْتُهُ، لأكَلْتُمْ مِنْهُ ما بَقِيَتِ الدّنْيا، وَأُرِيتُ النّارَ، فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كالْيَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ، وَرَأَيْتُ أكثَرَ أَهْلِها النِّساءَ". قالُوا: بِمَ يا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "بِكُفْرِهِنَّ". قِيلَ: يَكْفُرنَ بِاللهِ؟ قَالَ: "يَكْفُرنَ الْعَشِيرَ، وَيَكْفُرنَ الإحسانَ، لَوْ أَحسَنْتَ إِلَى إحداهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا، قالَتْ: ما رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطّ". (فلم أر منظرًا كاليوم قَطُّ أفظعَ): تقدَّم مثلُ هذا التركيب، ووعدنا بالكلام عليه هنا: جوز فيه الخطابي وجهين: أن يكون "أفظع" بمعنى: فظيع؛ كأكبر بمعنى: كبير، وأن يكون أفعلَ تفضيل على بابه؛ أي: منه، ثمَّ حذف (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: "أعلام الحديث" (1/ 392).

قال ابن السِّيْد: العرب تقول: ما رأيت كاليوم [رجلاً، وما (¬1) رأيت كاليوم] (¬2) منظرًا، والرجلُ والمنظرُ لا يصح أن يُشَبَّها باليوم، والنحويون يقولون: معناه: ما رأيتُ كرجل أراه اليومَ رجلًا، وما رأيتُ كمنظرٍ (¬3) رأيتُه اليوم منظرًا، وتلخيصه: ما رأيت كرجل اليوم رجلًا، وكمنظر إليوم منظراً، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، وجازت إضافة الرجل والمنظر إلى اليوم؛ لتعلقهما به، وملابستهما له باعتبار رؤيتهما (¬4) فيه. وقال غيره: الكافُ هنا اسمٌ، وتقديرُه: ما رأيت مثلَ منظرِ هذا اليومِ منظرًا، ومنظرًا تمييز (¬5)؛ ومراده باليوم: الوقتُ الذي هو فيه (¬6). قلت: اعتبار هذا القول الثاني في الحديث يلزم منه تقدم (¬7) التمييز على عامله (¬8)، والصحيح منعُه، فالظاهر في إعرابه أن منظرًا مفعولُ أر (¬9)، وكاليوم (¬10) ظرفٌ مستقرٌّ صفة له، وهو (¬11) بتقدير مضاف محذوف كما تقدم؛ أي: كمنظر اليوم، وقَط ظرف لأر، وأفظعَ (¬12) حدلٌ من اليوم على ¬

_ (¬1) في "ع": "ولا". (¬2) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬3) في "ع" و "ج": "كمنظور". (¬4) في "ج": "رؤيتها له". (¬5) في "ع": "تمييزه". (¬6) انظر: "التنقيح" (1/ 274 - 275). (¬7) في "ع": "تقديم". (¬8) في "ج": "على ماله". (¬9) في "ن": "أراه". (¬10) في "ج": "واليوم". (¬11) في "ج": "وتصغير". (¬12) في "ج": "وقربهم لأرواح فظع".

باب: صلاة النساء مع الرجال في الكسوف

ذلك التقدير، والمفضَّلُ عليه وجازُه محذوفان (¬1)؛ أي: كمنظر اليوم حالةَ كونه أفظعَ من غيره، والله أعلم بالصواب (¬2). * * * باب: صلاةِ النساءِ مع الرجال في الكسوفِ 657 - (1053) - حَدَّثَنا عبد الله بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبرَنا مالكٌ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُروَةَ، عَنِ امْرَأَتِهِ فاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْماءَ بِنْتِ أَبي بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّها قالَتْ: أتيْتُ عائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنها- زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ خَسَفَتِ الشمْس، فَإِذا النّاس قِيام يُصَلُّونَ، وَإِذا هِيَ قائِمَةٌ تُصَلِّي، فَقُلْتُ: ما لِلناس؟ فَأَشارَتْ بِيَدِها إلىَ السَّماءِ، وَقالَتْ: سُبْحانَ اللهِ! فَقُلْتُ: آيَة؟ فَأَشارَتْ: أَيْ نَعَمْ. قالَتْ: فَقُمْتُ حَتَّى تَجَلَّانِي الْغَشيُ، فَجَعَلْتُ أَصُبُّ فَوْقَ رَأْسِي الْماءَ، فَلَمّا انْصَرَفَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، حَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيهِ، ثُمَّ قَالَ: "ما مِن شَيْءَ كُنْتُ لَم أَرَهُ إِلا قَدْ رَأَيْتُهُ في مَقامِي هَذا، حَتَّى الجَنَّةَ والنارَ، ولَقَدْ أُوِحيَ إِلَيَّ أَنَّكم تُفْتَنُونَ في القُبورِ مثْلَ -أَو قريبًا منْ- فِتْنَةِ الدجّالِ، لا أَدرِي أيّتَهُما قالَتْ أسْماءُ، يُؤْتَى أَحدُكُمْ، فَيُقالُ لَهُ: ما عِلْمُكَ بِهَذا الرَّجُلِ؟ فَأَمّا الْمُؤْمِنُ، أَوِ الْمُوقِنُ، لا أَدرِي أَيَّ ذَلِكَ قالَتْ أسْماءُ، فَيَقُولُ: مُحَمَّد رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، جاءَنا بِالْبَيِّناتِ والْهُدَى، فَأَجَبْنا، وآمَنّا، واتَّبَعْنا، فَيُقالُ لَهُ: نَمْ صالِحًا، فَقَد عَلِمْنا إِنْ ¬

_ (¬1) في "ع": وجاروه محذوفًا. (¬2) بالصواب "ليست في "ج".

كنْتَ لَمُوقِنًا، وَأَمّا الْمُنافِقُ، أَوِ الْمُرتابُ، لا أَدرِي أيتَهُما قالَتْ أَسْماء، فَيقُولُ: لا أَدرِي، سَمِعْتُ النّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا، فَقُلْتُهُ". (فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا، فقلته): قال ابن بطال: فيه ذمُّ التقليد، وأن المقلِّدَ لا يستحقُّ اسمَ العلم التام على الحقيقة (¬1). ونازعه ابن المنير: بأن ما حكي عن حال هذا المجيب لا يدلُّ على أنَّه كان عنده تقليد معتبر، وذلك لأنَّ التقليد المعتبر هو الذي لا وهنَ عند صاحبه، ولا حضور شك، وشرطُه أن يعتقد كونَه عالمًا، ولو شعر بأن مستندَه كونُ الناس قالوا شيئًا فقاله، لا يخلُّ اعتقاده، ورجع شكًا، فعلى هذا لا يقول المعتقد المصَمِّمُ يومئذ: سمعتُ الناس يقولون؛ لأنه يموت على ما عاش عليه، وهو في حال الحياة قد قررنا أنَّه لا يشعر بذلك، بل عبارتُه هناك -إن شاء الله تعالى- مثلُها هنا من التصميم، وبالحقيقة (¬2)، فلا بدَّ أن يكون للمَصمَّم أسبابٌ (¬3) حملته على التصميم غيرُ مجردِ القول، وربما لا يمكن التعبير عن تلك الأسباب؛ كما تقول في العلوم العادية: أسبابُها (¬4) لا تنضبط. ¬

_ (¬1) انظر: "شرح ابن بطال" (3/ 45). (¬2) في "ن": "التصميم الغير مجرد القول وبالحقيقة"، وفي "ع": "التصميم يعني مجرد القول وبالحقيقة". (¬3) في "ج": "للمصمم إثبات". (¬4) في "ن": "أن أسبابها".

باب: صلاة الكسوف في المسجد

باب: مَنْ أَحَبَّ الْعَتاقَةَ في كُسُوفِ الشَّمْسِ (باب: من أحبَّ العَتاقة): -بفتح العين-، تقول: عَتَقَ العبدُ يَعْتِق -بالكسر- عِتقًا، وعَتاقاً، وعَتاقةً (¬1). * * * باب: صلاةِ الكسوفِ في المسجد 658 - (1055) - حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مالِك، عَنْ يَحيىَ ابْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحمَنِ، عَنْ عائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْها-: أَنَّ يَهُودِيَّةً جاءَتْ تَسْألها، فَقالَتْ: أَعاذَكِ الله مِنْ عَذابِ الْقَبْرِ. فَسَأَلَتْ عائِشَةُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أيعَذَّبُ النّاسُ في قُبُورِهِمْ؟ فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "عائِذٌ بِاللهِ مِنْ ذَلِكَ"، ثُمَّ ركبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذاتَ غَداةٍ مَركبًا، فَكَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَرَجَعَ ضُحًى، فَمَرَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ ظَهْرانيِ الْحُجَرِ، ثُمَّ قامَ فَصَلَّى، وَقامَ النّاسُ وَراءَهُ، فَقامَ قِيامًا طَوِيلًا، ثُمَّ ركعَ رُكوعًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَفَعَ فَقامَ قِيامًا طَوِيلًا، وَهْوَ دُونَ الْقِيامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ ركعَ رُكوعًا طَوِيلًا، وَهْوَ دُونَ الرُّكوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ سُجُودًا طَوِيلًا، ثُمَّ قامَ فَقامَ قِيامًا طَوِيلًا، وَهْوَ دُونَ الْقِيامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ ركعَ رُكوعًا طَوِيلًا، وَهْوَ دُونَ الرُّكوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ قامَ قِيامًا طَوِيلًا، وَهْوَ دُونَ الْقِيامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ ركَعَ رُكوعًا طَوِيلًا، وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ، وَهْوَ دُونَ السُّجُودِ الأَوَّلِ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ما شاءَ الله أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يتَعَوَّذُوا مِنْ عَذابِ الْقَبْرِ. ¬

_ (¬1) انظر: "الصحاح" للجوهري (4/ 1520)، (مادة: عتق).

باب: الذكر في الكسوف

(عائذ بالله): كذا رُوي هنا بالرفع على أنَّه خبرٌ لمحذوف؛ أي: أنا، وقد سبق توجيهُ نصبه، وهو الأكثرُ في استعمالهم. (ثمَّ أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر): والحكمة في ذلك -والله أعلم- أن ظلمة الكسوف إذا عَمَّتِ الشمسَ تناسب ظلمة القبر، وإن كان نهارًا، فهي جديرة أن يذكر عندها ما يشبهها. * * * باب: الذِّكرِ في الكسوف 659 - (1059) - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، قَالَ: حَدَّثَنا أَبُو أُسامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عبد الله، عَنْ أَبِي بُردَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقامَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَزِعًا، يَخْشَى أَنْ تَكُونَ الساعَةُ، فَأَتَى الْمَسْجدَ، بِأَطْوَلِ قِيامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ رَأَيْتُهُ قَطُّ يَفْعَلُهُ، وَقال: "هَذِهِ الآياتُ الَّتِي يُرسلُ الله، لا تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلا لِحَياتِهِ، وَلَكِنْ يُخَوِّفُ الله بِهِ عِبادَهُ، فَإِذا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ وَدُعائِهِ واستِغْفاِره". (بُريد بن عبد الله): بموحدة مضمومة، مصغَّر. (فصلى بأطولِ قيام وركوعٍ وسجودٍ رأيته (¬1) قطُّ يفعله): فيه استعمال قَطُّ مع الإثبات، وقد سبق مثلُه في موضع واحد. ¬

_ (¬1) في "ع": "ما رأيته".

فإن قلت: ما محلُّ قوله: "رأيته يفعلُه" من الإعراب؟ قلت: جَرّ على الصفة، إما للمعطوف الأخير، وإما للمعطوف عليه أولًا، وحذف من الأول لدلالة الثاني، أو بالعكس، وإنما قلنا ذلك؛ لأنه ليس في هذه الجملة ضميرُ غيبة (¬1) إلا ما هو للواحد المذكر (¬2)، وقد تقدّمت ثلاثة أشياء، فلا تصلح من حيث هي ثلاثة أن تكون مَعادًا له. فإن قلت: ضميرُ الغيبة من "رأيته" على ماذا (¬3) يعود؟ قلت: يحتمل عودُه على النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما أن فاعل "يفعله" يعود عليه (¬4)، ويحتمل أن يعود على ما عاد عليه المنصوب من "يفعله". فإن قلت: لمَ (¬5) لمْ يجعل الجملة صفة لأطولِ (¬6) قيامٍ وركوع وسجودِ، وأطول مفردٌ مذكرٌ يصحُّ عودُ الضمير المذكر (¬7) عليه، ولا حاجة إلى الحذف إذن (¬8). قلت: لأنه يلزم أن يكون المعنى: أنَّه فعل في قيام الصلاة لكسوف الشمس وركوعها وسجودها (¬9) مثلَ أطولِ شيء كان يفعلُه في ذلك في ¬

_ (¬1) في "ج": "غيره". (¬2) في "ع": "المذكور". (¬3) في "ع": "على ما ذكر". (¬4) في "ج": "يعود الضمير عليه". (¬5) "لم" ليست في "ج". (¬6) في "ج": "صفة الأفضل لأطول". (¬7) في "ج": "المذكور". (¬8) في "ن": "إذًا هنا". (¬9) "وسجودها" ليست في "ع"، وفي "ج": "الشمس وسجودها وركوعها".

باب: الدعاء في الكسوف

غيرها من الصلوات، ولم يفعل طولًا زائدًا على ما عُهد منه في سواها، وليس كذلك، اللهم إلا أن يكون صلَّى قبلَ هذه المرةِ لكسوفٍ آخرَ، فيصدق حينئذ أنَّه فعل مثلَ (¬1) أطولِ ما كان يفعله، لكنه يحتاج إلى ثبت، فحرره. * * * باب: الدعاء في الكسوف 660 - (1060) - حَدَّثَنا أبَو الوَليِدِ، قَالَ: حَدَّثَنا زائِدةُ، قَالَ: حَدَّثَنا زِيادُ بنُ عِلاَقَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ المُغِيَرَةَ بُنُ شُعْبَةَ يَقُولُ: انكَسَفَتِ الشَّمسُ يَومَ ماتَ إِبْراهِيمُ، فَقالَ النّاسُ: انْكَسَفَتْ لِمَوْتِ إِبْراهِيمَ. فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الشَّمْسَ والْقَمَرَ آيَتانِ مِنْ آياتِ اللهِ، لا يَنْكَسِفانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَياتِهِ، فَإِذا رَأَيْتُمُوهُما، فادعُوا اللهَ، وَصَلُّوا حَتَّى يَنْجَلِيَ". (زياد بن عِلاقة): بكسر العين المهملة وبالقاف. * * * باب: الصَّلاَةِ في كُسُوفِ الْقَمَرِ (باب: الصلاة في كسوف القمر): ساق فيه حديث أبي بكرة (¬2): "انكسفت الشمس على عَهْدِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فصلى ركعتين". ¬

_ (¬1) "مثل" ليست في "ج". (¬2) في "ج": "أبي بكر".

وانتقده الإسماعيلي بأن هذا الحديث لا مدخلَ له في هذا الباب، ورواه ابن أبي شيبة: "انكسفت الشمسُ، أو القمرُ (¬1) " (¬2). [وفي رواية هُشيم: "انكسفتِ الشمس والقمر". وفي رواية لابن عُلَيَّة: "إنَّ الشمسَ والقمر"، (¬3)، الحديث، وفيه: "فَإِذا (¬4) رَأيْتُمْ مِنْها شَيْئا فَصَلُّوا" (¬5). * * * 661 - (1063) - حَدَّثَنا أَبُو مَعْمَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ الْوارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنا يُونسٌ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أِبي بَكْرَةَ، قَالَ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَخَرَجَ يَجُرُّ رِداءَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْمَسْجدِ، وَثابَ النّاسُ إِلَيْهِ، فَصَلَّى بِهِمْ ركعَتَيْنِ، فانْجَلَتِ الشَّمْسُ، فَقالَ: "إِنَّ الشَّمْسَ والْقَمَرَ آيَتانِ مِنْ آياتِ اللهِ، وَإِنَّهُما لا يَخْسِفانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَإذا (¬6) كانَ ذاكَ (¬7)، فَصَلُّوا وادعُوا حَتَّى يُكْشَفَ ما بِكُمْ". وَذاكَ أَنَّ ابْنًا لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ماتَ يُقالُ لَهُ: إِبْراهِيمُ، فَقالَ النّاسُ في ذاكَ. ¬

_ (¬1) في "ج": "الشمس والقمر". (¬2) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (8308) عن أبي بكرة رضي الله عنه. (¬3) ما بين معكوفتين سقط من "ع". (¬4) في "ج": "إذا". (¬5) رواه البخاري (5785)، ومسلم (911) عن أبي بكرة رضي الله عنه. (¬6) في رواية أبي ذر الهروي: "فَإِذا". (¬7) في رواية أبي ذر الهروي والأصيلي وابن عساكر وأبي الوقت: "ذلك".

باب: الجهر بالقراءة في الكسوف

(فإذا كان ذلك، فصلُوا): قال الإسماعيلي: رواية (¬1) من روى: "فإذا رَأَيْتُمْ مِنْها شَيْئًا، فَصَلُوا" أدخلُ في الباب من قوله: "فإذا كان ذلك". قلت: يريد: لأنَّ الأول نص، وهذا محتمل لأنَّ تكون الإشارة عائدةً إلى كسوف الشمس، والظاهر عودُ ذلك إلى خسوفهما (¬2) جميعًا. * * * باب: الجهرِ بالقراءةِ في الكسوف 662 - (1066) - وَقالَ الأَوْزاعِيُّ وَغَيْرُهُ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ، عَنْ عُروَةَ، عَنْ عائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها: أَنَّ الشَّمْسَ خَسَفَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَبَعَثَ مُنادِيًا بِـ: الصَّلاَةُ جامِعَة، فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى أَربَعَ ركَعاتٍ في ركْعَتَينِ، وَأَربَعَ سَجَداتٍ. وَأَخبَرَنِي عَبْدُ الرّحمَنِ بْنُ نَمِرٍ: سَمِعَ ابْنَ شِهابٍ مِثْلَهُ. قَالَ الزهْرِيّ: فَقُلْتُ: ما صَنعَ أَخُوكَ ذَلِكَ، عبد الله بْنُ الزُّبَيْرِ، ما صَلَّى إِلَّا ركْعَتَيْنِ مِثْلَ الصُّبْح، إِذْ صَلَّى بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ: أَجَلْ، إِنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ. تابَعَهُ سُفْيانُ بْنُ حُسَيْنٍ، وَسُلَيْمانُ بْنُ كَثِيرٍ، عَن الزُّهْرِيِّ في الْجَهْرِ. (فبعث مناديًا الصلاةَ جامعةً): أي: فبعث منادياً يقول: الصلاة جامعة؛ أي: احضروا الصلاةَ في حال كونها جامعةً، وقد روي برفعهما، ¬

_ (¬1) في "ع": "على رواية". (¬2) في "ج": "خسوفها".

[وروي بإدخال الباء على الصلاة مع الوجهين على الحكاية. (قال: أجل): كنعم هيئة ومعنى] (¬1)، وروي: من أجل. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين سقط من "ج".

كتاب السجود

كِتابُ السُّجودِ

باب: ما جاء في سجود القرآن وسنتها

كِتابُ السُّجودِ باب: ما جاءَ في سجود القرآن وسنَّتِها 663 - (1067) - حَدَثَنا مُحَمَدُ بْنُ بَشارٍ، قَالَ: حَدَثَنا غُنْدَرٌ، قَالَ: حَدَّثَنا شُعبةُ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ، قَالَ: سمِعتُ الأَسْوَدَ، عَنْ عبد الله -رَضِيَ اللهٌ عَنْهُ- قَالَ: قَرَأَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- النَّجْمَ بِمَكَةَ، فَسَجَدَ فِيها، وَسَجَدَ مَنْ مَعَهُ غَيْرَ شَيْخٍ، أَخَذَ كَفًّا مِن حَصى، أَوْ تُرابٍ، فَرَفَعَهُ إِلَى جَبْهَتِهِ، وَقالَ: يَكْفِيني هَذا، فَرَأَيْتُهُ بعْدَ ذَلِكَ قُتِلَ كافِرًا. (كتاب: السجود). (وسجد من معه غيرَ شيخ أخذ كفًا من (¬1) حصى): هو أُميةُ بنُ خَلَفٍ كما ذكره البخاري في تفسير سورة النجم (¬2). وحكى المنذري فيه أقوالًا: الوليد بن المغيرة، عتبة بن ربيعة، أَبو أُحَيْحَة، سعيدُ بن العاص. قال: وما ذكره البخاري أصحّ (¬3). ¬

_ (¬1) في "ن": "أخذها من". (¬2) رواه البخاري (4863) عن عبد الله رضي الله عنه. (¬3) انظر: "التوضيح" لابن الملقن (8/ 383).

باب: سجدة النجم

باب: سجدةِ النَّجم 664 - (1070) - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عبد الله -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَرَأَ سُورَةَ النَّجْمِ، فَسَجَدَ بِها، فَما بَقِيَ أَحدٌ مِنَ القَومِ إِلَّا سَجَدَ، فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنَ القَومِ كفًّا مِنْ حَصًى، أَو تُرابٍ، فَرَفَعَهُ إِلَى وَجْهِهِ، وَقالَ: يَكْفِيني هَذا، فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدُ قُتِلَ كافِرًا. (فأخذ رجل من القوم كفًا من حَصًى): قال الزركشي: هذا الرجلُ هو الوليدُ بنُ المغيرة (¬1). قلت: وقد علمت ما فيه. (يَكفيني): بفتح أوله. * * * باب: سُجُودِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ، والْمُشْرِكُ نَجَسٌ لَيْسَ لَهُ وُضُوءٌ وَكانَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- يَسْجُدُ عَلَى وُضُوءٍ (وكان ابن عمر يسجد على غير وضوء): هذه رواية (¬2) أبي ذر، و (¬3) هي المطابقة للمقصود بالتبويب. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 278). (¬2) في "ج": "الرواية". (¬3) الواو سقطت من "ع".

باب: من قرأ السجدة، ولم يسجد

وفي بعض النسخ: "يسجد على وضوء" بسقوط "غير". * * * باب: من قرأ السجدةَ، ولم يسجُد 665 - (1072) - حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ داوُدَ أَبُو الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنا يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ، عَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ عَطاءِ بْنِ يَسارٍ: أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سأَلَ زيدَ بْنَ ثابِتٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، فَزَعَمَ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: {وَالنَّجْمِ} [النجم: 1]، فَلَمْ يَسْجُد فِيها. (يزيد بن خُصيفة): بخاء معجمة مضمومة. (عن ابن قُسيط): بالضم على التصغير، وهو يزيد بن عبد الله بن قسيط (¬1). * * * باب: مَنْ سَجَدَ لِسُجُودِ الْقارِئ وَقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لِتَمِيم بْنِ حَذْلَم، وَهْوَ غُلاَمٌ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ سَجْدَةً، فَقالَ: اسْجُد، فَإِنَّكَ إِمامُنا فِيها. (لتميم بن حَذْلَم): بحاء مهملة مفتوحة وذال معجمة ساكنة ولام مفتوحة. ¬

_ (¬1) في "م": "قسط".

باب: من رأى أن الله -عز وجل- لم يوجب السجود

666 - (1075) - حَدَّثَنا مُسَدَّد، قَالَ: حَدَّثَنا يَحيىَ، عنْ عبيد الله، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِع، عَن ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: كان النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَقْرَأُ عَلَيْنا السُّورَةَ فِيها السَّجْدَةُ، فَيَسْجُدُ وَنسجُدُ، حَتَّى ما يَجِدُ أَحَدُنَا مَوْضعَ جَبْهَتِهِ. (حتى ما يجدُ أحدُنا موضعَ جبهته): قال ابن المنير: فيه (¬1): أنه (¬2) من فاته السجود، استدركه عقيبَ سجود القارئ، ولا يفوتُ برفع رأسه من السجود، ألا تراه قال (¬3): "فما يجد أحدنا موضعَ جبهته"؛ أي: لا يستطيع السجودَ من الزحام، فإذا رفعوا رؤوسهم، سجد المزحوم حينئذ. * * * باب: مَنْ رأى أن الله -عَزَّ وَجَلَّ- لم يُوجبِ السجودَ 667 - (1077) - حَدّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنا هِشامُ بْنُ يُوسُفَ: أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُثْمانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحمَنِ التَّيْمِيِّ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عبد الله بْنِ الْهُدَيْرِ التَّيْمِيِّ، قال أَبُو بَكْرٍ: وَكانَ رَبِيعَةُ مِنْ خِيارِ النّاسِ، عَمّا حَضَرَ رَبِيعَةُ مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ بِسُورَةِ النَّحْلِ، حَتَّى إِذا جاءَ السَّجْدَةَ، نَزَلَ فَسَجَدَ، وَسَجَدَ النّاسُ، حَتَّى إِذا كانَتِ الْجُمُعَةُ الْقابِلَةُ، قَرَأَ بِها، حَتَّى إِذا جاءَ السجدَةَ، قَالَ: يَا أيُّهَا النّاسُ! إنَّا ¬

_ (¬1) "فيه" ليست في "ج". (¬2) في "ن" و"ع": "أن". (¬3) "قال" ليست في "ج".

أبواب: تقصير الصلاة

نَمُرُّ بِالسُّجُودِ، فَمَنْ سَجَدَ، فَقَد أَصابَ، وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ، فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ. وَلَمْ يَسْجُد عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. وَزادَ نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: إِنَّ اللهَ لَمْ يَفْرِضِ السُّجُودَ إِلَّا أَنْ نشَاءَ. (ابن الهُدير): بهاء مضمومة ودال مهملة وراء، مصغَّر. (إنا أمرنا (¬1) بالسجود): الزركشي: كذا لأكثرهم، وعند بعضهم: "إنا لم نؤمر". قال القابسي: وهو الصواب (¬2)، وهو معنى الحديث الآخر: "إنَّ الله لم يفرضِ السجودَ علينا" (¬3) (¬4). * * * أبواب: تقصير الصلاة (أبواب: تقصير الصلاة): هو رَدُّ الرباعيةِ إلى ركعتين، ويقال: قَصَر (¬5) - بالتخفيف -قَصراً، وقَصَّر (¬6) - بالتثقيل- تقصيراً. ¬

_ (¬1) قلت: نصُّ الإمام البخاري في "صحيحه": "نمرُّ". (¬2) في "ج": "وهو معنى الصواب". (¬3) رواه البخاري (1027) عن ابن عمر رضي الله عنهما. (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 279). (¬5) في "ع": "فصرنا". (¬6) في "ع": "وقصرنا".

باب: ما جاء في التقصير، وكم يقيم حتى يقصر

قال (¬1) الواحدي: وأقَصر، وقياسُه (¬2) إقصاراً. * * * باب: ما جاء في التقصيرِ، وَكم يُقيمُ حتى يقصُرَ 668 - (1080) - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنا أَبُو عَوانة، عَنْ عاصم وَحُصَيْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: أَقامَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- تِسْعَةَ عَشَرَ يَقْصُرُ، فَنَحْنُ إِذا سافَرنا تِسْعَةَ عَشَرَ، قَصَرنَا، وإنْ زِذنَا، أتمَمْنا. (أقام تسعة (¬3) عشر يقصُر): -بضم الصاد-؛ من القَصر (¬4)، وبخط المنذري: -بضم الياء وتشديد الصاد (¬5) -؛ من التقصير (¬6). * * * 669 - (1081) - حَدَّثَنا أبُو مَعَمَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنا يَحيَى بنُ أَبي إِسْحاقَ، قَالَ: سَمِعتُ أَنسًا يَقُولُ: خَرَجْنا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ، فَكانَ يصلي ركعَتَيْنِ ركعَتَيْنِ، حَتَّى رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ. قُلْتُ: أَقَمْتُمْ بِمَكَّةَ شَيْئًا؟ قَالَ: أَقَمْنا بِها عَشْرًا. ¬

_ (¬1) في "ع": "قاله". (¬2) في "م" و"ج": "قياسه". (¬3) في "ن": "سبعة". (¬4) في "ج": "من القصيرة". (¬5) في "ع": "القاف". (¬6) انظر: "التنقيح" (1/ 280).

باب: الصلاة بمنى

(أقمتم بمكة شيئًا؟ قال: أقمنا بها عشرًا): يؤخذ من هذا أنَّه -عليه السلام - لم يصلِّ الجمعةَ بمكةَ عامَ حجةِ الوداع؛ لأنه دخلها في رابع ذي الحجة، وكان الأحدَ، فأقام بها عشرًا، واتفق خروجُه يومَ الأربعاء؛ لأنه نفرَ من مني يومَ الثلاثاء (¬1)، فلم ينتظر الجمعة القابلة. و (¬2) أما الماضية، فصادفت عرفةَ، ولا جمعةَ فيها. والظاهر: أن بقية الصحابة صلَّوا الجمعة بها؛ لأنه فُسِّح لهم في ثلاثة أيام بعد قضاء النّسُك، فيتفق خروجهم يوم الجمعة، ويكون سبب ذلك فرض الهجرة، وأنه -عليه الصلاة والسلام- لما ترك وطنه لله، تحرج أن يرجع فيه لوجهٍ (¬3) ما، فلهذا خرج، ولم يوسع على نفسه كما وَسّع على أصحابه (¬4)، فاستحسنوا -والله أعلم- أن لا يخرجوا من مكة إلا بعد الجمعة، كذا قاله ابن المنير. * * * باب: الصلاةِ بِمِنى 670 - (1083) - حَدَّثَنا أَبو الْوَليدِ، قَالَ: حَدَّثَنا شُعْبةُ، أَنْبَأَنا أبُو إِسْحاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ حارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ، قَالَ: صَلَّى بِنا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -آمَنَ ما كانَ، بِمِنًى ركعَتَيْنِ. ¬

_ (¬1) في "ع": "الثلاث". (¬2) الواو سقطت من "ع". (¬3) في "ن" و "ع": "بوجه". (¬4) في "م": "الصلاة"، وفي "ع": "الصحابة".

(آمنَ ما كان): -بالمد-؛ من الأمن ضد الخوف. * * * 671 - (1084) - حَدَّثَنا قتيْبةُ، قَالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ الْواحِدِ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحمَنِ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: صَلَّى بِنا عُثْمانُ بْنُ عَفّانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِمِنًى أَربَعَ ركَعاتٍ، فَقِيلَ ذَلِكَ لِعبد الله بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، فاسْتَرجَعَ، ثُمَّ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمِنَى ركعَتَيْنِ، وَصَلَّيْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِمِنَى ركعَتَيْنِ، وَصَلَّيْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِمِنًى ركْعَتَيْنِ، فَلَيْتَ حَظِّي مِنْ أَربَعِ ركَعاتٍ ركْعَتانِ مُتَقَبَّلَتانِ. (فاسترجع): أي: قال: إنا لله وإنا إليه راجعون؛ لما رأى من تفويت عثمان -رضي الله عنه - لفضيلة القصر، ولا يُفهم منه أن الإتمامَ غيرُ مجزئٍ؛ لأنه قال: فليت (¬1) حظي من أربعِ ركعتانِ (¬2) متقبلتان، فلو كانت تلك الصلاة لا تجزئ لفسادها، لم يكن له فيها حظ أصلًا. قال ابن المنير: والقاعدةُ، أنَّه لا يتصور التخييرُ بين (¬3) واجب وغير واجب، ولا أن يكون الجائُز (¬4) الفعلِ والتركِ واجباً (¬5) مُخيرًا، ولا التخييرُ ¬

_ (¬1) في "ج": "قال ليت". (¬2) في "ج": "ركعات". (¬3) في "م" و"ج": "من". (¬4) "الجائز" ليست في "ج". (¬5) في "ج": "واجب".

بين خَصلتين تدخل إحداهما (¬1) في الأخرى، وإنما يتصور الواجبُ المخير في شيئين فصاعدًا، يكون (¬2) الواجبُ منها أحدهما (¬3) لا بعينه (¬4)، ويكون أحدُهما مباينًا للآخر، فيختلف جهة الوجوب وجهة التخيير، فيتعلق الوجوبُ بالأعم، والتخييرُ بالأخص؛ كخصال الكفارة، ويُشْكِلُ على هذا القصرُ والإتمام؛ فإن الركعتين الزائدتين جاز تركهما (¬5) لا إلى بدل، ولا يقال: ركعتا القصر بدل؛ لدخولهما في الأربع، فهو إن فعل الركعتين، ترك الزائد (¬6) لا إلى بدل، وإن فعل الأربع، لم يترك الركعتين؛ لدخولهما (¬7) في الأربع، فينحصر التخيير إذن بين فعل الركعتين الزائدتين، وتركهما، وهو حقيقة الإباحة. واليوم الثالث من أيام مني أشكلُ؛ فإن اليومين قبلَه فيهما حقيقةُ الواجب المتعين، واليوم الثالث فيه حقيقةُ الإباحة، ولا يمكن أن يُتخيل فيه ما يُتخيل في الركعات؛ فإنَّه ربما تُخُيل (¬8) أن الركعتين ضمن (¬9) الأربع، ¬

_ (¬1) في "ج": "تدخل إحديهما". (¬2) في "ع" و "ج": "أن يكون". (¬3) "أحدهما" ليست في "ع" و"ج". (¬4) في "ن": "إحداهما في الأخرى، وإنما تتصور الواجب في شيئين فصاعدًا يكون الواجب منهما أحدهما لا بعينه". (¬5) في "ج": "الزائدتين جائز تركها". (¬6) في "ع": "والزائد". (¬7) في "ج": "لدخولها". (¬8) في "ع": "يحتمل". (¬9) في "ن" و"ع": "في ضمن".

باب: كم أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجته؟

ليستا المنفردتين قُصِرا؛ بدليل السلام من هاتين دون التي في ضمن الأربع، ومثلُ هذا لا يُتصور في الأيام ألبتة (¬1)، فأصحُّ ما في ذلك أن التخيير يُتصور (¬2) بين الإتمام والقصر؛ باعتبار أن السلام له حالتان، إن قَدَّمته، اقتصرتَ عليه، وإن أَخَّرته، لم يسع تأخيرُه إلا بزيادة الركعتين، وكأنه خير بين (¬3) سلام مقدَّم ليس إلا، وبين سلام مؤخر، لكنه (¬4) عقيبَ الزيادة، فبتأخُّر السلام تختلف الهيئة. ولا يُتحقق دخولُ القصر في الإتمام، نعم لو خُير بين ركعتين وبين أربع يفصل بينهما بسلام، لكان كالأيام (¬5) في الإشكال. وأصحُّ ما في الأيام أن (¬6) الثالث نافلة محضةٌ، لكنه إن حضره، وجب الرميُ فيه؛ كلزوم النوافل بالشروع. انتهى كلامه رحمه الله. * * * باب: كم أقامَ النبي -صلى الله عليه وسلم- في حَجَّتِه؟ 672 - (1085) - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنا وُهَيْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي الْعالِيةِ الْبَرّاءَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ -رَضِيَ اللهُ ¬

_ (¬1) في "ج": "لا يتصور في السلام الإتمام البتة". (¬2) في "ع": "متصور". (¬3) في "ج": "خير من". (¬4) في "ن": "لكن". (¬5) في "ج": "كالإتمام". (¬6) "الأيام أن" ليست في "ج".

باب: يقصر إذا خرج من موضعه

عَنْهُما- قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَأَصحاُبهُ لِصُبْح رابِعَةٍ، يُلَبُّونَ بِالْحَجِّ، فأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوها عُمْرَةً، إِلَّا مَنْ مَعَهُ الْهدْيُ. تابَعَهُ عَطاء عَنْ جابِرٍ. (عن أبي العالية البرّاء): بتشديد الراء، وكان يبري النشّاب. * * * باب: يَقْصُرُ إذا خرج مِنْ موضعِهِ 673 - (1090) - حَدَّثَنا عبد الله بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُروَةَ، عَنْ عائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْها- قالَت: الصَّلاَةُ أَوَّلَ ما فُرِضَتْ ركعَتَيْنِ، فَأُقِرَّتْ صَلاَةُ السَّفَرِ، وَأُتِمَّتْ صَلاَةُ الْحَضَرِ. قَالَ الزهْرِيُّ: فَقُلْتُ لِعُروَةَ: ما بالُ عائِشَةَ تُتِمّ؟ قَالَ: تأوَّلَتْ ما تأوَّلَ عُثْمانُ. (الصلاةُ أولَ ما فُرضت ركعتين): الصلاةُ مبتدأ، والخبرُ محذوف؛ أي: فُرضت ركعتين (¬1)، وأولَ (¬2) منصوب على الظرف، وأصلُ الكلام: الصلاةُ (¬3) فرضت ركعتين في أول أزمنة فَرضِها، فهو ظرف للخبر المقدَّر، و"ما" مصدرية، والمضاف محذوف كما قررناه. ¬

_ (¬1) في "ن": بركعتين. (¬2) في "ج": في أول فرضها. (¬3) "الصلاة": ليست في "ع".

باب: يصلي المغرب ثلاثا في السفر

ورأيتُ في نسخةٍ لا أتحرر الآن صحتَها: الصلواتُ (¬1)، هكذا بالجمع، وعليها: فالاقتصار على قولها: "ركعتين" مشكلٌ؛ لوجوب التكرير في مثله، وأما مع إفراد الصلاة، فلا إشكال؛ لأنَّ المراد: كلُّ صلاة رباعية الآن فُرضت في أول الأمر ركعتين. فينبغي تحريرُ ذلك. * * * باب: يُصَلِّي الْمَغْرِبَ ثَلاَثًا في السّفَرِ (باب: يصلي المغرب ثلاثًا في السفر): وهو إجماع، وساق فيه الحديث الأوّل: "إِذا أَعْجَلَه (¬2) السَّيْرُ في السَفَرِ يُؤَخِّرُ المَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَها وَبَيْنَ العِشاء". قال الإسماعيلي: وهو غير مشبه لترجمة الباب؛ فإنَّه ليس فيه بيانُ عدد (¬3) المغرب. 674 - (1092) - وَزادَ الّليْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي يُونسُ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، قال سالِمٌ: كانَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ والْعِشاءِ بِالْمُزْدلِفَةِ. قَالَ سالِمٌ: وَأَخَّرَ ابْنُ عُمَرَ الْمَغْرِبَ، وَكانَ اسْتُصْرخ عَلَى امْرَأَتِهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ، فَقُلْتُ لَهُ: الصَّلاَةُ، فَقالَ: سِرْ، فَقُلْتُ: ¬

_ (¬1) في "ج": والصلوات. (¬2) في "ج": "إذا جعله". (¬3) في "ن": "عدم".

الصَّلاَةُ، فَقالَ: سِر، حَتَّى سارَ مِيلَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ قَالَ: هَكَذا رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي إِذا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ. وَقالَ عبد الله: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - إِذا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ، يُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ، فَيُصَلِّيها ثَلاَثًا، ثُمَّ يُسَلِّمُ، ثُمَّ قَلَّما يَلْبَثُ حَتَّى يُقِيمَ الْعِشاءَ، فَيُصَلِّيَها رَكعَتَيْنِ، ثُمَّ يُسَلِّمُ، وَلا يُسَبِّحُ بَعْدَ الْعِشاءِ حَتَّى يَقُومَ مِنْ جَوْفِ اللَيلِ. (إذا أعجله السير، يؤخر المغرب، فيصليها ثلاثًا): وهذا صريح في المراد، وفيه حجة لمن يشترط جِدَّ (¬1) السير في الجمع، وحمل المطلق فيهما (¬2) على ذلك لاتحاد السبب. وإنما خص ابن عمر صلاة المغرب والعشاء بالذكر؛ لوقوع الجمع له بينهما (¬3)، وهو الذي سأل عنه نافعٌ، فأجابه عما سأله حين استُصرخ على امرأته، فاستعجل، فجمعَ بين المغرب والعشاء، فسئل، فأجاب بما ذكر (¬4). (ولا يسبح): أي: يتطوَّع بالصلاة. ¬

_ (¬1) في "ن": "حدّ". (¬2) في "ج": "عليهما". (¬3) في "ج": "له منهما". (¬4) في "ع": "ذكره".

باب: الإيماء على الدابة

باب: الإيماء عَلَى الدابّةِ (باب: الإيماء على الدابة): قال ابن المنير: لم يَذْكر في الحديث الإيماء، وقد ذكره في الترجمة، وكأنه اعتمد على أن (¬1) ذلك من لوازم الصلاة على الدابة؛ إذ لا يمكن عليها إلا بالإيماء، فلا يحتاج للنص (¬2) عليه. قلت: هذا عجيب؛ فإن (¬3) الحديث الذي ساقه في هذه الترجمة: كانَ عبد الله بنُ عمرَ يصلي في السفر على راحلته (¬4) أينما توجَّهت يومئُ، وذكر عبد الله: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يفعله، وهذا تصريح بالإيماء، لكنه (¬5) لعله لم يقع في نسخته قولُه: يومئ. * * * باب: صَلاَةِ التطَوُّعِ عَلَى الْحِمارِ (باب: صلاة التطوُّع على الحمار): ساق فيه حديثَ أنس. ونازعه الإسماعيلي في دلالته على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- على حمار. 675 - (1100) - حَدَّثَنا أَحمَدُ بنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثنا حَبّانُ، قَالَ: حَدَّثَنا هَمامٌ، قَالَ: حَدَّثَنا أَنسُ بْنُ سيرينَ، قَالَ: اسْتَقْبَلْنا أَنسًا حِينَ قَدِمَ ¬

_ (¬1) "أن" ليست في "ج". (¬2) في "ن" و"ج": "إلى النص". (¬3) في "ج": "لأنَّ". (¬4) في "ج": "على الدابة". (¬5) في "ن": "لكن".

باب: من لم يتطوع في السفر دبر الصلاة وقبلها

مِنَ الشَّأْمِ، فَلَقِيناهُ بِعَيْنِ التَّمْرِ، فَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي عَلَى حِمارٍ، وَوَجْهُهُ مِنْ ذا الْجانِبِ -يَعْنِي: عَنْ يَسارِ الْقِبْلَةِ-، فَقُلْتُ: رَأَيْتُكَ تُصَلِّي لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ؟ فَقالَ: لَوْلا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَعَلَهُ، لَمْ أَفْعَلْهُ. رَواهُ ابْنُ طَهْمانَ، عَنْ حَجّاجٍ، عَنْ أَنسَ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنسَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (حَبّان): بفتح الحاء وتشديد الباء الموحدة. (ابن طَهمان): بطاء مهملة مفتوحة. * * * باب: من لم يتطوَّعْ في السفر دُبُرَ الصَّلاةِ وقبلَها 676 - (1102) - حَدَّثَنا مُسَدَّد، قَالَ: حَدَّثَنا يَحيَى، عَنْ عِيسَى بْنِ حَفْصِ بْنِ عاصم، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبي: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: صَحِبْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَكانَ لا يَزِيدُ في السَّفَرِ عَلَى ركْعَتَيْنِ، وَأَبا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمانَ كَذَلِكَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُم. (فكان لا يزيدُ في السفر على ركعتين، وأبا بكر، وعمر، وعثمانَ كذلك): أي: وصحبتُ (¬1) أبا بكر، وعمر، وعثمان. وجاء في "مسلم" في (¬2) عثمان: "صَدرًا من خلافته" (¬3)، وهو (¬4) ¬

_ (¬1) في "ج": "وصحبته". (¬2) "في" ليست في "ع". (¬3) رواه مسلم (694). (¬4) في "ج": "وهذا هو".

الصواب؛ فقد سبق عنه أنَّه أتم (¬1) في آخر أمره. قال الزركشي: ولعل ابنَ عمر أراد في هذه الروايةِ أيامَ عثمان في سائر أسفاره في غير مني؛ لأنَّ إتمامه كان بمنى (¬2). قلت: قد اختلف الناس في توجيه ما فعله (¬3) عثمان - رضي الله عنه - من الإتمام. قيل (¬4): لأنه أمير المؤمنين، فحيث كان في بلد، فهو في عمله، ولا يخفى ضعفه. وقيل: لأنه اتخذ مني مسكنًا. وقيل: أزمعَ على المقام بعد الحج. وروي عن الحارث، قال: صَلَّى بنا عثمانُ أربعًا، فلما سلَّمَ، أقبلَ على الناس فقال: تأَهَّلْتُ بمكَّةَ، وقد سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنْ تأهَّلَ مِنْ بَلْدَةٍ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِها، فَلْيُصَل أَربَعًا" (¬5). وقال ابن حزم: روينا (¬6) من طريق عبد الرزاق، عن الزهري، قال: "بلغني أن عثمانَ إنما صلى أربعًا بمنى"؛ لأنه أزمعَ أن يقيمَ بعد ¬

_ (¬1) "أتم" ليست في "ن". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 282). (¬3) "ما فعله" ليست في "ج". (¬4) في "ن "و"ع": "فقيل". (¬5) رواه الإمام أحمد في "المسند" (1/ 62). (¬6) في "ن": "رويناه".

باب: الجمع في السفر بين المغرب والعشاء

الحج، وهذا يَرُدُّ (¬1) أن الإقامة بمكة للمهاجرين (¬2) أكثرَ من ثلاث لا يجوز. ورده ابن التين (¬3): بأنّه يجوز (¬4) أن يكون قد فعل ذلك لضرورة. * * * باب: الجمعِ في السَّفر بين المغربِ والعشاء 677 - (1106) - حَدثَنا عَليُّ بنُ عبد الله، قَالَ: حَدَثَنا سُفْيانُ، قَالَ: سَمِعتُ الزّهْرِيَّ، عَن سالمٍ، عَنْ أبَيهِ، قَالَ: كانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَجْمعُ بينَ المَغْربِ والعِشاءِ إِذا جَدَّ بَهَ السَّيرُ. (إذا جَدَّ به السير): جَدَّ وأَجَدَّ: عزمَ، وترك الهُوَينا، ونسُب إلى الفعل مجازًا، وفيه حجةٌ لمن اشترط (¬5) جِدَّ السير في الجمع (¬6)، كما مرَّ. * * * 678 - (1107) - وَقالَ إِبْراهِيمُ بْنُ طَهمانَ، عَنِ الْحُسَين المُعَلِّم، عنْ يَحيىَ بْنِ أَبي كثِيرٍ، عَنْ عكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، ¬

_ (¬1) في "ن" و"ع": "يرده". (¬2) في "ن": "للمهاجر". (¬3) في "ع": "المنير". (¬4) في "ن": "لا يجوز". (¬5) في "ع": "يشترط". (¬6) في "ع": "الجميع".

باب: صلاة القاعد

قَالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَجْمَعُ بَيْنَ صَلاَةِ الظُّهْرِ والْعَصرِ إِذا كانَ عَلَى ظَهْرِ سَيْرٍ، وَيَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ والْعِشاءِ. (إذا كان على ظهر سير): بالإضافة، ويروى: على ظهرٍ يسيرُ (¬1) بتنوين ظهرٍ، ويسيرُ فعلٌ مضارع. * * * باب: صلاةِ القاعدِ 679 - (1113) - حَدَّثَنا قُتَيْبةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ هِشامِ ابْنِ عُروَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْها- أَنَّها قالَتْ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في بَيْتِهِ وَهْوَ شاكٍ، فَصَلَّى جالِسًا، وَصَلَّى وَراءَهُ قَوْمٌ قِيامًا، فأَشارَ إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: "إِنَّما جُعِلَ الإمامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذا ركعَ فاركَعُوا، وإذا رَفَعَ فارفَعُوا". (وهو شاكٍ): أي: موجَعٌ، ويروى: "وهو شاكي" بثبوت الياء، وفيه شذوذ. * * * 680 - (1115) - حَدَّثَنا إِسْحاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: أَخْبَرَنا رَوْحُ بْنُ عُبادَةَ، أَخْبَرَنا حُسَيْنٌ، عَنْ عبد الله بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّهُ سَأَلَ نبِيَّ الله - صلى الله عليه وسلم -. أَخْبَرَنا إِسْحاقُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ¬

_ (¬1) في "ن" و "ج": "سير".

عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنا الْحُسَيْنُ، عَنِ أبي بُرَيْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عِمْرانُ بْنُ حُصَيْنٍ، وَكانَ مَبْسُورًا، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَلاَةِ الرَّجُلِ قاعِدًا، فَقالَ: "إنْ صَلَّى قائِمًا، فَهْوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قاعِدًا، فَلَهُ نِصفُ أَجْرِ الْقائِم، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا، فَلَهُ نِصفُ أَجْرِ الْقاعِدِ". (عن عبد الله بن بُريدة): بموحدة مضمومة وراء، مصغَّر. (وكان مبْسورًا): -بموحدة ساكنة-: به علةُ البواسير، وأصلُ الكلمة من البسر، وهو الكراهةُ بتقطيب. وذكر الزُّبيدي: أن الباسور -بالباء- عجميةٌ، وبالنون عربية (¬1). (ومن صلى نائماً): -بالنون-؛ من النوم، رواه أبو ذر (¬2) وغيره. وفي أصل النسفي هنا زيادة هي (¬3): قال البخاري: نائمًا عندي: مضطجعاً، [أطلق عليه لفظ النوم؛ لكثرة ملازمته له، وفيه دلالة واضحة على صحة التنفل مضطجعاً] (¬4) مع القدرة على الأصح، وبالغ بعضهم في التخفيف، فجوزَ الإيماءَ مع القدرة، وهو ضعيف. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 282). (¬2) في "ع" ": "داود". (¬3) "هي" ليست في "ج". (¬4) ما بين معكوفتين سقط من "ج".

باب: إذا لم يطق قاعدا، صلى على جنب

باب: إذا لم يُطِق قاعدًا، صلَّى على جَنبٍ 681 - (1117) - حَدَّثَنا عَبْدانُ، عَنْ عبد الله، عَنْ إِبْراهِيمَ بْنِ طَهْمانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ الْمُكْتِبُ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: كانَتْ بِي بَواسِيرُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عنِ الصَّلاَةِ، فَقالَ: "صَلِّ قائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ، فَقاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ، فَعَلَى جَنْبٍ". (الحسينُ المُكْتِبُ): بضم الميم (¬1) وإسكان الكاف وكسر المثناة من فوق مخففةَ، وقيل: بتشديدها مع فتح الكاف، وهو الذي يعلِّم الصبيانَ الكتابةَ. * * * باب: إذا صلَّى قاعدًا ثمَّ صحَّ، أو وجدَ خِفَّةً، تمَّم ما بقي 682 - (1118) - حَدَّثَنا عبد الله بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنا مالِكٌ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُروَةَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْها- أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّها أَخْبَرَتْهُ: أَنَّها لَمْ تَرَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي صَلاَةَ اللَّيْلِ قاعِدًا قَطُّ حَتَّى أَسَنَّ، فَكانَ يَقْرَأُ قاعِدًا، حَتَّى إِذا أَرادَ أَنْ يَركعَ، قامَ، فَقَرَأَ نَحوًا مِنْ ثَلاَثِينَ آيَةً، أَوْ أَربَعِينَ آيَةً، ثُمَّ ركَعَ. (فإذا بقي من قراءته نحواً من ثلاتين أو أربعين آية): يروى: نحوٌ بالرفع، وهو ظاهر، وبالنصب. ¬

_ (¬1) في "ع": "بضم أوله".

وخرَّجه ابن مالك على أن "من" زائدة على قول الأخفش، وقراءتُه فاعل، وهو مصدرٌ مضاف إلى الفاعل، ونحواً: منصوب بالمصدر مفعولٌ به، أو على أن "من قراءته" [صفة لفاعل بقي قامتْ مقامه لفظاً، ونوى ثبوته، وانتصب نحواً (¬1) على الحال؛ أي: فإذا بقي باقٍ من قراءته] (¬2) نحوًا من كذا (¬3). ¬

_ (¬1) في "ع": "نحو". (¬2) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬3) انظر: "شواهد التوضيح" لابن مالك (ص: 125 - 126).

كتاب التهجد

كِتابُ التَّهَجُّدِ

باب: التهجد بالليل

كِتابُ التَّهَجُّدِ باب: التَّهَجُّدِ بِاللَّيْلِ وَقوله - عَزَّ وَجَلَّ-: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: 79] (باب: التهجد بالليل): التهجُّد من الأضداد، وكذا الهجود. قال الجوهري: يقال: هَجَدَ، وتَهَجدَ؛ أي: نام ليلًا، وهَجَدَ وتَهَجدَ؛ أي: سهر (¬1). والمرادُ هنا: السهر. {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ}: قيل: إنما خص بذلك؛ لأنها كانت فريضةً عليه، ولغيره تطوع، فقيل: أقمها (¬2) نافلة لك (¬3)، ويروى هذا عن (¬4) ابن عباس (¬5). وقال مجاهد: لم يكن فعلُه ذلك يكفِّرُ عنه شيئًا؛ لأنه قد كان غُفر له ¬

_ (¬1) انظر: "الصحاح" (2/ 555)، (مادة: هجد). (¬2) في "ن" و "ع": "أتمها". (¬3) "لك" ليست في "ن". (¬4) "عن" ليست في "ج". (¬5) رواه الطبري في "تفسيره" (15/ 142).

ما تقدم (¬1) وما تأخر، فكان نافلةَ فضلٍ وزيادة (¬2). واعترضه الطبري: بأنّه -عليه السلام - كان أشدَّ استغفارًا لربه بعدَ نزول قوله: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ} [الفتح: 2]؛ لأنها (¬3) نزلت بعد منصرَفِهِ من الحديبية، ونزل: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1]، عامَ قُبضْ. وقيل له فيهما: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 3]، فكان بَعْدُ (¬4) يستغفرُ الله في المجلس الواحد مئة مرة، ومعلومٌ أن الله لم يأمره أن يستغفر إلا مما يغفره له باستغفاره (¬5). قال ابن المنير -رحمه الله-: قولُ مجاهد صحيح، والطبريُّ (¬6) لم يورده على مقصوده، وذلك أن مجاهدًا جرى فعلُه على القواعد العقلية القطعية؛ فإن التكاليف تستدعي الوعدَ والوعيدَ، ولا يُتصور ذنبٌ عقلًا إلا (¬7) بوعيد، ولو فرضنا أن السيد قال لعبده: لا تفعلْ كذا، وإن فعلتَ (¬8)، فلا جُناحَ عليكَ ولا حرجَ؛ لاستحالت (¬9) حقيقةُ النهي، واختلطت بالإباحة، ¬

_ (¬1) في "ع" زيادة: "من ذنبه". (¬2) رواه الطبري في "تفسيره" (15/ 143). (¬3) في "ج": "ما لأنها". (¬4) "بعد" ليست في "ع". (¬5) انظر: "تفسير الطبري" (15/ 143). (¬6) "والطبري" ليست في "ع". (¬7) في "ن": "لا". (¬8) في "ن" و"ع": "فعلته"، وفي "ج": "وإن فعلت كذا". (¬9) في "ج": "لاستحالة".

فعلى هذا يشكل الجمعُ بين التصريح (¬1) بالمغفرة لكلِّ شيء يقعُ من المكلف مع تكليفه (¬2) الإيجابَ والنهي. ويتعين أن يكون المرادُ بقوله تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2]، الإعلامَ بأنّه موسع عليه، ولا حرجَ يلحقُه في شيء، غير أن الله (¬3) تعالى علمَ أن نبيه لا يفعل إلا ما أمر (¬4) الله به، ولا يرتكب شيئًا مما نهَى عنه، فيرجع [التكليفُ (¬5) إلى الأمة، وتكون] (¬6) التكاليفُ كلُّها في حقِّ الرسول قرةَ عينٍ وإلهامَ طبعٍ، وتكون صلاته في الدنيا مثلَ تسبيح أهل الجنة في الجنة، ليس على وجه الكلفة ولا التكليف، هذا كله يتفرع على طريقة إمام الحرمين. وأما على (¬7) طريقة القاضي حيث يقول: لو أوجب الله شيئًا، لوجب، وإن لم يكن (¬8) وعيد، فلا يمتنعُ حينئذٍ بقاءُ (¬9) التكاليف في حقه -عليه السلام - على ما كانت عليه مع طمأنينته من ناحية الوعيد (¬10)، وعلى كلا ¬

_ (¬1) في "ع": "الصريح". (¬2) في "ن" و"ع": "تكليف". (¬3) في "ج": "غير الله، أن الله". (¬4) في "ع": "أمره". (¬5) في "ع": "التكاليف كلها". (¬6) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬7) "على" ليست في "ج". (¬8) في "ج": "لم يمكن". (¬9) في "ج": "في بقاء". (¬10) في "ن": "الوعد".

التقديرين، فهو معصوم، ولا ذَنْبَ ولا عَتْبَ (¬1). وقول الطبري: إنما يُستغفر مما (¬2) يوجب الاستغفار، ليس بمستقيم؛ فإنَّه تعريضٌ بوقوع (¬3) الذنب، وإنما الحقُّ أن الاستغفار تعبدٌ على الفرض والتقدير؛ أي: أَستغفرُك لما (¬4) عساه (¬5) أن يقع لولا عصمتُك (¬6) إياي، ولهذا تأول كثير من العلماء قوله تعالى: {مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ} [الفتح: 2] على أنَّه ذنب آدمَ، {وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2] على أنَّه ذنب الأمة، ولهم فيه وجوهٌ كلها تحوم على اعتقاد (¬7) العصمة، وعدم تحقيق الذنب. وأما قوله -عليه السلام-: "اغفِرْ لِي خَطايايَ وجَهْلي وكلُّ ذَلِكَ عِنْدِي" (¬8)، فالتحقيق فيه: أن يكون ذلك فرضًا وتقديرًا، كأنه قال: وكلّ ذلك عندي لولا عصمتُك إياي، وأنا مع العصمة، فلا وَصمةَ. والله أعلم. * * * 683 - (1120) - حَدَّثَنا عَلِيُّ بْنُ عبد الله، قَالَ: حَدَّثَنا سُفْيانُ، قَالَ: حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ، عَنْ طاوُس: سَمِعَ ابْنَ عَبّاس -رَضِيَ اللهُ ¬

_ (¬1) "ولا عتب" ليست في "ن". (¬2) في "ع": "بما". (¬3) في "ن"و "ع": "لوقوع". (¬4) في "ج": "كما". (¬5) في "ع": "عسى". (¬6) في "ج": "يقع لولاية عصمتان". (¬7) "اعتقاد" ليست في "ن". (¬8) رواه البخاري (6398) عن أبي موسى رضي الله عنه.

عَنْهُما- قَالَ: كانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذا قامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ، قَالَ: "اللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ قَيِّمُ السَّماواتِ والأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ، لَكَ مُلْكُ السَّماواتِ والأرضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ، نُورُ السَّمَواتِ والأَرضِ، ولكَ الحَمْدُ، أَنْتَ الحقُّ، وَوَعْدُكُ الحقُّ، ولِقاؤُكَ حَقٌ، وقَوْلُكَ حَقّ، والجنَّةُ حَقّ، والنّارُ حَقّ، والنَّبِيُّونَ حَقّ، ومُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - حَقّ، والساعَةُ حَقٌّ، اللهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنبتُ، وَبِكَ خاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حاكمْتُ، فاغْفِر لِي ما قَدَّمْتُ وَما أَخّرتُ، وَما أَسْرَرْتُ وَما أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ، وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَوْ: لا إِلَهَ غَيْرُكَ". قَالَ سُفْيانُ: وَزادَ عَبْدُ الْكَرِيم أبُو أُمَيّةَ: "وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ". قَالَ سُفْيانُ: قَالَ سُلَيْمانُ بْنُ أَبي مُسْلِم: سَمِعَهُ مِنْ طاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (أنت قَيِّمُ السموات والأرض): أي: الدائمُ القيامِ بتدبيرهنَّ، وتدبيرِ ما فيهنَّ، وحفظِ ذلك، يقال فيه: قَيِّم وقَيّام وقَيُّوم. (نور السموات (¬1): أي: منوِّرُها، أو مبرئها من العيوب من قول العرب: امرأة منورة: مبرأةٌ من كلِّ ريبةٍ. (أنت الحقُّ): هو اسم من أسمائه، وصفةٌ من صفاته، ومعناه: المتحقِّقُ وجودهُ، [وكلُّ شيء ثبتَ وجودُه] (¬2) وتحقَّقَ، فهو حق، وهذا ¬

_ (¬1) في "ع": "السموات والأرض". (¬2) ما بين معكوفتين سقط من "ج".

الوصفُ للربّ -جل جلاله- بالحقيقة والخصوصية لا ينبغي لغيره؛ إذ وجودُه بذاته (¬1) لم يسبقه عدمٌ، ولا يلحقُه عدم (¬2)، ومن عداه ممن (¬3) يقال فيه ذلك، فهو (¬4) بخلافه. (ووعدُك الحقُّ): أي: الأمرُ المتحقق، فما (¬5) يدخله خلفٌ ولا شكّ في وقوعه وتحققه. (ولقاؤك حَقٌّ): أي: رؤيتك في الدار الآخرة حيث لا مانع؛ كما في حق الكفار والمنافقين، أو لقاءُ جزائك لأهل السعادة والشقاوة. قال السهيلي: دخلت الألفُ واللام في (¬6) "أنت الحقُّ"؛ للدلالة على أنَّه المستحقُّ لهذا الاسم بالحقيقة، إذ هو مقتضى هذه الأداة، وكذا في وعدك الحق؛ لأنَّ وعده كلامه، وتركت في الجنة والنار واللقاء (¬7)؛ لأنها أمورٌ محدَثة، والمحدَثُ لا يجب (¬8) له البقاء من جهة ذاته، وبقاء ما يدوم منه علم بالخبر الصادق، لا (¬9) من جهة استحالة فنائه (¬10). ¬

_ (¬1) في "ج": "لغيره إذ وجود كل شيء يتثبت بذاته". (¬2) في "ن": "ندم". (¬3) في "م" و"ن": "مما". (¬4) "فهو" ليست في "ن". (¬5) في "ن": "فلا". (¬6) "في" ليست في "ن". (¬7) "واللقاء" ليست في "ج". (¬8) في "ج": "لا يوجب". (¬9) في "ج": "ولا". (¬10) انظر: "الروض الأنف" (2/ 155).

قلت: يرد عليه قوله في هذا الحديث: "وقولك حقٌ"، مع أن قولَه: كلامُه القديم، فينظر وجهه. (لك أسلمتُ): أي: انْقَدتُ لحكمِك وسلَّمْتُ. (وبك آمنتُ): أي: صدَّقت بك وبما أنزلت. (وعليك توكلت): تبرأَ إليه من الحول والقوة، وصرفَ أُموره (¬1) كلَّها إليه. (وإليكَ أَنبت): أقبلْت. (وبكَ خاصمْت): أي: بما آتيتني من البراهين احتججْت. (وإليك حاكمْت): أي (¬2): كل من أبى من (¬3) قبول ما جئت به (¬4) من طلب الإيمان وفعل الحق. (أنت المقدِّمُ والمؤخِّرُ): قال المهلب: يعني: أنَّه قدَّم في البعث إلى الناس غيره -عليه السلام-؛ كقوله (¬5): "نَحْنُ الآخِرُونَ السّابِقُونَ" (¬6)، ثمَّ قدمه عليهم (¬7) يوم القيامة بالشفاعة، وبما (¬8) فضله به، فسبق بذلك الرسل -عليهم السلام -. ¬

_ (¬1) في "ع": "الأمور". (¬2) "أي" ليست في "ع". (¬3) في "ع": "عن". (¬4) "به" ليست في "م". (¬5) في "ع": "لقوله". (¬6) تقدم برقم (238) عند البخاري. (¬7) في "ج": "عليه". (¬8) في "ع": "وربما".

باب: فضل قيام الليل

باب: فضلِ قيامِ اللَّيلِ 684 - (1121) - حَدَّثَنا عبد الله بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنا هِشامٌ، قَالَ: أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ. وَحَدَّثَنِي مَحمُود، قَالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنا مَعمَر، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ كانَ الرَّجُلُ في حَياةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِذا رَأَى رُؤْيا، قَصَّها عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَتَمَنيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيا فَأقصَّها عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكُنْتُ غُلاَمًا شابًّا، وَكنْتُ أَنَامُ في الْمَسْجدِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَرَأَيْتُ في النَّوْمِ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذانِي، فَذَهَبا بِي إِلَى النّارِ، فَإِذا هِيَ مَطْوِيَّة كطَيِّ الْبِئْرِ، وَإِذا لَها قَرنَانِ، وَإِذا فِيها أُنَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ، فَجَعَلْتُ أقولُ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ النّارِ. قَالَ: فَلَقِينا ملك آخَرُ، فَقالَ لِي: لَمْ تُرع. (لم تُرع): من الروع: وهو الخوف. وعند القابسي: "لن تُرَعْ"، والمقام يقتضيه، إلا أن (¬1) في ظاهره إشكالًا (¬2) من جهة أن "لن" حرف نصب، ولم تنصب هنا، فإما أن يكون جزم (¬3) بها على اللغة التي حكاها الكسائي، وإما أن يكون سَكَّن عينَ تراع (¬4) للوقف، ثمَّ شبهه بسكون المجزوم، فحذف الألف قبله، ثمَّ أجرى الوصل مجرى الوقف، [قاله ابن مالك (¬5). ¬

_ (¬1) في "ع": "يقتضيه الآن". (¬2) في "ع": "إشكال". (¬3) في "ج": "جزماً". (¬4) في "ج": "ترع". (¬5) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 160).

باب: ترك القيام للمريض

قلت: لكن (¬1) لا نسلم أن فيه إجراء الوصل مجرى الوقف] (¬2)؛ إذ لم يصله الملك بشيء بعده. فإن قلت: إنما وجَّه ابنُ مالك بهذا في الرواية التي فيها: لم تُرع ترعْ (¬3)، وهذا يتحقق فيه ما قاله من إجراء الوصل مجرى الوقف. قلت: لا نسلم؛ إذ يحتمل أن الملَك نطق بكل جملة منها منفردةً عن الأخرى، ووقف على آخرها، فحكاه كما وقع. * * * باب: تَرْكِ الْقِيامِ لِلْمَرِيضِ 685 - (1124) - حَدَّثَنا أبُو نُعَيمٍ، قَالَ: حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ الأَسوَدِ، قَالَ: سَمِعْتُ جُندَبًا يَقُولُ: اشتَكَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَةً أَوْ لَيلَتَينِ. (باب: ترك القيام للمريض). (اشتكى): أَي: من الوجَع. * * * 686 - (1125) - حَدَثَنا مُحَمَدُ بْنُ كثِيرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنا سفْيانُ، عَنِ الأسوَدِ بْنِ قَيسٍ، عنْ جُنْدَبِ بْنِ عبد الله - رَضِيَ اللهُ عَنْه-، قَالَ: احتَبَس جِبْرِيلُ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقالَتِ امْرَأة مِن قُرَيْشٍ: أَبْطَأَ عَلَيْهِ شَيْطانُهُ، فَنَزلَت: {وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: 1 - 3]. ¬

_ (¬1) "لكن" ليست في "ع". (¬2) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬3) "ترع" ليست في "ن" و"ع" و"ج".

باب: تحريض النبي - صلى الله عليه وسلم - على صلاة الليل والنوافل من غير إيجاب

(فقالت امرأة من قريش: أبطأ عليه شيطانه): روى الحاكم من حديث زيد بن أرقم: أن قائل ذلك امرأةُ أبي لهب (¬1)، وهي العوراء أُمُّ جميل بنتُ حربٍ أختُ أبي سفيان. * * * باب: تَحرِيضِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى صَلاةِ اللَّيْلِ والنَّوافِلِ مِنْ غَيْرِ إِيجابٍ 687 - (1126) - حَدَّثَنا ابْنُ مُقاتِلٍ، أَخْبَرَنا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ هِنْدٍ بِنْتِ الْحارِثِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْها-: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَيْقَظَ لَيْلَةً، فَقالَ: "سُبْحانَ اللهِ! ماذا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ الْفِتْنَةِ! ماذا أُنْزِلَ مِنَ الْخَزائِنِ! مَنْ يُوقِظُ صواحِبَ الْحُجُراتِ؟ يا رُبَّ كاسِيَةٍ في الدُّنْيا عارِيَةٍ في الآخِرَةِ". (باب: تحريض النبي -صلى الله عليه وسلم- على قيام الليل (¬2) والنوافل وغيرها من غير إيجاب). (ماذا أنزل الليلة من الفتن (¬3): إما (¬4) أن (¬5) يريد به الفتن ¬

_ (¬1) رواه الحاكم في "المستدرك" (3945). (¬2) كذا في رواية أبي ذر الهروي وابن عساكر، وفي اليونينية: "على صلاة الليل"، وهي المعتمدة في النص. (¬3) كذا في رواية أبي ذر الهروي عن الحموي والكشميهني، وفي اليونينية: "من الفتنة"، وهي المعتمدة في النص. وقوله: "الليلة من الفتن" ليست في "ج". (¬4) في "ج": "إنما". (¬5) "أن" ليست في "ج".

الجزئية (¬1) القريبة (¬2) المأخذ، وإما أن يريد ما (¬3) أنزل من مقدمات الفتن. وإنما التجأنا إلى هذا التأويل؛ لقوله -عليه السلام-: ["أَنا أَمَنَةٌ لأصحابي، فَإِذا ذَهَبْتُ (¬4)، جاءَ أَصحابِي ما يُوعَدُونَ" (¬5)، فزمانه -عليه السلام] (¬6) - جدير بأن يكون حُمي من الفتن، وأيضًا فقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: 3] وإتمامُ النعمة أمان من الفتنة (¬7). وأيضًا: فقولُ حذيفةَ لعمَر: "إنَّ بَينك وبَينها بابًا مغلَقاً" (¬8) يعني: بينه وبين الفتنة التي تموج كموج البحر، وتلك إنما استُفتحت (¬9) بقتل عمر - رضي الله عنه -، وأما الفتن الجزئية، فهي كقوله: "فتنةُ الرجلِ في أهلِه وماله تُكَفّرُها الصلاةُ والصيامُ والصدقَةُ" (¬10). [(ماذا (¬11) أنزل من الخزائن): يحتمل أن يكون المراد: خزائنَ ¬

_ (¬1) "الجزئية" ليست في "ج". (¬2) في "ن": "العربية". (¬3) في "ع": "ماذا". (¬4) في "ع": "ذهب". (¬5) رواه مسلم (2531) عن أبي بردة، عن أبيه رضي الله عنهما. (¬6) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬7) "من الفتنة" ليست في "ج". (¬8) رواه البخاري (1435) عن حذيفة رضي الله عنه. (¬9) في "ع" و"ج": "استحقت". (¬10) رواه البخاري (3586)، ومسلم (144) عن حذيفة رضي الله عنه. (¬11) في "ن" و"ع": "ما أنزل الليلة".

الأعطية] (¬1)، ويحتمل خزائنَ الأقضية مطلقًا. وفيه إشارة إلى تعظيم فتن النساء؛ لأنه قال عقيب الفتن: "يا رَبَّ كاسِيَةٍ في الدنيا عارية في الآخِرة، مَنْ يوقظُ صواحَب الحُجَر؟ ". * * * 688 - (1128) - حَدَّثَنا عبد الله بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنا مالكٌ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ عُروَةَ، عَنْ عائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْها-، قالَت: إِنْ كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيدَع الْعَمَلَ، وَهْوَ يُحب أَنْ يَعْمَلَ بِهِ، خَشيَةَ أَن يَعْمَلَ بهِ النّاسُ، فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ، وَما سَبَّحَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ، وَإِنِّي لأُسَبِحُها. (وإني لأُسبحها): مصدره (¬2) التسبيح؛ أي: لأُصليها (¬3). ووقع في "الموطأ" (¬4): لأَستحبها (¬5)؛ من الاستحباب. * * * 689 - (1129) - حَدَّثَنا عبد الله بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنا مالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ عُروةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمنينَ- رضِيَ اللهُ ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬2) في "ن": "مصدر". (¬3) في "ج": "أي: لا أصليها". (¬4) في المطبوع من "الموطأ" (1/ 152): "لأسبحها". قال الباجي في "المنتقى": رواية يحيى: "لأستحبها"، ورواه غيره: "لأسبحها". وانظر: "التنقيح" (1/ 285). (¬5) في "ج": "لا أستحبها".

باب: قيام النبي - صلى الله عليه وسلم - الليل

عَنْها-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى ذاتَ لَيْلَةٍ في الْمَسْجِدِ، فَصَلَّى بِصَلاَتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى مِنَ الْقابِلَةِ، فَكَثُرَ النّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثّالِثَةِ أَوِ الرّابِعَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمّا أَصبَحَ، قَالَ: "قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ، وَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ". وَذَلِكَ في رَمَضانَ. (إلا أني خشيت أن تُفرض عليكم): فتركَ قيامَ الليل رأفةً (¬1) بهم. واعلم: أن الترجمة قد اشتملت على أمرين كما رأيتَهُ: التحريض، وعدم الإيجاب، فذكرُ الأحاديثِ المتقدمة شاهدةٌ على التحريض، وذكرُ هذا شاهد (¬2) على عدم الإيجاب. * * * باب: قيامِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - اللَّيلَ 690 - (1130) - حَدَّثَنا أَبُو نُعَيْم، قَالَ: حَدَّثَنا مِسْعَر، عَنْ زِيادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُولُ: إِنْ كانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- ليقُومُ لِيُصَلِّيَ حَتَّى تَرِمُ قَدَماهُ، أَوْ ساقاهُ. فَيُقالُ لَهُ، فَيَقُولُ: "أَفَلا أُكَونُ عَبْدًا شَكُورًا؟! ". (حتى ترم (¬3) قدماه أو ساقاه، فيقال له): في كتاب: التفسير من البخاري: عن عائشة: أنها قالت له: أتصنعُ هذا وقد غفر الله لكَ ما تقدم ¬

_ (¬1) "رأفة" ليست في "ن". (¬2) في "ن" و"ع": "شاهدًا". (¬3) في "ع": "تورم".

باب: من نام عند السحر

من ذنبك وما تأخر؟ فقال (¬1): "أفلا أكُونُ عَبْدا شَكُوراً؟! " (¬2). وترِم (¬3) بكسر الراء، ويروى بنصب الآخِر ورفعه. * * * باب: مَنْ نامَ عندَ السَّحَرِ 691 - (1131) - حَدَّثَنا عَلِيُّ بْنُ عبد الله، قَالَ: حَدَّثَنا سُفْيانُ، قَالَ: حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ دِينارٍ: أَنَّ عَمْرَو بْنَ أَوْسٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عبد الله بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعاصِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُ: "أَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى اللهِ صَلاَةُ داوُدَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-، وَأَحَبُّ الصِّيامِ إِلَى اللهِ صِيامُ داوُدَ، وَكانَ يَنامُ نِصفَ اللَّيْلِ، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنامُ سُدُسَهُ، وَيصُومُ يَوْمًا، ويُفْطِرُ يَوْمًا". (وكان ينام نصفَ الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، ويصوم يومًا، ويفطر يوماً): قال ابن المنير: كان داود -عليه السلام- يقسم ليله ونهاره لحق ربه وحَق نفسه. فأما الليل، فاستقام له فيه ذلك في كل ليلة، وأما النهار، فلما تعذَّرَ عليه أن يجزئه بالصيام (¬4)؛ لأنه لا يتبغَّض، جعل عوضًا من ذلك أن يصوم يومًا، ويفطر يومًا (¬5)، فيتنزل ذلك منزلة التجزئة في شخص اليوم، والله أعلم. ¬

_ (¬1) في "ج": "قال". (¬2) رواه البخاري (4837). (¬3) في "ع": "يورم". (¬4) في "ج": "الصيام". (¬5) "ويفطر يوماً" ليست في "ج ".

692 - (1132) - حَدَّثَنِي عَبْدانُ، قَالَ: أَخْبَرَني أَبِي، عَنْ شُعْبةَ، عَنْ أَشْعَثَ: سَمِعْتُ أَبي قَالَ: سَمِعْتُ مَسْرُوقًا قَالَ: سَأَلْتُ عائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْها-: أَيُّ الْعَمَلِ كانَ أَحَبَّ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قالَتِ: الدّائِمُ، قُلْتُ: مَتَى كانَ يَقُومُ؟ قالَتْ: يَقُومُ إِذا سَمِعَ الصّارِخَ. حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنا أَبُو الأَحوَصِ، عَنِ الأَشْعَثِ، قَالَ: إِذا سَمِعَ الصّارِخَ، قامَ فَصَلَّى. (إذا سمع الصارخ): يعني: الديك. الزركشي: قال ابن ناصر: وأولُ ما يصيح نصفَ الليل (¬1). * * * 693 - (1133) - حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ذَكَرَ أَبي، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ عائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْها-، قالَتْ: ما أَلْفاهُ السَّحَرُ عِنْدِي إِلَّا نَائِمًا. تَعْنِي: النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -. (ما ألفاه): بالفاء. (السحرُ): فاعل ألفى. (عندي إلا نائماً): -بالنون-؛ من النوم، ويصحَّف (¬2) بالقاف. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 286). (¬2) في "ج": "ويصح"

باب: طول القيام في صلاة الليل

باب: طُولِ الْقِيامِ في صَلاَةِ اللَّيْلِ (باب: طول الصلاة في قيام الليل (¬1): ساق فيه حديث حذيفة. 694 - (1136) - حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنا خالِدُ بْنُ عبد الله، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبي وائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إِذا قامَ لِلتَّهَجُّدِ مِنَ اللَّيْلِ، يَشُوصُ فاهُ بِالسِّواكِ. (كان إذا قام للتهجد من الليل، يشوص فاه): فاستشكله ابن بطال حتى عدَّ ذكره في (¬2) هذا الباب من غلط النسخ، أو لأنَّ البخاري -رحمه الله- اخْتُرِمَ قبل (¬3) تنقيح كتابه (¬4). قال ابن المنير: ويحتمل عندي أن يكون في الحديث إشارةٌ إلى معنى الترجمة؛ من جهة أن استعمال السواك حينئذٍ يدلُّ على ما يناسبه من كمال الهيئة (¬5)، والتأهبِ للعبادة، وأخذِ النفس حينئذ بما يؤخذ به في النهار، فكان (¬6) ليله - صلى الله عليه وسلم - نهارًا، وهو دليل طول القيام فيه. وُيدفع أيضًا وهمُ من لعله يتوهم أن القيام كان خفيفاً (¬7) [بما ورد في ¬

_ (¬1) كذا في رواية أبي ذر الهروي عن الحموي والمستملي، وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني: باب القيام في صلاة الليل، وهي المعتمدة في النص. (¬2) في "ع": "من". (¬3) في "ج": "أخبر من قبل". (¬4) انظر: "شرح ابن بطال" (3/ 126). (¬5) في "ع": "التهيئة". (¬6) في "ج": "وكان". (¬7) في "ج": "خفياً".

باب: كيف كان صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وكم كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل

حديث ابن عباس: فتوضأ وضوءًا خفيفًا، وابن عباس] (¬1) إنما أراد (¬2) وضوءًا رشيقاً مع إكمال وإسباغ، والسواك (¬3) يدل على كماله. قلت: أطال الخطابة (¬4)، ولم يكشف الخطبَ، والحقُّ أحقُّ أن يُتَّبَع. وبالله التوفيق. وقوله في الحديث الذي قبل هذا: "حَتى هَمَمْتُ بأمر سوءٍ" هو بإضافة أمر إلى سوء، وهو بفتح السين المهملة. * * * باب: كيفَ كانَ صَلاَةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَكَمْ كانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ (وكم كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بالليل (¬5)): فيه عن ابن عباس: "أنها كانت ثلاثَ عشرةَ ركعةً" (¬6)، وعن عائشة: [سبع]، وتسع، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، منها الوتر وركعتا الفجر. فقيل: الاختلافُ من قِبَلهما؛ لأنَّ الرواة ثقات، وذلك محمول على التوسعة. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬2) في "ج": "إنما أورد". (¬3) في "ج": "والسؤال". (¬4) في "ع": "الحكاية". (¬5) كذا في رواية أبي ذر الهروي وابن عساكر وأبي الوقت، وفي رواية لأبي الوقت: "من الليل"، وهي المعتمدة في النص. (¬6) رواه البخاري (1138).

وقيل: الاختلاف من قبل (¬1) الرواة (¬2)، وأن الصحيح (¬3) فيها (¬4) إحدى عشرة ركعة، وأَوَّلوا ما خالفَ ذلك. وربما يقال (¬5): كيف (¬6) تُنزل هذه الأحاديثُ منزلةَ المتعارضات حتى يُحتاج إلى الجمع بينها، وإنما هي أفعال، وكلها (¬7) مشروع؟ وحاصل القضية: أن قيام الليل إن كان واجبًا بالنسبة إليه -عليه السلام-، واختَلَفَ عددُ الركعات منه في أوقات، عُلم أن الأقل (¬8) هو الواجب (¬9)، والزائد نافلة. قال ابن المنير: وإنما جاءت المعارضة في قول الراوي (¬10) الواحد: كان يفعل كذا، أو كانت (¬11) صلاته كذا؛ فانه لفظٌ يعطي العادةَ والدوامَ، ولا يُتصور المداومةُ على عادتين في زمن واحد، فإن ذلك يرجع إلى النفي والإثبات؛ إذ قولها: كانت صلاته إحدى عشرة (¬12) [يقتضي أنها عادته، ¬

_ (¬1) في "ج": "من قبلهما". (¬2) "الرواة" ليست في "ج". (¬3) في "ع": "والصحيح". (¬4) في "ج": "فيهما". (¬5) في "ج": "وربما قالوا". (¬6) "يقال كيف" ليست في "ع". (¬7) في "ج": "فكلها". (¬8) في "ن": "الأول". (¬9) في "ج": "هو الزائد". (¬10) في "ع": "الرأي". (¬11) في "ن" و"ع" و"ج": "وكانت". (¬12) في "ج": "إحدى عشر ركعة".

باب: عقد الشيطان على قافية الرأس إذا لم يصل بالليل

لا يزيد عليها، ثمَّ قولها: كانت صلاته ثلاث عشرة] (¬1) يقتضي الزيادةَ، فيفضي إلى اجتماع النفي والإثبات، وهو مستحيل. * * * 695 - (1139) - حَدَّثنا إِسْحاقُ، قَالَ: حَدَّثَنا عبيد الله، قَالَ: أَخْبَرنا إِسرائِيلُ، عَنْ أَبِي حُصَينٍ، عَن يَحيَى بنِ وَثّابٍ، قَالَ: سَألتُ عائِشةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْها- عَنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِاللَّيْلِ، فَقالَتْ: سَبْعٌ، وتسعٌ، وَإحدَى عَشْرَةَ، سوَى ركعَتَيِ الْفَجْرِ. (ابن وَثّاب): -بواو مفتوحة وثاء مثلثة مشددة-؛ من الوثب. * * * باب: عَقْدِ الشَّيطانِ على قافية الرأس إذا لم يُصلِّ باللَّيلِ 696 - (1142) - حَدَّثَنا عبد الله بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنا مالكٌ، عَنْ أَبي الزِّنادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَعْقِدُ الشَّيْطانُ عَلَى قافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ كلَّ عُقْدَةٍ: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيل فارقُدْ، فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللهَ، انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ، انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى، انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَأَصبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلَّا، أَصبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ". (يعقد الشيطان): كناية عن تثقيله بالنوم وتثبيطه. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين سقط من "ج".

قال الزركشي: وفي رواية ابن ماجه: "يعقد بحبل" (¬1)، وهو مناسب لقوله: ليل طويل، وهو من باب عقد السواحر النفاثات في العقد، وذلك بأن يأخذن خيطًا فيعقدنَ عليه عقدةً (¬2) منه، ويتكلمن بالسحر، فيتأثر المسحور عند ذلك، إما بمرض، أو تحريك قلب (¬3). (على قافية رأسِ أحدِكم): أي: على مؤخَّر الرأس، وكذا (¬4) قافية كل شيء، ومنه قافيةُ الشِّعْر. قيل: وإنما خص مؤخر الرأس؛ لأنه محلّ العقل والفهم. (يضرب على (¬5) كل عقدة): ويروى: "عند كل عقدة". (عليكَ ليلٌ طويل): جملة اسمية، أو فعليةٌ والفعلُ محذوف؛ أي: بقي عليك ليلٌ طويل، يلقي إليه (¬6) هذه الجملةَ الخبريةَ بطريق الوسواس؛ ليثبط عزمَه عن المبادرة للنهوض. (فارقد): كأن الفاء رابطة شرط مقدر؛ أي: وإذا كان كذلك، فارقدْ، ولا تعجلْ بالقيام؛ ففي الوقت مُتَّسَع. قال الزركشي: وفي رواية لمسلم: "عليكَ ليلًا طويلًا" (¬7) - بالنصب (¬8) - ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه (1329). (¬2) في "ج": "عليه السواحر عقدة". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 286). (¬4) في "ن": "وكذلك". (¬5) "على" ليست في "ن". (¬6) في "ع": "عليه". (¬7) رواه مسلم (776). (¬8) "بالنصب" ليست في "ج".

على الإغراء، والأول أولى من جهة المعنى؛ لأنه أمكنُ في الغرور، من حيث إنه يخبره بطول الليل، ثمَّ يأمره بالرقاد، وإذا (¬1) نُصب على الإغراء، لم يكن فيه إلا الأمرُ بملازمه طولِ الرقاد، وحينئذ فيكون قولُه: "فارقد" ضائعًا (¬2). قلت: فحينئذ يتعين الرفع، ولا يقال: هو أولى. (فإن استيقظ، فذكر الله، انحلت عقدة): أي: عقدةٌ واحدة من تلك العقد الثلاث. قال ابن المنير: فيه: أن الوسائلَ الوجوديةَ داخلةٌ في التكليف، وأن (¬3) ما لا يتمّ الواجبُ إلا به، فهو واجبٌ، وإن كان وجودياً، وذلك أنَّه سَوى هنا بين القيام من النوم، وبين الوضوء وبين الصلاة (¬4)؛ فإن (¬5) الشيطانُ يعارض في الثلاثة، والشيطان إنما يعارض في الطاعة (¬6)، والقيامُ من النوم وسيلة وجودية، والوضوء وسيلة شرعية، والصلاةُ هي المقصودة بالخطاب، فسَوَّى بينها وبين وسيلتها (¬7) الوجودية والشرعية في الخطاب، فهذا يدلّ على ما قلناه. ¬

_ (¬1) في "ع": "فإذا". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 287). (¬3) في "ن": "وأما". (¬4) في "ن": "من الصلاة"، وفي "ع": "أو بين الصلاة". (¬5) في "ن": "وإن". (¬6) في "ن" و "ع" و"ج": "الطاعات". (¬7) في "ع": "وسيلتيها".

قلت: فيه نظر. (فإن صلى): المراد: الفريضة، قاله ابن التين (¬1)، قال (¬2): وقيل: النافلة. (انحلت عقدةٌ): روي بالإفراد، وبالجمع (¬3)، ويشهد للثاني روايةُ البخاري في كتاب: بدء الخلق: "انْحَلتْ عُقَدُهُ كُلّها" (¬4). (وإلا أصبحَ خبيثَ النفس): قال أبو عمر (¬5): زعم قوم أن في هذا ما يعارض الحديث الآخَرَ: "لا يَقُولَنَّ أَحَدكُمْ خَبُثَتْ نفسِي" (¬6)، وليس كذلك؛ لأنَّ النهي إنما ورد عن إضافة المرء ذلك [إلي نفسه، وأما إضافة ذلك] (¬7) إلى غيره مما يصدق عليه، فليس بممنوع (¬8). (كسلان): غير منصرف، مذكَّر كَسْلى؛ أي: يصبح كذلك؛ لشؤم تفريطه، وظفر الشيطان به (¬9) بتفويته الحظَّ الأوفرَ من قيام الليل، فلا يكاد يسخو بنفسه، ولا تخفُّ عليه (¬10) صلاةٌ ولا غيرُها من القُربات. ¬

_ (¬1) في "ن" و"ع" و "ج": "ابن المنير". (¬2) "قال" ليست في "ج". (¬3) في "ج": "والجمع". (¬4) رواه البخاري (3269). (¬5) في "ج": "أبو عمرو". (¬6) رواه البخاري (6179) عن عائشة رضي الله عنها. (¬7) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬8) انظر: "التمهيد" لابن عبد البر (19/ 47). (¬9) "به" ليست في "ع". (¬10) "عليه" ليست في "ن".

باب: إذا نام ولم يصل، بال الشيطان في أذنه

697 - (1143) - حَدَّثَنا مُؤَمَّلُ بْنُ هِشامٍ، قَالَ: حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنا عَوْفٌ، قَالَ: حَدَّثَنا أَبُو رَجاءَ، قَالَ: حَدَّثَنا سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الرُّؤْيا، قَالَ: "أَمّا الَّذِي يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ، فَإِنَّهُ يَأخُذُ الْقُرآنَ فَيَرفِضُهُ، وَيَنامُ عَنِ الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ". (أبو رجاء): هو عثمان بن تميم العطاردي. (يثلَغُ): -بثاء مثلثة ولام وغين معجمة-، بالبناء للمفعول؛ أي يشق ويخدش. (فيرفُضه): -بالفاء والضاد المعجمة، [و] بكسر الفاء وضمها-؛ أي: يتركه. * * * باب: إذا نام ولم يُصلِّ، بالَ الشَّيطانُ في أُذُنِهِ 698 - (1144) - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنا أَبُو الأَحوَصِ، قَالَ: حَدَّثَنا مَنْصُورٌ، عَنْ أَبي وائِلٍ، عَنْ عبد الله -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ، فَقِيلَ: ما زالَ نَائِمًا حَتَّى أَصبَحَ، ما قامَ إِلَى الصَّلاَةِ، فَقالَ: "بالَ الشَّيْطانُ في أُذُنِهِ". (بال الشيطان في أذنه): يمكن (¬1) أن يُحمل على ظاهره، والعقلُ لا يُحيله. ويحتمل أن يريد به صرفَه عن الصارخ بما يقرُّه في أذنه حتى لا ينتبه، ¬

_ (¬1) في "ن": "أي: يمكن".

باب: الدعاء والصلاة من آخر الليل

فكأنه (¬1) ألقى في أذنه بوله، فاعتلَّ سمعُه بسبب ذلك. ويحتمل أن يكون كناية عن استرذاله، وجعلِ أذنه كالمحل الذي يُبال فيه. * * * باب: الدعاءِ والصَّلاةِ من آخِرِ اللَّيلِ 699 - (1145) - حَدَّثَنا عبد الله بنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَن ابْنِ شِهابٍ، عَن أَبي سَلَمَةَ، وأَبي عبد الله الأَغَرِّ، عَن أَبي هُريرةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-: أَنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَنْزِلُ رَبُّنا -تَبارَكَ وَتَعالَى- كلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّماءِ الدُّنْيا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يَقُولُ: مَنْ يَدعُوني فَأَستَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْألنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ ". (ينزل ربنا -تبارك وتعالى-): لا يجوز حملُه على النزول بالحركة والانتقال؛ لاستحالته على الله تعالى (¬2)، وإنما هو نزول معنوي أريد به رحمتُه (¬3) لعباده، وإقبالُه عليهم بمزيد اللطف. قال ابن فورك: ضبط لنا بعض أهل النقل هذا الخبر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بضم الياء من ينزل (¬4). ¬

_ (¬1) في "ن" و"ع": "وكأنه". (¬2) في "ج": على الله عَزَّ وَجَلَّ. (¬3) في "ع": رحمته تعالى. (¬4) قلت: هذا الضبط دعوى تحتاج إلى نقل صحيح ثابت عن الرواة المتقنين، والذي عليه جمهور السلف في هذا الحديث وأمثاله إمراره على ما ورد، مع تنزيه =

قال القرطبي: وكذا قيده بعضُهم، فيكون معدّى (¬1) إلى مفعول محذوف؛ أي: يُنزل اللهُ ملكًا، قال: ويدل عليه رواية النسائي: "إنَّ الله - عَزّ وَجَلَّ- يُمْهِلُ حَتَّى يَمْضِيَ شَطْرُ اللَّيْلِ الأَوَّلُ، ثُمَّ يَأْمُرُ مُنادِياً يَقُولُ: هَلْ مِنْ داع فَيُسْتَجابَ لَه (¬2) " الحديث (¬3)، وصححه عبدُ الحق، قال: وبهذا يرتفع الإشكال (¬4). قال الزركشي: لكن روى ابن حبَّان في "صحيحه" (¬5): "يَنْزِلُ اللهُ إِلَى (¬6) السماءِ فَيَقُولُ: لا أَسْأَلُ عَنْ عِبادِي غَيْرِي" (¬7). قلت: لا يلزم من إنزاله الملكَ أن يسألَه (¬8) عما صنع العباد، يجوز (¬9) أن يكون الملَكُ مأموراً بالمناداة، ولا يسأل ألبتة عما كان (¬10) بعدها، فهو ¬

_ = الله سبحانه وتعالى عن الكيفية والتشبيه، وهو المنقول عن الأئمة الأربعة والسفيانين والحمادين والأوزاعي والليث، وغيرهم، كما ذكر البيهقي وابن القيم وغيرهما. (¬1) في "ع": متعد. (¬2) "له" ليست في "ج". (¬3) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (10316) عن أبي هريرة، وأبي سعيد رضي الله عنهما. (¬4) انظر: "المفهم" (2/ 386)، وانظر: "التوضيح" (9/ 97). (¬5) برقم (212) عن رفاعة بن عرابة الجهني رضي الله عنه. (¬6) "إلى" ليست في "ج". (¬7) انظر: "التنقيح" (1/ 288). (¬8) في "ج": "يسأل". (¬9) في "ن" و"ع": "بجواز". (¬10) "كان" ليست في "ن"، "عما كان" ليست في "ج".

باب: فضل الطهور بالليل والنهار، وفضل الصلاة بعد الوضوء بالليل والنهار

-سبحانه وتعالى- أعلمُ بما كان، وبما (¬1) يكون، لا يخفى عليه خافية. (حين يبقى ثلثُ الليلِ الآخِرُ): -بضم الآخر- صفة لثلث. (فأستجيبَ له): منصوبٌ بإضمار أن بعد (¬2) الفاء، لوقوعه (¬3) جوابَ (¬4) الاستفهام؛ كقوله تعالى: {فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا} [الأعراف: 53]، ويجوز الرفع على تقدير مبتدأ؛ أي (¬5): فأنا أستجيبُ له. * * * باب: فضلِ الطُّهورِ باللَّيلِ والنَّهارِ، وفضلِ الصلاةِ بعد الوضوءِ بالليلِ والنهار 700 - (1149) - حَدَّثَنا إِسْحاقُ بْنُ نصرٍ، حَدَّثَنا أَبُو أسُامَةَ، عَنْ أَبِي حَيانَ، عَن أَبي زرعَةَ، عَن أَبي هُريرةَ -رَضِيَ اللهُ عنهُ-: أَنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لِبِلاَلٍ عِنْدَ صَلاَةِ الْفَجْرِ: "يا بِلاَلُ! حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ في الإسْلاَمِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ في الْجَنَّةِ"، قَالَ: ما عَمِلْتُ عَمَلًا أَرجَى عِنْدِي أَنِّي لَمْ أتطَهَّر طُهُورًا في ساعَةِ لَيْلٍ أَوْ نهارٍ، إِلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ ما كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلَيَ. قَالَ أَبُو عبد الله: دَفَّ نَعْلَيْكَ، يَعْنِي: تَحْرِيكَ. ¬

_ (¬1) في "ن" و"ج": "وما يكون". (¬2) "بعد" ليست في "ج". (¬3) في "م": "ولوقوعه". (¬4) في "ن": "لوقوعه في جواب". (¬5) "أي" ليست في "ع".

(عن أبي (¬1) حَيّان): بحاء مهملة مفتوحة ومثناة من تحت مشددة. (بأرجَى عمل): هو أفعلُ تفضيلٍ من فعلٍ مبني للمفعول، وهو سماعي، مثل أَشْغَلَ، وأَعْذَرَ؛ أي: أكثرَ مشغوليةً ومعذوريةً. ومنه: أَعْنَى في قول سيبويه: وَهُمْ بشأنِه أَعْنَى، فالعملُ ليسَ براجٍ للثواب، [وإنما هو مرجُوُّ الثواب] (¬2)، وأضيفَ إلى العمل؛ لأنه السببُ الداعي إلى الرَّجاء (¬3). (دَفَّ نعليك): -بدال مهملة مفتوحة وفاء مشددة-؛ أي: صوتَ مَشْيِك فيهما، قال القاضي: وفي رواية ابن السكن: "دَوِيَّ نَعْلَيْكَ"، وهو قريب من معناه (¬4). قال الزركشي: وقال المحب الطبري: هو بالمعجمة، ويروى بالمهملة؛ أي: حركةَ نعليكَ وسيرهما، تقول: هو يدفُّ في السير (¬5). (إلا صليت بذلك الطهور): والحكمةُ في فضل الصلاة على هذا الوجه من وجهين: أحدهما: أن الصلاة عَقيبَ الطهور (¬6) أقربُ (¬7) إلى اليقين منها إذا ¬

_ (¬1) في "ن" و"ع": "ابن". (¬2) ما بين معكوفتين سقط من "ن". (¬3) في "ن": "الداعي المرجا". (¬4) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 261). (¬5) انظر: "التنقيح" (1/ 289). (¬6) في "ن" و "ع": "الطهر". (¬7) في "ج": "قرب".

باب: ما يكره من التشديد في العبادة

تباعدت منه (¬1)؛ لكثرة عوارض الحدث من حيث لا يشعر المكلف. الوجه الآخر: ظهور أثر الطهور (¬2) باستعماله في استباحة الصلاة، وإظهار آثار الأسباب مؤكدٌ (¬3) لها ومحقق. * * * باب: ما يُكره من التشديد في العبادةِ 701 - (1150) - حَدَّثَنا أَبُو مَعْمَرٍ: حَدَّثَنا عَبدُ الْوارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبِ، عَنْ أَنسِ بْنِ مالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-، فَإِذَا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السّارِيَتَيْنِ، فَقالَ: "ما هَذا الْحَبْلُ؟ "، قالُوا: هَذا حَبْل لِزَينَبَ، فَإِذا فَتَرَتْ، تَعَلَّقَتْ. فَقالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا، حُلُّوهُ، لِيُصَلِّ أَحدكُمْ نشاطَهُ، فَإِذا فترَ، فَلْيقْعُد". (فإذا فتر، فليقعدْ): يحتمل أن يكون المراد: فإذا فتر في أثناء القيام فليقعد، ويتم الصلاة قاعدًا. أو: إذا فتر بعد [فراغ بعض التسليمات، فليقعد لإيقاع ما بقي من نوافله قاعدًا. أو: إذا فتر بعد] (¬4) انقضاء البعض، أن يترك بقيةَ النوافل جملة إلى أن يحدُثَ له نشاط. ¬

_ (¬1) في "ن": "به". (¬2) في "ع": "الطهر". (¬3) في (ج): "مؤكدًا". (¬4) ما بين معكوفتين سقط من "ع".

باب: ما يكره من ترك قيام الليل لمن كان يقومه

ولا يمكن أن يكون من جملة الصور تركُ إتمام النافلة (¬1) بعدَ الشروع فيها؛ لأنَّ ذلك إبطالٌ لعملٍ دخل فيه، والإبطالُ منهيٌ عنه. * * * 702 - (1151) - قَالَ: وَقالَ عبد الله بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُروَةَ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْها-، قالَت: كانَتْ عِنْدِي امْرَأة مِنْ بَنِي أسَدٍ، فَدَخَلَ عَلَي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقالَ: "مَنْ هَذِهِ؟ "، قُلْتُ: فلاَنة، لا تَنامُ بِاللَّيْلِ، فَذُكرَ مِنْ صَلاَتِها، فَقالَ: "مَهْ، عَلَيْكُمْ ما تُطِيقُونَ مِنَ الأَعْمالِ؛ فَإِنَّ اللهَ لا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلّوا". (كانت عندي امرأة من بني أسد): هي الحَوْلاءُ بنتُ تُوَيْتٍ، وسبق حديثُها في الإيمان (¬2) (¬3). * * * باب: ما يُكره مِنْ تركِ قيام الليلِ لمَن كانَ يقومُهُ 703 - (1152) - حَدَّثنا عَبّاسُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنا مُبَشَرٌ، عَنِ الأَوْزاعيِّ. وَحَدَّثنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ: أَخْبَرَنا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنا الأَوْزاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحيىَ بْنُ أَبي كثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سلَمَةَ ابْنُ عَبْدِ الرّحمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعاصِ -رَضِيَ اللهُ ¬

_ (¬1) في "ج": "النوافل". (¬2) "في الإيمان" ليست في "ج". (¬3) برقم (43).

باب

عَنْهُما-، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يا عَبْد الله! لا تَكُنْ مِثْلَ فُلاَنٍ، كانَ يَقُومُ اللَّيْلَ، فترَكَ قِيامَ اللَّيْلِ". (يا (¬1) عبد الله! لا تكن مثلَ فلان، كان يقوم من الليل (¬2)، فترك): قال ابن المنير: فيه دليل على أن الشروع في العملِ المتحدِ المشخَصِ مُلزِمٌ (¬3)، وأن تاركَه مذمومٌ (¬4) بطريق الأولى؛ لأنه إذا نُهي عن ترك العبادة (¬5)، وإن كان المستقبلُ منها لم يشرع فيه بعد، لكنه شرع في جنسه، فتركُ المعينِ المشخصِ الذي شرع (¬6) في بعضه أشدُّ، ولهذا يَعْصي من قطعَ (¬7) النافلةَ عمدًا، وتلزمُه الإعادة، ولا يعصي من تَركَ العادةَ، ولكنه يكاد. * * * باب 704 - (1153) - حَدَّثَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أبِي الْعَبّاسِ، قَالَ: سَمِعْتُ عبد الله بْنَ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: قَالَ لِي النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهارَ؟ "، قُلْتُ: إِنِّي ¬

_ (¬1) "يا" ليست في "ن". (¬2) كذا في رواية أبي ذر الهروي عن الحموي، وفي رواية أبي الوقت: "يقوم الليل"، وهى المعتمدة في النص. (¬3) في "ع": "يلزمه". (¬4) في "ع": "مذموماً". (¬5) في "ن" و "ع": "العادة". (¬6) في "ع": "يشرع". (¬7) في "ع" و"ج": "ترك".

باب: فضل من تعار من الليل فصلى

أَفْعَلُ ذَلِكَ، قَالَ: "فَإِنَّكَ إِذا فَعَلْتَ ذَلِكَ، هَجَمَتْ عَيْنُكَ، وَنَفِهَتْ نَفْسُكَ، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ حَقّ، وَلأَهْلِكَ حَقّ، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ". (هَجَمت عينُك (¬1): أي: غارَتْ ودخلَتْ في موضعها؛ من قولك: هجمتُ على القوم: إذا دخلتُ عليهم، وهو بفتح الهاء والجيم. (ونَفِهت): -بنون مفتوحة وفاء مكسورة-؛ أي: أَعْيَتْ وكَلَّتْ (¬2). (وإن لنفسك عليك حقًا (¬3): -بالنصب- اسم إن (¬4)، ويروى بالرفع على أن اسم إن ضميرُ شأن حُذف، والجملة الاسمية بعدها خبرها، وكذا ما بعده (¬5). * * * باب: فَضْلِ مَنْ تَعارَّ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى (باب: فضل من تعارَّ من الليل فصلى): التعارّ -براء مشددة-: هو الانتباه بالليل معه صوت من استغفارٍ أو تسبيح أو نحوه، وإنما استعمله هنا دون الانتباه (¬6) والاستيقاظ؛ لزيادة معنى، وهو (¬7) الإخبار بأن من هَبَّ من ¬

_ (¬1) في "ع": "عليك". (¬2) في "ج": "وأكلت". (¬3) في "ج": "حق". (¬4) "إن" ليست في "ج". (¬5) في "ج": "ما بعدها بها". (¬6) في "ج": "هنا والانتباه". (¬7) "وهو" ليست في "ع".

نومه ذاكرًا لله (¬1) تعالى مع الهبوب، فسأل الله خيرًا، أعطاه، فقال: تعارَّ؛ ليدل على المعنيين، وإنما يوجد (¬2) ذلك لمن تعوَّدَ الذكر، واستأنس به، وغلب عليه حتى صار حديثَ نفسِه في نومه ويقظته، ونظيرُه قوله تعالى: {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا} [الإسراء: 107] فإن (¬3) معنى خَرَّ: سقط سقوطًا يُسمع منه خريرُه. * * * 705 - (1154) - حَدَّثَنا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنا الْوَليدُ، عَنِ الأَوْزاعِيَّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ هانِئٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي جُنادَة بْنُ أبي أُمَيَّةَ: حَدَّثَنِي عُبادَةُ بْنُ الصّامِتِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "مَن تَعارَّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقالَ: لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُل شَيءٍ قَدِيرٌ، الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُبْحانَ اللهِ، وَلا إِلَهَ إِلَّا الله، واللَّه أكبَرُ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ اغْفِر لِي، أَوْ دَعا، استُجِيبَ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى، قُبِلَتْ صَلاَتُهُ". (جُنادة): بجيم مضمومة فنون (¬4) فألف فدال مهملة فهاء تأنيث. (فإن توضأ وصلَّى، قُبلت صلاته): أورد (¬5) ابن المنير هنا سؤالًا، وهو: أنَّه لم يذكر في الحديث إلا قبولَ الصلاة، وهو من لوازم صحة ¬

_ (¬1) في "ع": "وذكر الله". (¬2) في "ج": "وإنما يجوز". (¬3) في "ع": "قال". (¬4) في "ع" و"ج": "ونون". (¬5) في "ج": "ذكره".

الصلاة كيفما كانت، فاضلة أو مفضولة، فما وجه ترجمة البخاري بذلك على فضل الصلاة حينئذٍ، وهو أمر زائد على القبول العام؟ فأجاب (¬1): بأن القبول هنا أرجى منه في غير هذا الموطن، ولولا ذلك لسقطت فائدة الكلام، فبقربِ الرجاءِ فيه من اليقين تميّزَ على غيره، وثبتَ له الفضل. قلت: أما أولًا: فلا نسلم أن القبول من لوازم الصحة بدليل صحة صلاة الآبق، وهي غير مقبولة، كما صرح به الشَّارع، وقد مر البحثُ فيه في أول كتاب: الوضوء. وأما ثانيًا: فإن البخاري لم يترجم على فضل الصلاة المذكورة بمعنى إنافتها (¬2) في المزية على غيرها من الصلوات المستقبلة، وإنما بَوَّب لفضلِ من استيقظَ من الليل، [فذكر ذلك الذكر المخصوص، وصلَّى، ولا شك أنَّه أورد ما يقتضيه، وذلك أنَّه -عليه الصلاة والسلام- أخبر أنَّه إذا تعارَّ من الليل، وقال ما نص عليه من الذكر، ثمَّ دعا بالمغفرة أو غيرها، استُجيب له، وإن صلى، قُبلت صلاته، ولا شك في فضل من اتَّصف بذلك، وفوزِه بمزيةٍ عظيمةٍ على من لم يحصُل له، وليس في ذلك فضلُ الصلاة في هذه الحالة على غيرها من الصلوات المتقبلة، ولا أن رجاء (¬3) قبولها قريبٌ من اليقين، فتأمله. ¬

_ (¬1) في "ن": "وأجاب". (¬2) في "ع": "بمعنى أنها". (¬3) في "ع" و "ج": "ولأن رجاء".

باب: الضجعة على الشق الأيمن بعد ركعتي الفجر

باب: الضِّجْعَةِ عَلَى الشِّقِّ الأَيْمَنِ بَعْدَ ركْعَتَيِ الْفَجْرِ (باب: الضِّجعة): - بكسر الضاد المعجمة-؛ لأنَّ المراد: الهيئة، ويجوز الفتح على إرادة المرة، وإنما ذكر البخاري حديثَ عائشة في الباب بعده] (¬1)؛ لينبّه على أنه لم يكن يفعلها دائمًا، وبذلك احتج الأئمة على عدم وجوبها، وحملوا الأمرَ بها في حديث الترمذي على الإرشاد إلى الراحة والنشاط لصلاة الصبح. * * * باب: الحديثِ بعد ركعتي الفَجْرِ 706 - (1162) - حَدَّثَنا قتيْبةُ، قَالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ الرّحمَنِ بْنُ أَبي الْمَوالِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جابِرِ بْنِ عبد الله -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُعَلِّمُنا الاِسْتِخارَةَ في الأُمُورِ كَما يُعَلِّمُنا السُّورَةَ مِنَ الْقُرآنِ، يَقُولُ: "إِذا هَمَّ أَحدُكُمْ بِالأَمْرِ، فَلْيَركَعْ ركعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلِ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدرتكَ، وَأَسْألكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيم، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ. اللهُمَّ إِنْ كنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذا الأَمْرَ خير لِي، في دِيني وَمَعاشِي وَعاقِبةِ أَمْرِي، أَوْ قَالَ: عاجِلِ أَمْرِي وآجِلِهِ، فاقْدُرهُ لِي، وَيَسّرهُ لِي، ثُمَّ بارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كنْتَ تَعْلَمُ أَن هَذا الأَمْرَ شَرٌ لِي، في دِيني وَمَعاشِي وَعاقِبةِ أَمْرِي، أَوْ قَالَ: في عاجِلِ أَمْرِي وآجِلِهِ، فاصرِفْهُ عَنِّي، واصرِفْنِي عَنْهُ، واقْدُر لِيَ الْخَيْرَ حَيْثُ كانَ، ثُمَّ أَرضِنِي. قَالَ: وَيُسَمِّي حاجَتهُ". ¬

_ (¬1) من قوله: "فذكر ذلك الذكر المخصوص" (ص: 151) إلى هنا سقط من "ن".

(وأستقدرك): أي: أسألك أن تقدر لي الخيرَ. (فاقدِره لي): قال القاضي: ضبطه الأصيلي بكسر الدال، وضبطه غيره (¬1) بالكسر والضم (¬2). قال القرافي في آخر "القواعد" (¬3) من الدعاء المحرم: الدعاءُ المرتَّبُ على استئناف المشيئة؛ كمن يقول: اقدر لي الخير؛ لأنَّ الدعاء بوضعه اللغوي إنما يتناول المستقبلَ دون الماضي؛ لأنه طلبٌ، وطلبُ الماضي مُحال فيكون مقتضى هذا الدعاء [أن يقع تقدير الله في المستقبل من الزمان، والله تعالى يستحيل عليه استئنافُ التقدير، بل وقع جميعُه في الأزل، فيكون هذا الدعاء] (¬4) يقتضي مذهب من يرى أن لا قضاء، وأن الأمر أُنُفٌ كما خرجه مسلمٌ عن الخوارج، وهو فسقٌ بإجماع. ثمَّ أوردَ حديثَ الاستخارة هذا على نفسه؛ فإنه قال فيه: فاقدره لي. وأجاب: بأنه يتعين أن يعتقد أن المراد بالتقدير هنا: التيسير على سبيل المجاز؛ فالداعي (¬5) إنما أراد هذا المجاز، وإنما يحرم الإطلاقُ عندَ عدم النية (¬6). (ثمَّ أرضني): -بهمزة قطع-؛ من الإرضاء. ¬

_ (¬1) "غيره" ليست في "ج". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 173). (¬3) في "ج": آخر الدعاء. (¬4) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬5) في "ع" و"ج: "والداعي". (¬6) انظر: "الفروق" للقرافي (4/ 471).

باب: ما جاء في التطوع مثنى مثنى

قال ابن المنير: رأى (¬1) البخاري الاستدلالَ بالاستخارة والتحية والأفعال المستمرة أولى من الاستدلال بقوله (¬2): "صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى" (¬3)؛ لأنه لا يقومُ الاستدلالُ به على النهار إلا بالقياس، ويكون القياسُ حينئذ كالمعاوض لمفهوم (¬4) قوله: "صَلاةُ الليلِ"؛ فإن ظاهره: أن صلاة النهار ليست كذلك، وإلا سقطت فائدة تخصيص الليل (¬5). والجواب: أنه -عليه السلام- إنما خَصَّ الليلَ لأجل أن فيه الوتر خشيةَ أن يُقاس على الوتر [غيرهُ، فيتنفل المتنفلُ بالليل أوتارًا، فبين -عليه السلام- أن الوتر] (¬6) لا يكون إلا واحدةً، وأن بقية صلاة الليل مثنى مثنى، وإذا ظهرت فائدة التخصيص سوى المفهوم، صار حاصلُ الكلام: صلاة النافلة (¬7) مثنى مثنى، فيعم الليل والنهار، فتأمله؛ فإنَّه لطيف جدًا. * * * باب: ما جاءَ في التطوُّعِ مَثْنى مَثْنى 707 - (1170) - حَدَّثَنا آدَمُ، قَالَ: أَخْبَرَنا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنا عَمْرُو ابْنُ دِينارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جابِرَ بْنَ عبد الله -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- قَالَ: قَالَ ¬

_ (¬1) في "ج": "راوي". (¬2) في "ع" زيادة: " - صلى الله عليه وسلم - ". (¬3) رواه البخاري (990)، ومسلم (749) عن ابن عمر رضي الله عنهما. (¬4) في "ج": كالمعارض من مفهوم. (¬5) في "ع": الدليل. (¬6) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬7) في "ج": "النوافل".

رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَخْطُبُ: "إِذا جاءَ أَحدكُمْ والإمامُ يَخْطُبُ، أَوْ قَدْ خَرَجَ، فَلْيُصَلِّ ركْعَتَيْنِ". (إذا جاء أحدكم والإمامُ يخطب، أو خرج، فليصلِّ ركعتين): قال ابن بطال: هذه قصة السُّلَيْك (¬1). قال الأصيلي: وخالف فيه شعبةُ أصحابَ عمرِو بنِ دينارٍ، منهم: ابنُ جُرَيج، وحمادُ بنُ زيد، وابنُ عُيينة، فرووه عن عمرو، عن جابر (¬2): أَنَّ رجلًا جاءَ إلى المسجد والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يخطب، فقال له: "أَصَلَّيْتَ؟ "، قال: لا، قال: "قُمْ واركَعْ (¬3) رَكْعَتَيْنِ" (¬4) قصة السُّليك. وكذلك (¬5) رواه (¬6) أبو الزبير عن جابر، فانفرد شعبةُ بما لم يتابَع عليه، ولم تكن زيادة زادها الحافظ على غيره، بل هي قصة منقلبة عن وجهها. وقال يحيى بن معين: ألحق أصحابُ عمرِو بنِ دينارٍ بحديثه (¬7) سُفيانَ ابنَ عُيينة (¬8). ¬

_ (¬1) انظر: "شرح ابن بطال" (3/ 157). (¬2) في "ع": "عمرو بن جابر". (¬3) في "ع" و"ج": "فاركع". (¬4) رواه البخاري (930)، ومسلم (875). (¬5) "وكذلك" ليست في "ع". (¬6) في "ع": "ورواه". (¬7) في "ج": "بحديث". (¬8) انظر: "شرح ابن بطال" (3/ 157).

باب: من لم يتطوع بعد المكتوبة

708 - (1171) - حَدَّثَنا محمدُ بْنُ بَشّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحمَنِ، عَنْ عَمَّتِهِ عَمْرَةَ، عَنْ عائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْها-، قالَتْ: كانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- (ح). وَحَدَّثَنا أَحمَدُ بْنُ يُونسُ، حَدَّثَنا زُهَيْر، حَدَّثَنا يَحيىَ -هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ-، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرّحمَنِ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْها-، قالَتْ: كانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُخَفِّفُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الصُّبْح، حَتَّى إِنِّي لأقولُ: هَلْ قَرَأَ بِأُمِّ الْكِتابِ؟ (حتى إني لأقول: هل قرأ بأم القرآن؟): "حتى" ابتدائية، وإِنَّ: بكسر الهمزة، وليس المعنى أنها شكت في قراءته بأم القرآن، بل المراد: أنَّه كان في غيرها من النوافل يطوِّل، وهذه يخفف أفعالها وقراءتها، حتى إذا نسبت (¬1) إلى قراءته في غيرها، كانت كأنها لم يقرأ فيها. * * * باب: من لم يتطوَّعْ بعد المكتوبةِ 709 - (1174) - حَدَّثَنا عَلِيُّ بْنُ عبد الله، قَالَ: حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْتُ أَبا الشَّعْثاءِ جابِرًا، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهما-، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَمانِيًا جَمِيعًا، وَسَبْعًا جَمِيعًا. قُلْتُ: يا أَبا الشَّعْثاءِ! أَظُنُّهُ أَخَّرَ الظُّهْرَ، وَعَجَّلَ الْعَصرَ، وَعَجَّلَ الْعِشاءَ، وَأَخرَ الْمَغْرِبَ؟ قَالَ: وَأَنا أَظُنُّهُ. ¬

_ (¬1) في "ج": "نسب".

باب: صلاة الضحى في السفر

(سمعت أبا الشَّعْثاء): على زنة حَمْراء، بشين معجمة وعين مهملة وثاء مثلثة. * * * باب: صَلاَةِ الضُّحَى في السَّفَرِ 710 - (1175) - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنا يَحيىَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ تَوْبَةَ، عَنْ مُوَرِّقٍ، قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أتصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَعُمَرُ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَأَبُو بَكْرٍ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: لا إخَالهُ. (باب: صلاة الضحى في السفر). (عن توبة) (¬1): بمثناة من فوق وموحدة. (عن مُوَرِّق): بميم مضمومة فواو مفتوحة فراء مشددة مكسورة فقاف. (لا إِخاله): -بفتح الهمزة وكسرها-؛ أي: لا أظنه. قال ابن بطال: هذا الحديث ليس من هذا الباب، وإنما يصلُح (¬2) للباب الذي بعده) فيمن لم يصل (¬3) الضحى، وأظنه من غلط الناسخ (¬4). قال ابن المنير: والذي لاح: أن مكانَ الحديث من الترجمة على الصحة، وأن البخاري لما اختلفت (¬5) عليه ظواهرُ الأحاديث في صلاة ¬

_ (¬1) "عن توبة" ليست في "ج". (¬2) في "ع": "يصح". (¬3) في "ع": "يصلي". (¬4) انظر: "شرح ابن بطال" (3/ 165). (¬5) في "ج": "اختلف".

باب: صلاة الضحى في الحضر

الضحى؛ نفيًا لحديثِ ابنِ عمر، وإثباتا لحديثِ أبي هريرة: * * * باب: صَلاَةِ الضُّحَى في الْحَضَرِ قالَهُ عِتْبانُ بْنُ مالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب: صلاة الضحى في الحضر (¬1): لم يذكر في هذه الترجمة حديث أم هانئ، وإن كانت صلاته يومئذ (¬2) بمكة؛ لأنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يُتِمَّ الصلاةَ بمكة، ولم ينوِ بها إقامة ضرورة الهجرة، فجعل حكمه حكم السفر. 711 - (1178) - حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، أَخْبَرَنا شُعْبَةُ، حَدَّثَنا عَبّاسٌ الْجُرَيْرِيُّ -هُوَ ابْنُ فَرُّوخَ-، عَنْ أَبِي عُثْمانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: أَوْصانِي خَلِيلِي بِثَلاَثٍ، لا أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ: صَوْمِ ثَلاَثَةِ أيّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلاَةِ الضُّحَى، وَنومٍ عَلَى وِتْرٍ. (أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهنَّ: صومِ ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاةِ الضحى، [ونومٍ على وتر): نزَّلَ حديثَ النفي على السفر، وحديثَ الإثبات على الحضر، وترجمَ لحديث أبي هريرة: باب: صلاة الضحى] (¬3) في الحضر، وهو في حديثه بيّن؛ فإن قوله: "ونوم على وتر" يُفهم الحضرَ. ¬

_ (¬1) في "ج": "في السفر". (¬2) في "ج":"حينئذ". (¬3) ما بين معكوفتين سقط من "ج".

وأدخلَ حديثَ أم هانئ في هذه الترجمة؛ لأنه -عليه السلام- يومَ فتح مكة لم يكن مقيماً بوطنه، فنبه على أن أمرها في السفر على حسب الحال، وتسهُّلِ (¬1) فعلها، ويؤيد حملَ حديث ابن عمر على السفر: أنَّه كان لا (¬2) يُسَبح في السفر، ويقول: لو كنت مُسَبِحاً، أتممتُ (¬3) صلاتي (¬4)، فيُحمل (¬5) نفيُه لصلاة الضحى على عادته المعروفة في السفر، والله أعلم. ¬

_ (¬1) في "ع": "ويشهد". (¬2) في "ع": "بأنّه لا". (¬3) في "ع": "لأتممت". (¬4) رواه مسلم (689) عن ابن عمر رضي الله عنه. (¬5) في "ع": "فيحتمل".

كتاب فضل الصلاة

كِتابُ فضَلِ الصَّلاَةِ

باب: فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة

كِتابُ فضَلِ الصَّلاَةِ باب: فضلِ الصَّلاةِ في مسجدِ مكَّةَ والمدينةِ 712 - (1189) - حَدَّثَنا عَلِيٌّ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "لا تُشَدُّ الرِّحالُ إِلَّا إِلَى ثَلاَثةِ مَساجِدَ: الْمَسْجدِ الْحَرامِ، وَمَسْجدِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم -، وَمَسْجدِ الأَقْصَى". (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد): حمله ابن بطال على ما إذا كان ذلك بنذرٍ. قال: وأما من أراد (¬1) الصلاة بمساجد (¬2) الصالحين، والتبركَ بها متطوعًا، فمباحٌ له قصدُها بإعمال المطيّ وغيره، ولا يتوجه إليه (¬3) النهيُ في هذا الحديث (¬4). ¬

_ (¬1) في "ع": أدرك. (¬2) في "ج": في مساجد. (¬3) إليه: ليست في "ن". (¬4) انظر: "شرح ابن بطال" (3/ 178).=

قال ابن المنير: لا أعلم نصًّا على ما قاله، غير أن العمل مستمرٌ على زيارة (¬1) الخليل -عليه السلام- ونحوه من (¬2) المشاهدِ المرجُوَّةِ بغير نكَيرٍ. وما سمعت بمن (¬3) ينذر بذلك، و (¬4) لكنهم يتطوعون. وانظر لو نذر زيارة الخليل، وقلنا: لا يجوز شدُّ المطيِّ بالنذر لغير الثلاثة، فكيف يصنع؟ إن قلنا: لا تُفعل أبدًا؛ لئلا يستند فعلُه إلى نذره، حَرَمناه (¬5) فضلَ الزيارة، وإن قلنا: يفعل، ركب النهي، فالطريقُ: أن يفعلَ ناويًا الزيارة، لا وفاء (¬6) النذر. وانظر في الذي (¬7) يسوق بدنةً إلى مكة بغير نذر، هل يخرج، ويدخل (¬8) في قول مالكِ: سوقُ البُدنِ إلى غيرِ مكةَ من الضلال، فأطلقَ النذرَ وغيره، هذا هو الظاهر. ¬

_ = قال الحافظ في "الفتح" (3/ 78): واختلف في شد الرحال إلى غيرها؛ كالذهاب إلى زيارة الصالحين أحياء وأمواتاً، وإلى المواضع الفاضلة لقصد التبوك بها والصلاة فيها، فقال الشيخ أبو محمَّد الجويني: يحرم شد الرحال إلى غيرها عملًا بظاهر هذا الحديث، وأشار القاضي حسين إلى اختياره، وبه قال عياض وطائفة. (¬1) في "ن": "زيادة". (¬2) "من" ليست في "ن". (¬3) فى "ج": "من". (¬4) الواو سقطت من "ع" و"ج". (¬5) في "ع": "أحرمناه"، وفي "ج": "حرمنا". (¬6) في "ن": "وفائه النذر". (¬7) في "ع": "الطريق". (¬8) في "ج": "هل يدخل ويخرج".

والفرقُ بينه وبين شدِّ المطيِّ: أن الشدَّ فعلَه المسلمون بغير نذرٍ، واستمر عليه عملٌ (¬1) يضاهي الإجمْاعَ، ولا كذلك الآخر. * * * 713 - (1190) - حَدَّثَنا عبد الله بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنا مالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ رَباحٍ، وَعبيد الله بْنِ أَبي عبد الله الأَغَرِّ، عَنْ أَبِي عبد الله الأَغَرِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "صَلاةٌ في مَسْجدِي هَذا خَيْرٌ مِنْ ألفِ صلاَةٍ فِيما سِواهُ، إِلَّا الْمَسْحِدَ الْحَرامَ". (صلاةٌ في مسجدي هذا خيرٌ من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجدَ الحرام): إنما يدلّ ظاهرًا على أن الصلاة بمسجد المدينة ليست خيراً من ألف صلاة بالمسجد الحرام. والتركيبُ ساكتٌ عما سوى ذلك، ولا (¬2) دلالةً فيه على تفضيل أحدِهما على الآخر (¬3). واحتج المخالفون من طريق النظر بأن الله تعالى [فرض على عباده قصدَ بيته الحرام مرة في العمر، ولم يفرض عليهم (¬4) قصدَ المدينة. قال ابن المنير: ويعارضه: أن الله تعالى] (¬5) فرض على أهل مكة إتيان المدينة في الهجرة، والذين فرض عليهم ذلك خيرُ الناس؛ لأنهم ¬

_ (¬1) في "ع": "العمل". (¬2) في "ج": "فلا". (¬3) في "ع": "الأخرى". (¬4) "عليهم" ليست في "ن". (¬5) ما بين معكوفتين سقط من "ج".

باب: فضل ما بين القبر والمنبر

الرسولُ -عليه السلام- وأصحابهُ، فإن دلّ ذلك (¬1) على التفضيل، دلّ هذا على التفضيل (¬2). لا يقال: الهجرةُ ذهبَ أهلها؛ لأنا نقول: ذهاب أهلها لا يغير دلالتها على الفضل، وهو من جنس الخبر الذي لا يقبل النسخ. * * * باب: فضلِ ما بينَ القبرِ والمنبرِ 714 - (1195) - حَدَّثَنا عبد الله بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنا مالِك، عَنْ عبد الله بْنِ أَبي بَكْرٍ، عَنْ عَبّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عبد الله بْنِ زيدٍ الْمازِنيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "ما بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِياضِ الْجَنَّةِ". (ما بين بيتي ومنبري روضةٌ من رياض الجنة): أورده تعريضاً بفضل المدينة؛ لأنَّ الشك ينحسم في تفضيل (¬3) الجنة على الدنيا وعلى (¬4) أرضها، ولم يثبت الخبرُ عن بقعة أنها من الجنة بخصوصها إلا هذه البقعة المباركة من المدينة. وقد نقل القاضي عياض الإجماعَ على موضع قبره -عليه السلام- أنَّه ¬

_ (¬1) في "ع": "ذلك دلّ". (¬2) "دل هذا على التفضيل" ليست في "ع" و"ج". (¬3) في "ج": "في فضل". (¬4) في "ن" و"ع": "في".

أفضل (¬1)، وينضم إليه الروضةُ بالدليل الواضح الذي تنحسم مسالكُ النزاع فيه. ¬

_ (¬1) انظر: "الشفا" (2/ 91).

كتاب العمل في الصلاة

كِتَابُ العَمَلِ فِي الصَّلَاةِ

باب: من سمى قوما، أو سلم في الصلاة على غيره مواجهة وهو لا يعلم

كِتَابُ العَمَلِ فِي الصَّلَاةِ باب: مَنْ سَمَّى قَوْمًا، أَوْ سَلَّمَ في الصَّلاَةِ عَلَى غَيْرِه مُواجَهَةً وَهُوَ لا يَعْلَمُ (باب: من سمى قومًا، أو سلم في الصلاة (¬1) على غيره مواجهةً وهو لا يعلم): قال ابن المنير: لا يطابق الترجمة ما ساقه فيها؛ لأنه ترجم على المخاطب لغيره جاهلًا بالحكم، وذكر أنهم كانوا يتكلمون، فَنُهوا عن ذلك، فإن استشهد بالمنسوخ، فلا ينتظم. وأيضًا: فإنهم كانوا قبل النسخ يفعلونه على علم بأنّه جائز، وإن استشهد بالناسخ، فالناسخُ (¬2) النهي، فإن أراد أن النهي يخص العالم، فدعوى مجردة، وإن أراد أنَّه عامٌّ، فهو أيضًا اتفاق أن الله تعالى خاطب كل واحد (¬3)، وأن عدم العلم ليس عذراً يمنع الخطاب مع الإمكان. وإنما الخلاف إذا وقع من الجاهل شيء، هل يكون حكمُه حكمَ العامد، أو حكمَ الناسي، مع أنَّه لا يُعتد بإسقاط الخطاب باتفاق؟ ¬

_ (¬1) "في الصلاة" ليست في "م". (¬2) في "ج": "والناسخ". (¬3) "واحد" ليست في "ج".

باب: من رجع القهقرى في صلاته أو تقدم بأمر ينزل به

وقول ابن بطال: إن موضع الاستشهاد: أنَّه لم يأمرهم بإعادة ما مضى (¬1)، غير منتظم؛ فإنهم كانوا على الجواز، ولذا (¬2) لم ينكر (¬3) حتى نسخ. والجواب الصحيح: أن ابن مسعود كان قد هاجر إلى الحبشة، وعهدُه وعهدُ أصحابه أن الكلامَ في الصلاة جائز، واتفق النسخُ في غَيبتهم، ولم يبلغْهم، فلما قدموا، فعلوا العادة لأول صلاة صلوها معه، فلما سلم، نهاهم في المستقبل، وعذرهم لغيبتهم وجهلهم بالحكم، فلم يلزمهم الإعادة، مع أن إمكان العلم كان ثابتًا في حقهم بأن يسألوا قبلَ الصلاة هل حدث أمر، أو لا؟ * * * باب: مَنْ رجَعَ القهقرى في صلاتِهِ أو تقدَّمَ بأمرٍ ينزلُ به 715 - (1205) - حدثنا بِشْرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أخبرنا عَبْدُ اللهِ، قال يُونسٌ: قال الزُّهْريّ: أخبرني أَنسُ بْنُ مالِكٍ: أَنَّ المُسْلِمِين بَيْنا هُمْ في الْفَجْرِ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ، وَأَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ الله عَنْهُ- يُصَلِّي بِهِمْ، فَفَجَأَهمُ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قدْ كشَفَ سِتْرَ حُجْرَةِ عائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْها-، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ، وَهُمْ صُفُوفٌ، فَتَبَسَّمَ يَضْحَكُ، فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَلَى عَقِبَيْهِ، وَظَنَّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الصَّلاَةِ، وَهَمَّ ¬

_ (¬1) انظر: "شرح ابن بطال" (3/ 194). (¬2) في "ن" و "ج": "وكذا"، وفي "ع": "ولهذا". (¬3) في "ن" و"ع":"ينكره".

باب: إذا دعت الأم ولدها في الصلاة

الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَفْتَتِنُوا في صَلاَتِهِمْ؛ فَرَحًا بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ رَأَوْهُ، فَأَشارَ بِيَدِه: "أَنْ أَتِمُّوا"، ثُمَّ دَخَلَ الْحُجْرَةَ، وَأَرْخَى السِّتْرَ، وَتُوُفِّيَ ذَلِكَ الْيَوْمَ. (بِشْر بن محمَّد): بموحدة مكسورة وشين معجمة ساكنة. (ففجأَهم): بجيم مفتوحة، ويروى: "ففجِئَهُم" بكسرها. (سِتر): بكسر السين. (فنكص): بالصاد، قال الزركشي: ويروى بالسين (¬1). * * * باب: إذا دعَتِ الأمُّ ولدَها في الصَّلاةِ 716 - (1206) - وَقالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي جَعْفَر، عَنْ عَبْدِ الرَّحمَنِ بْنِ هُرمُزَ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "نَادَتِ امْرَأةٌ ابْنَها وَهْوَ في صَوْمَعَةٍ، قالَتْ: يا جُرَيْجُ! قَالَ: اللهُمَّ أُمِّي وَصَلاَتِي، قالَتْ: يا جُرَيْجُ! قَالَ: اللهُمَّ أُمِّي وَصَلاَتِي، قالَتْ: يا جُرَيْجُ! قَالَ: اللهُمَّ أمِّي وَصَلاَتِي، قالَتِ: اللهُمَّ لا يَمُوتُ جُرَيْج حَتَّى يَنْظُرَ في وَجْهِ الْمَيامِيسِ. وَكانَتْ تأْوِي إِلَى صَوْمَعَتِهِ راعِيةٌ تَرعَى الْغَنَمَ، فَوَلَدَتْ، فَقِيلَ لَها: مِمَّنْ هَذا الْوَلَدُ؟ قالَتْ: مِنْ جُرَيْج، نَزَلَ مِنْ صَوْمَعَتِهِ، قَالَ جُرَيْج: أَيْنَ هَذِهِ الَّتِي تَزْعُمُ أَنَّ وَلَدَها لِي؟ قَالَ: يا بابُوسُ! مَنْ أَبُوكَ؟ قَالَ: راعِي الْغَنَم". (الميَاميس): قال القاضي: هنَّ المجاهِرات (¬2) بالفُجور، الواحدةُ (¬3) ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 295). (¬2) في "ع": "المتجاهرات"، وفي "ج": "من المهاجرات". (¬3) "الواحدة" ليست في "ج".

مومسة، وبالياء المفتوحة رويناه عن جميعهم، وكذلك ذكر أصحابُ (¬1) العربية [في الواو] والميم والسين، ورواه ابن الوليد عن ابن السماك: "المأميس (¬2) " -بالهمز-، فإن صح الهمز، فهو من مأس بين القوم: أفسد، وهذا بمعنى المجاهرة (¬3) والاستهتار، ويكون وزنه على هذا فعاليل (¬4). (يا بابوس!): -بموحدتين بلا همز-: هو الصبيُّ الرضيع. قال ابن المنير: تعارضَ عندَ جريج حقُّ الصلاة وحقُّ الصلة، فرجَّحَ حق الصلاة، وهو الحقُّ، لكنَّ حقَّ الصلاة (¬5) المرجوحَ لم يذهبْ هدراً، ولهذا أُجيبت (¬6) فيه (¬7) الدعوة (¬8) اعتباراً لكونه ترك الصلة (¬9)، وحَسُنَتْ عاقبتهُ، وظهرت كرامتُه اعتباراً لحق الصلاة، ولم يكن ذلك تناقضاً، وهو من جنس قوله -عليه السلام: - "واحتَجِبِي مِنْهُ يا سَوْدَةُ" (¬10)؛ اعتباراً للشَّبَه (¬11) المرجوح. ¬

_ (¬1) في "ن": "أهل". (¬2) في "ع" و"ج": "الميأميس". (¬3) في "ج": "المهاجرة". (¬4) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 288). (¬5) في "ع" و"ج": "الصلة". (¬6) في "ج": "أجيب". (¬7) "فيه" ليست في "ع". (¬8) في "ج": "بالدعوة". (¬9) في "ن": "القبلة". (¬10) رواه البخاري (2218)، ومسلم (1457) عن عائشة رضي الله عنها. (¬11) في "ج": "للتشبيه".

وابنُ بطال بناه على أنَّه أخطأ في تقديم حقّ الصلاة؛ لإباحة الكلام إذ ذاك (¬1)، ونظرُ جريجٍ المشهودِ له بالكرامةِ والتشديد أولى أن يُصَوَّب. فإن قلت: إن كان مصيبًا في نظره، ووُوخِذ (¬2) بإجابة الدعوة فيه، لزم التكليفُ بما لا يطاق. قلت: هذا لازم، ولو قلنا: إنه كان مخطئاً؛ لأنه مجتهد، والمجتهدُ لا يؤاخذ، أصابَ أو أخطأ، والحق أن المؤاخذة هنا ليست عقوبة، وإنما هي (¬3) تنبيه على عِظَمِ حقّ الأم، وإن كان مرجوحاً، وكان من كرامته على الله أَنْ ألهم أَمَّه الاقتصاد (¬4) في الدعوة، فلم تقل: اللهمَّ امتحنْه، وإنما قالت: "لا تُمته حتى تريه وجوههن (¬5) " (¬6)، فلم تقتض (¬7) الدعوةُ إلا كدرًا يسيراً (¬8) أعقبَ صَفْواً (¬9) كثيرًا. وترجمة البخاري إنما خرجت على تصويب رأي جريج في تقديم حقِّ الصلاة، ولهذا جعله أصلًا في هذه الشريعة: أن الولدَ إذا دعَتْه أمه في الصلاة يجيبها (¬10)، ولا يُتصور من البخاري أن يخطئ رأيهُ فيجعله أصلًا ¬

_ (¬1) انظر: "شرح ابن بطال" (3/ 195). (¬2) في "ن": "وخذنا"، وفي "ع": "وأوخذ"، في "ج": "وأخذ". (¬3) في "ج": هو. (¬4) في "ع" و"ج": "الاقتصار". (¬5) في "م": "تراه وجوهن". (¬6) رواه البخاري (2482)، ومسلم (2550). (¬7) في "م": "تقتضي". (¬8) في "ن": "يسير". (¬9) في "م": "صوًا". (¬10) في "م": "لا يجيبها".

باب: مسح الحصى في الصلاة

لكون (¬1) الولدِ يجيب أمه في الصلاة، فإن هذا ليس مقتضى شريعتنا، ولا يُجوزه البخاري. * * * باب: مسحِ الحَصَى في الصَّلاةِ 717 - (1207) - حَدَّثَنا أبو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنا شَيْبانُ، عَنْ يَحيىَ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَيْقِيبٌ: أَن النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ في الرَّجُلِ يُسَوِّي التُّرابَ حَيْثُ يَسْجُدُ، قَالَ: "إِنْ كُنْتَ فاعِلًا، فَواحِدَةً". (مُعَيْقيب (¬2)): قال الزركشي: هو ابن أبي فاطمة، بدْرِيٌّ، أسلمَ قديمًا بمكَّةَ، كان به علَّة من جُذام (¬3)، وكان بِأَنسٍ علةٌ من بَرَص، قال بعض الحفاظ: ولا نعرف من أُصيب بذلك في (¬4) الصحابة غيرهما (¬5). (إن كنتَ فاعلًا، فواحدةً): بنصب واحدة على إضمار الفعل؛ أي (¬6): فافعل (¬7) واحدة، أو فامسح مسحة واحدة، أو فلتكن واحدةً (¬8)، وبرفعها على الابتداء، والخبرُ محذوف؛ أي: فواحدةٌ تكفيك، أو على الخبر، ¬

_ (¬1) في "ع": "لكن". (¬2) في "ع": "معقب". (¬3) في "ع": "علة الجذام". (¬4) في "ن" و"ع": من. (¬5) انظر: "التنقيح" (1/ 295). (¬6) "أي" ليست في "ن". (¬7) في "ج": "فاعل". (¬8) "أو فلتكن واحدة" ليست في "ن".

باب: ما يجوز من العمل في الصلاة

والمحذوف هو المبتدأ، تقديره (¬1) فالمشروعُ أو الجائزُ واحدةٌ، ويعني بذلك: تسوية الحصباء (¬2) لموضع (¬3) السجود، وأُبيح له مرةً؛ لئلا يتأذى به في سجوده، ومنع من الزيادة؛ لئلا يكثر الفعل. * * * باب: ما يجوزُ من العملِ في الصَّلاةِ 718 - (1210) - حدثنا مَحمُودٌ، حَدَّثَنا شَبابَةُ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ زيادٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم -: أنَّهُ صلَّى صَلاَةً، قَالَ: "إِنَّ الشَّيْطانَ عَرَضَ لِي، فَشَدَّ عَلَيَّ لِتقْطَعَ الصَّلاَةَ عَلَيَّ، فَأَمْكَنَنِي الله مِنْهُ، فَذَعَتُّهُ، وَلَقَد هَمَمْتُ أَنْ أوثِقَهُ إِلَى سارِيَةٍ حَتَّى تُصبِحُوا فتنْظُرُوا إِلَيْهِ، فَذَكرتُ قَوْلَ سُلَيْمانَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص: 35]، فرَدَّهُ اَّللهُ خَاسِئًا". ثُمَّ قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: "فَذَعَتُّهُ" -بِالذّالِ-؛ أَيْ: خَنَقْتُهُ، وَ"فَدَعَّتُّهُ"؛ مِنْ قَوْلِ اللهِ: {يَوْمَ يُدَعُّونَ} [الطور: 13]؛ أَيْ: يُدفَعُونَ، والصَّوابُ: فَدَعَتُّهُ، إِلَّا أَنَّهُ كَذا قَالَ، بِتَشْدِيدِ الْعَيْنِ والتّاءِ. (فشدَّ عليَّ): أي: حمل. (فذَعَتُّه): الفاء عاطفة، وذَعَتُّه -بذال معجمة مفتوحة فعين مهملة بالفتح والتخفيف فمثناة من فوق مشددة-؛ أي: غمزته غمزًا شديدًا، كذا قال القاضي. ¬

_ (¬1) في "ج": "تفسير". (¬2) في "م": "الحصاء". (¬3) في "ج": "موضع".

باب: إذا انفلتت الدابة في الصلاة

قال: ورويناه بالدال المهملة في حديث ابن أبي شيبة؛ أي: دفعته دفعًا شديدًا (¬1). (فذكرت قول سليمان): سأل ابن المنير: كيف امتنع - عليه الصّلاة والسلام - من ربطه لأجل دعوة سليمان، فمقتضاه (¬2) أن غيره لا يتمكن من الشيطان، وقد تمكن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - منه حيثُ أخذَه فذعَتَهُ؟ وأجاب: بأن الّذي اختص به سليمان -عليه السّلام-[إظهارُ صورِ الجانِّ للناس، والتمكن منهم بالتسخير وغيره رأيَ العين لكلِّ أحد (¬3)، ولهذا امتنع -عليه السّلام-] (¬4) - من تعاطي ذلك؛ لعلّمه بالخصوصية، وأما أخذُه -عليه السّلام- له، وذَعْتُه إياه، فكان في حيز الغيب الّذي لم يره سواه صلوات الله عليه وسلامه. * * * باب: إذا انفلتتِ الدَّابةُ في الصَّلاةِ 719 - (1211) - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا الأَزْرَقُ بْنُ قَيْسٍ، قَالَ: كُنَّا بِالأَهْوَازِ نُقَاتِلُ الْحَرُوريَّةَ، فَبَيْنَا أَنَا عَلَى جُرُفِ نَهَرٍ، إِذَا رَجُلٌ يُصَلِّي، وَإِذَا لِجَامُ دَابَّتِهِ بِيَدِهِ، فَجَعَلَتِ الدَّابَّةُ تُنَازِعُهُ، وَجَعَلَ يَتْبَعُهَا، قَالَ شُعْبةُ: هُوَ أَبُو بَرْزَةَ الأَسْلَمِيُّ، فَجَعَلَ رَجُلٌ مِنَ الْخَوَارِجِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ افْعَلْ ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 259). (¬2) في "ن": "ومقتضاه"، وفي "م": "فمقتضيه". (¬3) "رأي العين لكل أحد" ليست في "ع". (¬4) ما بين معكوفتين سقط من "ج".

بِهَذَا الشَّيْخِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ الشَّيْخُ، قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ قَوْلَكُمْ، وَإِنِّي غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سِتَّ غَزَوَاتٍ، أَوْ سَبع غَزَوَاتٍ، أوْ ثَمَانَ، وَشَهِدْتُ تَيْسِيرَهُ، وَإِنِّي أَنْ كُنْتُ أَنْ أُرَاجِعَ مَعَ دَابَّتِي، أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَدَعَهَا تَرْجِعُ إِلَى مَأْلَفِهَا، فَيَشُقَّ عَلَيَّ. (على جُرُف نهر): بجيم وراء مضمومتين، ويروى بحاء مهملة مفتوحة وراء ساكنة. (أو سبعَ غزوات، أو ثمانيَ): -بفتح الياء بلا تنوين- خرجه ابن مالك على وجوه: أحدها: أن يكون أراد: أو ثمانيَ غزوات، ثمّ حذف المضاف إليه، وأبقى المضاف على ما كان عليه قبل الحذف، وحَسَّن الحذفَ دلالةُ المتقدم؛ كقوله: خَمْسُ ذَوْدٍ أَوْ سِتُّ عُوِّضْتُ مِنْهَا ... مِئَةً غَيْرَ أَبْكُرٍ وَإِفَالِ (¬1) الثّاني: أن تكون الإضافة (¬2) غيرَ مقصودة، وترك تنوينه لمشابهته جواري لفظًا؛ وهو ظاهر (¬3)، ومعنى؛ لدلالته على جمع. الثّالث: أن يكون في اللّفظ ثمانيًا - بالنصب والتّنوين- إِلَّا أنه كُتب على اللُّغة الربعية (¬4)؛ فإنهم يقفون على المنون المنصوبِ بالسكون، فلا ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "أبكم ذا". (¬2) في "ن": "بإلإضافة". (¬3) في "ع": "وهو شاهد وظاهر". (¬4) في "م": "بيعية".

يحتاج الكاتبُ - على (¬1) لغتهم - إلى (¬2) ألفٍ (¬3). قلت: التخريجُ إنّما هو لقوله: ثمانيَ - بلا تنوين -، وقد صرح هو بذلك في "التوضيح"، فلا وجه حينئذ للوجه الثّالث. (وإني أن كنتُ أرجعُ (¬4) مع دابتي أَحَبُّ إلي): إِنِّي - بكسر الهمزة وتشديد النون -، والياء اسمها، والخبر محذوف؛ لدلالة الحال عليه؛ أي: وإني (¬5) فعلتُ ما رأيتموه. و"أن" من قوله: "أن كنتُ" مصدرية، ولام العلّة محذوفة، والتاء من قوله: "كنتُ" اسم كان، وقوله: "أَنْ أرجع" بتأويل المصدر (¬6) مرفوعٌ بالابتداء، خبرُه "أَحَبُّ إليَّ"، والجملة الاسمية خبر كان، هكذا ينبغي أن يعرب هذا الكلام، ومعناه: إنِّي فعلتُ ما رأيتموه من اتباع الدابة لأجل أن كُنْتُ رجوعُها (¬7) أحبُّ إليَّ من تركها. (فيشقَّ عليَّ): بالنصب عطفًا على المنصوب من قوله: أحبَّ إليَّ من أن أدعها، وبالرفع على معنى: فذلك يشقُّ عليَّ. * * * ¬

_ (¬1) في "ن": "إلى". (¬2) "إلى" ليست في "ن". (¬3) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 47). (¬4) كذا عند أبي ذر الهروي وغيره: "أن أرجع"، وفي اليونينية: "أن أراجع"، وهي المعتمدة في النص. (¬5) في "ج": "وإني إن". (¬6) في "ن": "مصدر". (¬7) في "ع": "كان رجوعها".

720 - (1212) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عبد الله، أَخْبَرَنَا يُونسٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَرَأَ سُورَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ رَكعَ فَأَطَالَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ اسْتَفْتَحَ بِسُورَةٍ أُخْرَى، ثُمَّ ركَعَ حَتَّى قَضَاهَا، وَسَجَدَ، ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ فِي الثَّانِيةِ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّهمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ، فَصَلُّوا، حَتَّى يُفْرَجَ عَنْكُمْ، لَقَدْ رَأَيْتُ فِي مَقَامِي هَذَا كُلَّ شَيْءِ وُعِدْتُهُ، حَتَّى لَقَدْ رَأَيْتُنِي أُرِيدُ أَنْ آخُذَ قِطْفًا مِنَ الْجَنَّةِ حِينَ رَأَيْتُمُونِي جَعَلْتُ أَتَقَدَّمُ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، حِينَ رَأَيْتُمُوني تَأَخَّرْتُ، وَرَأَيْتُ فِيهَا عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ، وَهُوَ الَّذِي سَيَّبَ السَّوَائِبَ". (حتّى يُفْرَجَ): من الإفراج - بالجيم - على البناء للمفعول. (حتّى لقد رأيتُ): كذا ثبت، وعند الحميدي (¬1): "رأيتني" (¬2). قال الزركشي: قيل: و (¬3) هو الصواب (¬4). قلت: لا نسلم انحصارَ الصواب فيه، بل الأولُ صوابٌ أيضًا، وعليه: فالمفعولُ محذوف؛ لدلالة ما تقدّم عليه، وقوله: "أريد" حال من فاعل "رأيت"؛ أي: أبصرتُ ما أبصرتُه في حال كوني أريدُ أن آخذَ. (قِطفًا من الجنَّة): - بكسر القاف -: هو ما يُقطف؛ أي: يُقطع ويُجتنى؛ كالذِّبْحِ بمعنى المذبوح، والمراد به: عنقود من العنب كما جاء ¬

_ (¬1) في "ع": "الحميد". (¬2) ورواه مسلم (901). (¬3) الواو سقطت من "ع". (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 296).

باب: إذا قيل للمصلي: تقدم، أو انتظر، فانتظر، فلا بأس

في رواية مسلم (¬1). (عَمْرُو بنُ لُحَيٍّ): بلام مضمومة وحاء مهملة، مصغَّر. (سَيَّبَ السوائبَ): كانوا إذا نذروا لقدومٍ (¬2) من سفرٍ، أو برء من مرض، أو غير ذلك، قال الناذر: ناقتي سائبة، فلا تُمنع من ماء ولا عشب، ولا تُحلب ولا تُركب. * * * باب: إِذَا قِيلَ لِلْمُصَلِّي: تَقَدَّم، أَوِ انْتَظِرَ، فَانْتَظَرَ، فَلَا بَأْسَ (باب: إذا قيل للمصلّي: تقدّم، أو انتظر، فانتظرَ، فلا بأسَ): والنكتة في هذه التّرجمة من الفقه التنبيهُ على جواز إصغاء المصلّي في الصّلاة إلى الخطّاب الخفيف، وتفهمه، والتربص في أثنائها لحقِّ غيره. قال ابن المنير: فيؤخذ من هذا صحةُ (¬3) انتظارِ الإمام في الركوع [للداخلِ حتّى يدركَ الركعَ] (¬4) معه إذا كان ذلك خفيفًا. لكن نقل الزركشي عن الإسماعيلي: أنه قال: يرحم الله أبا عبد الله، ظن أنهن خوطبن بذلك وهن في الصّلاة، وإنّما أُمرن قبل الدخول بأن يفعلْنَ هكذا؛ لما عُرف من ضيق أُزُرِ (¬5) الرجال؛ لئلا تقع أعينهُن على ¬

_ (¬1) رواه مسلم (904) عن جابر بْن عبد الله رضي الله عنه. (¬2) في "م": "القدوم". (¬3) "الصِّحَّة" ليست في "م". (¬4) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬5) في "ع": "أدب".

باب: لا يرد السلام في الصلاة

عورةٍ، فلا (¬1) معنى لقول البخاريّ: للمصلّي (¬2). قلت: وجَزْمُ الإسماعيليِّ بأنهن إنّما أُمرن قبل الدخول، لا وجهَ له، بل الأمرُ محتمل لما قاله، ولأن (¬3) يكون النِّساء قيل لهنَّ وهنَّ في الصّلاة: لا ترفَعْنَ رؤوسكن حتّى يستوي الرجال، ويكون القائل في غير صلاة (¬4)، لا مانع من هذا من جهة اللّفظ، فلا (¬5) يتعينُ أحدُ الاحتمالين إِلَّا بثَبْتٍ. * * * باب: لا يردُّ السَّلامَ في الصَّلاةِ 721 - (1216) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الأَعمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عبد الله، قَالَ: كُنْتُ أُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، فَيَرُدُّ عَلَيَّ، فَلَمَّا رَجَعْنَا، سَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ، وَقَالَ: "إِنَّ فِي الصَّلَاةِ شُغْلًا". (ابن فُضَيْل): بالفاء والضاد المعجمين، مصغر، وقد مر. * * * 722 - (1217) - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا كَثِيرُ ابْنُ شِنْظِيرٍ، عَنْ عَطَاءَ بْنِ أبي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عبد الله - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، ¬

_ (¬1) في "ن" و"ع": "ولا". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 297). (¬3) في "ج": "ولا". (¬4) في "ن" و"ع" و"ج": "الصّلاة". (¬5) في "ن": "ولا".

باب: رفع الأيدي في الصلاة لأمر ينزل به

قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَاجَةٍ لَهُ، فَانْطَلَقْتُ، ثُمِّ رَجَعْتُ وَقَدْ قَضَيْتُهَا، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ، فوَقَعَ فِي قَلْبِي مَا اللهُ أَعْلَمُ بِهِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَعَلَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَجَدَ عَلَيَّ أَنِّي أَبْطَأْتُ عَلَيْهِ؟ ثُمَّ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ، فَوَقَعَ فِي قَلْبِي أَشَدُّ مِنَ الْمَرَّةِ الأُولَى، ثُمَّ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيَّ، فَقَالَ: "إِنَّمَا مَنَعَنِي أَن أَرُدَّ عَلَيْكَ أَنِّي كُنْتُ أصَلِّي". وَكانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، مُتَوَجِّهًا إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ. (كثير): بالثاء المثلثة. (ابن شِنْظِير): بشين معجمة مكسورة فنون ساكنة فظاء معجمة مكسورة فمثناة من تحت فراء، وهو في اللُّغة السيءُ الخُلُقِ. * * * باب: رفعِ الأيدي في الصَّلاةِ لأمرٍ ينزلُ بهِ 723 - (1218) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: بَلَغَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِقُبَاءٍ كانَ بَيْنَهُمْ شَيْءٌ، فَخَرَجَ يُصْلِحُ بَيْنَهُمْ فِي أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَحُبِسَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَحَانَتِ الصَّلَاةُ، فَجَاءَ بِلَالٌ إِلَى أَبي بَكْرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ! إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ حُبِسَ، وَقَدْ حَانَتِ الصَّلَاةُ، فَهَلْ لَكَ أَنْ تَؤُمَّ النَّاسَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنْ شِئْتَ. فَأَقَامَ بِلَالٌ الصَّلَاةَ، وَتَقَدَّمَ أَبَو بَكْرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، فَكَبَّرَ لِلنَّاسِ، وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمْشِي فِي الصُّفُوفِ يَشُقُّهَا شَقًّا حَتَّى قَامَ فِي الصَّفِّ، فَأَخَذَ النَّاسُ فِي التَّصْفِيح، قَالَ سَهْلٌ: التَّصْفِيحُ: هُوَ التَّصْفِيقُ، قَالَ:

وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - لَا يَلْتَفِتُ فِي صَلَاتِهِ، فلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ، الْتَفَتَ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَشَارَ إِلَيْهِ، يَأْمُرُهُ أَنْ يُصَلِّيَ، فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَدَهُ، فَحَمِدَ اللهَ، ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى وَرَاءَهُ، حَتَّى قَامَ فِي الصَّفِّ، وَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى لِلنَّاسِ، فَلَمَّا فَرَغَ، أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ! فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ! مَا لَكُمْ حِينَ نَابَكُمْ شَيْءٌ فِي الصَّلَاةِ أَخَذْتُمْ بِالتَّصْفِيحِ؟ إِنَّمَا التَّصْفِيحُ لِلنِّسَاءَ، مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ، فَلْيَقُلْ: سُبْحَانَ اللهِ". ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبي بَكْرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فَقَالَ: "يَا أَبَا بَكْرٍ! مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ لِلنَّاسِ حِينَ أَشَرْتُ إِلَيْكَ"، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا كَانَ يَنْبَغِي لاِبْنِ أَبي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. (أخذتم بالتصفيح): - بالحاء المهملة، وبالقاف في آخره سواء (¬1) - الضرب بإحدى اليدين على الأخرى، وقيل: بالحاء: الضرب بظاهر إحداهما (¬2) على باطن الأخرى، وقيل: بإصبعين من إحداهما على صفحة الأخرى، وهذا للإنذار والتنبيه، وهو بالقاف: الضرب بجميع إحدى (¬3) الصفحتين على الأخرى، وهو (¬4) اللهو واللعب (¬5). (أبي قُحافة): - بضم القاف - اسمه عثمانُ، أسلمَ يومَ الفتح، وتوفي في المحرم سنة أربعَ عشرةَ، وهو ابنُ سبعٍ وتسعينَ سنةً، وكانت وفاة الصديق ¬

_ (¬1) في "ع": "هو". (¬2) في "ج": "إحديهما". (¬3) في "ع": "أحد". (¬4) في "ن": "وهما". (¬5) في "ج": "وهو اللعب".

باب: الخصر في الصلاة

- رضي الله عنه - قبلَه (¬1)، فورث منه السدس، فردَّهُ على ولد أبي بكر. * * * باب: الْخَصْرِ فِي الصَّلَاةِ (باب: الخَصْر في الصّلاة): -بخاء معجمة مفتوحة وصاد مهملة ساكنة-، وهو: وضعُ اليد على الخاصرة في المشهور (¬2). وقيل: التوكؤ (¬3) على عصا. وقيل: عدمُ إتمام ركوعها وسجودها؛ كأنه يختصرها. وقيل: يقرأ فيها من آخر السورة آية أو آيتين، ولا يتمها في فرضه. * * * باب: تَفَكُّرِ الرَّجُلِ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ (باب: تفكُّرِ الرجلِ الشيءَ في الصّلاة): ساق فيه حديثَ إدبار الشيطان، وقد سبق في الأذان (¬4). سأل ابن المنير: كيف استدل (¬5) البخاريُّ على جواز التفكُّر في الصّلاة بقصة إدبار الشيطان، وإنما اشتملَتْ على نسبة الوسوسة إلى الشيطان، فكيف يُحكم بالجواز فيما نصّ الشرعُ أنه من الشيطان؟ ¬

_ (¬1) "قبله" ليست في "ج". (¬2) في "ج": "المشهورة". (¬3) في "م": "المتوكئ". (¬4) برقم (608). (¬5) في "ن": "استدلال".

وأجاب: بأن وجه ذلك: أن الرسول -عليه السّلام- بيَّن أن ممّا لا يدخل تحت الخطّاب والتكليف وَسْوَسَةُ الشيطان في الصّلاة، وتذكيرُه لما كان العبد لا يذكره، وقد سلط الله الشيطان على ذلك، فلا يكلِّفُ خَلْقَه ما لا طاقةَ لهم به، ولا يلزم هذا في كلّ معصية؛ فإن المراد: الوسوسةُ الغالبة الّتي لا ينفكُّ منها أحدٌ إِلَّا بعصمة الله تعالى، لا الأمرُ الّذي يدخل تحت الاختيار، ويمكن فيها المدافعة. * * * 724 - (1223) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: يَقولُ النَّاسُ: أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ، فَلَقِيتُ رَجُلًا فَقُلْتُ: بِمَا قَرَأَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْبَارِحَةَ فِي الْعَتَمَةِ؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي. فَقُلْتُ: لَمْ تَشْهَدْهَا؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: لَكِنْ أَنَا أَدْرِي، قَرَأَ سُورَةَ كَذَا وَكَذَا. (بما قرأ): بإثبات ألف "ما" الاستفهامية مع دخول الجار عليها، وهو قليل، وقد مرَّ نظيره. * * *

كتاب السهو

كِتابُ السَّهْوِ

باب: إذا صلى خمسا

كِتابُ السَّهْوِ باب: إذا صلَّى خمسًا 725 - (1226) - حدثنا أبُو الوَلِيدِ، حدَّثنا شُعْبَةُ، عنِ الحَكَم، عنْ إبْراهِيم، عنْ عَلْقَمَةَ، عنْ عبد الله - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا، فَقِيلَ لَهٌ: أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: "وَمَا ذَاكَ؟ "، قَالَ: صَلَّيْتَ خَمْسًا، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ. (صلّى الظهر خمسًا، قيل: أَزيَد في الصّلاة؟): لم يذكر في هذا (¬1) الحديث كيفَ فعل الصّحابة، هل انتظروا، أو اتبعوا في الخامسة؟ وظاهر الأمر أنهم اتبعوا فيها؛ لأنهم ظنوا الصّلاة تغيرَ حكمُها إلى الزيادة، وهذا يقتضي أنهم اتبعوه فيها، [وفيه دليل حينئذ على أن نيّة العدد غير معتبرة، وذلك (¬2) أنهم أحرموا على أربع] (¬3)، وصلوا خمسًا معتقدين أن الصّلاة صارت خمسًا، ولو كان عندهم أن نيّة العدد معتبرة، لما استقامت (¬4) لهم ¬

_ (¬1) "هذا" ليست في "ج". (¬2) "وذلك" ليست في "ن". (¬3) ما بين معكوفتين سقط من "ع". (¬4) في "ع": "صارت خمسًا، وفيه دليل على أن نيّة العدد غير معتبرة، ولو كانت =

باب: إذا سلم في ركعتين، أو في ثلاث، فسجد سجدتين مثل سجود الصلاة أو أطول

الركعة لعدم النية ولم يتبعوا فيها. وحكم المأموم الآن (¬1): أنه إذا تبع (¬2) الإمامَ في الخامسةِ مع علمِه بسهوِه: أن صلاته (¬3) باطلة؛ لأن الأحكام استقرَّتْ فلا عذرَ له في الزيادة (¬4)؛ بخلاف من سها كسهوه، أو جلس ينتظره، فلو قال الإمامُ: كانت الخامسةُ بموجب، فمن أيقن حينئذ بالموجب، وتبعه، صحَّت صلاتُه، ومن لم يتبعه، بطلت صلاته، [ومن أيقنَ انتفاءَ الموجب، وتبعه، بطلت صلاته، ومن لم يتبعه، صحَّت (¬5) صلاته] (¬6)، ويبني الظانُّ على ظنه، والشاكُّ على الاحتياط. وليس في الحديث دليلٌ إِلَّا على حكمِ مَنْ ظنَّ الموجبَ واتبعَه أن صلاته صحيحة على ما قلنا إنّه ظاهر الواقعة. * * * باب: إِذَا سَلَّمَ فِي رَكعَتَيْنِ، أَوْ في ثَلَاثٍ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ مِثْلَ سُجُودِ الصَّلَاةِ أَوْ أَطْوَلَ (باب: إذا سَلَّمَ في ركعتين أو ثلاثٍ): ليس في حديث أبي هريرة ¬

_ = معتبرة، لما استقامت". (¬1) "الآن" ليست في "ع". (¬2) في "ن"و "ع": "اتبع". (¬3) في "ج": "أن الصّلاة". (¬4) "في الزيادة" ليست في "ج". (¬5) في "ع": "بطلت". (¬6) ما بين معكوفتين سقط من "ج".

الّذي أورده ذكرُ الثلاث، نعم جاء في حديث عِمْرانَ بنِ حُصين، فكأن (¬1) البخاريّ أشار إليه في التبويب كما فعل في قوله: باب: إذا أقيمت الصّلاة، فلا صلاة إِلَّا المكتوبة" * * * 726 - (1227) - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الظُّهْرَ أَوِ الْعَصْرَ، فَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ: الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللهَ أَنَقَصَتْ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأَصْحَابِهِ: "أَحَقٌّ مَا يَقُولُ؟ "، قَالُوا: نعمْ، فَصَلَّى رَكعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ. (قالوا: نعم، فصلّى ركعتين أُخراوين): كذا، ووجهُه (¬2) مشكل، ويروى: "أخريين"، وهو ظاهر، وليس فيه ذكرُ الإحرام، فيحتمل أن يستدل به من يقول: يرجع بغير إحرام. ويحتمل أن يستدلَّ به من يقول بالإحرام أيضًا، وذلك أنه قال: فصلّى ركعتين أُخريين، فدل على أنه أحرم لهما، ولو أراد بغير إحرام، لقال: ثم بنى، أو ثمّ كمل الصلاةَ، وقولُ القائل: الإحرامُ ينافي البناء لا يقدح هنا؛ لأن ذلك (¬3) هو الإحرام المستأنف، وهذا إنّما هو نظريةٌ للأول، وتجديدُ العهد لوجود صورة المنافي. ¬

_ (¬1) في "ن" و "ع" و "ج": "وكأن". (¬2) في "ن" و"ع": "كذا ثبت ووجهه". (¬3) في "ن": "ذاك".

باب: من لم يتشهد في سجدتي السهو

باب: من لم يتشهدْ في سجدتي السَّهو 727 - (1228) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنسٍ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبي تَمِيمَةَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - انْصَرَفَ مِنِ اثْنتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ: أَقصرَتِ الصَّلَاةُ، أَمْ نسَيتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ؟ "، فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَصَلَّى اثْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ، فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ. (فقال النَّاس: نعم، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فصلّى اثنتين أُخريين): قال ابن المنير: وقد ورد في طريق آخر (¬1): أنهم راجعوه وهو قائم، وقد اتكأ على خشبة، وشَبَّكَ بين أصابعه، فيقال: ما هذا القيام المستأنف؟ فالجواب: أن فيه تعريضًا بأنه أحرم، ثمّ جلس، ثمّ قام، وهو أحد القولين، وإلا، فلا يُتصور استئنافُ القيام إِلَّا بهذه الطريقة، والله أعلم. * * * باب: من يكبِّرُ في سجدتي السَّهو 728 - (1229) - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبي هُرَيرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ - قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَكثَرُ ظَنِّي الْعَصْرَ - رَكعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجدِ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا، وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ، وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ، ¬

_ (¬1) في "ن": "أخرى".

فَقَالُوا: أَقَصُرَتِ الصَّلَاةُ؟ وَرَجُلٌ يَدْعُوهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ذُو الْيَدَيْنِ، فَقَالَ: أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتْ؟ فَقَالَ: "لَمْ أَنْسَ، وَلَمْ تُقْصَرْ"، قَالَ: بَلَى، قَدْ نَسِيْتَ. فَصَلَّى رَكعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ، فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفِعَ رَأْسَهُ فَكَبَّرَ، ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ فَكَبَّرَ، فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثمَّ رَفعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ. (فقال: لم أنسَ، ولم تُقصرْ): قال أيضًا: وفي هذا دليل على صحة قول المتكلمين في أن من ضرورة المعتقِد أن يعتقد كونَه عالمًا، ولهذا عبر عن نفي النِّسيان عبارة العالم بأنه لم ينسَ، وإلا فيستحيل أن يثبت وهو شاكٌّ، فدل ذلك على أن الاعتقاد حيث يتعذَّرُ اليقينُ يقوم مقام اليقين، ولذا انصرفَ من الصّلاة حتّى عارضَ ذلك ما أذهَبَهُ من اليقين المحقَّق. * * * 729 - (1230) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ عبد الله ابْنِ بُحَيْنَةَ الأَسْدِيّ، حَلِيفِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قامَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَعَلَيْهِ جُلُوسٌ، فَلَمَّا أتمَّ صَلَاتَهُ، سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، فَكَبَّرَ فِي كُلِّ سَجْدَةٍ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، وَسَجَدَهُمَا النَّاسُ مَعَهُ، مَكَانَ مَا نَسِيَ مِنَ الْجُلُوسِ. تَابَعَهُ ابْنُ جُرَيْجِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ فِي التَّكْبِيرِ. (عن عبد الله ابنِ بُحَيْنَةَ الأَسْدِيِّ): - بسكون السين -، وأصلُه: الأَزْدِيُّ، فأُبدلت الزاي سينًا. * * *

باب: إذا لم يدر كم صلى - ثلاثا أو أربعا - سجد سجدتين وهو جالس

باب: إذا لم يدْرِ كم صلَّى - ثلاثًا أو أربعًا - سجد سجدتينِ وهو جالسٌ 730 - (1231) - حدّثنا مُعاذُ بنُ فُضَالَةَ، حدّثنا هِشامُ بنُ أبِي عبد الله الدَّسْتَوائِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبي كَثِيرٍ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا نُودِيَ بِالصَّلَاةِ، أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ، حَتَّى لَا يَسْمَعَ الأَذَانَ، فَإِذَا قُضِيَ الأَذَانُ، أَقْبَلَ، فَإِذَا ثُوِّبَ بِهَا، أَدْبَرَ، فَإِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ، أَقْبَلَ، حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ، يَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا وَكَذَا، مَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ، حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ إِنْ يَدْرِي كَمْ صَلَّى، فَإِذَا لَمْ يَدْرِ أَحَدُكُمْ كَمْ صَلَّى، ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهْوَ جَالِسٌ". (الدَّسْتَوائي): بالمد وفتح الدال والتاء، وقد مرَّ. (حتّى (¬1) يخطِر): بكسر الطاء المهملة، ويجوز ضمها، وقد مر في: الأذان (¬2). * * * باب: السَّهوِ في الفرضِ والتَّطوعِ 731 - (1232) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ يُصَلِّي، جَاءَ الشَّيْطَانُ فَلَبَسَ ¬

_ (¬1) في "ع": "عن". (¬2) برقم (608).

عَلَيْهِ، حَتَّى لَا يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى، فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ". (فلبس عليه): بتخفيف الباء الموحدة، وحكى القاضي تثقيلها؛ أي: خلط عليه أمرَ صلاتِه (¬1). وحكى صاحب "تثقيف اللسان" عن بعضهم (¬2): أن الخفيفةَ لغةُ القرآن، والرواية: بالتشديد، فأجاؤه لما كان لغةَ القرآن، مع أنه لم يروه (¬3). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 354). (¬2) في "ج": "عن بعض". (¬3) انظر: "تثقيف اللسان" للصقلي (ص: 148)، و "التنقيح" (1/ 299)، وعنه نقل المؤلِّف كلام الصقلي.

كتاب الجنائز

كِتَابُ الجَنَائِزِ

باب: في الجنائز، ومن كان آخر كلامه: لا إله إلا الله

كِتَابُ الجَنَائِزِ (كتاب: الجنائز): جمع جنازة، وسيأتي ضبطها. باب: فِي الْجَنَائِزِ، وَمَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَقِيلَ لِوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: أَلَيْسَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ لَيْسَ مِفْتَاحٌ إِلَّا لَهُ أَسْنَانٌ، فَإِنْ جِئْتَ بِمِفْتَاحٍ لَهُ أَسْنَانٌ، فُتِحَ لَكَ، وَإِلاَّ، لَمْ يُفْتَحْ لَكَ. (باب: من كان آخرَ كلامه لا إله إِلَّا الله): آخر - بالنصب - على أنه خبر "كان " قُدِّم على اسمها، وهو "لا إله إِلَّا الله"، وساغ كونها مُسْنَدًا إليها مع أنها جملة؛ لأن المراد بها لفظها، فهي في حكم المفرد، ويجوز أن يعكس هذا الإعراب. (أليس لا إله إِلَّا الله مفتَاحُ الجنَّة): بنصب مفتاح ورفعه على أنه خبر ليس، أو (¬1) اسمها؛ كما سبق. (فإن جئتَ بمفتاح له أسنانٌ، فتح لك): يريد بالأسنان: الأعمال المنجية المنضمة إلى كلمة التّوحيد. ¬

_ (¬1) في "ن"و "ج": "و".

وقال الزركشي: أراد بها القواعد الّتي بني الإسلام عليها (¬1). قلت: من جملة القواعد كلمة (¬2) الشّهادة الّتي عبر عنها بالمفتاح، فكيف يُجعل بعد ذلك من الأسنان؟ فالظاهرُ ما تقدّم. ويحتمل أن يكون من قبيل المشاكلة، وإطباق الجواب على السؤال. قال (¬3) الزمخشري: وهو فنٌّ من كلامهم بديع، وطرازٌ عجيب؛ مثل قول أبي تمام: مَنْ مُبْلِغٌ أَفْنَاءَ يَعْرُبَ كُلَّهَا ... أَنِّي بَنَيْتُ الجَارَ قَبْلَ المَنْزِلِ وشهد رجلٌ عند شريح، فقال: إنك لسبطُ الشّهادة، فقال الرَّجل: إنها (¬4) لم تجعَّدْ عني، فقال: لله بلادُك، وقبلَ شهادته، فالذي سوَّغَ بناءَ الجار، وتجعيدَ الشّهادة هو مراعاةُ المشاكلة، ولولا بناءُ الدَّار، لم يصحَّ بناء الجار، و [لولا] سبوطةُ الشّهادة، لامتنع تجعيدها. انتهى (¬5). كذلك هنا عبَّر عن الأعمال المنجية بالأسنان لما (¬6) عبَّر عن كلمة التّوحيد بالمفتاح، ومعنى إنك لسَبْطُ الشّهادة؛ أي: ترسلُها من غير تأمل وتدبُّر (¬7) بمنزلة الشعرِ المسترسِل، فقال: إنها لم تجعَّدْ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 301). (¬2) في "ع": "كلمتا". (¬3) "قال" ليست في "ج". (¬4) "إنها" ليست في "ع". (¬5) انظر: "الكشاف" للزمخشري (1/ 141 - 142). (¬6) في "ع" و"ج": "كما". (¬7) في "ع": "وتدبير".

عني (¬1)؛ أي (¬2): لم تُمنع ولم تُقبض، بل أنا واثق بها، عالم بكيفية الحال، وهذا النوع من المشاكلة أبدعُ وأعجبُ؛ إذ ليس تعبيرًا (¬3) عن الشيء بلفظ غيره، لوقوعه في صحبة ذلك الغير، [بل في صحبة ضده] (¬4). وظاهرُ كلامهم أن مجودَ وقوعِ مدلولِ هذا اللّفظ في مقابلة ذلك (¬5) جهةُ (¬6) التجوز (¬7) والجواز على ما قال الزمخشري، فالذي سوغ بناء الجار إلى آخره، ولا خفاء في أنه يمكن في بعض صور المشاكلة استعارة بأن يُشبه انقباضُ الشّهادة عن الحفظ وتأَبِيها عن (¬8) المذاكرة (¬9) بتجعُّد (¬10) الشعر. وكذا يمكنُ الاستعارةُ في قول وهب بْن مُنبه: بأن يشبه الأعمال المنجية بأسنان (¬11) المفتاح من حيثُ الاستعانة بها في فتح المغلقات وتيسير المستَصْعَبات، لكن الكلام في مطلق المشاكلة؛ كقوله: [من الكامل] ¬

_ (¬1) في "ن":"مني". (¬2) "أي" ليست في "ع" و"ج". (¬3) في "م" و "ج": "تعبير". (¬4) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬5) في "ن": "ذاك". (¬6) في "ع" و "ج": "في جهة مقابلة". (¬7) في "ن" و "ع": "التجويز". (¬8) في "ن": "على". (¬9) في "ج": "الذاكرة". (¬10) في "ع"و "ج": "بتجعيد". (¬11) في "ج": "بالأسنان".

قَالُوا اقْتَرِحْ شَيْئًا نُجِدْ لَكَ طَبْخَهُ ... قُلْتُ اطْبُخُوا لِي جُبَّةً وَقَمِيصًا (¬1) وسمعت عن بعض العصريين (¬2) أنه قال: لا تكون المشاكلة [إِلَّا حيث يكونُ اللّفظ الّذي وقع لفظُ المشاكلة] (¬3) في صحبته (¬4) مستعملًا في حقيقته (¬5)، ولا يُتصور حيث يكون اللفظان مجازَيْنِ ألبتة اغترارًا بالأمثلة المتداولة، وما سقناه في قول شريح ممّا يدفع في صدر دعواه، فتأمله. * * * 732 - (1237) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا وَاصِلٌ الأَحْدَبُ، عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ أَبي ذَرٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبي، فَأَخْبَرَنِي، أَوْ قَالَ: بَشَّرَنِي، أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ". قُلْتُ: وَإِنْ زَنَىَ، وإنْ سَرَقَ؟ قال: "وإنْ زَنَى، وإنْ سَرقَ". (الأحدب): بحاء ودال مهملتين وموحدة. (المعرور): بعين وراءين مهملات (¬6). (فقلت: وإن زنى وإن سرق): فيه شاهد على حذف همزة الاستفهام لقيام القرينة. ¬

_ (¬1) البيت لجحظة البرمكي. انظر: "جمهرة الأمثال" للعسكري (1/ 227). (¬2) في "ج": "البصريين". (¬3) ما بين معكوفتين سقط من "ع" و "ج". (¬4) في "ع": "صحبة". (¬5) في "ع": "حقيقة". (¬6) في "ن": "مهملتين".

733 - (1238) - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا شَفِيقٌ، عَنْ عبد الله - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ مَاتَ يُشْرِكُ باللهِ شيئًا، دَخَلَ النَّارَ". وَقُلْتُ أَنَا: مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، دَخَلَ الْجَنَّةَ. (وقلت أنا: من مات لا يشرك بالله [شيئًا]، دخل الجنَّة): والمفهومُ الّذي استدل به على ذلك لا بد فيه من واسطة، وذلك أن مفهوم الحديث: أن من (¬1) مات لا يشرك بالله شيئًا، لا يدخل النّار، ويلزم أن يدخل الجنَّة، إذ لا دارَ بين الجنَّة والنار، وأصحابُ الأعراف قد عُرف استثناؤهم من العموم. وكأن البخاريّ أراد أن يفسر (¬2) معنى (¬3) قوله: "مَنْ كَانَ آخِرَ كَلامِهِ" بالموت على الإيمان حكمًا أو لفظًا، ولا يُشترط أن يتلفظ بذلك عند الموت إذا كان حكم (¬4) الإيمان بالاستصحاب، وذَكَرَ قولَ وهب أيضًا تفسيرًا لكون مجرد النطق لا يكفي، ولو كان عند الخاتمة حتّى يكون هناك عملٌ؛ خلافًا للمرجئة، وكأنه يقول: لا يعتقد الأكتفاء بالشهادة، وإن قارنت الخاتمة، ولا يعتقد الاحتياج إليها نطقًا إذا تقدمت حكمًا، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) "من" ليست في "ن"و "ع". (¬2) ف "ع": "البخاريّ أراد أن والمفهوم الّذي استدل به على ذلك لا بد فيه من واسطة، وذلك أن مفهوم الحديث أو يفسر". (¬3) "معنى" ليست في "ج". (¬4) في "ن": "حكمه".

باب: الأمر باتباع الجنائز

باب: الأمرِ باتِّباعِ الجنائز 734 - (1239) - حَدَّثَنَا أَبَو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَشْعَثِ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ سُويدِ بْنِ مُقَرِّنٍ، عَنِ الْبَرَاءِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: أَمَرَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِسَبعٍ، وَنهانَا عَنْ سَبعٍ: أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَنصرِ الْمَظْلُومِ، وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ، وَرَدِّ السَّلَامِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ. وَنهَانَا عَنْ آنِيَةِ الْفِضَّةِ، وَخَاتَمِ الذَّهَبِ، وَالْحَرِيرِ، وَالدِّيبَاجِ، وَالْقَسِّيِّ، وَالإسْتَبْرَقِ. (ابن مُقَرِّن): بميم مضمومة فقاف مفتوحة فراء مشددة مكسورة. (عن البراء): - بتخفيف الراء -: هو ابنُ عازِبِ. (أَمرنا باتِّباع الجنائز): وظاهر اتباع الجنائز المشيُ خلفها، وقد قيل به لهذا الظّاهر، ولكن المشهور أن الرجال يتقدمونها، و (¬1) أن الاتباع محمول على الأخذ في طريقها، والسَّعي لأجلها؛ كما (¬2) يقال: الجيش يتبع السلطان؛ أي: يتوخَّى موافقته (¬3)، وإن تقدمه كثير منهم في المشي والركوب. وفي المذهب في كيفية الاتباع ثلاثة أقوال: التقدم عليها (¬4)، والتأخر عنها (¬5)، وتقدم الماشي وتأخر الراكب، وأما النِّساء فيتأخرن (¬6) بلا خلاف. ¬

_ (¬1) الواو سقطت من "ع". (¬2) "كما" ليست في "ج". (¬3) في "ع": "مواقعه". (¬4) "عليها" ليست في "ع" و"ج". (¬5) "عنها" ليست في "ج". (¬6) في "ج": "فيتأخرون".

(والقَسِّي): - بقاف مفتوحة فسين مشددة مكسورة - فُسِّرت في كتاب: اللباس: بأنها ثياب يؤتى بها من الشّام، أو من مصر، مُضَلَّعَة فيها حرير أمثال الأترجِّ (¬1). وقيل: موضع يقال له: قَسّ - بتشديد السين - بناحية مصر تُنسب إليه. (والإستبرق): نوع من الديباج، وقد سقط من هذا الحديث الخصلة (¬2) السابعة، وهو ركوب المياثر، وقد ذكرها في كتاب: الأشربة واللباس. * * * 735 - (1240) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبي سَلَمَةَ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "حَقُّ الْمُسْلِم عَلَى الْمُسْلِم خَمْسٌ: رَدُّ السَّلَامِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ". تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. وَرَوَاهُ سَلَامَةُ، عَنْ عُقَيْلٍ. (وإجابة الدَّعوة): بفتح الدال. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "صحيح البخاريّ " (5/ 2195). (¬2) في "ع": "أصله الخصلة".

باب: الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في كفنه

باب: الدُّخُولِ عَلَى الْمَيِّتِ بَعْدَ المَوْتِ إِذَا أُدْرِجَ فِي كَفَنهِ (باب: الدخول على الميِّت [بعد الموت] إذا أُدرج في أكفانه (¬1)). أى: طُوي فيها ولُفَّ، وساق فيه حديث عائشة، ودخولَ أبي بكر على النبي - صلى الله عليه وسلم - وخروجه، وقوله لعمر مقالته: إنّما كان ذلك قبل أن يغسل النبي - صلى الله عليه وسلم - ويكفن، وإنّما كان مسجَّى بأثواب حياته يومئذ، والترجمة إنّما ترجع إلى الدخول على الميِّت بعد جهازه، فكأن (¬2) البخاريّ أفهم بالترجمة أن الدخول عليه وتوديعَه جائز قبلَ غسلِه وبعدَ غسلِه وتكفينه. 736 - (1241) و (1242) - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عبد الله، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ، وَيُونسٌ، عَنِ الزهْرِيِّ، قَالَ: أخبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ: أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ: أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَلَى فَرَسِهِ مِنْ مَسْكَنِهِ بِالسُّنْحِ، حَتَى نَزَلَ، فَدَخَلَ الْمَسْجدَ، فَلَمْ يُكَلِّمِ النَّاسَ، حَتَّى نَزَلَ فَدَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، فَتَيَمَّمَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ مُسَجَّى بِبُرْدِ حِبَرَةٍ، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ أَكَّبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ، ثُمَّ بَكَى، فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ يَا نَبِيَّ اللهِ، لَا يَجْمَعُ اللهُ عَلَيْكَ مَوْتتَيْنِ، أَمَّا المَوْتَةُ الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْكَ، فَقَدْ مُتَّهَا. قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَأَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - خَرَجَ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يُكَلِّمُ النَّاسَ، ¬

_ (¬1) كذا في رواية أبي ذر الهروي والأصيلي وغيرهما، وفي اليونينية: "كفنه"، وهي المعتمدة في النص. (¬2) في "ن" و "ج": "وكأن".

فَقَالَ: اجْلِسْ، فَأَبَى، فَقَالَ: اجْلِسْ، فَأَبَى، فتَشَهَّدَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، فَمَالَ إِلَيْهِ النَّاسُ، وَتَرَكُوا عُمَرَ، فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم -، فَإِنَّ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعبد الله، فَإِنَّ اللهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} إِلَى {الْشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144]. وَاللهِ! لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ الآيَةَ حَتَّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، فتلَقَّاهَا مِنْهُ النَّاسُ، فَمَا يُسْمَعُ بَشَرٌ إِلَّا يَتْلُوهَا. (بِشْرُ بنُ محمدٍ): بموحدة وبشين (¬1) معجمة. (بالسُّنْح): - بسين مهملة مضمومة ونون (¬2) ساكنة وحاء مهملة -: موضع بعوالي المدينة. (مُسَجًّى): أي: مغطَّى. (ببرد حِبَرَةٍ): - بحاء مهملة (¬3) وموحدة (¬4) وراء - بوزن عِنَبَةٍ: نوع من برود اليمن كانت أشرفَ الثِّياب عندَهم، وهو على الصِّفَة لما قبله، ويروى بالإضافة. (فقبَّله)؛ أي: بين عينيه، كذا رواه النَّسائيُّ، وترجم عليه: الموضع الّذي قُبِّل من النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - (¬5). ¬

_ (¬1) في "ن" و "ع" و"ج": "وشين". (¬2) في "ع": "بسين مهملة وموحدة ونون". (¬3) "مهملة" ليست في "ع". (¬4) في "ج": "فموحدة". (¬5) رواه النَّسائيُّ في "السنن الكبرى" (7110).

(لا يجمع الله عليك موتتين): أي: في الدنيا، إمّا لأن عمر قال: إن الله سيبعثُ نبيه، فيقطعُ أيديَ رجالٍ وأرجلَهم، ولو وقعَ ذلك، للزمَ أن يموت موتتين في الدنيا، وإما لأنه يحيا في قبره، ثمّ لا يموت. * * * 737 - (1243) - حَدَّثَنَا يَحْيىَ بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: أَنَّ أُمَّ الْعَلَاءِ - امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ - بَايَعَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، أَخْبَرتهُ: أَنَّهُ اقْتُسِمَ الْمُهَاجِرُونَ قُرْعَةً، فَطَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، فَأَنْزَلْنَاهُ فِي أَبْيَاتِنَا، فَوَجِعَ وَجَعَهُ الَّذِي تُوُفِّي فِيهِ، فَلَمَّا تُوُفِّي، وَغُسِّلَ وَكفِّنَ فِي أَثْوَابِهِ، دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ، فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ: لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللهَ قَدْ أَكْرَمَهُ؟! "، فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللهُ؟ فَقَالَ: "أَمَّا هُوَ، فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ، وَاللهِ! إِنِّي لأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ، وَاللهِ! مَا أَدْرِي - وَأَنَا رَسُولُ اللهِ - مَا يُفْعَلُ بِي". قَالَتْ: فَوَاللهِ لَا أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا. (فطارَ لنا): أي: صار في صفقتنا، وأسكناه دارنا، يقال: طار لفلان كذا؛ أي: صار له، ويروى: "فصار لنا" من الصيرورة. قال الزركشي: حكاه ابن شميل (¬1) في "غريب البخاريّ" (¬2). (عثمان بْن مظعون): بظاء معجمة. ¬

_ (¬1) في "ن" و"ع": "سهل". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 302).

باب: الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه

(فوَجِع): بجيم مكسورة. (والله! ما أدري - وأنا رسول الله - ما يُفعل بي): قال القرطبي: أي: في الدنيا؛ من نفع أو ضرر، وإلا فنحن نعلم قطعًا أنه -عليه السّلام- يعلم أنه خيرُ البرية يومَ القيامة، وأكرمُهم على الله. قال الزركشي: وسنذكر في سورة الأحقاف أما منسوخة، ناسخُها أولُ سورة الفتح (¬1). قلت: يشير إلى قوله تعالى: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ} [الأحقاف: 9]، وهذا خبر، فلا يدخله النسخ، نعم كان أولًا لا يدري؛ لأن الله لم يعلمه، ثمّ درى بأن أعلمه بعدَ ذلك، ومثل هذا لا يقال فيه منسوخ وناسخ، فتأمله. * * * باب: الرَّجُلِ يَنْعَى إِلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ بِنَفْسِهِ (باب: الرَّجل ينعى إلى أهل الميِّت بنفسه): النَّعْيُ: الإعلامُ بموتِ الميِّتِ. قال الزركشي: مقصودُ البخاريّ: ينعى إلى النَّاس الميِّتَ بنفسِه، [فكأنه (¬2) سقطَ ذكرُ الميِّت، وأصلُه: الرَّجلُ ينعَى (¬3) إلى أهل الميِّتِ الميِّتَ (¬4) ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 303). (¬2) في "ع": "وكأنه". (¬3) ينعى: ليست في "ن". (¬4) "الميِّت" الثّانية ليست في "ن" و"ع".

بنفسِه] (¬1)، ويكون الميِّت منصوبًا مفعول (¬2) ينعى (¬3). قلت: ويكون البخاريّ ترجم على ذلك؛ لئلا يتوهم أن هذا من إيذاء (¬4) أهل الميِّت، وإدخال المساءة عليهم، وهو ضد استحباب (¬5) إدخال السرور على قلب المسلم، فبين (¬6) أن هذا أمر ضروريٌّ لا بد منه، لكن يلزمُ على هذا الإعراب المؤدِّي إلى هذا المعنى حذف (¬7) المؤكَّد وبقاء تأكيده، وفيه تنافٍ على ما صرح به بعضُهم، وأيضًا فالتأكيد على تقدير أن يكون للميت لا يقع موقعه. وأحسنُ من هذا أن يقال: إن قولَه: "بنفسه" تأكيدٌ للضمير المستكنِّ في "ينعى"، فهو عائد إلى الناعي، لا المنعي، ويريد البخاريّ جوازَ أن يباشر السيدُ والإمامُ النعيَ بنفسه، ولا يَستنيب فيه أحدًا، وللتأكيد حينئذ موقعٌ حسن. * * * 738 - (1245) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬2) في "ع": "منصوبًا يبتغي نفسه مفعول". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 304). (¬4) في "ع": "نداء". (¬5) في "ج": "الاستحباب". (¬6) في "ن" و"ع": "فتبين". (¬7) في "م": "حرف".

رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى، فَصَفَّ بِهِمْ، وَكبَّرَ أَرْبَعًا. (نعى النَّجاشيّ): أي: إلى المسلمين، وقد كانوا أهلَه، أو بمثابة أهله، ويستحقون أخذَ عزائه (¬1)، فلهذا أدخله في التّرجمة. وفيه ثلاث لغات: تشديد (¬2) الياء، مع فتح النون وكسرها، وتخفيف الياء مع فتح النون، حكاه صاحب "الديوان" في باب فعال، كذا في الزركشي (¬3). قلت: جرى في ذلك على عادته من نقل اللغات على وجه يجوز معه استعمالُها في الرِّواية، ولا يجوز الإقدامُ على مثل ذلك إِلَّا بتثبت، فإن وُجد، عُمل بمقتضاه. * * * 739 - (1246) - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أَنسٍ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ، فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ، فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عبد الله بْنُ رَوَاحَةَ، فَأُصِيبَ - وَإِنَّ عَيْنَيْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَتَذْرِفَانِ -، ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَليدِ مِنْ غَيْرِ إِمْرَةٍ، فَفُتِحَ لَهُ". (أخذ الراية زَيْدٌ): هذا كان يومَ مؤتةَ من عُمرة القضاء سنةَ سبعٍ، ¬

_ (¬1) في "ن" و"ج": "عدائه". (¬2) في "ج": "بتشديد". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 304).

باب: الإذن بالجنازة

وفتحُ مكّة سنةَ ثمان. (لتذرِفان): - بذال معجمة وراء مكسورة -؛ أي: تسيلان. (من غير إِمرة): بهمزة مكسورة. * * * باب: الإذْنِ بِالْجَنَازَةِ وَقَالَ أَبُو رَافِعٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَلَا آذَنْتُمُوني". (ألا آذنتموني): - بهمزة فألف -؛ أي: أعلمتموني. * * * باب: فضلِ من مات له ولدٌ فاحتسبَ 740 - (1248) - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنَ النَّاسِ مِنْ مُسْلِمٍ، يُتَوَفَّى لَهُ ثَلَاثٌ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ، إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ، بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ". (يُتوَفَّى له): - بضم الياء - على البناء للمفعول. (ثلاث): وفي نسخة: "ثلاثة" على إرادة الأنفس، أو الأشخاص. (لم يبلغوا الحِنْثَ): قال النضر بْن شميل: معناه: قبل أن يبلغوا الحلم فيُكتبَ (¬1) عليهم الإثمُ (¬2). ¬

_ (¬1) في "ج": "فكتب". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 304).

وقال الراغب: عبر بالحنث عن البلوغ لما كان الإنسانُ يؤاخذ بما يرتكبه فيه؛ بخلاف ما قبله. وقد أُورد عليه: أنه كما يؤاخذ بالسيئة، يثاب على الحسنة، فكيف غلب الشر (¬1)؟ وأجيب: بأن البلوغ له أثرٌ في المؤاخذة، أما في الثّواب، فلا خصوصية للبلوغ به، فقد يثاب الصبي. قلت: أما السؤال في جانب الإثبات، فقد يُتخيل، وأما في جانب النَّفْي، فلا إثم. قيل: إنّما خصهم بذلك؛ لأن الصغير حُبُّه أشدُّ، والشفقةُ عليه أعظمُ. وقد سلفَ شيءٌ من هذا المعنى (¬2). * * * 741 - (1251) - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "لَا يَمُوتُ لِمُسْلِمِ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ، فَيَلِجَ النَّارَ، إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَم". قَالَ أَبُو عبد الله: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: 71]. (لا يموت لمسلم ثلاثةٌ من الولد فيلَج النّار): بنصب الفعل (¬3) بأن مضمرة بعد الفاء الواقعة بعد النَّفْي، واستُشكل بأن شرطَها السببيةُ، وهو مفقود. ¬

_ (¬1) في "ع": الشرور. (¬2) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬3) في "ن": "بنصب النار".

وبيانه: أنك تعمد إلى الفعل الّذي هو غير موجب، فتجعله موجبًا، وتُدخل عليه "إن" الشرطية، وتجعل الفاء وما بعده من الفعل جوابًا؛ كما تقول (¬1) في قوله تعالى: {وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} [طه: 81]: أي (¬2) إن (¬3) تطغوا فيه، فحلولُ الغضب حاصلٌ. وفي قولهم: ما تأتينا فتحدِّثَنا إنْ تأتِنا (¬4)، فالحديثُ واقع، فإذا ارتكبتَ مثلَ هذا في الحديث الشريف، فقلت: إن يمتْ لمسلم ثلاثةٌ من الولد، فولوجه (¬5) النارَ حاصلٌ، لم يستقمْ. والجواب (¬6): أنا لا نسلِّمُ اشتراطَ السببية، بل يجوز النصبُ أيضًا بعد الفاء الشبيهة (¬7) بفاء السببية بعد النَّفْي مثلًا، وإن لم تكن السببية حاصلة؛ كما قالوا في أحد وجْهَي (ما تأتينا فتحدِّثَنا): إن النَّفْي يكون راجعًا في الحقيقة إلى الحديث، لا إلى الإتيان؛ أي: ما يكونُ منكَ إتيانٌ يعقبُه حديث، وإن حصل مطلقُ الإتيان، كذلك هنا؛ أي: لا يكون موتُ ثلاثةٍ من الولد يعقبُه ولوجُ النّار، فيرجع النَّفْي إلى القيدِ خاصّة، فيحصل المقصودُ، ضرورةَ أن مسَّ النارِ إن لم (¬8) يكن يعقُبُ موتَ الأولاد، وجبَ ¬

_ (¬1) في "ع": "تقدّم". (¬2) "أي" زيادة من "ع". (¬3) في "ن" و"ع": "وإن". (¬4) في "ن" و"ع": "تأتينا". (¬5) في "ن": "فلولوجه". (¬6) في "ج": "فالجواب". (¬7) في "ن" و"ع": "المشبهة". (¬8) في "ن" و "ع": "إذا لم".

باب: غسل الميت ووضؤئه بالماء والسدر

دخولُ الجنَّة؛ إذ ليس بين الجنَّة والنار منزلةٌ أخرى في الآخرة. (لا تَحِلَّةَ القسم): قال القاضي: هذا محمول على الاستثناء عندَ الأكثر، وعبارةٌ عن القلَّة عند بعضهم. وقد يحتمل أن يكون (إِلَّا) بمعنى: ولا؛ أي: ولا مقدارَ تحلَّةِ القسم (¬1). قلت: قد مر أن مثل هذا الثّالث لا ينبغي أن يُتشاغل بذكره، وقد علمتَ (¬2) أنه (¬3) لم يُقيد الأولادُ في مثل هذا (¬4) الحديث بكونهم (¬5) لم يبلغوا الحِنْث، وكذا في حديث أبي سعيد، فهو دليل على لحوق الوعدِ (¬6) بآبائهم، فيكون قوله فيما سبق: "لم يبلغوا الحنث" لا مفهوم له. بل قال ابن المنير: إن لحوق الوعد بالبالغين بطريق الأولى؛ إذ الفجعةُ بالكبير أكبرُ منها بالصغير. * * * باب: غُسْلِ الْمَيِّتِ وَوُضُؤئِهِ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ وَحَنَّطَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - ابْنًا لِسَعِيدِ بْنِ زيدٍ، وَحَمَلَهُ، ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 34). (¬2) "وقد علمت" ليست في "ع". (¬3) في "ع": "أنهم". (¬4) "مثل" ليست في "ن"، "مثل هذا" ليست في "ع". (¬5) في "ج": "لكونهم". (¬6) في "ع": "الوعيد".

وَصَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: الْمُسْلِمُ لَا يَنْجُسُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا. وَقَالَ سَعِيدٌ: لَوْ كَانَ نَجِسًا، مَا مَسِسْتُهُ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْمُؤْمِنُ لَا يَنْجُسُ". (باب: غَسْل الميِّت): بضم الغين وفتحها، ذكر في التّرجمة توضئة الميِّت، ولم يأت فيها بحديث، وكأنه انتزع الوضوء من مطلق الغسل؛ لأنه منزل على المعهود من غسل الجنابة، وقد تقرر عندهم تقديمُ الوضوء فيه. (لا ينجس): بفتح الجيم وضمها. (ما مَسِسْتُه): بكسر السين الأولى وإسكان الثّانية، وفي لغة قليلة: بفتح الأولى، حكاه الجوهري، يقال: مَسَسْتُ، بالفتح، أَمُسُّ، بالضم (¬1). * * * 742 - (1253) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عبد الله، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّهَ الأَنْصَارِيَّةِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حينَ تُوُفِّيَتِ ابْنَتُهُ، فَقَالَ: "اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ أَكْثَرَ مَنْ ذَلِكِ إِن رَأَيْتُنَّ ذَلِكِ، بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةُ كافُورًا، أَوْ شَيْئًا مِنْ كافُورٍ، فَإِذَا فَرَغْتُنَّ، فَآذِنَّنِي". فَلَمَّا فَرَغْنَا، آذَنَّاهُ، فَأَعْطَانَا حِقْوَهُ، فَقَالَ: "أَشْعِرْنَهَا إِيَّاها". تَعْنِي: إِزَارَهُ. ¬

_ (¬1) انظر: "الصحاح" (3/ 978)، (مادة: م س س).

(حين توفيت ابنته): هذه البنت هي زينب، كما في "صحيح مسلم" (¬1). وقال التّرمذيّ: إنها أم كلثوم (¬2). قيل: والصّحيح الأوّل؛ لأن أم كلثوم توفيت والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - غائبٌ ببدر. (أو أكثرَ من ذلكِ إِنْ رأيتنَّ ذلكِ): - بكسر الكاف - في الموضعين، وهو ممّا قامت فيه ذلكِ - بالكسر (¬3) - مقامَ ذلكنَّ (¬4)، وقد مر مثله. (واجعلْنَ في الآخرة): أي: في الغسلة الآخرة، وهو (¬5) حجة على أبي حنيفة -رحمه الله- في رواية (¬6): أن ذلك في الحنوط، لا في الغسل. (فآذِنَّنَي): بمد الهمزة وكسر الذال المعجمة. (وأعطانا حِقْوَه): - بفتح الحاء -، وهذيل تكسرها، وأصله: مَعْقِدُ الإزار، وهو هنا الإزار (¬7)، وهو (¬8) المئزر الّذي يُشد على الحقو، فسمِّيَ (¬9) حِقوًا توسُّعًا. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (939). (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 307). (¬3) "بالكسر" ليست في "ج". (¬4) في "ج": "مقام ذلك". (¬5) في "ع": "وهي". (¬6) في "ن": "رأيه". (¬7) "وهو هنا الإزار" ليست في "ن". (¬8) "الإزار وهو" ليست في "ع". (¬9) في "ن"و"ع": "سمي".

باب: ما يستحب أن يغسل وترا

(أشعِرْنهَا إياه): أي: اجعلْنَه ممّا يلي جسدَها، والشعارُ: الثّوب الّذي يلي الجسدَ، والدثار: الثوبُ (¬1) الّذي (¬2) يلي الشعارَ، وإنما فعل ذلك، لتنالها بركةُ ثوبه الشريف. * * * باب: ما يستحبُّ أن يُغسلَ وِترًا 743 - (1254) - فَقَالَ أَيُّوبُ: وَحَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ بِمِثْلِ حَدِيثِ مُحَمَّدٍ، وَكَانَ فِي حَدِيثِ حَفْصَةَ: "اغْسِلْنَهَا وِتْرًا". وَكَانَ فِيهِ: "ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ سَبْعًا". وَكَانَ فِيهِ: أَنَّهُ قَالَ: "ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا، وَمَوَاضعِ الْوُضُوءَ مِنْهَا". وَكَانَ فِيهِ: أَنَّ أُمَّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: وَمَشَطْنَاهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ. (بميامنها): جمع مَيْمَنَة. (ثلاثةَ قرون): أي: ثلاثَ ذوائب. * * * باب: هل تُكفَّنُ المرأةُ في إزارِ الرجلِ 744 - (1257) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمَّادٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ: تُوُفِّيَتْ بِنْتُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ لَنَا: "اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكِ إِنْ رَأَيْتُنَّ، فَإِذَا فَرَغْتُنَّ، فَآذِنَّنِي"، فَلَمَّا فَرَغْنَا، آذَنَّاهُ، فَنَزَعَ مِنْ حِقْوِهِ إِزَارَهُ، وَقَالَ: "أَشْعِرْنها إِيَّاهُ". ¬

_ (¬1) "الثّوب" ليست في "ن". (¬2) في "ع": "التي".

باب: كيف الإشعار للميت

(فنزع من حقوه إزاره): استعمل الحقو هنا في موضع الإزار. قال الزركشي: مجازًا (¬1). قلت: بل حقيقة؛ لأنه في أصل الوضع كذلك. وقد قالوا: إن تسمية الحقو بالإزار من تسمية الشيء بما يلازمه (¬2)، اللَّهُمَّ إِلَّا أن يُدَّعى أنه صار حقيقة عرفية في الإزار، وإثباتُه لذلك بعيد. * * * باب: كَيْفَ الإشْعارُ لِلْمَيِّتِ وقال الحَسَنُ: الْخِرْقَةُ الْخامِسَةُ تَشُدُّ بِها الفَخِذَيْنِ والوَرِكَيْنِ تَحْتَ الدِّرْعِ. (الخرقة الخامسة يُشَدُّ بها الفخذان والورِكان): ببناء "ويشَد" للمفعول، والفخذان: - بالرفع - نائب عن الفاعل، وَيشُدُّ بالبناء للفاعل، والفخذين: - بالنصب (¬3) - مفعول به. * * * باب: يُجعلُ شَعرُ المرأةِ ثلاثةَ قرونٍ 745 - (1262) - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أُمِّ الْهُذَيْلِ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: ضَفَرْنَا شَعَرَ بِنْتِ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 308). (¬2) في "ن": "يلائمه". (¬3) "بالنصب" ليست في "ج".

باب: الثياب البيض للكفن

النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، تَعْنِي: ثَلَاثَةَ قُرُونٍ. وَقَالَ وَكِيعٌ: قَالَ سُفْيَانُ: نَاصِيَتَهَا وَقَرْنَيهَا. [(عن أم عطية: ضَفَرنا شعر): بضاد معجمة وفاء مخففة مفتوحتين. قال الجوهري: الضَّفْرُ: نسجُ الشعرِ وغيرِه عريضًا، والضَّفيرُ مثلُه، والضَّفيرةُ: العَقيصَة] (¬1) (¬2). * * * باب: الثِّيابِ البيضِ للكفَنِ 746 - (1264) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ يَمَانِيَةٍ، بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ مِنْ كُرْسُفٍ، لَيْسَ فِيهِنَّ قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ. (يمانية): - بتخفيف الياء - في (¬3) الأفصح. قال الجوهري: في النسبة إلى اليَمَن: يَمَنِيٌّ، وَيمَانٍ مخففة (¬4)، والألف عوض من (¬5) ياء النسب، فلا يجتمعان (¬6). (سَحولية): بفتح السين وضمها. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين سقط من "ن". (¬2) انظر: "الصحاح" (2/ 721)، (مادة: ض ف ر). (¬3) في "ع": "على". (¬4) "مخففة" ليست في "ج". (¬5) في "ن": "عن". (¬6) انظر: "الصحاح" (6/ 2219)، (مادة: يمن).

باب: الكفن في ثوبين

قال النووي: والفتحُ أشهر، نسبةً إلى سَحول (¬1): بلدة (¬2) باليمن. وقال ابن الأعرابي: هي بِيصٌ من القطن خاصّة (¬3). وقد جاء في "البخاري" في باب: الكفن بغير قميص مفسرًا (¬4) بهذا، قال (¬5): "ثلاثةُ أثوابٍ سَحُولٍ (¬6) كُرْسُفٍ منَ القُطْن" (¬7). (من كُرْسُف): - بضم أوله وثالثه -؛ أي: قطن. * * * باب: الكفنِ في ثوبينِ 747 - (1265) - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عنهم -، قَالَ: بَيْنَمَا رَجُل وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ، إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، فَوَقَصَتْهُ، أَوْ قَالَ: فَأَوْقَصَتْهُ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلَا تُحَنِّطُوهُ، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ؛ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِيًا". (فوقصته، أو قال: فأوقصته): المعروف في اللُّغة بدون همز (¬8). ¬

_ (¬1) في "ع": "سحولي". (¬2) في "ج": "بلد". (¬3) انظر: "شرح مسلم" (7/ 7). (¬4) في "ج": "مفسر". (¬5) في "ن" و"ع": "فقال". (¬6) في "ع": "سحول ليس". (¬7) رواه البخاريّ (1271) عن عائشة رضي الله عنها. (¬8) في "ن" و "ع": "همزة".

قال القاضي: ولم يذكر صاحبُ الأفعال فيه إِلَّا وَقَصَتْه، لا غير (¬1) (¬2). وقال ابن بطّال: ولم أجد (¬3) في اللُّغة أَوْقَصَتْه (¬4). والوَقْصُ: كَسْرُ العُنق. (ولا تحنطوه، ولا تخمِّروا رأسه): بهذا أخذ الشّافعيّ رضي الله عنه (¬5). وقال مالك، وأبو حنيفة - رحمهما الله -: يفعل بالحرم ما يفعل (¬6) بالحلال. قال ابن القصّار: والحجةُ له: "إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثٍ" الحديث (¬7)، فعبادةُ الإحرام قد انقطعت عنه، وقد كَفَّنَ ابنُ عمر ابنَه وخَمَّرَ رأسَه يوم ماتَ وهو محرم، وقال: لولا أنا حُرُم (¬8)، لطيبناه (¬9). قال الأصحاب (¬10): وحديث المحرم هذا خاصٌّ به، ويدلُّ عليه ¬

_ (¬1) "لا غير" ليست في "ن". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 293). (¬3) فى "ج": "ولم يوجد". (¬4) انظر: "شرح ابن بطّال" (3/ 262). (¬5) "رضي الله عنه" زيادة من "ع" و "ج". (¬6) "بالحرم ما يفعل" ليست في "ن". (¬7) رواه التّرمذيّ (1376)، عن أبي هريرة رضي الله عنه. (¬8) فى "ع": "حرام"، وفي "ج": "محرم". (¬9) رواه الإمام مالك في "الموطأ" (1/ 327). (¬10) في "ع": "أصحاب".

باب: كيف يكفن المحرم

(فإنّه يُبعث يوَم القيامة مُلبيًا): فأعاد الضمير عليه، ولم يقل: فإن المحرم. * * * باب: كيفَ يكفَّنُ المُحرِمُ 748 - (1267) - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُم -: أَنَّ رَجُلًا وَقَصَهُ بَعِيرُهُ، وَنَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَهْوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلَا تُمِسُّوهُ طِيبًا، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ؛ فَإِنَّ اللهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِدًا". (ولا تُمِسُّوه): بضم التاء وكسر الميم. * * * 749 - (1268) - حَدَّثَنَا مُسَدَّد، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ عَمْرٍو، وَأَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم-، قَالَ: كانَ رَجُل وَاقِفٌ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَفَةَ، فَوَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، قَالَ أَيُّوبُ: فَوَقَصَتْهُ، وَقَالَ عَمْرٌو: فَأَقْصَعَتْهُ، فَمَاتَ، فَقَالَ: "اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلَا تُحَنِّطُوهُ، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ؛ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ أَيُّوبُ: يُلَبِّي، وَقَالَ عَمْرٌو: مُلَبِّيًا". (فأقصعته): أي: قتلَتْه مكانَه. (ملبدًا): هو الّذي يصير شعرُه كاللبد ممّا يجعل فيه من صمغ.

باب: الكفن في القميص الذي يكف، أو لا يكف ومن كفن بغير قميص

وأنكر القاضي هذه الرِّواية، وقال: الصواب: "ملبيًا"؛ بدليل رواية: "يُلَبِي"، فارتفع الإشكال، وليس للتلبيد هنا معنى (¬1) (¬2). الزركشي: وكذا رواه البخاريّ في كتاب: الحجِّ: "فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يُهِلُّ" (¬3) (¬4). * * * باب: الْكَفَنِ فِي الْقَمِيصِ الَّذِي يُكَفُّ، أَوْ لَا يُكَفُّ وَمَنْ كُفِّنَ بِغَيْرِ قَمِيصٍ (باب: الكفن في القميص الّذي يُكف أو لا يُكف): قيل: يعني بالأول: المخيط، وبالثاني: غيرَه. و (¬5) قال الزركشي: يمكن (¬6) أن يريد (¬7) يكفي أو لا يكفي، بإثبات الياء؛ أي: طويلًا أو قصيرًا، وقال أهل اللُّغة: عَيْبَةٌ (¬8) مكفوفة: استرخت على ما فيها (¬9). ¬

_ (¬1) "معنى" ليست في "ج". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 355). (¬3) رواه البخاريّ (1839). (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 310). (¬5) الواو سقطت من "ن". (¬6) في "ن": "ويمكن"، "يمكن" ليست في "ع". (¬7) في "م"و "ع": "يردّ". (¬8) في "ج": "عينه". (¬9) انظر: "التنقيح" (1/ 311).

750 - (1269) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عبيد الله، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنَّ عبد الله بْنَ أُبَيٍّ لَمَّا تُوُفِّيَ، جَاءَ ابْنُهُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يَا رَسُولَ اللهِ! أَعْطِنِي قَمِيصَكَ أُكَفِّنْهُ فِيهِ، وَصَلِّ عَلَيْهِ، وَاسْتَغْفِرْ لَهُ. فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَمِيصَهُ، فَقَالَ: "آذِنِّي أُصَلِّي عَلَيْهِ"، فَآذَنَهُ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ، جَذَبَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، فَقَالَ: أَلَيْسَ اللهُ نهَاكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ؟ فَقَالَ: "أَنَا بَيْنَ خِيرَتَيْنِ: قَالَ: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80]، فَصَلَّى عَلَيْهِ، فَنَزَلَتْ: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: 84]. (فأعطاه قميصه): اختلف لِمَ أعطاه ذلك؟ على أربعة أقوال: أحدها: إرادةُ إكرامِ ولدِه. وثانيها: أنه ما سئل شيئًا قَطُّ فقال: لا. وثالثها: أنه كان قد أعطى العباسَ عمَّ رسولِ الله (¬1) - صلى الله عليه وسلم - قميصًا (¬2) لما أُسر يوم بدر، ففعل ذلك مكافأةً له كيلا يكون لمنافق (¬3) عليه يدٌ لم يجازِه عليها. ورابعها: أن ذلك قبلَ نزول قوله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: 84]. ¬

_ (¬1) في "ع": "عم الرسول". (¬2) "قميصًا" ليست في "ج". (¬3) في "ج": "المنافق".

وقال المهلب: رجاءَ أن يكون معتقدًا لبعض ما كان يُظهر (¬1) من الإسلام، فنفعه (¬2) الله بذلك. قال ابن المنير: هذه هفوةٌ ظاهرة، وذلك أن الإسلام لا يتبعَّض، والعقيدةُ شيء واحد؛ لأن بعض معلوماتها شرطٌ في البعض، والإخلال ببعضها إخلالٌ بجملتها، وقد أنكر الله على مَنْ آمن بالبعض وكفرَ بالبعض كما أنكر على من كفرَ بالكل. (أنا بين خِيرتَين): - بخاء معجمة مكسورة وياء مفتوحة - تثنية خِيَرَة. وقد استُشكل التخييرُ مع قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 113]؛ فإن هذه الآية نزلت بعد موت أبي طالب حين قال: "وَاللهِ (¬3) لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ" (¬4)، وهذا يُفهم منه النهيُ عن الاستغفار لمن مات كافرًا، وهو متقدم على الآية الّتي فُهم منها التخيير. وأجيب: بأن المنهيَّ (¬5) عنه في هذه الآية استغفارٌ مرجُوُّ الإجابة حتّى يكون مقصودُه تحصيلَ (¬6) المغفرة لهم كما في أبي (¬7) طالب؛ بخلاف استغفاره للمنافقين؛ فإنه استغفارٌ لشأنٍ قُصد به تطييبُ قلوبهم. ¬

_ (¬1) في "ن" و"ع": "يظهره". (¬2) في "ن" و"ع": "فينفعه". (¬3) قوله: "والله" ليس في "ج". (¬4) رواه البخاريّ (1360) عن سعيد بْن المسيَّب، عن أبيه رضي الله عنهما. (¬5) في "ن": "النّهي". (¬6) في "ن" و"ع": "تعجيل". (¬7) "أبي" ليست في "ع".

باب: الكفن بغير قميص

751 - (1270) - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو: سَمِعَ جَابِرًا - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: أَتَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَ مَا دُفِنَ، فَأَخْرَجَهُ، فَنَفَثَ فِيهِ مِنْ رِيقِهِ، وَألْبَسَهُ قَمِيصَهُ. (سمع جابرًا قال: أتى النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بنَ أُبي بعدَما دُفن، فأخرجه، فنفث فيه من ريقه، وألبسه قميصًا): قال الزركشي: هذا خلاف الحديث الّذي قبله (¬1)، فيجوز أن يكون جابر (¬2) شهد من ذلك (¬3) ما لم يشاهده ابن عمر. ويجوز أن يكون أعطاه قميصين: قميصًا للكفن، ثمّ أخرجه فألبسه آخر (¬4). * * * باب: الكفنِ بغير قميصٍ 752 - (1271) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: كُفِّنَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ سَحُولٍ كُرْسُفٍ، لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ. (ليس فيها قميص ولا عمامة): حمله مالكٌ - رضي الله عنه - على أنهما زائدان على ثلاثة. ¬

_ (¬1) في "ع" و "ج": "قبل". (¬2) في "ج": "جابرًا". (¬3) في "ن": "أن يكون شاهدًا من ذلك". (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 311).

باب: إذا لم يجد كفنا إلا ما يواري رأسه أو قدميه غطى رأسه

وحمله الشّافعيّ - رضي الله عنه - على أنهما ليسا بموجودين في الكفن، فلا يُقَمَّصُ. * * * باب: إذا لم يجدْ كفنًا إِلَّا ما يوارِي رأسَه أو قَدَميه غطَّى رأسَه 753 - (1276) - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا شَقِيقٌ، حَدَّثَنَا خَبَّابٌ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَلتَمِسُ وَجْهَ اللهِ، فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللهِ، فَمِنَّا مَنْ مَاتَ لَمْ يَأكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا، مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ، فَهُوَ يَهْدِبُهَا، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَلَمْ نَجدْ مَا نكُفِّنُهُ إِلَّا بُرْدَةً، إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ، خَرَجَتْ رِجْلَاهُ، وَإِذَا غَطَّينَا رِجْلَيهِ، خَرَجَ رَأْسُهُ، فَأَمَرَنَا النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ، وَأَنْ نَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ مِنَ الإذْخِرِ. (خَبّاب): بخاء معجمة مفتوحة فموحدة مشددة فألف فموحدة. (أينعَت): - بمثناة من تحت ونون -؛ أي: أدركَتْ ونضِجَتْ (¬1)، يقال: يَنَعَ الثمرُ، وأَيْنَعَ: إذا أدركَ طيبهُ، ومنه قوله تعالى: {وَيَنْعِهِ} [الأنعام: 99]. (فهو يَهْدِبها): قيده القاضي وغيره - بفتح أوله وبدال مهملة مكسورة-؛ أي: يجتنيها (¬2). ¬

_ (¬1) "ونضجت" ليست في "ج". (¬2) انظر: "إكمال المعلم" (3/ 390).

وحكى السفاقسى تثليث (¬1) الدال. وقال القرطبي: يأكلها، وأصله (¬2) من هُدْبِ الثوبِ، وهو طرفُه المتدلِّي، فكأن أكل الثمرة يأخذها هُدْبًا هُدْبًا (¬3). (وإذا غطينا رجليه): و (¬4) في نسخة: "وإذا غُطِّي رجليه" ببناء غُطِّي (¬5) للمفعول، ونصب رجليه. ووجهه ابن مالك بأن يكون غُطِّي مُسْنَدًا إلى ضمير النَّمِرَةِ على تأويلها بالكفن، وتضمين غُطِّي معنى كُسِيَ، أو إلى (¬6) ضمير الميِّت، وتقدير "على" جارةٌ لرجليه (¬7). قلت: كلاهما متكلَّف، والظاهر أن يكون غُطِّيَ مسندًا إلى ضمير الميِّت، ورجليه منصوب (¬8) بفعل مضمر؛ أي: أعني: رجليه، فأبان بالنصب عن إطلاقه الكلَّ (¬9) وإرادتِه البعضَ (¬10). * * * ¬

_ (¬1) في "ن" و"ع" و"ج": "بتثليث". (¬2) في "ن": "وأصلها". (¬3) انظر: "المفهم" (2/ 598). (¬4) الواو سقطت من "ن". (¬5) "غطي" "ليست في "ج". (¬6) في "ن"و "ع": "وإلى". (¬7) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 170). (¬8) في "ن": "منصوبًا". (¬9) "الكل" ليست في "ع". (¬10) في "ج": "وأراد به البعض".

باب: من استعد الكفن في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلم ينكر عليه

باب: مَنِ اسْتَعَدَّ الْكَفَنَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ (باب: من استعد الكفن في زمن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فلم ينكِر عليه): روي (¬1) بكسر الكاف على البناء للفاعل، وبفتحها على البناء للمفعول. 754 - (1277) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبي حَازِمٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ سَهْلٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِبُرْدَةٍ مَنْسُوجَةٍ، فِيهَا حَاشِيَتُهَا، أتدْرُونَ مَا الْبُرْدَةُ؟ قَالُوا: الشَّمْلَةُ، قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: نَسَجْتُهَا بِيَدِي، فَجئْتُ لأَكسُوَكَهَا، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - محْتَاجًا إِلَيهَا، فَخَرَجَ إِلَينَا وَإِنَّهَا إِزَارُهُ، فَحَسَّنَهَا فُلَانٌ، فَقَالَ: اكْسُنِيهَا، مَا أَحْسَنَهَا! قَالَ الْقَوْمُ: مَا أَحْسَنْتَ، لَبِسَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، ثُمَّ سَأَلْتَهُ، وَعَلِمْتَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ! قَالَ: إِنِّي وَاللهِ! مَا سَأَلْتُهُ لأَلْبَسَهُ، إِنَّمَا سَأَلْتُهُ لِتَكُونَ كفَنِي. قَالَ سَهْلٌ: فَكَانَتْ كَفَنَهُ. (ابن أبي حازم): بحاء مهملة وزاي. (قالوا: الشَّمْلَةُ): -بالرفع- على أنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هي الشملة، وشينها مفتوحة. (فحسَّنَها فلانٌ): هو عبد الرّحمن بْن عوف، ذكره المحبُّ الطّبريُّ في "أحكامه" عن الطَّبرانيُّ. * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "أي".

باب: اتباع النساء الجنائز

باب: اتِّباعِ النساءِ الجنائزَ 755 - (1278) - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أُمِّ الْهُذَيْلِ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا. (ولم يُعزم علينا): أي: لم يُجعل ذلك علينا عزيمة، ولم يُشدد الأمرُ فيها، كأنها فهمت أن النهيَ ليس نهيَ تحريم. * * * باب: إحدادِ المرأةِ على غيرِ زوجِها 756 - (1280) - حدّثنا الحُمَيْدِيُّ، حدّثنا سُفْيانُ، حدّثنا أَيُّوبُ بنُ مُوسَى، قال: أخبرني حُمَيْدُ بْنُ نافِعٍ، عنْ زَينَبَ بنتِ أبي سَلَمَةَ، قالَتْ: لَمَّا جاءَ نَعْيُ أَبي سُفْيَانَ مِنَ الشَّأْمِ، دَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - بِصُفْرَةٍ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، فَمَسَحَتْ عَارِضَيْهَا وَذِرَاعَيْهَا، وَقَالَتْ: إِنِّي كُنْتُ عَنْ هَذَا لَغَنِيَّةً، لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ، فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا". (دعت أُم حبيبةَ بصفرةٍ (¬1)): ولم تكتفِ في الخروج من الإحداد بمجرد النية، وذلك أن الحادَّةَ (¬2) لما (¬3) التزمت ألَّا تمسَّ طيبًا، لم يكن ¬

_ (¬1) في "ع": "بصفيرة". (¬2) في "م" و"ن": "الحاد". (¬3) "لما" ليست في "ج".

ينقلُها عن ذلك إِلَّا مسُّ الطيب. قال ابن المنير: وفيه دليلٌ على أنَّ من له عادةٌ بالبسط مع آخر، والمؤانسة إذا هجره ثلاثة أيّام هجرةً جائزة، ثمّ انقضت، لا يُكتفى منه بأن يقتصر على مجرد السّلام حتّى يعود لعادته، بخلاف من لم يسبق له عادة. وفي المسألةُ خلاف، وعلى هذا تخاطب الحادة (¬1) بعدَ العدة بأن تمسَّ الطيب. (إنِّي كنت عن هذا لغنية): فيه إدخال لام الابتداء (¬2) على خبر كان الواقعة خبرًا لإن. (أن تَحُدَّ): - بفتح أوله وضم ثانيه، وبضم أوله (¬3) وكسر ثانيه (¬4) - ثلاثي، ورباعي. والإحداد: تركُ المرأة الزينةَ كلَّها من اللباس والطيب (¬5) والحلي والكحل. (تحد): - بحذف "أن" الناصبة، ورفع الفعل - مثل: تسمعُ بالمُعَيْدِيِّ خيرٌ من أن تراه. * * * ¬

_ (¬1) في "م": "الحاد". (¬2) في "ع": "اللام الابتدائية". (¬3) "وبضم أوله" ليست في "ج". (¬4) في "ج": "وكسر ثالثه". (¬5) "والطيب" ليست في "ج".

باب: زيارة القبور

باب: زيارةِ القبورِ 757 - (1283) - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، حَدَّثَنَا ثَابِثٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقَالَ: "اتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي". قَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي، وَلَمْ تَعْرِفْهُ، فَقِيلَ لَهَا: إِنَّهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَتَتْ بَابَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ تَجدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ، فَقَالَتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ، فَقَالَ: "إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى". (فقيل لها: إنّه النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -): جاء في حديث أخرجه (¬1) الطَّبرانيُّ بتعيين (¬2) القائلِ أنه الفضلُ بْن العباس - رضي الله عنهما - (¬3). (فقالت: لم أعرفْك، فقال: إنّما الصبر عند الصدمة الأولى): قال المهلب (¬4): فيه أن من اعتذر إليه بعذر لائح يجب قبولُه. قال ابن المنير: ليس في قوله -عليه السّلام-: "إنّما الصبرُ عندَ الصدمةِ الأولى" قبولُ عذرٍ لها، ولا اكتفى (¬5) بصبرها (¬6) المتأخر عن (¬7) جَزَعها المتقدم. ¬

_ (¬1) في "ج": "حديث آخر أخرجه". (¬2) في "م" و"ج": "تعين". (¬3) رواه الطَّبرانيُّ في "المعجم الأوسط" (6244)، من حديث أنس بْن مالك رضي الله عنه. (¬4) في "ع": "ابن المهلب". (¬5) في "ع": "عذرها هؤلاء أكتفي". (¬6) في "ج": "بصبر". (¬7) "عنها" ليست في "ج".

معنى الكلام - والله أعلم -: إنّما الصبرُ [الكامل الّذي يوجبُ الأجرَ وينفي الوزرَ الصبرُ الأولُ، وأما المتأخرُ، فعلى أنه صبر] (¬1) معتبرٌ ومأجورٌ عليه لا ينفي (¬2) وزرَ الجزع المتقدم إذا أفرط (¬3) صاحبُه، والله أعلم، وفواتُ الصبر عند الصدمة الأولى من الطاعات الّتي لا تُقضى. قلت: الظّاهر أن مراد المهلب: أنها لما اعتذرت للنبي - صلى الله عليه وسلم - عن قولها له (¬4) أوَّلًا: "إليك عني؛ فإنك لم تصب بمصيبتي" بقولها (¬5) ثانيًا: "لم أعرفك"، قَبِلَ عذرَها، واغتفرَ لها تلك الجفوةَ؛ لصدورها عنها في حال مصيبتها، وعدم معرفتها به، وأعلَمَها (¬6) أن الصبر المعتدَّ به في نيل الثّواب العظيم هو الواقعُ عند الصدمة الأولى ليتقرر عندها، فتعمل فيما يُستقبلُ بمقتضاه، وليس المعنى أنه عَذَرها على عدم صبرها عند الصدمة الأولى، فلا (¬7) يردّ على المهلب حينئذ شيء ممّا قاله ابن المنير، فتأمله. * * * ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين سقط من "ن" و"ع". (¬2) في "ع": "ومأجور عليه عند الصدمة الأولى، وغيره مأجور عليه، ولا ينفي". (¬3) في "ع": "فرط". (¬4) "له" ليست في "ن". (¬5) في "ن" و"ع": "وبقولها". (¬6) في "ع": واعلم. (¬7) في "ن": "الأولى، ليتقرر عندها فيعهد، فتعمل فيما يُستقبل بمقتضاه، وليس المعنى أنه عذرها على عدم صبرها عند الصدمة الأولى، فلا". وفي "ج": "الأولى ليقدر عندها فنعمل ممّا سيق بل يستقبل بمقتضاه، وليس المعنى أنه عذرها على عدم صبرها عند الصدمة الأولى، فلا".

باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه" إذا كان النوح من سنته

باب: قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ بِبَعْضِ بُكَاءَ أَهْلِهِ عَلَيْهِ" إِذَا كَانَ النَّوْحُ مِنْ سُنَّتِهِ (باب: قول النّبيّ: صلى الله عليه وسلم "يعذَّب الميِّتُ ببعض بكاء أهله عليه"، إذا كان النوح (¬1) من سنته): قال الزركشي: هذا منه حملٌ للنهي على ذلك؛ أي: إنّه يوصي بذلك، فيعذب بفعل نفسه (¬2). قلت: الظّاهر أن البخاريّ لا يعني: الوصيةَ، وإنّما يعني: العادةَ، وعليه يدلُّ قوله: من سنته - إذ السُّنَّةُ الطريقةُ والسيرة - يعني: إذا كان الميِّت قد عوَّد أهله أن يبكوا على مَنْ يفقدونه في حياته، وينوحوا عليه بما لا يجوز، وأَقَرَّهُمْ على ذلك، فهو داخل في الوعيد، وإن لم يوصِ، فإن أوصى، فهو أشدُّ، وعلى هذا المعنى حمله ابن المنير. 758 - (1284) - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ وَمُحَمَّدٌ، قَالَا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبي عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زيدٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَ: أَرْسَلَتِ بنتُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْهِ: إِنَّ ابْنًا لِي قُبِضَ، فَائْتِنَا، فَأَرْسَلَ يُقْرِئُ السَّلَامَ، وَيَقُولُ: "إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ". فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ تُقْسِمُ عَلَيْهِ لَيَأْتِيَنَّهَا، فَقَامَ، وَمَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كعْبٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَرِجَالٌ، فَرُفِعَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الصَّبِيُّ، وَنَفْسُهُ تتقَعْقَعُ، قَالَ: حَسِبْتُهُ أَنَّهُ قَالَ: كَأَنَّهَا شَنٌّ، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ ¬

_ (¬1) "النوح" ليست في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 314).

سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا هَذَا؟ فَقَالَ: "هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ". (أرسلت بنتُ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - إليه): هي زينبُ رضي الله عنها، ذكره ابن بشكوال (¬1). (إن ابنًا لي قُبض): وفي رواية أخرى: "احْتُضِر"، وفي رواية (¬2): "بنتي قد حُضرت" (¬3). ونقل عن الدمياطي أن اسمَ الابن علي. واستُشكل بأن عليَّ (¬4) بْن زينب، وإن مات في حياة النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَّا أول راهقَ، ولا يُقال في حق المراهقِ: ونفسُ الصبيِّ تقعقع. وأما البنتُ، فقيل: اسمها أُميمة. وقيل: أُمامة بنتُ أبي العاص (¬5) بْن الربيع، ذكره ابن بشكوال (¬6). (ونفسه تتقعقع): هكذا (¬7) وقع هنا: بتاءين أوله. وذكر ابن الأثير (¬8) في "نهايته": تَقَعْقَعُ - بتاء واحدة -، وقال: معناه: ¬

_ (¬1) انظر: "غوامض الأسماء المبهمة" (1/ 306). (¬2) في "ن" و "ع": "وفي رواية أخرى". (¬3) رواه البخاريّ (5655). (¬4) في "ع": "عليًا". (¬5) في "ج": "العباس". (¬6) انظر: "غوامض الأسماء المبهمة" (1/ 306). (¬7) في "ع": كذا. (¬8) في "ع" و"ج": المنير.

تضطربُ وتتحرك؛ أي: كلَّما صار إلى حالة، لم يلبث (¬1) أن ينتقل إلى الأخرى؛ لقربه من الموت (¬2). والقَعْقَعَةُ: حكاية أصوات الجلود اليابسة. ونحوه (¬3) في المثل: مِثْلي لا يُقَعْقَعُ لَهُ بِالشِّنان؛ أي: لا يفزع بحركة (¬4) القِربة اليابسة (¬5) وصوتها. وفي رواية البخاريّ في كتاب: المرضى، في باب: عيادة الصبيان: "تُقَلْقَلُ" (¬6). (كأنها شَنٌّ): -بفتح الشين-؛ أي: قِرْبة خَلَقَة. (وإنّما (¬7) يرحمُ الله من عباده الرّحماءَ): سأل بعض العصريين عن الحكمة في إسناد فعل الرّحمة هنا إلى الله، وإسنادِه إلى الرّحمن في حديث: "الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ" (¬8). وفيه: أن البكاء لا يقدح في الصبر، وما جاوز السنَّة إلى التنطُّع فهو ¬

_ (¬1) في "ع": يثبت. (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (4/ 88). (¬3) في "ج": "ومثله". (¬4) في "ع": "لحركة". (¬5) "اليابسة" ليست في "ن" و"ع". (¬6) رواه البخاريّ (5655)، وفيه: "تقعقع"، ورواية "تقلقل" رواها البخاريّ (7448)، كتاب: التّوحيد، باب: ما جاء في قول الله تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56]. (¬7) في "ن" و"ع": "فإنما". (¬8) رواه أبو داود (4941)، والترمذي (1924)، عن عبد الله بْن عمرو رضي الله عنهما.

مردود، والسنِّةُ الحزنُ، وهو معدود من حُسن العهد، والمذمومُ طَرَفا (¬1) الإفراط (¬2) والتفويط، فالمعتمَد ألا يبكي، وأن يكون ظاهره وباطنه عند المصيبة كحاله قبلها متنطِّعُ (¬3) مفرطٌ، والمكثرُ الشكوى والجزع مفرطٌ، وكانَ بينَ ذلك قوامًا. * * * 759 - (1285) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: شَهِدْنًا بِنْتًا لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ عَلَى الْقَبْرِ، قَالَ: فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ، قَالَ: فَقَالَ: "هَلْ مِنْكُمْ رَجُلٌ لَمْ يُقَارِفِ اللَّيْلَةَ؟ "، فقال أبُو طَلْحَةَ: أَنَا، قال: "فَانْزِلْ". قال: فَنَزَلَ في قَبْرِها. (قال: شهدنا بنتًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -): هذه أُم كلثوم، ماتت سنة تسع، وفي "تاريخ البخاريّ الأوسط" أما رقية، قال البخاريّ: لا (¬4) أدري ما هذا، النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لم يشهد رقيةَ؛ يعني: أنها ماتت وهو ببدر (¬5). (لم يُقارف اللَّيلة): أي: لم يقترف إثمًا، وقيل: لم يجامع، وأنكره الطحاوي. ¬

_ (¬1) في "ع": "طرف". (¬2) في "ن": "الإفراد". (¬3) في "ع": "تنطع". (¬4) في "ج": "ما". (¬5) انظر: "التاريخ الأوسط" البخاري (1/ 17).

وقيل: لم يقاول؛ من المقاولة، يعني: المحادثة (¬1)؛ لأنهم (¬2) كانوا يكرهون (¬3) الحديثَ بعد العشاء. * * * 760 - (1286) - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أبِي مُلَيْكَةَ، قال: تُوُفيتِ ابْنَةٌ لِعُثْمانَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - بِمَكَّةَ، وَجِئْنَا لِتَشْهَدَهَا، وَحَضَرَهَا ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُم -، وَإِنِّي لَجَالِسٌ بَيْنَهُمَا، أَوْ قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى أَحَدِهِمَا، ثُمَّ جَاءَ الآخَرُ، فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِي، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - لِعَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ: أَلَا تَنْهَى عَنِ الْبُكَاءِ؟ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ". (توفيت بْنتٌ لعثمانَ بمكة): قال ابن عبد البرّ: هي أُم أَبان (¬4)، لكن عثمان - رضي الله عنه - له بنتان، كلٌّ منهما أُم أبان، فالكبرى أُمها رَمْلَةُ بنتُ شيبةَ بنِ ربيعة، والصغرى أُمها نائلةُ بنتُ الفَرافِصَة، والله أعلم أيهما (¬5) هذه (¬6). * * * ¬

_ (¬1) في "م" و"ج": "المتحادثة". (¬2) في "ج": "يعني: "أنهم". (¬3) في "ن": "يكرون". (¬4) انظر: "التمهيد" (17/ 276). (¬5) في "ع": "بأنها"، وفي "ج": "أنها". (¬6) انظر: "التوضيح" (9/ 520).

باب: ما يكره من النياحة على الميت

761 - (1288) - قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -، فَقَالَتْ: رَحِمَ اللهُ عُمَرَ، وَاللهِ! مَا حَدَّثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِن اللهَ لَيُعَذِّبُ الْمُؤْمِنَ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ اللهَ لَيَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءَ أَهْلِهِ عَلَيْهِ". وَقَالَتْ: حَسْبُكُمُ الْقُرْآنُ: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - عِنْدَ ذَلِكَ: وَاللهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى. فَالَ ابْنُ أَبي مُلَيْكَةَ: وَاللهِ! مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - شَيْئًا. (ولكنْ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -): بإسكان نون لكنْ، فرسولُ الله مرفوع، وتشديدها، فهو منصوب. * * * باب: مَا يُكْرَهُ مِنَ النِّيَاحَةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: دَعْهُنَّ يَبْكِينَ عَلَى أَبي سُلَيْمَانَ، مَا لَمْ يَكُنْ نَقْعٌ أَوْ لَقْلَقَةٌ، وَالنَّقْعُ: التُّرَابُ عَلَى الرَّأْسِ، وَاللَّقْلَقَةُ: الصَّوْتُ. (وقال عمر: دعهن يبكين على أبي سليمان): هو خالد بْن الوليد رضي الله عنه. (النَّقْع): بفتح النون وسكون القاف. (التراب على الرّأس): أي: وضعُ التراب على الرّأس (¬1)؛ من النَّقْع، ¬

_ (¬1) "على الرّأس" ليست في "ج".

وهو الغبار، هذا قول الفَرَّاء. وقال الأكثرون: رفعُ الصوت بالبكاء. قال الزركشي: والتحقيقُ: أنه مشترَك، يطلق على الصوت، وعلى الغبار، ولا يبعد أن يكونا مرادين؛ يعني في قوله: "ما لم يكنْ نقعٌ أو لقلقةٌ"، لكن حمله على وضع التراب أولى؛ لأنه قرن به اللقلقة، وهي الصوت، فحملُ اللفظين (¬1) على معنيين أولى من معنى واحد (¬2). * * * 762 - (1291) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ عَلِيِّ ابْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ". سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ نِيحَ عَلَيْهِ، يُعَذَّبْ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ". (من نِيح): فعل ماض مبني للمفعول، مكسور الأوّل. (يعذبْ): -بالجزم-، فـ "من" شرطية، وفيه استعمال الشرط بلفظ الماضي، والجزاء بلفظ المضارع، ولا كلام فيه (¬3)، إنّما الكلام في العكس؛ [نحو: "مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "اللّفظ". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 316). (¬3) في "ن": "نحو: "من يقم ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غفر له ما تقدّم من ذنبه"، ويروى بالرفع، فمن موصولة، ولا كلام".

باب: رثاء النبي - صلى الله عليه وسلم - سعد بن خولة

ذَنْبِهِ" (¬1)، ويروى: -بالرفع- فـ "من" موصولة] (¬2)، أو شرطية، والرفع على حدِّ قولِ زهير: [من البسيط] وَإِنْ أتَاهُ خَلِيلٌ يَوْمَ مَسْأَلَةٍ ... يَقُولُ لَا غَائِبٌ مَالِي ولا حَرِمُ (بما نيح عليه): بإدخال حرف الجر على "ما"، فهي مصدرية غيرُ ظرفية؛ أي: بالنياحة عليه، [ويروى: "مَا نِيحَ عَلَيْهِ" بلا باء، فهي مصدرية ظرفية] (¬3)؛ أي: مدةَ النواحِ عليه. * * * باب: رِثاءِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - سعدَ بنَ خَولةَ 763 - (1295) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبيهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي قَدْ بَلَغَ بِي مِنَ الْوَجَعِ، وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: "لَا"، فَقُلْتُ: بِالشَّطْرِ؟ فَقَالَ: "لَا"، ثُمَّ قَالَ: "الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كبِيرٌ، أَوْ كثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أُخَلَّفُ ¬

_ (¬1) تقدّم برقم (35) عند البخاريّ. (¬2) ما بين معكوفتين سقط من "ن". (¬3) ما بين معكوفتين سقط من "ج".

بَعْدَ أَصْحَابي؟ قَالَ: "إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فتعْمَلَ عَمَلًا صَالِحًا إِلَّا ازْدَدْتَ بهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً، ثُمَّ لَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنتفِعَ بكَ أَقْوَامٌ، وَيُضَرَّ بكَ آخَرُونَ، اللَّهُمَّ أَمْض لأَصْحَابي هِجْرَتَهُمْ، وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابهِمْ، لَكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ"، يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ مَاتَ بمَكَّةَ. (قلت: فالشطر (¬1) ": قيده الزمخشري في "الفائق" بالنصب بفعل مضمر (¬2)؛ أي: أوجب الشطر (¬3). وقال السهيلي في "أماليه": الخفضُ فيه أظهرُ من النصب؛ لأن النصبَ بإضمار فعل (¬4)، والخفض مردودٌ على قوله: بثلثي مالي. (ثمّ قال: الثلثُ، والثلث كثير): جوز في الثلث الأوّل النصب على الإغراء، أو بفعل مضمر؛ أي: هب الثلث، واقتصر عليه في "الفائق"، وجوز الرفع فيه على أنه فاعل فعل محذوف؛ أي: يكفيك الثلثُ، أو خبر مبتدأ محذوف؛ أي: المشروع الثلث. قلت: ولا يمتنع أن يكون مبتدأ حُذف خبره؛ أي: الثلثُ كافٍ. (إنك أن تذر ورثتَكَ أغنياءَ خيرٌ): روي بفتح الهمزة وكسرها؛ فالفتح على أما مصدرية، والكسر على أما شرطية، قال النووي: وكلاهما صحيح (¬5). ¬

_ (¬1) كذا في رواية أبي ذر الهروي عن الحموي والمستملي، وفي اليونينية: "بالشطر"، وهي المعتمدة في النص. (¬2) في "ع": "بالنصب بصر". (¬3) انظر: "الفائق في غريب الحديث" (2/ 244). (¬4) في "ج": "لأن النصب أفعل". (¬5) انظر: "شرح النووي على مسلم" (11/ 77).

قال الزركشي في "تعليق العمدة": ورجح القرطبي الفتحَ، وقال: الكسرُ لا معنى له (¬1). قلت: في كلامه تدافُع، فإن جعلتها مصدرية، فهي وصِلَتُها في محل رفع على الابتداء، والخبرُ خيرٌ (¬2)، وإن جُعلت شرطيةَ، فالتقدير: فخير (¬3)؛ أي: فهو خيرٌ، فحذفت فاء الجواب (¬4) كما في قوله تعالى: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180]؛ أي: فالوصية، على ما خرجه (¬5) عليه الأخفش. (عالة): جمع عائل، وهو الفقير. (يتكففون النَّاس): أي: يسألون النَّاس (¬6) بأكُفِّهِم، أو يسألونهم كَفًّا من طعام، أو ما يَكُفُّ الجوع (¬7)، قاله في "الفائق" (¬8). (حتّى ما تجعلُ): قال الزركشي: برفع اللام [كفَّت "ما" حتّى عن عملها (¬9). قلت: ظن - رحمه الله - أن "ما" زائدةٌ كافَّةٌ عن عمل النصب، وليس كذلك؛ إذ لا معنى] (¬10) للتركيب حينئذ إن تأملت، بل هي اسم موصول، ¬

_ (¬1) انظر: "النكت على العمدة" (ص: 260). (¬2) "خير" ليست في "ع" و "ج". (¬3) في "ج": "خير". (¬4) في "ن" و"ع": "فحذفت فالجواب". (¬5) في "ج": "ما خرج". (¬6) "النَّاس" ليست في "ج". (¬7) في "ج": "من الجوع". (¬8) انظر: "الفائق" (2/ 244). (¬9) انظر: "التنقيح" (1/ 317). (¬10) ما بين معكوفتين سقط من "ج".

و"حتّى" عاطفة؛ أي: إِلَّا أُجِرْتَ بتلك النفقة الّتي تبتغي بها وجهَ الله حتَّى بالشيء (¬1) الّذي تجعلُه في فم امرأتك. فإن قلت: يشترط في "حتّى" العاطفة على المجرور (¬2) أن يُعاد الخافضُ. قلت: قيده ابن مالك بأن لا يتعين للعطف؛ نحو: عجبتُ من القومِ حَتَّى بنيهم. قال ابن هشام: يريد: أن الموضع الّذي يصح أن تحل "إلى" فيه محل "حتّى" العاطفة، فهي محتملة للجارة، فيحتاج حينئذ إلى إعادة الجار عندَ قصد العطف؛ نحو: اعتكفتُ في الشهرِ حتّى في آخرِه، بخلاف المثال، وما في الحديث (¬3). فإن قلت: لا يُعطف على الضمير المخفوض إِلَّا بإعادة الخافض. قلت: المختار (¬4) عند ابن مالك وغيره خلافُه، وهو المذهب الكُوفيُّ؛ لكثرة شواهده نظما ونثرًا، على أنه لو جُعل العطف على المنصوب المتقدم؛ أي: أن تنفقَ نفقةً حتّى الشيءَ الّذي تجعلُه في في امرأتك، إِلَّا أُجرتَ، لاستقامَ، ولم يَرِدْ شيء ممّا تقدّم. (ثمّ لعلّك أن تخلَّفَ): فيه دخول "أن" على خبر "لعلَّ"، وهو قليل، ويحتاج إلى التأويل. ¬

_ (¬1) "بالشيء" ليست في "ع". (¬2) في "ن": "مجرور". (¬3) انظر: "مغني اللبيب" (ص: 172 - 173). (¬4) المختار" ليست في "ع".

(يرثي له رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -): هذا موضع التّرجمة، ونازعه الإسماعيلي، وقال: ليس هذا من مراثي الموتى، وإنما هو من إشفاق النّبي - صلى الله عليه وسلم - من (¬1) موته بمكة بعد هجرته منها، وكراهة ما حدث عليه من ذلك؛ كقولك: أنا (¬2) أرثي لك ممّا جرى عليك؛ كأنه يتحزَّنُ عليه. قال الزركشي: ثمّ (¬3) هو بتقدير تسليمه فليس بمرفوع، وإنّما هو مُدْرَجٌ من قول الزّهريُّ (¬4). (أن مات بمكة): هو بفتح "أن"؛ أي: من أجل موته بمكة، ولا يجوز الكسر (¬5) على إرادة الشرط؛ لأنه كان انقضى (¬6) أمره وتَمَّ. قاله في "المشارق" (¬7). قال ابن عبد البرّ: لم يختلفوا في أن سعدَ بنَ خولةَ مات بمكة في حجة الوداع، قال: ورثى له من أجل أنه مات بمكة، وهي الأرضُ الّتي هاجر منها، ويدلُّ لذلك قوله: "اللَّهُمَّ أَمْض لأِصْحَابي هِجْرَتَهُمْ، وَلا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابهِمْ". قال: وهذا يردُّ قولَ من قال: إنّه رثى له؛ لأنه ماتَ قبل أن يُهاجر، ¬

_ (¬1) في "ع": "على". (¬2) في "ع": "إنّما". (¬3) "ثمّ "ليست في "ع". (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 317). (¬5) في "ج": "ولا يجوز أكثر". (¬6) في "ع": "قد انقضى"، وفي "ج": "كان يقضي". (¬7) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 42).

باب: ما ينهى عن الحلق عند المصيبة

وذلك غلط واضح؛ لأنه لم يشهدْ بدرًا إِلَّا بعدَ هجرته، وهذا ممّا لم يشكَّ فيه ذو لُبٍّ (¬1). ووقع لابن المنير - رحمه الله - في "المقتفى" (¬2) وَهْمٌ، وذلك أنه استنبط من قوله: "لكنِ البائسُ" (¬3): أن الهجرةَ كانت شرطًا في صحة الإسلام، وأن إطلاق البؤس عليه بعدَ الموت يدلُّ على أن الخاتمة لم تكن على الإسلام؛ لأن المسلم لا بؤسَ عليه، وهذا مردودٌ، بل كانت خاتمته على الإسلام، وهو من مشاهير الصّحابة من أهل بدر رضي الله عنهم أجمعين. * * * باب: ما يُنْهَى عن الحَلْقِ عندَ المُصيبةِ 764 - (1296) - وَقَالَ الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابرٍ: أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُخَيْمِرَةَ حَدَّثَهُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبي مُوسَى - رَضيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: وَجِعَ أَبُو مُوسَى وَجَعًا، فَغُشِيَ عَلَيْهِ، وَرَأْسُهُ فِي حَجْرِ امْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِهِ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهَا شَيْئًا، فَلَمَّا أَفَاقَ، قَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِمَّنْ بَرِئَ مِنْهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَرِئَ مِنَ الصَّالِقَةِ، وَالْحَالِقَةِ، وَالشَّاقَّةِ. ¬

_ (¬1) انظر: "الاستيعاب" (2/ 587). (¬2) في "ن" و"ع": "المتفق". (¬3) في "ج": "البأس".

باب: من جلس عند المصيبة يعرف فيه الحزن

(من الصالقة): - بالصاد (¬1) المهملة -: الّتي ترفع صوتها في المصائب، والسينُ لغةٌ فيها. (والحالقة): وهي الّتي تحلق شعرها. (والشاقة): وهي (¬2) الّتي تشق ثوبها. * * * باب: مَنْ جَلسَ عند المصيبةِ يُعْرَفُ فيه الحُزْنُ 765 - (1299) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّاب، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيىَ، قَالَ: أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ، قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ - رَضيَ اللهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: لَمَّا جَاءَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَتْلُ ابْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرٍ وَابْنِ رَوَاحَةَ، جَلَسَ يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ، وَأَنَا أَنْظُرُ مِنْ صَائِرِ الْباب - شَقِّ الْبَاب - فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: إِنَّ نِسَاءَ جَعْفَرٍ -وَذَكَرَ بُكَاءَهُنَّ- فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْهَاهُنَّ، فَذَهَبَ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ: لَمْ يُطِعْنَهُ، فَقَالَ: "انْهَهُنَّ"، فَأَتَاهُ الثَّالثَةَ، قَالَ: وَاللهِ! غَلَبْتَنَا يَا رَسُولَ اللهِ. فَزَعَمَتْ أَنَّهُ قَالَ: "فَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ". فَقُلْتُ: أَرْغَمَ اللهُ أَنْفَكَ، لَمْ تَفْعَلْ مَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَمْ تَتْرُكْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْعَنَاءَ. (وأنا أنظرُ من صائرِ الباب): كذا الرِّواية، وقيل: الصواب: "من صِيرِ الباب"، بكسر الصاد. ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "الصالقة: بالصاد". (¬2) "وهي" ليست في "ج".

قال الجوهري: الصِّيرُ: شَقُّ الباب، وفي الحديث: "مَنْ نَظَر مِنْ صِيرِ بَابٍ، فَفُقِئَتْ عَيْنُهُ، فَهُوَ هَدْرٌ". وقال أبو عبيد (¬1): لم يُسمع هذا الحرف إِلَّا في الحديث (¬2). (شَق الباب): بفتح الشين. (فاحثِ): بكسر (¬3) الثاء (¬4) المثلثة، وضمها، وقد سبق أنه يقال: حَثَى يَحْثُو، وحَثَى (¬5) يَحْثِي، لغتان. (فقلت: أرغمَ الله أنفَك): أي: ألصقَه بالرغام، وهو التراب، قالت ذلك؛ لما رأته أحرج رسولَ (¬6) الله - صلى الله عليه وسلم - بكثرة تكراره عليه، وإخباره ببكائهن، وعدم فعلهِ ما أمر به، وهو يدلُّ على أنه لم يفهم من أمره الجزمَ بذلك، ولكن على طريق أن هذا ممّا يُسكتهن (¬7) إن فعلتَه وأمكنَك، وإلا فالملاطفةُ أولى. (من العناء): - بالعين المهملة والمد (¬8) -، وهي (¬9) المشقة والتعب بتردادِك عليه وإغرائك إياه. ¬

_ (¬1) في "ع": "عبيدة". (¬2) انظر: "الصحاح" (2/ 718)، (مادة: ص ي ر). (¬3) في "ج": "بفتح". (¬4) "الثاء" ليست في "ع". (¬5) في "ع": "وجاء". (¬6) في "ع" و"ج": "النّبيّ". (¬7) في "ع": "لا يسكتهن". (¬8) "والمد" ليست في "ج". (¬9) في "ن": "وهو".

باب: من لم يظهر حزنه عند المصيبة

قال الزركشي: و (¬1) هذا هو الصواب. ووقع لبعض رواة مسلم "الغِنَى"، بغين معجمة. وعند الطّبريّ: العَيّ (¬2): مفتوح (¬3) العين المهملة، وعند بعضهم (¬4) بكسرها (¬5). * * * باب: مَنْ لم يُظْهِرْ حُزْنَه عند المصيبة 766 - (1301) - حَدَّثَنَا بشْرُ بْنُ الْحَكَم، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عبد الله بْنِ أَبي طَلْحَةَ: أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رَضيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُولُ: اشْتَكَى ابْنٌ لأَبي طَلْحَةَ، قَالَ: فَمَاتَ وَأَبُو طَلْحَةَ خَارِجٌ، فَلَمَّا رَأَتِ امْرَأتُهُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ، هَيَّأَتْ شَيْئًا، وَنَحَّتْهُ فِي جَانِب الْبَيْتِ، فَلَمَّا جَاءَ أَبُو طَلْحَةَ، قَالَ: كَيْفَ الْغُلَامُ؟ قَالَتْ: قَدْ هَدَأَتْ نَفْسُهُ، وأرْجُو أن يَكُونَ قَدِ اسْتَرَاحَ. وظَنَّ اُبو طَلْحَةَ أنَّها صَادِقَةٌ. قَالَ: فَبَاتَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ، اغْتَسَلَ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، أَعْلَمَتْهُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ، فَصَلَّى مَعَ النَّبيِّ، ثُمَّ أَخْبَرَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بمَا كَانَ مِنْهُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَعَلَّ اللهَ أَنْ يُبَارِكَ لَكُمَا فِي لَيْلَتِكُمَا". ¬

_ (¬1) الواو سقطت من "ن". (¬2) في "ن"و "ع": "العنى". (¬3) في "ع": "بفتح". (¬4) في "م": "وبعضهم". (¬5) انظر: "التنقيح" (1/ 318).

باب: الصبر عند الصدمة الأولى

قَالَ سُفْيَانُ: فَقَالَ رَجُل مِنَ الأَنْصَارِ: فَرَأَيْتُ لَهُمَا تِسْعَةَ أَوْلاَدٍ، كلُّهُمْ قَدْ قَرَأَ الْقُرْآنَ. (قد هَدَأَ نَفَسُه): -بهمزة-: هدأ؛ أي: سكن، و (¬1) نَفَسُه: بفتح الفاء. و (¬2) في نسخة: "هدأَتْ نفْسه" - بإسكان الفاء -: واحدة الأنفس. (قال: فبات): أي: واقعَ أهلَه، وليس ما فعلَتْه أُمُّ سُلَيم من التنطُّع، وإنما فعلت ذلك إعانةً لزوجها على الرضا والتسليم، ولعلها عند موت الطفل قضتْ حقَّه من البكاء اليسير، وقول أنس: وظَنَّها (¬3) صادقةً؛ أي: موافقة لما فهمه عنها، وإلا فهي صادقة في نفس الأمر، ولهذا ورد: "إنَّ في المعاريض لمندوحَةً عنِ الكَذِب" (¬4). * * * باب: الصَّبْرِ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى وَقَالَ عُمَرُ - رضيَ اللهُ عَنْهُ -: نِعْمَ الْعِدْلاَنِ، وَنِعْمَ الْعِلاَوَةُ: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 156، 157]. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: 45]. ¬

_ (¬1) الواو سقطت من "ن". (¬2) الواو سقطت من "ج". (¬3) "وظنها" ليست في "ج". (¬4) رواه ابن عدي في "الكامل في الضعفاء" (3/ 96)، من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه مرفوعًا.

باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنا بك لمحزونون".

(وقال عمر: نعم العِدلان، ونعم (¬1) العِلاوة): بكسر العين فيهما (¬2). قال القاضي: العِدْلُ: نصفُ الحمل على أحد شِقَّي الدابة، والحِمل: العدلان، والعلّاوة: ما يُجعل (¬3) بين العدلين (¬4). قال ابن المنير: وهذا عند أهل البيان من باب الترشيح (¬5) للمجاز، وذلك أنه لما كانت الآية: أولئك عليهم كذا وكذا، ولفظةُ "على" تعطي الحمل، عَبَّرَ عمرُ - رضي الله عنه - بهذه العبارة. * * * باب: قول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّا بكَ لمحزونونَ". 767 - (1303) - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا يَحْيىَ بْنُ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا قُرَيْشٌ -هُوَ ابْنُ حَيَّانَ-، عَنْ ثَابتٍ، عَنْ أَنسٍ بْنِ مَالِكٍ - رَضيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أَبي سَيْفٍ الْقَيْنِ، وَكَانَ ظِئْرًا لإبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إبْرَاهِيمَ، فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ، ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَذْرِفَانِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ - رَضيَ اللهُ عَنْهُ -: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟! فَقَالَ: "يَا بْنَ عَوْفٍ! إِنَّهَا رَحْمَةٌ"، ثُمَّ أَتبَعَهَا بأُخْرَى، ¬

_ (¬1) في "ن": "ونعمت". (¬2) "فيهما" ليست في "ج". (¬3) في "ع": "يحمل". (¬4) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 69). (¬5) في "ن": "التوشيخ".

فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - "إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلَا نقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونوُنَ". رَوَاهُ مُوسَى، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابتٍ، عَنْ أَنسٍ- رَضىَ اللهُ عَنْهُ -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (ابن حَيّان): بحاء مفتوحة ومثناة من تحت مشددة. (وكان ظِئْرًا): -بظاء معجمة مكسورة فهمزة ساكنة، وقد تسهل-؛ أي: زوجًا (¬1) للمرأة الّتي تُرْضع، وكانت امرأتُه ترضع إبراهيمَ بلبنه، فلهذا سُمي ظِئْرًا، ويُطلق الظئرُ أيضًا على المرضعة نفسِها، والمرأةُ المرضعةُ (¬2) لإبراهيم هي أم سيف زوجةُ أبي سَيْفٍ القينِ. وقيل: أم (¬3) بُرْدَةَ بنتُ المنذرِ الأنصاريةُ النَّجَّارية. (إن العينَ تدمع، والقلبُ يحزن): يجوز في القلب الرفعُ والنصب. قال ابن المنير: وفيه: أنه -عليه السّلام- بيَّن أن مثلَ هذا لا يدخل تحت القدرة، ولا يكلَّفُ العبدُ الانكفافَ عنه، وذلك بأن أضافَ الفعل إلى الجوارح كأنها امتنعتْ على صاحبها، فصارت هي الفاعلة، لا هو، ولهذا قال: "وإنا بفراقك لمحزونون"، فعبر بصيغة المفعول، لا بصيغة الفاعل؛ أي: ليس الحزنُ من فعلنا، ولكنه واقعٌ بنا من غيرنا، ولا يُكلف الإنسانُ بفعل غيره. ¬

_ (¬1) في "م" و"ج": "زوج". (¬2) في "ج": "الرضيعة". (¬3) في "ج": "قيل: امرأة".

باب: البكاء عند المريض

والفرقُ بين دمع (¬1) العين، [ونطق اللسان: أن النطق يُملك، وأما الدمع فلا، وهو للعين كالنظر، ألا ترى أن العين] (¬2) إذا كانت مفتوحة، نظرتْ، شاءَ صاحبُها أو أبى، فالفعلُ لها، ولا كذلك نطقُ اللسان؛ فإنّه لصاحب اللسان. * * * باب: البكاءَ عند المريض 768 - (1304) - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ عبد الله بْنِ عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: اشْتَكَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ شَكْوَى لَهُ، فَأَتَاهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُهُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَسَعْدِ بْنِ أَبي وَقَّاصٍ، وَعبد الله بْنِ مَسْعُودٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُم، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ، فَوَجَدَهُ فِي غَاشِيَةِ أَهْلِهِ، فَقَالَ: "قَدْ قَضَى؟ "، قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللهِ، فَبَكَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمُ بُكَاءَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، بَكَوْا، فَقَالَ: "أَلَا تَسْمَعُونَ؟ إِنَّ اللهَ لَا يُعَذِّبُ بدَمْعِ الْعَيْنِ، وَلَا بحُزْنِ الْقَلْب، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بهَذَا - وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ -، أَوْ يَرْحَمُ، وَإِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ ببُكَاءَ أَهْلِهِ عَلَيْهِ". وَكَانَ عُمَرُ - رَضيَ اللهُ عَنْهُ - يَضْرِبُ فِيهِ بالْعَصَا، وَيَرْمِي بالْحِجَارَةِ، وَيَحْثِي بالتُّرَاب. ¬

_ (¬1) في "ع" و "ج": "نظر". (¬2) ما بين معكوفتين سقط من "ن".

باب: ما ينهى من النوح والبكاء، والزجر عن ذلك

(فوجده في غَشْيته): بفتح الغين المعجمة وسكون الشين المعجمة وتخفيف المثناة من تحت، وبكسر الشين وتشديد الياء. قال الدارقطني: لا فرق بينهما، هما (¬1) بمعنى واحد، يريد من الغشاوة؛ أي: قد غُشي عليه. ويروى: "في غاشيته" (¬2)، وهو يحتمل أن يريد: مَنْ يغشاه من النَّاس، أو يريد: ما يغشاه من الكَرْب (¬3). (فقال: قد قضى؟): فيه شاهد على حذف همزة الاستفهام لقرينة (¬4). وفي رواية لمسلم: "أَقَدْ قَضَى؟ " (¬5)؛ أي: مات. (قالوا: لا): هو جوابٌ لما مر من قوله: فلما دخل عليه. * * * باب: ما يُنهى من النَّوح والبُكاءَ، والزَّجرِ عن ذلك 769 - (1306) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ عَبْدِ الْوَهَّاب، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ - رَضيَ اللهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: أَخَذَ عَلَيْنَا النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ الْبَيْعَةِ أَنْ لَا نَنُوحَ، فَمَا وَفَتْ مِنَّا امْرَأَةٌ غَيْرَ خَمْسِ نِسْوَةٍ: أُمِّ سُلَيْمٍ، وَأُمِّ الْعَلَاءِ، وَابْنَةِ أَبي سَبْرَةَ امْرَأَةِ مُعَاذٍ، وَامْرَأَتَيْنِ. أَوِ: ابْنَةِ أَبي سَبْرَةَ، وَامْرَأَةِ مُعَاذٍ، وَامْرَأَةٍ أُخْرَى. ¬

_ (¬1) في "ع": "وهما". (¬2) في "ن" و"ع": "غاشية". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 139). (¬4) في "ج": "القرينة". (¬5) رواه مسلم (924).

باب: القيام للجنازة

(عند البَيعة): بموحدة مفتوحة. (فما وفت منهن امرأة غيرُ خمسِ نسوة): برفع "غير" ونصبها؛ أي: ممّن بايع معها على ذلك (¬1)، وليس المراد: أنه لم يترك النياحةَ من المسلمات غيرُ هؤلاء الخمس (¬2). (أم سليمٌ): بالرفع والجر، وكذا (¬3) ما بعدَه، وسُلَيم: بضم السين، مصغر. (أبي سبْرة): بسين مهملة (¬4) فموحدة ساكنة. * * * باب: القيامِ للجَنازة 770 - (1307) - حدثنا عَلِيُّ بنُ عبد الله، حدّثنا سُفْيانُ، حدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَامِرِ بنِ رَبيعَةَ، عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: "إِذَا رَأَيْتُمُ الجنَازَةَ، فَقُومُوا حَتَّى تُخَلِّفَكُمْ". قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ، عَنْ أَبيهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَامِرُ ابْنُ رَبيعَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. زَادَ الْحُمَيدِيُّ: "حَتَّى تُخَلِّفَكُمْ، أَوْ تُوضَعَ". (إذا (¬5) رأيتم الجنازة، فقوموا): نقل غيرُ واحد أن هذا منسوخ، وأن أئمةَ الفتوى على ترك القيام. ¬

_ (¬1) "على ذلك" ليست في "ج". (¬2) في "ع": "الخمسة". (¬3) في "ج": "كذلك". (¬4) في "ن" و "ع" زيادة: "مفتوحة". (¬5) في "ع": "أي إذا".

باب: من قام لجنازة يهودي

(حتّى تُخَلِّفكم): - بمثناة من فوق مضمومة فخاء معجمة مفتوحة فلام مشددة مكسورة -؛ أي: تنزلكم خلفها. * * * باب: من قامَ لجنازةِ يَهُوديٍّ 771 - (1311) - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَام، عَنْ يَحْيىَ، عَنْ عبيد الله بْنِ مِقْسَمٍ، عَنْ جَابرِ بْنِ عبد الله - رَضيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَ: مَرَّ بنَا جَنَازَةٌ، فَقَامَ لَهَا النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَقُمْنَا بهِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهَا جَنَازَةُ يَهُودِيٍّ؟ قَالَ: "إِذَا رَأَيْتُمُ الْجَنَازَةَ، فَقُومُوا". (ابن مِقسم): بكسر الميم. (إنها جنازة يهودي): قال ابن المنير: فيه دليل على أَنَّ القيامَ للشخص شعارُ التعظيم في الزّمان القديم، ألا تَراهم لما قام (¬1)، نبهوا على أنها جنازة يهودي؛ لاحتمال أن يكون النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يعلم، ولو علم أنها جنازة (¬2) يهودي (¬3)، لمَا (¬4) قام؛ لما يُشعر به القيامُ من التعظيم، فبين -عليه السّلام- أن هذا القيام (¬5) إنّما كان للموت، لا باعتبار الميِّت. وفيه دليل على أن جنازة أهل الذِّمَّة كغيرها في الزمن الأوّل، لا يتميز ¬

_ (¬1) في "ن": "قدم". (¬2) "جنازة" ليست في "م". (¬3) في "ن": "جنازة يهودي". (¬4) في "ن": "ما". (¬5) "أن هذا القيام" ليست في "ع".

باب: حمل الرجال الجنازة دون النساء

لا بليل ولا غيره، وإنّما حدث هذا في العهود المتجددة. * * * 772 - (1312) - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبي لَيْلَى، قَالَ: كَانَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَقَيْسُ ابْنُ سَعْدٍ، قَاعِدَيْنِ بالْقَادِسِيَّةِ، فَمَرُّوا عَلَيْهِمَا بجَنَازَةٍ، فَقَامَا، فَقِيلَ لَهُمَا: إِنَّهَا مِنْ أَهْلِ الأَرْض؛ أيْ: مِنْ أهْلِ الذِّمَّةِ، فقالا: إنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّتْ بهِ جِنازةٌ، فَقامَ، فَقِيلَ له: إنَّها جِنازَةُ يَهُودِيٍّ، فقال: "ألَيْسَتْ نفسًا؟ "!. (من أهل الأرض): أي: من أهل هذه الأرض؛ يعني: أنها من أهل الجزية المقَرين بأرضهم. * * * باب: حَمْلِ الرِّجَالِ الْجنَازَةَ دُونَ النِّسَاءَ (باب: حمل الرجال الجنازة دونَ النِّساء): قال ابن بطّال: وذلك لأن الله تعالى قد عذرهن بضعفهن، فقال: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ} [النساء: 98، 99] (¬1). واعترضه ابن المنير: بأن في الآية دليلًا على أن في النِّساء من ليس مستضعفًا كالرجال؛ لأن "مِنْ" في الآية تبعيضية، ولئن دلت الآية على ضعف النِّساء، فهي دليل على ضعف الرجال أيضًا، ولو نصبَ النساءَ على ¬

_ (¬1) انظر: "شرح ابن بطال" (3/ 296).

باب: قول الميت وهو على الجنازة: "قدموني"

أنه معطوفٌ على المستضعفين غير متبعض، لأمكنَ الاستشهاد. قلت: لا يخلو من نظر، فتأمله. * * * باب: قولِ الميِّت وهو على الجنازةِ: "قدِّموني" 773 - (1316) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ أَبيهِ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ - رَضيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِذَا وُضعَتِ الْجنَازَةُ، فَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً، قَالَتْ: قَدِّمُونِي، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ، قَالَتْ لأَهْلِهَا: يَا وَيْلَهَا! أَيْنَ يَذْهَبُونَ بهَا؟ يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الإنْسَانَ، وَلَوْ سَمِعَ الإنْسَانُ، لَصَعِقَ". (واحتملها الرجال): هذا شاهد التّرجمة. (يسمع صوتها كلُّ شيء إِلَّا الإنسانِ): قال ابن بطّال: وإنّما يتكلم روحُ الجنازة؛ لأنَّ الجسدَ لا يتكلم بعدَ خروج الرُّوح منه، إِلَّا أن يردَّها الله إليه (¬1). وهذا بناء منه على أن الكلام شرطُه الحياة، وليس كذلك، إذا كان الكلامُ الحروفَ والأصوات، [فيجوز أن يُخلق في الميِّت، ويكون الكلامُ النفسيُّ قائما بالروح، وإنّما يسمع الأصوات] (¬2)، وهو المراد بالحديث، وأما الكلام النفسي، فيجوز أن يُسمع خرقًا للعادة. ¬

_ (¬1) انظر: "شرح ابن بطّال" (3/ 297). (¬2) ما بين معكوفتين سقط من "ع".

باب: من صف صفين أو ثلاثة على الجنازة خلف الإمام

باب: مَنْ صَفَّ صَفَّيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً عَلَى الْجنَازَةِ خَلْفَ الإمَامِ (باب: من صفَّ صفين أو ثلاثةً على الجنازة): قال الطّبريّ (¬1): ينبغي لأهل الميِّت إذا (¬2) لم يخش عليه التغير (¬3) أن ينتظروا اجتماعَ قومٍ يقومُ منهم ثلاثة (¬4) صفوف؛ لخبرِ مالك بْن هبيرة (¬5). قال ابن المنير: وهذا لا يجري على أصول مالك؛ فإن الجماعات عنده سواء، ولهذا لا يعيد من صلّى في جماعة قليلة مع جماعة كثيرة، وتعجيلُ كرامةِ الميِّتِ بدفنه أولى من الانتظار، واختلاف أحاديث العدد يدلُّ (¬6) على أما أجوبة أسئلة، ولو سُئل عن أقل، لقال كذلك؛ كحديث (¬7): "لا يَمُوتُ لأَحَدِكُمْ ثَلاثَةٌ مِنَ الوَلَدِ" (¬8) قال: ولو قلنا: واحد، لقال: واحد. * * * باب: الصُّفُوفِ عَلَى الْجنَازَةِ (باب: الصفوف على الجنازة): هذه التّرجمة على أصل الصفوف، ¬

_ (¬1) في "ج": "قال ابن الطّبريّ". (¬2) في "ع": "إذ". (¬3) في "ع": "الغير". (¬4) في "ن": "ثلاث". (¬5) انظر: "فتح الباري" لابن، حجر (3/ 222 - 223). (¬6) في "ج": "ويدل". (¬7) في "ع": الحديث، وفي "ج": "الحديث". (¬8) رواه البخاريّ (6656)، ومسلم (2632) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

والترجمة المتقدمة على عدمها (¬1). * * * 774 - (1319) - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ، عَنِ الشَّعْبيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ شَهِدَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَتَى عَلَى قَبْرٍ مَنْبُوذٍ، فَصَفَّهُمْ، وَكَبَّرَ أَرْبَعًا. قُلْتُ: مَنْ حَدَّثَكَ؟ قَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُما. (أتى على قبرٍ منبوذٍ): سبق أنه بالإضافة، وعدمها. قال الزركشي: وهذا أشبه؛ لأن في بعض الألفاظ: أتى قبرًا منبوذًا (¬2). * * * 775 - (1320) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ: أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاء: أَنَّهُ سَمِعَ جَابرَ بْنَ عبد الله - رَضيَ اللهُ عَنْهُما - يَقولُ: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ تُوُفِّيَ الْيَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ مِنَ الْحَبَشِ، فَهَلُمَّ فَصَلُّوا عَلَيْهِ". قَالَ: فَصَفَفْنَا، فَصَلَّى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِ وَنَحْنُ صُفُوفٌ. قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابرٍ: كنْتُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي. (قد توفي اليوم رجلٌ صالح من الحُبْش): بضم الحاء المهملة وإسكان الموحدة، وبفتحهما معًا، والرجل المبهم هو أَصْحَمَةُ النجاشِي. * * * ¬

_ (¬1) في "ن": "عددها"، وفي "ع": "علوها". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 320).

باب: من انتظر حتى تدفن

باب: من انتظرَ حتّى تُدفَنَ 776 - (1325) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَبيب بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبي: حَدَّثَنَا يُونسٌ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجُ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيْهَا، فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَ حَتَّى تُدْفَنَ، كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ". قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَالَ: "مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ". (فله قيراط (¬1) ": قال أبو الوفاء (¬2) بْن عقيل: القيراطُ نصفُ سدسِ درهم، أو نصفُ عُشرِ دينار، ولا يجوز أن يكون المراد هنا جنسَ الأجر؛ لأن ذلك يدخل فيه ثواب الإيمان والأعمال؛ كالصلاة، والحج، وغيره، وليس في صلاة الجنازة ما يبلغ هذا، فلم يبق إِلَّا أن يرجع إلى (¬3) المعهود، وهو الأجر العائد إلى الميِّت، ويتعلّق به؛ من تجهيزه، وغسله، ودفنه، والتعزية، وحمل الطّعام إلى أهله، والصبر على المصاب (¬4) فيه، وهو مجموع الأجر المتعلّق بالميِّت. فكان (¬5) للمصلّي والجالس إلى أن يُقبر (¬6) سدسُ ذلك، أو نصفُ ¬

_ (¬1) في "ع": "قيراطًا". (¬2) في "ع": "الرقاء". (¬3) "إلى" ليست في "ن". (¬4) في "ن" و"ع": "المصائب". (¬5) في "ن": "وكان". (¬6) في "ع": "يعتبر".

باب: الصلاة على الجنائز بالمصلى والمسجد

سدسه (¬1) إن صلَّى وانصرف (¬2). (ومن شهدها (¬3) حتّى تُدفن، كان له قيراطان): أي: منهما القيراطُ الأولُ، فيحصل بالصلاة قيراط، وبالاتباع مع حضور الدَّفن قيراطٌ آخر (¬4). ويشهد لذلك روايةُ البخاريّ في كتاب: الإيمان: "مَنْ شَهِدَ جَنَازَةً، وَكَانَ مَعَهَا حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا، رَجَعَ مِنَ الأَجْرِ بقِيرَاطَيْنِ" (¬5)، وهذا صريح في أن المجموع بالصلاةِ والاتباعِ وحضورِ الدفن قيراطان. * * * باب: الصَّلاةِ على الجنائز بالمُصلَّى والمسجدِ 777 - (1327) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّب وَأَبي سَلَمَةَ: أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رَضيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: نَعَى لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - النَّجَاشِيَّ صَاحِبَ الْحَبَشَةِ، يَوْمَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ: "اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ". (يحيى بْن بُكَير): بضم الموحدة وفتح الكاف، مصغَّر (¬6). ¬

_ (¬1) في "ن": "سدس". (¬2) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (3/ 231). (¬3) في البخاريّ - نسخة اليونينية: "شهد". (¬4) في "ع": "قيراط آخر مع حضور الدفن". (¬5) رواه البخاريّ (47). (¬6) في "ع": "مصغرًا".

باب: ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور

778 - (1329) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عبد الله بْنِ عُمَرَ - رَضيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنَّ الْيَهُودَ جَاؤُوا إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - برَجُلٍ مِنْهُمْ وَامْرَأَةٍ زَنَيَا، فَأَمَرَ بهِمَا فَرُجِمَا، قَرِيبًا مِنْ مَوْضعِ الْجَنَائِزِ عِنْدَ الْمَسْجدِ. (أبو ضَمْرَة): - بضاد معجمة وراء - على (¬1) وزن جَمْرَة. (برجل منهم وامرأة زَنيَا): قال السهيلي في "الأعلام": اسم المرأة بَرَّةُ، حكاه (¬2) عن شيخه أبي بَكْر بْن العربي في "أحكام القرآن" (¬3). * * * باب: مَا يُكْرَهُ مِنِ اتِّخَاذِ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ وَلَمَّا مَاتَ الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضيَ اللهُ عَنْهُم -، ضَرَبَتِ امْرَأَتَهُ الْقُبَةَ عَلَى قَبْرِهِ سَنَةً، ثُمَّ رُفِعَتْ، فَسَمِعُوا صَائِحًا يَقُولُ: أَلَا هَلْ وَجَدُوا مَا فَقَدُوا؟ فَأَجَابَهُ الآخَرُ: بَلْ يَئِسُوا فَانْقَلَبُوا. (باب: ما يُكره من اتخاذ (¬4) المساجد على القبور). (ضربت امرأته القبة على قبره سنةً): هي فاطمةُ بنتُ الحسينِ بنِ عليٍّ رضي الله عنهم أجمعين (¬5). ¬

_ (¬1) "على" ليست في "ج". (¬2) في "ع": "حكاية". (¬3) ولم أقف عليه في كتابه هذا، والله أعلم. (¬4) في "ع": "اتخذ". (¬5) "أجمعين" ليست في "ن".

باب: الصلاة على النفساء إذا ماتت في نفاسها

قال ابن المنير: إنّما أوردَ القبةَ للعلم بأنها إنّما (¬1) ضُربت استمتاعًا بالميِّت، والقرب (¬2) منه، وهذا هو المقصود بوضع المساجد على القبور، فإذا أنكر الصائح (¬3) بناء زائلًا، فالبناءُ الثابتُ أجدرُ، ومع هذا كله فلا يؤخذ من كلام الصائح (¬4) حكم؛ لأن مسالك الأحكام الكتابُ والسُّنَّةُ والإجماعُ والقياسُ، ولا وحيَ بعدَه -عليه السّلام-، وإنما هذا وأمثالُه تنبيهٌ على انتزاع الأدلة من مواضعها، واستنباطِها من مَظانِّها. * * * باب: الصَّلاةِ على النُّفساء إذا ماتت في نفِاسها 779 - (1331) - حَدَّثَنَا مُسَدَّد، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ، حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ سَمُرَةَ - رَضيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا، فَقَامَ عَلَيْهَا وَسَطَهَا. (على امرأة ماتتْ في نِفاسها فقام وسَطَها): تقدّم في باب الحيض: أنها أُمّ كعب الأنصاريةُ (¬5). وقال القرطبي: وقيدْنا (¬6) وسْطَها بإسكان السين، وكذا (¬7) هو عند ¬

_ (¬1) "إنّما" ليست في "ن". (¬2) في "ن": "وبالقرب". (¬3) في "ن" و"ع": "الصالح". (¬4) في "ن" و"ع": "الصالح". (¬5) تقدّم برقم (332) عند البخاريّ. (¬6) الواو سقطت من "ع". (¬7) في "ع": "وهذا".

باب: أين يقوم من المرأة والرجل

أبي (¬1) بحر، والجياني، ومنهم مَنْ فتحَها، والصواب: أن الساكنَ ظرف، وأن (¬2) المفتوح اسمٌ. وقد مر الكلام فيه (¬3). * * * باب: أين يقومُ من المرأةِ والرَّجلِ 780 - (1332) - حدّثنا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَة، حَدَّثَنَا سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ - رَضيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا، فَقَامَ عَلَيْهَا وَسَطَهَا. (عن ابن بُرَيْدَة): بضم الموحدة وبراء، مصغَّر. * * * باب: التكبيرِ على الجَنازة أربعًا 781 - (1334) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ، عَنْ جَابرٍ - رَضيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى عَلَى أَصْحَمَةَ النَّجَاشِيِّ، فَكَبَّرَ أَرْبَعًا. وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ، عَنْ سَلِيمِ: أَصْحَمَةَ (¬4). وَتَابَعَهُ عَبْدُ الصَّمَدِ. ¬

_ (¬1) في "ج": "عند ابن أبي". (¬2) "أن" سقطت من "ج". (¬3) انظر: "المفهم" (2/ 615)، وانظر: "التنقيح" (1/ 321). (¬4) في الشرح: "صَحْمَة".

(سَليم): بفتح السين. (ابن حَيّان): بحاء مهملة مفتوحة ومثناة من تحت مشددة، وليس في "الصحيحين" سليم - بفتح السين - غيرُه، ومن عداه فضمِّها (¬1) على التصغير. (على أَصْحَمة النجاشي): بفتح الهمزة وإسكان الصاد وفتح الحاء، وهما مهملتان (¬2). وذكر مقاتل (¬3) في "نوادر التفسير" من تأليفه: أن اسمه مكحولُ بنُ صَعْصَعَةَ، توفي - رحمه الله - في رجب سنة تسع - بتقديم التاء -. (وقال يزيدُ بنُ هارون، وعبدُ الصمد عن سَلِيمٍ: صَحْمة): بفتح الصاد وإسكان الحاء، قال القاضي وغيره: صوابه صمحة (¬4)، بتقديم الميم (¬5). قال النووي: وهذان شاذان، والصحيحُ أَصْحَمَةُ - بالألف -، ومعناه بالعربيّة: عطية (¬6). * * * ¬

_ (¬1) في "ن" و"ع" و"ج": "بضمها". (¬2) في "ج": "مهملات". (¬3) في "ج": "وذكر في مقاتل". (¬4) في "ج": "صحمة". (¬5) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 63). (¬6) انظر: "شرح النووي على مسلم" (7/ 22).

باب: قراءة فاتحة الكتاب على الجنازة

باب: قراءةِ فاتحةِ الكتاب على الجنازةِ 782 - (1335) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ طَلْحَةَ، قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضيَ اللهُ عَنْهُمَا. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عبد الله بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضىَ اللهُ عَنْهُما - عَلَى جَنَازَةٍ، فَقَرَأَ بفَاتِحَةِ الْكِتَاب، قَالَ: لِيَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ. (قال: لتعلموا أنها سُنَّة): - بمثناة من فوق - على الخطّاب، ومن تحت على الغيبة. ولنا قول في المذهب باستحباب الفاتحة في صلاة الجنازة، واختاره (¬1) بعض الشيوخ. * * * باب: الميِّتِ يَسمعُ خَفْقَ النِّعالِ 783 - (1338) - حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ. وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا ابْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنسٍ - رَضيَ اللهُ عَنْهُ -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "الْعَبْدُ إِذَا وُضعَ فِي قَبْرِهِ، وَتُوُلِّيَ، وَذَهَبَ أَصْحَاُبهُ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أَتَاهُ مَلَكَانِ فَأَقْعَدَاهُ، فَتقُولَانِ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ - مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ ¬

_ (¬1) في "ن": "وهو اختيار بعض".

عبد الله وَرَسُولُهُ، فَيُقَالُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ، أَبْدَلَكَ اللَهُ بهِ مَقْعَدًا مِنَ الْجَنَّةِ". قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا، وَأَمَّا الْكَافِرُ، أَوِ الْمُنَافِقُ، فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، كُنْتُ أقولُ مَا يَقُولُ النَّاس. فَيُقَالُ: لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ، ثُمَّ يُضْرَبُ بمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنيهِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ". (عياش): بمثناة من تحت وشين معجمة. (وتَوَلَّى (¬1)): أي: أدبر، بالبناء للفاعل، وجوز فيه ضم التاء (¬2) والواو وكسر اللام، على البناء للمفعول. (حتّى إِنه ليسمعُ): بكسر إن، قال الزركشي: لأن "حتّى" ها (¬3) هنا ابتدائية؛ كقولهم مرض حتّى إنهم لا يرجونه (¬4). قلت: وأيضًا فوجود (¬5) لام الابتداء مانع من الفتح. (لا درَيت): بفتح الراء، يقال: دَرَى يَدْرِي. (ولا تليت (¬6)): أصله الواو، يقال: تَلا القرآن يَتْلُوهُ، ولكن أتى بالياء للازدواج مع دَرَيْت؛ أي: لا كنتُ داريًا ولا تاليًا. ¬

_ (¬1) في "ن": "ويولي". (¬2) في "ن"و "ج": "الياء". (¬3) "ها" سقطت من "ج". (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 322). (¬5) في "ع": "فوجه". (¬6) في "ع": "تلوت".

باب: من أحب الدفن في الأرض المقدسة أو نحوها

وقال الخطابي: كذا يقوله (¬1) المحدثون: تليت، والصواب: اتَّلَيْتَ، على زنة افْتَعَلْتَ (¬2)؛ أي: لا استطعت؛ من قولك: ما أَلَوْتُ هذا الأمرَ (¬3). وقال ابن بري: من روى: تليت، فأصله ائتَلَيْتَ، بالهمزة، فحذفت تخفيفًا، فذهبت همزة الوصل، وسُهِّل ذلك للمزاوجة لدَرَيْت. (ثمّ يضرب بمِطرقة): بميم مكسورة. * * * باب: من أحبَّ الدَّفنَ في الأرض المقدسةِ أو نحوِها 784 - (1339) - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رَضيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: "أُرْسِلَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -، فَلَمَّا جَاءَهُ، صَكَّهُ، فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ، فَقَالَ: أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ، فَرَدَّ اللهُ عَلَيْهِ عَيْنَهُ، وَقَالَ: ارْجِعْ، فَقُلْ لَهُ: يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ، فَلَهُ بكُلِّ مَا غَطَّتْ بهِ يَدُهُ بكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةٌ. قَالَ: أَيْ رَب! ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: ثُمَّ الْمَوْتُ. قَالَ: فَالآنَ، فَسَأَلَ اللهَ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنَ الأَرْض الْمُقَدَّسَةِ رَمْيّةً بحَجَرٍ". قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فَلَوْ كنْتُ ثَمَّ، لأَرَيَتُكُمْ قَبْرَهُ، إِلَى جَانِب الطَّرِيقِ، عِنْدَ الْكَثِيب الأَحْمَرِ". ¬

_ (¬1) في "ن" و"ع": "يقول". (¬2) في "ج": "أفعلت". (¬3) انظر: "إصلاح غلط المحدثين" (ص: 158).

(فلما جاءه صَكَّه): أي: لَطَمه على عينه، ففقأها، وكذا صرح به مسلم في روايته (¬1). (فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت): هذا يحتمل أنه علم أنه ملك الموت، وأنه دافع عن نفسه الموت باللطمة المذكورة. والجواب: أن موسى -عليه السّلام- إنّما ظنه آدميًا تسور عليه منزله بغير إذنه ليوقع به مكروهًا في نفسه على العادة في مثل ذلك، فدافعه (¬2) عن نفسه بما فعل على (¬3) ذلك الظن، ويؤيده أنه جاء إلى قبضه، ولم يُخَيِّرْه (¬4). وقد كان موسى -عليه السّلام- قد أُعلم (¬5) أنه لا (¬6) يُقبض حتّى يُخير (¬7)، ولهذا لما خيره في الثّانية (¬8)، قال: الآن. وفيه دليل على أنه يجوز أن يُباغَت الصائلُ و (¬9) المتصوِّرُ بصورة الصائل من غير إنذار. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2372). (¬2) في "ن": "فدافع". (¬3) "على" ليست في "ن". (¬4) في "ع": "يخبره". (¬5) في "ن" و"ع": "قد أخبر"، وفي "ج": "قد علم". (¬6) في "ن": "لم". (¬7) في "ع": "يخبر". (¬8) في "ع": "أخبره بالثّانية". (¬9) في "ن": "أو".

باب: بناء المسجد على القبر

(مَتْن ثور): - بمثناة من فوق - في "متن" (¬1)، وبثاء مثلثة في "ثور"؛ أي: ظهر ثور. (عند الكثيب): - بثاء مثلثة -: كَوْمُ الرمل. (أن يُدنيه من الأرض المقدسة رميةً بحجر): تقرُّبًا إلى البيت المقدس، ودنّوًا منه، وتبرُّكًا بذلك. وقال المهلب: ليسقطَ عن نفسه المشقة اللاحقةَ لمن بَعُدَ عنها بسبب صعوية المشي عند الحشر (¬2). وقيل: ليعمي (¬3) قبره؛ لئلا يعبدَه جهالُ أهل ملته، والأولُ هو الظاهر. * * * باب: بنَاءِ الْمَسْجدِ عَلَى الْقَبْرِ (باب: بناء المسجد على القبر): الفرقُ بين هذه التّرجمة وما قبلَها: أن الأولى تدل على نهي اتخاذ المساجد على القبور؛ أي: تعاهُد تلك المساجد بالصلاة كغيرها، وهذه تدل (¬4) على النّهي عن أصل البناء، وإن لم يُتعاهد ذلك المسجدُ بالصلاة؛ كمساجد التُّرَب ومحاريبها في بلادنا، فبيَّن البخاريّ النهيَ عن الجميع. ¬

_ (¬1) "في متن" ليست في "ج". (¬2) في "ع": "المحشر". (¬3) في "م" و"ج": "ليعمر". (¬4) في "ج": "كغيرها وقد يدل".

باب: من يدخل قبر المرأة

باب: من يَدخُلُ قبرَ المرأةِ 785 - (1342) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا هِلَالُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ أَنَسٍ - رَضيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: شَهِدْنَا بنْتَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ عَلَى الْقَبْرِ، فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ، فَقَالَ: "هَلْ فِيكُمْ مِنْ أَحَدٍ لَمْ يُقَارِفِ اللَّيْلَةَ؟ "، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَنَا، قَالَ: "فَانْزِلْ فِي قَبْرِهَا"، فَنَزَلَ فِي قَبْرِهَا، فَقَبَرَهَا. قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: قَالَ فُلَيْحٌ: أُرَاهُ يَعْنِي: الذَّنْبَ. قَالَ أَبُو عبد الله: {وَلِيَقْتَرِفُوا} [الأنعام: 113]: أَيْ لِيَكْتَسِبُوا. (شهدنا بنتَ رسول الله -عليه السّلام-): هي أم كُلثوم زوجةُ (¬1) عثمانَ بنِ عفان - رضي الله عنه-، وقد كان حاضرًا لدفنها. (هل فيكم من أحد لم يقارف اللَّيلة؟): أي: لم يجامع أهله، وقد مر. (فقال أبو طلحة: أنا، قال: فانزل في قبرها): قال ابن بطّال: وقد كان عثمان - رضي الله عنه - أولى بذلك من أبي طلحة لو ساواه في ترك (¬2) المقارفة، فعاقبه -عليه السّلام- بأن (¬3) حرمه (¬4) فضيلة إلحادها حينَ لم يمنعه حزنُه عن المقارفة، تلكَ اللَّيلة. ¬

_ (¬1) في "ن": "زوج". (¬2) في "ن" و"ج": تلك. (¬3) في "م" و"ج": أن. (¬4) في "ع": أحرمه.

[وفيه فضل عثمان، وإيثاره الصدق (¬1) حين لم يدعْ تركَ المقارفةِ تلكَ اللَّيلة] (¬2)، وإن كان عليه بعضُ الغضاضة في إلحاد غيرِه لزوجته (¬3). قال ابن المنير: ليس ذلك (¬4) من قبيل المعاقبة (¬5)، وحاش (¬6) لله أن يعاقب الرسولُ (¬7) على فعلٍ مُباح، وحاشَ عثمانَ من فعلِ ما لا يباح من (¬8) ذلك، وإنما وجهه: أن تجهيز الميِّت، ولاسيما المرأة، يُستحب فيه أن يكون المباشِر له مقبلًا على الآخرة، والاهتمام (¬9) غاية الممكن، ويكره فيه أن يكون حديثَ عهدٍ لشهوة؛ كما كره الصحابةُ أن يؤخروا الإحرامَ فيقفوا بعرفةَ كما (¬10) قالوا: "وَمَذاكيرُنا تَقْطُرُ ماء" (¬11)، فأرادوا بُعْدَ ما بين العبادة والشهوة، فلما فات عثمانَ (¬12) هذا الشرط، تولاه من وجد فيه، وعُدَّت في مناقب عثمان باعتبار صدقه، مع فرط حيائه، ولابد من خصوصية في ¬

_ (¬1) في "ن": "إيتائه الصَّدقة"، وفي "ج": "وإيثاره الصَّدقة". (¬2) ما بين معكوفتين سقط من "ن". (¬3) انظر: "شرح ابن بطّال" (3/ 329). (¬4) "ذلك" ليست في "ن". (¬5) في "ع": "المعاتبة". (¬6) في "ع": "حاشا". (¬7) في "ع" زيادة: "- صلى الله عليه وسلم -". (¬8) في "ج": "في". (¬9) في "م": "ولاهتمام". (¬10) "كما": ليست في "ع". (¬11) رواه النَّسائيُّ (2805)، وابن ماجة (2980) وابن حبّان في "صحيحه" (3791) عن جابر بْن عبد الله - رضي الله عنهما -. بلفظ: "ومذاكيرُنا تقطرُ من المني". (¬12) في "ع" زيادة: "رضي الله عنه ".

باب: الصلاة على الشهيد

القضية، وإلا، فالحكمُ الآن أن الزوجَ أحقُّ بمواراة زوجته، وإن خالط غيرَها من أهله تلك اللّيلةَ، حتّى إن المذهب أن المرأة تغسلُ زوجَها، وإن تزوجَتْ ساعتئذٍ بغيره؛ بأن تكون حاملًا وضعتْ، ومقتضى هذا: لو دخل بها الثّاني، غسلت الأوّل، لا يسقط حقها بذلك. (قال فليح: أُرَاه (¬1) يعني: الذنب): قال ابن بطّال: ليس الأمر (¬2) كما قال فُليح (¬3): بل المراد هنا: المجامعة (¬4). * * * باب: الصَّلاةِ على الشَّهيدِ 786 - (1344) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ يُوسُفَ، حدّثنا اللَّيْثُ، حدثني يَزِيدُ بنُ أبي حَبيبٍ، عن أَبي الخَيْرِ، عن عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ يَوْمًا، فَصَلَّى علَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: "إِنِّي فَرَطٌ لَكُمْ، وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ، وإنِّي وَاللهِ! لأَنْظُرُ إلى حَوْضي الآنَ، وإنِّي أُعْطِيتُ مَفاتِيحَ خَزَائِنِ الأَرْض، أوْ مَفاتِيحَ الأَرْض، وإنِّي وَاللهِ! ما أخافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكوا بَعْدِي، وَلَكِنْ أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا". (إنِّي فَرَطٌ لكم): أي: سابقٌ لكم، وروى البيهقي في "السنن" في كتاب: الجنائز، عن أبي زُميل سِماكِ بنِ الوليدِ الحنفيِّ، عن ابن عباسٍ: ¬

_ (¬1) في "م" و"ج": "ليراه". (¬2) "الأمر" ليست في "ن". (¬3) في "ع": "الشّيخ". (¬4) انظر: "شرح ابن بطّال" (3/ 328).

باب: من يقدم في اللحد

أنه سمع النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنْ كَانَ لَهُ فَرَطَانِ مِنْ أُمَّتِي، أَدخَلَهُ اللهُ الجَنَّةَ"، فقالت (¬1) عائشة: وواحِدَة يا رسولَ الله؟ فقال: "ووَاحِدَة يا مُوَفَّقَةُ"، ثم قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ أُمَّتِي فَرَطٌ، فَأنَا فَرَطُ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرَط، لَمْ (¬2) يُصَابُوا بمِثْلِي" (¬3). * * * باب: مَنْ يُقَدَّمُ فِي اللّحدِ وَسُمِّيَ اللَّحدَ؛ لأَنَّهُ فِي نَاحِيَةٍ، وَكلُّ جَائِرٍ مُلْحِدٌ، {مُلْتَحَدًا} [الكهف: 27]. مَعْدِلاً، وَلَوْ كَانَ مُسْتَقِيماً، كَانَ ضَرِيحاً. (سُمي اللحدَ؛ لأنه في ناحية، [وكلُّ جائرٍ ملحدٌ]، {مُلْتَحَدًا} [الكهف: 27]: مَعدِلاً، ولو كان مستقيماً، كان ضريحاً): و (¬4) قال القاضي: اللحدُ: هو الحفرُ للميت في جانب القبر، والضريحُ: الحفر الذي في وسطه، يقال: لَحَدَ، وَألحَدَ، وأصلُه: الميلُ لأحد الجانبين، ومنه الملحِد: المائل (¬5). 787 - (1348) - وَأَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ جَابرِ بنِ عبدالله -رَضيَ اللهُ عَنْهُما-: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ لِقَتْلَى أُحُدٍ: "أَيُّ هؤُلاَءِ أَكثَرُ أَخْذاً لِلْقرآنِ؟ "، فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى رَجُلٍ، قَدَّمَهُ فِي اللّحدِ قَبْلَ ¬

_ (¬1) في "ن": "قالت". (¬2) في "ع" و "ج":"ولم". (¬3) رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 68). (¬4) الواو سقطت من "ج". (¬5) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 355).

صَاحِبهِ. وَقَالَ جَابرٌ: فَكُفِّنَ أَبي وَعَمِّي فِي نَمِرَةٍ وَاحِدَةٍ. وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنَا مَنْ سَمِعَ جَابراً رَضيَ اللهُ عَنْهُ. (قال جابر: فكُفِّن أبي وعَمِّي في نَمِرَة واحدة): قال الدمياطي: هذا وَهْمٌ، و (¬1) لم يكن لجابر عم، وإنما هو عَمْرُو بنُ الجموح، كانت عنده عمةُ جابر هندٌ بنتُ عمرِو بنِ حَرام. قلت: أجاب عنه (¬2) شيخنا شيخ الإسلام قاضي القضاة جلال الدين البلقيني -ذكره الله بالصالحات-: بأنه لعلَّه جعلَه عمَّه تعظيماً وتكريماً. وفي "طبقات ابن سعد": أن ذلك كان (¬3) بأمر رسول الله (¬4) - صلى الله عليه وسلم -، ولفظه قالوا: وكانَ عبد الله بنُ عَمرِو بنِ حَرامٍ أولَ قتيل قُتل (¬5) من المسلمين يومَ أُحد، قتله سفيانُ بنُ عبدِ شمس أبو أبي الأعورِ السلميّ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ادفِنُوا عبد الله بْنَ عَمرو وَعَمرَو بْنَ الجَمُوح لِما كَانَ بَيْنَهُمَا منَ الصَّفَاءِ"، وقال: "ادفِنُوا هذَين المتحابينِ في الدُّنيا في قبْرٍ وَاحدٍ" (¬6). ¬

_ (¬1) الواو سقطت من "ع". (¬2) "عنه" ليست في "ن". (¬3) "كان" ليست في "ج". (¬4) في "ن": "بأمر النبي". (¬5) في "ع": "من قتل". (¬6) انظر: "الطبقات الكبرى" (3/ 562).

باب: الإذخر والحشيش في القبر

باب: الإذْخِرِ والحشيشِ في القبرِ 788 - (1349) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عبد الله بْنِ حَوْشَبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّاب، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما-، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "حَرَّمَ اللَّهُ مَكَّةَ، فَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلي، ولا لأَحَدٍ بَعدِي، أُحِلَّتْ في ساعةً مِنْ نهارٍ، لا يُخْتَلَى خَلاَها، ولا يُعضَدُ شَجَرُها، ولا يُنَفَّرُ صَيْدُها، ولا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُها إلَّا لِمُعَرِّفٍ". فقال العَبَّاسُ -رضي الله عَنْهُ-: إِلاَّ الإذْخِرَ لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا؟ فَقَالَ: "إِلاَّ الإذْخِرَ". وَقَالَ أبو هُرَيْرَةَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: لِقُبُورِنَا وَبُيُوتنَا. (لصاغتنا): جمع صائغ. * * * باب: هل يُخْرجُ الميِّتُ من القبر واللَّحد لعِلَّةٍ؟ 789 - (1350) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عبد الله، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ عمرٌو: سَمِعْتُ جَابرَ بْنَ عبد الله -رَضيَ اللهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: أتى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بْنَ أُبَيٍّ بعدَمَا أُدخِلَ حُفْرَتَهُ، فَأَمَرَ بهِ فَأُخْرِجَ، فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ، وَألبَسَهُ قَمِيصَهُ، فَاللَّهُ أَعلَمُ، وَكَانَ كَسَا عَبَّاساً قَمِيصاً. قَالَ سُفْيَانُ: وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَكَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَمِيصَانِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عبد الله: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ألبسْ أَبي قَمِيصَكَ الَّذِي يَلِي جِلْدَكَ. قَالَ سُفْيَانُ: فَيُرَوْنَ أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ألبَسَ عبد الله قَمِيصَهُ؛ مُكَافَأَةً لِمَا صَنَعَ.

(قال سفيان: وقال أبو هريرة): هكذا رواه جماعة، ورواه كثيرون: "أبو هارون"، وكذا هو عند الحميدي (¬1). * * * 790 - (1351) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، أَخْبَرَنَا بشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا حُسَيْن الْمُعَلِّمُ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابرٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: لَمَّا حَضَرَ أُحُدٌ، دَعَانِي أَبي مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ: مَا أُرَانِي إِلاَّ مَقْتُولاً فِي أَوَّلِ مَنْ يُقْتَلُ مِنْ أَصحَابِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَإِنِّي لَا أترُكُ بَعدِي أَعَزَّ عَلَيَّ مِنْكَ، غَيْرَ نفسِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَإِنَّ عَلَيَّ ديناً، فَاقْض، وَاسْتَوْصِ بأَخَوَاتِكَ خَيْراً. فَأَصبَحنَا، فَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ، وَدُفِنَ مَعَهُ آخَرُ فِي قَبْرٍ، ثُمَّ لَمْ تَطِبْ نفسِي أَنْ أترُكَهُ مَعَ الآخَرِ، فَاسْتَخْرَجْتُهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَإِذَا هُوَ كيَوْمِ وَضَعْتُهُ هُنيَّةً، غَيْرَ أُذُنِهِ. (ودفنت (¬2) معه آخر): هو عَمْرُو بنُ الجموح الذي تقدَّم ذكْرُه. (فاستخرجتُه بعدَ ستة أشهر): وقع في "موطأ الإمام مالك" في آخر الجهاد: أنه بين (¬3) يوم أحد ويوم (¬4) حفر عنهما (¬5) ستة وأربعون عاماً، وأن ذلك بسبب السيل (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: "الجمع بين الصحيحين" له (2/ 348). (¬2) كذا في رواية أبي ذر الهروي وأبي الوقت، وفي اليونينية: "ودفن"، وهي المعتمدة في النص. (¬3) في "ن": "أنه كان بين". (¬4) في "ع": "وبين يوم". (¬5) في "ج": "عنها". (¬6) رواه مالك في "الموطأ" (2/ 470).

ولعل المجمع (¬1) بينكما أن جابراً أخرج أباه بعد ستة أشهر، ودفنه في قبر إلى جانب قبر عمرو بن الجموح، ثم إن السيل خرق القبرين، فنُقلا بعد سِتٍّ وأربعين سنة. و (¬2) في "طبقات ابن سعد": أن سبب الحفر بعدَ هذه المدة هو أن القناةَ -يعني: التي (¬3) أمر معاوية بحفرها- كانت تمر عليهما (¬4). وذكر عن أبي الزبير عن جابر، قال: صُرخ بنا إلى قتلانا يومَ أحد حين أجرى (¬5) معاويةُ العينَ، فأخرجناهم بعدَ أربعين سنةً لينةً أجسادُهم، تنثني أطرافُهم (¬6). (فإذا هو كيوم وضعتُه هُنَيَّةً غيرَ أُذنه): قال الزركشي: فيه تقديم وتأخير لا يستقيم الكلام إلا به؛ أي؛ غيرَ هنيةٍ في أُذنه، وكذا رواه ابن السكن على الصواب؛ أي: غير شيء قليل في أذنه، أسرعَ إليه البلى، فتغير عن حاله. وهُنَيَّة: تصغيرُ هَنَة، وهي كناية عن الشيء الحقير (¬7). قلت: قال السفاقسي في هُنيّة: ضبطه بعضهم بضم الهاء ثم الياء مشددة، تصغير هُنا؛ أي: قريباً، فهذا وجه يستقيم الكلام به، ولا تقديمَ ¬

_ (¬1) في "ع": "الجامع". (¬2) الواو سقطت من "ج". (¬3) في "ج": "الذي". (¬4) في "ج": "عليها". (¬5) في "ج": "أخرجا". (¬6) انظر: "الطبقات الكبرى" (3/ 563). (¬7) انظر: "التنقيح" (1/ 324).

باب: إذا أسلم الصبي فمات، هل يصلى عليه، وهل يعرض على الصبي الإسلام؟

ولا تأخير (¬1)، ثم قال: وضبطه بعضُهم بفتح الهاء والياء (¬2) على حالته. باب: إذا أسلمَ الصَّبيُّ فمات، هل يُصلَّى عليه، وهل يُعرَضُ على الصبيِّ الإسلامُ؟ 791 - (1354) - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عبد الله، عَنْ يُونسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عبد الله: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما- أَخْبَرَهُ: أَنَّ عُمَرَ انْطَلَقَ مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي رَهْطٍ قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ، حَتَّى وَجَدُوهُ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ، عِنْدَ أُطُم بَنِي مَغَالَةَ، وَقَد قَارَبَ ابْنُ صَيَّادٍ الْحُلُمَ، فَلَمْ يَشعر حَتَّى ضَرَبَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ لاِبْنِ صَيَّادٍ: "تَشْهدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ"، فَنَظَرَ إِلَيْهِ ابْنُ صَيَّادٍ، فَقَالَ: أَشْهدُ أَنَّكَ رَسُولُ الأُمِّيِّينَ. فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أتشْهدُ أنّي رَسُولُ اللَّهِ؟ فَرَفَضَهُ، وَقَالَ: "آمَنْتُ باللَّهِ وَبرُسُلِهِ". فَقَالَ لَهُ: "مَاذَا تَرَى؟ "، قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: يَأْتينِي صَادِقٌ وَكاذِبٌ. فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "خُلِّطَ عَلَيْكَ الأَمرُ". ثُمَّ قَالَ لَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي قَدْ خَبَأْتُ لَكَ خَبيئاً"، فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: هُوَ الدُّخُّ، فَقَالَ: "اخْسَأْ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدرَكَ". فَقَالَ عُمَرُ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ. فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنْ يَكُنْهُ، فَلَنْ تُسَلَّطَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْهُ، فَلاَ خَيْرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ". (عند أُطُم): -بضمتين-: بناءٌ من حجارة مرفوعٌ كالقصر، وقيل: هو الحصن، ويجمع على آطام. ¬

_ (¬1) "تأخير" ليست في "ن". (¬2) في "ن" و"ع": "الهاء وبالياء".

(بني مَغالة): -بميم مفتوحة وغين معجمة-: قبيلة. (فرفَضَه): بضاد معجمة. قال السفاقسي: كذا هو في رواية أبي ذر، وأبي الحسن. وقال الزركشي: يروى بالضاد المعجمة، وبالمهملة، رَمَاهُ ونحَاهُ (¬1). وقال الخطابي: إنما هو فَرَصَّه -بصاد مهملة-؛ أي: ضَغَطه، وضمَّ بعضه إلى بعض، ومنه {بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 4] (¬2). وقال الماوردي: أقربُ منه أن يكون فَرَيسَهُ -بالسين-؛ أي: أكله (¬3) (¬4). (يأتيني صادق و (¬5) كاذب): أي: أرى الرؤيا ربما تصدُق، وربما تكذب. (قد خبأتُ لك): أي: في صدري. (خبيئاً): ويروى: "خبيئة (¬6) "؛ أي: لم تَطْلُع لأحد. (هو الدُّخ): -بضم الدال المهملة وفتحها-: الدخان، قيل: أراد بذلك {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10]. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 325). (¬2) انظر: "غريب الحديث" (1/ 634). (¬3) في "ن" و "ع": ركله. (¬4) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 294)، وعنده: "المازري" بدل "الماوردي". (¬5) في "ع": "أو". (¬6) في "ج": "خبيئات".

وقيل: إن الدجال يقتله عيسى -عليه السلام (¬1) - بجبل الدخان، فيحتمل أن يكون أراده (¬2) تعريضاً بقتله؛ لأن (¬3) ابن صياد كان يُظن أنه الدجال. (قال: اخسأْ): بهمزة وصل وآخره همزة ساكنة. (فلن تعدُ): جاء على لغة مَنْ يجزم ب "لن"، وفي رواية: "تعدوَ (¬4) " - بالنصب- على الكثير. قال الزركشي: ويجوز في "يعد" التاء والياء (¬5). (إن يكن (¬6) هو، فلن تُسلَّط عليه): يحتمل أن يكون "هو" تأكيداً للضمير المستكن (¬7) في "يكن"، وهو اسمها، وخبرها محذوفاً، وأن يكون "هو" مبتدأ حُذف خبرُه، والجملةُ خبر "يكن". وفي نسخة: "إن يَكُنْهُ (¬8) "، وهو مما استدلَّ به ابنُ مالك على أن المختار في خبر كانَ الاتصال. قال ابن المنير: وفيه: أن كشفَ العواقب تُغير الأحكام (¬9)؛ ألا ترى ¬

_ (¬1) "عليه السلام" ليست في "ن". (¬2) في "ع": " أزاده". (¬3) في "ج": "لأنه". (¬4) في "ن": "فلن تعدوا". (¬5) انظر: "التنقيح" (1/ 326). (¬6) في "ن": "أن يكون". (¬7) في "ع": "تأكيد للضمير المستتر". (¬8) في "ج": "إن يكنْ هو". (¬9) في "ج": "أحكام".

أنه لو ثبت أنه الدجال، وقد كشفت (¬1) العاقبة في بقائه حتى يفتن من شاء الله؛ لسقطَ عن الناس قتلُه قبلَ ذلك لو (¬2) فعل ما يوجب القتل؛ لأن خلف المعلوم محال، وإذا كشفه الله، لم يكلف بخلافه. * * * 792 - (1355) - وَقَالَ سَالِمٌ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما- يَقُولُ: انْطَلَقَ بَعدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأُبَيُّ بْنُ كعْبٍ، إِلَى النَّخْلِ الَّتِي فِيها ابنُ صَيَّادٍ، وهْوَ يَخْتِلُ أَنْ يَسْمَعَ مِنِ ابْنِ صَيَّادٍ شَيْئاً، قَبْلَ أنْ يَرَاهُ ابنُ صَيَّادٍ، فَرَآهُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وهْوَ مُضْطَجِعٌ -يَعْنِي-: في قَطِيفَةٍ لَهُ فِيها رَمزَةٌ أَوْ زَمرَةٌ، فَرَأَتْ أُمُّ ابْنِ صَيَّادٍ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَهُوَ يَتَّقِي بجُذُوعِ النَّخْلِ، فَقَالَتْ لاِبْنِ صَيَّادٍ: يَا صَافِ! -وَهْوَ اسْمُ ابْنِ صَيَّادٍ- هذَا مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم -، فَثَارَ ابْنُ صَيَّادٍ، فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ تَرَكَتْهُ، بَيَّنَ". وَقَالَ شُعَيْبٌ فِي حَدِيثهِ: فَرَفَصَهُ، رَمْرَمَةٌ أَوْ زَمْزَمَةٌ. وَقَالَ عُقَيْلٌ: رمْرَمَةٌ. وَقَالَ مَعمَرٌ: رَمْزَةٌ. (وهو يخْتِل [أن يسمع من] ابن صياد): -بخاء معجمة ساكنة ومثناة من فوق مكسورة-؛ أي: يغتفله ويراوغه؛ ليأخذه على غفلة، وليسمع حديثه، ويطلع على أمره. (رمْزَة): -براء مفتوحة فميم ساكنة فزاي- فَعْلَة (¬3) من رَمَز كالإشارة. ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "كشف". (¬2) في "ج":"ولو". (¬3) في "ع": "فعله".

(أو زَمْرَة): على وزن الكلمة التي قبلها، لكن الزاي متقدمة؛ من الزمار. (فثار): -آخره راء-؛ أي: وثبَ. ويروى: "فثاب" بموحدة آخره. (زمزمة): -بزاي فميم فزاي فميم (¬1) -؛ أي: صوت خَفِيّ، وكذا هي بالراء أيضاً. (فرضَّه): -بالضاد المعجمة-؛ أي: ضَغَطه. 793 - (1356) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ -وَهْوَ ابْنُ زَيْدٍ-؛ عَنْ ثَابتٍ، عَنْ أَنسٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: كَانَ غُلاَمٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَمَرِضَ، فَأتاه النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُه، فَقَعَدَ عِمدَ رَأْسهِ، فَقَالَ لَهُ: "أَسلم"، فَنظَرَ إِلَى أَبيهِ وَهْوَ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَطِع أَبَا القَاسِم - صلى الله عليه وسلم -، فَأَسلَمَ، فَخَرَجَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهوَ يَقُولُ: "الْحَمدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ". (كان غلام يهودي يخدم النبي - صلى الله عليه وسلم -): قال ابن بشكوال (¬2): اسمُه عبدُ القُدُّوس (¬3). (أَسْلِم): فعلُ أمرٍ من الإسلام. ¬

_ (¬1) "فميم" ليست في "ع". (¬2) في "ج": "ابن المنير: بشكوال". (¬3) انظر: "غوامض الأسماء المبهمة" (2/ 646).

794 - (1358) - حَدَّئَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، قَالَ ابْنُ شِهابٍ: يُصَلَّى عَلَى كُلِّ مَوْلُودٍ مُتَوَفًّى وَإِنْ كانَ لِغَيَّةٍ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِطْرَةِ الإسْلاَمِ، يَدَّعِي أَبَوَاهُ الإسْلاَمَ، أَوْ أَبُوهُ خَاصَّةً، وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ عَلَى غَيْرِ الإسْلاَمِ، إِذَا اسْتهلَّ صَارِخاً، صُلِّيَ عَلَيْهِ، وَلاَ يُصَلَّى عَلَى مَنْ لَا يَسْتَهِلُّ؛ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سِقْطٌ، فَإنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ- كانَ يُحَدِّثُ: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهوِّدانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمعَاءَ، هلْ تُحِسُّونَ فِيها مِنْ جَدعَاءَ؟ ". ثمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30]. (وإن كان لِغَية): -بلام مكسورة فغين معجمة مفتوحة-، أي (¬1): لغير رِشْدَةٍ. وحكى ابنُ دُريد كسر الغين أيضاً (¬2). (كما تُنتَج): -بضم أوله وفتح ثالثه- على صيغة المجهول. (بهيمةً جمعاء (¬3)): أي: كاملةَ الأعضاء سليمةً من العيوب، و"بهيمةً" منصوبٌ على أنه مفعول تُنتج؛ لأنه بمعنى تلد، غير أنهم بنوه على صيغة ما لم يُسم فاعلُه، و"جمعاءَ" نعتٌ لها. (هل تُحِسُّون): -بضم أوله وكسر ثانيه-؛ أي: تُبصرون، وبفتح أوله وضم ثانيه، يقال: حَسَّ وأَحَسَّ، وهو أكثر. ¬

_ (¬1) "أي" ليست في "ن". (¬2) انظر: "جمهرة اللغة" (2/ 962). وانظر: "التنقيح" (1/ 326). (¬3) "جمعاء" ليست في "ج".

باب: إذا قال المشرك عند الموت: لا إله إلا الله

(من جَدعاء): -ممدود بجيم مفتوحة وقال مهملة ساكنة-؛ أي: مقطوعة الأطراف. ضربَ الجمعاءَ والجدعاءَ مثلاً؛ يعني: أن البهيمة تولد مجتمعةَ الخلق، سليمة من الجدع (¬1)، ولولا تعرُّضُ الإنسان إليها، لبقيت كما وُلدت سليمة، كذلك المولودُ يولد على نوع من الجِبلَّة، وهي (¬2) الفطرة، وتهيئه لقبول الحىّ طبعاً، ولو خَلَّتْه شياطينُ الإنس والجن وما يختارُ، لم يخترْ غيرها. باب: إذا قال المشركُ عند الموت: لا إله إلا الله 795 - (1360) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبي، عَنْ صَالحٍ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّب، عَنْ أَبيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ، جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، وَعبد الله بْنَ أَبي أُمَيَّة بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَبي طَالِبٍ: "يَا عَمِّ! قُلْ: لَا إِلَة إِلَّا اللَّهُ، كَلِمَةً أَشْهدُ لَكَ بها عِنْدَ اللهِ". فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ، وَعبد الله بْنُ أَبي أميّة: يَا أَبَا طَالِبٍ! أترْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِب؟ فَلَم يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعرِضها عَلَيْهِ، وَيَعُودانِ بتِلْكَ الْمَقَالَةِ، حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهم: هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِب. وَأَبَى أَنْ يَقُولَ: لَا إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ¬

_ (¬1) في "ع": "الجذع". (¬2) في "ن": يعني: "الفطرة".

باب: الجريدة على القبر

"أَمَا وَاللَّهِ! لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: {مَا كَانَ لِلنبىِّ} [التوبة: 113]. (أي (¬1) عم!): "أي" حرفُ نداء، وهل هو [لنداء البعيد أو للقريب (¬2) أو للتوسط (¬3)؟ أقوال: وهو هنا لنداء] (¬4) القريب، فافهم، و"عم" منادى مضاف. (كلمةً أشهدُ لك بها): "أشهد" مرفوع، والجملة في محل نصب على أنها صفة كلمةَ. (حتى قال أبو طالب آخرَ ما كلَّمَهُم): نصب على الظرف؛ أي: آخرَ (¬5) أزمنةِ تكليمِه (¬6) إياهم. باب: الْجَرِيدةُ عَلَى الْقَبْرِ وَأَوْصَى بُرَيْدَةُ الأَسْلَمِيُّ أَنْ يُجْعَلَ فِي قَبْرِهِ جَرِيدَانِ. وَرَأَى ابْنُ عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما- فُسْطَاطاً عَلَى قَبْرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ: انزعهُ يَا غُلاَمُ، ¬

_ (¬1) كذا: في رواية أبي ذر الهروي وأبي الوقت، وفي اليونينية: "يا"، وهي المعتمدة في النص. (¬2) في "ن": "القريب". (¬3) في "ن": "المتوسط". (¬4) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬5) في "ن" و "ع": "في آخر". (¬6) في "ع": "كلامه".

فَإِنَّمَا يُظِلُّهُ عَمَلُهُ. وَقَالَ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ: رَأَيْتُنِي وَنَحنُ شبَّانٌ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-، وَإِنَّ أَشَدَّنَا وَثْبةً الَّذِي يَثِبُ قَبْرَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، حَتَّى يُجَاوِزَهُ. وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ حَكِيم: أَخَذَ بيَدِي خَارِجَةُ، فَأَجْلَسَنِي عَلَى قَبْرٍ، وَأَخْبَرَنِي عَنْ عَمِّهِ يَزِيدَ بْنِ ثَابتٍ، قَالَ: إِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ لِمَنْ أَحدَثَ عَلَيْهِ. وَقَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما- يَجْلِسُ عَلَى الْقُبُورِ. (باب: الجريدة على القبر): ساق فيه قضيةَ الفسطاط، وعلوَّ قبر عثمان بن مظعون، وقضية الجلوس على القبر، وليس في ذلك للجريد ذكر. قال ابن المنير: أراد البخاري أن يدل على أن وضع الجريد خاصُّ المنفعةِ بما فعله الرسولُ ببركته الخاصةِ به، والذي ينتفع به أصحابُ القبور على العموم (¬1) إنما (¬2) هي الأعمالُ الصالحة، وذكر (¬3) قضية الفسطاط (¬4)؛ لقول ابن عمر: "إنما يُظلُّه عملُه"، وذكر علوَّ قبر ابن مظعون، وأن علوَّ بنائه لا يضره حيث نفعه عملُه، وذكر (¬5) الجلوسَ على القبر، وأنه لا يضرُّ بصورته، وإنما يضرُّ بمعناه إن تكلم القاعدون عليه بما يضرُّ، فدل ذلك على أن الأعمالَ هي المعتبرةُ، لا الصورةُ. ¬

_ (¬1) "على العموم" ليست في "ع" و"ج". (¬2) في "ن": "وإنما". (¬3) في "ن": "ذكر". (¬4) في "ع": "الفسطال". (¬5) في "م"و "ج": "فذكر".

(ورأى (¬1) ابن عمر فُسطاطا) -بضم الفاء وكسرها وبالطاء، وبالتاء (¬2) المثناة من فوق (¬3) مكان الطاء، وبالسين مشددة من غير طاء ولا تاء-: هو الخباء ونحوه، وأصلُه عمود (¬4) الخباء الذي يقوم عليه. 796 - (1361) - حَدَّثَنَا يحيَى، حَدَّثَنَا اُبو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ مُجاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضيَ اللهُ عَنْهُمَا-، عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ مَرَّ بقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ، فَقَالَ: "إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كبيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا، فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ، فَكَانَ يَمشِي بالنمِيمَةِ". ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً، فَشَقّها بنِصْفَيْنِ، ثُمَّ غَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لِمَ صَنَعتَ هذَا؟ فَقَالَ: "لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا". (فشقها بنصفين): قال الزركشي: دخلت الباء على المفعول زائدة (¬5). قلت: لا نسلم شيئاً من ذلك، أما دعواه أن (¬6) نصفين مفعولٌ، فلأن ¬

_ (¬1) في "ع": "وروي". (¬2) في "م" و"ج": "وبالتاء". (¬3) في "م" "ج": "من تحت". (¬4) في "ج": "عامود". (¬5) انظر: "التنقيح" (1/ 327). (¬6) في "ج": "من".

باب: موعظة المحدث عند القبر، وقعود أصحابه حوله

شَقَّ إنما يتعدَّى لمفعول واحد، وقد أخذه، وليس هذا [بدلًا منه، وأما (¬1) دعوى الزيادة، فعلى خلاف الأصل، وليس هذا] (¬2) من محال زيادتها (¬3). فإن قلت: فعلى ماذا يخرجه (¬4)؟ قلت: اجعل الباء للمصاحبة، وهي ومدخولها ظرف مستقر (¬5) منصوبُ المحل على الحال (¬6)؛ أي: فشقها ملتبسة بنصفين (¬7)، ولا مانع من أن يجتمع الشق وكونُها ذاتَ نصفين في حال واحدة، وليس المراد: أن (¬8) انقسامها إلى نصفين كان ثابتاً قبل الشق، وإنما هو معه وبسببه، ومنه قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ} [النحل: 12]،. باب: مَوْعِظَةِ الْمُحَدِّثِ عِنْدَ الْقَبْرِ، وَقُعُودِ أَصْحَابهِ حَوْلَهُ {يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ} [القمر: 7]: الأَجْدَاثُ: الْقُبُورُ. {بُعْثرَتْ} [الانفطار: 4]: أُثِيرَتْ، بَعْثَرْتُ حَوْضي؛ أَيْ: جَعَلْتُ أَسْفَلَهُ أعلاَهُ. الإيفَاضُ: الإسْرَاعُ. ¬

_ (¬1) في "ن": "وإنما". (¬2) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬3) في "ج": "زياداتها". (¬4) في "ن": "تخريجه". (¬5) في "ع": "مستتر". (¬6) "على الحال" ليست في "ج". (¬7) في "ع" و"ج": "متلبسة بنصفين". (¬8) "أن" ليست في "ع".

وَقَرأ الأَعمَشُ: {إلىَ نُصبٍ} [المعارج: 43]: إِلَى شَيْءَ مَنْصُوبٍ يَسْتَبقُونَ إِلَيْهِ، وَالنّصبُ وَاحِدٌ، وَالنَّصْبُ مَصدرٌ. يومَ الخروجِ مِنَ الْقُبُورِ {يَنْسِلُونَ} [يس: 51]: يَخْرُجُونَ. (باب: موعظة المحدث عند القبر، وقعود أصحابه حوله): قال ابن المنير: لو فطن أهلُ مصرَ لترجمة البخاري، لقرت أعينُهم بما يتعاطونه من جلوس الوُعَّاظ في المقابر، وهو حسن إن لم تخالطه مفسدة. 797 - (1362) - حدثنا عثْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَرِيرٌ، عنْ مَنْصُورٍ، عنْ سَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبي عَبْدِ الرَّحْمنِ، عنْ عَلِى -رَضيَّ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: كنَّا في جَنازةٍ في بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، فَأتانَا النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَعَدَ وَقَعَدنَا حَوْلَهُ، وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ، فَنَكَّسَ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ بمِخْصَرَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، مَا مِنْ نفسٍ مَنْفُوسَةٍ، إِلاَّ كُتِبَ مَكَانها مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَإِلاَّ قَدْ كتِبَ شقِيةً أَوْ سَعِيدَةً". فَقَالَ رَجُل: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أفلاَ نتَّكِلُ عَلَى كِتَابنَا وَنَدَع الْعَمَلَ، فَمَنْ كانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ، فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا مَنْ كانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ، فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ؟ قَالَ: "أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ، فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ؟ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ الشَّقَاوَةِ". ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} [الليل: 5] (في بقيع الغرقد): -بباء موحدة-، وهو مدفن أهل المدينة، والغرقد: شجر العَوْسَج. (ينكت): -بمثناة-؛ أي: يضرب الأرض.

باب: ما جاء في قاتل النفس

(بمِخصرته): -بميم مكسورة- ما اختصره الإنسان بيده فأمسكه من عصا، أو غيره، أو غير ذلك. (ما من نفس منفوسة): أي: مصنوعة مخلوقة. (وإلا قد كتب شقيةٌ أو سعيدةٌ): -بالرفع-؛ أي: هي شقيةٌ أو سعيدة، ويروى بنصبهما، ويظهر أنه على الحال، وإلا قد كتبت هو؛ أي: حالها شقية أو سعيدة. باب: مَا جَاءَ فِي قَاتِلِ النَّفْسِ (باب: ما جاء في قاتل النفس): ترجم على هذا ترجمة مبهمةً على عادته فيما يتوقف فيه، وذكر حجج القول الذي يميل إليه في وَقفته (¬1)؛ كأنه ينبه على طرق الاجتهاد، ونَفَسُ البخاري (¬2) يظهر منه (¬3) الميلُ إلى مذهب ابن عباس في المسألة. 798 - (1364) - وَقَالَ حَجَّاجُ بْنُ مِنْهالٍ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازمٍ، عَنِ الْحَسَنِ: حَدَّثَنَا جُنْدَبٌ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ- فِي هذَا الْمَسْجدِ، فَمَا نسَينَا، وَمَا نَخَافُ أَنْ يَكْذِبَ جُنْدَبٌ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "كانَ برَجُلٍ جِراحٌ قَتَلَ نَفْسَهُ، فقال اللهُ: بَدَرَني عَبْدِي بنَفْسِهِ، حَرَّمتُ عليه الجَنَّةَ". ¬

_ (¬1) في "ع": "وقعته". (¬2) في "ن": "رحمه الله". (¬3) في "ع": "يظهر له".

(كان برجل جراح): -أوله جيم- جمع جُرح (¬1)، ويروى بخاء معجمة وآخره جيم والراء مخففة، وهو ما يخرج من البدن من بَثْرَة وغيرها. وقال النووي: إنه قُرحة، وهي واحدةُ القروح: حبات تخرج في بدن الإنسان (¬2). (بدرني عبدي (¬3))؛ أي: لم يصبر حتى أقبضَ روحه، بل استعجلَ، وأراد أن يموت قبلَ الأجل، كذا قال الزركشي (¬4)، وسيأتي فيه كلام (¬5). 799 - (1365) - حَدَّثَنَا أبو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيب، حدّثنا أَبُو الزِّنادِ، عنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الَّذِي يَخْنُقُ نفسَهُ يَخْنُقُها في النَّارِ، وَالَّذِي يَطْعُنُها يَطْعُنُها فِي النَّارِ". (يخنق (¬6) نفسه) بنون مضمومة. (يطعُنها): بضم العين المهملة. ¬

_ (¬1) في "ج": "جريح". (¬2) انظر: "شرح مسلم" (2/ 124). (¬3) "عبدي" ليست في "ع". (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 328). (¬5) في "ج": "الكلام". (¬6) في جميع النسخ عدا "ن": "يفنو".

باب: ما يكره من الصلاة على المنافقين، والاستغفار للمشركين

باب: ما يُكرهُ من الصَّلاةِ على المنافقينَ، والاستغفارِ للمشركين 800 - (1366) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ عبيد الله بْنِ عبد الله، عَنِ ابْنِ عَبَّاس، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّاب -رَضيَ اللهُ عَنْهُم-: أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا مَاتَ عبد الله بْنُ أُبَيِّ ابْنُ سَلُولَ، دُعِيَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ليُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَثَبْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أتصَلِّي عَلَى ابْنِ أُبَيٍّ، وَقَد قَالَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا: كَذَا وَكَذَا؟ أُعَدِّدُ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَالَ: "أَخِّرْ عَنِّي يَا عُمَر". فَلَمَّا أكثَرْتُ عَلَيْهِ، قَالَ: "إِنِّي خُيِّرْتُ فَاخْتَرْتُ، لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي إِنْ زِدتُ عَلَى السَّبْعِينَ فَغُفِرَ لَهُ، لَزِدْتُ عَلَيْها". قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَلَمْ يَمكُثْ إِلاَّ يَسِيراً حَتَّى نَزَلَتِ الآيَتَانِ مِنْ بَرَاءةٌ: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} إِلَى {وهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: 84]. قَالَ: فَعَجِبْتُ بَعْدُ مِنْ جرأَتِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَئِذٍ، وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. (لما مات عبد الله بنُ أُبيِّ ابنُ سلولَ): سلولُ هي أم عبد الله، لا ينصرف للعلمية والتأنيث، وعلى هذا، فابن سلولَ صفةٌ لعبد الله، لا لأبي، فابنُ مرفوع، ويكتب بالألف، وأُبيٌّ منَوَّن، وهو من التنبيه عليه. قال الزركشي: وابنُ سلولَ بدلٌ من ابن أبي (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 328).

باب: ثناء الناس على الميت

باب: ثناءَ الناسِ على الميِّتِ 801 - (1368) - حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا داوُدُ بْنُ أَبي الْفُرَاتِ، عَنْ عبد الله بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبي الأَسْوَدِ، قَالَ: قَدِمتُ الْمَدِينَةَ، وَقَد وَقَعَ بها مَرَضٌ، فَجَلَسْتُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّاب -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-، فَمَرَّتْ بهِمْ جَنَازةٌ، فَأُثْنِيَ عَلَى صَاحِبها خَيْراً، فَقَالَ عُمَرُ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-: وَجَبَتْ، ثمَّ مُرَّ بأُخْرَى، فَأُثْنِيَ عَلَى صَاحِبها خَيْراً، فَقَالَ عُمَرُ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-: وَجَبَتْ. ثُمَّ مُرَّ بالثَّالِثَةِ، فَأُثْنِيَ عَلَى صَاحِبها شَرًّا، فَقَالَ: وَجَبَتْ. فَقَالَ أَبُو الأَسْوَدِ: فَقُلْتُ: وَمَا وَجَبَتْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: قُلْتُ كَمَا قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أيُّمَا مُسْلِمِ شَهِدَ لَهُ أَرْبَعَة بخَيْرٍ، أَدخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ". فَقُلْنَا: وَثَلاَتةٌ، قَالَ: "وَثَلَاثَة". فَقُلْنَا: وَاثْنَانِ، قَالَ: "وَاثْنَانِ". ثمَّ لَمْ نسأَلْهُ عَنِ الْوَاحِدِ. (فأُثني على صاحبها خيراً): (أُثني) مبني للمفعول، و (على صاحبها) نائبٌ عن الفاعل. قال النووي: ونُصب خيراً (¬1) على إسقاط الجار؛ أي: فأُثني بخير (¬2). قلت: أَولى منه أن يكون "خيراً" مفعولاً لمحذوف؛ أي: فقال المُثْنون خيراً. واعلم أن البخاري ذكر "وجبت" مرةً واحدة من حديث شعبة عن عبد العزيز (¬3)، ورواه مسلم من جهة ابن عُلَيَّة عن عبد العزيز ثلاثَ مرات (¬4). ¬

_ (¬1) في "ع": "خير". (¬2) انظر: "شرح مسلم" (7/ 19). (¬3) رواه البخاري (1367) عن أنس بن مالك رضي الله عنه. (¬4) رواه مسلم (949) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

باب: ما جاء في عذاب القبر

باب: ما جاء في عذاب القبرِ 802 - (1375) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عبد الله، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِبمَ، حَدَّثَنِي أَبي، عَنْ صَالحٍ، حَدَّثَنِي نَافِع: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما- أَخْبَرَهُ، قَالَ: اطَّلَعَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أَهْلِ الْقَلِيب، فَقَالَ: "وَجَدتمْ مَا وَعَدَ رَبّكمْ حَقًّا؟ "، فَقِيلَ لَهُ: تدعُو أَموَاتاً؟! فَقَالَ: "مَا أَنْتم بأَسْمَعَ مِنْهُم، وَلَكِنْ لَا يُجيبُونَ". (ما أنتم بأسمعَ منهم، ولكن لا يجيبون): الزركشي: ذكر البخاري في غزوة بدر بعدَ هذا: "قال قتادة: أحياهم الله حتى أسمعَهم توبيخًا ونقمةً" (¬1)، وعلى هذا التأويل جمهورُ الأمة، وليس في قول عائشة (¬2) ما يعارض روايةَ ابنِ عمر؛ لإمكان أنه قال في قتلى بدر القولين جميعًا، ولم تحفظ عائشة إلا أحدهما، وحفظ غيرُها سماعهم بعد إحيائهم، وقد كثرت الأحاديثُ في عذاب القبر حتى قال غيرُ ما واحدٍ: إنها متواترة، لا يصحُّ عليها (¬3) التواطؤ، وإن لم يصحَّ مثلُها لم يصح شيء من أمر الدين. قال أبو عثمان الحداد: وليس في قوله تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدخان: 56] ما يعارضُ ما ثبت من عذاب القبر؛ لأن الله تعالى أخبره بحياة الشهداء قبل يوم القيامة، وليست مرادة بقوله (¬4) ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3976) عن أنس بن مالك رضي الله عنه. (¬2) في "ع" زيادة: "رضي الله عنها". (¬3) في "ج": "عليه". (¬4) في "ن": "لقوله".

تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدخان: 56]، فكذا حياة المقبور قبل الحشر (¬1). قال ابن المنير: وأشكل ما في القضية أنه (¬2) إذا ثبتت (¬3) حياتهم، لزمَ أن يثبتَ موتُهم بعد هذه الحياة؛ ليجتمع الخلقُ كلُّهم في الموت عند قوله تعالى: {لِمَنِ المُلْكُ اليَومَ} [غافر: 16]، فيلزم (¬4) تعدد الموت، وقد قال تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدخان: 56]. والجواب الواضحُ عندي: أن معنى قوله: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ} [الدخان: 56]؛ أي: ألمَ الموت، فيكون الموت الذي يعقب الحياة الآخرة بعد الموت الأول لا يُذاق ألمه أَلبتة. ويجوز ذلك في حكم التقدير (¬5) بلا إشكال، وما وضعت العرب اسمَ الموتِ إلا للمؤلم على ما فهموه، لا باعتبار كونه ضداً للحياة (¬6)، فعلى هذا يخلق الله لتلك الحياة الثانية ضداً يُعدمها به (¬7)، لا يُسمى (¬8) ذلك الضد موتاً، وإن كان للحياة ضدًّا؛ جمعاً بين الأدلة العقلية والنقلية واللغوية. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 329). (¬2) في "ع": "لأنه". (¬3) في "ع": "ثبت". (¬4) في "م" و"ج": "يلزم". (¬5) في "ن": "القدير". (¬6) في "ع": "ضد الحياة". (¬7) "به" ليست في "ن" و"ع". (¬8) في "م" "ج": "يتميز".

باب: عذاب القبر من الغيبة والبول

باب: عَذَاب الْقَبْرِ مِنَ الْغِيبَةِ وَالْبَوْلِ (باب: عذاب القبر من الغيبة والبول): قال الزركشي: ليس في الحديث إلا النميمة، فكأنه (¬1) يشير إلى أنها أختُها (¬2)، أو إلى أنه قد ورد كذلك، لكن ليس على شرطه، وقد ذكره الطبراني (¬3) (¬4). باب: ما قِيلَ في أولادِ المُسْلِمِينَ قال أبو هُرَيْرَةَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-، عنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ ماتَ لَهُ ثَلاثة مِنَ الوَلَدِ، لَمْ يَبْلُغُوا الحِنْثَ، كان لَهُ حِجاباً مِنَ النَّارِ، أَوْ دَخَلَ الجَنَّةَ". (من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث كان له حجاباً من النار): اسم "كان" ضمير يعود على (¬5) الموتِ المفهومِ مما تقدم؛ أي: كان موتُهم له حجاباً. 803 - (1382) - حَدَّثَنَا أبو الْوَليدِ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابتٍ: أَنَّهُ سَمِعَ الْبَرَاءَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ لَهُ مُرْضعاً فِي الْجَنَّةِ". ¬

_ (¬1) في "ن" و"ع": "وكأنَّه". (¬2) في "ج": "اجتهاد". (¬3) رواه الطبراني في "الأوسط" (3747)، وابن ماجه (349)، وغيرهما عن أبي بكرة - رضي الله عنه-. (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 330). (¬5) في "ن": "إلى".

باب: ما قيل في أولاد المشركين

(إن له مُرضعاً في الجنة): بضم الميم. وفي "مسند الفريابي": أَنَّ خديجةَ -رضي الله عنها (¬1) - دخلَ عليها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بعد موتِ القاسمِ وهي تبكي، فقالت: يا رسولَ الله! دَرَّتْ لُبَيْنَةُ القاسمِ، فلو كان عاشَ حتى يستكملَ الرضاعَة (¬2)، لهوّنَ عليَّ، فقال: "إِنَّ لَهُ مرْضعاً في الجَنَّةِ يَسْتَكْمِلُ رَضَاعَتَهُ"، فقالت: لو أعلمُ ذلك، لهوِّنَ عليَّ، فقال: "إِنْ شِئْتِ أَسْمعْتُكِ صَوْتَهُ في الجَنَّةِ"، فقالت: بل أصدِّق الله ورسوله. قال السهيلي: وهذا من فقهها -رضي الله عنها-، كرهت أن تؤمن بهذا الأمر مُعاينة، فلا يكون لها أجرُ الإيمان بالغيب (¬3). باب: ما قيل في أولادِ المشركينَ 804 - (1383) - حَدَّثَنَا حِبَّانُ، أَخْبَرَنَا عبد الله، أَخْبَرَنَا شُعبَةُ، عَنْ أَبي بشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُم-، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَوْلاَدِ الْمُشْرِكينَ، فَقَالَ: "اللَّهُ -إِذْ خَلَقَهم- أَعلَمُ بمَا كَانُوا عَامِلِينَ". (فقال: اللهُ -إذْ خلقهم- أعلمُ بما كانوا عاملين): المختار من الخلاف في أطفال المشركين أنهم من أهل الجنة؛ لأنهم وُلدوا على ¬

_ (¬1) "رضي الله عنها" ليست في "ن". (¬2) في "ع": "أو رضاعته". (¬3) انظر: "الروض الأنف" (1/ 327).

باب

الفطرة، ومعنى: "الله أعلم بما كانوا عاملين": أنه علم أنهم لا يعملون ما يقتضي تعذيبَهم ضرورةَ أنهم غيرُ مكلفين. فإن قلت: بماذا يتعلق إذ من قوله: "إذ خلقهم"؟ قلت: بمحذوف؛ أي: علم ذلك إذ خلقهم، والجملة معترضة بين المبتدأ والخبر، ولا يصح تعلقها بأفعلِ التفضيل؛ لتقدمها عليه، وقد يقال بجوازه مع التقدم؛ لأنه ظرف، فيتسع فيه. 805 - (1384) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ يزِيدَ اللَّيْثِيُّ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُولُ: سُئِلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَن ذَرَارِيِّ الْمُشْرِكينَ، فَقَالَ: "اللَّهُ أَعْلَمُ بمَا كانوُا عَامِلِينَ". (ذراريِّ المشركين): أي: أولادهم الذين (¬1) لم يبلغوا الحلم، وهو بذال معجمة وياء مشددة: جمعُ ذُريَّة. باب 806 - (1386) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُندَبٍ، قَالَ: كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا صَلَّى صَلاَةً، أَقْبَلَ عَلَيْنَا بوَجْهِهِ، فَقَالَ: "مَنْ رَأَى مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ رُؤيا؟ ". قَالَ: ¬

_ (¬1) "الذين" ليست في "ع".

فَإِنْ رَأَى أَحَدٌ، قَصَّهَا، فَيَقُولُ: "مَا شَاءَ اللَّهُ". فَسَأَلنا يَوْماً، فَقَالَ: "هلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا؟ ". قُلْنَا: لَا، قَالَ: "لَكِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أتيَانِي فَأَخَذَا بيَدِي، فَأَخْرَجَانِي إِلَى الأَرْض الْمُقَدَّسَةِ، فَإِذَا رَجُل جَالِسٌ، وَرَجُل قَائِمٌ بيَدِهِ كَلُّوب مِنْ حَدِيدٍ". قَالَ بَعْضُ أَصحَابنَا عَنْ مُوسَى: "إِنَّهُ يُدخِلُ ذَلِكَ الْكَلُّوبَ فِي شِدقِهِ حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ بشِدقِهِ الآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَيَلْتَئِمُ شِدقُهُ هذَا، فَيَعُودُ فَيَصْنعُ مِثْلَهُ. قُلْتُ: مَا هذَا؟ قَالاَ: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا، حَتَّى أتيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجعٍ عَلَى قَفَاهُ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ بفِهْرٍ، أَوْ صَخْرَةٍ، فَيَشْدَخُ بهِ رَأْسَهِ، فَإِذَا ضَرَبَهُ، تَدَهْدَه الْحَجَرُ، فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ لِيَأْخُذَهُ، فَلاَ يرْجِعُ إِلَى هذَا حَتَّى يَلْتَئِمَ رَأْسُهُ، وَعَادَ رَأْسُهُ كمَا هُوَ، فَعَادَ إِلَيْهِ فَضَرَبَهُ، قُلْتُ: مَنْ هذَا؟ قَالاَ: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا إِلَى ثَقْبٍ مِثْلِ التَّنُّورِ، أَعْلاَهُ ضَيِّق، وَأَسْفَلُهُ وَاسع، يتَوَقَّدُ تَحتَهُ نَاراً، فَإِذَا اقْتَرَبَ، ازتَفَعُوا حَتَّى كَادَ أَنْ يَخْرُجُوا، فَإِذَا خَمَدَتْ، رَجَعُوا فِيها، وَفِيهَا رِجَالٌ وَنسَاءٌ عُرَاةٌ، فَقُلْتُ: مَنْ هذَا؟ قَالاَ: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا، حَتَّى أتيْنَا عَلَى نهرٍ مِنْ دَمٍ فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ، عَلَى وَسَطِ النَّهرِ رَجلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ، فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهرِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، رَمَى الرَّجُلُ بحَجَرٍ فِي فِيهِ، فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ، فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ، رَمَى فِي فِيهِ بحَجَرٍ، فَيَرْجِعُ كمَا كَانَ، فَقُلْتُ: مَا هذَا؟ قَالاَ: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا، حَتَّى انْتَهيْنَا إِلَى رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ، فِيها شَجَرَةٌ عَظِيمَة، وَفِي أَصلها شَيخٌ وَصِبْيَانٌ، وَإذَا رَجُل قَرِيب مِنَ الشَّجَرَةِ، بَيْنَ يَدَيْهِ نَارٌ يُوقدُها، فَصَعِدَا بي فِي الشَّجَرَةِ، وَأَدخَلاَنِي داراً، لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْها، فِيها رِجَالٌ شُيُوخٌ، وَشَبَابٌ وَنسَاء وَصِبْيَانٌ، ثُمَّ أَخْرَجَانِي مِنْها، فَصَعِدَا بي الشَّجَرَةَ، فَأدخَلاَنِي داراً، هِيَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ، فِيها شُيُوخٌ وَشَبَابٌ، قُلْتُ: طَوَّفْتُمَانِي اللَّيْلَةَ، فَأَخْبرَانِي عَمَّا

رَأَيْتُ. قَالاَ: نَعم، أَمَّا الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدقُهُ، فَكَذَّابٌ، يُحَدِّثُ بالْكَذْبَةِ، فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الآفَاقَ، فَيُصْنَعُ بهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَالَّذِي رَأَيْتَهُ يُشْدَخ رَأْسُهُ، فَرَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقرْآنَ، فَنَامَ عَنْهُ باللَّيْلِ، وَلَم يَعْمَلْ فِيهِ بالنَّهارِ، يُفْعَلُ بهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَالَّذِي رَأَيْتَهُ فِي الثَّقْب، فَهُمُ الزُّنَاةُ، وَالَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهرِ آكلُو الرِّبَا، وَالشَّيْخُ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-، وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهُ فَأَوْلاَدُ النَّاسِ، وَالَّذِي يُوقدُ النَّارَ مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ، وَالدَّارُ الأُولَى الَّتِي دَخَلْتَ دارُ عَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَمَّا هذه الدَّارُ، فَدَارُ الشُّهدَاءَ، وَأَنَا جِبْرِيلُ، وَهذَا مِيكَائِيلُ، فَارفَع رَأْسَكَ، فَرَفَعتُ رَأْسِي، فَإِذَا فَوْقي مِثْلُ السَّحَاب، قَالاَ: ذَاكَ مَنْزِلُكَ، قُلْتُ: دَعَانِي أَدخُلْ مَنْزِلي، قَالاَ: إِنَّهُ بقِيَ لَكَ عُمرٌ لَمْ تَسْتكْمِلْهُ، فَلَوِ اسْتكْمَلْتَ، أتيْتَ مَنْزِلَكَ". (فإذا رجل جالس): برفع "جالس"، ويجوز نصبه، وقد مر له نظائر. (كَلُّوب من حديد): بفتح الكاف وتشديد اللام، قال الجوهري: هو المِنْشال (¬1) ذلك الكُلاَّب، والجمعُ الكلاليب (¬2). وقال ابن بطال: الكَلُّوب: خشبة في رأسها عُقافة (¬3). قلت: لا يتأتى تفسيرُ ما في الحديث بهذا (¬4)؛ لتصريحه فيه بأنه من حديد ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: "المنشار"، والصواب ما أثبت. (¬2) انظر: "الصحاح" (1/ 214)، (مادة: كلب). (¬3) انظر: "شرح ابن بطال" (3/ 374). (¬4) في "ع": "هذا".

(في شِدقه): بكسر الشين المعجمة وإسكان الدال المهملة. (بفِهْر): -بكسر الفاء وإسكان الهاء-: هو الحجر ملء الكف. (فيشدخ به رأسه): أي: يكسر (¬1). قال الجوهري: الشَّدْخُ: كسرُ الشيءِ الأجوفِ، تقول (¬2): شَدَخْتُ رأسهُ فَانْشَدخَ (¬3). ويَشدَخ (¬4): بفتح الياء (¬5) والدال. (تَدَهْدَة الحجرُ): أي: تدحرج. (إلى نَقْب (¬6)): -بنون مفتوحة فقاف ساكنة-: مثل الحفيرة. (يتوقد تحتُه ناراً): رأيته في نسخة -بضم التاء (¬7) الثانية (¬8) من "تحته" (¬9)، وصحح عليها، وكان هذا (¬10) بناء على أن "تحته" فاعل "تتوقد"، ¬

_ (¬1) في "ن" و"ع": "يكسره". (¬2) في "ج": "يقال". (¬3) انظر: "الصحاح" (1/ 424)، (مادة: شدخ). (¬4) "ويشدخ" ليست في "ج". (¬5) في "ع": "التاء". (¬6) كذا في رواية الكشميهني وأبي ذر، وفي اليونينية: "إلى ثقب"، وهي المعتمدة في النص. (¬7) في "ن": "بضمة على التاء". (¬8) في "ع" و"ج": "والثانية". (¬9) في "ع": "من تحت". (¬10) في "ج": "عليها وهذا".

ونصوصُ أهل العربية تأباه؛ فقد صرحوا بأن فوق وتحت من الظروف المكانية العادمة (¬1) للتصرف، فينبغي تحريرُ الرواية في ذلك. وكلام ابن مالك صريحٌ في أن "تحته" منصوب لا مرفوع، وذلك (¬2) لأنه قال (¬3): نُصب (¬4) "ناراً" على التمييز، وأسند "يتوقد" إلى ضمير عائد إلى النقب، والأصل: "تتوقد نارُه تحتَه". قال (¬5): ويجوز أن يكون فاعل "تتوقد" موصولاً بتحته، فحذف، وبقيت صلته دالة عليه؛ لوضوح المعنى، والتقدير: يتوقد (¬6) الذي تحته، أو ما تحتَه ناراً، وهو مذهب الكوفيين والأخفش، واستصوبه (¬7) ابنُ مالك، واستدل عليه بأمور قدرها في "التوضيح" وغيره، فلينظر هناك (¬8). (فإذا فترت): كذا وقع في رواية الشيخ أبي الحسن؛ من الفتور، وهو الانكسار والضعف، واستشكل بأن بعده: "فإذا خمدت، رجعوا"، ومعنى الفتور والخمود (¬9) واحد، ولأبي ذر: "أَفترت" بهمزة قطع وفاء. قال ابن المنير: وصوابه: قَتَرت، بالقاف. ¬

_ (¬1) في "ع": "العادة". (¬2) "وذلك" ليست في "ع". (¬3) "قال" ليست في "ع". (¬4) في "ن": "قد نصب". (¬5) "قال" ليست في "ع". (¬6) "يتوقد" ليست في "ع". (¬7) في "ج": "واستصوابه". (¬8) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 75). (¬9) في "ن": "الخمود والفتور".

قال السفاقسي: ومعناه: التهبت، وارتفع فُوارُها (¬1)؛ لأن القَتَرَ: الغبار. (فإذا خَمَدت): -بفتح الخاء المعجمة والميم- تَخْمُد -بضمها- خُموداً: سَكن لهبها، ولم يطفأ جمرها. (فجعل كما جاء ليخرج، رمى في فِيهِ بحجر): فيه وقوع خبر "جعل" التي هي من أفعال (¬2) المقاربة جملة فعلية مصدرة (¬3) بكلما (¬4)، والأصلُ فيه أن يكون فعلاً مضارعاً، تقول: جعلتُ أفعلُ، هذا هو الاستعمال المطَّرد، وما جاء بخلافه فهو منبهٌ على أصل متروك، وذلك (¬5) أن سائر أفعال المقارية مثل كان في الدخول على مبتدأ وخبر (¬6) (¬7)، فالأصلُ أن يكون خبرها كخبر كان في وقوعه مفرداً، وجملة (¬8) اسمية وفعلية، وظرفاً، فترك الأصل، والتزم كون الخبر مضارعاً، ثم نبه على الأصل شذوذاً في مواضع. (قلت: طَوّفتماني): -بطاء مفتوحة وواو مشددة ونون قبل الياء-، ويروى: "طَوَّفْتُمَا بي" بباء الجر عوض النون، يقال: طَوَّفَ الرجلُ ¬

_ (¬1) في "ج": "وهاؤها". (¬2) في "ج": "الأفعال". (¬3) في "ن": "مصدرية". (¬4) في "ج": "كلما". (¬5) في "ع": "وكذلك". (¬6) في "ع": "المبتدأ والخبر". (¬7) "مبتدأ وخبر" ليست في "ن". (¬8) في "ع": "جملته".

- قاصراً (¬1) -: إذا (¬2) أكثر من الطواف. قال الشاعر: [من الوافر] أُطَوِّفُ مَا أُطَوِّفُ ثُمَّ آوِي ... إِلَى بَيْت قَعِيدَتُهُ لَكَاعِ (¬3) ويقال: طَوَّفْتُه أنا، متعدياً. (الذي رأيته يشق رأسه، فكذاب): الأغلبُ في الموصول (¬4) الذي تدخل الفاء في خبره أن يكون عاما، وصلتُه مستقبلة، وقد يكون خاصاً، وصلتُه ماضية؛ كما في قوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ} [آل عمران: 166]، وكما في هذا الحديث. (بالكِذبة): قال الزركشي: بكاف مكسورة (¬5). (فتحمَل عنه): بميم مخففة. قال الزركشي: وقيل: مشددة (¬6). (والذي رأيته في النقب (¬7)، فهم الزناة): قد يشكل الإخبار عن الذي بقوله: "هم الزناة"، لاسيما والعائد على الذي من قوله: "والذي (¬8) رأيته" ¬

_ (¬1) "قاصراً" ليست في "ن". (¬2) في "م" و"ج": "إذ". (¬3) البيت للحطيئة. (¬4) في "ع": " بالوصول". (¬5) انظر: "التنقيح" (1/ 331). (¬6) انظر: "التنقيح" (1/ 331). (¬7) نص البخاري: "الثقب". (¬8) "والذي" ليست في "ج".

لا يخفى (¬1) كونه مفرداً، وقد يجاب: بأن المعنى: والفريق الذي رأيته في النقب، فهم الزناة، فروعي اللفظ تارة، والمعنى أخرى. وبهذا يجاب أيضاً عن قوله: "وَالذي رأيتَه في النهر آكلو الربا". (والشيخ في أصل الشجرة إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -): أي: والشيخ الكائن في أصل الشجرة؛ فإن الظاهر كونُ الظرف -أعني: في الشجرة- صفةً للشيخ، فيقدر عاملُه اسماً معرفاً لذلك (¬2) رعايةً لجانب المعنى، وإن كان المشهور تقديره فعلاً أو اسماً منكَّراً، لكن ذاك إنما هو حيث لا مقتضى (¬3) للعدول عن التنكير، والمقتضى هنا قائم؛ إذ لا يجوز أن يكون ظرفاً لغواً معمولاً للشيخ؛ إذ لا معنى له أصلاً، ولا أن يكون ظرفاً مستقراً حالاً من الشيخ؛ إذ الصحيح امتناعُ وقوع (¬4) الحال من المبتدأ، ولك أن تجعل الظرف المستقر (¬5) صلة لموصول محذوف على مذهب الكوفيين والأخفش، كما مر آنفاً. (والصبيانُ حوله، فأولادُ الناس): هذا موضع ترجمة البخاري؛ فإن الناس عامٌّ يشمل المؤمنين وغيرَهم، والكلام في متعلق (¬6) الظرف -أعني: حوله- كما تقدم، والفاء زائدة في الخبر، ومثله مقيسٌ عند الأخفش. ¬

_ (¬1) في "ع": "رأيته ربما يحقق". (¬2) في "ع ": "كذلك". (¬3) في "ج": "يقتضي". (¬4) في "ع": "وقول". (¬5) في "ن": "مستقراً". (¬6) في "ج": "تعليق".

باب: موت يوم الإثنين

باب: موتِ يومِ الإثنينِ 807 - (1387) - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وهيبٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضيَ اللهُ عَنْها-، قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى أَبي بَكْرٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-، فَقَالَ: فِي كمْ كَفَّنْتُمُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَتْ: فِي ثَلاَثَةِ أثوَابٍ بيضٍ سَحُوليَّةٍ، لَيْسَ فِيها قَمِيصٌ وَلاَ عِمَامَةٌ. وَقَالَ لَها: فِي أَيِّ يَوْمٍ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَتْ: يَوْمَ الاِثْنَيْنِ. قَالَ: فَأَيُّ يَوْمٍ هذَا؟ قَالَتْ: يَوْمُ الاِثْنَيْنِ. قَالَ: أَرجُو فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّيْلِ. فَنَظَرَ إِلَى ثَوْبٍ عَلَيْهِ كانَ يُمَرَّضُ فِيهِ، بهِ رَدعٌ مِنْ زَغفَرَانٍ، فَقَالَ: اغْسِلُوا ثَوْبي هذَا، وَزِيدُوا عَلَيهِ ثَوْبَيْنِ، فَكَفِّنُونِي فِيها. قُلْتُ: إِنَّ هذَا خَلَق؟ قَالَ: إِنَّ الْحَيَّ أَحَقُّ بالْجَدِيدِ مِنَ الْمَيِّتِ، إِنَّمَا هُوَ لِلْمُهْلَةِ. فَلَمْ يُتَوَفَّ حَتَّى أَمْسَى مِنْ لَيْلَةِ الثُّلاَثَاءَ، وَدفُنَ قَبْلَ أَنْ يصْبحَ. (فكفنوني فيهما): جعل الثوبَ الذي كان تَمَرَّضَ (¬1) فيه قسماً، وجعلَ الثوبين المزيدين عليه قسماً آخر، فأعاد (¬2) [عليهما ضميرَ الاثنين، وعلى هذا أكثرُ الرواة، ويروى: "فيها (¬3) " بضمير المؤنث عائداً على الأثواب الثلاثة] (¬4). ¬

_ (¬1) في "ع": "يمرض". (¬2) في "ن": "قاد الثلاثة". (¬3) في "ع":"فيهما". (¬4) ما بين معكوفتين سقط من "ن".

باب: موت الفجأة: البغتة

(إنما هو للمُهْلَة): - مثلث (¬1) الميم-: صديدُ الميت (¬2)، قاله النووي (¬3). باب: مَوْتِ الْفَجْأَةِ: الْبَغْتَةِ (باب: موت الفجأة بغتةً): و (¬4) في نسخة: "البغتة" بالتعريف. قال الزركشي: البغتةُ: الفجاةُ، فيشكل (¬5) تبويبُ (¬6) البخاري (¬7). قلت: لا إشكالَ ألبتةَ؛ فإن مقصده تفسيرُ الفجأة بلفظٍ أشهرَ في معناها، وهو البغتة. 808 - (1388) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبي مرْيَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي هِشَامٌ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضيَ اللهُ عَنْها-: أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أمِّي افْتُلِتَتْ نفسُهَا، وَأَظُنها لَوْ تَكَلَّمَتْ، تَصَدَّقَتْ، فَهلْ لَها أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْها؟ قَالَ: "نَعم". ¬

_ (¬1) في "ج": "بتثليث". (¬2) "صديد الميت" ليست في "ج". (¬3) انظر: "خلاصة الأحكام" للنووي (2/ 952). (¬4) الواو سقطت من "ج". (¬5) في "ع": "فتشكل". (¬6) في "ع": "بتبويب". (¬7) انظر: "التنقيح" (1/ 332).

(أن رجلاً قال للنبي: - صلى الله عليه وسلم - إن أمي افْتُلِتَتْ نفسُها): قال أبو عمرَ بنُ عبدِ البَرِّ، يقال: إن هذا الرجلَ هو سعدُ بنُ عُباد (¬1)، واسمُ أمه عَمرَةُ بنتُ سعدٍ من بني النجار، وقيل: عمرةُ بنتُ مسعود، توفيت سنة خمس من الهجرة. "وافتُلتت": -بفاء ومثناة من فوق مضمومة- مبني للمفعول؛ أي (¬2): ماتتْ فلتة؛ أي: فجأة، و"نفسُها" يروى: بالنصب. قال القاضي: هو أكثرُ الروايات على أنه المفعول الثاني بإسقاط حرف الجر، والأولُ مضمَرٌ، وهو القائم (¬3) مقام الفاعل (¬4). قلت: أو يضمن، افتلتت معنى (¬5) سُلبت، فيكون "نفسَها" مفعولاً ثانياً، لا على (¬6) إسقاط الجار. ويروى بالرفع على أنه النائبُ عن الفاعل. (فهل لها أجر إن تصدقتُ عنها): قال الزركشي: الرواية الصحيحة بكسر "إِن (¬7) " على أَنها شرطية، ولا يصح قولُ مَنْ فتحَها؛ لأنه إنما سأل عمَّا لم يفعل (¬8). ¬

_ (¬1) انظر: "الاستذكار" (7/ 257). (¬2) "أي" ليست في "ع" و"ج". (¬3) في "ع"، "وهو قائم". (¬4) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 22). (¬5) "معنى" ليست فى"ن". (¬6) "على" ليست في "ج". (¬7) "إن" ليست في "ج". (¬8) انظر: "التنقيح" (1/ 332).

باب: ما جاء في قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أبي بكر وعمر رضي الله عنهما

قلت: إن ثبتت (¬1) لنا رواية بفتح (¬2) الهمزة من "أَنْ (¬3) " أمكن تخريجُها على مذهب الكوفيين في صحة مجيء أن المفتوحة الهمزة شرطيةً كإن المكسورة، ورجحه ابن هشام (¬4)، والمعنى حينئذ صحيح بلا شك. قال ابن المنير: إنما ترجم البخاري على موت الفجأة، وذكر الحديث الذي (¬5) أثبت الأجر لهذه التي ماتت فجأة؛ ليُتبين (¬6) معاني الأحاديث التي وردت في الاستعاذة من موت الفجاة، وأنها (¬7) لا يؤيس من صاحبها، ولا يخرج بها (¬8) عن حكم الإسلام، ورجاء الثواب، وإن كانت مستعاذاً منها؛ لما يفوت بها من خير الوصية والاستعداد (¬9). باب: ما جاء في قبرِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أبي بكرٍ وعمرَ رضي الله عنهما 809 - (1389) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، عَنْ هِشَامٍ. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مرْوَانَ يَحيىَ بْنُ أَبي زكرِيَّاءَ، عَنْ ¬

_ (¬1) في "ع": "ثبت". (¬2) في "ع": "فتح". (¬3) "من أن" ليست في "ج". (¬4) انظر: "مغني اللبيب" (ص: 53). (¬5) "الذي" ليست في "ن". (¬6) في "ع" و"ج": "ليبين". (¬7) في "ع": "وإنما". (¬8) في "ن": "لها"، وفي "ج": "بصاحبها". (¬9) في "ج": "والاستعاذ".

هِشَامٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيتعَذَّرُ فِي مَرَضهِ: "أَيْنَ أَنَا الْيَوْمَ؟ أَيْنَ أَنَا غَدا؟ "؛ اسْتِبْطَاءً لِيَوْمِ عَائِشَةَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمِي، قَبَضَهُ اللَّهُ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، وَدُفِنَ فِي بَيْتِي. (ليتعذر): كذا هو لأبي ذر: بعين مهملة وذال معجمة. قال الخطابي: التعذُر كالممتنع (¬1)، ولسائر الرواة: "ليتقدر" بالقاف والدال المهملة (¬2). قال الداودي: معناه: يسأل (¬3) عن قدرِ ما بقي إلى يومها؛ ليهون عليه بعض (¬4) ما يجد؛ لأن المريض يجدُ عندَ بعض أهله ما لا يجدُه عند بعض من الأُنس والسكون. (أين أنا اليوم؟): يريد: لمن النوبة اليوم؟ ولمن النوبة غداً؟ (بين سَحْري ونحري): -بفتح أولهما وإسكان ثانيهما-، تريد: بين جنبي وصدري، فالسَّحْرُ: الرئة، فأطلقته على الجنب مجازاً من باب (¬5) تسميةِ المحلّ باسمِ الحالَّ فيه، والنَّخرُ: الصدر. 810 - (1392) - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ المَجيدِ، حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بنُ عَبْدِ الرّحْمنِ، عَنْ عَمرِو بْنِ مَيْمُونٍ الأَوْدِيِّ، قال: رَأَيْتُ عُمَرَ ¬

_ (¬1) في "ن": "كالتمتع"، وفي "ع": "كالتمنع". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 71). (¬3) في "ج": "قيل". (¬4) في "ن": "بعد". (¬5) "باب" ليست في "ن".

ابْنَ الخَطَّاب -رَضيَ اللهُ عنْهُ-، قَالَ: يَا عبد الله بْنَ عُمَرَ! اذْهبْ إِلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ -رَضيَ اللهُ عَنْها-، فَقُلْ: يَقْرَأُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّاب عَلَيْكِ السَّلاَمَ، ثُمَّ سَلهَا أَنْ أُدفَنَ مَعَ صَاحِبَيَّ، قَالَتْ: كنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي، فَلأُوثرَنَّهُ الْيَوْمَ عَلَى نفسِي، فَلَمَّا أَقْبَلَ، قَالَ لَهُ: مَا لَدَيْكَ؟ قَالَ: أَذِنَتْ لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: مَا كَانَ شَيْء أَهمَّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ الْمَضْجَعِ، فَإِذَا قُبضْتُ، فَاحمِلُونِي، ثُمَّ سَلِّمُوا، ثُمَّ قُلْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّاب، فَإِنْ أَذِنَتْ لِي، فَادفِنُوني، وَإِلَّا، فَرُدُّؤنِي إِلَى مَقَابرِ الْمُسْلِمِينَ. إِنِّي لَا أَعلَمُ أَحَداً أَحَق بهذَا الأَمْرِ مِنْ هؤُلاَءَ النَّفَرِ، الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ عَنْهُم رَاضٍ، فَمَنِ اسْتَخْلَفُوا بَعْدِي، فَهُوَ الْخَلِيفَةُ، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا، فَسَمَّى: عُثْمَانَ، وَعَلياً، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَسَعْدَ بْنَ أَبي وَقَّاصٍ. وَوَلَجَ عَلَيْهِ شَابٌّ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: أَبْشِر يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ببُشْرَى اللَّهِ، كَانَ لَكَ مِنَ الْقِدَمِ فِي الإسْلاَمِ مَا قَدْ عَلِمتَ، ثُمَّ اسْتُخْلِفْتَ فَعَدَلْتَ، ثُمَّ الشَّهادَةُ بَعْدَ هذَا كُلِّهِ. فَقَالَ: لَيْتَنِي يَا بْنَ أَخِي وَذَلِكَ كفَافاً، لَا عَلَيَّ وَلاَ لِي، أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعدِي بالْمُهاجِرِينَ الأَوَّلِينَ خَيْراً أَنْ يَعرِفَ لَهُم حَقَّهُم، وَأَنْ يَحْفَظَ لَهُم حُرمَتَهم، وَأُوصِيهِ بالأَنْصَارِ خَيْراً، الَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ، أَنْ يُقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهم، وَيُعفَى عَنْ مُسِيئهمْ، وَأُوصِيهِ بذِمَّةِ اللَّهِ وَذِمَّةِ رَسُولهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُوفَى لَهُم بعَهْدِهم، وَأَنْ يُقَاتَلَ مِنْ وَرَائِهِم، وَأَنْ لَا يُكَلَّفُوا فَوْقَ طَاقَتِهِم.

(حُصين بن عبد الرحمن): بضم الحاء المهملة وفتح الصاد المهملة، مصغَّر. (قالت: كنتُ (¬1) أريدُه لنفسي، فلأوثرنه اليومَ على نفسي): قد ورد أن الحظوظ الدينية لا إيثارَ فيها؛ كالصف الأول ونحوِه، فكيف آثرتْ عائشةُ عمرَ رضي الله عنهما؟ وأجاب ابن المنير: بأن الحظوظ المستحقة بالسوابق ينبغي فيها إيثارُ الأفضل، فعلمت عائشة فضلَ عمر (¬2)، فآثرته كما ينبغي لصاحب المنزل إذا كان مفضولاً أن يؤثر (¬3) بفضل الإمامة من هو أفضلُ منه إذا حضر منزلَه، وإن كان الحقُّ لصاحب المنزل. (المضْجَع): بفتح الجيم. (فإذا قُبضت، فاحملوني، ثم سلموا، ثم قل: يستأذن عمرُ بن الخطاب، فإن أذنت لي، فادفنوني): فيه (¬4) من الفقه أن (¬5) من ومحمد (¬6) بعِدَة يجوز له الرجوعُ فيها، ولا يُقضى عليه بالوفاء بها؛ لأن عمر (¬7) لو علم لزومَ ذلك لها، لم يستأذن ثانياً. ¬

_ (¬1) في "ن": "أكنت". (¬2) في "ع" زيادة: "رضي الله عنه". (¬3) في "ج": "يفضل يؤثر". (¬4) في "ع": "قيل فيه". (¬5) "أن" ليست في "ع". (¬6) في "ج" "وعده". (¬7) في "ع" زيادة "رضي الله عنه".

قلت: فيه نظر. أما أولاً: فلأنها (¬1) لو كان لها الرجوعُ، لم يكن في استئذانها أولاً (¬2) كبيرُ فائدة، ولا اطمأنت نفسُ عمر -رضي الله عنه- مما كان أهمَّ الأشياء عنده. وأما ثانياً: فلأن لمن (¬3) يرى اللزومَ بمجرد القول أن يقول (¬4): قد صار الحقُّ متمحِّضاً لعمر (¬5) -رضي الله عنه-، لكنه لورعه وعلوِّ مرتبته في الدين قصد ألا يضاجع سيدَ الخلق -صلوات الله عليه وسلامه- إلا على أكمل الوجوه، فبالغ لنفسه في الاحتياط حيث أمر بالاستئذان. ثانياً: ليتحقق بقاءَ طيب نفسِ عائشة -رضي الله عنها- بما أذنتْ فيه أولاً، وينتفي (¬6) ما كان يخشاه من عدم استمرار طيب نفسها بدفنه في بيتها، وأن تكون قد نزعت (¬7) عما (¬8) أذنتْ فيه، وإن كان ذلك غيرَ مؤثِّر في الحكم، والاحتياطُ بالخروج من الخلاف، والعملُ [بالأمر المتيقن لم يزل دأبَ أهل الورع، وهو الأليقُ بمقام عمر -رضي الله عنه-] (¬9)، فليس حينئذ ¬

_ (¬1) في "ن": "فلأنه". (¬2) في "ع": "أو لها". (¬3) في "ع": "من"، وفي "ج": "لم". (¬4) في "ن": "أنا نقول"، وفي "ع": "إنما يقول". (¬5) "لعمر" ليست في "ن". (¬6) في "ن": "ينبغي". (¬7) في "ع" و"ج": "ترغب". (¬8) في "ج": "بما". (¬9) ما بين معكوفتين سقط من "ع".

باب: ذكر شرار الموتى

في الاستئذان ثانياً دليلٌ على ما قاله ذلك المستنبط (¬1)، فتأمله. (وولج): أي: دخل. (عليه شابٌّ (¬2) من الأنصار): فسره بعضهم بابن عباس -رضي الله عنهما-، وقوله: "من الأنصار" يدفعُه، أو يبعده. (من القِدَم في الإسلام): بكسر القاف وفتح (¬3) الدال. باب: ذِكرِ شرَارِ الْمَوْتَى (باب: ذكر شرار الموتى): يحتمل أن يريد الخصوص بالكفار، فتطابق: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1] الترجمة. ويحتمل أن يريد العموم حتى في شرار المؤمنين؛ قياساً للمسلم المجاهر بالشر على الكافر؛ لأن المعلنَ لا غيبة له. وقد حمل بعضُهم على البخاري أنه أراد العموم، فظن (¬4) به النسيان؛ لحديث (¬5) أنس المتقدم: "مروا بجنازة، فأثنوا عليها شراً" (¬6) الحديث، وقال: هذا كان أَولى بالترجمة من هذا الحديث الذي تضمنه (¬7). ¬

_ (¬1) في "ج": "المتيقظ". (¬2) في "ع": "رجل". (¬3) في "ج": "وكسر". (¬4) في "م": "فنظن". (¬5) في "م": "بحديث". (¬6) تقدم برقم (1367). (¬7) في "ن": "تضمنته"، وفي "ج": "ضمنه".

قال ابن المنير: والظاهر أن البخاري جرى على عادته في الاستنباط الخفي، والإحالة في الظاهر الجلي على (¬1) سبق الأفهام (¬2) إليه، على أن في الآية مزية، وهي تسميةُ المذمومِ باسمه في الكتاب العزيز الذي يبقى ولا يبلى آخرَ الدهر. 811 - (1394) - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبي، حَدَّثَنَا الأَعمَشُ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: قَالَ أبو لَهبٍ -عَلَيْهِ لعنَةُ اللهِ- لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ، فَنَزَلَتْ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1]. (عن ابن عباس، قال أبو لهب للنبي - صلى الله عليه وسلم -): قال الإسماعيلي: هذا الحديث مرسَل؛ فإن الآية الكريمة نزلت بمكة، وكان ابنُ عباس إذ ذاك صغيراً. قال مغلطاي: بل كان على بعض الأقوال غيرَ موجود. قلت: فهو (¬3) من مراسيل الصحابة، والجمهورُ على صحة الاحتجاج بها كما سبق في: بدء الوحي. ¬

_ (¬1) في "ن": "إلى". (¬2) في "ج": "الاستفهام". (¬3) "فهو" ليست في "ع".

كتاب الزكاة

كتاب الزكاة

كِتَابُ الزَّكَاةِ (كتاب: الزكاة): قال نِفْطَوَيْهِ: سُميت بذلك؛ لأن مؤدّيها يتزكَّى إلى الله تعالى؛ أي (¬1): يتقرَّبُ إليه بصالح (¬2) العمل. وقيل: تطلق الزكاة لغةً، ويرادُ بها: النماءُ؛ كقولهم: زكا الزرع، فسميت الشرعية بذلك باعتبار أن إخراجها سببٌ للنماء (¬3) في المال كما صح: "مَا نقَصَ مَالٌ مِنْ صَدَقَةٍ" (¬4). والنقصانُ بإخراج القدر الواجب محسوسٌ، فلا يكونُ غيرَ ناقصٍ إلا بزيادةٍ تبلغه إلى ما كان عليه، إما حسًّا، وإما معنى، أو باعتبار تعلُّقها بالأموال ذاتِ النماء، أو باعتبار تضعيف أجورها، وتطلق أيضاً ويراد بها الطهارة، فسميت بذلك؛ لأنها طهرٌ (¬5) للنفس من رذيلة البخل (¬6). ¬

_ (¬1) في "ج": "أن". (¬2) في "ع": "بمصالح". (¬3) في "ن": "بسبب النماء"، وفي "ع": "سبب النماء". (¬4) رواه مسلم (2588) عن أبي هريرة رضي الله عنه. (¬5) في "ع": "طهرت"، وفي "ج": "تطهير". (¬6) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (3/ 309).

باب: وجوب الزكاة

باب: وُجُوب الزَّكَاة 812 - (1395) - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ زكرِيَّاءَ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحيىَ بْنِ عبد الله بْنِ صَيْفيٍّ، عَنْ أَبي مَعبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ مُعَاذاً -رَضيَ اللهُ عَنْهُ- إِلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ: "ادعُهُمْ إِلَى شَهادَةِ أَنْ لَا إِلَه إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعلِمهم أَنَّ الله قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِم خَمسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُم أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعلِمهُمْ أَنَّ الله افْتَرَضَ عَلَيْهمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِم، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهم، وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهم". (تؤخذ من أغنيائهم، وترد في فقرائهم) استدل به (¬1) بعض المالكية لأحد القولين عندنا (¬2) في أن (¬3) من (¬4) ملك النصاب لا يُعطى من الزكاة. واستدلَّ به بعض (¬5) العلماء أيضاً على عدم جواز نقل الزكاة عن بلد المال. واعتُرض بأن المراد (¬6): تؤخذ (¬7) من أغنيائهم من حيث إنهم مسلمون، ¬

_ (¬1) "به" ليست في "ع" و"ج". (¬2) في "ج": "عنه". (¬3) "أن" ليست في "ن". (¬4) "من" لا توجد في "ع". (¬5) بعض "ليست في "ج". (¬6) "المراد" ليست في "ج". (¬7) في "ع": "وتؤخذ".

لا من حيث إنهم (¬1) أهل اليمن، وكذلك (¬2) الرد إلى فقرائهم. وفيه بحث. 813 - (1396) - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شعْبَةُ، عَنِ ابْنِ عُثْمَانَ بْنِ عبد الله بْنِ مَوهبٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبي أيوبَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَخْبِرْنِي بعَمَلٍ يُدخِلُنِي الْجَنَّةَ. قَالَ: مَالَهُ مَالَهُ. وَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَرَب مَا لَهُ، تَعبد الله وَلاَ تُشْرِكُ بهِ شَيْئاً، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ، وَتُؤتي الزكَاةَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ". (عن أبي أيوب: أن رجلاً قال: للنبي - صلى الله عليه وسلم -): نقل عن الصريفيني (¬3): أنه روى الحديث من طريق أبي أيوب، وقال فيه: إن وافد بني المنتفق (¬4) قال، الحديث، فعلى هذا يكون الرجلُ هو لقيط بن عامر، ويقال: لقيطُ ابن صبرة وافد بني المنتفق (¬5) أنه روى الحديث من طريق أبي أيوب، وقال فيه: إن وافد به في المنتفق (¬6) (¬7). ¬

_ (¬1) "إنهم" ليست في "ج". (¬2) في "ج": "وكذا". (¬3) في "ن" و"ع": "الصرفيني"، وفي "ج": "الصيرفي"؛ وفي "م": "الصيريفيني"، والصواب ما أثبت. (¬4) في "ع": "المنفق". (¬5) في "ع": "المنفق". (¬6) من قوله: "قال الحديث" ... إلى قوله: "المنتفق" ليس في "ن"، ومن قوله: "أنه روى" ... إلى قوله: "المنتفق" ليس في "ع" و"ج". (¬7) انظر: "التنقيح" (1/ 334).

(أخبرني بعمل يدخلُني الجنة): الفعل المضارع مرفوع، والجملة المصدَّرة به في محل جر صفة لعمل. (أَرَب (¬1) ما له): ذكر القاضي في هذه الكلمة أربع روايات: أحدها: أرِبَ -بكسر الراء وفتح الباء-، فقيل: معناه: احتاج، فسأل لحاجته (¬2). وقيل: تَفَطَّن لما سألَ عنه، وَعَقَل، يقال: أَرِبَ: إذا عَقَلَ، فهو أريب. وقيل: هو تعجبٌ من حرصه (¬3)، ومعناه: لله دَرُّه. وقيل: هو (¬4) دعاء عليه؛ أي: سقطت آرابُه، وهي (¬5) أعضاؤه؛ كما قالوا: تَرِبَتْ يمينُه، وليس على معنى الدعاء، بل على عادة العرب في استعمال هذه الألفاظ في زُعْم (¬6) كلامها. الثانية: أَرِبٌ -منوناً- مثل حَذِر، ومعناه: حاذق فطن يسأل عما يعنيه؛ أي: هو أَرِبٌ، فحذف المبتدأ، ثم قال: ما له؟ أي: ما (¬7) شأنه؟ ¬

_ (¬1) في "ع": "يأرب". (¬2) في "ع": "الحاجة". (¬3) في "ج": "حرص". (¬4) في "ج": "هذا". (¬5) في "ع": "وقيل". (¬6) في "ن": "دعم"، وفي "ع": "رعم". (¬7) "ما" ليست في "ن".

الثالثة: أَرَبٌ -بفتح الهمزة والراء وضم الباء منونة-، ومعناه: حاجةٌ ما له، فـ "ما" زائدة منبهةٌ (¬1) على وصفٍ لائقٍ بالمحل، واللائقُ هنا أن يقدر: عظيمٌ؛ لأنه سأل عن عمل يدخله الجنة، ولا أعظم من هذا الأمر. والزركشي قال: هو خبرُ مبتدأ محذوف، أو مبتدأ خبرُه محذوف، و"ما" زائدة للتقليل؛ أي: حاجةٌ يسيرة (¬2). قلت: ليس خبرأ محذوفَ المبتدأ، ولا مبتدأً محذوفَ الخبر، بل هو مبتدأ مذكورُ (¬3) الخبر، وساغ (¬4) الابتداء به وإن كان نكرة؛ لأنه موصوف بصفة ترشد إليها "ما" الزائدة، كما تقرر، والخبر هو قوله: "له"، وأما قوله: إن المعنى حاجة يسيرة، و"ما" للتقليل، فقد علمت ما فيه، على أنه يمكن أن يكون له وجه. الرابعة: أَرَبَ -بفتح الجميع- رواه أبو ذر (¬5). قال القاضي: ولا وجه له (¬6). 814 - (1397) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيم، حَدثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِم، حَدَّثَنَا وُهيْبٌ، عَنْ يَحيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ أَبي زُرْعَةَ، عَنْ ¬

_ (¬1) في "ج": "منبه". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 334). (¬3) في "ج": "مذكر". (¬4) في "ع": "وشاع". (¬5) في "ع":"أبو داود". (¬6) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 26).

أَبي هُرَيْرَةَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-: أَن أَعْرَابيًّا أتَى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: دلنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ. قَالَ: "تَعبد الله لَا تُشْرِكُ بهِ شَيْئاً، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّي الزكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ". قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ! لَا أَزِيدُ عَلَى هذَا. فَلَمَّا وَلَّى، قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هذَا". (سعيد بن حَيَّان): بحاء مهملة فمثناة من تحت. (دلنَّي): بدال مهملة مضمومة (¬1) فلام مفتوحة مشددة. 815 - (1398) - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما- يَقُولُ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ هذَا الْحَيَّ مِنْ رَبيعَةَ، قَدْ حَالَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كفَّارُ مُضَرَ، وَلَسْنَا نَخْلُصُ إِلَيْكَ إِلاَّ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَمُرْنَا بشَيْءٍ نأخُذُهُ عَنْكَ، وَنَدعُو إِلَيْهِ مَنْ وَرَاءَنَا، قَالَ: "آمُرُكُم بأرْبَعٍ، وَأَنْهاكُم عَنْ أَربَعٍ: الإيمَانِ باللهِ، وَشَهادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ -وَعَقَدَ بيَدِهِ هكَذَا-، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزكاةِ، وَأَنْ تُؤَدُّوا خُمُسَ مَا غَنِمُتُمْ. وَأَنْهاكُمْ عَنِ الدُّبَّاءِ، وَالْحَنْتَم، وَالنَّقِيرِ، وَالْمُزَفَّتِ". وَقَالَ سُلَيْمَانُ وَأَبُو النعمَانِ، عَنْ حَمَّادٍ: "الإيمَانِ باللَّهِ: شَهادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ". ¬

_ (¬1) "مضمومة" ليست في "ع".

(أبو جَمْرَة): بجيم وراء. (إن هذا الحي): ويروى: "إنا هذا الحيَّ" بالنصب على الاختصاص (¬1). 816 - (1399) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ ابْنُ أَبي حَمزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنَا عبيد الله بْنُ عبد الله بْنِ عُتْبةَ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: لَمَّا تُوُفَيَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-، وَكفَرَ مَنْ كفَرَ مِنَ الْعَرَب، فَقَالَ عُمَرُ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-: كيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ، وَقَد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أُمرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، فَمَنْ قَالَها، فَمَن عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاَّ بحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ"؟! (شعيب بن أبي حَمزَة): بحاء مهملة (¬2) وزاي. (فقال عمر: كيفَ تقاتلُ الناس): إلى آخر الحديث. قال ابن المنير: وكيفيةُ تنزيلِ مناظرةِ العمرين (¬3) -رضي الله عنهما- على القواعد أن نقول: استدل عمرُ -رضي الله عئه- على عصمةِ مانعي الزكاة بكلام معناه: أن العصمةَ من لوازم كلمة الشهادة، وقد قالها ¬

_ (¬1) في "ن" زيادة: "مشددة". (¬2) "مهملة" ليست في "ع" و"ج". (¬3) في "م" و"ن": "للعمرين"،

هؤلاء، فثبتت (¬1) لهم العصمةُ؛ عملاً بقوله: "فإذَا قالوها عَصَموا مني دماءهم" (¬2)، والعموم يتناولهم؛ لأن الضمير عائدٌ على الناس في قوله: "أُمرتُ أن أقاتلَ الناسَ"، فهو استدلال بالعموم (¬3). قلت: الذي في البخاري: "فمن قالها، فقد عصمَ مني مالَه ونفسَه" وهو صريح في العموم، غيرُ محتاج إلى الاستدلال على عموم الضمير بعموم مُعاده (¬4). ثم قال: وبين له أبو بكر -رضي الله عنه- أن العمومَ لا يتناولهم؛ لأنه قال: "إلا (¬5) بحقها"، والحقُّ إن كان مجملاً، وقد اسُتثني من العام، انسحب الإجمالُ على أول (¬6) المقال، فبطلَ الاستدلالُ بالعموم، وهي قاعدةٌ مختلَفٌ فيها في العام إذا استُثني منه مجمَل (¬7)، هل يبقى عاماً، أو مجملاً؟ وإن كان الحق مبيناً، فالزكاة من الحق، وكما (¬8) لا يتناول العصمةَ مَنْ لم يؤدّ حقَّ الصلاة، كذلك لا يتناولُ العصمةَ مَنْ لم يؤدّ حقَّ الزكاة، وإذا لم يتناولهم العصمةُ، بقوا في عموم قوله: "أُمرت أن أقاتلَ الناس"، فوجب قتالهُم حينئذ. ¬

_ (¬1) في "ن": "فثبت". (¬2) تقدم برقم (25) عند البخاري. (¬3) في "ع": "العموم". (¬4) في "ع": "مفاده"، وفي "ج": "لعموم بعاده". (¬5) في "ج": "لا". (¬6) في "ج": "الأول". (¬7) في "ج": "محتمل". (¬8) في "ن": "فكما".

وهذا من لطيف النظر (¬1) أن يقلبَ (¬2) المعترضُ (¬3) على المستدلِّ دليلَه، فيكونَ أحقَّ به، وكذلك فعل أبو بكر (¬4)، فسلَّم له عمر رضوان الله عليهما. قال: وفي قضية أبي بكر -رضي الله عنه- إشكال من حيثُ إن المنقول عنه: أنه سبى ذراريَّ المرتدين ونساءهم؛ كالحربيين الأصليين، ثم رأى عمرُ (¬5) خلف ذلك، وردَّ (¬6) الذريةَ والنساءَ من الرقِّ إلى العشائر، وعلى مذهب عمر الأكثر (¬7)، وهو مشهور مذهب مالك -رضي الله عنه (¬8) -، فيقال: كيف نقضَ عمرُ حكمَ السبي، وقد حكم به أبو بكر (¬9)، والقاعدةُ أن حكمَ الحاكم في مسائل الاجتهاد لا ينتقض (¬10)؟ وأجاب: بأنه يحتمل أن يكون عمرُ (¬11) فهمَ عن أبي بكر -رضي الله عنهما (¬12) - الفتيا لا الحكمَ، وكان الذين تولوا السبيَ والاسترقاقَ أقرَّهم أبو ¬

_ (¬1) في "ج": "الظن". (¬2) في "ع": "يغلب". (¬3) في "ج": "المتعرض". (¬4) في ع " زيادة: "رضي الله عنه". (¬5) في "ع" زيادة: "رضي الله عنه". (¬6) في "ع": "ورؤا". (¬7) في "ن" و"ع": "الأكثرون". (¬8) "رضي الله عنه" ليست في "ن". (¬9) في "ع" زيادة: "رضي الله عنه". (¬10) في "م": "تنقض". (¬11) في "ع " زيادة: "رضي الله عنه". (¬12) "رضي الله عنهما" ليست في "ن".

بكر على فعلِهم رأياً منه، لا حكماً، والفتيا لا يلزم (¬1) إمضاؤها. ويحتمل أن يكون عمر -رضي الله عنه- رأى أن الأمور العامة والمصالح التي تتعلق بالأيالة (¬2) الكلية يفعل فيها كلُّ إمام بمقتضى اجتهاده؛ بخلاف وقائع الخصومات بين المتداعيين المعينين، تلك التي يجبب إمضاءُ حكم الحاكم فيها. وعلى هذا اختلف علماؤنا في تحبيس (¬3) الإمام طائفةً من بيت المال على وجهِ مخصوص، هل هو حكم يجب إمضاوه، أو لغيره من الأئمة أن يغير ذلك باجتهاده؟ قال: ويحتمل (¬4) وجهاً ثالثا، وهو أن يكون عمر (¬5) رأى أن (¬6) حكم أبي بكر إنما يتناول من باشره بالحكم من الموجودين عند الواقعة لا نسلهم المتجدد، فلهذا استأنف فيهم حكماً باجتهاده. قال: وانظر على هذا لو حكم قاضٍ برق أمةِ أعتقبها من لا يرى الإمامُ تنفيذَ عتقه؛ كما إذا أوصى مالكُها الصغيرُ بعتقها، فيحكم حاكمٌ ببطلان وصيةِ الصغير وعتقِه، وأَرَق (¬7) الأمَة، فولدت على تلك المجال، فرفع ¬

_ (¬1) في "ع": "يلزمهم". (¬2) في "ع" "بالإمامة"، وفي "ج": "بالإمالة". (¬3) في "م" و "ن": "تجييش". (¬4) في "ج": "ويحتاج". (¬5) في "ع" زيادة: "رضي الله عنه". (¬6) "أن" ليست في "ع". (¬7) في "ج": "ورق".

باب: إثم مانع الزكاة

ولدُها الأمرَ إلى قاضٍ آخر بعدَه، فرأى تنفيذَ عتقِ الصغير في الوصية، فهل له أن يحكم بحرية هذا الولد؟ أو يكون الحكم برقِّ الأم حكماً (¬1) نافذاً فيما تلد أبداً، وهذا هو الظاهر؟ وحملُ الأمرِ على الفرقِ بين الأحكام الخاصة في الوقائع المعينة، والخصومات الراجعة إلى الآحاد (¬2)، وبين الأحكام العامة في مصالح الأمة، وتدبير السياسة أحسن وأظهرُ. والله أعلم. باب: إِثْم مَانِعِ الزَكَاةِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة: 34، 35]،. {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}: ليس الضمير من (¬3) قوله: {وَلَا يُنْفِقُونَهاَ} راجعاً إلى الفضة، وإنما هو راجع إلى الكنوز المدلول عليها بقوله: {يَكْنِزُونَ}. 817 - (1402) - حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ هُزمُزَ الأعرَجَ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ ¬

_ (¬1) "حكماً" ليست في "ج". (¬2) في "ج": "الأحاديث". (¬3) في "ج": "في".

-رَضيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُولُ: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "تَأْتِي الإبلُ عَلَى صَاحِبها عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ، إِذَا هُوَ لَمْ يُعْطِ فِيها حَقَّهَا، تَطَؤُهُ بأَخْفَافها، وَتَأْتِي الْغَنَمُ عَلَى صَاحِبها عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ، إِذَا لَمْ يعْطِ فِيها حَقَّها، تَطَؤُهُ بأَظْلاَفها، وَتَنْطَحُهُ بقُرُونِها، وَقَالَ: وَمِنْ حَقِّها أَنْ تُخلَبَ عَلَى الْمَاء". قَالَ: "وَلاَ يَأْتِي أَحَدكم يَوْمَ الْقِيَامَةِ بشَاةٍ يَحمِلُها عَلَى رَقَبَتِهِ لَها يُعَارٌ، فَتقُولُ: يَا مُحَمَّدُ! فَأقولُ: لَا أَملِكُ لَكَ شَيْئاً، قَدْ بَلَّغْتُ، وَلاَ يَأْتِي ببَعِيرٍ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ لَهُ رُغَاء، فَيَقُولُ: يَا مُحمَّدُ! فَأقولُ: لَا أَملِكُ لَكَ شَيْئاً، قَد بَلَّغْتُ". (تأتي الإبلُ على صاحبها على خير ما كانت): أي: من السِّمَن (¬1) والعِظَم. قال النووي: وإنما جاءت كذلك؛ زيادةً في عقوبته، فيكون أثقلَ في وطئها (¬2). قال الزركشي: ولأنها أكملُ في خلقها، وكأن صاحبها يودُّ في الدنيا أن تكون (¬3) على أكمل حال، فعوقب بكمال مطلوبه (¬4). (و (¬5) تنطِحه): -بطاء مكسورة- على الأفصح، ويجوز فتحُها. ¬

_ (¬1) في "ع": "السنن". (¬2) انظر: "شرح مسلم" (7/ 65). (¬3) في "م": "يكون". (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 336). (¬5) الواو ليست في "ع".

(ومن حقها أن تحلَب): -بحاء مهملة-؛ أي: لمن يحضرها من المساكين، ومَنْ لا لبنَ له. وذكر (¬1) الدراورديُّ أنه بالجيم، وفسره بالجلب إلى المصدق. قال ابن دحية: وهو تصحيف، وإنما خص الجَلَب بموضع الماء؛ ليكون أسهلَ على المحتاج من قصدِ المبارِك، وفيه أيضاً رفقٌ بالماشية. (ولا يأتي أحدكم يوم القيامة بشاة يحملُها على رقبته): قال ابن المنير: هذه صيغة خبر، والمراد: النهيُ، واستعمل الخبر في موضعه تفاؤلاً لهم أن (¬2) لا يفعل أحد ذلك (¬3)، ومن لطيف الكلام أن النهي الذي أوَّلنا به النفي يحتاج إلى تأويل (¬4) أيضاً؛ فإن القيامة ليست دارَ تكليف، وليس المراد نهيهم عن أن يأتوا يوم القيامة (¬5) بهذه الحالة، إنما (¬6) المراد: لا تمنعوا الزكاة، فتأتوا كذلك، فالنهي (¬7) في الحقيقة إنما باشرَ سببَ الإتيان، لا نفسَ الإتيان. ثم التهديدُ بحمل شاة أو بعير يحتمل أن يراد به الجنس. ويحتمل أن يراد المفرد (¬8)، وهو الواجب الذي منعه، وإرادة الجنس ¬

_ (¬1) في "ج": "ذكر". (¬2) في "ع": "بأن". (¬3) في "ن" زيادة: "أحد". (¬4) في "ن": "تأويله". (¬5) "يوم القيامة" ليست في "ج". (¬6) في "ن": "وإنما". (¬7) في "ع": "والنهي". (¬8) في "ع": "الفرد".

أَولى؛ بدليل ما ذكره في الكنز: أنه يطوَّقُه بجملته، لا قدر الواجب منه. (لها يُعار): -بمثناة من تحت مضمومة (¬1) وعين مهملة-: صياح الغنم. (رُغاء): - برإء مضمومة وغين معجمة (¬2) -: صوت الإبل. 818 - (1403) - حَدَّثَنَا عَلِي بْنُ عبد الله، حَدَّثَنَا هاشمُ بْنُ الْقَاسم، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عبد الله بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ أَبي صَالح السَّمَّانِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً، فَلَم يُؤَدِّ زكاتَهُ، مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعاً أَقْرعَ، لَهُ زَبيبَتَانِ، يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بلِهْزِمَيْهِ -يَعْنِي: شِدقَيْهِ-، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا مَالُكَ، أَنَا كنْزُكَ"، ثُمَّ تَلاَ: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} [آل عمران: 180]. (مُثِّلَ له): أي: صُوِّرَ له، وقيل: نُصب، وأُقيم؛ من قولهم: مثل قائماً: إذا انتصب كذلك. (شُجاعاً): منصوب على الحال، وهو بضم الشين المعجمة: الحية الذكَر. وقيل: الذي يقوم على يديه (¬3)، ويواثب الفارس. (أقرع): أي: تقرَّعَ رأسه وامَّعَطَ (¬4)؛ لكثرة سُمِّه. ¬

_ (¬1) في "ع" و "ج" "مضمومة من تحت". (¬2) في "ج": "وعين مهملة". (¬3) في "ع": "بدنه". (¬4) في جميع النسخ "وأمعطه"، ولعل الصواب ما أثبت.

باب: ما أدي زكاته فليس بكنز لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ليس فيما دون خمسة أواق صدقة"

(له زبيبتان): نابان يخرجان من فيه. وقيل (¬1): الزبيبةُ: نُكْتَةٌ سوداءُ فوقَ عينِ الحية من السمِّ. (ثم يأخذ بلِهزِمتيه): - بكسر اللام والزاي معاً-، وقد فسره فى الحديث بشدقيه (¬2). باب: مَا أُدِّيَ زكاتُهُ فَلَيْسَ بكَنْزٍ لِقَوْلِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمسَةِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ" (باب: ما أُدي زكاته، فليس بكنز، لقول النبي (¬3) - صلى الله عليه وسلم -: ليس فيما دون خمس أواق صدقة): قال الإسماعيلي: إن كانت الترجمة صحيحة، فالمعنى من هذا الوجه غير صحيح، وأحسبه: وقال النبي (¬4): كذا، أو يقول، يريد: أن تعليل الترجمة بالحديث المذكور غيرُ ملائم، ورُدَّ بأن البخاري أراد: أن ما دون خمس (¬5) أواق ليس بكنز؛ لأنه لا صدقة فيه، فإذا زاد شيئاً عليها، ولم يؤد زكاته، فهو كنز. 819 - (1405) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يَزِيدَ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: أَخْبَرَنِي يَحيىَ بْنُ أَبِي كَثِيرٍ: أَنَّ عمرَو بْنَ يَحيىَ ¬

_ (¬1) "وقيل" ليست في "ج". (¬2) "بشدقيه" ليست في "ج". (¬3) "النبي" ليست في "ج". (¬4) "ع" زيادة: " - صلى الله عليه وسلم - ". (¬5) في "ج": "أراد ما دون خمسة".

ابْنِ عُمَارَةَ أَخْبَرَهُ، عَنْ أَبيهِ يَحيىَ بْنِ عُمَارَةَ بْنِ أَبي الْحَسَنِ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُولُ: قَالَ النَّبيُّ: - صلى الله عليه وسلم - "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمسِ أَوَاقٍ صَدَقَة، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خمسِ ذَوْدٍ صَدَقَة، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمسِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ"،. (وأواق): جمع أُوقيّة -بضم الهمزة وتشديد الياء-، وأما الجمع (¬1)، فتشدد ياؤه وتخفف؛ كأثفيَّة وأثافيّ وأثافٍ (¬2). (خمس ذَود): -بذال معجمة مفتوحة فواو فدال مهملة-، والذود من الإبل: ما بين الاثنين إلى التسع -بتقديم (¬3) التاء-، هذا قول أبي عبيد، وإن ذلك يختص بالإناث. وقال الأصمعي: هو ما بين الثلاث إلى العشر (¬4)، وقال غير واحد: ومقتضى لفظ الأحاديث إطلاقه (¬5) على الواحد. قال القاضي: وليس فيه دليل على ما قالوا، وإنما هو لفظ الجمع؛ كما قالوا: ثلاثة رهط، ونفر، ونسوة، ولم يقولوه لواحد، وذكر ابن عبد البر: أن بعض الشيوخ رواه "في خَمْسٍ ذَوْدٍ" على البدل لا على الإضافة، والمشهور فيه الإضافة. ¬

_ (¬1) في "م" و"ج": "بالجمع". (¬2) "وأثاف" ليست في "ع". (¬3) في "ع": "بتقدم". (¬4) في "ع": " العشرة". (¬5) في "ن": "انطلاقه".

قال القاضي: وما قاله بعض الشيوخ، وإن تصور هنا، فلا يتصور في قوله: أعطانا خمسَ ذَوْدٍ (¬1). 820 - (1406) - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، سَمِعَ هُشَيْماً، أَخْبَرَنَا حُصَيْن، عَنْ زيدِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: مَرَرْتُ بالرَّبَذَةِ، فَإِذَا أَنَا بأَبي ذَرٍّ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-، فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَنْزَلَكَ مَنْزِلَكَ هذَا؟ قَالَ: كُنْتُ بالشَّأْمِ، فَاخْتَلَفْتُ أَنَا وَمُعَاوِيَةُ فِي: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 34]. قَالَ مُعَاوِيَةُ: نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَاب، فَقُلْتُ: نَزَلَتْ فِينَا وَفِيهم، فَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فِي ذَاكَ، وَكَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ- يَشْكُونِي، فَكَتَبَ إِلَيَّ عُثْمَانُ: أَنِ اقْدَمِ الْمَدِينَةَ، فَقَدِمتُها، فَكَثُرَ عَلَيَّ النَّاسُ حَتَّى كَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوني قَبْلَ ذَلِكَ، فَذَكرتُ ذَاكَ لِعُثْمَانَ، فَقَالَ لِي: إِنْ شِئْتَ تَنَحَّيْتَ، فَكُنْتَ قَرِيباً. فَذَاكَ الَّذِي أَنْزَلَنِي هذَا الْمَنزِلَ، وَلَوْ أَمَّرُوا عَلَيَّ حَبَشِيًّا، لَسَمِعتُ وَأَطَعتُ. (مررت بالرَّبَذَة): - براء وبموحدة وذال معجمة مفتوحات-: قرية بقرب المدينة بها قبر أبي ذر رضي الله عنه. (إن شئت تنحيت): أي: إن كنت تخشى وقوعَ فتنة أو شبهة، فاسكن مكاناً قريباً من المدينة. ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 271).

821 - (1407) - حَدَّثَنَا عَياش، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأعلَى، حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبي الْعَلاَءَ، عَنِ الأَخنَفِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: جَلَسْتُ. وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبي، حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُ، حَدَّثَنَا أبَو الْعَلاَءِ بْنُ الشِّخِّيرِ: أَنَّ الأَحْنَفَ بْنَ قَيْسٍ حَدَّثَهُم، قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى ملإٍ مِنْ قُرَيْش، فَجَاءَ رَجُلٌ خَشِنُ الشَّعَرِ وَالثِّياب وَالْهيْئَةِ، حَتَّى قَامَ عَلَيْهِم، فَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: بَشِّرِ الْكَانِزِينَ برَضْفٍ يُحْمَى عَلَيْهِ فِي نَارِ جَهنَّمَ، ثُمَّ يُوضَعُ عَلَى حَلَمَةِ ثَنيِ أَحَدِهم حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ نُغْض كتِفِهِ، ويُوضَعُ عَلَى نُغْض كَتِفِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ حَلَمَةِ ثَنيِهِ، يتزَلْزَلُ. ثُمَّ وَلَّى فَجَلَسَ إِلَى سَارِيَةٍ، وَتَبعتُهُ وَجَلَسْتُ إِلَيْهِ، وَأَنَا لَا أَدرِي مَنْ هُوَ، فَقُلْتُ لَهُ: لَا أُرَى الْقَوْمَ إِلاَّ قَدْ كَرِهُوا الَّذِي قُلْتَ؟ قَالَ: إِنَّهُم لَا يَعقِلُونَ شَيْئاً. (الجُريري): بجيم مضمومة وياء التصغير بين راءين. (فجاء رجل حسنُ الشعر والثياب): في رواية القابسي: بحاء وسين مهملتين؛ من الحُسْن، ولغيره (¬1): بخاء وشين معجمتين؛ من الخُشونة. (بَشِّرِ الكنازين): أي: المكثرين من الكنز (¬2)، ويروى: "الكانزين" من الكنز أيضاً. قال الزركشي: ووقع عند الهروي بالثاء المثلثة؛ من الكثرة، والأول أولى؛ لأنه إنما يقال لكثير المال: مُكْثِر، لا كاثر (¬3). ¬

_ (¬1) "ولغيره" ليست في "ج". (¬2) في "ن" و"ع": "الكنوز". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 338).

قلت: عدم صحة إطلاق الكاثر على الكثير المال يقتضي تعين الأول بلا أولويته (¬1). ثم لا نسلم أنه لا يطلق عليه كاثر؛ إذ يجوز أن يكون من باب المغالبة، وهو مقيس، تقول: كَثَرَ زيدٌ عمراً في المال؛ أي، علبَه في كثرته، فهو كاثر. (برَضْف): - براء مفتوحة وضاد معجمة ساكنة-: حجارة محماة. (ثم يوضع على حَلَمَة ثديِ أحدِهم): الحلمة: رأس الثدي. وفي الحديث جوازُ استعمال الثدي للرجل. والعسكري يزعم أنه لا يقال: ثدي إلا للمرأة، ويقال في الرجل: ثُنْدُوَة. (من نُغْض كتفيه (¬2)): - بنون مضمومة فغين معجمة ساكنة فضاد معجمة-: العظم الدقيق على طرف (¬3) الكتف، وقيل: أعلى الكتف. (يتزلزل): - بزايين معجمتين-؛ أي: يضطرب. 822 - (1408) - قَالَ لِي خَلِيلِي، قَالَ: قُلْتُ: مَنْ خَلِيلُكَ؟ قَالَ: النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَبَا ذَرٍّ! أتبْصِرُ أُحُداً". قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَى الشَّمسِ مَا بَقِيَ مِنَ النَّهارِ، وَأَنَا أُرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُرْسِلُنِي فِي حَاجَةٍ لَهُ، قُلْتُ: نَعَمْ. ¬

_ (¬1) في "ج": "الأول لأولويته". (¬2) نص البخاري: "كتفه". (¬3) "طرف" ليست في "ن".

قَالَ: "مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي مِثْلَ أُحُدٍ ذَهباً، أُنْفِقُهُ كُلَّهُ، إِلاَّ ثَلاَثَةَ دَنَانِيرَ". وَإِنَّ هؤُلاَءَ لَا يَعْقِلُونَ، إِنَّمَا يَجْمَعُونَ الدُّنْيَا، لَا وَاللَّهِ! لَا أَسْألُهُم دُنْيَا، وَلاَ أَسْتَفْتِيهِم عَنْ دِينٍ حَتَّى ألقَى اللهَ. (قال: قلت: ومن خليلك؟): قال الزركشي: سقطت كلمةٌ من الكتاب، وهي: "قال أبو ذر: النبي - صلى الله عليه وسلم - " (¬1). قلت: الذي رأيته في بعض النسخ كلام منتظم لا يحتاج إلى ادعاء سقط (¬2) شيء، وذلك أن في هذه النسخة: "قال لي (¬3) خليلي، قلت: ومن خليلك؟ قال: النبي - صلى الله عليه وسلم -: يا أبا ذر! أتبصر (¬4) أحداً؟ " الحديث. فقوله: "قال: النبي - صلى الله عليه وسلم - " هو جواب قول السائل له: ومن خليلك؟ وقوله: "يا أبا ذر! أتبصر (¬5) أحداً؟ " هو معمول "قال" من قوله: "قال لي (¬6) خليلي"، و (¬7) هذا الكلام كما تراه مستقيم لا يحتاج إلى حذف شيء، فينبغي تحرير النسخة. (قال: فنظرت إلى الشمس ما بقي من النهار): قال الزركشي: أي: أيُّ شيء بقي من النهار (¬8)؟ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 339). (¬2) في "ن" و"ع": "سقوط". (¬3) "لي" ليست في "ع". (¬4) في "ج": "تبصر". (¬5) في "ج": "تبصر". (¬6) "لي" ليست في "ع". (¬7) الواو ليست في "ج". (¬8) انظر: "التنقيح" (1/ 339).

باب: إنفاق المال في حقه

قلت: كأنه جعلها استفهامية، وليس المعنى عليه، إنما المعنى: فنظرت إلى الشمس أتعرَّف القدرَ الذي بقي من النهار، أو أَنظر (¬1) الذي بقي منه، فهي موصولة. (وأنا أُرى): - بضم الهمزة-؛ أي: أَظن. (قلت: نعم): جواب لقوله: "أتبصرُ أُحداً؟ ". باب: إنفاقِ المالِ في حقِّهِ 823 - (1409) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثنَّى، حَدَّثَنَا يَحيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسٌ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقُولُ: "لَا حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً، فَسَلَّطَهُ عَلَى هلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، وَرَجُل آتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً، فَهْوَ يَقْضي بها وَيُعَلِّمُها". (لا حسدَ إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً، فسلَّطه على هلَكَته في الحق، ورجل آتاه الله حكمةً، فهو يقضي بها ويعلِّمها (¬2)): سبق في: العلم، ومرَّ أن الحسد: الغبطةُ؛ أي: تمنّي المثل، لا زوال الأصل، لكن إذا كان الأمر (¬3) كذلك، فكل خير يُتمنى مثله شرعاً، فما وجهُ حصرِ التمني في هاتين الخصلتين؟ ¬

_ (¬1) في "ع": "أو النظر". (¬2) في "ع": "ويعملها للناس". (¬3) "الأمر" ليست في "ج".

باب: الرياء في الصدقة

قال ابن المنير: الحصرُ هنا غيرُ مراد، وإنما المراد: مقابلةُ ما في الطباع بضده؛ لأن الطباع تحسد على جمع (¬1) المال، وتذم ببذله، فبين الشرع عكس الطبع، فكأنه قال: لا حسدَ إلا فيما تذمون عليه، ولا مذمةَ إلا فيما تحسدون عليه. ووجه المؤاخاة بين الخصلتين: أن المال يزيد بالإنفاق، ولا (¬2) ينقص؛ لقوله تعالى: {وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: 276]، ولقوله -عليه السلام-: "ما نقَصَ مَالٌ مِنْ صَدَقَةٍ" (¬3). والعلم أيضاً يزيدُ بالإنفاق منه (¬4)، وهو التعليم، فتواخيا. والمراد بالحق هنا: ضد الباطل، فتدخل فيه النفقة الواجبة، والزكاة، والتطوعات المندوبة، ولو كان المراد بالحق هو الواجب خاصة، لما نفد المال؛ لأن الزكاة لا تنفده. باب: الرِّيَاءِ فِي الصَّدَقَةِ لِقَوْلِهِ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} إِلَى قَوْلِهِ {الْكَافِرِينَ} [البقرة: 264]. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضيَ الله عَنْهُما-: {صَلْدًا} [البقرة: 264]: لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٍ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: {وَابِلٌ} [البقرة: 264]: مَطَرٌ شَدِيدٌ، وَالطَّلُّ: النَّدَى. ¬

_ (¬1) في "ج": "جميع". (¬2) في "ج": "فلا". (¬3) تقدم تخريجه. (¬4) "منه" ليست في "ن".

(باب: الرياء في الصدقة؛ لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى}: سأل ابن المنير، فقال: إذا أبطل الأذى والمنُّ الصدقَة (¬1)، فلمَ يبطلها الرياءُ؟ ومن أين تلازما حتى شُبه أحدُهما بالآخر في الآية؟ وأجاب: بأنها تلازما في جهة اشتمال كلِّ واحلى من القسمين على خَلَلِ قصدِ المتصدِّقِ ونيته، أما في الرياء، فواضح؛ لأنه قصدَ الجاة والمنزلةَ عند الخلق دونَ وجه الله تعالى، وأما في المن والأذى؛ فلدلالتهما على الإعداد (¬2) والاحتساب على المتصدَّق عليه، دون الاعتماد على الله. وزعم بعضهم: أن إبطالَ الأذى والمنِّ من قبيل موازنة السيئة الحسنة. قال ابن المنير: الظاهر (¬3) عندي خلافه، وإنما الإبطال من الأصل لخلل (¬4) النية. أما في الأذى المقارِنِ للإعطاء، فواضح (¬5)، وأما في (¬6) المتأخر، فهو أيضاً يدل على أنه كان كامناً، ثم ظهر، وعلى هذا جمع الله بينه وبين الرياء المقارِن (¬7) المبطلِ من الأصل، لا بالموازنة. ¬

_ (¬1) في "ن": "والصدقة". (¬2) في "ن": "الاعتداد"، وفي "ع": "الاعتماد". (¬3) في "ع": "والظاهر". (¬4) من قوله: "وهو التعليم فتواخيا" (ص: 344) إلى هنا سقط من "ج". (¬5) في "ع": "فظاهر". (¬6) "في" ليست في "ن". (¬7) في "ج": "المفارق".

باب: لا يقبل الله صدقة من غلول، ولا يقبل إلا من كسب طيب

وأما في المن، كان كان المفسد طارئاً، فيحمل عليه أنه يُخَيَّل (¬1) في الصحة؛ كما أبطل مالكٌ العَقْدين معاً في بيوع الآجال؛ حملاً على اقتران المفسد. قلت: فيه نظر، والمذهب: أن العقدَ الأولَ من بيوع الآجال يصحُّ وحدَه، إلا أن يفوت الثاني، فيفسخان، وهل مطلقاً، أو إن (¬2) كانت القيمة أقل؟ خلف (¬3). باب: لَا يَقْبَلُ اللهُ صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ، وَلاَ يَقْبَلُ إِلاَّ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ لقولهِ: {وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} إِلَى قولهِ {وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:276 - 277]. (باب: لا يقبل الله صدقةً من غلول): (¬4) {وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى} [البقرة: 263]: كأن المناسبَ في الظاهر الاستدلالُ بقوله تعالى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة: 267]، لكنه جرى على عادته في إيثار الاستنباط الخفي. ¬

_ (¬1) في "ن": "يتخيل"، وفي "ع": "متخيل". (¬2) في "ج": "وإن". (¬3) "خلاف" ليست في "ج". (¬4) في "ن" و"ع": "لقوله تعالى".

باب: الصدقة من كسب طيب

ووجهُه أن الآية لما أنبأت عن أن الصدقة لما وازنتها سيئة (¬1) الأذى، بطلت، فالغلولُ غصب وأذى، فيوازن الصدقة، فتبطل بطريق الأَوْلى، أو (¬2) لأنه جعل المعصية اللاحقة للطاعة بعد تقررها -وهي الأذى- تبطل الطاعة، فكيف إذا كانت الصدقة نفسَ المعصية؟ لأن الغالَّ في دفعه المال للفقير غاصبٌ يتصرف (¬3) في ملك الغير، فكيف تقع المعصية من أول أمرها طاعة معتبرةً، وقد أبطلت المعصيةُ الطاعةَ المتحققةَ (¬4) من أول أمرها في الصدقة المتبَعَةِ بالأذى؟ قال ابن المنير: وهذا من لطيف الاستنباط، فتأمله. باب: الصَّدقةِ من كسبٍ طيِّبٍ 824 - (1410) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ مُنِيرٍ، سَمِعَ أَبَا النَّضْرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرحمَنِ -هُوَ ابْنُ عبد الله بْنِ دِينَارٍ-، عَنْ أَبيهِ، عَنْ أَبي صَالحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ تَصَدَّقَ بعَدْلِ تَمرَةٍ مِنْ كسْبٍ طَيِّبٍ، وَلاَ يَقْبَلُ اللَّهُ إلَّا الطَّيِّبَ، وَإِنَّ اللَّه يَتَقَبَّلها بيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبيها لِصَاحِبهِ، كمَا يُرَبي أَحَدكم فَلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَل". (بعَدل تمرة): -بفتح العين-؛ أي: مثلها. ¬

_ (¬1) في "ج": "رؤيتها شبه". (¬2) في "ج": "و". (¬3) في "ن": "متصرف". (¬4) في "ن"و "ع": "المحققة".

باب: الصدقة قبل الرد

وقيل: -بالفتح-: ما عادل الشيء من غير جنسه، و-بالكسر-: ما عادله من جنسه. وقيل: لغتان بمعنى. (ثم يربيها لصاحبها): الضمير راجع إلى الصدقة، والتربية: القيامُ على الشيء وتعاهدُه، والمعنى: تضعيفُ الله أجر (¬1) الصدقة لصاحبها وتكثيره. (فَلُوّه): - بفتح الفاء وضم اللام وتشديد الواو- على الأفصح، ويقال: - بكسر الفاء وإسكان اللام وتخفيف الواو-، قاله (¬2) النووي (¬3). والمراد به: المهر حين يُفطم، يقال: فَلَوْتُهُ عن أمه؛ أي: فَطمتُه، وهو حينئذٍ يحتاج إلى تربية غير الأم. باب: الصَّدقةِ قبلَ الرَّدِّ 825 - (1411) - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شعبَةُ، حَدَّثَنَا معبَدُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقُولُ: "تَصَدَّقُوا؛ فَإِنَّهُ يَأتِي عَلَيْكُم زَمَانٌ، يَمشِي الرَّجُلُ بصَدَقَتِهِ فَلاَ يَجدُ مَنْ يَقْبَلُها، يَقُولُ الرَّجُلُ: لَوْ جِئْتَ بِهَا بالأمسِ لَقَبلْتُها، فَأَمَّا الْيَوْمَ، فَلاَ حَاجَةَ لِي بها". ¬

_ (¬1) "الله أجر" ليست في "ج". (¬2) في "ج": "وقال". (¬3) انظر: "شرح مسلم" (7/ 99).

(فإنه يأتي عليكم زمان يمشي الرجل بصدقته): الجملة الفعلية الثانية في محل رفع على أنها صفة لزمان، والعائدُ محذوف؛ أي: فيه، وهل حُذفَ الجارُّ والمجرور معًا، أو حُذف الجارُّ وحدَه، فانتصب الضمير، واتصل بالفعل، ثم حذف منصوبا؛ قولان: الأول: لسيبويه، والثاني: للأخفش. وسيأتي في هذا الباب حديثٌ فيه زيادة: "من الذهب"، وفيه تنبيه على ما سواه بطريق الأولى، و (¬1) القصد: حصولُ عدم القبول مع اجتماع ثلاثة أشياء: عرض الرجل صدقته على مَن يأخذها، ومشيُه بها، وكونها من ذهب. فإن قيل: الحديث خرجَ مخرج التهديد على تأخير الصدقة، فما وجهُ التهديد فيه، مع أن الذي لا يجد من يقبل صدقته قد فعل ما في وُسْعه كما فعل الواجد (¬2) لمن قبل صدقته؟ والجواب: أن التهديد مصروف لمن أَخَّرها عن مستحقها، وَمَطَلَه بها حتى استغنى ذلك الفقيرُ المستحق، فغنى الفقير لا يخلِّص ذمةَ الغني المماطل في وقت الحاجة، قاله ابن المنير. 826 - (1412) - حَدَّثَنَا أبو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْب، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ ¬

_ (¬1) "و" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "الواحد".

النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ، فَيَفِيضَ، حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ، وَحَتَّى يَعرِضَهُ، فَيَقُولَ الَّذِي يَعرِضُهُ عَلَيْهِ: لَا أَرَبَ لِي". (فيفيض): من فاضَ (¬1) الإناءُ: إذا امتلأ، وهو منصوب (¬2) بالعطف على (¬3) الفعل المنصوب من قوله: "حتى يكثرَ فيكم المال". (حتى يُهِمَّ رَبَّ المال مَنْ يقبل الصدقة (¬4)): -بضم الياء- من "يُهِمَّ" مضارع أَهمَّهُ: إذا أحزنه، و"ربَّ المال (¬5) " منصوبٌ مفعولٌ بيُهِمَّ (¬6)، و"من يقبل" في محل رفع (¬7) على أنه الفاعل؛ أي: حتى يُحزن ربَّ المال مَنْ يقبل صدقته، فأسند الفعل إليه من حيث كان سبباً في حزن صاحب المال. ومنهم من قيده بضم الهاء؛ من "هَمَّ" بمعنى: قصدَ، و"ربُّ المال" مرفوعٌ فاعلٌ، و"من يقبل" مفعول؛ أي: يقصدُه فلا يجدُه. قال الزركشي: وهذا حكاه القاضي، والنووي، وغيرهما، وليس بشيء؛ إذ يصير التقدير: يقصد الرجلُ من يأخذُ ماله، فيستحيل، وليس المعنى إلا على الأول (¬8). ¬

_ (¬1) في "ع": "أفاض". (¬2) في "ع": "منصوب مفعول". (¬3) من قوله: "حذف الجار والمجرور معاً" (ص: 349) إلى هنا سقط من "ج". (¬4) في "ن" و"ع ": "صدقته". (¬5) "المال" ليست في "ن". (¬6) في "ن": "يهم". (¬7) في "ن" و "ع": "الرفع". (¬8) انظر: "التنقيح" (1/ 341).

قلت: لا استحالة أصلاً؛ فإنهم قالوا: المعنى: أنه يقصد من يأخذ ماله، فلا يجده، وإذا لم يجد الإنسان طلبته التي (¬1) هو حريص عليها، فلا شك أنه يحزن ويقلق؛ لفوات مقصوده، فعاد هذا إلى المعنى الأول، و (¬2) علم أنه شيء حسن {لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 37] والهجومُ على تخطئةِ الأئمةِ مرتعُه وَخيم. (فيقولَ): -بالنصب- عطفاً على الفعل المنصوب قبلَه. (لا أَرَبَ في): أي: لا حاجةَ لي. قال الزركشي: قيل: وكأنه سقط من الكتاب: "فيه (¬3) " (¬4). قلت: وهذا أيضاً عجيب، فلو ثبت لنا رواية (¬5) صحيحة فيها التصريح ب: فيه، لم يَسُغْ لنا الإقدامُ على أن نقول: حذف البخاريُّ من الحديث هذا اللفظَ؛ فإن رواته متفقون على رواية هذا الحديث بدون هذه اللفظة (¬6)، والمعنى عليها في (¬7) كلام المتكلم بقوله: لا أربَ لي، فهي محذوفة في (¬8) لفظ ذلك المتكلم؛ لقيام القرينة، وليس المراد: أنه قال: ¬

_ (¬1) في "ج": "الذي". (¬2) الواو ليست في "ج". (¬3) في "ع": "فيه أيضاً". (¬4) المرجع السابق (1/ 341). (¬5) في "ن": "رؤية". (¬6) في "ع": "اللفظ". (¬7) في "ع": "من". (¬8) في "ن": "من".

لا أرب لي فيه، فسقط (¬1) من كتاب البخاري: فيه (¬2)، هذا ما لا يقال أصلًا، فتأمله. 827 - (1413) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصم النَّبيلُ، أَخْبَرَنَا سَعْدَانُ بْنُ بشْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُجَاهِدٍ، حَدَّثَنَا مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ الطَّائِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ حَاتِم -رَضيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُولُ: كنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَاءَهُ رَجُلاَنِ، أَحَدُهُمَا يَشْكُو الْعَيْلَةَ، وَالآَخَرُ يَشْكُو قَطْعَ السَّبيلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَّا قَطْعُ السَّبيلِ: فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكَ إِلاَّ قَلِيل حَتَّى تَخْرُجَ الْعِيرُ إِلَى مَكَّةَ بغَيْرِ خَفِيرٍ، وَأَمَّا الْعَيْلَةُ: فَإِنَّ السَّاعَةَ لَا تَقُومُ حَتَّى يَطُوفَ أَحَدكُم بصَدَقَتِهِ، لَا يَجدُ مَنْ يَقْبَلُها مِنْهُ، ثُمَّ لَيَقِفَنَّ أَحَدكم بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حِجَابٌ، وَلاَ تَرْجُمَان يُتَرْجِمُ لَهُ، ثُمَّ لَتقُولَنَّ لَهُ: أَلم أُوتِكَ مَالًا؟ فَلَيَقُولَنَّ: بَلَى، ثُمَّ لَيَقُولَنَّ: أَلَف أُرسِلْ إِلَيْكَ رَسُولاً؟ فَلَيَقُولَنَّ: بَلَى، فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ فَلاَ يَرَى إِلاَّ النَّارَ، ثُمَّ يَنْظُرُ عَنْ شِمَالِهِ فَلاَ يَرَى إِلأَ النَّارَ، فَلْيَتَّقِيَنَّ أَحَدكُمُ النَّارَ وَلَوْ بشِقِّ تَمرَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجدْ، فَبكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ". (سعدانُ): غير منصرف. (ابنُ بشْرٍ (¬3)): بكسر الموحدة وإسكان الشين (¬4) المعجمة. ¬

_ (¬1) في "ن": "سقط". (¬2) فيه "ليست في "ج". (¬3) في "ن": "سعدان بن بشر". (¬4) "الشين" ليست في "ج".

(مُحِلُّ بنُ خليفة): بميم مضمومة وحاء مهملة مكسورة. (يشكو العيلة): أي: الفقر. (يشكو قطع السبيل): فسادَ السُّراق (¬1) وأهل الشر المتعرضين لمن يسلك السبل. (حتى تخرج العِير): -بكسر العين المهملة-: القافلة. (إلى مكة بغير خفير (¬2)): -بخاء معجمة-: مَنْ (¬3) يكون القوم في ضمانه وخِفارته؛ أي (¬4): ذِمَّته. 828 - (1414) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبي بُرْدَةَ، عَنْ أَبي مُوسَى -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، يَطُوفُ الرَّجُلُ فِيهِ بالصدَقَةِ مِنَ الذَّهب، ثُمَّ لَا يَجدُ أَحَداً يَأْخُذُها مِنْهُ، وَيُرَى الرَّجُلُ الْوَاحِدُ يَتْبَعُهُ أَرْبَعُونَ امرَأَةً يَلُذْنَ بهِ، مِنْ قِلَّةِ الرِّجَالِ وَكَثْرَةِ النِّسَاءِ". (يلُذْن به): - بلام مضمومة وذال معجمة ساكنة-؛ أي: يستترن (¬5) به ¬

_ (¬1) في "ج": "السرق". (¬2) في "م" و"ج": "تخفير". (¬3) في "ن": "من أن". (¬4) في "ج": "إلى". (¬5) في "م": "يستترون"، وفي "ج": "يسيرون".

باب: اتقوا النار ولو بشق تمرة، والقليل من الصدقة

يتحرزن (¬1)؛ من الملاذ (¬2)؛ ليقوم (¬3) بحوائجهن، ولا يطمع فيهن، وسبب قلة (¬4) الرجال كثرةُ الحروب والقتال الواقع في آخر الزمان؛ لقوله: "ويكثر الهرج" (¬5)، وقيل: يستغثن (¬6) به؛ أي: يلتجئن إليه، يقال: لاذَ لِواذاً ولِياذاً. باب: اتَّقوا النَّارَ ولو بشقِّ تمرةٍ، والقليلِ من الصَّدقةِ 829 - (1415) - حَدَّثَنَا عبيد الله بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو النعمَانِ الْحَكَمُ -هُوَ ابْنُ عبد الله الْبَصرِيُّ-، حَدَّثَنَا شُعبَةُ، عَنْ سُليْمَانَ، عَنْ أَبي وَائِلٍ، عَنْ أَبي مَسْعُودٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الصَّدَقَةِ، كنَّا نُحَامِلُ، فَجَاءَ رَجُل فَتَصَدَّقَ بشَيْءٍ كَثِيرٍ، فَقَالُوا: مُرَائِي، وَجَاءَ رَجُل فَتَصَدَّقَ بصَاعٍ، فَقَالُوا: إِنَّ اللَّه لَغَنِي عَنْ صَاعِ هذَا، فَنَزَلَتِ: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} [التوبة: 79]. (كنا نُحامل): أي: نحمل على ظهورنا بأجرة، يقال: حامَلْتَه كما يقال: زارَعتُه. ¬

_ (¬1) في "ن": "ويتحرون"، وفي "ع": "يتجرون". (¬2) في "ن" و"ج": "البلاد". (¬3) في "ج": "وليقوم". (¬4) في "ع": "وقلة سبب"، وفي "ج": "ولسبب". (¬5) رواه البخاري (6037) عن أبي هريرة رضي الله عنه. (¬6) في "ج": "يستعين".

وقال الخطابي: يريد نتكلَّف الحملَ؛ لنكتسب ما نتصدَّقُ به (¬1). (فجاء رجل فتصدق بشيء كثير): هو عبد الرحمن بن عوف، تصدق بنصف ماله، وكان مالُه (¬2) ثمانية آلاف دينار. قاله ابن التين (¬3). (وجاء رجل فتصدق بصاع (¬4)): هو أبو عقيل. قال (¬5) في "أسد الغابة": واختُلف (¬6) في اسمه فقيل: حَبْحابٌ (¬7)، قاله قتادة، لم يزد على ذلك، وذكره (¬8) في الحاء المهملة (¬9). وقال السهيلي: اسمه (¬10) جثجاث (¬11)، هكذا وجد بخط بعض الحفاظ مضبوطاً بالنقط (¬12)، بجيمين وثاءين مثلثتين. ¬

_ (¬1) وانظر: "فتح الباري" لابن حجر (3/ 333). (¬2) "وكان ماله" ليست في "ع". (¬3) في "ج": "ابن المنير". (¬4) في "ع" و"ج": "فتصدق بنصف صاع". (¬5) في "ع": "وقال". (¬6) في "ج": "واختلفوا". (¬7) في "ع": "حثحاث". (¬8) في "ن": "ذكره". (¬9) انظر: "أسد الغابة" (1/ 667). (¬10) "اسمه" ليست في "ج". (¬11) انظر: "الروض الأنف" (4/ 326). (¬12) "بالنقط" ليست في "ع".

830 - (1416) - حدثنا سَعِيدُ بنُ يَحيَى، حدثنا أبي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عنْ شَقِيقٍ، عن أبي مَسْعُودٍ الأَنْصارِيِّ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَمَرَنَا بالصَّدَقَةِ، انْطَلَقَ أَحَدُنَا إِلَى السُّوقِ، فتحَامَلَ، فَيُصِيبُ الْمُدَّ، وَإِن لِبَعْضهِمُ الْيَوْمَ لَمِئَةَ ألفٍ. (انطلق أحدنا إلى السوق فيُحامل): يروى بمثناة من تحت مضمومة، مضارع حامَلَ، ويروى بمثناة من فوق مفتوحة، على أنه فعل ماض. (فيصيب المدَّ): أي: يكري (¬1) نفسَه ويؤاجرُها (¬2) بمدٍّ واحدٍ يأخذه. (وإن لبعضهم اليوم لَمِئَةَ (¬3) ألف): بنصب مئة على أنه اسمُ "إن"، ولبعضهم خبرها، و"اليوم" ظرف (¬4) متعلق بالظرف المستقر الذي هو الخبر، أو بالعامل فيه، على الخلاف. ويروى برفع مئة، وهو مشكل. فإن قلت: لم لا يجعل اسم إن ضمير شأن محذوفاً؛ نحو: "إِنَّ مِنْ أَشدِّ الناسِ عَذَاباً يَوْمَ القِيَامَةِ المُصَوِّرُونَ" (¬5)، ومئة ألف مرفوع بالابتداء، والمتقدم خبره؟ ¬

_ (¬1) في "ع": "يكوي". (¬2) في "ع": "يؤجرها". (¬3) في "م": "مئة". (¬4) في "ن" زيادة: "على أنه". (¬5) رواه البخاري (5950) عن ابن مسعود رضي الله عنه.

قلت: يمنع منه اقتران المبتدأ بلام الابتداء، وهي مانعة من تقدم الخبر على المبتدأ المقرون بها، ودعوى زيادتها (¬1) ضعيف جداً، فتأمله. 831 - (1417) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ عبد الله بْنَ معْقِلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمِ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بشِقِّ تَمرَةٍ". (عبد الله بن معْقِل): بعين مهملة ساكنة وقاف مكسورة. (بشِقِّ تمرة): بكسر الشين. 832 - (1418) - حَدَّثَنَا بشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الله، أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عبد الله بْنُ أَبي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضيَ اللهُ عَنْها-، قَالَتْ: دَخَلَتِ امْرَأة مَعَهَا ابْنَتَانِ لَها تَسْأَلُ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيْئاً غَيْرَ تَمْرَةٍ، فَأَعْطَيْتها إِيَّاها، فَقَسَمَتْها بَيْنَ ابْنَتَيْها، وَلَمْ تأكُلْ مِنْها، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ، فَدَخَلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْنَا، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: "مَنِ ابْتُلِيَ مِنْ هذِهِ الْبَنَاتِ بشَيْءٍ، كُنَّ لَهُ سِتْراً مِنَ النَّارِ". ¬

_ (¬1) في "ن": "زياداتها".

(فلم تجد (¬1) عندي غيرَ تمرة، فأعطيتها إياها، فقسمتها بين ابنتيها): أخذ ابن المنير -رحمه الله- يحاول بيانَ (¬2) موقع (¬3) الاستدلال على أن شقَّ التمرة (¬4) يقي من النار في حديث عائشة هذا بأن قال: موقعُ (¬5) الاستدلال من جهة أم البنتين؛ لأنها لما قسمت التمرة بينهما، فقد تصدقت على كل واحدة بشق تمرة، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في حقها كلاماً عاماً يندرج (¬6) فيه حيث يقول: "مَنِ ابْتُلِيَ مِنْ هذهِ البَنَاتِ بشَيْءٍ كُنَّ لَهُ سِتْراً مِنَ النَّارِ". قلت: لم يدخل البخاري -رحمه الله- تحت عهدة الاستدلال بهذا (¬7) الحديث بعينه على أن الصدقة بشق التمرة يقي من النار حتى يُتكلَّف له مثلُ هذا؛ فإنه عقد الباب للأمر باتقاء النار ولو بشق تمرة، وللقليل (¬8) من الصدقة، وقد وفى بالأمرين معًا. فحديثُ ابنِ معقل فيه الأمرُ باتقاء النار ولو بشقّ تمرة، وحديثُ عائشة - رضي الله عنها (¬9) - فيه الصدقةُ بالشيء القليل، كما أن في الأحاديث المتقدمة الإشارةَ إلى القليل من الصدقة، فأيُّ حاجة بعد ذلك إلى التكلف؟ ¬

_ (¬1) في "ع": "يجد". (¬2) في "ن": "بناء". (¬3) في "ع": "يحاول بين مواقع". (¬4) في "ع": "التمر". (¬5) في "ج": "موضع". (¬6) في "ع": "تندرج". (¬7) في "ن": "لهذا". (¬8) في "ع": "للقليل"، وفي "ج": "والقليل". (¬9) "رضي الله عنها" ليست في "ن".

باب: فضل صدقة الشحيح الصحيح

ثم ليس في حديث عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تعرض إلى ما فعلته من قسم التمرة بين البنتين، وإنما فيه الإخبار بأن الابتلاء بشيء من البنات سببٌ للستر من النار، على أن ما قاله محتمل، ويحتمل أيضاً أن يكون حديثُ عائشة مسوقاً للأمرين معاً؛ لقضية الصدقة بالقليل، وهو ما فعلته [عائشة -رضي الله عنها- من التصدُّق بالتمرة، ولاتقاء النار ولو بشقِّ تمرة، وهو ما فعلته] (¬1) أمُّ البنتين مع كل واحدة منهما؛ حيث دفعت (¬2) لها شق تمرة، فتأملْه. باب: فضلِ صدقةِ الشَّحيح الصحيحِ 833 - (1419) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ، حَدَّثَنَا أَبُو زُرعَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: جَاءَ رَجُل إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْراً؟ قَالَ: "أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صحِيحٌ شَحِيحٌ، تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى، وَلاَ تُمهِلْ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ، قُلْتَ: لِفُلاَنٍ كذَا، وَلِفُلاَنٍ كذَا، وَقَد كانَ لِفُلاَنٍ". (وتأمُل الغنى): هو بضم الميم؛ أي: تطمع. (ولا تمهل (¬3)): يجوز فيه ثلاثة أوجه: النصب، والرفع، والجزم، ووجهها ظاهر. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين سقط من "ن". (¬2) في "ع": "رفعت". (¬3) في "ع": "يمهل".

(حتى إذا بلغت الحلقوم): أي: قاربتْ بلوغَه؛ إذ لو بلغته حقيقة لم تصح حينئذ وصيةٌ ولا غيرُها من التصرفات بالاتفاق، بل لا يُتصور في مطرد العادة حينئذ، وهو حين الغرغرة ومعاينة الملائكة أن ينطق المحتضَر أبداً، ولا يَلتفت إلى غير ما هو فيه من شأن الموت. والضمير في قوله: "حتى إذا بلغت" عائدٌ على (¬1) الروح، وإن لم يَجرْ لها ذكرٌ بالصريح (¬2)؛ لفهمها من السياق (¬3). (قلتَ: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان): قيل: يريد بالأولين: من أنشأ له بالوصية في تلك الحالة، وبالأخير: من تقدمت له وصيةٌ في تلك الحال أيضاً. وقال الخطابي: يريد بفلان الذي قال فيه: "لفلان كذا": الموصى له، وقوله (¬4): "وقد كان (¬5) لفلان" يعني (¬6): الوارث؛ لأنه إن شاء أبطله، ولم يُجِزْه (¬7). قال السفاقسي: يريد: أن "كان" بمعنى: صار، وقوله: لأنه إن شاء أبطل الوصية، يريد: إذا جاوزت الثلث، أو كانت لوارث. ¬

_ (¬1) في "ج": "إلى". (¬2) في "ج": "بالتصريح". (¬3) في "ج": "بالسياق". (¬4) في "ج": "له". (¬5) في "ن": "وقد قال". (¬6) في "ج": "بمعنى". (¬7) انظر: "أعلام الحديث" (1/ 758). وانظر: "التنقيح" (1/ 343).

باب

باب 834 - (1420) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعبيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضيَ اللهُ عَنْها-: أَنَّ بعْضَ أَزْوَاجِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قُلْنَ لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أيُّنا أَسْرَعُ بكَ لُحُوقاً؟ قَالَ: "أَطْوَلُكُنَّ يَداً". فَأَخَذوا قَصَبَةً يَذْرَعُونها، فَكَانَتْ سَوْدَةُ أَطْوَلَهُنَّ يَداً، فَعَلِمنَا بَعْدُ أَنَّمَا كَانَتْ طُولَ يَدِها الصَّدَقَةُ، وَكَانَتْ أَسْرَعَنَا لُحُوقاً بهِ، وَكانَتْ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ. (فِراس): بفاء مكسورة وراء مخففة وآخره سين مهملة. (عن عائشة: أن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - قلْنَ للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أيُّنا أسرعُ بك لحوقاً؟ قال: أطولُكن يداً، فأخذوا (¬1) قصبةً يذرعونها، فكانت (¬2) سودةُ أطولَهن يداً، فعلمنا بعدُ: أَنما كانتْ طولَ يدها الصدقةُ، وكانت أسرعَنا لحوقاً بالنبي (¬3) - صلى الله عليه وسلم -، وكانت تحبُّ الصدقة): قوله: يذرعونها (¬4) -بالذال المعجمة-؛ أي: يقدرونها بذراع كل واحدة كي يعلَمْنَ أيُّهن أطولُ جارحةً. وقوله: أنما -بفتح الهمزة-، والصدقةُ -بالرفع- اسمُ كان، وطولَ يدِها -بالنصب- خبرُها، وقوله: "فكانت (¬5) سودةُ أطولَهن يداً" أي: من طريق المساحة. ¬

_ (¬1) في "ع": "فأخذن". (¬2) في "ع": "وكانت". (¬3) في "ن": "لحوقاً به - صلى الله عليه وسلم - ". (¬4) في "ن": "يذرعانها". (¬5) في "ج": "وكانت".

قال الزركشي: قال ابنُ دحية وغيرُه: و (¬1) هذا الحديث، وإن صح إسناده، لكنه وهم بلا شك، وكأنه سقط منه ذكرُ زينبَ؛ فإنه لا خلافَ بين أهلِ السيرِ بأنها (¬2) كانت أولَهن موتاً، وكذلك أخرجه مسلم: "قالت عائشة: وكانتْ أطولَنا يداً زينبُ؛ لأنها كانت تعمل بيدها، وتتصدق" (¬3). وقال النووي: هكذا وقع الحديث هنا (¬4) في "البخاري" بلفظ معقدٍ يوهم أن أسرعَهن لحوقاً به سودةُ، وهذا الوهم باطل بالإجماع، وإنما هي (¬5) زينبُ كما رواه مسلم. انتهى كلام الزركشي (¬6). قلت: لا وهمَ في كلام البخاري ولا تعقيدَ، ولا يوهم ما قاله النووي، وذلك أن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فهمن (¬7) من طول (¬8) اليد (¬9) طولَها حساً، ولذلك ذرعوا القصبة، ثم أخبرت عائشة -رضي الله عنها-: أنهن بعدَ تقرر كونِ سودةَ أطولَهن يداً بالمساحة، علمنَ أَنَّ ما فهمنَه أولًا ليسَ مرادَ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنه إنما أرادَ طولَ اليد معنىً بالصدقة، وإنما يعلمن ذلك إذا ¬

_ (¬1) الواو ليست في "ع". (¬2) في "ن" و"ع": "أنها". (¬3) رواه مسلم (2452). (¬4) في "ج": "ما". (¬5) "هي" ليست في "ن". (¬6) انظر: "التنقيح" (1/ 344). (¬7) في "ن": "فهن". (¬8) في "ن": "أطول"، وفي "ع": "أطول إليه طولها". (¬9) "اليد" ليست في "ع".

تُوفي منهن (¬1) مَنْ طولُ يدها معنويٌّ لا حسيٌّ، فحينئذ تكون سودةُ غيرَ مرادة قطعاً، والضميرُ من قولها: إنما كانت طولَ يدها الصدقةُ ليس عائداً على سودةَ، وإلا خرج التركيب عن (¬2) النظام الصحيح، وإنما هو عائد على الزوجة (¬3) التي عناها النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "أطولُكن يداً (¬4) "، وهي (¬5)، وإن كانت أبعدَ مذكور، فيتعين عودُ الضمير إليها؛ لقيام الدليل عليه، وكذا الضمير من قولها: "وكانت أسرعنا لحوقاً به" عائد إلى هذه الزوجة (¬6) التي كانت طويلةَ اليد بالصدقة، وكذا من قولها (¬7): "وكانت تحبُّ الصدقة". وغاية الأمر: أن البخاري لم يقع له في هذه الطريق التي روى بها الحديث تسميةُ هذه الزوجة، فلم يمكنه تسميتُها، وأيُّ محذور في ذلك؟ وأيُّ تعقيد في نظم هذا الحديث؟ أو أيُّ وهم فيه أو إيهام (¬8) لغير المقصود؟ إن هذا لشيء (¬9) عجاب، وقد انجلت (¬10) ظلمة الإشكال، وبين الصبح لذي ¬

_ (¬1) "منهن" ليست في "ج". (¬2) في "ج": "على". (¬3) في "ن": "الزوج". (¬4) "يداً" ليست في "ع". (¬5) في "ع": "إذ هي". (¬6) في "ن": "الزوج". (¬7) في "ع": "قوله". (¬8) في "ج": "وإيهام". (¬9) في "م": "الشيء". (¬10) في "م"و "ج": "انجلت".

عينين، ولله الحمد والمنة (¬1). وقد أخذ مغلطاي الجندي يعتذر عن البخاري بعد أن قدم من التشنيع عليه ما لا حاجة بنا إلى ذكره بأن قال: و (¬2) يحتمل أن تكون رواية البخاري لها وجه، وهو أن يكون خطابه - صلى الله عليه وسلم - لمن كان حاضراً عنده إذ ذاك من الزوجات، وأن سودة وعائشة كانتا ثَمَّ، وزينب كانت غائبة، وقال: إن سودة توفيت سنة أربع وخمسين. قلت: يشير إلى أن سودة كانت أسرعَ لحوقاً به ممن كان حاضراً إذ ذاك عنده من الزوجات، ويلزم منه تقرير أن المراد بطول اليد طولُها حِسًّا، وكأنه نسي قول عائشة -رضي الله عنها-: فعلمنا بعدُ أنما كانت طولَ يدها الصدقةُ، فتأمله. وقد ظهر أن المراد باليد: هو النعمة مجازاً. وجوز بعضهم فيه أن يكون كناية. وفيه نظر؛ لأن طول اليد التي هي الجارحة لا مناسبة فيه لكثرة الصدقة كالمناسبة (¬3) في طولِ (¬4) النجاد لطول القامة. قلت: ولو ذهب ذاهبٌ إلى أن المراد باليد: الجارحة، وأن أطولكن ¬

_ (¬1) "والمنة" ليست في "ج". (¬2) الواو ليست في "ع". (¬3) في "م" و "ج": "كالمناسب". (¬4) في "ج": "لطول".

من الطَّول -بفتح الطاء- لا من الطُّول -بضمها-؛ أي: أجودكن يداً، ونسب الجود إلى اليد؛ لأن الإعطاء كثيراً ما يكون بها؛ لكان وجهاً. ومن العجب أن الشيخ بهاء الدين السبكي -رحمه الله- قال في "شرح التلخيص": ومن إطلاق اليد بمعنى النعمة إخبارُ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أسرع أزواجه لحوقاً به أطولُهن يداً، فأخذوا (¬1) قصبة يذرعونها (¬2)، وفي البخاري: "وكانت سودة أطولهن يداً". وفي مسلم: "وكانت (¬3) أطولَنا يداً زينبُ" (¬4)، وجمع بينهما على أنهما مجلسان، فالمجلس الذي حضرته زينبُ غيرُ المجلس الذي حضرته سودةُ، [وكانت سودة على الإطلاق أسرعَهن لحوقاً. هكذا رأيته بهذا النص في نسختي من "شرح التلخيص" هذا، ولعل سودة]، (¬5) من قوله: "وكانت (¬6) سودةُ على الإطلاق أسرعَهن لحوقاً" سبقُ قلم منه، أو من الناسخ، وإلا لزم مخالفة (¬7) الإجماع. ¬

_ (¬1) في "ع": "فأخذن". (¬2) في "ع": "يذرعنها". (¬3) في "ن": "فكانت"، وفي "ج": "فكان". (¬4) رواه مسلم (2452). (¬5) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬6) في "ج": "فكانت". (¬7) في "ع": "مخالفته".

باب: صدقة السر

باب: صَدَقَةِ السِّرِّ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَرَجُل تَصَدَّقَ بصَدَقَةٍ فَأَخْفَاها، حَتَّى لَا تعْلَمَ شِمَالُهُ مَا صَنَعَتْ يَمِينُهُ". وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 271]. (فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق (¬1) يمينه): قال ابن بطال: هذا مثل ضربه -عليه السلام- في المبالغة في الاستتار بالصدقة؛ لقرب الشّمال من اليمين، وإنما أراد: أن لو قدر أن لا (¬2) يعلم من (¬3) يكون على شماله من الناس؛ نحو: {وسئلِ اَلقَريَةَ} [يوسف: 82]؛ لأن الشِّمال لا توصَف بالعلم، فهو من مجاز الحذف (¬4). قال ابن المنير: وألطفُ منه أن يُراد: لو أمكنَ المتصدقَ أن يُخفي صدقَته عن نفسه، لفعل، فكيف لا يخفيها عن غيره، والإخفاءُ عن النفس يمكن باعتبار، وهو أن يتغافلَ المتصدقُ عن الصدقة، ويتناساها حتى ينساها، وبهذا تمدح الكرام شرعاً وعرفاً. ¬

_ (¬1) نص البخاري - نسخة اليونينية: "صنعت". (¬2) في "ع": "أن لو". (¬3) في "م" و"ج": "من أن". (¬4) انظر: "شرح ابن بطال" (3/ 421).

باب: إذا تصدق على غني وهو لا يعلم

باب: إذا تصدَّق على غنيِّ وهو لا يعلمُ 835 - (1421) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيب، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعوَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ -رَضىَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "قَالَ رَجُلٌ: لأتصَدَّقَنَّ بصَدَقَةٍ، فَخرَجَ بصَدَقَتِهِ، فَوَضَعها فِي يَدِ سَارِق، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، لأَتَصَدَّقَنَّ بصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بصَدَقَتِهِ فَوَضَعَها فِي يَديْ زَانِيةٍ، فَأَصبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمدُ، عَلَى زَانِيَةٍ؟! لأَتَصَدَّقَنَّ بصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بصَدَقَتِهِ، فَوَضَعها فِي يَدَيْ غَنِيٍّ، فَأَصبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّق عَلَى غَنِيٍّ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحمْدُ، عَلَى سَارِقٍ، وَعَلَى زَانِيَةٍ، وَعَلَى غَنِىٍّ؟! فَأُتِيَ: فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقتكَ عَلَى سَارِقٍ: فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سرقَتِهِ، وَأَمَّا الزَّانِيَة: فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاها، وَأَمَّا الْغَنِيُّ: فَلَعَلَّهُ يَعْتَبرُ، فَيُنْفِقُ مِمَّا أعطَاهُ اللَّهُ". (قال رجل: لأتصدقَنَّ بصدقة، فخرج فوضعها في يد سارق): هذا الرجل ممن كان قبلنا. (فأُتي فقيل له): أي: أُتي في المنام، ففي "مستخرج أبي نعيم": "فَأُتِيَ في مَنَامِهِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ الله قَدْ قَبلَ صَدَقَتَكَ". باب: إذا تصدَّق على ابنهِ وهو لا يَشْعُرُ 836 - (1422) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا إِسرَائِيلُ، حَدَّثَنَا

أَبُو الْجُويرِيَةِ: أَنَّ معنَ بْنَ يَزِيدَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ- حَدَّثَهُ، قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَا وَأَبي وَجَدِّي، وَخَطَبَ عَلَيَّ فَأَنْكَحَنِي، وَخَاصمتُ إِلَيْهِ: كَانَ أَبي يَزِيدُ أَخْرَجَ دَنَانِيرَ يتصَدَّقُ بها، فَوَضَعَها عِنْدَ رَجُلٍ فِي الْمَسْجدِ، فَجئْتُ فَأَخَذْتها، فَأتيْتُهُ بها، فَقَالَ: وَاللَّه! مَا إِيَّاكَ أَرَدتُ، فَخَاصَمْتُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "لَكَ مَا نَويتَ يَا يَزِيدُ، وَلَكَ مَا أَخَذْتَ يَا مَعنُ". "أن معنَ بنَ يزيد حدثه، قال: بايعتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أنا وأبي وجدي): هذا فيه صاحب ابن صاحب ابن صاحب، فيضاف (¬1) لبنت الصديق رضي الله عنه. وقد جمع بعضُهم في ذلك جزءاً (¬2). وجدُّ معن هذا هو الأخْنَسُ. قال في "أسد الغابة": معنُ بنُ يزيدَ بنِ الأخنسِ بنِ حبيبٍ السلمي، صحبَ النبي - صلى الله عليه وسلم - هو وأبوه وجده، يكنى: أبا زيد (¬3)، قال (¬4) يزيدُ بنُ أبي حبيب: إنه شهد بدراً مع أبيه وجده، ولا نعرف أحداً شهدَ بدراً هو وأبوه وجده غيرَه، قال ابن عبد البر: لا نعرف معناً في البدريين، ولا يصح (¬5). ¬

_ (¬1) في "ج": "صاحب بن صاحب فيضاف". (¬2) "جزءاً" ليست في "ج". (¬3) في "ج": "يزيد". (¬4) في "ن" و"ع": "وقال". (¬5) انظر: "أسد الغابة" (5/ 230).

(وخطب عليَّ): يقال (¬1): خطبَ المرأةَ إلى وليها: إذا أرادَها لنفسه، وخطبَ عليه: إذا أرادها لغيره، والمعنى: طلب من ولي المرأة أن يزوِّجَها مني. (فأفلجني (¬2)): -بالجيم- يعني: حكم لي؛ أي (¬3): أَظْفَرَني بمرادي، يقال: فلج (¬4) الرجلُ على خصمه: إذا ظفر به. (فقال: لكَ ما نويتَ يا يزيدُ، ولك ما أخذتَ يا معنُ): هذا مع أن أباه صاحبَ الصدقة قال لولده: "ما إياكَ أردتُ". قال ابن المنير: لأنه لم يعن أردتُ غيرك فقط، وإنما عنى (¬5): ما أردتُك على الخصوص، وكأن نيته كانت مسترسلة على الفقير، ولم يحجر على الوكيل أن يعطي الولدَ، وكان فقيراً، فاندرج في العموم، فأمضاها النبي - صلى الله عليه وسلم - له، وكانت صدقَة (¬6) تطوُّع، وقد نص أصحابنا أنه (¬7) إذا أوصى للفقراء، فافتقر ولدُه الذي ورثوه قبل قسمة الوصية أنهم يأخذون بالفقر، وهذا الحديث يدل عليه. ¬

_ (¬1) في "ع": "فقال". (¬2) نص البخاري: "فأنكحني". (¬3) في "ع ": "أن". (¬4) في "م": "أفلج". (¬5) في "ع": "عني". (¬6) في "ج": "صدقته". (¬7) في "ن": "على أنه"، وفي "ع": "لأنه".

باب: الصدقة باليمين

باب: الصَّدقةِ باليمينِ 837 - (1424) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ الْخُزَاعِيَّ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُولُ: سَمَعتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "تَصَدَّقُوا؛ فَسَيَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمان يَمشِي الرَّجُلُ بصَدَقَتِهِ، فَيَقُولُ الرَّجُلُ: لَوْ جِئْتَ بهَا بالأَمسِ، لَقَبلْتُها مِنْكَ، فَأَمَّا الْيَوْمَ، فَلاَ حَاجَةَ لِي فِيها". (لو جئتَ بها بالأمسِ): الكسرة فيه كسرةُ إعراب؛ [لأنه إذا دخله (¬1) اللام، أُعرب] (¬2) اتفاقاً؛ لزوالِ علةِ البناء؛ أي: تقدير اللام. [قال الزركشي: فإن اعتقدت (¬3) زيادتها، فكسرةُ بناء (¬4). قلت: لا شك أن بناءه (¬5) مع مقارنة اللام] (¬6) قليلٌ، وإنما يُرتكب حيث يُلتجأ إليه؛ كما إذا قيل: ذهب الأمسِ بما فيه -بكسر السين-، وأما هنا، فلا داعي (¬7) إلى دعوى الزيادة بوجه، فتأمله. ¬

_ (¬1) في "ع": "أدخله". (¬2) ما بين معكوفتين سقط من "ن". (¬3) في "ع": "اعتدت". (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 345). (¬5) في "ع": "بناه". (¬6) ما بين معكوفتين سقط من "ن". (¬7) في "ع": "فلا دعوى".

باب: من أمر خادمه بالصدقة، ولم يناول بنفسه

باب: مَنْ أَمَرَ خَادِمَهُ بالصَّدَقَةِ، وَلَم يُنَاوِلْ بنَفْسِهِ وَقَالَ أَبُو مُوسَى، عَنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: "هُوَ أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنِ". (هو أحد المتصدقَين): الرواية فيه: بفتح القاف على التثنية. قال صاحب "المفهم": ويجوز كسرها على الجمع، ومعناه: متصدقٌ من المتصدقين (¬1). 838 - (1425) - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضيَ اللهُ عَنْها-، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَنْفَقَتِ الْمَرأة مِنْ طَعَامِ بَيْتِها، غَيْرَ مُفْسِدَةٍ، كَانَ لَها أَجْرُهَا بمَا أَنْفَقَتْ، وَلِزَوْجها أَجْرُهُ بمَا كسَبَ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ، لَا يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ أَجْرَ بَعْضٍ شَيْئاً". (كان لها أجرُها بما أنفقت، ولزوجها أجرُه بما كسَبَ (¬2)): قال ابن بطال: لا يجوز لأحد أن يتصدق من مال (¬3) غيره بغير إذنه، لكن لما كانت المرأة لها حقٌّ في مال زوجها، وكان لها النظرُ في بيتها، جاز لها الصدقةُ بما ليس فيه إضاعةٌ للمال، ولا إسرافٌ، لكن بالمعروف (¬4). قال ابن المنير: وهذا لا وجه له؛ لأنها لا تتصدق من حقها، بل تأخذ حقَّها كاملاً، وصدقتها مما وراء ذلك، فلا وجة لجوازه إلا كونُه ¬

_ (¬1) انظر: "المفهم" (3/ 68)، وانظر: "التنقيح" (1/ 345). (¬2) في "م": "اكتسبت"، وفي "ع": "اكتسب". (¬3) في "ع": "بمال". (¬4) انظر: "شرح ابن بطال" (3/ 426).

باب: لا صدقة إلا عن ظهر غنى

مأذوناً فيه عرفاً، ولهذا لو حجر عليها بالنص، حرم عليها أن تتصدق من ماله، ولو بتمرة. باب: لَا صَدَقَةَ إِلاَّ عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَمَنْ تَصَدَّقَ وَهْوَ مُحْتَاج، أَوْ أَهْلُهُ مُحتَاجٌ، أَوْ عَلَيْهِ دَينٌ، فَالدَّيْنُ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى مِنَ الصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَالْهبةِ، وَهْوَ رَدٌّ عَلَيْهِ، لَيْسَ لَهُ أَنْ يُتْلِفَ أموَالَ النَّاسِ. قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ إِتْلاَفها، أتلَفَهُ اللَّهُ". إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفاً بالصَّبْرِ، فَيُؤثرَ عَلَى نفسِهِ، وَلَوْ كانَ بهِ خَصَاصَةٌ، كَفِعْلِ أَبي بَكْرٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ- حِينَ تَصَدَّقَ بمَالِهِ، وَكَذَلِكَ آثَرَ الأَنْصَارُ الْمُهاجِرِينَ، وَنهى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ. فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَيِّعَ أَموَالَ النَّاسِ بعِلَّةِ الصَّدَقَةِ. (ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن إضاعة المال): استدل به البخاري على رد صدقة المديان، والمنهيُّ عنه إضاعةُ الإنسانِ لمالِ نفسه، [لا لأموال الناس، ذاك أغلظُ، لكن إذا نُهي الإنسان في مال نفسه] (¬1) عن الإضاعة، فهي في مال غيره أولى بالنهي، وما يُتخيل أن الصدقة ليست إضاعةً غيرُ ظاهر؛ لأن الصدقة إذا عورضت بحق الدَّين لم يبقَ فيها ثواب، فبطلَ كونُها صدقة، وبقيت إضاعة (¬2) محضة. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬2) في "ن": "إضاعة المال".

839 - (1426) - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عبد الله، عَنْ يُونسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّب: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَابْدَأْ بمَنْ تَعُولُ". (خيرُ الصدقة ما كان عن ظهر غِنىً): كيفية الجمع بين هذا، وبين قوله: "لا صَدَقَةَ إِلاَّ عَنْ ظَهْرِ غِنىً" أن يقال (¬1): النفيُ للكمال، فكأنه قال: لا صدقةَ كاملةً، أو لا صدقةَ توصف بأنها خيرُ الصدقات، إلا صدقة الغني، فيجتمع الطريقان، والله أعلم. (وابدأ بمن تعول): قال الزركشي: بالهمز، وتركه؛ أي: بمن (¬2) يلزمك نفقته (¬3). 840 - (1427) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهيبٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ حَكِيم بْنِ حِزَامٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بمَنْ تَعُولُ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ". (اليد العليا خيرٌ من اليد السفلى): حمله بعضهم على أن المراد باليد ¬

_ (¬1) في "ن": "يقول". (¬2) في "ج": "من". (¬3) انظر: "التنقيح " (1/ 346).

العليا: المعطِية (¬1)، واليد السفلى: المانعة، وسيأتي قريباً في الحديث ما يدفعه (¬2). قال ابن المنير: الأيدي ثلاث: يد معطية، ويد آخذة، ويد متعففَةٌ لا معطيةٌ ولا آخذةٌ، ولا خلف أن المعطية أفضلُهن، فهي (¬3) أولى بأن (¬4) تكون العليا، والمتعفِّفَةُ الوسطى، والآخِذَةُ السفلى، ثم إن تَصَوُّر العلوِّ والسفل إنما يظهر في الإعطاء والأخذ؛ لأن المعطي يُناول الآخذ في يده، فعلوُّ يده على يد الآخذ حِساً، ولهذا كان بعض العارفين إذا أعطى الفقير، وضعَ العطية في يد نفسه، وأمر الفقير بتناولها؛ لتكون يدُ الفقير هي العليا؛ أدباً مع قوله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ} [التوبة: 104]، فلما (¬5) أضيف الأخذ إلى الله (¬6)، تواضع لله، فوضع يده أسفلَ من يد الفقير الآخذ. (ومن يستعفف (¬7) يعفُّه الله): -بضم الفاء المشددة- من "يعفُّه"، وهو مجزوم في جواب الشرط، لكن الضمةَ إتباعٌ لضمةِ هاءِ الضمير. ¬

_ (¬1) في "ن": "هي المعطية". (¬2) في "ج": "يمنعه". (¬3) في "ج": "وهي". (¬4) في "ن": "أن". (¬5) في "ع": "قال فلما". (¬6) لفظ الجلالة "الله" ليس في "ج". (¬7) في "م":"يستعف".

باب: من أحب تعجيل الصدقة من يومها

841 - (1429) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عبد الله بْنِ عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَذَكَرَ الصَّدَقَةَ وَالتَّعَفُّفَ وَالْمَسْأَلَةَ: "الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، فَالْيَدُ الْعُلْيَا هِيَ الْمُنْفِقَةُ، وَالسُّفْلَى هِيَ السَّائِلَةُ". (فاليد العليا هي المنفقة، والسفلى هي السائلة): هذا ما وعدنا بذكره قريباً. قال الزركشي: وهو نصٌّ يرفع تعسُّفَ من يُؤَوله؛ لأجل حديث: "إِنَّ الصَّدَقَةَ تَقَعُ في يَدِ اللهِ" (¬1)، وهذا جهل؛ لأن يدَ المعطي هي يدُ الله بالعطاء، نعم وقع في رواية أبي داود بدل "المنفقة": "المتعفِّفَة" (¬2)، ولكن الأكثر في الرواية ما في "البخاري"، هذا كلامه (¬3). باب: مَنْ أحبَّ تعجيلَ الصَّدقةِ من يومِها 842 - (1430) - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ أَبي مُلَيْكَةَ: أَنَّ عُقْبةَ بْنَ الْحَارِثِ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ- حَدَّثَهُ، قَالَ: صَلَّى بنَا النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْعَصْرَ، فَأَسْرعَ، ثُمَّ دَخَلَ الْبَيْتَ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ خَرَجَ، فَقُلْتُ: أَوْ قِيلَ لَهُ، فَقَالَ: "كُنْتُ خَلَّفْتُ فِي الْبَيْتِ تِبراً مِنَ الصَّدَقَةِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أبيتهُ، فَقَسَمْتُهُ". ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في "الكبير" (8571) عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- موقوفاً عليه. (¬2) رواه أبو داود (1648) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 346).

باب: التحريض على الصدقة، والشفاعة فيها

(تبراً): هو من الذهب والفضة ما كان غيرَ مضروب. (فكرهت أن أُبيته): أي: أتركه حتى يدخلَ عليه الليل. (فقسمْتُه): قال ابن المنير: فيه دليل على أن قضاء الدين مع الإمكان، وقسمةَ الحق في أهله، وأداءَ الأمانة إلى أربابها لا يضر فيها التأخير (¬1) اليسير، وأن الوجوب في ذلك، كان كان على الفور، فإنه لا ينتهي إلى الوقت المضيق (¬2) في المكتوبات. باب: التحريضِ على الصَّدقة، والشَّفاعةِ فيها 843 - (1432) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ عبد الله بْنِ أَبي بُرْدَةَ، حَدَّثَنَا أبو بُرْدَةَ بْنُ أَبي مُوسَى، عَنْ أَبيهِ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ، أَوْ طُلِبَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ، قَالَ: "اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، ويَقْضي اللهُ عَلَى لِسَانِ نبَيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا شَاءَ". (إذا جاء السائل، أو (¬3) طُلِبَ إليه حاجة، قال: اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء): هذا من تمام مكارم الأخلاق؛ حيث أمرهم -عليه السلام- أن يشفعوا عنده، ويَصِلوا (¬4) جَناح السائلِ وطالب ¬

_ (¬1) في "م": "التأخر". (¬2) في "ج": "المعين". (¬3) في "ع": "و". (¬4) في "ج": "ويصلحوا".

الحاجة، وهذا تخلُّق بأخلاق الله؛ فإن الله تعالى يقول لنبيه يوم القيامة: "اشْفَعْ تُشَفَّعْ" (¬1)، فبهذا الحسب عامل النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه. قال ابن المنير: ولهذا (¬2) وأمثاله أَهَّلَّه الله لأنْ يكون صاحبَ المقامِ المحمود، والشفاعةِ الكبرى في الدار الأخرى، وإذا أمر بالشفاعة عنده، مع علمه بأنه مستغنٍ عنها شافعٌ من نفسه، وباعثٌ من جوده، كانت الشفاعةُ الحسنةُ عندَ غيره ممن يحتاج إلى تحريكِ داعيةٍ إلى (¬3) الخير متأكدة بطريق الأولى. 844 - (1433) - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ فَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ -رَضيَ اللهُ عَنْها-: قَالَتْ: قَالَ لِي النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تُوكِي؛ فَيُوكَى عَلَيْكِ". حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبي شَيْبةَ، عَنْ عَبْدَةَ، وَقَالَ: "لَا تُحْصِي؛ فَيُحْصِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ". (لا توكي): أي: لا تربطي على ما عندَك وتمنعيه، يقال: أَوْكى سِقاءَهُ: إذا سَدَّ فَمَهُ. (فيوكى عليك): أي: فتنقطع (¬4) مادةُ الرزق عنك، وهو بفتح الكاف ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3340)، ومسلم (194) عن أبي هريرة رضي الله عنه. (¬2) في "ن": "وبهذا". (¬3)) "إلى" ليست في "ع". (¬4) في "م" و"ن": "فينقطع"، وفي "ج": "فنقطع".

باب: الصدقة فيما استطاع

على البناء للمفعول، وبكسرها على البناء للفاعل، وهو منصوب بإضمار أن؛ لأنه وقع جواباً (¬1) للنهي مقروناً بالفاء. (لا تُحصي؛ فيُخصِيَ الله عليك): الإحصاء: هو العَدُّ، والعرف فى القليل أنه يُعَدُّ، [وفي الكثير أنه لا يعَدُّ] (¬2)، فصار الإحصاء كنايةَ عن التقليل؛ لملازمته إياه في العادة، فكأنه قيل: لا (¬3) تعطي قليلاً، فتعامَلي بنظيره، ففيه حَثٌّ على الإكثار من الإحسان (¬4). باب: الصَّدقةِ فيما استطاعَ 845 - (1434) - حدثنا أبُو عاصِمِ، عنِ ابنِ جُرَيْجٍ. وحدّثني مُحَمَّدُ ابْنُ عَبْدِ الرَّحِيم، عن حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عنِ ابنِ جُرَيجٍ، قَالَ: أَخْبَرَني ابْنُ أَبي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عبد الله بْنِ الزُّبَيْرِ، أَخْبَرَهُ عَنْ أَسْمَاءَ بنْتِ أَبي بَكْرٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما-: أَئهَا جَاءَتْ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "لَا تُوعي؛ فَيُوعيَ اللَّهُ عَلَيْكِ، ارضَخِي مَا اسْتَطَعتِ". (ارضخي): فعل أمر من رَضَخَ: إذا أعطى عطاء (¬5) ليس بالكثير. ¬

_ (¬1) في "ج": "جواب". (¬2) ما بين معكوفتين سقط من "ع". (¬3) "لا" ليست في "ع". (¬4) في "ج": "بالإحسان". (¬5) "عطاء" ليست في "ج".

باب: من تصدق في الشرك ثم أسلم

باب: مَنْ تَصدَّق في الشِّرك ثم أسلمَ 846 - (1436) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ حَكِيم بْنِ حِزَامٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَرَأَيْتَ أَشْيَاءَ كنْتُ أتحَنَّثُ بها فِي الْجَاهِلِيَّةِ؛ مِنْ صَدَقَةٍ، أَوْ عَتَاقَةٍ، وَصِلَةِ رَحِمٍ، فَهلْ فِيها مِنْ أَجْرٍ؟ فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَسْلمتَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ خَيْرٍ". (كنت أتحنث بها في الجاهلية): أي: كنت أتقرَّب بها إلى الله تعالى. (أسلمتَ على ما أسلفت (¬1) من خير): الظاهر حملُه على أنه يُكتب له بعد إسلامه أجرُ ما عمله في حال شِرْكه من خير، فقد ثبت من حديث مالك في غير "الموطأ" مرفوعاً: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا أَسْلَمَ الكافِرُ، فَحَسُنَ إِسْلامُهُ، كتَبَ اللهُ لَهُ كُلَّ حَسَنَةٍ كَانَ زَلَفَهَا، وَمَحَا عَنْهُ كُلَّ سَيئةٍ كَانَ زَلَفها (¬2)، وَكَانَ عَمَلُهُ بَعدُ الحَسَنَةُ بعَشْرِ أَمثَالِها إِلَى سَبع مِئَةَ ضعْفٍ، وَالسَّيئة بمِثْلِها إِلاَّ أَنْ يَتَجَاوَزَ اللهُ" (¬3). واعلم (¬4) أنه لا يتخرج الاعتداد للكافر بما أسلفَ من خير على القول بأنهم مخاطبون بفروع الشريعة، لأنه (¬5) لا يصحُّ منه في حال ¬

_ (¬1) نص البخاري: "ما سلف". (¬2) في "ن" و "ع": "كان اقترفها". (¬3) رواه البخاري (41) معلقاً، والنسائي (4998)، وغيرهما من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. (¬4) "واعلم" ليست في "ع". (¬5) "لأنه" ليست في "ن".

باب: أجر الخادم إذا تصدق بأمر صاحبه غير مفسد

الكفر (¬1) عبادةٌ؛ لأن شرطَها النيةُ، وهي متعذِّرَةٌ منه، وإنما يُكتب له ذلك الخيرُ بعدَ إسلامه تفضلاً (¬2) من الله مستأنفًا. قال ابن المنير: ولعلَّه لما سُرَّ بما فعله في الجاهلية من الخير بعدَ الإسلام، كُتب (¬3) له (¬4) تلك الخيراتُ؛ لسروره بها الآن، وهي (¬5) عملٌ مستأنَفٌ. باب: أجرِ الخادمِ إذا تصدَّقَ بأمرِ صاحبهِ غيرَ مُفْسِدٍ 847 - (1438) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عبد الله، عنْ أبي بُردَةَ، عنْ أَبي مُوسَى، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "الْخَازِنُ الْمُسْلِمُ الأَمِينُ، الَّذِي يُنْفِذُ -وَرُبَّمَا قَالَ: يُعطِي- مَا أُمِرَ بهِ، كَامِلاً مُوَفَّراً، طَيِّبٌ بهِ نفسُهُ، فَيَنفَعُهُ إِلَى الَّذِي أُمِرَ لَهُ بهِ، أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنِ". (الذي يُنْفِذ): -بإسكان النون وكسر الفاء مخففة- مضارعُ أَنْفَذَ، وبفتح النون وكسر الفاء مشددة- مضارع نفَّذَ، والذال فيهما معجمة. (طيبةٌ به نفسُه): برفع الجزأين على أنها جملة اسمية، والخبرُ فيها مقدم، وهي في محل نصب على الحال. ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "كفره". (¬2) في "ع": "فضلاً". (¬3) في "ن": "كتبت". (¬4) في "ع" و"ج": "كتب الله له". (¬5) في "ن": "وهو".

باب: مثل المتصدق والبخيل

ويروى: "طيبا به نفسُه" على أن الحال مفردة، ونفسُه فاعل بقوله: "طيباً". باب: مَثَلِ المتصدِّقِ والبخيلِ 848 - (1443) - وَحَدَّثَنَا أْبَو اليَمانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنادِ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحمنِ حَدَّثَهُ: أنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-: أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُنْفِقِ، كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ، عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ، مِنْ ثُدِيِّهِمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا، فَأَمَّا الْمُنْفِقُ: فَلاَ يُنْفِقُ إِلاَّ سَبَغَتْ، أَوْ وَفَرَتْ عَلَى جِلْدِهِ، حَتَّى تُخْفِيَ بَنَانه، وَتَغفُوَ أثرَهُ. وَأَمَّا الْبَخِيلُ: فَلاَ يُرِيدُ أَنْ يُنْفِقَ شَيْئاً إِلاَّ لَزِقَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانها، فَهُوَ يُوَسِّعُها وَلاَ تَتَّسِعُ". تَابَعَهُ الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ: فِي الْجُبَّتَيْنِ. (جبتان): بالجيم والباء الموحدة. وفي رواية ابن هرمز كما صرح به البخاري في آخر الباب: "جُنَّتَانِ" (¬1) - بالنون-؛ يعني: درعين، ورُجِّحت لقوله: "من حديد". (من ثُدِيِّهما): - بضم الثاء المثلثة-؛ جمع ثَدي. (إلى تراقيهما): جمع تَرْقُوَة -بفتح التاء-، وهي العظم الذي بين ثُغْرَةِ النَّخر والعاتِق، وزنُها (¬2) فَعلُوَة. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1444). (¬2) في "ن": "ووزنها".

(إلا سَبَغَتْ): أي: امتدَّتْ وكَمُلَتْ. (أو وَفَرَت): بتخفيف (¬1) الفاء. (حتى تخفي بنانَه): أي: تستر (¬2) أصابعه (¬3)، وصَحَّفَ من قال: "ثيابه" جمع ثوب. (وتعفوَ (¬4) أثَرَهُ): أي: وتغطِّي أثرَه حتى لا يبدو، وتعفوَ منصوب بالعطف على تُخفيَ (¬5)، وكلاهما مسند إلى ضمير الجُبَّة أو الجُنَّة، وعفا تستعمل لازماً ومتعدياً، تقول: عَفَتِ الدارُ (¬6): إذا دَرَسَتْ، وعَفاها الريحُ: إذا طَمَسَها، ودَرَسَتْ (¬7)، وهو في الحديث متعدٍّ. (فهو يوسِّعها ولا تتسع): أي: يريد أن يوسِّعها بالبذل، فتشحُّ نفسُه ولا تطاوعُه، فلا تتسع، وفي ذلك وعدٌ للمتصدق (¬8) بالبركة، وستر العورة، والصيانة من البلاء؛ فإن جُنَّة الحديد لا تُعد للستر خاصة، ولكن للستر والصون من الآفات، وهذا معنى ما ورد أَنَّ الصدقةَ تدفعُ البلاء، والله أعلم، وفي البخيل على الضد من ذلك، فيكون معرَّضاً لهتك عورته، هدفاً لسهام البلاء والعياذ بالله. ¬

_ (¬1) في "ع": "بفتح الفاء". (¬2) في "ع": "تستتر". (¬3) "أي: تستر أصابعه" ليست في "ج". (¬4) في "ع": "يعفو". (¬5) في "ع": "على يخفي". (¬6) في "ن" و "ع": "الديار". (¬7) في "ن": "ودرت"، وفي "ع" و "ج": "ودريت". (¬8) في "ع": "للمتصدقين".

باب: صدقة الكسب والتجارة

باب: صَدَقةِ الْكَسب وَالتِّجَارَةِ لِقَوْلهِ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} إِلَى قوله: {أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [البقرة: 267]. (لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ}): قيل: المراد بالطيب: الجيد، وبالخبيث: الرديء. وقيل: الطيب: الحلال، والخبيث: الحرام. ويرجِّحُ الأولَ قوله (¬1): {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} [البقرة: 267]. ولو كان المراد بالخبيث الحرام، لم ينتظم الكلام؛ لأق المُلابس للحرام لا يتحراه؛ ليتصدق منْه، ولا يتورع عنه إذا عرض عليه، فيأخذه على كُره وإغماض، إنما هذه صفة الناس إذا عوض عليهم الرديء. والله أَعلم. باب: على كل مسلم صدقةٌ، فمنْ لم يجدْ فليعمل بالمعروفِ 849 - (1445) - حَدَّثَنَا مسلِمُ بْنُ إِبرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا شُعبَةُ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبى برْدَةَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ"،، فَقَالُوا: يَا نبَيَّ اللَّهِ! فَمَن لَمْ يجدْ؟ قَالَ: "يعمل بيدهِ، فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ، وَيَتَصَدَّقُ"، قَالُوا: فَإِنْ لَم يَجدْ؟ قَالَ: "يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ المَلْهُوفَ"، قَالُوا: فَإِن لَم يجِدْ؟ قَالَ: "فَلْيعمَل بالْمَعرُوفِ، وَلْيُمسِك عَنِ الشَّرِّ؛ فَإِنَّها لَهُ صَدقَة"ـ ¬

_ (¬1) في "ن": "وقوله".

باب: قدركم يعطى من الزكاة والصدقة، ومن أعطى شاة

(على كل مسلم صدقة، فقالوا (¬1): يا نبي الله! فمن لم يجد؟ فقال: يعمل بيديه): قال ابن المنير: يحتمل أن يكون المراد: الحثَّ على الصدقة، وأن لا تزال نُصبَ عين المؤمن، لا يعتقد أن وظيفتها تسقط عنه في حال، ويحتمل أن يراد به تسلية الفقير الذي يظن أنه حُرم ثوابَ الصدقة، فبين له أنه قادر عليها بالطرق المذكورة. (يعين ذا الحاجة الملهوفَ): أي: المظلومَ المستغيثَ. (ولْيُمْسِكْ عن الشر؛ فإنها صَدَقة): فيه تنبيه على أن التركَ فِعْلٌ، ولهذا جعل الإمساك والكف صدقة، ولا خلاف أن الصدقة فعل، فقد صدق على الترك أنه فعل؛ خلافاً (¬2) لمن زعم أن متعلق النهي عدم، وأن الترك نفي (¬3). قاله ابن المنير. باب: قدرُكم يُعطى من الزكاة والصَّدقةِ، ومن أعطى شاةً 850 - (1446) - حَدَّثَنَا أَحمَدُ بْنُ يُونسُ، حَدَّثَنَا أَبُو شِهابٍ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءَ، عَنْ حَفْصَةَ بنْتِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّة -رَضيَ اللهُ عَنْها-، قَالَتْ: بُعِثَ إِلَى نُسَيْبَةَ الأَنْصَارِيَّةِ بشَاةٍ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى عَائِشَةَ -رَضيَ اللهُ عَنْها- مِنْها، فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "عِنْدكُم شَيْءٌ؟ "، فَقُلْتُ: لَا، إِلاَّ مَا أَرْسَلَتْ بهِ نُسَيْبَةُ مِنْ تِلْكَ الشَّاةِ، فَقَالَ: "هاتِ، فَقَد بَلَغَتْ مَحِلَّهَا". ¬

_ (¬1) في "ن" و"ع": "قالوا"، وفي "م": "قلت". (¬2) في "ج": "خلاف". (¬3) في "ع": "نهي".

(عن أم عطية، قالت: بُعِث): بضم الموحدة وكسر العين، على البناء للمفعول. (إلى نُسَيبة الأنصارية): بضم النون وفتح السين المهملة على التصغير، وبفتح النون وكسر السين، ونسيبة هذه هي أم عطية نفسُها، وكان مقتضى الظاهر أن تقول: بعث إليَّ، بضمير المتكلم، لكنها أقامت (¬1) الظاهر مقام المضمر. قال ابن الملقن: وتوهم ابن التين (¬2): أنها غيرها (¬3). قال الزركشي: وفي رواية: "بعثتُ إلى نسيبة"، وهي تقتضي أن نسيبةَ غيرُ أم عطية، وهي هي، وسيأتي على الصواب بَعْدُ في باب: إذا تحولت الصدقة. وقد قال ابن السكن عقيب (¬4) هذا: قال البخاري: نسيبة هي أم عطية (¬5). (فقد بلغت مَحِلَّها): -بكسر الحاء-؛ أي: وصلت إلى الموضع الذي تحلُّ فيه بصيرورتها (¬6) ملكاً للمتصدَّق بها عليها (¬7)، فصحَّت منها هديتُها، وإنما قال ذلك؛ لأنه كان يحرم (¬8) عليه أكلُ الصدقة. ¬

_ (¬1) في "م" و"ن": "إقامة". (¬2) "ابن التين" ليست في "ج"، وفي "ع": "ابن المنير". (¬3) انظر: "التوضيح" (10/ 356). (¬4) في "ن": "عقب". (¬5) انظر: "التنقيح" (1/ 349). (¬6) في "ن": "يصيرون بها". (¬7) في "ع" للمتصدق به عليه"، وفي "ج": "عليهم". (¬8) في "ع": "محرم".

باب: العرض في الزكاة

باب: الْعَرْض فِي الزَّكاةِ وَقَالَ طَاوُسٌ: قَالَ مُعَاذٌ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ- لأَهْلِ الْيَمنِ: ائْتُونِي بعَرْضٍ، ثِيَابٍ خَمِيص أَوْ لَبيسٍ، فِي الصَّدَقَةِ، مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ، أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ، وَخَيْرٌ لأَصحَاب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بالْمَدِينَةِ. وَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَأَمَّا خَالِدٌ: احتبَسَ أَدرَاعَهُ وَأَعتُدَهُ فِي سَبيلِ اللَّهِ". وَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ". فَلَمْ يَسْتَثْنِ صَدَقَةَ الْفَرْض مِنْ غَيْرِها، فَجَعَلَتِ الْمَرْأة تُلْقِي خُرْصَها وَسِخَابَها. وَلَم يَخُصَّ الذَّهبَ وَالْفِضَّةَ مِنَ الْعُرُوض. (باب: العرض في الزكاة): قال الجوهري: العَرْض: المتاع، وكلُّ شيء فهو عرض سوى الدراهم والدنانير؛ فإنها عَيْن (¬1). (وقال طاوس: قال معاذ لأهل اليمن): الحديث منقطع؛ لأن طاوساً لم يلق معاذاً، وبتقدير صحته، فقد قيل: إنه كان في الجزية، لا في الصدقة. [قلت: كيف هذا مع قوله: "ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس في الصدقة"؟] (¬2). قال ابن المنير: أحسنُ محمل عندي في حديث معاذ أن يُحمل على أنه كان يقبض منهم الزكاة بأعيانها غيرَ مقومة، فإذا قبضها، عاوض عنها حينئذ مَنْ شاء بما شاء من العروض. قلت: فالمحذور باق بحاله إذا تأملت. ¬

_ (¬1) انظر: "الصحاح" (3/ 1083)، (مادة: عرض). (¬2) ما بين معكوفتين سقط من "ج".

ثم قال: ولعله كان يبيع صدقةَ زيدٍ من (¬1) عمرٍو حتى يخلص من بيع الصدقة لصاحبها (¬2)، وذلك مكروه، وقد كرهه مالكٌ للحديث فيه، وليس أنه كان يأخذ العَرضَ (¬3) ابتداء من المتصدِّق، ولا في حديثه دليل على ذلك، والأمر محتمل، والحكاية عينية، فليس فيها دليل مع تساوي الاحتمال، هذا كلامه. وفيه نظر. (خميص): -بالصاد المهملة-: اسمُ جنسٍ جمعيّ، والواحد (¬4) خميصةٌ؛ ثيابُ خَزٍّ أو صوف معلمة (¬5) كانوا يلبسونها، والمشهور: خميس، بالسين. قال أبو عبيد: هو ما طوله خمسة أذرع (¬6). (أو لَبيس): -بلام مفتوحة وباء موحدة مكسورة مخففة-؛ أي: ملبوس، وقيل: لا حجة فيه على أخذ العَرْض (¬7) في الزكاة مطلقاً؛ لأن هذا إنما وقع لمصلحة رآها؛ من حيثُ علمَ حاجةَ أهل المدينة لذلك. (وأما خالد، فقد احتبس (¬8)): أي: وقف. ¬

_ (¬1) في "ج": "ابن". (¬2) في "ن": "لحاجبها". (¬3) في "ع": "العوض". (¬4) في "ج": "حد". (¬5) "معلمة" ليست في "ع" و"ج"، وفي "ن": "معملة". (¬6) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 241). (¬7) في "ع": "العوض". (¬8) كذا في رواية أبي ذر وأبي الوقت، وفي اليونينية: "احتبس"، وهي المعتمدة في النص.

(أدراعَه): جمع (¬1) درع، وهي الزَّرَدِية (¬2). (وأَعتُده): -بضم المثناة من فوق- جمع عَتاد -بفتح العين-، وهو المعد من السلاح والدواب للحرب (¬3). ويروى: "أعتاده" (¬4). ويروى: "أَعبُدَه" (¬5) - بالباء الموحدة- جمع عبد. قال الزركشي: وصححه (¬6) ابن مُفَوَّز، وأفرد فيه مصنفاً (¬7). قلت: ولا أدري كيف ينتهض (¬8) حديثُ وقفِ خالدٍ لأدراعه (¬9) وأعتدِه دليلاً للبخاري على أخذ العرض (¬10) في الزكاة، فتأمله، وسيأتي فيه كلام في باب قول الله: {وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 60]. (تصدقن ولو من حُليكن، فلم يستئن صدقةَ الفرض من غيرها): وهذا مشكل أيضاً؛ فإن الصدقةَ فيه تطوعٌ لا زكاة، ولهذا قال -عليه ¬

_ (¬1) في "ع": "هي جمع". (¬2) في "ج": "وهي الزردية جمع درع". (¬3) في "ج": "للحروب". (¬4) رواه مسلم (983) عن أبي هريرة رضي الله عنه. (¬5) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (2243)، وابن خزيمة في "صحيحه" (2330) عن عمر رضي الله عنه. (¬6) في "ن"و "ع": "صححها". (¬7) انظر: "التنقيح" (1/ 350). (¬8) في "ن" و"ع: "ينهض". (¬9) في "ع" و "ج": "لأذراعه". (¬10) في "ع": "العوض".

السلام-: "ولو من حُليكن"، فدل على أنها لم تكن صدقة محدودة على حد الزكاة. (فجعلت المرأةُ تلقي خرصها وسخابها): السخاب: القلادةُ ليستْ من فضة ولا ذهب. وقال ابنُ دُرَيد: قلادةٌ من قَرَنْفُل أو غيرِه (¬1). قال الزركشي: وهذا موضع الحجة على أخذ القيمة في الزكاة (¬2). قلت: وقد علمت أنه لا حجة فيه. 851 - (1448) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عبد الله، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبي، قَالَ: حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ: أَنَّ أَنسًا -رَضيَ اللهُ عَنْهُ- حَدَّثَهُ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ- كتَبَ لَهُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ وَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم -: "وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقتهُ بنْتَ مَخَاضٍ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ بنْتُ لَبُونٍ، فَإِنَّها تُقْبَلُ مِنْهُ، وَيعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهماً، أَوْ شَاتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بنْتُ مَخَاضٍ عَلَى وَجْهها، وَعِنْدَهُ ابْنُ لَبُونٍ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ، وَلَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ". (ويعطيه المصدِّق): -بكسر الدال-: هو الساعي. قيل: وكان أبو عبيد يرويه بفتحها (¬3)، ويروي: أنه صاحب المال، وخالفه عامة الرواة. ¬

_ (¬1) انظر: "جمهرة اللغة" (1/ 289). (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 350). (¬3) المرجع السابق، الموضع نفسه.

باب: لا يجمع بين مثفرق، ولا يفرق بين مجتمع

852 - (1449) - حَدَّثَنَا مُؤَمَّل، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ عَطَاءَ بْنِ أَبي رَبَاحٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما-: أَشْهدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَصَلَّى قَبْلَ الْخُطْبةِ، فَرَأَى أَنَّهُ لَمْ يُسْمِعِ النِّسَاءَ، فَأَتَاهُنَّ، وَمَعَهُ بلالٌ نَاشِرَ ثَوْبهِ، فَوَعَظَهُنَّ، وَأَمَرَهُنَّ أَنْ يَتَصَدَّقْنَ، فَجَعَلَتِ الْمَرْأةُ تُلْقِي. وَأَشَارَ أيوبُ إِلَى أُذُنِهِ وَإِلَى حَلْقِهِ. (ومعه بلالٌ ناشرٌ ثوبَه): برفع ناشر وتنوينه، على أنه خبر مبتدأ محذوف، وثوبَه منصوب بناشر. ويروى: بإضافة ناشر إلى ثوبه مع نصب ناشر على الحال، والإضافةُ لفظية. باب: لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُثَفَرِّقٍ، وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ 853 - (1450) - حَدَّثَنا مُحمَّدُ بْنُ عبد الله الأَنْصَارِيُّ، قال: حدَّثني أبي قال: حدَّثني ثُمامَةُ: أنَّ أَنسًا -رضي الله عنه- حدَّثهُ أنَّ أبا بكرٍ -رضي الله عنه- كتبَ لَهُ الَّتي فَرَضَ رسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ولا يُجْمَعُ بينَ مُتَفَرِّقٍ، ولاَ يُفَرَّقُ بينَ مُجْتمعٍ خَشْيةَ الصَّدقةِ". (ولا يُجمع بين مفترق، ولا يُفَرَّق بين مجثمع خشيةَ الصدقة): الخشيةُ خشيتان: خشيةُ الساعي أن تَقِلَّ الصدقةُ، وخشيةُ المالك أن تكثرَ الصدقةُ، فيقلَّ مالهُ، فأمر كلَّ واحد منهما ألاَّ يحدث في المال شيئاً من الجمع والتفريق، و"خشيةَ الصدقة" منصوب على أنه مفعول لأجله، وقد تنازع (¬1) ¬

_ (¬1) في "ع": "يتنازع".

باب: زكاة الإبل

فيه العاملان، فيجري على القاعدة المقررة (¬1) في بابها، ويحتمل أن يقدر: لا (¬2) يُفعل شيءٌ من ذلك خشيةَ الصدقة، فيحصل المقصود على وجه جميل من غير تنازع. والله الموفق. باب: زكاةِ الإبلِ 854 - (1452) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عبد الله، حَدَّثَنَا الْوَليدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهابٍ، عَنْ عَطَاءَ بْنِ يَزِيدَ، عنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ أَعرَابيًّا سأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عنِ الْهِجْرَةِ، فَقَالَ: "وَيحَكَ! إِنَّ شأْنها شَدِيدٌ، فَهْلْ لَكَ مِنْ إِبلٍ تُؤَدِّى صَدَقتها؟ "، قَالَ: نَعَم، قَالَ: "فَاعمَلْ مِنْ وَرَاءِ الْبحَارِ؛ فَإِنَّ اللَّه لَنْ يترَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيئاً". (أن أعرابياً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الهجرة، فقال: ويحك! إن شأنها شديد): قال ابن المنير: فيه دليل على أن الشروع في النوافل مُلْزِم، وهو مذهب مالك -رضي الله عنه-، ووجهُ الدليل من الحديث أن الهجرة كانت في حق هذا الأعرابي نافلة غيرَ واجبة؛ لأنها لو كانت واجبة عليه؛ لألزمه النبي - صلى الله عليه وسلم - بها، ولو كانت غيرَ نافلة ولا مندوبة؛ لأعلمه أنه لا ثوابَ له فيها، ولا فائدةَ، فإذا استقر أنها نافلة في حقِّه؛ لزم أن يكون الدخولُ فيها ملزِماً ¬

_ (¬1) في "م": "المتقر". (¬2) في "ج": "ولا".

إتمامَها (¬1)؛ لأنه لولا ذلك، لم يُخْفِ عليه شيئاً، [وقد خاف عليه أن يدخل فيها، ثم لا يقوم بشأنها الشديد] (¬2)، فيهلك، فسلاه عنها بغيرها من نوافل الخير؛ كالمنحة، والحلب يومَ الوِرْد (¬3). (فاعمل من وراء البحار): -بباء موحدة وحاء مهملة-؛ أي: من وراء القرى والمدن، ويوضحه: اصطلاحُ أهلِ هذه البُحيرة -يعني: في ابن أُبي- أن يُعَصِّبوه (¬4) - يريد: المدينة-، وفي حديث آخر: "وكتبَ لهم ببحرِهم" (¬5)؛ أي: بأرضهم وبلدهم. وقيل: المراد: البحارُ المعروفةُ نفسُها. قال صاحب "المطالع": وقال أبو الهيثم: "من (¬6) وراء التجار" يعني: بمثناة من فوق وجيم، وهو وهم (¬7). "لن يَتِرَكَ من عملك شيئاً": -بكسر المثناة من فوق-؛ أي: لن ينقصك؛ من قوله تعالى: {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 35]. ¬

_ (¬1) في "ن" و"ع": "لإتمامها". (¬2) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬3) في "ع": "يوم المورد". (¬4) في "ع": "يغصبوه". (¬5) رواه ابن الجارود في "المنتقى" (1109)، من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه. (¬6) في "ج": "ومن". (¬7) وانظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 79).

باب: من بلغت عنده صدقة بنت مخاض وليست عنده

باب: مَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ بنْتِ مَخَاضٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ (باب: من بلغت عنده صدقةُ بنتِ مخاضٍ): برفع صدقة بلا تنوين؛ لإضافتها إلى بنت مخاض. ويروى: بتنوين صدقةٌ، وبنتَ: منصوب على أنه مفعول (¬1) ببلغت (¬2). ورواه ابن بطال: "مَنْ بَلَغَتْ صَدَقتهُ بنْتَ مَخَاضٍ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ"، ثم قال: لم يأت ذكره في هذا (¬3) الحديث، وذكره في باب: العروض في الزكاة (¬4). قال الجوهري: والمخاض أيضاً (¬5): الحواملُ من النوق، واحدتها خَلِفَةٌ، و (¬6) لا واحدَ لها من لفظها، ومنه قيل للفَصيل إذا استكمل الحول، ودخل (¬7) في الثانية: ابنُ مخاض (¬8)، والأنثى ابنةُ مخاض؛ لأنه فُصل عن أمه وأُلحقت أمه بالمخاض، سواء ألقحت، أو لم تلقح، وابن مخاض نكرة، فاذا أردت تعريفه أدخلت عليه الألف واللام، إلا أنه تعريف جنس. ¬

_ (¬1) في "ع": "المفعول". (¬2) في "ن": "بلغت". (¬3) "هذا" ليست في "ج". (¬4) انظر: "شرح ابن بطال" (3/ 460). (¬5) "أيضًا" ليست في "ن" و"ع". (¬6) الواو سقطت من "ع". (¬7) في "ع": "وجعل". (¬8) في "ن": "المخاض".

باب: زكاة الغنم

قال الشاعر: كَفَضْلِ ابْنِ المَخَاض عَلَى الفَصِيلِ ولا يقال في الجمع: إلا بناتُ مَخاض، وبناتُ لَبون. انتهى (¬1) (¬2). باب: زكاةِ الغنمِ 855 - (1454) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عبد الله بْنِ الْمُثنَّى الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبي، قَالَ: حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ بْنُ عبد الله بْنِ أَنسٍ: أَنَّ أَنسًا حَدَّثَهُ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ- كتَبَ لَهُ هذَا الْكِتَابَ، لَمَّا وَجّههُ إِلَى الْبَحرَيْنِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - علَى الْمُسْلِمِينَ، وَالَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بها رَسُولَهُ، فَمَنْ سُئِلها مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِها، فَلْيُعطِها، وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا، فَلاَ يُعطِ: "فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الإبلِ فَمَا دُونَهَا، مِنَ الْغَنَمِ، مِنْ كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ، إِذَا بَلَغَتْ خمساً وَعِشْرِينَ إِلَى خَمْسٍ وَثَلاَثِينَ، فَفِيها بنْتُ مَخَاض أُنْثَى، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلاَثِينَ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ، فَفِيها بنْتُ لَبُون أنْثَى، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأرْبَعِينَ إِلَى سِتِّينَ، فَفِيها حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْجَمَلِ، فَإِذَا بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، فَفِيها جَذَعَةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ -يَعنِي- سِتًّا ¬

_ (¬1) "انتهى" ليست في "ن" و "ع" و"ج". (¬2) انظر: "الصحاح" (3/ 1105 - 1106)، (مادة: م خ ض).

وَسَبْعِينَ إِلَى تِسْعِينَ، فَفِيها بنْتَا لَبُونٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ إِحْدَى وتسعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِئَةٍ، فَفِيها حِقَّتَانِ طَرُوقتَا الْجَمَلِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِئَةٍ، فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمسِينَ حِقَّةٌ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلاَّ أَربَع مِنَ الإبلِ، فَلَيْسَ فِيها صَدَقَةٌ، إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبُّها، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمساً مِنَ الإبلِ، فَفِيها شَاةٌ. وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ: فِي سَائِمَتها إِذَا كانَتْ أَربَعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِئَةٍ شَاةٌ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِئَةٍ إِلَى مِئَتَيْنِ شَاتَانِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِئَتَيْنِ إِلَى ثَلاَثِ مِئَةٍ، فَفِيها ثَلاَث، فَإذَا زَادَتْ عَلَى ثَلاَثِ مِئَةٍ، فَفِي كُلِّ مِئَةٍ شَاةٌ، فَإِذَا كَاتَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً وَاحِدَةً، فَلَيْسَ فِيها صَدَقَة، إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبُّها. وَفِي الرِّقَةِ رُبعُ الْعُشْرِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ إِلاَّ تِسعِينَ وَمِئَةً، فَلَيْسَ فِيها شَيْء إلَّا أنْ يَشاءَ رَبُّها". (ثُمامة): بثاء مثلثة مضمومة. (ومن سُئِلَ فوقها، فلا يُعْطِ): هكذا رواه غير واحد. وروي: "فلا يعطَه" (¬1) -بفتح الطاء وهاء السكت-؛ أي: فلا يعطَى (¬2) الزائد، وليس المراد (¬3) أنه لا يُعطَى (¬4) القدرَ الواجبَ بالأصالة (¬5)؛ ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1567)، والنسائي (2455)، وأحمد في "مسنده" (1/ 11)، وغيرهم عن أنس بن مالك رضي الله عنه. (¬2) في "ن": "يعط". (¬3) في "ع" زيادة: "هنا". (¬4) في "ن": "يعط". (¬5) في "ع": "بالإضافة".

لأن "فوقها" ظرف متعلق بمحذوف تقديره: فمن سأل شيئاً زائداً فوقها، فلا يُعطَهُ. هكذا قال ابن المنير، وادعى أن هذا المعنى (¬1) متعين (¬2)؛ لأجل التقدير الذي ذكره (¬3). قلت: لا يظهر في كون التقدير المذكور معيناً للحمل على عدم إعطاء (¬4) الزائد لا الأصلي، بل الأمر محتمل. وظاهر الأمر ما قاله؛ لأنه ليس للرعية ممانعةُ العمال من (¬5) أخذ الحق الواجب عليهم، وإذا وقع منهم حيفٌ في أخذِ قدرٍ زائدٍ على الواجب، كان لهم الامتناعُ من ذلك، و (¬6) الشكية بهم إلى الإمام على وجهها. (في أربعٍ وعشرينَ من الإبل فما دونَها من الغنم في كلِّ خمسٍ شاةٌ): سقط في رواية ابن السكن كلمة "من" الداخلة على الغنم، وصوبها بعضُهم. وقال القاضي: كلٌّ صواب، فمن أثبتها، فمعناه: زكاتُها من الغنم، و"من" للبيان، لا للتبعيض، وعلى إسقاطها، فالغنمُ مبتدأ خبرُه ما قبله (¬7). وإنما قدم الخبر؛ لأن الغرض بيانُ الأقدار التي (¬8) تجب فيها الزكاة. ¬

_ (¬1) في "ج": "التقدير". (¬2) في "ع": "يتعين". (¬3) في "ع": "ذكر". (¬4) في "ن": "الزكاة الزائد". (¬5) في "ن" و"ع": "عن". (¬6) الواو سقطت من "ج". (¬7) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 313). (¬8) "التي" ليست في "ع".

(بنت لبون أنثى): زيادةٌ في البيان، أو تنبيهٌ لرب المال؛ لتطيبَ نفسُه بالزيادة المأخوذة منه. (طَروقةُ الجمل): - بفتح الطاء-؛ أي: استحقت أن يطرقَها الذكرُ فيضربَها (¬1). (فإذا كانت سائمةُ الرجل ناقصةً من أربعين شاةً واحدةً): قال الزركشي: "ناقصةً" -بالنصب- على أنه خبر "كان"، و"شاةً" على التمييز، و "واحدةً (¬2) " وصفٌ لها (¬3). قلت: لا فائدةَ في هذا [الوصف مع كون الشاة (¬4) تمييزًا، وإنما "واحدة"، منصوب على أنه مفعول بـ: "ناقصة"] (¬5)؛ أي: إذا كان (¬6) عند الرجل سائمةٌ تنقصُ (واحدةً من أربعين شاة) (¬7)، فلا زكاة عليه فيها، وبطريق الأولى إذا نقصت زائداً على ذلك، ويحتمل أن يكون "شاة" مفعولًا بناقصة، و"واحدة" وصف لها، والتمييز محذوف للدلالة عليه. (وفي الرِّقَة): -بكسر الراء وتخفيف القاف-: الدراهمُ المضروبة، وهي الوَرِقُ أيضاً، والهاء في الرقة عوضٌ من الواو؛ نحو: عِدَة (¬8)، ويجمعُ ¬

_ (¬1) في "ج": "أي: يضربها". (¬2) في "ن" و "ج": "واحدة". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 353). (¬4) في "ع": "شاة". (¬5) ما بين معكوفتين سقط من "ن". (¬6) في "ع": "كانت". (¬7) ما بين قوسين جاء في "ن" و"ع": "تنقص واحدة عن النصاب". (¬8) في "ع": "عده".

باب: لا تؤخذ في الصدقة هرمة، ولا ذات عوار، ولا تيس إلا ما شاء المصدق

على: رِقاق، ورِقينَ. ومنه قولهم: إِنَّ الرِّقِينَ تُغَطِّي أَفْنَ الأَفينِ (¬1)؛ يعنون: أن الدراهم تستر نقصَ الرجلِ الضعيفِ العقلِ. باب: لَا تُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ هرِمَةٌ، وَلاَ ذَاتُ عَوَارٍ، وَلاَ تَيْسٌ إِلاَّ مَا شَاءَ الْمُصَدِّقُ (ولا تخرج (¬2) في الصدقة هرمةٌ، ولا ذاتُ عَوار): بفتح العين، وقد تضم، والمراد به: العيب، وهو حجة لمالك -رضي الله عنه (¬3) - في تكليف المالك سليما (¬4) من العيوب إذا كانت كلها مَعيبةً. باب: أَخْذِ الْعَنَاقِ فِي الصَّدَقَةِ (العَناق): -بفتح العين-: الأنثى من ولد المعز، والجمع أَعْنُق، وعُنُوقٌ. 856 - (1456) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ، عَنِ الزُّهرِيِّ (ح). وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ ¬

_ (¬1) في"ع" و"ج": "الأفنين". (¬2) نص البخاري: "تُؤْخَذُ". (¬3) رضي الله عنه" ليست في "ن". (¬4) في "ع": "سليمة".

عبيد الله بْنِ عبد الله بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ: أَن أَبَا هُرَيْرَةَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-: وَاللَّهِ! لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقاً، كَانُوا يُؤَدُّونهُا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِها. (والله! لو منعوني عنَاقاً كانوا يؤدُّونها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لقاتلتُهم على منعها): و (¬1) التمسُّك بقبول (¬2) العَناق في الزكاة يقول الصدِّيق -رضي الله عنه (¬3) - هذا لا يتوجَّه، فإنه إنما قاله على التقدير، ولم يذكر وجهَ الأخذ والأداء، ولا سببَ ذلك، فلا (¬4) يتعين أن يكون العناق المؤداة إلى الرسول - عليه الصلاة والسلام- زكاةً. ويمكن فرضُ إيجابها بطريق غير الزكاة؛ كما لو أسلم إنسانٌ لآخرَ في عَناق (¬5)، وثبتَ الحقُّ عندَ الإمام، فأمر بالدفع، فامتنع منه، ونصب الحرب، فالواجبُ على الإمام حينئذ قتالُه من قبيل إنكارِ المنكر، ونصرِ الحق، ثم إنه لا يلزم من فرض التقدير الوقوعُ، إنما أثبت الصدِّيقُ الملازمةَ بين (¬6) منع الحقِّ واستباحةِ قتالِ المانع، أَيَّ حقٍّ كان، وأَيَّ مانعٍ كان، وذكر العناق والعقال مثالاً للحق القليل؛ تنبيها بالأدنى على الأعلى، والاستدلال بهذا النظم لا يستقيم إلا على التقدير، وربما قدر المستحيل لأجل ¬

_ (¬1) الواو سقطت من "ن". (¬2) في "ن "و"ع ": "لقبول". (¬3) "رضي الله عنه" ليست في "ن". (¬4) في "ج": "ولا". (¬5) في "ع": "أعناق"، وفي "ج": "الزكاة". (¬6) في "ج": "من".

باب: لا تؤخذ كرائم أموال الناس في الصدقة

الملازمة؛ نحو: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22]. فكأن أبا (¬1) بكر -رضي الله عنه- قال: كلُّ مَنْ منعَ (¬2) حقاً، ولو عِقالاً، أو عَناقاً -يعني: قليلاً أو كثيراً-، فقتاله متعينٌ، وهؤلاء منعوا، فقتالهم متعينٌ. هذا كله كلام ابن المنير. باب: لا تُؤخَذُ كرائمُ أموالِ الناسِ في الصَّدقةِ 857 - (1458) - حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ بسْطَامٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُميَّةَ، عَنْ يَحيَى بْنِ عبد الله بْنِ صَيْفِيٍّ، عَنْ أَبي مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَباسٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا بَعَثَ مُعَاذاً -رَضيَ اللهُ عَنْهُ- عَلَى الْيَمَنِ، قَالَ: "إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ، فَإِذَا عَرَفُوا الله، فَأَخْبرهُم أَنَّ اللَّه قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِم وَلَيْلَتِهم، فَإِذَا فَعَلُوا، فَأَخْبرهم أَنَّ اللهَ فَرَضَ عَلَيْهُم زكاةً مِنْ أَموَالِهِم، وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِم، فَإِذَا أَطَاعُوا بهَا، فَخُذْ مِنْهُم، وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ". (رَوح): بفتح الراء، وقد مر. (فليكن أولَ ما تدعوهم إليه عبادةُ الله): بنصب "أولَ" على أنه خبر "كان"، ورفع "عبادةُ" على أنه اسمه (¬3). ¬

_ (¬1) في "ن": "وكأن أبو". (¬2) في "ج": "كل مانع". (¬3) في "ن": "أنها اسمها".

باب: زكاة البقر

(فإذا عرفوا الله، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمسَ صلوات): استدل به بعضهم على أن الكفار غيرُ مخاطبين بفروع (¬1) الشريعة؛ لأنه جعلَ الخطابَ بالصلوات (¬2) مشروطاً بالإيمان، فحيث يكون الشرط مفقوداً، يكون المشروط كذلك، وهو غيرُ متجه؛ فإن تتمة الحديث: "فإذا فعلوا" - يعني: الصلاة- "فأخبرهم أن الله فرض عليهم زكاة"، ولا خلاف أن (¬3) الخطاب بالصلاة (¬4) ليس شرطًا في الخطاب بالزكاة، بل هم مخاطبون بالفروع جملة واحدة. (وتوقَّ كرائمَ أموالِ الناس (¬5)): كرائمُ الأموال: خيارُها، جمعُ كَريمة. باب: زكاةِ البقَرِ وقال أبو حُمَيْدٍ: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لأَغرِفَنَّ، ما جَاءَ اللهَ رَجُلٌ ببَقَرَةٍ لَها خُوَارٌ". ويقالُ: جُؤَارٌ. {تَجْئَرُونَ} [النحل: 53]: تَرفَعُونَ أصوَاتَكُم كَمَا تَجْأَرُ الْبقَرَةُ. (لأعرفن ما جاء الله رجل ببقرة لها خوار (¬6)): أي: لأَرينَكم غداً بهذه الحالة، ولأَعرفَنَّكُم بها. ¬

_ (¬1) في "ن": "بفروض". (¬2) في "ن": "به الصلوات". (¬3) في "ج": "في". (¬4) في "ج": "بأن الصلاة". (¬5) في "ج": "كرائم أموالهم". (¬6) في "ع": "خواري".

ويروى: "لا أَعْرِفَنَّ" -بزيادة همزة قبل العين-؛ أي: لا ينبغي أن تكونوا على هذه الحالة، فأعرفكم بها (¬1)، وأراكم عليها، و"ما جاء الله رجلٌ" في موضع نصب (¬2) على أنه مفعول بأعرف، و"ما" مصدرية؛ أي: لأعرفَنَّ مجيءَ رجلٍ الله، والخُوار -بخاء معجمة مضمومة-: صوت البقر. 858 - (1460) - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبي، حَدَّثَنَا الأعمَشُ، عَنِ الْمَعرُورِ بْنِ سُويدٍ، عَنْ أَبي ذَرٍّ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: انْتهيْتُ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "وَالَّذِي نفسِي بيَده! أَوْ: وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ! -أَوْ كمَا حَلَفَ- مَا مِنْ رَجُلٍ تَكُونُ لَهُ إِبل، أَوْ بَقَرٌ، أَوْ غَنَمٌ، لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا، إِلاَّ أُتِيَ بها يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَعْظَمَ مَا تَكُونُ وَأَسْمَنَهُ، تَطَؤُهُ بأَخْفَافِها، وَتَنْطَحُهُ بقُرُونِهَا، كُلَّمَا جَازَتْ أُخْرَاها، رُدَّتْ عَلَيْهِ أُولاهَا، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ". (المعرور): بمهملات، وقد مر. (تطؤه بأخفافها): تكلم الشراح [على الظِّلْفِ والخفّ] (¬3)، وذكروا أن الظلفَ لذوات القوائم المشقوق (¬4)؛ كالغنم والبقر، والخفَّ للإبل، وذلك صحيح، لكنهم (¬5) أشكلَ عليهم قولُه -عليه السلام- في حق الأنواع ¬

_ (¬1) في "ن" و"ع" زيادة: "يوم القيامة". (¬2) في "ج": "يضرب". (¬3) ما بين معكوفتين سقط من "ن". (¬4) في "ن" و"ع": "المشقوقة". (¬5) "لكنهم" ليست في "ن".

الثلاثة: "تطؤه (¬1) بأخفافها"، وفي رواية: "بأظلافها" (¬2). فقال بعضهم: يدل ذلك على أن كل واحد منهما يوضع موضعَ الآخر، [ويكون الاختصاص غالباً لا مطَّرداً، وقال القاضي: لما اجتمعا، غُلِّب أحدُهما على الآخر] (¬3) (¬4). قال ابن المنير: وعندي: أن الوجهين ضعيفان؛ لقوله: "وتَنْطِحُه بقرونها"، ولا إشكال أن الإبلَ لا قُرون لها، ولا شيءَ يقوم مقامَ القرون، والتغليبُ إنما يكون إذا وجد شيئان متقاربان، والحقُّ -إن شاء الله-: أن الكلام خرجَ مخرجَ اللَّفِّ، كأنه قال: تطؤه ذواتُ الأخفاف منها بأخفافها، وتنطحه ذواتُ القرون بقرونها، فالضمير في كل قسم عائد على بعض الجملة، لا على الكل، ومثله كثير في الكلام الفصيح. قلت: وطُوي ذكرُ ذوات الظِّلف في هذه الطريق. (كما جازت (¬5) أخراها، رُدَّتْ عليه أُولاها): كذا (¬6) الرواية هنا، ولا إشكال فيها. قال القاضي: وجاء في "الصحيحين" في بعض الطرق من رواية زيدِ ابنِ أسلمَ عن أبي صالح: "كُلَّمَا مَرَّتْ عَلَيْهِ أُولاها، رُدَّتْ عَلَيْهِ أُخْرَاها" (¬7) ¬

_ (¬1) في "ع": "لتطؤه". (¬2) رواه مسلم (987) عن أبي هريرة رضي الله عنه. (¬3) ما بين معكوفتين سقط من "ن". (¬4) انظر: "إكمال المعلم" (3/ 492). (¬5) في "ع": "أجازت عليه". (¬6) في "ع": "كذلك". (¬7) هي رواية مسلم (987).

باب: الزكاة على الأقارب

قال: وهو وهم بيِّن (¬1). يريد: لأن الردَّ إنما يُستعمل في العَوْد، وإذا جازت الأولى، كانت الأخرى مبتدئةَ المرور، لا عائدة؛ بخلاف الطريقِ المشهورة، فإن الأخرى إذا جازت، ثم جازت الأولى، فجوازُها عَوْد ورَدٌّ، فيستقيم الكلام. قال ابن المنير: وهو عندي مستقيم على الطريقين، وذلك أن الحديث وصف تكرار عقوبتها له مراراً لا يحصيها إلا الله، ومن المرة الثانية (¬2) فصاعداً يصدُق على الأخرى أنها رُدَّت عليه؛ لأنها في المرة الأولى قد جازت، وهي في الثانية، وهلم جَرًّا رادةٌ (¬3)، فأخبر في الطريق [المشهورة عن عبورها عليه في المرار كلِّها، وأخبر في الطريق الثانية] (¬4) عمَّا بعدَ (¬5) المرة الأولى، واكتفى بالإخبار عن الأولى بقوله: تطؤه. . . إلى قوله: كما. والله أعلم. باب: الزكاةِ على الأقارب 859 - (1461) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مالكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عبد الله بْنِ أَبي طَلْحَةَ: أَنَّهُ سَمِعَ أَنسَ بْنَ مَالِكٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُولُ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكثَرَ الأَنْصَارِ بالْمَدِينَةِ مَالاً مِنْ نَخْلٍ، وَكَانَ أَحَبَّ ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 23). (¬2) "الثانية" ليست في "ع". (¬3) في "ع": "زادة". (¬4) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬5) في "ج": "بعده".

أموَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ، وَكَانَتْ مُسْتَقْبلَةَ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدخُلُها، وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءَ فِيها طَيِّبٍ. قَالَ أَنسٌ: فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هذِهِ الآيَةُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92]، قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يَقُولُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92]، وَإِنَّ أَحَبَّ أموَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ، وإنها صَدَقَة لِلَّهِ، أَرْجُو برها وَذُخْرَها عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعها يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "بَخْ، ذَلِكَ مَالٌ رَابحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَابحٌ، وَقَد سَمِعْتُ مَا قُلْتَ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبينَ"، فَقَالَ أبو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَسَمَها أبو طَلْحَةَ فِي أقارِبهِ وبنيَ عَمِّهِ. تَابَعَهُ رَوْحٌ. وَقَالَ يَحيَى بْنُ يَحيَى وَإِسْمَاعِيلُ، عَنْ مَالِكٍ: "رَايحٌ". (كان أبو طلحةَ أكثرَ الأنصار بالمدينة مالاً): أكثرَ -بالنصب- خبر "كان". قال الزركشي: ومالاً قيل: إنه منصوب على التمييز (¬1). قلت: هو كذلك قطعاً، فلا معنى للتبرؤ من عهدته بالنقل، فمثلُه لا يخفى على الأصاغر، ولا يحتاج إلى الإسناد فيه إلى قائل معروف أو مجهول، وهل ذلك إلا بمثابة أن يقال في قولنا: قام زيد، قيل: إنه فاعل بقام؟! (وكان أحبَّ أمواله إليه بيرُحاء): قال القاضي: رواية الأندلسيين والمغاربة: بضم الراء في الرفع، وفتحها في النصب، وكسرها في الجر، ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 354).

مع الإضافة أبداً إلى "حاء"، وجاء على لفظ الحاء من حروف المعجم، وكذا وجدته بخط الأصيلي (¬1). قال ابن المنير: الرواية المصححة (¬2): "بَيرَحا (¬3) ": -بفتح الباء والراء والقصر-، كذلك صححها الباجيُّ على أهل المشرق؛ كأبي ذر، وغيره، وكذا ضبطه الصغاني (¬4)، فقال: بَيْرَحا على فَيْعَلَى؛ من البَراح: اسمُ أرضٍ كانت لأبي طلحة بالمدينة. قال: وأهلُ الحديث يصحِّفونه (¬5)، ويقولون: بيرحاء، ويحسبون أنها بئر من آبار المدينة. وكذا قال القاضي: هو حائط، ليس اسمَ بئر، والحديثُ يدل عليه (¬6). (وكانت مستقبلةَ المسجد): أي مقابلة لمسجد رسول الله (¬7). (فضعها يا رسولَ الله حيثُ أراكَ الله): قال ابن المنير: فيه جواز وكالة التفويض، وأن التصرفَ بمقتضى الوكالة قبولٌ، وإن لم يتلفظ بالقبول؛ خلافاً لبعضهم. (بخ): قال الزركشي: كلمةُ تعجُّب، ومعناها تعظيمُ الأمر وتفخيمُه، ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 115). (¬2) في "ع": "الصحيحة". (¬3) "بيرحا" ليست في "ج". (¬4) في "ن": "الصاغاني". (¬5) في "ع": "يصحفونها". (¬6) انظر: "إكمال المعلم" (3/ 516). (¬7) في "ن" "ع": "رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقريبة منه".

وهو مبني على السكون (¬1)، كما سكنت اللام في هلْ وبَلْ، فإن (¬2) وُصِلَت، حُرِّكت، ونُونت، فقلت: بَخٍ بخٍ، وربما شددت (¬3). قلت: (بخْ): من أسماء الأصوات الدالة على حال (¬4) في نفس المتكلم، وهي كلمة تقال عند الإعجاب والرضا بالشيء، وفيها لغات: سكون الخاء وكسرها مع التنوين [وتشديد الخاء مع التنوين] (¬5) وعدمه، وتكرر للمبالغة، فيقال: بخ بخ، والأكثر حينئذ تخفيفُه وتنوينُه مكسورَ الخاء، وربما شُدِّدَ منونًا مكسوراً (¬6). قال الشاعر -وقد جمعَها (¬7) -: رَوَافِدُهُ أَكْرَمُ (¬8) الرَّافِدَاتِ ... بَخٍ لَك بَخٍّ لِبَحْر خِضَمّ (¬9) وحكى ابن السكيت: بَهِ بَهِ؛ بمعنى: بَخٍ بَخٍ. (ذلك مال رابحٌ): -بالباء الموحدة-؛ أي: ذو رِبْح. ويروى: بالهمزة؛ اسم فاعل من راح يروح؛ أي (¬10): إنه قريبُ ¬

_ (¬1) في "ج": "أن السكون". (¬2) في "ج": "وإن". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 355). (¬4) "حال" ليست في "ج". (¬5) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬6) "مكسوراً" ليست في "ن" و"ع". (¬7) "وقد جمعها" ليس في "ع". (¬8) في "ج": "إكرام". (¬9) انظر: "الصحاح" للجوهري (1/ 418)، (مادة: ب خ خ). (¬10) "أي" ليست في "ن".

الفائدة يصل نفعُه إلى صاحبه كل رواح، لا يحتاج أن يتكلف فيه للمشقة والسير. (وإني أرى أن تجعلها في الأقربين): ليس هذا مما يدل للبخاري على تبويبه؛ فإنه بَوَّبَ (¬1) على الزكاة على الأقارب، وهذا ليس (¬2) زكاة. قال الزركشي: فإن أراد ذلك بالقياس (¬3)، أمكن (¬4). قلت: فيه نظر ظاهر. وقد استدل بعضهم بهذا على أن مرجعَ الحبسِ لأقرب الناس إلى المحبس. ورده القاضي بأن أبا طلحة لم يقبل (¬5) تحبيسها أولاً، وإنما جعلها لله، ومقتضاه أن تباع لو شاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ويصرف ثمنها لله (¬6). قال ابن المنير: و (¬7) يجوز عندي أن يكون قَبلَ أصلَ التحبيس، وفَوَّض إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - تعيينَ المصرف (¬8)، وهو الظاهر. قلت: إنما يكون هذا هو الظاهر أن لو كان (¬9) في لفظ أبي طلحة ¬

_ (¬1) في "ن": "يؤد". (¬2) في "ع": "وليس هذا زكاة". (¬3) في "ن": "ذلك بذلك القياس". (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 355). (¬5) في "ع": "يبين". (¬6) انظر: "إكمال المعلم" (3/ 518). (¬7) "و" ليست في "ج". (¬8) "تعيين المصرف" ليست في "ج"، وفي "ن" و"ع": "المصروف". (¬9) في "ن": "كانت".

ما يرجح حملَه على الوقف (¬1)، وليس كذلك؛ فإن الذي ذُكر عنه في الحديث أنه قال: "وإنها صدقةٌ لله أرجو برَّها وذُخْرَها عندَ الله"، وذلك بمجرده ليس ظاهراً في التحبيس، فتأمله. 860 - (1462) - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي زَيْدٌ، عَنْ عِيَاض بْنِ عبد الله، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدرِيِّ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي أَضْحًى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَوَعَظَ النَّاسَ، وَأَمَرَهُم بالصَّدَقَةِ، فَقَالَ: "أيها النَّاسُ! تَصَدَّقُوا"، فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ: "يَا مَعشَرَ النِّسَاء! تَصَدَّقْنَ؛ فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أكثَرَ أَهْلِ النَّارِ". فَقُلْنَ: وَبمَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "تُكْثِرْنَ اللَّعنَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ، أَذْهبَ لِلُب الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إحدَاكُنَّ، يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ". ثُمَّ انْصَرَفَ، فَلَمَّا صَارَ إِلَى مَنْزِلهِ، جَاءَتْ زينَبُ امرَأة ابْنِ مَسْعُودٍ تَسْتَأْذِنُ عَلَيْهِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هذِهِ زَيْنَبُ، فَقَالَ: "أَيُّ الزَّيَانِب؟ ". فَقِيلَ: امرَأة ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: "نَعَم، ائْذَنُوا لَها"؛ فَأُذِنَ لَها، قَالَتْ: يَا نبِيَّ اللَّهِ! إِنَّكَ أَمَرْتَ الْيَوْمَ بالصَّدَقَةِ، وَكَانَ عِنْدِي حُلِيّ لِي، فَأَردَتُ أَنْ أتصَدَّقَ بهِ، فَزَعَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ وَوَلَدَهُ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتُ بهِ عَلَيْهِم، فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "صَدَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ، زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ بهِ عَلَيْهم". ¬

_ (¬1) في "ع": "الوقوف".

باب: ليس على المسلم في فرسه صدقة

(فإني أُرِيتُكُنَّ (¬1) أكثرَ أهلِ النار): أرى يتعدى إلى ثلاثة مفاعيل، وهو هنا مبني للمفعول (¬2)، فالتاء هي المفعول الأول (¬3)، وهو (¬4) في محل رفع، والكاف والنون في محل نصب على أنه المفعول الثاني، وأكثرَ منصوب، وهو المفعول الثالث. ويروى: " رَأَيْتُكُنَّ". (تُكثرن اللعنَ): أي: الشتم. (وتكفرنَ العشير): أي: الزوج، والمراد: أنهن يسترن إحسانَ الأزواج إليهن ويجحدنه. (أذهبَ للب الرجلِ الحازم من إحداكنَّ): اللُّبُّ: العقل، والحازم: الضابط لأمره؛ يعني: أنهن إذا أردنَ شيئًا، غالبن عليه، والتوينَ حتى (¬5) يفعله الرجال، صواباً كان أو خطأً. باب: ليس على المسلم في فرسِه صدقة 861 - (1463) - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعبَةُ، حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ دِينَارٍ، قال: سَمعتُ سلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ، عَن عراكِ بنِ مَالِك، عَنْ أَبي هُرَيرَةَ ¬

_ (¬1) في "ع": "رأيتكن". (¬2) في "ع": "بمعنى المفعول". (¬3) "الأول" ليست في "ج". (¬4) في "ج": "وهي". (¬5) في "ج": "عليه حتى".

-رَضيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيسَ عَلَى الْمُسْلِم فِي فَرَسِهِ وَغُلاَمِهِ صَدَقَةٌ". (ليس على المسلم في فرسه وغلامه صدقةٌ): فيه حجة ظاهرة على أنه لا زكاة في الخيل، وقد كان أهلُ الشام سألوا أبا عبيدةَ بنَ الجراح أن يأخذ من خيلهم ورقيقهم صدقةً، فأبى، فكتب إلى عمر، فشاور الصحابةَ، فقال له (¬1) عليّ بنُ أبي طالب: لا بأسَ بذلك إن لم تصر (¬2) بعدهم جزية يأخذون بها، فأخذها منهم؛ لبذلهم لها طوعاً (¬3). حكاه ابن بطال (¬4). قال ابن المنير: وفي قولِ عليٍّ إشارةٌ (¬5) إلى تعارض الأمر عندَه في أداء الزكاة عن الخيل تطوُّعاً؛ لأن القاعدةَ جوازُ تصرف الإنسان في ماله بالصدقة، لكن عارضَ ذلك قاعدة سدِّ الذرائع؛ إذ في تسمية ذلك زكاةً تؤدَّى إلى الأئمة مفسدةٌ؛ لأن ذلك يؤول إلى اعتقادها واجبة عند تطاول الأزمنة، وجهل الولاة، فيستأدونها على أنها واجبة، فتصير جزيةً على المسلمين، ولكن عمر -رضي الله عنه- رجَّحَ المصلحةَ العاجلةَ على المفسدة الآجلة، وبمذهب عليٍّ أخذَ مالكٌ حيثُ يقول: لا ينبغي أن يُزاد على قدر زكاة (¬6) الفطر تطوّعاً، وليتطوَّعُ بغير هذا. ¬

_ (¬1) "له" ليست في "ن". (¬2) في "م": "إن تصر". (¬3) في "ج": "تطوعاً". (¬4) انظر: "شرح ابن بطال" (3/ 485). (¬5) في "ج": "الإشارة". (¬6) في "ج": "الزكاة ".

باب: ليس على المسلم في عبده صدقة

باب: ليسَ على المُسْلم في عبدِه صدقةٌ 862 - (1464) - حَدَّثَنَا مُسَدَّد، حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ خُثَيْم بْنِ عِرَاكٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبي، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (خُثَيم): بخاء معجمة مضمومة وثاء مثلثة مفتوحة، مصغَّر. باب: الصَّدقةِ عَلَى اليتامى 863 - (1465) - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحيَى، عَنْ هِلاَلِ بْنِ أَبي مَيْمُونَةَ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخدرِيَّ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ- يُحَدِّثُ: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - جَلَسَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ، فَقَالَ: "إِنِّي مِمَّا أَخَافُ عَلَيْكُم مِنْ بَعدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُم مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِها". فَقَالَ رَجُل: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَوَ يَأتِي الْخَيْرُ بالشَّرِّ؟ فَسَكَتَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقِيلَ لَهُ: مَا شَأْنُكَ، تُكَلِّمُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَلاَ يُكَلِّمُكَ؟! فَرَأَيْنَا أَنَّهُ يُنْزَلُ عَلَيْهِ، قَالَ: فَمَسَحَ عَنْهُ الرُّحَضَاءَ، فَقَالَ: "أَيْنَ السَّائِلُ؟ " -وَكَأَنَّهُ حَمِدَهُ-، فَقَالَ: "إِنَّهُ لَا يَأتِي الْخَيْرُ بالشَّرِّ، وَإِنَّ مِمَّا يُنْبتُ الرَّبيعُ يَقْتُلُ أَوْ يُلِمُّ، إِلاَّ آكِلَةَ الْخَضْرَاءِ، أكلَتْ حَتَّى إِذَا امتَدَّتْ خَاصِرَتَاها، اسْتَقْبَلَتْ عَيْنَ الشَّمسِ، فَثَلَطَتْ، وَبَالَتْ، وَرتَعَتْ، وَإِنَّ هذَا الْمَالَ خَضرَةٌ حُلْوَةٌ، فَنِعمَ صَاحِبُ الْمُسْلِم مَا أَعْطَى مِنْهُ الْمِسْكِينَ وَالْيتيمَ وَابْنَ السَّبيلِ -أَوْ كَمَا قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم-، وَإِنَّهُ مَنْ يَأْخُذُهُ بغَيْرِ حَقِّهِ، كَالَّذِي يَأكلُ وَلاَ يَشْبَعُ، وَيَكُونُ شَهِيداً عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".

(فَضالة): بفتح الفاء وبالضاد المعجمة، وقد مر. (أوَ يأتي الخيرُ بالشرِّ؟): -بفتح الواو والهمزة للاستفهام-؛ أي: أتصيرُ النعمةُ عقوبة؟ (فرُئينا): براء مضمومة بعد الفاء ثم همزة مكسورة، ويروى: "فأرينا" أي: فظننا. (فمسحَ عنه الرّحَضاء): -براء مضمومة فحاء مهملة مفتوحة فضاد معجمة فالف ممدودة-؛ أي: العرق الكثير. (وإن مما ينبت الربيعُ): هو من الإسناد المجازي على رأي الشيخ عبد القاهر ومَنْ تابعه؛ إذ المسنَدُ إليه ملابسٌ للفعل، وليس فاعلاً حفيقياً له؛ إذ الفاعلُ الحقيقيُّ هو الله تعالى، والسَّكَاكيُّ يرى أن الإسناد (¬1) ليس مجازياً، وأن المجازَ في الربيع، فجعله استعارةً بالكناية على أن المراد به الفاعلُ الحقيقي بقرينة نسبة الإثبات إليه، والكلام في ذلك رداً وقبولاً مقررٌ في محله، فلا نطُول به. (يقتل): أي: شيئاً يقتل، أو نباتاً يقتل. فإن قلت: فيه حذف الموصوف، مع أن الصفة جملة، وبابُه عندهم الشعر؟ قلت: إنما ذاك حيثُ لا يكون الموصوف بعضاً من مجرورٍ بمن، أو في متقدمٍ؛ مثل: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} [الصافات: 164]، ومثل قوله (¬2): ¬

_ (¬1) في "ن": "أن الإنسان". (¬2) هو حكيم بن معية الربعي، كما تقدم عنه.

لَوْ قُلْتُ: مَا في قَوْمِها لَم تيثم. . . يَفْضُلُها في حَسَبٍ وَميسَمِ وقد وجد هذا الشرط في الحديث، فلا إشكال. (أو يُلِمُّ): أي: يَقْرُب من القتل. قال الزركشي: وهذا قد سقط منه شيء، وربما ذكره في كتاب الرقاق: "إِنَّ مِمَّا يُنْبتُ الرَّبيعُ مَا يَقْتُلُ حَبَطاً أَوْ يُلِمُّ" (¬1) (¬2). قلت: هما طريقان ثبت في أحدهما لفظٌ معين، وفي الآخر لفظ، والمعنى (¬3) صحيح فيهما (¬4)، فلا يقال: سقط من أحد الطريقين ما ثبت في الآخر، بمعنى: أنه أمرٌ محتاج إليه؛ إذ الغرض أن كلاً منهما صحيح. ثم قال: والحَبَطُ -بالحاء المهملة-: انتفاخُ البطن من داء يُصيب الآكِلَ من أكله، يقال: حبطت الدابةُ تحبطُ حَبَطًا: إذا أصابت مرعًى طيباً، فاطَّردتْ في الأكل حتى تنتفخ فتموت. وروي بالخاء المعجمة؛ من التخبُّط، وهو الاضطراب. قال الأزهري: وهذا الحديث إذا فُرق لم يكد (¬5) يُفهم، وفيه مثلان (¬6): ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6063) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 356). (¬3) "والمعنى" ليست في "ج". (¬4) "فيهما" ليست في "ج". (¬5) في "ن": "يكن". (¬6) في "ع": "مثالان".

أحدهما: المفرِطُ في جمع (¬1) الدنيا، ومنعِها عن صرفها في حقها، وهو ما تقدم. والآخر: للمقتصد في أخذها، والانتفاع بها، وهو قوله: "إلا آكلةَ الخَضر"؛ فإن (¬2) الخضر (¬3) ليس (¬4) من أحرار البقول التي يُنبتها الربيع، ولكنها من الجَنَبَةِ، والجنبةُ: ما فوق البقل، و (¬5) دون الشجر التي ترعاها المواشي بعد هيج البقول، فضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - آكلة الخضر من المواشي مثلاً لمن يقتصد في أخذ الدنيا وجمعها، ولا يحمله الحرصُ على أخذها بغير حقها، فهو ينجو من وَبالها كما نجت آكلةُ الخضر، ألا تراه قال: "استقبلَتْ عينَ الشمسِ"؛ أي: إذا شبعتْ، تركت، فهي تستمري، وتثلط، فإذا ثلطت، زال منها الحبطُ، وإنما تحبط الماشية؛ لأنها لا تثلط ولا تبول (¬6). (إِلاَّ آكلةَ الخضر (¬7)): أكثر (¬8) الروايات فيه هكذا بإلا الاستئنائية. ويروى: "أَلا" -بتخفيف اللام وفتح الهمزة- على أنها استفتاحية، كأنه قال: ألا انظروا آكلةَ الخَضر، واعتبروا شأنها. ¬

_ (¬1) في "ج": "جميع". (¬2) في "ج": "قال". (¬3) "فإن الخضر" ليست في "ن" و"ع". (¬4) في "ن"و "ع": "ليست". (¬5) "و" ليست في "ج". (¬6) انظر: "التنقيح". (¬7) في "ع": "الخضراء". (¬8) "أكثر" ليست في "ع".

والخَضرُ في أكثر الأحاديث والروايات (¬1) بكسر الضاد، كذا قال القاضي (¬2)، وهو ضرب من الكلأ، واحده خَضرَةٌ. وروي: "الخُضَر"، بضم الخاء [وفتح الضاد، جمع خُضْرَة. ويروى (¬3): "الخُضْر"، بضم الخاء] (¬4) وسكون الضاد-. (حتى إذا امتدت خاصرتاها): أي: جنباها؛ يعني: حتى (¬5) امتلأت شبعاً، وعَظُمَ جنباها. (استقبلت عينَ الشمس): لأن الحينَ الذي يتفق لها فيه الشبعُ، وامتدادُ الخاصرتين (¬6) هو الحينُ الذي تشتهي فيه الشمس. (فثَلَطت): -بمثلثة ولام مفتوحة-؛ أي: ألقت السرقينَ سهلاً رقيقاً، كذا قيده الجوهري (¬7). قال الزركشي: وقال السفاقسي: هي (¬8) بكسر اللام (¬9). ¬

_ (¬1) في "ن": "أكثر الروايات". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 243). (¬3) في "ن" و "ج": "وروي". (¬4) ما بين معكوفتين غير واضح في "م"، وهو هكذا في "ع". (¬5) "حتى" ليست في "ع" و"ج"، وفي "ن": "حتى إذا". (¬6) في "ن": "الخاصرة". (¬7) قال الجوهري في "الصحاح" (3/ 1118)، (مادة: ث ل ط): ثلط البعيرُ: إذا ألقى بَعْرَه رقيقًا. (¬8) "هي "ليست في "ج". (¬9) انظر: "التنقيح" (1/ 357).

قلت: الذي (¬1) رأيته فيه: وثَلَطَت: ضبطه بعضهم بفتح اللام، وهو الذي سمعت (¬2) من الشيخ، وضبطه بعضهم: بكسرها. (ورتَعَتْ): أي: اتَّسعت في المرعى الخِصْب (¬3). (وإن هذا المالَ خضرةٌ حلوة): استدل به ابن الأنباري على أن المال (¬4) يؤنث، ورد بانه إنما أتى على التشبيه؛ أي: إن هذا المال كالبقلة الخضرة الحلوة. قال ابن المنير: هذا الحديث أصلٌ كبير في قاعدة الورع، وهو يرفع الإشكال، ويرد الخلاف إلى الوفاق، وإنما اضطرب الناسُ فيه؛ لتعارض إطلاقات إجماعية، وذلك أن السلف -رضي الله عنهم (¬5) - أطلقوا الورعَ في المباح، والآثار متظافرةٌ (¬6) على التقليل من الحلال، وأنه أسلَمُ، فهذا إطلاق، وحَدُّوا (¬7) المباحَ بانه ما استوى فعلُه وتركُه. فقائل يقول: الجمعُ بين كونه مباحاً وبين دخول الورع فيه جمعٌ بين التسوية والأولوية، وهو (¬8) تناقض، فالتجأ إلى أن قال: لا ورعَ في المباح. ¬

_ (¬1) في "ع": "والذي". (¬2) فى "ع" و"ج": "سمعته". (¬3) في "ن" و "ع": "والخصب". (¬4) "على أن المال" ليست من "ج". (¬5) "رضي الله عنهم" ليست في "ن". (¬6) في "ع": "متظاهرة". (¬7) في "ع": "وحد". (¬8) في "ع": "وهذا".

وقائل يقول: أطلق السلفُ الورعَ في المباح، فنفيه عنه (¬1) خلافُ الإجماع، لكنه لم يتخلص في سؤال التناقض. والحقُّ: أن المباح يطلق على الفعل الذي سلمت العاقبةُ من أدائه إلى محظور، حتى يُفرض فيه أن الصادق قال لصاحبه: خيرتك فيه، فإنه لا يؤدي في حقك إلى محظور ولا مكروه، فهذا لا يختلفون أنه لا ورع فيه. ويطلق أيضاً جِنْساً للأمر الذي إن سلمت العاقبة (¬2) فيه، فهو مباح، وإن أفضت فيه إلى خلاف المباح، فليس بمباح، فهذا الجنس مباحٌ باعتبار ذاته، غيرُ مباح على تقدير أدائه إلى خلافه، وفيه دخلَ الورع، وإليه الإشارة بقوله -عليه السلام-: "أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ زِينَةُ الدُّنْيَا" (¬3)؛ فإن زينة الدنيا هي جنس المباح، ومع ذلك خافها؛ لأدائها غالباً إلى خلاف المباح؛ من اعتيادِ حُب الإكثار، وحملِ العادة على الكسب من الحل والحرام. ووقعت للسائل شبهةُ منكري (¬4) الورع؛ لأنه تعجَّب من كون الدنيا مباحةً وخيراً، ثم خافَ منها الشرَّ الذي هو المحظور، فتعجب من وصفها بالوصفين: الخيرِ والشرِّ، وذهل عن الحال والمال، حتى بينه -عليه السلام- بالمثال، وذلك أن الخصب خير، و (¬5) مفروح به بالقول المطلق، ¬

_ (¬1) في "م" و"ج": "عن". (¬2) في "م": "المعاقبة". (¬3) رواه مسلم (1052) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. (¬4) "منكري" ليست في "ن". (¬5) "و" ليست في "ع".

باب: الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر

ثم هو (¬1) إن سلمتْ عاقبتُه، كان خيراً أبداً، وإن أدى إلى الوَبال وهلاك الماشية، كان شراً، ومخوفاً منه، وبيَّنَ للسائل بذلك أداءَ الخيرِ العاجلِ إلى الشرّ الآجِل، كذلك المباحُ حالاً إذا أدى إلى محظورٍ مآلاً، كان الأولى من الأول تركه، فصدق عليه أنه مباح؛ يعني: على تقدير السلامة، وصدقَ عليه أنه يتورَّع عنه (¬2) على تقدير أدائه إلى الهلكة، والاحتمالان متقابلان، فلو تحققنا وبالَ العاقبة، لجزمنا فيه (¬3) بالتحريم، ولو تحققنا فيه السلامةَ، لجزمنا بالتحليل الدائم، ولكن لما كان الأصلُ السلامةَ، والغالبُ الوبالَ، اقتضى تعارضُ الأصلِ والغالب حكماً متوسطاً، وهو يتخير (¬4) خلاف الأولوية، وهو المراد بالورع. انتهى كلامه رحمه الله، فتأمله (¬5). باب: الزَّكاةِ عَلَى الزَّوْجِ وَالأَيْتَامِ فِي الْحِجْرِ 864 - (1466) - حَدَّثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبي، حَدَّثَنَا الأعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثنِي شَقِيقٌ، عَنْ عَمرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ زينَبَ امرَأَةِ عبد الله -رَضيَ اللهُ عَنْهُما-. قَالَ: فَذَكَرْتُهُ لإبْراهِيمَ، فَحَدَّثَنِي إِبْراهِيمُ، عَنْ أَبي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَمرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ زينَبَ امرَأَةِ عبد الله، بمِثْلِهِ سَوَاءً. قَالَتْ: كُنْتُ فِي الْمَسْجدِ، فَرَأَيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيكُنَّ". ¬

_ (¬1) في "ج": "المطلق وهو". (¬2) في "ن" و"ع" زيادة: "يعني". (¬3) "فيه" ليست في "ن" و"ع"، وفي "ج": "به". (¬4) في "ن" و"ع": "تنجيز". (¬5) "فتأمله "ليست في "ن".

وَكَانَتْ زَيْنَبُ تُنْفِقُ عَلَى عبد الله وَأَيْتَامٍ فِي حِجْرِها، قَالَ: فَقَالَتْ لِعبد الله: سَلْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَيَجْزِي عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ عَلَيْكَ وَعَلَى أَيْتَامِي فِي حِجْري مِنَ الصَّدَقَةِ؟ فَقَالَ: سَلِي أَنْتِ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَانْطَلَقْتُ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَوَجَدْتُ امرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى الْبَابِ، حَاجَتُها مِثْلُ حَاجَتِي، فَمَرَّ عَلَيْنَا بلالٌ، فَقُلْنَا: سَلِ النبي - صلى الله عليه وسلم -: أَيَجْزِي عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ عَلَى زَوْجِي وَأَيْتَامٍ لِي فِي حِجْرِي، وَقُلْنَا: لَا تُخْبرْ بنَا، فَدَخَلَ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: "مَنْ هُمَا؟ "، قَالَ: زينَبُ، قَالَ: "أَيُّ الزيَانِب؟ "، قَالَ: امرَأة عبد الله، قَالَ: "نعَم، لَها أَجْرَانِ: أجرُ الْقَرَابَةِ، وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ". (باب: الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر). (عن زينبَ امرأةِ عبد الله): هي زينبُ بنتُ معاويةَ الثقفيةُ امرأةُ عبد الله بنِ مسعود. وقيل: هي بنتُ أبي معاوية، قاله ابن منده، وأبو نعيم. وقال أبو عمر (¬1): زينبُ بنتُ عبد الله بنِ معاويةَ، ولقب زينب هذه: ربطة (¬2). وقيل: رائطة. (فوجدت (¬3) امرأةً من الأنصار حاجتُها مثلُ حاجتي): اسم هذه المرأة زينبُ أيضاً. ذكر ذلك في "مختصر الاستيعاب". ¬

_ (¬1) في "ج": "عمرو". (¬2) انظر: "الاستيعاب" (4/ 1856). (¬3) في "ج": "وجدت".

وقيل (¬1): هي امرأة أبي مسعود الأنصاري. وقد ذكر ذلك أيضاً ابن الأثير في "أسد الغابة"، فقال: زينبُ الأنصاريةُ امرأةُ أبي مسعود، [روى (¬2) علقمةُ عن عبد الله: أن زينب الأنصاريةَ امرأةَ أبي مسعود] (¬3)، وزينبَ الثققيةَ أتتا رسولَ الله (¬4) تسألانه عن (¬5) الثفقة على أزواجهما (¬6). (أَيَجْزي عني أن أُنفق على زوجي وأيتامٍ لي في حَجْري) حمل المازري -رحمه الله- هذه الصدقة كان امرأة ابين مسعود على الزكاة الواجبة، وقال: إنه الأظهر؛ لسؤالها عن الإجزاء، وهذه اللفظة إنما تستعمل في الواجب. قلت: وعليه يدل تبويب البخاري. وأما ما (¬7) ذكره من أن الإجزاء (¬8) إنما يستعمل في الواجب، إن أراد قولًا واحداً، فليس كذلك، فالخلاف في المسالة مأثور عند الأصوليين: فمنهم من ذهب إلى أن الإجزاء يعم كلَّ مطلوب ومن واجب ومندوب. ¬

_ (¬1) في "ن": "وقال". (¬2) في "ن" و"ع": "وروى". (¬3) ما بيّن معكوفتين سقط من "ج". (¬4) في "ن" و "ع" و"ج" زيادة: "- صلى الله عليه وسلم -". (¬5) في "ج": "نهى عن". (¬6) انظر: "أسد الغابة" (7/ 125). (¬7) "ما" ليست في "ع". (¬8) في "ع" "ذكره في الإجزاء".

ومنهم من قال: بل (¬1) يختص بالواجب، ولا يستعمل في المندوب أصلاً. وهذا هو الذي اعتمده المازري، ونصره القرافي، والأصفهاني شارحا "المحصول". واستبعده الشيخ تقي الدين السبكي، وقال: كلام الفقهاء يقتضي أن المندوب يوصف بالإجزاء كالفرض. وقد ورد في الحديث: "أربع لا تجزئ في الأضاحي" (¬2). واستدل به من قال بوجوب الأضحية، وأنكر عليه (¬3). ورد القاضي كلام المازري؛ لأن (¬4) قوله -عليه السلام-: "ولو من حُليكن"، وما ورد في بعض الروايات: "إِنَّ صَدَقَتها مِنْ صَنْعَةِ يَدها" يدل على أنها صدقة التطوّع (¬5) (¬6)، يريد القاضي: فلا يكون في ذلك حجةٌ لأشهبَ وغيرِه ممن أجاز إعطاءَ المرأةِ زكاتها لزوجها. واستظهر ابن المنير كونَ الصدقة المذكورة هنا تطوعاً، وقال: لكن ذلك لا يسقط (¬7) حجةَ أشهبَ؛ لأن الذي منع إعطاءها الزكاة لزوجها إنما ¬

_ (¬1) "بل "ليست في "ع". (¬2) رواه أبو داود (2802)، والنسائي (4369)، وابن ماجه (3144) عن البراء بن عازب رضي الله عنه. (¬3) انظر: "الإبهاج" للسبكي (1/ 72). (¬4) في "ن" و"ع": "بأن". (¬5) في "ج": "تطوع". (¬6) انظر: "إكمال المعلم" (3/ 521). (¬7) "لا يسقط" ليست في "ج".

باب: قول الله تعالى: {وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله} [التوبة: 60].

اعتل بأنها تعود إليها في النفقة، فكأنها لم تخرج عن يدها، ولا تحققَ أداؤها، فلهذا لم تجزئ، فيقال (¬1) له: لو كان احتمال رجوعها إليها، أو نفس رجوعها إليها مبطلاً للإخراج (¬2) الذي هو قُربة، استوى فيه الفرضُ والنفل، وهو الحقُّ إن شاء الله تعالى. باب: قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 60]. وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما-: يُعْتِقُ مِنْ زكاةِ مَالِهِ، وَيُعطِي فِي الْحَجِّ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنِ اشْترَى أَبَاهُ مِنَ الزَّكاةِ، جَازَ، وَيُعطِي فِي الْمُجَاهِدِين، وَالَّذِي لَمْ يَحُجَّ، ثمَّ تَلاَ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60]، فِي أَيِّها أَعطَيتَ أَجْزَأَتْ. وَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ خَالِداً احتَبَسَ أَدرَاعَهُ فِي سَبيلِ اللَّهِ". وَيُذْكَرُ عَنْ أَبي لاَسٍ: حَمَلَنَا النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى إِبلِ الصَّدَقَةِ لِلْحَجِّ. (باب: قول الله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ}. ذهب الشافعي (¬3) -رضي الله عنه (¬4) - إلى أن المراد بالرقاب: المكاتبون. ¬

_ (¬1) في "ن": "فقال". (¬2) في "ج": "للأخذ". (¬3) في "ن" و"ع": الشافعية. (¬4) "رضي الله عنه" ليست في "ن"، في "ع": "رضي الله عنهم أجمعين".

وقال مالك -رضي الله عنه (¬1) -: المراد: شراءُ الرقاب للعتق (¬2)، والولاءُ للمسلمين على ما عُرف من مشهور قوله، وحجته: أن جميع الأصناف لما كانوا يأخذون على التمليك؛ أي (¬3): يملك القابضُ (¬4) ما عسى أن يعطاه، علق الإضافة إليهم باللام، خلا السبيل والرقاب، أما السبيل؛ فإنه محل للصرف، فعلق الفعل بالنسبة إليه بفي؛ إشارةً إلى أنه محل يُصْرَف فيه (¬5)، وكذلك الرقاب التي تُشترى (¬6)، هي لا تملك الأثمانَ (¬7)، ولا يُصرف إليها، وإنما هي محلّ يُصرف المال فيه إلى ملاكها (¬8) لتُعتق (¬9)، فلو كان المرادُ المكاتبين، لأخذوا على التمليك، وأضيف الفعل إليهم باللام؛ أسوة ببقية (¬10) الأصناف، فلما قُرنوا بالسبيل في التعليق بفي، عُلم أنهم محل، لا آخذون، فبهذا يُؤاخى الكلامُ، ويترتب النظم، وليس العدولُ عن اللام -وقد بُني الكلام عليها- إلى (¬11) (في) سُدًى، حاشَا لله. ¬

_ (¬1) "رضي الله عنه" ليست في "ن". (¬2) في "ع": "للمعتق". (¬3) في "ن: "أن". (¬4) في "ع": "القاضي". (¬5) في "ع": "إليه". (¬6) في "ج": "تشرى". (¬7) "الأثمان" ليست في "ع". (¬8) في"ع": "مالكها". (¬9) في "ن" و"ع" و"ج": "ليعتق". (¬10) في " ن" و"ع": "بقية". (¬11) في "ع": "إلا".

فإن قلت: جعلُ اللامِ للتمليك يفضي (¬1) إلى مخالفة مذهب مالك، فإنه لا يعتقد أن الأصناف يملكون. قلت: قال ابن المنير: إنما لا يعتقد [أنهم يملكون بالأصالة ملك الشركاء على تحرير القسمة، ولكنه يعتقد] (¬2) أن الأخذ منهم -كائناً من كان- يملَّك به الأخذ، ويتصرف فيما يأخذ تصرفَ الملاك (¬3)، إلا السبيل والرقاب. هذا كلامه رحمه الله. (ويذكر عن أبى لاسٍ (¬4)): -بسين مهملة منونةً-، قال أبو عمر: اسمه عبد الله، وقيل: زياد (¬5). 865 - (1468) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بالصَّدَقَةِ، فَقِيلَ مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِب. فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ فَقِيراً فَأَغْنَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَأَمَّا خَالدٌ، فَإِنَكمْ تَظْلِمُونَ خَالِداً، قَدِ احْتبَسَ أَدرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبيلِ اللَّهِ، وَأَمَّا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِب، فَعَمُّ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَهْيَ عَلَيْهِ صدَقَةٌ، وَمِثْلُها مَعَها". ¬

_ (¬1) في "ج": "يقتضي". (¬2) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬3) في "ع": "الملك". (¬4) في "ج" "الأسن". (¬5) انظر: "الاستيعاب" (4/ 1739).

(فقيل منع ابن جميل) الظاهر أن القائل هو الذي كان يصدق في هذه الواقعة، وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وابن جميل: قال ابن منده: لا نعرف اسمه، ومنهم من قال: اسمه حميد. (ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيراً فأغناه الله ورسوله) يقال: نَقَم يَنْقِم، بالفتح في الماضي، والكسر في المضارع، ويقال بالعكس. والحديث يقتضي أن لا عذر له في الترك؛ فإنَّ نقم بمعنى أنكر، وإذا لم يحصل له موجب للمنع إلا أنه كان فقيراً فأغناه الله، فلا موجب له، وهذا مما تقصد العرب في مثله النفي مبالغة بالإثبات، نحو: [من الطويل] ولا عيبَ فيهم غيرَ أنَّ سيوفَهم. . . بهنَّ فُلولٌ من قِراعِ الكتائب (¬1) لأنه إن لم يكن فيهم عيب إلا هذا، فلا عيب فيهم، كذلك هنا، إذا لم ينكر إلا إغناء الله له بعد فقره، فلم ينكر منكراً أصلاً. (وأما خالد، فإنكم تظلمون خالداً، وقد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله). تقدم الكلام على الأذرع والأعتد وما فيها من الخلاف. وفيه دليل على تحبيس المنقولات، وهي مسألة خلاف. وقد نشأ إشكال من كونه لم يأمر بأخذ الزكاة منه، وانتزاعها عند منعه، فقيل في جوابه: يجوز أن يكون عليه السلام أجاز لخالد أن يحتسب ما حبسه من ذلك فيما يجب عليه من الزكاة؛ لأنه في سبيل الله. حكاه القاضي، قال: وهو حجة لمالك في جواز دفعها لصنف واحد، وهو قول كافة العلماء ¬

_ (¬1) البيت للنابغة الذبياني.

خلافاً للشافعي في وجوب قسمتها على الأصناف الثمانية. قال: وعلى هذا يجوز إخراج القيم في الزكاة، وقد أدخل البخاري هذا في باب أخذ العرض في الزكاة، فيدل أنه ذهب إلى هذا التأويل، وهذا ما تقدم الوعد بإتيان الكلام فيه. قال ابن دقيق العيد: وهذا لا يزيل الإشكال؛ لأن ما حبس على جهة معينة، تعين صرفه إليها، واستحقه أهل تلك الصفة مضافاً إلى جهة الحبس، فإن كان قد طلب من خالد زكاة ما حبسه، فكيف يمكن ذلك مع تعين ما حبسه بصرفه؟ وإن كان طلب منه زكاة المال الذي لم يحبسه من العين والحرث والماشية، فكيف يحاسب بما وجب عليه في ذلك، وقد تعين صرف ذلك المحبس إلى جهته. واستضعف الاستدلال بذلك على صرف الزكاة إلى صنف واحد من الثمانية، وعلى جواز أخذ القيم في الزكاة، وهو ظاهر. ثم قال: وأنا أقول: يحتمل أن يكون تحبيس خالد لأدراعه وأعتده في سبيل الله إرصاده إياها لذلك وعدم تصرفه بها في غير ذلك، وهذا النوع حبس، وإن لم يكن تحبيساً، فلا يبعد أن يراد مثل ذلك بهذا اللفظ، ويكون قوله: "إنكم تظلمون خالداً" مصروفاً إلى قولهم: "منع خالد"؛ أي: تظلمونه في نسبته إلى منع الواجب، مع كونه صرف ماله إلى سبيل الله، ويكون المعنى: أنه لم يقصد منع الواجب، ويحمل "منع" على غير ذلك (¬1). قلت: لا حاجة في الاعتذار عن خالد بذلك، وإنكار نسبة المنع إليه إلى أن يحمل حبسه للأدراع والأعتد على الإرصاد لجهة السبيل إلا على ¬

_ (¬1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 192 - 194).

حقيقة التحبيس، بل لو حمل التحبيس نفسه على ما هو المتبادر إلى الفهم منه، لتأثَّى ما قاله من الاعتذار على الوجه الذي قرره. وأما من قال: إن الصدقة هذه كانتْ تطوعاً، فقد ارتفع عنه هذا الإشكال، ويكون -عليه السلام- قد اكتفى بما حبسه خالدٌ عن أخذ شيء من صدقة التطوع، ويكون مَنْ طلب منه مع ذلك شيئاً آخر، وعابه بالمنع، ظالماً له في مجرى العادة. (وأما العباسُ بنُ عبدِ المطلب عمُّ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فهي عليه صدقة (¬1)، ومثلُها معها): قال أبو عبيد (¬2): نراه -والله أعلم-: أنه كان أَخر (¬3) عنه الصدقةَ عامين من حاجة بالعباس إليها، فإنه يجوز للإمام أن يؤخرها على وجه النظر، ثم يأخذها منه؛ كما أخر (¬4) عمرُ بنُ الخطاب الصدقةَ عامَ الرمادة، ثم أخذ منهم (¬5) في العام المقبل صدقةَ عامين (¬6). قلت: وفي بعض طرق "الصحيحين": "فَهِيَ عَلَيَّ وَمِثْلُها" (¬7)، فيحتمل أن تكون هذه اللفظة صفةً، لا إنشاءً (¬8)؛ لالتزام ما لزم العباس، ¬

_ (¬1) في "ن": "صدقة عليه". (¬2) في "ج": "أبو عبيدة". (¬3) في "ج": "أخذ". (¬4) في "ج": "أخذ". (¬5) في "ج": "منه". (¬6) في "ج": "العام المقبل صدقتين". (¬7) رواه مسلم (983) عن أبي هريرة رضي الله عنه. (¬8) في "ع": "صيغة لإنشاء".

ويرجِّحُه قولُه: "إِنَّ عَمَّ الرجُلِ صِنْوُ أَبيهِ" (¬1)؛ ففي هذه اللفظة إشعار بما ذكرنا؛ فإن كونه صِنْوَ الأب يناسبُ أن يحملَ ما عليه. فإن قلت: هل من سبيل إلى التوفيق بين الروايتين (¬2)؟ قلت: نعم بأحد وجهين (¬3): الأول: أن يكون الضمير من (¬4) قوله: "فهي عليه" عائداً على رسول الله (¬5)، لا على العباس. الثاني: أن تحمُّلَه (¬6) -عليه السلام- عن العباس بالصدقة لا يبرئ العباسَ منها؛ فإن الحمالةَ شغلُ ذمةِ أخرى بالحق، فتكون الصدقة على العباس بطريق الأصالة، وعلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بطريق الحمالة. ويحتمل أن يكون ذلك إخباراً عن أمر وقع ومضى، وهو تسلف صدقة عامين من العباس، وقد روي في ذلك حديث منصوص: "إِنَّا تَعَجَّلْنَا مِنهُ صَدَقَةَ عَامَيْنِ" (¬7). قال ابن المنير: وهذا الحديث خارج عن الصحيح المشهور، ولو ¬

_ (¬1) انظر: تخريج الحديث المتقدم؛ إذ هو قطعة منه. (¬2) في "ج": "هاتين الروايتين". (¬3) في "ع": "الوجهين". (¬4) في "ع": "في". (¬5) في "ن" زيادة: " - صلى الله عليه وسلم - ". (¬6) في "ج": "يحمل". (¬7) رواه الدارقطني في "سننه" (2/ 124) عن ابن عباس رضي الله عنه، والطبراني في "المعجم الكبير" (9985) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

باب: الاستعفاف عن المسألة

صحَّ، لم يدل على خلاف قول مالك؛ لأن المشهور من مذهبه: جوازُ التعجيل قبل الحول بيسير، فلعل العباس لما سأله النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعجِّلَ صدقته قبل محلِّها، كان ذلك بقرب الحول بشهر (¬1) فأَدنى، فلا دليلَ لهم فيه، وما يتخيل ورودُه في صدقة العام الثاني يندفعُ باحتمال أن يكونا مالين ذوي حولين متقاربين؛ مثل أن يكون حولُ أحدِهما يحلُّ قبلَ (¬2) المحرَّم، وحولُ الآخر يحل في الخامس منه، فعجل زكاة عامين لمالين (¬3): أحدهما: قدمه قبل انقضاء حوله بخمسة أيام. والآخر بعشرة (¬4) أيام. والاحتمال في وقائع الأعيان كالإجمال في المقال، فيسقط بها الاستدلال. باب: الاستعفافِ عنِ المسألةِ 866 - (1469) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مالكٌ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثيِّ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدرِيِّ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ نَاساً مِنَ الأَنْصَارِ سَألوا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَعْطَاهُم، ثُمَّ سَألوه، ¬

_ (¬1) "بشهر" ليست في "ج"، وفي "ن": "الشهر". (¬2) في "ج": "أول". (¬3) في "ن" و"ج" زيادة: "الخامس والعشرين من ذي الحجة فيصدق أنه عجل عامين لمالين". (¬4) في "ج": "بعشر".

فَأعطَاهُمْ، حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: "مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُم، وَمَنْ يَسْتعفِفْ، يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ، يُغْنِهِ اللَّهُ، وَمَنْ يتَصَبَّرْ، يُصَبرْهُ اللَّهُ، وَمَا أعطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْراً وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ". (حتى نفِد): بفاء مكسورة ودال مهملة. (ما أُعطي أحدٌ): أحدٌ: نائب عن الفاعل. (عطاءً): مفعوله الثاني. (خيراً): صفة عطاء. (وأوسعَ): عطف على "خيرًا (¬1) ". (من الصبر): معمولٌ تنازعه عاملان، وأُعمل الثاني، وحُذف الأول (¬2)، وإنما أعطاهم لحاجتهم، ثم نبههم على موضع الفضيلة. 867 - (1472) - وَحَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عبد الله، أَخْبَرَنَا يُونسٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَسعَيدِ بْنِ الْمُسَيَّب: أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: سَأَلْتُ رَسولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ، فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ، فَأَعطَانِي، ثُمَّ قَالَ: "يَا حَكِيمُ! إِنَّ هذَا الْمَالَ خَضرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بسَخَاوَةِ نَفْسٍ، بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بإِشْرَافِ نَفْسٍ، لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ؛ كَالَّذِي يأكلُ وَلاَ يَشبَعُ، الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى". ¬

_ (¬1) في "ج": "خير". (¬2) في "ج": "من الأول".

قَالَ حَكِيمٌ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَالَّذِي بَعَثَكَ بالحَقِّ! لَا أَرْزَأُ أَحَداً بَعدَكَ شَيْئاً حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ- يَدعُو حَكِيماً إِلَى الْعَطَاءَ، فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُ، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ- دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئاً. فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أُشهِدكم يَا مَعشَرَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى حَكِيمٍ، أَنِّي أَعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ مِنْ هذَا الْفَيْءَ، فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ. فَلم يَرْزَأْ حَكِيم أَحَداً مِنَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى تُوُفيَ. (إن هذا المال (¬1) خَضرَةٌ حُلْوةٌ): سبق الكلام فيه. لكن قال الزركشي هنا: تأنيثُ الخبر تنبيهٌ على أن المبتدأ مؤنث، والتقدير: أن صورة هذا المال، أو يكون التأنيث للمعنى؛ لأنه اسم جامع لأشياء كثيرة، والمراد بالخضرة: الروضة الخضراء، أو (¬2) الشجرة الناعمة، والحلوة: المستحلاة الطعم (¬3). قلت: إذا كان قوله: "خضرة" صفةً لروضة، أو (¬4) المراد بها نفس الروضة الخضراء، لم يكن ثَمَّ إشكال ألبتة، وذلك أن توافق المبتدأ والخبر في التأنيث إنما يجب إذا كان الخبر صفة مشتقة غير سببية (¬5)؛ نحو: هند حسنة، أو في حكمها (¬6)؛ كالمنسوب، أما في الجوامد؛ فيجوز؛ فحو: ¬

_ (¬1) "المال" ليست في "ن". (¬2) في "ج": "و". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 358). (¬4) في "ج": "و". (¬5) في "ن": "سببه". (¬6) في "ن": "حكمتها".

هذه الدار مكان طيب، وزيدٌ نسمةٌ عجيبة. (فمن أخذه بسخاوة نفس): أي: بطيب نفسٍ من غير حرصٍ عليه. قال الداودي: يَحتمل سخاوةَ نفس المعطي، ويَحتمل الآخذ، وكذا قوله: "بإشراف نفس". (ومن أخذه بإشراف نفس): أي: متلبساً (¬1) بطلب النفس، وحرصِها عليه، وتطلّعِها إليه. والحكمة في كون إشرافِ النفس مانعاً من الأخذ؛ الخوفُ على الآخذ حينئذٍ من خُلقه وطبعه أن يأخذ ولا يصرف في الوجه، ويستكثر، أما الذي يأخذه على غير ذا الوجه، فالظنُّ به سهولةُ الصرف عليه، وسخاوةُ النفس بإنفاقه في وجهه. (لا أرزأ أحداً بعدك شيئاً): أرزأ: -بفتح الهمزة وتقديم الراء الساكنة على الزاي مفتوحة ثم همزة- مضارعُ رَزَأْتُ؛ أي: نَقَصْتُ؛ أي: لا أنقصُ أحداً بعدَك شيئاً من المال، والمعنى: أنه لا يأخذ من أحد بعدَه شيئاً. (ثم إن عمر دعاه ليعطيه (¬2)، فأبى أن يقبل منه شيئاً): ومع ذلك، فلم يجبره (¬3) عمر على القبول، فتوهم بعضُ الناس أن هذا يدل على خلاف مذهب مالك، وذلك أن مالكاً -رحمه الله- يقول: من كان له على رجل دَيْن (¬4)؛ من بيع، أو سلف، ونحوه، فدعاه (¬5) المِدْيانُ للقبض، فأبى، ¬

_ (¬1) في "ج": "مكتسباً". (¬2) في "ج": "ليطيعه". (¬3) في "ج": "يجبر". (¬4) في "ج": "على دين رجل". (¬5) في "ج": "فدعى".

فالحاكمُ يُجبره على القبض؛ تخليصاً لذمة المديان، وحملاً للمنَّةِ عنه، وهذا عنده بخلاف ما وجب لعارِيَّةٍ غابَ (¬1) عنها، فادعى المستعيرُ ضياعَها، ودُعي لقبض القيمة، فأبى المعيرُ، قال مالك: لا يُجبر. و (¬2) قال ابن المنير: والفرقُ عنده: أن دينَ المعاملة قد دخل (¬3) كلاهما (¬4) بمقتضى العقد (¬5) على الوفاء والاستيفاء؛ بخلاف قيمة العاريَّة، فإنه لم يدخل معه على الاستهلاك، وإنما جاء عارضاً، وعلى هذا التعليل لو استهلك له الغاصب سلعة رأيَ العين، لم يلزمه قبولُ العوض؛ لأنه المورِّطُ لنفسه، ومنهم من علل مسألة العارية: بأن المستعير ضمن ضمان تهمة، ولهذا له (¬6) أن يقول: ما أتهمك (¬7)، فلا يتناول هذا مسألة الغصب. إذا تقرر هذا، فالعطاء ليس ديناً (¬8) لحكيمٍ (¬9) على عمرَ، ويكفيك تسميتُه عطاء، فلا يلزم من عدم إجباره على قبوله أن لا يجبر في الديون، وهو واضح. (فقال عمر (¬10): إني أشهدكم -يا معشر المسلمين- على حكيمٍ أني ¬

_ (¬1) في "ن": "يغاب". (¬2) "و" ليست في "ن" و"ج". (¬3) في "ج": "حل". (¬4) في "ج": "كل منهما". (¬5) في "ج": "العقل". (¬6) له "ليست في "ن" و"ج". (¬7) في "ج": "ما اتهمتك". (¬8) في "م" "ع": "دين". (¬9) في "ج": "لحكم". (¬10) "عمر" ليس في "ع".

باب: من أعطاه الله شيئا من غير مسألة ولا إشراف نفس

أعرِضُ عليه حقَّه من هذا الفيء، فيأبى): فعل عمر -رضي الله عنه- ذلك إبلاغاً في براءة سيرته العادلة (¬1) من الحيف والتخصيص والحرمان بلا (¬2) مستند، والله أعلم. باب: مَنْ أعطاهُ اللَّهُ شيئاً من غير مسألةٍ ولا إشرافِ نفسٍ 868 - (1473) - حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سالِمٍ: أَنَّ عبد الله بْنَ عُمَر -رَضيَ اللهُ عَنْهُما- قَالَ: سمعتُ عُمَرَ يَقُولُ: كَان رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُعْطِينِي الْعَطَاءَ، فَأقولُ: أَعطِهِ مَنْ هُوَ أَفْقَرُ إِلَيْهِ مِنِّي، فَقَالَ: "خُذْهُ، إِذَا جَاءَكَ مِنْ هذَا المَالِ شيء، وَأَنْتَ غَيرُ مُسْرِفٍ وَلاَ سَائِلٍ، فَخُذْهُ، وَمَا لَا، فَلاَ تُتْبعهُ نَفْسَكَ". (أعطه مَنْ هو أفقرُ إليه مني): فيه نكتة حسنة، وهي كونُ الفقير هو (¬3) الذي يملك شيئاً ما؛ لأنه إنما (¬4) يتحقق فقيرٌ وأفقرُ: إذا كان الفقيرُ له شيء، فيقل ويكثر، وأما لو كان الفقير هو الذي لا شيء له ألبتة؛ لكان الفقراء كلهم سواء، ليس فيهم أفقر، فتأمل (¬5). (فقال: خذه): من الغريب استدلالُ بعضهم بهذا الأمر على إجازة قبول ¬

_ (¬1) في "ج": "العادية". (¬2) في "ج": "فلا". (¬3) "هو" ليس في "ع". (¬4) في "ج": "إما". (¬5) في "ج": "فتأمله".

باب: من سأل الناس تكثرا

الجوائز مطلقاً، حتى من الظلَمة والعَشَّارين، وهذا لا وجه له ألبتة: {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ} [المائدة: 100]، {وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ} [يوسف: 18]. باب: مَنْ سَأَلَ النَّاسَ تَكَثُّراً (باب: مَنْ سألَ تَكَثُّراً): قال الزركشي: نصب على المصدر؛ أي: سؤالَ تَكَثُّر؛ أي: يستكثرُ المالَ بسؤاله، لا يريد به سدَّ الخلة (¬1). قلت: ويجوز أن يكون منصوباً على الحال، إما بأن يُجعل المصدرُ نفسُه حالاً على جهة المبالغة؛ نحو: زيد عدل، أو بأن يقدَّرَ مضاف (¬2)؛ أي: ذا تكثر، ويجوز أن يكون منصوباً على المصدر التأكيدي لا النوعي؛ أي: يتكثر تكثيراً (¬3)، والجملة الفعلية حال أيضاً. 869 - (1474) - حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عبيد الله ابْنِ أَبي جَعفَرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ حَمزَةَ بْنَ عبد الله بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ عبد الله بْنَ عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحم". (حمزة): بحاء مهملة وزاي. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 360). (¬2) في "ن": "مضافاً". (¬3) في "ن": "تكثراً"، وفي "ج": "أن يكثر تكثراً".

(ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يومَ القيامة ليس على وجهه مزعةُ لحم): المُزْعة -بميم مضمومة وزاي ساكنة وعين مهملة-: قطعة يسيرة، وهذا يدل على الوعيد لمن سأل سؤالاً كثيراً، والبخاري فهم أنه وعيد لمن سأل تكثّراً، والفرقُ بينهما ظاهر، فقد يسأل دائماً، وليس متكثراً (¬1)؛ لدوام افتقاره واحتياجه، لكن القواعد تبين أن المتوعَّد هو السائل عن غنى وكثرة؛ لأن سؤال الحاجهٌ مباح، و (¬2) ربما ارتفع عن هذه الدرجة، وعلى هذا ترك البخارى الحديث، وقد علمت أن الناس يقولون في المجاز: أراق السؤالُ ماءَ وجهه، وقلت في هذا المعنى: قَال لِي إِذ أَرَاقَ مَاءَ المحَيَّا. . . وَتَعَاطى السُّؤَالَ مِنْ غَيْرِ فَاقَهْ لِيَ عِرْض مطَهَّرٌ قلتُ لَكِنْ. . . أَنْتَ نَجَّستَهَ بتِلْكَ الإِرَاقَهْ فتوعّد هذا السائل من جنس المجاز المستعمل، لكن بالحقيقة الإشارة (¬3) إلى أن (¬4) لحمَ وجهه يذهب، فكيف بمائه؟ 870 - (1475) - وَقَالَ: "إِنَّ الشَّمسَ تَدنُو يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَبْلُغَ الْعَرَقُ نِصفَ الأُذُنِ، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ، اسْتَغَاثُوا بآدَمَ، ثُمَّ بمُوسَى، ثمَّ بمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ". وَزَادَ عبد الله: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبي جَعْفَرٍ: "فَيَشْفَعُ ¬

_ (¬1) في "ن": "بمستكثر". (¬2) "و" ليست في "ج". (¬3) في "ن" و"ج": "إشارة". (¬4) "أن" ليست في "ج".

باب: قول الله تعالى: {لا يسألون الناس إلحافا} [البقرة: 273]

لِيُقْضَى بَيْنَ الْخَلْقِ، فَيَمشِي حَتَّى يَأْخُذَ بحَلْقَةِ الْبَاب، فَيَوْمَئِذٍ يَبْعَثُهُ اللَّهُ مَقَاماً مَحمُوداً، يَحمَدُهُ أَهْلُ الْجَمعِ كلُّهُم". (وقال: إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغَ العرقُ نصفَ الأُذن): ووجه مناسبة هذا لما قبله: أن تحققَ ذهاب لحم الوجه حقيقةٌ بهذا السبب؛ لأن العرق لا يبلغُ هذا المبلغَ إلا لشدة الحر والوقد، وبأقل من هذا في العرق تنحل اللحوم وتضمحل، فكيف بهذا الأمر العظيم؟! (وزاد عبد الله): قيل: يريد به: ابنَ صالح، وهو أبو صالح كاتبُ الليث. وقيل: عبد الله بن وهب المصري، كذا رواه ابن شاهين، عن عبد العزيز بن قيس المصري، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، قال: حدثني عمي، قال: حدثني (¬1) الليث، فذكره. (بحلقة الباب): بإسكان اللام. باب: قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273] (باب: قول الله تعالى: {لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273]: الإلحاف: الإلحاح، وهو اللُّزُوم، وأن لا يفارقَ إلا بشيء يُعطاه؛ من قولهم: لَحَفَني من فَضْل لِحافِه (¬2)؛ أي: أَعطاني من فضلِ ما عنده. ¬

_ (¬1) قال حدثني: ليست في "ج". (¬2) في "ن": " بعض إلحافه".

قال الزمخشري: ومعناه: أنهم إن سألوا، سألوا بلطف، ولم يُلْحفوا. وقيل: هو نفي للسؤال والإلحاف جميعاً؛ كقوله: عَلَى لاحِبٍ (¬1) لا يُهْتَدَى بمَنَاره يريد: نفيَ المنار والاهتداءَ به. انتهى (¬2). ولا يخفى أن هذا الوجه -أعني: نفيَ السؤال والإلحاف جميعاً- أدخَلُ في التعفف، وفي أن يحسبوا أغنياء، لكن الزمخشري جعله كالمرجوح؛ لما أن هذه الطريقة إنما تحسُن إذا كان ذلك القيد بمنزلة اللازم؛ فإن الغالبَ من حال المنار (¬3) أن يُهتدى به، فيكون نفيُ اللازم نفياً للملزوم بطريق برهاني، وليس الإلحاف بالنسبة إلى السؤال كذلك، بل لا يبعد أن يكون ضدَّه، وهو الرفقُ والتلطف أشبه باللازم. 871 - (1476) - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنهالٍ، حَدَّثَنَا شعبَةُ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ الأكلَةُ وَالأكلَتَانِ، وَلَكِنِ الْمِسْكِينُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ غِنًى، وَيَسْتَحْيِى، أَوْ لَا يَسْأَلُ النَّاسَ إِلْحَافاً". (الأكُلة والأكلتان): -بضم الهمزة-؛ أي: اللقمة واللقمتان، وأما ¬

_ (¬1) في "ج": "لا علي حب". (¬2) انظر: "الكشاف" (1/ 346). (¬3) في "ن": "المناد".

الأكَلة: - بالفتح - فالمرة (¬1) الواحدة مع الاستيفاء، فلا معنى له هنا، ويشهد له الرواية الأخرى: "اللقمة واللقمتان (¬2) " (¬3). 872 - (1477) - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيّةَ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذاءُ، عَنِ ابْنِ أَشْوَعَ، عَنِ الشَّعبيِّ، حَدَّثَنِي كاتِبُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعبهً، قَالَ: كتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعبةَ: أَنِ اكتُبْ إِلَيَّ بشَيْءٍ سَمِعتَهُ مِنَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. فَكَتَبَ إِلَيْهِ: سَمِعْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ الله كَرِة لَكُم ثَلاَثاً: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكثْرَةَ السُّؤَال". (عن (¬4) ابن أشوع): بشين معجمة ساكنة غير منصرف. (إن الله كره لكم ثلاثاً: قيل و (¬5) قال): بالفتح. قال صاحب "المحكم": القولُ في الخير، والقِيلُ والقالُ (¬6) في الشر (¬7). و"قيل وقال" وما بعدها بدلٌ من ثلاثاً. ¬

_ (¬1) في "ن": "بالمرآة". (¬2) في "ن" و"ج" زيادة: "ولكن المسكين": - بتشديد نون لكنَّ، فالمسكين منصوب، ويتخفيفها فهو مرفوع". (¬3) سيأتي برقم (1479). (¬4) في "ع": "من". (¬5) في "ع": "أو". (¬6) في "ج": "والقيل". (¬7) انظر: "المحكم" (6/ 563).

فإن قلتَ: "كَرِه" لا يتسلط على قيل وقال؛ ضرورة أن كلاً منهما فعلٌ ماض، فلا يصح وقوعه مفعولاً به، فكيف صحَّ البدلُ بالنسبة إِليهما؟! قلت: لا نسلم أن واحداً منهما فعلٌ، بل كلٌّ منهما اسمُ مسماه (¬1) الفعل الذي هو قيل، أو قال، وإنما فتح آخره على الحكاية، وذلك مثل قولك: ضربَ فعلٌ ماضٍ، ولهذاً (¬2) أخبر عنه، والإخبار عنه باعتبار مسماه، وهو ضربَ الذي يدل على الحدث والزمان، وغاية الأمر أن هذا لفظ مسماه لفظ ولا نكير فيه، وذللث كأسماء السُّوَر، وأسماء حروف المعجم. وقول ابن مالك: إن الإسناد اللفظي يكون في الكلم (¬3) الثلاث، والذى يختص به الاسمُ هو الإسنادُ المعنوي، ضعيفٌ. 873 - (1478) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غُرَيْرٍ الزّهرِيُّ، حَدَّثَنَا يَعقُوبُ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ صَالح بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبيهِ، قَالَ: أعطَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَهطاً وَأَنَا جَالِسٌ فِيهِم، قَالَ: فَتَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهُمْ رَجُلاً لَم يُعطِهِ، وَهُوَ أَعجَبُهُم إِلَيَّ، فَقُمتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَارَرْتُهُ، فَقُلْتُ: مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ؟ وَاللَّهِ! إِنِّي لأُرَاهُ مُؤْمِناً. قَالَ: "أَوْ مُسْلِماً". قَالَ: فَسَكَتُّ قَلِيلاً، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعلَمُ فِيهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ؟ وَاللَّهِ! ¬

_ (¬1) في "ج": "لمسماه". (¬2) في "ن": "وبهذا". (¬3) في "ن": "الكلام".

إِنِّي لأُرَاهُ مُؤْمِناً. قَالَ: "أَوْ مُسْلِماً". قَالَ: فَسَكَتُّ قَلِيلاً، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أعلَمُ فِيهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ؟ وَاللَّهِ! إِنِّي لأُرَاهُ مُؤْمِناً. قَالَ: "أَوْ مُسلِماً -يَعْنِي: فَقَالَ- إِنِّي لأُعْطِي الرَّجُلَ، وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ، خَشيةَ أَنْ يُكَبَّ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ". وَعَنْ أَبيهِ، عَنْ صَالح، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ: أَنَّه قَالَ: سَمِعْتُ أَبي يُحَدِّثُ هذَا، فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بيَدِهِ، فَجَمَعَ بَيْنَ عُنُقِي وَكتِفِي، ثُمَّ قَالَ: "أَقْبلْ أَيْ سَعدُ! إِنِّي لأُعطِي الرَّجُلَ". قَالَ أَبُو عبد الله: {فَكُبْكِبُوا} [الشعراء: 94]: قُلِبُوا، {مُكِباً} [الملك: 22] أَكَبَّ الرَّجُلُ: إِذَا كَانَ فِعلُهُ غَيْرَ وَاقِعٍ عَلَى أَحَدٍ، فَإِذَا وَقَعَ الْفعلُ، قُلْتَ: كَبَّهُ اللَّهُ لِوَجْهِهِ، وَكبَبْتُهُ أَنَا. (فترك رجلاً منهم لم يعطه): تقدم في كتاب: الإيمان: أنه يقال له: جُعَيْل بن سراقة (¬1)، وأن في "مغازي الواقدي" ما يدل على ذلك. وفي "أسد الغابة": جُعال، وقيل: جُعيل بنُ سراقَة الغفاريُّ، وقيل: الضمريُّ، وهو (¬2) أخو عوفٍ، من أهل الضُفَّة وفقراء المسلمين، ثم أخرج عن محمد بن إبراهيم التميمي: أن قائلًا قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أعطيتَ الأقرعَ بنَ حابسٍ، وعُيينةَ بنَ حِصْن مئةً من الإبل، وتركتَ جُعيلاً؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3): "وَالَّذِي نفسِي بيَدِهِ! لَجُعَيْلٌ خَيْرٌ مِنْ طلاعِ الأَرض مثل عُيَيْنَةَ والأَقْرَعِ، وَلَكِنِّي تَأَلَّفْتُهُما لِيُسْلِما، وَوَكَّلْتُ جُعَيْلًا إِلَى إِسْلامِهِ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (27). (¬2) في "ع": "وقيل". (¬3) في "ج": "لجعيل". (¬4) انظر: "أسد الغابة" (1/ 536).

(وهو أعجبُهم إليَّ): أضاف أَفْعَلَ التفضيلِ إلى ضميرِ الرهط المعطَيْنَ، وأوقعه (¬1) على الرجل الذي لم يُعطَ، وأفعلُ التفضيل إذا قُصدت به الزيادةُ على من أضيف إليه، كما قال ابن الحاجب: اشترط أن يكون منهم، وقد بينا أنه ليس من الرهط المعطَيْن؛ ضرورةَ كونِه لم يُعط، فيمتنع كما يمتنع: يوسفُ أحسنُ إخوته، مع إرادة هذا المعنى، والمخلَصُ من ذلك أن يكون: أعجبُ الرهطِ الحاضرين (¬2) الذين منهم المعطَى والمتروكُ. فإن قلت: لم لا يجوز (¬3) أن يكون المقصودُ بأفعلِ (¬4) التفضيلِ زيادة مطلقةً، والإضافةُ للتخصيص والتوضيح، فينتفي المحذور، فيجوز التركيب؛ كما أجازوا: يوسفُ أحسنُ إخوته بهذا الاعتبار؟ قلت: المرادُ بالزيادة المطلقة: أن يقصد تفضيلُه على كل ما سواه مطلقاً، لا (¬5) على المضاف إليه وحدَه، وظاهرٌ (¬6) أن هذا المعنى غيرُ مرادٍ هنا. (ثم قال: أقبل أَيْ سعدُ!): في قوله: "أقبل" روايتان: إحداهما: أنه فعل أمر من القبول، فهمزته همزة وصل. الثانية: أنه فعل أمر من الإقبال، فهمزته همزة قطع. ¬

_ (¬1) في "ع": "ووافقه". (¬2) في "ج": "الحاضرون". (¬3) في "ع": "لم يجوز". (¬4) في "ج": "بالفعل". (¬5) في "ع": "إلا". (¬6) في "ع": "فظاهر"، وفي "ج": "وظاهره".

كأنه لما قال له ذلك، تولى ليذهب، فأمره بالإقبال؛ ليبين له وجهَ الإعطاء والمنع، و"أَيْ" حرف نداء، و"سعدُ" منادى مفرد مبني على الضم. وروي في "مسلم": "أَقِتَالاً أَيْ سَعْدُ؟! " (¬1) على أنه مصدر قاتَلَ؛ أي: أتُقاتل (¬2) قِتالاً؛ بمعنى (¬3)، أتعارضُني فيما أقول كأنك (¬4) تقاتل؟! 874 - (1479) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عبد الله، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، وَلَكِنِ الْمِسْكِينُ الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ، وَلاَ يُفْطَنُ بهِ فَيتصَدَّقُ عَلَيْهِ، وَلاَ يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ". (ولا يُفطن له فيتصدقَ عليه، ولا يقوم فيسألُ الناس): المضارع الواقع بعد الفاء في الموضعين يجوز فيه النصب بأن مضمرة وجوباً؛ لوقوعه في جواب النفي بعد الفاء، ويجوز فيه الرفع على أنه معطوف على المنفي المرفوع، فينسحب (¬5) النفي عليه؛ أي: لا يُفطن له، فلا يُتصدق، ولا يقوم، فلا يَسأل الناسَ. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (150). (¬2) في "ع": "تقاتل". (¬3) في "ن" و"ج": "يعني". (¬4) في "ع": "فإنك". (¬5) في "ج": "فيستحب".

باب: خرص التمر

875 - (1480) - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبي، حَدَّثَنَا الأعمَشُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكم حَبْلَهُ، ثُمَّ يَغْدُوَ - أَحسِبُهُ قَالَ - إِلَى الْجَبَلِ فَيحتَطِبَ، فَيَبيعَ فَيَأكلَ وَيتصَدَّقَ، خَيْر لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ". قَالَ أَبو عبد الله: صَالح بْنُ كيْسَانَ أكبَرُ مِنَ الزُّهْرِيِّ، وَهُوَ قدْ أَدرَكَ ابْنَ عُمَرَ. (قال أبو عبد الله: صالحُ بنُ كيسان هو أكبرُ من الزهريّ): نبه بذلك على أن (¬1) الحديث من رواية الأكابر عن الأصاغر. باب: خَرْصِ التَّمرِ (باب: خرص التمر): هو بفتح الخاء المعجمة: حَرزُ (¬2) التمر (¬3)؛ من الخَرصِ بمعنى: الظَّنِّ؛ لأن الحرزَ تقديرٌ بظَنّ. 876 - (1481) - حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنَا وهيبٌ، عَنْ عَمرِو بْنِ يَحيَى، عَنْ عَبَّاسٍ السَّاعِدِيِّ، عَنْ أَبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - غَزْوَةَ تَبُوكَ، فَلَمَّا جَاءَ وَادِيَ الْقُرَى، إِذَا امْرَأة فِي حَدِيقَةٍ لَها، فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأصحَابهِ: "اخْرُصُوا". وَخَرَصَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَشَرَةَ أَوْسُقٍ، فَقَالَ لَها: "أحصِي مَا يَخْرُجُ مِنْها". فَلَمَّا أتيْنَا تَبُوكَ، قَالَ: "أَمَا إِنها سَتَهُبُّ اللَّيْلَةَ رِيحٌ شَدِيدَةٌ، فَلاَ يَقُومَنَّ أَحَدٌ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ بَعِير فَلْيَعقِلْهُ". ¬

_ (¬1) "أن" ليست في "ج". (¬2) في "ن": "وخرص". (¬3) "التمر" ليست في "ج".

فَعَقَلْنَاها، وَهبَّت رِيحٌ شَدِيدَةُ، فَقَامَ رَجُلٌ، فَأَلْقَتْهُ بجَبَلِ طَيِّئٍ، وَأَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بَغْلَةً بَيْضَاءَ، وَكَسَاهُ برْداً، وَكتَبَ لَهُ ببَحرِهِمْ. فَلَمَّا أتى وَادِيَ الْقُرَى، قَالَ لِلْمَرْأَةِ: "كَمْ جَاءَ حَدِيقَتُكِ؟ "، قَالَتْ: عَشَرَةَ أَوْسُقٍ خَرْصَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي مُتَعَجِّل إِلَى الْمَدِينَةِ، فَمَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يَتعَجَّلَ مَعِي، فَلْيتعَجَّلْ". فَلَمَّا - قَالَ ابْنُ بَكَّارٍ كلِمَةً مَعنَاها - أَشْرَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ، قَالَ: "هذهِ طَابَةُ". فَلَمَّا رَأَى أُحُداً، قَالَ: "هذَا جُبَيْلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، أَلاَ أخبرُكُم بخَيْرِ دُورِ الأَنْصَارِ؟ "، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: "دُورُ بَنِي النَجَّارِ، ثُمَّ دُورُ بَنِي عَبْدِ الأَشْهلِ، ثُمَّ دُورُ بَنِي سَاعِدَةَ، أَوْ دُورُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرجِ، وَفِي كُلِّ دُورِ الأَنْصَارِ - يَعْنِي - خَيْراً". (وخرص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرةَ أوسق): مذهب مالك والشافعي وعامة أهل العلم: أن التمر التي يجب فيها العُشْر تُخرص وهي رُطَبٌ تمراً، فيعلم مقدارها، فتسلم إلى ربها (¬1)، ويكون عليه مثل حق الله تعالى (¬2) فيها تمراً، وخالف في ذلك أبو حنيفة وأصحابه مستشكلين ما يؤدي إليه المذهب الأول من بيع الرطب (¬3) بمثله تمراً نسيئةً، وهو منهيّ عنه. قال ابن المنير: وينفصل عن ذلك بأن الزكاة في الثمار تتعلق (¬4) بالذمة، والمقصود بالخرص تعريف (¬5) القدر الذي يتعلق بالذمة، ولا يرد ¬

_ (¬1) "فتسلم إلى ربها" ليست في "ن". (¬2) في "ن": "حق الله فيها تمراً". (¬3) "الرطب" ليست في "ج". (¬4) في "ج": "متعلق". (¬5) في "ن": "تعرف".

على ذلك سقوطُ الزكاة بالجائحة (¬1) الطارئة؛ لجواز أن يتجدد (¬2) على الحقوق الثابتة في الذمم مُسْقِطان. ألا تركه أن ثمن الثمرة (¬3) [المبيعة متعلقة بذمة المشتري، وتخلص به غرماؤه، ثم لو أُجيحت التمرة، سقط الثمن (¬4)] (¬5)، فكذلك زكاة الثمار، وأحد القولين عندنا يعلق الزكاة بالذمة، لا بالعين، وكذلك (¬6) الشافعي، وإن كان المشهور عندنا (¬7) تعلقها بالعين، فيقتضي أن يكون هذا النظر (¬8) فيما (¬9) عدا الثمار، ولا إشكال إن علقنا الزكاة بالعين في أن الخرص حينئذٍ يؤول إلى بيع حظ المساكين رطباً بمثله تمراً؛ لأنا نبيح لأرباب الحوائط التصرفَ في جملة الحوائط، واستهلاك ثمرته، ثم يلزمهم عوض ما استهلكوه، وكل مبايعة كذلك؛ ليسلط (¬10) البائع المشتري على استهلاك السلعة بالعوض المسمى. (فقال لها: أحصي ما يخرج منها): الإحصاء: عَدٌّ بصفة التناهي؛ أي: احفظي قدر (¬11) جميعِ ما يخرج منها عَدَداً. ¬

_ (¬1) في "ع": "الجائحة". (¬2) في "ج": "تحذر". (¬3) في "ن": "الثمرة عن الذمة". (¬4) في "ج": "سقط الثمن عن الذمة". (¬5) ما بين معكوفتين سقط من "ن". (¬6) في "ج": "فكذلك". (¬7) في "ع": "عند". (¬8) في "ج": "فيقتضي هذا النظر أن يكون". (¬9) في "ن": "أن يكون فيما". (¬10) في "ن": "تسليط"، وفي "ج": "تسلط". (¬11) في "ج": "قدرها".

(أما إنها): يجوز أن تكون "أما" استفتاحية، فتكسر همزة "إن"، أو تكون (¬1) بمعنى: حقا، فتفتح همزة "أن". (فليعقِله): - بكسر القاف - مضارعُ عَقَلَ -بفتحها-؛ أي: ليشدّه بعِقال (¬2). (ففعلنا): من الفِعْل، ويروى: "فعقلنا" من العَقْل. (فألقته بجبل طيِّئٍ): - بتشديد المثناة من تحت وبهمزة بعلى بها على زنة فَيْعِل (¬3) -، وفي نسخة: "بجبلَيْ طيىِّء" على التثنية (¬4)، وهما أُجَيْءٌ وسلمى، جَبَلان لهم، وأُجَيْء على وزن قُريش، وكلُّ من فائه ولامه همزة. (وأهدى مالك (¬5) أيلةَ للنبي - صلى الله عليه وسلم - بغلةً بيضاء، وكساه برْداً، وكتبَ له ببحْرِهم): صاحبُ أيلة يقال له: يحنة (¬6) بنُ رؤبةَ، صالح (¬7) على الجزية، وعلى أهل جرباء وأذرح؛ بلدين بالشام، كذا في "سيرة مغلطاي". والذي ذكره ابن هشام: أن أهل جرباء وأذرح أَتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فصالحهم، ولم يجعل ذلك متعلقاً بصاحب أيلة (¬8). ¬

_ (¬1) في "ج": "وأن تكون". (¬2) في "ج": "بعقاله". (¬3) في "ج": "فعيل". (¬4) في "ن": "التشبيه". (¬5) نص البخاري: "مَلِكُ". (¬6) في "ن"، "يقال: هو يوحنا". (¬7) في "ج": "وصالح". (¬8) انظر: "سيرة ابن هشام" (5/ 206).

وروى مسلم في الفضائل من حديث أبي حميد الساعدي، قال - "غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تبوك"، وذكر الحديث، وقال فيه: "وجاء رسولُ ابنِ العَلْمَاءِ صاحب أيلةَ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬1)، فأهدى (¬2) إليه بغلة بيضاء، فكتب إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأهدى إليه برداً" (¬3). قال (¬4) النووي في "شرح مسلم": وجاء رسولُ ابنِ العَلْماء: بفتح العين وإسكان اللام وبالمد. قوله: فأهدى له بغلة بيضاء: هذه البغلةُ هي دُلْدُل بغلةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المعروفةُ، لكن ظاهر (¬5) اللفظ هنا أنه أهداها للنبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك، وكانت سنة تسع من الهجرة، وقد كانت هذه البغلة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل ذلك، وحضر عليها غزوةَ حُنين كما هو مشهور في الأحاديث (¬6)، وكانت حُنين عقبَ فتح مكة سنةَ ثمان. قال القاضي: ولم يَرِدْ (¬7) أنه كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - (¬8) بغلةٌ غيرُها. قال: فيحمل قوله على أنه أهداها له (¬9) قبل ذلك، وقد عطف الإهداء ¬

_ (¬1) في "ج": "إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ". (¬2) في "ج": "وأهدى". (¬3) رواه مسلم (1392). (¬4) في "م" و"ع": "قاله"، وهو خطأ. (¬5) في "ج": "الظاهر". (¬6) في "ج": "الحديث". (¬7) في "ن"و "ج": "يرو". (¬8) في "ج": "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان له". (¬9) في "ع": "أهداها قبل".

على المجيء بالواو، وهي (¬1) لا تقتضي الترتيب. انتهى كلام النووي (¬2). وتعقبه شيخنا قاضي القضاة شيخ الإسلام جلال الدين البلقيني - ذكره الله بالصالحات (¬3) -: بأن (¬4) البغلة التي كان عليها يوم حُنين غيرُ هذه. ففي مسلم: أنه كان -عليه السلام- يوم حُنين على بغلة بيضاء أهداها له فروةُ بنُ نفاثَةَ الجذاميُّ (¬5)، وهذا يدل على المغايرة. قال: وفيما قاله القاضي من التوحيد نظر، فقد قيل: إنه كان له من البغال دُلْدُلُ، وفضةُ، والتي (¬6) أهداها له (¬7) ابنُ العَلْماء، والأيليةُ، وبغلة أهداها له كسرى، [وأخرى من دومةِ الجندلِ] (¬8)، وأخرى من عند النجاشي، كذا في "السيرة" (¬9) لمغلطاي. قال: وقد وهم في تفريقه (¬10) بين بغلة ابن العلماء والأيلية؛ فإن ابنَ العلماء هو صاحبُ أيلةَ، والأَيليةُ منسويةٌ إلى أَيلةَ (¬11)، وبعضٌ ذكر البغلةَ التي ¬

_ (¬1) في "ن" و"ج": "وهي". (¬2) انظر: "شرح مسلم" (15/ 42 - 43). (¬3) "ذكره الله بالصالحات" ليست في "ن". (¬4) في "ج": "أن". (¬5) رواه مسلم (1775) عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه. (¬6) في "ج": "والذي". (¬7) "له" ليست في "ج". (¬8) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬9) في "ج": "سيرة". (¬10) في "ج": " تقريره". (¬11) في "ن" و"ج": "منسوبة إليه".

أهداها له (¬1) فرُوة بنُ نفاثةَ الجذامي، كما تقدم عن "صحيح مسلم". قال: لكن في "سيرة الدمياطي" أن دُلْدُلَ أهداها له المقوقسُ، وفضة أهداها له فروةُ بنُ عمرو [وهبها لأبي بكر (¬2)، فعلى هذا (¬3) لا نقض في كلام مغلطائي؛ لأن فروةَ بنَ عمرٍو] (¬4) هو (¬5) فروةُ بنُ نفاثةَ، وذكرَ بغلةَ كسرى، وضعَّف ذلك، وتعقَّبه بعدم قبول الكتاب، وذكرَ الأيلية، وذكر التي من دومة الجندل. وأما الكتاب: فحكاه ابن سعد في "الطبقات" عن الواقدي، قال: قدم يحنةُ بنُ رؤبة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان ملكَ أيلةَ، وأشفقَ أن يبعث إليه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - كما بعث إلى المنذر، وأقبل معه بأهل جرباء وأذرح، فأتوه فصالحهم، وقطع عليهم جزية معلومة، وكتب لهم كتاباَّ: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: هذا أُمَنةٌ من الله ومحمدٍ رسولِ الله ليحنةَ بنِ رؤبةَ وأهلِ أيلةَ [والبحر، ومن أحدثَ حدثاً] (¬6) لسفنِهم، وسار بهم في البر والبحر، لهم ذمةُ الله وذمةُ محمدٍ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولمن (¬7) كان معهم من أهل الشام، وأهل اليمن، وأهل البحر، ومن أحدثَ حدثاً، فإنه لا يحول ¬

_ (¬1) "له "ليست في "ج". (¬2) في "ن" زيادة: "رضي الله عنه". (¬3) في "ع": "فهذا". (¬4) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬5) في "ج": "وهو". (¬6) ما بين معكوفتين سقط من "ن". (¬7) في "ج": "ولكن".

ماله دون نفسه طيبة لمن أخذه من الناس، وإنه (¬1) لا يحل أن يمنعوا ماءً يردونه (¬2)، ولا (¬3) طريقاً يريدونه من بر أو بحر، هذا كتاب جهيم بن الصلت وشرحبيل بن حسنة بإذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " (¬4). (كم جاءت حديقتك؟): وفي بعض النسخ: "جاء" بدون تاء التأنيث، وجاء هذه بمعنى كان؛ أي: كم كان قدرُ تمر حديقتك؟ (قالت: عشرة أوسق): قال الزركشي: أي: جاءت مقدارَ عشرة أَوْسُق. (خرصَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -): قال: هو وما قبله مرفوع على تقدير: الحاصلُ عشر" أوسق، وخرص بدل من قوله عشرة (¬5). قلت: هذا مناف لقوله (¬6) أولاً: جاءت مقدارَ عشرة أوسق. قال: وجوز بحضهم النصب على الحال. قلت: ليس المعنى على أن تمر (¬7) الحديقة جاء في حال كونه عشرة أوسق، بل لا معنى له أصلاً. (هذه طابةُ): يعني: المدينةَ. ¬

_ (¬1) في "ن": "وأن". (¬2) في "ج": " يؤدونه". (¬3) في "ج": "لا". (¬4) انظر: "الطبقات الكبرى" (1/ 289). (¬5) انظر: "التنقيح" (1/ 363). (¬6) في "ج": "لتقديره". (¬7) في "ع": "التمر".

قال الزركشي: أي: طيبةُ، لا ينصرف للعلمية والثأنيث (¬1). قلت: الأولى الانصراف عن بيان مثل هذه الأمور الواضحة؛ إذ لا سبب يقتضي خلاف ذلك. (فلما رأى أُحداً، قال: هذا جبلٌ (¬2) يحبنا ونحبه): قيل: على حذف مضاف؛ أي: يحبنا أهله ونحبهم، وأهله الأنصارُ سكان (¬3) المدينة. وقيل: أراد: أنه كان يبشره إذا رآه عند القدوم كان أسفاره بالقرب من أهله ولقائهم، وذلك فعل المحب، فهو مجاز. وقيل: بل حبُّه حقيقةٌ، وُضع الحبُّ فيه كما وُضعَ التسبيحُ في الجبال المسبيحة مع داود -عليه السلام-، وكما قيل في تسبيح الحصا، وحنين الجذع، وخشية بعض الحجارة. قال السهيلي: وفى المسند (¬4) من طريق أبي عبس بن جبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أُحُّدٌ يحِبُّنا ونُحبُّهُ؛ وهو عَلَي بَاب الجَنَّةِ"، قال: "وعَيرٌ يبْغِضُنَا وَنُبِغضُهُ، وَهو عَلى بَابٍ منْ أَبوَاب النَّاِر" (¬5). ويقويه قوله -عليه السلام-: "المرء مَع منْ أَحبَّ" (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 363). (¬2) كذا في رواية أبي ذر الهروي والأصيلي وابن عساكر وأبي الوقت، وفي اليونينية: "جبيل"، وهي المعتمدة في النص. (¬3) في "ج": "وسكان". (¬4) في "ج": "والمسند". (¬5) رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (6505) وإسناده ضعيف؛ انظر: "مجمع الزوائد" للهيثمي (4/ 13). (¬6) رواه البخاري (6168)، ومسلم (2640) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

قال: وقد كان -عليه السلام- يحب الاسمَ الحسن، ولا أحسن من اسم مشتق من الأَحَدية، وقد سمى الله هذا الجبل بهذا الاسم؛ تقدمةً (¬1) لما أراده - سبحانه وتعالى - من مشاكلة اسمه لمعناه. إِذ أهلُه - وهم الأنصار - نصروا التوحيد، والمبعوثُ بدين التوحيد عنده استقر حياً وميتاً، وقد كان (¬2) من عادته -عليه السلام- أن يستعمل الوتر، ويحبه في شأنه كله؛ استشعاراً للأحدية، فقد وافق اسمُ هذا الجبل أغراضَه -عليه السلام-، ومقاصدَه في الأسماء، فقد يدل (¬3) كثير (¬4) من الأسماء استثناء حالها، واسمُ هذا الجبل من أوفَقِ الأسماء له، ومع اشتقاقِه من الأحدية، فحركاتُ حروفه الرفعُ، وذلك يُشعر بارتفاع دينِ الأحدِ وعلوِّه، فتعلق حبُّه -عليه السلام- به اسماً ومسمًّى، فَخُصَّ من بين الجبال بأن يكون معه في الجنة إذا بُسَّتِ الجبال بَسًّا، فكانت هباءً منبثاً. انتهى كلامه (¬5). (خيرُ دور الأنصار): يعني: القبائل الذين يسكنون الدور؛ أي: المحال. 877 - (1482) - وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ بلاَلٍ: حَدَّثَنِي عَمرٌو: "ثُمَّ دارُ بَنِي الْحَارِثِ، ثُمَّ بَنِي سَاعِدَةَ". وَقَالَ سُلَيْمَانُ عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ ¬

_ (¬1) في "ج": "مقدمة". (¬2) في "ن" و"ج": "وكان". (¬3) في "ج": "وقد ترك". (¬4) في "ج": "كثيراً". (¬5) انظر: "الروض الأنف" (3/ 238 - 239).

باب: العشر فيما يسقى من ماء السماء، وبالماء الجاري، ولم ير عمر بن عبد العزيز في العسل شيئا

عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبيه، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ". قَالَ أَبُو عبد الله: كُلُّ بُسْتَانٍ عَلَيْهِ حَائِطٌ فَهْوَ حَدِيقَةٌ، وَمَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَائِطٌ، لَمْ يَقُلْ: حَدِيقَة. (عن عُمارةَ): بضم العين المهملة. (بنِ غَزِيَّة): بغين معجمة (¬1) مفتوحة فزاي (¬2) مكسورة فمثناة من تحت مشددة فهاء تأنيث. باب: الْعُشْرِ فِيمَا يُسْقَى مِنْ مَاءَ السَّمَاءَ، وَبالْمَاءِ الْجَارِي، وَلَم يَرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الْعَسَلِ شَيْئاً (باب: العشر فيما يُسقى من ماء السماء، والماء (¬3) (¬4) الجاري، ولم ير [عمر] بن عبد العزيز في العسل شيئاً): ذكرُ العسل في الترجمة تنبيهٌ على أن (¬5) الحديث ينفي وجوبَ العُشْر فيه؛ لأنه (¬6) خص العشر، أو نصفه بما يُسقى، فأَفهمَ أن ما لا يُسقى لا يعيش؛ خلافاً لأبي حنيفة. ¬

_ (¬1) "معجمة" ليست في "ن". (¬2) في "ع": "فراء". (¬3) "والماء" ليست في "ج". (¬4) كذا في رواية أبي ذر الهروي، وفي اليونينية: "وبالماء"، وهي المعتمدة في النص. (¬5) "أن" ليست في "ج". (¬6) في "ع": لأن.

878 - (1483) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبي مريَمَ، حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونسٌ بنُ يَزِيدَ، عَنِ الزهْرِيِّ، عَنْ سَالِم بْنِ عبد الله، عَنْ أَبيهِ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ، أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بالنَّضْحِ نِصْف الْعُشْرِ". قَالَ أَبُو عبد الله: هذَا تَفْسِيرُ الأَوَّلِ؛ لأَنَّهُ لَمْ يُوَقِّتْ فِي الأَوَّلِ - يَعنِي: حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ - وَفِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ، وَبَيَّنَ فِي هذَا وَوَقتَ، وَالزِّيَادَةُ مَقْبُولةٌ، وَالْمُفَسَّرُ يَقْضي عَلَى الْمُبْهم إِذَا رَوَاهُ أَهْلُ الثَّبَتِ، كمَا رَوَى الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ: أَن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يُصَلِّ فِي الْكَعبَةِ. وَقَالَ بلاَلٌ: قَدْ صَلَى. فَأُخِذَ بقَوْلِ بلاَلٍ، وَثُرِكَ قَوْلُ الْفَضْلِ. (أو كان عَثَرياً): بفتح العين والثاء المثلثة. قال القاضي: وحكى ابن المرابط فيه سكون الثاء، قال: وهو ما سقته السماء (¬1) من النخل والثمار؛ لأنه يُصنع له شبه الساقية يجمع فيها (¬2) الماء من المطر إلى أصوله يسمى: العاثور (¬3). قال السفاقسي: والصحيح ما قاله أبو سليمان - يعنى: الخطابي -: أن العثري: ما شربَ بعروقه من غير سَقْي. (وفيما (¬4) سُقي بالنضح): أي: سُقي بما يُستخرج من الآبار بالقِرَب، أو بالساقيةٍ ونحوِ ذلك. ¬

_ (¬1) في "ج": "من السماء". (¬2) في "ع": "فيه". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 67). (¬4) في "ن": "وفيها".

باب: ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة

قال (¬1) الهروي: يريد: سُقِيَ (¬2) بالنواضح، وهي السواني، الواحدة ناضحة. (فالزيادة مقبولة، والمفسّر يقضي على المبهم إذا رواه أهلُ الثبت): قال ابن المنير: هذا يُفهم أن هذا الاشتراطَ من جنس اشراطهم في الزيادة إذا انفرد بها العدل: أن (¬3) يكون حافظاً ثبتاً؛ كزيادة مالكٍ في زكاة الفطر: "من المسلمين"؛ إذ (¬4) انفرد بها عن أصحابه، والمفسرُ حديثٌ مستقل بنفسه، ولا نعلم خلافاً في العدل كيفما كان إذا انفرد بحديث لم يروه غيرُه أنه يُقبل إذا لم يكن زيادة في حديث آخر. قلت: ولبعض الأصوليين تفصيل في المسألة يطول ذكره، فلينظر في محله. باب: ليس فيما دونَ خمسةِ أوسُقٍ صدقةٌ 879 - (1484) - حَدَّثَنَا مسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحيَى، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عبد الله بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي صَعصَعَةَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدرِيِّ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ -، عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "لَيْسَ فِيمَا أَقَلُّ ¬

_ (¬1) في "ن": "وقال". (¬2) في "ع": "يسقى". (¬3) في "ج": "وأن". (¬4) "إذا ليست في "ن".

باب: أخذ صدقة التمر عند صرام النخل، وهل يترك الصبي فيمس تمر الصدقة؟

مِنْ خَمسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ، وَلاَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمسَةٍ مِنَ الإبلِ الذَّوْدِ صَدَقَةٌ، وَلاَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَة". قَالَ أَبُو عبد الله: هذَا تَفْسِيرُ الأَوَّلِ إِذَا قَالَ: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ". وَيُؤْخَذُ أَبَداً فِي الْعِلْم بمَا زَادَ أَهْلُ الثَّبَتِ، أَوْ بَيَّنُوا. (ليس فيما أقل من خمسة أَوْسُق): "ما" زائدة، وأقلَّ مجرورٌ (¬1) بالفتحة؛ لأنه لا ينصرف. قال الزركشي: ومنهم من قيده برفع أقلُّ (¬2). قلت: فتكون ما (¬3) موصولة، حذف صدرُ صِلتها، وهو المبتدأ الذي "أقلُّ" خبره؛ أي: فيما هو أقلُّ، وجاز الحذف هنا؛ لطول الصلة بذكر متعلق الخبر. باب: أَخْذِ صَدَقَةِ التّمرِ عِنْدَ صِرَامِ النَّخْلِ، وَهلْ يُتْرَكُ الصَّبيُّ فَيمَسُّ تَمْرَ الصَّدَقَةِ؟ (باب: أخذ صدقة (¬4) التمر عند صِرام النخل): صِرامُ النخل (¬5): هو جذاذه. ¬

_ (¬1) في "ج": "مجزوم". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 363). (¬3) "ما" ليست في "ن". (¬4) في "ع": "الصدقة". (¬5) "صرام النخل" ليست في "ن".

قال القاضي: ويقال: بفتح الصاد وكسرها (¬1). قال الإسماعيلي: يريد البخاري: أخذَ (¬2) الصدقة بعد أن (¬3) يصير تمراً؛ لأنه تصرم النخل وهو رُطَبٌ، فيتمرُ في المرابد (¬4)، ولكن ذلك لا يتطاول، فحسن أن يُنسب أَليه؛ كما قال تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] وإنما هو بعد (¬5) أن يُداس ويُنقى. 880 - (1485) - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الأَسَدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبي، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَن مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: وإنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يؤْتَى بالتَّمرِ عِندَ صرَامِ النَّخْلِ، فَيجِيءُ هذَا بتَمرِهِ، وَهذَا مِنْ تَمرِهِ، حَتَّى يَصِيرَ عِنْدَهُ كَوْماً مِنْ تَمرٍ، فَجَعَلَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما - يَلْعَبَانِ بذَلِكَ التَّمرِ، فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا تَمرَةً، فَجَعَلَها فِي فِيهِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخرَجَها مِنْ فِيهِ فَقَالَ: "أَمَا عَلِمتَ أَنَّ آلَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - لَا يَأْكلُونَ الصدَقَةَ؟! ". (الأسَدي): بفتح السين المهملة. (طَهمان): بفتح الطاء المهملة. ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 42). (¬2) في "ج": "إذا أخذ". (¬3) في "ج": "أنه". (¬4) في "ن" و"ج": "المربد". (¬5) "بعد" ليست في "ج".

(حتى يصير عنده كوماً): الكَوم -بفتح الكاف-: القطعةُ العظيمةُ من الشيء. ويروى بالنصب على أنه خبر يصير، واسمها ضمير عائد إلى التمر. وبروى بالرفع على أنه الاسم، و"عنده" الخبر. قال المهلب: وفيه: أن المسجد قد يُنتفع به في (¬1) أمر جماعة المسلمين لغير الصلاة. قلت: أما هذا الحديث بخصوصه، فليس فيه تعرض إلى أن ذلك كان في المسجد، وإنما يؤخذ هذا الحكم من (¬2) حديث آخر يدل عليه. (فأخرجَها من فيه): فيه دليل على أنه ينبغي أن (¬3) تُجنب الصغار ما يجنبه الكبار من المحرمات. (فقال: ما علمت أن آل محمد لا يأكلون صدقة؟!): روي هكذا (¬4): "ما علمت" بدون همزة. وروي: "أما علمت" بإثبات الهمزة. قال ابن مالك: وقد كثر حذفُ الهمزة إذا كان معنى ما حذفت منه لا يستقيم إلا بتقديرها، وذكر مثلاً (¬5). قلت: وقد وقع في كلام سيبويه بها يقتضي أن حذفها من الضرورة (¬6)، ¬

_ (¬1) "في" ليست في "ج". (¬2) في "ن": "هذا من الحكم في". (¬3) في "ج": "أنه". (¬4) في "ن": "هذا". (¬5) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 87). (¬6) في "ن" و"ج": "الضرائر".

وذلك أنه قال: وزعم الخليل أن قول الأخطل: كذَبتْكَ عَيْنُكَ أَمْ رأَيْتَ بوَاسط (¬1). . . غَلَسَ الظلام مِنَ الرَّبَاب خيالًا كقوله: إنها لإبلٌ (¬2) أم شاءٌ، ويجوز في الشعر أن يريد بكذبتك: الاستفهام، ويحذف الألف. هذا كلامه (¬3). وقال ابن القاسم في "الجنى الداني": المختارُ اطرادُ حذفِها إذا كان بعدها (¬4) "أم" المتصلة؛ لكثرته (¬5) نظماً ونْثراً (¬6). وفي الحديث: أن الأطفال إذا نهوا عن شيء، عرفوا لأي شيء نهوا عنه، ليَكبروا (¬7) على العِلْمِ، فيأتي عليهم وقتُ التكليفِ وهمْ على علمٍ من الشريعة. على أن مالكاً -رضي الله عنه- كره أن يعجَّلَ تعليم (¬8) الطفل القرآنَ، وأنكر لما قيل له عن طفل: إنه جمع القرآن ابنَ سبع سنين ونحوها. قال ابن المنير: وما أراه - والله أعلم - كره ذلك إلا لخشية أن ينطق ¬

_ (¬1) في "ج": "بواسطة". (¬2) في "ج": "أيها السائل لإبل". (¬3) انظر: "الكتاب" لسيبويه (3/ 174). (¬4) في "ن": "بعد". (¬5) في "ن": "لكثر". (¬6) انظر: "الجنى الداني في حروف المعاني" لابن القاسم المرادي (ص: 35). (¬7) في "ع": "فيكبروا". (¬8) في "ج": "بتعليم".

به (¬1) على خلاف ما ينبغي له (¬2) من إقامة الحروف وإخراجها من مخارجها (¬3)، أو لأن (¬4) في إعجاله إكراهاً له، وتعذيباً بالملازمة، ومنعاً عن (¬5) حظه (¬6) الذي ينبغي أن يُفسح له فيه من اللهو المقيمِ لبنيةِ الأطفال، المروّحِ لأنفسِهم. ومدخلُ قولِ البخاري في ترجمة هذا الباب: "وهل يُترك الصبيُّ فيمس تمرَ الصدقة" في الفقه: هو التنبيه على الاعتدال (¬7) في تأديب الأطفال؛ لأنه فسح لهم في اللعب، ولم يفسح لهم في الأكل؛ لأنه محرم على جنسهم، فتعيَّنَ على كبيرهم منعُ صغيرهم؛ كمنع وليّ الصغيرة إياها (¬8) من الطيب وغيرِه إن وجبت عليها عِدَّةُ وفاةٍ؛ خلافاً لمن أنكر ذلك بناءً على أنها غير مكلفة. ¬

_ (¬1) "به "ليست في "ع". (¬2) "له" ليست في "ن". (¬3) في "ع": "مخارج". (¬4) في "ج": "أن". (¬5) في "ن" و"ج": "من". (¬6) في "ع": "حفظه". (¬7) في "ع" و"ج": "الاعتداد". (¬8) في "ج": "وأباها".

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مَصَابِيحُ الجَامِعِ [4]

جَمِيعُ الحُقُوقِ مَحْفُوظَة الطَّبْعَةُ الأُولَى 1430 هـ - 2009 م ردمك: 0 - 12 - 418 - 9933 - 978 ISBN قَامَت بعمليات التنضيد الضوئي والإخراج الفني والطباعة دَار النَّوَادِر لصَاحِبهَا ومديرها نور الدّين طَالب سوريا - دمشق - ص. ب: 34306 لبنان - بيروت - ص. ب: 5180/ 14 هَاتِف: 00963112227001 - فاكس: 00963112227011 www.daralnawader.com

باب: من باع ثماره أو نخله أو أرضه أو زرعه وقد وجب فيه العشر أو الصدقة، فأدى الزكاة من غيره، أو باع ثماره ولم تجب فيه الصدقة

تَابِع كِتَابُ الزَّكَاةِ باب: مَنْ بَاعَ ثِمَارَهُ أَوْ نَخْلَهُ أَوْ أَرضَهُ أَوْ زرعَهُ وَقَد وَجَبَ فِيهِ الْعُشْرُ أَوِ الصَّدَقَةُ، فَأَدَّى الزَّكاةَ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ بَاعَ ثِمَارَهُ وَلَم تَجبْ فِيهِ الصَّدَقَةُ وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَبِيعُوا الثَّمَرَةَ حَتَّى يبدُوَ صَلاَحُها". فَلَم يَخظُرِ الْبَيع بَعدَ الصَّلاَحِ عَلَى أَحَدٍ، وَلَم يَخُصَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ مِمَّنْ لَمْ تجبْ. (فلم يحظر البيع بعد بدوِّ الصلاح (¬1) على أحد (¬2)، ولم يخصَّ من وجبت عليه الزكاة ممن لم تجب): يشير بذلك: إلى الرد على الشافعي -رضي الله عنه (¬3) - في أحد قوليه: إن البيع فاسد؛ لأنه باع ما يملك وما لا يملك، وهو نصيب المساكين، ففسدت الصفقة. ووجه الاستدلال: أنه - عليه الصلاة والسلام - أجاز بيعَ الثمرة بعد ¬

_ (¬1) "بعد بدو الصلاح" ليست في "ن" و"ج"، وقوله: "بدو" ليس في نص البخاري - نسخة اليونينية. (¬2) "أحد" ليست في "ن" و"ج". (¬3) "رضي الله عنه " ليست في "ن" و "ج".

باب: هل يشتري صدقته؟

بدوِّ الصلاح (¬1)، وهو وقتُ الزكاة، ولم يقيد الجواز بتزكيتها من عينها، بل عَمَّمَ وأطلقَ في سياق البيان. 881 - (1488) - حَدَّثَنَا قتيْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نهى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حتَّى تُزْهِيَ، قَالَ: حَتَّى تحمَارَّ. (حتى تُزْهي): أي: تصيرَ زَهْواً، وهو ابتداءُ إِرطابها، يقال: زَهَتِ الثمرةُ تزهو، وأَزْهتْ تُزْهي، حكاه صاحب "الأفعال"، وغيره. وأنكر غيرُه الثلاثي (¬2)، وقال: إنما يقال: أزهت، لا غيرُ. هكذا (¬3) قال القاضي، وصرح بأنه جاء في الحديث باللفظين، قال: وفرق بعضهم بين اللفظين. قال ابن الأعرابي: زَهتِ الثمرةُ: إذا ظهرت، وأَزْهتْ: إذا احمرَّتْ أو اصفرَّتْ (¬4). باب: هل يشتري صدَقتهُ؟ 882 - (1490) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنسٍ، عَنْ ¬

_ (¬1) في "ج": "صلاحها". (¬2) في "ج": "وأنكره عليه الثلاث". (¬3) "هكذا" ليست في "ن". (¬4) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 312).

زيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يَقُولُ: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ، فَأَرَدتُ أن أَشْتَرِيَهُ، وَظَننتُ أنه يبيعُهُ بِرُخْصٍ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "لَا تَشْتَرِ، وَلاَ تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ، وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرهم؛ فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئهِ". (لا تستردَّه (¬1)، ولا تعد في صدقتك): ظاهرُ النهي التحريمُ. وقال ابن بطال: كره أكثرُ العلماء شراءَ الرجل صدقتَه، وهو قول مالك، والشافعي، والليث، والكوفيين، فإن اشتراها، لم يُفسخ البيعُ عندهم. قال ابن القصار: وقال قوم: لا يجوز، ويُفسخ البيع. قال ابن بطال: ولم يذكُرْ قائلي ذلك، ويشبه أن يكونوا (¬2) أهل الظاهر (¬3). قال ابن المنيِّر: بل هو قول (¬4) منقول في المذهب؛ فقد قال مالك في "الموازية": لا يجوز أن يعود إليه اختياراً، وإن تداولها (¬5) المُلاَّك (¬6). وقال في "مختصر ابن عبد الحكم": لا تعود إليه أبداً. قلت: والقول بعدم الجواز أسعدُ بظاهر الحديث. وبالجملة: فلا خلاف في أن ذلك غير مباحٍ، ولا سالمٍ من الكراهة (¬7)، وإنما الخلافُ في التحريم. ¬

_ (¬1) نص البخاري: "تشتر". (¬2) في "ع": "يكون". (¬3) انظر: "شرح ابن بطال" (3/ 537). وانظر: "التوضيح" (10/ 570). (¬4) "قول" ليست في "ع". (¬5) في "ن": "تداولتها". (¬6) في "ج": "الأملاك". (¬7) في "ن": "الكراهية".

(وإن أعطاكَهُ بدرهم): أورد ابن المنير عليه سؤالاً: و (¬1) هو أن الإغياء في النهي عادته أن يكون بالأخف أو الأدنى (¬2)؛ كقوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23]. ولا خفاء بأن إعطاءه إياه بدرهم أقربُ إلى الرجوع في الصدقة مما إذا باعه بقيمته، وكلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - (¬3) هو الحجةُ في الفصاحة (¬4). وأجاب: بأن المراد: لا تغلِّبِ الدنيا على الآخرة وإن وَفّرَها (¬5) معطيها (¬6)، فإذا زَهَّدَه فيها وهي موفورة (¬7)، فلأن يزهده (¬8) فيها وهي مقترة أولى وأحرى (¬9)، فهذا على وفق العادة (¬10). (فإن العائد في صدقته كالعائد في قيئه): و (¬11) في طريق أخرى غير هذه من "الصحيح": "فَإِنَّ الَّذِي يَعُودُ فِي صَدَقَتِهِ كَالكَلْبِ يَعُودُ في قَيْئهِ" (¬12). وفي ذلك دليل على المنع من الرجوع في الصدقة؛ لما اشتمل عليه من ¬

_ (¬1) "و" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "بالأخفا والأدنى". (¬3) " - صلى الله عليه وسلم - " ليست في "ن" و "ج". (¬4) في "ج": "في الحجة الفصاحة". (¬5) في "ن": "وفر". (¬6) في "ج": "معطيه". (¬7) في "ن" و"ج": "موفرة". (¬8) في "ج": "يزهد". (¬9) في "ن" و"ج": "أحرى وأولى". (¬10) في "ن": "القاعدة". (¬11) " و" ليست في "ج". (¬12) رواه البخاري (2623)، ومسلم (1620).

باب: ما يذكر في الصدقة للنبي - صلى الله عليه وسلم -

التنفير الشديد من حيث شَبَّه الراجعَ بالكلب، وشبه المرجوعَ فيه بالقيء، وشبه الرجوعَ في الصدقة برجوعِ الكلب في قيئه. باب: ما يُذْكَرُ في الصدقةِ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - 883 - (1491) - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَيادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَليٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - تَمرةً مِنْ تَمرِ الصَّدَقَةِ، فَجَعَلها فِي فِيهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "كِخٍ كِخٍ"؛ لِيَطْرَحَهَا، ثُمَّ قَالَ: "أَمَا شَعَرتَ أَنَّا لَا نأكلُ الصَّدَقَةَ؟! ". (كخ كخ): زجرٌ للصبي عما يريدُ أخذَه، ووقع لابن (¬1) مالك في "التسهيل": أنها من أسماء [الأفعال، وأنها بمعنى أتكرَّه، ووقع في "التحفة" أنها من أسماء] (¬2) الأصوات، وبه قطع الشيخُ جمال الدين بنُ هشام في حواشيه على "التسهيل"، وفيها ثلاثة أوجه: 1 - فتح الكاف وتخفيف الخاء مع التنوين، كذا في رواية أبي (¬3) الحسن. 2 - [وكسر الكاف وإسكان الخاء في رواية أبي ذر] (¬4). 3 - وكسر الكاف وتشديد الخاء في بعض نسخ الهروي. وقال الداودي: هي عجمية معربة (¬5). ¬

_ (¬1) في "ن": "ابن". (¬2) ما بين معكوفتين سقط من "ع". (¬3) في "ج": "أبو". (¬4) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬5) انظر: "التوضيح" (10/ 577).

باب: الصدقة على موالي أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -

(أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة؟!): وذلك لأنها (¬1) أوساخ الناس. قال المهلب: و (¬2) لأن أخذها منزلة ذُلّ وضَعَة؛ لقوله -عليه السلام-: "اليَدُ العُلْيا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى" (¬3). وردَّه ابنُ المنير: بأن مقتضاه تحريمُ الهبة عليهم، ولا يقوله أحد، وذلك أن الواهب أيضاً له اليدُ العليا، وقد جاء في بعض الطرق: "اليدُ العُلْيَا هِيَ المُعطِيَةُ" (¬4)، ولم يقل: المتصدقةُ، فتدخل الهباتُ، والحديثُ تزهيدٌ في قبول العطايا، لا تحريمٌ لها. والمنقول في المذهب: أن بني هاشم آلٌ، قولاً واحداً، وما فوقَ غالبٍ غيرُ آل، قولاً واحداً، وفيما بينهما القولان. ووقع أيضاً في المذهب ما يؤخذ منه: أن محل الخلاف فيما فوق غالب إلى عموم قريش، وقريش هم بنو النضر، وما فوقَ النضر ليسوا بقريش. باب: الصَّدَقَةِ عَلَى مَوَالِي أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (باب: الصدقة على موالي أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -): ذكر (¬5) فيه (¬6) حديثَ شاةِ ميمونة. ¬

_ (¬1) في "ج": "أنها". (¬2) "و" ليست في "ج". (¬3) تقدم ذكره عند البخاري. (¬4) رواه الإمام أحمد في "مسنده" (2/ 98) عن ابن عمر رضي الله عنهما. (¬5) في "ن": "وذكر". (¬6) في "ج": "في".

باب: إذا تحولت الصدقة

قال الزركشي نقلاً عن الإسماعيلي: إفرادُ هذا بهذه الترجمة مستغنى (¬1) عنه؛ فإن (¬2) تسمية المولى لغير فائدة، وإنما هو لسوق الحديث على وجهه فقط (¬3). قال (¬4) ابن المنير: إنما أورد البخاري هذه الترجمة؛ لتحقيق أن الأزواج لا (¬5) يدخل مواليهن (¬6) في الخلاف، ولا تحرم عليهن الصدقةُ قولاً واحداً؛ لئلا يظنَّ الظانُّ أنه قال (¬7) قائل ما بدخول (¬8) الأزواج في أهل البيت يطَّرد (¬9) ذلك في منع الصدقة عليهن، فبيَّن أن الخلاف (¬10) في كونهن من الآل لا يطرد في جواز الصدقة عليهن. باب: إِذَا تَحَوَّلَتِ الصَّدَقَةُ (باب: إذا تحولت الصدقة): أي: إلى (¬11) الهدية. ¬

_ (¬1) في "ج": "يستغنى". (¬2) في "ع": "فإنه". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 365). (¬4) في "ن" و"ج": "وقال". (¬5) "لا" ليست في "ج". (¬6) في "ج": "في مواليهن". (¬7) في "ج": "لما قال". (¬8) في "ج": "يدخل". (¬9) في "ع": "نظير". (¬10) في "ن" و"ج": "الاختلاف". (¬11) "إلى" ليست في "ع".

باب: في الركاز الخمس

884 - (1494) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيةَ الأَنْصَارِّيةِ - رَضِيَ اللهُ عَنْها -، قَالَتْ: دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْها -، فَقَالَ: "هلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ "، فَقَالَتْ: لَا، إِلاَّ شَيْءٌ بَعَثَتْ بِهِ إِلَيْنَا نُسَيْبَةُ مِنَ الشَّاةِ الَّتِي بَعَثْتَ بِها مِنَ الصَّدَقَةِ. فَقَالَ: "إِنَّها قَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّها". (قد بلغت مَحِلها): - بكسر الحاء -؛ أي: وصلت إلى الموضع الذي تحلُّ فيه (¬1)، وذلك لأنها (¬2) لما صارت ملكاً لمن تُصُدِّق بها عليه، صح تصرفُه بالبيع وغيره، فإذا أهداها إليه -عليه السلام-، جاز له القبول والأكل؛ لأنها غير صدقة والحالة هذه (¬3)، فتحل له (¬4). باب: فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ وَقَالَ مَالِكٌ، وَابْنُ إِدريسَ: الرِّكَازُ: دِفْنُ الْجَاهِلِيَّةِ، فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيره الْخُمُسُ. وَلَيْسَ الْمَعدِنُ بِرِكَازٍ، وَقَد قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَعدِنِ: "جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ". وَأَخَذَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنَ الْمَعَادِنِ مِنْ كُل مِئتَيْنِ خَمسَةً. وَقَالَ الْحَسَنُ: مَا كَانَ مِنْ رِكَازٍ فِي أَرضِ الْحَربِ، فَفِيهِ الْخُمُسُ، وَمَا كَانَ مِنْ أَرضِ السِّلْم، فَفِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ وَجَدتَ اللُّقَطَةَ فِي أَرضِ الْعَدُوِّ، ¬

_ (¬1) في "ج": "فيها". (¬2) في "ن" و"ج": "أنها". (¬3) "والحالة هذه" ليست في "ن". (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 366).

فَعَرِّفْهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِنَ الْعَدُوِّ، فَفِيها الْخُمُسُ. وَقَالَ بَعضُ النَّاسِ: الْمَعدِنُ رِكَازٌ مِثْلُ دِفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ؛ لأَنَّهُ يُقَالُ: أَركَزَ الْمَعدِنُ: إِذَا خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ. قِيلَ لَهُ: قَدْ يُقَالُ لِمَنْ وُهِبَ لَهُ شَيْءٌ، أَوْ رَبحَ رِبْحاً كَثِيراً، أَوْ كثُرَ ثَمَرُهُ: أَركَزْتَ. ثُمَّ نَاقَضَ، وَقَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَكْتُمَهُ، فَلاَ يُؤَدِّيَ الْخُمُسَ. (قال مالك وابن إدريس): قال الزركشي: هو الشافعي (¬1) (¬2). قلت: في "شرح السفاقسي": قال أبو ذر: يقال: إن ابن إدريس الشافعي، وقيل: عبد الله بن إدريس الأودي (¬3)، وهو أشبه، وهو كوفي (¬4). (الركاز (¬5) دِفْن الجاهلية): قال الزركشي: بكسر الدال وسكون الفاء: الشيء المدفون، وهو دفين ومدفون، وفِعلٌ (¬6) يجيء بمعنى المفعول؛ كالذّبْح والطّعن، وأما بفتحها، فهو المصدر، وليس هو المراد هنا (¬7). قلت: بل يصح الفتح على أن يكون مصدراً أُريد به المفعول؛ مثل: الدرهمُ ضَربُ الأمير، وهذا الثوبُ نسجُ اليمن. (وقال بعض الناس): يريد: أبا حنيفة رضي الله عنه. ¬

_ (¬1) في "ج" زيادة: "رحمه الله". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 367). (¬3) في "م" و"ع": "الأزدي". (¬4) انظر: "التوضيح" (10/ 603). (¬5) في "ن": "في الركاز". (¬6) في "ع": "وفعيل". (¬7) انظر: "التنقيح" (1/ 367).

(المعدن ركاز (¬1)): وساق حجته (¬2) إلى أن قال: (ثم ناقض، وقال: لا بأس أن يكتمه، ولا يؤدي الخمس): ووجه المناقضة التي أوردها: أن أبا حنيفة -رضي الله عنه (¬3) - غلَّظَ في المعدِن، وشدَّد، وكَثَّرَ القدَر المأخوذَ منه، وهو الخمس، ثم خَفَّفَه بالكلية، وأجازَ كتمانه، وأن لا يؤدِّي فيه شيئاً (¬4). 885 - (1499) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ، وَالْبِئْرُ جُبَارٌ، وَالْمَعدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ" (¬5). (العجماء): البهيمة، سُميت به؛ لأنها لا تتكلم، وكلُّ من لا يقدر على الكلام فهو أعجمُ. (جُبار): أي: هَدْرٌ (¬6)، يريد: أن الدابة إذا أفلتت، فأصابت إنساناً في ¬

_ (¬1) في "ج": "المعدن جبار". (¬2) في "ج": "أو ساق حجة". (¬3) "رضي الله عنه" ليست في "ن". (¬4) من قوله: "وقال بعض الناس". . . إلى قوله: "يؤدي فيه شيئاً": لم يقع في "ع" و"ن" و "ج" في هذا الموضع، بل هو بعد الحديث (1499)، وموضعه الصحيح هنا. (¬5) وقع الكلام عند المؤلف عن هذا الحديث في الباب السابق، وحقه أن يذكر هنا، كما في البخاري، والله أعلم. (¬6) في "ن": "هذا".

إفلاتها، أو (¬1) أتلفت مالاً، فذلك كلُّه هدرٌ، و (¬2) لا ضمان عليه (¬3). (والبئر جبار): أي: إذا استأجر من يحفر له بئراً في ملكه، فانهارت البئر عليه، فإنه (¬4) هدر، وكذلك المعدن (¬5). (وفي الركاز الخمس): وأما المعادن (¬6)، فهي عند مالك -رحمه الله - مخالفة للركاز؛ لأنه (¬7) لا يُنال شيء منها إلا بالعمل؛ بخلاف الركاز، ففيها الزكاة إذا حصل له نصاب (¬8)، ولا يستأنف به الحول. قال مالك: لما كان ما يخرج من المعدن يعتمل (¬9) وينبت كالزرع (¬10)، كان مثله في تعجيل زكاته يوم حصاده، وما يوجد من (¬11) المعدن من الندرة (¬12) بغير عمل ولا تعب، فهو كالركاز. وقال الشافعي -رحمه الله - (¬13): في المعدن الزكاة (¬14)، إلا أنه اختلف ¬

_ (¬1) في "ج": "و". (¬2) "و" ليست في "ن" و"ج". (¬3) في "ن"و "ج": "فيه". (¬4) في "ج": "فإنها". (¬5) "المعدن" ليست في "ج". (¬6) في "ج": "والمعدن". (¬7) في "ج": "لأنها". (¬8) في "ج": "النصاب". (¬9) في "ج": "يعمل". (¬10) في "ع": "كان الزرع". (¬11) في "ع": "في". (¬12) في "ع": "الدرة". (¬13) "رحمه الله" ليست في "ن". (¬14) في "ج": "الركاز".

باب: قول الله تعالى: {والعاملين عليها} [التوبة: 60]، ومحاسبة المصدقين مع الإمام

قوله، فمرة أوجبها في قليله وكثيره، ومرةً اشترطَ النصابَ. وقال أبو حنيفة -رحمه الله - (¬1): المعدنُ كالركاز مطلقًا. قال ابن بطال: وقد فرق في الحديث بين (¬2) المعدن والركاز بواو فاصلة، فدل على أنهما مختلفان في المعنى، فليس حكم أحدهما حكم الآخر (¬3). وردَّه ابن المنير: بأن الحكم مختلف، فلا يلزم التكرار، وذلك أن كون المعدن جبارًا حكمٌ مخالف للحكم الواجب فيه بمعنى الصدقة، فلا تكرار إذن، فكأنه قال (¬4): المعدنُ جبار، وفيه وفي المال المدفون الخمس. * * * باب: قول الله تعالى: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة: 60]، ومحاسبة المصدِّقينَ مع الإمامِ 886 - (1500) - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا مِنَ الأَسْدِ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ، يُدْعَى ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ، حَاسَبَهُ. (استعمل رجلًا من الأَسْد): بسكون السين، ويقال فيهم: "الأَزْد" - أيضًا - بالزاي. ¬

_ (¬1) "رحمه الله" ليست في "ن". (¬2) "بين" ليست في "ج". (¬3) انظر: "شرح ابن بطال" (3/ 555). (¬4) "قال" ليست في "ج".

(يدعى: ابنَ اللُّتْبِيَّة): بلام مضمومة فمثناة من فوق ساكنة، وحكى المنذري فتحها. ويقال: "ابن الأَتْبِيَّة" بهمزة مفتوحة فتاء ساكنة، وحكي تحريكها، قيل: إنها (¬1) اسم أمه (¬2)، عُرف بها، وكان اسمه عبدَ الله (¬3). (فلما جاء، حاسَبَهُ): قال ابن المنير: ومدخلُ (¬4) المحاسبة في الفقه إلزامُ المضارِبِ ونحوه من الأمناء على الأموال بإقامة حسابها، ولا ينافي ذلك ائتمانهم عليها؛ لأن المحاسبة (¬5) تُظهر الأمانةَ المسقطةَ للضمان من التعدِّي الموجبِ له، فوجبت إذا دُعي إليها. فإن قلت: فما معنى المحاسبة هنا، وليس ثَمَّ مصروف؟! قلت: يجوز (¬6) أن يكون صرفَ شيئًا من الزكاة في مصارفه، فحاسبه على الحاصل والمصروف، ولعله (¬7) كلَّفه بتفصيل الحاصل بأسماء أرباب الأموال، وأما تكليفه أسماء المساكين: فالظاهر (¬8) أنه وقع، ولا (¬9) يقتضي المذهب أنه لازم للعامل. ¬

_ (¬1) في "ن": "إنه". (¬2) "أمه" ليست في"ن". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 367). (¬4) في "ج": "وتدخل". (¬5) "لأن المحاسبة" ليست في "ج". (¬6) في "ج": "ويجوز". (¬7) "ولعله" ليست في "ج". (¬8) في"ن": "فما الظاهر". (¬9) في "ع": "ولم".

باب: استعمال إبل الصدقة وألبانها لأبناء السبيل

وقد نص مالك على أن الوقف ونحوه إذا كان على جهة عامة، صُدِّقَ العاملُ والناظر فيمن صرف إليه بغير تعيين، ولا إثبات؛ بخلاف المعينين. وفيه أيضًا: أن العامل إذا وضع في حسابه شيئًا من الحاصل، فثبت (¬1) عليه ذلك، فقال: صرفته في مصارفه، لا تقبل؛ لأن إنكاره الأول يُسقط (¬2) قولَه الثاني، ولولا ذلك، لسقطت فائدة المحاسبة. وفيه أيضًا: أنه إذا صرف مالًا يشبه عادة، ضمن، ولولا ذلك، لما أفاد (¬3) الحسابُ أيضًا. انتهى كلامه. * * * باب: اسْتِعْمَالِ إِبِلِ الصَّدَقَةِ وَأَلْبَانِهَا لأَبْنَاءِ السَّبِيلِ (باب: استعمال إبل الصدقة وألبانها لأبناء السبيل): قال ابن بطال: غرضُه (¬4) إثباتُ وضعِ الصدقات في صنف واحد، لا في عموم (¬5) الأصناف الثمانية، والحجةُ بحديث الباب قاطعةٌ؛ لأنه -عليه السلام- أفردَ (¬6) أبناء السبيل لإبل الصدقة وألبانها دونَ غيرهم (¬7). ¬

_ (¬1) في"ع": "فيثبت". (¬2) في "ج": "أسقط". (¬3) في "ج": "أفاده". (¬4) في "ج": "اعترضه". (¬5) في "ن": "مجموع". (¬6) في "ن": "أورد". (¬7) انظر: "شرح ابن بطال" (3/ 588).

قلت: القطع بعيد جدًا؛ لجواز أن تكون الإبل المذكورة في الحديث هي نصيب أبناء السبيل من جملة ما وقع تفريقه من إبل الصدقة. قال ابن المنير (¬1): و (¬2) إنما غرضه: أن يبين أن المساكين إذا ملكوا رقابَ الصدقات، ملكوا منافعَها، وأن (¬3) للإمام أن يؤخر بعض إبل الصدقة يحمل المساكين عليها، أو (¬4) لرفقهم بألبانها، ولا يعجل قسمتها، ويجوز - أيضًا - أن يحبل (¬5) الألبان لقوم، والرقاب لقوم آخرين. قلت: في هذا الأخير نظر. قال: وفيه ما يدل على أن المال الموصى به للمساكين يجوز تأخيرُ تفرقته لمصلحة، وتوزيعه على أوقات الحاجات. وفيه ما يدل على أن من أوصى برقاب أن تباع، ويقسم ثمنها على المساكين، كانت غلاتها قبل البيع لأهل الوصية، لا لأهل الميراث. قلت: لا يخفى بعدُ أخذِ (¬6) هذا الحكم من حديث العُرنيين الذي أشار إليه. * * * ¬

_ (¬1) في "ن": "ابن بطال المنير". (¬2) "و" ليست في "ج". (¬3) في "ع": "ولأن". (¬4) "أو" ليست في "ج". (¬5) في "ع": "يعجل". (¬6) "بعد أخذ" ليست في "ن".

باب: وسم الإمام إبل الصدقة بيده

باب: وَسْمِ الإمامِ إبلَ الصدقةِ بيدِه 887 - (1502) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا الْوَليدُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبي طَلْحَةَ، حَدَّثَنِي أَنسُ ابْنُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: غَدَوْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِعَبْدِ اللَّهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ لِيُحَنِّكَهُ، فَوَافَيْتُهُ فِي يَدِهِ الْمِيسَمُ يَسِمُ إِبِلَ الصَّدَقَةِ. (في يديه المِيسم): - بميم مكسورة -: حديدة توسم بها إبل الصدقة؛ لتتميز بذلك الوسم (¬1) عن الأموال المملوكة (¬2). وفيه دليل على جواز تأخير القسمة [لقصد صحيح؛ لأن القسمة] (¬3) لو تعجلت، استغني عن السمة. * * * باب: فرض صدقةِ الفطرِ 888 - (1503) - حَدَّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّكَنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ جَهْضَمٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلاَةِ. ¬

_ (¬1) "الوسم" ليست في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 368). (¬3) ما بين معكوفتين سقط من "ج".

(فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاةَ الفطر): هذا دليل للمشهور من مذاهب الفقهاء على وجوب زكاة الفطر، وذهب بعضهم إلى عدم الوجوب، وتأول (¬1) قولَه: فرضَ بمعنى: قَدَّر، ولا شك أن هذا أصله (¬2) في اللغة، لكنه نقل في عرف الاستعمال إلى الوجوب، فالحملُ عليه أولى؛ لأن ما اشتهر في الاستعمال، فالقصد إليه هو الغالب. وسأل ابن المنير: كيف اتفقوا على وجوب زكاة المال، مع أنها طهرة للمال (¬3)، واختلفوا في إيجاب زكاة الفطر، مع أنها طهرة للنفس؟ وأجاب: بأن (¬4) إضافة زكاة المال إلى تطهير المال مجاز، وإنما هي بالحقيقة طهرة للنفس، والمالُ ليس مكلفًا حتى يطهر حقيقةً، ولهذا ورد في الصدقات: أنها أوساخُ الناس (¬5)، وقال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] الآية. قلت: فتحصَّل (¬6) أن الزكاة وصدقة الفطر كلتاهما طُهرةٌ للنفس، ولم يخرج من ذلك جواب عن (¬7) وجه الاتفاق على وجوب الأولى دون الثانية. ¬

_ (¬1) في"ن" و"ج": "وتأولوا". (¬2) في جميع النسخ عدا "ن": "أصلي". (¬3) "للمال" ليست في "ج". (¬4) في "ن": "أن". (¬5) رواه مسلم (1072). (¬6) في "ج": "فيحتمل". (¬7) في "ج": "على".

باب: صدقة الفطر على العبد وغيره من المسلمين

ثم قال: وأيضًا: فإن المال لا يطهر إلا بالزكاة، وأما النفس، فإنها تطهرُ بكثير من العبادات البدنية، وناهيك بالوضوء، وبإخراجه الخطايا مع آخر قَطْر الماء، فلما لم يكن للمال طهرة إلا الصدقة، وجبتْ، ولما تعددت طهرةُ النفس، لم يتأكد منها كل صنف. * * * باب: صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَلَى الْعَبْدِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (باب: صدقة الفطر على العبد): فهمَ ابنُ بطال من هذه الترجمة: أن البخاري يقول بمذهب أهل الظاهر في أن زكاة الفطر تلزم العبدَ في نفسه، وعلى سيده تمكينهُ من اكتساب ذلك، وإخراجه عن نفسه (¬1). ولم يُرِد البخاري -رحمه الله - هذا، وإنما أراد التنبيهَ على اشتراط الإسلام فيمن يؤدَّى عنه زكاةُ الفطر لا غيرُ، وأورد (¬2) الترجمة بصيغة "على" لقصد المطابقة (¬3) للفظ (¬4) الحديث، و"على" بمعنى "عن"، ويؤيد ذلك أنه ترجم بعد هذا ترجمةً أخرى، فقال: "باب: صدقة الفطر على الحر والمملوك"، ثم ذكر قولَ نافع: "وكان ابن عمر يعطي عن الصغير والكبير، حتى إن كان يعطي عن بَنِيَّ"، فدل على أن "على" (¬5) يراد (¬6) بها معنى ¬

_ (¬1) انظر: "شرح ابن بطال" (3/ 562). (¬2) في "ن" و"ج": "ولهذا لم يترجم ترجمة أخرى على اشتراط الإسلام وأورد". (¬3) في "ج": "مطابقة". (¬4) في "ن": "مطابقة لفظ". (¬5) "على" ليست في "ع". (¬6) في "ن": "مراد".

باب: صدقة الفطر صاعا من تمر

"عن"، والله تعالى أعلم. * * * 889 - (1504) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، مِنَ الْمُسْلِمِينَ. (على كل حر أو عبد، ذكرٍ أو أنثى من المسلمين): هو نصٌّ، أو (¬1) ظاهر في أن قوله: "من المسلمين" صفةٌ لما قبله من النكرات المتعاطفات بأو، فيندفع قولُ الطحاوي بأنه خطاب متوجهٌ معناه: أي: السادة، يقصد بذلك الاحتجاج لمن ذهب إلى إخراج زكاة الفطر عن العبد الكافر (¬2). * * * باب: صدقةِ الفطرِ صاعًا من تمرٍ 890 - (1507) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونسُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ: أَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِزكَاةِ الْفِطْرِ، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: فَجَعَلَ النَّاسُ عَدْلَهُ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ. (فجعل الناس عَدله): قال الزركشي: بكسر (¬3) العين (¬4). ¬

_ (¬1) "أو" ليست في "ج". (¬2) في "ن": "والكافر"، وانظر: "التوضيح" (10/ 634). (¬3) في "ع ": "بفتح". (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 368).

باب: الصدقة قبل العيد

قلت: في "المشارق": والعَدْل - بالفتح -: المثل، و (¬1) ما عادلَ الشيءَ من غير جنسه، - وبالكسر -: ما عادلَه من جنسه، وما كان (¬2) نظيره. وقيل: الفتح والكسر (¬3) لغتان فيهما، وهو قول البصريين، ونحوُه عن ثعلب (¬4). * * * باب: الصَّدَقَةِ قَبْلَ الْعِيدِ 891 - (1510) - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثنا أَبُو عُمَرَ، عَنْ زَيْدٍ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ. وَقَالَ أَبو سَعِيدٍ: وَكَانَ طَعَامَنَا الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ وَالأَقِطُ وَالتَّمْرُ. (باب: الصدقة قبل العيد). (كنا نُخرج على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومَ الفطر): قال ابن المنير: قوله: "يومَ الفطر" موضعُ الترجمة، فدخل فيه ما قبلَ صلاة العيد إلى طلوع الفجر، وهو أول اليوم، فدل أنه داخل في وقت إخراجها، وكان مقصود البخاري: أنها لا تقدَّم على يوم العيد، ولا تُخرج أيضًا ليلة العيد؛ لأن ظاهر قوله: يومَ الفطر من الفجر، لا (¬5) ما قبله، وإن كانت الليلة تدخل في ¬

_ (¬1) الواو ليست في "ع". (¬2) في "ن": "وكان". (¬3) في "ن": "الكسر والفتح". (¬4) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 69). (¬5) في "ن": "لأن".

باب: صدقة الفطر على الحر والمملوك

اليوم لغةً، لكن الظاهر عرفًا في قول القائل: يوم كذا؛ أنه يريد: من الفجر، وفائدةُ الخلاف في تحديد أول وقت الوجوب تظهر فيمن مات، أو (¬1) ولد، أو أسلم، أو بِيعَ فيما بين الحدَّين المختلَف فيهما. (وكان طعامُنَا الشعيرَ والزبيبَ والأقطَ والتمرَ): برفع الطعام، ونصب ما بعده، والعكس. * * * باب: صدقةِ الفطرِ على الحرِّ والمملوكِ 892 - (1511) - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَ: فَرَضَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - صَدَقَةَ الْفِطْرِ - أوْ قَالَ: رَمَضَانَ - عَلَى الذَّكرِ وَالأُنْثَى، وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، فَعَدَلَ النَّاسُ بِهِ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ. فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - يُعْطِي التَّمْرَ، فَأَعْوَزَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنَ التَّمْرِ، فَأَعْطَى شَعِيرًا، فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعْطِي عَنِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، حَتَّى إِنْ كَانَ يُعْطِي عَنْ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - يُعْطِيهَا الَّذِينَ يَقْبَلُونها، وَكَانوُا يُعْطُونَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ. (فأعوزَ أهلُ المدينة): أي: فقدوا التمر، واحتاجوا إليه، يقال: أَعْوَزَ الرجلُ: إذا احتاج. (من التمر): الظاهر أنه يتخرج على مذهب (¬2) الكوفيين في جواز ¬

_ (¬1) في "ج": "و". (¬2) في "ع": "ورود مذهب".

ورود "مِنْ" للانتهاء (¬1)؛ نحو: تقربت منك؛ أي: إليك. وقد صرح في "التسهيل": بأن من (¬2) جملة معاني "من": الانتهاء (¬3). (حتى إن كان يعطي عن بَنِيَّ): هذا من كلام نافع، و"إن" فيه هي (¬4) المخففة من الثقيلة. فإن قلت: فأين اللام الفارقة بينهما وبين النافية؛ كقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً} [البقرة: 143]؟ قلت: إذا دلَّ على قصد الإثبات، جاز تركها؛ كقوله: إِنْ كُنْتُ قَاضِيَ نَحْبِي يَوْمَ بَيْنِكُمُ. . . لَوْ لَمْ تَمُنُّوا بِوَعْدٍ غَيْرِ تَوْدِيعِ (¬5) إذ المعنى فيه لا يستقيم إلا على إرادة الإثبات، والدليلُ في الحديث موجود؛ لأنه قال: وكان ابنُ عمر يعطي عن الصغير والكبير، وعناه بقوله: "حتى إنْ كان يعطي عن بني"، ولا تتأتى الغايةُ فيه (¬6) مع قصد النفي أصلًا، فتأمل. * * * ¬

_ (¬1) في"ن" و"ج": "من الانتهاء". (¬2) "من" ليست في "ج". (¬3) انظر: "التسهيل مع شرحه" لابن مالك (3/ 130). (¬4) "هي" ليست في "ن" و"ج". (¬5) انظر: "مغني اللبيب" لابن هشام (ص: 305 - 306). (¬6) "فيه" ليست في "ع".

كتاب الحج

كِتابُ الحّجِّ

كِتابُ الحَجِّ (كِتابُ: الحَجِّ): بفتح الحاء وكسرها، وقد قرئ بهما في السبع، فقيل: لغتان، وقيل: هو بالفتح: المصدر، وبالكسر: الاسم، وقيل: عكسه. قال ابن السكيت: بالفتح: القصد، وبالكسر: القوم الحجاج (¬1). ومعناه لغة: القَصْد. وأما بحسب عرف أهل الشرع، فقال ابن هارون "شارح ابن الحاجب" من أصحابنا: لا يعرف؛ لأنه (¬2) ضروري للحُكم بوجوبه ضرورةً، وتصورُ المحكومِ عليه ضرورةً ضروريٌّ، وقال (¬3) ابن عبد السلام "شارح ابن الحاجب" أيضًا: لا يعرف؛ لعسره (¬4). وردَّهما شيخنا أبو عبد الله بن عرفة: أما الأول: فبأن شرطَ الحكم تصوُّرُه بوجهٍ ما، والمطلوبُ معرفةُ حقيقته. ¬

_ (¬1) ونقله الزبيدي في "تاج العروس" (5/ 462). (¬2) في "ج": "أنه". (¬3) في "ع": "فقال". (¬4) في "ج": "لغيره".

باب: وجوب الحج وفضله

وأما الثاني: فبأنه لم يعسر على الفقيه الحكمُ عليه (¬1) بالثبوت والنفي، والصحة والفساد، ولازمهُ إدراكُ فضله، أو خاصته كذلك؛ يعني: - رحمه الله -: من غير عسر. ثم قال: ويمكن رسمه بأنه (¬2) عبادةٌ يلزمُها وقوفٌ بعرفةَ ليلةَ عاشرِ ذي الحجة. ويمكن - أيضا - حَدُّه بأن يزاد على ما تقدم شيءٌ آخر، فتقول: عبادةٌ يلزمُها وقوفٌ بعرفةَ ليلةَ عاشرِ ذي الحجة، وطوافُ ذي طهرِ اختصَّ بالبيت عن يساره سبعًا بعدَ [فجرِ يوم النحر، والسعيُ من الصفا للمروة، ومنها إليها سبعًا، وبعدَ] (¬3) طوافٍ كذلك لا يقيد وقته بإحرام في الجميع (¬4). * * * باب: وُجُوبِ الْحَجِّ وَفَضْلِهِ {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97]. (وقول الله (¬5) - عز وجل -: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97]: قال ابن هشام: زعم ابن السِّيد: أن "مَنْ" فاعلٌ بالمصدر (¬6)، ويردُّه أن المعنى حينئذٍ: ولله على الناس أن يحج المستطيع، ¬

_ (¬1) في "ن": "وعليه". (¬2) في "ن": "بأنها". (¬3) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬4) نقله الحطاب في "مواهب الجليل" (2/ 470). (¬5) "وقول الله" كذا في رواية أبي ذر الهروي، وليست في نسخة اليونينية. (¬6) في "ج": "بالمصدرية".

فيلزم تأثيم (¬1) جميع الناس إذا تخلف المستطيع (¬2). قلت: بناه على أن الألف واللام لاستغراق الجنس، وهو ممنوع؛ لجواز كونها للعهد الذِّكْرِي، والمرادُ حينئذٍ بالناس: من جرى ذكرُه، وهم المستطيعون، [وذلك لأن {حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] والخبر قوله: للهِ على الناس، والمبتدأ (¬3) تقدم على الخبر رتبةً، وإن تأخر لفظًا، فإذا قدمت المبتدأ وما هو من متعلقاته، كان التقدير: حجُّ البيتِ المستطيعون] (¬4) حق ثابت لله على الناس؛ أي: هؤلاء المذكورين. ويدل عليه: أنك لو أتيت بالضمير [في هذا التركيب، لصحَّ؛ أي: حقٌّ ثابتٌ لله عليهم، فقد سدَّ الضمير] (¬5) مسدَّ أل ومصحوبها، وهو علامة الأداة التي للعهد الذكري، بل جعلُها كذلك مقدَّمٌ على جعلها للعموم، فقد صرح كثيرون بأنه إذا احتمل كونُ أل (¬6) للعهد، وكونهُا لغيره؛ كالجنس، أو (¬7) العموم، فإنها نحملها على العهد؛ للقرينة المرشدة إليه، وجمهورُ المعربين: على أن (¬8) {مَنِ اسْتَطَاعَ} [آل عمران: 97] في محل جر على أنه بدلُ ¬

_ (¬1) في "ج": "إثم". (¬2) انظر: "مغني اللبيب" (ص: 694). (¬3) في "ع": "أو مبتدأ". (¬4) ما بين معكوفتين سقط من "ن". (¬5) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬6) في "ن": "كون أن اللام". (¬7) في "ج": " و". (¬8) "أن" ليست في "ن".

بعضِ من الناس، وحُذف الرابطُ لفهمه؛ أي: من استطاع منهم، ويلزم عليه (¬1) الفصلُ بين البدل والمبدَل منه بالمبتدأ، وفيه نظر. {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97]: قال الزمخشري: جعل {وَمَنْ كَفَرَ} [آل عمران: 97] عوضًا عن ومن لم يحج؛ تغليظًا؛ كما قال -عليه السلام-: "مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ، فَلْيَمُتْ إِنْ شَاءَ يَهُودِيًا، أَوْ نصرَانِيًا (¬2) " (¬3) (¬4). واستشكله ابنُ المنير في "الانتصاف": بأن تاركه لا يكفر بمجرد تركِه، فتعين (¬5) حملُه على تاركِه جاحدًا لوجوبه، فالكفر (¬6) يرجع إلى الاعتقاد. قال: والزمخشري (¬7) يسهل (¬8) عليه ذلك؛ لأنه يعتقد أن تارك الحج يخرج عن الإيمان، ويخلد في النار، ويحتمل أن يكون قوله: {وَمَنْ كَفَرَ} [آل عمران: 97] استئناف وعيد للكافرين. وقال في "شرحه للبخاري": مذهبُ مالكٍ في الصلاة والصيام والزكاة: أنه يُقاتَل من تركَها، ويُقتل إن أصرَّ، وأما الحجُّ: فإذا ظهر منه التركُ، قيل له: أبعدَكَ الله، وما ذاك - والله أعلم - إلا أن ظرفَه العمرُ، ولو قلنا: إنه ¬

_ (¬1) في "ج": "على". (¬2) في "ن" و"ج": "وإن شاء نصرانيًا". (¬3) رواه الترمذي (812)، عن علي رضي الله عنه، وإسناده ضعيف كما ذكر الترمذي. (¬4) انظر: "الكشاف" (1/ 418). (¬5) في "ن" و "ج": "فيتعين". (¬6) في "ن": "والكفر". (¬7) في "م" و"ع"، "وقال الزمخشري". (¬8) في جميع النسخ عدا "ج": "ما يسهل".

على الفَوْر، فليس مُضَيَّقًا بوقت، ولهذا (¬1) لا يعدُّ فعلهُ بعد الترك قضاءً، بل أداءً، والنقضُ بتأخير الزكاة بعدَ الحول وإخراجِها بعد سنين (¬2) - مثلًا - يندفع بأنها (¬3) حق العباد، وهم المساكين، فغلظ فيه؛ بخلاف حقِّ الكريم (¬4) جل جلاله. * * * 893 - (1513) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَ: كَانَ الْفَضْلُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَاءَتِ امْرَأةٌ مِنْ خَثْعَمَ، فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إلَيْهَا، وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّق الآخَرِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا، لَا يثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أفأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: "نَعَمْ". وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَداعِ. "رديف": يقال: رَدِفْتُهُ: إذا ركبتَ خلفَه، وأَرْدَفْتُهُ: إذا أركبتَه خلفَكَ. (من خثعم): قال الزركشي: مجرور (¬5) بالفتحة؛ لأنه غير منصرف للعلمية، ووزن الفعل: حَيُّ من بَجيلَةَ، وبَجيلَةُ من قبائل اليمن (¬6). ¬

_ (¬1) في "ج": "وهذا". (¬2) في "ن" و"ج": "بعده بسنين". (¬3) في "ج": "فيندفع أنها". (¬4) في "ن": "حقوق الحليم الكريم"، وفي "ج": "حقوق الكريم الحليم". (¬5) في "ج": "مجرورًا". (¬6) انظر: "التنقيح" (1/ 370).

باب: قول الله تعالى: {يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق (27) ليشهدوا منافع لهم} [الحج: 27، 28]

قلت: إن لم يحمل هذا على سبق (¬1) القلم من المصنف، أو الغلط من الناسخ، فهو عجيب؛ إذ (¬2) ليس فيه وزنُ الفعل المعتبرُ عندهم، ولو قيل: بأنه (¬3) على وزن دحرجَ؛ للزم منعُ صرفِ جَعْفَرٍ، وهو باطل بالإجماع. * * * باب: قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} [الحج: 27، 28] (باب: قول الله - عز وجل -: {يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ} [لحج: 27 - 28]: قال ابن المنير: أراد بهذه الترجمة: التنبيهَ على أن الحج من شعائره الراحلة تقريبًا؛ لقول من شرط في الاستطاعة "الزادَ (¬4) والراحلةَ". فكأنه لما خشي أن يُضَجِّعَ أحدٌ في اعتبار الراحلة، ويحتجَّ بقوله تعالى: {يَأْتُوكَ رِجَالًا} [الحج: 27] بيَّنَ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما حجَّ على راحلته. قلت: التضجيع في اعتبار الراحلة شرطًا (¬5) في الاستطاعة متوجِّهٌ، وليس في حجه -عليه السلام- على الراحلة ما يقتضي شرطيتَها في الاستطاعة أصلًا، والآية ظاهرة لمن (¬6) لم يشترط الراحلة. ¬

_ (¬1) في "ن": "ما سبق". (¬2) في "ج": "أو". (¬3) في "ن": "أنه". (¬4) في "ن": "في الزاد". (¬5) في "ع": "شرط". (¬6) في "ن": "من".

باب: الحج على الرحل

قال ابن المنير: ثم ساق حديث عائشة - أيضًا - في الترجمة التي بعدها، وأراد أيضًا أن يَردَّ على من زعم أن الحج ماشيًا أفضل؛ لأن الله تعالى قدَّمَ الرجالَ على (¬1) الركبان، فبين أنه لو كان أفضل، لفعله النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما فعله -عليه السلام- قاصدًا لذلك، ولهذا لم يُحْرِم حتى استوتْ به راحلتُه. * * * باب: الحجِّ على الرَّحْلِ 894 - (1516) - وَقَالَ أَبَانُ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ مَعَهَا أَخَاهَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَأَعْمَرَهَا مِنَ التَّنْعِيم، وَحَمَلَهَا عَلَى قتبٍ. وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: شُدُّوا الرِّحَالَ فِي الْحَجِّ؛ فَإِنَّهُ أَحَدُ الْجِهَاديْنِ. (وقال أبان): قال القرافي: المحدثون والنحاة على عدم صرفه، قال: ونقله ابنُ يعيشَ في "شرح المفصل" عن الجمهور، وقال: إنه بناء على أن وزنه أفعل، وأصله أَبْيَنُ، صيغة مبالغة في البيان الذي هو الظهور، فيقول: هذا أبينُ من هذا؛ أي (¬2): أظهرُ (¬3) منه وأوضحُ، فلوحظ أصلُه مع العلمية التي فيه، فلم يُصرف، هكذا في "شرح المنهاج الأصلي" للسبكي في فصل الخصوص (¬4). ¬

_ (¬1) "على" ليست في "ع". (¬2)) "أي" ليست في "ج". (¬3) في "ج": "يظهر". (¬4) انظر: "الإبهاج في شرح المنهاج" (2/ 173).

قلت: وقد مر لنا نقلُ الخلاف في صرفِه ومنعِه في آخر (¬1) كتاب: الإيمان. وصرح ابن مالك في "التوضيح" بأنه منقول من أبانَ ماضي يُبين، ولو لم يكن منقولًا؛ لوجب أن يقال فيه: أَبْيَنُ، بالتصحيح (¬2). وهو كلام متجه يتقرر به الردُّ على ما نقله القرافي، وأقره عليه السبكيُّ من كونه أفعل تفضيل، فتأمله. (فأعمرَها (¬3)): أي: حملها إلى (¬4) العمرة فاعتمرت، يقال: اعتمرتُ أنا، وأَعْمَرْتُ غيري. (على قَتَب (¬5)): هو خشبُ الرَّحل (¬6)، قيل: القتبُ للجمل بمنزلة الإكاف للحمار. (شُدُّوا الرحال): جمع رَحْل، وهو للبعير كالسَّرْج للفرس. (فإنه أحدُ الجهادين): إما على جهة التغليب، أو الحقيقة (¬7). * * * 895 - (1517) - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ، ¬

_ (¬1) في "ن" و"ج": "أواخر". (¬2) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 156). (¬3) في "ن" زيادة: "على قتب". (¬4) "قتب" ليس في "ج". (¬5) في "ن" زيادة: "فأعمرها بمؤخر الرحل". (¬6) "هو خشب الرحل" ليست في "ن". (¬7) انظر: "التنقيح" (1/ 370).

حَدَّثَنَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنسٍ، قَالَ: حَجَّ أَنسٌ عَلَى رَحْلٍ، وَلَمْ يَكُنْ شَحِيحًا، وَحَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَجَّ عَلَى رَحْلٍ، وَكَانَتْ زَامِلَتَهُ. (ولم يكن شحيحًا): أي: لم يُؤْثِرِ الرحلَ على المحمَل لشُحٍّ، بل فعلَ ذلك لطلبِ الأجر والاقتداء، ولما روي: حَجُّ الأَبْرَارِ عَلَى الرِّحَالِ (¬1). (وكانت زاملَتَه): أي: حاملَتَه وحاملةَ متاعِه، والزاملةُ: بعيرٌ (¬2) يستظهر به (¬3) لحمل (¬4) المتاع. وفيه: تركُ الترفُّه حيث جعل متاعَه تحته، وركبَ فوقه. * * * 896 - (1518) - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا أَيْمَنُ بْنُ نَابِلٍ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! اعْتَمَرْتُمْ وَلَمْ أَعْتَمِرْ. فَقَالَ: "يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ! اذْهَبْ بِأُخْتِكَ فَأَعْمِرْهَا مِنَ التَّنْعِيم". فَأَحْقَبَهَا عَلَى نَاقَةٍ، فَاعْتَمَرَتْ. (أيمن): بفتح الهمزة والميم، غير منصرف. (ابن نابل): بنون فألف فباء موحدة. (فأحقَبَها): أي: أردَفَها خلفَه على حقيبة الرحل. ¬

_ (¬1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (4/ 6) عن طاوس من قوله. (¬2)) "والزاملة بعير" ليست في "ن". (¬3) في "ع": "بها". (¬4) في "ج": "يحمل".

باب: فضل الحج المبرور

ويروى: "فأَعْقَبَها" - بالعين بدل الحاء -؛ أي: جعلَها خلفَه (¬1). * * * باب: فضلِ الحجِّ المبرورِ 897 - (1519) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "إِيمَان بِاللَّهِ وَرَسُولهِ". قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: "جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ". قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: "حَجٌّ مَبْرُورٌ". (حج مبرور): قيل: هو ما لا يخالطه شيء من المآثم، وقيل: المتقبَّل، وقيل: الذي لا رياء فيه ولا سمعة، وكلها متقاربة، ومبرور: اسمُ مفعول من قولهم: برَّ الله حجتَك (¬2)، فهو متعدٍّ بنفسه (¬3)، ويبنى للمفعول، فيقال: بُرَّ حَجُّك، فهو مبرور (¬4). * * * 898 - (1520) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، أَخْبَرَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبي عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 371). (¬2) في "ن" و"ج": "حجك". (¬3) في "ن": "لنفسه". (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 371).

- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ، أفلاَ نُجَاهِدُ؟ قَالَ: "لَا، لَكُنَّ أَفْضَلُ الْجهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ". (نُرى الجهاد): بضم النون، ويروى بفتحها. (قال: لكُنَّ أفضلُ الجهادِ حجٌّ مبرور): لَكُنَّ - بضم الكاف وتشديد النون - واللام حرف جر دخل على ضمير المخاطبات، هذه (¬1) رواية أبي ذر. قال (¬2) الزركشي: والوجهُ حينئذٍ: رفعُ "أفضلُ" على أنه مبتدأ خبره "حج مبرور" (¬3). قلت: ما صنعه الزركشي ها (¬4) هنا من الطراز الأول، وكأنه ظن أن (¬5) "لَكُنَّ" ظرفُ لغو متعلق بأفضل؛ أي: أفضلُ الجهادِ لَكُنَّ (¬6) حج مبرور، [والضمير المحذوف عائد إلى أفضل الجهاد، ومبرور صفة لحج على كل تقدير. ويروى: "لَكِنْ" - بإسكان النونْ -، فأفضلُ مرفوع على أنه مبتدأ خبرُه حجٌّ مبرور] (¬7)، و (¬8) المانع من ذلك قائم، فالصواب: أن الخبر قوله: لكن، ¬

_ (¬1) في "ج": "من هذه". (¬2) في "ج": "وقال". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 371). (¬4) "ها" ليست في "ن" و "ج". (¬5) "أن" ليست في "ج". (¬6) في "ج": "ولكن". (¬7) ما بين معكوفتين سقط من "ن" و"ج". (¬8) " و" ليست في "ع".

وأما حج مبرور، فهو خبر (¬1) مبتدأ محذوف؛ أي: هو حج مبرور، ويروى بتشديد نون "لَكِنَّ" وكسر الكاف، فأفضل منصوبٌ على أنه اسمها. قال المهلب: وهذا بَيَّنَ أن قولَه تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب: 33] ليس على الفرض لملازمة البيوت كما زعمَ من أرادَ تنقُّصَ عائشة -رضي الله عنها - في خروجها إلى العراق (¬2) للإصلاح بين المسلمين. * * * 899 - (1521) - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا سَيَّارٌ أَبُو الْحَكَمِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ حَجَّ لِلَّهِ، فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ". (سيار): بسين مهملة مفتوحة فمثناة (¬3) من تحت مشددة. (فلم يرفثْ): بفتح الفاء وضمها؛ لأنه يقال: رَفَثَ، بكسر الفاء وفتحها. قال (¬4) الأزهري: الرَّفَثُ: كلمةٌ جامعة لكل ما يريده (¬5) الرجلُ من المرأة (¬6). ¬

_ (¬1) في "ن": "وأما حج، فبدل، أو خبر"، وفي "ج": "أو خبر". (¬2) في "ج": "العروق". (¬3) في "ن": "ومثناة". (¬4) في "ج": "فقال". (¬5) في "ج": "يريد". (¬6) انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري (15/ 58)، (مادة: رفث). وانظر: "التنقيح" (1/ 372).

باب: فرض مواقيت الحج والعمرة

(كيومَ ولدته أمه): بجر اليوم على الإعراب، وفتحه على البناء، وهو المختارُ في مثله؛ لأن صدرَ الجملة (¬1) المضافِ إليها مبني؛ أي: رجع مماثلًا لحالهِ (¬2) يومَ ولدته أمه، يريد: أنه رجع (¬3) بلا ذنب، وهذا يقتضي أنه يكفرُ الصغائرَ والكبائر (¬4). * * * باب: فرضِ مواقيتِ الحجِّ والعمرةِ 900 - (1522) - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي زيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَنَّهُ أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رَضِيَ الله عَنْهُما - فِي مَنْزِلهِ، وَلَهُ فُسْطَاطٌ وَسُرَادِقٌ، فَسَألْتُهُ: مِنْ أَيْنَ يَجُوزُ أَنْ أَعْتَمِرَ؟ قَالَ: فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَهْلِ نجدٍ قَرْنًا، وَلأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلأَهْلِ الشَّأْمِ الْجُحْفَةَ. (فرضَها): أي: وَقَتَها وبَيَّنَها، وتوقيتُها متفقٌ عليه لأرباب هذه الأماكن، وأما إيجاب الدم بمجاوزتها (¬5) عندَ الجمهور، فمن غير هذا الحديث. (لأهل نجد قَرْنًا): بسكون الراء، وغُلِّط الجوهري (¬6) في فتحها؛ كما غُلِّط في (¬7) قوله: إن أويسًا القَرنيَّ منسوب إليها (¬8)، وإنما هو منسوبٌ إلى ¬

_ (¬1) في "ج": "جملة". (¬2) في "ج": "كحاله". (¬3) في "ن": "يرجع". (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 372). (¬5) في "ن": "لمجاوزتها". (¬6) في "ن" و"ج": "وغلط بعض الناس الجوهري". (¬7) في "ج": "بعض في". (¬8) أنظر: "الصحاح" (6/ 2181)، (مادة: قرن).

باب: قول الله تعالى: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} [البقرة: 197]

قَرَن -بفتح القاف والراء- بطنٍ من مُراد، كما بين في الحديث الذي (¬1) فيه طلبُ عمرَ له. وقال القابسي: من سَكَّن الراء (¬2)، أراد: الجبل، ومن فتحها (¬3)، أراد الطريق الذي يقرب منه (¬4) (¬5). (ذا الحُلَيفة): - بضم الحاء المهملة وفتح اللام، مصغر (¬6) -، وهو أبعدُ المواقيت من مكة، وهو (¬7) على عشر مراحل منها، أو تسعٍ. (الجحفة (¬8)): -بضم الجيم وسكون الحاء -، قيل: سميت بذلك؛ لأن السيل اجْتَحَفَها في بعض الزمان، وهي على ثلاث مراحل من مكة. * * * باب: قول الله تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: 197] 901 - (1523) - حَدَّثَنَا يَحْيىَ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، ¬

_ (¬1) في "ع": "للذي". (¬2) "الراء" ليست في "ن". (¬3) في "ن " و"ج": "فتح". (¬4) في "ع ": "بقرن". (¬5) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 199). وانظر: "التنقيح" (1/ 372). (¬6) في "ن": "مصغرًا". (¬7) في "ن": "وهي". (¬8) في "ع": "للجحفة".

قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْيَمَنِ يَحُجُّونَ وَلاَ يَتَزَوَّدُونَ، وَيَقُولُونَ: نَحْنُ الْمُتَوَكِّلُونَ، فَإِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ، سَأَلُوا النَّاسَ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: 197]. رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، مُرْسَلًا. (شبابة): بشين معجمة مفتوحة فباء موحدة مخففة. (كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون، ويقولون: نحن المتوكِّلون، فإذا قدموا مكة): ويروى: "بالمدينة". (فأنزل الله: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: 197]: سأل ابن المنير عن كيفية انطباق الآية على السبب الذي نزلت من أجله، والقومُ قد تركوا الزادَ بالأصالة، ولم يختاروا زادًا غيرَ التقوى؛ كالطعام والشراب؟ وأجاب: بأنهم قدَّروا (¬1) أنفسهم متزودين بالتوكل (¬2) على الله بترك استصحاب (¬3) الزاد، فقيل لهم: إذا أردتم (¬4)، تزودوا بالأعمال (¬5)، فخيرُها (¬6) التقوى، والخوفُ على قلوب (¬7) عباد الله من الأذى، فبهذا تنطبق الآية على السبب. ¬

_ (¬1) في "ع": "قد أروا". (¬2) في "ن" و"ج": " التوكل". (¬3) في "ج": "الاستصحاب". (¬4) في "ج": "ازددتم". (¬5) في "ن": "تزود الأعمال"، وفي "ج": "تزودوا لأعمال". (¬6) في "ج": "فخيرتها". (¬7) "قلوب" ليست في "ج".

باب: مهل أهل مكة للحج والعمرة

باب: مُهَلِّ أَهْلِ مَكَّةَ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ (باب: مُهَلِّ أهلِ المدينة (¬1)): المُهَلُّ: -بضم الميم-: موضعُ الإهلال؛ مُفْعَلٌ من أَهَل يُهِلُّ، وكذا هو فيما بعدَه. قال أبو البقاء: وهو مصدرٌ بمعنى الإهلال؛ كالمُدْخَل والمُخْرَج؛ بمعنى الإدخال والإخراج (¬2). قلت: لكنَّ جعلَه هنا مصدرًا يحتاج إلى حذف، أو (¬3) تأويل، ولا داعي إليه. 902 - (1524) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَّتَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلأَهْلِ الشَّأْمِ الْجُحْفَةَ، وَلأَهْلِ نجدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ، مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ، فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ. (يَلَمْلَم): بفتح الياء واللام وسكون الميم بعدها، ويقال فيه: "أَلَمْلَم"، بهمزة بدل الياء، وهو على مرحلتين من مكة. (هنَّ لهنَّ ولمن أتى عليهنَّ من غيرهنَّ): الضمير الأول والثالث والرابع كلٌّ منها عائد على المواقيت، وأما الثاني، وهو المجرور باللام من قوله: ¬

_ (¬1) كذا وقع في جميع النسخ: "المدينةِ"، وصوابه "مكة" كما ذكر في عنوان الباب. (¬2) انظر: "إعراب الحديث" للعكبري (ص: 119). وانظر: "التنقيح" (1/ 373). (¬3) في "ن": "و".

باب: مهل أهل نجد

"لهن"، فكان مقتضى الظاهر أن يكون هاء وميمًا؛ لأن المراد: أهلُ المواقيت. وأجاب ابن مالك: بأن الأصل ذلك، ولكن عدل عن ضمير المذكَّرين (¬1) إلى ضمير المؤنثات؛ لقصد التشاكل (¬2). وأجاب غيره: بأنه على حذف مضاف؛ أي: هن لأهلهن؛ أي: هذه المواقيت لأهل هذه البلدان؛ بدليل قوله في حديث آخر يأتي: "هُن لَهُنَّ وَلمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ من غَيْرِ أَهْلِهِنَّ" (¬3)، فصرح بالأهل ثانيًا. (حتى أهلُ مكةَ من مكةَ): "حتى" هذه ابتدائية، و"أهل مكة" مبتدأ، والخبرُ محذوف؛ أي: يُهِلُّون من مكة، والجملة لا محل لها من الإعراب. * * * باب: مُهَلِّ أهلِ نجدٍ 903 - (1528) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِم بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبيهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مُهَلُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ذُو الْحُلَيْفَةِ، وَمُهَلُّ أَهْلِ الشَّأْمِ مَهْيَعَةُ - وَهِيَ الْجُحْفَةُ -، وَأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنٌ". قَالَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: زَعَمُوا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ، وَلَمْ أَسْمَعْهُ: "وَمُهَلُّ أَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ". ¬

_ (¬1) في "ج": "المذكورين". (¬2) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 73). (¬3) رواه البخاري (1529)، ومسلم (1181).

باب: ذات عرق لأهل العراق

(مَهْيَعَةٌ، وهي الجحفةُ): قيدها أكثرهم بفتح الميم وسكون الهاء وفتح الياء، وقيدها بعضهم بفتح الميم وكسر الهاء وسكون الياء؛ فَعِيلَة؛ كجميلة (¬1). * * * باب: ذاتُ عرقٍ لأهل العراقِ 904 - (1531) - حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَ: لَمَّا فُتِحَ هَذَانِ الْمِصْرَانِ، أَتَوْا عُمَرَ، فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدَّ لأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا، وَهُوَ جَوْزٌ عَنْ طَرِيقِنَا، وَإِنَّا إِنْ أَرَدْنَا قَرْنًا، شَقَّ عَلَيْنَا. قَالَ: فَانْظُرُوا حَذْوَهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ. فَحَدَّ لَهُمْ ذَاتَ عِرْقٍ. (لما فُتِحَ هذان المصران، أتوا عمرَ): يروى بالبناء للمفعول، و"هذان (¬2) " نائب عن الفاعل، و"المصران (¬3) " صفة له، والمراد بهما: البصرة والكوفة، ويروى: "فَتَحَ" بالبناء للفاعل، و"هذين المصرين" بالنصب. واختلف في تخريجه، فقال القاضي: فاعلُ فَتَحَ ضمير يعود إلى (¬4) الله تعالى (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 394). وانظر: "التنقيح" (1/ 373). (¬2) في "ع": "وهذا". (¬3) في "ع": "والصواب". (¬4) في "ن" و"ج": "على". (¬5) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 356).

وقد قال (¬1) ابن مالك: تنازعَ "فتحَ" و"أَتوا"، فأُعمل الثاني، وأُسند الأول إلى ضمير عمر (¬2). (وهو جَوْرٌ عن طريقنا): أي: مائلٌ عنه، وليس على جادَّتِه. (فانظروا حَذْوَها): - بذال معجمة -؛ أي: ما يُحاذيها. (فحدّ لهم ذاتَ عرق): قال ابن المنير: فيه أصلان من أصول الفقه: أحدهما: تسويغ القياس في الحدود؛ خلافًا لمن أنكر ذلك. قلت: ليس هذا في شيء من الحدود المختلَف في إثبات القياس فيها، فتأمله. قال: الأصل الثاني: اعتبارُ الأشباه (¬3) الخلقية؛ فإن نسبة (¬4) الميقات إلى ميقات آخر بقياس المسافة لا يلوح فيه معنًى إلا الشبهُ الصوريُّ، وإنما الإشكال في أن (¬5) المواقيت بالنسبة إلى مكة مختلفة، فإذا حددنا مكانًا بالقياس، فهل نلحقه بالأبعد، أو بالأقرب؟ لابد من شبه (¬6) أخصَّ بذلك، وكان عمر -رضي الله عنه - ألحقه بما يليه من المواقيت المنصوصة. * * * ¬

_ (¬1) في "ن" و"ج": "وقال". (¬2) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 119). وانظر: "التنقيح" (3/ 373). (¬3) في "ج": "الإشارة". (¬4) في "خ": "تشبه". (¬5) "أن" "ليست في "ن". (¬6) في "ج": "من تنبيه".

باب: خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - على طريق الشجرة

باب: خروج النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - على طريقِ الشَّجرةِ 905 - (1533) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَخْرُجُ مِنْ طَرِيقِ الشَّجَرَةِ، وَيَدْخُلُ مِنْ طَرِيقِ الْمُعَرَّسِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا خَرَجَ إلَى مَكَّةَ، يُصَلِّي فِي مَسْجدِ الشَّجَرَةِ، وَإِذَا رَجَعَ، صَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ بِبَطْنِ الْوَادِي، وَبَاتَ حَتَّى يُصْبحَ. (من طريق المُعَرَّس): - بميم مضمومة فعين مهملة مفتوحة فراء مفتوحة (¬1) مشددة فسين مهملة (¬2) -: على ستة أميال من المدينة، وهو أقربُ إلى المدينة من الشجرة (¬3). * * * باب: قول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "العقيقُ وادٍ مُبارَك" 906 - (1534) - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَليدُ، وَبِشْرُ بْنُ بَكْرٍ التِّنِّيسِيُّ، قَالاَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنِي كرمَةُ: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - يَقُولُ: إِنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِوَادِي الْعَقِيقِ يَقُولُ: "أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي، فَقَالَ: صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ، وَقُلْ: عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ". ¬

_ (¬1) "فراء مفتوحة" ليست في "ج". (¬2) "فسين مهملة" ليست في "ع". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 374).

(وقل عمرة في حجة): قال الخطابي: "في" بمعنى "مع"، فيكون القِران أفضلَ، وهو مذهب الكوفيين (¬1). ويحتمل أنه (¬2) يريد عمرة مندرجةً (¬3) في حجة؛ أي: عملُ العمرة مندرجٌ (¬4) في عمل الحج، يجزئ لهما طوافٌ واحدٌ وسعيٌ. ويحتمل أن يريد الإحرامَ بها إذا فرغ من حجه؛ أي: إذا حججت، فقل: لبيكَ بعمرةٍ، وتكون في حجتك التي تحجُّ فيها، ويؤيده رواية البخاري في كتاب: الاعتصام: "وَقُلْ عُمْرَة وَحَجَّة" (¬5)، ففصل بينهما بالواو، هكذا (¬6) قيل (¬7). قال الزركشي: والوجهُ: الرفعُ؛ يعني: رفعَ "عمرةٌ"، قال: ويجوز النصب على حكاية (¬8) اللفظ؛ أي: قل (¬9) جعلتُها عمرةً (¬10). قلت: إذا كان هذا هو (¬11) التقدير، فعمرةً منصوب بـ: جعلَ، والكلامُ بأسره محكيٌّ بالقول، لا شيء من أجزائه من حيث هو جزء، ولعله يشير ¬

_ (¬1) انظر: "أعلام الحديث" (2/ 838). وانظر: "التوضيح" (11/ 83). (¬2) في "ن" و "ج": "أن". (¬3) في "ج": "مدرجة". (¬4) في "ج": " مندرجة". (¬5) رواه البخاري (7343). (¬6) في "ع": "وهكذا". (¬7) انظر: "التوضيح" (11/ 83). (¬8) في "ن": "مكانة". (¬9) في "ع": "قد". (¬10) انظر: "التنقيح" (1/ 374). (¬11) "هو" ليست في "ج".

باب: غسل الخلوق ثلاث مرات من الثياب

إلى أن فعلَ القول قد يعمل في المفرد الذي يراد به مجردُ اللفظ، وهاهنا ليسَ المرادُ هذا، وإنما المراد: اجعلْها عمرةً؛ كما (¬1) اعترف به، فالحكاية متسلطة على مجموع الجملة كما قررناه. * * * 907 - (1535) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُوسىَ بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبدِ اللَّهِ، عَنْ أَبيهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّه رُئيَ وَهُوَ فِي مُعَرَّسٍ بِذِي الْحُلَيْفَةِ بِبَطْنِ الْوَادِي، قِيلَ لَهُ: إِنَّكَ بِبَطْحَاءَ مُبَاركَةٍ. وَقَدْ أَنَاخَ بِنَا سالِمٌ، يَتَوَخَّى بِالْمُنَاخ الَّذِي كَانَ عَبْد اللهِ يُنِيخُ، يَتَحَرَّى مُعَرَّسَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَهُوَ أَسْفَلُ مِنَ الْمَسْجدِ الَّذِي بِبَطْنِ الْوَادِي، بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ، وَسَطٌ مِنْ ذَلِكَ. (يتوخَّى): أي: يقصِد. (المُناخ): - بضم الميم -: الموضع الذي يُنيخ فيه ناقتَه. (وسَط من ذلك): - بفتح السين -؛ أي: متوسِّط بين بطن الوادي وبين الطريق (¬2). * * * باب: غَسْلِ الْخَلُوقِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِنَ الثِّيَابِ (الخَلوق): - بفتح الخاء المعجمة - طيبٌ يُخلط بالزعفران، قاله القاضي (¬3). ¬

_ (¬1) في "ن": "لما". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 374). (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 238).

908 - (1536) - قَال أَبُو عَاصِمِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ: أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ يَعْلَى أَخْبَرَهُ: أَنَّ يَعْلَى قَالَ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَرِني النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ يُوحَى إِلَيْهِ. قَالَ: فَبَيْنَمَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْجعْرَانَةِ، وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ، وَهْوَ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ؟ فَسَكَتَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَاعَةً، فَجَاءَهُ الْوَحْيُ، فَأَشَارَ عُمَرُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - إِلَى يَعْلَى، فَجَاءَ يَعْلَى، وَعَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَوْبٌ قَدْ أُظِلَّ بِهِ، فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - محْمَرُّ الْوَجْهِ، وَهُوَ يَغِطُّ، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، فَقَالَ: "أَيْنَ الَّذِي سَأَلَ عَنِ الْعُمْرَةِ؟ " فَأُتِيَ بِرَجُلٍ، فَقَالَ: "اغْسِلِ الطِّيبَ الَّذِي بِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَانْزِعْ عَنْكَ الْجُبَّةَ، وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كمَا تَصْنعُ فِي حَجَّتِكَ". قُلْتُ لِعَطَاءِ: أَرَادَ الإنْقَاءَ حِينَ أَمَرَهُ أَنْ يَغْسِلَ ثَلاَثَ مَرَاتٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. (بالجِعْرانة): بكسر الجيم وإسكان العين وتخفيف الراء، هكذا ضبطه جماعة من اللغويين ومحققي المحدثين، ومنهم من يكسر العين ويشدد الراء، وعليه أكثر المحدثين. قال صاحب "المطالع": أصحاب (¬1) الحديث يشددونها، وأهل الأدب يغلطونهم (¬2)، ويخففونها، وكلاهما صواب (¬3). (وهو متضمِّخٌ بطيب): أي: متلطِّخ به. (قد أُظِلَّ به): - بهمزة مضمومة وظاء معجمة مكسورة على البناء ¬

_ (¬1) في "ج": "أكثر أصحاب". (¬2) في "ن" و"ج": "يخطئوهم". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 375).

للمفعول -، والنائب عن الفاعل ضمير يعود على النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ أي: جُعل الثوبُ له كالظُّلَّة يستظلُّ به. (وهو يغِطُّ): - بغين معجمة مكسورة وطاء مهملة مشددة - من الغطيط؛ كغطيط النائم. (ثم سُرِّي عنه): - بسين مهملة مضمومة وراء مشددة -؛ أي: كُشف عنه شيئًا بعد شيء. وروي بتخفيف الراء؛ أي (¬1): كُشف عنه ما يتغشاه من ثقل الوحي؛ يقال: سَرَرْتُ الثوبَ، وسَرَيْتُهُ: نَزَعْتُهُ (¬2). (فقال: اغسلِ الطيبَ الذي بك ثلاثَ مرات): الظاهر أن العامل في ثلاث مرات أقربُ الفعلين (¬3) إليه، وهو اغسلْ، وعليه: فيكون قوله: ثلاثَ مرات من جملة مقولِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو نص في تكرار الغسل. ويحتمل أن يكون العاملُ فيه "قال"؛ أي: قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثَ مراتٍ: "اغسل الطِّيبَ"، فلا يكون فيه تنصيصٌ على أمره بثلاث غسلات؛ إذ ليس في قوله: "اغسل الطيب (¬4) " تصريح بالغسلات الثلاث؛ لاحتمال كونِ (¬5) المأمور به غسلةَ واحدة، لكنه آكدُ في شأنها. وعلى الأولى فهمَه ابن المنير؛ فإنه قال: في الحديث ما يدل على أن ¬

_ (¬1) "أي" ليست في "ع". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 375). (¬3) في "ن": "المفعولين". (¬4) "اغسل الطيب" مكررة في "ن". (¬5) في "ج": "أن كون".

المعتبر في هذا الباب ذهابُ الجِزمِ الظاهر، لا الأثرِ بالكلية؛ لأن الصِّباغ لا يزول لونهُ ولا رائحتهُ بالكلية بغسله (¬1) ثلاث (¬2) مرات، فعلى هذا مَنْ غسل الدمَ من ثوبه لم يضرَّه بقاءُ طبعه. قلت: لو كان في الحديث ما يدل على أن الخَلُوق كان (¬3) في الثوب، أمكنَ ما قاله، ولكن ظاهره: أن الخلوقَ في بدنه (¬4)، [لا في ثيابه؛ لقوله: وهو متضمِّخٌ بطيب، وإن كان الخلوقُ فى البدن] (¬5)، أمكن أن تزول رائحته ولونه (¬6) بالكلية بغسله ثلاث مرات؛ لأن عُلوق الطيبِ بالبدن أخفُّ من عُلوقه بالثوب، وانطباعَه في البدن أقلُّ من انطباعه (¬7) في الثوب (¬8)، هذا مما (¬9) لا ينكر، وهو مدرَك بالمشاهدة. (واصنع في عُمرتك كما تصنع في حَجِّك): ويروى: "في (¬10) حَجتك" بالتاء، وقد جاء هذا اللفظ هكذا في أكثر الروايات غيرَ مبين. قال الزركشي: وقد تخبط فيه كثيرون، والذي يوضحه رواية أنه (¬11) - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) "بغسله" ليست في "ن" و "ج". (¬2) في "ن"و "ج": "بثلاث". (¬3) "كان" ليست في "ع". (¬4) في "ن": "البدن". (¬5) ما بين معكوفتين سقط من "ن". (¬6) في "ن": "لونه ورائحته"، وفي "ج": "ولو أنه". (¬7) في "ج": "في البدن وانطباعه". (¬8) في "ن": "أقل من انطباعه بالثوب، وانطباعه في البدن أقل من انطباعه بالثوب". (¬9) في "ن": "ما". (¬10) "في" ليست في "ج". (¬11) في "ج": "أنه النبي".

قال (¬1) له: "ما كُنْتَ صَانِعًا في حَجِّكَ؟ "، فقال (¬2): أنزعُ عني هذهِ الثيابَ، وأغسلُ عني هَذا (¬3) الخلوقَ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما كُنْتَ صَانِعًا في حَجِّكَ فَاصْنَعْهُ فِي عُمْرَتِكَ" (¬4). وهذا سياق حسنٌ حاصله: أن الرجل كان يعرفُ أن المحرِمَ بالحج يجتنبُ الطيبَ والمخيط (¬5)، وظن أن حكم المعتمر يخالفه، ففعل، ثم ارتاب، فسأل (¬6)، فأجيب بذلك (¬7). (قلت لعطاء: أرادَ الإنقاءَ حين أمره أن يغسل ثلاث مرات؟ قال: نعم): هذا مما يؤيد الاحتمالَ الأول، وهو أن ثلاثَ (¬8) مراتٍ معمولٌ لـ: اغسل، وأنه من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأما تبويبُ البخاري عليه بقوله: "باب: غسل الخلوق ثلاثَ مراتٍ من الثياب"، فقال الإسماعيلي: ليس في الخبر أن الخلوق كان على الثوب، وإنما الرجلُ متضمِّخ (¬9) بطيب، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "اغسلِ الطيبَ الذي بكَ ثلاثَ ¬

_ (¬1) في "ج": "قالت". (¬2) في "ن": "قال". (¬3) في "ج": "هذه". (¬4) رواه مسلم (1180). (¬5) "والمخيط" ليست في "ع". (¬6) في "ع": "فسأله". (¬7) انظر: (التنقيح" (1/ 376). (¬8) في "ج": "أن تكون ثلاث". (¬9) في "ج": "كان من الثوب أنه متضمخ".

باب: الطيب عند الإحرام، وما يلبس إذا أراد أن يحرم، ويترجل ويدهن

مرات" (¬1) يبين أن الطيبَ لم يكن في ثوبه، وإنما كان على بدنه، ولو كان على الجبة؛ لكان في نزعها كفايةٌ من جهة الإحرام (¬2). قلت: يريد: وقد جمع - عليه الصلاة والسلام - بين الأمرين، فأمره بغسل الطيب، ونزعِ الجبة؛ كما هو مصرَّحٌ به في الحديث. * * * باب: الطِّيبِ عِنْدَ الإحْرَامِ، وَمَا يَلْبسُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ، وَيَتَرَجَّلَ وَيَدَّهِنَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُما -: يَشَمُّ الْمُحْرِمُ الرَّيحَانَ، وَيَنْظُرُ فِي الْمِرْآةِ، وَيَتَدَاوَى بمَا يأْكُلُ الزَّيْتَ وَالسَّمْنَ. وَقَالَ عَطَاءٌ: يَتَخَتَّمُ، وَيَلْبَسُ الْهِمْيَانَ. وَطَافَ ابْن عُمَرَ - رَضِيَ الله عَنْهُما - وَهُوَ مُحْرِمُ، وَقَدْ حَزَمَ عَلَى بَطْنِهِ بِثَوْبٍ. وَلَمْ تَرَ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللهُ عنْهَا - بِالتُّبَّانِ بَأْسًا لِلَّذِينَ يَرْحَلُونَ هَوْدَجَهَا. (باب: الطيبِ عند الإحرام). سأل ابن المنير عن وجه إتيانه بهذه الترجمة، ثم استشهاده بشَمِّ المحرمِ الريحانَ، وإنما يريد: في صلب الإحرام، وهو لو شمَّ المسك ونحوه من الطيب المؤنث (¬3) بعد الإحرام، افتدى إجماعًا، فكيف يقيس ما فيه الفدية على ما لا فدية فيه؟ ¬

_ (¬1) تقدم تخريجه. (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 376). (¬3) في "ع". "المؤثم".

وأجاب: بأنه أراد الردَّ على من منعَ الطيبَ عند الإحرام، [وعلل ذلك: بأن الرفاهية تحصل بعد الإحرام بآثاره، فأراد أن يبين أن مطلقَ الرفاهية لا يمنع؛ بدليل أن الطيب المذكَّر يحصل (¬1) للرفاهية، ومع ذلك، فلا يمنع] (¬2)، ولهذا ذكر الادهان بالزيت؛ لأنه رفاهية، فتنتقض (¬3) العلة المذكورة. (ويتداوى بما يأكل الزيت والسمن): قال الزركشي: المشهور فيهما (¬4) النصب. وعن ابن مالك: الجر، وصُحِّح (¬5) عليه، ووجهُه (¬6) البدلُ من "ما" الموصولة؛ فإنها مجرورة، وليس المعنى على النصب، فإن الذي يأكل هو الآكل لا المأكول، هذا كلامه (¬7) (¬8). قلت: لم لا يجوز على النصب أن يكون بدلًا من العائد إلى ما الموصولة؛ أي: بما يأكله (¬9) الزيتَ والسمنَ، والذي يأكله حينئذٍ هو المأكولُ لا الآكل. فإن قلت: يلزم عليه حذفُ المبدَل منه؟ ¬

_ (¬1) في "ن": "محصل". (¬2) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬3) في "ج": "فيفض". (¬4) في "ج": "فيها". (¬5) في "ع": "وصح". (¬6) في "ج": "وجهه". (¬7) "هذا كلامه" ليست في "ع". (¬8) انظر: "التنقيح" (1/ 376). (¬9) في "ج": "يأكل".

قلت: قد قيل به في قوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ} [النحل: 116]، فقال قوم: إن الكذب بدلٌ من مفعول تصفُ المحذوف؛ أي: لما تصفه، وقيل به - أيضًا - في قوله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ} [البقرة: 151] أي: كما أرسلناه (¬1)، ورسولًا بدل (¬2) من الضمير المحذوف. والزركشي -رحمه الله- ظن أن الزيت مفعولُ أكله (¬3)، فقال: إن الذي يأكل الزيتَ مثلًا عبارة عن الآكل لا المأكول، والمطلوب هو جواز التداوي بالمأكول، فلا يتأتَّى المعنى المراد. وقد استبان لك تأتِّيه بما قلناه، والله الموفق. (الهميان): شبيه (¬4) بتَكَّة (¬5) السراويل يُشَدُّ على الوسط (¬6). قال القزاز: وهو فارسي معرب (¬7). (بالتُّبَّان): - بضم المثناة من فوق (¬8) وتشديد (¬9) الباء الموحدة بعدها -: سروال قصير. ¬

_ (¬1) في "ج": "أي أرسلنا". (¬2) في "ن": "بدلًا". (¬3) في "ن" و"ج": "أكل". (¬4) في "ج": "تشبه". (¬5) في "ن" و"ج": "تكة". (¬6) انظر: "التنقيح" (1/ 376). (¬7) انظر: "التوضيح" (11/ 109). (¬8) "من فوق" ليست في "ج". (¬9) فى "ج": "بتشديد".

باب: ما لا يلبس المحرم من الثياب

(الذين يرحلون): بحاء مهملة مكسورة مشددة (¬1). * * * باب: ما لا يَلْبَسُ المحرمُ من الثيابِ 909 - (1542) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْن يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَلْبَسُ الْقُمُصَ، وَلاَ الْعَمَائِمَ، وَلاَ السَّرَاوِيلاَتِ، وَلاَ الْبَرَانِسَ، وَلاَ الْخِفَافَ، إِلاَّ أَحَدٌ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، وَلْتقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ، وَلاَ تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ أَوْ وَرْسٌ". (لا يلبس القميص (¬2)): نبَّه بالقميص والسراويل على كل مخيط، وبالعمائم والبرانس على كل ما يغطي الرأس، مخيطًا كان أو غيرَه، وبالخفاف على كلِّ ما يستر الرِّجْلَ مما يُلبس عليها. واللبس (¬3) هنا عند الفقهاء محمولٌ على اللبس المعتاد في كل شيء مما ذكر، فلو ارتدى بالقميص، لم يمنع منه؛ لأن اللبسَ المعتادَ في القميص غير (¬4) الارتداء. ¬

_ (¬1) قلت: ضبطه العيني في "عمدة القاري" (9/ 155) بفتح الياء وسكون الراء وفتح الحاء المهملة. (¬2) كذا في رواية أبي ذر الهروي عن المستملي، وفي رواية ابن عساكر: "القمص"، وهي المعتمدة في النص. (¬3) في "ج": "مما يلبس عليه أو اللبس". (¬4) في جميع النسخ عدا "ج": "عند" بدل "غير".

قال بعض العلماء: والسرُّ في تحريم المخيط وغيره مما ذكره (¬1) في هذا الباب (¬2)؛ مخالفةُ العادة، والخروجُ عن المألوف؛ لإشعار النفس بأمرين: أحدهما: الخروج عن الدنيا، والتذكر للبس الأكفان عند نزع (¬3) المخيط. و (¬4) الثاني: تنبيه النفس على التلبس بهذه العبادة العظيمة، والخروج (¬5) عن معتادها، وذلك موجب للإقبال عليها، والمحافظة على قوانينها، أركانها، وشروطها، وآدابها (¬6). (إلا أحدٌ لا يجد نعلين): قال ابن المنير: فيه ردٌّ على مَنْ زعم من النحاة أن "أحدًا" لا (¬7) يستعمل في الإثبات إلا في ضرورة الشعر؛ كقوله: وَقَدْ ظَهَرْتَ فَمَا تَخْفَى عَلَى أَحَدٍ. . . إِلاَّ عَلَى أكْمَهٍ لا يَعْرِفُ القَمَرَا قال: والذي يظهر لي أن "أحدًا" لا يستعمل في الإثبات، إلا أن يكون بعقب النفي، وكان الإثبات حينئذٍ في سياق النفي يشبه النفي (¬8)، [ونظير ¬

_ (¬1) في "ن" و"ج": "ذكروه". (¬2) في "ج" زيادة: "والله أعلم". (¬3) في "ج": "عند لبس". (¬4) " و" ليست في "ج". (¬5) في "ن" و"ج": "بالخروج". (¬6) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 11، 13). (¬7) في "ن": "هذا"، وفي "ج": "هذا لا". (¬8) "يشبه النفي" ليست في "ع".

باب: الركوب والارتداف في الحج

هذا زيادة الباء (¬1)؛ فإنها لا تكون إلا في النفي] (¬2)، ثم رأيناها زيدت في الإثبات الذي هو في (¬3) سياق النفي؛ كقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ} إلى قوله: {بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [الأحقاف: 33]. (مَسَّه زعفرانٌ): قال الزركشي: بالتنوين؛ لأنه ليس فيه إلا (¬4) الألف والنون فقط، وهي لا تمنع (¬5)، فلو سميتَ به (¬6)، امتنعَ صرفُه (¬7). قلت: هذا من الواضحات التي لا تحتاج إلى بيان. * * * باب: الرُّكوبِ والارتدافِ في الحجِّ 910 - (1543 و 1544) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ ابْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ يُونسَ الأَيْلِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنَّ أُسَامَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - كَانَ رِدْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ عَرَفَةَ إِلَى الْمُزْدَلفَةِ، ثُمَّ أَرْدَفَ الْفَضْلَ مِنَ الْمُزْدلِفَةِ إِلَى مِنًى. قَالَ: فَكِلاَهُمَا قَالَ: لَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُلَبِّي، حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ. ¬

_ (¬1) "الباء" ليست في "ن". (¬2) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬3) "في" ليست فى "ع". (¬4) "إلا" ليست في "ن" و"ج". (¬5) في "ج": "وهو لا يمنع". (¬6) في "ع": "فيه". (¬7) انظر: "التنقيح" (1/ 377).

باب: ما يلبس المحرم من الثياب والأردية والأزر

(أن أسامة كان رِدْف (¬1) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -): بكسر الراء من "رِدْفَ"، وسكون الدال؛ أي: رديفَه. قال ابن المنير: والظاهرُ أنه إنما أردفه؛ ليحدِّث عنه بما يتفق له (¬2) في ركوبه من التشريع (¬3) والعلم، ولهذا (¬4) اختار أحداث (¬5) الأسنان (¬6) كما يختارون لتسميع الأحاديث. * * * باب: مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ وَالأَرْدِيَةِ وَالأُزُرِ وَلَبِسَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - الثِّيَابَ الْمُعَصْفَرَةَ وَهْيَ مُحْرِمَةٌ، وَقَالَتْ: لَا تَلَثَّمْ، وَلاَ تتبَرْقَعْ، وَلاَ تَلْبَسْ ثَوْبًا بِوَرْسٍ وَلاَ زَعْفَرَانٍ. وَقَالَ جَابِرٌ: لَا أَرَى الْمُعَصْفَرَ طِيبًا. وَلَمْ تَرَ عَائِشَةُ بَأْسًا بِالْحُلِيِّ وَالثَّوْب الأَسْوَدِ وَالْمُوَرَّدِ وَالْخُفِّ لِلْمَرْأَةِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: لَا بَأْسَ أَنْ يُبدِلَ ثِيَابَهُ. (لا تَلْتَثِمْ): وروي: "لا تَلَثَّمْ" على أنه مضارع (¬7) تَلثَّمَ، وحُذفت (¬8) ¬

_ (¬1) في "ع": "ردفه". (¬2) "له" ليست في "ج". (¬3) في "ج": "من الشرائع". (¬4) في "ن": "ولقد". (¬5) في "ج": "الأحداث". (¬6) في "ع": "الإنسان". (¬7) "مضارع" ليست في "ج". (¬8) في "ج": "وحذف".

إحدى التاءين منه (¬1) مثل: {نَارًا تَلَظَّى} [الليل: 14]، وكلاهما من اللثام، وهو ما يغطي الشفةَ من الثوب (¬2). (ولا تتبرقع): وروي: "لا تَبَرْقَعْ" - بتاء واحدة - من البُرْقُع، وهو ما يغطَّى به الوجههُ (¬3). (لا بأس أن يُبْدِل ثيابه): - بضم حرف المضارعة وإسكان الباء الموحدة - مضارعُ أبدلَ. * * * 911 - (1545) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ: حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَ: انْطَلَقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْمَدِينَةِ، بَعْدَ مَا تَرَجَّلَ، وَادَّهَنَ، وَلَبِسَ إِزَارَهُ وَرِدَاءَهُ، هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَلَمْ يَنْهَ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الأَرْدِيَةِ وَالأُزْرِ تُلْبَسُ إِلاَّ الْمُزَعْفَرَةَ الَّتِي تَرْدَعُ عَلَى الْجِلْدِ، فَأَصْبَحَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، رَكبَ رَاحِلَتَهُ حَتَّى اسْتَوَى عَلَى الْبَيْدَاءِ، أَهَلَّ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَقَلَّدَ بَدَنَتَهُ، وَذَلِكَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، فَقَدِمَ مَكَّةَ لأَرْبَعِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ، وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلَمْ يَحِلَّ مِنْ أَجْلِ بُدْنِهِ؛ لأَنَّهُ قَلَّدَهَا، ثُمَّ نَزَلَ بِأَعْلَى مَكَّةَ عِنْدَ الْحَجُونِ، وَهْوَ مُهِلٌّ بِالْحَجِّ، وَلَمْ يَقْرَبِ الْكَعْبَةَ بَعْدَ طَوَافِهِ بِهَا حَتَّى رَجَعَ مِنْ عَرَفَةَ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ يُقَصِّرُوا مِنْ رُؤوسهِمْ، ¬

_ (¬1) "منه" ليست في "ع". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 377). (¬3) المرجع السابق، الموضع نفسه.

ثُمَّ يحِلُّوا، وَذَلِكَ لِمَن لَم يَكُنْ مَعَهُ بَدَنةٌ قَلَّدَهَا، وَمَنْ كَانَتْ مَعَهُ امْرَأتُهُ، فَهِيَ لَهُ حَلاَلٌ، وَالطِّيبُ وَالثِّيَابُ. (فلم ينهَ عن شيء من الأردية): جمع رداء. (والأزر): بضم الزاي وإسكانها. (إلا المزعفرةِ): - بالنصب على الاستثناء، والجرّ على حذف الجار -؛ أي: إلا عن المزعفرة. (التي تَردَع): - بفتح التاء والدال، وبضم التاء وكسر الدال -: أي (¬1): كَثُرَ فيها الزعفرانُ حتى تنفضه على مَنْ يلبسها. قال القاضي: وفتح التاء أوجَهُ، ومعنى الضم: أنها تبقي أثره على الجلد، والعين مهملة (¬2). وذكر ابن بطال فيه روايتين: بالعين المهملة، وبالغين المعجمة؛ من قولهم: أَرْدَغَتِ (¬3) الأرضُ: كَثُرَتْ رِداغُها (¬4)، وهي مناقعُ الماء (¬5). (على الجلد): قال الزركشي: قال أبو الفرج: كذا وقع في البخاري، [وصوابه: تردع الجلد؛ أي (¬6): تصبغه] (¬7) (¬8). ¬

_ (¬1) في "ع": "التي". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 287). (¬3) في "ع": "أدرغت". (¬4) في "ع": "دراغها". (¬5) انظر: "شرح ابن بطال" (4/ 219). (¬6) أي ليست في "ع". (¬7) ما بين معكوفتين سقط من "ن". (¬8) انظر: "التنقيح" (1/ 378).

قلت: في "الصحاح": يقال: رَدَعْتُه (¬1) بالشيء، فارتَدَعَ؛ أي: لَطَّخْتُه به، فتلَطَّخَ (¬2) (¬3). وإذا (¬4) كان كذلك: فيجوز أن يكون المراد في الحديث: التي تردعُ لابسهَا بأثرها، و"على الجلد" ظرف مستقر في محل نصب على الحال، وهو وجه حسنٌ لا يلزم من ارتكابه تخطئةُ الرواية، ويحتمل أن يكون "تردع" قد ضُمّنَ (¬5) معنى تَنْفُض؛ أي: تنفضُ (¬6) أثرَها على الجلد. (وذلك لخمس بقين من ذي القَعْدةَ): بفتح القاف وكسرها، وفيه حجة لأحد قولي اللغويين: إنه لا حاجة إلى الإتيان بحرف الشرط، فيقال: إن بقين، وذلك لأن الغالبَ تمامُ الشهر، فيُحمل عليه، وصاحبُ القول الآخر راعى احتمال النقص (¬7)، فاحتاط بالشرط (¬8). (ولم يَحِل): بفتح أوله وكسر ثانيه. (من أجل بُدُنه): - بضم الباء والدال -، ويقال فيه أيضًا: "بُدْنه (¬9) " - بإسكان الدال -: جمع بَدَنَة. ¬

_ (¬1) في "ع": "درعته". (¬2) في "ن" و"ج": "فالتطخ". (¬3) انظر: "الصحاح" (3/ 1218)، (مادة: ردع). (¬4) في "ج": "فإذا". (¬5) في "ج": "تضمن". (¬6) في "ن": "ينتفض". (¬7) في "ن": "البعض"، وفي "ع": "النقض". (¬8) انظر: "التنقيح" (1/ 378). (¬9) في "ن" و"ج": "بدن".

باب: من بات بذي الحليفة حتى أصبح، قاله ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -

(عند الحَجُون): - بحاء مهملة مفتوحة فجيم مضمومة -: هو (¬1) الجبل المشرِفُ على المحصَّبِ حذاءَ مسجدِ العقبة. قال الزبير: الحجونُ مقبرةُ أهل مكة، كذا في "المشارق" (¬2). (وأمر أصحابه أن يطَّوفوا): قيده بعضهم: بتشديد الطاء (¬3). * * * باب: مَنْ بَاتَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ حَتَّى أَصْبَحَ، قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (باب: من بات بذي الحليفة حتى يصبح (¬4)): قال ابن المنير: ترجم بذلك؛ ليدفع وهم من لعله يتوهم أن التأخير (¬5) بالميقات، والتراخي عن (¬6) الإحرام، وهو به (¬7)، يشبه (¬8) تعدِّيه بدون إحرام، فبين أن ذلك غيرُ لازم حتى ينفصلَ عنه، ولهذا أورد الترجمة بصيغة العموم؛ ليبين أن الناس في ذلك شرع سواء. ¬

_ (¬1) في "ج": "هي". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 221). (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 378). (¬4) كذا في رواية أبي ذر الهروي وابن عساكر، وفي اليونينية: "أصبح"، وهي المعتمدة في النص. (¬5) في "ن": "البائت". (¬6) في "ج": "عند". (¬7) "به" ليست في "ن"، "وهو به" ليست في "ج". (¬8) في "ج": "فيشبه".

باب: رفع الصوت بالإهلال

باب: رَفْعِ الصَوتِ بِالإِهْلاَلِ (باب: رفع الصوت بالإهلال): قال القاضي: الإهلال بالحج: [رفعُ الصوتِ بالتلبية. قلت: تأمل كيف يلتئم قولهُ: بالإهلال (¬1)] (¬2) مع قوله: رفع الصوت. ثم قال: واسْتَهَلَّ المولودُ: إذا (¬3) رفعَ صوتَه، وكلُّ شيء ارتفعَ صوتُه فقد استهلَّ، وبه سُمي الهلال؛ لأن الناس يرفعون أصواتهم بالإخبار عنه (¬4). واستبعد ابن المنير هذا الأخير (¬5) من وجهين: أحدهما: أن العرب ما كانت تعتني بالأهلة؛ لأنها لا تؤرخ بها، والهلال مسمًّى بذلك قبل العناية بالتأريخ بالهلال (¬6). الثاني: أن (¬7) جعل الإهلال (¬8) مأخوذاً (¬9) من الهلال (¬10) أولى؛ لقاعدة تصريفية، وهي أنه إذا تعارض الأمر في اللفظين أيهما (¬11) أُخذ من الآخر، ¬

_ (¬1) في "ع": قوله حينئذ بإهلال. (¬2) ما بين معكوفتين سقط من "ن". (¬3) "إذا" ليست في "ع". (¬4) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 269). (¬5) في "ج": "الأخيرين". (¬6) "بالهلال" ليست في "ج". (¬7) "أن" ليست في "ج". (¬8) في "ن": "الهلال". (¬9) في "ع": "مأخوذ". (¬10) في "ن": "الإهلال". (¬11) في "ج": "أنهما".

باب: التلبية

جعلنا الألفاظ المتناوِلَة للذوات أصلًا للألفاظ المتناولة للمعاني، والهلالُ ذاتٌ، فهو الأصلُ، والإهلال معنى يتعلق به، فهو الفرع. * * * باب: التَّلبيةِ 912 - (1549) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِع، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُما -: أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَبَّيكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ". (لبيك إنَّ الحمدَ والنعمة لك): روي بكسر "إن" وفتحها (¬1)، والكسر أجود؛ لأنه يقتضي أن تكون الإجابة مطلقة غيرَ معللة، فإنَّ الحمدَ والنعمة لله على كل حال، والفتح يدل على التعليل؛ كأنه يقول: أجبتُك لهذا السبب، والأولُ أعمُّ. وقوله: "والنعمةَ": الأشهر (¬2) فيه الفتح، ويجوز الرفع (¬3) على الابتداء، وخبرُ إن محذوف (¬4). * * * ¬

_ (¬1) في "ج ": "روي بفتح "أن" وكسرها". (¬2) في "ج": "والأشهر". (¬3) في "ن": "رفعه"، "الرفع" ليست في "ج". (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 379).

باب: التحميد والتسبيح والتكبير قبل الإهلال عند الركوب على الدابة

باب: التحْمِيدِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ قَبْلَ الإهْلاَلِ عِنْدَ الرُّكُوبِ عَلَى الدَّابَّةِ (باب: التحميد والتسبيح والتكبير قبل الإهلال): قصد به الرد على أبي حنيفة في قوله: إنَّ من سَبَّحَ أو كَبَّرَ أجزأه من إهلاله، فأثبت البخاري أن التحميد والتسبيح (¬1) من النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما كان قبل الإهلال (¬2). 913 - (1551) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَنحنُ مَعَهُ بِالْمَدِينَةِ الظُّهْرَ أَرْبَعًا، وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ ركْعَتَيْنِ، ثُمَّ بَاتَ بِهَا حَتَّى أَصْبَحَ، ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ، حَمِدَ اللهَ وَسَبَّحَ وَكَبَّرَ، ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهِمَا، فَلَمَّا قَدِمْنَا، أَمَرَ النَّاسَ فَحَلُّوا، حَتَّى كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ، أَهَلُّوا بِالْحَجِّ؛ قَالَ: وَنَحَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَدَنَاتٍ بِيَدِهِ قِيَامًا، وَذَبَحَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْمَدِينَةِ كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ. (ونحر النبي - صلى الله عليه وسلم - بدنات بيده): يعني: الهَدْي (¬3) بمكة. (وذبح بالمدينة كبشين أملحين): يعني: الأضحيةَ في عيد الأضحى. والأملحُ: الأبيضُ الذي يخالطه سواد. * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "أن التسبيح والتحميد". (¬2) المرجع السابق. (1/ 380). (¬3) في "ج": "أن الهدي".

باب: الإهلال مستقبل القبلة

باب: الإِهْلاَلِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ (باب: الإهلال مستقبلَ القبلة): بنصب "مستقبل" على الحال. قال الإسماعيلي: وليس في حديث فليح عن نافع استقبالُ القبلة (¬1). قال ابن المنير: ترجم علي استقبال القبلة، وذكره (¬2) في الترجمة عن ابن عمر (¬3)، فلما ذكر الحديث المسند عن ابن عمر، لم يذكر فيه إلا "استوت به (¬4) راحلته"، ولم يذكر الاستقبال، وسببه - والله أعلم -: أن الاستقبال لم ينص عليه مَنْ شرطَه (¬5)، فاقتصر (¬6) على ذكره في الترجمة، واكتفى من المسند بقوله: "استوت به راحلته"، وإنما تستوي به (¬7) عند الأخذ في السير مستقبلَ القبلة؛ لأن مكة أمامه، فهو مستقبل (¬8) القبلة ضرورةَ. هذا كلامه، وقد انطوى على الجواب عن اعتراض الإسماعيلي. 914 - (1553) - وَقَالَ أَبُو مَعْمَرٍ: حَدَّثنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - إِذَا صَلَّى بِالْغَدَاةِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَرُحِلَتْ، ثُمَّ ركِبَ، فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ، اسْتَقْبَلَ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 381). (¬2) في "ج": "وذكر". (¬3) في "ن" زيادة: "رضى الله عنهما". (¬4) "به" ليست فى "ن". (¬5) في "ج": "عليه على شرط"، وفي "ن": "عليه على شرطه". (¬6) في "ج": و "اقتصر". (¬7) "به" ليست في "ج". (¬8) في "ج": "يستقبل".

باب: التلبية إذا انحدر في الوادي

الْقِبْلَةَ قَائِمًا، ثُمَّ يُلَبِّي حَتَّى يَبْلُغَ الْمَحْرَمَ، ثُمَّ يُمْسِكُ، حَتَّى إِذَا جَاءَ ذَا طُوًى، بَاتَ بِهِ حَتَّى يُصْبحَ، فَإِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ، اغْتَسَلَ، وَزَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَعَلَ ذَلِكَ. (حتى إذا جاء ذا طَوى): بفتح الطاء والواو (¬1)، مقصور، وكسر بعضهم الطاء، وضمها بعضهم. قال القاضي: والصواب الفتح، وهو وادٍ بمكة. قال أبو علي: هو منوَّن على فعل (¬2)، وقال ثابت: ممدود (¬3). * * * باب: التلبيةِ إذا انحدرَ في الوادي 915 - (1555) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبي عَدِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ الله عَنْهُما -، فَذَكَرُوا الدَّجَّالَ أَنَّهُ قَالَ: "مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ". فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ أَسْمَعْهُ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: "أَمَّا مُوسَى، كأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ إِذِ انْحَدَرَ فِي الْوَادِي يُلَبِّي". (أما موسى كأني أنظر إليه إذا انحدر في الوادي يلبي): فيه حذف الفاء ¬

_ (¬1) في "ع" زيادة: "المكسورة". (¬2) في "ع": "على فعيل"، وهو خطأ. (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 276).

من (¬1) جواب أَمَّا، وابن مالك يُجوزه في السَّعة، وبعضُهم يخصُّه الضرورة. قال المهلب: هذا (¬2) وهم من بعض الرواة، وإنما هو عيسى؛ فإنه حي (¬3). قال ابن المنير: بل هو وهم من المهلب (¬4)، فقد صحت أحاديث (¬5) أنه -عليه السلام- رأى موسى (¬6) يصلي في قبره، ورآه (¬7) - أيضًا - على (¬8) غير ذلك، فإما أن يكون منامًا، وإما أن يجعل الله لروحه مثالًا يُرى في اليقظة كما يُرى في النوم، ولا فرق بين موسى وعيسى؛ لأن عيسى - أيضًا - رُفع إلى السماء، ومنذُ رُفع ما ورد أنه نزل إلى الآن (¬9)، وسينزل (¬10) عند أشراط الساعة، ورؤيته -عليه السلام- له (¬11) في الأرض نؤمن بمعناها، والكيفيَّة اللهُ أعلم بها. ¬

_ (¬1) في "ج": "في". (¬2) في "ج": "وهذا". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 381). (¬4) في "ج": "ابن المهلب". (¬5) في "ع": "أحاديثه". (¬6) في "ن" زيادة: "عليه الصلاة والسلام". (¬7) في "ع": "ورواه". (¬8) "على" ليست في "ع"، و"ن". (¬9) في "ن" و"ج": "الأرض". (¬10) في "ع": "وسيُرى". (¬11) "عليه السلام له" ليست في "ن".

باب: كيف تهل الحائض والنفساء؟

باب: كيف تُهِلُّ الحائضُ والنُّفساءُ؟ 916 - (1556) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلْيُهِلَّ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا"، فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ، وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ، وَلاَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي، وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ، وَدَعِي الْعُمْرَةَ". فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا قَضَيْنَا الْحَجَّ، أَرْسَلَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ إِلَى التَّنْعِيمِ، فَاعْتَمَرْتُ، فَقَالَ: "هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ". قَالَتْ: فَطَافَ الَّذِينَ كَانوُا أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ حَلُّوا، ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى، وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا. (انقُضي رأسك): - بقاف مضمومة وضاد معجمة -؛ أي: حُلِّي ظَفْرَه (¬1). (وأهلِّي بالحج، ودَعي العمرةِ): تأوله الشافعي -رحمه الله - على أنه أمرها بأن تدع عمل العمرة، وتُدخل عليها الحجَّ، فتكونَ قارنة، لا أن تدعَ العمرةَ نفسَها. قال الخطابي: إلا أن قوله: "انقضي رأسَك وامتشطي" لا يشاكل هذه ¬

_ (¬1) في "ج": "ظفر".

القضية، ولو تأوله متأول على الترخيص (¬1) في فسخ العمرة كما أذن لأصحابه (¬2) في فسخ الحج؛ لكان (¬3) له وجه (¬4). قال الزركشي: ويشهد لتأويل الشافعي --رضي الله عنه- (¬5) - قولُه (¬6) في الحديث الآخر: "طَوَافُكِ وَسَعْيُكِ كَافِيكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ" (¬7) (¬8). قلت: يدلُّ (¬9) عليه قولها (¬10) [في كثير من الطرق: "ينطلقون بحجٍّ وعمرة، وأنطلق بحج؟! " (¬11)؛ إذ هي قارنة بالفرض، فقد حصل لها حجٌّ وعمرة، وبعضهم يتأول (¬12) قولها] (¬13) على أن المراد: ينطلقون بحج مفردٍ عن ¬

_ (¬1) في "ن": "على أن الترخيص". (¬2) في "ج": "للصحابة". (¬3) في "ج": "إن كان". (¬4) انظر: "أعلام الحديث" (2/ 848). (¬5) "رضي الله عنه" ليست في "ن". (¬6) "قوله" ليست في "ج". (¬7) رواه مسلم (1211) عن عائشة -رضي الله عنها - بلفظ: "يسعك طوافك لحجك وعمرتك". (¬8) انظر: "التنقيح" (1/ 382). (¬9) في "ع": "ويشكل". (¬10) في "ج": "عليها قوله". (¬11) رواه البخاري (1651) عن جابر رضي الله عنه. (¬12) في "ن": "تأول". (¬13) ما بين معكوفتين سقط من "ج".

عمرةٍ، وعمرةٍ (¬1) منفردةٍ (¬2) عن حج، وأنطلقُ بحجٍّ غيرِ مفردٍ عن عمرة، وهذا التأويل كما تراه، فتأمله. (هذهِ مكانُّ عُمرتِك): وفي نسخة: "هذا (¬3) ". ثم المشهور رفعُ "مكانُ" على الخبر؛ أي: عِوَضُ عمرتك التي تركتها (¬4) لأجل حيضتك (¬5)، وهو مما يشكل على تأويل الشافعي. ويروى بالنصب على الظرف، وقال بعضهم: لا يجوز غيره، العاملُ محذوف؛ أي: كائنةٌ مكانَ عمرتك، أو (¬6) مجعولةٌ مكانَها. ورجح القاضي الرفعَ؛ لأنه (¬7) لم يرد به الظرفَ (¬8) والمكان، وإنما أراد به العوضَ (¬9). [وقال السهيلي: الوجه النصب على الظرف؛ لأن العمرة ليست بمكانٍ لعمرةٍ أخرى، لكن إن جعلت المكان بمعنى العوض] (¬10) والبدلَ مجازًا؛ أي: هذه بدلُ عمرتك، جاز الرفعُ (¬11). ¬

_ (¬1) "وعمرة" ليست في "ن" و"ج". (¬2) في "ن": "مفردة" وفي "ج": "مفرد". (¬3) في "ن": "هذا مكان". (¬4) في "ع": "تركتيها". (¬5) في "ج": "قضيتك". (¬6) في "ن": "و". (¬7) "لأنه" ليست في "ن". (¬8) في "ع": "الظروف". (¬9) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 365). (¬10) ما بين معكوفتين زيادة من "ن". (¬11) انظر: "التنقيح" (1/ 382).

باب: من أهل في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - كإهلال النبي - صلى الله عليه وسلم -

باب: مَنْ أَهَلَّ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كَإِهْلاَلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (باب: من أهلَّ في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - بإهلال النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1)): قال الزركشي: أشار بهذه الترجمة إلى تنزيل الحديث (¬2) على الخصوصية بذلك الزمن، وأنه (¬3) يمتنع الإحرام كإحرام فلان؛ لقول (¬4) مالك: ولنا أن الأصلَ عدمُ الخصوصية، وإنما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عليًا بالبقاء على إحرامه؛ لأنه (¬5) -عليه السلام- بقي على إحرامه؛ لأنه ساق الهدي، وكان قارنًا (¬6)، وعلي (¬7) ساق الهدي - أيضًا -، فبقي على إحرامه، وصار قارنًا كالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وأما أبو موسى (¬8): فلم يكن معه هدي، فصار له حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - لو لم يكن معه هدي، وقد (¬9) قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْلا الهَدْيُ، لَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً وَتَحَلَّلْتُ" (¬10)، فأمر أبا (¬11) موسى بذلك (¬12). ¬

_ (¬1) "بإهلال النبي - صلى الله عليه وسلم -" ليست في "ن". (¬2) في "ج": "حديث". (¬3) في "ج": "فإنه". (¬4) في "ع": "لقول". (¬5) في "ج": "بأنه". (¬6) "وكان قارنًا" ليست في "ج". (¬7) في "ن" زيادة: "رضي الله عنه". (¬8) في "ن" زيادة: "رضي الله عنه". (¬9) "قد" ليست في "ج ". (¬10) رواه البخاري (1558)، ومسلم (1250) من حديث أنس رضي الله عنه - بلفظ: "لولا أن معي الهدي لأحللت". (¬11) في "ج": "أبو". (¬12) انظر: "التنقيح (1/ 383).

قلت: جزمه بأن مذهب مالك -رضي الله عنه- امتناعُ أن يُحرم كإحرام فلان، فيه نظر. فقد قال ابن المنير في "تراجمه": كأن البخاري لما لم (¬1) ير إحرامَ التقليد، ولا الإحرام (¬2) المطلق، ثم تعين بعد ذلك، أشار في الترجمة إلى أن (¬3) هذا خاص بذلك الزمن، فليس لأحد أن يُحرم بما أحرم به فلان، بل لابد أن يُعين العبادةَ التي نواها، ودعت الحاجةُ إلى الإطلاقِ والحوالةِ على إحرامه -عليه السلام-؛ لأن عليًا وأبا موسى (¬4) لم يكن عندهما أصلٌ يرجعان إليه في كيفية الإحرام، فأحالا على إحرام (¬5) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأما الآن، فقد استقرت الأحكام، وعُرفت مراتبُ كيفيات الإحرام، ومذهبُ مالك - على الصحيح - جوازُ ذلك، وأنه ليس خاصًا (¬6) بذلك الزمان (¬7). * * * 917 - (1558) - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَلاَّلُ الْهُذَلِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَمَدِ، حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ، قَالَ: سَمِعْتُ مَرْوَانَ الأَصفَرَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَدِمَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَلَى ¬

_ (¬1) "لم" ليست في "ن"، وفي "ع": "لم يرى". (¬2) في "ج": "ولا إحرام". (¬3) "أن" ليست في "ج". (¬4) في "ن" زيادة: "رضي الله عنهما". (¬5) "إحرام" ليست في "ع". (¬6) في "ج": "خاص". (¬7) انظر: "المتواري على أبواب البخاري" لابن المنير (ص: 136).

النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْيَمَنِ، فَقَالَ: "بِمَا أَهْلَلْتَ؟ "، قَالَ: بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "لَوْلاَ أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ، لأَحْلَلْتُ". وَزَادَ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "بِمَا أَهْلَلْتَ يَا عَلِيُّ؟ ". قَالَ: بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "فَأَهْدِ، وَامْكُثْ حَرَامًا كَمَا أَنْتَ". (الخَلاَّل): بخاء معجمة مفتوحة ولام مشددة. (سَليم بن حَيَّان): بفتح السين من سليم (¬1) والحاء من حيان، وبعدها مثناة من تحت مشددة. (بما أهللت؟): بإثبات ألف "ما" الاستفهامية مع دخول الجار عليها؛ وهو قليل، وفي نسخة: "بمَ أهللت؟ " - بحذف الألف - الكثير الشائع؛ نحو (¬2): {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} [النازعات: 43]، و (¬3) {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} [النبأ: 1]. * * * 918 - (1559) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ قَيْسِ ابْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى قَوْمٍ بِالْيَمَنِ، فَجِئْتُ وَهْوَ بِالْبَطْحَاءِ، فَقَالَ: "بِمَا أَهْلَلْتَ؟ "، قُلْتُ: أَهْلَلْتُ كَإِهْلاَلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "هَلْ مَعَكَ مِنْ هَدْيٍ؟ "، قُلْتُ: لَا. فَأَمَرَنِي فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ أَمَرَنِي فَأَحْلَلْتُ، فَأَتَيْتُ امْرَأَةً مِن قَوْمِي فَمَشَطَتْنِي، أَوْ غَسَلَتْ رَأْسِي، فَقَدِمَ عُمَرُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، فَقَالَ: إِنْ نأْخُذْ بِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ يَأْمُرُنَا بِالتَّمَامِ، قَالَ اللَّهُ: {وَأَتِمُّوا ¬

_ (¬1) "من سليم" ليست في "ج". (¬2) في "ن" زيادة: "قوله تعالى". (¬3) في "ن" زيادة: "قوله عز وجل".

الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ} [البقرة: 196]، وَإِنْ نَأْخُذْ بِسُنَّةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ. (إلى قوم باليمن): ويروى: "إلى قومي (¬1) "، قيل: وهو أصح. (وهو بالبطحاء): يعني: الأَبْطَحَ. (فمشطتني): بتخفيف الشين المعجمة، قال صاحب "الأفعال": مَشَطَ الشعرَ مَشْطًا (¬2): سَرَّحَهُ وسَهَّلَهُ (¬3). (إن نأخذ بكتاب الله، فإنه يأمرنا بالتمام، قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]، وإن نأخذ بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنه لم يحل حتى نحر الهدي): أراد عمر (¬4) أن يُبطل وهمَ مَنْ يتوهم عنه أنه خالف السنة حيث منع من الفسخ، فبين أن الكتاب وفعلَ الرسول -عليه السلام- تظافرا على الإتمام، وذلك يقتضي أن يكون النسخ الذي أمرهم به خاصًا به في تلك السنة (¬5)؛ للرد على الجاهلية حيث زعموا أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، وتأكد عنده -عليه السلام- إحرامُ من ساقَ الهديَ (¬6)، فلهذا لم يفسخْه (¬7)، واكتفى في البيان (¬8) بفسخِ إحرام مَنْ لم ¬

_ (¬1) في "ن" زيادة: "باليمن". (¬2) "مشطًا" ليست في "ن". (¬3) انظر: "الأفعال" لابن القطاع (3/ 193). وانظر: "التنقيح" (1/ 383). (¬4) في "ن" و"ج" زيادة "رضي الله عنه". (¬5) في "ع": خاصًا بتلك السنة. (¬6) في "ج": "ساق الحديث". (¬7) في "ج" زيادة: "عليهم". (¬8) في "ج": "واكتفى بالبيان".

باب: قول الله تعالى: {الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} [البقرة: 197]، {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج} [البقرة: 189]

يتأكد إحرامه بالهدي؛ عدلًا بينهم منه (¬1) صلوات الله عليه وسلامه. * * * باب: قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197]، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما -: أَشْهُرُ الْحَجِّ: شَوَّالٌ، وَذُو الْقَعْدَةِ، وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحَجَّةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما -: مِنَ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُحْرِمَ بِالْحَجِّ إِلاَّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. وَكَرِهَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنْ يُحْرِمَ مِنْ خُرَاسَانَ، أَوْ كَرْمَانَ. (أو كِرْمان): بكسر الكاف، وقيل: بفتحها والراء ساكنة فيهما، وأنكر الكرماني شارحُ البخاريِّ فتح الكاف. * * * 919 - (1560) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِي، حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ، سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَلَيَالِي الْحَجِّ، وَحُرُمِ الْحَجِّ، فَنَزَلْنَا بِسَرِفَ، قَالَتْ: فَخَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: "مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ مَعَهُ هَدْيٌ، فَأَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً، فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ، فَلاَ". قَالَتْ: فَالآخِذُ بِهَا، وَالتَّارِكُ لَهَا مِنْ أَصْحَابِهِ. ¬

_ (¬1) "منه" ليست في "ن".

قَالَتْ: فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَرِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَكَانُوا أَهْلَ قُوَّةٍ، وَكَانَ مَعَهُمُ الْهَدْيُ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْعُمْرَةِ. قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا أَبْكِي، فَقَالَ: "مَا يُبْكِيكِ يَا هَنْتَاهْ؟ "، قُلْتُ: سَمِعْتُ قَوْلَكَ لأَصْحَابِكَ، فَمُنِعْتُ الْعُمْرَةَ. قَالَ: "وَمَا شَأْنُكِ؟ "، قُلْتُ: لَا أُصَلِّي، قَالَ: "فَلاَ يَضِيرُكِ، إِنَّمَا أَنْتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ كَتَبَ اللهُ عَلَيْكِ مَا كَتَبَ عَلَيْهِنَّ، فَكُونِي فِي حَجَّتِكِ، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَكِيهَا". قَالَتْ: فَخَرَجْنَا فِي حَجَّتِهِ حَتَّى قَدِمْنَا مِنًى، فَطَهَرْتُ، ثُمَّ خَرَجْتُ مِنْ مِنًى، فَأَفَضْتُ بِالْبَيْتِ، قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجَتْ مَعَهُ فِي النَّفْرِ الآخِرِ حَتَّى نَزَلَ الْمُحَصَّبَ، وَنَزَلْنَا مَعَهُ، فَدَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ ابْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: "اخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِنَ الْحَرَمِ، فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ افْرُغَا، ثُمَّ ائْتِيَا هَاهُنَا، فَإِنَّي أَنْظُرُكُمَا حَتَّى تَأْتِيَانِي". قَالَتْ: فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغْتُ، وَفَرَغْتُ مِنَ الطَّوَافِ، ثُمَّ جِئْتُهُ بِسَحَرَ، فَقَالَ: "هَلْ فَرَغْتُمْ؟ "، فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَآذَنَ بِالرَّحِيلِ فِي أَصْحَابِهِ، فَارْتَحَلَ النَّاسُ، فَمَرَّ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْمَدِينَةِ. (وحُرُم الحج): بضم الحاء والراء معًا، كذا (¬1) وقع لهم، وضبطه الأصيلي بفتح الراء؛ كأنه (¬2) يريد الأوقات والمواضع والحالات (¬3). (بسَرِفَ): بفتح السين وكسر الراء وفتح الفاء، غيرُ منصرف للعلمية والتأنيث باعتبار إرادة (¬4) البقعة: مكانُ مقيلٍ على عشرة أميال من مكة (¬5). ¬

_ (¬1) في "ع": "كذا وقولهم". (¬2) في "ج": "وكأنه". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 384). (¬4) في "ج": "والتأنيث بإرادة". (¬5) المرجع السابق، الموضع نفسه.

(ومن كان معه الهدي، فلا): أي: فلا يفعلْ، يعني (¬1): لا يجعلْها عمرةً، ففيه (¬2) حذفُ الفعلِ المجزوم بلا الناهية. (يا هَنْتاهْ): بسكون النون وفتحها، والهاء الأخيرة تسكن وتضم، وأصله: من الهن يكنى به عن النكرة؛ كشيء (¬3)، والأنثى هَنَة (¬4)، فإذا وصلتها (¬5) بالهاء، قلت: يا هَنْتاه، وأصل هائه: السكون؛ لأنها للسَّكْت، لكنهم قد (¬6) شبهوها بالضمائر (¬7)، وأثبتوها في الوصل (¬8)، وضموها، ومعناها: يا هذه! وقيل: يا بلهاء عن مكائد (¬9) النساء. (قال: وما شأنك؟ قلت: لا أصلي): قال ابن المنير: كنَّت -رضي الله عنها - عن الحيض بالحكم الخاصِّ به، وهو امتناعُ الصلاة؛ تأدُّبًا منها [-رضي الله عنها (¬10) - في الكناية] (¬11) عما في التصريح به إخلالٌ ما بالأدب (¬12)، ¬

_ (¬1) "يعني"ليست في "ج". (¬2) في "ج": "فيه". (¬3) في "ع": "كالشيء". (¬4) في "ج": "هينه". (¬5) في "ن": "هنة فأوصلتها"، وفي "ج": "أوصلتها". (¬6) "قد" ليست في "ن". (¬7) في "ج": "للضمائر". (¬8) في "ع": "الأصل". (¬9) في "ج": "يا لها من مكائد". (¬10) "رضي الله عنها" ليست في "ج". (¬11) ما بين معكوفيتن سقط من "ن". (¬12) في "ن": "إخلال بالأدب"، وفي "ع": "إخلال ما في الأدب".

ولهذا - والله أعلم - استمرت (¬1) النساء إلى الآن على الكناية عن الحيض (¬2) بحرمان الصلاة؛ أي: تحريمها (¬3)، فظهر أدبها -رضي الله عنها - في بناتها المؤمنات (¬4). (فلا يضيرك (¬5)): أي: لا يضرك (¬6)، يقال: ضارَهُ يَضيرُه، وضَرَّهُ يَضُرُّهُ. (فعسى الله أن يرزقَكيها): بياء متولده (¬7) من إشباع كسرة الكاف، وهي (¬8) في (¬9) لسان المصريين شائعة (¬10). (في النفر الآخرِ): النفْر - بإسكان الفاء -: القوم ينفرون من منى، ومعنى النَّفْر: الانطلاقُ والرجوعُ، والآخِر: بكسر الخاء (¬11). (حتى نزل المُحَصَّب): - بميم مضمومة وحاء وصاد مهملتين والصاد مشددة -: موضع بقرب مكة. ¬

_ (¬1) في "ن" و"ج": "استمر". (¬2) في "ج": "عن الحرمان". (¬3) "أي: تحريمها" ليست في "ن". (¬4) انظر: "فتح الباري" (3/ 421). (¬5) في "ع": "يضرك". (¬6) في "ع": "يضيرك". (¬7) في "ع": "بياء مؤكدة". (¬8) في "ع": "وهو". (¬9) "في" ليست في "ج". (¬10) في "ع": "سابقة". (¬11) في "ج": "والآخر بالكسر".

(فإني أَنْظُركما): - بضم الظاء المعجمة -؛ أي: أنتظركما؛ نحو (¬1): {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد: 13]. (حتى تأتيانِ): بتخفيف النون، وأصلُه: "تأتياني" فحذفت الياء تخفيفًا، وكسرةُ (¬2) النون تدل عليها (¬3). (حتى إذا فرغتُ، وفرغتُ من الطواف): قال القاضي: كذا وقع في النسخ من كتاب البخاري، قال بعضهم: لعله (¬4) فرغتُ، وفرغَ - يعني: أخاها -، وبعده: "هل فرغتم (¬5)؟ "، وفي أول الحديث: "افرغا، ثم ائتيا" (¬6). قلت: ليس ما في أول الحديث ولا ما في آخره بالذي يوجب أن يقول: حتى إذا فرغتُ وفرغ؛ إذ يجوز أن يكون قد عبرت عن حالتها هي، لا عن حالة أخيها؛ أي (¬7): حتى إذا فرغتُ من الخروج (¬8) إلى الحل الإحرام منه، وفرغتُ من الطواف، فكلُّ واحد من اللفظين مسلَّطٌ على غير ما تسلَّطَ ¬

_ (¬1) في "ن" زيادة: "قوله تعالى". (¬2) في "ن": "وبقيت كسرة". (¬3) في "ع": "عليه". (¬4) "لعله" ليست في "ن". (¬5) في "ن": "فرغت". (¬6) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 155) وانظر: "التنقيح" (1/ 385). (¬7) "أي" ليست في "ع". (¬8) في "ن": "من حال من الخروج".

عليه الآخَرُ، والمعنى مستقيم مريح من الهجوم على نسبة الراوي العدل إلى تحريف اللفظ، أو الغلط (¬1)، فتأمله. (ثم جئته بسَحَرَ): قال الزركشي: بفتح الراء، أي: من في ذلك اليوم، فلا ينصرف للعلمية والعدل؛ نحو: جئته يومَ الجمعةِ سَحَرَ (¬2). قلت: حكى الرضيُّ خلافًا (¬3) في صرفه مع إرادة التعيين، لكن حكى: أن القول المشهور كونهُ غير منصرف، وتحقيق العدل فيه هو أن (¬4) كل (¬5) لفظِ جنسٍ أُطلق وأُريد به فردٌ معين (¬6) من أفراده، فلابدَّ فيه من لام العهد، سواء صار علمًا بالغلبة، كالصعق، والنجم (¬7)، أولا؛ نحو: {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل: 16] أخذًا (¬8) من استقراء لغتهم، فثبت في سَحَرَ بذلك عدلٌ محقق (¬9). وقال أبو حيان: تعيينه (¬10): أن يراد من يومٍ بعينه، سواء ذكرت ذلك! ¬

_ (¬1) في "ن": "اللفظ والغلط فيه". (¬2) انظر "التنقيح" (1/ 285). (¬3) في جميع النسخ عدا "ن": "خلافه". (¬4) في "ن": "هو كون". (¬5) في "ج": "هو كل". (¬6) "معين" ليست في "ن". (¬7) في "ن": "كالنجم والصعق"، و"ج": "كالصعق والنجم فالصعق"، وفي "ع": "كالصعق والنجم والصعق". (¬8) في "ع": "أخذ". (¬9) انظر: "شرح الرضي على الكافية" (1/ 121). (¬10) في "ع": "بعينه".

باب: التمتع والإقران والإفراد بالحج، وفسخ الحج، لمن لم يكن معه هدي

اليومَ معه؛ كجئتُك يومَ الجمعةِ سحرَ، أو لم تذكره (¬1)، وأنت تريد ذلك من يوم بعينه، وسواء عَرَّفْتَ ذلك اليوم (¬2) كما مر، أو نكرته؛ نحو: جئتك يومًا (¬3) سحر. (فآذن بالرحيل): آذن - بهمزة فألف فذال معجمة مفتوحة مخففة فنون -؛ أي (¬4): أعلم يقال: آذَنْتُه؛ أي: أَعْلَمْتُه. قال الزركشي: وقيل: بالتشديد (¬5)؛ يريد (¬6): بدون ألف بعد الهمزة، وتشديد (¬7) الذال. * * * باب: التَّمَتُّعِ والإِقْرانِ وَالإفْرَادِ بِالْحَجِّ، وَفَسْخِ الْحَجِّ، لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ (باب: التمتع والإقران والإفراد): قال السفاقسي: الإقران غيرُ ظاهر؛ لأن فعله ثلاثي، وصوابه: "قرن". ¬

_ (¬1) في "ن": "أو لم يذكره كما مر كجئتك سحر"، وفي "ج": "أولم نذكره كجئتك سحر". (¬2) في "ن": "عرفت ذلك من يوم بعينه، وسواء عرفت ذلك اليوم". (¬3) "يومًا" ليست في "ج". (¬4)) "مخففة فنون؛ أي" ليست في "ن". (¬5) انظر: "التنقيح" (1/ 385). (¬6) "يريد" ليست في "ج". (¬7) في "ج": "وبتشديد".

قال الزركشي: لم يُسمع في الحج أَقْرَنَ، ولا قَرَنٌ في المصدر منه، وإنما هو قِرانٌ مصدرُ قرنَ بين الحجِّ والعمرة: إذا جمعَ بينهما (¬1). قلت: أراد تخطئة البخاري [والسفاقسي جميعًا، ويحتمل أن يعتذر عن البخاري] (¬2) بقصد المشاكلة بين الإقران والإفراد نحو: "ارجِعْن (¬3) مَأْزُورَاتٍ غَيْرَ مَأْجُورَاتٍ" (¬4). * * * 920 - (1561) - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَلاَ نُرَى إِلاَّ أَنَّهُ الْحَجُّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا، تَطَوَّفْنَا بِالْبَيْتِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ يَحِلَّ، فَحَلَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ، وَنِسَاؤُهُ لَمْ يَسُقْنَ، فَأَحْلَلْنَ. قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضيَ اللهُ عَنْهَا -: فَحِضْتُ، فَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! يَرْجِعُ النَّاسُ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ، وَأَرْجِعُ أَنَا بِحَجَّةٍ؟! قَالَ: "وَمَا طُفْتِ لَيَالِيَ قَدِمْنَا مَكَّةَ؟ "، قُلْتُ: لَا، قَالَ: "فَاذْهَبِي مَعَ أَخِيكِ إِلَى التَّنْعِيمِ، فَأَهِلِّي بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ مَوْعِدُكِ كَذَا وَكَذَا". قَالَتْ صَفِيَّةُ: مَا أُرَانِي إِلاَّ حَابِسَتَهُمْ. قَالَ: "عَقْرَى حَلْقَى، أَوَمَا طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ؟ "، قَالَتْ: قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: "لَا بَأْسَ، انْفِرِي". ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 386). (¬2) ما بين معكوفتين زيادة من "ن". (¬3) في "ع": "رجعن". (¬4) رواه ابن ماجه (1578)، عن علي رضي الله عنه.

قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: فَلَقِيَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ مُصْعِدٌ مِنْ مَكَّةَ، وَأَنَا مُنْهَبِطَةٌ عَلَيْهَا، أَوْ أَنَا مُصْعِدَةٌ وَهْوَ مُنْهَبِطٌ مِنْهَا. (ولا نُرى إلا أنه الحج): - بضم النون -؛ أي: نظن. قال الزركشي: فيحتمل أن ذلك كان اعتقادها من قبل أن تُهِلَّ (¬1)، ثم أهلَّت بعمرة، ويحتمل أن يريد فعلَ غيرها من الصحابة؛ كأنهم كانوا لا يعرفون إلا الحج، ولم يكونوا يعرفون (¬2) العمرة في أشهر الحج، فخرجوا محرمين بالذي لا يعرفون غيره (¬3). قلت: الظاهرُ غيرُ الاحتمالين المذكورين، وهو أن مرادها: لا أظنُّ أنا ولا غيري من الصحابة إلا أنه الحجُّ، فأحرمنا به، هذا (¬4) ظاهر اللفظ. (فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - من لم يكن ساق الهدي أن (¬5) يحل): وذلك هو فسخُ الحج إلى العمرة، وقد كان جائزًا بهذا الحديث، وقيل: إن عِلَّته حَسْمُ مادة الجاهلية في اعتقادها أن العمرة في أشهر الحج من أَفْجَر الفجور كما تقدم (¬6)، واختلف الناس فيما بعد هذه الواقعة: هل يجوز فسخُ الحج إلى العمرة؛ كما في هذه الواقعة؟ فذهبت الظاهرية إلى جوازه، وأكثرُ الفقهاء المشهورين على المنع من ذلك. ¬

_ (¬1) في "ع": "أن المحل". (¬2) في "ع": "يعرفوا". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 386). (¬4) في "ع": "هنا". (¬5) "أن" ليست في "ع". (¬6) "كما تقدم" ليست في "ج".

وقيل: إن هذا كان مخصوصًا بالصحابة (¬1). قال ابن دقيق: وفي هذا حديث عن أبي ذر، عن الحارث بن بلال، عن أبيه أيضًا، أعني: في كونه مخصوصًا (¬2). (فلما كانت ليلةُ الحَصْبة): - بحاء مهملة مفتوحة (¬3) فصاد مهملة ساكنة فباء موحدة -؛ أي: ليلةُ المبيت بالمحصَّب. (فأهلِّي بعمرة): الإهلال هنا: التلبية، وأصلُه رفع الصوت، كما تقدم، والمرأةُ لا ترفع صوتها. (ما أُراني): بضم الهمزة. (إلا حابِسَتَهم): أي: مانِعَتَهم من الخروج، فإنهم متوقفون بسببي. (عقرى (¬4) حلقى): الرواية فيه بغير تنوين بألف مقصورة؛ أي: مشؤومة مذمومة، ومنهم من نوَّنَ، وصوبه (¬5) أبو عبيدة، وهو على هذا مصدرُ عقرَها الله وحلَقَها؛ أي: أهلكها وأصابها تَوَجُّع في حلقها. قال ابن الأنباري: لفظه الدعاء [ومعناه غير الدعاء] (¬6). وقال الزمخشري: وهما (¬7) صفتان للمرأة المشؤومة؛ أي: أنها تعقر ¬

_ (¬1) في "ن" زيادة: "رضي الله عنهم". (¬2) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق العيد (3/ 71). (¬3) "مفتوحة" ليست في "ع". (¬4) في "ج": "قال: عقرى". (¬5) في "ع": "وصوابه". (¬6) ما بين معكوفتين زيادة من "ن". (¬7) في "ن": "هما".

قومَها، وتحلقهم (¬1)؛ أي: تستأصلهم من شؤمها عليهم، وهما خبران لمبتدأ محذوف؛ أي: هي عقرى (¬2). * * * 921 - (1563) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَم، قَالَ: شَهِدْتُ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا -رَضيَ اللهُ عَنْهُما -، وَعُثْمَانُ يَنْهَى عَنِ الْمُتْعَةِ، وَأَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا. فَلَمَّا رَأَى عَلِيٌّ، أَهَلَّ بِهِمَا: لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ، قَالَ: مَا كُنْتُ لأَدَعَ سُنَّةَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِقَوْلِ أَحَدٍ. (وعثمان ينهى عن المتعة وقد (¬3) يُجمع بينهما): ببناء (¬4) يُجْمَع للمفعول، وضميرُ الاثنين من "بينهما (¬5) " عائد على الحج والعمرة. * * * 922 - (1564) - حَدَّثَنَا مُوسىَ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُس، عَنْ أَبيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ فِي الأَرْضِ، وَيَجْعَلُونَ الْمُحَرَّمَ صَفَرًا، وَيَقُولُونَ: إِذَا بَرَأَ الدَّبَرْ، وَعَفَا الأَثرْ، وَانْسَلَخَ صَفَرْ، حَلَّتِ ¬

_ (¬1) في "ع": "ويحلفهم". (¬2) انظر: "الفائق في غريب الحديث" (3/ 10). (¬3) نص البخاري: "وأن". (¬4) في "ع": "هنا". (¬5) "من بينهما" ليس في "ج".

الْعُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرْ. قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! أَيُّ الْحِلِّ؟ قَالَ: "حِلٌّ كُلُّهُ". (كانوا): أي: أهل الجاهلية. (يُرون): - بضم أوله -؛ أي: يظنون. (أن العمرة في أشهر الحج من أَفْجَر الفُجور): وذلك من تحكُّماتهم المبتدَعَة، وأفجر الفجور من باب: جد جده، وشعر شاعر. (ويجعلون المحرم صفرًا): بالتنوين، و (¬1) في بعض النسخ بحذفه، والمعروف الأول، لأنه منصرف. وفي "المحكم": كان أبو عبيدة لا يصرفه (¬2). وهو المراد بالنسيء، ومعنى يجعلونه: يسمونه، وينسبون تحريمه إليه؛ لئلا يتوالى عليهم ثلاثة أشهر حرم، فيضيق بذلك أحوالهم (¬3). (ويقولون إذا بَرَأ): - بفتحتين فهمزة -؛ أي: أفاق، يقال: بَرَأْت من المرض، وبَرِئتْ أيضًا (¬4)، بكسر الراء. (الدَّبَر): - بدال مهملة وياء موحدة مفتوحتين -؛ أي: الجرحُ الذي يكون ¬

_ (¬1) " و" ليست في "ع". (¬2) انظر: "المحكم" (8/ 307)، (مادة: صفر). (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 387). (¬4) أيضًا" ليست في "ن".

في (¬1) ظهر الدابة، يريدون: أن الإبل كانت تَدْبَر بالسير عليها (¬2) إلى الحج. (وعفا الأثر): أي: دَرَسَ أثرُ الحاج من الطريق، والمجيء بعد رجوعهم بوقوع الأمطار وغيرها؛ لطول الأيام. (وانسلخ صفر): أي: انقضى وانفصل. (فقد (¬3) حلَّت العمرةُ لمن اعتمر): الظاهر أنهم قصدوا بذلك السجع، فينبغي أن تقرأ الراء (¬4) التي (¬5) تواطأت الفواصل عليها بالسكون؛ إذ لو حركت، فات الغرضُ المطلوبُ من السجع. (أَيُّ (¬6) الحِلِّ؟ قال: حِلٌّ كُلُّه): أي: حِلٌّ يَحِلُّ فيه جميعُ ما يحرم على المحرم، حتى غشيان النساء، وذلك تمام الحل، وانظر هل قوله: كلُّه تأكيد لـ: حِلُّ على مذهب الكوفيين، أو (¬7) لا؟ * * * 923 - (1566) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أخبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ حَفْصَةَ ¬

_ (¬1) في "ن": "إلى". (¬2) "عليها" ليست في "ج". (¬3) "فقد" ليست في نص البخاري. (¬4) "الراء" ليست في "ع". (¬5) في "ج": "الذي". (¬6) في "ن": "إلى". (¬7) في "ن": "أم".

- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا بِعُمْرَةٍ، وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرتِكَ؟ قَالَ: "إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي، وَقَلَّدْتُ هَدْيِيِ، فَلاَ أحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ". (ولم تحلِلْ أنت): - بكسر اللام -؛ أي: لم تحلَّ، وإظهار التضعيف لغة (¬1). * * * 924 - (1567) - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنَا أَبو جَمْرَةَ نَصْرُ بْنُ عِمْرَانَ الضُّبَعِيُّ، قَالَ: تَمَتَّعْتُ، فَنَهَانِي نَاسٌ، فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُما -، فَأَمَرَنِي، فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَجُلًا يَقُولُ لِي: حَجٌّ مَبْرُورٌ، وَعُمْرَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ، فَأَخْبَرْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: سُنَّةَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ لِي: أَقِمْ عِنْدِي، فَأَجْعَلَ لَكَ سَهْمًا مِنْ مَالِي. قَالَ شُعْبَةُ: فَقُلْتُ: لِمَ؟ فَقَالَ: لِلرُّؤْيَا الَّتِي رَأَيْتُ. (فأخبرت ابن عباس): أي: بما رأيته في المنام من قول الرجل (¬2): حج مبرور، وعمرة متقبلة. (فقال سنةَ النبي - صلى الله عليه وسلم -): قال الزركشي: بالنصب على الاختصاص، وبالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف (¬3) (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 388). (¬2) "الرجل" ليست في "ن". (¬3) "محذوف" ليست في "ع". (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 388).

قلت: النصب بتقدير فعلتَ السنةَ (¬1)، أو أتيتَ، أو نحو (¬2) ذلك، ولا وجهه لجعل هذا من الاختصاص، فتأمله. (فقال لي: أقم عندي): قال المهلب: إنما قال له أبن عباس ذلك؛ ليقص على الناس هذه الرؤيا المثبِتَةَ لحال التمتُّع (¬3)، ففي هذا دليل على أن الرؤيا الصادقة شاهد على أمور اليقظة. وفيه نظر؛ لأن الرؤيا الحسنة من غير الأنبياء ينتفع بها للتأسيس (¬4) والتأكيد، لا للتأسيس والتحديد، فلا يسوغ لأحد (¬5) أن يسند فتياه إلى منام، ولا يتلقى من غير الأدلة الشرعية حكمًا من الأحكام. (وأجعل لك سهمًا من مالي): قال المهلب: فيه: أنه (¬6) يجوز للعالم أخذُ الأجرة على العلم. وفيه نظر؛ إذ الظاهر أنه إنما عرض عليه ماله؛ رغبةٌ في الإحسان إليه؛ لما ظهر له من أن عمله (¬7) متقبل، وحجه مبرور، وإنما يتقبل الله من المتقين، * * * ¬

_ (¬1) "السنة" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "أبيت ونحو". (¬3) في "ع": "المتمتع". (¬4) في "ج": "ينتفع لها الناس". "للتأنيس" ليست في "ع". (¬5) في "ع": "فلا يسوغ لا أحد". (¬6) "أنه" ليست في "ع". (¬7) في "ع": "أعمله".

باب: التمتع على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

925 - (1568) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ، قَالَ: قَدِمْتُ مُتَمَتِّعًا مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ، فَدَخَلْنَا قَبْلَ التَّرْوِيَةِ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، فَقَالَ لِي أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ: تَصِيرُ الآنَ حَجَّتُكَ مَكِّيَّةً. فَدَخَلْتُ عَلَى عَطَاءٍ أَسْتَفْتِيهِ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنَّهُ حَجَّ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ سَاقَ الْبُدْنَ مَعَهُ، وَقَدْ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ مُفْرَدًا، فَقَالَ لَهُمْ: "أَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِكُمْ بِطَوَافِ الْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَصِّرُوا، ثُمَّ أَقِيمُوا حَلاَلًا، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ، فَأَهِلُّوا بِالْحَجِّ، وَاجْعَلُوا الَّتِي قَدِمْتُمْ بِهَا مُتْعَةً". فَقَالُوا: كَيْفَ نَجْعَلُهَا مُتْعَةً، وَقَدْ سَمَّيْنَا الْحَجَّ؟! فَقَالَ: "افْعَلُوا مَا أَمَرْتُكُمْ، فَلَوْلاَ أَنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ، لَفَعَلْتُ مِثْلَ الَّذِي أَمَرْتُكُمْ، وَلَكِنْ لَا يَحِلُّ مِنِّي حَرَامٌ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ". فَفَعَلُوا. (ولكنه لا يحِلُّ مني حرام): - بكسر الحاء - من يَحِلُّ؛ أي: لا يحلُّ مني شيء حَرُمَ عليَّ حتى أنحر الهدي. * * * باب: التمتُّع على عهد رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - 926 - (1571) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُطَرِّفٌ، عَنْ عِمْرَانَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: تَمَتَّعْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَنَزَلَ الْقُرْآنُ، قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ. (قال رجل برأيه ما شاء): يعني: عمر رضي الله عنه. * * *

باب: قول الله تعالى: {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام} [البقرة: 196]

باب: قول الله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] 927 - (1572) - وَقَالَ أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: أنَهُ سُئِلَ عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ، فَقَالَ: أَهَلَّ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَأَهْلَلْنَا، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اجْعَلُوا إِهْلاَلَكُمْ بِالْحَجِّ عُمْرَةً، إِلاَّ مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ"، فَطُفْنَا بِالْبَيْتِ، وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَأتيْنَا النِّسَاءَ، وَلَبِسْنَا الثِّيَابَ، وَقَالَ: "مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ". ثُمَّ أَمَرَنَا عَشِيَّةَ التَّرْوِيَةِ أَنْ نُهِلَّ بِالْحَجِّ، فَإِذَا فَرَغْنَا مِنَ الْمَنَاسِكِ، جِئْنَا فَطُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَقَدْ تَمَّ حَجُّنَا، وَعَلَيْنَا الْهَدْيُ؛ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196]، إِلَى أَمْصَارِكُمْ. الشَّاةُ تَجْزِي، فَجَمَعُوا نُسْكَيْنِ فِي عَامٍ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى أَنْزَلَهُ فِي كِتَابِهِ، وَسَنَّهُ نبَيُّهُ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَبَاحَهُ لِلنَّاسِ غَيْرَ أَهْلِ مَكَّةَ، قَالَ اللهُ: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196]، وَأَشْهُرُ الْحَجِّ الَّتِي ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى: شَوَّالٌ، وَذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحَجَّةِ، فَمَنْ تَمَتَّعَ فِي هَذِهِ الأَشْهُرِ، فَعَلَيْهِ دَمٌ، أَوْ صَوْمٌ، وَالرَّفَثُ: الْجِمَاعُ، وَالْفُسُوقُ: الْمَعَاصِي، وَالْجِدَالُ: الْمِرَاءُ. (أبو معشر البراء (¬1)). بتشديد الراء. ¬

_ (¬1) "البراء" ليست في نص الحديث.

باب: الاغتسال عند دخول مكة

(عثمان بن غياث): بغين معجمة مكسورة فمثناة من تحت (¬1) فألف فثاء مثلثة. (فجمعوا نسْكين): بإسكان السين - تثنية نُسك - بإسكانها، وهي العبادة. * * * باب: الاغتسالِ عند دخولِ مكةَ 928 - (1573) - حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - إِذَا دَخَلَ أَدْنىَ الْحَرَمِ، أَمْسَكَ عَنِ التَّلْبِيَةِ، ثُمَّ يَبِيتُ بِذِي طُوًى، ثُمَّ يُصَلِّي بِهِ الصُّبْحَ وَيَغْتَسِلُ، وَيُحَدِّثُ أَن نبَيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ. (ابن عُلَيَّة): [بضم العين المهملة وفتح اللام وتشديد الياء] (¬2). * * * باب: دُخُولِ مَكَّةَ نهارًا أَوْ لَيْلًا (باب: دخول مكة نهارًا وليلًا): ساق فيه حديث (¬3) ابن عمر: أنه - عليه الصلاة السلام - باتَ بذي طُوًى حتى أصبحَ، ثم دخل مكة. قال (¬4) ابن المنير: ترجم على الدخول نهارًا وليلًا (¬5)، ولم يذكر إلا ¬

_ (¬1) "من تحت" ليست في "ع". (¬2) ما بين معكوفتين سقط من "ن". (¬3) في "ج": "ساق حديث فيه". (¬4) في "ن": "فقال". (¬5) في "ج": "الدخول ليلًا ونهارًا".

باب: من أين يخرج من مكة

حديثًا يدل على الدخول نهارًا. وأجاب: بأنه أراد (¬1) أن يبين أنه (¬2) مقصود (¬3)، وأن الليل والنهار سواء، أو بنى على أن ذا طوى من مكة، وقد دخله عشية، وبات فيه (¬4)، فدل على جواز الدخول ليلًا، وإذا (¬5) جاز ليلًا، جاز نهارًا بطريق الأولى، وإنما نهى الرجلَ عن أن يطرق أهلَه من سفر ليلًا، وعلله في الحديث، وهذا غير ذاك. * * * باب: مِنْ أين يخرجُ مِنْ مَكَّةَ 929 - (1576) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيىَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ مَكَّةَ مِنْ كَدَاءَ مِنَ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا الَّتِي بِالْبَطْحَاءَ، وَيَخْرُجُ مِنَ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى. (من كَداء من الثنية العليا): قال القاضي: مفتوح الكاف ممدود، غيرُ منصرف؛ لتأنيثه والعلمية (¬6)؛ جبلٌ بأعلى مكة، وأما كُديّ - بضم الكاف -، فمقصور منونٌ، وهو الجبل الذي بأسفل مكة (¬7). ¬

_ (¬1) "أراد" ليست في "ن". (¬2) في "ج": "بأن يبين بأنه". (¬3) في "ع": "غير مقصود". (¬4) "فيه" ليست في "ج". (¬5) في "ع": "فإذا". (¬6) "التأنيث والعلمية" ليست في "ع"، وفي "ج": "التأنيثه". (¬7) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 350). وانظر: "التنقيح" (1/ 389).

باب: فضل مكة وبنيانها

930 - (1579) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرٌو، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -. أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَامَ الْفَتْح مِنْ كَدَاءٍ أَعْلَى مَكَّةَ. قَالَ هِشَامٌ: وَكَانَ عُرْوَةُ يَدْخُلُ عَلَى كِلْتَيْهِمَا مِنْ كَدَاءٍ وَكُدَيٍّ، وَأَكثَرُ مَا يَدْخُلُ مِنْ كَدَاءٍ، وَكَانَتْ أَقْرَبَهُمَا إِلَى مَنْزِلِهِ. (وأكثر ما يدخل من كداء): بضم الكاف والقصر للأصيلي، وبفتحها والمد لغيره (¬1). * * * 931 - (1581) - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ: دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ الْفَتْح مِنْ كَدَاءٍ. وَكَانَ عُرْوَةُ يَدْخُلُ مِنْهُمَا كِلَيْهِمَا، وَأَكثَرُ مَا يَدْخُلُ مِنْ كَدَاءٍ أَقْرَبِهِمَا إِلَى مَنْزِلِهِ. (وكان عروة يدخل منهما كلاهما (¬2)): على لغة من أعربه بالحركات المقدرة على الألف في جميع الحالات. * * * باب: فَضلِ مَكةَ وبنيانِها 932 - (1582) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبو عَاصِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 389). (¬2) نص البخاري: "كليهما".

عَبْدِ اللهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَ: لَمَّا بُنيَتِ الْكَعْبَةُ، ذَهَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَعَبَّاسٌ يَنْقُلاَنِ الْحِجَارةَ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: اجْعَلْ إِزَارَكَ عَلَى رَقَبَتِكَ. فَخَرَّ إِلَى الأَرْضِ، وَطَمَحَتْ عَيْنَاهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: "أَرِنِي إِزَارِي"، فَشَدَّهُ عَلَيْهِ. (يخر (¬1) إلى الأرض، فطمَحَتْ عيناه إلى السماء): قال ابن المنير: فيه دليل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان متعبدًا قبل البعثة (¬2) بالفروع التي بقيت محفوظة؛ كستر العورة؛ لأن سقوطه إلى الأرض عند سقوط الإزار قبل (¬3) شده خشيةً من عدم الستر في تلك اللحظة. قلت: ورد ما يدفعه، فقد روى سِماكٌ في هذه القصة حديثًا فيه: "نُهِيتُ (¬4) أَنْ أَمْشِيَ عُريانًا" (¬5). وفي حديث آخر (¬6) رواه الطبري (¬7) في "التهذيب": "إِنّي لَمَعَ غِلْمَانٍ (¬8) ¬

_ (¬1) نص البخاري: "فخرَّ". (¬2) "البعثة" ليست في "ن". (¬3) "قبل" ليست في "ع". (¬4) "نهيت" ليست في "ج". (¬5) رواه البزار في "مسنده" (1295)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1/ 271) عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (3/ 290): وفيه قيس بن الربيع، وثقه شعبة والثوري والطيالسي، وضعفه جماعة. (¬6) "آخر" ليست في "ن". (¬7) في جميع النسخ: "الطبراني، والصواب ما أثبت، كما في "الفتح" لابن حجر (3/ 516). (¬8) في "ن": "إنه لمع غلمان"، وفي "ع": "إني لمع غلام".

هُمْ أَسْنَانِي قَدْ جَعَلْنا (¬1) أُزْرَنَا عَلَى أَعْنَاقِنَا لِحِجَارَةٍ نَنْقُلُهَا، إِذْ لَكَمَنِي لَكْمَةً شَدِيدَةً، ثُمَّ قَالَ (¬2): اشْدُدْ عَلَيْكَ إِزَارَكَ" (¬3). وعند السهيلي (¬4) في (¬5) خبر آخر: "لَمَّا سَقَطَ (¬6)، ضَمَّهُ العَبَّاسُ إِلى نفسِه، وسألَه عن شأنه، فأخبره أَنَّه نُودِيَ من السماء: أَنِ (¬7) اشْدُدْ عليكَ إزازكَ يا مُحَمَّدُ"، قال: وإنَّه (¬8) لأولُ ما نودي (¬9). ذكر ذلك مغلطاي في "شرح البخارى"، وفيه دلالة واضحة على أن استتاره لم يكن مستندًا إلى شرع متقدم، فتأمله. * * * 933 - (1583) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِم بْنِ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَ عَبْدَ اللهِ ابْنَ عُمَرَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهَا: "ألمْ تَرَيْ أَنَّ قَوْمَكِ لَمَّا بَنَوُا الْكَعْبَةَ اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْراهِيم؟ ". ¬

_ (¬1) في "ع": "جمعنا". (¬2) في "ن": "شديدة وقال". (¬3) رواه ابن إسحاق، كما ساقه البيهقي من طريقه في "دلائل النبوة" (2/ 30). (¬4) في "ج": "ثم قال: وعند السهيلي". (¬5) في جميع النسخ: "وفي"، ولعل الصواب حذف الواو كما أثبت. (¬6) في "ن" زيادة: "إلى الأرض". (¬7) "أن" ليست في "ج". (¬8) في "ع": "ولأنه". (¬9) انظر: "الروض الأنف" (1/ 318).

فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلاَ تَرُدُّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟ قَالَ: "لَوْلاَ حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ، لَفَعَلْتُ". فَقَالَ عَبْدُ اللهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: لَئِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، مَا أُرَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَرَكَ اسْتِلاَمَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحِجْرَ، إِلاَّ أَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يُتَمَّمْ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ. (لولا حِدْثانُ قومِك بالكفر، لفعلت): فيه دليل على ارتكاب أيسرِ الضررين دفعًا لأكبرهما؛ لأن قصورَ البيت أيسرُ من افتتان طائفة من المسلمين، ورجوعِهم عن دينهم. (ترك (¬1) استسلامَ الركنينِ اللذينِ يليان الحجر، إلا أن البيت لم يتمَّ على قواعد إبراهيم): فيكون حينئذٍ الركنان اللذان يليان الحجر ليسا بركنين، وإنما هما (¬2) بعض الجدار الذي بنته قريش، فلذلك لم يستلمهما (¬3) النبي - صلى الله عليه وسلم -. * * * 934 - (1584) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، حَدَّثَنَا أَشْعَثُ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضيَ اللهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْجَدْرِ أَمِنَ الْبَيْتِ هُوَ؟ قَالَ: "نعمْ". قُلْتُ: فَمَا لَهُمْ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِي الْبَيْتِ؟ قَالَ: "إِنَّ قَوْمَكِ قَصَّرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ". قُلْتُ: فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا؟ قَالَ: "فَعَلَ ذَلِكِ قَوْمُكِ لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاؤُوا، وَيَمْنَعُوا مَنْ ¬

_ (¬1) في "ع": "وترك". (¬2) في "ع": "وإنما هو". (¬3) في "ع": "يستلمها".

شَاؤُوا، وَلَوْلاَ أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِالْجَاهِلِيَّةِ، فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ أَنْ أُدْخِلَ الْجَدْرَ فِي الْبَيْتِ، وَأَنْ أُلْصِقَ بَابَهُ بِالأَرْضِ". (عن الجَدْر): بجيم مفتوحة ودال ساكنة، وروي: "الجدار"، والمراد: جدار الحِجْر؛ لما فيه من أصول حائط البيت (¬1). (قصَّرت بهم النفقة): - بتشديد الصاد (¬2) -؛ أي: لم يتسعوا لإتمام البيت لقصور النفقة، وقِلَّةِ ذاتِ يدهم. (فإن (¬3) فعل ذلكِ قومكِ): بكسر الكاف فيهما (¬4)؛ لأنه خطاب لعائشة رضي الله عنها. (ليدخلوا من شاؤوا، ويمنعوا من شاؤوا): يريد بني عبد الدار حَجَبَةَ البيت الذين يلون أمرَه وسدانته (¬5). * * * 935 - (1585) - حَدَّثنا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثنا أَبُو أُسُامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضيَ اللهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْلاَ حَدَاثَةُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ، لَنَقَضْتُ الْبَيْتَ، ثُمَّ لَبَنَيْتُهُ عَلَى أَسَاسِ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -؛ فَإِنَّ قُرَيْشًا اسْتَقْصَرَتْ بِنَاءَهُ، وَجَعَلْتُ لَهُ خَلْفًا". قَالَ أَبو مُعَاوِيَةَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ: خَلْفًا يَعْنِي: بَابًا. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 390). (¬2) "بتشديد الصاد" ليست في "ن". (¬3) نص البخاري: "قال". (¬4) في "ع": "فيها". (¬5) في "ن": "وسدنته".

(وجعلَتْ له خلفًا): قال الزركشي: بفتح اللام وسكون التاء، يعني: إن جُعِل مسندًا (¬1) إلى ضمير المؤنث (¬2)، فالتاء ساكنة؛ لأنها تاء التأنيث اللاحقة للفعل. ويروى بإسناده إلى ضمير المتكلم، فاللام ساكنة، والتاء مضمومة، وخَلْفًا - بخاء معجمة مفتوحة ولام ساكنة -؛ أي: بابًا من خلفه يقابلُ هذا البابَ الذي هو (¬3) مقدم (¬4). قلت: تفسير خلفًا بذلك وقع في متن البخاري، وعليه فيتعين كونُ جَعَلْتُ مسندًا إلى ضمير المتكلم، وهو النبي - صلى الله عليه وسلم -، لا إلى ضمير يعود إلى قريش كما قاله الزركشي أولًا، فتأمله. * * * 936 - (1586) - حَدَّثَنَا بَيَانُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضيَ اللهُ عَنْهَا -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهَا: "يَا عَائِشَةُ! لَوْلاَ أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ، لأَمَرْتُ بِالْبَيْتِ فَهُدِمَ، فَأَدْخَلْتُ فِيهِ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ، وَألزَقْتُهُ بِالأَرْضِ، وَجَعَلْتُ لَهُ بَابَيْنِ: بَابًا شَرْقِيًّا، وَبَابًا غَرْبِيًّا، فَبَلَغْتُ بِهِ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ". فَذَلِكَ الَّذِي حَمَلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - عَلَى هَدْمِهِ. قَالَ يَزِيدُ: ¬

(¬1) في "ج": "يعني: إن جعلت البيت مسندًا". (¬2) في "ع": "مؤنث". (¬3) "هو" ليست في "ج". (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 390).

وَشَهِدْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ حِينَ هَدَمَهُ وَبَنَاهُ وَأَدْخَلَ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ، وَقَدْ رَأَيْتُ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ حِجَارَةً كَأَسْنِمَةِ الإبِلِ. قَالَ جَرِيرٌ: فَقُلْتُ لَهُ: أَيْنَ مَوْضِعُهُ؟ قَالَ: أُرِيكَهُ الآنَ. فَدَخَلْتُ مَعَهُ الْحِجْرَ، فَأَشَارَ إِلَى مَكَانٍ، فَقَالَ: هَاهُنَا. قَالَ جَرِيرٌ: فَحَزَرْتُ مِنَ الْحِجْرِ سِتَّةَ أَذْرُعٍ أَوْ نَحْوَهَا. (يزيد بن رومان): يزيدُ: من الزيادة، ورُومان بضم الراء وفتح النون (¬1)، لا ينصرف. (لولا أن قومك حديثُ عهدٍ): قال الزركشي: كذا (¬2) روي بالإضافة مع حذف الواو. قال (¬3) المطرزي: وهو لحن، والصواب: "حديثو (¬4) عهد" [بواو الجمع مع الإضافة (¬5). قلت: لا لحن ولا خطأ، والروايةُ صواب، ويوجَّه] (¬6) بنحو ما قالوه في قوله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} [البقرة: 41] حيث قالوا: إن التقدير: ولا تكونوا (¬7) أولَ فريقٍ كافر، أو فوجِ كافر، يعنون: أن مثل هذا ¬

_ (¬1) "وفتح النون" ليست في "ع". (¬2) "كذا" ليست في "ع". (¬3) في "ن": "وقال". (¬4) في "ع": "حديث". (¬5) انظر: "التنقيح" (1/ 390). (¬6) ما بين معكوفتين سقط من "ن". (¬7) "ولا تكونوا" ليست في "ع".

من الألفاظ مفرد بحسب اللفظ، وجمعٌ بحسب المعنى، فيجوز لك (¬1) رعايةُ لفظه تارة، ومعناه أخرى، كيف شئت، فانقل ذلك إلى الحديث، تجده ظاهرًا لا خفاء بصوابه. (وقد رأيت أساسَ إبراهيم (¬2)): قال ابن التين: لم يضبط أساس -بفتح الهمزة ولا بكسرها-، ويحتمل أن يكون بفتحها، ويكون واحدًا، وهو أصل البناء، كما قاله ابن فارس (¬3). قلت: يعني: أن (¬4) أساسًا ورد بفتح الهمزة، والمرادُ به الواحد كما قاله، وجمعه: أُسُسٌ، مثل: قَذال وقُذُل، وقد ورد (¬5) بكسر الهمزة؛ جمعًا لإِسٍّ، مثل: عِسٍّ (¬6) وعِساسٍ، ولم نجد من جهة الرواية ضبط هذه الكلمة كيف هو. (فحزرتُ): - بحاء مهملة فزاي فراء -؛ أي: قَدَّرْتُ. (من الحِجْر): بكسر الحاء وسكون الجيم. (ستة أذرع): - بالذال المعجمة -: جمعُ ذِراع. (أو نحوها): والسبب في كونه حرزَ ذلك، ولم يقطعْ به: أن المنقول أنه لم يكن حول البيت حائطٌ يحجر الحجر من سائر المسجد حتى حجرَهُ ¬

_ (¬1) في "ع": "ذلك". (¬2) "أساس إبراهيم" ليست في "ع". (¬3) انظر: "التوضيح" (11/ 306). (¬4) "أن" ليست في "ع". (¬5) في "ن" و "ج": "وورد". (¬6) في "ع": "عسس".

عمرُ (¬1) بالبنيان، ولم يبنه على الجَدْر (¬2) الذي كان علامة أساس إبراهيم - عليه الصلاة والسلام -، بل (¬3) زاد ووسَّعَ قطعًا للشك، وصار الجدْر في داخل التحجير، فلذلك حزر جريرٌ ولم يقطع، ثم الحِجْر هل هو من البيت قطعًا بالنسبة إلى [الطواف والصلاة جميعًا، أو بالنسبة إلى] (¬4) الطواف فقط حتى لا يصح استقباله في الصلاة؟ فيه كلام للشافعية. ثم هنا مسألة مهمة ينبغي التنبيهُ عليها وقعت في رحلة الإمام العلامة الخطيب أبي عبد الله (¬5) بن رُشَيد - بضم الراء وفتح الشين المعجمة -، وأنا أروي هذا الكتاب عن شيخنا قاضي القضاة ولي الدين عبد الرحمن بن خلدون -رحمه الله - إجازةً عن المحدِّث العلامة عبد المهيمن بن محمد بن عبد [الرحمن بن محمد بن محمد] (¬6) [بن عبد] المهيمن الحضرمي إجازةً عن ابن رُشيد (¬7) سماعًا، وأنا أورد كلامه في هذه المسألة برمته، وإن كان طويلًا؛ إيثارًا لحصول الفائدة. قال رحمه الله: اعلم أنه نشأ في الطواف مسألةٌ اللهُ أعلمُ بوقت نشأة الكلام فيها، وهو ما أحاط بالبيت ملتصقًا به أسفل الجدار ما بين الركنين ¬

_ (¬1) في "ن" زيادة: "رضي الله عنه". (¬2) في "ع": "الجدار". (¬3) في "ع": "بأن". (¬4) ما بين معكوفتين زيادة من "ن"، وفي "ج": "بالنسبة إلى الصلاة والطواف جميعًا، أو بالنسبة إلى الطواف فقط". (¬5) "أبي عبد الله" ليست في "ع". (¬6) ما بين معكوفتين سقط من "ن" و"ج". (¬7) في جميع النسخ عدا "ن" زيادة: "إجازة إن لم يكن".

اليمانيين، وهو الذي يسمى بالشاذروان، وكان بسيطًا، ثم زهق في هذا الوقت الأخير حتى صار كأنه مثلث احتياطًا فيما زعموا على الطائفين أن لا يفسدوا (¬1) طوافهم بكونهم إذا طافوا ماشين عليه حيث كان بسيطًا يكون طوافهم في جزء من البيت، وكان منتهاه إلى قريب من الركن، ولم يكن من هذه الزيادة الظاهرة تحت الحجر الأسود شيء (¬2)، ثم زيدت بمقدار (¬3) سائره في المدة الأخيرة. وهذا الاسم - أعني (¬4): الشاذروان - لفظة عجمية، وهي بلسان الفرس بكسر الذال، ولا توجد هذه التسمية في حديث صحيح، ولا سقيم ولا عن أحد (¬5) من السلف فيما علمت، ولا لها (¬6) ذكر عند فقهاء المالكية المتقدمين والمتأخرين، إلا ما وقع في "الجواهر" لابن شاس، وتبعه أبو عمرو بن الحاجب (¬7). و (¬8) لا شك أن ذلك منقول من (¬9) كتب الشافعية. وأقدمُ من ذكر ذلك منهم فيما وقعتُ عليه: المزني حسبما نقله صاحب ¬

_ (¬1) في "ن": "يفسد". (¬2) "شيء" ليست في "ع". (¬3) في "ن": بمقدر. (¬4) في "ج": "يعني". (¬5) في "ع": "واحد". (¬6) "لها" ليست في "ج". (¬7) في "ع": "الحارث". (¬8) الواو سقطت من "ج". (¬9) في "ج": "في".

"الشامل"، وذكره من أصحابنا القاضي أبو بكر بن العربي من غير تعرُّضٍ لبيان حكم، بل ذكر أنه شاهدها سنة تسع وثمانين وأربع مئة. قال: وقست خارجها والحِجْر والشاذروان. ولنرجع إلى الكلام في هذه المسالة، فنقول: انعقد إجماع المسلمين، قبل: طُرُوِّ هذا الاسم الفارسي على أن (¬1) البيت متمم على قواعد إبراهيم -عليه السلام- من جهة الركنين اليمانيين، ولذلك استلمهما النبي - صلى الله عليه وسلم - دونَ الآخَرَين، وأن ابن الزبير لما نقضه وبناه إنما زاد (¬2) فيه من جهة الحِجْر، وأقامه على الأسس الظاهرة التي عاينها العدولُ من الصحابة، وكبراء (¬3) التابعين، وكذلك (¬4) وقع الاتفاق على أن الحَجَّاج لما نقض البيت بأمر عبد الملك، لم ينقض إلا جهة الحِجْر خاصةً، وأقام قوسًا (¬5) داخل الكعبة إلى ما كان عليه من الارتفاع، وأغلق الباب الغربي، وهو باقٍ مسدودٌ إلى الآن ظاهرٌ لكل أحد، وكان ابن الزبير فتح للبيت بابًا غربيًا، وترك الحجاج - أيضًا (¬6) - ما زاده ابن الزبير من (¬7) ارتفاع البيت على حاله، وليس للشاذروان في هذا العمل كله ذكر، ولنذكر كلام بعض أئمة الشافعية في ذلك، ¬

_ (¬1) "أن" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "إنما أراد". (¬3) في "ع": "وكبر". (¬4) في "ع": "ولذلك". (¬5) في "ع": "وإتمام فرش". (¬6) "أيضًا" ليست في "ج". (¬7) في "ن": "في".

قال أبو نصر بن الصباغ الشافعي - محتجًا على أبي حنيفة -رحمه الله - حيث قال في الركن اليماني: لا يُسْتَلَم (¬1)؛ لأنه لا يُقَبَّل، فلا يُستلم [كالركنين الآخرين -، قال ابن الصباغ: أما قياسهم على] (¬2) الركنين الآخرين، فالجواب: أن الركن اليماني على قواعد إبراهيم -عليه السلام-؛ بخلاف الركن الآخر، فإنه لم يُبْنَ على قواعد [إبراهيم، فافترقا، فانظر كيف نصَّ (¬3) ابنُ الصباغ في التفرقة بين اليمانيين وغيرهما: أن اليمانيين على قواعد] (¬4) إبراهيم -عليه السلام-، فلو كان الشاذروان من البيت؛ لكان الركن الأسود داخلًا في البيت، ولم يكن متممًا (¬5) على قواعد إبراهيم عليه السلام. [قال الشيخ محيي الدين النووي -رحمه الله -: الركن الأسود فيه فضيلتان: إحداهما: كونه بني على قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام] (¬6). والثانية: كونه فيه الحجر الأسود (¬7). وأما اليماني: ففيه فضيلة واحدة: وهي كونه على قواعد إبراهيم (¬8)، ¬

_ (¬1) في "ع": لا يلزم. (¬2) ما بين معكوفتين سقط من في "ن". (¬3) في "ن": "أقر". (¬4) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬5) في "ع": "متمًا". (¬6) ما بين معكوفتين زيادة من "ن". (¬7) في "ع": "كونه في الحجر". (¬8) في "ن" زيادة: "عليه الصلاة والسلام".

وأما الركنان الآخران، فليس فيهما شيء من هاتين الفضيلتين، فلهذا خُصَّ (¬1) الحجرُ الأسود بشيئين: الاستلام، والتقبيل؛ للفضيلتين (¬2). وأما اليماني: فنستلمه ولا نقبله؛ لأن فيه فضيلةً واحدة، وأما الركنان الآخران: فلا يُقبلان ولا يُستلمان (¬3). فهذا النووي صرح بأن اليمانيين متمَّمان على قواعد إبراهيم (¬4)، فمن أين نشأ الشاذروان؟! قال القاضي عياض -رحمه الله - في "الإكمال": وقوله: لم أر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح إلا (¬5) الركنَ الأسودَ والذي يليه؛ لأن اليمانيين على أسس البيت، وركنان له، والآخَرَين بعضُ الحائط، وليسا بركنين صحيحين؛ لأن الحِجْر وراءهما، وما حُكي عن ابن الزبير من استلام الأربع، قال القابسي: لأنه كان بنى البيت على قواعده الأربع، وكانت أركانًا كلها. قال [القاضي: ولو بُني الآن على ما بناه ابن الزبير؛ لاستُلِمَتْ كلُّها كما فعل ابن الزبير (¬6). ¬

_ (¬1) في "ع": "أخص". (¬2) "للفضيلتين "ليست في "ن". (¬3) انظر: "شرح مسلم" للنووي (9/ 14). (¬4) في "ن" زيادة: "عليه الصلاة والسلام". (¬5) "إلا" ليست في "ع". (¬6) انظر: "إكمال المعلم" (4/ 343).

وهذان الإمامان] (¬1) أبو الحسن القابسي، والقاضي عياض نصَّا على أن اليمانيين على قواعد إبراهيم عليه السلام. قال ابن رُشيد: وهذا عندي أمر لا يحتاج إلى نقل، والمشكِّك (¬2) فيه كمن يشكِّك في قاعدة من قواعد الشريعة المعروفة عند جميع الأمة، واعلم أنه وقع في كلام أبي (¬3) عمرو بن الصلاح الشافعي: أن قريشًا لما رفعوا الأساس بمقدار ثلاث أصابع من وجه الأرض (¬4) - وهو القدر الظاهر الآن من الشاذروان الأصلي قبل تزليقه - نقضوا عرضَ الجدار عن عرض الأساس الأول. وهذا الذي قاله لم يأت به حديث صحيح، ولا ورد من قول صاحبٍ يصحُّ سندُه، ولعل ذلك من نقل التأريخيين، ولو صحَّ هذا؛ لاشتُهر ونقُل، وهدمَ عبدُ الله بن الزبير الكعبة حتى بلغ بها الأرض، وأقامها (¬5) على قواعد إبراهيم -عليه السلام-، وكونُ الحجاج لم يهدم مما بناه ابن الزبير إلا ناحيةَ الحِجْر؛ لكونه أدخلَه في البيت أمرٌ معلومٌ مقطوعٌ به، مجمَعٌ عليه، منقولٌ بالسند الصحيح في الكتب المعتمدة، لا يشك فيه أحد، فإذا ثبت هذا، فكيف يقال: إن هذا القدر الظاهر الآن مما نقضته قريش من عرض الجدار، وما (¬6) بقي لبناء قريش أثر؟ ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين سقط من "ج". (¬2) في "ن" و"ج": "والمتشكك". (¬3) في "ج": "ابن"، وفي "ع": "أبو". (¬4) في جميع النسخ عدا "ن" زيادة: "قال". (¬5) في "ن": "وأتمها". (¬6) في "ع": "وهي".

فالسهو والغلط فيما نقله ابن الصلاح مقطوع به، والعصمةُ للأنبياء عليهم السلام (¬1). والذي نقله أبو عُبيد في كتاب "المسالك والممالك": أن ابن الزبير لما هدم الكعبة، وألصقها كلَّها بالأرض من جوانبها جميعًا، وظهرت أُسُسُها، وأشهدَ الناسَ عليها، قال لهم ابن الزبير: اشهدوا، ثم صنع البناء على الأساس (¬2)، فهذا الذي تسميه (¬3) الناس اليومَ الشاذروان اسمٌ حادث (¬4) على شيء صُنع؛ ليُصان به الجدارُ خيفةَ إجحاف السيول. وذكر ابنُ عبدِ ربهِّ في كتاب "العقد" في صفة الكعبة ما فيه إشارة إلى أنه جعلَ حولَ البيت ما يقيه من السيول. وقال تقي الدين ابن تيمية (¬5) في "منسكه الجديد (¬6) ": وليس الشاذروان من البيت، بل جُعل عمادًا للبيت (¬7). ومما يؤيد (¬8) ذلك: أن داخل الحِجْر تحت حائط الكعبة شاذروانَ ¬

_ (¬1) "عليهم السلام" ليست في "ن". (¬2) في "ع": "ثم صنعوا لبناء الأساس". (¬3) فى"ن": "ثم تسميه". (¬4) في "ع": "اسم ما حدث". (¬5) في "ع": "ثمثة". (¬6) "الجديد" ليست في "ن". (¬7) في "ن": "عماد البيت". وانظر: "مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام (26/ 122). (¬8) في "ع": "وفيما يود".

نظيرًا (¬1) للشاذوران (¬2) الذي هو (¬3) خارج البيت، ولم يقل أحد: إن هذا الذي في الحجر له حكمُ الشاذوران الخارج، ولا أنه عماد البيت، وأن الخارج (¬4) شاذوران، فكونُ (¬5) هذا الشاذوران مراعَى في الطواف لا دليلَ عليه، ومثلُ هذا لا يثبث إلا بالإجماع الصحيح المتواتر النقل، وقد ذكر أبو العباس، العُباب (¬6) - أحدُ العلماء الأعلام بمدينة (¬7) - فاس هذه المسألة في "شرحه لقواعد القاضي عياض"، واستبعد صحةَ ما حذروا منه في الشادروان. وقولُ بعض المتأخرين من الشافعية: "ينبغي أن يُتفطن لدقيقة" من العجب (¬8)؛ فإن هذه الدقيقة كيف يمكن أن تغييب عن الصحابة والتابعين ومن بعدَهم هن أهل العلم، فلا (¬9) يتنبَّهُ أحدٌ لها، مع تكرُّر الحج في كل عام؟! إن هذا لمن الأمر البعيد الذي لا تسكُنُ (¬10) إليه، نفسُ عاقل (¬11)، ¬

_ (¬1) في "ج": "فيكون نظيرًا". (¬2) في "ن": "نظير الشاذوران". (¬3) "هو "ليست" في "ن". (¬4) في "ع": "ولأنه عما دون الخارج". (¬5) في "ع": "فيكون". (¬6) في "ع": "التفات". (¬7) في "ن": "أحد علماء". (¬8) "من العجب" ليست في "ن". (¬9) في "ن": "ولا". (¬10) في "ع": "لا تشك". (¬11) في "ع": "غافل".

باب: فضل الحرم

والمصنَّفُ لا يحتاج إلى جميع ما ذكرناه من الإيضاح والبيان، والله أعلمُ (¬1) بالصواب (¬2). * * * باب: فَضْلِ الْحَرَمِ وَقَوْلهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [النمل: 91]، وَقَوله - جَلَّ ذِكْرُهُ -: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [القصص: 57]. (باب: فضل الحرم). {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا} [القصص: 57]: تطرق جماعةٌ من الملحدة إلى الطعنِ في ذلك - والعياذ بالله - بقتلِ عبدِ الله بنِ الزبير وغيره ممن قُتل في الحرم، يشيرون (¬3) إلى وقوع الخلف بزعمهم. قال (¬4) القاضي أبو بكر الباقلاني: الخبر هنا مرادٌ به الأمر؛ كقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]، وقوله - عليه الصلاة والسلام -: "مَنْ أَلْقَى سِلاحَهُ، فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي ¬

_ (¬1) في "ن": "والله أعلم وهو الموفق"، وفي "ج": "والله أعلم. انتهى كلامه رحمه الله". (¬2) إلى هنا تنتهي النسخة الخطية المرموز لها بـ "ن". (¬3) في "ج": "يشير". (¬4) في "ج": "فقال".

سُفْيَانَ، فَهُوَ آمِنٌ" (¬1)، إلى غير ذلك. قال ابن المنيِّر: والأوجَهُ في إبطال كلام الملحدة أن يُقال: إن الله تعالى خاطبَ العرب كما تَتخاطب، ولا شك أن لسانها يقتضي وصفَ المدنِ بأنها مآمِنُ، ووصفَ المَفَاوزِ بأنها مخاوفُ، ولا يُنْكِر هذا إلا (¬2) متعنِّتٌ جاهل، ثم الأمرُ محمول فيه على الغالب (¬3)، وإلا، فليس كل من كان بمدينة لا يهلك، ولا كلُّ من كان بمفازة هلك، فدل ذلك على أنهم يضيفون ذلك إلى الغلبة، ولا شك في الجاهلية وما تقدَّم عليها أن الحرمَ لم يزل متميزًا على غيره بمهابة تصد عن السَّفك فيه غالبًا، فهو بذلك (¬4) كان في وصفه بالأمن، وحمل الكلام على الخبر أحسن، وهو الأصل. وأيضًا لو حمل على الأمر، لم يكن مزية؛ لأن السفك أينما كان باطل، فهو منهي عنه مطلقًا، في الحرم وغيره، وإن كان لحق؛ فالحكم عندنا أن يستوفي الحدود والحقوق (¬5)، فأين المزية باعتبار الحكم إذن؟! وحملُ الأمر على حالة اختصَّ بها يومَ الفتح بعيدٌ؛ فإن أمان الفتح ما كان معروفًا بمكة؛ كمن أغلقَ عليه بابه، وكمن دخل دارَ فلان، ونحو ذلك، وأما من (¬6) كان من الكفار في الطرقات والشِّعاب، فلم يكن حينئذٍ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1780)، كتاب: الجهاد والسير، باب: فتح مكة، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (¬2) في "ج": "إلا كل". (¬3) في "ج": "الغائب". (¬4) في "ج": "غالبًا يتميزه ذلك". (¬5) في "ج": "الحقوق والحدود". (¬6) في "ع": "ما".

باب: توريث دور مكة وبيعها، وأن الناس في مسجد الحرام سواء خاصة

مؤمناً، والحرم أعمُّ من مكة بتناولهما، فظواهرُها إلى حدود معلومة، وسمي الحرمُ كلُّه مقامَ إبراهيم؛ لأن المقام فيه، هذا هو الأظهر، والله أعلم. * * * باب: تَوْريثُ دُورِ مَكَّةَ وَبَيْعِهَا، وَأَنَّ النَّاسَ فِيْ مَسْجدِ الحَرَامِ سَوَاءٌ خَاصَّة 937 - (1588) - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَلِي بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زيدٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيْنَ تَنْزِلُ فِي دَارِكَ بِمَكَّةَ؟ فَقَالَ: "وَهَلْ تَرَكَ عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أَوْ دُورٍ؟ ". وَكَانَ عَقِيلٌ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ هُوَ وَطَالِبٌ، وَلَمْ يَرِثْهُ جَعْفَرٌ، وَلاَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - شَيْئاً؛ لأَنهمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ، وَكَانَ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ كَافِرَيْنِ، فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يَقُولُ: لَا يَرِثُ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَكَانُوا يَتَأَوَّلُونَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 72] الآيَةَ. (باب: توريث دورِ مكة وبيعِها وشرائها). (أين تنزل في دارك بمكة؟ قال: وهل ترك لنا عقيل من رباع؟): قال السفاقسي في رواية ابن مِغْول: "غداً رَبعِ آبائك وأجدادك؟ ". وقال القرطبي: ظاهر هذه: أنها كانت مُلْكَه، يدل عليه قوله: "وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ؟ "، فأضافها إلى نفسه، فظاهرها الملك، فيحتمل أن

عقيلاً تصرف فيها كما فعل أبو سفيان بدور المهاجرين، ويحتمل غير ذلك. وقد فسر الداودي المراد بقوله: "وكان عقيلٌ ورثَ أبا طالب" إلى آخره؛ يعني: لاتفاقهما في الكفر حينئذٍ، ولم يرثه عليٌّ ولا جعفر؛ لإسلامهما؛ أي: ولو كانا وارثين، لنزل (¬1) -عليه السلام- في دورهما، وكانت كأنها ملكه؛ إدلالاً عليهما؛ لعلمه بإيثارهما إياه على أنفسهما، فهذا وجهُ إضافةِ الرباع إليه على التقدير (¬2). وقد اضطرب الناسُ في ملك دور مكة: قال ابن المنير: وسببه - والله أعلم - اختلافُ الأحكام الدالة، فثبت اختصاصُ قومٍ ببعض المواضع، والتصرفُ بإغلاق الأبواب، ونحو ذلك، وهو دليل الملك، وثبت منعُ إغلاقِ الأبواب في المواسمِ، وإباحتُها حينئذٍ بحيث لا يختص أحدٌ ألا بالسبق، وهذه علامة على (¬3) عدم الملك، فيحتمل أن يقال: هي مملوكة، والتزام فتح الأبواب مواساة في اليوم؛ للضرورة، وهي بمثابة المضطر إلى أكل طعام الغير في المخمصة يلزمه أن يبيحه له، ولا يدل ذلك على عدم ملكه طعامه. ويحتمل أن يقال: هي مباحة في الأصل (¬4)، والتخصيص إنما هو كما يعرض في المباحات؛ كالسابق إلى بقعة (¬5) في المسجد تقدَّم فيها، ومعتادُ الجلوسِ بمكان منه كذلك، على خلاف فيه. ¬

_ (¬1) في "ج": "لقول". (¬2) انظر: "المفهم" للقرطبي (3/ 465). (¬3) في "ج": "في". (¬4) في "ج": "في الأرض". (¬5) في "ع": "إلى نفعه".

باب: نزول النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة

قال: واحتجاج الطحاوي بجواز الأبنية فيها بخلاف عرفةَ، غيرُ مستقيم؛ لأن المقصود من عرفةَ ينافيه البنيان، وأما مكة، فمعدَّة للسكنى، فالبناء فيها من الأسباب المعينة على استيفاء الغرض منها. قال: لكن الأوجه بعد هذا: أنها مملوكة؛ إلحاقاً لهذا الطريق (¬1) بالغالب؛ لأنه إذا تعارضت فيه الدلالات، فإلحاقها بالأغلب يقوي أحدَ الطرفين؛ لأن الأرض كلها قابلةٌ للملك، ولا كراهة لمالك لبيعها - والله أعلم - لتعارض الأدلة فيها، واحتاط وغلَّب الكراهة، وظاهرُ الإضافة للملك فيما هو قابل له، لا الاختصاص خاصة. * * * باب: نزول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مكةَ 938 - (1589) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ أَرَادَ قُدُومَ مَكَّةَ: "مَنْزِلُنَا غَداً إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ". (بخيف بني كنانة): هو المحصَّب، وقد فسر بذلك في المتن في الحديث الذي بعد هذا. (حيث تقاسموا على الكفر): أي: تحالفوا على الكفر، وهو (¬2) تبرؤهم من بني هاشم وبني عبد المطلب، [وألا يقبلوا لهم صلحاً، ¬

_ (¬1) في "ج": "الطرق". (¬2) في "ج": "وهم".

ولا يدخلوا إليهم طعاماً، وكتبوا صحيفة بذلك، وعلقوها بالكعبة، فاشتد على بني هاشم وبني المطلب] (¬1) البلاء في الشعب الذي انحازوا إليه، فبعث الله الأَرضة على الصحيفة، فلحسَتْ كلَّ ما فيها من عهد وميثاق واسم الله تعالى، وبقي ما كان (¬2) فيها من شرك أو ظلم أو قطيعة رحم، فأطلعَ الله رسولَه على ذلك، فأخبرَ به عمَّه أبا طالب، فذهب عمه أبو طالب في عصابة من بني عبد (¬3) المطلب حتى أتوا المسجد، فأخبر بما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال: إن كان الحديث كما تقول، فلا والله لا نسُلمه حتى نموت، وإن كان باطلاً، دفعنا إليكم صاحبكم، فقتلتم واستحييتم، فقالوا: رضينا، ففتحوا الصحيفة، فوجدوا الصادق المصدق وقد أخبر بالحق، فسُقط في أيديهم. قال ابن المنير: وفي هذا دليل على إيجاب احترام أسماء الله تعالى، وإن كتبت في أثناء ما تجب إهانته كالتوراة والإنجيل بعد تحريفهما، فيجوز إحراقُهما وإتلافُهما، ولا يجوز إهانتُهما؛ لمكان تلك الأسماء؛ خلافاً لمن قال: يجوز الاستنجاء بهما؛ لأنهما باطل، وإنما هما (¬4) باطل بما فيهما (¬5) من التحريف، ولكن حرمة أسماء الله تعالى لا تتبدل على وجه (¬6) ما. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين زيادة من "ج". (¬2) "كان" ليست في "ج". (¬3) "عبد" ليست في "ج". (¬4) في "ع": "وإياهما". (¬5) في "ج": "فيها". (¬6) في "ج": "وجه الأرض".

باب: قول الله تعالى

ألا ترى كيف أقام الله حرمةَ أسمائه بأن محاها، وأبقى ما عداها من الصحيفة، فلولا أن الأسماء متميزة عما هي فيه لحرمة، لما كان لتمييزها معنى، ولهذا يُمنع الكافر من كتب اللغة العربية؛ لما فيها من أسماء الله تعالى وآياته، وتلك حجةُ المازني حيث امتنع من إقراء كتاب سيبويه الكافرَ، وفيه دليل على احترام كتب التفاسير (¬1) بطريق الأولى؛ لأنها حق، ولكن لا يبلغ الأمر إلى إيجاب الطهارة لمسِّها، وإن كان الأولى ذلك، والله أعلم. * * * باب: قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [إبراهيم: 35 - 37] الآيَةَ. (باب: قول الله - عز وجل -: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا} [البقرة: 35]): إلى آخره. * * * باب: قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ} [المائدة: 97] 939 - (1591) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا زِيَادُ ¬

_ (¬1) في "ع": "كتاب التفسير".

ابْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الْحَبَشَةِ". (يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة): يُخَرِّب - بضم الياء وفتح الخاء المعجمة وتشديد الراء وكسرها -؛ من التخريب. والسويقتين: تثنية سُوَيْقَة، وهي تصغير ساق، والساقُ مؤنثة، ولذلك ألحق بها الهاء في التصغير، وفي سيقان الحبشة دقة (¬1)، فلذلك صغرها (¬2). وإنما أدخلَ (¬3) هذا الخبرَ تحت هذه الترجمة؛ ليبين أن الأمر المذكور مخصوصٌ بالزمن الذي شاء الله فيه الأمان، إذا شاء رفعه عند خروج ذي السويقتين، ثم إذا شاء أعاده. قال ابن المنير: وهذا يدل على أن البخاري -رحمه الله - سبقَ إلى فهمه ما تأولنا عليه الآيةَ من حملها على الأمان المخصوص (¬4) الغالب الذي لا ينافيه وجود خلافه في النادر (¬5)، وقد تقدم قريباً. * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "وفي سمعان الحبشة دفه". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 391). (¬3) في "ع": "دخل". (¬4) في "ع": "على الإمام والمخصوص". (¬5) في "ع": "في النار".

باب: كسوة الكعبة

باب: كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ (باب: كُسْوَة الكعبة): الكسوة: - بضم الكاف وكسرها -، ويجمع على (¬1) كُسًا. 940 - (1594) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا وَاصِلٌ الأَحْدَبُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: جِئْتُ إِلَى شَيْبَةَ. وَحَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: جَلَسْتُ مَعَ شَيْبَةَ عَلَى الْكُرْسِيِّ فِي الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: لَقَدْ جَلَسَ هَذَا الْمَجْلِسَ عُمَرُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، فَقَالَ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لَا أَدعَ فِيهَا صَفْرَاءَ وَلاَ بَيْضَاءَ إِلاَّ قَسَمْتُهُ. قُلْتُ: إِنَّ صَاحِبَيْكَ لَمْ يَفْعَلاَ. قَالَ: هُمَا الْمَرْآنِ أَقْتَدِي بِهِمَا. (فقال): أي: عمر رضي الله عنه. (لقد هممت أن لا أدع فيها صفراء ولا بيضاء إلا قسمته): أي: ذهباً ولا فضة. قال الزركشي: وظن بعضهم أنه حلي الكعبة، وغلَّطه صاحب "المفهم": بأن ذلك محبَّس [كَحُصُرها] عليها وقناديلها، لا يجوز صرفه في غيرها، وإنما هو الكنز، وكأنه قصد ما يُهدى إليها خارجاً عما كانت تحتاج إليه مما يُنفق فيها، ولما افتتح النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة، تركه رعايةً لقلوب قريش، ثم بقي على ذلك في زمن الصديق وعمر، وقال: ولا أدري ما صنع به بعد ذلك، وينبغي أن يُبحث عنه (¬2). ¬

_ (¬1) على ليست في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح " (1/ 391 - 392).

فإن قلت: ما وجهُ تذكير الضمير من قوله: إلا قسمتُه، مع أن مرجعه مؤنث؟ قلت: ذَكَّرَه باعتبار المال. (قلت: إن صاحبيك لم يفعلا): يريد النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وأبا بكر -رضي الله عنه -. (قال هما المرآن أقتدي بهما): وليس لكسوة الكعبة في هذا الحديث ذِكْر، فمن ثَمَّ (¬1) اعترض الإسماعيلي بسوق هذا الخبر في هذه الترجمة. قال ابن المنير: يحتمل أن يكون مقصودهُ التنبيهَ (¬2) على أن كسوة الكعبة أمر مشروع وجمال؛ إعظاماً للإسلام، فالكسوةُ من هذا القبيل، ويحتمل أن يريد التنبيهَ (¬3) على الكسوة وما يُصنع بها، وهل يجوز التصرفُ فيما عتق منها بالقسمة أو لا؟ فنبه على أنه موضع (¬4) اجتهاد، وأن مقتضى رأي عمر -رضي الله عنه - أن يقسم في المصالح، ويعارض رأيَه تركُ النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر القسمةَ، إلا أن التركَ ليس صريحاً في المنع. قال: والظاهر جوازُ قَسْمِ الكسوة العتيقة؛ إذ بقاؤها يعرض لإتلافها؛ بخلاف النقدين، وإذ لا جمال في كسوة مطوية عتيقة. ويؤخذ من قول عمر: أن صرف المال في المصالح؛ كالفقراء والمساكين آكدُ من صرفه في كسوة الكعبة، لكن الكسوةَ في هذه الأزمنة؛ ¬

_ (¬1) "ثَمَّ" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "التثنية". (¬3) في "ع": "التثنية". (¬4) في "ع": "موضوع".

لأنسِ الناسِ بها أهمُّ: إذ الأمورُ المتقادمة تتأكدُ حرمتُها في النفوس. واستدلالُ من استدلَّ بترك النبي - صلى الله عليه وسلم - أموالَ الكعبة وتوفيرها عن القسمة على إيجاب إبقاء الأجناس على ما سلب عليه، فيه نظر؛ لأنه إن كان المال المحبَّسُ على الكعبة عُني به الصرفُ في إقامة الكعبة بتقدير انهدامها - والعياذُ بالله -، فهذا ما لا يخطر بالبال؛ لأنا نعلم أن الذي يُهدي المال للكعبة لم يقصدْ ذلك، وإن كان هذا المال المحبَّسُ عليها أُريد بقاؤه لذاته، فهذا لا نظير له؛ فإن الأجناس إنما تراد لمنافعها، لا لذواتها، فلا يستدل بهذا الباب المستثنى على غيره، ألا ترى أنه لا يجوز أن يوقف داراً على أن تبقى ذاتُها غيرَ منتفَع بها؟ وإن كان المراد بالمال المذكور منفعةَ أهل الكعبة والحرم وسدنة (¬1) البيت، أو إرصاده لعامة المسلمين، فهذا لا يختلف في أن قسمَه على مستحقيه عملٌ بمقتضى الوفف، لا إبطالٌ له، فالحقُّ أن هذه الأموال أُريد بها بقاء ذواتها، أو تجمل الكعبة بها إقامة لأُبَّهة الإسلام، أو خرج عنها أصحابها على أن تبقى في الكعبة غير قاصدين لمعنى آخر. وعلى كل تقدير من هذه الثلاثة: فهو تحبيس لا نظيرَ له، فلا يُقاس عليه، وهذا هو الذي رجع إليه عمر رضي الله عنه. وعلى الجملة: فالمسألةُ اجتهادية، ومن هذه القاعدة الأموال التي تُهدى إلى المشاهد؛ كالشمع والزيت في قناديل الفضة التي يُعلم أنها لا يوقد فيها، يجري فيها هذا النوع من الاجتهاد، ويحتمل الخلاف. ¬

_ (¬1) في "ج": "وسنده".

باب: هدم الكعبة

قلت: وقع لشيخنا الإمام أبي (¬1) عبد الله بن (¬2) عرفة -رحمه الله- في أواخر كتاب الأيمان والنذور في "مختصره" في الفقه ما نصه: ونُذر شيءٍ لميتٍ صالحٍ معظَّمٍ في نفس الناذر، [لا أعرف نصاً فيه، وروي (¬3): إن قصدَ مجردَ كونِ الثواب للميت، تصدَّقَ به موضعَ الناذر] (¬4)، وإن قصد الفقراء الملازمين لقبره، أو زاويته، تعين لهم إن أمكن وصولُه لهم، انتهى (¬5). وبقي عليه ما لو أعلمنا نذرَه، وجهلْنا قصدَه، وتعذر استفسارُه، فعلى ماذا يحمل؟ والظاهر حمله على ما هو الغالب من أحوال الناس بموضع الناذر، والله أعلم. * * * باب: هَدْمِ الكعبةِ 941 - (1595) - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الأَخْنسَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أبي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "كَأَنِّي بِهِ أَسْوَدَ أَفْحَجَ، يَقْلَعُهَا حَجَراً حَجَراً". ¬

_ (¬1) في "ج": "أن". (¬2) "بن" ليست في "ج". (¬3) في "مواهب الجليل" للحطاب (3/ 340) وقد نقل نص ابن عرفة هذا: "وأرى" بدل "وروي". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬5) في "ع": "لهم أنت هي".

(كأني به أسودَ أَفْحَجَ): - بنصب كلٍّ من الموضعين على الحال -، والفَحَج: - بفاء فجيم - تباعُدُ ما بين الساقين، رجلٌ أَفْحَجُ، وامرأة فَحْجاءُ (¬1). (يقلعها حجراً حجراً): أي: يقلع الكعبة. فإن قلت: ما إعرابُ الألفاظ الواقعة في هذا التركيب، وهو قوله: "كأني به. . . " إلى آخره؟ قلت: هو نظير قولهم: كأنك بالدنيا لم تكن (¬2)، وكأنك بالآخرة لم تزل (¬3)، وكأنك بالليل قد أقبل (¬4)، وفيه أعاريب مختلفة. قال بعض المحققين فيه (¬5): الأولى أن نقول: "كأَنَّ" على معنى التشبيه، ولا يحكم بزيادة شيء، ونقول التقدير: كأنك تبصر بالدنيا (¬6) وتشاهدها؛ من قوله تعالى: {فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ} [القصص: 11]، والجملة بعد المجرور بالباء حال؛ أي: كأنك تبصر الدنيا وتشاهدها (¬7) غيرَ كائنة. ألا ترى إلى قولهم: كأني بالليل وقد أقبل، وكأني بزيد وهو مالك، والواو لا تدخل على الجمل إذا كانت أخباراً لهذه الحروف. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 392). (¬2) في "ع": "ولم تكن". (¬3) "وكأنك بالآخرة لم تزل "ليست في "ع". (¬4) في "ع": "فلذا قبل". (¬5) "فيه" ليست في "ج". (¬6) الواو ليست في "ج". (¬7) "وتشاهدها" ليست في "ع".

باب: إغلاق البيت

قلت: ويؤيده ثبوتُ هذه الرواية بنصب أسودَ أفحجَ في الحديث، فالنصبُ على الحالية كما مر، و"يقلعها" في محل نصب على الصفة أو (¬1) الحال أيضاً. (عن ابن عباس (¬2)): بباء موحدة. * * * باب: إغلاقِ البيتِ 942 - (1598) - حَدَّثَنَا قُتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْبَيْتَ هُوَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَبِلاَلٌ، وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، فَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا فتحُوا، كنْتُ أَوَّلَ مَنْ وَلَجَ، فَلَقِيتُ بِلاَلاً، فَسَأَلْتُهُ: هَلْ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: نَعَمْ، بَيْنَ الْعَمُوديْنِ الْيَمَانِيَيْنِ. (ولج): أي: دخل. (بين العمودين اليمانيين): فقوله في الترجمة: "ويصلي في أي نواحيه شاء" تنبيهٌ على أن (¬3) صلاته بين العمودين ليست على معنى التحديد، وإنما هو اتفاق. * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "و". (¬2) كذا في الأصول الخطية، ولعل المصنف أراد ضبط اسم الراوي: عابس بن ربيعة، الوارد ذكره في حديث (1597). وانظر: "التنقيح" (1/ 392). (¬3) "أن" ليست في "ع".

باب: من كبر في نواحي البيت

باب: مَنْ كبَّر في نواحي البيت 943 - (1601) - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا قَدِمَ، أَبَى أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ وَفِيهِ الآلِهَةُ، فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ، فَأَخْرَجُوا صُورَةَ إِبْرَاهِيمَ وَإسْمَاعِيلَ فِي أَيْدِيهِمَا الأَزْلاَمُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قَاتَلَهُمُ اللَّهُ! أَمَا وَاللَّهِ! قَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمَا لَمْ يَسْتَقْسِمَا بِهَا قَطُّ". فَدَخَلَ الْبَيْتَ، فَكَبَّرَ فِي نَوَاحِيهِ، وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ. (في أيديهما الأزلام): هي القِداح التي كانوا يضربونها على الميسر، واحدها زَلمَ -بفتح الزاي وضمها-. (أم والله!): أصله: "أما" - بإثبات الألف -، لكنها حذفت تخفيفاً، وقد سمع، وهي حرف استفتاح. (لم يستقسما بها قَطُّ): - بفتح القاف وتشديد الطاء -، وفيه لغات أُخَر: مبني على الضم. قال الزركشي: ومعناه: أبداً (¬1). قلت: إنما هو ظرف (¬2) لاستغراق ما مضى من الزمان، وأما أبد (¬3)، فتستعمل في المستقبل؛ نحو: لا أفعله (¬4) أبداً، نحو: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [الأحزاب: 65]. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 392). (¬2) في "ج": "إنما هو على ظرف". (¬3) في "ع": "بدا". (¬4) في "ج": "أفعل".

باب: كيف كان بدء الرمل؟

(فدخل في البيت، فكبر في نواحيه، ولم يصلِّ فيه): ساق البخاري هذا الحديث مبيناً به التكبيبر في نواحي البيت، ولم يثبت به معارضة الحديث المتقدم في الصلاة؛ لأن هذا نفى الصلاة، وذلك أثبتها، والمثبتُ أولى، وكذلك هذا - أيضاً - أثبتَ التكبيرَ في نواحيه، وسكتَ عنه الحديث الآخر، ولا تعارض بين السكوت والإثباث، فالجمعُ بينهما أن يكبر في نواحي البيت، ويصلِّي في أيها شاء. * * * باب: كيف كان بَدْءُ الرَّمَلِ؟ 944 - (1602) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّاد - هُوَ ابْنُ زيدٍ -، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ، وَفْدٌ وَهَنَتْهُم حُمَّى يَثْرِبَ. فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ الثَّلاَثَةَ، وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ كُلَّهَا إِلأَ الإبْقَاءُ عَلَيْهِمْ. (يقدَم عليكم): - بفتح الدال -: مضارع قَدِم - بكسرها -: إذا ورد من سفره. (وفد): اسم جمع له واحد من لفظه، وهو وافِد (¬1)، مثل: صاحِب وصَحْب، وراكِب ورَكْب. ¬

_ (¬1) "وافد" ليست في "ج".

(وَهنتهم): روي بتشديد الهاء؛ أي: أضعفَتْهم، وتخفيفها رباعياً وثلاثياً، وقال الفراء: يقال: وهنه الله، وأوهنه (¬1). (يثربَ): - بالفتح، غيرُ منصرف -: اسمُ المدينة في الجاهلية. (أن يرمُلوا) - بضم الميم -: مضارعُ رَمَل -بفتحها -: إذا مشى دون العَدْوِ، كذا في "المحكم" (¬2). وقال الفراء: هو العَدْوُ الشديد. وفي "الجمهرة ": مشبهة بالهرولة (¬3). وفي "الصحاح": الهرولة (¬4). (أن يرملوا): أي: من أن يأمرهم (¬5)، فحذف الجار إذ لا ليس، وهو قياس، وهو محل "أن" وصلتِها بعدَ حذفِه جر أو نصب، قولان. (الأشواط كلها): يحتمل أن يكون الأصل: "بأن يرملوا"، فحذفت (¬6) الباء، فيأتي ما تقدم، ويحتمل أن لا يكون ثَمَّ حذفٌ أصلاً؛ لأنه يقال: أمرته بكذا، وأمرته كذا (¬7)، والأشواط نصب على الظرف. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 392). (¬2) انظر: "المحكم" لابن سيده (10/ 257)، (مادة: رمل). (¬3) انظر: "جمهرة اللغة" لابن دريد (2/ 801). (¬4) انظر: "الصحاح" للجوهري (4/ 1713)، (مادة: رمل). (¬5) في "ع": "من أي أمرهم". (¬6) في "ج": "ثم حذفت". (¬7) "وأمرته كذا" ليست في "ج".

(إلا الإبقاء): قال الزركشي: بالرفع، فاعل "لم يمنعه"، ويجوز النصب، على أنه مفعول لأجله، ويكون في "منعهم" ضميرٌ عائد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - هو فاعله (¬1). قلت: تجويز النصب مبني على أن يكون في لفظ الحديث الواقع في البخاري "لم يمنعهم"، وليس كذلك، إنما فيه "لم يمنعه"، فرفعُ الإبقاء متعين؛ لأنه الفاعل، وهذا الذي قاله الزركشي، كلام وقع للقرطبي في "شرح مسلم"، وفي الحديث (¬2): "ولم يمنعهم"، فجوَّز فيه الوجهين (¬3)، وهو ظاهر، لكن نقله إلى ما في البخاري غيرُ متأتٍّ، فتأمله. والإبقاء: - بكسر الهمزة وبالباء الموحدة والمد - مصدرُ أَبقى عليه: إذا رَفَقَ به. وقال ابن المنير: وفيه (¬4) لطيفة، وهي أن الأفعال لمَّا لم يكن لها صنع، جاز أن يستعمل منها ما يفهم الأمر على خلاف ما هو عليه، ولا يكون ذلك كالقول؛ فإن القول المحلف كذب، ولم يجوز النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه أن يقولوا: ليس بهم حُمَّى، ولكن جوز لهم فعلاً يَفهم منه من لا يعلم الباطنَ أنهم ليسوا بهم حمى، وإن كان الفاهم مغالطاً في فهمه، دل ذلك لمصلحة إفحام الخصم المبطل في التعبير بما لا يسوغ التعبير به؛ لأن الحمى ليست (¬5) ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 393). (¬2) في "ج": "وفي الحديث قال". (¬3) انظر: "المفهم" للقرطبي (3/ 376). (¬4) في "ع": "وفي". (¬5) في "ع": "ليست".

باب: استلام الحجر الأسود حين تقدم مكة أول ما يطوف، يرمل ثلاثا

عيباً ولا عاراً، بل هي كفارة وطهور، ولكن هم كانوا يفخرون إذا استشعروا (¬1) ضعف المسلمين، فحيل بينهم وبين ما يشتهون. قلت: هذا بناء على (¬2) أن الصحابة -رضي الله عنهم - كانوا لما قدموا مكة محمومين (¬3)، فلم يجوز النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يخبروا بأن لا حمى لهم؛ لئلا يكون ذلك كذباً، وأمرهم بالرمل ليوهم المشركين أنهم غير محمومين، ولا يكون في ارتكاب ذلك كذب، وهذا يحتاج إلى بينة تدل (¬4) عليه، وليس في الحديث ما يقتضيه، ولعله - عليه الصلاة والسلام - لم يأمرهم بأن يخبروا بأنهم (¬5) ليس بهم حمى؛ لأن ذلك غير مفيد بالنسبة إلى المشركين؛ إذ يمكنهم التكذيبُ والمسارعة إليه على عادتهم وديدَنهم، فأمر الصحابة بأن يفعلوا فعلاً ممن وهنته الحمى، وهو الرمل؛ ليكون أقطعَ في تكذيب المشركين، وأبلغَ في نكايتهم، والله أعلم. * * * باب: استلامِ الحجرِ الأسودِ حين تقدَمُ مكةَ أولَ ما يطوفُ، يرمُلُ ثلاثاً 945 - (1603) - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ، أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ ¬

_ (¬1) "على": "استشروا". (¬2) "على" ليست في "ع". (¬3) في "ع": "محرمين"، لعل الصواب ما أثبت. (¬4) في "ع": "بيت يدل"، ولعل الصواب ما أثبت. (¬5) في "ع": "أنهم".

يُونسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبيهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ، إِذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الأَسْوَدَ أَوَّلَ مَا يَطُوفُ يَخُبُّ ثَلاَثَةَ أَطْوَافٍ مِنَ السَّبع. (إذا استلم الركن الأسود): استلم (¬1) افْتَعَل؛ من السَّلام -بفتح السين-، وهو التحية، قاله الأزهري. أو من السِّلام - بكسرها -، وهي الحجارة؛ أي: لمسته، قاله ابن قتيبة (¬2). وفي "الجامع": أنه استفعل (¬3) من اللأمة (¬4)، وهي الدرع؛ لأنه إذا لمسَ الحجرَ، يحصَّنُ من العذاب، كما يتحصن باللأمة (¬5) من الأعداء (¬6). فإن قلت: كأن القياس فيه على هذا أن يكون استلأم، لا استلم. قلت: يحتمل أن يكون خفف بنقل فتحة الهمزة إلى اللام الساكنة (¬7) قبلها، ثم حذفت الهمزة ساكنة. (يَخُبُّ): - بخاء معجمة مضمومة -؛ أي يَرْمُل. قال الجوهري: والخَبَبُ: ضربٌ من العَدْو (¬8). ¬

_ (¬1) "استلم" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "العنبسة". (¬3) في "ع": "استقلع". (¬4) في "ج": "السلامة". (¬5) في "ج": "بالسلامة". (¬6) انظر: "التوضيح" لابن الملقن (11/ 371). (¬7) في "ع": "ساكنة". (¬8) انظر: "الصحاح" (1/ 117)، (مادة: خبب).

باب: الرمل في الحج والعمرة

(من السَّبع): - بفتح السين -، وهو ظاهر، ويروى - أيضاً - بضمها. قال القاضي: والسُّبع؛ يعني: بضم السين، إنما هو جزءٌ من سبعة، والمعروفُ في اللغة أنك إذا جمعت (¬1)، أدخلت الواو، وهي جمع سبع؛ مثل: ضَرْب وضُروب (¬2). * * * باب: الرَّمَلِ في الحجِّ والعُمرةِ 946 - (1604) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ: حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَ: سَعَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ثَلاَثَةَ أَشْوَاطٍ، وَمَشَى أَرْبَعَةً فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. (سريج بن النعمان): قال السفاقسي: بسين غير معجمة وبالجيم، وكذلك سريج ابن يونس، وما عداهما: بالحاء المهملة والشين المعجمة. * * * 947 - (1605) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أخبَرَيي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ لِلرُّكْنِ: أَمَا وَاللَّهِ! إِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَلَمَكَ، مَا اسْتَلَمْتُكَ. فَاسْتَلَمَهُ، ¬

_ (¬1) "جمعت" ليست في "ع"، وفي مطبوعة "المشارق": "ضممت" بدل "جمعت". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 205).

ثُمَّ قَالَ: فَمَا لَنَا وَللرَّمَلِ؟ إِنَّمَا كنَّا رَاءَيْنَا بِهِ الْمُشْركينَ، وَقَدْ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ. ثُمَّ قَالَ: شَيْءٌ صَنَعَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلاَ نُحِبُّ أَنْ نَتْرُكَهُ. (ما لنا والرَّمَل): -بفتح الميم -، وهو بالنصب؛ نحو: مالك وزيداً؟ وجواز الجر في مثله مذهب كوفي، ويروى بإعادة اللام: "ما لنا وللرمل؟ " (¬1). [(إنما كنا راءينا به المشركين): هو بالهمز: فاعَلْنا؛ من الرُّؤية؛ أي: أَريناهم بذلك] (¬2) أنَّا أشداء، قاله القاضي (¬3). وقال ابن مالك: معناه: أظهرنا لهم القوةَ ونحن ضعفاء، فجعل ذلك رياء؛ لأن المرائي يُظهر غيرَ ما هو عليه (¬4). قلت: وهذا يعضد ما ذهب إليه ابن المنير فيما سبق، وفيه نظر إذا تأملت. قلت: وروي: "رايينا" -بياءين- حملاً له على رياء، والأصل: "راءى"، فقلبت الهمزة ياء لفتحها وكسر ما قبلها، وحمل الفعل على المصدر، وإن لم يوجد فيه الكسر؛ كما قالوا في آخيت: واخيت، حملاً على تواخي ومواخاة، والأصل: تآخي ومُؤاخاة، فقلبت الهمزة واواً لفتحها بعد ضمة (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 393). (¬2) مابين معكوفتين ليس في "ج". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 277). (¬4) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 183). (¬5) انظر: "التنقيح" (1/ 394).

باب: استلام الركن بالمحجن

948 - (1606) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَ: مَا تَرَكْتُ اسْتِلاَمَ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ فِي شِدَّةٍ وَلاَ رَخَاءٍ، مُنْذُ رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَلِمُهُمَا. قُلْتُ لِنَافِعٍ: أَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَمْشِي بَيْنَ الرُّكنَيْنِ؟ قَالَ: إِنَّمَا كَانَ يَمْشِي لِيَكُونَ أَيْسَرَ لاِسْتِلاَمِهِ. (أكان ابن عمر يمشي بين الركنين؟ قال: إنما كان يمشي ليكون أيسر لاستلامه): قال الإسماعيلي: ليس هذا الحديث من هذا الباب في شيء. يريد: لأن الباب معقود للرَّمَل في الحج والعمرة، ولم يذكر الرمل في هذا الحديث أصلاً. وأجيب: بأن قوله: إنما كان يمشي ليكون أيسر لاستلامه يدلُّ على أن الباقي من البيت كان بخلاف المشي، وهو الرمل. * * * باب: استلامِ الرُّكنِ بالمِحْجنِ 949 - (1607) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، وَيَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالاَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَ: طَافَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ، يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ. تَابَعَهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنِ ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَمِّهِ. (يستلم الركن بمحجن): قال الزركشي: أي: يصيبه السلم، وهي

باب: من لم يستلم إلا الركنين اليمانيين

الحجارة، ويستلم: يفتعل منه، فالمعنى: أنه يومئ بمحجنه إلى الركن حتى يصيبه (¬1). قلت: هو أحد المعاني المتقدمة. والمِحْجَن - بميم مكسورة فحاء مهملة ساكنة فجيم مفتوحة فنون - عَصًا معوجَّة الرأس. وفي "مجمع الغرائب"؟: شبيه الصولجان (¬2). * * * باب: مَنْ لَمْ يَسْتَلِمْ إلاَّ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ 950 - (1608) - وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْج: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبي الشَّعْثَاءِ: أَنَّهُ قَالَ: وَمَنْ يَتَّقِي شيْئاً مِنَ الْبَيْتِ؟! وَكَانَ مُعَاويَةُ يَسْتَلِمُ الأَرْكَانَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: إنَّهُ لَا يُسْتَلَمُ هَذَانِ الرُّكْنَانِ. فَقَالَ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْبَيْتِ مَهْجُوراً، وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - يَسْتَلِمهُنَّ كُلَّهُنَّ. (باب من لم يستلم إلا الركنين اليمانيين). (ومن يتقي من البيت شيئاً (¬3)؟!): استفهام على جهة التوبيخ (¬4)؛ أي: ينبغي لكل أحد أن لا يُبقي شيئاً من البيت. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 394). (¬2) انظر: "التوضيح" (11/ 378). (¬3) نص البخاري: "شيئاً من البيت". (¬4) في "ج": "جهة الإنكار التوبيخي".

(وكان معاوية يستلم الأركان): أي: الأربعة، ولا يخص اليمانيين بالاستلام. (فقال له ابن عباس: إنه لا يُستلم (¬1) هذان الركنان): أي: اللذان يليان الحِجْر؛ لأنهما لم يتما على قواعد إبراهيم - عليه الصلاة والسلام -، و"يُستلم": مبني للمفعول، و"هذان" نائب عن الفاعل، و"الركنان" صفة له. وروي (¬2) ببناء الفعل للفاعل (¬3)، و"هذين الركنين" بالنصب، والضمير من قوله: "أنه" عائد على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكذا فاعل "لا يستلم" عائد عليه (¬4) - عليه الصلاة والسلام -، وأما ضمير "أنه" على الأول، فضمير الشأن. (فقال: ليس شيء من البيت مهجوراً): والبخاري -رحمه الله - رجَّحَ اختصاص اليمانيين بالاستلام، فلهذا ترجم على اختصاصهما، وساق القولين المتعارضين عن الصحابة في التعميم والاختصاص، فنبه بالترجمة على أن [الاختصاص مرجَّح؛ لأن مستنده السنَّةُ، ومستند التعميم الرأيُ، وقياسُ بعضها على] (¬5) بعض في التعظيم، وهو معنى قول معاوية -رضي الله عنه -: ليس شيء من البيت مهجوراً، وهذا يقال بموجبه: وليس ترك الاستلام ¬

_ (¬1) في "ع": "يلزم". (¬2) في "ج": "ويروى". (¬3) في "ج": "والفاعل". (¬4) "عليه" ليست في "ع". (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ج".

باب: تقبيل الحجر

هجراناً، وكيف يهجرها وهو يطوف بها؟ فحُجة (¬1) ابنِ عباس -رضي الله عنهما - أظهرُ. (وكان ابن الزبير يستلمهن كلَّهن): لعله - والله أعلم - بعد هدمه للبيت، وبنائه على قواعد إبراهيم -عليه السلام-، وقد مر. * * * باب: تقبيلِ الحَجرِ 951 - (1611) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَرَبِيٍّ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - عَنِ اسْتِلاَمِ الْحَجَرِ. فَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَلِمُهُ، ويُقَبِّلُهُ. قَالَ: قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ زُحِمْتُ؟ أَرَأَيْتَ إِنْ غُلِبْتُ؟ قَالَ: اجْعَلْ أَرَأَيْتَ بِالْيَمَنِ، رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ. (عن الزُّبير): بضم الزاي بعدها باء موحدة على التصغير. (ابن عربيٍّ): - بعين وراء مهملتين فباء موحدة فمثناة من تحت مشددة -، قال البخاري: هو بصري، والزبيرُ بنُ عَدِيٍّ - بالدال - كوفي (¬2). (أرأيت): بمعنى: أخبرني. (إن زُحمت): بضم الزاي، بلا إشباع، ويروى بالواو. ¬

_ (¬1) في "ج": "وحجة". (¬2) انظر: "التاريخ الكبير" للبخاري (3/ 410)، وانظر: "التوضيح" (11/ 389).

باب: من طاف بالبيت إذا قدم مكة قبل أن يرجع إلى بيته، ثم صلى ركعتين، ثم خرج إلى الصفا

(أرأيت إن غُلِبْتُ؟): بغين معجمة (¬1) مضمومة، على البناء للمفعول. فإن قلت: قد تقرر أنه لابد بعد أرأيت بمعنى أخبرني من استفهام نحو: {أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ} [الأنعام: 47]. قلت: هو مقدر، والتقدير: هل لابد من استلامي له في هذه الحالة؟ (قال: اجعل أرأيت باليمن): هذا على جهة الإنكار على السائل؛ لأنه فهم عنه من كثرة السؤال التذرع إلى الترك، والتضجيع (¬2) في الاحترام والتعظيم المطلوب شرعاً. * * * باب: مَنْ طَافَ بالبيتِ إذا قدِمَ مكةَ قبلَ أن يرجعَ إلى بيته، ثم صلَّى ركعتين، ثم خرجَ إلى الصَّفا 952 - (1614 و 1615) - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: ذَكَرْتُ لِعُرْوَةَ، قَالَ: فَأَخْبَرتْنِي عَائِشَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: أَنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ تَوَضَّأَ، ثُمَّ طَافَ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً، ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - مِثْلَهُ، ثُمَّ حَجَجْتُ مَعَ أَبِي الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، فَأَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ، ثُمَّ رَأَيْتُ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ يَفْعَلُونَهُ، وَقَدْ أَخْبَرَتْنِي أُمِّي: أَنَّهَا أَهَلَّتْ هِيَ وَأُخْتُهَا وَالزُّبَيْرُ وَفُلاَنٌ وَفُلاَنٌ بِعُمْرَةٍ، فَلَمَّا مَسَحُوا الرُّكْنَ، حَلُّوا. ¬

_ (¬1) "معجمة" ليست في "ع". (¬2) في "ج": "والصحيح التضجيع".

(أن توضأ وطاف): وفي نسخة: "أنه (¬1) توضأ وطاف"، وهو في محل رفع على أنه خبر "أن" من قولها: أن أول شيء بدأ به. (ثم لم تكن عمرةً): - بالنصب على أنه خبر "كان" -، واسمها ضمير عائدٌ على الأفعال التي فعلَها حهين قدم من الطواف وغيره. قال الزركشي: ويجوز الرفع على أن "كان" تامة (¬2). (ثم حججت مع ابن الزبير): يعني: أيامَ ابنِ أخيه الزبيرِ بنِ العوام. ويروى: "مع أبي الزبير"؛ يعني: أباه هو، وهو (¬3) الزبير بن العوام، وقيل: إنه الصواب (¬4). (وقد (¬5) أخبرتني أمي: أنها أهلت هي وأختها): هذا مقول لعروة (¬6)، وأمه أسماء، وأختها عائشة رضي الله عنها. * * * 953 - (1617) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ الأَوَّلَ، يَخُبُّ ثَلاَثَةَ أَطْوَافٍ، ويَمْشِي أَرْبَعَةً، ¬

_ (¬1) في "ع": "أن". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 395). (¬3) في "ع": "وابن". (¬4) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬5) في "ج" "وقال". (¬6) في "ج": "مفعول لعروة".

باب: طواف النساء مع الرجال

وَأَنَّهُ كَانَ يَسْعَى بَطْنَ الْمَسِيلِ إِذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. (يسعى بطن المسيل): أي: يسرع. وبَطْنَ - منصوب على الظرف -، ولا شك أنه ظرف مكان مجرد، فليس نصبه على الظرفية بقياس، فهو مثل قوله: كما عَسَلَ الطريقَ الثعلبُ وقد تثبت كلمته في بعض النسخ، وهو ظاهر. والمسيل: يعني: الوادي الذي بين الصفا والمروة. (إذا طاف بين الصفا والمروة): يعني: سعى. * * * باب: طواف النساءِ مع الرِّجال 954 - (1618) - وَقَالَ لِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمِ - قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنَا -، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ إِذْ مَنَعَ ابْنُ هِشَامٍ النِّسَاءَ الطَّوَافَ مَعَ الرِّجَالِ، قَالَ: كَيْفَ يَمْنَعُهُنَّ، وَقَدْ طَافَ نِسَاءُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ الرِّجَالِ؟ قُلْتُ: أَبَعْدَ الْحِجَابِ، أَوْ قَبْلُ؟ قَالَ: إِي لَعَمْرِي، لَقَدْ أَدْركْتُهُ بَعْدَ الْحِجَابِ. قُلْتُ: كَيْفَ يُخَالِطْنَ الرِّجَالَ؟ قَالَ: لَمْ يَكُنَّ يُخَالِطْنَ، كَانَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - تَطُوفُ حَجْرَةً مِنَ الرِّجَالِ لَا تُخَالِطُهُمْ، فَقَالَتِ امْرَأةٌ: انْطَلِقِي نَسْتَلِمْ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَتْ: انْطَلِقِي عَنْكِ. وَأَبَتْ. وَكُنَّ يَخْرُجْنَ مُتَنَكِّراتٍ بِاللَّيْلِ، فَيَطُفْنَ مَعَ الرِّجَالِ، وَلَكِنَّهُنَّ كُنَّ إِذَا دَخَلْنَ الْبَيْتَ، قُمْنَ حَتَّى يَدْخُلْنَ، وَأُخْرِجَ الرِّجَالُ، وَكُنْتُ آتِي عَائِشَةَ أَنَا وَعُبَيْدُ

ابْنُ عُمَيْرٍ، وَهِيَ مُجَاوِرَةٌ فِي جَوْفِ ثَبِيرٍ. قُلْتُ: وَمَا حِجَابُهَا؟ قَالَ: هِيَ فِي قُبَّةٍ تُرْكيَّهٍ لَهَا غِشَاءٌ، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا غَيْرُ ذَلِكَ، وَرَأَيْتُ عَلَيْهَا دِرْعاً مُوَرَّداً. (قال: إِيْ لعمري): - بكسر الهمزة وسكون الياء -: حرفُ جوابٍ بمعنى: نعم، لكن يشترط فيه أن يكون بعد الاستفهام، على رأي ابن الحاجب، وأن يكون سابقاً لقسم على رأي الجميع. قال بعض المحققين: ولا يكون المقسم به بعدها إلا الرب، ولعمري. وعلى الجملة: فقد توفرت الشرائط في الحديث. (تطوف حَجْرةً): - بفتح الحاء وسكون الجيم وراء بعدها هاء تأنيث -؛ أي: ناحية محجورة من (¬1) الرجال، و"من" حينئذ بمعنى: "عن"؛ مثل: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر: 22]، وهو منصوب على الظرفية، ويروى بالزاي؛ أي: في ناحية محجوزة عن الرجال بحيث يُضرب بينهم وبينها حاجزٌ يسترها عنهم. (وكنت آتي عائشة): قائل هذا عطاء. (في جوف ثبير): - بمثلثة وموحدة -: جبل عند مكة معروف. (في قبة): أي: خيمة (¬2). (تركية): قال ابن بطال: هي قبة صغيرة من لبود (¬3). ¬

_ (¬1) في "ج": "في". (¬2) في "ع": "جمعة". (¬3) انظر: "شرح ابن بطال" (4/ 300).

باب: الكلام في الطواف

قال صاحب "المفهم": هي التي لها باب، ويعبر عنها بالخيمة (¬1). (وما بيننا وبينها غيرُ ذلك): أي (¬2): كانت محجوبة عنا بهذه (¬3) الخيمة. (دِرْعاً): - بدال مهملة مكسورة فراء ساكنة فعين مهملة -:هو القميص، وهو مذكَّر، ويجمع على أَدْرُع؛ بخلاف درع الحديد؛ فإنها مؤنثة. وحكى أبو عبيدة أنها تذكر وتؤنث، وجمعُها في القلة (¬4) أَدرُع وأَدْراع، وفي الكثرهّ دُروع، كذا في "الصحاح" (¬5). (مورَّداً): أي: أحمر. * * * باب: الْكَلاَمِ فِي الطَّوَافِ 955 - (1620) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا هِشَامٌ: أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ الأَحْوَلُ: أَنَّ طَاوُساً أَخْبَرَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ بِإِنْسَانٍ ¬

_ (¬1) انظر: "المفهم" للقرطبي (3/ 242)، وعبارة القرطبي: القبة التركية: التي لها باب واحد، وهذه القبة هي المعبر عنها في الحديث الآخر: بالبناء، وفي الآخر: بالخيمة , انتهى. وما ذكره المؤلف -رحمه الله - قد نقله عن الزركشي في "التنقيح" (1/ 396). (¬2) في "ع": "إن". (¬3) في "ع": "هذا". (¬4) في "ج": "اللغة". (¬5) انظر: "الصحاح" (3/ 1206) , (مادة درع).

رَبَطَ يَدَهُ إِلَى إِنْسَانٍ بِسَيْرٍ، أَوْ بِخَيْطٍ، أَوْ بِشَيْءٍ غَيْرِ ذَلِكَ , فَقَطَعَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: "قُدْهُ بِيَدِهِ". (باب: الكلام في الطواف). (مر وهو يطوف بالكعبة بإنسان ربط يده إلى إنسان بسيرٍ): في "أسد الغابة" بشير أخو خليفة (¬1)، له صحبة، عداده في أهل البصرة، تفرد بالرواية عنه ابنه خليفة: أنه أسلم، فردَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - مالَه وولدَه، ثم لقيه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فرآه هو وابنه مقرونين، فقال: "ما هذا يا بشير؟ "، قال: حلفتُ لئن رد الله مالي وولدي، لأحجَّنَّ البيت مقروناً، فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - الحبل (¬2) فقطعه، وقال لهما: "حُجَّا، هذا من (¬3) الشيطان" أخرجه ابن منده، وأبو نعيم، وقال ابن منده: هذا حديث غريب (¬4). فيحتمل أن يفسر الإنسانان المبهمان في البخاري ببشر (¬5) وابنه خليفةَ المذكورين. (ثم قال: قدهُ بيده): قال الزركشي: وليس في هذا الحديث التصريحُ بكلام آخر (¬6) كما ترجم عليه، وقوله: "ثم قال" إنما هو مجاز، ¬

_ (¬1) كذا في الأصول الخطية، وفي المطبوع من "أسد الغابة": "بشر أبو خليفة"، ولعله الصواب. (¬2) "الحبل" ليست في "ج". (¬3) في "ع": "مرة". (¬4) انظر: "أسد الغابة" (1/ 383). (¬5) في "ج": "ببشير". (¬6) "آخر" ليست في "ع".

باب: لا يطوف بالبيت عريان، ولا يحج مشرك

وقد شاع في كلامهم إجراءُ (قال) مجرى (فَعَلَ). قلت: هذا غلط؛ لأنه صرف اللفظ عن الحقيقة وهي الأصل بلا قرينة، وأين القرينة وقد سلط القول على كلام ينطق به، وهو قوله: "قده بيده"، وكأنه ظن أنه (¬1) مثل قوله فقال: "قده (¬2) بيده"، هكذا، وفرق أصابعه، وليس كذلك؛ لوجود القرينة هنا دون ما تقدم. ثم قال: نعم روى ابنُ جريح، عن سليمان (¬3) الأحول، عن طاوس، عن ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر وهو يطوف بالبيت بإنسان يقود إنساناً بخزام في أنفه، فقطعه عليه، وأمره أن يقوده بيده (¬4) (¬5). قلت: وإذا فتح الباب الذي فتحه، فليس في هذا تصريح بالكلام، إذ يجوز أن يكون قطع الخزام، وجعل يد المقود في يد القائد، ففهم من ذلك الفعل أنه أمره أن يقوده بيده، ولم يكن ثم لقوله صريح في ذلك، فتأمله. * * * باب: لا يطوفُ بالبيت عُريان، ولا يحجُّ مشرك 956 - (1622) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ يُونُسُ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ: ¬

_ (¬1) "أنه" ليست في "ع". (¬2) "قدهُ" ليست في "ج". (¬3) في "ج": "سليم". (¬4) رواه البخاري (6703). (¬5) انظر: "التنقيح" (1/ 397).

أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - بَعَثَهُ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَهُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَوْمَ النَّحْرِ فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُ فِي النَّاسِ: "أَلاَ لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ". (أن أبا بكر الصديق - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - بعثه في الحجة التي أَمَّره عليها (¬1) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -): قال ابن المنير: الصحيح أن حجة أبي بكر لم تكن حجة الإسلام، إنما كان المقصود منها التمهيد لما سيأتي، والتقدير لما يكون في المستقبل. وقيل: إنها كانت في ذي القعدة، ذكره ابن أبي زيد، وصوب أصحابنا في ذلك، واستبعدوا (¬2) أن يتقدم أحد في قاعدة من قواعد (¬3) الإسلام يقيمها الله على يديه قبل نبيه - عليه الصلاة والسلام -، وقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] في حجة الوداع يدل على أن الحج لم يقم في الإسلام إلا حينئذ، والله أعلم. (يؤذن أَنْ: لا يحجُّ بعد العام مشرك، ولا يطوفُ بالبيت عريان): قال الزركشي: بنصب "يحج"، ويجوز رفعه على أن (¬4) "أَنْ" مخففة من الثقيلة (¬5)؛ أي: الأمر والشأن لا يحجُّ، "ولا يطوفُ" عطف عليه، ويجوز أن ¬

_ (¬1) نص البخاري: "عليه". (¬2) في "ع": واستعدوا. (¬3) في "ج": "القواعد". (¬4) "أن" ليست في "ج". (¬5) في "ع": "النقلية".

يكون "لا يحج" نهياً، وحينئذ يكون: "ولا يطوَّف" - بتشديد الواو - وبجزم الفاء عطفاً عليه (¬1). قلت: لم يتحرر لي هل الرواياتُ موافقة لما ذكره، أولا، ولا أدري هل قصد ذكر ما يجوز [في هذا التركيب من الإعراب، مع قطع النظر عن الرواية، أو لا؟ وإذا كانت المقصود ذكر ما يجوز] (¬2)، فتحرير (¬3) القول فيه أن يقول: يجوز في "أَنْ" أن تكون الناصبة، أو (¬4) المخففة من الثقيلة، أو التفسيرية، فإن كانت الناصبة، فـ "لا" نافية خاصة، و"يحتجَّ" منصوب، وكذا "يطوفَ" معطوف عليه، [وإن كانت المخففة، فلا نافية، ويحجَّ" مرفوع، ويطوف كذلك مرفوع بالعطف عليه] (¬5)، وإن كانت تفسيرية، فـ "لا" يحتمل أن تكون نافية وناهية، وعلى كونها نافية، فرفعُ الفعلين كما سبق، وعلى كونها ناهية، فتحجَّ مجزوم قطعاً، لكن يجوز تحريكُ آخره بالفتح كغيره من المضاعف (¬6)؛ نحو: لا تَسُبَّ فلاناً - بالفتح -، ولك الضمُّ فيه إتباعاً، ويطوف حينئذ يجب جزمه (¬7) بالعطف، ولابد من تشديد الطاء والواو معاً، لكن الشأن في الرواية، فينبغي السعيُ في تحريرها، وأنا أعتذر بقلة الكتب ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 397). وقد ذكر الحافظ في "الفتح" (3/ 483) نحواً مما ذكره الزركشي. (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬3) في "ج": "فتحرر". (¬4) في "ع": " و". (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬6) في "ع": "بالمضاعف". (¬7) في "ج": "حينئذ ويجوز جزمه".

باب: صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لسبوعه ركعتين

في بلاد الغربة، وعدم من يتأهل من أهل القطر (¬1) اليمني للمراجعة في ذلك، وإفراط العجلة المفضية للرحلة من هذا البلاء (¬2)، ويسر الله ذلك، وأصحبنا لظنه الجميل ذهاباً وغياباً في خير وسلامة. * * * باب: صَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِسُبُوعِهِ رَكعَتَيْنِ وَقَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - يُصَلِّي لِكُلِّ سُبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ. وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ: قُلْتُ لِلزُّهْرِيِّ: إِنَّ عَطَاءً يَقُولُ: تُجْزِئُهُ الْمَكْتُوبَةُ مِنْ ركْعَتَيِ الطَّوَافِ. فَقَالَ: السُّنَّةُ أَفْضَلُ، لَمْ يَطُفِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سُبُوعاً قَطُّ إِلاَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. (لسُبوعه ركعتين): - بضم السين -، وقد سبق نقلاً عن القاضي، قيل (¬3): وهذه لغة قليلة، والأكثرُ أسبوعٌ. قال الزركشي: وكلام ابن الأثير يقتضي أنه - بضم السين -؛ فإنه قال: قيل: هو جمع سُبعْ، أو سَبعْ؛ كبُرْد وبرود (¬4)، وضَرْب وضُروب (¬5)، قال الزركشي: وقد وقع في "حاشية الصحاح" مضبوطاً بفتح السين (¬6). ¬

_ (¬1) فى "ع": "من يتأهل في بلاد هذا القطر". (¬2) لعلها: "البلد". (¬3) "قيل" ليست في "ج". (¬4) في "ج": "وبرد". (¬5) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 336). (¬6) انظر: "التنقيح" (1/ 397).

باب: من لم يقرب الكعبة، ولم يطف حتى يخرج إلى عرفة، ويرجع بعد الطواف الأول

(لم يطف النبي - صلى الله عليه وسلم - أسبوعاً (¬1) قط إلا صلَّى ركعتين): الظاهر أن الجملة الواقعة بعد "إلا" حالية، فانظر توجيه ذلك. قال ابن المنير: وساق البخاري هذا (¬2) في ترجمة الوقوف في الطواف تنبيهاً (¬3) على أن الوقوف غيرُ مشروع؛ لأنه -عليه السلام- كان يصلُ طوافه بصلاته، والوقوفُ لا يسمى طوافاً، فإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يفرق بين الصلاة والطواف، وهما نوعان، فكيف يفرق بين أجزاء الطواف بالوقوف؟ * * * 957 - (1624) - قَالَ: وَسَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، فَقَالَ: لَا يَقْرَبِ امْرَأَتَهُ حَتَّى يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. (فقال: لا يقرب امرأته): "لا" ناهية، و"يقرب": بفتح الياء وضم الراء، وكسر الباء لالتقاء الساكنين. * * * باب: مَنْ لَمْ يَقْرَبِ الْكَعْبَةَ، وَلَمْ يَطُفْ حَتَّى يَخْرُجَ إِلَى عَرَفَةَ، وَيَرْجِعَ بَعْدَ الطَّوَافِ الأَوَّلِ (باب: من لم يقرب الكعبة، ولم يطف): أي: طوافاً آخر تطوعاً بعدَ طواف القدوم، ومشى على مذهب الإمام مالك -رضي الله عنه - في ¬

_ (¬1) نص البخاري: "سُبُوعاً". (¬2) في "ع": "في هذا". (¬3) في "ع": "ينسيها".

باب: الطواف بعد الصبح والعصر

أنه لا يتنفَّل بطواف بعد طواف القدوم حتى يُتم حجَّه (¬1). * * * باب: الطَّوافِ بعد الصُّبح والعصرِ 958 - (1630) - حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ - هُوَ الزَّعْفَرَانِيُّ -، حَدَّثَنَا عَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ رُفَيع، قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - يَطُوفُ بَعْدَ الْفَجْرِ، وَيُصَلِّي رَكعَتَيْنِ. (عَبِيدة بن حميد): بفتح العين وكسر الباء الموحدة وسكون المثناة من تحت وبدال مهملة بعدها هاء تأنيث، وحُميد على التصغير. (ابن رُفَيعْ): براء مضمومة ففاء مفتوحة فياء تصغير فعين مهملة. * * * باب: المريضِ يطوفُ راكباً 959 - (1632) - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - طَافَ بِالْبَيْتِ، وَهْوَ عَلَى بَعِيرٍ، كلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ، أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ، وَكَبَّرَ. (ثنا خالد، عن خالد الحذاء): الأول هو: خالدُ بنُ عبدِ الله بنِ عبد الرحمنِ بن يزيدَ (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 398). (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 398).

باب: سقاية الحاج

باب: سقايةِ الحاجِّ 960 - (1635) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَاءَ إِلَى السِّقَايَةِ، فَاسْتَسْقَى، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا فَضْلُ! اذْهَبْ إِلَى أُمِّكَ، فَأْتِ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِشَرَابٍ مِنْ عِنْدِهَا. فَقَالَ: "اسْقِنِي". قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ أَيْدِيَهُمْ فِيهِ. قَالَ: "اسْقِنِي". فَشَرِبَ مِنْهُ، ثُمَّ أتَى زَمْزَمَ، وَهُمْ يَسْقُونَ وَيَعْمَلُونَ فِيهَا، فَقَالَ: "اعْمَلُوا، فَإِنَّكمْ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ - ثُمَّ قَالَ - لَوْلاَ أَنْ تُغْلَبُوا، لنزَلْتُ حَتَّى أَضَعَ الْحَبْلَ عَلَى هَذه". - يَعْنِي: عَاتِقَهُ - وَأَشَارَ إِلَى عَاتِقِهِ. (فقال: اسقني، قال: يا رسول الله! إنهم يجعلون أيديهم فيه، قال: اسقني، فشرب منه): فيه دليل على أن الأصل الطهارة والنظافة حتى يُتحقق، أو يُظن ما يخالف الأصل. وفيه دليل على أن غسل اليد قبل إدخالها الإناءَ في الوضوء تعبُّد؛ لأنه لو كان لاحتمال مخالطة ما على الأيدي من وسخ أو نجس لماء الوضوء، لاطَّرد في كل حالٍ مساويةٍ لحال الوضوء، فكان يتحرز من الشراب الذي غُمست (¬1) فيه الأيدي بعين ذلك المعنى، فلمَّا لم يشرع التحري هنا، علم أن الغسل هناك تعبد (¬2)؛ لأن الفرق بين المتماثلات هو التعبد بعينه (¬3)، وهو قولُ ابن القاسم؛ خلافاً لأشهب. كذا قال ابن المنير، وفيه نظر. ¬

_ (¬1) في "ع": "عمت". (¬2) في "ع": "بعيد". (¬3) "بعينه" ليست في "ع".

باب: ما جاء في زمزم

(ثم قال: لولا أن تغلبوا لنزلْتُ): فيه إشعارة أنه لو فعل، لاقتدى به الأئمةُ في مباشرة السقاية، فيذهب فخرُ بني العباس بالخصوصية. وفي (¬1) ذلك دليل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم أن الناس يعتقدون في أفعاله أنها قُرْبة، وأقرَّهم على ذلك. وفي هذا الحديث - أيضاً - دليل على أن السقايات العامة؛ كالصهاريج والآبار يتناول منها الغني والفقير، إلا أن ينص على إخراج الغني؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يتناول من ذلك الشراب العام، وهو لا يحل له الصدقة، فيحمل الأمر في هذه السقايات على أنها موقوفة للنفع (¬2) العام، فهي للغني هدية، وللفقير صدقة. * * * باب: ما جاءَ في زمزمَ 961 - (1637) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ - هُوَ ابْنُ سَلاَمٍ -: أَخْبَرَنَا الْفَزَارِيُّ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - حَدَّثَهُ، قَالَ: سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ زَمْزَمَ، فَشَرِبَ وَهُوَ قَائِمٌ. قَالَ عَاصِمٌ: فَحَلَفَ عِكْرِمَةُ: مَا كَانَ يَوْمَئِذٍ إِلاَّ عَلَى بَعِيرٍ. (سقيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من زمزم، فشرب وهو قائم): صرح المهلب: بأن شرب ماء زمزم من سنن الحج، ولا يعرف هذا في مذهب مالك، نعم ¬

_ (¬1) في "ع": "ففي". (¬2) في "ع": "للنفي".

باب: طواف القارن

هو (¬1) من شعائر الإسلام في الجملة. قال ابن المنير: وكأنه عنوان على حسن العهد، وكمال الشوق؛ فإن العرب اعتادت الحنين إلى مناهل الأحبة، وموارد أهل المودة، وزمزم هو منهل البيت، فالمخترف إليها، والمتعطش إليها قد قام بشعائر (¬2) المحبة، وأحسنَ العهد للمحبة، ولهذا جُعل التضَلُّعُ منها علامة فارقة بين الإيمان والنفاق. ولله در القائل: وما شَرَقي بِالماءِ إِلاَّ تَفَكُّراً ... بِماءٍ بِهِ أَهْلُ الحَبِيبِ نُزُولُ وقال الآخر (¬3): يَقُولُونَ مِلْحٌ ماءُ فَلْجَةَ آجِنٌ. . . أَجَلْ هُوَ مَمْلُوحٌ إِلَى القَلْبِ طَيِّبُ * * * باب: طَوَاف القارنِ 962 - (1638) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ الله عَنْهَا -: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ قَالَ: "مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلْيُهِلَّ ¬

_ (¬1) في "ج": "وهو". (¬2) في "ج": "بشعار". (¬3) في "ج": "آخر".

بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا". فَقَدِمْتُ مَكَّةَ، وَأَنَا حَائِضٌ، فَلَمَّا قَضَيْنَا حَجَّنَا، أَرْسَلَنِي مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيم، فَاعْتَمَرْتُ، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ". فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ حَلُّوا، ثُمَّ طَافُوا طَوَافاً آخَرَ، بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى، وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، طَافُوا طَوَافاً وَاحِداً. (وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة، طافوا طوافاً واحداً): فيه حذفُ الفاء من جواب "أَمَّا"، وخصه بعضهم بالضرورة، وخالف في ذلك ابنُ مالك مستنداً (¬1) إلى هذا الحديث، وأحاديث أخر مثلِه على عادته في الاستدلال على الأحكام النحوية بالألفاظ الحديثية، وفيه كلام قررناه في "حاشية المغني"، فليراجَع من هناك. وفي الحديث دليل على أن القارِنَ يجزئه طوافٌ واحد، وهو مذهبُ مالك، والشافعي، وأحمد، وجماعة، وكذا يجزئه عندهم سعيٌ واحد. وقال أبو حنيفة وجماعة: على القارن طوافان وسعيان. قال ابن القصار: وهو ينتقض بالخلاف. ورده ابن المنير بأنه معارض بقياسه على الأحكام، فقول من قال: إحرام واحد يجزئ عنهما لا يتحقق, لأنه لا يكون حتى يحرم بالحج والعمرة؛ أي: يقصدهما معاً، ومتى كانا منويين، لزم أن يتعلق بكل منهما؛ لأن قصد العبد يتعدد بتعدد المقصود كما أن علمه يتعدد بحسب المعلوم، وقد تقرر أنه لا يجوز تعلق (¬2) علم حادث بمعلومين، فإذن لابد من تعدد الإحرام، فالمسلكُ ¬

_ (¬1) في "ع": مستند. (¬2) في "ع": "أنه تعلق".

الحقُّ التمسكُ بالسنة الدالة بأن طوافاً واحداً يجزئ في حقه. * * * 963 - (1639) - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - دَخَلَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَظَهْرُهُ فِي الدَّارِ، فَقَالَ: إِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَكُونَ الْعَامَ بَيْنَ النَّاسِ قِتَالٌ، فَيَصُدُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ، فَلَوْ أَقَمْتَ. فَقَالَ: قَدْ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَإِنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، أَفْعَلْ كمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]، ثُمَّ قَالَ: أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ مَعَ عُمْرَتِي حَجًّا. قَالَ: ثُمَّ قَدِمَ، فَطَافَ لَهُمَا طَوَافاً وَاحِداً. (أن يكون العامَ بين الناس قتالٌ): "كان" هنا (¬1) تامَّة، و"العامَ" ظرف متعلق بها، وكذا "بين الناس"، و"قتالٌ" فاعل بها. * * * 964 - (1640) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - أَرَادَ الْحَجَّ عَامَ نَزَلَ الْحَجَّاجُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ. فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ النَّاسَ كَائِنٌ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ، وَإِنَّا نَخَافُ أَنْ يَصُدُّوكَ. فَقَالَ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] إِذاً أَصْنَعَ كمَا صَنعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، إِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي فَدْ أَوْجَبْتُ عُمْرَةً. ثُمَّ خَرَجَ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِظَاهِرِ الْبَيْدَاءَ، ¬

_ (¬1) في "ج": "هذا".

باب: وجوب الصفا والمروة

قَالَ: مَا شَأْنُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إِلاَّ وَاحِدٌ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ حَجًّا مَعَ عُمْرَتِي. وَأَهْدَى هَدْياً اشْتَرَاهُ بِقُدَيْدٍ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، فَلَمْ يَنْحَرْ، وَلَمْ يَحِلَّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ، وَلَمْ يَحْلِقْ وَلَمْ يُقَصِّرْ حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ، فَنَحَرَ وَحَلَقَ، وَرَأَى أَنْ قَدْ قَضَى طَوَافَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الأَوَّلِ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: كَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. "بقُدَيْد": - بقاف مضمومة ودالين مهملتين بينهما ياء تصغير -: موضع قربَ الجُحْفة. * * * باب: وجوبِ الصَّفا والمروةِ 965 - (1643) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ عُرْوَةُ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ -رَضيَ اللهُ عَنْهَا -، فَقُلْتُ لَهَا: أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {(157) إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158]، فَوَاللَّهِ! مَا عَلَى أَحَدٍ جُنَاح أَنْ لَا يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. قَالَتْ: بِئْسَ مَا قُلْتَ يَا بْنَ أَخْتِي، إِنَّ هَذِهِ لَوْ كَانَتْ كَمَا أَوَّلْتَهَا عَلَيْهِ، كَانَتْ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَتَطَوَّفَ بِهِمَا، وَلَكِنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي الأَنْصَارِ، كَانوُا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا عِنْدَ الْمُشَلَّلِ، فَكَانَ مَنْ أَهَلَّ، يَتَحَرَّجُ أَنْ يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَمَّا أَسلَمُوا، سَألوا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّا كنَّا نَتَحَرَّجُ أَنْ نطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] الآيَةَ. قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضيَ اللهُ عَنْهَا -: وَقَدْ سَنَّ

رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا، فَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا. ثُمَّ أَخْبَرْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَعِلْمٌ مَا كُنْتُ سَمِعْتُهُ، وَلَقَدْ سَمِعْتُ رِجَالاً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، يَذْكُرُونَ أَنَّ النَّاسَ إِلاَّ مَنْ ذَكَرَتْ عَائِشَةُ مِمَّنْ كَانَ يُهِلُّ بِمَنَاةَ، كَانُوا يَطُوفُونَ كُلُّهُمْ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ فِي الْقُرْآنِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كنَّا نطُوفُ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَإِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ، فَلَمْ يَذْكُرِ الصَّفَا، فَهَلْ عَلَيْنَا مِنْ حَرَجٍ أَنْ نَطَّوَّفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] الآيَةَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَأَسْمَعُ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا: فِي الَّذِينَ كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بِالْجَاهِلِيَّةِ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَالَّذِينَ يَطُوفُونَ، ثُمَّ تَحَرَّجُوا أَنْ يَطُوفُوا بِهِمَا فِي الإسْلاَمِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الصَّفَا حَتَّى ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا ذَكَرَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ. (فوالله! ما على أحد جُناحٌ أن يطوف بالصفا والمروة): هذا من كلام عروة -رضي الله عنه -، وذلك أنه رأى دلالة الآية على إباحة السعي، لا وجوبه. ووجهُ الاحتجاج: أنه اقتصر في الآية على رفع الإثم والسعي، فلو كان واجباً، لما اكتفى بذلك، بل كان بذكر أخص منه، وهو إثبات الآخر (¬1)، فإذا كان للحقيقة اعتباران: أحدهما: عام يشملها وغيرها. والآخر: خاصٌّ بها، فالبلاغة أن يعبر عنها بما هو خاصُّ بها، كذا قال ابن المنير (¬2). ¬

_ (¬1) لعلها: "الأجر". (¬2) في "ج" زيادة: "وفيه نظر".

(لو (¬1) كانت كما أولتها عليه, كانت: لا جناح عليه أن لا يطوف): هذا من بديع فقه عائشة -رضي الله عنها -، وذلك أن النص على الوجوب أن يقال (¬2): فلا جناح عليه أن لا يطوف؛ لأن هذا يتضمن سقوط الإثم عمن ترك الطواف بهما، وحيث لم يقل ذلك، ووردت الآية على ما هي عليه، لم يكن نصاً على انتفاء الوجوب، ثم بينت له -رضي الله عنها - أن الاقتصار هنا على نفي الإثم له سبب خاص، وهو أنهم توقعوا الإثم، فجاء الكلام منطبقاً على سؤالهم، فقيل فيه: لا إثم فيه؛ خلافاً (¬3) لما توقعتموه، ثم لم ترد عائشة الاكتفاء في إيجاب الإثبات بما ذكرته، وإنما أرادت (¬4) نفي دلالة الآية على كونه مباحاً (¬5). (لمناةَ الطاغيةِ): مناة عَلَمٌ على (¬6) صنم كان نصبه عَمْرُو بنْ لُحَي (¬7) بالمُشَلَّلِ مما يلي قُديداً فتُجَرُّ بالفتحة؛ لأنه لا ينصرف، والطاغيةِ صفةٌ له. قال الزركشي: ولو روي بكسر الهاء والإضافةِ، لجاز، ويكون الطاغية صفة للفرقة الكفار (¬8). ¬

_ (¬1) في "ج": "ولو". (¬2) في "ج": "أن يقال أن". (¬3) في "ج": "لا خلافاً". (¬4) في "ع": "أردت". (¬5) انظر: "التوضيح" (11/ 483). (¬6) في "ج": "على علم". (¬7) في الأصول الخطية: "يحيى"، والصواب ما أثبت. (¬8) انظر: "التنقيح" (1/ 399).

باب: ما جاء في السعي بين الصفا والمروة

(عند المُشَلَّل): - بميم مضمومة فشين معجمة مفتوحة فلام مشددة مفتوحة فلام مخففة -: هو الجبل الذي يُهبط منه إلى قُدَيد من ناحية البحر. وقال البكري: هو ثنيةٌ مشرفةٌ على قُدَيْد (¬1). وقال ابن التين (¬2): هي عند الجُحْفَة (¬3). (مَنْ أَهَلَّ يتحرَّج): أي: يخافُ الحرجَ والإثم؛ لأنهم كانوا يعبدون الأصنام في تلك البقعة، فتحرجوا أن يتخذوها متعبَّداً لله تعالى. * * * باب: ما جاء في السَّعي بين الصَّفا والمروةِ 966 - (1648) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ، قَالَ: قُلْتُ لأَنسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ -: أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ؛ لأَنَّهَا كَانَتْ مِنْ شَعَائِرِ الْجَاهِلِيَّةِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158]. (قلت لأَنَسٍ: أكنتم تكرهون السعيَ بين الصفا والمروة؟ قال: نعم؛ لأنها كانت من شعائر الجاهلية): قال الطحاوي: وقد كان ما سواهما من الوقوف بعرفة والمزدلفة والطواف بالبيت من شعائر الحج في الإسلام. ¬

_ (¬1) انظر: "معجم ما استعجم" لأبي عبيد البكري (4/ 1233). (¬2) في "ح": "المنير". (¬3) انظر: "التوضيح" (11/ 492 - 493).

باب: تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت

قلت: لا أدري ما مقصودُه بهذا الكلام، هل الردُّ على أنس، أو على الصحابةِ المنقولِ عنهم أنهم تَحَرَّجوا من السعي بين الصفا والمروة؛ لأنه من شعائر الجاهلية؟ * * * 967 - (1649) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو ابْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَ: إِنَّمَا سَعَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْبَيْتِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، لِيُرِيَ الْمُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ. (ليُرِيَ المشركين قوته): بضم ياءِ يُري، وكسر رائها، مضارع أَرَى. * * * باب: تقضي الحائضُ المناسكَ كلَّها إلا الطوافَ بالبيتِ 968 - (1651) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا حَبِيبٌ الْمُعَلِّمُ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَ: أَهَلَّ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ، وَلَيْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ، غَيْرَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَطَلْحَةَ، وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ، وَمَعَهُ هَدْيٌ، فَقَالَ: أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَصْحَابَهُ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، وَيَطُوفُوا، ثُمَّ يُقَصِّرُوا وَيَحِلُّوا، إِلاَّ مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ، فَقَالُوا: نَنْطَلِقُ إِلَى مِنًى، وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ؟! فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ، مَا أَهْدَيْتُ، وَلَوْلاَ أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ، لأَحْلَلْتُ". وَحَاضَتْ عَائِشَةُ -رَضيَ اللهُ عَنْهَا-، فَنَسَكَتِ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا، غَيْرَ أَنَّهَا لَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ، فَلَمَّا طَهُرَتْ، طَافَتْ

بِالْبَيْتِ. قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَهِ! تَنْطَلِقُونَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، وَأَنْطَلِقُ بِحَجٍّ؟! فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَن بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا إِلَى التَّنْعِيم، فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ. (لو استقبلت من أمري ما استدبرت، ما أهديت): فيه استعمال "لو" في بعض المواضع، وإن كان قد ورد فيها ما يقتضي خلاف ذلك، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإنَّ لَوْ تفتح عَمَلَ الشَّيْطَانِ" (¬1). قال ابن دقيق العيد في الجمع بينهما: إن كراهتها في استعمالها في التلهُّف على أمور الدنيا، إما طالباً؛ كما يقال: لو فعلتُ كذا، حصلَ لي كذا، وإما هرباً؛ كقوله: لو كان كذا وكذا، لما في ذلك من صورةِ عدم التوكل، ونسبة الأفعال إلى القضاء والقدر، وأما على القربات؛ كما في هذا الحديث، فلا كراهة (¬2). * * * 969 - (1652) - حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَيّوبَ، عَنْ حَفْصَةَ، قَالَتْ: كنَّا نَمْنَعُ عَوَاتِقَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ، فَقَدِمَتِ امْرَأةٌ، فَنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ، فَحَدَّثَتْ أَنْ أُخْتَهَا كَانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَدْ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً، وَكَانَتْ أُخْتِي مَعَهُ فِي سِتِّ غَزَوَاتٍ، قَالَتْ: كُنَّا نُدَاوِي الْكَلْمَى، وَنَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى. فَسَأَلَتْ أختِي رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: هَلْ عَلَى إِحْدَانَا بَأْسٌ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ أَنْ لَا تَخْرُجَ؟ قَالَ: "لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا، ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2664) عن أبي هريرة رضي الله عنه. (¬2) انظر: شرح عمدة الأحكام" (3/ 72).

باب: الإهلال من البطحاء وغيرها للمكي وللحاج إذا خرج إلى منى

وَلْتَشْهَدِ الْخَيْرَ، وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِين". فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ -رَضيَ اللهُ عَنْهَا -، سَأَلْنَهَا - أَوْ قَالَتْ: سَأَلْنَاهَا -، فَقَالَتْ، وَكَانَتْ لَا تَذْكُرُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلاَّ قَالَتْ: بِأَبِي. فَقُلْنَا: أَسَمِعْتِ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ بِأَبي. فَقَالَ: "لِتَخْرُجِ الْعَوَاتِقُ ذَوَاتُ الْخُدُورِ - أَوِ الْعَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الْخُدُورِ -، وَالْحُيَّضُ، فَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ، وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى". فَقُلْتُ: الْحَائِضُ؟ فَقَالَتْ: أَوَ لَيْسَ تَشْهَدُ عَرَفَةَ، وَتَشْهَدُ كَذَا وَتَشْهَدُ كَذَا؟ (الكَلْمى): جمعُ كَليم، وهو الجريح. (إلا قالت: بأبي): ويروى: "بأبا"، فقلبت الياء ألفاً، وهي لغة رديئة، ويروى: "بيبا" بإبدال الهمزة ياء وبقلب الياء المضاف إليها ألفاً (¬1)، وقد مر. * * * باب: الإهْلاَلِ مِنَ الْبَطْحَاءِ وَغَيْرِهَا لِلْمَكِّيِّ وَلِلْحَاجِّ إِذَا خَرَجَ إِلَى مِنًى وَسُئِلَ عَطَاءٌ عَنِ الْمُجَاوِرِ يُلَبِّي بِالْحَجِّ، قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما - يُلَبِّي يَوْمَ التَّرْوِيَةِ إِذَا صَلَّى الظُّهْرَ، وَاسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ -: قَدِمْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَحْلَلْنَا حَتَّى يَوْمِ التَّرْوِيَةِ، وَجَعَلْنَا مَكَّةَ بِظَهْرٍ، لَبَّيْنَا بِالْحَجِّ. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 400).

باب: الصلاة بمنى

وَقَالَ عُبَيْدُ بْنُ جُرَيْج لاِبْنِ عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما -: رَأَيْتُكَ إِذَا كُنْتَ بِمَكَّةَ، أَهَلَّ النَّاسُ إِذَا رَأَوُا الْهِلاَلَ، وَلَمْ تُهِل أَنْتَ حَتَّى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؟ فَقَالَ: لَمْ أَرَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ. (فأحللنا حتى كان يوم التروية): وهو ثامنُ ذي الحجة، سُمي به؛ لأنهم كانوا يَرْوون فيه من الماء لما بعدها؛ أي: يسقون ويستقون، وقيل: لأن الأيام تروى فيه الناس من أمر المناسك. (وجعلنا مكة بظهر): أي: خلف ظهرنا. (ولم تهل أنت حتى يوم التروية): بجرَّ اليوم بـ "حتى" التي بمعنى: إلى. * * * باب: الصَّلاةِ بمِنى 970 - (1656) - حَدَّثَنَا آدَمُ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبِ الْخُزَاعِيِّ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ أَكْثَرُ مَا كُنَّا قَطُّ، وَآمَنُهُ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ. (أبو إسحاق الهَمْداني): بميم ساكنة ودال مهملة. (صلَّى بنا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ونحن أكثرُ ما كنا قَطُّ وآمَنُه بمنًى ركعتين): فيه استعمال قَطُّ غيرَ مسبوقة بنفي، قال ابن مالك: وهو مما خفي على كثير من النحويين؛ لأن المعهود استعمالُها لاستغراق الزمان الماضي بعد نفي، ولما في الحديث نظائر.

قال ابن المنير: السرُّ في القَصْر في هذه المواضع المتقاربة: إظهارُ الله تعالى تفضُّلَه على عباده؛ حيث اعتد لهم بالحركة القريبة اعتدادَه بالسفر البعيد، فجعل الوافدينَ من عرفة إلى مكة (¬1) كأنهم سافروا إليها ثلاثةَ أسفار: سفراً إلى المزدلفة، ولهذا يقصر أهل عرفة بالمزدلفة، وسفراً إلى منى، ولهذا يقصر أهل المزدلفة بمنى، وسفراً إلى مكة، ولهذا يقصر أهل مكة بمنى، فهي على قربها من عرفة معدودةٌ بثلاث مسافات، فكل مسافة منها سفر طويل، وسر ذلك - والله أعلم -: أنهم وفد كلهم، وأن البعيد كالقريب في إسباغ الفضل. * * * 971 - (1657) - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ركْعَتَيْنِ، وَمَعَ أَبي بَكْرٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ - رَكْعَتَيْنِ، وَمَعَ عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ - رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ تَفَرَّقَتْ بِكُمُ الطّرُقُ، فَيَا لَيْتَ حَظِّي مِنْ أَرْبَعٍ رَكْعَتَانِ مُتَقَبَّلَتَانِ. (فيا ليت حظي من أربع ركعات): معناه (¬2): فأنا أُتِمُّ متابعة لعثمان -رضي الله عنه -، وليت الله قَبِل من أربع ركعات ركعتين، وقد سبق. * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "من مكة إلى عرفة". (¬2) "معناه" ليست في "ع".

باب: التلبية والتكبير إذا غدا من منى إلى عرفة

باب: التَّلبيةِ والتكبيرِ إذا غدا من مِنًى إلى عرفةَ 972 - (1659) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبي بَكْرٍ الثَّقَفِي: أَنَّهُ سَأَلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، وَهُمَا غَادِيَانِ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَةَ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ فِي هَذَا الْيَوْمِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالَ: كَانَ يُهِلُّ مِنَّا الْمُهِلُّ، فَلاَ يُنْكَرُ عَلَيْهِ، وَيُكَبِّرُ مِنَّا الْمُكَبِّرُ، فَلاَ يُنْكَرُ عَلَيْهِ. (فلا يُنْكَر عليه): بمثناة من تحت مضمومة وكاف مفتوحة على البناء للمفعول. * * * باب: التَّهجير بالرَّواح يومَ عرفةَ 973 - (1660) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، قَالَ: كتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى الْحَجَّاجِ أَنْ لَا يُخَالِفَ ابْنَ عُمَرَ فِي الحَجِّ، فَجَاءَ ابْنُ عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ - وَأَنَا مَعَهُ يَوْمَ عَرَفَةَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ، فَصَاحَ عِنْدَ سُرَادِقِ الْحَجَّاجِ، فَخَرَجَ، وَعَلَيْهِ مِلْحَفَةٌ مُعَصْفَرةٌ، فَقَالَ: مَا لَكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ فَقَالَ: الرَّوَاحَ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ، قَالَ: هَذِهِ السَّاعَةَ؟ قَالَ: نعَمْ. قَالَ: فَأَنْظِرْنِي حَتَّى أُفِيضَ عَلَى رَأْسِي ثُمَّ أَخْرُجَ. فَنَزَلَ حَتَّى خَرَجَ الْحَجَّاجُ، فَسَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبي، فَقُلْتُ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ، فَاقْصُرِ الْخُطْبَةَ، وَعَجِّلِ الْوُقُوفَ. فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: صَدَقَ. (فصاح عند سرادق الحجاج): السُّرادق: الخيمة، والحَجَّاج: - بفتح

الحاء المهملة -: هو ابن يوسفَ الثقفيُّ. (فخرج وعليه مِلْحَفة): - بميم مكسورة -، وهي الإزار الكبير. (معصفرة): أي: مصبوغة بالعصفر. قال الطحاوي: وفي خروج الحجاج وهو محرمٌ وعليه ملحفةٌ معصفرة، ولم ينكر عليه ذلك ابن عمر، حجةٌ لمن أجاز المعصفر. قال ابن المنير: أيُّ منكر اتقاه الحجاج حتى يتقيَ المعصفر؟! وإنما لم ينهه ابن عمر - رضي الله عنهما -؛ لأنه علم أن الناس لا يعتقدون في الحجاج ما يقتضي عندهم أن يقتدوا به، فاقتصر منكره عليه، ولم يتجاوزه إلى غير ذلك، ثم كان غيرَ أهلٍ لأَنْ يُنكر عليه في ذاته؛ لكثرة منكراته. قلت: كثرة المنكرات لا تُسْقِطُ بوجهٍ الإنكارَ بطريقه. (وقال: الرواح): - منصوب بفعل مضمر -؛ أي: عَجَّل عجل الرواح. (قال: فأَنْظِرني): - بهمزة قطع وطاء مكسورة -؛ من الإنظار، وفي نسخة: "فانظُرني (¬1) " - بهمزة وصل وظاء مضمومة (¬2) -؛ من نظرته: إذا أنظرته، وكلاهما وارد في القرآن. (فقلت: إن كنت تريد السنة، فاقْصُر الخطبة): قائل هذا هو سالم بنُ عبد الله بن عمر، واقصُر: بهمزة وصل وصاد مضمومة. (فجعل ينظر إلى عبد الله): أي: فجعل الحجاجُ ينظر إلى عبد الله بن ¬

_ (¬1) في "ج": "فأنظر". (¬2) انظر: "التوضيح" (11/ 540).

عمر؛ كأنه يستدعي معرفة ما عنده فيما قاله سالم، هل هو كذلك، أولا (¬1)؟ (فلما رأى ذلك عبدُ الله، قال: صدق): قال المهلب: في هذا الحديث من الفقه من جواز تأمير الأدْوَنِ على الأفضل. وفيه: أن إقامة الحج إلى الخلفاء، أو من جعلوا ذلك إليه. وفيه: أن الأمير يجب أن يعمل بما يقوله أهل العلم. وفيه: مداخلة (¬2) العلماء للسلاطين، وغيره. وفيه: ابتداء العالم بالفتوى قبل أن يُسأل. وفيه: الفهم بالإشارة والنظر. وفيه: أن اتباعَ أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - هي السنة، وإن كان في المسألة أوجه جائزة (¬3) وغيرها. قال ابن المنير: [قوله]: فيه جوازُ تأمير الأدون على الأفضل: غلطٌ بَيِّنٌ؛ فإن صاحب الأمر في هذا هو عبدُ الملك بن مروان، وليس بحجة، ولاسيما في تأميره [للحجاج, وأما الحجاج بن عمر بحيث التفاضل (¬4)، ولا يقول أحد من المسلمين: إن تولية مثل الحجاج جائزة] (¬5) على أحد من ¬

_ (¬1) في "ع": "أولى". (¬2) في "ج": "أن مداخلة". (¬3) في "ج": "المسألة أوجه وغيره جائزة". (¬4) كذا في "ع"، ولعل في الكلام سقطاً، وقد اختصر الحافظ في "الفتح" (3/ 512) كلام ابن المنير، فذكر بعد قوله: "ولاسيما في تأمير الحجاج" قال: وأما ابن عمر، فإنما أطاع لذلك؛ فراراً من الفتنة. (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ج".

باب: الجمع بين الصلاتين بعرفة

المسلمين، بل ولا (¬1) من الكافرين، وإذا وصل الاحتجاج إلى ولاية الحجاج، فذلك العجزُ بعينه. قال: وكذلك قوله: وفيه (¬2): ابتداء العالم بالفتوى قبل أن يُسأل: ليس بانتزاع مستقيم؛ لأن كلام ابن عمر هاهنا ليس على معنى الفتوى، ولكن على معنى الولاية؛ لأن عبد الملك وَلاَّه على ذلك، وأمر الحجاجَ أن يكون في إقامة المناسك تحتَ أمره. قلت: لم يرد المهلب بابتداء العالم بالفتوى إلا لأن سالم بن عبد الله كان الذي ابتدأ بقوله للحجاج: إن كنت تريد السنة، فاقصر الخطبة، والذي أمر الخليفةُ الحجاجَ باتباعه في مناسك الحج، وعدمِ مخالفته إياه فيها، هو عبدُ الله بنُ عمر، لا ولدُه سالم. وكلام المهلب في هذا مستقيم. قال: وكذلك قوله: وفيه مداخلة العلماء للسلاطين [وَهْمٌ منه، وإنما السلاطينُ] (¬3) هنا داخلوا العلماء؛ فإن عبدَ الملك هو الخاطب؛ لأن ابن عمر هو المبتدئ له بالمداخلة (¬4) والمؤامرة. * * * باب: الجمعِ بين الصَّلاتين بعرفةَ 974 - (1662) - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، ¬

_ (¬1) في "ع": "ولابد". (¬2) في "ع": "فيه". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬4) في "ع": "والمداخلة".

باب: قصر الخطبة بعرفة

قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ: أَنَّ الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ عَامَ نَزَلَ بِابْنِ الزُّبَيْرِ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما - سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ -: كَيْفَ تَصْنَعُ فِي الْمَوْقِفِ يَوْمَ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ سَالِمٌ: إِنْ كنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ، فَهَجِّرْ بِالصَّلاَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: صَدَقَ. إِنَّهُمْ كَانُوا يَجْمَعُونَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي السُّنَّةِ. فَقُلْتُ لِسَالِمِ: أفعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالَ سَالِمٌ: وَهَلْ تَتَّبِعُونَ فِي ذَلِكَ إِلاَّ سُنَّتَهُ؟ (عام نزل بابن الزبير): أي: بمحاربته. (فهجِّر بالصلاة): - بتشديد الجيم -؛ أي: صَلِّ وقت الهاجرة؛ يعني: شدة وقت الحر. * * * باب: قَصْرِ الخُطبةِ بعرفةَ 975 - (1663) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِم بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ كتَبَ إِلَى الْحَجَّاجِ أَنْ يَأْتَمَّ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي الْحَجِّ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ، جَاءَ ابْنُ عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما - وَأَنَا مَعَهُ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ، أَوْ زَالَتْ، فَصَاحَ عِنْدَ فُسْطَاطِهِ: أَيْنَ هَذَا؟ فَخَرَجَ إِلَيْهِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: الرَّوَاحَ. فَقَالَ: الآنَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَنْظِرْنِي أُفِيضُ عَلَيَّ مَاءً. فَنَزَلَ ابْنُ عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما - حَتَّى خَرَجَ، فَسَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي. فَقُلْتُ: إِنْ كنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُصِيبَ السُّنَّةَ الْيَوْمَ، فَاقْصُرِ الْخُطْبَةَ، وَعَجِّلِ الْوُقُوفَ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: صَدَقَ. (فاقصُرِ الخطبةَ، وعجِّلِ الوقوف): سبق آنفاً، وقصرُ الخطبة بعرفة

باب: الوقوف بعرفة

وغيرِها سنَّة، وقد أخرج مسلم في "صحيحه" من طريق أبي وائل، عن عمار: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "طُولُ صَلاةِ الرَّجُلِ، وقِصَرُ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ" (¬1). قال ابن المنير: وما علمتُ الاشتقاقَ، ولا مما ذا هو مشتق، واحتمل عندي أن يكون مَفْعِلَةٌ من أَنَّ التي للتوكيد؛ كما اشتُق (¬2) التسويفُ من سوف، والمراد: أن ذلك آكدُ لفقهه. * * * باب: الوقوفِ بِعرفةَ 976 - (1664) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبيهِ: كُنْتُ أَطْلُبُ بَعِيراً لِي. وَحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو: سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: أَضْلَلْتُ بَعِيراً لِي، فَذَهَبْتُ أَطْلُبُهُ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَاقِفاً بِعَرَفَةَ، فَقُلْتُ: هَذَا وَاللَّهِ! مِنَ الْحُمْسِ، فَمَا شَأْنُهُ هَاهُنَا؟ (أضللت بعيراً لي): أي: ضلَّ مني بعير لي. (فقلت: هذا والله! من الحُمْس): - بحاء مهملة مضمومة وميم ساكنة - هو في الأصل جمع أَحْمَسَ، وهو الشديدُ (¬3) الصُّلب، سميت قريش وكنانة بذلك؛ لتصلُّبهم فيما كانوا عليه (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (869). (¬2) في "ج": "سبق". (¬3) في "ع": "التشديد". (¬4) انظر: "التوضيح" (11/ 554).

977 - (1665) - حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، قَالَ عُرْوَةُ: كَانَ النَّاسُ يَطُوفُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عُرَاةً إِلاَّ الْحُمْسَ، وَالْحُمْسُ قُرَيْشٌ وَمَا وَلَدَتْ، وَكَانَتِ الْحُمْسُ يَحْتَسِبُونَ عَلَى النَّاسِ، يُعْطِي الرَّجُلُ الرَّجُلَ الثِّيَابَ يَطُوفُ فِيهَا، وَتُعْطِي الْمَرْأة الْمَرْأَةَ الثِّيَابَ تَطُوفُ فِيهَا، فَمَنْ لَمْ يُعْطِهِ الْحُمْسُ، طَافَ بِالْبَيْتِ عُرْيَاناً، وَكَانَ يُفِيضُ جَمَاعَةُ النَّاسِ مِنْ عَرَفَاتٍ، وَيُفِيضُ الْحُمْسُ مِنْ جَمْعٍ. قَالَ: وَأَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ -رَضيَ اللهُ عَنْهَا -: أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْحُمْسِ: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 199] , قَالَ: كَانُوا يُفِيضُونَ مِنْ جَمْعٍ، فَدُفِعُوا إِلَى عَرَفَاتٍ. (عن عائشة -رضي الله عنها -: أن هذه الآية نزلت في الحمس: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 199]): وذلك لأن الحمس كانوا يترفَّعون على الناس، ويتعاظمون عليهم، ويأنفون من مساواتهم في المواقف (¬1)، ويقولون: نحن أهلُ الله، وقُطَّانُ حَرَمه، ولا نخرج (¬2) منه، فيقفون بجَمْع، ويقف سائر الناس بعرفات. وقيل: هذه الآية {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 198 - 199]. ¬

_ (¬1) في "ع": "الموقف". (¬2) في "ع": "مخرج".

فتوجه هنا سؤال عن وجه إدخال "ثم" في هذا المحل؛ حيث كانت الإفاضة المذكورة [بعدها، هي بعينها الإفاضة المذكورة] (¬1) قبلها، فما معنى عطف الأمر بها (¬2) بكلمة "ثم" الدالة على التراخي على الأمر بالذكر المتأخر عنها، وكيف موقع "ثم" من كلام البلغاء؟ فأجاب الزمخشري بما معناه: أن (¬3) موقعَها موقعُ "ثم" في قولك: أحسنْ إلى الناس، ثم لا تحسنْ إلى غيرِ كريم؛ لأن قوله: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ} [البقرة: 198] دالٌّ على وجوب الإفاضة من عرفات، ومعنى {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 199] لتكن إفاضتكم منه، لا من المزدلفة [فصار كأنه قيل: أفيضوا من عرفات، ثم أفيضوا من المزدلفة] (¬4)، ومعنى "ثم": الدلالة على بعد ما بين الإفاضتين؛ أعني: الإفاضة من عرفات، والإفاضة من المزدلفة؛ لأن الأولى صواب، والثانية خطأ، وبينهما بَون عظيم، وهذا النوع من التباين لا ينافي تفاوتَ المرتبة وتباعدَها (¬5). كذا قرره العلامة سعد الدين التفتازاني، قال: وعليه سؤال ظاهر، وهو أن التفاوت والبعد في المرتبة إنما يعتبر (¬6) بين المعطوف والمعطوف عليه، ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬2) في "ع": "به". (¬3) في "ع": "أما". (¬4) ما بين معكوفتين زيادة من "ج". (¬5) أنظر: "الكشاف" (1/ 275). (¬6) في "ع": "إنما هو يعبر".

وهو هنا عدمُ الإحسان إلى غير الكريم، وعدمُ الإفاضة من المزدلفة، لكن جرت عادته في هذا الكتاب: أنه (¬1) يعتبر في أمثال هذه المواضع التفاوت والبعد بين المعطوفين، وبين ما دخله النفيُ من المعطوف عليه، لا بينه وبين النفي، ذكره (¬2) في قوله تعالى: {وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ} [آل عمران: 111]: إن ثُمَّ للدلالة على بُعد ما بين توليتهم الأدبار، وكونهم يُنْصرون. وأما الاعتراض بأن التفاوت بينهم من كون أحد الفعلين من توليتهم مأموراً به، والآخر منهياً عنه، سواء كان العطف بثم، أو بالفاء، أو بالواو، فليس بشيء؛ لأن المراد أن في ثم إشعاراً بذلك، ودلالةً عليه من حيث كونُها في الأصل (¬3) للتراخي، ولا كذلك الفاء والواو، والأمر والنهي حتى لو علم بدلالة الفعل، ثم يرد أن هذا مما يطابق المثال لو أريد: أفيضوا إلى منى من غير تعيين عرفات، أو أريد في المثال: أحسن إلى الناس الكرام. وأما إذا جرى الناس على الإطلاق، وقد تقرر أن: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ} [البقرة: 198] يدل على وجوب الإفاضة من عرفات، فلا مطابقة، إلا أن هذا لا يضر بالمقصود، وهو التطابق في موضع "ثم"، وفي الدلالة على تفاوت ما بين الفعلين، وذهب بعضهم إلى أن مراده: أن {ثُمَّ أَفِيضُوا} [البقرة: 199] عطفٌ على {فَاذْكُرُوا (¬4) اللَّهَ} [البقرة: 198] ¬

_ (¬1) في "ج": "لأنه". (¬2) في "ج": "وذكره". (¬3) في "ج": "الأصل عنده". (¬4) في "ج": "على ما ذكروا"، وفي "ع": "على زادوا"، والصواب ما أثبت.

قصداً إلى التفاوت بينه وبين ما يتعلق بما ذكروا؛ أعني: الإفاضة المذكورة في ضمن شرط الذي هو: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ} [البقرة: 198]، وهو حاصل ما ذكرنا إلى هنا كلامه رحمه الله. ثم أشار الزمخشري إلى وجه يكون على بابها، فقال: وقيل: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 199]، وهم الحمس؛ [أي: من المزدلفة إلى منى بعد الإفاضة من عرفات. انتهى (¬1). فيكون المراد بالناس هنا: المعهودين، وهم الحمس] (¬2)، ويكون هذا الأمر أمراً بالإفاضة (¬3) من مزدلفة إلى منى بعد الإفاضة من عرفات، وفي قوله: بعد الإفاضة من عرفات دون أن يقول: بعد الذكر بالمشعر الحرام، إشعارٌ بأنه (¬4) عطف على أفيضوا من عرفات المدلولِ عليه بقوله: فإذا أفضتم، لا على: اذكروا الله، لكنه يحمل على الأمر (¬5) الحاصل محافظة على (¬6) ما هو الظاهر من عطف الأمر على الأمر. قال التفتازاني: فإن قيل: لا حاجة في هذا المعنى إلى حمل الناس على الحمس؛ لجواز أن يراد: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس إليه. قلنا: الظاهر من قوله: حيث أفاض الناس (¬7): من حيث أفاضوا عنه، ¬

_ (¬1) انظر: "الكشاف" (1/ 275). (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬3) في "ج": "ويكون الأمر أمر بالإضافة". (¬4) في "ج": "إشعار على أنه". (¬5) في "ع": "الأحد". (¬6) في "ع": "إلى". (¬7) "الناس" ليست في "ع".

لا من حيث أفاضوا إليه. (كانوا يقتصون (¬1) من جَمْع): - بفتح الجيم -: هو المزدلفة، وهو المشعر الحرام، وسميت جَمْعاً، لجمع العشاءين فيها، كذا في "المشارق" (¬2). قال الجوهري: لاجتماع الناس (¬3). قلت: وهو الظاهر؛ لوجود هذا الاسم لها في الجاهلية، ولم يكونوا يجمعون بين العشاءين فيها، ولا يعرفون ذلك أصلاً. (فدُفِعوا إلى عرفات): بضم الدال المهملة، ويروى بالراء. وعرفات: اسم للموقف، سمي بجمعٍ (¬4)؛ مثلَ أذرعات - اسم بلدة بالشام - في أنه لا واحد له؛ إذ لم يوجد أذرعة، ولا عَرَفة. قال الفراء: لا واحد له، وقول الناس: نزلنا بعرفةَ شبه بمولد، وليس بعربي محض. قال بعض المحققين: ولو سلم، فعرفة وعرفات مدلولُهما واحد، ليس ثَمَّ أماكنُ متعددة كلٌّ منهما عرفةُ جُمعت على عرفات. ثم لا كلام في استعماله منوناً، وإن حكى سيبويه عن بعض العرب عدمَ التنوين؛ مثل هذه أذرعاتُ - بالضم -، ورأيت أذرعاتِ - بكسر التاء من غير تنوين -، وإنما الكلام في الصرف وعدمه، فعند بعضهم غيرُ ¬

_ (¬1) نص البخاري: "يفيضون". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 168). (¬3) انظر: "الصحاح" (3/ 1198)، (مادة: جمع). (¬4) في "ج": "سمي به جمع".

منصرف للعلمية والتأنيث، والتنوين (¬1) للمقابلة، لا للتمكن؛ يعني: جيء به ليكون في جمع المؤنث السالم؛ مقابلاً للنون في جمع المذكر السالم كمسلمون، ومع هذا يكسر في موضع الجر؛ للأمن بهذا التنوين من تنوين المتمكن، كما حصل الأمن باللام والإضافة. واختار (¬2) الزمخشري أنه منصرف؛ لعدم الاعتداد بالتأنيث، أما لفظاً، فلأن هذه التاء ليست للتأنيث، وهو ظاهر، وأما تقديراً، فلأن اختصاصها بجمع المؤنث يأتي تقديراً لها؛ لكونه كالجمع بين علامتي التأنيث، وهذه كتأنيث ليست للتأنيث، واختصت فمنعت تقديراً؛ لئلاَّ ينافي كون الاسم مؤنثاً بحسب الاستعمال؛ مثل: وقفت بعرفات، ثم أفضتُ منها؛ لأن تاء الجمع، وإن لم تكن لمحض التأنيث على ما هو المعتبر في موضع الصرف، لكنها للتأنيث في الجملة. وقالوا: سُميت بذلك؛ لأنها وُصفت لإبراهيم -عليه السلام-، فعرفها لما أبصرها. وقيل: إن جبريل كان يدور به في المشاعر، فأراه إياها، فقال: قد عرفتُ. وقيل: التقى آدم وحواء فيها، فتعارَفا. وقيل: لأن الناس يتعارفون فيها. واختيار الزمخشري أنها من الأعلام المرتجلة. ¬

_ (¬1) "والتنوين" ليست في "ع". (¬2) في "ج": "واختيار".

باب: السير إذا دفع من عرفة

باب: السَّيرِ إذا دفعَ من عرفةَ 978 - (1666) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ قَالَ: سُئِلَ أُسَامَةُ وَأَنَا جَالِسٌ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يسِيرُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ حِينَ دَفَعَ؟ قَالَ: كَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ، فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ. قَالَ هِشَامٌ: وَالنَّصُّ فَوْقَ الْعَنَقِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَجْوَةٌ: مُتَّسَعٌ، وَالْجَمِيعُ فَجَوَاتٌ، وَفِجَاءٌ، وَكَذَلِكَ رَكوَةٌ وَرِكَاءٌ. مَنَاصٌ: لَيْسَ حِينَ فِرَارٍ. (يسير العَنقَ): - بفتحتين -: سير فيه إسراع. (فإذا وجد فَجْوة): أي: مُتَّسَعاً. (نَصَّ): أي: سار سيراً فوقَ العَنَق وأكثرَ منه. قال النووي: النَّصُّ: التحريكُ حتى يستخرجَ أقصى سير الناقة (¬1). * * * باب: النُّزولِ بين عرفةَ وجمعٍ 979 - (1667) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رَضيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - حَيْثُ أفاضَ مِنْ عَرَفَةَ مَالَ إِلَى الشِّعْبِ، فَقَضَى حَاجَتَهُ، فَتَوَضَّأَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أتصَلِّي؟ فَقَالَ: "الصَّلاَةُ أَمَامَكَ". ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (5/ 63).

باب: أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسكينة عند الإفاضة، وإشارته إليهم بالسوط

(قال: الصلاة أمامك): الصلاةُ مبتدأ، وأمامَك ظرفُ مكان، وهو ظرف مستقر خبر هذا المبتدأ. قال الطحاوي: معناه: أن المصلي (¬1) يصلي فيه المغرب والعشاء. * * * 980 - (1668) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما - يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءَ بِجَمْعٍ، غَيْرَ أَنَّهُ يَمُرُّ بِالشِّعْبِ الَّذِي أَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَيَدْخُلُ فَيَنْتَفِضُ، وَيَتَوَضَّأُ، وَلاَ يُصَلِّي حَتَّى يُصَلِّيَ بِجَمْعٍ. (فينتفض): أي يستنجي، وقد سبق بيانه في كتاب الطهارة. * * * باب: أمرِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بالسَّكينةِ عندَ الإفاضة، وإشارتِه إليهم بالسَّوط 981 - (1671) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُوَيْدٍ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أبي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ مَوْلَى وَالِبَةَ الْكُوفِي: حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضىَ اللهُ عَنْهُما -: أَنَّهُ دَفَعَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ عَرَفَةَ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَرَاءَهُ زَجْراً شَدِيداً، وَضَرْباً وَصَوْتاً لِلإبِلِ، فَأَشَارَ بِسَوْطِهِ إِلَيْهِمْ، وَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ! عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، فَإِنَّ ¬

_ (¬1) في "ج": "هذا المصلي".

باب: من جمع بينهما ولم يتطوع

الْبِرَّ لَيْسَ بِالإيضَاعِ". أَوْضَعُوا: أَسْرَعُوا. {خِلَالَكُمْ} [التوبة: 47]: مِنَ التَّخَلُّلِ بَيْنَكُمْ، {وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا} [الكهف: 33]: بَيْنَهُمَا. (مولى والِبَةَ): - بلام مكسورة وباء موحدة - لا ينصرف للعلمية والتأنيث بالهاء. (فإن البر): بباء موحدة مكسورة. (ليس بالإيضاع): مصدر أَوْضَعَ يُوضعُ، قال تعالى: - {وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ} [التوبة:47] أي: حملوا ركابهم على العَدْو السريع (¬1). * * * باب: من جمع بينهما ولم يتطوَّعْ 982 - (1674) - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ يَزِيدَ الْخَطْمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَمَعَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُزْدَلِفَةِ. (الخَطْمي): بفتح الخاء المعجمة وسكون الطاء المهملة. * * * باب: مَنْ أذَّنَ وأقامَ لكلِّ واحدةٍ منهما 983 - (1675) - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 403).

إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: حَجَّ عَبْدُ اللَّهِ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ -، فَأَتَيْنَا الْمُزْدلِفَةَ حِينَ الأَذَانِ بِالْعَتَمَةِ، أَوْ قَرِيباً مِنْ ذَلِكَ، فَأَمَرَ رَجُلاً، فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ، وَصَلَّى بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ دَعَا بِعَشَائِهِ فتعَشَّى، ثُمَّ أَمَرَ - أُرَى رَجُلاً -، فَأَذَّنَ وَأَقَامَ - قَالَ عَمْرٌو: لَا أَعْلَمُ الشَّكَّ إِلاَّ مِنْ زُهَيْرٍ -، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ رَكعَتَيْنِ، فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ، قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ لَا يُصَلِّي هَذِهِ السَّاعَةَ إِلاَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ، فِي هَذَا الْمَكَانِ، مِنْ هَذَا الْيَوْمِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: هُمَا صَلاَتَانِ تُحَوَّلاَنِ عَنْ وَقْتِهِمَا: صَلاَةُ الْمَغْرِبِ بَعْدَ مَا يَأْتِي النَّاسُ الْمُزْدلِفَةَ، وَالْفَجْرُ حِينَ يَبْزُغُ الْفَجْرُ. قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يفْعَلُهُ. (ثم أُرى): - بضم الهمزة -؛ أي: أظن؛ يعني: أنه أمر فيما يظنه، لا فيما يعلمه - يقيناً. (فلما كان حين طلع الفجر): الظاهر أن "كان" تامة، و"حين" فاعلها، غير أنه أضيف إلى الجملة الفعلية التى صَدْرها ماضٍ، فبني على المختار، ويجوز فيه الإعراب. قال الزركشي: ويروى: "فلما أحسنَ وقتَ طلوعِ الفجرِ"؛ من الإحساس (¬1). (قال عبد الله: هما صلاتان حولت من (¬2) وقتهما): أي: المستحبِّ المعتاد , وليس المراد بالتحويل إيقاعَهما قبل دخول الوقت المحدود لهما ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 403). (¬2) نص البخاري. "تحولان عن".

باب: من قدم ضعفة أهله بليل، فتقفون بالمزدلفة، ويدعون، ويقدم إذا غاب القمر

في الشرع. قاله المهلب، والله الموفق للصواب. * * * باب: مَنْ قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ بِلَيْلٍ، فَتقِفُونَ بِالْمُزْدلِفَةِ، وَيَدْعُونَ، وَيُقَدِّمُ إِذَا غَابَ الْقَمَرُ (باب: مَنْ قدم ضعفةَ أهلِه بليل): الضَّعَفَة: جمعُ ضعيف. 984 - (1676) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ سَالِمٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما - يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ، فَيَقِفُونَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِالْمُزْدلِفَةِ بِلَيْلٍ، فَيَذْكُرُونَ اللَّهَ مَا بَدَا لَهُمْ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ الإمَامُ، وَقَيْلَ أَنْ يَدْفَعَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ مِنًى لِصَلاَةِ الْفَجْرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِذَا قَدِمُوا، رَمَوُا الْجَمْرَةَ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما - يَقُولُ: أَرْخَصَ فِي أُولَئِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. (فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر): ليست هذه اللام لام العلة، وإنما هي لامُ التوقيت؛ أي: عند صلاة الفجر. * * * 985 - (1679) - حَدَّثَنَا مُسَدَّد، عَنْ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ، عَنْ أَسْمَاءَ: أَنَّهَا نَزَلَتْ لَيْلَةَ جَمْعٍ عِنْدَ الْمُزْدَلِفَةِ، فَقَامَتْ تُصَلِّي، فَصَلَّتْ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَتْ: يَا بُنَيَّ! هَلْ غَابَ الْقَمَرُ؟ قُلْتُ: لَا. فَصَلَّتْ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَتْ: هَلْ غَابَ الْقَمَرُ؟ قُلْتُ: نعَمْ،

قَالَتْ: فَارْتَحِلُوا، فَارْتَحَلْنَا، وَمَضَيْنَا حَتَّى رَمَتِ الْجَمْرَةَ، ثُمَّ رَجَعَتْ فَصَلَّتِ الصُّبحَ فِي مَنْزِلِهَا. فَقُلْتُ لَهَا: يَا هَنْتَاهْ! مَا أُرَانَا إِلاَّ قَدْ غَلَّسْنَا. قَالَتْ: يَا بُنَيَّ! إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أذِنَ لِلظُّعُنِ. (أذن للظُّعُن): - بضم الظاء المعجمة بعدها عين مهملة تضم وتسكن -: جمع ظعينة، وهي المرأة ما دامت في الهودج، فإذا لم تكن فيه، فليست بظعينة، والظعينة أيضاً: الهودج، كانت فيه امرأة، أو لم تَكُنْ، قاله الجوهري رحمه الله (¬1). * * * 986 - (1680) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ - هُوَ ابْنُ الْقَاسِم -، عَنِ الْقَاسِم، عَنْ عَائِشَةَ -رَضيَ اللهُ عَنْهَا -، قَالَتِ: اسْتَأْذَنت سَوْدَةُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ جَمْعٍ، وَكَانت ثَقِيلَةً ثَبْطَةً، فَأَذِنَ لَهَا. (ثَبِطَة): - بفتح الثاء المثلثة وكسر الباء الموحدة - يعني: بطينة. قال القاضي: وبالكسر ضبطناه، وضبطه الجيَّاني عن ابن سراج - بالكسر والإسكان -، وروي: بطيئة؛ من البطء (¬2). (فأذن لها): فيه دليل على عدم وجوب المبيت بالمزدلفة؛ إذ لو كان واجباً، لم يسقط لعذر الضعف؛ كالوقوف بعرفة. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "الصحاح" (6/ 2159)، (مادة: ظعن). (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 128).

باب: متى يصلي الفجر بجمع

987 - (1681) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ ابْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضيَ اللهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: نَزَلْنَا الْمُزْدَلِفَةَ، فَاسْتَأْذَنَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - سَوْدَةُ أَنْ تَدْفَعَ قَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ، وَكَانَتِ امْرَأةً بَطِيئَةً، فَأَذِنَ لَهَا، فَدَفَعَتْ قَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ، وَأَقَمْنَا حَتَّى أَصْبَحْنَا نَحْنُ، ثُمَّ دَفَعْنَا بِدَفْعِهِ، فَلأَنْ أَكُونَ اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَمَا اسْتَأْذَنَتْ سَوْدَةُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مَفْرُوحٍ بِهِ. (قبل حَطْمَة الناس): - بفتح الحاء المهملة وإسكان الطاء المهملة -، وهي الزحمة؛ لأن بعضَهم يحطمُ بعضاً من الزِّحام. (أحبُّ إلي من مفروح به): أي: من شيء مفروحٍ به. * * * باب: متى يُصلِّي الفجرَ بجمعٍ 988 - (1683) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ - إِلَى مَكَّةَ، ثُمَّ قَدِمْنَا جَمْعاً، فَصَلَّى الصَّلاَتَيْنِ، كُلَّ صَلاَةٍ وَحْدَهَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، وَالْعَشَاءُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، قَائِلٌ يَقُولُ: طَلَعَ الْفَجْرُ. وَقَائِلٌ يَقُولُ: لَمْ يَطْلُعِ الْفَجْرُ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ هَاتَيْنِ الصَّلاَتَيْنِ حُوِّلَتَا عَنْ وَقْتِهِمَا فِي هَذَا الْمَكَانِ: الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، فَلاَ يَقْدَمُ النَّاسُ جَمْعاً حَتَّى يُعْتِمُوا، وَصَلاَةَ الْفَجْرِ هَذِهِ السَّاعَةَ". ثُمَّ وَقَفَ حَتَّى أَسْفَرَ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَفَاضَ الآنَ، أَصَابَ السُّنَّةَ. فَمَا أَدْرِي أَقَوْلُهُ كَانَ أَسْرَعَ، أَمْ دَفْعُ عُثْمَانَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ -، فَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ.

(فصلى الصلاتين كل صلاة وحدها بأذان وإقامة والعَشاء بينهما): يقع في بعض النسخ مقيداً بكسر العين، والصواب فتحها، ومعناه: أنه يتعشَّى بين الصلاتين. وقد وقع ذلك مبيناً في الباب الذي قبله، فقال (¬1): لما صلى المغرب، دعا بعشائه (¬2) فتعشى، ثم ذكر صلاة العتمة بعدَ ذلك، قاله في "المشارق" (¬3). وفعل ذلك؛ لينبه على أن الفصل بينهما مغتفَر (¬4). (إن هاتينِ الصلاتينِ حولها (¬5) عن وقتهما): قد أسلفنا أن المراد: أُخرتا عن الوقت المستحبِّ؛ لأنهما توقعان قبل دخول الوقت. (المغربَ): قال الزركشي: بالنصب بدلٌ من اسم "إن"، وكذا "وصلاةَ الفجر" (¬6). قلت: المبدَلُ منه مثنى، فلا يُبدل منه كلّ إلا ما يصدق عليه المثنى، وهو اثنان، فحينئذ المغرب وصلاة الفجر مجموعهما هو البدلُ، ويحتمل أن يكون نصبهما بفعل محذوف؛ أي: أعني: المغربَ وصلاةَ الفجر. * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "يقال". (¬2) في "ع". "بعائشة". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 103). (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 404). (¬5) نص البخاري: "حولتا". (¬6) انظر: "التنقيح" (1/ 405).

باب: متى يدفع من جمع

باب: متى يدفعُ من جمعٍ 989 - (1684) - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ يَقولُ: شَهِدْتُ عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ - صَلَّى بِجَمْعٍ الصُّبْحَ، ثُمَّ وَقَفَ، فَقَالَ: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ كانُوا لَا يُفِيضُونَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَيَقُولُونَ: أَشْرِقْ ثَبِيرُ. وَإِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَالَفَهُمْ، ثُمَّ أَفَاضَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ. (أَشرقْ ثَبير): - بالضم على النداء - وحرفُه محذوف؛ أي: لتطلعْ عليكَ الشمسُ، يقال: أشرق الرجل: إذا دخلَ وقتَ الشروق. (كيما نُغير) (¬1): أي نُذهب سريعاً، يقال: أغار يغير: إذا أسرع في العَدْو. وقيل: نغير على لحوم الأضاحي؛ أي: ننهبها. وقيل: ندخل في الغور، وهو المنخفض من الأرض على لغة من قال: أغار: إذا أتى الغَوْر (¬2). * * * باب: التَّلبيةِ والتَّكبير غداةَ النحر حين يرمي الجمرةَ 990 - (1685) - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمِ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ ¬

_ (¬1) كذا أدخل المؤلف -رحمه الله - قوله: "كيما نغير" في نص البخاري، تبعاً للزركشي، وليست هذه الزيادة عند البخاري، بل أخرجها الإسماعيلي من رواية أبي الوليد عن شعبة، كما ذكر الحافظ في "الفتح" (3/ 531). (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 405).

باب: ركوب البدن

جُرَيْجِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَرْدَفَ الْفَضْلَ، فَأَخْبَرَ الْفَضْلُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى الْجَمْرَةَ. (الضحاك بن مَخْلَدٍ): بفتح الميم وإسكان الخاء المعجمة. * * * 991 - (1686 و 1687) - حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ يُونسُ الأَيْلِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زيدٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما - كَانَ رِدْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ عَرَفَةَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ، ثُمَّ أَرْدَفَ الْفَضْلَ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ إِلَى مِنًى - قَالَ - فَكِلاَهُمَا قَالاَ: لَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ. (أن أسامة كان رِدْف): بكسر الراء وسكون الدال، ويروى بفتح الراء وكسر الدال؛ كحذِرَ (¬1). * * * باب: رُكُوبِ الْبُدْنِ لقوله: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 405).

سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} [الحج: 36 - 37]. قَالَ مُجَاهِدٌ: سُمِّيَتِ الْبُدْنَ لِبُدْنِهَا. و {الْقَانِعَ}: السَّائِلُ، وَ {وَالْمُعْتَرَّ}: الَّذِي يَعْتَرُّ بِالْبُدْنِ مِنْ غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ، وَ {شَعَائِرَ اللَّهِ}: اسْتِعْظَامُ الْبُدْنِ وَاسْتِحْسَانُهَا، وَ {الْعَتِيقِ} [الحج: 33]: عِتْقُهُ مِنَ الْجَبَابِرَةِ، وَيُقَالُ: {وَجَبَتْ}: سَقَطَتْ إِلَى الأَرْضِ، وَمِنْهُ وَجَبَتِ الشَّمْسُ. (سميت البدن لبدنها): بضم الباء وإسكان الدال (¬1)، ويروى بفتحهما معاً، ويروى: "لبدانتها" (¬2). * * * 992 - (1689) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى رَجُلاً يَسُوقُ بَدَنَةً، فَقَالَ: "ارْكَبْهَا". فَقَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ! فَقَالَ: "ارْكَبْهَا". قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ! قَالَ: "ارْكبْهَا، ويْلَكَ". فِي الثَّالِثَةِ أَوْ فِي الثَّانِيَةِ. (قال: اركبها ويلك): هذه الكلمة تستعمل في التغليظ على المخاطَب، فيحتمل إجراؤها على هذا المعنى؛ لتأخر المخاطَب عن امتثال أمرِ الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ لقول الراوي: "في الثانية أو الثالثة"، ويحتمل أن يراد بها موضوعها (¬3) الأصلي، ويكون مما يجري على لسان العرب في المخاطبة من غير قصد لموضوعه، كما قيل في: ترِبَتْ يداك، وأفلحَ وأبيه. ¬

_ (¬1) من قوله: "ويروى بفتح الراء. . . " إلى قوله: "وإسكان الدال" ليس في "ع". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 406). (¬3) في "ع": "موضعها".

باب: من اشترى الهدي من الطريق

ومن يمنع من ركوب البدنة من غير حاجة يحمل هذه الصورة على ظهور الحاجة إلى ركوبها في الواقعة المعينة. * * * باب: مَنِ اشْتَرَى الْهَدْيَ مِنَ الطَّرِيقِ (باب: من اشترى الهدي من الطريق): أراد: مذهب ابن عمر: أَن الهديَ ما أُدخل من الحِلِّ إلى الحرم؛ لأن قُدَيداً من الحِلِّ (¬1). 993 - (1693) - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهم - لأَبيهِ: أَقِمْ، فَإِنِّي لَا آمَنُهَا أَنْ سَتُصَدُّ عَنِ الْبَيْتِ. قَالَ: إِذاً أَفْعَلَ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]، فَأَنَا أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ عَلَى نَفْسِي الْعُمْرَةَ. فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ، قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْبَيْدَاءَ، أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَقَالَ: مَا شَأْنُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إِلاَّ وَاحِدٌ. ثُمَّ اشْتَرَى الْهَدْيَ مِنْ قُدَيْدٍ، ثُمَّ قَدِمَ، فَطَافَ لَهُمَا طَوَافاً وَاحِداً، فَلَمْ يَحِلَّ حَتَّى حَلَّ مِنْهُمَا جَمِيعاً. (فإني لا آمَنُها): والأصل أَأْمَنُها، مضارعُ أَمِنَ، بكسر الميم. قال سيبويه: يجوزُ كسر حرف المضارعة إذا كان الماضي على فَعِل؛ يعني: بالكسر، ومستقبله يفعل؛ يعني: بالفتح؛ نحو: أنا إعلم، وأنت تِعْلَم، ونحن نِعْلمَ، وعليه جاء إِيمنها. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 407).

باب: من أشعر وقلد بذي الحليفة، ثم أحرم

ويروى: "إِيمنها" من الإيمان، والضمير عائد إلى (¬1) الجماعة التي تصد عن الحج، وكذا في قوله: تصد عن البيت (¬2). * * * باب: مَنْ أَشْعَرَ وَقَلَّدَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، ثُمَّ أَحْرَمَ وَقَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما - إِذَا أَهْدَى مِنَ الْمَدِينَةِ، قَلَّدَهُ، وَأَشْعَرَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، يَطْعُنُ فِي شِقِّ سَنَامِهِ الأَيْمَنِ بِالشَّفْرَةِ، وَوَجْهُهَا قِبَلَ الْقِبْلَةِ بَارِكَةً. (يَطْعُن): بضم العين المهملة (¬3). (في شِقِّ): بكسر الشين المعجمة. (سُنامه): بضم (¬4) السين المهملة. (الأيمنِ): نعت لشقِّ. (بالشَّفْرة): - بفتح الشين المعجمة -: السكين العريضة. * * * باب: الْقَلاَئِدِ مِنَ الْعِهْنِ (باب: القلائد من العِهْن): هو الصوف، وأكثر ما يكون مصبوغاً؛ ليكون أبلغَ في العلامة. ¬

_ (¬1) في "ع": "على". (¬2) انظر: "التنقيح " (1/ 407). (¬3) "المهملة" ليست في "ع". (¬4) كذا في النسخ الخطية، والصواب: "بفتح".

باب: الجلال للبدن

باب: الْجلاَلِ لِلْبُدْنِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما - لَا يَشُقُّ مِنَ الْجلاَلِ إِلاَّ مَوْضعَ السَّنَامِ، وَإِذَا نَحَرَهَا، نَزَعَ جِلاَلَهَا، مَخَافَةَ أَنْ يُفْسِدَهَا الدَّمُ، ثُمَّ يَتَصَدَّق بِهَا. (الجِلال): - بجيم مكسورة -: جمعُ جُلٍّ - بضمها -، وهو كساءٌ يُطرح على ظهر البعير (¬1). * * * باب: من اشترى هَدْيَه من الطريقِ وقلَّدها 994 - (1708) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: أَرَادَ ابْنُ عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما - الْحَجَّ عَامَ حَجَّةِ الْحَرُورِيَّةِ فِي عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما -، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ النَّاسَ كَائِنٌ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ، وَنَخَافُ أَنْ يَصُدُّوكَ. فَقَالَ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] إِذاً أَصْنعَ كَمَا صَنَعَ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي أَوْجَبْتُ عُمْرَةً. حَتَّى كَانَ بِظَاهِرِ الْبَيْدَاءِ، قَالَ: مَا شَأْنُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إِلاَّ وَاحِدٌ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي جَمَعْتُ حَجَّةً مَعَ عُمْرَةٍ. وَأَهْدَى هَدْياً مُقَلَّداً اشْتَرَاهُ حَتَّى قَدِمَ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَوْمِ النَّحْرِ، فَحَلَقَ وَنَحَرَ، وَرَأَى أَنْ قَدْ قَضَى طَوَافَهُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ بِطَوَافِهِ الأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ: كَذَلِكَ صَنعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 407).

باب: من نحر هديه بيده

(فقيل له: إن الناس كائنٌ بينهم، فقال): القائل له ذلك: أولادُه: عبدُ الله، وعُبيدُ الله، وسالم، ذكر ذلك البخاري نفسُه؛ ففي (¬1) باب: من اشترى الهدي من الطريق عن نافع، قال عبدُ الله بنُ عبدِ الله بنِ عمرَ لأبيه، وفي باب: إذا أُحْصِر المتمتع: عن نافع: عبيدُ الله بنُ عبد الله، وسالمُ بنُ عبد الله أخبراه: أنهما كَلَّما عبدَ الله بنَ عمر ليالَي نزل الجيش بابن الزبير. * * * باب: من نحر هديَه بيدِه 995 - (1712) - حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسٍ - وَذَكَرَ الْحَدِيثَ -، قَالَ: وَنَحَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ سَبع بُدْنٍ قِيَاماً، وَضَحَّى بِالْمَدِينَةِ كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنينِ. مُخْتَصَراً. (ونحر النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده سبعة بُدْن): قيل: أراد: أَبْعره (¬2)، فلذلك أدخل عليها (¬3) الهاء، وفي نسخة: "سبعَ بُدْن" بدونها، فلا حاجة إلى التأويل (¬4). (قياماً): صفةٌ لـ "سبعَ" أو حال منه، والمسوغُ لوقوع الحال من النكرة مع تأخرها هو تخصيصُ النكرة بالإضافة. * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "في". (¬2) في "ع": "نعرة". (¬3) "عليها" ليست في "ج". (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 408).

باب: نحر الإبل مقيدة

باب: نحرِ الإبلِ مقيَّدةً 996 - (1713) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ يُونسَ، عَنِ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما - أَتَى عَلَى رَجُلٍ، قَدْ أَنَاخَ بَدَنَتَهُ يَنْحَرُهَا، قَالَ: ابْعَثْهَا قِيَاماً مُقَيَّدَةً، سُنَّةَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -. وَقَالَ شُعْبَةُ عَنْ يُونُسَ: أَخْبَرَنِي زِيَادٌ. (ابعثها قياماً مقيدةً): أي: معقولةَ اليد الواحدة قائمة على ما بقي من قوائمها. * * * باب: نحرِ البُدن قائمةً 997 - (1715) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعاً، وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكعَتَيْنِ. وَعَنْ أيُّوبَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَنَسٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ -: ثُمَّ بَاتَ حَتَّى أَصْبَحَ، فَصَلَّى الصُّبْحَ، ثُمَّ ركِبَ رَاحِلَتَهُ، حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ الْبَيْدَاءَ، أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ. (وعن أيوب، عن رجل، عن أنس): هذا الرجل هو أبو قِلابة؛ لأنه ساق الحديث قبل ذلك من طريق سَهْل بن بكار، عن وهيب، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس، وفيه كما في هذا من أنه بات بها، فلما أصبح، ركب راحلته، فجعل يهلل ويسبح، فلما علا البيداء، لبَّى بهما جميعاً. هكذا قيل، وفيه نظر. وقال الداودي: آخره ليس بمسند؛ لأن بين أيوب وأنس رجلاً

باب: لا يعطى الجزار من الهدي شيئا

مجهولاً، ولو كان محفوظاً عن أبي قلابة، لم يَكْنِ عنه, لجلالته ونعته، وإنما يُكنى عَمَّن فيه نظر. قال: قال ابن التين: يحتمل أن يكون أيوب نسبه، وهو ثقة، بل هو أولى أن يُحمل عليه؛ لأنه لو علم أن فيه نظراً؛ لوجب عليه أن يذكر اسمه، ويسقط حديثه، ولا يرويه ألبتة (¬1). * * * باب: لَا يُعْطَى الْجَزَّارُ مِنَ الْهَدْيِ شَيْئاً (باب: لا يُعطى الجزار): يروى بالبناء للفاعل، فالجزار منصوب، والفاعل ضمير يعود على صاحب الهدي، ويروى بالبناء للمفعول، فالجزار مرفوع. 998 - (1716) - قَالَ سُفْيَانُ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْكَرِيم، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَلِيٍّ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: أَمَرَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أقومَ عَلَى الْبُدْنِ، وَلاَ أُعْطِيَ عَلَيْهَا شَيْئاً فِي جِزَارَتِهَا. (ولا أعطيَ عليها في جِزارتها): قال السفاقسي: الصحيحُ أن الجِزارة - بكسر الجيم - اسمٌ للفعل؛ يعني: عمل الجزار، والجُزارة - بضمها (¬2) -: اسمٌ للسواقط التي (¬3) يأخذها الجزار، فيكون المعنى: ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" لابن الملقن (12/ 82). (¬2) في "ع": "بضمتها". (¬3) في "ج": "الذي".

باب: ما يأكل من البدن وما يتصدق

ولا أعطي شيئاً منها في أجرة الجزار عن عمله (¬1). * * * باب: ما يأكُلُ من البُدْنِ وما يَتصدَّقُ 999 - (1719) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنَا عَطَاءٌ: سَمِعِ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما - يَقُولُ: كنَّا لَا نَأْكُلُ مِنْ لُحُومِ بُدْنِنَا فوْقَ ثَلاَثِ مِنًى، فَرَخَّصَ لَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "كُلُوا وَتَزَوَّدُوا"، فَأَكَلْنَا وَتَزَوَدْنَا. قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أقالَ: حَتَّى جِئْنَا الْمَدِينَةَ؟ قَالَ: لَا. (فوق ثلاثِ مِنىً): بإضافة ثلاثِ إلى مِنى، والأصل: ثلاثِ ليال منى؛ كما هو في قولهم: حَبُّ رُمَّانِ زيدٍ، فإن القصد إضافةُ الحبِّ المختصِّ بكونه للرمَّانِ، لا إلى زيد، ومثله: ابنُ قيسِ الرقياتِ؛ فإن الملتبسَ بالرقيات ابنُ قيسٍ، لا قيسٌ. قال الشيخ سعد الدين التفتازاني: وتحقيقُه أن مطلق الحبِّ مضافٌ إلى الرمان، والحبُّ المقيدُ بالإضافة إلى الرمان مضافٌ إلى زيد. قلت: فيه نظر، فتأمله. * * * باب: الذَّبح قبلَ الحَلْقِ 1000 - (1722) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (12/ 89).

عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيعٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: زُرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ. قَالَ: "لَا حَرَجَ". قَالَ حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ. قَالَ: "لَا حَرَجَ". قَالَ: ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ. قَالَ: "لَا حَرَجَ". وَقَالَ عَبْدُ الرَّحِيمِ الرَّازِيُّ عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ يَحْيَى: حَدَّثَنِي ابْنُ خُثَيْمٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (زرت قبل أن أرمي، قال: لا حرج): أي: طفتُ طوافَ الزيارة، وهو طوافُ الإفاضة. (ابن خُثيم): بخاء معجمة مضمومة فثاء مثلثة فياء تصغير فميم، وقد مر. * * * 1001 - (1724) - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى -رَضيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ بِالْبَطْحَاءَ، فَقَالَ: "أَحَجَجْتَ؟ "، قُلْتُ: نعَمْ. قَالَ: "بِمَا أَهْلَلْتَ؟ ". قُلْتُ: لَبَّيْكَ بِإِهْلاَلٍ كَإِهْلاَلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَ: "أَحْسَنْتَ، انْطَلِقْ فَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ". ثُمَّ أَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ بَنِي قَيْسٍ، فَفَلَتْ رَأْسِي، ثُمَّ أَهْلَلْتُ بِالْحَجِّ، فَكُنْتُ أُفْتِي بِهِ النَّاسَ، حَتَّى خِلاَفَةِ عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ -، فَذَكَرْتُهُ لَهُ، فَقَالَ: إِنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ يَأْمُرُنَا بِالتَّمَامِ، وَإِنْ نَأْخُذْ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَحِلَّ حَتَّى بَلَغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ.

باب: الحلق والتقصير عند الإحلال

(ففَلَتْ رأسي): بفاء ولام مخففة مفتوحتين. (أُفتي به الناس حتى خلافة عمرَ): "حتى" هنا حرف جر؛ أي: إلى خلافة عصره * * * باب: الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ عِنْدَ الإحْلاَلِ (باب: الحلق والتقصير عند الإحلال): تعجَّب ابن المنيِّر من دقة نظر البخاري ولطفِ تراجمه حيث ترجم بهذه الترجمة، فأَفهم أن الحلقَ والتقصيرَ نسكٌ، ولكنه نسكٌ يُصنع عندَ الإحلال، ولو كان هو في نفسه إحلالاً، لم تحسن هذه الترجمة، وكأنه استدل على أنه نسك بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لفاعله، والدعاءُ ثواب، والثوابُ إنما يكون على العبادات، لا على المباحات، ثم تفرقته -عليه السلام- بين الحلق والتقصير، وتفضيل الحلق على التقصير دليلٌ على أنه نسك؛ إذ المباحاتُ لا تتفاضل. 1002 - (1727) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "اللَّهُمَّ ارْحَم الْمُحَلِّقِينَ". قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "اللَّهُمَّ ارْحَم الْمُحَلِّقِينَ". قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "وَالْمُقَصِّرِينَ". وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ: "رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ" مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ. قَالَ: وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، وَقَالَ فِي الرَّابِعَةِ: وَالْمُقَصِّرِينَ". (قالوا: والمقصرين): وبعد هذا في حديث آخر:

1003 - (1729) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، حَدَّثَنَا جُويرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ: حَلَقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ. (حلقَ النبي - صلى الله عليه وسلم - وطائفة من أصحابه، وقَصَّر بعضهم): ذكر ابن سعد في "الطبقات" في غزوة الحديبية عن عبد الوهاب بن عطاء، قال: أخبرنا هشام الدَّسْتوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي إبراهيم، عن أبي سعيد الخدري: أَنَّ رسولَ - صلى الله عليه وسلم - رأى أصحابه حَلَقوا رؤوسَهم عامَ الحديبية غيرَ عثمانَ وأبي قتادةَ، فاستغفرَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - للمحلقين ثلاثَ مرات، وللمقصِّرين مرةً (¬1). قال شيخنا قاضي القضاة جلال الدين (¬2) - ذكره الله بالصالحات (¬3) -: ففي هذا بيان البعض الذي قصر، ويحتمل أن يكونا هما اللذان قالا: والمقصرين. قلت: إن ثبت أن ما (¬4) أورده البخاري في هذا الباب كان في عام الحديبية، حَسُنَ التفسيرُ بذلك، وإلا، فلا؛ إذ لا يلزم من كون عثمانَ وأبي قتادة في عام الحديبية أن يكونا قصرا في غيره. * * * ¬

_ (¬1) رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (2/ 104). ورواه الإمام أحمد في "المسند" (3/ 20)، والطيالسي في "مسنده" (2224)، وغيرهم. (¬2) في "ج": "جلال الدين البلقيني". (¬3) "ذكره الله بالصالحات" ليس في "ج". (¬4) "ما" ليست في "ع".

باب: الزيارة يوم النحر

1004 - (1730) - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الْحَسَنِ ابْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ - رصْي الله عنهم - قَالَ: قَصَّرْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمِشْقَصٍ. (قَصَّرْتُ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمِشْمقَصٍ): - بكسر الميم -: نَصْل السهم إذا كان طويلاً، ومرادُه: قصَّرتُ عنه في بعض عُمَرِه (¬1). * * * باب: الزِّيَارَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُمْ -: أَخَّرَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - الزِّيارَةَ إِلَى اللَّيْلِ، وَيُذْكرُ عَنْ أَبي حَسَّانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَزُورُ الْبَيْتَ أَيَّامَ مِنًى. (ويُذكر عن أبي حسان): بالصرف وتركِه (¬2). * * * باب: الْخُطْبَةِ أَيَّامَ مِنًى (باب: الخطبة أيامَ مِنى): الأحاديث التي ذكرها في هذه الترجمة كلُّها مطابقة لها، إلا (¬3) حديث جابر عن ابن عباس: سمعتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 409). (¬2) من قوله: "قصرت عنه في بعض عمره". . . إلى قوله: "وتركه" ليس في "ج". (¬3) "إلا" ليست في "ع".

يخطبُ بعرفات (¬1). قال ابن المنير: فما ساقها - والله أعلم - إلا ليردَّ على من زعم أن يومَ النحر لا خطبةَ فيه للحجاج، وأن الذي ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه من قبيل الوصايا العامة، لا على أنه خطبة، [وشعيرة من شعائر الحج؛ كما ذهب إليه قوم، فردَّ البخاري على من أنكر كونها خطبة] (¬2) بأن الراوي سماها خطبة، كما سمى التذكيرَ يومَ عرفةَ خطبة، وقد اتفقوا على خطبة يوم عرفة، فألحق المختلَف فيه بالمتفق عليه. * * * 1005 - (1739) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ غَزْوَانَ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْر، فَقَالَ: "يَا أَيُهَا النَّاسُ! أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ "، قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ، قَالَ: "فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ "، قَالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ، قَالَ: "فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ "، قَالُوا شَهْرٌ حَرَامٌ، قَالَ: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُم عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذا". فَأَعَادَهَا مِرَاراً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ". قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما -: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ -: "فَلْيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ". ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1740)، ومسلم (1178). (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ج".

(كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا): قال ابن المنير: قد استقر في القواعد أن الأحكام لا تتعلق إلا بأفعال المكلفين، فمعنى تحريم اليوم والبلد والشهر: تحريمُ أفعال الاعتداء فيها على النفس والمال والعرض، فما معنى إذن تشبيه الشيء بنفسه؟ وأجاب: بأن المراد أن هذه الأفعال في غير هذه البلدة، وهذا الشهر، وهذا اليوم مُغلَّظة الحرمة، عظيمةٌ عند الله، فلا يستسهل المعتدي كونَه تعدَّى في غير البلد الحرام، والشهر الحرام، بل ينبغي له أن يخاف خوفَ من فعل ذلك في البلد الحرام (¬1)، وإن كان فعلُ العدوان في البلد الحرام أغلظَ، فلا ينبغي كونُ ذلك في غيره غليظاً أيضاً، وتفاوتُ ما بينهما في الغلظ لا ينفعُ المعتدي في غير البلد الحرام، فإن فرضناه تعدَّى في البلد الحرام، فلا يستسهل حرمة البلد، بل ينبغي أن يعتقد أنَّ فعله أقبحُ الأفعال، وأن (¬2) عقوبته بحسب ذلك، فيراعي الحالتين؛ كما قيل عن ابن عباس -رضي الله عنهما -: أنه كان إذا سُئل: هل للقاتل توبة؟ يسأل: هل قتل أولاً؟ فإن قال: إنه قتل، قال: نعم، له التوبة، فإن قال: لم أقتل بعد، قال: لا توبة لقاتل (¬3). (لا ترجعوا بعدي كفاراً): أي: لا تصيروا، ففيه استعمالُ رجعَ كصار؛ معنًى وعملاً. ¬

_ (¬1) "الحرام" ليست في "ع". (¬2) "وأن" ليست في "ج". (¬3) في "ع": "لفاعل".

قال ابن مالك: وهو مما خفي على أكثر النحويين (¬1) (¬2). (يضربُ بعضكم): برفع الفعل وجزمه، وقد مر. * * * 1006 - (1741) - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي بَكْرَةَ، عَن أَبي بَكْرَةَ، وَرَجُلٌ أَفْضَلُ فِي نَفْسِي مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ النَّحْرِ، قَالَ: "أتدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ "، قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ. قَالَ: "أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ "، قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: "أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ "، قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ. فَقَالَ: "أليْسَ ذُو الْحَجَّةِ؟ "، قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: "أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ "، قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ. قَالَ: "أليْسَتْ بِالْبَلْدَةِ الْحَرَامِ؟ "، قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ. أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟ "، قَالُوا: نعمْ. قَالَ: "اللَّهُمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ، فَلاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ". ¬

_ (¬1) في "ج": "أكثر المحققين النحويين". (¬2) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 139).

باب: رمي الجمار

(أليس يومَ النحر؟): - بالنصب - على أنه خبر "ليس"؟ أي (¬1): أليس اليومُ يومَ النحر؟ ويجوز الرفع على أنه اسمها، والخبر محذوف؛ أي: أليس يومُ النحر هذا اليومَ، وعلى هذا التقدير قال: (أليس ذو الحجة؟): يعني: أليس ذو الحجة هذا الشهرَ. (قال. أليست البلدة؟): فيه الوجهان السابقان، والمراد بالبلدة: مكة، وقيل: إنها اسم خاص بها (¬2)، وساق الزركشي الاستشهاد على ذلك بقوله تعالى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ} [النمل: 91] (¬3). قلت: لا دلالة في الآية على ما ادعوه من الاختصاص. * * * باب: رميِ الجمارِ 1007 - (1746) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مِسْعرٌ، عَنْ وَبَرَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما -: مَتَى أَرْمِي الْجِمَارَ؟ قَالَ: إِذَا رَمَى إِمَامُكَ، فَارْمِهْ. فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ الْمَسْألةَ، قَالَ: كُنَّا نَتَحَيَّنُ، فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، رَمَيْنَا. (مِسْعَر): بميم مكسورة فسين مهملة ساكنة، فعين مهملة (¬4) مفتوحة فراء. ¬

_ (¬1) "أي" ليست في "ج". (¬2) "بها" ليست في "ع". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 410). (¬4) "مهملة ساكنة فعين مهملة" ليست في "ع".

باب: رمي الجمار من بطن الوادي

(عن وَبَرَة): - بواو فموحدة فراء -؛ أي: على وزن شَجَرَة. (فارمِهْ): بهاء ساكنة للسكت. (نتحين): نتفعل من الحين، وهو (¬1) الزمان؛ أي: نراقب الوقت. * * * باب: رميِ الجمارِ مِنْ بَطْنِ الوادي 1008 - (1747) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: رَمَى عَبْدُ اللَّهِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! إِنَّ نَاساً يَرْمُونَهَا مِنْ فَوْقِهَا، فَقَالَ: وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ! هَذَا مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ - صلى الله عليه وسلم -. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَليدِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، بِهَذَا. (هذا مقام الذي أُنزلت عليه سورة البقرة): المقام -بفتح الميم- اسمُ مكان من قامَ يقومُ؛ أي: هذا موضعُ قيامِ (¬2) النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وفيه دليل على جواز إضافة (¬3) السورة إلى البقرة على معنى التسمية بها؛ لأنها ذكرت فيها؛ خلافاً (¬4) لمن أنكر ذلك، وخص سورة البقرة؛ ¬

_ (¬1) في "ج": "من". (¬2) في "ج": "مقام". (¬3) في "ع": "إفاضة". (¬4) في "ع": "خلاف".

باب: يكبر مع كل حصاة

لمناسبتها للحال؛ فإنها التى ذكر فيها الرمي، وهي من باب التلميح؛ كقوله: فَوَاللهِ مَا أَدْرِي أَأَحْلامُ (¬1) نَائِمٍ ... أَلمَّتْ بِنَا أَمْ كانَ في الرَّكْبِ يُوشَعُ * * * باب: يكبِّر مع كلِّ حَصَاةٍ 1009 - (1750) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَجَّاجَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: السُّورَةُ الَّتِي يُذْكرُ فِيهَا الْبَقَرَةُ، وَالسُّورَةُ الَّتِي يُذْكرُ فِيهَا آلُ عِمْرَانَ، وَالسُّورَةُ الَّتِي يُذْكرُ فِيهَا النِّسَاءُ. قَالَ: فَذَكرْتُ ذَلِكَ لإبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ: أَنَّهُ كَانَ مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُ - حِينَ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، فَاسْتَبْطَنَ الْوَادِيَ، حَتَّى إِذَا حَاذَى بِالشَّجَرَةِ، اعْتَرَضَهَا، فَرَمَى بِسَبع حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ قَالَ: مِنْ هَاهُنَا وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ قَامَ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ - صلى الله عليه وسلم -. (فاستبطنَ الواديَ): أي: أتى بطنَ الوادي. (حتى إذا حاذى الشجرةِ): أي: قابلَها، * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "الأحلام".

باب: إذا رمى الجمرتين يقوم مستقبل القبلة ويسهل

باب: إذا رمى الجمرتين يقومُ مُستقبلَ القبلة ويُسهِلُ 1010 - (1751) - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبع حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ عَلَى إِثْرِ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ حَتَّى يُسْهِلَ، فَيَقُومَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، فَيَقُومُ طَوِيلاً، وَيَدْعُو وَيَرْفعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَرْمِي الْوُسطَى، ثُمَّ يَأْخُذُ ذَاتَ الشِّمَالِ، فَيَسْتَهِلُ، وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، فَتقُومُ طَوِيلاً، وَيَدْعُو، وَيرْفَعُ يَدَيْهِ، وَيَقُومُ طَوِيلاً، ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ ذَاتِ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، وَلاَ يَقِفُ عِنْدَهَا، ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُولُ: هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يفْعَلُهُ. (ثم يتقدم حتى يُسهل): مضارع أَسْهَلَ: إذا أتى السَّهْلَ من الأرض، وهو خلافُ الجبل. (ثم يرمي الجمرة ذات العقبة): يعني: جمرة العقبة، وهي أقربُ الجمار إلى مكة. * * * باب: الدُّعَاءِ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ 1011 - (1753) - وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إِذَا رَمَى الْجَمْرَةَ الَّتِي تَلِي مَسْجدَ مِنًى، يَرْمِيهَا بِسَبع حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ، ثُمَّ تَقَدَّمَ أَمَامَهَا، فَوَقَفَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ رَافِعاً يَدَيْهِ يَدْعُو، وَكَانَ يُطِيلُ الْوُقُوفَ، ثُمَّ

باب: طواف الوداع

يَأْتِي الْجَمْرَةَ الثَّانِيَةَ، فَيَرْمِيهَا بِسَبع حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ كلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ، ثُمَّ يَنْحَدِرُ ذَاتَ الْيَسَارِ مِمَّا يَلِي الْوَادِيَ، فَيَقِفُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ رَافِعاً يَدَيْهِ يَدْعُو، ثُمَّ يَأْتِي الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الْعَقَبَةِ، فَيَرْمِيهَا بِسَبع حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَنْصرِفُ، وَلاَ يَقِفُ عِنْدَهَا. قَالَ الزُّهْرِيُّ. سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ مِثْلَ هَذَا عَنْ أَبَيهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ. (باب: الدعاء محند الجمرتين). (قال عثمان بن عمر): ولابن السكن: قال محمد بن بشار: حدثنا عثمان بن عمر (¬1). (ثُمَّ ينحدر ذاتَ اليسار): أي: في الناحية التي هي ذات اليسار. * * * باب: طوافِ الوداعِ 1012 - (1755) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبَيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَ: أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ، إِلاَّ أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الْحَائِضِ. (إلا أنه خفف عن الحائض): أي: ما أُمر الناسُ به من أن يكون آخرُ عهدهم بالبيت، يريد: طوافَ الوداع. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 412).

باب: إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت

باب: إذا حاضتِ المرأةُ بعد ما أفاضَتْ 1013 - (1762) - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضيَ اللهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَلاَ نُرَى إِلاَّ الْحَجَّ، فَقَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَطَافَ بِالْبَيْتِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلَمْ يَحِلَّ، وَكَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ، فَطَافَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ نِسَائِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَحَلَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ الْهَدْيُ، فَحَاضَتْ هِيَ، فَنَسَكْنَا مَنَاسِكَنَا مِنْ حَجِّنَا، فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ لَيْلَةُ النَّفْرِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! كُلُّ أَصْحَابِكَ يَرْجِعُ بِحَجّ وَعُمْرَةٍ غَيْرِي؟ قَالَ: "مَا كنْتِ تَطُوفِي بِالْبَيْتِ لَيَالِيَ قَدِمْنَا؟ "، قُلْتُ: لَا. قَالَ: "فَاخْرُجِي مَعَ أَخِيكِ إِلَى التَّنْعِيمِ، فَأَهِلِّي بِعُمْرَةٍ، وَمَوْعِدُكِ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا". فَخَرَجْتُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيم، فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ، وَحَاضَتْ صَفِيّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "عَقْرَى حَلْقَى، إِنَّكِ لَحَابِسَتُنَا، أَمَا كنْتِ طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ؟ "، قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: "فَلاَ بَأْسَ، انْفِرِي". فَلَقِيتُهُ مُصْعِداً عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ، وَأَنَا مُنْهَبِطَةٌ، أَوْ أَنَا مُصْعِدةٌ، وَهُوَ مُنْهَبِطٌ. وَقَالَ مُسَدَّدٌ: قُلْتُ: لَا. تَابَعَهُ جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ فِي قَوْلِهِ: لَا. (فلما كان ليلةُ الحصبة ليلةُ النفر): أي: من منى إلى مكة، برفعهما جميعاً على أن "كان" تامة (¬1)، وليلةُ الحصبة فاعلُها، وليلةُ النفر بدل، أو خبر مبتدأ مضمر. قال الزركشي: وجوز رفع الأولى، ونصب الثانية، وعكسه (¬2). ¬

_ (¬1) في "ج": "التامة". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 412).

قلت (¬1): لم يبين وجهه. قلت (¬2): ولا يمكن أن يكون نصب ليلة النفر على أنها خبر كان؛ إذ لا معنى له، وإنما كان تامة - كما مر -، وليلةُ الحصبة فاعلُها، وليلةُ النفر (¬3) منصوب بمحذوف؛ أي: أعني ليلةَ النفر، وأما نصب الأولى ورفع الثانية، فوجهه أن تجعل "كان (¬4) " ناقصة، واسمها ضمير يعود إلى الرحيل المفهوم من السياق، وليلة الحصبة خبرها، وليلة النفر خبر مبتدأ مضمر؛ أي: هي ليلة النفر. (عقرى حلقى): سبق ضبطه. قال الزركشي: وفيه توبيخُ الرجلِ أهلَه على ما يدخل على الناس بسببها، كما وبَّخَ الصدِّيقُ عائشة (¬5) في قصة العِقْد (¬6). قلت: تبع ابنَ بطال، بل أخذ كلامه برُمَّته (¬7)، ورده ابن المنير بأنه لا يمكن أن يحمل على التوبيخ؛ لأن الحيض ليس من صنعها (¬8)، وقد جاء في الحديث الآخر: "إنَّ هَذَا الأَمرَ كَتَبَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى بَنَاتِ آدَمَ" (¬9). ¬

_ (¬1) "قلت" ليست في "ع". (¬2) "قلت "ليست في، "ج". (¬3) في "ج": "النصف". (¬4) في "ج": "كأنه". (¬5) في، "ج": "عامة". (¬6) انظر: "التنقيح" (1/ 412). (¬7) انظر: "شرح ابن بطال" (4/ 428). (¬8) في "ع": "لأن الحيض من منعها". (¬9) رواه البخاري (294).

وإنما هذا القول يجري على سبيل التعجب، ودعامة لكلام العرب من غير قصدٍ. قال: وتأملت من ذلك أنه لابدَّ لإمامِ الحاجِّ وأميرِهم أن يحسب حسابَ الحُيَّضِ من حواجِّ أهلِ الآفاق؛ لأنه إن (¬1) لم يفعل ذلك، وقع أحد أمرين: إما تفويتهن (¬2) طوافَ الإفاضة، وإما تركهن بمضيعة، فرأيت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عمل على سلامة المسلمين من ذلك؛ لأنه أقام من (¬3) يوم النحر سبعة أيام، ثم ارتحل. وفي قوله: "لا يُقِيمَنَّ مُهَاجِرٌ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ فَوْقَ ثَلاَثٍ" (¬4) دليلٌ على ذلك؛ لأن النسك ينقضي بانقضاء أيام التشريق، وهي ثلاثة أيام منضمة إلى يوم النحر، يكون أربعة وثلاثة بعدها، فالمجموعُ سبعة، وغالبُ حيضِ النساء ست أو (¬5) سبع، فأضيق (¬6) ما يفرض للحائض أن تحيض يوم النحر قبل طواف الإفاضة، فما يقع الرحيل إلا وقد طهرت غالباً، أو أمكنها الطواف ناجزاً، فعلى هذا - والله أعلم - ترتب الأمر حينئذٍ. (فلقيه (¬7) مصعداً على أهل مكة، وأنا منهبطة، أو أنا مصعدة وهو ¬

_ (¬1) "إن" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "إما أن تنوبهن". (¬3) في "ج": "عن". (¬4) رواه مسلم (1352) عن العلاء بن الحضرمي -رضي الله عنه - بلفظ: "يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثاً". (¬5) في "ج": "و". (¬6) في "ج": "فأضبط". (¬7) نص البخاري: "فلقيته".

باب: المحصب

منهبط): جمعت بين جعل أول الحالين للأخير من صاحبي الحال، وثانيهما (¬1) للأول، وبين العكس، وصرح قوم بأولية (¬2) الوجه الأول؛ لاشتماله [على فصل واحد؛ بخلاف الثاني، لاشتماله] (¬3) على فصلين. وأَصْعَدَ: لغة في صَعِدَ. * * * باب: المُحَصَّب 1014 - (1765) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضيَ اللهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: إِنَّمَا كَانَ مَنْزِلٌ يَنْزِلُهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِيَكُونَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ. يَعْنِي: بِالأَبْطَحِ. (عن عائشة، قالت: إنما كان): أي: المُحَصَّب. (منزلاً نزله النبي - صلى الله عليه وسلم -): بالنصب على أنه خبر "كان"، وهو واضح، ويروى بالرفع. قال أبن مالك: في رفعه ثلاثة أوجه: أحدها: أن يجعل "ما" بمعنى: الذي، واسم "كان" ضمير يعود على المحصَّب، وخبرُها محذوف، والتقدير: إن الذي كان (¬4) هو؛ يعني: أن ¬

_ (¬1) في "ج": "وما بينهما". (¬2) في "ج": "تأويله". (¬3) مابين معكوفتين زيادة من "ج". (¬4) في "ع": "كأنه".

المنزل الذي كان المحصَّب إياه منزلٌ ينزله النبي - صلى الله عليه وسلم -، فمنزلٌ خبرُ إن. والثاني: أن تكون "ما" كافة، ومنزلٌ اسم كان، وخبرها ضمير محذوف عائد على المحصَّب، وفي هذا الوجه تعريف الخبر وتنكير الاسم، إلا أنه نكرة مخصصة بصفتها، فسهل ذلك. الثالث: أن يكون أنه "منزل" منصوباً في اللفظ، إلا (¬1) أنه كتب بالألف على لغة ربيعة، فإنهم يقفون على المنصوب المنون بالسكون (¬2). قلت: ليس الثالث توجيهاً للرفع بوجه، وقد قال أولاً: في رفعه - أي: رفع "منزل" - ثلاثةُ أوجه، وعدَّ الثالث، وهو مقتضٍ للنصب لا للرفع، ثم (¬3) كيف يتجه هذا مع ثبوت الرواية بالرفع (¬4)، وهل هذا إلا مقتض؛ لأن الراوي اعتمد على صورة الخط، فظنه مرفوعاً، فظن به كذلك، ولم يستند فيه إلى رواية، فما هذا الكلام؟! * * * 1015 - (1766) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ عَمْرٌو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما -: لَيْسَ التَّحْصيبُ بِشَيْءٍ، إِنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. (ليس التحصيبُ): أي: النزول في المحصب، وهو الأَبْطَح. ¬

_ (¬1) "إلا" ليس في "ع". (¬2) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 34). وانظر: "التنقيح" (1/ 412). (¬3) في "ج": "قلت". (¬4) "بالرفع" ليست في "ع".

باب: التجارة أيام الموسم، والبيع في أسواق الجاهلية

(بشيء): أي: من مناسك الحج. (إنما هو منزل نزله رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -): أي: للاستراحة، فالنزول به إنما هو للاقتداء به، والتبرك بمنازله -عليه السلام-، وليس من المناسك المشروعة في الحج، ولهذا كان مالكٌ يوسع في تركه لمن لا يقتدي به، وكان يُفتى به سراً. قال ابن المنير: كأنه خشي أن يفعل ذلك أهلُ القدوة، فيتبعهم الناس، فيبطل التحصيب بالكلية، مع احتمال أن يكون مقصودَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أو لئلا يشيع في العامة أن نسكاً من مناسك الحج معطل، فهذا الذي كان يتوخاه من أعلان الفتيا بتبركه. * * * باب: التِّجَارَةِ أَيَّامَ الْمَوْسِم، وَالْبَيع فِي أَسْوَاقِ الْجَاهِلِيَّةِ (باب: التجارة أيام الموسم، والبيعِ في أسواق الجاهلية): كأنه -رحمه الله - توقع أنه ربما يُتحرَّج من أسواق الجاهلية كما يُتحرج من دخول الكنائس، فبين أن الله فسحَ في ذلك؛ أي: في المواسم، ولما أطلق الله الإباحة، ولم يقيدها، حلَّت أسواق الجاهلية كغيرها. 1016 - (1770) - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما -: كَانَ ذُو الْمَجَازِ وَعُكَاظٌ مَتْجَرَ النَّاسِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ الإسْلاَمُ، كَأَنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ حَتَّى نَزَلَتْ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] فِي مَوَاسِم الْحَجِّ.

باب: الإدلاج من المحصب

(فلما جاء الإسلام، كأنهم كرهوا ذلك): فإن قلت: أتى جواب "لَمَّا" هنا جملة (¬1) اسمية، وإنما أجازه الجماعة إذا كانت مصدَّرة بـ "إذا" الفجائية، وابنُ مالك زادَ جواز وقوعها جواباً إذا تصدَّرت بالفاء؟ نحو: {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} [لقمان: 32]، والغرض أن ليس هنا إذا، ولا الفاء. قلت: الجواب محذوف؛ لدلالة الجملة الواقعة بعده عليه؛ أي: فلما جاء الإسلام، تركوا التجارة فيها، كأنهم كرهوا ذلك. * * * باب: الإدْلاَجِ مِنَ الْمُحَصَّبِ (باب: الإدلاج من المحصب): الإدلاج - بهمزة قطع مكسورة على صيغة (¬2) الإفعال -: مصدر أَدْلَجَ؛ كأخرج إخراجاً، ويقال (¬3): الادِّلاج بصيغة الافتعال - بالتاء - إلا أنها قلبت دالاً مثل: ادَّخر ادّخاراً، قيل: إن كلاً من الفعلين يستعمل في مسير الليل كيف كان، والأكثرون على أن تحققه من أول الليل. 1017 - (1772) - قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَزَادَنِي مُحَمَّد: حَدَّثَنَا مُحَاضِرٌ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضيَ اللهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَا نَذْكُرُ إِلاَّ الْحَجَّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا، ¬

_ (¬1) "جملة" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "صفة". (¬3) في "ع": "ولا يقال".

أَمَرَنَا أَنْ نَحِلَّ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ النَّفْرِ، حَاضَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "حَلْقَى عَقْرَى، مَا أُرَاهَا إِلاَّ حَابِسَتكُمْ". ثُمَّ قَالَ: "كنْتِ طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ؟ "، قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: "فَانْفِرِي". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي لَمْ أكُنْ حَلَلْتُ، قَالَ: "فَاعْتَمِرِي مِنَ التَّنْعِيم"، فَخَرَجَ مَعَهَا أَخُوهَا، فَلَقِينَاهُ مُدَّلِجاً. فَقَالَ: "مَوْعِدُكِ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا". (لا نذكر إلا الحج): بالنون، ونصب الحج. قال الزركشي: ويروى بياء مضمومة، يعني: بالبناء للمفعول، والصواب الأول (¬1). قلت: تخطئة الثاني إن كان المستند فيه عن الأئمة، فصحيح، وإلا، فالمعنى لا يأباها، والثاني في الرواية. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 414).

كِتَابُ العُمْرَةِ

كتاب العمرة

كِتابُ العُمْرة

باب: العمرة، وجوب العمرة وفضلها

كِتابُ العُمْرة باب: العمرة، وُجُوب الْعُمْرَةِ وَفَضْلهَا وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: لَيْسَ أَحَدٌ إِلاَّ وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: إِنَّهَا لَقَرِينَتُهَا فِي كتَابِ اللهِ {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]. (إنها لقرينتها في كتاب الله تعالى): الضمير الأول عائد على العمرة، والثاني على فريضة الحج، والأصل: لَقرينَتُه؛ بجعلِ الضميرِ للحج، لكن قصد التشاكل، فأخرج على هذا الوجه بالتأويل. * * * باب: مَنِ اعْتَمَرَ قَبْلَ الْحَجِّ (باب: من اعتمر قبل الحج): قال ابن بطال: جوابُ ابنِ عمرَ بجواز الاعتمار قبل الحج يدلُّ على أن مذهبه (¬1) أن فرض الحج كان (¬2) قد نزل ¬

_ (¬1) "أن مذهبه" ليست في "ع". (¬2) "كان" ليست في "ج".

باب: كم اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم -

على النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل اعتماره، وذلك يدل على أن الحج على التراخي؛ إذ لو كان مُضَيَّقاً، لوجب إذا أخره إلى سنة أخرى أن يكون قضاء، واللازم باطل (¬1). وردَّه ابن المنيِّر: بأن القضاء خاصٌّ بما وُقِّت بوقت معين مضيَّقٍ؛ كالصلاة والصوم، وأما ما ليس كذلك، فلا يعد تأخيرُه قضاء، سواء كان على الفور، أو على (¬2) التراخي؛ كما تقدم في الزكاة يؤخرها ما شاء الله بعد تمكنه من أدائها على الفور، فإن المؤخِّر على هذا الوجه يأثم، ولا يُعد أداؤه بعد ذلك قضاء، بل هو أداء، ومن ذلك الإسلامُ واجبٌ على الكفار على الفور، فلو تراخى عنه الكافر (¬3) ما شاء الله، ثم أسلم، لم يعد ذلك قضاء. * * * باب: كم اعتمرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - 1018 - (1775) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا عبد الله بْنُ عُمَرَ -رضِيَ اللهُ عَنْهُما - جَالِسٌ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ، وَإِذَا نَاسٌ يُصَلُّونَ فِي الْمَسْجدِ صَلاَةَ الضُّحَى. قَالَ: فَسَأَلْنَاهُ عَنْ صَلاَتِهِمْ. فَقَالَ: بِدْعَةٌ. ثمَّ قَالَ لَهُ: كَمِ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: أَرْبَعاً، إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ، فَكَرِهْنَا أَنْ نَرُدَّ عَلَيْهِ. ¬

_ (¬1) انظر: "شرح ابن بطال" (4/ 435). (¬2) "على" ليست في "ع". (¬3) في "ع": "الكفار".

(كم اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمرة (¬1)؟ قال: أربعاً، إحداهن في رجب): هذا القائل هو عبد الله بن عمر، وحكى مغلطاي عن الإسماعيلي أنه قال: هذا الحديث لا يدخل في باب: كم اعتمر (¬2)؟ وإنما يدخل في باب: متى اعتمر؟ قلت: رده أوضحُ من الشمس، فانظره. * * * 1019 - (1778) - حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ حَسَّانٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ: سَأَلْتُ أَنسًا -رضِيَ اللهُ عَنْهُ -: كَمِ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: أَرْبَعٌ: عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ؛ حَيْثُ صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ، وَعُمْرَةٌ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ؛ حَيْثُ صَالَحَهُمْ، وَعُمْرَةُ الْجِعْرَانَةِ؛ إِذْ قَسَمَ غَنِيمَةَ -أُرَاهُ- حُنَيْنٍ. قُلْتُ: كَمْ حَجَّ؟ قَالَ: وَاحِدَةً. (سألت أنساً: كم اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: أربع): كذا بالرفع خبر مبتدأ مضمر؛ أي: عُمَرُه أربعٌ (¬3)، ووقع النصب في رواية أخرى. قال ابن مالك: فالرفعُ على الاكتفاء في جواب الاستفهام (¬4) بمطابقة المعنى دونَ اللفظ، [والأقيسُ الأكثر النصب، ويجوز أن يكون مَنْ قالَ: ¬

_ (¬1) "عمرة" ليست في نص الحديث. (¬2) "وإنما يدخل في باب: متى اعتمر؟ " ليست في "ع". (¬3) في "ع": "أربع أربع". (¬4) في "ع": "في جواز أن الاستفهام".

أربع، كتبه على لغة ربيعة، وهو في اللفظ] (¬1) منصوب (¬2). قلت: هو مثل ما سبق له آنفاً، وفيه ما فيه. قال الزركشي: وفي قول أنس: إنها أربع نظرٌ. أما عمرة الحديبية، فلا تحسب؛ لأنه ما دخل مكة، بل صدر عنها وأُحْصِر، وأما التي مع حجته، فهو مبني على أنه كان قارناً في حجته، وفيه خلاف طويل، وقول البراء: اعتمر عمرتين أشبهُ (¬3) (¬4). قلت: هذه عبارة لا يليق أن تذكر في حق أنس -رضي الله عنه (¬5) -، وحاصلُها اعتراضٌ عليه في أمرٍ أخبرَ به عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن الأمر في الواقع على خلافِ ما أخبر به، واستناده في ذلك مجردُ ما ذكره غير منقدح إذا تأملت، وما أحسنَ الأدبَ مع آحاد العلماء، فضلاً عن كبراء (¬6) الصحابة -رضي الله عنهم -، وحشرنا معهم (¬7) بمنه وكرمه. * * * 1020 - (1780) - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، وَقَالَ: اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ إِلاَّ الَّتِي اعْتَمَرَ مَعَ حَجَّتِهِ: عُمْرَتَهُ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَمِنَ ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬2) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 37). (¬3) "أشبه" ليست في "ج". (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 414). (¬5) في "ع": "عنهما". (¬6) في "ع": "كبر". (¬7) في "ج": "وحشرنا مع محبهم".

الْعَامِ الْمُقْبِلِ، وَمِنَ الْجِعْرَانةِ؛ حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ، وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ. (حدثنا هدبة ثنا همامٌ (¬1)، قال: اعتمر أربعَ عُمَرٍ في ذي القعدة، إلا التي اعتمر مع حجته): قال القابسي: هذا الاستئناء كلامٌ زائد، وصوابه: أربع (¬2) في ذي القعدة: عمرته من الحديبية. . . إلى آخره، وقد عدها (¬3) في آخر الحديث، فكيف يستثنيها أولاً؟ قال القاضي: والرواية عندي هي (¬4) الصواب، وقد عدَّها بعد في الأربع، فكأنه قال: في ذي القعدة منها ثلاث، والرابعة (¬5) عمرته في حجته، [أو يكون صوابه: كلُّها في ذي القعدة، منها ثلاث والرابعة عمرته في حجته، أو يكون صوابه: كلُّها في ذي القعدة، إلا التي اعتمر في حجته، ثم فسرها بعد ذلك؛ لأن عمرته التي مع حجته] (¬6) إنما أوقعها في ذي الحجة إذا قلنا: إنه كان قارناً، أو متمتعاً (¬7). * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "هما". (¬2) في "ج": "أربع عمر". (¬3) في "ج": "عهدها". (¬4) في "ع": "هو". (¬5) في "ع": "والرابع". (¬6) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬7) انظر: "التنقيح" (1/ 415).

باب: عمرة في رمضان

باب: عمرةٍ في رمضانَ 1021 - (1782) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - يُخْبِرُنَا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لاِمْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ سَمَّاهَا ابْنُ عَبَّاسٍ، فَنَسِيتُ اسْمَهَا: "مَا مَنَعَكِ أَنْ تَحُجِّي مَعَنَا؟ ". قَالَتْ: كَانَ لَنَا نَاضحُ، فَرَكبَهُ أَبُو فُلاَنٍ وَابْنُهُ -لِزَوْجِهَا وَابْنِهَا-، وَتَرَكَ نَاضِحاً نَنْضَحُ عَلَيْهِ، قَالَ: "فَإِذَا كَانَ رَمَضَانُ، اعْتَمِرِي فِيهِ؛ فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ حَجَّةٌ". أَوْ نَحْواً مِمَّا قَالَ. (قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لامرأة من الأنصار سماها ابن عباس، فنسيت اسمها): هي أم سنان، كذا جاء مفسراً في "صحيح مسلم"، وفي "البخاري" أيضاً في باب: حج النساء (¬1). وقال الزركشي: هي أم معقل (¬2)، وأم طليق، لها كنيتان (¬3). قلت: ذكره ابن بشكوال (¬4)، وفي "الطبراني" اسم أُم معقل زينب (¬5). (أن تحجي): بحذف النون، ويروى: بإثباتها، فالأول: على إعمال "أن"، وهو المشهور، والثاني: على إهمالها، وهو قليل، وبعضهم ينقل أنها لغةٌ لبعض العرب. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1863)، ومسلم (1256). (¬2) في "ع": "يعقل". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 415). (¬4) انظر: "غوامض الأسماء المبهمة" (1/ 131). (¬5) رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (20/ 234) عن معقل بن أبي معقل رضي الله عنهما.

باب: عمرة التنعيم

(فإن عُمرةً في رمضان كحجة): أي: في الفضل. قال الزركشي: وفيه: أن الحج الذي ندبها إليه كان تطوُّعاً؛ لأن العمرةَ لا تُجزئ من حجة الفريضة (¬1). قلت: تبعَ في ذلك ابنَ بطال أيضاً. قال ابن المنير: وهو وهمٌ منه، وذلك أن حجة الوداع أولُ حجٍّ أُقيم بالإِسلام، وقد تقدَّم أن حَجَّ أبي بكر كان إنذاراً، ولم يكن فرضَ الإسلام، قال: فعلى هذا: استحيل أن تكون تلك المرأة قامت بوظيفة الحج بعد، لأنَّ أول حجّ لم تحضره هي، ولم يأت زمان حج ثان عند قوله -عليه السلام-، وما جاء الحج الثاني إلا والرسول -عليه السلام- قد توفي، فإنما أراد -عليه الصلاة والسلام- أن يستحثها على استدراك ما فاتها من النذر، ولا سيما الحج معه -عليه السلام-؛ لأن فيه مزية على غيره. (فأظلني يوم عرفة)، أي: قرب مني، يقال: أظلني فلان، وإنما يقال ذلك؛ لأنه ظله كأنه وقع عليك لقربه منك. (فأهللت بعمرة مكان عمرتي) بنصب "مكان" على الظرفية، وجره حينئذ على البدل من عمرة. * * * باب: عمرة التنعيم 1022 - (1785) - حَدَّثَنا محمدُ بن المثنَّى، قال: حدَّثنا عبدُ الوهَّابِ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 415).

ابن عبد المجيد، عن حبيب المعلِّم، عن عطاء قال: حدثني جابرُ بن عبد الله: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أهلَّ وأصحابه بالحجِّ، وليس مع أحد منهم هدي غير النبي - صلى الله عليه وسلم - وطلحة، وكان عليُّ قدم من اليمن، ومعه هدي فقال: أهللت بما أهل به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن لأصحابه أن يجعلوها عمرة، يطوفوا، ثم يقصروا ويحلوا، إلا من معه الهدي، فقالوا: ننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر؟! فبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لو استقبلتُ مِنْ أمرِي ما استدبرتُ ما أَهْدَيتُ، ولولا أنَّ معي الهَدْيَ لأَحلَلْتُ". وأن عائشة حاضت، فنسكت المناسك كلها، غير أنها لم تطف. قال: فلما طهرت وطافت قالت: يا رسول الله! أتنطلقون بحجة وعمرة، وأنطلق بالحج؟ فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج معها إلى التنعيم، فاعتمرت بعد الحج في ذي الحجة: وإن سراقة بن مالك بن جعشم لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - بالعقبة وهو يرميها، فقال: ألكم هذه خاصةً يا رسول الله؟ قال: "لَا، بَلْ لِلأَبَد". (باب: عمرة التنعيم): أي التي يكون إحرامها مواقعاً من التنعيم. (لو استقبلت من أمري ما استدبرت)، أي: لو علمت من أمري في الأول ما علمته في الآخر. (وإن سراقة بن مالك بن جعشم لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - بالعقبة وهو يرميها، فقال: لكم هذه خاصة يا رسول الله! فقال: لا بل للأبد). قال ابن المنير: ترجم على أن العمرة من التنعيم، ثم ذكر حديث سراقة، وليس فيه تعرض لميقات، ولكن الأصل العمرة في أشهر الحج، وأجاب: بأن وجه ذكره في الترجمة هو الرد على من لعله يزعم أن التنعيم كان خاصاً باعتمار عائشة حينئذ، فتقرر لحديث سراقة أنه غير خاص، وأنه عام أبداً.

باب: يفعل بالعمرة ما يفعل بالحج

باب: يفعل بالعمرة ما يفعل بالحجِّ 1023 - (1789) - حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا همام قال: حدثنا عطاء قال: حدثني صفوان بن يعلى بن أمية، عن أبيه: أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو بالجعرَّانة، وعليه جبة، وعليه أثر الخَلُوق -أو قال صُفْرة-، فقال: كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؟ فأنزل الله على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فستر بثوب، وددت أني قد رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد أنزل عليه الوحي. فقال عمر: تعالَ، أيسرك أن تنظر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد أنزل عليه الوحي؟ قلت: نعم فرفع طرف الثوب، فنظرت إليه، له غطيط -وأحسبه قال: كغطيط البكر- فلما سرِّي عنه قال: "أَينَ السَّائلُ عَنِ العُمْرَة؟ اخْلَعْ عَنْكَ الجُبَّةَ، واغْسِلْ أثَرَ الخَلُوقِ عَنْكَ، وأَنْقِ الصُّفْرةَ، واصْنَعْ في عُمْرتِكَ كمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ". (وأنقِ الصُّفرة) بهمزة قطع مفتوحة ونون ساكنة، ويروى: "واتَّق" بهمزة وصل ومثناة من فوق مشددة. * * * باب: متى يَحِلُّ المعتمرُ 1024 - (1791) - حدثنا إسحاق بن إبراهيم، عن جرير، عن إسماعيل، عن عبد الله بن أبي أوفى: اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واعتمرنا معه، فلما دخل مكة طاف فطفنا معه، وأتى الصفا والمروة وأتيناها معه، وكنا نستره من أهل مكة أن يرميه أحد، فقال له صاحب لي: أكان دخل الكعبة؟ قال لا. قَالَ: فَحَدِّثْنَا مَا قَالَ لِخَدِيجَةَ. قَالَ: "بَشِّرُوا خَدِيجَةَ بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لَا صَخَبَ فِيهِ وَلاَ نَصَبَ".

(بشروا خديجة ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب) قال القاضي: وفيه حديث ابن وهب: قلت: يا رسول الله! وما بيت من قصب؟ قال: هو بيت من لؤلؤة مجوفة، ويروى، مجوبة، وكله بمعنى. قال: هو اللؤلؤ المجوف الواسع، كالقصر المنيف، قال الخليل: القصر ما كان من الجوهر مستطيلاً، ويؤيد تفسيرهم "قباب اللؤلؤ" وفي رواية: قصر من درة مجوفة، انتهى (¬1). والصخب: ارتفاع الأصوات، كما مر في بدء الوحي. والنَّصَبُ: التعب. وأبدى السهيلي حكمةً للتعبير بالبيت دون القصر، وبالقَصَب دون الجوهر، ولنفي الصَّخَب والنَّصَب (¬2) على الخصوص، فقال ما معناه: جرت عادة البلغاء أن يعبروا عن إجزاء الفعل بلفظ ذلك الفعل، وإن كان الجزاء أشرفَ منه؛ قصداً للمشاكلة، ومقابلة اللفظ باللفظ (¬3)؛ كما ورد: "مَنْ سَقَى مُسْلِماً عَلَى ظَمَأٍ (¬4)، سَقَاهُ اللهُ مِنَ الرَّحِيقِ" (¬5)، و"مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِداً، بَنَى اللهُ (¬6) لَهُ مِثْلَهُ في الجَنَّةِ" (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 187). (¬2) في "ع": "ولنفي النصب والصخب". (¬3) "باللفظ" ليست في "ع". (¬4) "على ظمأ" ليست في "ع". (¬5) رواه أبو داود (1682) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. (¬6) "بنى الله" ليست في "ع". (¬7) رواه البخاري (439)، ومسلم (533)، عن عثمان رضي الله عنه.

ولا يخفى أن خديجة -رضي الله عنها - أولُ من بنى بيتاً في الإِسلام بوصيتها في النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتزويجها إياه، وأنها حازت قصَبَ السبق إلى الإسلام، وأجابتْ إلى الإيمان لما دعاها -عليه الصلاة والسلام - من غير أَن تُحْوِجَه ألى صَخَب كما يصخَب البعلُ على حليلته إذا نَغَّصَتْ عليه ولا أن توقعه في نَصَب، بل لم تألُ جهداً في جلب كلِّ راحة إليه، وإيناسه من كل وحشة، فاقتضت البلاغةُ أن يُعبر بالعبارة المشاكلةِ لعملها في جميع ألفاظ الحديث، فتأمله (¬1). * * * 1025 - (1796) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرٌو، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ: أَنَّ عبد الله مَوْلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبي بَكْرٍ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ أَسْمَاءَ تَقُولُ كُلَّمَا مَرَّتْ بِالْحَجُونِ: صَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ، لَقَدْ نزَلْنَا مَعَهُ هَا هُنَا، وَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ خِفَافٌ، قَلِيلٌ ظَهْرُنَا، قَلِيلَةٌ أَزْوَادُنَا، فَاعْتَمَرْتُ أَنَا وَأُخْتِي عَائِشَةُ وَالزُّبَيْرُ وَفُلاَنٌ وَفُلاَنٌ، فَلَمَّا مَسَحْنَا الْبَيْتَ، أَحْلَلْنَا، ثُمَّ أَهْلَلْنَا مِنَ الْعَشِيِّ بِالْحَجِّ. (فلما مسحنا البيت) أي: مسحنا بركن البيت، عبرت بذلك عن الطواف كناية؛ إذ هو من لوازم المسح عليه عادة. * * * ¬

_ (¬1) من قوله: "في بدء الوحي". . . إلى هنا ليس في "ج".

باب: ما يقول إذا رجع من الحج أو العمرة أو الغزو؟

باب: ما يقولُ إذا رجَعَ من الحجِّ أو العمرةِ أو الغزوِ؟ 1026 - (1797) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ يُوسُفَ، أخبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عبد الله بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شرَفٍ مِنَ الأَرْضِ ثَلاَثَ تَكْبِيرَاتٍ، ثُمَّ يَقُولُ: "لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ". (على كل شَرَف): -بفتحتين-؛ أي: مكان مُشْرِف مرتفع. * * * باب: استقبالِ الحاجِّ القادمينَ، والثلاثةِ على الدَّابةِ 1027 - (1798) - حدثنا مُعَلَّى بْنُ أَسَدِ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حدثنا خَالدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عنهما -، قال: لَمَّا قَدِمَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مكَّةَ، اسْتَقْبَلَتْهُ أُغَيْلِمَةُ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَحَمَلَ وَاحِداً بَيْنَ يَدَيْهِ، وَآخَرَ خَلْفَهُ. (لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - استقبله أُغيلمة بني عبد المطلب): قال ابن بطال: فيه من الفقه جوازُ تلقي القادمين من الحج تكرمةً لهم؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام - لم ينكر ذلك، بل سره؛ لحمله لهم بين يديه وخلفه (¬1). قال ابن المنير: وهذا ليس تلقياً للقادم من الحج، ولكنه تلقِّي القادمِ ¬

_ (¬1) انظر: "شرح ابن بطال" (4/ 451).

(يا بني النجار! ثامنوني): أي: بايعوني بالثمن، والمخاطَب بهذا مَنْ يستحقُّ الحائطَ. ويقال: كان لسهل وسهيل يتيمين في حَجْر أسعدَ بنِ زُرارةَ. قال (¬1) أهل السير: بركت ناقة (¬2) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند موضع مسجدِه، وهو يومئذ يصلِّي فيه رجالٌ من المسلمين، وكان مِرْبَداً لسهلٍ وسهيلٍ غلامينِ يتيمين من الأنصار، وكانا (¬3) في حَجْرِ أبي أمامةَ أسعدَ بنِ زُرارة، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[بالغلامين، فساومهما بالمربد ليتخذه مسجداً، فقالا: بل نهبه لك يا رسول الله، فأبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬4) حتى ابتاعه منهما (¬5) بعشرة دنانير، وأمر أبا بكر أن يعطيهما ذلك. وفي "سيرة ابن هشام": أنهما كانا (¬6) في حَجْر مُعاذِ بنِ عَفْراء (¬7). ووقع لابن مَنْدَه في كتاب "الصحابة" أن (¬8) أخرجَ في ترجمة سَهْل بنِ بيضاء عن أبي إسحاق، قال: كان موضعُ المسجدِ لغلامين يتيمين: سهلٍ، وسهيل (¬9)، [وكانا (¬10) في حجر أسعدَ بنِ زُرارة. ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "وقال". (¬2) في "ع": "ناقته". (¬3) في "ع": "وكان". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬5) في "ج": "منها". (¬6) في "م" و"ن": "كان". (¬7) انظر: "سيرة ابن هشام" (3/ 23). (¬8) في "ج": "أنه". (¬9) "وسهيل" ليست في "ع". (¬10) في "ع": "وكان".

باب: الدخول بالعشي

حملَ ثلاثة أو أربعة، جاز ركوبهم عليها، وسيأتي الكلام على ذلك في كتاب: الزينة إن شاء الله تعالى. * * * باب: الدخولِ بالعشِيِّ 1028 - (1800) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عبد الله بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَا يَطْرُقُ أَهْلَهُ، كَانَ لَا يَدْخُلُ إِلاَّ غُدْوَةً، أَوْ عَشِيَّةً. (لا يَطرُق أهله): -بفتح حرف المضارعة وضم الراء -؛ أي: لا يأتيهم ليلاً إذا رجع من سفره. * * * باب: مَنْ أَسْرَعَ نَاقَتَهُ إِذَا بَلَغَ الْمَدِينَةَ (باب: من أسرعَ ناقتَه): أنكر عليه (¬1) الإسماعيلي تعديتَه بنفسه، قال: وإنما يُقال: أسرع بناقته. قال الزركشي: وليس كما قال. وفي "المحكم": أسرعَ: يتعدى بحرف وبغير حرف (¬2). ¬

_ (¬1) "عليه" ليست في "ع" و"ج". (¬2) انظر: "المحكم" لابن سيده (1/ 481)، (مادة: سرع). وانظر: "التنقيح" للزركشي (1/ 419).

للحج، إلا أن يُبنى على قياس مَنْ قدمَ من الحج على مَنْ قدم للحج، وتلك العادة إلى الآن (¬1)، يتلقى المجاورون (¬2) وأهلُ مكة القادمين من الركبان، ثم يتلقى الركبانَ عندَ قدومهم (¬3) من الحج أهلوهم ومعارفهم، عادةٌ منهم، وسُنَّةٌ مستقرة. (وأغيلمة): تصغيرُ غِلْمَة على غير مُكَبَّرِهِ (¬4)، كأنهم صغروا أغلمةً، وإن كانوا لم يقولوه، كما قالوا: أَصَيْبِيَة في تصغير صِبْيَة (¬5). كذا في "الصحاح" (¬6). (فحمل واحداً بين يديه، وآخرَ خلفه): قال المهلب: فيه ردٌّ لقول (¬7) من يقول: إنه لا يجوز ركوبُ ثلاثةٍ على دابة، وإنما أصل هذا أن لا تُكَلَّف (¬8) الدابةُ حملَ ما لا تطيقه (¬9)، أو ما تطيقه (¬10) بمشقة، فإذا أطاقت (¬11) ¬

_ (¬1) في "ع": "إلا أن"، وفي "ج": "إلى أن". (¬2) في "ع": "المجازون". (¬3) في "ع": "قومهم". (¬4) في "ع": "نكرة". (¬5) في "ع": "صببة". (¬6) انظر: "الصحاح" (5/ 1997)، (مادة: غلم). (¬7) "لقول" ليست في "ع". (¬8) في "ع": "يكلف". (¬9) في "ع": "يطيقه". (¬10) "أو ما تطيقه" ليست في "ع" و"ج". (¬11) في "ع": "طاقت".

(باب: قول الله تعالى: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} [البقرة: 189]). (فجاء رجل من الأنصار، فدخل من قِبَلِ بابِه): هو رفاعةُ بنُ التابوت، ذكره المفسرون، ومنهم البغوي، ووقع -أيضاً- في "أسد الغابة" (¬1). ووقع في مسلم: أَنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قدمَ من سفر، فلما كان (¬2) قربَ المدينة، هاجت ريحٌ تكادُ أن تدفنَ الراكبَ، فقالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "بُعِثَتْ هَذِهِ الرِّيحُ لِمَوْتِ مُنَافِقٍ"، فَلَمَّا (¬3) قَدِمَ المَدِينَةَ، فَإِذَا (¬4) مُنَافِقٌ عَظِيمٌ مِنَ المنافقينَ قد ماتَ (¬5). قال ابن (¬6) بشكوال: هذا المنافق هو رفاعةُ بنُ التابوت (¬7). ومُحال أن يكون منافقاً ويُعد في الصحابة، فيظهر أنهما شخصان اشتركا في الاسمِ واسمِ الأب (¬8). وقال القسطلاني (¬9) في اسم المنافق: رفاعةُ بنُ زيدِ بنِ التابوت. ¬

_ (¬1) انظر: "أسد الغابة" (2/ 278). (¬2) في "ع": "كانت". (¬3) في "ع": "لما". (¬4) في "ج": "إذا". (¬5) رواه مسلم (2782) عن جابر رضي الله عنه. (¬6) "قال ابن" ليست في "ع". (¬7) انظر: "غوامض الأسماء المبهمة" (2/ 736). (¬8) "واسم الأب" ليست في "ج". (¬9) في "ج": "قال الخطابي".

باب: السفر قطعة من العذاب

وفي "أسباب النزول" للواحدي: أن الرجل الأنصاري هو قُطبة (¬1) بنُ عامر. وفي "مسند عبد بنِ حُميد"، في مسند جابرٍ: تسميةُ المنافق برافعِ بنِ التابوت، وهذا يزيل الإشكال (¬2). * * * باب: السَّفَرِ قطعةٌ من العذابِ 1031 - (1804) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ، يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَنوْمَهُ، فَإِذَا قَضَى نَهْمَتَهُ، فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ". (يمنع): بإسناده إلى ضمير مذكر غائب؛ أي: السفرُ. (أحدَكم طعامَه وشرابَه ونومَه): [بنصب الجميع؛ لأن "منع" يتعدى إلى مفعولين (¬3)، فأحدَكم أحدُهما، وطعامَه المفعولُ الآخر، وشرابَه معطوفٌ عليه، ونومَه إما على طعامه، أو على شرابه، على الخلاف (¬4). ¬

_ (¬1) في "ع": "فطنة". (¬2) انظر: "التوضيح" لابن الملقن (12/ 266). (¬3) في "ع": "مفعول". (¬4) "على الخلاف" ليست في "ع".

باب: المسافر إذا جد به السير يعجل إلى أهله

(فإذا قضى نَهْمته)] (¬1): -بفتح النون وإسكان الهاء (¬2) -؛ أي: رغبته وشهوته. * * * باب: المسافرِ إذا جَدَّ به السيرُ يعجِّلُ إلى أهلِهِ 1032 - (1805) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ عبد الله بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - بِطَرِيقِ مَكَّةَ، فَبَلَغَهُ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ شِدَّةُ وَجَعٍ، فَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى كَانَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ نزَلَ، فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعَتَمَةَ، جَمَعَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ، أَخَّرَ الْمَغْرِبَ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا. (أسرع السير): فيه تعدي "أسرعَ" إلى المفعول بنفسِه، فيردٌّ على الإسماعيلي، وقد سبق التنبيهُ عليه قريباً. * * * ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس من "ج". (¬2) "الهاء" ليست في "ج".

كتاب المحصر

كِتابُ المُحصَر

باب: الإحصار في الحج

كِتابُ المُحصَر باب: الإحصارِ في الحجِّ 1033 - (1810) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عبد الله، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - يَقُولُ: أَلَيْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ إِنْ حُبِسَ أَحَدُكُمْ عَنِ الْحَجِّ، طَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى يَحُجَّ عَاماً قَابِلاً، فَيُهْدِي، أَوْ يَصُومُ إِنْ لَمْ يَجدْ هَدْياً. (أليس حَسْبُكُم سنةَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ إن حُبس أحدكم عن الحج، طاف): قال القاضي: ضبطناه بنصب "سنةَ" على الاختصاص، أو على إضمار فعل (¬1). قلت: لا مانع من جعل "سنةَ" رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبرَ ليس، والجملة الشرطية تفسيرٌ للسنة، وهل لها حينئذ محل أو لا؟ قولان. وأما على إعراب القاضي، فيكون (¬2) في محل نصب على أنها خبر ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 357). (¬2) في "ع": "ليكون".

باب: النحر قبل الحلق في الحصر

ليس، وما بينهما جملة اعتراضية. وفي هذا الذي قاله ابن عمر -رضي الله عنه - إثباتُ القياس؛ إذ أن (¬1) النبي - صلى الله عليه وسلم - صُدَّ في عمرةٍ (¬2)، فقاس الحجَّ على العمرة، وكأنه من الإلحاق بنفي الفارق، وليس كالأقيسة الضعيفة، ولهذا ذكره بصيغة النقل، وعدَّه من السنة. * * * باب: النَّحْرِ قَبْلَ الْحَلْقِ فِي الْحَصْرِ (باب: النحر قبل الحلق في الحَصْر): استعمله من الثلاثي، يقال: حَصَرَ، وأَحْصَرَ؛ أي: منعَ، فقيل: هما بمعنى. وقال القاضي إسماعيل (¬3): الظاهرُ: الإحصارُ بالمرض، والحَصْرُ بالعدوِّ. وكذا قال أبو عُبيد، وغيره (¬4). * * * باب: مَنْ قَالَ: ليسَ على المُحْصَرِ بَدَلٌ 1034 - (1813) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ: ¬

_ (¬1) "أن" ليست في "م". (¬2) في "ج": "عمرته". (¬3) في "ع": "إسماعيلي". (¬4) انظر: "التوضيح" (12/ 280).

أَنَّ عبد الله بْنَ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَ حِينَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ مُعْتَمِراً فِي الْفِتْنَةِ: إِنْ صُدِدْتُ عَنِ الْبَيْتِ، صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، ثُمَّ إِنَّ عبد الله بْنَ عُمَرَ نَظَرَ فِي أَمْرِهِ، فَقَالَ: مَا أَمْرُهُمَا إِلاَّ وَاحِدٌ، فَالْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: مَا أَمْرُهُمَا إِلاَّ وَاحِدٌ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ الْحَجَّ مَعَ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ طَافَ لَهُمَا طَوَافاً وَاحِداً، وَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ مُجْزِياً عَنْهُ، وَأَهْدَى. (ورأى أن ذلك مُجزياً عنه): كذا بنصب "مجزياً" على أن "أَنَّ" تنصب (¬1) الجزأين. قلت: أو على أن مجزياً خبر "يكون" (¬2) محذوفة؛ أي: ورأى أن ذلك يكون مجزياً عنه. ووجهُ ذكرِ حديثِ ابنِ عمرَ في هذا الباب استغناؤه بشهرة قصةِ صدِّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحديبية، وأنهم لم يؤمروا بالقضاء في ذلك (¬3). * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "ينصب". (¬2) في "ع": "تكون". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 420).

باب: قول الله تعالى: {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} [البقرة: 196]

باب: قولِ اللهِ تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] 1035 - (1814) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كعْبِ بْنِ عُجْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ قَالَ: "لَعَلَّكَ آذَاكَ هَوَامُّكَ؟ "، قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "احْلِقْ رَأْسَكَ، وَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكينَ، أَوِ انْسُكْ بِشَاةٍ". (هوامُّك): -بتشديد الميم-: جمع هامَّة -بتشديدها- يعني بها: القمل. قال القاضي: وأصله كلُّ ما يدب (¬1). وفي "الصحاح" خلافه، قال: لا يقع هذا الاسم إلا على المخوف من الأجناس (¬2). * * * باب: قولِ اللهِ تعالى: {أَوْ صَدَقَةٍ} [البقرة: 196] 1036 - (1815) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سَيْفٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُجَاهِدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى: أَن كعْبَ بْنَ عُجْرَةَ حَدَّثَهُ، قَالَ: وَقَفَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَرَأْسِي يَتَهَافَتُ قَمْلاً، فَقَالَ: "يُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ؟ "، قُلْتُ نَعَمْ، قَالَ: "فَاحْلِقْ رَأْسَكَ، أَوْ قَالَ: احْلِقْ". قَالَ: فِيَّ نَزَلَتْ ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 270). (¬2) انظر: "الصحاح" (5/ 2062)، (مادة: همم).

باب: الإطعام في الفدية نصف صاع

هَذِهِ الآيَةُ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة: 196] إِلَى آخِرِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "صُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ تَصَدَّقْ بِفَرَقٍ بَيْنَ سِتَّةٍ، أَوِ انْسُكْ بِمَا تَيَسَّرَ". (يؤذيك هوامك؟ قال: نعم): فيه حذف همزة الاستفهام، وقد روي بإثباتها. (أو تَصَدَّق بفَرَق): -بفتحتين-، وقد -تسكن الراء-: ثلاثة آصُعٍ، قاله ابنُ فارس. وقال الأزهري: هو -بالفتح- في كلام العرب، والمحدثون يسكنونه (¬1)، والمنقول جوازُ كل من -الفتح والسكون-، لكن الفتحَ أشهر، قاله القاضي (¬2). * * * باب: الإطعامُ في الفِدْيةِ نصفُ صاعٍ 1037 - (1816) - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَليدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ الأَصْبِهَانِيِّ، عَنْ عبد الله بْنِ مَعْقِلٍ، قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، فَسَأَلْتُهُ عَنِ الْفِدْيَةِ، فَقَالَ: نزَلَتْ فِيَّ خَاصَّةً، وَهْيَ لَكُمْ عَامَّةً، حُمِلْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي، فَقَالَ: "مَا كُنْتُ أُرَى الْوَجَعَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى، أَوْ: مَا كُنْتُ أُرَى الْجَهْدَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى، تَجدُ شَاةً؟ "، فَقُلْتُ: لَا، فَقَالَ: "فَصُمْ ثَلاَثَةَ أيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "بسكونه". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 155). وانظر: "التنقيح" (1/ 420).

باب: النسك شاة

مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ". (عبد الله بن معْقِل): بإسكان العين المهملة وكسر القاف. (فقال: نزلت فيَّ خاصّةً، وهي لكم عامّةً): فيه دليل على أن العامَّ إذا ورد على سبب خاصٍّ، فهو على عمومه لا يخص السببَ، ويدل -أيضاً- على تأكده (¬1) في السبب حتى (¬2) لا يسوغ إخراجُه بالتخصيص، ولهذا قال: نزلت فيَّ خاصة. (ما كنت أُرى): -بضم الهمزة-؛ أي: أظن. (بلغ بك ما أَرى): -بفتح الهمزة- بمعنى أُشاهدُ، وهو من رؤية العين. (أو ما كنت أُرى الجَهْدَ): -بفتح الجيم- من المشقة، وهذا هو المناسب هنا، وأما الجُهد -بالضم-، فهو الطاقة، ولا معنى لها هنا، إلا أن يجعل الصيغتان (¬3) بمعنى واحد، كما قيل. * * * باب: النُّسُك شاةٌ 1038 - (1817) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَآهُ، وَأَنَّهُ يَسْقُطُ عَلَى وَجْهِهِ، فَقَالَ: "أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ؟ "، قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَحْلِقَ وَهُوَ ¬

_ (¬1) في "ج": "تأكيده". (¬2) في "ع": "حيث". (¬3) في "ع": "الصنفان".

باب: قول الله تعالى: {فلا رفث} [البقرة: 197]

بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُمْ أَنَّهُمْ يَحِلُّونَ بِهَا، وَهُمْ عَلَى طَمَعٍ أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ، فَأَنْزَلَ اللهُ الْفِدْيَةَ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُطْعِمَ فَرَقاً بَيْنَ سِتَّةٍ، أَوْ يُهْدِيَ شَاةً، أَوْ يَصُومَ ثَلاَثَةَ أَيَّام. (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رآه، وأنه يسقط على وجهه): كذا لأكثرهم (¬1)، وضمير النصب من قوله: "رآه" عائد على كعب بن عجرة، ومن "أنه" يعود على القمل، وكذا ضمير الرفع المستتر في قوله: "يسقط"، يعود أيضاً على القمل، و (¬2) الضمير من "وجهه" عائد على كعب. ولابن السكن: رأى دوابه (¬3) تسقط (¬4). * * * باب: قول الله تعالى: {فَلَا رَفَثَ} [البقرة: 197] 1039 - (1819) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ". (سمعت أبا حازم (¬5): -بحاء مهملة وزاي-، وكذا قوله بعدُ: "عن أبي حازم". ¬

_ (¬1) في "ع": "الأكثر". (¬2) في "ع": "أو". (¬3) في "ج": "رأى دابة". (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 421). (¬5) "سمعت أبا حازم" في غير رواية أبي الوقت.

كتاب جزاء الصيد

كِتَابُ جَزَاءِ الصَّيْدِ

باب: إذا صاد الحلال فأهدى للمحرم أكله

كِتَابُ جَزَاءِ الصَّيْدِ باب: إذا صَادَ الحلالُ فَأَهْدَى للمُحْرِمِ أَكَلَهُ 1040 - (1821) - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عبد الله بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: انْطَلَقَ أَبِي عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَأَحْرَمَ أَصْحَابُهُ وَلَمْ يُحْرِمْ، وَحُدِّثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ عَدُوًّا يَغْزُوهُ، فَانْطَلَقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَبَيْنَمَا أَنَا مَعَ أَصْحَابِهِ، تَضَحَّكَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، فَنَظَرْتُ، فَإِذَا أَنَا بِحِمَارِ وَحْشٍ، فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ، فَطَعَنْتُهُ فَأَثْبَتُّهُ، وَاسْتَعَنْتُ بِهِمْ، فَأَبَوْا أَنْ يُعِينُونِي، فَأَكَلْنَا مِنْ لَحْمِهِ، وَخَشِينَا أَنْ نُقْتَطَعَ، فَطَلَبْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، أُرَفِّعُ فَرَسِي شَأْواً، وَأَسِيرُ شَأْواً، فَلَقِيتُ رَجُلاً مِنْ بَنِي غِفَارٍ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، قُلْتُ: أَيْنَ تَرَكْتَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: تَرَكْتُهُ بِتَعْهِنَ، وَهُوَ قَايِلٌ السُّقْيَا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ أَهْلَكَ يَقْرَؤُونَ عَلَيْكَ السَّلاَمَ وَرَحْمَةَ اللهِ، إِنَّهُمْ قَدْ خَشُوا أَنْ يُقْتَطَعُوا دُونَكَ، فَانْتَظِرْهُمْ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَصَبْتُ حِمَارَ وَحْشٍ، وَعِنْدِي مِنْهُ فَاضِلَةٌ؟ فَقَالَ لِلْقَوْمِ: "كُلُوا"، وَهُمْ مُحْرِمُونَ. (فأحرم (¬1) أصحاُبه ولم يُحرم): يعني: أبا قتادة. ¬

_ (¬1) في "ع": "فأمر".

وقد تكلموا في كونه لم يكن محرماً، مع كونهم خرجوا للحج، ومروا بالميقات، وذلك موجبٌ للإحرام: بأنه كان أُرسل إلى جهة أخرى؛ لكشفها على ما دل عليه بعض الأحاديث، وكان الالتقاء معه بعد تجاوز الميقات، وبأنه لم يكن مريداً لحج ولا عمرة، وهو ضعيف، وبأن ذلك قبل توقيت المواقيت، ويحتاج إلى ثبت. (فطعنته (¬1) فأثبتُّه): يعني: أسقَطْتُه، يقال: رماه فَأثْبَتَهُ؛ أي: حبستُه مكانَه. (وخشينا أن نُقتطَع): -بضم أوله- على البناء للمفعول؛ أي: خشينا أن يَقْتَطِعَنا العدوُّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. (أرفّع فرسي): -بتشديد الفاء من أُرَفِّع، وكسرِها-؛ أي: أُكلِّفُه السيرَ السريعَ. (شَأواً): -بشين معجمة مفتوحة فهمزة ساكنة فواو-؛ أي: قدرَ عَدْوَةٍ. (تركته بتَعْهِنَ (¬2): -بفتح المثناة من فوق وسكون العين المهملة وكسر الهاء- على المشهور. وقال القاضي: ضبطناه بكسر الأول والثالث عن شيوخنا، وكذا قيده البكري، وحكى الضبطَ الأولَ عن بعضهم (¬3). ¬

_ (¬1) في "ع": "قطعته". (¬2) في "ع": "يستعين". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 126).

ونقل الزركشي عن أبي ذر: أنه قال: وسمعنا (¬1) أهلَ ذلك الماء يفتحون الهاء. ونقل عن غيره: أن من العرب من يضم التاء ويفتح العين ويكسر الهاء. وعن أبي موسى المدني: بضم التاء والعين وتشديد الهاء، وهي عين ماء على ثلائة أميال من السقيا طريق مكة، كذا قال القاضي (¬2). (وهو قائل): اسم فاعل من القول، ومن القائلة أيضاً. (السُّقيا) -بضم السين-، قال القاضي: قريةٌ جامعةٌ من عمل الفرع، بينهما مما يلي الجحفة سبعة عشر ميلاً (¬3). قال الزركشي: وهو مفعول بفعل مضمر؛ أي: اقصدوا السقيا، وكذا (¬4) قال: إن قائلاً اسم فاعل من القول (¬5)، لا من القيلولة (¬6). قلت: يصح كلٌّ من الوجهين، وإذا جعل قائل من قالَ يقيلُ، كان السقيا مفعولاً بمضمر؛ أي: يريد السقيا، كأنه أدركه في وقت قيلولته، وهو (¬7) عازم على (¬8) المسير إلى السقيا، إما بقرينة حالية، أو مقالية، لا مانع من ذلك أصلاً. ¬

_ (¬1) في "ع": "سمعنا". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 421). (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 233). (¬4) "وكذا" ليست في "ج". (¬5) في "ع" و"ج": "القائل". (¬6) انظر: "التنقيح" (1/ 422). (¬7) في "ع": "وهي". (¬8) في "ع": "إلى".

باب: إذا رأى المحرمون صيدا فضحكوا، ففطن الحلال

(إن أهلك): كذا للكثير (¬1)، ولابن السكن: "إن أصحابك"، قيل: وهو أوجه (¬2). (وعندي منه فاضلة): أي: قطعةٌ فاضلة، يريد: فضلةً. * * * باب: إِذَا رَأَى المُحْرِمون صيداً فَضَحِكُوا، فَفَطِنَ الحَلالُ 1041 - (1822) - حدثنا سَعِيدُ بنُ الرَّبِيعِ، حدّثنا عَلِيُّ بْنُ المُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عبد الله بْنِ أَبِي قَتَاَدَةَ: أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ، قالَ: انْطَلَقْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عامَ الحُدَيْبِيَةِ، فَأَحْرَمَ أَصْحَابُهُ وَلَمْ أُحْرِمْ، فَأُنْبِئْنَا بِعَدُوٍّ بِغَيْقَةَ، فتوَجَّهْنَا نَحْوَهُمْ، فَبَصُرَ أَصْحَابِي بِحِمَارِ وَحْشٍ، فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَضْحَكُ إِلَى بَعْضٍ، فَنَظَرْتُ فَرَأَيْتُهُ، فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ الْفَرَسَ، فَطَعَنْتُهُ فَأَثْبَتُّهُ، فَاسْتَعَنْتُهُمْ، فَأَبَوْا أَنْ يُعِينُونَي، فَأَكَلْنَا مِنْهُ، ثُمَّ لَحِقْتُ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَخَشِينَا أَنْ نُقْتَطَعَ، أُرَفِّعُ فَرَسِي شَأْواً، وَأَسِيرُ عَلَيْهِ شَأْواً، فَلَقِيتُ رَجُلاً مِنْ بَنِي غِفَارٍ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فَقُلْتُ: أَيْنَ تَرَكْتَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟، فَقَالَ: تَرَكْتُهُ بِتَعْهِنَ، وَهُوَ قَائِلٌ السُّقْيَا، فَلَحِقْتُ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى أَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ أَصْحَابَكَ أَرْسَلُوا يَقْرَؤونَ عَلَيْكَ السَّلاَمَ وَرَحْمَةَ اللهِ وَبَرَكَاتِهِ، وَإِنَّهُمْ قَدْ خَشُوا أَنْ يَقْتَطِعَهُمُ الْعُدُوُّ دُونَكَ فَانْظُرْهُمْ، فَفَعَلَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا اصَّدْنَا حِمَارَ وَحْشٍ، وَإِنَّ عِنْدَنَا فَاضِلَةً؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَصْحَابِهِ: "كُلُوا"، وَهُمْ مُحْرِمُونَ. ¬

_ (¬1) في "ج": "لكثير". (¬2) انظر: "التنقيح" (1/ 422).

باب: لا يعين المحرم الحلال في قتل الصيد

(فأُنبئنا بعدوٍّ بغَيْقَةَ): -بغين معجمة مفتوحة (¬1) فمثناة من تحت فقاف فهاء تأنيث-: موضع بين مكة والمدينة من بلاد غفار، وقيل: هو قَليب ماءٍ لبني ثعلبة. (فبصُر): بضم الصاد المهملة. (فانظُرْهم): -بهمزة وصل وظاء معجمة مضمومة-؛ أي: انتظرْهُم. (إنا صِدْنا): يقال: صادَ يصيد، وفي نسخة: "أُصِدْنا": -[بهمزة قطع مضمومة وصاد مكسورة -، وفي أخرى: "اصَّدْنا"] (¬2) -بهمزة وصل وصاد مشددة-، كان أصله: اصْطَدْنا، فقُلبت الطاء صاداً، وأدغم، لكن هذا على خلاف القياس (¬3). * * * باب: لا يُعِينُ المُحرِمُ الحلالَ في قَتْل الصَّيدِ 1042 - (1823) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ أَبي مُحَمَّدٍ نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ: سَمِعَ أَبَا قَتَادَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْقَاحَةِ، مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَلاَثٍ، (ح) وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عبد الله، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ أَبي مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْفَاحَةِ، وَمِنَّا الْمُحْرِمُ، وَمِنَّا غَيْرُ الْمُحْرِمِ، فَرَأَيْتُ أَصْحَابِي ¬

_ (¬1) في "ج": "مفتوحة معجمة". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 422).

باب: لا يشير المحرم إلى الصيد لكي يصطاده الحلال

يَتَرَاءَوْنَ شَيْئاً، فَنَظَرْتُ، فَإِذَا حِمَارُ وَحْشٍ -يَعْنِي: وَقَعَ سَوْطُهُ-، فَقَالُوا: لَا نُعِينُكَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، إِنَّا مُحْرِمُونَ. فَتَنَاوَلْتُهُ فَأَخَذْتُهُ، ثُمَّ أَتَيْتُ الْحِمَارَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ، فَعَقَرْتُهُ، فَأَتَيْتُ بِهِ أَصْحَابِي، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كُلُوا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَأُكُلُوا، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وَهُوَ أَمَامَنَا، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: "كُلُوهُ، حَلاَلٌ". قَالَ لَنَا عَمْرٌو: اذْهَبُوا إِلَى صَالِحٍ فَسَلُوهُ عَنْ هَذَا وَغَيْرِهِ، وَقَدِمَ عَلَيْنَا هَاهُنَا. (بالقاحة): -بقاف وحاء مهملة خفيفة-: موضع على ثلاث مراحل من المدينة قبل السقيا بميل. وفي أصل القابسي: بالفاء. قال القاضي: والصواب الأول (¬1). (وهو أَمامَنا): -بفتح الهمزة- ظرف مكان. * * * باب: لا يُشِيرُ المُحْرِمُ إلى الصَّيدِ لكي يَصْطَادَهُ الحَلالُ 1043 - (1824) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ -هُوَ ابْنُ مَوْهَبٍ-، قَالَ: أَخْبَرَنِي عبد الله بْنُ أَبِي قَتَادَةَ: أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ حَاجًّا، فَخَرَجُوا مَعَهُ، فَصَرَفَ طَائِفَةً مِنْهُمْ فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ، فَقَالَ: "خُذُوا سَاحِلَ الْبَحْرِ حَتَّى نَلْتَقِيَ". فَأَخَذُوا سَاحِلَ الْبَحْرِ، فَلَمَّا انْصَرَفُوا، أَحْرَمُوا كُلُّهُمْ، إِلاَّ أَبُو قَتَادَةَ لَمْ يُحْرِمْ، فَبَيْنَمَا هُمْ ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنور" (2/ 198).

يَسِيرُونَ إِذْ رَأَوْا حُمُرَ وَحْشٍ، فَحَمَلَ أَبُو قَتَادَةَ عَلَى الْحُمُرِ، فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَاناً، فَنَزَلُوا فَأَكَلُوا مِنْ لَحْمِهَا، وَقَالُوا: أَنَأْكُلُ لَحْمَ صَيْدٍ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ؟! فَحَمَلْنَا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْم الأَتَانِ، فَلَمَّا أَتَوْا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا كُنَّا أَحْرَمْنَا، وَقَدْ كَانَ أَبُو قَتَادَةَ لَمْ يُحْرِمْ، فَرَأَيْنَا حُمُرَ وَحْشٍ، فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَبُو قَتَادَةَ، فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَاناً، فَنَزَلْنَا فَأَكَلْنَا مِنْ لَحْمِهَا، ثُمَّ قُلْنَا: أَنَأْكُلُ لَحْمَ صَيْدٍ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ؟! فَحَمَلْنَا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا. قَالَ: "مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا، أَوْ أَشَارَ إِلَيْهَا؟ "، قَالُوا: لَا، قَالَ: "فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا". (ابن مَوهَب): بفتح الميم والهاء معاً (¬1). (أحرموا كلهم، إلا أبا قتادة لم يحرم): ويروى: "أبو قتادة" -بالرفع- على أن "إلا" بمعنى"لكن" على الاسم المنقطع. قلت: وهذا من الجمل التي لها محل من الإعراب (¬2)، ولم يعدها مع تلك الجملة إلا قليل. (فأكلوا من لحمها): ثم سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك عن الحكم. فيه دليل على جواز الاجتهاد في زمنه - صلى الله عليه وسلم -، فإنهم أكلوا باجتهاد، ووجب الرجوعُ إلى النصوص (¬3) عند تعارض الأشياء والاحتمالات. (منكم أحدٌ أمره أن يحمل عليها، أو أشار إليها؟): فيه دليل على أنهم لو فعلوا ذلك، لكان سبباً للمنع. ¬

_ (¬1) في "ع": "معاً الأول". (¬2) في "ج": "محل والإعراب". (¬3) في "ع": "النص".

باب: إذا أهدى للمحرم حمارا وحشيا حيا، لم يقبل

(قالوا: لا، قال: فكلوا ما بقي من لحمها): فيه دليل على جواز أكل المحرم لحمَ الصيد إذا لم يكن منه دلالةٌ ولا إشارة. * * * باب: إِذَا أَهْدَى لِلْمُحْرِمِ حِمَاراً وَحْشِيًّا حَيًّا، لَمْ يَقْبَلْ (باب: إذا أهدى للمحرم حماراً وحشياً حياً، لم يقبل): هذه الترجمة تدل على أن البخاري فهمَ من حديثها أن الحمار كان حياً، وأكثرُ الروايات مصرحةٌ بأنه كان ميتاً، وأنه أتاه بعضو منه (¬1)، فيحتمل أنه أتاه به حياً، فلما ردَّ عليه، وأقره بيده، ذَكَّاه، ثم أرسل إليه بعضو منه، فردَّه إعلاماً بأن حكمَ الجزءِ حكمُ الكلِّ. 1044 - (1825) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عبيد الله بْنِ عبد الله بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عبد الله بْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ: أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِمَاراً وَحْشِيًّا، وَهْوَ بِالأَبْوَاءِ، أَوْ بِوَدَّانَ، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ، قَالَ: "إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلاَّ أَنَّا حُرُمٌ". (الصَّعْب بن جَثَّامَةَ): بصاد مهملة مفتوحة فعين مهملة ساكنة فباء موحدة، وجَثّامة: بجيم مفتوحة فثاء مثلثة مشددة. (وهو بالأبواء): -بفتح الهمزة والمد-: جبل من عمل (¬2) الفرع، بينه ¬

_ (¬1) "منه" ليست في "ج". (¬2) في "ع": "من أعلى".

باب: ما يقتل المحرم من الدواب

وبين الجحفة (¬1) مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلاً، قيل: سمي الموضعُ بذلك؛ لوبائه، وكان حَقُّه أوباء، لكنه على القلب، وقيل: لأن السيول تَتَبَوَّؤُهُ (¬2)؛ أي: تحلُّه، وهناك توفيت آمنةُ أمُّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (بودَّان): -بفتح الواو وتشديد الدال المهملة-: موضع بقرب الجحفة. (إنا لم نردّه عليك إلا أَنَّا حرم): "إنَّ" الأولى مكسورة؛ لوقوعها في ابتداء الكلام، والثانية مفتوحة؛ لدخول لام التعليل عليها تقديراً؛ إذ الأصلُ: إلا لأَنَّا، وحُرُم: -بضم الحاء (¬3) المهملة والراء -؛ أي: محرمون، والمشهورُ عندَ المحدِّثين: فتحُ الدال، من "نردَّه"، ومحققو النحاة على خلافه، وذلك أن المختار عندهم الضمُّ، وإن كان الفتح و (¬4) الكسر جائزين في مثله من المضاعف المجزوم أو (¬5) الموقوف؛ إيثاراً للاتباع. * * * باب: ما يَقْتُلُ المُحْرِمُ مِنَ الدَّوابِّ 1045 - (1829) - حَدَّثَنَا يَحْيىَ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ، كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ، يُقْتَلْنَ ¬

_ (¬1) في "ع": "وبين المدينة لجحفة". (¬2) في "ع": "يعبؤه". (¬3) في "ج": "وحرم بالحاء". (¬4) في "ع": "أو". (¬5) في "ج": " و".

فِي الْحَرَمِ: الْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ". (خمسٌ من الدواب كلُّهن فاسق يُقْتَلْنَ (¬1) في الحرم): قال الزركشي: "فاسق" صفة لكل، ولفظ الكل (¬2) مذكر، و"يُقتلن" فيه ضمير راجع إلى معنى كُل، وهو جمعٌ، وهو تأكيد خمس (¬3). قلت: الصوابُ أن يقال: "خمسٌ" مبتدأ، وسَوَّغ الابتداءَ به مع كونه نكرة وصفُه، و"منَ الدواب (¬4) " [في محل رفع على أنه صفةٌ بخمس، وقوله: "كلُّهن فاسقٌ" جملة اسمية] (¬5) في محل رفع -أيضاً- على أنه صفةٌ أخرى لخمس، وقوله: "يُقتلن" جملةٌ فعلية في محل رفع على أنها خبر المبتدأ الذي هو خمسٌ، وأما جعلُ "كلُّهن" تأكيداً لخمس، فمما يأباه البصريون، وجعلُ "فاسقٌ" صفة لكل، خطأ ظاهر، والضمير من "يُقتلن" عائد على خمس، لا على كل؛ إذ هو خبرُه، ولو جعل خبر كل، امتنع الإتيان بضمير الجمع؛ لأنه لا يعود عليها (¬6) الضمير من خبرها إلا مفرداً مذكراً على لفظها (¬7)، على ما صرح به ابن هشام في "المغني" (¬8). ¬

_ (¬1) "يقتلن" في رواية أبي ذر الهروي وأبي الوقت، و"يقتلهن": في اليونينية. (¬2) "ولفظ الكل" ليست في "ع" و"ج". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 424). (¬4) في "ج": "وفي الدواب والدواب". (¬5) ما بين معكوفتين ليست في "ع " و"ج". (¬6) في "ج ": "عليه". (¬7) في "ج": "لفظه". (¬8) انظر: "مغني اللبيب" (ص: 263).

وعلى الجملة: فلست على وثوق من نسخة الزركشي، فلعله من أغلاط النساخ. (الحِدَأة): -بكسر الحاء مهموز (¬1) -: واحد (¬2)، والحِدَاءِ: بالهمزة مع القصر، و (¬3) كذا في بعض الروايات هو؛ أعني: بصيغة الجمع. * * * 1046 - (1830) - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أبي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عبد الله -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَارٍ بِمِنًى، إِذْ نزَلَ عَلَيْهِ: {وَالْمُرْسَلَاتِ} [المرسلات: 1]، وَإِنَّهُ لَيَتْلُوهَا، وَإِنِّي لأَتَلَقَّاهَا مِنْ فِيهِ، وَإِنَّ فَاهُ لَرَطْبٌ بِهَا، إِذْ وَثَبَتْ عَلَيْنَا حَيَّةٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اقْتُلُوهَا"، فَابْتَدَرْنَاهَا، فَذَهَبَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وُقِيَتْ شَرَّكُمْ، كمَا وُقِيتُمْ شَرَّهَا". (وإني لأتلقاها من فيه): أي أَتَلَقَّفُها وآخذها. (وإن فاه لَرَطْبٌ بها): الرَّطْبُ: عبارهٌ عن الغَضِّ (¬4) الطَّرِيِّ، كأَنَّ معناه: لم يجفَّ ريقُه بها. (وُقِيَت شَرَّكم): -بالنصب- على أنه مفعول ثان، وكذلك: (كما وقيتم شَرَّها): أي: لم يلحقْكم ضررُها، ولم يلحقْها ضررُكم، ¬

_ (¬1) في "ع": "مهموزاً". (¬2) في "ع": "واحداً". (¬3) الواو ليست في "ج". (¬4) في "ع" و"ج": "الغصن".

وهو من مجاز المقابلة (¬1). * * * 1047 - (1831) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِلْوَزَغ: "فُوَيْسِقٌ". وَلَمْ أَسْمَعْهُ أَمَرَ بِقَتْلِهِ. (قال: للوزغ: فُوَيْسِق): تصغير فاسق. قال الزركشي: وهو تصغيرُ تَحقير، ويقتضي (¬2) زيادةَ الذَّمِّ (¬3). وقال الخطابي: أصلُ الفسقِ: الخروجُ عن الشيء، {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف: 50]؛ أي: خرج (¬4). قال ابن قتيبة: لا أرى الغرابَ سُمي (¬5) فاسقاً إلا بخروجه عن أمرِ نوحٍ حين أرسله، ووقوعِه على الجِيفَة (¬6). وحكي عن الفراء: أنه قال: ما أحسبُ الفأرةَ سُميت فويسقةً إلا لخروجها من جُحْرِ على الناس. ولم يُعجب (¬7) الخطابيَّ واحدٌ من القولين، قال: وإنما أراد بالفسق (¬8): ¬

_ (¬1) "التنقيح" (1/ 425). (¬2) في "ع": "ومقتضي". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 425). (¬4) انظر: "غريب الحديث" (1/ 603). (¬5) في "ع": "يسمى". (¬6) انظر: "غريب الحديث" (1/ 327). (¬7) في "ع": "تعجب". (¬8) في "ع": "الفاسق".

الخروجَ عن الحرمة، يقول: خمسٌ لا بُقْيا عليهن، ولا حرمةَ لهن على المحرم إذا أصابهن (¬1). قال ابن المنير: إذا تعارض الأمرُ في إطلاق اسم الفسق باعتبار (¬2) أفعال الفاسق، أو باعتبار استباحته، فإطلاقُه (¬3) باعتبار أفعالهِ؛ لأنه أشبه بالحقيقة، فالأحسنُ أنه سماهن فواسقَ؛ لعدوانهن (¬4)، وتشبههن (¬5) بالفُسَّاق من المكلَّفين، ويكون فيه ذكرُ السبب الموجب لقتلهن؛ لأنا إذا استبحنا قتلَ فُسّاق المكلَّفين كالمقتولين بالحرابة ونحوِها من وجوه الفساد في الأرض، فلأن نستبيحَ ذلك من الحشرات والحيوانات أولى. قال أبو عبد الله: إنما أردنا بهذا: أَنَّ مِنَى من الحرم، وأنهم لم يروا بقتل الحية بأساً، ليس في حديث الأمر بقتل الحية (¬6) ما يدلُّ على أنه أمرهم بقتلها وهم محرمون؛ لأنه قال: بينا نحن بمنى، فلعل ذلك كان بعد طواف الإفاضة وإحلال المحرمين، إلا أن يكون البخاري يأنس من التواريخ بشيء لم يصح على شرطه، يقتضي أن ذلك كان وهم (¬7) بمنى يومَ التروية، أو يومَ النحر قبل الطواف. ¬

_ (¬1) انظر: "غريب الحديث" (1/ 603 - 604). وانظر: "التوضيح" لابن الملقن (12/ 374). (¬2) في "ع": "باعتبار اسم". (¬3) في "ع": "فإطلاقه عليها". (¬4) في "ع" و"ج": "لعدواتهن". (¬5) في "ع": "ويشبهن". (¬6) في "ع" و"ج": "حديث القتل بأمر الحية". (¬7) في "ع": "كان أمرهم".

باب: لا يعضد شجر الحرم

باب: لا يُعْضَدُ شجرُ الحرمِ 1048 - (1832) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي شُرَيْحِ العَدَوِيِّ: أنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، وَهْوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ: ائْذَنْ لِي أَيُهَا الأَمِيرُ أُحَدِّثكَ قَوْلاً قَامَ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِلْغَدِ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ، فَسَمِعَتْهُ أُذُنَايَ، وَوَعَاهُ قَلْبِي، وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ، إِنَّهُ حَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلاَ يَحِلُّ لاِمْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَماً، وَلاَ يَعْضُدَ بِهَا شَجَرَةً، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُولُوا لَهُ: إِنَّ اللهَ أَذِنَ لِرَسُولهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كحُرْمَتِهَا بِالأَمْسِ، وَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ". فَقِيلَ لأَبِي شُرَيْحٍ: مَا قَالَ لَكَ عَمْروٌ؟ قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِذلِكَ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ، إِنَّ الْحَرَمَ لَا يُعِيذُ عَاصِياً، وَلاَ فَارًّا بِدَمٍ، وَلاَ فَارًّا بِخَرْبَةٍ. خَرْبَة: بَلِيَّةٌ. (عن أبي شُريح): بشين معجمة وحاء مهملة على التصغير. (فلا يحل لامرئ يؤمنُ بالله واليوم الآخر): قد يتوهم أن هذا يدلُّ على أن الكفار ليسوا [مخاطَبين بفروع الشريعة، والصحيحُ عند أكثر الأصوليين أنهم] (¬1) مخاطبون (¬2). وأجيب عن هذا (¬3) التوهم: بأن المؤمن هو الذي ينقاد (¬4) لأحكامنا، ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليست في "ع" و"ج". (¬2) في "ج": "مخاطبين". (¬3) في "ع": "هذه". (¬4) في "ع": "ينقاده".

باب: لا ينفر صيد الحرم

وينزجر عن محرمات شرعنا، وتستمر (¬1) أحكامه، فجعل الكلام فيه، وليس فيه أن غير (¬2) المؤمن ليس مخاطباً بالفروع، واختيار ابن دقيق العيد أن يكون هذا من باب التهييج والإلهاب؛ لقوله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 23] (¬3). وهو مَهْيَعٌ مسلوكٌ لأهل البلاغة. * * * باب: لا يُنَفَّر صيدُ الحرمِ 1049 - (1833) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ اللهَ حَرَّمَ مَكَّةَ، فَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَلاَ تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، لَا يُخْتَلَى خَلاَهَا، وَلاَ يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلاَ تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلاَّ لِمُعَرِّفٍ". وَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِلاَّ الإِذْخِرَ، لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا؟ فَقَالَ: "إِلاَّ الإذْخِرَ". وَعَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا: لَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا؟ هُوَ أَنْ يُنَحِّيَهُ مِنَ الظِّلِّ يَنْزِلُ مَكَانَهُ. (فقال العباس: يا رسول الله! إلا الإذخرَ لصاغتنا وقبورنا؟ فقال: إلا الإذخرَ) قال المهلب: يحتمل أن يكون تحريمُ مكةَ خاصّةً من تحريم الله -عز وجل -، وغير ذلك مما ذُكر في الحديث من تحريمه -عليه السلام-، ¬

_ (¬1) في "ع": "ويستمر". (¬2) في "ع": "غير أن". (¬3) انظر: "شرح عمدة الأحكام" (3/ 27).

وإلا، فلو كان من تحريم الله، ما استُبيح (¬1) منه إِذْخِرٌ ولا غيرُه (¬2). وردَّه ابن المنير: بأن الحديث دالٌّ على أن التفصيلَ المذكورَ منعطفٌ على أول الكلام، ومُفَسِّرٌ، وذلك أنه لما قال: إن الله حَرَّمَ مكةَ، وعلمنا أن التحريمَ إنما يتعلق بأفعال المكلفين، بيَّن -عليه السلام- تلكَ الأفعال، وهي: تنفيرُ الصيد، وقطعُ الشجر (¬3)، واختلاءُ الخلاء، وانساقَ ذلك كلُّه مساقَ البيان، من غير عطف ولا حرف استثناء، فهو نص في أن الكلَّ محرم بتحريم الله. وأيضاً: فكلُّ تحريمٍ أو تحليل، فإلى الله حقيقتُه، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لا ينطق عن الهوى، فلا فرقَ بين إضافة التحريم إلى الله، وإضافتِه إلى رسوله؛ لأنه المبلغ، [والتحريم إلى الله حكماً، وإلى الرسول بلاغاً، وسؤالُ العباس على معنى الضراعة، وترخيصُ النبي] (¬4) - صلى الله عليه وسلم - تبليغ عن (¬5) الله، إما بطريق أن الله نفث في رُوعه، وإما لأن جبريل نزل بذلك في طرفة عين (¬6)، واعتقادُ أن نزولَ جبريل يحتاج إلى أمدٍ (¬7) مُتَّسِعٍ وَهْمٌ وزَلَلٌ. ثم قال المهلب: ويحتمل أن الكُلَّ بتحريم الله، ووجهُ استثنائه -عليه السلام- دون استعلام علمُه بتحليل المحرَّمات عندَ الضرورة، كما تقرر عندَه فيما أُنزل عليه قبلُ؛ من أكلِ المضطرِّ الميتةَ، وغيرها مما ينطق به القرآن. ¬

_ (¬1) في "ج": "الله مستبيحاً". (¬2) في "ع": "ولا ضير". (¬3) في "ع": "الشجرة". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬5) في "ع": "من". (¬6) في "ج": "عنه". (¬7) في "ع": "مد".

باب: الحجامة للمحرم

وردَّه ابنُ المنير -أيضاً-: بأن القاعدةَ فيما يباح للضرورة، والمانعُ فيه قائم: أن يعتبر تحققُ الضرورةِ في كل صورة، فلو كان الإذخرُ مثلَ الميتة، لوجب أن لا يجوزُ استعمالُه إلا لمن تحققت ضرورته كاستعمال الميتة، والإجماعُ على خلافه. وفيه ما يدل على تمهيد القبور بالحشيش وما في معناه. * * * باب: الحِجَامَةِ للمُحْرِمِ 1050 - (1836) - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنِ ابْنِ بُحَيْنَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: احْتَجَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ مُحْرِمٌ، بِلَحْيِ جَمَلٍ، فِي وَسَطِ رَأْسِهِ. (بلَحْي جمل): يقال: بفتح اللام من "لَحْي (¬1) "، وكسرها مفرَداً. قال القاضي: كذا عند ابن عتاب، وابن عيسى من شيوخنا، وهما لغتان في اللَّحْي، وكان في هذا الحرف عند بعض شيوخنا -الفتحُ- لا غير. قال شيخنا أبو علي الحافظ: وهي روايتنا، وكذا وجدته أنا بخط الأصيلي في البخاري. قال ابن وضاح: هي عَقَبَةُ الجُحْفَة، وقال غيره: هي على سبعة أميال من السقيا. ¬

_ (¬1) "من لحي" ليست في "ع".

باب: تزويج المحرم

ورواه بعض رواة البخاري: "لَحْيَيْ جمل" مثنى. انتهى (¬1). (في وسَط رأسه): -بفتح السين- من وَسَط؛ أي: الموضع المتوسط من الرأس. * * * باب: تزويجِ المُحْرِمِ 1051 - (1837) - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيِّ، حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ. (عن ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج ميمونةَ وهو محرِمٌ): ثبت (¬2) عن أبي رافع: أنه -عليه السلام- نكحها وهو حلال، ورُجِّحت روايتُه على رواية ابن عباس؛ لأن أبا رافع كان السفير. وروايةُ مَنْ كان له في الواقعة مدخلٌ من مباشرة أو نحوها، أرجحُ من الأجنبي، ورجحت أيضاً بأنها مشتملةٌ على إثبات النكاح لمدة متقدمة على زمن الإحرام، والأخرى نافية لذلك، والمثبتُ مقدَّم على النافي. * * * باب: ما يُنْهى مِنَ الطِّيْبِ للمُحْرِمِ والمُحْرِمَةِ 1052 - (1838) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ، ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 369). (¬2) في "م": "ثبتت".

باب: الاغتسال للمحرم

عَنْ عبد الله بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَاذَا تَأْمُرُنَا أَنْ نلْبَسَ مِنَ الثِّيَابِ فِي الإِحْرَامِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَلْبَسُوا الْقَمِيصَ، وَلاَ السَّرَاوِيلاَتِ، وَلاَ الْعَمَائِمَ، وَلاَ الْبَرَانِسَ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ لَيْسَتْ لَهُ نَعْلاَنِ، فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْ أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ، وَلاَ تَلْبَسُوا شَيْئاً مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلاَ الْوَرْسُ، وَلاَ تَنْتَقِبِ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ، وَلاَ تَلْبَسِ الْقُفَّازَينِ". تَابَعَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، وَجُوَيْرِيَةُ، وَابْنُ إِسْحَاقَ: فِي النِّقَابِ وَالْقُفَّازَيْنِ. وَقَالَ عبيد الله: وَلاَ وَرْسٌ. وَكَانَ يَقُولُ: لَا تَتَنَقَّبِ الْمُحْرِمَةُ، وَلاَ تَلْبَسِ الْقُفَّازينِ. وَقَالَ مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: لَا تَتَنَقَّبِ الْمُحْرِمَةُ. وَتَابَعَهُ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمِ. (القُفّازين): تثنية قُفَّاز. قال الجوهري: هو بالضم والتشديد: شيء يُعمل لليدين يُحشى بقطن، ويكون له أزرار تُزَرُّ على الساعدين من البرد، تلبسه المرأة في يديها (¬1). * * * باب: الاِغْتِسَالِ لِلْمُحْرِمِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: يَدْخُلُ الْمُحْرِمُ الْحَمَّامَ. وَلَمْ يَرَ ابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ بِالْحَكِّ بَأْساً. (ولم ير ابنُ عمرَ وعائشةُ بالحكِّ بأساً): يعني: حكّ المحرِم بجلده إذا أكلَه. ¬

_ (¬1) انظر: "الصحاح" (3/ 892)، (مادة: قفز).

باب: لبس السلاح للمحرم

1053 - (1840) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ ابْنِ أَسْلَمَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عبد الله بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ أَبيهِ: أَنَّ عبد الله بْنَ الْعَبَّاسِ، وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ اخْتَلَفَا بِالأَبْوَاءِ، فَقَالَ عبد الله بْنُ عَبَّاسٍ: يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ، وَقَالَ الْمِسْوَرُ: لَا يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ، فَأَرْسَلَنِي عبد الله بْنُ الْعَبَّاسِ إِلَى أَبي أَيُوبَ الأَنْصَارِيِّ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ بَيْنَ الْقَرْنَيْنِ، وَهُوَ يُسْتَرُ بِثَوْبٍ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: أَنَا عبد الله بْنُ حُنَيْنٍ، أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ عبد الله بْنُ الْعَبَّاسِ، أَسْأَلُكَ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ؟ فَوَضَعَ أَبُو أَيُوبَ يَدَهُ عَلَى الثَّوْبِ، فَطَأْطَأَهُ حَتَّى بَدَا لِي رَأْسُهُ، ثُمَّ قَالَ لإنْسَانٍ يَصُبُّ عَلَيْهِ: اصْبُبْ، فَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ حَرَّكَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُهُ - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُ. (يغتسل بين القَرْنين): أي: قَرْنيَ البئر، وهما حائطان على جنبي البئر، يجعل عليهما خشبة تعلَّق بها البكرة. * * * باب: لُبْسِ السِّلاحِ للمُحْرِمِ 1054 - (1844) - حَدَّثَنَا عبيد الله، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: اعْتَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ حَتَّى قَاضَاهُمْ: لَا يُدْخِلُ مَكَّةَ سِلاَحاً إِلاَّ فِي الْقِرَابِ. (حتى قاضاهم): من القضاء بمعنى: الفصل والحكم. (إلا في القِراب): قال القاضي: هو وعاء يَجعل فيه راكبُ البعير سيفَه

باب: دخول الحرم ومكة بغير إحرام

مغَمداً، فيعلق على بعيره، وقد يجعل فيه بعضُهم زاده، أو سوطه وهراوته (¬1)، وهو (¬2) بكسر القاف (¬3). * * * باب: دُخُولِ الحرمِ ومكةَ بغيرِ إحْرامٍ 1055 - (1845) - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَّتَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، هُنَّ لَهُنَّ، وَلِكُلِّ آتٍ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِمْ، مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ، فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ. (ولأهل اليمن أَلَمْلَمَ): -بالهمزة-، كذا قيده الأصيليُّ في هذا الباب، وهو باب: دخول الحرم ومكة بغير إحرام. ولابن السكن: "يَلَمْلَم": بالياء (¬4). * * * 1056 - (1846) - حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ، جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ ¬

_ (¬1) "وهراوته" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "وهو رأيه". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 176). (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 427).

بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: "اقْتُلُوهُ". (المِغْفَر): قال ابن سيدَهْ: هو زَرَدٌ يُنسج من الدروع على قَدْر الرأس يُلبس تحتَ القلنسوة (¬1). وقال ابن عبد البر: هو ما يُغطي الرأسَ من السلاح؛ كالبيضةِ وشبهِها، من حديدٍ كان ذلك (¬2) أو غيرِه (¬3). (فقال: إن (¬4) ابن خَطَل): -بفتح الخاء المعجمة والطاء المهملة-، واسمُه هلالُ بنُ عبد الله بنِ عبدِ مناف. وقيل: عبد الله. وقيل: عبد العزى. وقيل: غالب. وقيل: إن هلالاً أخوه، ويقال لهما: الخطلان. وقال الحافظ الدمياطي: اسمه هلال، وخطلٌ لقبُ جدِّه عبدِ مناف، وفي كتاب الزبير: أن عبد الله هو الذي يُقال [له]: خطلٌ، وقيل له ذلك: لأن أحد لَحييه كان أنقصَ من الآخر (¬5) (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: "المحكم" (5/ 500)، (مادة: غفر). (¬2) "ذلك" ليست في "ج". (¬3) انظر: "التمهيد" (6/ 158)، وانظر: "التوضيح" (12/ 451). (¬4) "إن" ليست في "ع". (¬5) "من الآخر" ليست في "ج". (¬6) انظر: "التوضيح" (12/ 451).

باب: سنة المحرم إذا مات

قلت: وقد استبان لك بما ذكرناه أن خطلاً مصروف، وإنما نبهت (¬1) على ذلك؛ لأنه بلغني أن شخصاً بمصرَ زعم أنه غيرُ مصروف، وأنه اسمُ أمه، فتأملْه. (متعلقٌ بأستار الكعبة، فقال: اقتلوه): قال بعض الشارحين: فيه أن من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - يُقتل، ولا يُستتاب؛ كابن خطل. وقال ابن المنير: للمسألة صورتان: إحداهما: أن يَسبَّ المسلمُ. والأخرى: أن يسبَّ الكافرُ، فإذا أُخذ ليُقتل، أسلمَ. وفي قبول التوبة في كلتيهما خلاف، أما إذا سبَّ الكافرُ ولم يسلمْ، فلا خلافَ في قتله، وليس في حديث ابنِ خطل ما يدلُّ على أنه أسلم، وإنما فيه أنه (¬2) تحسب بالكعبة (¬3) على عادة العرب، فلا تدل مسألته على شيء من مسألتي الخلاف جميعاً. والحقُّ: القتلُ (¬4) في الصور كلِّها، وإن زعمَ التوبةَ؛ لأنه حدٌّ من الحدود. * * * باب: سُنَّةِ المُحرمِ إذا ماتَ 1057 - (1851) - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو ¬

_ (¬1) في "ع": "سميت". (¬2) "أنه" ليست في "ع" و"ج". (¬3) في "ج": "بالطعنة". (¬4) في "ج": "بالقتل".

بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنَّ رَجُلاً كَانَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَوَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَمَاتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ، وَلاَ تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ، وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ؛ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّياً". (فإنه يبعث يومَ القيامة ملبياً: قال المهلب في حديث المحرم: هذا دليل على أنه لا يحج أحدٌ عن أحد؛ لأن الحجَّ من أعمال الأبدان كالصلاة، ولو صحت فيه النيابةُ، لأمر (¬1) -عليه السلام- بإتمام الحجِّ عن هذا، مع أنه قد كان يمكن أن لا يتبع بما بقي عليه في الآخرة؛ لبلوغه الطاقة. قال ابن المنير: ما جعله ممكناً متعينٌ قطعاً؛ لأن حجة الوداع أولُ حجة (¬2) في الإسلام، فلم يتراخ هذا الميتُ عن واجب، وماتَ قبل التمكُّن من أداء بقية الحج، فهو غيرُ مخاطب به؛ كمن شرع في الصلاة أولَ الوقت، فمات في أثنائها، فلا تبعة عليها إجماعاً (¬3). ولا ينبغي أن يختلف -أيضاً- في أنه لا يُحج عنه؛ لأن الحج عنه يستدعي تقرر الحج أصالةً، والغرض أنه مات غيرَ مكلَّف به. وكذا لا ينبغي أن يختلف القائلون بأن الميت عن حجة الإسلام يُحج عنه من ماله، فإن (¬4) مات بعد البلوغ، ولم يأت زمنُ الحج، أو أتى وأحرم ¬

_ (¬1) في "ج": "فيه الصلاة لنيابة لأمره". (¬2) "أول حجة" ليست في "ع". (¬3) في "ع": "إجمالاً". (¬4) في "ج": "فيمن".

باب: الحج والنذر عن الميت، والرجل يحج عن المرأة

بالحج أولَ سنة بلوغه، ثم مات في أثناء الحج، فإن هذا غيرُ مكلف بما استبان من حاله. * * * باب: الْحَجِّ وَالنَّذر عَنِ الْمَيِّتِ، وَالرَّجُلُ يَحُجُّ عَنِ الْمَرْأَةِ (باب: الحج، والنذر عن الميت، والرجل يحج عن المرأة): قيل: كان ينبغي أن يقول: والمرأة تحج عن المرأة؛ ليطابق حديث الباب. قال الزركشي: استنبط منه ذلك، فإنه خاطبها بخطاب دخل فيه الرجال والنساء، وهو قوله: "اقضوا الله" (¬1). 1058 - (1852) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -: أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ، جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: إنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أنْ يَحُجَّ، فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى ماتَتْ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟. قالَ: "نَعَمْ، حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ، أَكُنْتِ قاضِيَةً؟ اقْضُوا اللهَ، فَاللهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ". (أن امرأة من جُهينة جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: إن أمي نذرتْ أن تحجَّ ولم تحج، أَوَأَحُجُّ عنها؟ قال: حُجِّي عن أمك (¬2)): هذه المرأة هي عمةُ سنانِ بنِ عبد الله الجهنيِّ. ففي "مختصر الاستيعاب"، وفي "أسد الغابة" ما يدلُّ عليه. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 428). (¬2) نص البخاري: "حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال: نعم، حُجِّي عنها".

باب: الحج عمن لا يستطيع الثبوت على الراحلة

لكن ذكر في "أسد الغابة" -أيضاً- في أول حرف الغين المعجمة -: غائثة. وقيل: غائية، أتت النبىَّ - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: إن أُمي ماتت وعليها نذرٌ أن تمشيَ إلى الكعبة، فقال: "اقضي عنها"، رواه عثمانُ بنُ عطاء عن أبيه مرسلاً، أخرجَه ابن منَدهْ، وأبو نعيم. انتهى (¬1). وفي النسائي: أَمرت امرأةُ سنانِ بنِ سلمةَ الجهنيِّ أن يُسأل (¬2) النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن أمها ماتت ولم تحج، فذكره (¬3). قال شيخنا قاضي القضاة جلالُ الدين -أمتع الله بعلومه (¬4) -: فهذا مخالف لما تقدم من أنه سنان بن عبد الله. قلت: يُحتمل حملُه على التعدد. * * * باب: الحجِّ عمَّنْ لا يستطيعُ الثُّبوتَ على الرَّاحِلَةِ 1059 - (1854) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ ابْنُ أَبِي سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -، قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ، عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخاً كَبِيراً، لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، فَهَلْ يَقْضِي عَنْهُ أَنْ ¬

_ (¬1) انظر: "أسد الغابة" (7/ 206). (¬2) في "ع": "تسأل". (¬3) رواه النسائي (2633). (¬4) في "ج": "بحياته".

باب: حج الصبيان

أَحُجَّ عَنْهُ؟ قَالَ: "نَعَمْ". (امرأة من خَثْعَمَ): قال الزركشي: بالفتح، لا ينصرف (¬1). قلت: لكن للعلمية والتأنيث باعتبار القبيلة (¬2)، لا للعلمية والوزن كما سبق عنه. * * * باب: حجِّ الصِّبيانِ 1060 - (1856) - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبي يَزِيدَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - يَقُولُ: بَعَثَنِي -أَوْ قَدَّمَنِي- النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الثَّقَلِ مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ. (قدمني في الثَّقَل): -بفتحتين -: آلاتُ السفر ومتاعُه. * * * 1061 - (1857) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمِّهِ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - قَالَ: أَقْبَلْتُ وَقَدْ نَاهَزْتُ الْحُلُمَ، أَسِيرُ عَلَى أَتَانٍ لِي، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَائِمٌ يُصَلِّي بِمِنًى، حَتَّى سِرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ نَزَلْتُ عَنْهَا، فَرَتَعَتْ، فَصَفَفْتُ مَعَ النَّاسِ وَرَاءَ رَسُولِ - صلى الله عليه وسلم -. وقالَ يُوْنُسُ، عنِ ابِنِ شِهَابٍ: بِمنِىً في حَجَّةِ الوَدَاعِ. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 428). (¬2) في "ع" و"ج": "القبلية".

باب: حج النساء

(وقد ناهزت الحُلُم): أي: قاربتُ البلوغَ بالاحتلام، والحُلُم: بضمتين. قال ابن الأثير: و (¬1) قد تسكن اللام: ما يراه النائم في نومه (¬2). قلت: التسكين (¬3) فيه على جهة التخفيف، وهو جارٍ في هذا اللفظ ونظائرِه قياساً؛ نحو: عُنُق (¬4). * * * 1062 - (1859) - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ، عَنِ الْجُعَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ لِلسَّائِبِ ابْنِ يَزِيدَ، وَكَانَ قَدْ حُجَّ بِهِ فِي ثَقَلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (عن الجُعَيد): بضم الجيم وفتح العين على التصغير، آخره دال مهملة. * * * باب: حجِّ النِّساءِ 1063 - (1861) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا حَبِيبُ ابْنُ أَبِي عَمْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَتْنَا عَائِشَةُ بِنْتُ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلاَ نَغْزُو وَنُجَاهِدُ مَعَكُمْ؟ فَقَالَ: "لَكُنَّ أَحْسَنُ الْجِهَادِ وَأَجْمَلُهُ: الْحَجُّ، حَجٌّ مَبْرُورٌ". فَقَالَتْ عَائِشَةُ: ¬

_ (¬1) الواو ليست في "ج". (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 434). (¬3) في "ع": "السكين". (¬4) في "ع": "عتق".

فَلاَ أَدَعُ الْحَجَّ بَعْدَ إِذْ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. (لكُنَّ): -بضم الكاف وتشديد النون، بلام الجر داخلة على ضمير المخاطبات (¬1) -، وهو ظرف مستقر [على أنه خبرٌ مقدَّم. (أفضلُ (¬2) الجهَاد): -بالرفع على أنه مبتدأ-. (وأجملُه): عطف عليه. (الحَجُّ): -بالرفع] (¬3) - على أنه بدل. (حجٌّ مبرور): خبر مبتدأ محذوف؛ أي (¬4): هو حجٌّ مبرور. * * * 1064 - (1862) - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبي مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلاَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلاَّ وَمَعَهَا مَحْرَمٌ". فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا، وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ؟، فَقَالَ: "اخْرُجْ مَعَهَا". (عن أبي مَعْبَد): بميم مفتوحة فعين مهملة ساكنة فباء موحدة مفتوحة فدال مهملة. (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم): قال ابن دقيق العيد: لفظُ المرأة ¬

_ (¬1) في "ج": "المخاطب". (¬2) نص البخاري: "أحسنُ". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬4) "أي" ليست في "ج".

عامٌّ بالنسبة إلى سائر النساء (¬1). وقال بعض المالكية: هذا عندي في الشابة، فأما الكبيرةُ غيرُ المشتهاة (¬2)، فتسافر كيف شاءت في كل الأسفار بلا زوج ولا محرم. وخالفه بعض المتأخرين من الشافعية من حيث إن المرأة مظنة الطمع فيها، ومظنة الشهوة، ولو كانت كبيرة، وقد قالوا: لكل ساقطةٍ لاقطةٌ. قلت: متى مالت (¬3) شهوةٌ (¬4) لاقطةٍ لهذه الساقطة، خرجتْ عن فرض المسألة؛ لأنها تكون (¬5) حينئذ مشتهاةً في الجملة، وليس الكلام فيه، إنما الكلام فيمن لا يُشتهى أصلاً ورأساً، ولا نسلم أن مَنْ هي بهذه الصفة (¬6) مظنةُ الطمع والميل إليها بوجه. قال ابن دقيق العيد: والذي قاله المالكي تخصيصُ العموم بالنظر إلى المعنى، وقد اختار هذا الشافعي أن المرأة تسافر في الأمن، ولا تحتاج إلى أحد، بل تسير (¬7) وحدَها في جملة القافلة، وتكون آمنة. قال: وهذا مخالفٌ لظاهر الحديث، ثم ذو المحرم عامٌّ في مَحرم النسب؛ ¬

_ (¬1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" (3/ 19). (¬2) في "ع": "فإنها غير مشتهاة". (¬3) في "ع": "متى ما". (¬4) "شهوة" ليست في "ج". (¬5) "تكون" ليست في "ع". (¬6) "الصفة" ليست في "ج". (¬7) في "ع": "يسير".

كأبيها (¬1) وأخيها، وابن أخيها وابن أختها (¬2)، ومَحرمِ الرضاع، ومحرمِ المصاهرة؛ كأبي زوجها، وابن زوجها، واستثنى بعضهم ابنَ الزوج، فقال: يكره سفرها معه؛ لغلبة الفساد في الناس بعدَ العصر الأول، ولأن كثيراً من الناس لا يُنْزِلُ زوجةَ الأب في النفر (¬3) عنها منزلةَ محارم النسب، والحديثُ عامٌّ، فإن عنى بالكراهة التحريم، فهو مخالف لظاهر الحديث، وإن عنى كراهة التنزيه (¬4)، فهو أقرب (¬5). * * * 1065 - (1864) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ قَزَعَةَ مَوْلَى زِيَادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ -وَقَدْ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَسَلَّمَ ثِنْثيْ عَشْرَةَ- غَزْوَةً، -قَالَ: أَرْبَعٌ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، أَوْ قَالَ: يُحَدِّثُهُنَّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم-، فَأَعْجَبْنَنِي، وَآنَقْنَنِي: "أَنْ لَا تُسَافِرَ امْرَأةٌ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ لَيْسَ مَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ، وَلاَ صَوْمَ يَوْمَيْنِ: الْفِطْرِ وَالأَضحَى، وَلاَ صَلاَةَ بَعْدَ صَلاَتَيْنِ: بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَلاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجدِ الْحَرَامِ، وَمَسجِدِي، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى". ¬

_ (¬1) في "ع": "كابنها". (¬2) "وابن أختها" ليست في "ع " و"ج". (¬3) في "ج": "السفر". (¬4) في "ع": "التبرئة". (¬5) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 19).

باب: من نذر المشي إلى الكعبة

(فأَعْجَبْنَني وآنَقْنَنِي): يعني: الكلمات الأربع، وآنقني الشيءُ يؤنقني: أعجبني، وهو من عطف الشيء على مرادفه، نحو: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86]، ونحو: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 157]، ونحو: {عِوَجًا وَلَا أَمْتًا} [طه: 107]، وقوله -عليه الصلاة والسلام -: "ليلني مِنْكُم (¬1) ذَوُو (¬2) الأَحْلامِ وَالنُّهَى" (¬3). وقول الشاعر: فَأَلْفَى قَوْلَهَا (¬4) كَذِباً وَمَيْنا * * * باب: مَنْ نَذَرَ المشْيَ إلى الكعبةِ 1066 - (1865) - حَدَّثَنَا ابْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا الْفَزَارِيُّ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، قَالَ: حَدَّثَنِي ثَابِتٌ، عَنْ أَنسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى شَيْخاً يُهَادَى بَيْنَ ابْنَيْهِ، قَالَ: "مَا بَالُ هَذَا؟ "، قَالُوا: نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ، قَالَ: "إِنَّ اللهَ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ لَغَنِيٌّ"، وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ. (أخبرنا الفزاريُّ): قال ابن حزم: هو أبو إسحاقَ، أو إبراهيمُ بنُ معاويةَ، وكلاهما ثقةٌ إمام (¬5). ¬

_ (¬1) في "م" و"ن": "منك". (¬2) "ذوو" ليست في "ج"، وفي "ع": "ذو". (¬3) رواه مسلم (432) عن أبي مسعود رضي الله عنه. (¬4) في "ج": "قوله". (¬5) انظر: "المحلى" (7/ 264). وانظر: "التوضيح" (12/ 489).

(رأى شيخاً يُهادَى بين ابنيه): نقل مغلطاي عن الخطيب: أن هذا الشيخ هو أبو إسرائيل. وينبغي تحريرُ هذا النقل، فقد قيل: إن "مبهمات" الخطيب كشفت، ولم يوجد فيها ما نقله عنه (¬1). وفي "مختصر الاستيعاب": اسمه يُسَيْر، وقيل: قُشَيْر (¬2). * * * ¬

_ (¬1) قال الحافظ في "الفتح" (4/ 79): قرأت بخط مغلطاي الرجل الذي يهادى، قال الخطيب: هو أبو إسرائيل، كذا قال، وتبعه ابن الملقن، وليس ذلك في كتاب الخطيب، وإنما أورده من حديث مالك، عن حميد بن قيس وثور: أنهما أخبراه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلاً قائماً في الشمس فقال: "ما بال هذا"؟ قالوا: نذر أن لا يستظل ولا يتكلم ويصوم، الحديث. قال الخطيب: هذا الرجل هو أبو إسرائيل، ثم ساق حديث عكرمة، عن ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب يوم الجمعة، فرأى رجلاً يقال له أبو إسرائيل. . ." الحديث. (¬2) في "ع" و"ج": "بشير".

كتاب فضائل المدينة

كِتابُ فَضَائلُ المدينَةِ

باب: حرم المدينة

كِتابُ فَضَائلُ المدينَةِ باب: حرمِ المدينةِ 1067 - (1867) - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَحْوَلُ، عَنْ أَنسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مِنْ كَذَا إِلَى كَذَا، لَا يُقْطَعُ شَجَرُهَا، وَلاَ يُحْدَثُ فِيهَا حَدَثٌ، مَنْ أَحْدَثَ حَدَثاً، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ". (المدينة حرم (¬1) من كَذَا إلى كَذَا): -بفتح الكاف والذال المعجمة-: كناية عن اسمي مكانين، وسيأتي الكلام عليها قريباً. * * * 1068 - (1868) - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَبي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ، فَأَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسْجدِ، فَقَالَ: "يَا بَنِي النَّجَّارِ! ثَامِنُونِي"، فَقَالُوا: لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إلاَّ إِلَى اللهِ، فَأَمَرَ بِقُبُورِ الْمُشْرِكينَ فَنُبِشَتْ، ثُمَّ بِالْخِرَبِ فَسُوِّيَتْ، وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ، فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ الْمَسْجدِ. ¬

_ (¬1) في "م": "حرام".

(يا بني النجار! ثامنوني): أي: بايعوني بالثمن، والمخاطَب بهذا مَنْ يستحقُّ الحائطَ. ويقال: كان لسهل وسهيل يتيمين في حَجْر أسعدَ بنِ زُرارةَ. قال (¬1) أهل السير: بركت ناقة (¬2) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند موضع مسجدِه، وهو يومئذ يصلِّي فيه رجالٌ من المسلمين، وكان مِرْبَداً لسهلٍ وسهيلٍ غلامينِ يتيمين من الأنصار، وكانا (¬3) في حَجْرِ أبي أمامةَ أسعدَ بنِ زُرارة، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[بالغلامين، فساومهما بالمربد ليتخذه مسجداً، فقالا: بل نهبه لك يا رسول الله، فأبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬4) حتى ابتاعه منهما (¬5) بعشرة دنانير، وأمر أبا بكر أن يعطيهما ذلك. وفي "سيرة ابن هشام": أنهما كانا (¬6) في حَجْر مُعاذِ بنِ عَفْراء (¬7). ووقع لابن مَنْدَه في كتاب "الصحابة" أن (¬8) أخرجَ في ترجمة سَهْل بنِ بيضاء عن أبي إسحاق، قال: كان موضعُ المسجدِ لغلامين يتيمين: سهلٍ، وسهيل (¬9)، [وكانا (¬10) في حجر أسعدَ بنِ زُرارة. ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "وقال". (¬2) في "ع": "ناقته". (¬3) في "ع": "وكان". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬5) في "ج": "منها". (¬6) في "م" و"ن": "كان". (¬7) انظر: "سيرة ابن هشام" (3/ 23). (¬8) في "ج": "أنه". (¬9) "وسهيل" ليست في "ع". (¬10) في "ع": "وكان".

قال ابن الأثير: ظن أن ابني بيضاء (¬1) هما الغلامان اللذان كان لهما موضعُ المسجد] (¬2)، وإنما كانا من الأنصار، وأما ابنا بيضاء، فمن بني فِهْر، وإنما دخل الوهمُ على ابن منده حيث لم ينسب إلى أب ولا قبيلة. ثم قال: سهلُ بنُ عمرٍو الأنصاريُّ النجاريُّ أخو سهيلٍ، وهما صاحبا المربد الذي بنى فيه (¬3) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسجده، وساقَ ما تقدم عن أبي إسحاق، ثم قال: وذكر ابنُ عبدِ البر: أن المربدَ كانَ لسهلٍ وسهيلٍ ابني رافع (¬4). (ثم بالخِرَب): -بالخاء المعجمة- على وزن القِرَب، وعلى وزن (¬5) النَّبْقِ، و (¬6) بالحاء المهملة ومثلثة -، يراد به: الموضع الذي يُحرث للزراعة، وقد سبق ذلك في أول الكتاب. * * * 1069 - (1869) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "حُرِّمَ مَا بَيْنَ لاَبَتَيِ الْمَدِينَةِ عَلَى لِسَانِي". قَالَ: وَأَتَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَنِي حَارِثَةَ، فَقَالَ: "أَرَاكُمْ يَا بَنِي حَارِثَةَ قَدْ خَرَجْتُمْ مِنَ الْحَرَمِ"، ثُمَّ الْتَفَتَ فَقَالَ: "بَلْ أَنْتُمْ فِيهِ". ¬

_ (¬1) في "ع": "سفيان". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬3) في "ع" و"ج": "الذي فيه بنى". (¬4) انظر: "أسد الغابة" (2/ 569). (¬5) "وزن" ليست في "ع". (¬6) الواو ليست في "ع".

(لابتي المدينة): تثنيةُ لابَة، وهي الحَرَّة: الأرضُ ذاتُ الحجارة السود، والمدينةُ ما بين حَرَّتين عظيمتين. (أراكم يا بني حارثة (قد خرجتم من الحرم) (¬1)، ثم التفت فقال: بل (¬2) أنتم فيه): قال المهلب: فيه من الفقه أن للعالم أن يقول على غلبة الظن، ثم ينظر فيصحح النظر. قال ابن المنير: والأمورُ الوجودية هي التي تحتملُ ذلك في حقه -عليه السلام-، وأما إذا اجتهد -عليه السلام-، فحكمَ بمقتضى اجتهاده من أول وَهْلَة، فهو صوابٌ مقطوعٌ به، وإن (¬3) اتفقَ بعد ذلك حكمٌ على خلافه، فهو نسخ، وقوله لبني حارثة إنما يتعلق بأمر وجودي محسوس، لا يقتضيه شريعة نظرية. * * * 1070 - (1870) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أبَيهِ، عَنْ عَلِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ إِلاَّ كتَابُ اللهِ وَهَذِهِ الصَّحِيفَةُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْمَدِينَةُ حَرَمٌ، مَا بَيْنَ عَائِرٍ إِلَى كَذَا، مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثاً، أَوْ آوَى مُحْدِثاً، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ". وَقَالَ: "ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِماً، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليست في "ع". (¬2) في "ع": "بلى". (¬3) في "ج": "فإن".

وَمَنْ تَوَلَّى قَوْماً بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ". (المدينة حرم ما بين عائرٍ إلى كذا": يعني: إلى ثور، كما في رواية مسلم (¬1). وفي رواية في (¬2) البخاري: "عَيْر" (¬3) -بحذف الألف-. قال مصعبٌ الزبيري وغيره: ليس بالمدينة عير ولا ثور، وإنما هما بمكة. وقال أبو عُبيد: كأَنَّ الحديثَ: من عَيْر إلى أُحد (¬4)، وأكثرُ رواة (¬5) البخاري ذكروا عَيْراً، وأما ثَوْرٌ، فمنهم من كنى عنه، ومنهم من ترك مكانه بياضاً؛ لاعتقادهم الخطأ في ذكره. قاله (¬6) القاضي (¬7). قلت: الذي ينبغي للراوي إذا سمع لفظاً في الرواية، وظن (¬8) خطأه ألاَّ يكني عنه، ولا يُسقطه، بل يذكر الروايةَ على وجهها، وينبه (¬9) على ما ظهر له؛ لينظر فيه، لاسيما فيما لا يقطع فيه بالخطأ، هكذا الذي نحن فيه. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1370). (¬2) "في" ليست في "ع" و"ج". (¬3) رواه البخاري (3172). (¬4) في "ج": "حدة". (¬5) في "ع": "رواية". (¬6) في "ع": "قال له"، وفي "ج": "قال". (¬7) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 136). وانظر: "التنقيح" (1/ 430). (¬8) في "ع": "وحكاه ظن". (¬9) في "ع": "وبينه".

قال مغلطاي: وذكر الإمامُ أبو محمدٍ عبدُ السلام بنُ مزروعٍ البصريُّ أنه لما خرج رسولاً من صاحب المدينة إلى العراق، كان (¬1) معه دليلٌ يذكر له الأماكن والأجْبُلَ، فلما وصل إلى أُحد، إذا (¬2) بقربه جبلٌ صغير، فسأله (¬3): ما اسمُ هذا الجبل؟ قال: هذا (¬4) يسمَّى ثوراً؟ قال: ولما ذكر ياقوت قولَ عياض: قال بعضُهم: ليس بالمدينة، ولا على مَقْرَبة منها جبلٌ يعرف بأحد هذين الاسمين، قال: وهذا من قائله وهم؛ فإن عيراً جبلٌ مشهور بالمدينة. [ونقل مغلطاي -أيضاً- عن المحبِّ الطبري: أنه قال: ثورٌ: جبلٌ بالمدينة] (¬5) رأيتُه غيرَ مرة، وحَدَّدته. ولما ذكر الزركشي ما قدمناه من كلام القاضي، قال بإثره: قلت: والله أعلم إن لم يكن بالمدينة عيرٌ وعائرٌ ولا ثورٌ، فيحمل على مسافة ما بينهما (¬6). [قلت: أوهمَ أن هذا الكلام من قاب فكره، وقد حكى مغلطاي عن ابن قدامة ما نصُّه:] (¬7) يحتمل أن يكون - صلى الله عليه وسلم - أراد قدرَ ما بين ثورٍ وعيرٍ اللذين (¬8) بمكة. ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "وكان". (¬2) في "ع": "إذ". (¬3) في "ج": "فسأل". (¬4) "هذا" ليست في "ع". (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬6) انظر: "التنقيح" (1/ 430). (¬7) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬8) في "ج": "الذين".

باب: فضل المدينة وأنها تنفي الناس

وكذا نقله ابنُ الملقن (¬1)، وابنُ مغلطاي أخذه، والغالب على الظن وقوفُ الزركشي على كلٍّ من هذين الكتابين. * * * باب: فضلِ المدينةِ وأنَّها تَنْفِي النَّاسَ 1071 - (1871) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيىَ ابْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحُبَابِ سَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ الْقُرى، يَقُولُونَ: يَثْربُ، وَهْيَ الْمَدِينَةُ، تَنْفِي النَّاسَ كمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ". (أُمرت بقرية): أي: بالهجرة إلى قرية إن كان قاله بمكة، أو بسكنى قرية إن كان قاله بالمدينة. (تأكل القرى، يقولون: يثرب، وهي المدينة): قال ابن المنير: وذكر أهلُ السير أن اسمها في التوراة طَيْبَةُ وطابَةُ (¬2). وقال السهيلي: في التوراة: يقول الله: يا طابة يا مسكينة (¬3)! لا تقبلي (¬4) الكنوز؛ فإني سأرفع أجاجيرك على أجاجير (¬5) القرى (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (12/ 504). (¬2) في "ج": "طاب". (¬3) في "ع": "يا مسكين". (¬4) في "ع": "لا تقبل". (¬5) في "ع": "أجائر". (¬6) انظر: "الروض الأنف" (2/ 345).

وهو قريب من قوله -عليه السلام-: "أُمرت بقرية تأكل القرى"؛ لأنها إذا عَلَتْ (¬1) عليها علوَّ الغَلَبة، أكلتْها، أو يكون المراد: يأكل فضلُها الفضائل [أن يغلبَ فضلُها الفضائل] (¬2)، حتى إذا قيست بفضلها، تلاشَت بالنسبة إليها (¬3)، فهو المراد بالأكل. ومنه قولُ أبي الطيب: عَلِيُّ شَرُوبٌ لِلْجُيُوشِ أَكُولُ يريد: عليٌّ غالبٌ للجيوش، فهم له كالطعمة. وهو -أيضاً- دليل على فضل المدينة. وقد جاء في مكة: أنها أم القرى، كما جاء فيم المدينة: تأكل القرى، لكن المذكور للمدينة أبلغُ من المذكور لمكة؛ لأن الأمومة لا يُمحى بوجودها (¬4) وجودُ ما هي أُم له، لكن يكون حقُّ الأم (¬5) أظهر، وأما قوله: تأكل القرى، فمعناه: أن الفضائل تضمحلُّ في جنب عظيمٍ فضلِها حتى يكاد يكونُ عدماً، وما يضمحلُّ له الفضائلُ أفضلُ وأعظمُ مما تبقى معه الفضائل، ولكن يتضاءل عنه. * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "علمت". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬3) "إليها" ليست في "ع" و"ج". (¬4) في "ع": "بجودها". (¬5) في "ع": "الإمام".

باب: لابتي المدينة

باب: لاَبَتَيِ المَدينةِ 1072 - (1873) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أبيِ هُرَيْرَةَ -رضيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَوْ رَأَيْتُ الظّبَاءَ بِالمَدِينَة تَرْتَعُ، مَا ذِعَرْتُهَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا حَرَامٌ". (ترتع): أي: ترعَى. (ما ذعرتُها): أي: أفزعْتُها. * * * باب: مَنْ رَغِبَ عَنِ المَدينةِ 1073 - (1874) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رَضيِ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "يَتْركُونَ الْمَدِينَةَ عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ، لَا يَغْشَاهَا إِلاَّ الْعَوَافِ -يُرِيدُ: عَوَافِيَ السِّبَاعِ وَالطّيْرِ-، وَآخرُ مَنْ يُحْشَرُ رَاعِيَانِ مِنْ مُزَيْنَة، يُرِيدَانِ الْمَدِينَةَ، يَنْعِقَانِ بِغَنَمِهِمَا، فَيَجدَانِهَا وَحْشاً، حَتَّى إِذَا بَلَغَا ثَنِيَّهَ الْوَدَاعِ، خَرَّا عَلَى وُجُوهِهِمَا". (تتركون المدينة): قال الزركشي: بتاء الخطاب، ومرادُه غيرُ المخاطَبين، لكن من أهل المدينة، أو نسلِهم (¬1). [قلت: هذا كلام القرطبي؛ فإنه قال: روايةُ مسلم -بتاء الخطاب-، ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 431).

ومراده غيرُ المخاطَبين، لكن قد عمم من أهل المدينة ونسلِهم] (¬1)، وإذا كان كذلك، فنقلُ هذا إلى كلام (¬2) البخاري إنما يحسُن بعد ثبوت الرواية فيه موافقةً لرواية (¬3) مسلم، وفي (¬4) كلام القرطبي إشعارٌ ما بأن رواية البخاري ليست بتاء الخطاب، فتأملْه، والذي رأيته في نسخة من البخاري: "يتركون": بياء الغائب. (على خير ما كانت): أي: من العمارة، وكثرةِ الثمارِ وحُسْنِها. (لا يغشاها إلا العوافي (¬5)): أي: لا يسكنُها ولا ينزل بها إلا العوافي، واحدُها عافيةٌ، وهي التي تطلب (¬6) أقواتها، والمذكَّرُ عافٍ. قال بعضهم: الظاهر (¬7) أن ترك المدينة على هذه الحالة يكون آخر الزمان. قال القاضي عياض: هذا مما جرى في العصر الأول وانقضى، وهو من أعلام نبوته - صلى الله عليه وسلم - (¬8). ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج"، وانظر: "المفهم" (3/ 501). (¬2) في "ع": "هذا الكلام". (¬3) في "ع": "رواية". (¬4) في "ع": "في". (¬5) كذا في رواية أبي ذر الهروي، وله في رواية أخرى: "العواف". (¬6) في "ع": "يطلب". (¬7) "الظاهر" ليست في "ع". (¬8) انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 507). وانظر: "التوضيح" لابن الملقن (12/ 544)، وعنه نقل المؤلف -رحمه الله - كلام عياض.

(وآخر مَنْ يُحشر): أي (¬1): بعدَ الموت، وهذا أمر لا بدَّ منه قطعاً، فترك التصريح به؛ لفهمه. ويحتمل أن يكون المراد: آخرُ من يحشر إلى المدينة؛ كما في لفظ رواه مسلم (¬2). (راعيان من مُزَينة): وفي "أخبار المدينة" لابن شبة من حديث أبي هريرة: "آخِرُ مَنْ يُحْشَرُ رَجُلٌ مِنْ مُزَيْنَةَ، وآخَرُ مِنْ جُهَيْنَةَ" (¬3). (ينعِقان): -بكسر العين المهملة- ماضي نعَق -بفتحها-؛ أي: يصيحان بغنمهما (¬4). (فيجدانها وُحوشاً): -بضم الواو-؛ [أي: فيجدان المدينةَ ذاتَ وحوش. وقال ابن الجوزي: الوَحوش -بفتح الواو] (¬5) -، والمعنى: أنها خالية (¬6). ويروى: "وَحْشاً"؛ أي: كثيرةَ الوحش لَمَّا خلت من سكانها (¬7). وعن (¬8) ابن المرابط: أن الضمير عائدٌ على (¬9) الغنم، والمعنى: أن غنمها ¬

_ (¬1) "أي" ليست في "ع". (¬2) رواه مسلم (1389). قال الحافظ في "الفتح" (4/ 90): هذا يحتمل أن يكون حديثاً آخر مستقلاً لا تعلق له بالذي قبله. وانظر: "التنقيح" (1/ 431). (¬3) انظر: "تاريخ المدينة المنورة" (4/ 278). وانظر: "التوضيح" (12/ 545). (¬4) في "ع": "أي: يصحان بفيهما". (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬6) انظر: "غريب الحديث" لابن الجوزي (2/ 457). (¬7) انظر: "التنقيح" (1/ 432). (¬8) في "ج": "وقال". (¬9) في "ع": "إلى".

تصير (¬1) وحوشاً، إما بأن تنقلب ذاتُها، أو تنفرَ وتتوحَّشَ، وأنكره القاضي (¬2). * * * 1074 - (1875) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "تُفْتَحُ الْيَمَنُ، فَيَأْتِي قَوْمٌ يُبِسُّونَ، فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كانوُا يَعْلَمُونَ. وَتُفْتَحُ الشَّأْمُ، فَيَأْتِي قَوْمٌ يُبِسُّونَ، فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ. وَتُفْتَحُ الْعِرَاقُ، فَيَأْتِي قَوْمٌ يُبِسُّونَ، فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ". (فيأتي قوم يُبِسُّون): -بمثناة مضمومة فموحدة مكسورة فسين مهملة مشددة-، وبفتح المثناة وضم الموحدة ثلاثياً-، ضبطه القاضي بالوجهين (¬3)، وفسره ابن مالك (¬4) بالسَّير. وقال الداودي: يزجُرون الدوابَّ إلى المدينة (¬5)، فَيُبِسُّون ما يَطَؤونه ¬

_ (¬1) في "ع": "يصير". (¬2) انظر: "التوضيح" (12/ 546). (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 100). (¬4) كذا في نسخ الكتاب، وقد نقله المؤلف عن الزركشي في "التنقيح" (1/ 432)، وقد أشار محققه أنه كذلك وقع في نسختين من "التنقيح"، ووقع في نسخة أخرى على الصواب وهو "وفسره عن مالك"، وكذا في "المشارق" (1/ 100). (¬5) "إلى المدينة" ليست في "ع".

باب: الإيمان يأرز إلى المدينة

من الأرض، فَيَفُتُّونَهُ (¬1) فيصير غباراً من قوله تعالى: {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا} [الواقعة: 5]. قال ابن قُرقُول: قال لي التميمي عن أبي مروان: بَسَّ يَبِسُّ، يُقال في زَجْرِ الإبل: بسٍ -بكسر السين، منوناً وغير منون-، ويقال: بإسكانها. قال النووي: والصواب: والذي عليه المحققون: أن معناه الإخبار عمن خرج (¬2) من المدينة متحملاً بأهله باسًّا في سيره مُسرعاً إلى الرخاء (¬3) في الأمصار التي أخبر - صلى الله عليه وسلم - بفتحها، وهو من أعلام نبوته (¬4). * * * باب: الإيمانِ يَأْرِزُ إِلى المَدينةِ 1075 - (1876) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ ابْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ الإيمَانَ لَيَأرِزُ إِلَى الْمَدِينَةِ، كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا". (إن الإيمان ليأرِز إلى المدينة): -بهمزة فراء مكسورة فزاي-؛ أي (¬5): ينضم إليها، ويجتمع بعضُه (¬6) إلى بعض فيها. ¬

_ (¬1) فى "ج": "فيفونه". (¬2) في "ع": "صرح". (¬3) في "ع": "الرحال". (¬4) انظر: "شرح النووي على مسلم" (9/ 159)، وانظر: "التوضيح" (12/ 546). (¬5) في "ع": "أن". (¬6) في "ع": "بعضها".

باب: إثم من كاد أهل المدينة

قال القاضي: كذا لأكثر الرواة بكسر الراء، وكذا قيدناه عن شيوخنا. وزادني (¬1) ابن (¬2) سرَّاج: [ليأرُزُ -بضم الراء -. وعن القابسي فتحها (¬3). قال الداودي: كان هذا في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -] (¬4)، والقَرْن الذي يليه، ومن يليه -أيضاً- حيث كان الأمر مستقيماً. * * * باب: إثمِ مَنْ كادَ أهلَ المدينةِ 1076 - (1877) - حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ، أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ، عَنْ جُعَيْدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ سَعْداً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَا يَكِيدُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَحَدٌ إِلاَّ انْمَاعَ، كَمَا يَنْمَاعُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ". (حُسين بنُ حُريث): كلاهما مصغر مبدوء (¬5) بحاء مهملة، وآخر الثاني ثاء مثلثة. (لا يكيد): أي: يفعل كيداً من مكرٍ وحربٍ وغيرِ ذلك من وجوه الضرر بغيرِ حقّ. (إلا انماعَ): أي: ذابَ. ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "وزاد". (¬2) في "ج": "ابن أبي". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 27). (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬5) "مبدوء" ليست في "ج".

باب: آطام المدينة

باب: آطَامِ المدينةِ 1077 - (1878) - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ: سَمِعْتُ أُسَامَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: أشرَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: "هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى؟ إِنِّي لأَرَى مَوَاقِعَ الْفِتَنِ خِلاَلَ بُيُوتِكُمْ كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ". (آطام المدينة): جمع قِلَّة على زِنة أَفْعال؛ كأَبْيات، والواحد أُطُم -بضمتين-. قال القاضي: ويقال: إِطام -بالكسر-، يعني: على زِنَة جِمال، وهي الأبنيةُ المرتفعة كالحصون (¬1). * * * باب: لا يَدخُلُ الدَّجَّالُ المدينةَ 1078 - (1879) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ رُعْبُ الْمَسِيح الدَّجَّالِ، لَهَا يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ، عَلَى كُلِّ بَابٍ مَلَكَانِ". (رُعْبُ الدَّجالِ): أي: ذُعْرُه وخَوْفُه. * * * 1079 - (1880) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 58)، وانظر: "التنقيح" (1/ 433).

عَبْدِ اللهِ الْمُجْمِرِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلاَئِكَةٌ، لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ، وَلاَ الدَّجَّالُ". (على أنقاب المدينة): وسيأتي أيضاً: نقاب المدينة. قال القاضي: وكلاهما جمع نَقْب؛ يعني: بفتح النون وسكون القاف، وإن كان فَعْلٌ لا يجمع على أَفْعالٍ إلا نادراً. قال ابن وهب: يعني: مداخلَ المدينة، وهي أبوابها وفُوَّهاتُ طرقها التي يُدْخَل إليها منها، كما جاء في الحديث الآخر: "عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْهَا مَلَكٌ" (¬1). وقيل: طرقها، والنَّقْب: -بفتح النون وضمها وسكون القاف-: الطريق بين الجبلين (¬2). * * * 1080 - (1881) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثنَي أَنسُ بْنُ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلاَّ سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ، إِلاَّ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ، لَيْسَ لَهُ مِنْ نِقَابِهَا نَقْبٌ إِلاَّ عَلَيْهِ الْمَلاَئِكَةُ صَافِّينَ يَحْرُسُونَهَا، ثُمَّ تَرْجُفُ الْمَدِينَةُ بِأَهْلِهَا ثَلاَثَ رَجَفَاتٍ، فَيُخْرِجُ اللهُ كُلَّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ". (ثم ترجُفُ المدينة بأهلها ثلاثَ رَجَفات): قال المهلب: لا يعارضَ هذا قولُه فيما تقدم: "لا يدخلُ المدينةَ رعبُ الدجال"؛ لأن الرجفات ¬

_ (¬1) رواه البخاري (7125) عن أبي بكرة -رضي الله عنه - بلفظ: "على كل باب ملكان". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 23).

باب: المدينة تنفي الخبث

المذكورة هنا تكون من أهل المدينة على مَنْ بها من المنافقين والكافرين، فيخرجونهم من المدينة [بإخافتهم إياهم؛ ليخرج المنافقُ فراراً من أهل المدينة] (¬1)، ومن قوتهم عليهم. * * * باب: المدينةُ تَنْفِي الخَبَثَ 1081 - (1883) - حَدَّثَنَا عَمْرُو بنَ عَبَّاسِ، حَدَّنَثَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عنهُ -: جَاءَ أعْرَابِيٌّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَبَايَعَهُ عَلَى الإسْلاَمِ، فَجَاءَ مِنَ الْغَدِ مَحْمُوماً، فَقَالَ: أَقِلْنِي، فَأَبَى، ثَلاَثَ مِرَارٍ، فَقَالَ: "الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا، وَيَنْصَعُ طَيِّبُهَا". (عمرو بن عباس): بباء موحدة وسين مهملة. (فقال: أقلني): الظاهر أنه لم يرد الارتدادَ عن الإسلام. قال (¬2) ابن بطال: بدليل أنه لم يرد ما عقده إلا بموافقة النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، ولو أراد الردة، ووقع فيها، لقتله إذ ذاك (¬3). وحمله بعضُهم على أنه أراد الإقالةَ من المقام بالمدينة. (المدينة كالكير): هذا تشبيه حسن؛ لأن الكير بشدةِ نفخِه ينفي عن النار السخامَ والدخانَ والرمادَ، حتى لا يبقى إلا خالصُ الجمر، هذا إذا ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس، في "ع". (¬2) في "ع": "فقال". (¬3) انظر: "شرح ابن بطال" (4/ 552).

أُريد بالكير: المنفخ الذي يُنفخ به النار، وإن (¬1) أريد: الموضعُ المشتملُ على النار، وهو المعروف في اللغة، فيكون معناه: إن ذلك الموضعَ لشدة حرارته ينزع خبثَ الحديدِ والفضةِ والذهبِ، ويُخرج خلاصةَ ذلك، والمدينةُ كذلك؛ لما فيها من شدة العيش، وضيق الحال التي تخلص (¬2) النفس من الاسترسال في الشهوات. (وينصع طيّبها): بمثناة من تحت مشددة. الزركشي: ويروى: "طِيّبها" -بكسر الطاء وتسكين الياء-. قال القزاز: وقوله: ينصَعُ لم أجدْ له في الطيب وَجْهاً، وإنما الكلام (¬3): يَتَضَوَّعُ؛ أي: يفوحُ. قال: وروي: "يَنْضَخُ": -بضاد وخاء معجمتين، وبحاء مهملة-. انتهى (¬4). قال مغلطاي: وفيما قاله القزاز نظر من حيث إن الرواية: "طيّبها" -بتشديد الياء- أختِ الواو، ومقتضاه: أن الطِّيب -بكسر الطاء- ليس بمروي، وليس كذلك، فقد روي الوجهان جميعاً. ثم قال: وقد ذكر ابنُ سيدَه: نَصَعَ الشيء: خَلص، فيشبه أن يكون الطَّيِّب والطِّيبُ من هذا، ومقتضاه ثبوتُ اللفظين معاً، وهو خلاف كلامه أولاً. ¬

_ (¬1) في "ج": "وأما إذا". (¬2) في "ع": "يخلص". (¬3) "وإنما الكلام" ليست في "ع". (¬4) انظر: "التنقيح" (1/ 434).

باب

وفي "الفائق" للزمخشري: "يُبْضَعُ": بمثناة من تحت مضمومة فباء موحدة فضاد معجمة (¬1). قال الصغاني (¬2): وخالفه (¬3) بهذا القول جميعُ الرواة (¬4). * * * 1082 - (1884) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ ابْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يَقُولُ: لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى أحُدٍ، رَجَعَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَتْ فِرْقَةٌ: نَقْتُلُهُمْ، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: لَا نَقْتُلُهُمْ، فَنَزَلَتْ: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} [النساء: 88]، وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّهَا تَنْفِي الرِّجَالَ كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْحَدِيدِ". (إنها تنفي الرجال): -بالراء (¬5) -، وروي بالدال. * * * باب 1083 - (1885) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبي، سَمِعْتُ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، ¬

_ (¬1) انظر: "الفائق" (1/ 116). (¬2) في "ج": "الصاغاني". (¬3) في "ع": "وخلافه". (¬4) انظر: "التوضيح" (12/ 564). (¬5) "بالراء" ليست في "ع".

عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ بِالْمَدِينَةِ ضِعْفَيْ مَا جَعَلْتَ بِمَكَّةَ مِنَ الْبَرَكَةِ". تَابَعَهُ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ يُونُسَ. (اللهم اجعل بالمدينة ضِعْفَيْ ما جعلتَ بمكةَ من البركة): استدل به (¬1) بعضُهم على أن المدينة أفضلُ من مكة. واعتُرض بمنع (¬2) دلالةِ تضعيفِ الدعاء للمدينة على فضلها على مكة، إذ لو كان كذلك، لكانت اليمنُ والشامُ أفضلَ من مكة، فهو باطل؛ لأنه كرر الدعاء للشام واليمن حيث قال: "اللَّهُمَّ بَاِركْ لَنَا في شَامِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا (¬3) في يَمَنِنَا"، قالوا: وفي نَجْدِنا، قال: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا في يَمَنِنَا، قالَها ثلاثاً" (¬4). وردَّه ابنُ بطال: بأن اللازم في هذا الحديث تفضيلُ الشام واليمن على نجد، لا على مكة، نعم، لو قرن بالدعاء (¬5) لهما ثلاثاً، الدعاء لمكة أقل، لأمكن، مع أن (¬6) الإجماع (¬7) يرده (¬8). قال ابن المنير: وجهُ غلطِ المعترضِ أنه ظنَّ التكرارَ (¬9) تضعيفاً في ¬

_ (¬1) "به" ليست في "ع". (¬2) في "ج": "بمنع اعتماد". (¬3) "لنا" ليست في "ع". (¬4) رواه البخاري (7094) عن ابن عمر رضي الله عنهما. (¬5) في "ع": "الدعاء". (¬6) "أن" ليست في "ع". (¬7) في "ع": "الاجتماع". (¬8) انظر: "شرح ابن بطال" (4/ 555). (¬9) في "ج": "التكرر".

باب: كراهية النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تعرى المدينة

المقدار المدعُوِّ به، وليس كذلك، إنما التكرارُ تأكيد، والمعنى واحد، وأما حديثُ المدينة، فقد نص فيه على زيادة المقدار، فقال: "ضِعْفَي ما جعلتَ بمكةَ من البركة"، فهذا نصٌّ في عين المسألة. ثم قال: ومن أعظم فضائل (¬1) المدينة (¬2) عندي: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يستعيذ بالله من الحَوْرِ بعد الكَوْر؛ أي: من النقصان بعدَ الزيادة، فلو كانت مكة أفضلَ من المدينة، والمدينةُ آخرَ المسكنين؛ للزم النقصانُ بعدَ الزيادة، والأمرُ على الضد، إنما كان -عليه السلام- يزيدُ فضلُه عند الله، ولا ينقص، فدل على أن المدينة أزيدُ فضلاً. * * * باب: كراهيةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تَعْرى المدينةُ 1084 - (1887) - حَدَّثَنَا ابْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا الْفَزَارِيُّ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: أَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَتَحَوَّلُوا إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُعْرَى الْمَدِينَةُ، وَقَالَ: "يَا بَنِي سَلِمَةَ! أَلاَ تَحْتَسِبُونَ آثَارَكُمْ؟ "، فَأَقَامُوا. (أن تُعْرَى المدينة): بسكون العين المهملة وتخفيف الراء. قال القاضي: ورواه المستملي في كتاب: الصلاة: "تُعَرَّى" -بفتح العين وتشديد الراء-، والصواب الأول، ومعناه تُخَلَّى فَتُترك، والعراء: الفضاء من الأرض الخالي الذي لا يستره شيء، قال الله تعالى: {فَنَبَذْنَاهُ ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "الفضائل". (¬2) "المدينة" ليست في "ع" و"ج".

بِالْعَرَاءِ} [الصافات: 145]. انتهى (¬1). قلت: ورواية المستملي -أيضاً- صوابٌ لا خطأ، جُعل سكانُ المدينة بمثابة اللباس الساتر لها، وإخلاؤهم إياها (¬2) بمثابة التعرية من لباسها على سبيل الاستعارة، والرواية ثابتة، ولها هذا الوجه الحسن، فلا سبيلَ إلى الإعراض عنها، ورميها بالخطأ، فتأمله. (يا بني سلِمة!): بكسر اللام. (ألا تحتسبون أثاركم؟)؛ أي: في الخطأ إلى المسجد. قال ابن بطال: إنما أراد -عليه السلام- أن يعمر المدينة كلَّها؛ ليعظم المسلمون في أعين المنافقين والمشركين (¬3)؛ إرهاباً لهم (¬4). فيقال عليه: فلم ترك (¬5) -عليه السلام- التعليلَ بذلك، وعلل بطلب مزيد الثواب لبني سلمة؟ [وأجاب ابن المنير بأنه معلل بشيئين: أحدهما: مصلحة خاصة لبني سلمة] (¬6). والآخر: مصلحة عامة للمسلمين، فذكَرَ لهم الخاصَّ بهم؛ ليكونَ ذلك أبعثَ على نشاطهم إلى البقاء في ديارهم، وعلى هذا فهمه البخاري، ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 77). (¬2) في "م": "إياه". (¬3) "والمشركين" ليست في "ع". (¬4) انظر: "شرح ابن بطال" (4/ 556). (¬5) "عليه فلم ترك ليست في "ج". (¬6) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج".

باب

ولذلك ترجم عليه ترجمتين: إحداهما: كراهة الرسول -عليه السلام- أن تعرى (¬1) المدينة. والأخرى: باب: احتساب الآثار. * * * باب 1085 - (1889) - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ، وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلاَلٌ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى يَقُولُ: كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ ... وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شرَاكِ نَعْلِهِ وَكَانَ بِلاَلٌ إِذَا أُقْلِعَ عَنْهُ الْحُمَّى، يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ يَقُولُ: أَلاَ لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبيتَنَّ لَيْلَةً. . . بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْماً مِيَاهَ مَجَنَّةٍ. . . وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ قَالَ: اللَّهُمَّ الْعَنْ شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَهَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، كَمَا أَخْرَجُونَا مِنْ أَرْضِنَا إِلَى أَرْضِ الْوَبَاءِ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَفِي مُدِّنَا، وَصَحِّحْهَا لَنَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا إِلَى الْجُحْفَةِ". قَالَتْ: وَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَهْيَ أَوْبَأُ أَرْضِ اللهِ، قَالَتْ: فَكَانَ بُطْحَانُ يَجْرِي نَجْلاً، تَعْنِي: مَاءً آجِناً. (كل امرئ مصبحٌ في أهله): يحتمل أن يراد: يُجعل في أهله صباحاً، ¬

_ (¬1) في "ع": "يعري".

باب

ولذلك ترجم عليه ترجمتين: إحداهما: كراهة الرسول -عليه السلام- أن تعرى (¬1) المدينة. والأخرى: باب: احتساب الآثار. * * * باب 1085 - (1889) - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ، وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلاَلٌ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى يَقُولُ: كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ ... وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شرَاكِ نَعْلِهِ وَكَانَ بِلاَلٌ إِذَا أُقْلِعَ عَنْهُ الْحُمَّى، يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ يَقُولُ: أَلاَ لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبيتَنَّ لَيْلَةً. . . بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْماً مِيَاهَ مَجَنَّةٍ. . . وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ قَالَ: اللَّهُمَّ الْعَنْ شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَهَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، كَمَا أَخْرَجُونَا مِنْ أَرْضِنَا إِلَى أَرْضِ الْوَبَاءِ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَفِي مُدِّنَا، وَصَحِّحْهَا لَنَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا إِلَى الْجُحْفَةِ". قَالَتْ: وَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَهْيَ أَوْبَأُ أَرْضِ اللهِ، قَالَتْ: فَكَانَ بُطْحَانُ يَجْرِي نَجْلاً، تَعْنِي: مَاءً آجِناً. (كل امرئ مصبحٌ في أهله): يحتمل أن يراد: يُجعل في أهله صباحاً، ¬

_ (¬1) في "ع": "يعري".

وفي "المحكم": عَقيرةُ الرجل: صوتُه إذا غَنَّى، أو قرأ، أو بكى (¬1). (بوَادٍ): ويروى: بِفَجٍّ. (وحولي إذخرٌ): جملة اسمية مصدَّرَة بواو (¬2) الحال، وأنشده الجوهري في مادة: حلل: بمكة حولي (¬3) إِذْخِرٌ بحذف الواو. والإِذْخر: -بكسر الهمزة والخاء المعجمة وسكون الذال المعجمة بينهما-: حشيشة معلومة طيبة الريح. أوردها القاضي في حرف الهمزة: فأقرهن، فاقتضى ذلك أن همزته [أصلية، وأوردها الجوهري في مادة: ذخر، فاقتضى ذلك أن همزته] (¬4) زائدة. (وجليل): نَبْتٌ، وهو الثُّمام، [وقيل: إذا عَظُمَ الثُّمامُ] (¬5) وجَلَّ، فهو جَليلٌ، والواحدةُ جليلةٌ. (مياه): -بالهاء- كجِباه، وهو جمعُ ماء، والهمزة في المفرد بدلٌ عن (¬6) هاء؛ بدليل الجمع، وبدليل التصغير كمُوَيْهٍ، إلى غير ذلك. ¬

_ (¬1) انظر: "المحكم" لابن سيده (1/ 184). وانظر: "التوضيح" (12/ 582). (¬2) في "ج": "فواو". (¬3) "حولي" ليست في "ج". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬6) في "ج": "غير".

(مِجَنة): -بفتح الميم وكسرها، وفتح الجيم، وميمه زائدة-، وهي سوقُ هَجَرَ بقرب مكةَ. (شامة وطفيل): جبلان على نحو ثلاثين ميلاً من مكة، قاله الفاكهي (¬1). وقال مالك: هما جبلان بمكةَ وجُدَّةَ. قال الخطابي في كتاب "الأعلام": كنت أحسب أنهما جبلان [حتى أُثبت لي أنهما عينان (¬2). وقال الأزرقي والخطابي في "الغريب": هما جبلان] (¬3) مشرفان على بريد من مكة (¬4). هذا كله كلام القاضي في "المشارق" (¬5). (فكان بُطحانُ يجري نجلاً): -بضم الباء الموحدة- من بُطحان، ونَجْلاً: -بفتح النون وسكون الجيم-، كذا لأكثرهم؛ أي: يبدي ماء قليلاً حتى يظهر ويتسع. وقال ابنُ السِّكِّيتِ: النَّجْلُ: النَّزُّ حين يظهر (¬6)، وقيل: الغدير الذي لا يزال فيه الماء. قال الزركشي: وضبطه الأصيلي -[بفتح الجيم-، وهو وهم. ¬

_ (¬1) في "ع": "الفاكهاني". (¬2) انظر: "أعلام الحديث" (2/ 938). (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬4) انظر: "غريب الحديث" للخطابي (2/ 43). (¬5) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 327). (¬6) انظر: "إصلاح المنطق" (ص: 51).

قلت: نقل القاضي هذا الضبط عن الأصيلي] (¬1)، ولم يتعرض إلى توهيمه (¬2). وقد حكي عن الحربي: أنه قال: نجلاً؛ أي: واسعاً، ومنه عينٌ نَجْلاء؛ أي: واسعة (¬3). وذكر عينه الزركشي -أيضاً-، وأقره، وإذا كان كذلك، لم يكن للتوهم (¬4) وجهٌ، فقد قال الجوهري: والنَّجَل -بالتحريك-: سَعَةُ شِقِّ العين، والرجلُ أَنْجَلُ، والعينُ نجلاء، وطعنة نجلاء: واسعةٌ بينةُ النَّجَل (¬5). (يعني: ماءً آجِناً): -بالهمز (¬6) والمد وكسر الجيم-، وهذا من كلام البخاري. قال القاضي: هو خطأ في التفسير، وإنما الآجِن: الماء (¬7) المتغير، كذا في الزركشي (¬8). قلت: ولم أتحققْ وجهَ الخطأ، بل قولُها: "قدمنا المدينة وهي أوبأُ أرضِ الله" يناسبُ تغيرَ الماء وكراهتَه. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج"، وانظر: "مشارق الأنوار" (2/ 4). (¬2) في "ج": "توهمه". (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 436). (¬4) في "ع": "لتوهم". (¬5) انظر: "الصحاح" (5/ 1826)، (مادة: نجل). (¬6) في "ع": "بالهمزة". (¬7) "الماء" ليست في "ج". (¬8) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 20). وانظر: "التنقيح" (1/ 436).

كتاب الصوم

كِتَابُ الصَّوْمِ

باب: وجوب صوم رمضان

كِتَابُ الصَّوْمِ باب: وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183] (كتاب: الصوم). ({كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}). قيل: وجه التشبيه فيه: موافقةُ الخطاب للشهر، وكان رمضان -أيضاً- واجباً على الأمة المتقدمة، لكنهم بدَّلوه، وشقَّ عليهم مصادفَتُه لحمَّارةِ (¬1) القَيْظ، فأجمعوا رأيهم إلى أن حولوه إلى الزمان المعتدل (¬2)، وأحالوا الحسابَ على الشمس، حتى لا يتبدل، وزادوا (¬3) في الأيام عوضاً عما خففوه (¬4) من حرج الصيام في الحر، فأخبر الله تعالى أن صيامنا مثلُ صيامهم باعتبار تعلقه بالشهر المخصوص، وإنما هم غيروا وتصرفوا بالرأي على مضادة (¬5) النص، وهذا ¬

_ (¬1) في "ع": "بحمارة". (¬2) في "ع": "المتعدل". (¬3) في "ع" و"ج": "وزادوه". (¬4) في "ع": "خفوه". (¬5) في "ع": "مصادفة".

فساد الوضع، وعناد الشرع (¬1)، نعوذ بالله من ذلك. * * * 1086 - (1891) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبي سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ: أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ثَائِرَ الرَّأْسِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَخْبِرْنِي مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصَّلاَةِ؟ فَقَالَ: "الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ إِلاَّ أَنْ تَطَّوَّعَ شَيْئًا". فَقَالَ: أَخْبِرْنِي مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصِّيَامِ؟ فَقَالَ: "شَهْرَ رَمَضَانَ إِلاَّ أَنْ تَطَّوَّعَ شَيْئًا". فَقَالَ: أَخْبِرْنِي بِمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الزَّكَاةِ، فَقَالَ: فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - شَرَائِعَ الإسْلاَمِ، قَالَ: وَالَّذِي أكرَمَكَ! لَا أَتطَوَّعُ شَيْئًا، وَلاَ أَنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ شَيْئًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ، أَوْ: دَخَلَ الْجَنَّةَ إِنْ صَدَقَ". (فقال: الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئًا)،: تقدم في كتاب الصلاة (¬2). ولكن ابن المنير -رحمه الله- أغرب حيث قال في كتاب: الحج، في باب: ما جاء في السعي بين الصفا والمروة: تطوع بمعنى: أطاع، وهو أعمُّ من كونه واجبًا أو نفلًا، والمراد بقوله: "إلا أَنْ تَطَوَّعَ" إلا أن تشرعَ في طاعة لا تلزمُك، فتلزمُك (¬3) بالشروع، ويدل على إطلاق التطوُّع على الواجب قولُه تعالى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي ¬

_ (¬1) "وعناد الشرع" ليست في "ع". (¬2) رواه البخاري (63) عن أنس بن مالك -رضي الله عنه -، إلا أنه في كتاب: العلم. (¬3) "فتلزمك" ليست في "ع" و "ج".

باب: فضل الصوم

الصَّدَقَاتِ} [التوبة: 79]؛ فإنه في الصدقة الواجبة، وأما غلبة العرف في التطوع، فأمر حادث. (قال: فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشرائع الإسلام): هذه الزيادة الواقعة في هذا الحديث يزول بها استشكال الإخبار بفلاحه، مع أن للإسلام (¬1) فروضًا غيرَ المذكورة في الحديث، فلما قال (¬2) هنا: بشرائع الإسلام، تناول الجميع. باب: فَضْلِ الصَّومِ 1087 - (1894) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ، فَلْتقُلْ: إِنِّي صَائِم - مَرَّتَيْنِ -، وَالَّذِي نفسِي بِيَدِهِ! لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيح الْمِسْكِ، يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي، الصِّيَامُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي يِهِ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا". (الصيام جُنَّة): - بضم الجيم -؛ أي: وِقاية، قيل: جُنَّةٌ من النار، وقيل: من المعاصي، وذلك لأنه يكسر الشهوة، ويضعف القوة. (فلا يرفُث): - بتثليث الفاء -، يقال: رفَث -بفتح الفاء - يرفُث -[بضمها وكسرها -، ورفِث - بكسرها - يرفَث -بفتحها -] (¬3). ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "الإسلام". (¬2) في "ع": قال: "فلما قال". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و "ج".

(ولا يجهل): هو العمل فيه بخلاف ما يقتضيه العلم. (وإن امرؤ قاتله أو شاتمه، فليقل: إني صائم): الظاهر أنه علة (¬1) لتأكيد (¬2) المنع، فكأنه يذكِّرُ نفسَه تشديد (¬3) المنع المعلل بالصوم، ويكون إطلاقُ القول على الكلام النفسي. ويحتمل أن يكون مرادًا به اللفظي، والمعنى: فليقل لخصمه: إني صائم؛ تحذيرًا وتهديدًا بالوعيد الموجه على من انتهكَ حرمةَ الصائم، وتذرَّعَ (¬4) إلى تنقيص أجره لإيقاعه في المشاتمة، وهو ظاهرُ كونِ الصومِ (¬5) جنةً؛ أي: يقي صاحبه من أن يُؤذِي؛ كما يقيه أن يُؤذَى. (لخُلوف فم الصائم): قال القاضي: - بضم الخاء - قيدناه من المتقنين، وهو ما يخلُفُ بعدَ الطعام في الفم من ريح كريهة لخلاء المعدة من الطعام، وأكثر المحدثين (¬6) يروونه -بفتح الخاء-، وهو خطأ عند أهل العربية، وبالوجهين جميعًا ضبطناهُ (¬7) عن القابسي (¬8). (أطيب عند الله من ريح المسك): قال ابن بطال: أي: أزكى عند الله (¬9)؛ ¬

_ (¬1) في "ج": "عليه ". (¬2) في "ع": "التأكيد". (¬3) في "ج": "بتشديد". (¬4) في "ج": "تدع". (¬5) في "ج": "الصائم". (¬6) في "ع": "المحدثون". (¬7) في "م": "ضبطنا". (¬8) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 239). (¬9) انظر: "شرح ابن بطال" (4/ 12).

باب: الصوم كفارة

إذ هو تعالى لا يوصف بالشم. قال ابن المنير: لكنه يوصف بأنه عالم بهذا النوع من الإدراك، وكذلك بقية المدرَكات المحسوسات، يعلمها الحقُّ على ما هي عليه؛ لأنه خالقها {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} [الملك: 14] هذا مذهب الأشعري. باب: الصَّومُ كفَّارةٌ 1088 - (1895) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سفْيَانُ، حَدَّثَنَا جَامِعٌ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: مَنْ يَحْفَظُ حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْفِتْنَةِ؟ قَالَ حُذَيْفَةُ: أَنَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَجَارِهِ، تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ". قَالَ: لَيْسَ أَسْأَلُ عَنْ ذِهْ، إِنَّمَا أَسْأَلُ عَنِ الَّتِي تَفوجُ كمَا يَمُوجُ الْبَحْرُ. قَالَ: وَإِنَّ دُونَ ذَلِكَ بابًا مُغْلَقًا، قَالَ: فَيُفْتَحُ أَوْ يُكْسَرُ؟ قَالَ: يُكْسَرُ، قَالَ: ذَاكَ أَجْدَرُ أَنْ لَا يُغْلَقَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَقُلْنَا لِمَسْرُوقٍ: سَلْهُ: أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ مَنِ الْباب؟ فَسَأَلَهُ, فَقَالَ: نعمْ، كمَا يَعْلَمُ أَنَّ دُونَ غَدٍ اللَّيْلَةَ. (ليس (¬1) أسأل عن ذِهْ): - بسكون الهاء -، واسم ليس ضمير الشأن. (بابًا مغلقًا): هذا هو الأفصح فيه، وجاء في لغة رديَّة: مغلوق. وبقية الحديث سبق في الصلاة (¬2). ¬

_ (¬1) في "ع": "لأن". (¬2) رواه البخاري (525).

باب: الريان للصائمين

باب: الرَّيَّانُ لِلصَّائِمِينَ (باب: الريان للصائمين): الريان: خلافُ العطشان، سمي البابُ به؛ لأنه جزاء الصائمين على عطشهم وجوعهم. قيل: واكتفى بذكر الريِّ عن الشِّبَع؛ لأنه يدل عليه من حيث إنه يستلزمه. ثم قيل: ليس المراد به: المقتصر على شهر رمضان، بل مَنْ لازمَ النوافل مع ذلك، وأكثرَ منها، كذا في الزركشي (¬1). 1089 - (1897) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَعْنٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، نُودِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ: يَا عَبْدَ اللَّهِ! هَذَا خَيْرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاَةِ، دُعِيَ مِنْ باب الصَّلاَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجهَادِ، دُعِيَ مِنْ باب الْجِهَادِ، وَمَنْ كَانْ أَهْلِ الصِّيَامِ، دُعِيَ مِنْ باب الرَّيَّانِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ، دُعِيَ مِنْ باب الصَّدَقَةِ". فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: بِأَبي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ كلِّهَا؟ قَالَ: "نعمْ، وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ". (من أنفق زوجين) أي: شيئين (¬2) مقترنين، سواء كانا شكلين، أو غير شكلين، وكلُّ واحد منهم (¬3) زوج، فقد جاء تفسيره مرفوعًا: بَعِيرَيْنِ، شَاتَيْنِ، ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 438). (¬2) في "ع": "ثنتين"، وفي "ج": "بشيئين". (¬3) في "ع" و "ج": "منها".

حِمَارينِ، دِرْهَمَيْنِ (¬1). (ما على من دُعي من تلك الأبواب): قال ابن المنير: يريد: من أحد تلك الأبواب خاصة دون غيره من الأبواب، فيكون أطلق (¬2) الجمع (¬3)، وأراد الواحد، ولو أراد الجمع، لاختل تعيينهم تقسيم الكلام؛ لأنه قال: فهل يدعى من تلك كلها؟ فيؤخذ منه دليل على صحة الفعل بجواز تخصيص الجمع إلى الواحد. قلت: لا دليل فيه (¬4)؛ لاحتمال أن يكون من مجاز الحذف؛ أي: من بعض تلك الأبواب، وحذف لدلالة التقسيم عليه، فلم يطلق الأبواب مريدًا بها الواحدَ، ثم ليس المراد خصوصية الواحد، وإنما المراد البعض (¬5) أعم من أن يكون واحدًا أو (¬6) غيره. ثم سأل ابن المنير عن وجه سؤال أبي بكر -رضي الله عنه - عمن يُدعى من الأبواب كلها، [مع أنه يلزم من عدم الضرر في حق من دُعي من واحد منها، عدمُ] (¬7) الضرر في حق من دُعي منها كلها؛ [لأنه (¬8) أشرف حالًا. ¬

_ (¬1) "درهمين" ليست في "ع"، وانظر: "التنقيح" (2/ 438). (¬2) في "ع" و "ج": "إطلاق". (¬3) في "م": "الجميع". (¬4) "فيه" ليست في "ج". (¬5) في "ع": "لبعض". (¬6) في "ع": " و". (¬7) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬8) في "ع": "لأنها".

باب: هل يقال: رمضان، أو شهر رمضان؟ ومن رأى كله واسعا

وأجاب: بأنه -رضي الله عنه - إنما سأل سؤال] (¬1) الاستنطاق والتفويض لنفسه؛ لأنه علم أنه قائم بحق هذه الوظائف كلِّها، ولهذا قال -عليه السلام-: "أَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ"، وجاء الإكرامُ بكثرة مواضعِ الإذن، وابتدارِ البوابين إلى الاستدعاء، واغتباطِ كلٍّ منهم بأن يكون قائمًا بوظيفة (¬2) الإكرام، على عادة شيعة الملوك في الدنيا إذا فهموا نفس الملك في إكرام بعض خاصته (¬3)، وانفراد بعض الأبواب بالامتياز؛ كانفراد باب السر للملك وخواصه، فيكون الدخولُ منه علامةً على المكانة عنده، والله أعلم. باب: هَلْ يُقَالُ: رَمَضَانُ، أَوْ شَهْرُ رَمَضَانَ؟ وَمَنْ رَأَى كُلَّهُ وَاسِعًا (باب: هل يقول (¬4): رمضان، أو شهر رمضان؟): صرح الزمخشري بأن مجموع المضاف والمضاف إليه في قولك شهر رمضان هو العَلَم. قال التفتازاني: وإلا، لم يحسن إضافة شهر إليه، كما لا يحسن: إنسان زيد. قلت: الشهر عند إضافته (¬5) إلى عَلَم الثلاثين يومًا يخرج عن كونه اسمًا ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬2) في "ج": "بوظيفته". (¬3) في "ع": "خاصيته". (¬4) في البخاري: "يقال". (¬5) في "ع": "إضافة".

لثلاثين يومًا، ويراد به: مطلقُ الوقت، على ما سنقرره بعد هذا، فلا تقبُح الإضافة حينئذ. ثم قال: ولهذا لم يُسمع: شهر رجب، شهر شعبان، وبالجملة: فقد أطبقوا على أن العَلَم في ثلاثة أشهر، وهو مجموع المضاف والمضاف إليه: شهرُ رمضان، شهرُ ربيع الأول، شهرُ ربيع الآخر، وفي البواقي لا يضاف (¬1) شهر (¬2) إليه. قلت: هذا عجيب؛ فقد قال سيبويه: أسماءُ الشهور؛ كالمحرم، وصفر، وكذا سائرها إذا لم يضف إليها اسمُ الشهر، فهي كالدهر، والليل والنهار، والأبد، يعني: يكون للعدد، فلا تصلح إلا جوابًا لكم. قال: لأنهم جعلوهنَّ جملة واحدة لعدة الأيام، كأنك قلت: سِير عليه الثلاثون يومًا، ويستغرقها السير، ولو أُضيف إليها لفظ شهر، صارت كيوم الجمعة، جوابًا لـ "متى". هذا كلامه (¬3)، فأي إطباق وهذا سيبويهِ إمامُ الجماعة ومتبوعُ النحاة ينادي بجواز إضافة لفظ شهر إلى كل واحد من أسماء الشهور. واعتذر الزمخشري -بناء على أن مجموع شهر رمضان هو العَلَم- عن نحو: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ" بأنه من باب الحذف، لا من باب الإلباس؛ كما قال: بما أَعْيا النطاسيَّ حذيما ¬

_ (¬1) في "ع": "مضاف". (¬2) "شهر" ليست في "ع". (¬3) انظر: "الكتاب" لسيبويه (1/ 217).

أراد: ابنَ حِذْيَم (¬1). يشير إلى ما أنشد في "المفصل" من قول الشاعر: فَهَلْ لَكُمَا فِيما إِليَّ فَإِنَّني. . . طَبِيبٌ بِمَا أَعْيَا النِّطَاسِيَّ حِذْيَما وقد عده في "المفصل" من الحذف الملبِس (¬2)؛ نظرًا (¬3) إلى أنه لا يعلم أن اسم الطبيب: حذيمًا، وابنَ حذيم، وعده هنا من باب الحذف، لا من باب الإلباس؛ نظرًا إلى الشهر فيما بين البعض؛ كرمضان عند من يعلم أن الاسم شهر رمضان، أو جعله نظيرًا لمجرد الحذف مما هو كالعَلَم، وجاز الحذف من الأعلام، وإن كان من قَبيل (¬4) حذف بعض الكلمة؛ لأنهم أجروا مثلَ هذا العَلَمِ مجرى المضاف والمضاف إليه؛ حيث أعربوا الجزأين. * * * 1090 - (1898) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبي سُهَيْلٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ، فُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ". (فتحت): بتشديد التاء الأولى وتخفيفها. وهل ذلك حقيقة، أو مجاز؛ لأن العمل فيه يؤدي إلى ذلك، أو كثرة المغفرة والرحمة؟ قولان: قال الزركشي: وذكر البخاري هذا الحديث محتجًا به لجواز قولهم: ¬

_ (¬1) انظر: "الكشاف" (1/ 253). (¬2) انظر: "المفصل" (ص: 135). (¬3) في "ع": "نظر". (¬4) في "ع": "قبل".

باب: من صام رمضان إيمانا واحتسابا ونية

رمضان، بدون شهر، لكن الترمذي رواه بذكر الشهر (¬1)، وزيادةُ الثقة مقبولة، فتُحمل رواية البخاري على الاختصار (¬2). قلت: فيه نظر. باب: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَنِيَّةً (إيمانًا واحتسابًا): الاحتساب: من الحَسْبِ؛ كالاعتداد؛ من العَدِّ، يقال: احتسبَ عندَ الله خيرًا: إذا قَدَّمَه، ومعناه: اعتدَّه (¬3) فيما يُذْخَر، كذا في "الأساس" (¬4). باب: أجودُ ما كان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يكونُ في رمضانَ 1091 - (1902) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَ: كانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ، حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ، يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْقُرْآنَ، فَإِذَا ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (682). (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 439). (¬3) في "ع": "اعتد". (¬4) انظر: "أساس البلاغة" للزمخشري (ص: 125).

لَقِيَهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -، كَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيح الْمُرْسَلَةِ. (وكان أجود ما يكون في رمضان): تقدم الكلام على إعرابه في "بدء الوحي" (¬1) وكنت أعرف فيه كلامًا لابن الحاجب لم أظفر به إذ ذاك، وقد ظفرت به الآن فلنورده: قال -رحمه الله -: الرفعُ في "أجود" هو الوجه؛ لأنك إن جعلت في "كان" (¬2) ضميرًا يعود إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، لم يكن "أجود" بمجرده خبرًا (¬3)؛ لأنه مضاف إلى "ما يكون"، فهو كون (¬4)، ولا يستقيم الخبر بالكون (¬5) عما ليس بكون، ألا ترى أنك لا تقول: زيدٌ أجود ما يكون، فيجب أن يكون إما مبتدأ، وخبره (¬6) قوله: "في رمضان"، من باب قولهم: أخطبُ ما يكون الأميرُ قائمًا، وأكثرُ شربِ السويق في يوم الجمعة، فيكون [الخبر الجملةَ بكمالها؛ كقولك: كان زيدٌ أحسنَ ما يكون في يوم الجمعة، وإما بدلًا من الضمير في "كان"، فيكون] (¬7) من بدل الاشتمال، كما نقول: كان زيد (¬8) علمُه حسنًا، وإن جعلته ضمير الشأن، تعين رفعُ "أجود" على الابتداء والخبر، وإن لم تجعل في "كان" ضميرًا، تعين الرفع على أنه اسمها، والخبر ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6). (¬2) "في كان" ليست في "ع" و "ج". (¬3) في "ج": "خبر". (¬4) "فهو كون" ليست في "ع". (¬5) في "ج": "كون". (¬6) في "ج": "خبره". (¬7) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬8) في "ع": "زيدًا".

محذوف قامت الحالُ مقامَه على (¬1) ما تقرر في باب: أخطبُ ما يكون الأميرُ قائمًا، وإن شئتَ جعلتَ "في رمضان" هو الخبر؛ كقولهم: ضربي في الدار؛ [لأن المعنى: الكونُ الذي هو أجودُ الأكوان حاصلٌ في هذا الوقت، فلا يتعين أن يكون من باب: أخطبُ ما يكون الأمير] (¬2) قائمًا، هذا كلامه في "أمالي المسائل المتفرقة". (فإذا لقيه جبريل، كان أجودَ بالخير من الريح المرسلة (¬3)): يحتمل أن يكون زيادة الجود بمجرد لقاء جبريل ومجالسته، ويحتمل أن يكون بمدارسته إياه كتابَ الله، ويكون من جنس: "مَنْ لَمْ يَسْتَغْنِ بِالقُرْآنِ فَلَيْسَ مِنَّا" (¬4)، وقد تظافرت الأحاديث على أن القرآن غِنًى لصاحبه، وتجددُ الغنى مؤكدٌ للجود في حقِّ الجواد، وقد سبق بنحو هذا في: بدء الوحي. قال ابن المنير: وإضافة آثار الخير إلى القرآن آكدُ من إضافتها إلى جبريل -[عليه السلام -، بل جبريل] (¬5) إنما تميز بنزوله بالوحي، فالإضافةُ إلى الحق أولى من الإضافة إلى الخلق (¬6)، لاسيما والنبي - صلى الله عليه وسلم - على المذهب الحق أفضلُ من جبريل، فما جالس الأفضل إلا المفضول، فلا يُقاس على مجالسة الآحاد للعلماء، فتأمل. ¬

_ (¬1) "على" ليست في "ج". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و "ج". (¬3) "المرسلة" ليست في "م". (¬4) رواه البخاري (7527) عن أبي هريرة -رضي الله عنه -، بلفظ: "ليسَ مِنَّا مَنْ لم يتغنَّ بالقرآن". (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬6) في "ع": "الحق".

باب: من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم

باب: مَنْ لَمْ يَدَع قولَ الزُّور والعملَ به في الصَّومِ 1092 - (1903) - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبي ذِئْبٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ للهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ". (من لم ياع قولَ الزور والعملَ به، فليس لله حاجة في أن يدعَ طعامَه وشرابه): قال المهلب (¬1): معناه: فليس لله إرادةٌ في صيامه، فوضع الحاجة موضع الإرادة، وهو مشكل، إذ لو لم يرد الله تركَه لطعامه وشرابه، لم يقع التركُ؛ ضرورةَ أن كل واقع تعلقت الإرادةُ بوقوعه، ولولا ذلك، لم يقع، ومفهومه - أيضًا - مشكل؛ إذ مقتضاه (¬2): أن من ترك قولَ الزور والعملَ به، فلله إرادة في صومه، فلو أراد الصيام من كلِّ صادقٍ، لوقع، وكثير ممن يُصدَّق لا يصوم. قال ابن المنير: هذا كناية عن الرد بقول المغضب على الإنسان إذا رد (¬3) عليه شيئًا طلبه منه، فلم يقم بشروطه: لا حاجة لي بكذا، والحقُّ - جل جلاله - لا حاجة له بصحيح من الأعمال ولا باطل، فإذا حُمل الكلام على رد الصوم الملبَس (¬4) بالزور، استقام (¬5) مفهومه؛ فإن صوم الصادق ¬

_ (¬1) في "ع": "قال ابن المهلب". (¬2) في "ج": "مشكل ومقتضاه". (¬3) في "ع": "أراد". (¬4) في "ع": "الملتبس". (¬5) في "ع" و "ج": "واستقام".

باب: هل يقول: إني صائم إذا شئتم

مقبول، وليس المراد بعد ذلك: الحكمَ بإبطال الصوم بمجرد قول الزور، ولو بطل به الصوم، لوجب قضاؤه، وإنما المراد: التغليظُ والتخويف من الإحباط بطريق الموازنة. باب: هل يقولُ: إنِّي صَائمٌ إِذَا شِئْتُم 1093 - (1904) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، عَنْ أَبي صَالِحٍ الزَّيَّاتِ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلاَ يَرْفُثْ، وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ، أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيح الْمِسْكِ. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ، فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ، فَرِحَ بِصَوْمِهِ". (كلُّ عملِ ابن (¬1) آدم له إلا الصوم (¬2)؛ فإنه لي، وأنا أجزي به): وقد اختلف الناس في معنى هذا على أقوال كثيرة، وأحسنها -فيما أذكره الآن من حفظي-: أن كل عمل ابن آدم معلومٌ الثوابُ له بما ورد أن الحسنةَ بعشرِ أمثالها إلى سبع مئة ضعف، إلا الصوم؛ فإنه غيرُ معلوم له باعتبار الثواب المرتَّب عليه، وإنما هو معلومٌ لله تعالى، يضاعفه كيف يشاء على ¬

_ (¬1) في "ع": "بني". (¬2) في البخاري: "الصيام".

وجه لا يعلمه (¬1) إلا هو. وقال ابن المنير: أحسنُ ما في قوله (¬2): "فإنه لي" أن يكون المراد: كلُّ عمل ابن (¬3) آدم مضاف له؛ لأنه (¬4) فاعلُه، إلا الصوم؛ فإنه مضاف لي؛ لأنه خالقه (¬5) له على سبيل التشريف والتخصيص، فيكون كتخصيص آدمَ بإضافته إلى أن خلقه بيد الرب سبحانه، وإن كان كلُّ مخلوق بالحقيقة مضافًا إلى الخالق، لكن إضافة الشريعة خاصةٌ بمن شاء الله أن يخصَّه بتشريفه، ثم ذكر السبب الذي خصصه (¬6) من أجله، فقال: إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي (¬7). فإن قلت: فما وجهُ الاختصاص؟ فكل عبادة تركُ شهوة، [ألا ترى أن الزكاة تركٌ لشهوة المال؛ أي: العمل بمقتضاها، والحج تركٌ لشهوة] (¬8) اللباس والراحة؟ قلت: الشهوات مقاصدُ ووسائل، فالمقاصدُ شهوة الطعام والشراب والنكاح، والوسائلُ ما عداها، ألا ترى أن المال لا يُشتهى لذاته، ولكن لأنه ¬

_ (¬1) في "ع": "يعلمها". (¬2) في "ج": "قوله تعالى". (¬3) في "ع": "بني". (¬4) في "ع": "لأن". (¬5) في "ع": "جاعله". (¬6) في "ج": "خصه". (¬7) في "ج": "أجله". (¬8) ما بين معكوفتين ليس في "ع".

باب: الصوم لمن خاف على نفسه العزبة

وسيلة إلى المقاصد، حتى المُلْكُ لا يُشتهى لعينه، ولكن لما يترتب (¬1) عليه من بلوغ المآرب، والتوسُّع في الملاذِّ، وكذلك شهوةُ الظَّفَر (¬2)، وشهوةُ القهر التي (¬3) يُعبر عن تركها بالحلم، فالصومُ اشتمل على ترك الشهوات التي (¬4) هي مقاصد، فلذا علل به. فإن قلت: كثير يقدِّم شهوةَ المال على الطعام والشراب والنكاح، وهم البخلاء. قلت: هؤلاء منحرفو الطبع، منتكسو (¬5) الوضع، ناؤون عن (¬6) حكمَي العقل والشرع، فلا تنتقض القواعد بمثل هذا، وإنما الكلام على الجماهير، وعلى ذوي الأوضاع المستقيمة. هذا كلامه رحمه الله. باب: الصَّومِ لِمَنْ خافَ على نفسِهِ العُزْبَةَ 1094 - (1905) - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَمْشِي مَعَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه -، فَقَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ، فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ". ¬

_ (¬1) في "ع": "ترتب". (¬2) في "ع": "الفطر". (¬3) في "ج": "الذي". (¬4) في "ج": "التي يعبر عن تركها". (¬5) في "ع" و "ج": "منتسلوا". (¬6) في "ج": "على".

(من استطاع منكم (¬1) الباءةَ فليتزوج): الباءة: - بالمد - على الأفصح، والمراد بها: الجِماع، سمي (¬2) النكاحُ بذلك (¬3)؛ لأن (¬4) الرجل (¬5) يتبوأ من أهله؛ أي (¬6): يتمكن؛ [كما يتبوأ من داره. قال ابن المنير: وفيه دليل] (¬7) على أن وجود الأَمَة تحت الحر طَوْلٌ؛ لأنه جعل التزويج كيفما كان سببًا في غض البصر، وحصانة الفرج، ولم يقل: فليتزوج بحرة ولابُدَّ. قال: ويمكن (¬8) أن يجاب عن هذا على المشهور: بالاتفاق (¬9) على أن الزوجة الأَمَة لا (¬10) تخص باعتبار الحدود، فكذلك (¬11) باعتبار الطَّوْل. (فعليه بالصوم): فيه كلامٌ للنحاة: ذهب أبو عبيدة: إلى أنه من إغراء الغائب، وسَهَلَ ذلك فيه تقدمُ ذكره ¬

_ (¬1) "منكم": غير موجودة في نص البخاري هنا، وإنما هي في رقم: (5065). (¬2) في "ج": "يسمى". (¬3) "بذلك" ليست في "ج". (¬4) "بذلك لأن" ليست في "ع". (¬5) في "ع": "لأجل". (¬6) في "ع": "أن". (¬7) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬8) في "ج": "ولا يمكن". (¬9) في "ع" و "ج": "بالإنفاق". (¬10) في "ج": "إلا". (¬11) في "ج": "فلذلك".

باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا"

في قوله: "مَنِ استطاعَ منكم الباءةَ"، فصار هذا كالحاضر (¬1)، فأشبه إغراءه به. وذهب ابن عصفور: إلى أن الباء زائدة في المبتدأ، ويكون (¬2) معنى الحديث الخبر، لا (¬3) الأمر؛ أي: فعليه الصومُ (¬4). وذهب ابن خروف: إلى أنه من قبيل إغراء المخاطب، وتقديره: أشيروا عليه بالصوم، فحذف فعل الأمر، وجعل "عليه" عوضًا منه، وتولى من العمل ما كان الفعل يتولاه، واستتر فيه ضمير المخاطب الذي كان متصلًا بالفعل. ورجح بعضهم رأي ابن عصفور؛ بأن زيادة الباء في المبتدأ أوسعُ من إغراء الغائب، ومن إغراء المخاطب، من غير أن ينجر ضميره (¬5) بالظرف، أو حرفِ الجر الموضوعِ مع ما خفضَهُ موضعَ فعل الأمر. باب: قولِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إذا رأيتُم الهلالَ فصُومُوا، وإذا رأيتموهُ فأفْطِروا" 1095 - (1906) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرَ رَمَضَانَ، ¬

_ (¬1) "ع": "كالخاطر". (¬2) في "ج": "أو يكون". (¬3) في "ج": "إلا". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 441). (¬5) في "ع": "ضمير".

فَقَالَ: "لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلاَلَ، وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ، فَاقْدُرُوا لَهُ". (فإن غُمَّ): -بضم الغين وتشديد الميم، مبني للمفعول-، وفيه ضمير يعود إلى الهلال؛ أي: سُتر (¬1)؛ من غَمَمْت الشيءَ: سترتُه، وليس من الغيم. ويقال فيه: غُمِّي - مشددًا رباعيًا -، وغَمِي (¬2) مخففًا ثلاثيًا. (فاقدُروا له): - بهمزة وصل وضم الدال - يعني: حققوا مقادير أيام شعبان حتى تكملوه ثلاثين يومًا، كما جاء مفسرًا في الحديث الذي بعده، ولذلك أَخَّره؛ لأنه مفسِّر، واقتدى في ذلك بالإمام (¬3) مالك في "الموطأ". * * * 1096 - (1908) - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الشَّهْرُ هَكَذَا، وَهَكَذَا"، وَخَنَسَ الإبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ. (الشهر هكذا، وهكذا، وخنسَ (¬4) الإبهامَ في الثالثة): خَنَس -بفتح الخاء المعجمة والنون الخفيفة-؛ أي: قبض، ويروى: "فحبس (¬5) " بحاء مهملة وباء موحدة (¬6). ¬

_ (¬1) في "ع": "يستر". (¬2) في "ع": "وغمًا". (¬3) في "ع": "قال الإمام". (¬4) في "ع": "وحبس". (¬5) في "ع": "فخنس". (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 441).

فيه دليل على سدِّ باب حسابِ (¬1) النجوم، وتنبيهٌ بالأدنى على (¬2) الأعلى؛ لأنه -عليه السلام- لم يجمع جملة العشرات، مع أنه معلومٌ بَيِّنٌ، فإذا ترك هذا المعلوم الواضح من هذا النوع، فتركُ الغامضِ المشكل على الخلق بطريق الأولى. * * * 1097 - (1910) - حَدَّثَنَا أبُو عَاصِم، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ يَحْيىَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - آلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا، فَلَمَّا مَضى تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا، غَدَا، أَوْ رَاحَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ حَلَفْتَ أَنْ لَا تَدْخُلَ شَهْرًا؟ فَقَالَ: "إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا". (صَيْفِيٍّ): بصاد مهملة مفتوحة فمثناة من تحت ساكنة ففاء فياء النسب. (فقال: إن الشهر يكون تسعة وعشرين يومًا): حمل الطبري وغيره (¬3) قوله -عليه السلام- في حديث ابن عمر: "إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً" (¬4) على الشهر المعين الذي كانوا فيه إذ ذاك. قال الطبري: وروى عروة عن عائشة: أنها أنكرت قولَ من قال: إن ¬

_ (¬1) في "ع": "حسوم". (¬2) في "ع" و "ج": "عن". (¬3) في "ع": "وغيري". (¬4) رواه البخاري (1907).

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ (¬1) "، وقالت: لا والله! ما قال كذلك، إنما قال حين هجرنا: "لأَهْجُرَنكمْ شَهْرًا"، وأقسمَ (¬2) على ذلك، فجاءنا حين ذهب تسع وعشرون ليلة، فقلت: يا نبي الله! إنك أقسمت شهرًا؟ فقال: "إِنَّ الشَّهْرَ كَانَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً". قال ابن المنير: يشكل الحمل على شهر بعينه في قوله: "الشهرُ تسعٌ وعشرون"؛ [إذ هذا إنما يستعمل في الجنس، لا في المعيَّنِ؛ لأن المعين لا يُشكل أمره، إذا رُئي الهلال لتسع وعشرين] (¬3)، فقد انقضى الشهر، ثم إن حملناه على شهر بعينه، فالقاعدة أن من حلف على شهر في أثناء الشهر، أكمله ثلاثين، فإن كانت اليمين للهلال، وكان تسعًا وعشرين، اكتفى بها، فيحتاج أيضًا على تأويل حمله على شهر معين، إلى أن يكون يمينه -عليه السلام- صادفت (¬4) الهلال، ولا بد أن يكون ذلك قبل أن يهل، وإلا فمن حلفَ على شهر معين، وقد دخل الليل، فقد حلف في أثناء الشهر، فيكمله (¬5) ثلاثين على المشهور. ويمكن أن يجاب (¬6): بأن المراد: قد يكون الشهر تسعًا وعشرين، وهذا الشهر كذلك، فيكون ذكره للجنس؛ كالقاعدة الممهدة لدخول العين في الجنس. ¬

_ (¬1) في "ج": "وعشرون ليلة". (¬2) في "ع": "وأقيم". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬4) في "ع": "صادقة"، وفي "م": "صافت"، والصواب ما أثبت. (¬5) في "ع": "فكمله". (¬6) في "ع": "ويمكن إيجاب".

باب: شهرا عيد لا ينقصان

باب: شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ إِسحَاقُ: وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا، فَهْوَ تَمَامٌ. وَقَالَ مُحَمَّد: لَا يَجْتَمِعَانِ، كِلاَهُمَا نَاقِصٌ. (باب: شهرا عيد لا ينقصان). (قال إسحاق): يعني: ابن راهويه. (وإن كان ناقصًا): أي: في العدد. (فهو تام): أي: باعتبار الأجر. (وقال محمد): يعني: البخاري. (لا يجتمعان، كلاهما ناقص): "كلاهما" مبتدأ، و"ناقص" خبره، والجملة حال من ضمير الاثنين، يريد: لا يكاد يتفق نقصانهما جميعًا في سنة واحدة غالبًا، وإلا، فلو حمل الكلام على عمومه، اختلَّ؛ ضرورة أن اجتماعهما ناقصين في سنة واحدة وُجِد. قال النووى: والصحيح: الأول، والفضائل المرتبة على رمضان تحصل، سواء تم، أو نقص (¬1). قال ابن المنير: الأصحُّ رفعُ الوهم المتطرق إلى لفظ النقص؛ لئلا يتخيل المتخيل في قولنا: في (¬2) ذي الحجة: إنه ناقص في بعض الأعوام أَنَّ مقصود الحج نقصَ، بل هو تمامٌ، نقصَ الشهرُ، أو تَم. قلت: حاصلُه يرجع إلى النهي عن وصف هذين الشهرين بالنقص؛ ¬

_ (¬1) انظر: "شرح مسلم" للنووي (7/ 199). وانظر: "التنقيح" (2/ 442). (¬2) "ع" ليست في "ج".

باب: لا يتقدم رمضان بصوم يوم ولا يومين

لِما قاله، و (¬1) في تنزيل لفظ الحديث على ذلك قلقٌ لا يخفى. باب: لَا يَتَقَدَّم رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلاَ يَوْمَيْنِ (لا تَقَدَّموا (¬2) رمضان): - بفتح التاء والدال -؛ لأنه مضارع أصلُه تتَقَدَّموا، فحذفت إحداهما تخفيفًا؛ أي: لا تتقدموا الشهر بصوم (¬3) تعدونه منه، وبضم التاء وكسر الدال؛ أي: تُقَدِّموا صومًا قبله ليكون منه احتياطًا. باب: قولِ اللهِ جلَّ ذكرُه: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] 1098 - (1915) - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ -رضي الله عنه -، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَائِمًا، فَحَضَرَ الإِفْطَارُ، فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفطِرَ، لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ وَلاَ يَوْمَهُ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنَّ قَيسَ بْنَ صِرْمَةَ الأَنْصَارِيَ كَانَ صَائِمًا، فَلَمَّا حَضَرَ الإِفْطَارُ، أَتَى امْرَأَتَهُ، فَقَالَ لَهَا: أَعِندَكِ طَعَامٌ؟ قَالَتْ: لَا، وَلَكِنْ أَنْطَلِقُ فَأَطْلُبُ لَكَ، وَكَانَ يَوْمَهُ يَعْمَلُ، فَغَلَبَتْهُ عَينَاهُ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ، فَلَمَّا رَأَتْهٌ قَالَتْ: خَيْبَةً لَكَ، فَلَمَّا انتصَفَ النَّهَارُ، غُشِيَ عَلَيهِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ¬

_ (¬1) الواو ليست في "ع". (¬2) نص البخاري: "لا يتقدم". (¬3) في "ع": "الصوم".

فَنَزَلَتْ هَذهِ الآيَةُ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] , فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحًا شَدِيدًا، وَنزَلَتْ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: 187]. (فإن قيسَ بنَ صِرْمة): بكسر الصاد المهملة وإسكان الراء. قال الزركشي: قال الداودي، وابن التين (¬1): يحتمل أن هذا غير محفوظ، وإنما هو صرمة؛ يعني: كما (¬2) ذكره أبو نعيم في "معرفة الصحابة"، قال: صرمةُ بنُ [أبي] أنس (¬3)، [وقيل: ابن قيس الخطمي، انتهى (¬4). قلت: في "شرح مغلطاي": تابع البخاريَّ على قيس بن صرمة] (¬5): الترمذيُّ، والبيهقي، وابن حِبَّان في "معرفة الصحابة"، وابنُ خزيمة في "صحيحه"، والدارميُّ في "مسنده"، وأبو داود في كتاب "الناسخ والمنسوخ"، والإسماعيلي وأبو نعيم في "مستخرجيهما"، ثم ساق عن أبي نعيم المذكور المقالةَ المتقدمة، وعزاها إلى كتاب "الصحابة" من تأليفه. (فنزلت هذه الآية: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187]): قال الزمخشري: الرفَثُ: هو الإفصاحُ بما يجب أن يُكنى عنه؛ كلفظ النيك، فكني به عن الجماع، ولم يجعله مجازًا؛ لعدم المانع عن المعنى الأصلي، وهذا ما قاله بعضهم: لا يكون رفث بمعنى جامع ¬

_ (¬1) في "ج": "المنير". (¬2) في "ج": "لما". (¬3) في "ع": "بن قيس". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 442). (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ع".

باب: قول الله تعالى: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} [البقرة: 187].

إلا على سبيل الكناية. قال: وكني بهذا اللفظ الدال على معنى القبح استهجانًا لما وجد منهم قبل الإباحة، كما سماه اختيانًا لأنفسهم، وعُدِّي (¬1) الرفثُ بإلى (¬2)؛ لتضمنه معنى الإفضاء (¬3). باب: قول الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187]. 1099 - (1916) - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِم - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: لَمَّا نزَلَتْ: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: 187]، عَمَدْتُ إِلَى عِقَالٍ أَسْوَدَ، وَإِلَى عِقَالٍ أَبْيَضَ، فَجَعَلْتُهُمَا تَحْتَ وِسَادَتِي، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ فِي اللَّيْلِ، فَلاَ يَسْتَبِينُ لِي، فَغَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: "إِنَّمَا ذَلِكَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ". (حُصَين بن عبد الرحمن): بضم الحاء المهملة وفتح الصاد المهملة أيضًا، على التصغير. (لما نزلت (¬4): {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ ¬

_ (¬1) في "ع": "وعد". (¬2) في "ج": "بإلى يعد". (¬3) انظر: "الكشاف" (1/ 256 - 257). (¬4) "لما نزلت" ليست في "ع".

الْفَجْرِ (¬1)} [البقرة: 187] عمَدت إلى عقال): - بفتح الميم - من عَمَدْتُ، والعقالُ: الخيط (¬2)، وباقي الحديث يأتي في التفسير، لكن حديثَ عدي يقتضي نزول قوله تعالى: {مِنَ الْفَجْرِ} متصلًا بقوله: {مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ}. وحديثُ سهلِ بن سععد الآتي بعدُ صريحٌ في أنه لم ينزل إلا منفصلًا (¬3)، فإن حمل الحديثان على واقعتين في وقتين، فلا إشكال، وإلا، احتمل أن يكون حديث عديٍّ متأخرًا عن حديث سهل (¬4)؛ فإنما سمع الآية مجردة، فحملها (¬5) على ما وصل إليه فهمُه حتى تبينَ له الصواب، وعلى هذا يكون {مِنَ الْفَجْرِ} متعلقًا بـ: {يَتَبَيَّنَ}، وعلى مقتضى حديث سهل ليكون فى موضع الحال متعلقًا بمحذوف. قاله في "المفهم" (¬6). قال ابن المنير: وما رأيت أعجبَ من حديث [عديٍّ هذا، وذلك أنه إنما أسلم فى سنة الوفود] (¬7)، وهي سنة عشر، نصَّ عليه ابن عبد البر، وغيره، فرمضانُ الذي صامه هو آخرُ رمضان صامه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفرضُ الصوم نزل في أوائل الهجرة قبل إسلام عدي بسنتين، وظاهر قوله: "لما نزلت هذه الآية؛ عمدتُ إلى عقال" يقتضي أنه كان مسلمًا عند نزول الآية، والفرض أنها نزلت بعقب فرض الصيام أوائل الهجرة، فكيف يلتئم ذلك؟ ¬

_ (¬1) "من الفجر" ليست في "ع". (¬2) في "ج ": "من الخيط". (¬3) في "ع" و"ج": "مفصلًا". (¬4) في "ع": "سهيل". (¬5) في "ج": "فحمله". (¬6) انظر: "المفهم" للقرطبي (3/ 147). وانظر: "التنقيح" (2/ 442). (¬7) ما بين معكوفتين ليس في "ع".

قال (¬1): فيحتمل تأخر نزول الآية عن فرض الصيام إلى آخر الهجرة، وهو (¬2) بعيد جدًا؛ فإن نسخ تحريم الطعام بعد رفع المائدة متقدم، واستمر عليه العملُ سنين قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -. ويحتمل أن يكون معنى قولِ عدي: لما نزلت الآية؛ أي: لما تُليت الآية عليه عند إسلامه، وبلغه حينئذ نزولها، فيكون نزولها قديمًا، وبلوغها إياه حديثًا عند إسلامه. قلت: وهذا - أيضًا (¬3) - بعيد كالأول؛ لما فيه من إطلاق النزول مرادًا (¬4) به التلاوة، فالأقربُ أنه من باب الحذف؛ أي: لما نزلت هذه الآية، وسمعتها، عمدْتُ إلى كذا، فتأمله. * * * 1100 - (1917) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ (ح). حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: نَزِلتْ: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187]، وَلَمْ يَنْزِلْ: {مِنَ الْفَجْرِ}، فَكَانَ رِجَالٌ إِذَا أَرَادُوا الصَّوْمَ، رَبَطَ أَحَدُهُمْ فِي رِجْلِهِ الْخَيْطَ الأَبْيَض وَالْخَيْطَ الأَسْوَدَ، وَلَمْ يَزَلْ يَأْكُلُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ رُؤْيَتُهُمَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدُ: {مِنَ الْفَجْرِ}، فَعَلِمُوا أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْنِي: اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ. ¬

_ (¬1) "قال" ليست في "ع". (¬2) في "ج": "وهي". (¬3) "أيضًا" ليست في "ع". (¬4) في "ع": "مراد".

باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال"

(حتى تبين له رِئْيَتُهُمَا (¬1)): - براء مكسورة فهمزة ساكنة فمثناة من تحت مرفوعة - بمعنى النظر (¬2)، ومنه قوله تعالى: {أَثَاثًا وَرِئْيًا} [مريم: 74]. قال القاضي وغيره: هذا صوابُ ضبطِه. وروي: "زِيُّهما" - بزاي مكسورة وياء مشددة -؛ أي: لونهما، ولبعضهم: "رَيِئُّهما (¬3) " -بفتح الراء وكسر الهمزة وتشديد الياء -. قال القاضي: ولا وجه له؛ لأن الرَّئِيَّ هو التابع من الجن (¬4). قلت: أما على تفسير الرئي بالتابع الجني (¬5)، فظاهر أنه لا معنى له هنا. ولكن وقع ما نصه في "شرح مغلطاي": فإن صح، فمعناه مَرْئي (¬6)؛ يعني: أنه فَعيلٌ بمعنى مفعولٌ، ولكن صوغه - مع كثرته - غيرُ مقيس، فينبغي تحرير النقل في اللفظة. باب: قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَمْنَعَنَّكُمْ مِنْ سَحُورِكُمْ أَذَانُ بِلاَلٍ" (باب: لا يمنعنَّكم سحورَكم (¬7) أذانُ بلال): السَّحور: - بفتح السين -: ما يؤكل في السحر. ¬

_ (¬1) في "ع": "رأيهما"، وفي البخاري: "حتى يتبين له رؤيتهما". (¬2) في "ج": "المنظر". (¬3) في "ع": "رأيتهما". (¬4) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 276). وانظر: "التنقيح" (2/ 443). (¬5) في "ج": "التابع من الجن". (¬6) في "ج": "يرى". (¬7) في البخاري: "لا يمنعنكم من سحوركم".

قال ابن بطال: ولم يصح عند البخاري لفظ الترجمة، فاستخرج (¬1) من حديث عائشة، ولفظُها قد رواه الترمذي، وقال: حسن (¬2). * * * 1101 - (1919) - حدثنا عُبيد بنُ إسماعيلَ، عن أبي أُسامةَ، عن عبيدِ اللَّهِ، عن نافعٍ، عن ابن عمر، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: أَنَّ بِلاَلًا كانَ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ؛ فَإِنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ". قَالَ الْقَاسِمُ: وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ أَذَانِهِمَا إِلاَّ أَنْ يَرْقَى ذَا، وَيَنْزِلَ ذَا. (والقاسم): - بالجر - عطفًا على نافع؛ لأن عبيد الله روى عن نافع، عن ابن عمر. ويروي - أيضًا -: عن القاسم، عن عائشة. وضبطه في بعض النسخ بالرفع غيرُ صحيح؛ لأن القاسم لم يحدث البخاري (¬3). (ولم يكن بين أذانيهما (¬4) إلا أن يرقى ذا، وينزل ذا): قال الداودي: هذا يدل على أن ابن أم مكتوم كان يراعي (¬5) قرب (¬6) طلوع الفجر، أو ¬

_ (¬1) في "م": "فاستخرجه". (¬2) رواه الترمذي (706) عن سمرة بن جندب -رضي الله عنه -، وانظر: "شرح ابن بطال" (4/ 42). (¬3) انظر: "التوضيح" (13/ 124). (¬4) نص البخاري: "أذانهما". (¬5) في "ع": "يرعي". (¬6) في "ج": "قبل".

باب: تعجيل السحور

طلوعه؛ لأنه لم يكن يكتفي بأذان بلال؛ لأن بلالًا - فيما يدل عليه الحديث - كان يختلف أوقاته، وإنما حكى من قال: يرقى ذا، وينزل ذا ما شاهدَ في بعض الأوقات، ولو كان فعلُه لا يختلف، لقال: فإذا فرغ بلال، فكُفُّوا (¬1). قال ابن المنير: إنما أراد الراوي أن يبين اختصارَهم في السحور إنما كان باللقمة والتمرة ونحوها بقدر ما ينزل هذا، ويصعد هذا، وإنما كان يصعد (¬2) قُبيلَ الفجر بحيث إذا وصل إلى فوقُ، طلع الفجر، ولا يحتاج هذا إلى حمله على اختلاف أوقاتِ بلالٍ، بل ظاهرُ الحديث أن أوقاتهما كانت على رتبة ممهَّدة، وقاعدة مطَّردة. باب: تَعْجيلِ السَّحُورِ (باب: تعجيل السحور): قال ابن بطال: كان الأحسن أن يترجم: تأخير السحور؛ فإنه المسنون، وهو الذي يدل عليه حديثُ هذه الترجمة (¬3). ويدفع هذا: أن البخاري إنما أراد أنهم كانوا يزاحمون بالسحور (¬4) الفجر، فيختصرون فيه، ويستعجلون خوفَ الفوات. قال الزركشي: فعلى هذا يقرأ بضم السين؛ إذ المرادُ: تعجيلُ الأكل (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (13/ 125). (¬2) في "ج": "يصنع". (¬3) انظر: "شرح ابن بطال" (4/ 44). (¬4) في "ج": "السحور". (¬5) انظر: "التنقيح" (13/ 445).

باب: قدر كم بين السحور وصلاة الفجر

1102 - (1920) - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: كُنْتُ أَتَسَحَّرُ فِي أَهْلِي، ثُمَّ تَكُونُ سُرْعَتِي أَنْ أُدْرِكَ السُّجُودَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. (ثم تكون سرعتي أن أدرك السجود): بجيم ودال. وفي نسخة: "السحور"، بحاء وراء. باب: قدرِ كم بينَ السَّحُور وصلاةِ الفجرِ 1103 - (1921) - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَام، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: تَسَحَّرْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَ الأَذَانِ وَالسَّحُورِ؟ قَالَ: قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً. (قدرُ خمسين آية): - بالرفع - على أنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: الذي كان بين الأذان والسحور قدر خمسين آية، وبالنصب، على أنه خبر كان المقدرة في كلام زيد. باب: بَرَكَةِ السَّحُورِ مِنْ غَيْرِ إِيجَابٍ لأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابَهُ وَاصَلُوا، وَلَمْ يُذْكَرِ السَّحُورُ (باب: بركة السحور من غير إيجاب؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه واصلوا، ولم يذكر السحور): قال ابن بطال: هذه غفلة من البخاري؛ لأنه قد خَرَّجَ

في باب: الوصال حديثَ أبي سعيد: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه: "أَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ، فَلْيُوَاصِلَ حَتَّى السَّحَرِ" (¬1). فقد ذكر السحور، وهو مفسَّر يقضي على المجمل (¬2) الذي لم يذكر فيه ذلك، وقد ترجم البخاري له في باب: الوصال إلى السحر إذا نوى بالنهار صومًا (¬3). قال ابن المنير: لم يغفل البخاري - إن شاء الله -، بل أتى بالترجمة والشاهد على الوجه، وذلك أنه لم يترجم على عدم شرعية السحور، وإنما ترجم على عدم إيجابه، فأخذ من الوصال أنه غير واجب، وحيث نهاهم عن الوصال، لم يكن النهي تحريما للوصال، فليس إيجابًا للسحور - أيضًا -، وإنما هو نهي إرشاد وإشفاق عليهم، وضد نهي الكراهة الاستحباب. * * * 1104 - (1922) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -. أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَاصلَ، فَوَاصلَ النَّاسُ، فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَنَهَاهُمْ، قَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ، قَالَ: "لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إِنِّي أَظَلُّ أُطْعَمُ وَأُسْقَى". (إني أظَل): -بفتح الظاء المعجمة- مضارع ظَلِلْتُ أعملُ كذا (¬4): إذا عملتَ بالنهار دون الليل. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1967). (¬2) في "ع" و "ج": "المحل". (¬3) انظر: "شرح ابن بطال" (4/ 45). (¬4) "أعمل كذا" ليست في "ج".

قال الزركشي: وهو معارض للرواية الآتية في باب: التنكيل لمن أكثر الوصال (¬1)؛ يعني: أن فيه: "إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِيني" (¬2). (أُطعم وأُسقى): اختلف هل ذلك (¬3) حقيقي، أو معنوي؟ فقيل: حقيقي من طعام (¬4) الجنة وشرابها، وإنما يقطع الصومَ طعامُ الدنيا. ورُدَّ بأنه لو كان كذلك، لم يكن مواصلًا للصيام. وقيل: معنوي، ومعناه: أن الله تعالى خلق فيه قوةَ مَنْ أُطعم وسُقي. * * * 1105 - (1923) - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "تَسَحَّرُوا؛ فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً". (فإن في السَّحور بركة): هو بفتح السين، اسمُ ما يؤكَل بالسحر كما مر، وبالضم: اسمُ الفعلِ الواقع في ذلك الوقت، وأجاز بعضُهم في اسم الفعل الوجهين، والأولُ أكثر. وفيه دليل على (¬5) استحباب السحور للصائم (¬6)، والبركة المذكورة (¬7) ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 446). (¬2) رواه البخاري (1965) عن أبي هريرة -رضي الله عنه -. (¬3) في "ع": "في ذلك". (¬4) في "ع" و "ج": "دوام". (¬5) في "ع": "على أن". (¬6) في "ع": "للصيام". (¬7) في "م": "المذكور".

باب: الصائم يصبح جنبا

يجوز أن تعود إلى الأمور الأخروية؛ فإن إقامة السنة توجب الأجرَ وزيادته. ويحتمل أن تعود إلى الأمور الدنيوية؛ لقوة البدن على الصوم، وتيسيره من غير إجحاف. قال ابن دقيق العيد: والبركةُ محتملة لأن تضاف إلى كلٍّ من الفعلِ، والشيءِ المستجدِّ به، وليس ذلك من حمل اللفظ الواحد على معنيين مختلفين، بل من باب استعمال المجاز في لفظة "في"، وعلى هذا يجوز أن يقال: فإن في السَّحور -بفتح السين-، وهو الأكثر، وفي السُّحور (¬1) - بضمها - (¬2). باب: الصَّائم يُصْبحُ جُنُبًا 1106 - (1926) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَني أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ: أَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَ مَرْوَانَ: أَنَّ عَائِشَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ أَخْبَرَتَاهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ، وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ. وَقَالَ مَرْوَانُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ الْحَارِثِ: أُقسِمُ بِاللَّهِ لتقَرِّعَنَّ بِهَا أَبَا هُرَيْرَةَ، وَمَرْوَانُ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْمَدِينَةِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَكَرِهَ ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، ثُمَّ قُدِّرَ لنا أَنْ نَجْتَمِعَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، وَكَانَتْ لأَبي هُرَيْرَةَ هُنَالِكَ أَرْضٌ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لأَبي هُرَيْرَةَ: إِنِّي ذَاكِرٌ لَكَ أَمْرًا، وَلَوْلاَ مَرْوَانُ أَقْسَمَ عَلَيَّ فِيهِ، لَمْ أَذْكُرْهُ لَكَ، فَذَكَرَ قَوْلَ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَ: كَذَلِكَ حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ، وَهُنَّ أَعْلَمُ. وَقَالَ هَمَّامٌ وَابْنُ عَبْدِ اللَّهِ ¬

_ (¬1) "وفي السحور" ليست في "ج". (¬2) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 208).

ابْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَأْمُرُ بِالْفِطْرِ، وَالأَوَّلُ أَسْنَدُ. (لتُفْزِعَنَّ): - بالفاء -؛ من الإفزاع، وهو التخويف (¬1)، ويروى: "لَتُقَرِّعَنَّ": - بالقاف والراء المكسورة المشددة -؛ من التقريع، وهو التعنيف. (كذلك حدثني الفضل): وفي النسائي: حدثني أسامةُ بنُ زيد، فيحمل على أنه سمعه منهما (¬2). (وهنَّ أعلمُ): يريد: أزواجَ النبي - صلى الله عليه وسلم - , وقد صرح مسلم في روايته لما حدَّثَ عن عائشةَ وأُمِّ سلمةَ، قال: "هما أعلمُ"، وذكر أن أبا هريرة رجع عن ذلك، وقال: لم أسمعه من (¬3) النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬4). و (¬5) إذا استقر أن حكم الجنابة لا ينافي الصوم، فكذلك حكمُ الحيض، فمن طَهُرت ليلًا، فأخرت اغتسالها حتى أصبحت، اغتسلت، وصامت، وأجزأها. وقيل: يشترط أن تطهر وقد بقي من الليل ما يسعُ الاغتسال. وقيل: يشترط أن تغتسل قبل الفجر. قال ابن المنير: ولا نعلم خلافًا عندنا في الجنب يصبح صائمًا أنه يصح صومه، والفرق أن الحيض أغلظُ منافاةً، ولهذا أبطل الحيضُ الطارئ الصومَ، ولم يبطله الاحتلامُ الطارئ". ¬

_ (¬1) في "ج": "وهو التفزيع لتخويف". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 447). (¬3) في "ج": "عن". (¬4) رواه مسلم (1109) عن أبي هريرة رضي الله عنه. (¬5) الواو ليست في "ج".

باب: المباشرة للصائم

باب: المُبَاشرةِ للصَّائمِ 1107 - (1927) - حَدَّثَنَا سُلَيمانُ بْنُ حَرْبِ، قالَ: عَن شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَم، عنْ إبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْها -، قالَت: كانَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لإِرْبِهِ. وَقَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {مَآرِبُ} [طه: 18]: حَاجَةٌ. قَالَ طَاوُسٌ: {أُولِي الْإِرْبَةِ} [النور: 31]: الأَحْمَقُ لَا حَاجَةَ لَهُ فِي النِّسَاءِ. (وكان أملككم لإرْبه): - بكسر الهمزة وسكون الراء -؛ أي: لحاجته، وقيل: لعقله، وقيل: لعضوه. قال الخطابي وأبو عبيدة: وأكثرُ الرواة يروونه -بفتح الهمزة والراء- يعنون: الحاجة، والأولُ أظهرُ (¬1) (¬2). باب: اغْتِسَالِ الصَّائِم وَبَلَّ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - ثَوْبًا، فَأَلْقَاهُ عَلَيْهِ وَهُوَ صَائِمٌ. وَدَخَلَ الشَّعْبِيُّ الْحَمَّامَ وَهُوَ صَائِمٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَتَطَعَّمَ الْقِدْرَ أَوِ الشَّيءَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: لَا بَأْسَ بِالْمَضْمَضَةِ وَالتَّبَرُّدِ لِلصَّائِم. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِذَا كَانَ صَوْمُ أَحَدِكُمْ، فَلْيُصْبحْ دَهِينًا مُتَرَجِّلًا. وَقَالَ أَنَسٌ: إِنَّ لِي أَبْزَنَ أَتَقَحَّمُ فِيهِ وَأَنَا صَائِمٌ. وَيُذْكرُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَهُ اسْتَاكَ وَهُوَ صَائِمٌ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: يَسْتَاكُ أَوَلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ، وَلاَ يَبْلَعُ رِيقَهُ. وَقَالَ ¬

_ (¬1) من قوله: "وكان أملككم. . . " إلى هنا ليس في "ج". (¬2) انظر: "غريب الحديث" للخطابي (2/ 484)، وانظر: "التنقيح" (2/ 447).

عَطَاءٌ: إِنِ ازْدَرَدَ رِيقَهُ، لَا أَقُولُ: يُفْطِرُ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لَا بَأْسَ بِالسِّوَاكِ الرَّطْبِ، قِيلَ: لَهُ طَعْمٌ، قَالَ: وَالْمَاءُ لَهُ طَعْمٌ، وَأَنْتَ تُمَضْمِضُ بِهِ. وَلَمْ يَرَ أَنَسٌ وَالْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ بِالْكُحْلِ لِلصَّائِمِ بَأْسًا. (وقال أنس: إن لي أَبْزَن): قال القاضي: ضبطناه بفتح الألف وكسرها والباء ساكنة بعدها زاي مفتوحة ونون، وهي كلمة فارسية، وهو شبه (¬1) الحوض الصغير، ومراده: أنه شئ يتبرد فيه وهو صائم، يستعين به على صومه من الحر والعطش (¬2). قال الزركشي: ويجوز في "أبزن" النصبُ، على أنه اسم إن (¬3)، والرفعُ، على أن اسمها ضمير الشأن، ويكون الجملة بعدها مبتدأ وخبره (¬4) في موضع رفع على أنه خبر إن (¬5). قلت: الثانى ضعيف. (أتقحَّم فيه): أي: أُلقي نفسي فيه. (ولم ير أنسٌ والحسنُ وإبراهيمُ بالكحل للصائم بأسًا": قال ابن المنير: رد البخاري على مَنْ كرهَ اغتسال (¬6) الصائم؛ لأنه إن (¬7) كرهه خشيةَ وصول ¬

_ (¬1) في "ع": "وهي تشبه". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 12). (¬3) "إن" ليست في "ع". (¬4) في "ع" و "ج": "وخبر". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 447). (¬6) في "ج": "غسل". (¬7) "إن" ليست في "ع".

الماء إلى حلقه، فالعلة باطلة بالمضمضةِ، وبذوْقِ القدر، ونحو ذلك، فإن كرهه للرفاهية؛ فقد استحب السلف للصائم الترفُّه والتجمُّل بالترجُّل والادِّهان والكحلِ، وغيرِ ذلك، فلهذا (¬1) ساق البخاري هذه الأفعال تحتَ ترجمة الاغتسال، ومن (¬2) حذقِهِ -رحمه الله - أنه قدم للخصم في الكراهية (¬3) علتين، وأبطل كلَّ واحدة منهما. * * * 1108 - (1931) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: كُنْتُ أَنَا وَأَبِي، فَذَهَبْتُ مَعَهُ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِنْ كَانَ لَيُصْبحُ جُنُبًا، مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلاَمٍ، ثُمَّ يَصُومُهُ. (إن كان ليصبح جنبًا من جماع (¬4) غير احتلام (¬5)): وفي نسخة: "من غير حُلُم (¬6) " (¬7) - بضمتين -، وفائدة ذكره هناك رفعُ وهمِ مَنْ يتوهم أنه كان يحتلم، وهو - صلى الله عليه وسلم - معصوم من ذلك، فإن الحلم من الشيطان (¬8). ¬

_ (¬1) في "ج": "قلت". (¬2) في "ع" و "ج": "من". (¬3) "ع" و "ج": "للخصيم في الكراهة". (¬4) "جماع" ليست في "ع". (¬5) في "ع": "الاحتلام". (¬6) في "ج": "احتلام". (¬7) رواه البخاري (1930)، ومسلم (1109). (¬8) انظر: "التنقيح" (2/ 448).

باب: الصائم إذا أكل أو شرب ناسيا

باب: الصَّائِم إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا وَقَالَ عَطَاءٌ: إِنِ اسْتَنْثَرَ، فَدَخَلَ الْمَاءُ فِي حَلْقِهِ، لَا بَأْسَ إِنْ لَمْ يَمْلِكْ. وَقَالَ الحَسَنُ: إِنْ دَخَلَ حَلْقَهُ الذُّباب، فَلاَ شَيءَ عَلَيهِ. وَقَالَ الْحَسَن وَمُجَاهِدٌ: إِنْ جَامَعَ نَاسِيًا، فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ. (لا بأس إن لم يملك): أي: دَفْعَه، بل دخل الماء في حلقه غلبةً. باب: سِوَاكِ الرَّطبِ وَالْيَابِسِ - لِلصَّائِم ويذْكَرُ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَاكُ وَهُوَ صَائِمٌ، مَا لَا أُحْصِي أَوْ أَعُدُّ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ". وَيُرْوَى نحوُهُ عَنْ جَابِرٍ، وَزَيْدِ ابْنِ خَالِدٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَمْ يَخُصَّ الصَّائِمَ مِنْ غَيْرِهِ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَطْهَرَةٌ لِلْفَم، مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ". وَقَالَ عَطَاءٌ وَقَتَادَةُ: يَبْتَلِعُ رِيقَهُ. (السواك (¬1) مطهرة للفم): المِطْهَرة - بكسر الميم وفتحها -: كل ما يُتطهَّرُ به. * * * 1109 - (1934) - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: ¬

_ (¬1) كذا في رواية أبي ذر الهروي وغيره، وهي ساقطة من اليونينية. وهي المعتمدة في النص.

باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا توضأ، فليستنشق بمنخره الماء"، ولم يميز بين الصائم وغيره

حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ حُمْرَانَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - تَوَضَّأَ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ ثَلاَثًا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمَرْفِقِ ثَلاَثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى إِلَى الْمَرْفِقِ ثَلاَثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى ثَلاَثًا، ثُمَّ الْيُسْرَى ثَلاَثًا، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ قَالَ: "مَنْ تَوَضَّأَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ يُصَلِّي رَكعَتَيْن لَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ فِيهِمَا بِشئٍ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". (رأيت عثمان توضأ): وهذا ليس فيه شيء من أحكام الصيام، لكن أدخله في هذا الباب لمعنى لطيف، وذلك لأنه (¬1) أخذ شرعية السواك للصائم بالدليل (¬2) الخاص، ثم انتزعه من الأدلة العامة التي تناولت أحوال متناول السواك، وأحوال عود السواك (¬3)؛ من رطوبة ويبوسة، ثم انتزع ذلك من أعمَّ من السواك (¬4)، وهو المضمضة، إذ [هي] أبلغُ من السواك الرطب، وأصل هذا الانتزاع لابن سيرين حين قال محتجًا على السواك الأخضر: والماءُ له طعمٌ. باب: قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا تَوَضَّأَ، فَلْيَسْتَنْشِقْ بِمَنْخِرِهِ الْمَاءَ"، وَلَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ الصَّائِمِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ الْحَسَنُ: لَا بَأْسَ بِالسَّعُوطِ لِلصَّائِمِ إِد لَمْ يَصِلْ إِلَى حَلْقِهِ، ¬

_ (¬1) "لأنه" ليست في "ع"، وفي "ج": "أنه". (¬2) في "ع": "الدليل". (¬3) "وأحوال عود السواك" ليست في "ج". (¬4) في "ع": "من أعم السماك".

باب: إذا جامع في رمضان

وَيَكْتَحِلُ. وَقَالَ عَطَاء: إِنْ تَمَضْمَضَ، ثُمَّ أَفْرَغَ مَا فِي فِيهِ مِنَ الْمَاءِ، لَا يَضِيرُهُ إِنْ لَمْ يَزْدَرِدْ رِيقَهُ وَمَاذَا بَقِيَ فِي فِيهِ، وَلاَ يَمْضَغُ الْعِلْكَ، فَإِنِ ازْدَرَدَ رِيقَ الْعِلْكِ، لَا أَقُولُ: إِنَّهُ يُفْطِرُ، وَلَكِنْ يُنْهَى عَنْهُ، فَإِنِ اسْتَنْثَرَ، فَدَخَلَ الْمَاءُ حَلْقَهُ، لَا بَأْسَ، لَمْ يَمْلِكْ. (باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: إذا توضأ، فليستنشق بمنخره الماء، ولم يميز بين الصائم وغيره، وقال الحسن: لا بأسَ بالسعوط للصائم إن لم يصلْ إلى حلقه): ظاهر الأمر أن مذهبه في السعوط أنه إذا (¬1) ازدرد (¬2) منه شيئًا، أفطر؛ لأنه ذكر قول الحسن: لا بأسَ بالسعوط إذا لم يصل إلى حلقه، ويكون الفرقُ عنده بين السعوط والاستنشاق [ندورَ السعوط، وكونهَ ليس مما تعمُّ البلوى، ولا يستوفيه القضاء؛ بخلاف الاستنشاق] (¬3). والمَنْخِر: بفتح الميم وكسر الخاء، وقد تكسر الميم إتباعًا لكسرة (¬4) الخاء. والسَّعوط: -بفتح السين-: الدواء الذي يُصَبَّ في الأنف. باب: إِذَا جَامَعَ فِي رَمَضَانَ وَيُذْكَرُ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ، رَفَعَهُ: "مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ، مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلاَ مَرَضٍ، لَمْ يَقْضِهِ صِيَامُ الدَّهْرِ، وَإِنْ صَامَهُ". وَبِهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ. ¬

_ (¬1) في "ج": "إذا أن". (¬2) "ازدرد" ليست في "ج". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬4) في "ع" و "ج": لكثرة.

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَالشَّعْبِيُّ، وَابْنُ جُبَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَقَتَادَةُ، وَحَمَّادٌ: يَقضِي يَوْمًا مَكَانَهُ. (ويذكر عن أبي هريرة، رفعه: من أفطر (¬1) يومًا من رمضان من غير عذر ولا مرض، لم يقضه صيامُ الدهر): هذا التعليق عن أبي هريرة رواه الترمذي من طريق أبي المطوس (¬2)، عن أبيه، عن أبي هريرة، فذكر الحديث، لكن بلفظ: "من غيرِ رخصةٍ ولا مرضٍ، لم يقضه عنه صومُ الدهر كله، وإن صامه"، وقال: حديث أبو هريرة (¬3) لا نعرفه إلا من هذا الوجه (¬4)، ورواه الدارقطني يرفعه (¬5) مثلَه (¬6). قال ابن بطال: وهذا حديث ضعيف لا يحتج بمثله. قال ابن المنير: وعلى تقدير صحته، فمعناه المتبادرُ للأفهام: أن القضاء لا يقوم مقام الأداء (¬7) ولو صام عوض اليوم دهرًا، ويقال بموجبه: فإن الإثم لا يسقط بالقضاء، ولا سبيل إلى اشتراك الأداء والقضاء في كمال الفضيلة، فقوله: لم يقضه صيام الدهر؛ أي: في (¬8) وصفه الخاص به، وهو الكمال، وإن كان يقضي عنه في وصفه العام المنحطِّ من كمال الأداء، هذا هو اللائق ¬

_ (¬1) في "ع": "الفطر". (¬2) في "ع": "الموطوس". (¬3) في "ع": "وقال في حديث أبي هريرة". (¬4) رواه الترمذي (723). (¬5) في "ج": "يرتفعه". (¬6) رواه الدارقطني في "سننه" (2/ 191) عن أنس بن مالك -رضي الله عنه -. (¬7) في "ج": "الأدنى". (¬8) "في" ليست في "ع".

بمعنى (¬1) الحديث، ولا يحمل على نفي القضاء بالكلية؛ لأن الكتاب العزيز نصَّ على أن الصوم قابل للقضاء بقوله: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185]. قلت: هذا مع وجود العذر، وحديثُ أبي هريرة: عند عدمِه. ثم قال: ولا يعهد عبادةٌ واجبةٌ مؤقتةٌ لا تقبل القضاء إلا الجمعة؛ لأنها (¬2) لا تجتمع (¬3) بشروطها إلا في يومها، وقد فات، أو في مثله، وقد اشتغلت (¬4) الذمة بالحاضرة، ولا يسع الماضية، والحج وإن كان لا يقضى إلا في قابل، ليس مثل (¬5) الجمعة؛ لأن الحج (¬6) إنما يجب مرة في العمر، بخلاف الجمعة الواجبة على الدوام، نعم لو أخل الإمام بشرط في الجمعة، أعادها في وقتها، وأعاد الناس بإعادته، إلا أن يكون شرطًا لا يفسد على (¬7) المأمومين صلاتهم، كما لو صلى بهم محدثًا ناسيًا، فهاهنا يعيد وحده ظهرًا أربعًا، وهو مما يدخل في المحاجاة (¬8)، وموضع التعجب فيه: أنها جمعةٌ صحَّت بلا إمام؛ لأن صلاة الإمام باطلة باعتباره، لا باعتبارهم، وهو فقه غريب، فتأمله. ¬

_ (¬1) "بمعنى" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "لأنه". (¬3) في "ج": "تجمع". (¬4) في "ع": "أشغلت". (¬5) "مثل" ليست في "ج". (¬6) "لأن الحج" ليست في "ع". (¬7) "على" ليست في "ع". (¬8) في "ع": "المحاجات".

باب: إذا جامع في رمضان، ولم يكن له شيء، فتصدق عليه، فليكفر

باب: إذا جَامَعَ في رمضانَ، ولَمْ يكُنْ لَهُ شيءٌ، فَتُصُدِّقَ عليهِ، فَلْيُكَفِّرْ 1110 - (1936) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي حُمَيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَ أَلَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ -، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، إِذْ جَاءَهُ رَجُل، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلَكْتُ، قَالَ: "مَا لَكَ؟ "، قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِم. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟ "، قَالَ: لَا، قَالَ: "فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ "، قَالَ: لَا، فَقَالَ: "فَهَل تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ "، قَالَ: لَا. قَالَ: فَمَكَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ، أُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ - وَالْعَرَقُ: الْمِكْتَلُ -، قَالَ: "أَينَ السَّائِلُ؟ "، فَقَالَ: أَنَا، قَالَ: "خُذْهَا، فَتَصَدَّقْ بِهِ". فَقَالَ الرَّجُلُ: أَعَلَى أَفقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟، فَوَاللَّهِ! مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا - يُرِيدُ: الحَرَّتَيْنِ، - أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِن أَهْلِ بَيْتِي. فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ " ثُمَّ قَالَ: "أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ". (قال (¬1) يا رسول الله! هلكت، قال: مالك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم): استدل به على أن من ارتكب معصية لا حدَّ فيها، وجاء مستفتيًا: أنه لا يُعاقب؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعاقبه، مع اعترافه بالمعصية. قلت: هو (¬2) مبني على أنه كان متعمدًا، وهو الظاهر. ¬

_ (¬1) في البخاري: "فقال". (¬2) في "ج": "وهو".

قالوا: ومن جهة المعنى: أن مجيئه مستفتيًا يقتضي (¬1) الندمَ والتوبةَ، والتعزيزُ استصلاح، ولا استصلاحَ (¬2) مع الصلاح (¬3)، ولأن معاقبة المستفتي يكون سببًا لترك الاستفتاء من الناس عند وقوعهم في ذلك، وهذه (¬4) مفسدة عظيمة يجب دفعُها، والمشهورُ من مذهبنا أن جماعَ الناسي في نهار رمضان لا كفارةَ عليه. والقائلُ بوجوبها مع النسيان احتجَّ بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوجبها عند السؤال من غير استفصال، وذلك يتنزل منزلة العموم، فيدخل العامد والناسي. وجوابه: أن حالة النسيان بالنسبة إلى الجماع ومحاولة مقدماته وطول زمانه وعدم اعتياده في كل وقت مما يُعد جريانُه في حالة النسيان، فلا يحتاج إلى الاستفصال بناء على الظاهر، لاسيما وقد قال الأعرابي: هلكتُ، فإنه يُشعر ظاهرًا (¬5) تعمُّدَه، ومعرفتَهُ بالتحريم. (هل تجد رقبة تعتقها؟ قال. لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تجد إطعام ستين مسكينًا؟ قال: لا): هذا ليس صريحًا في الترتيب، وإنما أمره بخصلة من خصال، وهَلُمَّ جَرًّا، ولو استفتى أحد وقد حنث في يمين، فقال له المفتي (¬6) مثل هذا، لم يكن مخالفًا ¬

_ (¬1) في "ع": "تقتضي". (¬2) في "ج": "اصطلاح والاصطلاح". (¬3) في "ع": "الصلاة". (¬4) في "ع": "وهو". (¬5) في "ج": "ظاهر". (¬6) "المفتي" ليست في "ع".

لحقيقة التخيير، وكأن المراد بإرشاده إلى العتق أولًا هو تنجيز الكفارة (¬1) بسرعة؛ فإن العتق لمالك الردتبة أسرعُ في خلاص الذمة من غيره. قال ابن المنير: وتعقَّبَ بعضهم مسلمَ بن الحجاج؛ فإنه ذكرَ حديثَ ابن عُيينة، [وحديثَ مالك، وأحالَ حديثَ مالك على ابن عُيينة، فقال: هو بمعناه، قال: وحديث ابن عيينة] (¬2) بصيغة (¬3): هل تجد؟ هل تستطيع؟ وهذه صيغة (¬4) الترتيب، وحديث مالك بصيغة (¬5): أو، وهي للتخيير، فمنهم من أجاب بأن مالكًا صحَّت عنه طريقٌ أخرى بصيغة الترتيب في غير "الموطأ"، فلعل مسلمًا إنما أرادها، ومنهم من أجاب بأن صيغة: هل تجد؟ ليست للترتيب، بل للأولوية (¬6)، وهي بمعنى التخيير، أو قريب منه. (بعَرَق): - بفتح العين المهملة والراء -: هو الزنبيل يسع خمسة عشر صاعًا إلى عشرين. قال القاضي: وضبطُه بالسكون، وصحَّحه بعضُهم، والأشهر: - الفتح - جمع عَرَقَة، وهي الضفيرة التي يخاط منها القُفَّة (¬7). (والعَرَقُ: المِكتل (¬8)): بكسر الميم. ¬

_ (¬1) في "ع": "يتخير في الكفارة". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و "ج". (¬3) في "ج": "بصيغته". (¬4) في "ع": "صفة". (¬5) في "ع": "بصفة". (¬6) في "ع": "للأولية". (¬7) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 76). (¬8) في "ع": "والمكيل".

(خُذْ هذا، فتصدَّقْ به (¬1)): قال ابن المنير: فيه حجة على جواز التمليك المقيَّد، وتنفيذِه (¬2) بشرطه، وقد اختلف المذهب فيمن أوصى بدنانير ونحوها لزيد على أن يصرفها في التزويج، فقيل: يصح، وقيل: يصح الملك، ويبطل الشرط، وقيل: يبطلان. وظاهر الحديث صحتُهما؛ فإنه -عليه السلام- مَلَّكَه الطعامَ بشرط (¬3) أن يُكَفِّر به، فيجب تصحيحُ الملكِ والشرط، وإنما يحذر التحجير في المعاوضة للغرر، لا في العطية. (على أفقر مني؟): هو (¬4) على حذف همزة الاستفهام، والفعل الذي يتعلق به الجار؛ أي: أتصدق به على أحدٍ أفقرَ مني؟ وكذا قوله بعد هذا: على أحوج منا؟ (فوالله! ما بين لابتيها - يريد: الحرتين - أهلُ بيت أفقرَ من أهل بيتي): قال الزركشي: أهلُ: مرفوعٌ على أنه اسمها، وأفقرَ: - بالنصب - إن (¬5) جعلتَها (¬6) حجازية، وبالرفع، إن جعلتها تميمية (¬7). قلت: وكذا إن جعلناها حجازية ملغاةً من عمل (¬8) النصب بناء على أن ¬

_ (¬1) في "ع": "خذها فتصدق بها". (¬2) في "ع": "وينفذه". (¬3) في "ع" و "ج": "بشرطه". (¬4) "هو" ليست في "ع" و "ج". (¬5) في "ع": "على إن". (¬6) في "ع": "جعلها". (¬7) انظر: "التنقيح" (2/ 449). (¬8) في "ع" و "ج": "العمل".

باب: المجامع في رمضان، هل يطعم أهله من الكفارة إذا كانوا محاويج

قوله: "بين (¬1) لابتيها" خبر مقدم، و"أهلُ بيتٍ" خبر مبتدأ خبره مؤخر، و"أفقرُ" صفة له. باب: المجامع في رمضان، هل يُطْعِمُ أَهْلَهُ مِنَ الكفَّارة إِذا كانوا مَحَاوِيجَ 1111 - (1937) - حَدَّثَنَا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيدِ بْنِ عَبْدِ الرَحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنَّ الإِخِرَ وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي رَمَضَانَ. فَقَالَ: "أتجِدُ مَا تحَرِّرُ رَقَبَةً؟ "، قَالَ: لَا، قَالَ: "فتسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ "، قَالَ: لَا، قَالَ: "أَفَتَجِدُ مَا تُطْعِمُ بِهِ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ "، قَالَ: لَا، قَالَ: فَأُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ - وَهُوَ الزَّبِيلُ -، قَالَ: "أَطْعِمْ هَذَا عَنْكَ". قَالَ: عَلَى أَحْوَجَ مِنَّا، مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ مِنَّا؟! قَالَ: "فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ". (فقال: إن الإِخِر): - بكسر الهمزة وكسر الخاء - هنا؛ أي: الأبعد (¬2)، وضبطه بعضهم: بمد الهمزة، واستُنكر. (وهو الزَّبِيل): بفتح الزاي وكسر الباء. ويروى: "الزَّنْبيل" بكسر الزاي وزيادة نون ساكنة على الزاي. حكى صاحب "المفهم" فتح الزاي فيه أيضًا، وقال: سمي به؛ لأنه ¬

_ (¬1) في "ج": "ما بين". (¬2) في "ع": "لأبعد".

يحمل الزبل، ذكره ابن دريد (¬1). (قال: أطعِمْه أهلَكَ): قال ابن المنير: من لطيف فقه البخاري: أنه ترجم على هذا الحديث بترجمتين يكاد ظاهرُهما يتناقض؛ لأنه ترجم عليه: باب: من تُصُدِّقَ عليه، فليكفِّرْ. وظاهر هذا: أنه يقدم (¬2) الكفارة على إطعام أهله. وترجم عليه - أيضًا -: باب: المجامع في رمضان، هل يطعم أهله من الكفارة؟ وظاهر هذا: أنه يطعمهم. ولا تناقض (¬3) في ذلك، وإنما أراد أن ينبه على أنه إنما أطعمه أهله على أنه كفارة، وقدَّرَهم كالأجانب المحاويج، وكأنه -عليه السلام- جمع له بين المصلحتين: أَدَّى عنه الكفارة، وسَدَّ خَلَّةَ أهلِه. فإن قلت: فتقوم الحجة إذن على مذهب مالك -رحمه الله -؛ فإنه منع أن يعطي الرجل زكاته مَنْ تلزمه النفقةُ، ولو فعل، لم تجزه. قلت: هذا في حق الزكاة؛ لأنه يؤديها، ويوفِّر بها عن نفسه النفقةَ الواجبةَ عليه لغناه، والفرض هنا: أن المكفِّر فقير لا تجبُ عليه نفقة، فما وفَّر بها (¬4) عن نفسه واجبًا، نعم، لو فرضنا أنه عزل زكاته، فعدم المال، وافتقر، والزكاةُ باقية عنده، جاز حينئذ أن (¬5) يعطيها زوجتَه الفقيرة ونحوَها؛ لأنها من ¬

_ (¬1) انظر: "المفهم" للقرطبي (3/ 171). وانظر: "التنتقيح" (2/ 449). (¬2) في "ع": "أنه لم يقدم". (¬3) في "ع": "يتناقض". (¬4) في "ع": "فما وفرتها". (¬5) "أن" ليست في "ج".

المحاويج، ويحتمل - أيضًا (¬1) - أن يأكل منها هو، فظاهر الحديث: أنه أكلَ مع أهله، ولم ينفردوا عنه. وانظر لو حَبَّسَ على المساكين، فصار مسكينًا، هل يتناولُ من حبسِ نفسِه أو لا؟ والظاهر (¬2): أنه يتناول. وفيه دليل على قبول قول مدعي (¬3) الفقر في الزكاة، وأنه يستحقها ويعطاها بقوله من غير إثبات؛ خلافًا لمن يحوج إلى الإثبات في ذلك، وربما يشدد، ويستظهر بزيادة البينة (¬4). قال شيخنا قاضي القضاة شيخُ الإسلام (¬5) جلالُ الدين البلقيني - ذكره الله بالصالحات (¬6) -: الرجلُ المحترفُ المذكور أولًا (¬7)، وفيما بعد ذلك من هذه الأحاديث، هو الأعرابي الذي جامعَ في نهار رمضان، ولم يَثْبُتْ تعيينه. ووقع في "المبهمات" لعبد الغني بن سعيد الأزدي (¬8): أنه سَلَمَةُ بنُ صخرٍ (¬9) البياضىُّ. ¬

_ (¬1) "أيضًا" ليست في "ع" و "ج". (¬2) في "ج": "الظاهر". (¬3) في "ج": "من يدعي". (¬4) في "ع": "التنبيه". (¬5) "شيخ الإسلام" ليست في "ج". (¬6) "ذكره الله بالصالحات" ليست في "ج". (¬7) في "ج": "أوفى". (¬8) في "ج": "الأسدي". (¬9) "صخر" ليست في "ع".

باب: الحجامة والقيء للصائم

وهذا متعقَّب، فسلمةُ إنما ظاهرَ عن زوجته شهرَ رمضان، ورأى خَلخالها في القمر، فوطئها ليلًا. ولا حجة فيما أورده عبد الغني مما (¬1) زعم أنه يدل على ذلك، فليراجع من كلامه. باب: الحِجَامَةِ والقَيءِ للصَّائِمِ 1112 - وَقَالَ لِي يَحْيىَ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلاَّمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيىَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَم بْنِ ثَوْبَانَ: سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ -: إِذَا قَاءَ، فَلاَ يُفْطِرُ، إِنَّمَا يُخْرِجُ وَلاَ يُولجُ. (معاوية بن سلاَّم): بتشديد اللام. باب: الصَّومِ في السَّفَر والإفَطارِ 1113 - (1941) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ: سَمِعَ ابْنَ أَبِي أَوْفَى - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، فَقَالَ لِرَجُلٍ. "انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي". قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! الشَّمْسُ؟ قَالَ: "انْزِلْ فَاجْدَح لِي". قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! الشَّمْسُ؟، قَالَ: "انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي"، فَنَزَلَ، فَجَدَحَ لَهُ، فَشَرِبَ، ثُمَّ رَمَى بِيَدِهِ هَاهُنَا، ثُمَّ قَالَ: "إِذَا رَأَيْتُمُ اللَّيْلَ أَقْبَلَ مِنْ هَاهُنَا، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ". تَابَعَهُ جَرِيرٌ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ ¬

_ (¬1) في "ج": "عما".

باب: إذا صام أياما من رمضان ثم سافر

عَيَّاشٍ، عَنِ الشَّيبَانِيَ، عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: كنتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ. (انزلْ فاجْدَح): - بجيم ساكنة فدال مفتوحة فحاء مهملة -؛ أي: حَرِّكِ السَّويقَ أو اللبنَ بالماء، واخلطه لنفطرَ عليه، والجَدْحُ: خَلْطُ الشيء بغيره، والمِجْدَحُ: العُودُ الذي يُجْدَحُ به، في طرفه عودان. وقال الداودي: اجْدَحْ: احلُبْ، قال القاضي: وليس كما قال (¬1). (فقال: يا رسول الله! الشمسُ): - بالرفع - على أنه مبتدأ (¬2)، والخبر محذوف؛ أي: باقيةٌ، يريد: نورَها، وبالنصب؛ أي: انظر الشمسَ؛ يعني: نورها، ظن أن بقاء النور وإن غاب القرصُ مانعٌ من الإفطار، فأجاب -عليه السلام- بأن ذلك لا يضر، وأعرضَ (¬3) عن الضوء، واعتبر غيبوبةَ الجرم. (ثم رمى بيده هاهنا): أي: وأشار إلى جهة المشرق، وإنما أشار إليه؛ لأن أول الظلمة لا تقبل منه إلا وقد سقط القُرْصُ. باب: إذا صَامَ أيامًا مِنْ رمضانَ ثمَّ سافرَ 1114 - (1944) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 141). وانظر: "التنقيح" (2/ 450). (¬2) في "ع": "أنه خبر مبتدأ". (¬3) في "ج": "اعترض".

شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ أَفْطَرَ، فَأَفْطَرَ النَّاسُ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَالْكَدِيدُ: مَاء بَيْنَ عُسْفَانَ وَقُدَيْدٍ. (الكَديد): - بفتح الكاف -: ما بينه وبين مكة اثنان وأربعون ميلًا، وقد قال البخاري في المتن: والكديد: ماء بين عُسْفانَ وقُدَيْدٍ. * * * 1115 - (1946) - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُم -، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، فَرَأَى زِحَامًا، وَرَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: "مَا هَذَا؟ "، فَقَالُوا: صَائِمٌ، فَقَالَ: "لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ". (فرأى زحامًا، ورجلًا (¬1) قد ظُلل عليه): هذا الرجل هو أبو إسرائيل العامريُّ، كذا قاله مغلطاي نقلًا عن الخطيب، وفيه نظر. وفيه وقوع النكرة مبتدأ، والمسوِّغ هنا كونُها بعد واو الحال. (ليس من البر الصومُ في السفر): قال الزركشي: "من" زائدة لتأكيد النفي، وقيل: للتبعيض، وليس بشيء. قلت: هذا عجيب، أجازَ ما المانعُ منه قائم، ومنعَ ما لا مانعَ منه، ¬

_ (¬1) "ورجلًا" ليست في "ع".

وذلك أن من شروط زيادة "من" أن يكون مجرورها نكرة، وهو في الحديث معرفة، هذا المذهب المعوَّلُ عليه، وهو مذهب البصريين؛ خلافًا للأخفش والكوفيين، وأما كونها للتبعيض، فلا يظهر لمنعه وجه؛ إذ المعنى: أن الصوم في السفر ليس معدودًا من أنواع البر. ثم قال: وروى أهل اليمن "لَيْسَ مِنَ البِرِّ الْصِيَامُ فِي الْسَفَرِ"، فأبدلوا من اللام ميمًا، وهي قليلة (¬1). قلت: هذا يوهم أن في البخاري في هذا المتن رواية لأهل اليمن بما قاله، وليس كذلك. قال ابن دقيق العيد (¬2) وأُخذ من هذا أن كراهة الصوم في السفر لمن (¬3) هو في مثل هذه الحالة ممن يُجهده الصومُ، ويشقُّ عليه، أو يؤدي به إلى ترك ما هو أولى من القُربات، وكان قوله: "ليسَ منَ البرِّ الصيامُ في السفر" منزلًا على مثل هذه الحالة (¬4). [قلت: فيكون اللام للعهد؛ أي: هذا الصوم الواقع في هذه الحالة] (¬5)، لا لاستغراق الجنس، وإلى هذا المعنى يشير تبويب البخاري، قال: ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 451). (¬2) "العيد" ليست في "ع". (¬3) في "ع": "السفر ليس معدودًا لمن". (¬4) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 225). (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و "ج".

باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن ظلل عليه، واشتد الحر: "ليس من البر الصوم في السفر"

باب: قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِمَنْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، وَاشْتَدَّ الْحَرُّ: "لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ" (باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن ظُلِّلَ عليه). (ليس من البر الصيام (¬1) في السفر): قال ابن دقيق العيد: والظاهرية المانعون من الصوم في السفر، يقولون: إن اللفظ عام، والعبرةُ بعموم اللفظ لا بخصوص السبب (¬2). قال: ويجب أن يُتنبَّه للفرق بين دلالة السياق، والقرائنِ الدالة (¬3) على مراد المتكلم، وبين مجرد ورود العام على [سبب، ولا يُجريهما مجرى واحدًا؛ فإن مجرد ورود العام على] (¬4) السبب لا يقتضي التخصيص به؛ كنزول قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] بسبب سرقة رداء صفوان؛ فإنه لا يقتضي التخصيص به (¬5) بالضرورة لإجماع. أما السياق والقرائن، فإنها (¬6) الدالة (¬7) على مراد المتكلم من كلامه، وهي المرشدة إلى بيان المجمَلات، وتعيين المحتملات (¬8)، فاضبطْ هذه ¬

_ (¬1) نص البخاري: "الصوم". (¬2) في "ع": "النسب". (¬3) في "ج": "السياق والفرق أن الدلالة". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬5) "به" ليست في "ع". (¬6) في "ع": "فإن". (¬7) في "ع" و "ج": "الدلالة". (¬8) "وتعيين المحتملات" ليست في "ع".

باب: من أفطر في السفر ليراه الناس

القاعدة؛ فإنها مفيدة (¬1) في مواضع لا تُحصى، وانظر في قوله - عليه الصلاة والسلام -: "ليسَ من البِرِّ الصيامُ في السفرِ" مع (¬2) حكاية هذه الحالة من أي قَبيل هو، فنزله عليه (¬3). باب: مَنْ أَفْطَرَ في السَّفَر لِيَراهُ النَّاسُ 1116 - (1948) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانة، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ عُسْفَانَ، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ، فَرَفَعَهُ إِلَى يَدَيْهِ لِيُرِيَهُ النَّاسَ، فَأَفْطَرَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ. فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: قَدْ صَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَفْطَرَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ. (أبو عَوانة): بفتح العين المهملة. (ثم دعا بماء، فرفعه إلى يده (¬4) ليراه (¬5) الناس): قال الزركشي: كذا ¬

_ (¬1) في "ع": "مقيدة". (¬2) "مع" ليست في "ع". (¬3) انظر: "شرح عمدة الأحكام" (2/ 225). (¬4) كذا في رواية أبي ذر الهروي وابن عساكر، وفي اليونينية "إلى يديه"، وهي المعتمدة في النص. (¬5) كذا في نسخة لابن عساكر والكشميهني، وفي نسخة لابن عساكر: "ليريه"، وهي المعتمدة في النص.

لأكثرهم: إلى يده، وعند ابن السكن: إلى (¬1) فيه، وهو أظهر، إلا أن تؤول "إلى" في رواية الأكثرين بمعنى "على"؛ ليستقيم الكلام (¬2). قلت: لا أعرف أحدًا ذكر أنَّ "إلى" ترد (¬3) بمعنى "على"، والكلام مستقيم بدون هذا التأويل، وذلك أن "إلى" لانتهاء (¬4) الغاية على بابها، والمعنى: فرفع الماء ممن أتى به إلى يده رفعًا قصدَ به رؤية الناس له، فلابد أن يقع ذلك على وجه يتمكن فيه الناس من رؤيته، ولا حاجة مع ذلك إلى إخراج "إلى" عن بابها أصلًا، وقوله: ["ليَراه الناسُ": - بفتح الياء -، و"الناسُ" فاعله. وسأل ابن المنير: لمَ لم تكن صيغة الترجمة: باب: إفطار النبي - صلى الله عليه وسلم -] (¬5) ليراه الناس: [وكان ذلك أقعد؛ لأنه -عليه السلام- خاصٌّ معيَّنٌ، وقال البخاري: من أفطر عامٌّ غيرُ معين؟ وأجاب: بأنه أراد التنبيه على أن هذا الحكم غيرُ خاصٍّ بالنبي - صلى الله عليه وسلم -] (¬6)، وأن لكل مسافر أن يفطر في أثناء اليوم كما كان مخيرًا في أصل الصوم، وهو المناسب لأحد القولين عندنا في إسقاط الكفارة، ولكن يحتمل أن يكون سقوطها عندنا؛ لأن الفطر جائز، أو لأن المفطِر غيرُ منتهك (¬7)، وإن ¬

_ (¬1) "إلى" ليست في "ع" و"ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 451). (¬3) "ترد" ليست في "ع" و"ج". (¬4) في "ع": "انتهاء". (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬6) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬7) في "ع": "منهتك".

باب: متى يقضى قضاء رمضان؟

كان مخالفًا، وهذا الثاني هو الأصح في النقل. باب: مَتَى يُقْضَى قَضَاءُ رَمَضَانَ؟ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يُفَرَّقَ؛ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185]. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ فِي صَوْمِ الْعَشْرِ: لَا يَصْلُحُ حَتَّى يَبْدَأَ بِرَمَضَانَ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِذَا فَرَّطَ حَتَّى جَاءَ رَمَضَانٌ آخَرُ، يَصُومُهُمَا، وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ طَعَامًا. وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُرْسَلًا، وَابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ يُطْعِمُ. وَلَمْ يَذْكُرِ اللهُ الإطْعَامَ، إِنَّمَا قَالَ: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185]. (حتى جاء رمضانٌ آخرُ): بتنوين رمضان؛ لأنه نكرة، فبقي على سبب واحد، ولذلك وصف (¬1) بالنكرة. * * * 1117 - (1950) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - تَقُولُ: كانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلاَّ فِي شَعْبَانَ. قَالَ يَحْيَى: الشُّغْلُ مِنَ النَّبِيِّ، أَوْ بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (قال يحيى: الشغلُ من النبي - صلى الله عليه وسلم -): أي: أوجبَ ذلك الشغلُ من أجل النبي - صلى الله عليه وسلم -، إذ الشغلُ من أجله، وهذا من البخاري بيان أن هذا الظاهر ليس ¬

_ (¬1) في "ع" و "ج": "وصفت".

باب: من مات وعليه صوم

من قول عائشة بل هو مُدْرَجٌ من قولِ غيرها. قال ابن المنير في تأخير عائشةَ القضاءَ: هل كانت تصومُ يومَ عرفةَ وعاشوراءَ ونحوها من التطوعات؟ الظاهرُ ذلك، فينتظم (¬1) من هذا جوازُ صوم التطوع، وبقاء الفرض في الذمة من غير كراهة؛ خلاف ما نقله أول الترجمة عن ابن المسيب. باب: مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ 1118 - (1953) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ أمِّي مَاتَتْ، وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا؟ قَالَ: "نَعَمْ - قَالَ: - فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى". قَالَ سُلَيْمَانُ: فَقَالَ الْحَكَمُ وَسَلَمَةُ، وَنَحْنُ جَمِيعًا جُلُوسٌ حِينَ حَدَّثَ مُسْلِمٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ - قَالاَ: - سَمِعْنَا مُجَاهِدًا يَذْكُرُ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. (جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -, فقال: إن أمي ماتت, وعليها صومُ شهر): حكى البخاري فيه اختلافًا، ففي رواية: "قالت امرأة (¬2): إن أختي ماتت"، وفي ¬

_ (¬1) في "ع": "منتظم". (¬2) "امرأة" ليست في "ع".

رواية: "قالت امرأة (¬1): إن أمي ماتت"، [وفي رواية: "إن أمي ماتت، وعليها صومُ نذر"، وفي رواية: "قالت امرأة: إن أمي ماتت] (¬2) وعليها صومُ خمسةَ عشرَ يومًا"، وهذا اختلاف إن لم يحمل على اختلاف وقائع، وهو الظاهر (¬3). * * * 1119 - (1953/ م) - وَيُذْكَرُ عَنْ أَبي خَالِدٍ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنِ الْحَكَم وَمُسْلِمٍ الْبَطِينِ وَسَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءً وَمُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَتِ امْرَأة لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ أُخْتِي مَاتَتْ. وَقَالَ يَحْيىَ وَأَبُو مُعَاوِيةَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَتِ امْرَأةٌ لِلنَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ. وَقَالَ عُبَيْدُ اللِه، عَنْ زيدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَتِ امْرَأة لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ أمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ. وَقَالَ أَبُو حَرِيزٍ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَتِ امْرَأة لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: مَاتَتْ أُمِّي، وَعَلَيْهَا صَوْمُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. (وقال أبو حَريز): - بحاء مهملة مفتوحة فراء فمثناة من تحت فزاي - اسمه عبد الله بن حسين (¬4). ¬

_ (¬1) "امرأة" ليست في "ع". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬3) انظر: "شرح مسلم" للنووي (8/ 24)، و "التوضيح" لابن الملقن (13/ 387). (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 451).

باب: متى فطر الصائم

باب: مَتَى فِطْرُ الصَّائم 1120 - (1954) - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبي يَقُولُ: سَمِعْتُ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ أَبِيهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَاهُنَا، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَاهُنَا، وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ". (إذا أقبل الليل من هاهنا (¬1)، وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم): أي: وإن لم يفعل شيئًا مما (¬2) أبيح للمفطر، بل بمجرد غروب الشمس انقضى (¬3) وقتُ الصوم، وقد قيل فيمن حلف: لا يفطر وهو صائم: إنه يحنث بدخول الليل، أكل أو لا، وفيه نظر على مذهبنا إذا فرعنا على رعاية (¬4) المقاصد لا الألفاظ. باب: إذا أَفْطَرَ في رمضانَ، ثمَّ طلعتِ الشَّمسُ 1121 - (1959) - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبي بَكْرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَتْ: أفطَرْنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ غَيْمٍ، ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ. قِيلَ لِهِشَامٍ: ¬

_ (¬1) في "م": "هنا". (¬2) "مما" ليست في "ج". (¬3) في "ع": "اقتضي". (¬4) في "ع": "رواية".

باب: صوم الصبيان

فَأُمِرُوا بِالْقَضَاءِ؟ قَالَ: بُدٌّ مِنْ قَضَاءٍ. وَقَالَ مَعْمَرٌ: سَمِعْتُ هِشَامًا: لَا أَدْرِي أَقْضَوْا أَمْ لَا؟ (أفطرنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومَ غيمٍ، ثم طلعتِ الشمسُ): قال ابن المنير: والحكمة في اتفاق هذا في زمنه -عليه السلام- أن لا يكون للشيطان على الناس سبيل في تقنيطهم من رحمة الله، وتغييرهم لأحكام الله، وظنهم أنهم مخاطبون بالباطن (¬1) لا بالظاهر، فأعلم الله (¬2) بذلك أنهم إنما (¬3) خوطبوا بالظن، والظاهر، فإذا اجتهدوا وأخطؤوا، فلا حرج عليهم، وعلى هذا البيان فليست العامة إلا أتباعًا للشياطين (¬4)، تراهم إذا أُغْمي عليهم، ثم ثبتَ في أثناء اليوم أنه من الشهر، أحالوا العيبَ على الحكام، وكلَّفوهم الشَّطَطَ، ونسبوهم إلى التقصير، فإنهم فَطَّروا الناسَ يومًا من رمضان، وهذه وسوسةٌ من الشيطان، نعوذُ بالله منها. باب: صَوْمِ الصِّبْيَانِ وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - لِنَشْوَانٍ فِي رَمَضَانَ: وَيْلَكَ! وَصِبْيَانُنَا صِيَامٌ؟! فَضَرَبَهُ. (وقال عمر لنشوان): قال الزركشي: بالصرف وتركه (¬5). ¬

_ (¬1) في "ع": "بالظن". (¬2) في "ج": "فالله أعلم". (¬3) "إنما" ليست في "ع"، وفي "ج": "لما". (¬4) "للشياطين" ليست في "ع" و "ج". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 451).

قلت: ووجهه أن الزمخشري حكى في مؤنثه: نَشْوانَةٌ، وابن سيده حكى: نشْوَى (¬1)، فمن اعتبر في منع الصرف انتفاء فعلانة، صرفه، ومن اعتبر وجود فَعْلى، منعه، والمراد به هنا: السكران. قال الجوهري: ورجل نشيانُ للأخبار بَيِّنُ النِّشوة - بالكسر -، وإنما قالوا بالياء؛ للفرق بينه وبين نشوان؛ أي: سكران بين النَّشوة، بالفتح (¬2). * * * 1122 - (1960) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ، عَنِ الرُّبيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ، قَالَتْ: أَرْسَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ: "مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا، فَلْيَصُمْ". قَالَتْ: فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ، أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإفْطَارِ. (ونصوِّمُ صبياننا؟!): وهذا من تمرين الصبيان على الطاعات، وتعويدهم العبادات. وقال القرطبي: هذا أمر فعلَه النساءُ بأولادهن، ولم يثبت علمُه -عليه السلام- بذلك، وبعيد أن يأمر بتعذيب صغير بعبادة شاقة غير متكررة في السنة (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: "المحكم" (8/ 124). (¬2) انظر: "الصحاح" (6/ 2509)، (مادة: ن ش 1). (¬3) انظر: "المفهم" (3/ 197).

باب: التنكيل لمن أكثر الوصال

والمشهورُ عند المالكية الفرقُ بين الصلاة والصيام، فيدَرَّبون على الصلاة، ولا يكلَّفون الصيام، هذا مذهب (¬1) "المدونة". قال ابن المنير: وكأن العادة (¬2) شهدت بأن الصوم محروس؛ لندوره في العام (¬3)، فلا يحتاج إلى تدريب، ولهذا لا يفرِّطُ فيه غالبًا [مَنْ يفرط (¬4) في الصلاة غالبًا] (¬5). (اللُّعْبة): - بضم اللام وإسكان العين المهملة وبالباء الموحدة -: صورةٌ تُتَّخَذُ للصغار يلعبون بها، قال الجوهري: وكلُّ ملعوبٍ به فهو (¬6) لعبةٌ (¬7). باب: التَّنْكِيلِ لِمَنْ أَكْثَرَ الْوِصَالَ (باب: التنكيل لمن أكثر الوصال): وفي نسخة: "التنكير"، بالراء لا باللام. 1123 - (1965) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، ¬

_ (¬1) في "ج": "مذاهب". (¬2) في "ع": "وكان الفرق وكان العادة". (¬3) في "ج": "في بعض العام". (¬4) في "ج": "يفطر". (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬6) "فهو" ليست في "ج". (¬7) انظر: "الصحاح" (1/ 219)، (مادة: لعب).

قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْوِصَالِ فِي الصَّوْمِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "وَأَيُّكُمْ مِثْلِي؟! إِنِّي أَبيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ". فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنِ الْوِصَالِ، وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا، ثُمَّ يَوْمًا، ثُمَّ رَأَوُا الْهِلاَلَ، فَقَالَ: "لَوْ تَأَخَّرَ، لَزِدْتُكُمْ"؟ كَالتَّنْكِيلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا. (فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال، واصلَ بهم يومًا، [ثم] يومًا): هذا مما يدل على أن النهي عن الوصال لم يكن للتحريم، وإنما هو للكراهة. قال ابن المنير: وإذا كان الوصال مكروهًا، فلو نذر، لكان الظاهر أن لا يلزمُه؛ لأن الذي (¬1) فيه من شائبة العبادة يَرجع إلى معنى التقليل من الشهوات، والتخلق بالرياضات والمجاهدات، ومثلُ هذا لا يلزم بالنذر، ولو نذر لا يأكلُ لحمًا، ولا يطأ امرأته تقللًا وتزهدًا، لم يلزمه ذلك. * * * 1124 - (1966) - حَدَّثَنَا يَحْيىَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ"، مَرَّتَيْنِ، قِيلَ: إِنَّكَ تُوَاصِلُ، قَالَ: "إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ، فَاكلَفُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ". (فاكلَفوا): - بهمزة وصل وفتح اللام -، كذا رواه الجمهور، وهو الصواب، يقال: كَلِفْتُ بالشيء: أُولِعْتُ به، ولبعضهم: بهمزة قطع ولام ¬

_ (¬1) في "ع": "الذين".

باب: من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع، ولم ير عليه قضاء إذا كان أوفق له

مكسورة، ولا يصح عند اللغويين، قاله القاضي (¬1). باب: مَنْ أَقْسَمَ على أخيهِ ليُفْطِر في التَّطوعِ، ولم يرَ عليهِ قضاءً إذا كانَ أوفقَ لَهُ 1125 - (1968) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعُمَيْسِ، عَنْ عَوْنِ ابْنِ أَبي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: آخَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتبَذِّلَةً، فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءَ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا. فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَقَالَ: كُلْ، قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ، قَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ، قَالَ: فَأَكَلَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ، ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءَ يَقُومُ، قَالَ: نَمْ، فَنَامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ، فَقَالَ: نَمْ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، قَالَ سَلْمَانُ: قُمِ الآنَ، فَصَلَّيَا، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إِن لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقِّ حَقَّهُ، فَأتى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "صَدَقَ سَلْمَانُ". (فرأى أُمَّ الدرداء مبتذلَةً): - بذال معجمة -؛ من ثياب البذلة، وهي المهنة، وروي: بتقديم المثناة على الموحدة، على صيغة مُتفعلة بالتثقيل، وعكسه على صيغة مُفْتَعِلَة بالتخفيف، وأُمُّ الدرداء [هذه هي الكبرى، واسمها خيرةُ بنتُ أبي حَدْرَدٍ الأسلميِّ (¬2) في قول أحمد، ويحيى، وأُمُّ ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 341). وانظر: "التنقيح" (2/ 453). (¬2) "الأسلمي" ليست في "ع".

الدرداء] (¬1) الصغرى اسمُها هُجَيْمَةُ، والصحبةُ للكبرى (¬2)، وتُوفيت بالشام في خلافة عثمان قبل أبي الدرداء، ولم يرو عنها شيء في الكتب الستة، وروت الصغرى عنه فيها (¬3). (فقال: كُلْ، [قال]: فإني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل): وفي آخر الحديث: فأتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فذكر ذلك كلَّه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "صَدَقَ سَلْمانُ". قال ابن المنير: لا تجد المالكيةُ ما يدل على تحريم الأكل في صوم النفل من غير عذر إلا الأدلة العامة؛ كقوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33]، إلا أن الخاص يقدم على العام؛ كحديث سلمانَ ونحوه، فمذهب الشافعي في هذه المسألة أظهر، والله أعلم (¬4). وفي حكايات أهل الطريق: أن بعض الشيوخ حضر دعوة، فعرضَ الطعام على تلميذه، فقال: إني على نية، وأبى أن يأكل، فقال له الشيخ: كل، وأنا أضمنُ لك أجر سنة، فأبى، فقال الشيخ: دعوه؛ فإنه سقط من عين الله. وترجم البخاري على هذا الحديث بقوله: باب: من أقسم على أخيه، ولم يذكر في حديث أبي الدرداء هذا قَسَمًا (¬5) من سلمان، فإما لأنه في (¬6) ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬2) في "ج": "الكبرى". (¬3) انظر: "التوضيح" (13/ 423). (¬4) في "ع": "أظهر وأعلم". (¬5) في "ع": "قسمان". (¬6) في "ع": "من".

باب: صوم شعبان

طريق آخر، وإما لأنه تأول عليه: وأقسم، وقدر كلامَ سلمانَ جوابَ قسم محذوف؛ كما تُؤُوِّلَ ذلك في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: 71]، وذلك كله تضجيع من البخاري في الفطر، لا العذر من قَسَم وضرورةٍ ونحوِها، فتأمله. قلت: يحتاج إلى إثبات الطريق التي (¬1) وقع فيها القَسَم، والاحتمالُ ليس كافيًا في ذلك، وتقديرُ قسم هنا تقديرُ ما لا دليل عليه، فلا يُصار إليه. باب: صومِ شعبانَ 1126 - (1969) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ حَتَّى نقُولَ: لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نقُولَ: لَا يَصُومُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اسْتكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ. (وما رأيته أكثرَ صيامًا منه في شعبان): بنصب "صيامًا". قال الزركشي: ورُوي بالخفض. قال السهيلي: وهو وهم، وربما بُني اللفظ على الخط؛ مثل أن يكون رآه مكتوبًا بميم مطلقة، على مذهب من يرى الوقفَ على الميم المنصوب بغير ألف، فتوهمه (¬2) مخفوضًا، لاسيما وصيغةُ أفعلَ تضاف كثيرًا، فتوهمها ¬

_ (¬1) في "ع": "الذي". (¬2) في "ع": "فهو همة".

مضافة، وإضافتُه هنا لا تجوز قطعًا (¬1). * * * 1127 - (1970) - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيىَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ: أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - حَدَّثَتْهُ، قَالَتْ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كلَّهُ، وَكَانَ يَقُولُ: "خُذُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ؛ فَإِنَّ اللهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا"، وَأَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَا دُووِمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَلَّتْ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلاَةً، داوَمَ عَلَيهَا. (فإنه كان يصوم شعبانَ كلَّه): يحتاج إلى الجمع بين هذا وبين روايتها الأولى: "ما رأيته أكثرَ صيامًا منه في شعبانَ"، فقيل: الأولُ مفسِّرٌ للثاني، ومبينٌ (¬2) بأن المراد بالكل الأكثر. وقيل: كان يصوم مرة كله، ومرة ينقص منه؛ لئلا يتوهم وجوبه. وقيل: في قولها (¬3): "كلَّه" أنه يصوم في أوله، وفي وسطه، وفي آخره، ولا يخص شيئًا منه، ولا يعمه بصيامه، كذا في الزركشي (¬4). قلت: الثلاثة كلها ضعيفة: أما الأول: فلأن إطلاق الكل على الأكثر مع الإتيان به توكيدًا غيرُ معهود. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 453). (¬2) في "ع": "وتبين". (¬3) في "م": "قوله". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 453).

وأما الثاني: فلأن قولها: "كان يصوم شعبان كله" يقتضي تكرر (¬1) الفعل، وأن ذلك عادة له على ما هو المعروف في مثل (¬2) هذه العبارة. وأما الثالث: فلأن أسماء الشهور إذا ذكرت غيرَ مضافٍ إليها لفظُ (¬3) شهر، كان العمل عامًا لجميعها، لا تقول: سرتُ المحرمَ، وقد سرتَ بعضًا منه، ولا تقول: صمتُ رمضانَ وإنما صمتَ بعضَه، فإن أضفت الشهر إليه، لم يلزم التعميم، هذا مذهب سيبويه، وتبعه عليه غيرُ واحد. قال الصفار: ولم يخالف في ذلك إلا الزجَّاجُ، فينبغي أن يُفكر في وجه الجمع بغير هذه (¬4) الطرق. ويمكن أن يقال: إن قولها: "وما رأيته أكثرَ صيامًا منه في شعبان" لا ينفي صيامَه بجميعه، فإن المراد: أكثريةُ صيامه فيه على صيامه في غيره من الشهور التي لم يفرض فيها الصوم، وذلك صادق بصومه كله؛ لأنه إذا صامه جميعه، صدق أن الصوم الذي أوقعه فيه أكثرُ من الصوم الذي أوقعه في (¬5) غيره ضرورةَ (¬6) أنه لم يصم غيره مما (¬7) عدا رمضان كاملًا. فإن قلت: فماذا تصنع بقولها في هذا الحديث: "لم يستكمل صيامَ شهرٍ إلا رمضان"؟ ¬

_ (¬1) في "ج": "تكرار". (¬2) "مثل" ليست في "ج". (¬3) في "ج": "اسم". (¬4) في "م": "هذا". (¬5) "في" ليست في "ج". (¬6) في "ع": "الذي أوقعه فيه ضرورة". (¬7) في "ع": "ما".

قلت: يُحمل على الحذف؛ أي (¬1): إلا رمضان وشعبان؛ بدليل قولها في الطريق الأخرى: "فإنه كان يصوم شعبانَ كلَّه"، وحذفُ المعطوفِ والعاطفِ جميعًا ليس بعزيز (¬2) في كلامهم. ففي التنزيل: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} [الحديد: 10]؛ أي: ومَنْ أنفقَ من بعدِه، وفيه (¬3): {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81]؛ أي: والبرد، وفيه: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196]؛ أي: فإن أحصرتم فحللتم، وفيه: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} [البقرة: 196]؛أي: فحلقَ. ويمكن الجمع بطريق أخرى (¬4)، وهي أن يكون قولها: "وكان يصوم شعبان كله" محمولًا على حذف أداة الاستثناء والمستثنى؛ أي (¬5): إلا قليلًا منه. ويدل عليه ما حكاه ابن بطال عن عبد الرزاق: أنه روى من طريق أبي سلمة، قال: "سألتُ عائشةَ عن صيامِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، [فذكرتِ الحديثَ، وقالت: ما رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - (¬6) أكثرَ صيامًا منه في شعبان؛ فإنه كان يصومه كله إلا قليلًا" (¬7). ¬

_ (¬1) "أي" ليست في "ج". (¬2) في "ع": "تعزيز"، وفي "ج": "تقدير". (¬3) في "ج": "ففيه". (¬4) في "ع" و "ج": "الأخري". (¬5)) "أي" ليست في "ع". (¬6) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬7) رواه عبد الرزاق في "مصنفه" (7861)، وانظر: "شرح ابن بطال" (4/ 116).

باب: ما يذكر من صوم النبي - صلى الله عليه وسلم - وإفطاره

فإن قلت: من ذا الذي من أئمة العربية أجاز مثلَ هذا الحذف (¬1)؟ قلت: قال ابن هشام في "مغنيه": والله لا أعلم أحدًا أجازه إلا أن السهيلي قال في قوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23)} [الكهف: 23]: إن الأصل: إلا قليلًا إلا أن يشاء الله، فتضمن كلامُه حذفَ أداة الاستثناء والمستثنى جميعًا (¬2). فإن قلت: فهذا مثلُ الوجه الذي أنكرتَه من كونِ الكلِّ بمعنى الأكثر. قلت: هو في المعنى مثله، إلا أن هذا مستنِدٌ (¬3) إلى تنزيل اللفظ على المقصود بطريقٍ قال بها بعضُ النحاة، وليس الأولُ كذلك، وقد استبان لك وجهُ الجمع على تقدير أن يكون الواقع صيامه لشعبان كله، أو لأكثره (¬4)، فتأمله. باب: ما يُذْكرُ مِنْ صَومِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وإفطارَهُ 1128 - (1973) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، عَنْ صِيَامِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: مَا كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَرَاهُ مِنَ الشَّهْرِ صَائِمًا إِلاَّ رَأَيْتُهُ، وَلاَ مُفْطِرًا إِلاَّ رَأَيْتُهُ، وَلاَ مِنَ اللَّيْلِ قَائِمًا إِلاَّ رَأَيْتُهُ، وَلاَ نَائِمًا إِلاَّ رَأَيْتُهُ، وَلاَ مَسِسْتُ خَزَّةً ¬

_ (¬1) في "ع": "الحديث". (¬2) انظر: "مغني اللبيب" (ص: 837). (¬3) في "ع" و "ج": "هذا استثناء". (¬4) في "ج": "لأكثر".

باب: حق الضيف في الصوم

وَلاَ حَرِيرَةً أليَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلاَ شَمِمْتُ مِسْكَةً وَلاَ عَبِيرَةً أَطْيَبَ رَائِحَةً مِنْ رَائِحَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. (ولا مَمسِسْت): - بكسر السين الأولى - على الأفصح. (خَزِّة): هي القطعةُ من الخز، والحريرةُ: واحدة الحرير، وكذا القول في مِسكة، وعبيرة (¬1). (ولا شمِمت): بكسر الميم الأولى. قال ابن درستويه: والعامة تخطئ في فتحها. وليس كما قال، بل هي لغة حكاها الفراء. ومضارع الأول أَشَمُّ، بفتح الشين، والثاني: أَشُمُّ، بضمها (¬2). باب: حَقِّ الضَّيف في الصَّومِ 1129 - (1974) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا هَارُونُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا يَحْيىَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو ابْنِ الْعاصِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ؛ يَعْنِي: "إِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا". فَقُلْتُ: وَمَا صَوْمُ داوُدَ؟ قَالَ: "نِصْفُ الدَّهْرِ". (وإن لزَورك عليك حقًا): - بفتح الزاي - بمعنى: الزائر (¬3) والضيف، ¬

_ (¬1) في "ع": "القول في مثله وغيره". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 454). (¬3) "بمعنى الزائر" ليست في "ج".

باب: حق الجسم في الصوم

قالوا (¬1): وهو مصدر وضع موضعَ الاسم؛ كصوم ونوم؛ بمعنى: صائم ونائم، وقد يكون اسمَ جمع له واحدٌ من اللفظ، وهو زائر؛ كراكب ورَكْب. وإنما ذكر هذه الحقوق؛ لأن القيام والصيام يمنعانها، وإذا تعارضت، قدم الأولى. باب: حَقِّ الجسْمِ في الصَّومِ 1130 - (1975) - حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيىَ بْنُ أبي كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا عَبْدَ اللَّهِ! أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟ ". فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "فَلاَ تَفْعَلْ، صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ؛ فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ؛ فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كلِّهِ". فَشَدَّدْتُ، فَشُدِّدَ عَلَيَّ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً؟ قَالَ: "فَصُمْ صِيَامَ نبَيِّ اللهِ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -، وَلاَ تَزِدْ عَلَيْهِ". قُلْتُ: وَمَا كَانَ صِيَامُ نبَيِّ اللهِ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -؟ قَالَ: "نِصْفَ الدَّهْرِ". فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقُولُ بَعْدَ مَا كبِرَ: يَا لَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (وإن بحسْبك): - بإسكان السين - اسم إنَّ، والباء فيه زائدة. ¬

_ (¬1) في "ج": "قال".

باب: حق الأهل في الصوم

وانظر هل يجوز أن يكون خبرًا مقدمًا؛ لأنه جار ومجرور، وان كان حرف الجر زائدًا، وهو عندي بعيد، أو ممتنع، فتأمله. (أن تصوم): في محل رفع على أنه خبر "إن"، وينبغي (¬1) أن يكون هذا الإعراب متعينًا، ويؤخذ منه صحة ما ذهب إليه ابنُ مالك في قولك (¬2): بحسبك زيدٌ: إن حسبك مبتدأ، وزيدٌ خبره، وإنه من باب الإخبار بالمعرفة (¬3) عن النكرة؛ لأن (¬4) حسبك لا يتعرف بالإضافة. (قال: نصفَ الدَّهر): - بالنصب - على أنه خبر "كان" محذوف؛ أي (¬5): كان صيامُه نصفَ الدهر. باب: حقَّ الأهلِ في الصَّومِ 1131 - (1977) - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: سَمِعْتُ عَطَاءً: أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ الشَّاعِرَ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ عَمْرٍو - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: بَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَنِّي أَسْرُدُ الصَّوْمَ، وَأُصَلِّى اللَّيْلَ، فَإِمَّا أَرْسَلَ إِلَيَّ، وَإِمَّا لَقِيتُهُ، فَقَالَ: "أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُوم وَلاَ تُفْطِرُ، وَتُصَلِّي وَلاَ تَنَامُ؟ فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ ¬

_ (¬1) في "ع": "في محل رفع خبر، أي وينبغي". (¬2) في "ع": "قوله". (¬3) في "ج": "في المعرفة". (¬4) في "ج": "لا". (¬5) في "ج": "إن".

حَظًّا، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ وَأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَظًّا". قَالَ: إِنِّي لأَقْوَى لِذَلِكَ، قَالَ: "فَصُمْ صِيَامَ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -". قَالَ: وَكيْفَ؟. قَالَ: "كَانَ يَصُومُ يَوْمًا، وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَلاَ يَفِرُّ إِذَا لاَقَى". قَالَ: مَنْ لِي بِهَذ يَا نبَيَّ اللهِ؟ قَالَ عَطَاءٌ: لَا أَدْرِي كيْفَ ذَكرَ صِيَامَ الأَبَدِ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا صَامَ مَن صَامَ الأَبَدَ"، مَرَّتَيْنِ. (أَسْرُدُ الصومَ): أي: دائمًا. (قال: مَنْ لي بهذه): أي: من (¬1) يتكفل لي بهذه الخصلة؟ (لا صام مَنْ صام الأبدَ (¬2)): هذا دعاء، وإلاَّ وجبَ تكرارُ "لا". وأما قوله -عليه السلام- في حديث المرأة التي صامت حتى ماتت (¬3): "لا صَامَتْ وَلا أَفْطَرَتْ" (¬4)، فالظاهرُ أنه خبرٌ لا دعاء، وما يدعى على الميت بأن لا يصوم، وإنما معناه: لا هي حَصَّلَتْ مقصودَ الصوم من الأجر، ولا هي حصلت مقصودَ الفطر من الرخصة والتوسعة؛ كقوله: "فَإِنَّ المُنْبَتَّ لا أَرْضًا قَطَعَ، وَلا ظَهْرًا أَبْقَى" (¬5). ¬

_ (¬1) "من" ليست في "ج". (¬2) في "ع" و "ج": "الدهر". (¬3) "حتى ماتت" ليست في "ع". (¬4) رواه عبد الرزاق في "مصنفه" (20571)، عن أبي قلابة، مرسلًا. (¬5) رواه البيهقي في "سننه" (3/ 18)، والقضاعي في "مسند الشهاب" (1147) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وإسناده ضعيف.

باب: صوم يوم وإفطار يوم

باب: صومِ يومٍ وإفطارِ يومٍ 1132 - (1978) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُغِيرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "صُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ". قَالَ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَمَا زَالَ حَتَّى قَالَ: "صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا"، فَقَالَ: "اقْرَإِ الْقُرآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ". قَالَ: إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ، فَمَا زَالَ حَتَّى قَالَ: "فِي ثَلاَثٍ". (فما زال حتى قال: في ثلاث): ورواية مسلم: "فَاقْرَأْهُ في سَبْعٍ ولا تَزِدْ" (¬1)، ولهذا منع كثيرٌ من العلماء الزيادةَ على سبع (¬2). باب: صومِ داودَ عليه السَّلامُ 1133 - (1979) - حَدَّثَنَا آدَمُ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ: حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبي ثَابِتٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ الْمَكِّيَّ - وَكانَ شَاعِرًا، وَكانَ لَا يُتَّهَمُ فِي حَدِيثِهِ -، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ -صلي الله عليه وسلم -: "إِنَّكَ لَتَصُومُ الدَّهْرَ، وَتَقُومُ اللَّيْلَ"، فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: "إِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ، هَجَمَتْ لَهُ الْعَيْنُ، وَنفَهَتْ لَهُ النَّفْسُ، لَا صَامَ مَنْ صَامَ الدَّهْرَ، صَوْمُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ صَوْمُ الدَّهْرِ كلِّهِ". قُلْتُ: فَإِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: "فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -، كانَ يَصُومُ يَوْمًا، وَيُفْطِرُ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1159). (¬2) في "ع": "السبع".

يَوْمًا، وَلاَ يَفِرُّ إِذَا لاَقَى". (هَجَمت له العينُ): - بفتح الهاء والجيم -؛ أي: غارَتْ ودخلَتْ في موضعها. (ونَهِثت (¬1)): بفتح النون وكسر الهاء. قال القاضي: كذا لهم، وعند النسفي: "نَهِثَتْ، أو نَفِهَت": يعني: بالمثلثة مثل الأول، وبالفاء مكانها، ومعناه: أَعْيَتْ وكَلَّتْ (¬2). * * * 1134 - (1980) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أبي قِلاَبَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْمَلِيح، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِيكَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، فَحَدَّثَنَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذُكِرَ لَهُ صَوْمِي، فَدَخَلَ عَلَيَّ، فَأَلْقَيْتُ لَهُ وِسَادَةً مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، فَجَلَسَ عَلَى الأَرْضِ، وَصَارَتِ الْوِسَادَةُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، فَقَالَ: "أَمَا يَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ؟ ". قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "خَمْسًا". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "سَبْعًا". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "تِسْعًا". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "إِحْدَى عَشْرَةَ". ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا صَوْمَ فَوْقَ صَوْمِ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -، شَطْرَ الدَّهْرِ، صُمْ يَوْمًا، وَأَفْطِرْ يَوْمًا". ¬

_ (¬1) كذا في رواية أبي الوقت وابن عساكر، وفي اليونينية: "نفهت" وهي المعتمدة في النص. (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 22، 29).

باب: صيام أيام البيض: ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة

(لا صومَ فوق صوم داودَ شطرَ الدهر): برفع (¬1) الشطر ونصبه وجره. باب: صِيَامِ أَيَّامِ الْبِيضِ: ثَلاَثَ عَشْرَةَ، وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَخَمْسَ عَشْرَةَ (باب: صيام البيض): ليس في حديث أبي هريرة أن في الثلاثة التي أوصاه بصيامها في كل شهر هي الأيام البيض، لكن ثبت ذلك في السنن، فلما لم يكن على شرطه، أشار إليه في الترجمة. وقال ابن المنير: ترجم على الأيام البيض، و (¬2) ذكر حديثًا في صوم ثلاثة من كل شهر مطلقًا، وقد وردت أحاديث بالتخصيص (¬3) لم يرتضها (¬4)، فنبه بالترجمة على أن الأحوط للمتطوع أن يخص الثلاث بهذه الأيام البيض، [فيجمع بين ما صحَّ وما احتمل أن يكون صحيحًا، وأنكر بعض اللغويين أن يقال: الأيام البيض] (¬5)، وقال: إنما هي الليالي البيض، وإلا فالأيام كلُّها بِيض، وهذا وهم منه، والحديث يرد عليه. قلت: يريد ما ذكره ابن بطال عن شعبة، من طريق عبد الملك ابن المنهال، عن أبيه، قال: أمرني النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالأيام البيض، و (¬6) قال: ¬

_ (¬1) في "ع": "فرفع". (¬2) الواو ليست في "ع". (¬3) "بالتخصيص" ليست في "ع". (¬4) في "ع": "يربطها". (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬6) الواو ليست في "ع".

"هو (¬1) صَوْمُ الدَّهْرِ" (¬2). ثم (¬3) قال: واليومُ اسمٌ يدخل فيه الليل والنهار، وما كلُّ يوم أبيض بجملته إلا هذه الأيام؛ فإن نهارها أبيض، وليلها - أيضًا - أبيض، فصارت كلها بيضاء، وأظنه سبق إلى وهمه أن اليوم هو النهار خاصة. قلت: الظاهر أن مثل هذا ليس بوهم؛ فإن اليوم وإن كان عبارة عن الليل والنهار جميعًا، لكنه بالنسبة إلى الصوم إنما هو النهار خاصة، وعليه: فكل يوم يُصام هو (¬4) أبيض؛ لعموم (¬5) الضوء له من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فينبغي أن يقال: أيام البيض؛ أي: أيام الليالي البيض، وإليه تشير ترجمة البخاري؛ حيث فسر البيض "بثلاث (¬6) عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة"، وهي البِيض، حكاه مغلطاي. وفي لفظ الترمذي: "مَنْ كَانَ مِنْكُمْ صَائِمًا، فَلْيَصُمِ الثَّلاثَةَ (¬7) البِيضَ" (¬8)، وهذا مما يشهد لابن المنير. ¬

_ (¬1) في "ع": "وهو". (¬2) رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (19/ 15)، وانظر: "شرح ابن بطال" (4/ 124). (¬3) "ثم" ليست في "ع". (¬4) في "ع": "فهو". (¬5) "لعموم" ليست في "ع". (¬6) في "ع": "بثلاثة". (¬7) في "ج": "الثلاثة". (¬8) قلت: لم يروه الترمذي بهذا اللفظ، وإنما رواه الخطيب في "تاريخه" (11/ 20). ولعل المؤلف قد انتقل نظره إلى كلام سابق في "التوضيح" لابن الملقن (13/ 473 - 474) حيث ينقل عنه في هذا الموضع، والله أعلم.

باب: من زار قوما فلم يفطر عندهم

وأذكرَني هذا ما (¬1) نظمتُه قديمًا حيث قلتُ: صَحَا القَلْبُ عَنْ جَهْلِ الشَّبَابِ وَغَيِّهِ (¬2). . . وَعُوِّضْتُ مِنْهُ بِالتُّقَى خَيْرَ تَعْوِيضِ وَمُذْ لاحَ صُبْحُ الشَّيْبِ صُمْتُ عَنِ الهَوَى. . . فَلا تُنْكِرُوا صَوْمِي بِأَيَّامِهِ البِيضِ باب: مَنْ زارَ قومًا فلم يُفْطِرْ عندَهمُ 1135 - (1982) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِدٌ - هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ -: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ، فَأَتَتْهُ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ، قَالَ: "أَعِيدُوا سَمْنَكُمْ فِي سِقَائِهِ، وَتَمْرَكُمْ فِي وِعَائِهِ، فَإِنِّي صَائِمٌ". ثُمَّ قَامَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْبَيْتِ، فَصَلَّى غَيْرَ الْمَكْتُوبَةِ، فَدَعَا لأُمِّ سُلَيْمِ وَأَهْلِ بَيْتِهَا، فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ لِي خُويْصَّةً، قَالَ: "مَا هِيَ؟ ". قَالَتْ: خَادِمُكَ أَنَسٌ، فَمَا تَرَكَ خَيْرَ آخِرَةٍ وَلاَ دُنْيَا إِلاَّ دَعَا لِي بِهِ، قَالَ: "اللَّهُمَّ ارْزُقْهُ مَالًا، وَوَلَدًا، وَبَارِكْ لَهُ". فَإِنِّي لَمِنْ أكثَرِ الأَنْصَارِ مَالًا. وَحَدَّثتنِي ابْنَتِي أمُيْنَةُ: أَنَّهُ دُفِنَ لِصُلْبيِ مَقْدَمَ حَجَّاجِ البَصْرَةِ بِضْعٌ وَعِشْرُونَ وَمِئَةٌ]. (إن لي خُوَيصَّة): - بتشديد الصاد المهملة - تصغيرُ خاصة، تريد: الذي يختص بخدمتك، وصَغَّرَتْه لصغرِ سنِّه. ¬

_ (¬1) في "ع": "مما". (¬2) في "ج": "وغيبه".

باب: الصوم من آخر الشهر

(وحدثتني ابتتي أُمَينة): بهمزة مضمومة فميم مفتوحة فياء تصغير فنون فهاء تأنيث. باب: الصَّومِ من آخِرِ الشَّهرِ 1136 - (1983) - حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مَهْدِيٌّ، عَنْ غَيْلاَنَ. وَحَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا غَيْلاَنُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ سَأَلَهُ - أَوْ سَأَلَ رَجُلًا -، وَعِمْرَانُ يَسْمَعُ، فَقَالَ: "يَا أَبَا فُلاَنٍ! أَمَا صُمْتَ سَرَرَ هَذَا الشَّهْرِ؟ ". قَالَ: أَظُنُّهُ قَالَ: يَعْنِي: رَمَضَانَ، قَالَ الرَّجُلُ: لَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "فَإِذَا أَفْطَرْتَ، فَصُمْ يَوْمَيْنِ". لَمْ يَقُلِ الصَّلْتُ: أَظُنُّهُ يَعْنِي: رَمَضَانَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَقَالَ ثَابِثٌ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِمْرَانَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "مِنْ سَرَرِ شَعْبَانَ". (أما صمتَ من سَرَرَ هذا الشهر؟): - بفتح السين المهملة والراء -، كذا لأكثرهم؛ أي: آخر ليلة منه حيث (¬1) يستتر (¬2) القمرُ فيه. (أظنه يعني: رمضان): وقد جاء بعد هذا: "من سرر شعبان". قال ابن المنير: وهما راجعان لمعنى واحد؛ إذ المراد: آخر شعبان حيث سرر الهلال لم يظهر، فيكون هلال رمضان، [فصحت إضافته إلى كل منهما. ¬

_ (¬1) في "ج": "بحيث". (¬2) في "ع": "يستر".

باب: صوم يوم الجمعة وإذا أصبح صائما يوم الجمعة، فعليه أن يفطر

قلت: لا أدري معنى قوله: سرر الهلال (¬1)، مع تفسيرهم السررَ بآخر ليلة من الشهر، وإلا كيف يكون المراد: هلالَ رمضان، (¬2)] سواء أضفته إلى شعبان، [أو رمضان، فتأمله. (فإذا أفطرت، فصم يومين): حمله الخطابي: على أن الرجل كان أوجبَ اليومين على نفسه نَذْرًا (¬3). وحمله القرطبي على أنه أمره بصيام يومين عن اليوم الذي تركه؛ لمزية شعبان، فكأن صيامَ يوم منه] (¬4) كصوم يومين في غيره (¬5)، ولذلك كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم منه ما لا يصوم من غيره (¬6). باب: صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وإِذَا أَصْبَحَ صَائِمًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُفْطِرَ (باب: صوم يوم الجمعة): قال ابن المنير: ترجم على صوم (¬7) [يوم الجمعة، وعلى أنه إذا صامه، فعليه أن يفطر في أثنائه، وذكر أحاديث النهي ¬

_ (¬1) في "ج": "هذا الهلال". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬3) انظر: "أعلام الحديث" (2/ 974). (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬5) في "ع": "في ذكره". (¬6) انظر: "المفهم" (3/ 235). وانظر: "التوضيح" (13/ 488). (¬7) "على صوم" ليست في "ع"، و"صوم" ليست في "ج".

باب: هل يخص شيئا من الأيام

عن صوم يوم الجمعة)] (¬1) منفردًا، وليس فيها أنه إذا (¬2) وقع و (¬3) قطعه وأفطر إلا الحديث الأخير، فقدره البخاري بيانًا لما قبله (¬4) وقاضيًا بتفسيره على إجمال غيره، وهو فقه حسن. باب: هَلْ يَخُصُّ شَيْئًا مِنَ الأَيَّامِ (باب: هل يخصُّ شيئًا): بفتح أوله ونصب شيء، وبضمه ورفع شيء. 1137 - (1987) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ: حَدَّثَنَا يَحْيىَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْتَصُّ مِنَ الأَيَّامِ شَيْئًا؟ قَالَت: لَا، كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً، وَأَيُّكُمْ يُطِيقُ مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلي الله عليه وسلم - يُطِيقُ؟! (كان عمله دِيمةً): أي: دائمًا متصلًا، والدِّيمةُ: المطرُ الدائم في سكون، وأصله الواو، لأنه (¬5) من الدوام، فانقلبت الواو ياء (¬6)؛ لسكونها وانكسار ما قبلها. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) "إذا" ليست في "ع". (¬3) "الواو" ليست في "ع". (¬4) "لا" في "ع": "قابله". (¬5) في "م": "ولأنه". (¬6) "ياء" ليست في "ع".

باب: صوم يوم عرفة

باب: صومِ يومِ عرفةَ 1138 - (1989) - حَدَّثَنَا يَحْيىَ بْنُ سُلَيْمَانَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ - أَوْ قُرِئَ عَلَيْهِ -، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرو، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: أَنَّ النَّاسَ شَكُّوا فِي صِيَامِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ عَرَفَةَ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيهِ بِحِلاَبٍ، وَهْوَ وَاقِفٌ فِي الْمَوْقِفِ، فَشَرِبَ مِنْهُ، وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ. (فأرسلتْ إليه بحِلاب): - بحاء مهملة مكسورة -: إناء يُملأ قدرَ حلبة ناقة، ويقال له - أيضًا -: المِحلب بكسر الميم. باب: صومِ يومِ الفِطْرِ 1139 - (1995) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ، قَالَ: شَهِدْتُ الْعِبدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، فَقَالَ: هَذَانِ يَوْمَانِ نهى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صِيَامِهِمَا: يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ، وَالْيَوْمُ الآخَرُ تأكلونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ. (يومُ فطركُم): بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: أحدهما. (واليومُ الآخَر): - بفتح الخاء -، وفي رواية: "ويوم آخَرُ" بتنوين يوم. (تأكلون فيه): إما خبر اليوم على رواية تعريفه، وإما صفة له على رواية التنكير. * * * 1140 - (1991) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا

باب: صوم يوم النحر

عَمْرُو بْنُ يَحْيىَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: نهى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ، وَعَنِ الصَّمَّاءِ، وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ. (وعن الصمَّاء): وهي أن يتجلَّلَ بالثوب لا يرفعُ منه جانبًا، سميت به؛ لأنها تشد على يديه ورجليه المنافذ كلَّها، وقد سبق. باب: صومِ يومِ النَّحْرِ 1141 - (1993) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءَ بْنِ مِينَاءَ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: يُنْهَى عَنْ صِيَامَيْنِ، وَبَيْعَتَيْنِ: الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ، وَالْمُلاَمَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ. (وبِيعتين): بكسر الباء، وقد مر (¬1) أيضًا. (عن عطاءِ بنِ ميناءَ): كلاهما ممدود، إلا أن الأول منصرف حذف تنوينه تخفيفًا (¬2)؛ لوقوع الابن بين علمين صفة متصلة على القاعدة، والثاني غير منصرف، وميمه مكسورة. * * * 1142 - (1994) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ ¬

_ (¬1) "وقد مر" ليست في "ع" و "ج". (¬2) في "ع": "تحقيقًا".

باب: صيام أيام التشريق

عَوْنٍ، عَن زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، فَقَالَ: رَجُلٌ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا، قَالَ: أَظُنُّهُ قَالَ: الاِثْنَيْنِ، فَوَافَقَ يَوْمَ عِيدٍ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَمَرَ اللَّهُ بِوَفَاءِ النَّذْرِ، وَنهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَوْمِ هَذَا الْيَوْمِ. (فقال ابن عمر: أمر الله بوفاء النذر، ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن هذا اليوم): قد يفهم ظاهر (¬1) هذا أنه وقف عن الجواب بذكر دليلين متعارضين كما ظنه الزركشىي (¬2)، وليس كذلك، بل نبه على أن أحدهما - وهو الوفاء بالنذر - عامٌّ، والآخر - وهو المنع من صوم العيد - خاصٌ، فكأنه أفهمه (¬3) أنه يُقضى بالخاص على العام. باب: صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ (باب: صيام التشريق): قال ابن المنير: أيام التشريق ذُكرت بصيغة واحدة يستوي فيه الثلاثة، ومالك -رحمه الله - خصَّ ثالثَها، وهو رابعُ يوم النحر بالتخفيف، فأجاز صومَه بالنذر، وذلك لأن الاجماع على جواز النفر في اليوم الثاني للمتعجِّلين، فلا يكونون في الثالث بمنى (¬4)، ولا يعد حينئذٍ من أيَّامها؛ لأنهم انصرفوا قبله، فذلك مما يخفف الأمر فيه دون اليومين الآخرين. ¬

_ (¬1) "ظاهر" ليست في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 458). (¬3) في "ع": "يفهمه". (¬4) في "ع": "نهى".

باب: صيام يوم عاشوراء

باب: صيامِ يومِ عاشوراءَ 1143 - (2001) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ بِصِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ، كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ. (أمر بصيام يوم عاشوراء): قال صاحب "العين": هو اليوم العاشر من المحرم، وقيل: هو اليوم التاسع منه (¬1) (¬2). قلت: و (¬3) الأول هو مذهب مالك رضي الله عنه. قال بعض العلماء: ووجهُ حملهِ على التاسع إلحاقُه بالمعروف في الظِّمْء (¬4)؛ فإن الخِمس: عندهم أن تُظْمَأَ الإبل أربعةَ أيام، والرِّبعْ: أن تُظْمَأَ ثلاثةَ أيام، فيضعه أبدًا على نقصان يوم. قال ابن المنير: وعندي أنه على الأصل، حسبت (¬5) العربُ الأربعةَ وبعضَ الخامس خمسةً؛ لأن الإبل لا تَرِدُ [في غالب الحال إلا] (¬6) في أثناء اليوم، فحسبوا بعض اليوم يومًا؛ كقوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197]، فاعتد بالعشر شهرًا إن قلنا: إن أشهر الحج شهران وعشرة أيام، وإن قلنا: إلى ¬

_ (¬1) في "ع": "فيه". (¬2) انظر: "كتاب العين" (1/ 249). (¬3) الواو ليست في "ع" و "ج". (¬4) في "ع": "في الظمآت". (¬5) في "ع": "حسب". (¬6) ما بين معكوفتين ليس في "ج".

آخر ذي (¬1) الحجة، جرى على الأصل بكل وجه (¬2). * * * 1144 - (2003) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبي سُفْيَانَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - يَوْمَ عَاشُورَاءَ عَامَ حَجَّ، عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ! أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ، وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ صِيَامُهُ، وَأَنَا صَائِمٌ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ". (يا أهل المدينة! أين علماؤكم؟): هذا من (¬3) معاوية -رضي الله عنه - يدل على أنه سمع شيئًا أنكره، فإما قول من (¬4) لا يرى لصومه فضلًا، وإما قول من يراه فرضًا (¬5)، وسمع الأمرين جميعًا، ويحتمل أنه استدعاهم؛ ليسمعوا هذا الحديث منه، ويأخذوه عنه. * * * 1145 - (2004) - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ إلَيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ ¬

_ (¬1) في "ج": "ذا". (¬2) في "ج": "حالة". (¬3) "من" ليست في "ع". (¬4) في "ع": "ما". (¬5) في "ج": "فضلًا".

عَنْهُما -، قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ -صلي الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ، فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: "مَا هَذَا؟ ". قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى. قَالَ: "فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ"، فَصَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. (قال: فأنا أحقُّ بموسى منكم): وليس هذا تصديقًا لليهود بمجرد قولهم، ولكن لعله يوحي أن الأمر كذلك، وهذا يدل على أنه حين شُرع لم يكن فرضًا، ولذلك لم يأمر بقضائه لمن أكل فيه، وأمر بالإمساك خاصة، هكذا قيل، وفيه نظر. * * * 1146 - (2007) - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: أَمَرَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ: أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ: "أَنَّ مَنْ كَانَ أَكَلَ، فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ، فَلْيَصُمْ؛ فَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ". (أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلًا من أسلمَ أَنْ أذِّنْ في الناس: من كان أكلَ، فليتم (¬1) بقيةَ يومه): الرجل هو هندُ بنُ أسماءَ الأسلميُّ، قاله ابن بشكوال (¬2). وقيل: أسماءُ ابنُ حارثة، وهندٌ هو أخو أسماء، لكن اتفقوا في أسماء على أنه ابنُ حارثة، واختلفوا في هندٌ، فقيل: هو (¬3) ابنُ أسماء، وقيل: هو ابنُ حارثة، وسيأتي فيه كلام بعد هذا في: خبر الواحد، إن شاء الله تعالى. ¬

_ (¬1) نص البخاري: "فليصم". (¬2) انظر: "غوامض الأسماء المبهمة" (1/ 380). (¬3) "هو" ليست في "ج".

كتاب صلاة التراويح

كِتابُ صَلاة التَّراوِيحِ

باب: فضل من قام رمضان

كِتابُ صَلاة التَّراوِيحِ باب: فضلِ مَنْ قامَ رمضانَ 1147 - (2010) - وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ, عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ: أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجدِ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلاَتِهِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلاَءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ، لَكَانَ أَمْثَلَ، ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كعْبٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَةِ قَارِئِهِمْ، قَالَ عُمَرُ: نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ، وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنَ الَّتِي يَقُومُونَ، يُرِيدُ: آخِرَ اللَّيْلِ، وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ. (عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاريِّ): - بياء النسبة -، وهو منسوب إلى القارَةِ. (أوزاع): - بالزاي والعين المهملة -، وهي الفِرَقُ، لا واحد له من لفظه. (متفرقون): نعت لأوزاع (¬1) على جهة التأكيد؛ مثل: {نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} [الحاقة: 13]؛ ¬

_ (¬1) "ع": "ولأزاع".

لأن الأوزاع الجماعات المتفرقة. وقال ابن فارس: الأوزاع: الجماعات (¬1)، وكذا الجوهري (¬2)، فعلى هذا تكون الصفة للتخصيص. * * * 1148 - (2012) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ: أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خرَجَ لَيْلَةً مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، فَصَلَّى في المَسْجِدِ، وصَلَّى رِجالٌ بِصَلاتِهِ، فأصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا، فاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ، فَصَلَّوْا مَعَهُ، فأصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا، فَكَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى، فَصَلَّوْا بِصَلاَتِهِ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ، عَجَزَ الْمَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ، حَتَّى خَرَجَ لِصَلاَةِ الصُّبْح، فَلَمَّا قَضَى الْفَجْرَ، أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فتشَهَّدَ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ مَكَانكُمْ، وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْتَرَضَ عَلَيْكُمْ، فَتَعْجِزُوا عَنْهَا". فتوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ -صلي الله عليه وسلم - وَالأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ. (ولكن (¬3) خشيت أن تُفترض عليكم): قال القاضي: يحتمل أن يكون الله أوحى إليه أنه (¬4) إن واصل هذه الصلاة معهم، فُرضت، أو ظن ¬

_ (¬1) انظر: "مجمل اللغة" (4/ 924). (¬2) انظر: "الصحاح" (3/ 1297)، (مادة: وزع). (¬3) نص البخاري: "ولكني". (¬4) في "ع" و "ج": "إنما".

أنها ستُفرض، أو خاف ظَنَّ أحدٍ من أمته بعده إذا داوم عليها أنها واجبة، وقيل غير هذا. (فتعجِزوا عنها): بجيم مكسورة.

كتاب فضل ليلة القدر

كِتابُ فَضْلِ لَيْلَة القَدِرِ

باب: التماس ليلة القدر في السبع الأواخر

كِتابُ فَضْلِ لَيْلَةِ القَدِرِ باب: التماسِ ليلةِ القدرِ في السَّبعِ الأواخرِ 1149 - (2515) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْمَنَامِ في السَّبعِ الأَوَاخِرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَرَى رُؤْيَاكمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبعِ الأَوَاخِرِ، فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيَهَا، فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبعِ الأَوَاخِرِ". (أرى رؤياكم): قال القاضي: كذا جاء بالإفراد، والمراد به: رُؤَاكُم (¬1)؛ لأنها لم تكن رؤيا واحدة (¬2). قلت: فهو مما عاقب الإفراد فيه (¬3) الجمع، لأمن اللبس، وهو مسموع. قال السفاقسي: كذا يرويه المحدثون بتوحيد الرؤيا، وهو جائز؛ لأنها مصدر، وأفصحُ منه رُؤَاكُم جمع رُؤْيا؛ ليكون جمعًا (¬4) في مقابلة جمع (¬5)، ¬

_ (¬1) في "ج": "راكد". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 277). (¬3) في "ع" و "ج": "عاقب فيه الإفراد"، وفي "م": "عاقت الإفراد فيه الجمع". (¬4) في "ج": "جمع". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 459).

ولم يبدل ذلك؛ أن كان أشبهَ بكلام (¬1) النبي - صلى الله عليه وسلم - كراهةَ تغيير ما أَدَّته الرواة. (قد تواطت): توافقت، وأصله: تواطأت - بالهمز -، ويجوز تركه. (في السبع الأواخر): جمع آخِرة - بكسر الخاء -، ولا يجوز أُخَر؛ لأنه جمعٌ لأُخرى، وهي لا (¬2) دلالة لها على المقصود، وهو التأخير في الوجود، وإنما يقتضي المغايرة، تقول: مررت بامرأة حسنة، وامرأةٍ أخرى؛ أي (¬3): مغايرةٍ لها، ويصح هذا التركيب سواء كان المرورُ بهذه المرأة المغايِرَةِ سابقًا أو (¬4) لاحقًا، وهذا (¬5) عكسُ العَشْرِ الأُوَل؛ فإنه يصح؛ لأنه جمع أُولى، ولا يصحُّ الأوائل؛ لأنه جمع أَوَّل الذي هو للمذكر، وواحد العشر ليلة، وهي مؤنثة، فلا توصف بمذكر. * * * 1150 - (2016) - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحيْىَ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ، وَكَانَ لِي صَدِيقًا، فَقَالَ: اعْتكَفْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الْعَشْرَ الأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ، فَخَرَجَ صَبِيحَةَ عِشْرِينَ، فَخَطَبَنَا، وَقَالَ: "إِنَّي أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، ثُمَّ أُنْسِيتُهَا، أَوْ: نُسِّيتُهَا، فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ فِي الْوَتْرِ، وَإِنِّي رَأَيْتُ أَنِّي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِيقٍ، فَمَنْ كَانَ اعْتكَفَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلْيَرْجِعْ". فَرَجَعْنَا، وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً، ¬

_ (¬1) في "ج": "كلام". (¬2) "لا" ليست في "ج". (¬3) "أي" ليست في "ع" و"ج". (¬4) في "ع": " و". (¬5) في "م": "وهكذا".

باب: تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر

فَجَاءَتْ سَحَابَةٌ، فَمَطَرَتْ حَتَّى سَالَ سَقْفُ الْمَسْجدِ، وَكَانَ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ، وَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْجُدُ فِي الْمَاءَ وَالطِّينِ، حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ فِي جَبْهَتِهِ. (العشر الأوسط): جاء هذا على لفظ العشر من غير نظر إلى مفرداته، ولفظهُ مذكر، فيصح وصفُه بالأوسط، وإلا، فلو أُريد وصفه باعتبار آحاده، لقيل: الوُسْطي، والوُسَط - بضم الواو وفتح السين -؛ ككُبرى وكُبَر، وقد رُوي به في بعض الطرق. وروي أيضًا: "الوُسُط" - بضمتين - جمع واسط؛ كنازل ونُزُل، كذا في الزركشي (¬1). قلت: واسط هذا مذكر، وواحدُ العشر مؤنث، وكان قياسه أَواسِط جمع واسطة؛ كأواخِر جمع آخِرة. (ثم أنُسيتُها أو نُسِّيتُها): - بضم النون وتشديد السين -، والمراد: نسيانُ تعيينها في تلك السنة. * * * باب: تَحرِّي ليلةِ القَدْرِ في الوِترِ مِنَ العَشْرِ الأَوَاخِرِ 1151 - (2021) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، لَيْلَةَ الْقَدْرِ، فِي تَاسِعَةٍ تَبْقَى، فِي ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 459).

سَابِعَةٍ تَبْقَى، فِي خَامِسَةٍ تَبْقَى". (في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى (¬1)، في خامسة تبقى): الأولى هي ليلة إحدى وعشرين، والثانية: هي ليلة ثلاث وعشرين (¬2)، والثالثة: ليلة خمس وعشرين، هكذا قال مالك. وقال بعضهم: إنما يصح معناه ويوافق ليلة القدر وترًا من الليالي إذا كان الشهر ناقصًا، فلا يكون إلا في شفع، فيكون السابعة الباقية ليلة أربع وعشرين على ما ذكره البخاري بعدُ عن (¬3) ابن عباس، ولا تصادف واحدة منهن وترًا، وهذا على طريقة العرب في التاريخ إذا جاوزوا (¬4) نصف الشهر، فإنما يؤرخون بالباقي منه، لا بالماضي (¬5). قال الطبري: وفي دلالته (¬6) -عليه السلام- أُمَّتَه عليه بالآيات؛ ككونها (¬7) ليلةً طلقةً لا (¬8) حارة ولا باردة، وأن الشمس تطلع في صبيحتها بيضاءَ لا شُعاعَ لها، دليلٌ على كذب مَنْ زعمَ أنه يظهر في تلك الليلة للعيون ما لا يظهر في سائر السنة؛ من سقوط الأشجار إلى الأرض، ثم رجوعها ¬

_ (¬1) "في سابعة تبقى" ليست في "ع" و"ج". (¬2) "وعشرين" ليست في "ج". (¬3) "عن" ليست في "ع". (¬4) في "ج": "جاوز". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 459 - 460). (¬6) في "ج": "دلالة". (¬7) في "ع" و "ج": "لكونها". (¬8) في "ج": "إلا".

قائمة إلى أماكنها؛ إذ لو كان ذلك حقًا، لم يخفَ عن بصر من يقوم ليالي السنة كلها، فكيف ليالي شهر رمضان؟! قال ابن المنير: لا يُطلق القولُ بكذب من ادعى ذلك، بل يجوز أن يكون كرامةً يكرم الله بها مَنْ يشاء من عباده، ويكون - أيضًا - علامةً لهم على (¬1) ليلة القدر؛ فإنه - عليه الصلاة والسلام - لم يحصر العلامة، ولم ينف الكرامة، ومما (¬2) يدل على عدم انحصار العلامة التي كانت نزولَ المطر في ذلك العام: نحن نعلم أن كثيرًا من الرمضانات انقضى دون مطر، مع عدم خلوه من ليلة القدر، وعلى (¬3) كل (¬4) تقدير، فلا ينبغي أن يعتقد أن ليلة القدر لا ينال فضلَها إلا (¬5) من رأى الخوارق؛ كسجود الجدرات (¬6)، وخضوع الأشجار، بل يعتقد أن فضل الله واسع (¬7)، ورُبَّ قائمٍ تلكَ الليلةَ لم يحصل منها إلا على العبادات (¬8)، ولم ير شيئًا من الكرامة، وهو عند الله أفضلُ ممن رآها، وأي كرامة أفضل من الاستقامة التي هي عبارة عن امتناع السِّنَة، وإخلاص النية، والصبر على العبادة (¬9)، وتخليصها من الشبهات والشهوات، ¬

_ (¬1) في "ج": "في". (¬2) في "ج": "وما". (¬3) في "ج": "على". (¬4) "كل" ليست في "ج". (¬5) في "ع": إلى". (¬6) و"ج": "الجدارات". (¬7) في "ج": "أوسع". (¬8) في "ج": "العبادة". (¬9) في "ع": العبادات.

باب: رفع معرفة ليلة القدر لتلاحي الناس

وربما كانت الخوارق فتنةً في حق مَنْ ظهرتْ له، وأما الاستقامة (¬1)، فيستحيل أن يكون إلا كرامة، ولهذا لما سئل بعضهم عن الكرامة، قال: هي الاستقامة. * * * باب: رفعِ معرفةِ ليلةِ القَدْر لِتَلاَحي النَّاسِ 1152 - (2023) - حَدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ, عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِيُخْبِرَنَا بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، فتَلاَحَى رَجُلاَنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: "خَرَجْتُ لأُخْبِرَكُمْ بِلَيلَةِ الْقَدْرِ، فتَلاَحَى فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ، فَرُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ، فَالْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ". (فتلاحى فلان وفلان): تقدم عن ابن دحية: أنهما كعبُ بنُ مالك، وعبدُ الله بن أَبي حَدْرَدٍ. (وعسى أن يكون خيرًا لكم): قال ابن المنير: فيه دليل على فضل الحكمِ بالظن وحُسْنِه؛ خلافًا لمن استقبحَ العملَ بالظنون، وقَدَّرَ المفسدةَ في الرجوع إليها ولابدَّ، وذلكَ وهمٌ منه يأباه العقل والشرع معًا، وقد قال -عليه السلام-: "وعَسى أن يكونَ خيرًا لكم"، فرجَّحَ الظنَّ في باب الإحاطة بليلة القدر على اليقين. * * * ¬

_ (¬1) وأما "الاستقامة" ليست في "ع" و"ج".

باب: العمل في العشر الأواخر من رمضان

باب: العملِ في العَشْرِ الأواخرِ من رمضانَ 1153 - (2024) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ. (وأحيا ليله): هو من باب الاستعارة، شبه (¬1) القيام فيه (¬2) بالحياة في حصول الانتفاع التام. * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "بنية". (¬2) في "ج": "القيام بليلة من القدر على أنا فيه".

أبواب الاعتكاف

أَبَوَابُ الِاعْتِكَافِ

باب: الاعتكاف في العشر الأواخر، والاعتكاف في المساجد كلها

أَبَوابُ الِاعْتِكَافُ (أبواب: الاعتكاف): الاعتكافُ في اللغة: الاحتباسُ، واللزومُ للشيء كيفَ كان (¬1)، وفي الشرع: لزوم المسجد على وجهٍ مخصوص. والكلامُ فيه كالكلام في سائر الأسماء الشرعية. باب: الاِعْتِكَافِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَالاِعْتِكَافِ فِي الْمَسَاجِدِ كُلِّهَا لِقَوْلهِ تَعَالَى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [البقرة: 187]. (باب: الاعتكاف في العشر الأواخر، والاعتكاف في المساجد كلها؛ لقوله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}): المراد بالمباشرة (¬2): الجماع، كناية (¬3) أو مجازًا؛ لما فيه من ملابسة البشرتين؛ بقرينه ورودِ (¬4) هذا ¬

_ (¬1) في "ع": "كان كيف". (¬2) في "م": "بالمباشر". (¬3) "كناية" ليست في "ع" و"ج". (¬4) في "ع" و "ج": "ورد".

النهي عَقيبَ الأمرِ المرادِ به الجماعُ. وقيل: النهيُ على معناه اللغوي من غير قصدٍ (¬1) إلى كناية أو مجاز، فيدخل فيه الجماعُ وغيرهُ من المباشرات، أنزلَ أو لم يُنزلْ، وأما إذا أريد الجماع، فيفسر بالمس (¬2) مع الإنزال؛ لكونه في معنى الجماع. واستدل البخاري -رضي الله عنه - بالآية على أن الاعتكاف لا يكون إلا في مسجد، وأنه لا يختص به مسجدٌ (¬3) دون مسجد، وعليه منعٌ ظاهر، بل ربما يدعي دلالتها على أن الاعتكاف قد يكون في غير المسجد، وإلا لم يكن للتقييد دلالة. قال التفتازاني -رحمه الله-: و (¬4) في وجه الدلالة خفاء، وهو أن المباشرة حرام في الاعتكاف إجماعًا، فلو لم يكن ذُكر: في المساجد؛ لبيان أن (¬5) الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد؛ لزم اختصاصُ حرمة المباشرة باعتكافٍ يكون في المسجد، وهو باطل وفاقًا. وبعبارة أخرى: إن التقييد زيادة تدل (¬6) على أن له مدخلًا في غلبة الحكم، فالحكم المتعلقُ به المتوقفُ عليه إما (¬7) تحقُّقُ الاعتكاف، أو ¬

_ (¬1) "قصد" ليست في "ع". (¬2) في "ج": "باللمس". (¬3) "مسجد" ليست في "ع". (¬4) الواو ليست في "ع". (¬5) "أن" ليست في "ع". (¬6) "تدل" ليست في "ع" و "ج". (¬7) في "ج": "ما".

حرمةُ المباشرة فيه، والثاني منتفٍ إجماعًا، فتعين الأولُ، وأما الدلالة على أنه لا ينفرد بالاعتكاف مسجد دون مسجد، فظاهر؛ حيث نهى عن المباشرة في اعتكاف المساجد كلها. وقال ابن المسيب: لا يجوز إلا في مسجد المدينة، وهو لنبينا - عليه الصلاة والسلام -، والمسجد الحرام، وهو لإبراهيم -عليه السلام-، وضَمَّ بعضُ العلماء إليهما المسجدَ الأقصى، وهو لبعض الأنبياء، والقول بأنه لا يجوز إلا في مسجد جامع محكيٌّ عن الزهري، وابن المنذر، وقولُ الجمهور لا يخالف عمومَ الآية؛ لأن (¬1) المراد بمسجد الجماعة: ما (¬2) أُذِنَ في إقامة الجماعة فيه حتى لا يجوز في مسجد البيت؛ أي: الموضع الذي هيأه من بيته للصلاة؛ فإنه لا يدخل في إطلاق المسجد (¬3). * * * 1154 - (2027) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ يَزِيدَ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَعْتكِفُ فِي الْعَشْرِ الأَوْسَطِ مِنْ رَمَضَانَ، فَاعْتكَفَ عَامًا، حَتَّى إِذَا كانَ لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْ صَبِيحَتِهَا مِنِ اعْتِكَافِهِ، قَالَ: "مَنْ كانَ اعْتكَفَ مَعِي، فَلْيَعْتكِفِ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ، وَقَدْ أُرِيتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ أُنْسِيتُهَا، وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ مِنْ ¬

_ (¬1) في "ج": "لأنه". (¬2) في "ج": "فما". (¬3) انظر: "التوضيح" (13/ 615).

باب: الحائض ترجل رأس المعتكف

صَبِيحَتِهَا، فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ". فَمَطَرَتِ السَّمَاءُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَكَانَ الْمَسْجِدُ عَلَى عَرِيشٍ، فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ، فَبَصُرَتْ عَيْنَايَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى جَبْهَتِهِ أَثَرُ الْمَاءِ وَالطِّينِ، مِنْ صُبْحِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ. (وكان المسجدُ على عريش): أي: مُظَلَّلًا بجريدٍ ونحوِه مما يُستظَلُّ به، يريد: أنه لم يكن له سقف يُكِنُّ من المطر. (فوكف): أي: قَطَر، ومنه: وكفَ الدمعُ. * * * باب: الْحَائِضُ تُرَجِّلُ رَأْسَ الْمُعْتَكِفَ (باب: الحائض ترجِّلُ المعتكف): الترجيل: أن يُمَسَّ الشعرُ بدُهن وماء ويُمَشَّطَ، قاله الداودي. وقيل: هو تسريحُ الشعر (¬1). 1155 - (2028) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصْغِي إلَيَّ رَأْسَهُ وَهْوَ مُجَاوِرٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَأُرَجِّلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ. (يُصغي إليَّ رأسَه): أي: يُميل إلي. (وهو مجاور): أي: معتكف. (فأرجِّلُه وأنا حائض): فيه أن اليدين من المرأة ليستا من العورة؛ إذ ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (13/ 622).

لو كانتا من عورة، لما باشرته بهما في اعتكافه. قال ابن المنير: وانظر لو رأى الرجلُ (¬1) وهو في الصلاة من امرأته (¬2) العورةَ المخففةَ؛ كالساق، أو ظهور القدمين، أو الصدر، و (¬3) نحوِ ذلك، هل يعيد صلاته؛ كما لو صلت هي (¬4) باديةً هذه الأعضاءُ منها، أو لا؟ والظاهر: أنه لا يعيد، والظاهر: أنه لو رأى فرجَها في الصلاة، أعاد، وقطع الصلاة، ولم أقف في ذلك على نص لأصحابنا. قلت: في "مختصر شيخنا الإمام أبي عبد الله بن عرفة": ما نصه ابن سحنون [من نظرَ عورة إمامه، أو نفسه، بَطَلَتْ صلاتُه، بخلاف غيرهما، ما لم يشغلْه ذلك، أو يلذذْ به. وفي (¬5) حاشية الكتاب: صورة عيشون بدل سحنون] (¬6)، وكتب عليها علامة: نسخة. فقلت: هذا الكلام من نسخة شيخنا التي ناولني إياها، وأجازني رواية جميعها عنه، وفيه ما يدل على وجود النص في مسألة ابن المنير. * * * ¬

_ (¬1) "الرجل" ليست في "ج". (¬2) في "ج": "لامرأته". (¬3) في "ج": "أو". (¬4) "هي" ليست في "ع". (¬5) في "ع": "في". (¬6) ما بين معكوفتين ليس في "ج".

باب: الاعتكاف ليلا

باب: الاعْتِكَافِ ليلًا 1156 - (2032) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: كنْتُ نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْحِدِ الْحَرَامِ؟ قَالَ: "فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ". (كنتُ نذرتُ في الجاهلية أن أعتكف ليلةً في المسجد الحرام؟ قال: فأوفِ بنذرك): القربة لا تصحُّ من الكافر على المشهور من مذاهب العلماء، والحديثُ يردُّ عليهم، وقد أُجيب بأنه محتمل لأن (¬1) يكون النذرُ وقعَ منه في زمن إسلامه، لكن في زمن غلبة الجاهلية على المسجد، وليس في اللفظ ما يدفعه، بل ولا ما يكون ظاهرًا في خلافه. قال ابن المنير: وانظر فقهَ البخاريِّ في ترجمة "باب: الاعتكافِ ليلًا" أراد بذلك أن الليل يقبل الاعتكاف، بخلاف الصيام، ففرق بين اعتكاف الليل، وبين الوصال. وانظر قول مالك: من نذر (¬2) اعتكافَ ليلة، أضاف إليه اليومَ، واعتكفَ، كأنه رأى الليلةَ تبعًا (¬3)، ورأى نذرَ التبع متضمنَ نذرِ الأصل، فعلى هذا لو قيد نذرَه بالليلة دون النهار، أو عَيَّاهُ فقال: ليلة السحر؛ لوجب أن يَلْغُوَ نذرُه، والليل وإن كان قَبِلَ الاعتكاف، إنما قبله (¬4) تبعًا للنهار، لا مستقلًا، ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "لا". (¬2) في "ع": "نظر". (¬3) في "ع": "كأنه رأى الليل وبين الوصال وانظر تبعًا". (¬4) في "م": "يقبله".

باب: اعتكاف النساء

والظاهر: أنه ألزمه أن يعتكف بمكةَ بالمسجد، ولعل السؤال وهو بمكةَ قبلَ الهجرة، أو حيث عاد (¬1) إلى مكة في عمرة القضية، أو الفتح، أو الوداع، الله أعلم بذلك، أو يخرج هذا من نذر المفضول هل يجزئه الأفضل أو لا؟ * * * باب: اعْتِكَافِ النَّسَاءِ 1157 - (2033) - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - وَضِيَ اللهُ عَنْهَا -، قَالَتْ. كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَكُنْتُ أَضْرِبُ لَهُ خِبًاء، فَيُصَلِّي الصُّبْحَ، ثُمَّ يَدْخُلُهُ، فَاسْتَأْذَنَتْ حَفْصَةُ عَائِشَةَ أَنْ تَضْرِبَ خِبًاء، فَأَذِنَتْ لَهَا، فَضَرَبَتْ خِبًاء، فَلَمَّا رَأَتْهُ زَيْنَبُ بْنَةُ جَحْشٍ، ضَرَبَتْ خِبًاء آخَرَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، رَأَى الأَخْبِيَةَ، فَقَالَ: "مَا هَذَا؟ "، فَأُخْبِرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "آلْبِرُّ تُرَوْنَ بِهِنَّ؟ ". فَتَرَكَ الاِعْتِكَافَ ذَلِكَ الشَّهْرَ، ثُمَّ اعْتكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ. (آلبرَّ (¬2) تقولون؟ (¬3)): [بهمزة الاستفهام ومَدَّة للإنكار] (¬4)، و - نصب - "البر" على أنه مفعولٌ مقدم. (تُرِدْنَ): - بدال مهملة -؛ من الإرادة، ويروى: "تُرَوْنَ" - بضم التاء - من الرؤية؛ أي: تظنون. ¬

_ (¬1) في "ع": "أعاد". (¬2) في "ع": "أكبر". (¬3) نص البخاري في هذا الموضع: "تُرون"، وفي الحديث التالي: "تقولون"، كما سيأتي. (¬4) ما بين معكوفتين غير واضح في "م"، وهو هكذا في "ع" و"ج".

باب: الأخبية في المسجد

باب: الأَخْبِيَةِ في المَسْجِدِ 1158 - (2034) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى ابْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَرَادَ أَنْ يَعْتكِفَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ، إِذَا أَخْبِيَةٌ: خِبَاءُ عَائِشَةَ، وَخِبَاءُ حَفْصَةَ، وَخِبَاءُ زَيْنَبَ، فَقَالَ: "آلْبِرَّ تَقُولُونَ بِهِنَّ؟ ". ثُمَّ انْصَرَفَ فَلَمْ يَعْتكِفْ، حَتَّى اعْتكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ. (آلبِرَّ (¬1) تقولون؟): - بهمزة ممدودة - مثل الأول، وتقولون بمعنى: تظنون، وفيه إجراء فعل القول مجرى فعل الظن على اللغة المشهورة، و"آلبرَّ": مفعولٌ أولُ مقدَّم، و"بهن (¬2) ": مفعول ثان؛ أي: أتظنون أنهن طلبن البرَّ وخالصَ العملِ؟ قال ابن المنير: والصحيح من حالهن أنه ألبست (¬3) عليهن الحظوظ بالحقوق شيئًا ما، فأراد لهن حقًا لا حظَّ فيه. * * * باب: هل يَخْرجُ المُعْتَكِفُ لحَوائجِهِ إلى بابِ المَسْجِدِ؟ 1159 - (2035) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنَّ صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) في "ع": "أكبر". (¬2) في "ج": "وإن". (¬3) في "ج": "ألف".

أَخْبَرَتْهُ: أَنَّهَا جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجدِ، فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فتحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ، فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَعَهَا يَقْلِبُهَا، حَتَّى إذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجدِ عِنْدَ باب أُمِّ سَلَمَةَ، مَرَّ رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "عَلَى رِسْلِكُمَا، إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ". فَقَالاَ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنَ الإنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا". (حتى إذا بلغتْ بابَ المسجد عندَ باب أُم سلمة، مرَّ رجلان من الأنصار): قيل: إنهما (¬1) أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ، وعَبَّادُ بنُ بشرٍ، حكاه ابن العطار في "شرح العمدة" (¬2). (على رِسْلِكما): - بكسر الراء -: الهِينَةُ، والتَّأَنِّى. (إنما هي صفيةُ بنتُ حُيي): قال ابن دقيق العيد: فيه دليل على التحرز مما (¬3) يقع في الوهم نسبةُ الإنسان إليه مما لا ينبغي، وقد قال بعضُ العلماء: إنهما لو وقع ببالهما شيء، لكفرا، ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد تعليمَ (¬4) أمته، وهذا متأكد في حق العلماء، ومَنْ يُقتدى به، فلا يجوز لهم أن يفعلوا فعلًا يوجب سوءَ الظن بهم، وإن كان لهم فيه مخلص؛ لأن ذلك تَسَبُّبٌ (¬5) إلى ¬

_ (¬1) "إنهما" ليست في "ع". (¬2) انظر: "العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 931). (¬3) في "ج": "على أن التحرز إنما". (¬4) في "ع" و"ج": "تعلم". (¬5) في "ع": "نسب".

باب: اعتكاف المستحاضة

إبطال الانتفاع بعلمهم (¬1). * * * باب: اعتكافِ المُسْتَحاضَةِ 1160 - (2037) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -، قَالَتِ: اعْتكَفَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - امْرَأةٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ مُسْتَحَاضَةٌ، فَكَانَتْ تَرَى الْحُمْرَةَ وَالصُّفْرَةَ، فَرُبَّمَا وَضَعْنَا الطَّسْتَ تَحْتَهَا، وَهْيَ تُصَلِّي. (اعتكفَتْ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2) امرأةٌ مستحاضة من أزواجه): تقدم أنها سَوْدَةُ بنتُ زَمْعَةَ رضي الله عنها. * * * باب: هَلْ يَدْرأُ المُعْتكفُ عنْ نَفْسِهِ 1161 - (2039) - حَدَّثَنَا إسماعِيلُ بنُ عَبْد اللهِ، قال: أخبرني أَخي، عنْ سُلَيْمَانَ، عنْ مُحَمَّدِ بنِ أَبي عَتِيقٍ، عَنْ ابنِ شِهابٍ، عنْ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنَّ صَفِيَّةَ أَخْبَرَتْهُ. حَدَّثَنَا عَلِيّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يُخْبِرُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ: أَنَّ صَفِيَّةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - أَتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ مُعْتَكِفٌ، فَلَمَّا رَجَعَتْ، مَشَى مَعَهَا، فَأَبْصَرَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَلَمَّا أَبْصَرَهُ، دَعَاهُ، فَقَالَ: "تَعَالَ، هِيَ صَفِيَّةُ". ¬

_ (¬1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 261). (¬2) في "ع": "اعتكف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ".

باب: الاعتكاف في شوال

وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: "هَذه صَفِيَّةُ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ". قُلْتُ لِسُفْيَانَ: أَتَتْةُ لَيْلًا؟ قَالَ: وَهَلْ هُوَ إِلاَّ لَيْلٌ؟ (فأبصره رجل (¬1) من الأنصار، فلما أبصره، دعاه، فقال: تعالَ، هي صفية): القصة واحدة، ولكن هذا الحديث لم يُذكر فيه إلا أحدُ الرجلين المذكورين في الذي قبله، واللام من "تعال" - مفتوحة - دائمًا، سواء خاطبت مفردًا أو غيره، مذكرًا أو غيره، وقد وقع لأبي فراس بن حمدان - كسرُ اللام - في خطاب المؤنثة في أبيات حسنة آثرتُ ذكرها للطافتها، قال وقد سمع حمامة تنوح بقربه على شجرة عالية، وذلك في زمن أسر الروم له: أَقُولُ وَقَدْ نَاحَتْ بِقُرْبِي حَمَامَةٌ. . . أَيَا جَارَتي هَلْ تَشْعُرِينَ بِحَالِي مَعَاذَ الهَوَى مَا ذُقْتِ طَارِقَةَ النَّوَى. . . وَلا خَطَرَتْ مِنْكِ الهُمُومُ بِبَالِ أَيَا جَارَتَا مَا أَنْصَفَ الدَّهْرُ بَيْنَنَا. . . تَعَالَيْ أُقَاسِمْكِ الهُمَومَ تَعَالِي تَعَالَيْ تَرَيْ رُوحًا لَدَيَّ ضَعِيفَةً. . . تَرَدَّدُ في جِسْمٍ يُعَذَّبُ (¬2) بَالِ أَيَضْحَكُ مَأْسُورٌ وَتَبْكِي طَلِيقَةٌ. . . وَيَسْكُتُ مَحْزُونٌ وَيَنْدُبُ سَالِ لَقَدْ كُنْتُ أَوْلَى (¬3) مِنْكِ بِالدَّمْعِ مُقْلَةً. . . وَلَكِنَّ دَمْعِي فِي الحَوَادِثِ غَالِ * * * باب: الاعتكافِ في شوَّال 1162 - (2041) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ، ¬

_ (¬1) في "ع": "رجلًا". (¬2) في "ع": "تعذب". (¬3) في "ع": أبكي.

باب: الاعتكاف في العشر الأوسط من رمضان

عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعْتكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانٍ، وَإِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ، دَخَلَ مَكَانَهُ الَّذِي اعْتكَفَ فِيهِ. قَالَ: فَاسْتَأْذَنَتْهُ عَائِشَةُ أَنْ تَعْتكِفَ، فَأَذِنَ لَهَا، فَضَرَبَتْ فِيهِ قُبَّةً، فَسَمِعَتْ بِهَا حَفْصَةُ، فَضَرَبَتْ قُبَّةً، وَسَمِعَتْ زينَبُ بِهَا، فَضَرَبَتْ قُبَّةً أُخْرَى، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْغَدِ، أَبْصَرَ أَرْبَعَ قِباب، فَقَالَ: "مَا هَذَا؟ "، فَأُخْبِرَ خَبَرَهُنَّ، فَقَالَ: "مَا حَمَلَهُنَّ عَلَى هَذَا؟ آلْبِرُّ؟ انْزِعُوهَا فَلاَ أَرَاهَا"، فَنُزِعَتْ، فَلَمْ يَعْتكِفْ فِي رَمَضَانَ حَتَّى اعْتكَفَ فِي آخِرِ الْعَشْرِ مِنْ شَوَّالٍ. (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتكف في كل رمضانٍ): - تنوينه؛ لأنه نُكِّر، فزالت العلميةُ منه، فصُرف -، وقد سبق التنبيهُ عليه. * * * باب: الاعتكافِ في العَشْرِ الأَوْسَطِ مِنْ رمضانَ 1163 - (2044) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعْتكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ، اعْتكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا. (عشرة أيام): وذكر ابن المنذر عن ابن شهاب: أنه كان يقول: عجبًا للمسلمين توكوا الاعتكاف، والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لم يتركه منذ دخل المدينة كلَّ عام في العشر الأواخر حتى قبضه الله تعالى. قال ابن المنير: وفي هذا دليل على أن الاعتكاف كان مشروعًا قبل الصيام.

باب: من أراد أن يعتكف ثم بدا له أن يخرج

(فلما كانَ العامُ الذي قبض فيه، اعتكف عشرين): "كان" تامة، و"العام" فاعل بها. والحكمة في تخصيصه (¬1) العام الأخير بالعشرين: أنه -عليه السلام- اعتاد من جبريل أن يعارضه بالقرآن كل رمضان (¬2) مرةً واحدة، فلما عارضه في العام الأخير (¬3) مرتين، اعتكف (¬4) -عليه السلام- مِثْلَي ما كان يعتكف، قاله ابن المنير. * * * باب: مَنْ أَرادَ أَنْ يَعْتكِفَ ثمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَخْرُجَ 1164 - (2045) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ: أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثتنِي عَمْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرَ أَنْ يَعْتكِفَ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ، فَاسْتَأْذَنَتْهُ عَائِشَةُ، فَأَذِنَ لَهَا، وَسَأَلَتْ حَفْصَةُ عَائِشَةَ أَنْ تَسْتَأْذِنَ لَهَا، فَفَعَلَتْ، فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ زيْنَبُ بْنَةُ جَحْشٍ، أَمَرَتْ بِبِنَاءٍ فَبُنِيَ لَهَا، قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا صَلَّى، انْصَرَفَ إِلَى بنَائِهِ، فَبَصُرَ بِالأَبْنِيَةِ، فَقَالَ: "مَا هَذَا؟ ". قَالُوا: بِنَاءُ عَائِشَةَ، وَحَفْصَةَ، وَزَيْنَبَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "آلْبِرَّ أَرَدْنَ بِهَذَا؟ مَا أَنَا بِمُعْتكِفٍ"، ¬

_ (¬1) في "ع": "تخصيص". (¬2) في "ج": "عام". (¬3) "في العام الأخير" ليست في "ع" و"ج". (¬4) في "ع" و "ج": "اعتكف فيه".

فَرَجَعَ، فَلَمَّا أَفْطَرَ، اعْتكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ. (ما أنا بمعتكفٍ، فرجع): قيل: فيه حجة لجواز الخروج من التطوع. قال الزركشي: وقيل: إنما كان ذلك قبل أن يدخل في الاعتكاف، فلا حجة فيه، وإليه أشار بقوله: باب: من أراد أن (¬1) يعتكف، ثم بدا له أن يخرج. وفيه تنبيه على رفع الإشكال من الحديث، وأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يترك الاعتكاف بعد أن دخل فيه، وإنما همَّ به، ثم عرض له، فترك (¬2). قلت: هذا كله كلام ابن المنير رحمه الله تعالى. * * * ¬

_ (¬1) "أن" ليست في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 462).

كتاب البيوع

كِتابُ البُيُوعِ

كِتابُ البُيُوعِ (كتاب: البيوع): جمع بَيعْ، وإنما جمع؛ لإرادة الأنواع. قال شيخنا أبو عبد الله بن عرفة: والبيعُ يطلق باعتبارين: أَعَمَّ، وأَخَصَّ؛ فالأَعَمُّ: عقد معاوَضَةٍ على غيرِ (¬1) منافعَ ولا متعةِ لذةٍ، فيخرجُ [النكاحُ، وتدخل هبةُ الثواب، والصرفُ، والمراطلة، والأَخَصُّ: هو] (¬2) الغالب بحسب العرف، ويعرف بقولنا: عقدُ معاوضةٍ على غيرِ منافعَ، ولا متعةِ لذةٍ ذو مكايسة (¬3)، معيَّن غير العين فيه، فتخرج الأربعةُ، والسَّلَم، والإجارةُ خارجةٌ منهما. وقال ابن عبد السلام شارحُ ابنِ الحاجب: معرفة حقيقته ضرورية حتى الصبيان. وعرفه بعضُهم: بأنه دفعُ عوضٍ في مُعَوَّضٍ، فيدخل الفاسدُ. وخصص بعضُهم تعريفَ الحقائق الشرعية بصحيحها؛ لأنه (¬4) المقصودُ ¬

_ (¬1) "على غير" ليست في "ج". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬3) في "ع": "ومكاسبة"، وفي "ج": "ملابسة". (¬4) في "ع": "لأن".

بالذات، ومعرفتُه تستلزم معرفةَ الفاسد أو أكثره، فقال: نقلُ الملكِ بعوضٍ؛ لاعتقاده أن الفاسدَ لا ينقلُ الملكَ، بل شبهتَه، وذكرُ لفظِ (¬1) العوض فيهما (¬2) خللٌ؛ لأنه لا يُعرف إلا بعد معرفة البيع، أو ما هو ملزوم له. قال شيخنا: والمعلوم ضرورةً وجودُه عند وقوعه؛ لكثرة تكرره، ولا يلزم منه علمُ حقيقته (¬3) حسبما تقدم في الحجِّ، والتعريف الأول إلا ببيع المعاطاة، والثاني: لا يتناول شيئًا من البيع؛ لأن نقل الملك لازمٌ للبيع أعمُّ منه، وكونُه بعوض يخصصه بالبيع عن الهبة والصدقة، وليس هو نفس البيع، ويدخل فيه النكاح والإجارة. وقول ابن عبد السلام: العوضُ أخصُّ من البيع يُرَدُّ بأنه أعمُّ منه؛ لثبوته في النكاح وغيره، فقد قال ابن بشير (¬4): النكاحُ: العقدُ على العوضِ بعوضٍ. وقال ابن سِيدَهْ: العوض: البدل، وقسم النحاة التنوين أقسامًا: أحدُها: تنوين عوض، والأصل عدم النقل (¬5). * * * ¬

_ (¬1) "لفظ" ليست في "ع" و"ج". (¬2) في "ع" و"ج": "فيما". (¬3) في "ج": "حقيقة". (¬4) في "ع" و"ج": "ابن المنير". (¬5) وانظر: "مواهب الجليل" للحطاب (4/ 225) حيث نقل كلام ابن عرفة، الذي ذكره المؤلف هنا.

باب: ما جاء في قول الله - عز وجل -

باب: مَا جَاءَ فِي قَوْلِ اللَّهِ - عز وجل -: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [الجمعة: 10، 11] وَقولِهِ: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]. باب: ما جاء في قول الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ}): إلى آخر الترجمة. قال ابن المنير: جميعُ ما ذكره ظاهرُ التناسب في إباحة التجارة، إلا قوله: {وَإذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً} [الجمعة: 11]، فإنها باعثة على الاهتمام بها، لكن مفهوم (¬1) النهي عن تركِه (¬2) قائمًا اهتمامًا بها يُشعر أنها لو خلت من المعارض (¬3) الراجح، لم تُذَم. قلت: ساقَ ابنُ الملقن هذا الكلامَ بمعناه وأكثرِ ألفاظه غيرَ معزوٍّ لأحد كأنه لنفسه (¬4). * * * 1165 - (2047) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، ¬

_ (¬1) "مفهوم" ليس في "ع" و"ج". (¬2) في "ج": "ترك". (¬3) في "ع" و"ج": "المعاريض". (¬4) انظر: "التوضيح" (14/ 16).

قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: إِنَّكمْ تَقُولُونَ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَتَقُولُونَ: مَا بَالُ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ لَا يُحَدِّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ؟ وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمْ صَفْقٌ بِالأَسْوَاقِ، وَكُنْتُ ألزَمُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى مِلْءَ بَطْنِي، فَأَشْهَدُ إِذَا غَابُوا، وَأَحْفَظُ إِذَا نَسُوا، وَكَانَ يَشْغَلُ إِخْوَتِي مِنَ الأَنْصَارِ عَمَلُ أَمْوَالِهِمْ، وَكنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا مِنْ مَسَاكِينِ الصُّفَّةِ، أَعِي حِينَ يَنْسَوْنَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَدِيثٍ يُحَدِّثُهُ: "إِنَّهُ لَنْ يَبْسُطَ أَحَدٌ ثَوْبَهُ حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي هَذِهِ، ثُمَّ يَجْمَعَ إِلَيْهِ ثَوْبَهُ، إِلاَّ وَعَى مَا أَقُولُ"، فَبَسَطْتُ نَمِرَةً عَلَيَّ، حَتَّى إِذَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَقَالَتَهُ، جَمَعْتُهَا إِلَى صَدْرِي، فَمَا نسِيتُ مِنْ مَقَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تِلْكَ مِنْ شَيْءٍ. (كان يَشغلهم): - بفتح المضارعة - ماضي شَغَلَهُ الشيءُ - ثلاثيًا -. قال الجوهري: ولا تقل: أَشْغَلَني - يعني: بالألف (¬1) -؛ لأنها لغة رديئة (¬2). (صَفْقٌ بالأسواق): يريد: التبايُعَ، وهذا موضعُ الترجمة، وانما سموه صَفْقًا؛ لأنهم كانوا إذا تبايعوا، تصافَقُوا - بالألف - علامةً على انبرامِ (¬3) البيع. ¬

_ (¬1) في "ج": "يعني به بالألف". (¬2) انظر: "الصحاح" (5/ 1735)، (مادة: شغل). (¬3) في "ع": "إبرام".

ورواية أبي ذر: "صفق"، بالصاد. ولأبي الحسن: "سَفْق "، بالسين (¬1). و"صفق" اسم كان، و"يشغلهم" خبر ما تقدم. فإن قلت: قد منعوا في باب المبتدأ (¬2) تقديمَ الخبر في مثل: زيد قام؛ لئلا يلتبس بالفاعل، ومقتضاه منعُ ما ذكرتَه من الإعراب. قلت: أما بعدَ دخول الناسخ، فيجوز؛ نحو: كان يقوم زيد؛ خلافًا لقوم، صَرَّحَ به في "التسهيل". (من مساكين الصُفَّة): هم فقراء المهاجرين، و (¬3) مَنْ لم يكن له منهم (¬4) منزلٌ يسكنه، وكانوا يأوون إلى موضع مُظَلٍّ بالمسجد يسكنونه (¬5). (فبسطتُ نَمِرَةً): جزم ابن بطال بأنها ثوبُ مخملٍ من وَبَرٍ أو صوفٍ (¬6). ثعلبٌ: هي ثوبٌ مخطَّطٌ تلبسه العجوز. ابن فارس: كساء ملون. القتبي: بردة تلبسها الإماء. الهروي: إزار من صوف. ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 50). (¬2) "المبتدأ" ليست في "ع". (¬3) الواو ليست في "ج". (¬4) في "ج": "منهم له". (¬5) في "ج": "يسكنون به". (¬6) انظر: "شرح ابن بطال" (6/ 192).

القزاز: دراعة تلبس أو تجعل على الرأس فيها سواد وبياض (¬1). وما أحسن قولَ ابنِ أبي (¬2) الأصبغ في زاهدٍ لبس جبةَ صوفٍ مسهَّمَةً ببياض وسواد: قَطَعْتَ الضُّحَى وَاللَّيْلَ صَوْمًا وَعِفَّةً. . . لَهَا أَثَرٌ مِنْهُ (¬3) مُحَيَّاكَ نَيَّرُ فَقَدْ خَلَعَا لَوْنَيهِمَا بِرِضَاهُمَا (¬4). . . عَلَيْكَ فَفِي بُرْدَيْهِمَا تتَبَخْتَرُ (¬5) (فما نسيت (¬6) من مقالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك من شيء): "من" الأولى لابتداء الغاية، والثانيةُ زائدةٌ. ففيه جوازُ نسيانه لما كان سابقًا على تلك المقالة (¬7). * * * 1166 - (2048) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، آخَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ: إِنِّي أَكثَرُ الأَنْصَارِ مَالًا، فَأَقْسِمُ لَكَ نِصْفَ مَالِي، ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (14/ 19). (¬2) "أبي" ليست في "ع". (¬3) في "ج": "منها". (¬4) في "ع": "فقد خلعا لو أنهما ترضاهما". (¬5) في "ج": "تتخير". (¬6) في "ع": "فأنسيت". (¬7) في "ج": "تلك المقالة من الأولى".

وَانْظُرْ أَيَّ زَوْجَتَيَّ هَوِيتَ نزَلْتُ لَكَ عَنْهَا، فَإِذَا حَلَّتْ، تَزَوَّجْتَهَا، قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لَا حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ، هَلْ مِنْ سُوقٍ فِيهِ تِجَارَةٌ؟ قَالَ: سُوقُ قَيْنُقَاعَ، قَالَ: فَغَدَا إِلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَأَتَى بِأَقِطٍ وَسَمْنٍ، قَالَ: ثُمَّ تَابَعَ الْغُدُوَّ، فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَيْهِ أثرُ صُفْرَةٍ، فَقَال رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "تَزَوَّجْتَ؟ "، قَالَ: نعَمْ، قَالَ: "وَمَنْ؟ "، قَالَ: امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ، قَالَ: "كَمْ سُقْتَ؟ "، قَالَ: زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَوْلِمْ, وَلَوْ بِشَاةٍ". (آخى (¬1)): - بالمد - على صيغة فاعل؛ من: أَخَوْتُ الرجلَ إِخاوَةً (¬2)؛ أي: صرتُ أخًا له. (هل من سوق فيه تجارة؟): هذا موضع الترجمة، والسوقُ يؤنث ويذكر (¬3)، وعليه الحديث. (قال: سوق قينِقاع): قال السفاقسي: ضبطه في أكثر نسخ الشيخ (¬4) أبي الحسن بكسر النون، وكذلك سمعته، وفي بعضها: بضمها، وحكي في النون الفتح - أيضًا -، لكن لم أتحقق هل روي بها أو لا؟ (¬5) * * * ¬

_ (¬1) "آخى" ليست في "ج". (¬2) "إخاوة" ليست في "ع". (¬3) في "ع" و"ج": "يذكر ويؤنث". (¬4) "الشيخ "ليست في "ج". (¬5) انظر: "التوضيح" (14/ 20).

1167 - (2049) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ الْمَدِينَةَ، فَآخَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيِّ، وَكَانَ سَعْدٌ ذَا غِنًى، فَقَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: أُقَاسِمُكَ مَالِي نِصْفَيْنِ، وَأُزَوِّجُكَ، قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ، فَمَا رَجَعَ حَتَّى اسْتَفْضَلَ أَقِطًا وَسَمْنًا، فَأَتَى بِهِ أَهْلَ مَنْزِلهِ، فَمَكَثْنَا يَسِيرًا، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَجَاءَ وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَهْيَمْ؟ "، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ، قَالَ: "مَا سُقْتَ إِلَيْهَا؟ "، قَالَ: نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: "أَوْلِمْ، وَلَوْ بِشَاةٍ". (وعليه وَضَرٌ): - بفتح الواو والضاد المعجمة وبالراء -؛ أي: لطخٌ. (من صُفرة): استُشكل مع مجيء النهي عن التزعفر. وأُجيب: بأنه كان يسيرًا، فلم ينكره، أو عَلِقَ به من ثوبها من غير قصد. وقيل غيرُ ذلك، هكذا قيل. وقد روى مالك في "الموطأ": أن عبد الله بنَ عمرَ كان يلبس الثوبَ المصبوغَ بالمِشْقِ، والمصبوغَ (¬1) بالزعفران (¬2). قال ابنُ العربي: وما كان ابنُ عمر ليكرهَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - شيئًا، ويستعمله. قال: والأصفرُ لم يرد فيه حديث، لكنه وردَ ممدوحًا في القرآن، قال ¬

_ (¬1) "بالمشق والمصبوغ" ليست في "ج". (¬2) رواه مالك في "الموطأ" (2/ 911).

تعالى: {صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} [البقرة: 69] وقرئ: {يَسُرُّ النَّاظِرِينَ} (¬1). وأسند إلى ابن عباس: أنه من طلب حاجةً على نعل أصفر، قُضيت؛ لأن حاجةَ بني إسرائيل قُضيت بجلد أصفر يجرى من مثله النعالُ. قال: وهذا من عظم (¬2) غَوْصِهِ، وإذا كان كذلك، فلا إشكال، ويستدل بتقريره -عليه السلام- على الإباحة. وهنا سؤال حسن ذكره الشيخ تقيُّ الدين السبكيُّ -رحمه الله -، وهو الاستدلال بالتقرير على الإباحة، كيف يتمُّ مع أنه يحتمل أن يكون التقديرُ قبلَ نزول الوحي؟ فينبغي أن يقال: يستدل به على عدم التحريم، أما إنشاءُ الإباحة، فلا، وكان -رحمه الله- قد أورد هذا السؤال على الشيخ (¬3) صدر الدين ابنِ (¬4) المُرَحّل، ولم يحصل عنه جوابٌ إذ ذاك. قال الشيخ تقي الدين: وقد ظهر لي بعد ذلك جوابُه، وهو أن التقدير إنما يكون على فعل وقع، أو هو واقع، ولنا قاعدة قد نقلوها، وهي أنه لا يجوز الإقدامُ على فعل حتى يُعرف حكمُه، فذلك الفعلُ الذي أُقر عليه لو لم يكن مباحًا، لكان حرامًا؛ للإقدام عليه بلا علم بحكمه، فمن هنا دل ¬

_ (¬1) "وقرئ {يسر الناظرين} " ليست في "ج". (¬2) في "ع": "أعظم". (¬3) "الشيخ" ليست في "ع". (¬4) "ابن" ليست في "ج".

التقرير على الإباحة؛ بخلاف السكوت عند السؤال؛ فإنه يُحمل على (¬1) عدم نزول الحكم؛ لأن السؤال عما لم (¬2) يقع، أو عما وقع، والسائلُ ينتظر حكمَه، فيفهم من السكوت عدمُ الحكم، فبقي واقفًا؛ بخلاف المقيم على الفعل قد يعتقد إباحته، فهذا فرقُ ما بين المقامين. فإن قلت: يكفي في تسويغ الفعل البراءةُ الأصلية؟ [قلت: هذا كافٍ في الإباحة؛ لأن إبقاء الشارع لحكم البراءة الأصلية] (¬3) حكم، وهي (¬4) دليل شرعي، وإنما يقول بالتحريم إذا أقدم بلا سبب، فهذا ينكر عليه، سواء كان هناك حكم، أو لا، فإذا لم ينكر، دل على (¬5) الإباحة، فيحمل على أن فاعله أقدمَ عن علم؛ بخلاف السائل؛ فإن ظاهر حاله أنه واقف عن الاعتقاد، ومنتظر للجواب، فلا يحصل مفسدة، هذا كلامه رحمه الله (¬6). (مَهْيَم؟): -بفتح الميم والياء وسكون الهاء-: كلمةٌ يمانية معناها (¬7): ما هذا؟ وقيل: ما شأنك؟ ووقع في الطريق المتقدمة على هذه: "تزوجت؟ قال: نعم" (¬8)، وفيه شاهد على حذف همزة الاستفهام، وتقدم الكلام فيه، ومرت له نظائر. ¬

_ (¬1) "على" ليست في "ج". (¬2) "لم" ليست في "ع" و"ج". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬4) في "ع": "وهو". (¬5) في "ج": "عليه". (¬6) انظر: "الإبهاج" للسبكي (2/ 182). (¬7) في "ع" و "ج": "معناه". (¬8) رواه البخاري (2048).

(قال: نواةً من ذهب): - بالنصب -؛ أي: سُقْتُ إليها نواةً، فيكون الجواب مطابقًا للسؤال من حيث إن كلًا منهما جملة فعلية (¬1)، فإن روي بالرفع، جاز إما بناء على أن (¬2) المشاكلة غيرُ لازمة، وإما على (¬3) أن المشاكلة حاصلة بأن يقدر: (ما سُقْتَ إليها؟): جملةً اسمية (¬4)، وذلك بأن يكون "ما" مبتدأ، و"سقت إليها" الخبر، والعائد محذوف؛ أي: سقته. والنواة: وزن (¬5) خمسةِ دراهمَ؛ أي: على ذهب زنته (¬6) خمسةُ دراهم، وقيل: على ذهبٍ قدر نواة من نوى (¬7) التمر في الحجم، وقيل: على ذهبٍ يساوي خمسةَ دراهمَ. * * * 1168 - (2050) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْروٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَ: كَانَتْ عُكَاظٌ وَمِجَنَّةُ وَذُو الْمَجَازِ أَسْوَاقاً فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا كَانَ الإِسلاَمُ، فَكَأَنَّهُمْ تَأَثَّمُوا فِيهِ، فَنَزَلَتْ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] فِي ¬

_ (¬1) "جملة فعلية" ليست في "ع". (¬2) "أن" ليست في "ع". (¬3) "على" ليست في "ج". (¬4) "اسمية" ليست في "ع". (¬5) "وزن" ليست في "ج". (¬6) في "ع": "زنة". (¬7) "من نوى" ليست في "ج".

باب: الحلال بين، والحرام بين، وبينهما مشتبهات

مَوَاسِمِ الْحَجِّ، قَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ. (ومَجِنَّة): - بفتح الميم وكسر (¬1) وفتح الجيم -، وقد سبق في آخر الحج. قال الزركشي: وحكى القاضي في "المشارق" عن الأزرقي (¬2) هنا (¬3) كلامًا غيرَ متلائم، فليتأمل (¬4). قلت: فيه ما نصه: قال الأزرقي: هي بأسفل مكة على بَريدٍ منها، وكان سوقُها عشرةَ أيام آخر ذي القعدة (¬5)، والعشرون منه قبلَها سوقُ عكاظ، وبعدَه مجنةُ ثمانية أيام من أول ذي الحجة، ثم (¬6) يخرجون في التاسع إلى عرفة، وهو يوم التروية (¬7). ومن هنا جاء عدمُ (¬8) الالتئام. (وذو المجاز): بالجيم والزاي -: سوق عند عرفةَ من أسواق الجاهلية. * * * باب: الحلالُ بيِّن، والحرامُ بيِّنٌ، وبينهما مُشْتَبِهاتٌ 1169 - (2051) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنِ ¬

_ (¬1) "وكسر" ليست في "ع" و"ج". (¬2) "عن الأزرقي" ليست في "ع" و"ج". (¬3) في "ج": "هناك". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 464). (¬5) في "ع": "ذي الحجة". (¬6) "ثم" ليست في "ج". (¬7) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 394). (¬8) "عدم" ليست في "ع" و "ج".

ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي فَرْوَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبي فَرْوَةَ، سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي فَرْوَةَ، عن الشَّعْبِيِّ، عنِ النُّعْمانِ بنِ بَشِير رضي الله عنه قال: قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الحَلالُ بيِّنٌ والحَرامُ بيِّنٌ، وَبَيْنَهُما أُمُورٌ مُشْتَبِهَةٌ، فَمَنْ تَرَكَ ما شُبِّهَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ كَانَ لِمَا اسْتَبَانَ أَتْرَكَ، وَمَنِ اجْتَرَأَ عَلَى مَا يَشُكُّ فِيهِ مِنَ الإِثْمِ أَوْشَكَ أَنْ يُوَاقِعَ مَا اسْتَبَانَ، وَالْمَعَاصِي حِمَى اللَّهِ، مَنْ يَرْتَعْ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكْ أَنْ يُوَاقِعَهُ". (الحلالُ بيِّنٌ، والحرامُ بيِّنٌ): قال ابن المنير: اختلفوا في الشبهات، فقال قوم: هي حلال، وقال آخرون: حرام، وكلاهما لا يمكن؛ ضرورةَ أن الشيء لا يكون قَسيمَ (¬1) نفسِه، فإن قلنا: هي حلال؛ لزم أن يكون الحلال يقاسمُ نفسَه، وكذا إن قلنا: حرام. قال: والجواب: أنه -عليه السلام- لم يرد إلا حلالًا مخصوصًا، وحرامًا مخصوصًا (¬2)، وهما البينان الواضحان، ولا يرد أنه لو كان كذلك؛ لكان التقدير: الحلال البين بين، وكذا الآخر، ومثله لا يستقيم كلامًا (¬3)؛ لأنا نقول: قوله: "بين" قام مقام قوله: لا يحتاج إلى بيان، ولو قيل: الحلال ¬

_ (¬1) في "ع"و "ج": "قسم". (¬2) "وحرامًا مخصوصًا" ليست في "ع" و"ج". (¬3) "كلاما" ليست في "ع".

البين (¬1) مستغنٍ عن البيان؛ لاستقام، فلنقدره (¬2) كذلك، فإذن المشتبهاتُ إما حلالٌ خَفي، أو حرامٌ خَفي، وعلى كل (¬3) ينبغي اجتنابُها؛ ليكون المرء على أحد الحسنيين، إن كانت (¬4) حرامًا، برئ من العقوبة، وإن كانت (¬5) حلالًا، وتركَها بهذا (¬6) القصد (¬7)، حصل على المثوبة، وهذا نوع من الورع لا خلافَ في صحته، وإنما اختلفوا في الحلال البين هل يُتصور فيه ورع؟ وقد تقدم في ذلك كلام. (وبينهما أمور مشتبهة): فيه كما قال ابن المنير: دليل على (¬8) بقاء المجملات (¬9) بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ خلافًا لمن منع ذلك، وتأول ذلك من قوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38]، وإنما المراد: أن (¬10) أصول البيان [في كتاب الله تعالى، فلا مانع من الإجمال والاشتباه حتى يُستنبط له البيان] (¬11) ومع ذلك قد يتعذر البيان، ويبقى التعارُض، فلا يطلع ¬

_ (¬1) في "ع": "بين". (¬2) في "ج": "لأنا فلنقدره". (¬3) في "ع": "وعلى هذا كل". (¬4) في "ج": "كان". (¬5) في "ج": "كان". (¬6) في "ج": "بعد". (¬7) في "ع": "المقصود". (¬8) "دليل على" ليست في "ع". (¬9) في "ع": "بقاء على المجملات". (¬10) "أن" ليست في "ع". (¬11) ما بين معكوفتين ليس في "ع".

باب: تفسير المشبهات

على ترجيح، فيكون البيان حينئذ الاحتياط، والاستبراء للعرض والدين، والأخذ بالأشد على قول، أو يتخير (¬1) المجتهدُ على قول، أو يرجع إلى البراءة الأصلية، وكل ذلك بيان يُرجع إليه عند الاشتباه من غير أن يُجحد (¬2) الإجمالُ أو (¬3) الإشكال. واعلم أن البخاري -رحمه الله تعالى - إنما كرر الأسانيد في حديث النعمان بن بشير (¬4): "الحلال بين"؛ لأجل معارضة قول يحيى بن معين عن أهل المدينة: إنه لا يصح له سماع من (¬5) النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬6). * * * باب: تَفْسِيرِ الْمُشَبَّهَاتِ وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَهْوَنَ مِنَ الْوَرَعِ، دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ. (وقال: حسان بنُ أبي سنانٍ: ما رأيت شيئًا أهونَ من الورع، دَعْ ما يَريبك إلى ما لا يَريبك): خرَّج مغلطاي هذا التعليق بسنده إلى أبي نعيم الحافظ بسنده إلى ضَمْرَةَ بنِ عبدِ الله بنِ شَوْذَب، قال حسانُ بنُ أبي سنان: ¬

_ (¬1) في "ع": "بتخيير". (¬2) في "ع": "يجهد". (¬3) في "ج": " و". (¬4) في "ج": "بشر". (¬5) في "ج": "عن". (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 464).

ما أيسرَ الورع إذا شككْتَ في شيء، فاتركْه (¬1). ثم قال مغلطاي: ولفظة: "دَعْ ما يَريبك إلى ما لا يَريبك" رويناها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2) من حديث الحسن بنِ عليٍّ، وقيل له (¬3): ما حفظتَ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: "دع ما يَريبك إلى ما لا يَريبك" قال الترمذي: حديث حسن صحيح (¬4)، وقال الحاكم: صحيح الإسناد (¬5). وَيريب -بفتح الياء-، قال أبو العباس: يقال (¬6): رَابَني الشيءُ: إذا تَبينتُ منه الريبةَ، وأَرابَني (¬7): إذا لم يتبينها (¬8). وقال غيره: أرابَ في نفسه، وراب غيره، ورابني (¬9) أفصحُ من أرابني (¬10) (¬11). * * * 1170 - (2053) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ ¬

_ (¬1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (3/ 116). (¬2) في "ج": "عن النبي - صلى الله عليه وسلم -". (¬3) "له" ليست في "ج". (¬4) رواه الترمذي (2518). (¬5) رواه الحاكم في "المستدرك" (2169). (¬6) "يقال" ليست في "ج". (¬7) في "ع" و "ج": "ورابني". (¬8) في "ع"و "ج": "يبينها". (¬9) في "ع" و"ج": "وراب". (¬10) في "ج": "رابني". (¬11) انظر: "التوضيح" (14/ 46).

شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: كَانَ عُتْبَهُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ مِنِّي، فَاقْبِضْهُ، قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ عَامَ الْفَتْحِ، أَخَذَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَقَالَ: ابْنُ أَخِي، قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ، فَقَامَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فَقَالَ: أَخِي، وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَتَسَاوَقَا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ابْنُ أَخِي، كَانَ قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ. فَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: أَخِي، وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ". ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ". ثُمَّ قَالَ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "احْتَجبِي مِنْهُ"؛ لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَهَ، فَمَا رَآهَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ. (أن ابنَ وليدةِ زَمْعةَ مني): - بفتح الزاي وإسكان (¬1) الميم -، ويقال: -بفتحها -، وقال الوقشي: إنه الصواب، وهذا الولد هو عبدُ الرحمن بنُ زمعة. وفي "أسد الغابة" في ترجمة عبدِ الرحمن بنِ زمعةَ بنِ قيسِ بنِ عبدِ شمسٍ القرسيّ العامريّ ابن وليدةِ زمعةَ الذي (¬2) قضى فيه (¬3) رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: أن الولدَ للفراش، وللعاهر الحجر، حين تخاصم أخوه عبدُ الله بنُ زمعةَ (¬4) وسعدُ بنُ أبي وقاص، ولم يختلف النسابون لقريش: مصعبٌ، والزبيرُ، ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "واسم". (¬2) في "ج": "التي". (¬3) في "ع" و "ج": "به". (¬4) في "ع" و"ج": "عبد بن زمعة".

والعدويُّ فيما ذكرنا. قال (¬1): أمُّه أَمَةٌ كانت لأبيه يمانية، وأبوه زَمْعَةُ، وأختُه سودَةُ زوجُ النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولعبد الرحمن عَقِبٌ، وهم بالمدينة، هذا كلام ابن عبد البر. وقال ابن منده: عبدُ الرحمن بنُ زمعةَ بنِ المطلبِ (¬2) أخو عبدِ الله وعبدِ بنِ زمعةَ. قال شيخنا قاضي القضاة جلال الدين - أمتع الله بوجوده وعلومه -: وهذا وهم فاحش، فليس في نسبه المطلب، وليس أخًا لعبد الله بن زمعة، إنما هو أخو (¬3) عبدِ بنِ زمعة وسودةَ، ونسبه ما تقدم. وقال أبو نعيم: عبدُ الرحمن بنُ زمعةَ بنِ الأسودِ بنِ المطلبِ بنِ أسدِ ابنِ عبدِ العزى بنِ قُصَي (¬4). قال شيخنا: وهذا وهم - أيضًا -، فهذا نسبُ عبد الله بن زمعة القرشي (¬5)، لا نسبُ عبد الله وعبدِ الرحمنِ وسودةَ أولادِ زمعةَ. قال: وقد وقع نحوُ هذا الوهم أيضًا للذهبي في "الكاشف"، فقال: عبدُ الله (¬6) بنُ زمعة أخو سودةَ (¬7)، قال: وهذا وهم، نبه (¬8) عليه شيخنا قديمًا، ¬

_ (¬1) في "ج": "قالوا". (¬2) في "ع": "عبد المطلب". (¬3) "أخو" ليست في "ج". (¬4) انظر: "أسد الغابة" (3/ 444). (¬5) في "ج": "عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب القرشي". (¬6) في "ج": "عبد الرحمن". (¬7) انظر: "الكاشف" (1/ 553). (¬8) في "ع" و"ج": "وهم منه نبه".

يريد: والدَه شيخَ الإسلام سراجَ الدين البلقيني -رحمه الله -. (فتساوقا): أي: تَفاعَلا؛ من السَّوْق؛ أي: ساقَ كلُّ واحد منهما صاحبَه، والمراد به: التدافُع والترافُع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. (هو لك يا عبدُ بنَ زمعةَ (¬1)): - بإثبات حرف النداء، ويفتح الدال وضمها - كما في قولك: يا زيدُ بنَ عمرٍو (¬2). ورواه النسائي بحذف حرف النداء (¬3) على أن "عبد" منادى مضموم؛ مثل: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} [يوسف: 29]، وحَرَّفه بعضهم فنوَّنَه, ومعنى "هو لك": أنه أخ لك. (الولد للفراش): أي: تابعٌ للفراش، أو محكومٌ به (¬4) للفراش، ونحو ذلك. وقيل: هو على حذف مضاف؛ أي: لصاحب الفراش؛ أي: للزوج، أو السيد (¬5)، وهذا لفظٌ عام وَرَدَ على سبب (¬6) خاص كما رأيته في القصة. وقد بالغ الشافعي -رحمه الله - في الرد على من يجوز إخراجَ السبب، وأطنبَ في أن الدلالة عليه قطعية؛ لدلالة العام عليه بطريقين: أحدهما: العموم. ¬

_ (¬1) في "ع": "يا عبد الله بن زمعة". (¬2) في "ع": "زيد بن عمر". (¬3) رواه النسائي (3484). (¬4) "به" ليست في "ع". (¬5) في "ج": "للسيد". (¬6) في "ج": "سبيل".

وثانيهما: كونه واردًا لبيان حكمه، ومن ذلك نشأ كونُه لا يخرج بالاجتهاد. قال الشيخ تقي الدين السبكي -رحمه الله -: وهذا عندي ينبغي أن يكون إذا دلت قرائن حاليةٌ أو مقاليةٌ على ذلك، أو على أن اللفظ العامَّ يشمله بطريق لا محالةَ، وإلا، فقد ينازع الخصمُ في دخوله وضعًا تحت اللفظ العام، ويدَّعي أنه قد يقصد المتكلمُ بالعام إخراجَ السبب، وبيان أنه ليس داخلًا في الحكم؛ فإن للحنفية أن يقولوا في قوله -عليه السلام-: "الولدُ للفراش"، وإن كان واردًا في أَمَةٍ، فهو وارد لبيان حكم ذلك الولد، وبيان حكمه إما بالثبوت، أو بالانتفاء، فإذا ثبت أن الفراش هي الزوجة؛ لأنها التي يتخذ لها الفراشُ غالبًا، وقال: الولد للفراش، كان فيه حصرٌ (¬1) أن الولد للحرة، وبمقتضى ذلك لا يكون للأَمَة، فكان فيه بيان الحكمين جميعًا: نفيُ النَّسَب عن السبب، وإثباتُه لغيره، ولا يليق دعوى القطع هنا، وذلك من جهة اللفظ، وهذا في الحقيقة نزاع في أن اسم الفراش هل هو موضوع للحرة والأَمَةِ الموطوءة، أو للحرة فقط؟ فالحنفية يدَّعون الثاني، فلا عموم عندهم له في الأَمَة، فتخرج المسالةُ حينئذٍ من باب أن العبرة بعموم اللفظ أو بخصوص السبب، نعم قوله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث: "هو لكَ يا عبدُ (¬2) بن زمعةَ، الولدُ للفراش، و (¬3) للعاهرِ الحجرُ" بهذا الترتيب يقتضي أنه ألحقه به على حكم السبب، ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": حصرًا. (¬2) في "م": "يا عبد الله". (¬3) في "ع": "أو".

فيلزم أن يكون مرادًا من قوله: "للفراش"، فليتنبه (¬1) لهذا البحث، فإنه نفيس جدًا، ولا يقال: إن الكلام إنما هو حيث تحقق دخوله في اللفظ العام وصفًا؛ لأنا نقول: قد يتوهم أن كون (¬2) اللفظ جوابًا للسؤال يقتضي دخوله، فأردنا أن ننبه (¬3) على أن الأمر ليس كذلك. والجواب إنما يقتضي بيان الحكم، وإنما أردنا أن دعوى من ادعى أن دلالة العام على سببه قطعية (¬4) يمكن المنازعة فيها بالنزاع في دخوله تحت اللفظ العام وضعًا لا مطلقا، والمقطوع به أنه لابد فيه من بيان حكم السبب، إما كونه يقطع بدخوله في ذلك، أو بخروجه عنه، فلا يدل على تعين واحد من الأمرين (¬5). (وللعاهر الحجرُ): أي: للزاني الحجر، قيل: معناه: أن له الخيبة مما ادعاه وطلبه؛ كما يقال: لفلان التراب. وقيل: هو على ظاهره (¬6)؛ أي: له الرجمُ بالحجارة، وهو ضعيف؛ لأنه ليس كل عاهر يستحق الرجم، وإنما يستحقه المحصَن، فلا يجري لفظ العاهر على ظاهره من العموم، أما إذا حُمل على الأول من أن له (¬7) ¬

_ (¬1) في "ع": "فلينبه". (¬2) في "ع": "يكون". (¬3) في "ج": "نبينه". (¬4) في "ج": "قطيعة". (¬5) انظر: "الإبهاج" للسبكي (2/ 188). (¬6) في "ج": "ظاهر". (¬7) "له" ليست في "ع".

الخيبة، كان ذلك عامًا في حق (¬1) كلِّ زانٍ (¬2)، فيبقى (¬3) اللفظ على عمومه من غير معارض. * * * 1171 - (2054) - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْمِعْرَاضِ، فَقَالَ: "إِذَا أَصَابَ بِحَدِّهِ، فَكُلْ، وَإِذَا أصَابَ بِعَرْضِهِ، فَلاَ تَأكُلْ؛ فَإنَّهُ وَقيذٌ". قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ! أُرسِلُ كلْبِي وأُسَمِّي، فَأَجِدُ مَعَهُ عَلى الصَّيْدِ كَلْبًا آَخَرَ لَمْ أُسَمِّ عَلَيْهِ، ولا أَدْرِي أَيُّهُمَا أَخَذَ؟ قَالَ: "لَا تَأْكُلْ؛ إِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ، وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى الآخَرِ". (عن المِعْراض): - بميم مكسورة فعين مهملة ساكنة فراء فألف فضاد معجمة -: سهم لا ريش عليه، وقيل: عصا رأسُها محدَّد. (فإنه وَقيذٌ): - بالقاف والذال المعجمة -: هو ما أُثخن ضربًا بِعَصًا أو حجرِ حتى مات. قال ابن المنير: جمع البخاري بهذه الأحاديث بين صور من الورع متباينة: فمنها: الورع الواجب؛ كما في حديث عدي. ومنها: المندوب؛ كما في حديث السوداء. ¬

_ (¬1) "حق" ليست في "ع". (¬2) "زان" ليست في "ع". (¬3) في "ع" و"ج": "فينبغي".

باب: ما يتنزه من الشبهات

ومنها: الورع الخاص، وهو احتجاب سَوْدَةَ، فهذا واجب على سودة ونحوِها من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لغلظِ الحجابة في حقهن، فلو اتفق مثلُ ذلك لغيرهن، لم يتوجه الخطاب به. مثاله: لو شكَّت المرأةُ في أخيها أو خالها باعتبار نسبه (¬1)؛ لوقوع تهمة، وظهور شَبَه بغير الأب مِمَّن كان متهمًا (¬2) بتلك (¬3) المرأة، فحكمنا بالأخوة، وألغينا الشَّبَه بالغير، لما وجب على المرأة أن تحتجب من أخيها، ولا من خالها بذلك، ولا أرى الفقهاء يندبون إلى رعاية مثل هذا؛ لأنه - عليه الصلاة والسلام - لم يرتب (¬4) على الشبه حكمًا حيث قال له (¬5) الرجل: إن امرأته ولدت ولدًا أسود يُعَرِّضُ بنفيه، فقال له - عليه الصلاة والسلام - ما قال إلى أن قال: "وَهَذَا لَعَلَّ (¬6) عِرْقًا نَزَعَهُ" (¬7). * * * باب: ما يُتَنَزَّهُ مِنَ الشُّبُهاتِ 1172 - (2055) - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ طَلْحَةَ, عَنْ أَنسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِتَمْرَةٍ مَسْقُوطَةٍ" ¬

_ (¬1) في "ع": "نسبته". (¬2) في "ع": "منها". (¬3) في "ج": "فتلك". (¬4) في "ج": "إنما ترتب". (¬5) "له" ليست في "ع". (¬6) في "ع": "لعله". (¬7) رواه البخاري (4999)، ومسلم (1500)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

باب: من لم ير الوساوس ونحوها من الشبهات

فَقَالَ: "لَوْلاَ أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً، لأَكَلْتُهَا". وَقَالَ هَمَّامٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "أَجِدُ تَمْرَةً سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي". (بتمرة مسقوطة): أي: ساقطة، وقد يأتي مفعول بمعنى فاعل؛ كقوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا} [مريم: 61]؛ أي: آتيًا. ويروى: "مُسْقَطَة" (¬1). * * * باب: مَنْ لَمْ يَرَ الوَسَاوِسَ ونَحوَها من الشُّبُهاتِ 1173 - (2056) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: شُكِيَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الرَّجُلُ يَجِدُ فِي الصَّلاَةِ شَيْئًا، أَيَقْطَعُ الصَّلاَةَ؟ قَالَ: "لَا، حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا". (عن عباد بن تميم، عن عمه): هو عبد الله بنُ زيدِ بنِ عاصمٍ المازنيُّ. * * * 1174 - (2057) - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ الْعِجْلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّفَاوِيُّ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: أَنَّ قَوْمًا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ قَوْمًا يَأْتُوننا بِاللَّحْمِ، لَا نَدْرِي: أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، أَمْ لَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "سَمُّوا اللَّهَ عَلَيهِ وَكُلُوهُ". (الطُّفاوي): بطاء مهملة مضمومة ففاء فألف فواو فياء النسب. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 466).

باب: قَوْلِ اللَّهِ تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجمعة: 11] (باب: قول الله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا}): ذكرَ الآيةَ فى هذه الترجمة لمنطوقها، وهو الذم، وتقدَم ذكرُها في باب الإباحة لمفهومها، وهو (¬1) تخصيص (¬2) ذمِّها بالحالة التي يُشتغل (¬3) بها عن الصلاة والخطبة. 1175 - (2058) - حَدَّثَنَا طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ سَالِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَابِرٌ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ أَقْبَلَتْ مِنَ الشَّأْمِ عِيرٌ تَحْمِلُ طَعَامًا، فَالْتَفتوا إِلَيْهَا، حَتَّى مَا بَقِيَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلاَّ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، فَنَزَلَتْ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجمعة: 11]. (حتى ما بقي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا اثنا عشر رجلًا): تقدم في أبواب (¬4) الجمعة أنهم المشهود لهم بالجنة (¬5)، وبلال، و (¬6) ابن مسعود أو عمار، وفي رواية جابر: "فلم يَعُدَّ نفسَه"، وتقدم أن العير لدحيةَ، وقيل: لعبدِ الوحمن بنِ عوفٍ. ¬

_ (¬1) "وهو" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "وتخصيص". (¬3) في "ع": "يستقل". (¬4) في "ج": "باب". (¬5) رواه البخاري (936). (¬6) الواو ليست في "ع" و"ج".

باب: التجارة في البز وغيره

باب: التِّجَارَةِ فِي الْبَزِّ وغيره وَقَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ -: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور: 37]، وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ الْقَوْمُ يَتبَايَعُونَ وَيَتَّجِرُونَ، وَلَكِنَّهُمْ إِذَا نَابَهُمْ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ، لَمْ تُلْهِهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، حَتَّى يُؤَدُّوهُ إِلَى اللَّهِ. (باب: التجارة في البَزّ وغيرِه): - بفتح الباء الموحدة بعدها زاي مشددة -، وأمتعةِ البزار، وعند بعضهم: "البُرِّ" - بالراء (¬1) -، قيل: وهو تصحيف (¬2). (وقوله تعالى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور: 37]): اختلف في معناه، فقيل: لا تجارةَ لهم، فلا (¬3) يشتغلون عن الذكر. وقيل: لهم تجارة، ولكنها لا تشغلهم عن الذكر، وعلى هذا المعنى الثاني (¬4) يتنزل ترجمة البخاري، فإنما (¬5) أراد إباحةَ التجارة وإثباتَها، لا نفيَها (¬6)، وأراد بقوله: في البز وغيره: أنه لا تَعبُّدَ في تخصيص نوع من البضائع دون غيره، وإنما التعبُّدُ في أن لا يشتغل بالتجارة أيًا ما كانت عن (¬7) الذكر. واعلم أنه لم يَسُقْ في الباب حديثًا يقتضي التجارة في البز بعينها من ¬

_ (¬1) في "ع": "بالواو". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 466). (¬3) في "ج": "ولا". (¬4) "الثاني" ليست في "ج". (¬5) في "ج": "وإنما". (¬6) في "ع": "يعنيها". (¬7) في "ج": "على".

بين سائر أنواع التجارات. قال ابن بطال: غير أن قوله تعالى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور: 37]، يدخل فيه جميع أنواع (¬1) التجارة من البز وغيره (¬2). قلت: لا نسلِّمُ شمولَ الآية لكل تجارة بطريق العموم الاستغراقي؛ فإن التجارة والبيع فيها (¬3) من المطلق، لا من العام. فإن قلت: كيف يتجه هذا، وكلٌّ من التجارة والبيع في الآية وقع نكرةً في سياق النفي؟ قلت: قد سبق أن ترجمة (¬4) البخاري مقتضيةٌ لإثبات التجارة، لا نفيِها، وأن المعنى: لهم تجارة وبيعٌ لا يلهيانهم عن ذكر الله، فإذنْ كُل منهما (¬5) نكرة في سياق الإثبات، فلا يَعُمُّ، وإذا (¬6) علمت أنه ليس في الباب حديث يختص بالبز (¬7) - بالزاي -، فما وجهُ نسبةِ من روى: البُرِّ - بضم الباء وبالراء - إلى التصحيف، مع أنه ليس ثَمَّ ما يدفعه؟ فتأمله. * * * ¬

_ (¬1) "أنواع" ليست في "ع" و"ج". (¬2) انظر: "شرح ابن بطال" (6/ 252). (¬3) في "ع": "منها". (¬4) في "ج": "في الترجمة". (¬5) في "ع": "منهم". (¬6) في "ج": "فإذا". (¬7) "بالبز" ليست في "ع" و"ج".

باب: الخروج في التجارة

باب: الْخُرُوجِ فِي التِّجَارَةِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10]. (باب: الخروج في التجارة): قال ابن المنير - غوضُه إجازةُ الحركات البعيدة في التجارات؛ لقوله تعالى: {فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10]، ولقول عمر: "أَلهاني الصَّفْقُ بالأَسواقِ"، فدل ذلك على أنه لم يكن يَتَّجِر في بيته, بل يحضرُ السوق؛ خلافًا لمن يتنطَّع في التجارة، فلا يحضر الأسواق، ويتحرَّجُ منها. قلت: لعل تحرُّجَهم: لعلة (¬1) المنكرات في الأسواق قي هذه الأزمنة؛ بخلاف الصدر الأول. 1176 - (2062) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجِ، قَالَ: أخبَرَنِي عَطَاء، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ: أَنَّ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ اسْتَأْذَنَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَكَأَنَّهُ كَانَ مَشْغُولًا، فَرَجَعَ أَبُو مُوسَى، فَفَرَغَ عُمَرُ فَقَالَ: ألمْ أَسْمَعْ صَوْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ؟ ائْذَنوُا لَهُ، قِيلَ: قَدْ رَجَعَ، فَدَعَاهُ، فَقَالَ: كنَّا نؤمَرُ بِذَلِكَ. فَقَالَ: تَأْتِينِي عَلَى ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ، فَانْطَلَقَ إِلَى مَجْلِسِ الأَنْصَارِ، فَسَأَلَهُمْ، فَقَالُوا: لَا يَشْهَدُ لَكَ عَلَى هَذَا إِلاَّ أَصْغَرُنَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، فَذَهَبَ بِأَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، فَقَالَ عُمَرُ: أَخَفِي عَلَيَّ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟! ألْهَانِي الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ. يَعْنِي: الْخُرُوجَ إِلَى تِجَارَةٍ. (قال كنا نؤمر بذلك، فقال (¬2): تأتيني على ذلك بالبينة): تأتيبي: خبرٌ ¬

_ (¬1) في "ع": "لعلته"، وفي "ج": "لغلبة". (¬2) "فقال" ليست في "ع".

باب: التجارة في البحر

أُريد به الأمرُ. قال الزركشي: وإنما طلبَ! منه البينةَ، ولم يكتفِ بخبره؛ لأنه لم يخبر (¬1) به (¬2) ابتداءً، بل لأمرٍ يتعلَّق به (¬3). قلت: فيه نظر؛ فإن مجردَ ما ذكره لا يمنعُ من قَبول خبر العدل، لاسيما مَنْ هو من أكابر الصحابة، رضوان الله عليهم. وقد روى مالك -رضي الله عنه - في حديث الاستئذان الواقع في "الموطأ": فقال عمر لأبي موسى: أَما إِنِّي لم أَتَّهِمْكَ، ولكنْ خَشِيتُ أَنْ يتقوَّلَ الناسُ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬4). * * * باب: التِّجَارَةِ فِي الْبَحْرِ وَقَالَ مَطَرٌ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ إِلاَّ بِحَقٍّ، ثُمَّ تَلاَ: {وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [النحل: 14]، وَالْفُلْكُ: السُّفُنُ، الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ سَوَاءٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: تَمْخَرُ السُّفُنُ الرِّيحَ، وَلاَ تَمْخَرُ الرِّيحَ مِنَ السُّفُنِ إلاَّ الْفُلْكُ الْعِظَامُ. (وقال مجاهد: تمخر السفُنَ، ولا تمخر الرِّيحَ من السفن إلا الفلكُ ¬

_ (¬1) في "ع": يخبره. (¬2) "به" ليست في "ع". (¬3) انظر "التنقيح" (2/ 466). (¬4) رواه مالك في "الموطأ" - رواية يحيى الليثي (2/ 964).

العظامُ): قال القاضي: كذا لهم؛ يعني (¬1): بنصب السفن، وعند الأصيلي: بضم السُّفُنُ، ونصب الرِّيحَ. وقال بعضهم: صوابه: بفتح السُّفُنَ، ونصب الريحَ، كأنه جعلَها المتصرفةَ لها في الإقبال والإدبار. قال القاضي: والصواب ما ضبطه الأصيلي، وهو دليل القرآن؛ إذ (¬2) جعلَ الفعلَ للسفن، فقال: {مَوَاخِرَ فِيهِ} [النحل: 14]. قال الخليل (¬3): مَخَرَتِ السفينةُ: إذا استقبلَتِ (¬4) الريحَ. وقال أبو عبيد (¬5) وغيره: هو شَقُّها الماءَ، فعلى هذا السفينةُ مرفوع على الفاعلية (¬6). وقوله: إلا الفلك العظامُ -بالرفع والنصب- على التقديرين السابقين. * * * باب: قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة: 267] [باب: قوله تعالى: {كلوا (¬7) من طيبات ما كسبتم}: هكذا هو في ¬

_ (¬1) "يعني" ليست في "ع" و"ج". (¬2) في "ع": إذا. (¬3) في "ع": "الخليلي". (¬4) في "ج": "استقلت". (¬5) في "ج": "عبيدة". (¬6) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 374). وانظر: "التنقيح" (2/ 466). (¬7) كذا في رواية أبي الوقت، وفي باقي الروايات: "أنفقوا"، وهي المعتمدة في النص، وهي التلاوة.

بعض النسخ: "كلوا"، والتلاوة: {أَنفِقُواْ}] (¬1). و (¬2) في بعض النسخ: "أنفقوا" على الصحة. * * * 1177 - (2065) - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ، كَانَ لَهَا أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ، وَلِزَوْجِهَا بِمَا كَسَبَ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ، لَا يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ أَجْرَ بَعْضٍ شَيْئًا". (إذا أنفقت المرأةُ من طعام بيتها (¬3) غيرَ مفسدة): بنصب غيرَ (¬4) على الحال من المرأة. (وكان لها أجرُها): قال الزركشي: كذا ثبت بالواو، ويحتمل زيادتها، ولهذا روي بإسقاطها (¬5). قلت: لم يثبت زيادة الواو في جواب إذا، فالذي ينبغي: أن يُجعل الجوابُ محذوفًا، والواو عاطفة على المعهود فيها؛ أي: لم تأثم، وكان لها أجرُها؛ محافظة على إبقاء القواعد، وعدم الخروج عنها. (لا ينقص بعضُهم أجرَ بعض شيئًا): مثل: {فَلَن يَضُرَّ اَللَّهَ ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) الواو ليست في "ع". (¬3) في "ع" و"ج": "بيت زوجها". (¬4) في "ج": "مفسدة". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 467).

شَيْئًا} [آل عمران:144]، فهو منصوب على أنه مفعول مطلق. * * * 1178 - (2066) - حَدَّثَنِي يَحْيَي بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "إِذَا أَنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ كَسْبِ زَوْجِهَا، عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ، فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِهِ". (من (¬1) غير أمره): أي: الصريحِ في ذلك القَدْرِ المعيَّنِ، وإلا، فلابدَّ أن يكون معها إذنٌ عامٌّ سابقٌ متناوِلٌ لذلك القدرِ وغيرِه، كذا في الزركشي (¬2). قلت: أما اشتراط إذنٍ في الجملة، فلابدَّ منه؛ ضرورةَ أنها متى لم يكن مأذونًا لها أصلًا، فهي متعدِّيَة، فلا أجرَ لها، بل عليها الوزرُ، وأما اشراطُ الإذن الصريح في ذلك، فالظاهرُ أنه غيرُ معتبر، بل لو فهمت الإذنَ لها بقرائن حاليةٍ دالةٍ على ذلك، جاز لها الاعتمادُ على ذلك، ويتنزل (¬3) حينئذٍ منزلةَ صريح الإذن. (فله نصفُ أجره): قيل: النصفُ على بابه، وإنهما سواء؛ لأن الأجر فضلٌ من الله لا يُدْرَك بقياس. وقيل: الصحيح أنه بمعنى الجزء، والموادُ: المشاركةُ في أصل الثواب، وأن كان أحدهما أكثرَ بحسب الحقيقة، وقد تقدم في كتاب: الزكاة الكلامُ ¬

_ (¬1) نص البخاري: "عَنْ". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 467). (¬3) في "ع": "فيتنزل"، وفي "ج": "فيتبين".

باب: من أحب البسط في الرزق

على صدقة المرأة من بيت زوجها (¬1). * * * باب: مَنْ أَحَبَّ البَسْطَ في الرِّزْقِ 1179 - (2067) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يَعْقُوبَ الْكِرْمَانِيُّ، حَدَّثَنَا حَسَّانُ، حَدَّثَنَا يُونُسٌ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد، عَنْ أَنسَ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ رِزْقُهُ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ". (من سره أن يُبسط له في رزقه (¬2)، ويُنْسَأَ [له] في أَثره، فليصلْ رحمه): فيه أباحة اختيار (¬3) الغنى على الفقر، وسيأتي في: الرقاق - إن شاء ألله تعالى -، وقد عورض هذا بحديث (¬4): "كُتِبَ رِزْقُه (¬5) وَأَجَلُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ" (¬6). وأجيب: بأن معنى البَسْط في رزقه: البركةُ؛ إذ الصلةُ صدقةٌ، وهي منهيةٌ للمال، ومعنى ينسأ في أثره؛ أي: يبقى (¬7) ثناؤه الجميل (¬8) على الألسنة، ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1439) عن عائشة رضي الله عنها. (¬2) كذا في رواية أبي ذر الهروي وابن عساكر، وفي رواية الكشميهني: "له رزقه"، وهي المعتمده في النص. (¬3) في "ع": "إخبار". (¬4) في "ج": "الحديث". (¬5) في "م": "رزق". (¬6) رواه البخارى (318) عن أنس بن مالك رضى الله عنه. (¬7) في "ع": "ببقاء". (¬8) في "ع": "والجميل".

باب: شراء النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنسيئة

فكأنه (¬1) لم يمت، وبأنه يجوز أن يكتب في بطن أمه: إن وصلَ رحمه، فرزقُه وأجلُه كذا، وإن لم يصلْ، فكذا، مع أن الله تعالى عالم بما يفعل من ذلك. ويُنْسَأ بمعنى: يؤخَّر، وأَثَره بمعنى: الأجل. * * * باب: شِرَاءِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - بِالنَّسِيئَةِ 1180 - (2068) - حدثنا مُعَلَّى بْنُ أسَدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: ذَكَرْنَا عِنْدَ إِبْراهِيمَ الرَّهْنَ في السَّلِمَ، فقال: حَدَّثَني الأَسْوَدُ، عنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْها -: أَن النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أَجَلٍ، وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ. (باب: شراء النبي - صلى الله عليه وسلم -). (اشترى طعامًا من يهودي): اليهودي (¬2) هو أبو الشَّحْم من بني ظُفَرَ (¬3)، رواه البيهقي (¬4)، والطعامُ المرهونُ عليه: ثلاثون صاعًا من شعير كما سيأتي في: الجهاد، في "البخاري" (¬5). قال ابن بطال: وفيه (¬6) جوازُ معاملة مَنْ يخالطُ مالَه الحرامُ، ومبايعتُه؛ ¬

_ (¬1) في "ج": "وكأنه". (¬2) في "ع": "اليهود". (¬3) في "ع" و "ج": "من بني الشحم من بني ظفر". (¬4) رواه البيهقي في "سننه" (6/ 37). (¬5) انظر: "التوضيح" (14/ 114). (¬6) في "ج": "فيه".

لأن الله تعالى ذكر أن اليهودَ أَكَّالون (¬1) للسُّحْت (¬2). وهذا إنما يمشي على القول بأنهم مخاطَبون بفروع الشريعة، وأما إذا بني على أنهم غيرُ مخاطبين بها، فلا يقاس عليهم المسلم المعامل بالربا والحرام. * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "آكلون". (¬2) انظر: "شرح ابن بطال" (6/ 208).

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مَصَابِيحُ الجَامِعِ [5]

جَمِيعُ الحُقُوقِ مَحْفُوظَة الطَّبْعَةُ الأُولَى 1430 هـ - 2009 م ردمك: 0 - 12 - 418 - 9933 - 978 ISBN قَامَت بعمليات التنضيد الضوئي والإخراج الفني والطباعة دَار النَّوَادِر لصَاحِبهَا ومديرها نور الدّين طَالب سوريا - دمشق - ص. ب: 34306 لبنان - بيروت - ص. ب: 5180/ 14 هَاتِف: 00963112227001 - فاكس: 00963112227011 www.daralnawader.com

تَابِع كِتابُ البُيُوعِ 1181 - (2069) - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا قتُادَةُ، عَنْ أَنسٍ (ح). حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ، حَدَّثنا أَسْبَاطٌ أَبُو الْيَسَعِ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِيُّ، عَنْ قتُادَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّهُ مَشَى إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِخُبْزِ شَعِيرٍ، وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ، وَلَقَدْ رَهَنَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - دِرْعًا لَهُ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ يَهُودِيٍّ، وَأَخَذَ مِنْهُ شَعِيرًا لأَهْلِهِ، وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "مَا أَمْسَى عِنْدَ آلِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - صَاعُ بُرٍّ، وَلاَ صَاعُ حَبٍّ، وَإِنَّ عِنْدَهُ لَتِسْعَ نِسْوَةٍ". (ابن حَوْشَب): على زنة كوكب، بحاء مهملة وشين معجمة. (وإِهالة): - بكسر الهمزة -، قال الداودي: هي الألية. قال القاضي: هي (¬1) كل ما يؤتَدُم به من الأدهان، قاله أبو زيد (¬2). (سَنِخة): - بفتح السين المهملة وكسر النون وبالخاء المعجمة بعدها هاء تأنيث -؛ أي: متغيرة الرائحة. ¬

_ (¬1) "هي" ليست في "ع" و"ج". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 50).

باب: كسب الرجل وعمله بيده

قال مغلطاي: وروي: "زَنخة "، بالزاي (¬1). * * * باب: كَسْبِ الرَّجلِ وعملِهِ بيدِهِ 1182 - (2070) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: لَمَّا اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، قَالَ: لَقَدْ عَلِمَ قَوْمِي أَنَّ حِرْفَتِي لَمْ تَكُنْ تَعْجِزُ عَنْ مَؤُونَةِ أَهْلِي، وَشُغِلْتُ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، فَسَيَأْكُلُ آلُ أَبِي بَكْرٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ، وَيَحْتَرِفُ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ. (لقد علم (¬2) قومي أن حِرفتي): - بكسر الحاء المهملة -: هي الكَسْب، وقيل: التصرُّف (¬3) في المعاش والمَتْجَر. (لم تكن تعجِز): بكسر الجيم. (وأَحْتَرِف (¬4) للمسلمين فيه): أي: أَكتسب لهم بالتَّجْر فيه، وما يعود عليهم من ربحه بقدر ما آخذه وأَزْيد، وهذا تطوُّع من الصدِّيق -رضي الله عنه -؛ فإنه لا يجب على الإمام المتجرُ في مال المسلمين بقدر مؤونته؛ لأنها (¬5) فرضٌ في بيت المال. ¬

_ (¬1) وانظر: "التوضيح" (14/ 116). (¬2) "لقد علم"ليست في "ع". (¬3) في "ع": "هي التصرف". (¬4) كذا في رواية الحموي والمستملي، وفي اليونينية: "ويحترف"، وهي المعتمدة في النص. (¬5) في "ج": "لأنه".

1183 - (2071) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عُمَّالَ أَنْفُسِهِمْ، وَكَانَ يَكُونُ لَهُمْ أَرْوَاحٌ، فَقِيلَ لَهُمْ: لَوِ اغْتَسَلْتُمْ. رَوَاهُ هَمَّامٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. (فكان يكون لهم أرواح): "كان الأولى شأنية، واسمها ضميرٌ مستتر (¬1) فيها، و"يكون لهم أرواح" في محل نصب خبر كان المذكور، وأرواحٌ: جمعُ ريح، وهو أكثر من أرياح (¬2)؛ [خلافًا (¬3) لما يقتضيه كلام الجوهري، وذلك أنه قال (¬4): قال: والريحُ واحدةُ الرياح] (¬5)، والأرياح، و (¬6) قد تجمع على أرواح؛ لأن أصلها الواو (¬7). * * * 1184 - (2072) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عِيسَى، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنِ الْمِقْدَامِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - كَانَ يَأْكَلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ". ¬

_ (¬1) في "ج": "مستكن". (¬2) في "ع": "الأرياح". (¬3) في "ع": "خلاف". (¬4) "قال" ليست في "ع". (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬6) الواو ليست في "ج". (¬7) انظر: "الصحاح" (1/ 367)، (مادة: روح).

(عن خالد بن مَعْدان): بميم مفتوحة فعين مهملة ساكنة فدال مهملة فألف فنون. (ما أكل أحد طعامًا قَطُّ خيرًا من أن يأكل (¬1) من عمل يده): يحتمل أن يكون "خيرًا" صفة لمصدرٍ (¬2) محذوف؛ أي: أكلًا خيرًا من أن يأكلَ من عمل يده، فيكون أكلُه من طعامٍ ليس من كسب يده منفيَّ التفضيل على أكله من كسب يده، وهو واضح. ويحتمل أن يكون صفة لطعامًا، فيحتاج إلى تأويل - أيضًا -، وذلك لأن الطعام في هذا التركيب متصل على نفس (¬3) أكل الإنسان (¬4) من عمل يده بحسب الظاهر، وليس المراد، فيقال في تأويله: الحرف المصدري وصِلَتُه بمعنى مصدر مرادٍ به المفعولُ؛ أي: من مأكوله من عمل يده، فتأمله. * * * 1185 - (2074) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أبي عُبَيْدٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا، فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ". (لأَن يحتطبَ أحدُكم): - بفتح اللام -، قال الزركشي: على جواز ¬

_ (¬1) في "ع": "يأكله". (¬2) في "ع": "خبرًا لصفة المصدر". (¬3) في "ع": "نفسه". (¬4) في "ع": "الناس".

باب: السهولة والسماحة في الشراء والبيع

قسمٍ مقدَّرٍ (¬1). قلت: يحتمل كونُها لامَ الابتداء، و (¬2) لا تقدير (¬3). * * * باب: السُّهولةِ والسَّمَاحةِ في الشِّراءِ والبَيْعِ 1186 - (2076) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى". (سمْحًا): - بإسكان الميم -؛ من السماحة، وهي الجود. (وإذا اقتضى): أي: طلبَ قضاءَ حقِّه. * * * باب: مَنْ أَنْظَرَ مُوسِرًا 1187 - (2077) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، أَنَّ رِبْعِيَّ بْنَ حِرَاشٍ حَدَّثَهُ: أَنَّ حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - حَدَّثَهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "تَلَقَّتِ الْمَلاَئِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، قَالُوا: أَعَمِلْتَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا وَيَتَجَاوَزُوا عَنِ الْمُوسِرِ، قَالَ: ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 469). (¬2) في "ع": "أو". (¬3) في "ع": "تقديرًا".

قَالَ: فَتَجَاوَزُوا عَنْهُ". وَقَالَ أَبُو مَالِكٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ: "كُنْتُ أُيَسِّرُ عَلَى الْمُوسِرِ، وَأُنْظِرُ الْمُعْسِرَ". وَتَابَعَهُ شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ رِبْعِيٍّ. وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ رِبْعِيٍّ: "أُنْظِرُ الْمُوسِرَ، وَأتَجَاوَزُ عَنِ الْمُعْسِرِ". وَقَالَ نُعَيْمُ ابْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ: "فَأَقْبَلُ مِنَ الْمُوسِرِ، وَأَتَجَاوَزُ عَنِ الْمُعْسِرِ". (أن رِبْعيَّ بنَ حِراش): - بكسر راء ربعي، وسكون بائه الموحدة، وكسر حاء حِراش المهملة، وإعجام شينه. (أُيسر على الموسِر، وأُنظر المعسِرَ): فيه (¬1) دليل على جواز الصدقة على الغني، ويكتب له أجرُها. قال ابن المنير: وفيه دليل على أن الإحسان بالمال بقصدٍ جميلٍ يُثاب عليه العبدُ (¬2)، سواء كان مع غني، أو فقير، إلا أن إنظار المعسر واجب، والتيسير (¬3) على المعسر مندوب، ومتى علم صاحب الحق عُسْرَ المديان، حَرُمَتْ عليه مطالبتُه، وإن لم يثبت عسره عند الإمام. قلت: وقد حكى القرافي وغيره: أن إبراءَهُ أفضلُ من إنظاره، وجعلوا ذلك مما استثني من قاعدة كونِ الفرضِ أفضلَ من النافلة، وذلك أن إنظاره واجبٌ، وإبراءَهُ مستحبٌّ. وانفصل عنه الشيخ تقي الدين السبكي بأن الإبراء يشتمل على الإنظار اشتمالَ الأخصِّ على الأعمِّ؛ لكونه تأخيرًا للمطالبة، فلم يَفْضُلْ ندبٌ واجبًا (¬4)، ¬

_ (¬1) "وفيه" ليست في "ع " و"ج". (¬2) "العبد" ليست في "ع". (¬3) في "ع" و"ج": "واليسر". (¬4) في "ع": "واجب".

وإنما فضل واجبٌ - وهو الإنظارُ الذي تضمنه الإبراء وزيادة، وهو خصوص الإبراء - واجبًا آخر، وهو مجردُ الإنظار. ونازعه ولدُه القاضي تاجُ الدين السبكيُّ في "الأشباه والنظائر" في ذلك، فقال: وقد يقال: الإنظارُ هو (¬1) تأخير الطلب مع بقاء العلقة، والإبراء زوالُ العلقة. قلت: لو عبر بإزالة العلقة، كان أحسن. ثم قال: فهما قسمان لا يشتمل أحدُهما على الآخر، فينبغي أن يقال في التقدير: إن الإبراء يحصِّلُ مقصودَ الإنظار وزيادةً. قال: وهذا كله بتقدير تسليم أن الإبراء أفضلُ، وغاية ما استدل عليه بقوله تعالى: {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ} [البقرة: 25]، وهذا يحتمل أن يكون افتتاح كلام، فلا يكون دليلًا على أن الإبراء أفضلُ، ويتطرق من هذا إلى أن الإنظار أفضل؛ لشدة ما يقال: النظر (¬2) من ألم الصبر مع تشوق القلب، وهذا فضلٌ ليس في الإبراء الذي انقطعَ فيه اليأس، فحصلت فيه راحةٌ من هذه الحيثية ليست في الإنظار، ومن ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا، كَانَ لَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ" (¬3). فانظر كيف وَزَّعَ أجرَه على الأيام، يكثُر بكثرتها، ويقلُّ بقلَّتِها، ولعل سرَّه ما أبديناه، فالمُنْظِرُ ينال كلَّ يوم عوضًا (¬4) جديدًا، ولا يخفى أن هذا ¬

_ (¬1) في "ع": "وهو". (¬2) في "ع" و"ج": "المنظر". (¬3) رواه ابن ماجه (2418)، والإمام أحمد في "المسند" (5/ 360)، والحاكم في "المستدرك" (2225)، عن بريدة الأسلمي رضي الله عنه. (¬4) في "ج": "عرضًا".

باب: إذا بين البيعان، ولم يكتما، ونصحا

لا يقعُ بالإبراء، فإن أجره، وإن كان أوفرَ، يتعقبه، وينتهي بنهايته، ولستُ أستطيع أن أقول: الإنظارُ أفضلُ على الإطلاق، وإنما قلتُ ما قلتُ على حدِّ: "سَبَقَ دِرْهَمٌ دِينارًا" (¬1)، وَسَبَقَ دِرْهَمٌ مِئَةَ ألْفٍ"، فلينظر ما حركته من البحث؛ فإنه محتاج (¬2) إلى مزيد تحرير. * * * باب: إِذَا بَيَّنَ الْبَيِّعَانِ، وَلَمْ يَكْتُمَا، وَنَصَحَا ويذْكَرُ عَنِ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: كَتَبَ لِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "هَذَا مَا اشْتَرَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْعَدَّاءَ بْنِ خَالِدٍ، بَيْعَ الْمُسْلِم الْمُسْلِمَ، لَا دَاءَ وَلاَ خِبْثَةَ، وَلاَ غَائِلَةَ". وَقَالَ قَتَادَةُ: الْغَائِلَةُ: الزِّنَا وَالسَّرِقَةُ وَالإِبَاقُ. وَقِيلَ لإبْرَاهِيمَ: إِنَّ بَعْضَ النَّخَّاسِينَ يُسَمِّي آرِيَّ خُرَاسَانَ وَسِجسْتَانَ، فَيقُولُ: جَاءَ أَمْسِ مِنْ خُرَاسَانَ، جَاءَ الْيَوْمَ مِنْ سِجِسْتَانَ، فَكَرِهَهُ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً. وَقَالَ عُقْبَةَ بْنُ عَامِرٍ: لَا يَحِلُّ لاِمْرِئٍ يَبِيعُ سِلْعَةً، يَعْلَمُ أَنَّ بِهَا دًاء، إِلاَّ أَخْبَرَهُ. (هذا ما اشترى محمدٌ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - من العَدَّاء): العداء (¬3) -بفتح العين المهملة وبالمد أيضًا-. قال المطرزي: فرس عَدَّاء على فَعَّال، وبه سُمي العَدَّاءُ الذي كتب له ¬

_ (¬1) في "ج": "دينار". (¬2) في "ج": "يحتاج". (¬3) "العداء" ليست في "ع".

رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الكتابَ المشهور، قال: وهو المشتري، لا (¬1) النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، هكذا ثبت في "الفائق"، و"مشكل الآثار"، و"معجم الطبراني"، و"معرفة الصحابة" لابن منده (¬2)، و" الفردوس" بطرق كثيرة. قال الزركشي: وكذا الترمذي، وقال: حسن (¬3)، وهو عكسُ ما ذكره البخاري هنا، ولهذا قال القاضي: إنه مقلوب (¬4)، و (¬5) صوابه: هذا ما اشترى العداءُ بنُ خالد من محمدٍ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: ولا يبعد صوابُ ما في البخاري، واتفاقُه مع الروايات الأُخر إذا جعلتَ اشترى بمعنى: باع (¬6). قلت: أو يحمل على تعدد الواقعة، فلا تعارضَ حينئذٍ. (لا داءَ، ولا خُبثَةَ (¬7)، ولا غائلةَ): قال المطرزي: الداء: كلُّ عيبٍ باطنٍ (¬8)، ظهرَ منه شيء أم لا؛ كوجع (¬9) الكبد، والسعال. والخِبْثة - بكسر الخاء المعجمة وإسكان الباء الموحدة ثم ثاء مثلثة -: ¬

_ (¬1) في "ع": "لأن". (¬2) في "ج": "منذر". (¬3) رواه الترمذي (1216). (¬4) في "ع": "إنه صواب". (¬5) الواو ليست في "ج". (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 469 - 470). (¬7) في "ع": "خبيثة". (¬8) "باطن" ليست في "ع". (¬9) في "م": الوجع".

أن (¬1) يكون مسببًا من قوم لهم (¬2) عهد. وقيل: المراد بها: الحرام؛ كما عبر عن الحلال بالطيب. قال ابن التين (¬3): ضبطناه في أكثر الكتب بضم الخاء، وكذلك سمعناه، والغائلة فسرها في متن البخاري نقلاً عن قتادة بأنها الزنا والسرقة والإباق (¬4). قال ابن المنير: وقوله: "لا داء" بمعنى: لا داءَ يكتمُه البائع، وإلا، فلو كان بالعبد داء، وبيَّنَهُ البائع؛ لكان بيع المسلمِ المسلمَ، فلابد من تأويل الحديث هكذا. وفيه دليل (¬5) على أن تصديق الوثائق بقول الكاتب: هذا ما اشترى أو أصدقَ، جائز وسُنَّة، ولا يبالى بوسوسة من تحرَّجَ من هذه الصفة، وزعم أنها تلتبس بالنافية. وفيه دليل على أن يُذكر شِرى المشتري قبل بيع البائع، فلا تصدر الوثيقة بقولك: هذا ما باع فلان. وأوردَ سؤالًا، وهو أن الفقهاء يقولون: إن الإيجاب من البائع، وإنَّ جانبه أقعدُ في البيع من جانب المشتري، ولهذا قالوا: تتعدد الصَّفَقَة بتعدد البائع، لا بتعدد (¬6) المشتري، فما وجهُ البداءة بالشراء، والبيعُ أقعدُ منه؟ ¬

_ (¬1) في "ج": "أي". (¬2) في "ع" و"ج": "قولهم". (¬3) في "ج": "ابن المنير". (¬4) انظر: "التوضيح" (14/ 141 - 142)، و"التنقيح" (2/ 470). (¬5) في "ج": "تأويل". (¬6) في "ع": "بتعد".

وأجاب: بأن المشتري أحوجُ إلى الوثيقة من البائع؛ لأنه صاحب الطلب بالعهدة، وصاحبُ العين التي هي مَظِنَّةُ التنازع، والاحتياجِ إلى إثبات المِلْك، ولهذا كانت أجرة الوثيقة على المشتري لا على البائع؛ لأنه أقعدُ بها. وجرى العادة في عصره بأن يقدِّمَ (¬1) الشاهدُ ذكرَ البائع في رسم شهادته، فيقول: شهدتُ على البائع والمشتري، فسأل: لم كان (¬2) الأدب كذلك؟ وأجاب: بأن المشتري أحوجُ إلى الإشهاد على البائع من البائع، وإلى (¬3) الإشهاد على المشتري، وقد حصل الغرض من تقديم المشتري. قال (¬4): فإن كان البيع بنسيئة (¬5)، فحاجة البائع إلى الإشهاد أشدُّ، فكان (¬6) ينبغي تقديمُه في الوثيقة. وأجاب: بأنه لما كان بيعُ النقد أكثرَ، عُمل عليه، واطردت القاعدة، ولهذا كان (¬7) وضع وثيقة السلم على خلاف هذا تقدَّم فيها ذكرُ البائع الذي هو المسلَم إليه؛ لأنها قاعدة مستقلة، وليست فيها عينٌ معينة، إنما هي شهادة على الذمة، فقدِّم فيها المشهودُ عليه؛ كوثيقة الدَّين الذي لا يُذكر له سبب (¬8)، ¬

_ (¬1) في "ج": "يتقدم". (¬2) في "ج": "يكن". (¬3) في "ع" و"ج": "وأولى". (¬4) "قال" ليست في "ج". (¬5) في "ع": "تنبيه". (¬6) في "ج": "وكان". (¬7) في "م": "كانت". (¬8) في "ع": "يذكر له من مخلص من منازعة الشفعة وهو مذكور في الحد في سبب".

وتُقَدَّمُ في الصدقات والنِّحَلِ (¬1) المتصَدِّقُ؛ لأنها فضل، وصاحبه أولى بالتقديم. قلت: أطال -رحمه الله - فيما لا طائلَ تحته من توجيه أوضاعٍ اصطلاحية لا يختلف حكمُ الشرع باختلافها، ولا يترتب عليها فائدة. (إن بعض النخاسين): - بنون وخاء معجمة -؛ أي: الدلالين. (يُسَمِّي آرِيَّ خُراسانَ): ببناء يسمِّي للفاعل، وفاعلُه ضميرٌ يعود إلى البعض المتقدم، وآرِيَّ مفعوله الأول، وخراسانَ مفعوله الثاني. قال القاضي: وأرى أنه نقصَ من الأصل بعد آري لفظةُ دوابه (¬2)؛ يعني: أنه كان (¬3) الأصل: يُسَمِّي آرِيَّ (¬4) دوابه، فنقص لفظَ: دوابه. قلت: يمكن أن يوجَّه بأنه من حذف المضاف إليه، وإبقاءِ (¬5) المضافِ على حاله، وبأنه على إرادة اللام (¬6)، فقد جوزوا الوجهين فيما سمع من قولهم: "سلامُ عليكم" - برفع سلام مع عدم تنوينه -، ويأتي الوجهان في قراءة من قرأ من أهل الشواذ: {فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} [المائدة: 69]- بضم الفاء مع ترك التنوين -؛ أي: فلا خوفُ شيءٍ عليهم، أو: فلا الخوف، فكذا ما نحن ¬

_ (¬1) في "ع": "والتحمل". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 28). (¬3) في "ع": "إذا كان". (¬4) في "ج": "أي أرى". (¬5) "المضاف إليه وإبقاء" ليست في "ع". (¬6) في "ع" و"ج": "اللازم".

فيه؛ أي: يسمِّي آريَّ [دوابه، أو يُسَمِّي الآرِيَّ] (¬1). قال الزركشي: وقد (¬2) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه": ثنا همام عن معمر، عن إبراهيم، قال: "قيل له: إن ناسًا من النخاسين وأصحاب الدواب يسمِّي إِصطبلَ دوابِّهِ خُراسانَ وسجستانَ، [ثم (¬3) يأتي بدابته إلى السوق، فيقول: جاءت من خراسان وسجستان] (¬4)، قال: إني أكره هذا" (¬5). والآرِيُّ - بهمزة فألف (¬6) فراء مكسورة فمثناة من تحت مشددة -. قال القاضي وغيره: هذا هو الصواب، ووقع عند المروزي: "أَرَى" -بفتح الهمزة والراء -؛ مثل دَعَا، وليس (¬7) بشيء، وهو مَرْبَطُ الدابَّة، وقيل: معلَفُها. وقال الأصمعي: هو حبل يُدْفَن في الأرض، ويبرز طرفُه (¬8)، تُشدُّ به (¬9) الدابةُ، ومعنى ما أراد البخاري: أن النخاسين كانوا يسمون مرابطَ دوابهم بهذه الأسماء؛ ليدلّسوا على المشتري بقولهم (¬10) كما جاء الآن من ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) في "ج": " وكذا". (¬3) في "ج": "قال إني أكره ثم". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬5) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (23311)، وانظر: "التنقيح" (2/ 471). (¬6) في "ج": "وألف". (¬7) في "ع": "والراء مثلثة أو ليس". (¬8) في "ع": "ومر بطرفه"، وفي "ج": "ونير طرقه". (¬9) في "ج": "لشدته". (¬10) "بقولهم" ليست في "ج".

باب: بيع الخلط من التمر

خراسان وسجستان، يعنون: مرابطَها، فيحرص عليها المشتري، ويظنها طرية الجلب (¬1). * * * باب: بَيْعِ الْخِلْطِ مِنَ التَّمْرِ (باب: بيع الخِلْط من التمر): قال ابن المنير: مدخلُ هذه الترجمة في الفقه: التنبيهُ على جواز [بيع] الأصناف الرديئة، ولو اختلطت من أنواع (¬2)، ولا يُعد ذلك غشًا؛ بخلاف خلط اللبن بالماء؛ فإنه لا يظهر، وبخلاف بيع الأخلاط من التمر في أوعية موجهة (¬3) يُرى جيدُها، ويخفى رَدِيُّها، فذلك تدليسٌ لا يجوز، وأكثرُ عملِ الناس في فواكههم (¬4) التي يبيعونها على التدليس بإظهار الجيد، وإخفاء الخبيث. 1188 - (2080) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: كُنَّا نُرْزَقُ تَمْرَ الْجَمْعِ، وَهْوَ الْخِلْطُ مِنَ التَّمْرِ، وَكنا نبِيعُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا صَاعَيْنِ بِصَاعٍ، وَلاَ دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَم". (نُرْزَق تمرَ (¬5) الجمع): نُرْزَقُ - بالبناء للمفعول -، والجَمْع: بجيم ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 28). (¬2) في "ج": "بأنواع". (¬3) في "ع": "بوجهه". (¬4) في "م": "فواكهم". (¬5) في "ع": "ثم".

باب: ما قيل في اللحام والجزار

مفتوحة وميم ساكنة. (وهو الخِلط من التمر): - بكسر الخاء المعجمة - كأنه خُلِط من أنواع متفرقة، وإنما خُلِط لرداءته. وقيل: كلُّ لونٍ من النخيل لا يُعرف اسمُه فهو جمعٌ (¬1). * * * باب: ما قيلَ في اللَّحَّامِ والجزَّارِ 1189 - (2081) - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثَنِي شَقِيقٌ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، يُكْنَى: أَبَا شُعَيْبٍ، فَقَالَ لِغُلاَمٍ لَهُ قَصَّابٍ: اجْعَلْ لِي طَعَامًا يَكْفِي خَمْسَةً؛ فَإِنَّي أُرِيدُ أَنْ أَدْعُوَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَامِسَ خَمْسَةٍ، فَإِنِّي قَدْ عَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْجُوعَ، فَدَعَاهُمْ، فَجَاءَ مَعَهُمْ رَجُلٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ هَذَا قَدْ تَبِعَنَا، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَأْذَنَ لَهُ، فَأْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ يَرْجِعَ، رَجَعَ"، فَقَالَ: لَا، بَلْ قَدْ أَذِنْتُ لَهُ. (إن هذا قد اتبعنا (¬2) (¬3)، فإن شئت أن تأذن له): توقف - عليه الصلاة والسلام - عن إذنه لهذا الرجل السادس؛ بخلاف استرسالِه في طعام أبي طلحة؛ لأن الداعيَ في هذه القصة حصرَ العدد بقصده (¬4) أولًا، فقال: طعام ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 471). (¬2) في "ع": "إن هذا تبعنا". (¬3) نص البخاري: "تبعنا". (¬4) في "ع": "مقصدة".

باب: آكل الربا وشاهده وكاتبه

خمسة، فهو من جنس كونِ الطعام إذا كيل لينظر كم بقي منه؟ ذهبت بركتُه، وأيضًا: فمقامُ النبوة محفوظٌ معصوم، وهذا الرجلُ قال لغلامه (¬1): طعام خمسة، ولم يقل هذا بحضرة الرسول، ولكن أبى الله إلا أن يُطلع نبيَّه على أنه حَجَّرَ الدعوةَ، ولم يُطْلِقْها، وكلُّ أحدٍ أحقُّ بماله، فاتبع - عليه الصلاة والسلام - تقييده في ماله، فلم يأذن في الزائد. هذا أحسنُ ما قيل في هذه القصة. * * * باب: آكِلِ الرِّبَا وَشَاهِدِهِ وَكَاتِبِهِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275]. (باب: آكلِ الربا وشاهدِه وكاتبِه): المراد: الكاتب (¬2) والشاهدان الذين يواطئون صاحب الربا على كتمان الربا، وإظهار الجائز، وقد صرح بهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث غير هذا (¬3)، فلعنَ آكلَه وموكلَه وكاتبه (¬4) وشاهده، وعلى ذلك ترجم البخاري. وأما إذا سمع الكاتبُ والشاهدان متعاقدين على الربا، فيتعين عليهم أن يشهدوا بالقصة على ما هي عليه؛ ليسعَ حكمُ الشرع ذلك، فلا حرجَ، ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "لغلام". (¬2) في "ع": "بالكاتب". (¬3) رواه البخاري (2085) عن سمرة بن جندب رضي الله عنه. (¬4) في "م": "وكتابته".

باب: موكل الربا

بل يجب عليهم حينئذٍ (¬1) كتابةُ ذلك الشيء، والشهادةُ فيه حسبةً؛ ليقع السعيُ (¬2) في إبطاله، وليحفظ - أيضًا - حق الدافع فيما دفع خاصة؛ لأنه لا (¬3) يسقط حقه من رأس ماله بكونه (¬4) أضافَ إليه (¬5) الربا، وليُحفظ - أيضًا - حقُّ المديانِ في إسقاط الربا عنه. قال ابن المنير: وهذا كما لو كفر أحدٌ بحضرة الشهود؛ لوجب عليهم أن يكتبوا (¬6) قوله، ويشهد [وا] عليه به، وكذلك لو ابتدع (¬7) الزوج، فتلفظ بحضرتهم بالطلاق الثلاث؛ لوجب عليهم أن يكتبوا ذلك، وإنما النهيُ عن (¬8) المواطأة، وإقرارِ أهل الفساد على فسادهم. وفي الحديث ما يدل على أن الكاتب غيرُ الشاهد، وأنهما وظيفتان. قلت: على ذلك العمل بتونس وبعض بلاد المغرب. * * * باب: مُوْكِلِ الرِّبا 1190 - (2086) - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبي ¬

_ (¬1) "حينئذٍ" ليست في "ع" و"ج". (¬2) في "ع": "الشيء". (¬3) في "ع": "لم". (¬4) في "ع": "يكون". (¬5) في "ع": "إليها". (¬6) "أن يكتبوا" ليست في "ع" و"ج". (¬7) في "ع": "اتبع". (¬8) "عن" ليست في "ع".

باب: {يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم} [البقرة: 276]

جُحَيْفَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبِي اشْتَرَى عَبْدًا حَجَّامًا، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَثَمَنِ الدَّمِ، وَنهى عَنِ الْوَاشِمَةِ وَالْمَوْشُومَةِ، وَآكِلِ الرِّبَا وَمُوكلِهِ، وَلَعَنَ الْمُصَوَّرَ. (ونهى عن الواشمة والموشومة (¬1)): أي: عن فعلِ الواشمةِ (¬2) والموشومةِ (¬3)، والوَشْم: أن يُغرز الجلدُ بإبرة، ثم يُحْشى (¬4) بكحلٍ، أو نيلٍ (¬5)، فيزرَقُّ أثرُه (¬6)، أو يخضَرُّ (¬7). * * * باب: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة: 276] 1191 - (2087) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الْحَلِفُ مَنْفَقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مَمْحَقَةٌ لِلْبَرَكَةِ". (الحَلِفُ مَنْفَقَةٌ للسلعة مَمْحَقَةٌ للبركة): الرواية فيهما: بفتح الأول والثالث وإسكان الثاني، ووزنُ كلٍّ منهما مَفْعَلَة، وصحَّ الإخبار بهما عن ¬

_ (¬1) في "ع": "والموشمة". (¬2) في "ع": "المواشمة". (¬3) في "ع": "الموشمة". (¬4) في "ع": "ثم يغسل ثم يحشى". (¬5) في "ج": "كحلًا أو نيلًا". (¬6) "أثره" غير واضحة في "ج"، وفي "ع": "أهله". (¬7) انظر: "التنقيح" (2/ 472).

الحلف، مع أنه مذكر، وهما مؤنثان بالهاء، إما على تأويل الحلف باليمين، أو لأنهما في الأصل (¬1) مصدران بمعنى النفاق والمحق. ويروى: "مُنَفِّقة" - بضم الميم وفتح النون وكسر الفاء المشددة - اسمُ فاعل من نَفَّق - بتشديد الفاء - مأخوذ من النَّفاق: -بفتح النون-، وهو ضدُّ الكَساد (¬2)، أُسند الفعل إلى الحلفِ إسنادًا مجازًا؛ لأنه سببٌ في رواج (¬3) السلعة ونَفاقِها، والمراد بالحلف هنا: اليمينُ الفاجرة. وفي "مسند أحمد": "اليَمِينُ الكاذِبَةُ" (¬4). قال الزركشي: واعلم أن البخاري ذكر هذا الحديث كالتفسير للآية؛ أعني قوله: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا} [البقرة: 276]؛ لأن الربا: الزيادة (¬5)، فيقال: كيف يجتمعُ المحاقُ والزيادة؟ فبين بالحديث: أن اليمين مزيدة وممحقةٌ للبركة منه، [والبركةُ أمرٌ زائد على العدد، فتأويل قوله: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا}: يمحق الله البركةَ منه] (¬6)، وإن كان عدده باقيًا على ما كان (¬7). قلت: هذا كله كلام ابن المنير، نقله الزركشي منه غيرَ مَعْزُوٍّ. ¬

_ (¬1) في "ع": "الحاصل". (¬2) في "ع": "الكساء". (¬3) في "ع" و "ج": "إرواج". (¬4) رواه أحمد في "مسنده" (2/ 235) عن أبي هريرة رضي الله عنه. (¬5) في "ع": "زيادة". (¬6) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬7) انظر: "التنقيح" (2/ 472).

باب: ما يكره من الحلف في البيع

باب: ما يُكْرَهُ من الحَلِفِ في البيعِ 1192 - (2088) - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبي أَوْفَى - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَجُلًا أَقَامَ سِلْعَةً، وَهُوَ فِي السُّوقِ، فَحَلَفَ بِاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا مَا لَمْ يُعْطَ؛ لِيُوقِعَ فِيهَا رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَنَزَلَتْ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: 77]. (لقد أعطَى): بالبناء للفاعل، وبالبناء للمفعول. (ما لم يُعْطَ): بالبناء لهما - أيضًا - على البدل، فالأول للأول، والثاني للثاني، والمعنى: أنه يحلف لقد دفع فيها من ماله ما لم يكن دفعه، أو (¬1) لقد دُفع له فيها من قبل المستامين ما لم يكن أحد دفعه، فهو كاذبٌ في الوجهين. * * * باب: مَا قِيلَ فِي الصَّوَّاغِ (باب: ما قيل في الصَّوَّاغ): بفتح الصاد المهملة وتشديد (¬2) الواو وبغين معجمة. قال الجوهري: رجلٌ صائغٌ وصَوَّاغٌ وصَيَّاغٌ - أيضًا - في لغة أهل الحجاز (¬3). انتهى. وهو تفسير لقوله في الحديث: "لِقينِهِمْ". ¬

_ (¬1) في "ج": " و". (¬2) في "ع": "وبتشديد". (¬3) انظر: "الصحاح" (4/ 1324)، (مادة: صوغ).

قال ابن المنير: وفائدةُ الترجمة على هذه الصناع: التنبيهُ (¬1) على (¬2) ما كان في زمانه - عليه الصلاة والسلام -، وأَقَرَّه مع العلم به، فيكون كالنص على جواز هذه الأنواع، وما عداها إنما يؤخذ بالقياس، وفي معاملته على الصواغ تنبيه على أنها صنعة جيدة، لا يُجتنب معاملةُ صاحبها، لا من حيث الدين، ولا من حيث المروءة (¬3)، وربما كثر (¬4) الفساد في صنعة، وتعاطاها (¬5) أراذلُ (¬6) الناس؛ كتعاطي اليهود، فما ذاك بالذي يقدح في المسلم إذا تناولها، و (¬7) لا يحطُّ من درجته في العدالة. قلت: الظاهر أن الصناعة التي يصير تعاطيها عندَ أهل العرف عَلَمًا على دناءة الهِمَّة، وسقوطِ المروءة قادحةٌ في عدالة مَنْ تعاطاها (¬8) في زمن تقرر ذلك العرف ومكانه. وقد قال ابنُ محرزٍ من أصحابنا: لا تُرد شهادة ذوي الحرف الدنية؛ كالكناس، والدباغ، والحجام، والحائك، إلا من رضيها اختيارًا ممن لا يليق به؛ لأنها تدل على خَبَل في عقله (¬9). ¬

_ (¬1) في "ع": "البينة". (¬2) في "ج": "إلى". (¬3) في "م": "ولا المروءة". (¬4) في "ع": "أكثر". (¬5) في "م": "تعطاها". (¬6) في "ع": "ويعطاها أزول". (¬7) الواو ليست في "ع". (¬8) في "م": "تعطاها". (¬9) انظر: "الذخيرة" للقرافي (10/ 202).

1193 - (2089) - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ: أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَلِيًّا - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - قَالَ: كَانَتْ لِي شَارِفٌ مِنْ نصَيبِي مِنَ الْمَغْنَمِ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَعْطَانِي شَارِفًا مِنَ الْخُمْسِ، فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَبْتَنِيَ بِفَاطِمَةَ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ - بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَاعَدْتُ رَجُلًا صَوَّاغًا مِنْ بَنيِ قَيْنُقاعَ أنْ يَرْتَحِلَ مَعِي، فَنَأْتيَ بِإِذْخِرٍ أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَهُ مِنَ الصَّوَّاغِينَ، وَأَسْتَعِينَ بِهِ [على] وَلِيَمَةِ عُرُسِي. (كانت لي شارِفٌ): هي المُسِنَّة من الإبل، والجمعُ شُرْفٌ - بإسكان الراء -؛ كبازِلٍ وبُزْلٍ. (أبتني بفاطمة) أي: أدخل (¬1) بها، وفيه رد على الجوهري حيث قال: وبنى على أهله، والعامة تقول: بنى بأهله (¬2)، وهو خطأ (¬3). هذا كلامه. * * * 1194 - (2091) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَهَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ خَباب، قَالَ: كُنْتُ قَيْنًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ لِي عَلَى الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ دَيْنٌ، فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ، قَالَ: لَا أُعْطِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: لاَ أَكْفُرُ حَتَّى يُمِيتَكَ اللَّهُ، ثُمَّ تُبْعَثَ. قَالَ: دَعْنِي حَتَّى أَمُوتَ وَأُبْعَثَ، فَسَأُوتَى مَالًا وَوَلَدًا فَأَقْضِيَكَ، ¬

_ (¬1) في "ع": "أداخل". (¬2) في "ع": "أهله". (¬3) انظر: "الصحاح" (6/ 2276)، (مادة: ب ن ا).

باب: الخياط

فَنَزَلَتْ: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} [مريم: 77]. (فقلت: لا أكفر حتى يُميتك الله، ثم تُبعثَ): لم يرد الكفر إذ ذاك، بل ولا يُتصور بعد البعث كفرٌ؛ لمعاينة الآيات الباهرة الملجئة (¬1) إلى الإيمان إذ ذاك، وإن لم يكن نافعًا لمن لم يؤمن قبلُ، وإنما أراد: إياس العاصي (¬2) من كفره؛ فإنه كان لا يقر بالبعث. * * * باب: الخَيَّاطِ 1195 - (2092) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبي طَلْحَةَ: أنَهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يَقُولُ: إِنَّ خَيَّاطًا دَعَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِطَعَامٍ صَنَعَهُ، قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: فَذَهَبْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى ذَلِكَ الطعَامِ، فَقَرَّبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خُبْزًا وَمَرَقًا، فِيهِ دُبَّاءٌ وَقَدِيدٌ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوَالَي الْقَصْعَةِ، - قَالَ: - فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ مِنْ يَوْمِئِذٍ. (فيه دبّاء): على وزن مُكَّاء - بالمدِّ والتشديد -، وهو القَرْع، والواحد دُبَّاءَةٌ، وهمزتهُ (¬3) منقلبة عن حرف علة. * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "المليحة". (¬2) في "ع": "المعاصي". (¬3) في "ع" و"ج": "فهمزته".

باب: النساج

باب: النّسَّاجِ 1196 - (2093) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: جَاءَتِ امْرَأةٌ بِبُرْدَةٍ - قَالَ: أتدْرُونَ مَا الْبُرْدَةُ؟ فَقِيلَ لَهُ: نَعَمْ، هِيَ الشَّمْلَةُ، مَنْسُوجٌ فِي حَاشِيَتِهَا -، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي نَسَجْتُ هَذِهِ بِيَدِي أَكْسُوكَهَا، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإِنَّهَا إِزَارُهُ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! اكْسُنِيهَا. فَقَالَ: "نَعَمْ". فَجَلَسَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَجْلِسِ، ثُمَّ رَجَعَ فَطَوَاهَا، ثُمَّ أَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ: مَا أَحْسَنْتَ، سَأَلْتَهَا إِيَّاهُ، لَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ سَائِلًا. فَقَالَ الرَّجُلُ: وَاللَّهِ! مَا سَأَلْتُهُ إِلاَّ لِتكُونَ كَفَنِي يَوْمَ أَمُوتُ. قَالَ سَهْلٌ: فَكَانَتْ كَفَنَهُ. (هي الشَّمْلة): - بفتح الشين المعجمة وسكون (¬1) الميم -، وقد مر. (فأخذها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - محتاجًا إليها): بالنصب على الحال -، ويروى بالرفع، على أنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: وهو محتاج إليها، والجملة الاسمية في موضع نصب على الحال. (فقال رجل من القوم: يا رسول الله! اكسنيها): الرجلُ المذكور (¬2) هو عبد الرحمن بن عوف؛ كما مر في الجنائز. * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "وإسكان". (¬2) "المذكور" ليست في "ج".

باب: النجار

باب: النَّجَّارِ 1197 - (2094) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: أَتَى رِجَالٌ إِلَى سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ يَسْأَلُونَهُ عَنِ الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى فُلاَنَةَ - امْرَأَةٍ قَدْ سَمَّاهَا سَهْلٌ -: "أَنْ مُرِي غُلاَمَكِ النَّجَّارَ، يَعْمَلُ لِي أَعْوَادًا، أَجْلِسُ عَلَيْهِنَّ إِذَا كَلَّمْتُ النَّاسَ". فَأَمَرَتْهُ يَعْمَلُهَا مِنْ طَرْفَاءَ الْغَابَةِ، ثُمَّ جَاءَ بِهَا، فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِهَا، فَأَمَرَ بِهَا فَوُضِعَتْ، فَجَلَسَ عَلَيْهِ. (أَنْ مُرِي غلامَك النجارَ يعمل لي أعوادًا أجلسُ عليهن): "أن" تفسيرية، و"يعمل (¬1) وأجلس" رُويا بالجزم والرفع، وقد سبق مع تسمية الغلام. * * * 1198 - (2095) - حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ، قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَلاَ أَجْعَلُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّ لِي غُلاَمًا نَجَّارًا؟ قَالَ: "إنْ شِئْتِ". قَالَ: فَعَمِلَتْ لَهُ الْمِنْبَرَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، قَعَدَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْمِنْبَرِ الَّذِي صُنِعَ، فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ الَّتِي كَانَ يَخْطُبُ عِنْدَهَا، حَتَّى كَادَتْ أَنْ تَنْشَقَّ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى أَخَذَهَا، فَضَمَّهَا إِلَيْهِ، فَجَعَلَتْ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسَكَّتُ، حَتَّى اسْتَقَرَّتْ، قَالَ: "بَكَتْ عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ". ¬

_ (¬1) في "ج": "وأعمل".

(ألا أعملُ (¬1) لك شيئًا تقعدُ عليه؟): ظاهر هذا معارض للأول، والوجهُ في الجمع: أن تكون المرأة هي (¬2) التي ابتدأت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - سؤالَ ذلك، ثم أضربَ عنه - عليه الصلاة والسلام - حتى رآه صوابًا، فبعث إليها فيما كانت ترغب فيه. وفي الطبراني "الأوسط": من طريق عمرو بن عطية العوفي، عن أبيه، عن جابر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلِّي إلى سارية في المسجد، ويخطب إليها يعتمد (¬3) عليها، فأمرتْ عائشةُ فصنعت (¬4) له منبرَهُ هذا، فلما قامَ إليه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وتركَ مقامَه إلى السارية، خارتِ (¬5) الساريةُ خُوارًا شديدًا حتى تركَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مقامه؛ شوقًا إلى نبي الله، فمشى نبيُّ الله (¬6) حتى اعتنقَها، فلما اعتنقها (¬7)، هدأ الصوتُ الذي سمعنا. فقلتُ: أنت سمعتَه؟ فقال: أنا سمعتُه، وأهلُ المسجد، وهي إحدى (¬8) السواري التي تلي الحجرة. وقال (¬9): لم يرو هذا الحديثَ عن عطية إلا ابنُه عمرو، تفرد (¬10) به ¬

_ (¬1) نص البخاري: "أجعلُ". (¬2) "هي" ليست في "ج". (¬3) في "ع": "ويعتمد". (¬4) في "ع": "فبيعت". (¬5) في "ع": "حادث". (¬6) "فمشى نبي الله" ليست في "ع". (¬7) "فلما اعتنقها" ليست في "ع". (¬8) في "ع": "أحد". (¬9) "وقال" ليست في "ج"، وفي "ع": "قال". (¬10) في "ع": "ويفرد"، وفي "ج": "انفرد".

باب: شراء الدواب والحمير

أحمد بن طارق (¬1). انتهى. وعائشةُ هذه لم يصرَّحْ فيها بأنها زوجُ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيحتمل أن يكون اسمُ المرأة الأنصارية مولاةُ الغلام النجار عائشةَ، و (¬2) في الصحابيات من الأنصار عوائشُ. * * * باب: شراءِ الدَّوابِّ والحميرِ 1199 - (2097) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كيْسَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَ: كنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزَاةٍ، فَأَبْطَأَ بِي جَمَلِي وَأَعْيَا، فَأَتَى عَلَيَّ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "جَابِرٌ؟ "، فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: "مَا شَأْنُكَ؟ "، قُلْتُ: أَبْطَأَ عَلَيَّ جَمَلِي وَأَعْيَا، فتخَلَّفْتُ، فَنَزَلَ يَحْجُنُهُ بِمِحْجَنِهِ، ثُمَّ قَالَ: "ارْكَبْ"، فَرَكبْتُ، فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ أَكُفُّهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "تَزَوَّجْتَ؟ "، قُلْتُ: نعمْ، قَالَ: "بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟ "، قُلْتُ: بَلْ ثَيِّبًا، قَالَ: "أَفَلاَ جَارِيَةً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ؟ "، قُلْتُ: إِنَّ لِي أَخَوَاتٍ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ امْرَأَةً تَجْمَعُهُنَّ وَتَمْشُطُهُنَّ، وَتَقُومُ عَلَيْهِنَّ، قَالَ: "أَمَّا إِنَّكَ قَادِمٌ، فَإِذَا قَدِمْتَ، فَالْكَيْسَ الْكَيْسَ". ثُمَّ قَالَ: "أَتَبِيعُ جَمَلَكَ؟ "، قُلْتُ: نعمْ، فَاشْتَرَاهُ مِنِّي بِأُوقِيَّةٍ، ثُمَّ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَبْلِي، وَقَدِمْتُ بِالْغَدَاةِ، فَجئْنَا إلَى الْمَسْجدِ، فَوَجَدْتُهُ عَلَى باب الْمَسْجِدِ، قَالَ: "الآنَ قَدِمْتَ؟ "، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: "فَدَعْ جَمَلَكَ، فَادْخُلْ، فَصَلِّ ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (5499). (¬2) الواو ليست في "ع".

ركْعَتَيْنِ". فَدَخَلْتُ فَصَلَّيْتُ، فَأَمَرَ بِلاَلًا أَنْ يَزِنَ لَهُ أُوقِيَّةً، فَوَزَنَ لِي بِلاَلٌ فَأَرْجَحَ فِي الْمِيزَانِ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى وَلَّيْتُ؛ فَقَالَ: "ادْعُ لِي جَابِرًا". قُلْتُ: الآنَ يَرُدُّ عَلَيَّ الْجَمَلَ، وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْهُ، قَالَ: "خُذْ جَمَلَكَ، وَلَكَ ثَمَنُهُ". (فنزل يَحْجُنُه): - بإسكان الحاء المهملة وضم الجيم - مضارعُ حجَن -بفتح الجيم -؛ أي: يحته بمِحْجنه؛ أي: بطرف العصا المسمَّاة مِحْجَنًا. (بمِحْجَنه): - بكسر الميم -: عصًا كالصولجان. (قال: تزوجت؟ قلت: نعم): فيه حذف همزة الاستفهام. [(قال: بكراً أم ثيبًا؟): كالأول في حذف الهمزة، لكن هذا مع "أم" المعادلة لها، ووجهُ النصب ظاهر، ويروى: "بكرٌ أم ثيثٌ" خبر مبتدأ محذوف؛ أي: أزواجك بكر أم ثيب؟ (قال: أما إنك قادم): بتخفيف "أما"، وبكسر "إنَّ"، قال الزركشي: وفتحها (¬1). (فإذا قدمتَ، فالكيسَ الكيسَ): بالنصب على الإغراء، والكَيْس: الجماع] (¬2). قال ابن الأعرابي: فيكون قد (¬3) حضه عليه؛ لما فيه وفي الاغتسال منه من الأجر. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 475). (¬2) ما بين معكوفتين: في "ع": (قال: بكرًا أم ثيبًا؟): بتخفيف أَما، وبكسر إن، قال الزركشي: وفتحها. (قال: أما إنك قادم): بالنصب على الإغراء، والكيس: الجماع. (¬3) "قد" ليست في "ع".

باب: الأسواق التي كانت في الجاهلية، فتبايع بها الناس في الإسلام

وقال البخاري بعد هذا: الكَيْسُ: الولد. قيل: وهو في الأصل: العقل، جعل طلبَ (¬1) الولد عقلًا؛ لما فيه من تكثير جماعة المسلمين، ومن الفوائد الكثيرة التي يحافظ على طلبها ذوو العقل. وقيل: حضه على طلب الولد، واستعماله (¬2) الكيسَ والرفقَ فيه إذ كان (¬3) جابرٌ لا ولد له إذ ذاك. وقيل: أمره أن يتحفظ أن تكون امرأته حائضًا عند إتيانه إياها؛ لطول (¬4) غيبته، واشتداد عُزبته؛ لأن الكيس شدة المحافظة على الشيء (¬5). * * * باب: الأسواقِ التي كانت في الجاهليةِ، فتبايَعَ بها النَّاسُ في الإسلامِ 1200 - (2098) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْروٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَ: كَانَتْ عُكَاظٌ وَمَجَنَّةُ وَذُو الْمَجَازِ أَسْوَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا كَانَ الإسْلاَمُ، تَأَثَّمُوا مِنَ التِّجَارَةِ فِيهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} [البقرة: 198] فِي مَوَاسِم الْحَجِّ. قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَذَا. ¬

_ (¬1) "العقل، جعل الطلب" ليس في "ع" و"ج". (¬2) في "ع" و "ج": "واستعمال". (¬3) في "ع" و "ج": "إذ لو كان". (¬4) "لطول" ليست في "ج". (¬5) انظر: "التوضيح" (14/ 208).

باب: شراء الإبل الهيم، أو الأجرب

فلما كان الإسلام، تأثموا من التجارة، فأنزل الله: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ}): سأل ابن المنير عن الفرق بين حِجْر ثمود، وبين أسواق الجاهلية؛ حيث أسرع - عليه الصلاة والسلام - لما دخل الحِجْر، وأمرهم أن لا ينتفعوا بشيء منه، حتى لا يأكلوا العجين الذي عجنوه بالماء، وإذا أبحنا أسواق الجاهلية، فقد طال المكث فيها، والانتفاع بها. وأجاب: بأن أهل الأسواق لم يتعاطوا فيها إلا البيع المعتاد، وأما ثمود، فإنهم تعاطوا عقرَ الناقة، والكفر بالله ورسوله، ونزلت عليهم النقمةُ هناك، فهذا فرقُ ما بينهما. * * * باب: شِرَاءَ الإبِلِ الْهِيمِ، أَوِ الأَجْرَبِ الْهَائِمُ: الْمُخَالِفُ لِلْقَصْدِ فِي كُلِّ شَيْءٍ. (باب: شراء الإبل الهيم، أو الأجرب): الهِيْم: - بكسر الهاء وسكون الياء -: جمعُ أَهْيَمَ وهَيْماءَ. وقال البخاري: الهائمُ: المخالفُ للقصد في كل شيء، كأنه (¬1) يريد أن بها (¬2) داءَ الجنون، وعليه اقتصر ابن بطال، فقال: الهيام كالجنون. واعترضه ابن المنير: بأن الهيم (¬3) ليس جمعًا لهائم. ¬

_ (¬1) في "ع": "منه". (¬2) في "ج": "يهاد". (¬3) في "ع": "الهيام".

قلت: ممنوع، و (¬1) لم لا يجوز أن يكون كبازلٍ وبُزْلٍ، ثم (¬2) قُلبت (¬3) ضمةُ هُيْمٍ كسرة؛ لتصحَّ الياء؛ كما في بِيض (¬4)؟ * * * 1201 - (2099) - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ عَمْرو: كَانَ هَاهُنَا رَجُلٌ اسْمُهُ نَوَّاسٌ، وَكَانَتْ عِنْدَهُ إِبِلٌ هِيمٌ، فَذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، فَاشْتَرَى تِلْكَ الإبِلَ مِنْ شَرِيكٍ لَهُ، فَجَاءَ إِلَيْهِ شَرِيكُهُ، فَقَالَ: بِعْنَا تِلْكَ الإبِلَ. فَقَالَ: مِمَّنْ بِعْتَهَا؟ قَالَ: مِنْ شَيْخِ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: ويحَكَ! ذَاكَ - وَاللَّهِ - ابْنُ عُمَرَ، فَجَاءَهُ فَقَالَ: إِنَّ شَرِيكِي بَاعَكَ إِبِلًا هِيمًا، وَلَمْ يَعْرِفْكَ. قَالَ: فَاسْتَقْهَا، قَالَ: فَلَمَّا ذَهَبَ يَسْتَاقُهَا، فَقَالَ: دَعْهَا، رَضِينَا بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: لَا عَدْوَى. (كان هاهنا رجل اسمه نَوّاس): - بفتح النون وتشديد الواو وآخره سين مهملة -، كذا لأكثرهم، وعند بعضهم: بزيادة مثناة من تحت بعد السين هكذا: نواسي. وعند القابسي - بكسر النون وتخفيف الواو وآخره سين - كالأول (¬5). (رضيت (¬6) بقضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا عدوى): قال الزركشي: معناه: ¬

_ (¬1) الواو ليست في "ع". (¬2) "ثم" ليست في "ج". (¬3) في "ع" و"ج": "قلت". (¬4) في "ع": "بعض". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 476). (¬6) نص البخاري: "رضينا".

رضيتُ بهذا البيع على ما فيه من التدليس، ولا أُعدي عليك وعليه حاكمًا، ولا أرفعكما إليه. ولم يقف الخطابي على هذا المعنى، وحمل العدوى على ظاهرها، فقال: لا أعرفُ للعدوى في الحديث معنى إلا أن (¬1) يكون ذلك داءً إذا رعت (¬2) مع سائر الإبل، أو (¬3) تُركت معها، ظُن بها العدوى (¬4). قلت: هذا الكلام برمته في "شرح مغلطاي"، وتبعه ابن الملقن على عادته في الأخذ منه، والاعتماد على كلامه من (¬5) غير تسميته (¬6) له، والظاهر أن قوله: لا عدوى تفسيرٌ لقضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: "لا عَدْوَى" (¬7). فإن قلت: ذاك إنما ورد (¬8) في الأجرب، والبخاري ترجم على الهيم والأجرب، وإنما ذكر الهيم؟ قلت: أجاب عنه ابن المنير: بأن السبب في ذلك كونه اكتفى باستشهاد ابن عمر بقوله (¬9) - عليه الصلاة والسلام -: "لا عَدْوَى"، وهذا إنما وردَ في الأجرب، فدل ذلك على تسوية ابن عمر بين هذه العيوب، وشراءِ ما هي به ¬

_ (¬1) في "ع": "أن لا". (¬2) في "ع": "أرغب". (¬3) في "ع" و"ج": "و". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 476). (¬5) في "م": "في". (¬6) في "ع"و "ج": "تسمية". (¬7) انظر: "التوضيح" (14/ 213). (¬8) في "ج": "قال إنما روي". (¬9) في "ج": "بين بقوله".

باب: بيع السلاح في الفتنة وغيرها وكره عمران بن حصين بيعه في الفتنة

من الحيوان، ولا يكون تضييع مال، ولا سفهًا في الرأي، فانظر هذا مما يحتج من قال: إن معنى (¬1) "لا عدوى": لا أعدي عليكما حاكمًا؛ ليعرف فرق ما بين النظرين، وبالله التوفيق. * * * باب: بَيْعِ السِّلاَحِ فِي الْفِتْنَةِ وَغَيْرِهَا وَكَرِهَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ بَيْعَهُ فِي الْفِتْنَةِ (باب: بيع السلاح في الفتنة وغيرها): أما بيعُه في الفتنة، فقد ذكره حيث قال: وكرهَ عمران بنُ حصين بيعَه في الفتنة. قال ابن بطال: لأنه من باب التعاون على الإثم والعدوان، وذلك مكروه منهيٌّ عنه (¬2) (¬3). قال السفاقسي: وذلك في الفتنة التي لا يعرف فيها الظالم من المظلوم، وإلا، فلو عُلما، لَبيع (¬4) من (¬5) المظلوم، ولم يُبع من الظالم، وأما بيعه في عدم الفتنة، فقد تعرض إليه بإيراد (¬6) حديث أبي قتادة حيث قال: 1202 - (2100) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى ¬

_ (¬1) في "ع": "معي". (¬2) "عنه" ليست في "ج". (¬3) انظر: "شرح ابن بطال" (6/ 231). (¬4) في "ع": "للبيع"، وفي "ج": "لنبيع". (¬5) "من" ليست في "ج". (¬6) في "ع" و"ج": "في".

باب: ذكر الحجام

ابْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ أَفْلَحَ، عَنْ أَبي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أبي قَتَادَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ حُنَيْنٍ، فَأعْطَاهُ - يَعْنِي: دِرْعًا -، فَبِعْتُ الدِّرْعَ، فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلِمَةَ، فَإِنَّهُ لأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الإِسْلاَمِ. (فبعت الدرع): يشير إلى حديثه المطوَّل الذي أخرجه بعد ذلك (¬1). والمعنى: فقتلت رجلًا، فأصبتُ منه درعًا، فبعتُ الدرعَ، وقد استبان لك أن (¬2) قول الإسماعيلي: ليس من حديث هذا الباب في شيء، فإنه لم (¬3) يبع السلاح في الفتنة (¬4)، كلامٌ غيرُ موجَّه. (فابتعت به مَخرَفًا): -بفتح الميم والراء، وبكسر الميم وفتح الراء، وبفتح الميم وكسر الراء-: هو حائط النخل مثل البستان يكون فيه فاكهة تخرف. (في بني سلِمة): بكسر اللام. (تَاَثَّلْتُه): أي: اتخذته أصلًا لمالي. * * * باب: ذِكْرِ الْحَجَّامِ (باب: ذكر الحجام): ليس المقصود من هذه الترجمة (¬5) تصويبَ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3142) عن أبي قتادة رضي الله عنه. (¬2) "أن" ليست في "ع" و"ج". (¬3) في "ع": "لا". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 476). (¬5) في "ع": "ذكر".

باب: التجارة فيما يكره لبسه للرجال والنساء

صناعة الحجام، ولا أنها غير منافية (¬1) للمروءة، فإنها قد ورد فيها حديث يخصها بالنهي (¬2)، وإن كان أعطى الحجام أجرَه، فالنهيُ فيها على الصانع، لا على المستعمِل. قال ابن المنير: والفرقُ بينهما: ضرورةُ المحتجم إلى الحجامة، وعدمُ ضرورة الحجام؛ لكثرة الصنائع سواها. * * * 1203 - (2102) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسَ بْنِ مَالِكِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: حَجَمَ أَبُو طَيْبَةَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرِ، وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا مِنْ خَرَاجِهِ. (أبو طَيْبَةَ): على نحو طيبةَ اسمِ المدينة، اسمه (¬3) نافع. * * * باب: التِّجَارَةِ فِيمَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ (باب: التجارة فيما يُكره لبسُه للرجال والنساء): كأنه -رحمه الله- حمل قوله -عليه السلام- في حديث عمر: "إِنَّمَا يَلْبَسُها مَنْ لا خَلاقَ لَهُ" (¬4) على العموم للرجال والنساء، ولولا ذلك، لم يكن لإيراد حديثه (¬5) في هذا ¬

_ (¬1) في "ج": "معاقبة". (¬2) رواه مسلم (1568) عن رافع بن خديج رضي الله عنه. (¬3) في "ج": "واسمه". (¬4) رواه البخاري (2054)، ومسلم (2068) عن ابن عمر رضي الله عنهما. (¬5) في "ج": "حديث".

الباب مدخلٌ، والحقُّ أن النهي خاصٌّ بالرجال، أما (¬1) النُّمْرُقة المصوَّرَة، فيستوي الصنفان في المنع منها (¬2). قال ابن المنير: والظاهرُ أن البخاري أراد (¬3) الاستشهاد على صحة (¬4) التجارة في النمارق المصورة، وإن كان استعمالها مكروهًا؛ لأنه - عليه الصلاة والسلام - إنما أنكر على عائشة استعمالها، ولم يأمرها بفسخ البيع. * * * 1204 - (2105) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ: أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْهُ، فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْكَراهِيَةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - مَاذَا أَذْنَبْتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا بَالُ هَذِهِ النّمْرُقَةِ؟ "، قُلْتُ: اشْتَرَيْتُهَا لَكَ لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعَذَّبُونَ، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ". وَقَالَ: "إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلاَئِكَةُ". (نمْرقة): أي: وسادة، بضم النون والراء، وبكسرهما. * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "ما". (¬2) "منها" ليست في "ع" و "ج". (¬3) في "ع": "إيراد". (¬4) في "ع": "صحته".

باب: صاحب السلعة أحق بالسوم

باب: صَاحِبُ السِّلْعَةِ أَحَقُّ بِالسَّوْمِ 1205 - (2106) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا بَنِي النَّجَّارِ! ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ". وَفِيهِ خِرَبٌ وَنَخْلٌ. (باب: صاحبُ السلعة أحقُّ بالسوم). (ثامنوني بحائطكم): أي: بايعوني (¬1) بالثمن. قال المازري: إنما فيه دليل على أن المشتري يبدأ بذكر الثمن، ورده القاضي بأنه -عليه الصلاة والسلام- لم ينصَّ لهم على ثمن مقدر بذله لهم في الحائط، وإنما ذكر الثمن مجملاً، فإن أراد أنَّ فيه التبدئة بذكر الثمن مقدراً، فليس كذلك (¬2). قلت: نقل ابن بطال وغيره الإجماع على أن صاحب السلعة أحقُّ الناس بالسوم في سلعته، وأولى بطلب (¬3) الثمن فيها، لكن الكلام في أخذ هذا الحكم من الحديث المذكور (¬4)، فالظاهر أَنْ لا دليلَ فيه على ذلك كما أشار إليه الإمام المازري. * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "تبايعوني". (¬2) انظر: "إكمال المعلم" (2/ 440). (¬3) في "ع": "بتطلب". (¬4) في "ج": "المذكر".

باب: كم يجوز الخيار

باب: كَمْ يَجُوزُ الْخِيَارُ (باب: كم يجوز الخيار؟): يعني: هل يستوي فيه السلعُ، أو يتفاوتُ بحسب الحاجة؟ وليس في الحديث الذي أورده تعرضٌ لواحد من المذهبين. قال ابن المنير: اللهم إلا أن يأخذ من عدم تحديده في الحديث تفويض الأمر إلى الحاجة في اشتراطه، وهو مذهب مالك -رحمه الله-، فيحتمل. 1206 - (2108) - حدثنا حفصُ بنُ عُمَر، حدثنا همامٌ، عن قتادةَ، عن أبي الخليلِ، عن عبد الله بن الحارثِ، عن حكيمِ بن حِزَامٍ رضي الله عنه، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "البيِّعانِ بالخيارِ ما لم يتفرَّقا" وَزَادَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا بَهْزٌ، قَالَ: قَالَ هَمَّامٌ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لأَبِي التَّيَّاحِ، فَقَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي الْخَلِيلِ لَمَّا حَدَّثَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَارِثِ بِهَذَا الْحَدِيثِ. (وزاد أحمد): هو أحمد بن حنبل رضي الله عنه. قال الزركشي: وهذا أحد الموضعين اللذين (¬1) ذكره البخاري -رضي الله عنه- فيهما (¬2). * * * باب: إِذَا لَمْ يُوَقِّتْ فِي الْخِيَارِ، هَلْ يَجُوزُ الْبَيْعُ؟ (باب: إذا لم يوقت في الخيار هل يجوز البيع؟): ساق فيه حديث ¬

_ (¬1) في "ع": "الذي". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 477).

باب: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا"

ابن عمر -أيضاً-: "البَيِّعانِ بالخِيارِ ما لَمْ يَتَفَرَّقا، أَوْ يَقولَ أَحَدُهُما لِصاحِبِه: اخْتَرْ" وربما قال: "أو يكونَ بيعَ خِيارٍ"، والظاهر أن البخاري قصدَ بجواز البيع وتفويض الأمر بعد اشتراط الخيار المطلق إلى العادة في مثل تلك السلعة، وهذا مذهبُ مالك، وهو أسعدُ بإطلاق. * * * باب: "البيِّعانِ بالخيارِ ما لم يتفرَّقا" 1207 - (2110) - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَناَ حَبَّانُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: قَتَادَةُ أَخْبَرَنِي عَنْ صَالِحٍ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: سَمِعْتُ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا، بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا، مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا". (وإن كَذَبا وكَتَما، مُحقت بركةُ بيعهما): ليس المراد أن بيعهما هذا (¬1) المشتمل على الكذب والخيانة فيه بركةٌ وقد مُحقت، وإنما المراد: أن البركة التي كانت تحصل في هذا (¬2) البيع على تقدير خلوِّه من تلك المفسدة معدومةٌ بوجود كذبهما وكتمانهما. ويحتمل أن يكون المراد: أن (¬3) مثل هذا البيع، وإن حصل فيه ربح، فإنه يمحق بركة ربحه، ويؤيده الحديث الذي بعد هذا: "وإِنْ كَذَبا (¬4) وكَتَما، ¬

_ (¬1) في "ج": "هو". (¬2) في "ع": "هذه". (¬3) "أن" ليست في "ع" و"ج". (¬4) في "ع": "كتما".

باب: إذا اشترى شيئا فوهب من ساعته قبل أن يتفرقا

فَعَسى أَنْ يَرْبَحا رِبْحاً وَيَمْحَقَا بَرَكَةَ بَيْعِهِما"، فتأمله (¬1). * * * باب: إذا اشْتَرى شيئاً فَوَهَبَ مِنْ سَاعَتِهِ قبلَ أَنْ يتفرَّقا 1208 - (2116) - قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ بِعْتُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ مَالاً بِالْوَادِي بِمَالٍ لَهُ بِخَيْبَرَ، فَلَمَّا تَبَايَعْنَا، رَجَعْتُ عَلَى عَقِبِي حَتَّى خَرَجْتُ مِنْ بَيْتِهِ، خَشْيَةَ أَنْ يُرَادَّنِي الْبَيْعَ، وَكَانَتِ السُّنَّةُ: أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا. قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَلَمَّا وَجَبَ بَيْعِي وَبَيْعُهُ، رَأَيْتُ أَنِّي قَدْ غَبَنْتُهُ، بِأَنِّى سُقْتُهُ إِلَى أَرْضِ ثَمُودٍ بِثَلاَثِ لَيَالٍ، وَسَاقَنِي إِلَى الْمَدِينَةِ بِثَلاَثِ لَيَالٍ. (خشية أن يرادّني البيع): -بتشديد الدال- يُفاعلني؛ من الرَّدِّ. * * * باب: ما يُكرهُ مِنَ الخداعِ في البيعِ 1209 - (2117) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ رَجُلاً ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي البيوع، فَقَالَ: "إِذَا بَايَعْتَ، فَقُلْ: لا خِلاَبَةَ". (أن رجلاً ذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - أنه (¬2) يُخدع في البيع (¬3)): هو حبانُ بنُ منقذٍ، ¬

_ (¬1) "فتأمله" ليست في "ج". (¬2) في "ع": "أن". (¬3) في "ع": "البيوع".

باب: ما ذكر في الأسواق

وقيل: منقذُ بنُ عمرٍو (¬1). (فقل: لا خِلابة): أي: لا خِداعَ، ويروى: "لا خيابة" -بالياء المثناة من تحت-. قال الزركشي: وكأنها لثغة من الراوي أبدلَ اللامَ ياء (¬2). قلت: هذا مأخوذ من كلام ابن قرقول، فإنه زعم أن هذا الرجل كان يلثغ، ولا يعطيه لسانه إخراج الكلام، فكان ينطق ياء باثنتين من تحت، أو ذالاً معجمة، والله أعلم. وصرح أبو عمران من أصحابنا بأن هذا خاصٌّ بهذا (¬3) الرجل، وأن المغابنةَ لا خيارَ للمغبون (¬4) بها، قلَّت أو كثرت، وهو أصحُّ الروايتين عن مالك. * * * باب: ما ذُكِرَ في الأسواقِ 1210 - (2118) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ، عَنْ ناَفِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ، فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرْضِ، يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ". ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 477). (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 477). (¬3) في "ج": "فهذا". (¬4) في "ج": "المغبون".

قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيْفَ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ، وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: "يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ". كيف يخسف بأولهم (¬1) وآخرهم، وفيهم أسواقُهم): -بالسين المهملة وبالقاف-، وفي "مستخرج أبي نعيم": وفيهم أشرافهم -بالشين المعجمة والفاء-. وعند الإسماعيلي: وفيهم "سواهم" بدل "أسواقهم"، قال: ورواه البخاري: "وفيهم أسواقهم"، وليس هذا الحرف في حديثنا، وأظن أن أسواقهم تصحيف، فإن الكلام في الخسف بالناس لا بالأسواق. قيل (¬2): ويحتمل أن المراد بالأسواق (¬3) هنا الرعايا. قال صاحب "النهاية": السوقة من الناس: الرعيةُ، ومَنْ دون الملك، قال: وكثير من الناس يظن السوقةَ أهلَ الأسواق، لكن هذا يتوقف على أن السوقة تجمع على أسواق (¬4). وذكر صاحب "الجامع": أنها تجمع على سِوَق؛ كقِيَم (¬5). قلت: لكن البخاري إنما فهم منه أنه جمع سوق الذي هو محل البيع والشِّراء، فينبغي أن يحرر النظر فيه. ¬

_ (¬1) في "ع": "بهم بأولهم". (¬2) في "ج ": "وقيل". (¬3) في "ع": "بأسواق". (¬4) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 424). (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 477 - 478).

1211 - (2119) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "صَلاَةُ أَحَدِكُمْ فِي جَمَاعَةٍ، تَزِيدُ عَلَى صَلاَتِهِ فِي سُوقِهِ وَبَيْتِهِ بِضْعاً وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، وَذَلِكَ بِأَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ، لاَ يُرِيدُ إِلاَّ الصَّلاَةَ، لاَ يَنْهَزُهُ إِلاَّ الصَّلاَةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلاَّ رُفِعَ بِهَا دَرَجَةً، أَوْ حُطَّتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، وَالْمَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلاَّهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ، مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ". وَقَالَ: "أَحَدُكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا كَانَتِ الصَّلاَةُ تَحْبِسُهُ". (لا يَنهَزه): بفتح حرف المضارعة والهاء (¬1) وبالزاي. * * * 1212 - (2122) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ ابْنِ أَبي يَزِيدَ، عَنْ ناَفِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الدَّوْسِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي طَائِفَةِ النَّهَارِ، لاَ يُكَلِّمُنِي وَلاَ أُكَلِّمُهُ، حَتَّى أَتَى سُوقَ بَنِي قَيْنُقَاعَ، فَجَلَسَ بِفِنَاءِ بَيْتِ فَاطِمَةَ، فَقَالَ: "أَثَمَّ لُكَعُ؟ أَثَمَّ لُكَعُ؟ ". فَحَبَسَتْهُ شَيْئاً، فَظَنَنْتُ أَنَّهَا تُلْبِسُهُ سِخَاباً، أَوْ تُغَسِّلُهُ، فَجَاءَ يَشْتَدُّ حَتَّى عَانَقَهُ وَقَبَّلَهُ، وَقَالَ: "اللَّهُمَّ أَحْبِبْهُ، وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ". قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ: عُبَيْدُ اللهِ أَخْبَرَنِي: أَنَّهُ رَأَى ناَفِعَ بْنَ جُبَيْرٍ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ. (الدوسي): نسبة إلى دَوْس قبيلةٍ. (بفِناء (¬2) بيت فاطمة): الفِناء -بكسر الفاء والمد-: هو الساحة. ¬

_ (¬1) "والهاء" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "فناء".

باب: كراهية السخب في الأسواق

(أَثَمَّ): الهمزةُ للاستفهام، وثَمَّ -بفتح المثلثة وتشديد الميم-: اسمُ إشارة للمكان البعيد. (لُكَعُ): قال أبو زيد: اللكع: الفلوُّ. وفي "المحكم": المُهْر (¬1). وعليه مشى السهيلي حيث قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يمزح، ولا يقول إلا حقاً، وهنا أراد تشبيهه بالفلوِّ والمُهْرِ؛ لأنه طفل؛ كما أن الفلو والمهر كذلك، وإذا قصد بالكلام قصد التشبيه، لم يكن إلا صدقاً (¬2). قال مغلطاي: الأشبهُ والأجودُ أن يُحمل الحديث على ما قاله بلالُ بنُ جرير بنِ الحنظلي (¬3)، وقد سئل (¬4) عن اللُّكع، فقال: هو في لغتنا: الصغير. وهذا الذي سأل عنه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، هو (¬5) الحسن -بفتح الحاء- ابنُ عليًّ رضي الله عنهما. * * * باب: كَرَاهِيَةِ السَّخَبِ فِي الأَسْواقِ (باب: كراهية (¬6) السخب في السوق): -بالسين المهملة-، وقد مر في مواضع بالصاد المهملة، وهما جميعاً بمعنى: الصياح. ¬

_ (¬1) انظر: "المحكم" (1/ 278)، (مادة: لكع). (¬2) انظر: "الروض الأنف" (3/ 176). (¬3) في "ع": "الحنطي". (¬4) في "م": "وسأل". (¬5) في "م": "وهو". (¬6) "كراهية" ليست في "ج".

باب: الكيل على البائع والمعطي

قال ابن المنير: ترجم كثيراً على إباحة السوق، ثم ترجم هنا على السخب فيها؛ تنبيهاً على أن المذموم ليس نفسَ السوق، ولكن فِعْلَ ما يُكره فيها. قال: وكان البخاري -رحمه الله- صاحبَ تجارة وزرع، ومما يروى (¬1) أنه أُعطي ببضاعة له خمسةَ آلاف، فركنَ في نفسه، ولم يتلفظ، ثم (¬2) أُعطي (¬3) فيها بعد ذلك أضعافَ الأولى ألوفاً مؤلفةً، فقال: لا، قد كنت ركنت إلى الأول، فحاسب نفسه على الهواجس التي تلزم. * * * باب: الكَيلِ على البَائعِ والمُعْطِي 1213 - (2127) - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَناَ جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: تُوُفِّيَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَاسْتَعَنْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى غُرَمَائِهِ أَنْ يَضَعُوا مِنْ دَيْنِهِ، فَطَلَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْهِمْ، فَلَمْ يَفْعَلُوا، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اذْهَبْ فَصَنِّفْ تَمْرَكَ أَصْنَافاً، الْعَجْوَةَ عَلَى حِدَةٍ، وَعَذْقَ زَبْدٍ عَلَى حِدَةٍ، ثُمَّ أَرْسِلْ إِلَيَّ". فَفَعَلْتُ، ثُمَّ أَرْسَلْتُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَلَسَ عَلَى أَعْلاَهُ، أَوْ فِي وَسَطِهِ، ثُمَّ قَالَ:"كِلْ لِلْقَوْمِ". فَكِلْتُهُمْ حَتَّى أَوْفَيْتُهُمُ الَّذِي لَهُمْ، وَبقِيَ تَمْرِي كَأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ شَيْءٌ. وَقَالَ فِرَاسٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ: حَدَّثَنِي جَابِرٌ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: فَمَا زَالَ ¬

_ (¬1) في "ج": "وقال يروى". (¬2) "ثم" ليست في "ج". (¬3) في "ع" و"ج": "فأعطي".

باب: ما يستحب من الكيل

يَكِيلُ لَهُمْ حَتَّى أَدَّاهُ. وَقَالَ هِشَامٌ، عَنْ وَهْبٍ، عَنْ جَابِرٍ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "جُذَّ لَهُ، فَأَوْفِ لَهُ". (عبد الله بن عمرو بن حرام): بحاء مهملة وراء. (فاستعنتُ): كذا هنا من الاستعانة، وفي رواية البخاري في باب الشفاعة في الدين: "فاستشفعت" (¬1). (العجوة): -بالنصب بفعل محذوف-؛ أي: اجعلِ العجوةَ. (وعَذْقَ زيدٍ): -بفتح العين المهملة وإسكان الذال المعجمة-: نوع من التمر رديء، والعجوة من أجلِّ الأنواع، فكأَن (¬2) النبي - صلى الله عليه وسلم - طلب منه التمر الأعلى والأدنى (¬3). * * * باب: ما يُسْتحبُّ من الكَيلِ 1214 - (2128) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "كيلُوا طَعَامَكُمْ يُبَارَكْ لَكُمْ". (كيلوا طعامكم يُباركْ لكم فيه (¬4)): عورض بقول عائشة: كان عندي ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2405) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. (¬2) في "ع" و"ج": "وكان". (¬3) في "ع" و"ج": "الأدنى والأعلى". (¬4) قال في "فتح الباري" (4/ 345): قوله: "يبارك لكم" كذا في جميع روايات البخاري، ورواه أكثر من تقدم ذكره فزادوا في آخره: "فيه".

باب: بركة صاع النبي - صلى الله عليه وسلم - ومدهم

شطرُ شعير، فأكلتُ منه حتى طال عليَّ (¬1)، وكِلْتُه، ففَنِيَ (¬2). قال ابن المنير (¬3): والجمعُ بينهما: أن يُكال أولَ شرائه أو دخوله المنزل بطريق ما، ثم إذا أنفقَ منه لا يكيل الباقي؛ لأن الكيل الأول ضروري يدفع الغَرَرَ في البيع ونحوه من العقود، وأما الكيل الثاني، فلمجرد القنوط، واستكثارِ ما خرج منه. * * * باب: بَرَكَةِ صَاعِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَمُدِّهِمْ (باب: بركةِ صاعِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ومُدِّهم): كذا لأكثرهم؛ يعني: أهل المدينة، ويروى: "ومُدِّهِ". 1215 - (2130) - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ ابْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مِكْيَالِهِمْ، وَبَارِكْ لَهُمْ فِي صَاعِهِمْ وَمُدِّهِمْ". يَعْنِي: أَهْلَ الْمَدِينَةِ. (وبارك لهم في صاعهم ومُدِّهم): تقدم الكلام في البركة هل تختصُّ بالمدِّ المخصوص، أو بكل مُدٍّ تعارفَه أهلُ المدينة في سائر الأعصار، زاد أو نقص؟ وهو الظاهر بأنه أضاف المدَّ إلى المدينة تارة، وإلى أهلها ¬

_ (¬1) "علي" ليست في "ع". (¬2) رواه البخاري (3097) عن عائشة رضي الله عنها. (¬3) "قال ابن المنير" ليست في "ع" و"ج".

باب: ما يذكر في بيع الطعام، والحكرة

أخرى، ولم يضفه (¬1) -صلوات الله عليه وسلامه- إلى نفسه، فدل على عموم الدعوة، لا على خصوصها بمدِّه عليه السلام. * * * باب: مَا يُذْكَرُ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ، وَالْحُكْرَةِ (باب: ما يُذكر في بيع الطعام والحُكْرة): -بضم الحاء وإسكان الكاف-: هي إمساكُ الطعامِ عن البيع مع الاستغناء عنه عندَ حاجة الناس إليه انتظاراً لغلاء ثمنه. 1216 - (2132) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ طَعَاماً حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ. قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: كَيْفَ ذَاكَ؟ قَالَ: ذَاكَ دَرَاهِمُ بِدَرَاهِمَ، وَالطَّعَامُ مُرْجَأٌ. (ذاك [دراهمُ] بدراهمَ، والطعامُ مُرْجَأ): -بإسكان الراء وتخفيف الجيم-؛ أي: مؤخر، يهمز (¬2) ولا يهمز. قال صاحب "النهاية": وفي كتاب الخطابي على اختلاف نسخه: مُرَجَّيٌ -بالتشديد- للمبالغة (¬3). * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "يضفها". (¬2) في "ع": "بهمزة". (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 206).

1217 - (2134) - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، كَانَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ يُحَدِّثُهُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ: أَنَّهُ قَالَ: مَنْ عِنْدَهُ صَرْفٌ؟ فَقَالَ طَلْحَةُ: أَناَ، حَتَّى يَجيءَ خَازِنُنَا مِنَ الْغَابَةِ. قَالَ سُفْيَانُ: هُوَ الَّذِي حَفِظْنَاهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ، لَيْسَ فِيهِ زِيَادَةٌ، فَقَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَوْسٍ: سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: يُخْبِرُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ". (إلا هَاءَ وهَاءَ): ممدود مفتوح. قال الزركشي: ويجوزُ القصر، وأنكره الخطابي، ومعناه: إلا بيعَ هاءَ وهاءَ؛ أي: يقول كلٌّ (¬1) من المتبايعين لصاحبه: هاءَ؛ أي: خذ، وهو البيع المشتمل على الحلول والتقابض في المجلس، وهو مثل قوله في الرواية الأخرى: "إِلاَّ يَداً بِيَدٍ". وفي هاء لغات: إحداها (¬2): المد والفتح، نحو جاء. والثانية: المد والكسر، نحو هاتِ. والثالثة: القصر مع الهمز، نحو خَفْ. والرابعة: القصر مع عدم الهمز (¬3). ¬

_ (¬1) في "ع": "لكل". (¬2) في "ج": "أحدها". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 481).

وترجمه البخاري -رحمه الله- على الطعام والحكرة، ولم يذكر بيع (¬1) الطعام قبل قبضه [في الترجمة، لكنه ذكر الأحاديث بالنهي عن بيعه قبل قبضه] (¬2)، ولم يذكر في الأحاديث شيئاً من الحكرة. قال ابن المنير: كأن غرضَه التضجيعُ في النهي عن الحكرة، أو حملُ الاحتكار على حالة الغلاء والاضطرار، ولهذا ساق الأحاديث بأن الناس كانوا يشترون الطعام، فيصرون (¬3) على نقله، وهذا ضدُّ النهي عن الاحتكار؛ لأن مقتضاه: أن يُمنعوا عن نقله، وأخذِه (¬4) من السوق (¬5)، [فلما نُقل هذا مطلقاً، ولم يُنقل أنهم كانوا ينهون عن نقل الطعام وأخذه من الأسواق، بلْ عن ضد] (¬6) ذلك (¬7)، فدل على أن الحكرة الممنوعة إنما هي في حالة نادرة لا معتادة، ولم يقصد البخاري تقريرَ المنع من بيع الطعام قبلَ قبضه، بل قصدَ أن الحكرةَ جائزةٌ في الجملة، فذكر ما يناسب غرضه، ولم يتعرض لما عداه. * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "عن بيع". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬3) في "ج": "فيضربون". (¬4) في "ع": "واحدة". (¬5) في "ع" و"ج": "الأسواق". (¬6) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬7) في "ع": "بل عند ذلك"، وفي "ج": "بل هي ضد ذلك".

باب: إذا اشترى متاعا أو دابه فوضعه عند البائع، أو مات قبل أن يقبض

باب: إذا اشترى مَتَاعَاً أو دابَّهً فوضعهُ عندَ البَائعِ، أو ماتَ قَبْلَ أَنْ يُقْبضَ 1218 - (2138) - حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ، أَخْبَرَناَ عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: لَقَلَّ يَوْمٌ كَانَ يَأْتِي عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلاَّ يَأْتِي فِيهِ بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ أَحَدَ طَرَفَيِ النَّهَارِ، فَلَمَّا أُذِنَ لَهُ فِي الْخُرُوجِ إِلَى الْمَدِينَةِ، لَمْ يَرُعْنَا إِلاَّ وَقَدْ أَتَاناَ ظُهْراً، فَخُبِّرَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: مَا جَاءَناَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلاَّ لأَمْرٍ حَدَثَ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ، قَالَ لأَبِي بَكْرٍ: "أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ". قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّمَا هُمَا ابْنَتَايَ؛ يَعْنِي: عَائِشَةَ، وَأَسْمَاءَ، قَالَ: "أَشَعَرْتَ أَنَّهُ قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ؟ ". قَالَ: الصُّحْبَةَ يَا رَسُولَ اللهِ!، قَالَ: "الصُّحْبَةَ". قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنَّ عِنْدِي ناَقَتَيْنِ أَعْدَدْتُهُمَا لِلْخُرُوجِ، فَخُذْ إِحْدَاهُمَا قَالَ: "قَدْ أَخَذْتُهَا بِالثَّمَنِ". (لَقَلَّ (¬1) يومٌ كان يأتي على النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا يأتي فيه بيتَ أبي بكر): هو في معنى قولنا: ما كان يوم يأتي على النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا يأتي فيه بيتَ أبي بكر، فهو استثناء مفرغٌ واقعٌ بعد نفي مؤول؛ لأن قل في معنى النفي، والجملة الواقعة بعد أداة الاستثناء في محل نصب على أنها خبر كان. (لم يَرُعْنا إلا وقد أتانا ظهراً): كأنه فاجأهم بغتةً في غير الوقت الذي اعتادوا فيه مجيئه، فأفزعهم ذلك. (أخرجْ ما (¬2) عندك): قال الزركشي: كذا وقع، والوجه: "من" (¬3). ¬

_ (¬1) في "ع": "لعل". (¬2) في "ج": "من". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 481).

قلت: قد يقع "ما" مراداً بها: "مَنْ يعلم"؛ نحو: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 57]، و"سُبْحَانَ مَا سَخَّرَكُنَّ لَنَا". قال أبو حيان: هذا قول أبي (¬1) عبيدة، وابن درستويه، وابن خروف، ومكي بن أبي طالب، ونسبه ابنُ خروف لسيبويه، ومن أدلتهم -أيضاً-: "سُبْحَانَ مَا سَبَّحَ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ"، {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [الكافرون: 5]، {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} [الشمس: 5]، الآيات. (قال: الصحبَةَ يا رسول الله): -بنصب الصحبة- على إضمار فعل؛ أي: أطلب الصحبَةَ، و -بالرفع- خبر مبتدأ محذوف؛ أي: مطلوبي الصحبةُ. قال: الصحبةَ (¬2) -بالنصب أيضاً-؛ أي: نلتَ الصحبةَ، و -بالرفع-؛ أي: الصحبةُ مبذولة لك، أو حاصلةٌ لك، ونحوه (¬3). (أعددتُهما): ويروى: "عددتهما (¬4) ". (قال: قد أخذتُها بالثمن): قال ابن المنير: كأن البخاري -رحمه الله- أراد أن يحقق انتقالَ الملك في الذاتية ونحوِها إلى المشتري بنفس العقد، فاستدل على ذلك بقوله -عليه السلام-: "قد أخذتُها بالثمن"، [وعُلم أنه لم يقبضها، بل أبقاها عند أبي بكر] (¬5)، وعُلم (¬6) أنه كان (¬7) يبقيها في ضمان ¬

_ (¬1) في "ج": "أبو". (¬2) "قال: الصحبة" ليست في "ع" و"ج". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 482). (¬4) في "ع": "عدتهما". (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬6) في "ع": "وعلى". (¬7) في "ع" و"ج": "ما كان ".

أبي بكر، ولا يقتضي مكارمُ الأخلاق أن يكون المِلْكُ له، والضمانُ على أبي بكر، والثمنُ إلى الآن لم يُقبض، ولا سيما في سياق إيثاره -عليه السلام- للحمل عن (¬1) أبي بكر، ولهذا أبى أن يأخذها إلا بالثمن، وقد كان أبو بكر آثر (¬2) أن يكون بغير ثمن. وقال السهيلي: سئل بعض أهل العلم: لمَ (¬3) لم يقبلْها إلا بالثمن، وقد أنفق أبو بكر من ماله ما هو أكثرُ من هذا، فقبله، وقد قال -عليه السلام-: "لَيْسَ أَحَدٌ (¬4) أَمَنَّ عَلَيَّ في أَهْلٍ وَمَالٍ (¬5) مِنْ أَبي بَكْرٍ" (¬6)، وقد دفع إليه حين بنى بعائشة ثنتي عشرةَ أوقيةً، ونَشّاً، فلم يأبَ من ذلك؟ فقال المسؤول: إنما ذلك؛ لتكون هجرتُه إلى الله بنفسه وماله؛ رغبةً منه -عليه الصلاة والسلام- في استكمال فضل الهجرة، واستحسنه السهيلي. قال: وذكر ابنُ إسحاق في غير (¬7) رواية ابن هشام: أن الناقة [التي] ابتاعها النبي - صلى الله عليه وسلم - من أبي بكر يومئذ هي ناقته التي تسمَّى بالجَدْعاء، وكانت من إبل بني الخريشِ بنِ كعبِ بنِ عامرِ بنِ صعصعةَ، وهي غيرُ العَضْباء (¬8). ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "على". (¬2) في "ع": "آثره". (¬3) "لم" ليست في "ع". (¬4) في "ع": "أحداً". (¬5) في "ع": "أهلي ومالي". (¬6) رواه البخاري (467) عن ابن عباس رضي الله عنهما. (¬7) "غير" ليست في "ع". (¬8) انظر: "الروض الأنف" (2/ 311).

باب: لا يبيع على بيع أخيه، ولا يسوم على سوم أخيه، حتى يأذن له أو يترك

وأخذ ابن المنير من هذا الحديث جوازَ بيع الغائب، وذلك أن قول أبي بكر: إن عندي ناقتين -بالتنكير- يدل على عدم حضورهما، وعلى عدم سَبْق العهد بهما، وقد أخذها -عليه السلام- مع ذلك. وأما عدم ذكر مقدار الثمن: فيحمل الأمر على أنه كان، ولم يُنقل إلينا؛ للإجماع على اعتباره، ويُحمل الأمر في الصفة على ذلك، أو يكون بيع الغائب بلا رؤية ولا صفة على خيار الرؤية، وهو أضعفُ وجوه بيع الغائب، فإذا جاز هذا، جاز ما هو أقوى منه بطريق الأولى. * * * باب: لاَ يَبِيعُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلاَ يَسُومُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ، حَتَى يَأْذَنَ لَهُ أَوْ يَتْرُكَ (باب: لا يبيع على بيع أخيه، ولا يسوم على سوم أخيه حتى يأذن أو يترك): قال ابن المنير: والتقييد بهذه الغاية ليس مذكوراً في الحديث، لكن البخاري أراد بهذا (¬1) التفسير؛ لئلا يظن أن من خطب امرأة من أبيها، ورَكَنَ بعضُهم إلى بعض؛ لزمَ بينهم العقدُ، وتعذَّرَ على الولي (¬2) أو المرأة أن يزهدَ في الخاطب ويتركه، ويتعذر حينئذ أن تتزوج إلا به، مع كراهة فيه، وهذا لا يقوله أحد، بل إذا ترك أحد الجانبين الآخر، إِمَّا الزوجُ ترك (¬3)، أو الوليُّ ترك، جاز التزويجُ بخاطب آخر بشرط أن لا يكون سبب (¬4) زهدهم في ¬

_ (¬1) في "ع": "هذا". (¬2) "الولي" ليست في "ج". (¬3) في "ع": "وترك". (¬4) في "ع" و"ج": "بسبب".

الخاطب الأول تجددَ الخاطب الثاني، بل لابد من جواز ذلك أن يتقدم ترك الولي (¬1) على خطبة الثاني (¬2)، فهذا مراد البخاري، والله الموفق. * * * 1219 - (2140) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ: وَلاَ تَنَاجَشُوا، وَلاَ يَبِيعُ الرَّجُلُ عَلَى بَيع أَخِيهِ، وَلاَ يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، وَلاَ تَسْأَلُ الْمَرْأَةُ طَلاَقَ أُخْتِهَا لِتَكْفَأَ مَا فِي إِناَئِهَا. (ولا تناجشوا): مضارع حُذفت (¬3) إحدى تاءيه، والأصل: "تتناجشوا" من النَّجْش -بنون مفتوحة وجيم ساكنة وشين معجمة-، وهو الزيادة في الثمن خِداعاً. وقيده المطرزي بفتح الجيم، ثم (¬4) قال: وقد رُوي بالسكون (¬5). (لتكفأَ ما في إنائها): -بفتح التاء والهمزة-، يقال: كَفَأْتُ الإناءَ: قَلَبْتُه، وهو مثل لإمالة الضَّرَّة حقَّ صاحبتها من زوجها إلى نفسها. * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "الأولى". (¬2) في "ج": "الثانية". (¬3) في "ج": "حذف". (¬4) "ثم" ليست في "ع". (¬5) في "ع": "السكون"، وانظر: "التنقيح" (2/ 482).

باب: بيع المزايدة

باب: بيعِ المُزَايدةِ 1220 - (2141) - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَناَ الْحُسَيْنُ الْمُكْتِبُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ رَجُلاً أَعْتَقَ غُلاَماً لَهُ عَنْ دُبُرٍ، فَاحْتَاجَ، فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟ "، فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بِكَذَا وَكَذَا، فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ. (أن رجلاً): هو أبو مذكور. (أعتق غلاماً له): هو (¬1) يعقوب القبطي. (فقال: من يشتريه مني؟): قال الإسماعيلي: وليس في هذا الحديث المعنى المترجَم له؛ فإن المزايدة أن يدفع شخصٌ شيئاً، ويدفع آخرُ أزيدَ منه، وأخذه بعضهم من قوله: "من يشتريه مني؟ "، وفيه نظر. (فاشتراه نعيم بن عبد الله بكذا وكذا): الثمن ثمان مئة درهم، ومع ذلك فقد كَنَّى عنه بكذا وكذا، فيرد على الكوفيين. * * * 1221 - (2143) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ، وَكَانَ بَيْعاً يَتَبَايَعُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، كَانَ الرَّجُلُ يَبْتَاعُ الْجَزُورَ إِلَى أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ، ثُمَّ تُنْتَجُ الَّتِي فِي بَطْنِهَا. (عن بيع حبَل الحبَلة): -بفتح الباء فيهما-، وقيل: بسكونها في الأول، ¬

_ (¬1) في "ع": "وهو".

باب: بيع الملامسة

وهو مصدر حَبِلَتْ تَحْبَلُ (¬1)، والحَبَلَةُ جمعُ حابِل. (إلى أن تُنتَج): -بضم أوله وفتح ثالثه-؛ أي (¬2): تضع ولدَها. * * * باب: بيعِ المُلاَمَسَةِ 1222 - (2144) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ: أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الْمُنَابَذَةِ -وَهْيَ: طَرْحُ الرَّجُلِ ثَوْبَهُ بِالْبَيْعِ إِلَى الرَّجُلِ قَبْلَ أَنْ يُقَلِّبَهُ أَوْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ- وَنَهَى عَنِ الْمُلاَمَسَةِ. وَالْمُلاَمَسَةُ: لَمْسُ الثَّوْبِ لاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ. (سعيد بن عُفَير): بضم عين عفير وفتح فائه، مصغَّر. * * * 1223 - (2145) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: نُهِيَ عَنْ لِبْسَتَيْنِ: أن يَحْتَبِيَ الرَّجلُ في الثَّوْبِ الوَاحِدِ، ثُمَّ يَرْفَعَه علَى مَنْكِبِهِ، وعنْ بَيْعَتَيْنِ: اللِّماسِ وَالنِّباذِ. (اللِّماس والنِّباذ): -بكسر الأول منهما-: مصدر لامَسَ ونابَذَ؛ مثل: قاتَلَ قِتالاً. ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "تحبلي". (¬2) في "ج": "أن".

باب: بيع المنابذة

باب: بيعِ المُنَابَذَةِ 1224 - (2146) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ يَحْيىَ بْنِ حَبَّانَ، وَعَنْ أَبِي الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أبَي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الْمُلاَمَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ. (ابن حَبّان): بحاء مفتوحة وموحدة شديدة ونون. * * * 1225 - (2147) - حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَليدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ لِبْسَتَيْنِ، وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ: الْمُلاَمَسَةِ، وَالْمُنَابَذَةِ. (عياش): بمثناة من تحت وشين معجمة. * * * باب: النَّهْيِ لِلْبَائِعِ أَنْ لاَ يُحَفِّلَ الإبِلَ وَالْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَكُلَّ مُحَفَّلَةٍ (وكل محفَّلة): بفتح الفاء المشددة، وهي المُصَرَّاة. 1226 - (2148) - حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ الأَعْرَجِ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تُصَرُّوا الإبِلَ وَالْغَنَمَ، فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدُ، فَإِنَّهُ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَيْنَ أَنْ يَحْتَلِبَهَا: إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعَ تَمْرٍ". وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالْوَلِيدِ بْنِ رَبَاحٍ، وَمُوسَى بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -:

"صَاع تَمْرٍ". وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: صَاعاً مِنْ طَعَامٍ، وَهْوَ بِالْخِيَارِ ثَلاَثاً. وَقَالَ بَعْضُهُمْ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: صَاعاً مِنْ تَمْرٍ. وَلَمْ يَذْكُرْ ثَلاَثاً. وَالتَّمْرُ أَكْثَرُ. (لا تُصَرُّوا): الرواية الصحيحة بضم التاء وفتح الصاد، على وزن تُزَكُّوا، وأصله تُصَرِّيوا، فاستُثقلت (¬1) الضمة على الياء، فسكنت، فالتقى ساكنان، فحذف أولهما، وضم ما قبل الواو للمناسبة. (فمن ابتاعها بعدُ): أي: بعدَ أن صراها (¬2) البائع. وقال الحافظ شرف الدين الدمياطي: أي (¬3): بعد أن يحلبها، كذا رواه ابنُ لهيعة عن جعفر بن ربيعة عن الأعرج، وبه يصح المعنى. قلت: إنما يصح المعنى إذا كان قوله: "بعد" مذكوراً بعد قوله: "فهو بخير النظرين"؛ [فإن الخيرة بعد الحلب تثبت له في الرد والإمساك مع دفع صاع من تمر، وأما حيث يكون "بعد" مذكوراً بعد: "فمن ابتاعها"، فلا يمكن أن يكون المعنى: بعد أن يحلبها؛ إذ الابتياعُ إنما وقع بعد التصرية، وقبلَ الحلب، والخيارُ في الوجهين المذكورين ثبتَ بعد الحلب. فإن قلت: لم لا يُجعل قوله: "بعد" متعلقًا بقوله: "فهو بخير النظرين"] (¬4)، ويقدر إذ ذاك: بعد أن يحلبها، ولا يكون متعلقًا بقوله (¬5): "فمن ابتاعها"؟ ¬

_ (¬1) في "ع": "فاستقلت". (¬2) في "ج": "يصراها". (¬3) في "ج": "أن"، و"أي" ليست في "ع". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬5) "بقوله" ليست في "ع".

قلت: يلزم عليه تقدمُ (¬1) معمولِ ما بعد الفاء عليها، وهو باطل. قال الزركشي: والبخاري رواه من جهة الليث عن جعفر بإسقاطها؛ يعني: بإسقاط زيادة: "بعد أن يحلبها"، فأشكل المعنى، لكن رواه آخر الباب عن أبي الزناد عن الأعرج بلفظ: "فهو بخيرِ النظرينِ بعدَ أن يحلبها"، فلا معنى لاستدراك (¬2) الحافظ له من جهة ابن لهيعة، وهو ليس (¬3) من شرط الصحيح، مع الاستغناء عنه بوجوده في "الصحيح" (¬4). قلت: قوله: إن إسقاط هذه الزيادة أوجبَ إشكال المعنى، فيه نظرٌ، وذلك أن نص حديث الليث: "فمن ابتاعَها بعدُ، فهو بخير النظرين: أن يحلبها إن شاء أمسكها، وإن شاءَ ردَّها وصاعَ تمر" فقوله: "بعدُ" متعلق بالفعل من قوله: "فمن ابتاعها"، والمضاف إليه الذي قطع "بعدُ" عنه هو التصرية المنهيُّ عنها بقوله في أول الحديث: "لا تُصَرُّوا الإبلَ والغنَم"؛ أي: فمن ابتاعها بعدَ التصرية، وقوله: "أن يحلبها" على حذف مضاف؛ أي: وقت أن يحلبها، وهذا الظرف متعلق بما تعلق به خبر المبتدأ من قوله: "فهو بخير النظرين"؛ أي: فالمشتري ملتبس بخير النظرين في وقت حلبِه لها. وقوله: "إن شاء أمسكها، وإن شاء ردها وصاعَ تمر" جملتان شرطيتان عطفت الثانية على الأولى، و (¬5) لا محل لهما من الإعراب؛ إذ هما تفسيريتان ¬

_ (¬1) في "ج": "تقديم". (¬2) في "ع": "للاستدراك". (¬3) "ليس" ليست في "ع" و"ج". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 484). (¬5) الواو ليست في "ج".

باب: بيع العبد الزاني

أُتي بهما؛ لبيان المراد بالنظرين ما هو، وهذا كلام ظاهر ماشٍ على القواعد، لا إشكال فيه، ولا غبار عليه، فتأمله. * * * باب: بَيْعِ العبدِ الزَّاني 1227 - (2152) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا زَنَتِ الأَمَةُ، فَتَبَيَّنَ زِناَهَا، فَلْيَجْلِدْهَا، وَلاَ يُثَرِّبْ، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ، فَلْيَجْلِدْهَا، وَلاَ يُثَرِّبْ، ثُمَّ إِنْ زَنَتِ الثَّالِثَةَ، فَلْيَبِعْهَا، وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ". (فليجلدْها ولا يُثَرِّبْ): -بمثلثة- (¬1)؛ أي: لا يُوبِّخْها، ولا يقرعها بالزنا بعد الجلد؛ لارتفاع اللوم بالحدِّ. قلت: فيه نظر. وقيل: المراد: فليجلدها (¬2)، ولا يقتصر على التثريب (¬3). 1228 - (2153 و 2154) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أِبي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عَنِ الأَمَةِ إِذَا زنَتْ وَلَمْ تُحْصَنْ؟ ¬

_ (¬1) "بمثلثة" ليست في "ع". (¬2) "فليجلدها" ليست في "ج". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 485).

قَالَ: "إِنْ زَنَتْ، فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ، فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ، فَبِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ". قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لاَ أَدْرِي، بَعْدَ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ. (ثم (¬1) إن زنت الثالثة، فليبعْها (¬2) ولو بضفير): أي (¬3): بعد جلدها (¬4) حدَّ الزنا، لكنه لم يذكره (¬5)؛ اكتفاءً بما قبله، والضَّفير: الحبلُ المفتولُ من الشعر، وهذا على جهة التزهيد فيها، وليس من إضاعة المال؛ حثًا على مجانبة الزنا. وهنا سؤال مشهور، وهو: ما فائدةُ الأمر ببيعها مع أن مشتريها يلزمه ما يلزم البائع من مباعدتها (¬6)؟ وأجيب: بأن فائدته المبالغةُ في تقبيح فعلها، وإعلامُها بأن لا جزاء (¬7) لها إلا البيع أبداً، وأنها لا بقاء لها عند سيد، وفي ذلك زجرٌ لها عن معاودة الزنا. واستشكله ابن المنير بأنه -عليه الصلاة والسلام- نصح هؤلاء في إبعادها، والنصيحةُ عامة للمسلمين، فيدخل فيها المشتري، فينصح في إبعادها، وأن لا يشتريها، فكيف يُتصور نصيحة الجانبين، وكيف يقع البيع ¬

_ (¬1) "ثم " ليست في "ع". (¬2) في "ج": "فليبيعها". (¬3) "أي" ليست في "ع". (¬4) في "ع ": "بعد أن جلدها". (¬5) في "ع" و"ج": "يذكر". (¬6) في "ع": "مباعتها". (¬7) في "ع": "الإجزاء".

باب: الشراء والبيع مع النساء

إذا انتصحا معاً، فباعداها جميعاً. وأجاب هو: بأن المباعدة إنما توجهت على البائع؛ لأنه الذي لدغ فيها مرة بعد أخرى، ولا يلدغ المؤمن من جحرٍ مرتين، ولا كذلك المشتري؛ فإنه بعدُ لم يجرب منها سوءاً، فما وظيفته في المباعدة كالبائع. (سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصَن): بفتح الصاد. قال الخطابي: ذكرُ الإحصان فيه غريب مشكلٌ جداً، وله وجهان: أحدهما أن يكون معناه: العتق. والآخر: أن يريد به النكاح، وظاهره يوجب الرجمَ عليها إذا أحصنت، والإجماع بخلافه (¬1). قال الزركشي: وعليه قوله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25]، فشرط الله تعالى في الجلد الإحصان (¬2)، وهذه الرواية عكسه، لكن نقل البغوي عن الأكثرين تفسيرَ الإحصان في الآية بالإسلام (¬3). * * * باب: الشِّراءِ والبَيْعِ مع النِّسَاءِ 1229 - (2156) - حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ أَبِي عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، قَالَ: سَمِعْتُ ناَفِعاً يُحَدِّثُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أنَّ عائِشَةَ ¬

_ (¬1) انظر: "أعلام الحديث" (2/ 1054). (¬2) في "ع" و"ج": "في الإحصان". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 485).

باب: هل يبيع حاضر لباد بغير أجر؟ وهل يعينه أو ينصحه؟

-رَضِيَ اللهُ عَنْها- ساوَمَتْ بَرِيرَةَ، فَخَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ، فَلَمَّا جاءَ، قالت: إنَّهُمْ أبَوا أنْ يَبِيعُوها إلاَّ أنْ يَشْتَرِطُوا الوَلاَء، فَقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ". قُلْتُ لِنَافِعٍ: حُرّاً كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْداً؟، فَقَالَ: مَا يُدْرِينِي؟ (قلت لنافع: حراً كان [زوجها] أو عبدًا؟ فقال: ما يدريني): المشهور أنه عبدٌ اسمُه مغيثٌ (¬1) مولى أبي (¬2) أحمدَ بنِ جحشٍ، وهو أسدي من أسد بني خزيمة. وقيل: مولى بني (¬3) مطيع بنِ عديِّ قريش. وقيل: مولى بني المغيرة بن مخزوم، ذكره ابن الأثير (¬4). * * * باب: هَلْ يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ بِغَيْرِ أَجْرٍ؟ وَهَلْ يُعِينُهُ أَوْ يَنْصَحُهُ؟ (باب: هل (¬5) يبيع حاضر لباد بغير أجر؟): قصد البخاري بهذا الباب والذي بعدَه جوازَ بيع الحاضر للبادي بغير أُجرة، وامتناعَه بالأجرة، واستدل بقول ابن عباس: لا يكون له سمساراً، فكأنه أجاز ذلك بغير السمسار إذا كان بطريق النصح (¬6). ¬

_ (¬1) في "ع": "بعث". (¬2) "أبي" ليست في "ع"، وفي "ج": "ابن". (¬3) "بني" ليست في "ع". (¬4) انظر: "أسد الغابة" (5/ 234). (¬5) "هل" ليست في "ع". (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 486).

باب: النهي عن تلقي الركبان، وأن بيعه مردود لأن صاحبه عاص آثم إذا كان به عالما، وهو خداع في البيع، والخداع لا يجوز.

باب: النَّهْيِ عَنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ، وَأَنَّ بَيْعَهُ مَرْدُودٌ لأَنَّ صَاحِبَهُ عَاصٍ آثِمٌ إِذَا كَانَ بِهِ عَالِماً، وَهُوَ خِدَاعٌ فِي الْبَيْعِ، وَالْخِدَاعُ لاَ يَجُوز. (باب: النهي عن تلقي الركبان، وأن بيعه مردود؛ لأن صاحبه آثمٌ عاصٍ (¬1) إذا كان به عالماً): الظاهر أن هذا لا يصلح علة (¬2) لرد البيع؛ للزوم فسخ كل بيع فيه تدليس؛ كالمصرَّاة وغيرها. 1230 - (2163) - حَدَّثَنِي عَيَّاشُ بْنُ الْوَليدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: مَا مَعْنَى قَوْلِهِ: "لاَ يَبِيعَنَّ حَاضِرٌ لِبَادٍ"؟ فَقَالَ: لاَ يَكُنْ لَهُ سِمْسَاراً. (ما (¬3) معنى قوله: لا يَبيعنَّ حاضر لبادٍ؟ قال: لا يكن له سمساراً): هكذا في بعض النسخ بجزم يكنْ على أن "لا" ناهية، كما هي كذلك في لا يبيعَنَّ، وفي نسخة: "لا يكونُ" على أنها نافية، والخبر في معنى الإنشاء. * * * باب: مُنْتَهى التَّلقِّي 1231 - (2166) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: كُنَّا نَتَلَقَّى الرُّكْبَانَ، فَنَشْتَرِي ¬

_ (¬1) "عاص" ليست في "ع". (¬2) في "ج": "عليه". (¬3) "ما" ليست في "ع".

باب: إذا اشترط شروطا في البيع لا تحل

مِنْهُمُ الطَّعَامَ، فَنَهَاناَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نبِيعَهُ حَتَى يُبْلَغَ بِهِ سُوقُ الطَّعَامِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: هَذَا فِي أَعْلَى السُّوقِ، يُبَيِّنُهُ حَدِيثُ عُبَيْدِ اللهِ. (قال أبو عبد (¬1) الله): يعني: البخاري. (هذا في أعلى السوق): يعني: قول ابن عمر في الحديث الأول: "كنا نتلقَّى الركبانَ في أعلى السوق"، وذلك جائز، ويبين ذلك حديثُ عبيد (¬2) الله حيث قال فيه ابن عمر: "كانوا يتبايعونه في أعلى السوق"، فأما إذا كان خارجاً عن السوق في (¬3) الحاضرة، أو قريباً منها؛ بحيث يجد من يسأله عن سعرها، لم يجز؛ لدخوله في معنى التلَقِّي، وأما الموضعُ البعيد الذي لا يقدر فيه على ذلك، فيجوز، وليس بتلَقًّ (¬4). * * * باب: إذا اشْتَرطَ شُروطاً في البيع لا تَحِلُّ 1232 - (2168) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ ابْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ، فَقَالَتْ: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ، فِي كُلِّ عَامٍ وَقِيَّهٌ، فَأَعِينِينِي، فَقُلْتُ: إِنْ أحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ، وَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لِي، فَعَلْتُ. فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا، فَقَالَتْ لَهُمْ، فَأَبَوْا عَلَيْهَا، فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِمْ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) في "ع": "عبيد". (¬2) في "ع": "عبد". (¬3) في "ع": "وفي". (¬4) في "ع": "يتلقى" وانظر: "التنقيح" (2/ 487).

جَالِسٌ، فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ عَرَضْتُ ذَلِكِ عَلَيْهِمْ، فَأَبَوْا إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْوَلاَءُ لَهُمْ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "خُذِيهَا، وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلاَءَ؛ فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ". فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي النَّاسِ، فَحَمِدَ اللهَ وَأثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ: مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطاً لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ؟! مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ، فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِئَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللهِ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ". (كاتبتُ أهلي): اختلف في أهلها (¬1)، فقيل: كانت مولاة لبعض بني هلال، وقيل: لأبي أحمد بن جحش، وقيل: لناس من الأنصار، فكاتبوها، ثم باعوها من عائشة -رضي الله عنها-، فأعتقتها، ذكره ابن الأثير (¬2). ووقع في "تهذيب الأسماء واللغات": بريرةُ بنتُ صفوانَ كانت مولاة لعائشة، فقيل: كانت لعتبة بن أبي لهب (¬3). قال شيخنا قاضي القضاة جلال الدين البلقيني شيخ الإسلام -رضي الله عنه-: وقوله: بنت صفوان، لم يقله غيره، وفيه نظر ظاهر. (إني عرضت ذلكِ (¬4) عليهم): -بكسر الكاف-؛ لأن الخطاب لعائشة رضي الله عنها. ¬

_ (¬1) في "ع": "أهله". (¬2) انظر: "أسد الغابة" (7/ 37). (¬3) انظر: "تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (2/ 600). (¬4) في "ع": "على ذلك".

(أما بعدُ: ما بال رجال): وفي الباب المتقدم، وهو باب الشراء و (¬1) البيع مع النَّساء (¬2): "أَمَّا بَعْدُ: ما بالُ أُناسٍ"، وفي كل منهما حذف الفاء من جواب "أَمَّا"، وتقدم الكلام عليه. (يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله): يحتمل أن يريد بكتاب الله تعالى: حكمَ الله، ويراد بذلك نفيُ كونها في كتاب الله بواسطة أو بغير واسطة، فإن الشريعة كلها في كتاب الله تعالى، إما بغير واسطة؛ كالمنصوصات في القرآن من الأحكام، وإما بواسطة؛ كالأحكام المستفادة من السنَّة؛ كقوله (¬3) تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7]، [وقوله: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [المائدة: 92]] (¬4). (قضاءُ الله أحقُّ، وشرطُ الله أوثقُ، وإنَّما (¬5) الولاءُ لمن أعتقَ): فيه دليل على جواز السجع غير المتكلف، قاله (¬6) ابن دقيق العيد (¬7). و (¬8) إنما يكون سجعاً إذا كانت القاف مسكَّنة في القرائن المذكورة. * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "أو". (¬2) في "ج": "الناس". (¬3) في "ع" و"ج ": "لقوله". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬5) في "م": "فإنما". (¬6) في جميع النسخ: "قال"، ولعل الصواب ما أثبت. (¬7) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 168). (¬8) الواو ليست في "ع" و"ج".

باب: بيع التمر بالتمر

باب: بيعِ التَّمْرِ بالتَّمْرِ 1233 - (2170) - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ: سَمِعَ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "الْبُرُّ بِالْبُرِّ رِباً إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِباً إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِباً إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ". (البر (¬1) بالبر ربًا): أي: بيعُ البُرٍّ بالبُرِّ. (والشَّعير بالشَّعير ربا): -بفتح الشين-، كذا الرواية، وهو المشهور، ويقال: -بكسرها- إتباعاً، وظاهر الحديث: أن البُرَّ والشعيرَ صنفان، وهما عند مالك -رضي الله عنه- صنفٌ واحد. * * * باب: بَيْعِ الزَّبِيبِ بِالزَّبِيبِ، وَالطَّعَامِ بِالطَّعَامِ (باب: بيع الزبيب بالزبيب): قال الإسماعيلي: ليس في هذا الحديث من جهة النص بيعُ الزبيب بالزبيب، ولا الطعام بالطعام إلا من جهة المعنى. 1234 - (2171) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ. وَالْمُزَابَنَةُ: بَيع الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ كَيْلاً، وَبَيع الزَّبِيبِ بِالْكَرْمِ كَيْلاً. (والمزابنة بيع (¬2) الثَّمَر): بتثليث الثاء وفتح الميم. ¬

_ (¬1) في "ع": "بالبر". (¬2) في "م": "ببيع".

(بالتَمْر): -بالمثناة من فوق وإسكان الميم-؛ أي: بيعُ الرُّطَب في رؤوس النخل بالتَّمْر. * * * 1235 - (2173) - قَالَ: وَحَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا. (قال: وحدثني زيد بن ثابت): القائل ذلك (¬1) هو (¬2) ابنُ عمر رضي الله عنهما. (رخص في العرايا بخرصها): بفتح الخاء وكسرها، والفتح أشهر، قاله النووي (¬3). وقال القرطبي: الرواية بالكسر (¬4)، كذا في الزركشي (¬5). قلت: كلا الشيخين تكلم في رواية مسلم، وكلامُنا في رواية البخاري، [وكثيراً ما يفعل هذا الرجل ذلك، ينقل كلامَ شارحي مسلم إلى لفظ البخاري] (¬6)، ولا يُقدَم على مثله إلا بثبت. * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "في ذلك". (¬2) في "ع": "وهو". (¬3) انظر: "شرح مسلم" (10/ 425). (¬4) انظر: "المفهم" (4/ 394). (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 489). (¬6) ما بين معكوفتين ليس في "ج".

باب: بيع الشعير بالشعير

باب: بيعِ الشَّعيرِ بالشَّعيرِ 1236 - (2174) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ الْتَمَسَ صَرْفاً بِمِئَةِ دِينَارٍ، فَدَعَانِي طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ، فَتَرَاوَضْنَا حَتَّى اصْطَرَفَ مِنِّي، فَأَخَذَ الذَّهَبَ يُقَلِّبُهَا فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: حَتَّى يَأْتِيَ خَازنِي مِنَ الْغَابَةِ، وَعُمَرُ يَسْمَعُ ذَلِكَ، فَقَالَ: وَاللهِ! لاَ تُفَارِقُهُ حَتَّى تَأْخُذَ مِنْهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ". (فتراوَضْنا): أي: تجاذَبْنا (¬1) حديثَ البيع والشراء، وهو ما يجري (¬2) بين المتبايعين من الزيادة (¬3) والنقصان؛ لأن كلاً منهما يَروضُ صاحبَه. (من الغابة): بالغين المعجمة والباء الموحدة. (الذهبُ بالذهب): قال الزركشي -أيضاً-: يجوز في الذهب [وجهان: أحدهما: -الرفع-؛ أي: بيعُ الذهب بالذهب، فحذف المضاف. والثاني: -النصب-؛ أي: بيعوا الذهبَ] (¬4) (¬5). ¬

_ (¬1) في "ع": "تحدثنا". (¬2) "يجري" ليست في "ع" و"ج". (¬3) في "ع": "من الربا". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 489).

باب: بيع الفضة بالفضة

باب: بيعِ الفضَّةِ بالفضَّةِ 1237 - (2176) - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا عَمِّي، حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ! حَدَّثَهُ مِثْلَ ذَلِكَ حَدِيثاً عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَقِيَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ! مَا هَذَا الَّذِي تُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالَ: أَبُو سَعِيدٍ: فِي الصَّرْفِ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَالْوَرِقُ بِالْوَرِقِ مِثْلاً بِمِثْلٍ". (مثلاً بمثلٍ): قال الزركشي -أيضاً-: جوز أبو البقاء فيه وفي "وزناً بوزن" وجهين: أحدهما: أن يكون مصدراً في موضع الحال؛ أي (¬1): الذهبُ يُباع بالذهب موزوناً بموزون. والثاني: أن يكون مصدراً مؤكدًا؛ أي: يوزن وزناً، قال: وكذلك الحكم في "مثلاً بمثل" (¬2). قلت: الذي رأيته في البخاري هنا فيما وقفتُ عليه: "الذهبُ بالذهبِ مثلٌ بمثلٍ"، برفع "مثلٌ" على أنه مبتدأ؛ أي: مثلٌ منه يُباع بمثل. * * * 1238 - (2177) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ¬

_ (¬1) "أي" ليست في "ع". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 490).

باب: بيع الدينار بالدينار نساء

"لاَ تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلاَ تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلاَ تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلاَ تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلاَ تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِباً بِنَاجِزٍ". (ولا تُشِفُّوا): -بضم التاء وكسر الشين المعجمة وتشديد الفاء-؛ أي: تفضلوا، والشِّفُّ -بالكسر-: الزيادة، ويطلق على النقص. (غائباً بناجز): أي: بحاضر. * * * باب: بَيْعِ الدِّينَارِ بِالدِّينَارِ نسَاءً (نسَاء): -بالفتح والمد-؛ أي: مؤجَّلاً (¬1). 1239 - (2178 و 2179) - حدثنا عليُّ بنُ عبدِ اللهِ، حدثنا الضَّحاكُ ابنُ مَخْلَد، حدثنا ابنُ جُرَيحٍ قال: أخبرني عمرُو بنُ دينارٍ: أنَّ أبا صالحٍ الزياتَ أخبره: أنَّه سمع أبا سعيدٍ الخدريَّ رضي الله عنه، يقول: الدينارُ بالدِّينارِ، والدِّرهمُ بالدِّرهمِ، فَقُلْتُ لَهُ: فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لاَ يَقُولُهُ، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَأَلْتُهُ، فَقُلْتُ: سَمِعْتَهُ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أَوْ وَجَدْتَهُ فِي كِتَابِ اللهِ؟ قَالَ: كُلُّ ذَلِكَ لاَ أَقُولُ، وَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنِّي، وَلَكِنَّنِي أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ رِبًا إِلاَّ فِي النَّسِيئَةِ". (فقلتُ: سمعتَه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو وجدته في كتاب الله؟): فيه حذف همزة الاستفهام؛ أي: أسمعتَه؟ ¬

_ (¬1) في "ج ": "ومؤجلاً".

(قال: كُلَّ ذلك لا أقول): قال الزركشي: بنصب "كلَّ"، وهو نظيرُ: "كُلَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ"؛ إذ النفي المجموع (¬1). قلت: هذا خَبْط؛ فإن مراد ابن عباس نفيُ كلِّ واحدٍ من الأمرين؛ أي: لم أسمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا وجدته في كتاب الله، وليس مرادُه نفيَ المجموع من حيث هو مجموعٌ حتى يكون البعضُ ثابتاً، وإذا نصب كُلَّ ذلك، كانت "كلَّ" داخلة في حيز النفي؛ ضرورة أن نصبها (¬2) بـ "أقول" الواقع بعد حرف النفي، فيكون التركيب هكذا: لا أقولُ كُلَّ ذلك، فيكون المعنى: بل أقولُ بعضَه، وليس هذا من المراد كما تقدم، ثم كيف يكون التركيب مع نصب "كلَّ" نظيرَ: "كُلّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ"، والمنفيُّ هنا في حيّز (¬3) كُلّ، وفي النصب هي في حيز (¬4) النفي؟ نعم، إن رفع "كُلُّ" من قوله: "كُلُّ ذلك (¬5) لا أقول" على (¬6) أنه مبتدأ، و"لا أقول" خبرهُ، والعائد محذوف؛ أي: أقوله، على حد قوله: قَدْ أَصْبَحَتْ أُمُّ الخِيَارِ تَدَّعِي ... عَلَيَّ ذَنْباً كُلُّهُ لَمْ أَصْنَعِ برفع كلُّ، وحذفِ العائد؛ أي: لم أصنعه؛ أي: حينئذٍ أن يكون نظير: "كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ"، ويكون المنفي (¬7) كلَّ فرد، لا المجموع من ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 490). (¬2) في "ع": "بضمها". (¬3) في "ع" و"ج": "خبر". (¬4) في "ج": "هي خبر". (¬5) "كل ذلك" ليست في "ع". (¬6) "على" ليست في "ج". (¬7) في "ع" و"ج": "والمنفي".

باب: بيع المزابنة

حيث هو مجموع، فتأمله. * * * باب: بيع المُزَابَنَةِ 1240 - (2185) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ. وَالْمُزَابَنَةُ: اشْتِرَاءُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ كَيْلاً، وَبَيْعُ الْكَرْمِ بِالزَّبِيبِ كَيْلاً. (نهى عن بيع المزابنة، والمزابنةُ: اشتراءُ الثمر بالتمر كَيْلاً): الثمرُ الأول -بمثلثة (¬1) - والثاني: -بمثناة- مأخوذ من الزبن (¬2)، وهو الدفع (¬3)، وكأَنَّ كلاً من المتبايعين بالوقوع في الغبن يدفع الآخر عن حقه. وحاصلها عند الشافعي -رحمه الله-: بيعُ مجهولٍ بمجهول، أو بمعلوم يحرم الربا في نقده. وعند مالك -رحمه الله-: بيعُ مجهولٍ بمجهولٍ أو بمعلومٍ من جنسه، على تفصيل مقرر في كتب الفقه. ووقع له في "الموطأ" الاحتجاجُ على المنع من ذلك بأنه يشبه القمار (¬4). ¬

_ (¬1) في "ع": "بمثله". (¬2) في "ع": "الدين". (¬3) "الدفع" ليست في "ج". (¬4) انظر: "الموطأ" (2/ 625).

قال ابن المنير: وهو من دقائق نظره، وذلك أنه أراد أن يحقق كون المزابنة قماراً بأن فرض منها صورة صريحة في القمار، وهي ما إذا لم يخرج أحدهما من يده شيئاً قبالة ما أخرج الآخر، ولكنه قامره، فارتقب العاقبة بكيله، هل يغرم، أو يأخذ؟ ثم بيَّن مالك أن المزابنة راجعةٌ إلى هذا المعنى؛ فإن إخراج هذا من يده معلوم (¬1)؛ ليأخذ مجهولاً، والجنسُ واحد، لا يفعله عاقل إلا لغرض، وأي غرض إلا احتمال أن يرجع إليه من المجهول أكثرُ ما أَعطى من المعلوم. * * * 1241 - (2186) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ، وَالْمُحَاقَلَةِ. وَالْمُزَابَنَةُ: اشْتِرَاءُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ فِي رُؤوسِ النَّخْلِ: (والمحاقلة): قال القاضي (¬2): هي كراء الأرض بالحنطة، أو بجزء مما (¬3) يخرج منها، وبيع الزرع قبل طيبه، وبيعُه في سنبله بالبُرِّ، وهو من الحقل، وهو العذاق (¬4). ¬

_ (¬1) في "ع": "معلومة"، وفي "ج": "معلوماً". (¬2) "القاضي" ليست في "ج". (¬3) في "ج": "ما". (¬4) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 209).

باب: بيع الثمر على رؤوس النخل بالذهب أو الفضة

باب: بيعِ الثَّمر على رؤوسِ النَّخلِ بالذَّهَبِ أو الفِضَّةِ 1242 - (2191) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: قَالَ يَحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ: سَمِعْتُ بُشَيْراً، قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ، وَرَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا، يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَباً. وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً أُخْرَى: إِلاَّ أَنَّهُ رَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ يَبِيعُهَا أَهْلُهَا بِخَرْصِهَا يَأْكُلُونَهَا رُطَباً، قَالَ: هُوَ سَوَاءٌ، قَالَ سُفْيَانُ: فَقُلْتُ لِيَحْيىَ وَأَناَ غُلاَمٌ: إنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يَقُولُونَ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا. فَقَالَ: وَمَا يُدْرِي أَهْلَ مَكَّةَ؟ قُلْتُ: إِنَّهُمْ يَرْوُونَهُ عَنْ جَابِرٍ، فَسَكَتَ. قَالَ سُفْيَانُ: إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنَّ جَابِراً مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. قِيلَ لِسُفْيَانَ: وَلَيْسَ فِيهِ: نَهْيٌ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهُ؟ قَالَ: لاَ. (سمعت بُشَيراً): بضم الباء الموحدة وفتح الشين المعجمة مصغَّرٌ، وهو ابن بشار. * * * باب: تَفْسِيرِ العَرَايا وقال مَالِكٌ: العَرِيَّةُ أَنْ يُعْرِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ النَّخْلَة، ثُمَّ يَتأذَّى بِدُخُولهِ عليهِ، فَرُخِّصَ له أنْ يَشْتَريَها مِنْهُ بِتَمْرٍ. وقال ابنُ إِدْرِيسَ: الْعَرِيَّةُ لاَ تَكُونُ إِلاَّ بِالْكَيْلِ مِنَ التَّمْرِ يَداً بِيَدٍ، لاَ يَكُونُ بِالْجِزَافِ. وَمِمَّا يُقَوِّيهِ قَوْلُ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ: بِالأَوْسُقِ الْمُوَسَّقَةِ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي حَدِيثِهِ عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: كَانَتِ الْعَرَايَا أَنْ يُعْرِيَ الرَّجُلُ فِي مَالِهِ النَّخْلَةَ وَالنَّخْلَتَيْنِ. وَقَالَ يَزِيدُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ: الْعَرَايَا نَخْلٌ

كَانَتْ تُوهَبُ لِلْمَسَاكينِ، فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَنْتَظِرُوا بِهَا، رُخِّصَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوهَا بِمَا شَاؤوا مِنَ التَّمْرِ. (وقال ابنُ إدريس): يريد: الإمام الشافعي -رضي الله عنه- على ما قيل، وفي السفاقسي: وقيل -وهو الأكثر-: إنه الأودي (¬1). (لا تكون إلا بالكيل من التمر يداً بيد): ولابد أن يكون عنده فيما دون خمسة (¬2) أوسق. (ومما يقويه قولُ سهل بن أبي حَثْمة): بفتح الحاء المهملة وسكون الثاء المثلثة. (بالأوسُق الموسَّقة): أي: هذا (¬3) الكلام يقوي مذهبَ ابنِ إدريسَ في اشتراطه النقدَ؛ لأن قوله: الموسَّقة (¬4) يعطي أنها المكيلَةُ عند البيع، ولقائل (¬5) أن يمنع دلالتها على الناجزة (¬6)، نعم، قد يسلم كونُها المكيلةَ، وذلك أعمُّ من أن يكون عند البيع، أو عندَ الجِداد، والأعمُّ لا (¬7) دلالة له على الأخص عيناً. ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (14/ 459). (¬2) "خمسة" ليست في "ج". (¬3) في "ج": "هكذا". (¬4) في "ع": "الموثقة". (¬5) في "ع": "وذلك أعم من أن يكون عند البيع ولقائل". (¬6) في "ج": "الناجز". (¬7) "لا" ليست في "ع".

باب: بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها

باب: بيعِ الثِّمارِ قبلَ أنْ يبدوَ صلاحُها 1243 - (2193) - وَقَالَ اللَّيْثُ، عَنْ أَبِي الزِّناَدِ: كَانَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ يُحَدِّثُ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ الأَنْصَارِيِّ، مِنْ بَنِي حَارِثَةَ: أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: كَانَ النَّاسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَبَايَعُونَ الثِّمَارَ، فَإِذَا جَدَّ النَّاسُ، وَحَضَرَ تَقَاضِيهِمْ، قَالَ الْمُبْتَاعُ: إِنَّهُ أَصَابَ الثَّمَرَ الدُّمَانُ، أَصَابَهُ مُرَاضٌ، أَصَابَهُ قُشَامٌ، -عَاهَاتٌ يَحْتَجُّونَ بِهَا-، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا كَثُرَتْ عِنْدَهُ الْخُصُومَةُ فِي ذَلِكَ: "فَإِمَّا لاَ، فَلاَ يَتَبَايَعُوا حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُ الثَّمَرِ"؛ كَالْمَشُورَةِ يُشِيرُ بِهَا لِكَثْرَةِ خُصُومَتِهِمْ. وَأَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: أَنَّ زِيْدَ بْنَ ثَابِتٍ لَمْ يَكُنْ بَبِيعُ ثِمَارَ أَرْضِهِ حَتَّى تَطْلُعَ الثُّرَيَّا، فَيَتَبَيَّنَ الأَصْفَرُ مِنَ الأَحْمَرِ. (من بني حارثة): بحاء مهملة وثاء مثلثة. (فإذا جَدَّ الناسُ): أي: قطفوا ثمارهم، وهو الجِداد. (أصاب الثمر الدُّمان): -بضم (¬1) الدال المهملة (¬2) وتخفيف الميم وآخره نون-: فساد الثمر وعفنُه قبل إدراكه حتى يسودَّ، ويقال: الدُّمال -باللام بدل النون-، وقيده الجوهري، وابن فارس في "المجمل": بفتح الدال، وجاء في "غريب الخطابي": بالضم. قال ابن الأثير: وكأنه أشبه؛ لأن ما كان من الأدواء (¬3) والعاهات، فهو -بالضم-؛ كالسُّعال، والزُّكام (¬4). ¬

_ (¬1) "بضم" ليست في "ع" و"ج". (¬2) في "ع" و"ج": "بدال مهملة". (¬3) في "ع" و"ج": "الأدوات". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 492).

(مِراض): -بضم الميم وتخفيف الراء وآخره ضاد معجمة، وكسر بعضهم الميم (¬1) -: داءٌ يصيب النخل (¬2). (قُشام): -بضم القاف-: أن يُنْتَقَضَ ثمرُ النخل قبل أن يصير بَلَحاً. (فإما لا): أي: فإن كنتم لا تنتهون عن الخصومة. و (¬3) قال الزركشي: إن كنتم لا تتركون هذه المبايعة (¬4). (فلا تبايعوا حتى يبدوَ صلاحُ الثمر كالمشُوْرة): قال السفاقسي: ضُبطت المشورةُ في بعض الأمهات: بضم الشين وسكون الواو، وصوبه بعض أهل اللغة، قال: وبعضهم يقول: المشْوَرة -بسكون الشين وفتح الواو-، وهي لغة نقلها الجوهري (¬5). (أن زيدَ بنَ ثابت لم يكن يبيع ثمار أرضه حتى تطلع الثريا): قال ابن المنير: أورد البخاري حديثَ زيدِ بن ثابت معلقاً، وفيه إيماء إلى أن النهي لم يكن عزيمةً، وإنما كان مشورةً، وذلك يقتضي الجوازَ، إلا أنه أعقبه بأن زيداً راوي الحديث كان لا يبيعها حتى يبدوَ صلاحُها، وأحاديثُ النهي بعد هذا مبتوتةٌ (¬6) بالمنع (¬7)، فكأنه (¬8) قطع على الكوفيين احتجاجَهم ¬

_ (¬1) "الميم" ليست في "ع". (¬2) المرجع السابق الموضع نفسه. (¬3) الواو ليست في "ج". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 492). (¬5) انظر: "الصحاح" (2/ 704)، (مادة: شور). وانظر "التوضيح" (14/ 483). (¬6) في "ج": "مثبوتة". (¬7) "بالمنع" ليست في "ع" و"ج". (¬8) في "ج": "وكأنه".

بحديث زيد بأن فعلَه يُعارض روايته، ولا يَرِدُ عليهم، وذلك أن فعل أحدِ الجائزين ليس إلا، لا يدل (¬1) على منع الآخر، وحاصله: أن زيداً امتنع من بيع ثماره قبل بدوِّ صلاحها، ولم يفسر امتناعه هل كان؛ لأنه حرام، أو (¬2) كان لأنه غير مصلحة في حقه؟ * * * 1244 - (2195) - حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَناَ حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أَنْ تُبَاعَ ثَمَرَةُ النَّخْلِ حَتَّى تَزْهُوَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: يَعْنِي: حَتَّى تَحْمَرَّ. (حتى تزهُوَ): وروي (¬3): "تُزْهِيَ"، وصوَّبها الخطابي (¬4). قال ابن الأثير: ومنهم من أنكر: تُزْهي (¬5)، كما أن منهم من أنكر تَزْهو (¬6)، والصواب الروايتان على اللغتين: زَهَتْ تَزْهُو، و (¬7) أَزْهَتْ تُزْهِي (¬8). * * * 1245 - (2196) - حَدَّثَنَا مُسَدَّد، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سَلِيمِ ¬

_ (¬1) في "ج": "إلا ليدل". (¬2) في "ع": "و". (¬3) في "ع": "ويروى". (¬4) انظر: "أعلام الحديث" (2/ 1079). (¬5) في "ع": "يزهو". (¬6) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 323). (¬7) في "ع": "أو". (¬8) انظر: "التنقيح" (2/ 493).

ابْنِ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَا، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُبَاعَ الثَّمَرَةُ حَتَّى تُشَقِّحَ. فَقِيلَ: مَا تُشَقِّحُ؟. قَالَ: تَحْمَارُّ وَتَصْفَارُّ، وَيُؤْكَلُ مِنْهَا. (سَلِيم): بفتح أوله وكسر ثانيه. (ابن حَيان): بفتح الحاء المهملة ومثناة من تحت مشددة، وقد مرت مرات. (تُشْقح): مضارع أَشقحت. وقال صاحب "المجمل": تشقيح النخل: زهوه. وضبطه أبو ذر: بفتح القاف. قال القاضي: فإن كان هذا، فيجب أن تكون القاف مشددة، والياء مفتوحة، تَفَعُّل منه (¬1). (قال: تحمارُّ وتصفارُّ (¬2)): بتشديد الراء. قال الجوهري: احْمَرَّ الشيءُ واحْمَارَّ (¬3) بمعنى (¬4). وقال المحققون: احمرَّ: فيما ثبتت حمرته واستقرَّت، واحمارَّ: فيما يتحول حمرتُه ولا يثبت، ففرقوا بين الثابت والعارض (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 257). وانظر "التنقيح" (2/ 493). (¬2) في "ع" و"ج": "تحمر وتصفر". (¬3) في "ج": "احمراراً واحمار". (¬4) انظر: "الصحاح" (2/ 639)، (مادة: حمر). (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 494).

باب: إذا باع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، ثم أصابته عاهة، فهو من البائع

باب: إذا باعَ الثِّمار قبلَ أن يبدوَ صلاحُها، ثم أصابتْهُ عاهةٌ، فهو منَ البائعِ 1246 - (2198) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُزْهِيَ. فَقِيلَ لَهُ: وَمَا تُزْهِي؟ قَالَ: "حَتَّى تَحْمَرَّ". فَقَالَ: "أَرَأَيْتَ إِذَا مَنَعَ اللهُ الثَّمَرَةَ، بِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟ ". (أرأيت إن منع الله الثمرة، بم يأخذ أحدكم مال أخيه؟): فيه دليل على وضع الجَوائح كما رواه مسلم من حديث جابر بن عبد الله: أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أمر بوضعِ الجَوائح - صلى الله عليه وسلم -. وفي رواية له (¬1): "لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمراً، ثُمَّ أَصَابَتُهُ جَائِحَةٌ، فَلا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئاً، بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ؟! " (¬2). قال الزركشي: واعلم أن هذا مدرَج في الحديث من قولِ أنس، وقد بينه البخاري بعدُ في الباب السادس (¬3). قلت: يريد: ما وقع له في باب: بيع المخاضرة من قوله: "فقلنا لأنس: ما زهُوها؟ قال: تحمرُّ وتصفرُّ، أرأيتَ إن منعَ اللهُ الثمرةَ، بمَ تستحلُّ مالَ أخيكَ؟ " (¬4)، وما ذكره (¬5) الزركشي من أن هذا اللفظ مندرجٌ من ¬

_ (¬1) "له" ليست في "ج". (¬2) رواه مسلم (1554). (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 494). (¬4) رواه البخاري (2208) عن أنس بن مالك رضي الله عنه. (¬5) في "ع": "وذكره".

باب: إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه

قول أنس، ذكره الخطيبُ، والدارقطني. وقال عبد الحق: ليس (¬1) بموصول عنه في كل طريق، ثم رُوي بعضُه عن أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنْ لم يُثمرها الله، فبمَ يستحلُّ أحدُكم مالَ أَخيه؟! " (¬2). * * * باب: إذا أرادَ بيعَ تمرٍ بتمرٍ خَيرٍ مِنْهُ 1247 - (2201 و 2202) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ ابْنِ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَعَنْ أِبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَعْمَلَ رَجُلاً عَلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ "، قَالَ: لاَ وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ، وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلاَثَةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَفْعَلْ، بِعِ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِم جَنِيباً". (استعمل رجلاً على خيبر): هو سَوادُ بنُ غزيةَ. وقيل: مالك (¬3) بن صعصعة، قاله الخطيب (¬4). ¬

_ (¬1) في "ع": "وليس". (¬2) انظر: "التوضيح" (14/ 492). (¬3) في "ع": "هو مالك". (¬4) انظر: "التوضيح" (14/ 498).

باب: من باع نخلا قد أبرت، أو أرضا مزروعة، أو بإجارة

(فجاءه بتمر جنيب): هو نوع جيد من أنواع التمر معروفٌ، والجمعُ: نوعٌ رديء منه. (بع الجمعَ بالدراهم، ثم ابتع (¬1) بالدراهم جنيباً): احتج به الشافعية (¬2) على جواز أن يبيع الطعام من رجل (¬3) بالنقد، ويبتاع منه بذلك النقد طعاماً قبل الافتراق. والمالكية يمنعون ذلك، ويردون هذا الاحتجاج بأنه -عليه الصلاة والسلام- لم يقل: وابتعْ ممن اشترى الجمعَ، بل خرج الكلام غيرَ متعرضٍ لعين البائع من هو، فلا يدل. فإن قالوا: إن كان مطلقًا، دخل البائع في الإطلاق. قلنا: المطلق لا يشمل (¬4)، ولكن يشيع (¬5)، فإذا عمل به في صورة، فقد سقط الاحتجاج به فيما عداها بإجماع من الأصوليين، كذا قاله ابن المنير. * * * باب: مَنْ بَاعَ نخلاً قد أُبِّرَتْ، أو أرضاً مزروعةً، أو بإجارةٍ 1248 - (2203) - قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَقَالَ لِي إِبْرَاهِيمُ: أَخْبَرَناَ هِشَامٌ، أَخْبَرَناَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبي مُلَيْكَةَ يُخْبِرُ عَنْ ناَفِعٍ ¬

_ (¬1) في "ع": "أبيع". (¬2) في "ج": "القاضي". (¬3) "الطعام من رجل" ليست في "ج". (¬4) "ع": "يشتمل". (¬5) "ولكن يشيع" ليست في "ع".

باب: بيع المخاضرة

مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ أَيُّمَا نَخْلٍ بِيعَتْ، قَدْ أُبِّرَتْ لَمْ يُذْكرِ الثَّمَرُ، فَالثَّمَرُ لِلَّذِي أَبَّرَهَا، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ وَالْحَرْثُ، سَمَّى لَهُ ناَفِعٌ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَ. (قد أُبرت): -بصيغة البناء للمفعول، والباء مخففةٌ أو مثقلة-، والتأبير: التلقيح، وهو أن يُشق (¬1) طلعُ الإناث، ويؤخذ من طلع الفحول، ويُترك بين ظهرانيه، فيكون ذلك صلاحاً بإذن الله تعالى (¬2). يقال: أَبَرْتُ النخلةَ -بتخفيف الباء-، فهي مأبورة، وأَبَّرْتُها -بتشديد الباء-، فهي مُؤَبَّرَة، والاسمُ الإِبَار، بكسر الهمزة وتخفيف الباء (¬3). * * * باب: بيعِ المُخَاضَرةِ 1249 - (2207) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْمُحَاقَلَةِ، وَالْمُخَاضَرَةِ، والمُلامَسَةِ، والمُنَابَذَةِ، وَالمُزَابَنَةِ. (والمخاضَرَة): -بخاء وضاد معجمتين- مفاعَلَةٌ من الخُضْرَةِ؛ لأنهما تبايعا (¬4) شيئاً أخضرَ، وهو بيعُ الثمارِ خضراءَ لم يبدُ (¬5) صلاحُها (¬6). ¬

_ (¬1) في "ع": "يسقط". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 494). (¬3) انظر: "الصحاح" (2/ 574)، (مادة: أبر). (¬4) في "ع": "يتبايعا". (¬5) في "ج": "يبدو". (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 495).

باب: بيع الجمار وأكله

باب: بَيْعِ الْجُمَّارِ وَأَكْلِهِ (باب: بيع الجمار وأكله): قال الزركشي: الجُمَّار: شَحْمُ النخل، وإنما ترجمَ على بيعه وأكله، وإن كان لا يحتاج إلى إثباته بدليلٍ خاص كغيره من المباحات، لكنه لحظ (¬1) فيه أنه ربما (¬2) يتخيل أن تجمير النخل إفسادٌ وتضييع للمال، فنبه على بطلان هذا الوهم، أو (¬3) لأنه مستثنى من بيع الثمر قبل زهوه (¬4). قلت: أما الوجه الأول، فهو كلام ابن المنير برمَّته؛ فإن (¬5) ابن بطال استبعد ذكر (¬6) بيعِ الجمار وأكلِه؛ لأنه من المباحات التي لا خلاف فيها، فأجاب ابن المنير: بأنه إنما ترجم لقطع وهم من يتخيل أنه من إفساد المال. [قال: وقد وقع في عصرنا لبعضهم إنكارٌ على من جَمَّر نخلَه ليأكله تحرُّجاً من أكل غيره (¬7) مما لم تصف فيه الشبهة، ونسبه لإضاعة المال] (¬8)، وذهل عن كونه حفظَ دينه بماله (¬9). ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "ألحظ ". (¬2) في "ج": "فيه وإنما". (¬3) في "ج": "و". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 495). (¬5) في "ع" و"ج": "قال". (¬6) "ذكر" ليست في "ج". (¬7) في "ج": "تحرجاً أجل وغيره". (¬8) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬9) انظر: "المتواري" لابن المنير (ص: 245).

باب: من أجرى أمر الأمصار على ما يتعارفون بينهم في البيوع، والإجارة، والمكيال، والوزن، وسننهم على نياتهم، ومذاهبهم المشهورة

وأما قوله: أو لأنه مستثنى (¬1) من بيع الثمر قبل زهوه، فلا يبعد أن يكون من كلامه، وأنت خبير بما فيه إن تأملت. * * * باب: مَنْ أَجْرَى أَمْرَ الأَمْصَارِ عَلَى مَا يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ فِي الْبُيُوعِ، وَالإجَارَةِ، وَالْمِكْيَالِ، وَالْوَزْنِ، وَسُنَنِهِمْ عَلَى نِيَّاتِهِمْ، وَمَذَاهِبِهِمِ الْمَشْهُورَةِ وَقَالَ شُرَيْحٌ لِلْغَزَّالِينَ: سُنَّتُكُمْ بَيْنَكُمْ رِبْحاً. وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ: لاَ بَأْسَ الْعَشَرَةُ بِأَحَدَ عَشَرَ، وَيَأْخُذُ لِلنَّفَقَةِ رِبْحاً. وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِهِنْدٍ: "خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ". وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6]. وَاكْتَرَى الْحَسَنُ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مِرْدَاسٍ حِمَاراً، فَقَالَ: بِكَمْ؟ قَالَ: بِدَانَقَيْنِ، فَرَكِبَهُ، ثُمَّ جَاءَ مَرَّةً أُخْرَى، فَقَالَ: الْحِمَارَ الْحِمَارَ، فَرَكِبَهُ، وَلَمْ يُشَارِطْهُ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ. (باب: من أجرى أمرَ الأمصار على ما يتعارفون بينهم): مقصوده بهذه الترجمة: إثباتُ الاعتماد على العُرف، وأنه يُقضى به على ظاهر الألفاظ، وتُرد إلى (¬2) ما خالف الظواهر من العرف، ولهذا ساق: "لا بأسَ العشرةُ بأحدَ عَشَرَ (¬3) ": أي: لا بأس أن يبيعه سلعةً مُرابحةً للعشرةِ ¬

_ (¬1) في "ج": "مستغنى". (¬2) في "ج": "على". (¬3) في "ج": "بأخذ العشرة".

أحدَ عشرَ، وظاهرُه (¬1): أن ربحَ العشرةِ أحدَ عشرَ، فتكون الجملة أحداً وعشرين، ولكن العرف فيه أن للعشرة ديناراً، فقُضي (¬2) بالعرف على ظاهر اللفظ، وإذا ثبت الاعتمادُ على العرف مع مخالفته للظاهر، فلا اعتماد عليه مطلقاً أولى (¬3). (بدانقَين): تثنية دانق، بكسر النون وفتحها. (فقال: الحمارَ الحمارَ): منصوبٌ بفعل مضمر؛ أي: أحضرِ الحمارَ. * * * 1250 - (2212) - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، أَخْبَرَناَ هِشَامٌ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ فَرْقَدٍ قَالَ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبيهِ: أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- تَقُولُ: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6]، أُنْزِلَتْ فِي وَالِي الْيَتِيمِ الَّذِي يُقِيمُ عَلَيْهِ وَيُصْلِحُ فِي مَالِهِ، إِنْ كَانَ فَقِيراً، أَكَلَ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ. (أُنزلت في والي اليتيم الذي يُقيم عليه): قال الزركشي وغيره: كذا الرواية، والوجه: يقوم (¬4). قلت: للرواية وجهٌ حسن، وذلك أن يكون المراد: يقيم (¬5) التصرفَ ¬

_ (¬1) في "ج": "فظاهره". (¬2) في "ع": "مقتضى". (¬3) "أولى" ليست في "ع" و"ج". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 495). (¬5) في "ع": "يعم".

عليه؛ أي: يجعله مقوَّماً لا زيغَ فيه ولا حيف، تقول: أَقَمْتُ العودَ: إذا (¬1) قَوَّمْته وجعلته قويماً لا اعوجاجَ فيه، وعليه: ففي يقيم استعارةٌ تبعية حيث جعل تسويته التصرفَ في (¬2) حق اليتيم على ما ينبغي بمنزلة إقامة العود؛ أي: تقويمه وتسويته، فتأمله. (ومن كان غنياً فليستعفف): قال الزمخشري: واستعفَّ أبلغُ من أَعَفَّ، كأنه طلبَ زيادةَ العفة (¬3). قال ابن المنير في "الانتصاف": يشير إلى أنه استفعلَ بمعنى الطلب، وهو بعيد، فإن تلك متعديةٌ، وهذه قاصرة، والظاهر (¬4): أن هذا (¬5) مما جاء فيه فَعَلَ (¬6) واستفعلَ بمعنى، وردَّه التفتازاني بأن كلًّا من بابي فعلَ واستفعلَ يكون لازماً ومتعدياً، وكلٌّ من عفَّ واستعفَّ لازم. * * * 1251 - (2210) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: حَجَمَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبُو طَيْبَةَ، فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ. ¬

_ (¬1) في "م" و"ن": "وإذا". (¬2) في "ع" و"ج": "كما في". (¬3) انظر: "الكشاف" (1/ 507). (¬4) في "م": "والظاهرة". (¬5) في "م": "هذه". (¬6) "فعل" ليس في "ع".

باب: بيع الشريك من شريكه

(وأمر أهله أن يخففوا من خراجه): أهلُ أبي طيبةَ الذي يعود عليه هذا (¬1) الضمير محيصةُ بنُ مسعود، وخراجُه كان ثلاثةَ آصُعٍ، فوُضعَ عنه بهذه الشفاعة صاعٌ. وروى ابن الأثير حديثاً يتضمن أن الحجامةَ كانت لسبعَ عشرةَ من رمضانَ. وفي الطبراني: أن ذلك كان بعد العصر في رمضان (¬2). * * * باب: بَيْعِ الشَّرِيكِ مِنْ شَرِيكِهِ (باب بيع الشريك من شريكه): قال ابن المنير: أدخل فيه حديث الشُّفْعَة (¬3)؛ لأن الشريك يأخذ الشِّقْصَ من المشتري قَهْراً (¬4) بالثمن، فأخذُه له من شريكه مبايعةً جائزٌ قطعاً. وإنما أراد البخاري -رحمه الله- قطعَ وهمِ مَنْ لعله يتوهَّم أن القبض في المشاع من الشريك لا يظهر أثره؛ لأنه كان قبل ذلك يتصرف بحسب (¬5) حصته، فإذا اشترى حصةً أخرى، لم يظهر لذلك أثر، وربما وقع لهم في مسائل الرهن قريبٌ من هذا. ¬

_ (¬1) "هذا" ليست في "ع" و"ج". (¬2) رواه الطبراني في "الأوسط" (5898) عن أنس بن مالك رضي الله عنه. (¬3) في "ج": "الشفاعة". (¬4) في "ج": "فهو". (¬5) في "ع" و"ج": "حسب".

باب: إذا اشترى شيئا لغيره بغير إذنه فرضي

أو أراد (¬1) البخاري التحضيض (¬2) على بيع الشريك من شريكه تخلصاً من منازعة الشفعة، وهو مذكور في الحديث الآخر، لكن ليس من شرطه (¬3)، فذكر المعنى في الترجمة، واستظهر على صحته بحديث الشفعة التي تقتضي أن مال الشقص إلى الشريك، فبيعه (¬4) إياه أولاً أولى. * * * باب: إذا اشْتَرى شيئاً لغيرهِ بِغير إِذْنِهِ فَرَضِيَ 1252 - (2215) - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، أَخْبَرَناَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَهَ، عَنْ ناَفِع، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "خَرَجَ ثَلاَثةٌ يَمْشُونَ، فَأَصَابَهُمُ الْمَطَرُ، فَدَخَلُوا فِي غَارٍ فِي جَبَلٍ، فَانْحَطَّتْ عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ، قَالَ: فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ادْعُوا اللهَ بِأَفْضَلِ عَمَلٍ عَمِلْتُمُوهُ. فَقَالَ أَحَدُهُمُ: اللَّهُمَّ إِنِّي كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَرْعَى، ثُمَّ أَجِيءُ فَأَحْلُبُ، فَأَجِيءُ بِالْحِلاَبِ، فَآتِي بِهِ أَبَوَيَّ فَيَشْرَبَانِ، ثُمَّ أَسْقِي الصِّبْيَةَ وَأَهْلِي وَامْرَأَتِي، فَاحْتَبَسْتُ لَيْلَةً، فَجِئْتُ فَإِذَا هُمَا ناَئِمَانِ، -قَالَ:- فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا، وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأَبِي وَدَأْبَهُمَا، حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، اللَهُمَّ إِنْ كُنْتَ ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "أورد". (¬2) في "ع": "التخصيص". (¬3) في "م" و"ن": "ليس شرطه". (¬4) في "ع": "فيتبعه".

تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ، قَالَ: فَفُرِجَ عَنْهُمْ. وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أُحِبُّ امْرَأَةً مِنْ بَنَاتِ عَمِّي كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرَّجُلُ النِّسَاءَ، فَقَالَتْ: لاَ تَنَالُ ذَلِكَ مِنْهَا حَتَّى تُعْطِيَهَا مِئَةَ دِينَارٍ، فَسَعَيْتُ فِيهَا حَتَّى جَمَعْتُهَا، فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا، قَالَتِ: اتَّقِ اللهَ، وَلاَ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلاَّ بِحَقِّهِ، فَقُمْتُ وَتَرَكْتُهَا، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً، قَالَ: فَفَرَجَ عَنْهُمُ الثُّلُثَيْنِ. وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي اسْتَأْجَرْتُ أَجِيراً بِفَرَقٍ مِنْ ذُرَةٍ، فَأَعْطَيْتُهُ، وَأَبَى ذَاكَ أَنْ يَأْخُذَ، فَعَمَدْتُ إِلَى ذَلِكَ الْفَرَقِ فَزَرَعْتُهُ، حَتَّى اشتَرَيْتُ مِنْهُ بَقَراً وَرَاعِيَهَا، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ! أَعْطِنِي حَقِّي، فَقُلْتُ: انْطَلِقْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ وَرَاعِيهَا فَإِنَّهَا لَكَ، فَقَالَ: أَتَسْتَهْزِئُ بِي؟ قَالَ: فَقُلْتُ: مَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ، وَلَكِنَّهَا لَكَ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا، فَكُشِفَ عَنْهُمْ". (فأجيء بالحِلاب): -بكسر الحاء المهملة-؛ أي: الإناء الذي يُحلب فيه، وقيل: بالمحلوب، وهو اللبن؛ كالخِراف لما يُخترَف. (والصِّبْية): -بكسر الصاد المهملة وإسكان الباء الموحدة-: جمعُ صبي. (يتضاغَوْن): -بضاد وغين معجمتين- يتفاعلون من الضِّغاء، وهو الصِّياحُ بالبكاء. (فلم يزل ذلك دأبي ودأبهما): أي: حالي وحالهما، وهو مرفوع

اسم يزل، و"ذلك" خبر (¬1)، أو منصوب على أنه الخبر، و"ذلك" الاسم. (فافرج): فعل أمر من فَرَج -بفتح الراء- يفرُج -بضمها-. قال السفاقسي: ضبط (¬2) في أكثر الأمهات: بضم الراء. وذكر صاحب "الصحاح": بكسرها (¬3). (فُرْجَة): -بضم الفاء- وهي الخَلَلُ بين الشيئين. (بفَرْق): -بفتح الراء وإسكانها-: مكيالٌ معروف. (من ذُرَة): بذال معجمة بضمة وراء مخففة. (فقلت: ما أستهزئ بك، ولكنها مالك (¬4)) قال ابن بطال: أجمع الفقهاء على أنه لا يلزم شراء الرجل لغيره [بغير إذنه] إلا (¬5) حتى يُعلمه ويرضا به، فيلزمه بعد الرضا إذا أحاط به علماً (¬6). وقدح فيه ابن المنير بأنَّ تصرفَ الفضولي [موقوفٌ عندنا، وصحيح، وهو عند الشافعي -رحمه الله- باطل من أصله] (¬7) فأين الإجماع؟ قلت: الإجماع إنما حكاه ابن بطال في عدم اللزوم، وما نُقض به في الصحة فلا يرد نقضاً، فكم من عقد صحيح لا يلزم، فتأمله. ¬

_ (¬1) في "م": "خبراً". (¬2) في "ج": "ضبطه". (¬3) انظر: "الصحاح" (1/ 333)، (مادة: فرج). وانظر: "التوضيح" (14/ 530). (¬4) نص البخاري: "لك". (¬5) "إلا" ليست في "ج". (¬6) انظر: "شرح ابن بطال" (6/ 336). (¬7) ما بين معكوفتين ليس في "ع".

باب: الشراء والبيع مع المشركين وأهل الحرب

ثم قال: وانظر في الفَرَق من الأرز هل ملكه الأجير أو لا؟ والظاهر أنه لم يملكه؛ لأنه لم يستأجره بفرق معين، وإنما استأجره بفرق على الذمة، فلما عرض عليه قبضه، امتنع، فلم يدخل في ملكه، بل بقي حقُّه متعلقاً بذمة المستأجر، والنتاج الذي حصل هو على (¬1) ملك المستأجر، وغايةُ ذلك أنه أحسنَ القضاءَ، فأعطاه حقَّه، وزياداتٍ كثيرة، ولو كان الفرق تعينَ للأجير؛ لكان تصرفُ المستأجر فيه تعدياً، ولا يُتوسَّل إلى الله بالتعدي، وإن كان مصلحة في حق صاحب الحق، وليس أحد في حَجْر (¬2) غيره حتى يبيع أملاكه، ويُطلق زوجاته، ويزعم أن ذلك أحظى، لصاحب الحق، ولو (¬3) كان أحظى، فكل أحد أحقُّ بنفسه وماله من الناس أجمعين. * * * باب: الشِّراءَ والبَيْعِ مع المشركينَ وأهلِ الحربِ 1253 - (2216) - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ مُشْعَانٌّ طَوِيلٌ بِغَنَمٍ يَسُوقُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "بَيْعاً أَمْ عَطِيَّةً؟ أَوْ قَالَ: أَمْ هِبَةً". قَالَ: لاَ، بَلْ بَيْعٌ. فَاشْتَرَى مِنْهُ شَاةً. ¬

_ (¬1) "على" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "حجره". (¬3) في "ع" و"ج": "وإن".

(فجاء رجلٌ مشرِكٌ مُشْعانٌّ): بميم مضمومة فشين معجمة ساكنة فعين مهملة فألف فنون (¬1) مشددة. قال القاضى: ثائرُ الرأس متفرِّقُه، وكذلك شعرٌ مشعانٌّ، هذا المعروف، وقال المستملي: هو الطويلُ جداً، البعيدُ (¬2) العهدِ بالدّهْن، الشَّعِثُ (¬3) (¬4). (فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: بيعاً أَمْ عطيةً): أي: أتبيعها (¬5) بيعاً أم عطية؟ [أو: أجلبتها بيعاً أم عطية] (¬6)؟ على أن يكون المنصوب مفعولاً لأجله. [أو قال: أم هبةً؟ قال: لا بل بيعٌ]: بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: مقصودي بجلبها بيع. قال ابن المنير: وانظر في قوله -عليه الصلاة والسلام-: "أم عطيةً، أم هبة" ما الفرق بين العطية والهبة حتى عطف أحدهما (¬7) على الآخر؟ قلت: هذا سهو منه -رحمه الله-، فليس في لفظه -عليه الصلاة والسلام- في هذا الحديث عطف الهبة على العطية حتى تطلب الفرق، وإنما الراوي شكَّ هل قال -عليه السلام-: أم عطية، أو لم يقل: ¬

_ (¬1) في "ج": "ونون". (¬2) في "ع" و"ج": "والبعيد". (¬3) في "ع": "السعة". (¬4) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 255). (¬5) في "ع": "أبيعها". (¬6) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬7) في "ع": "إحداهما".

باب: شراء المملوك من الحربي وهبته وعتقه

أم عطية، وإنما قال عوضها: أم هبة؟ ولفظ الرواية صريح فيما قلته كما تراه، ثم لو جمع بينهما على الوجه الذي ذكره؛ لأمكن أن يقدر مع كل منهما وصفٌ يحصل به المغايرة، فيقدر: أم عطيةً لا يُطلب فيها عوضٌ، أم هبة يُطلب (¬1) فيها العوض (¬2)، وهي هبة الثواب. * * * باب: شِرَاءَ الْمَمْلُوكِ مِنَ الْحَرْبِيِّ وَهِبَتِهِ وَعِتْقِهِ وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِسَلْمَانَ: كَاتِبْ. وَكَانَ حُرّاً، فَظَلَمُوهُ وَبَاعُوهُ. وَسُبِيَ عَمَّارٌ وَصُهَيْبٌ وَبِلاَلٌ. وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [النحل: 71]. (وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لسلمان: كاتِبْ. وكان (¬3) حراً، فظلموه (¬4) وباعوه): غرض البخاري في هذا الباب إثباتُ ملك الحربي والمشرك، وجوازُ تصرفه في مثله بالبيع وغيره؛ إذ أقر -عليه السلام- سلمانَ عندَ مالكه الكافرِ، وأمره أن يكاتبَ. ¬

_ (¬1) في "ج": "ويطلب". (¬2) في "ج": "عوض". (¬3) في "ع": "وكانت". (¬4) في "ع": "وظلموه".

قال الطبري: سلمانُ حين غُلب على نفسه لم يكن مؤمناً، وإنما كان إيمانُه إيمانَ مصدقٍ للنبي - صلى الله عليه وسلم - إذا بُعث، مع إقامته على شريعة عيسى -عليه السلام-، فأقره النبي - صلى الله عليه وسلم - مملوكاً لمن كان في يده؛ إذا (¬1) كان في حكمه -عليه السلام- أنه من أسلمَ من رقيق المشركين في دار الحرب (¬2)، ولم (¬3) يخرج مُراغِماً لسيده، فهو لسيده، أو كان سيدُه من أهل صلح المسلمين، فهو لمالكه. قال ابن المنير: ليس كلامه في سلمان بمستقيم، وإنما الرقُّ عند الفقهاء من آثار الكفر، ومن كان موحداً مؤمناً بالنبي - صلى الله عليه وسلم - (¬4) قبل بعثه (¬5)، حُرً (¬6) الأصل (¬7)، فليس بكافر، ولا تقتضي القواعد (¬8) استرقاقُه، والمقامُ على شريعة عيسى من غير تحريف ولا تبديل ليس بكفر، بل ذلك نفسُ الإيمان، ومن قواعد (¬9) مالك المشهورة: أن الكافر إذا اشترى مسلماُ قِنًا، نفذ شراؤه، وأُجبر على إخراجه عن (¬10) ملكه، فملكُ اليهودي صحيحٌ، ¬

_ (¬1) في "ج": "إذا". (¬2) "في دار الحرب" ليست في "ج". (¬3) في "ع": "وأن". (¬4) في "ع": "من النبي - صلى الله عليه وسلم -". (¬5) في "ع": "بعثته". (¬6) في "ج": "حراً". (¬7) "الأصل" ليست في "ج". (¬8) في "ج": "في القواعد". (¬9) في "م": "قاعدة". (¬10) في "ع": "من".

لكن لم يكن اليهود تحت الطاعة حتى يُحكم عليه بالبيع. * * * 1254 - (2217) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - "هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- بِسَارَةَ، فَدَخَلَ بِهَا قَرْيَةً فِيهَا مَلِكٌ مِنَ الْمُلُوكِ، أَوْ جَبَّارٌ مِنَ الْجَبابرَةِ، فَقِيلَ: دَخَلَ إِبْرَاهِيمُ بِامْرَأَةٍ هِيَ مِنْ أَحْسَنِ النِّسَاءَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ: أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ مَنْ هَذِهِ الَّتِي مَعَكَ؟ قَالَ: أُخْتِي، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: لاَ تُكَذِّبِي حَدِيثِي؛ فَإِنِّي أَخْبَرْتُهُمْ أَنَّكِ أُخْتِي، وَاللهِ إِنْ عَلَى الأَرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرُكِ، فَأَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِ، فَقَامَ إِلَيْهَا، فَقَامَتْ تَوَضَّأُ وَتُصَلِّي، فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ آمَنْتُ بِكَ وَبِرَسُولِكَ، وَأَحْصَنْتُ فَرْجِي إِلاَّ عَلَى زَوْجِي، فَلاَ تُسَلِّطْ عَلَيَّ الْكَافِرَ، فَغُطَّ حَتَّى رَكَضَ بِرِجْلِهِ". قَالَ الأَعْرَجُ: قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَتِ: اللَّهُمَّ إِنْ يَمُتْ، يُقَالُ: هِيَ قَتَلَتْهُ، فَأُرْسِلَ، ثُمَّ قَامَ إِلَيْهَا، فَقَامَتْ تَوَضَّأُ تُصَلِّي، وَتَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ آمَنْتُ بِكَ وَبِرَسُولِكَ وَأَحْصَنْتُ فَرْجِي إلاَّ عَلَى زَوْجِي، فَلاَ تُسَلِّطْ عَلَيَّ هَذَا الْكَافِرَ، فَغُطَّ حَتَّى رَكَضَ بِرِجْلِهِ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ إِنْ يَمُتْ، فَيُقَالُ: هِيَ قَتَلَتْهُ، فَأُرْسِلَ فِي الثَّانِيَةِ، أَوْ فِي الثَّالِثَةِ، فَقَالَ: وَاللهِ مَا أَرْسَلْتُمْ إِلَيَّ إِلاَّ شَيْطَاناً، ارْجِعُوهَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ، وَأَعْطُوهَا آجَرَ، فَرَجَعَتْ إِلَى إِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ،- فَقَالَتْ: أَشَعَرْتَ أَنَّ اللهَ كَبَتَ الْكَافِرَ وَأَخْدَمَ وَلِيدَةً؟

(هاجر إبراهيم بسارة): المعروفُ تخفيفُ الراء منها. وقال الزركشي: قيل: إنها بتشديد الراء (¬1). (فدخل قريةً بها (¬2) ملكٌ من الملوك): قيل (¬3): هو صادوق (¬4). وقيل: سنان بن علوان. وقيل: عمرو (¬5) بن امرئ القيس بن سبأ (¬6) بن (¬7) يشجب بن يعرب، وكان على مصر، ذكره السهيلي (¬8). (والله! إنْ على الأرض): بتخفيف النون نافية. (إن يمتْ، يُقَلْ: هي قتلته): هذا ظاهرٌ لا إشكال فيه، ويروى: "يقال (¬9) "، ويروى: "فيقال"، وفي كل منهما (¬10) إشكال، فيخرج "يقال (¬11) " ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 496). (¬2) نص البخاري: "فدخل بها قرية فيها". (¬3) "قيل" ليست في "ج". (¬4) في "ع": "صادف". (¬5) في "ج": "عمر". (¬6) في "ع": "بسان". (¬7) "ابن" ليست في "ع". (¬8) انظر: "التوضيح" (14/ 548). (¬9) في "ج: "فقال". (¬10) في "م" و"ن": "منها". (¬11) في "ج": "فقال".

لا (¬1) على أنه جواب الشرط (¬2) حتى (¬3) يجب جزمُه، وإنما الجواب محذوف، تقديرُه: أعذبْ، ويقالُ: "هي قتلته" جملة لا محل لها دالة (¬4) على المحذوف، وأما "فيقال"، فعلى حذف "قد"؛ أي: فقد يقال: هي قتلتْهُ، وذلك موجب؛ لتوقعها مساءة (¬5) من خاصَّة الملك وأهله. (فغُطَّ (¬6)): -بضم الغين بالبناء للمفعول-؛ أي: خُفِق وصُرع. (ارجِعُوها إلى إبراهيمَ): أي: رُدُّوها إليه، و"رَجَعَ" يأتي لازماً ومتعدياً، يقال: رجعَ زيدٌ رُجوعاً، ورَجَعْتُه أنا رَجْعاً، قال الله تعالى: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ} [التوبة:83]، وقال: {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة:10]، وقد تقدم التنبيه عليه. (وأعطوها آجر): أعطوا (¬7) فعل أمر، وآجرَ -بهمزة ممدودة وجيم (¬8) مفتوحة- ويقال: هاجر، بالهاء (¬9). (كبتَ الكافرَ): أي: صرعَه لوجهه، وقيل (¬10): أغاظه وأذله. ¬

_ (¬1) "لا" ليست في"ع". (¬2) في "ج": "شرط". (¬3) "حتى" ليست في "ع"، وفي "ج": "علي حتى". (¬4) في "ع" و"ج": "لا محل لها من الإعراب دالة". (¬5) في "ج": "ومساءة". (¬6) في "ج": "فأغط". (¬7) في "ع": "أعطوها". (¬8) في "ع" و"ج": "فجيم". (¬9) "بالهاء" ليست في "ع" و"ج". (¬10) في "ع": "ويقال".

(و (¬1) أخدم): حذفت (¬2) المفعولَ الأول؛ لعدم تعلقِ الغرض (¬3) بتعيينه، أو تأدباً مع زوجها إبراهيم (¬4) -عليه السلام- أن تواجهَه بأنَّ غيرَه أخدمَها (¬5). (وليدةً): هو المفعول (¬6) الثاني لأخدم، والمراد بها: آجَرُ المذكورةُ. * * * 1255 - (2219) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لِصُهَيْبٍ: اتَّقِ اللهَ، وَلاَ تَدَّع إِلَى غَيْرِ أَبِيكَ. فَقَالَ صُهَيْبٌ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا، وَأَنِّي قُلْتُ ذَلِكَ، وَلَكِنِّي سُرِقْتُ وَأَناَ صَبِيٌّ. (قال (¬7) عبد الرحمن بن عوف لصهيب (¬8): اتق الله، ولا تَدَّعِ إلى غير أبيك): اسم أبيه سنانُ بنُ مالكِ بنِ عبدِ عمرِو (¬9) بنِ عقيلِ بنِ عامرٍ، ينتهي نسبه إلى النَّمِرِ بنِ قاسِطٍ. ¬

_ (¬1) الواو ليست في "ع" و"ج". (¬2) في "ع" و"ج": "حذف". (¬3) في "ج": "الفضل". (¬4) "إبراهيم" ليست في "ج". (¬5) في "ج": "خدمها". (¬6) في "ج": "والمفعول". (¬7) في "ع" و"ج": "وقال". (¬8) في "ع" و"ج": "عبد الرحمن بن صهيب". (¬9) في "ع" و"ج": "عمر".

وقال الواقدي: هو صُهَيبُ بنُ سنان بنِ خالدِ بنِ عبدِ عمرِو (¬1) بنِ عُقيلِ بنِ كعبِ بنِ سعدٍ (¬2). وقال ابن إسحاق: صهيبُ بن (¬3) سنان بنِ خالدِ بنِ عبدِ عمرِو بنِ طُفيلِ بنِ عامرٍ. وقال بعض الرواة: اسمُ صُهيب عميرةُ بنُ سنان. وقصة سرقته مشهورة، وقيل له: الرومي؛ لأن الروم سبوه صغيراً -رضي الله عنه- (¬4). * * * 1256 - (2220) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَرَأَيْتَ أُمُوراً كُنْتُ أَتَحَنَّثُ -أَوْ أَتَحَنَّتُ بِهَا- فِي الْجَاهِلِيَّةِ، مِنْ صِلَةٍ وَعَتَاقَةٍ وَصَدَقَةٍ، هَلْ لِي فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ حَكِيمٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ لَكَ مِنْ خَيْرٍ". (أرأيتَ أموراً كنتُ أتحنث، أو أتحنت بها): كذا في الأول بمثناة من فوق آخر الكلمة. ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "عمر". (¬2) في "ع" و"ج": "سعيد". (¬3) "بن" ليست في "م". (¬4) انظر: "أسد الغابة" (3/ 38).

قال عياض: وهو غلط من جهة المعنى، وأما (¬1) الرواية، فصحيحة، والوهمُ فيه من شيوخ البخاري؛ بدليل "أو أتحنت" بعده (¬2) على الشك، والذى رواه الكافة بالمثلثة (¬3). قال بعضهم: ويحتمل على تقدير الصحة أن يكون أصلُها من الحانوت، أو الحانة. قال ابن الأثير: كانت العرب تسمي بيوت الخمارين: الحوانيت، و (¬4) الحانةُ مثلُه (¬5). فعلى هذا التقدير يكون: أتحنت بمعنى: أَتَحَنَّثُ مواضعَ الخمارين أو الحانة (¬6). قلت: هذا التوجيه ساقط، وذلك لأن عين الحانة واو، و (¬7) لامها نون، فلو بني أَتَفَعَّلُ منه، لقيل: أَتَحَوَّنُ. فإن قلت: فليصح الاشتقاق من الحانوت؛ [لأن لامها تاء. قلت: هذا غلط أيضاً؛ فقد قال الجوهري: في الحانوت] (¬8): وأصله ¬

_ (¬1) في "ع": "أما". (¬2) في "ج": "بعيدة". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 203). (¬4) في "ع": "أو". (¬5) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (1/ 448). (¬6) انظر: "التوضيح" (1/ 548). (¬7) الواو ليست في "ج". (¬8) ما بين معكوفتين ليس في "ع".

باب: قتل الخنزير

حَانُوَة مثل تَرْقُوَة، فلما سُكنت الواو، انقلبت (¬1) هاء التأنيث تاء، فعلى كل تقدير لا يصحُّ هذا التوجيه. * * * باب: قَتْلِ الخِنْزِيرِ 1257 - (2222) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَماً مُقْسِطاً، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ". (حكماً مقسطاً): أي: حكماً عادلاً، يقال: أَقْسَطَ: إذا عدلَ، وقَسَطَ: إذا جار. (فيكسرَ الصليب): -بنصب الفعل عطفاً على الفعل المنصوب قبله-، وكذا: (ويقتلَ الخنزير): لأنه (¬2) يحرم أكله أيضاً (¬3)، فيقتله، ويفنيه. (ويضعَ الجزية): -بالنصب- كذلك. قيل: يضربها على النصارى، ويلزمهم إياها. ¬

_ (¬1) في "ع": "تقلبت". (¬2) في "ع" و"ج": "لا". (¬3) "أيضاً" ليست في "ج".

باب: لا يذاب شحم الميتة، ولا يباع ودكه

وقيل: يضعها؛ أي: لا يقبلها؛ لاستغناء الناس بما أخرجت لهم الأرض من الأموال. وقيل: يرفعها بحمل اليهود والنصارى على الإسلام، فيسلمون، فتسقط الجزية (¬1). * * * باب: لا يُذَابُ شحمُ المَيْتَةِ، ولا يُبَاعُ وَدكُهُ 1258 - (2223) - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو ابْنُ دِينَارٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي طَاوُسٌ: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- يَقُولُ: بَلَغَ عُمَرَ أَنَّ فُلاَناً بَاعَ خَمْراً، فَقَالَ: قَاتَلَ اللهُ فُلاَناً، أَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "قَاتَلَ اللهُ الْيَهُودَ؛ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ، فَجَمَلُوهَا، فَبَاعُوهَا". (بلغ عمر أن فلاناً باع خمراً): فسر بعضهم فلاناً هذا ببعض الصحابة، وسماه، فرأيتُ الكفَّ عن ذلك، وآثرتُ السكوتَ عنه ألهمنا الله رشدنا بمنه وكرمه. (جملوها): أذابوها، والجميل (¬2): الشحمُ المذاب، وفيه لغة أخرى: "أجملوها". * * * ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 498). (¬2) في "ع": "والجمل".

باب: بيع التصاوير التي ليس فيها روح، وما يكره من ذلك

باب: بيعِ التَّصاويرِ التي ليسَ فيها روحٌ، وما يُكْرهُ من ذلكَ 1259 - (2225) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، أَخْبَرَناَ عَوْفٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبَّاسٍ! إِنِّي إِنْسَانٌ، إِنَّمَا مَعِيشَتِي مِنْ صَنْعَةِ يَدِي، وَإِنِّي أَصْنَعُ هَذِهِ التَّصَاوِيرَ. فَقَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ: لاَ أُحَدِّثُكَ إِلاَّ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "مَنْ صَوَّرَ صُورَةً، فَإِنَّ اللهَ مُعَذِّبُهُ حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيهَا أَبَداً". فَرَبَا الرَّجُلُ رَبْوَةً شَدِيدَةً، وَاصْفَرَّ وَجْهُهُ، فَقَالَ: وَيْحَكَ! إِنْ أَبَيْتَ إِلاَّ أَنْ تَصْنَعَ، فَعَلَيْكَ بِهَذَا الشَّجَرِ، كُلِّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: سَمِعَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ مِنَ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ هَذَا الْوَاحِدَ. (فربا الرجل رَبْوَةً شديدة): قال الزركشي: بتثليث الراء: أصابه الربو؛ أي: علا (¬1) تنفسه، وغلب عليه (¬2). (قال أبو عبد الله): يعني: البخاري. (سمع سعيدُ بنُ عمرو بن النضرِ (¬3) بنِ أنسٍ هذا الحديثَ الواحدَ): يشير إلى ما خرجه في اللباس من جهة سعيد عن النضر، عن ابن عباس، ¬

_ (¬1) "علا" ليست في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 498). (¬3) نص البخاري: "سعيد بن أبي عروبة من النضر".

باب: إثم من باع حرا

وليس لسعيد ولا النضرِ عن ابن عباس سوى هذا الحديث الواحد (¬1). * * * باب: إثمِ مَنْ باعَ حُرًّا 1260 - (2227) - حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ مَرْحُومٍ، حَدَّثَنَا يَحْيىَ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "قَالَ اللهُ: ثَلاَثَةٌ أَناَ خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرّاً فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيراً فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ". (رجل أعطى بي (¬2) ثم غدر): أي: نقضَ عهداً عاهدَ عليه. * * * باب: أَمْرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الْيَهُودَ بِبَيْعِ أَرَضِيهِمْ حِينَ أَجْلاَهُمْ فِيهِ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (باب أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - اليهودَ ببيع إرضيهم (¬3) حين أجلاهم): أي: نقلَهم عن المدينة، وهم بنو النضير، كذا في الزركشي وغيره (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري: (5963) عن ابن عباس رضي الله عنهما. (¬2) "بي" ليست في "ع". (¬3) في "ع": "أرضهم". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 499).

(فيه المقبري عن أبي هريرة): قال الزركشي: رواه البخاري في كتاب: الجهاد (¬1). قلت: وكذا في ابن بطال، والذي ذكره البخاري في أواخر الجهاد هو قولُه هناك في إخراج اليهود من جزيرة العرب: قال أبو هريرة: بينما نحن في المسجد، خرج النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: انطلقوا إلى يهود، فانطلقنا (¬2) حتى جئنا بيتَ (¬3) المِدْراس، فقال: "أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الأَرْضَ لِلهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُجْلِيَكُمْ مِنْ هَذِهِ الأَرْضِ، فَمَنْ وجدَ بمالِهِ فَلْيَبِعْهُ، وَإِلاَّ فَاعْلَمُوا أَنَّ الأَرْضَ لِلهِ ورَسُولِه" (¬4). قال ابن المنير: لا يُتصور أن يروي أبو هريرة حديثَ بني (¬5) النضير وإجلائهم، ولا أن يقول: بينا نحن في المسجد خرج علينا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم (¬6) يقتص بإجلاء بني النضير، وذلك أن إجلاءهم في أول السنة الرابعة من (¬7) الهجرة اتفاقاً، وإسلامُ أبي هريرة إنما كان بعدَ هذا بكثير، يقال: إنه أسلم في السنة السابعة، وحديثه صحيح، لكنه لم يكن في بني النضير، بل فيمن بقي من اليهود بعدهم كان - صلى الله عليه وسلم - (¬8) يتربص بجلائهم أن يوحى إليه، ¬

_ (¬1) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬2) في "ع": "فانطلقا". (¬3) في "ج": "إلى بيت". (¬4) رواه البخاري (3167)، ومسلم (1765) عن أبي هريرة رضي الله عنه. (¬5) "بني" ليست في "ع". (¬6) "ثم" ليست في "ج". (¬7) "من" ليست في "ج". (¬8) في "ج": "كان النبي - صلى الله عليه وسلم -".

فتأخر ذلك إلى مرض [موته -عليه السلام-، فأُوحي إليه بإجلائهم، فأوصى أن لا يبقى دينان في جزيرة العرب] (¬1)، ثم تأخر الأمر إلى زمان عمر -رضي الله عنه-، وليس في (¬2) حديث أبي هريرة أنه أمرهم ببيع أرضهم، وإنما قال: "فَمَنْ وجدَ بمالِه شيئاً فليبعْه (¬3) "، والمال أعمُّ من الأرض. والعجبُ ترجمة البخاري هنا على بيع اليهود أرضَهم، ولم يذكر فيه (¬4) إلا حديثَ أبي هريرة، وليس فيه للأرض ذكر (¬5)، إلا أن يكون أخذ ذلك بطريق العموم الذي قررناه، فدخلت فيه الأرضون، وإن لم يكن حينئذ أرضون، ثم سأل عن فائدة ذلك، مع أنه لا يمكن فرضُ مثل هذه الواقعة بحيث (¬6) نقول: لو أجلينا اليهود الآن، ولهم أرضون، لألزمناهم بيعَها؛ لأنا لا نجلي اليهود أبداً وهم في الذمة، فإن نقضوا العهد، صاروا هم وأموالهم فَيْئاً. وأجاب: بأنه يمكن تقدير فائدة له، وهو أن الفاسق إذا نهُي فلم ينته، أجليناه، وأكرينا عليه داره. وقيل: يُباع عليه، فيكون الحديث حجة لهذا القول، وهؤلاء هم اليهود ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬2) في "ع" و"ج": "وفي". (¬3) في "ج": "فليبيعه". (¬4) "فيه" ليست في "ع". (¬5) في "ع": "ذكراً". (¬6) "بحيث" ليست في "ج".

باب: بيع العبيد والحيوان بالحيوان نسيئة

الذين فَضَلوا من السيف، وكانوا عمالاً في خيبرَ مساقاة، والأرضُ لله ورسوله، فلما أجلاهم عمر، باعوا ما لم يمكنهم حملُه خاصة. انتهى كلامه رحمه الله. * * * باب: بَيْعِ الْعَبِيدِ وَالْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً وَاشْتَرَى ابْنُ عُمَرَ رَاحِلَةً بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِ، يُوفِيهَا صَاحِبَهَا بِالرَّبَذَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَدْ يَكُونُ الْبَعِيرُ خَيْراً مِنَ الْبَعِيرَيْنِ. وَاشْتَرَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ بَعِيراً بِبَعِيرَيْنِ، فَأَعْطَاهُ أَحَدَهُمَا، وَقَالَ: آتِيكَ بِالآخَرِ غَداً رَهْواً إِنْ شَاءَ اللهُ. وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: لاَ رِبَا فِي الْحَيَوَانِ: الْبَعِيرُ وَالشَّاةُ بِالشَّاتَيْنِ إِلَى أَجَلٍ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لاَ بَأْسَ بَعِيرٌ بِبَعِيرَيْنِ نَسِيئَةً. (آتيك بالآخر [غداً] رَهْواً): -براء مفتوحة فهاء ساكنة فواو-؛ أي: سهلاً عفواً من غير احتباس. (وقال ابن سيرين: بعيرٌ ببعيرين، ودرهم بدرهم نسيئة): كذا لأبي الهيثم والحمويي، وفي نسخة: "بدرهمين" وهو خطأ، والصحيح عن ابن (¬1) سيرين ما رواه عبد الرزاق عن معمر، عن ابن سيرين، قال: ¬

_ (¬1) في "م": "أبي".

باب: بيع الرقيق

لا بأسَ بعيرٌ ببعيرين، ودرهمٌ بدرهمين نسيئةً (¬1). * * * 1261 - (2228) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: كَانَ فِي السَّبْيِ صَفِيَّةُ، فَصَارَتْ إِلَى دَحْيَةَ الْكَلْبِيِّ، ثُمَّ صَارَتْ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (كان في السبي صفيةُ): قيل: حديثُ صفيةَ لا تعلُّق له بالباب، إلا أن يشير إلى رواية مسلم: أن صفيةَ وقعت في سهم دحيةَ، فاشتراها النبي - صلى الله عليه وسلم - بسبعة رؤوس (¬2)، وهذا أولى من قول ابن بطال: إن تركَ (¬3) دحيةَ لها عندَ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأخذَ جارية من السبي بيعٌ لها بجاريةٍ نسيئةً حتى يستحسنَها ويأخذَها، فحينئذٍ يتعين له، وليس ذلك يداً بيد (¬4). * * * باب: بيعِ الرَّقيقِ 1262 - (2229) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ مُحَيْرِيزٍ: أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا نُصِيبُ سَبْياً، ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 499). (¬2) رواه مسلم (1365) عن أنس رضي الله عنه. (¬3) في "ع": "يترك". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 499).

باب: هل يسافر بالجارية قبل أن يستبرئها

فَنُحِبُّ الأَثْمَانَ، فَكَيْفَ تَرَى فِي الْعَزْلِ؟ فَقَالَ: "أَوَ إِنَّكُمْ تَفْعَلُونَ ذَلِكَ؟ لاَ عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوا ذَلِكُمْ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ نَسَمَةٌ كَتَبَ اللهُ أَنْ تَخْرُجَ إِلاَّ هِيَ خَارِجَةٌ". (قال رجل (¬1): يا رسول الله! إنا نصيب سبياً، فنحب (¬2) الأثمان، فكيف ترى في العزل؟): روي في "أسد الغابة": أن مَجْدِيّاً الضمريَّ سأل ذلك في غزوة المريسيع (¬3)، فيحتمل أن يُفسر هذا المبهم به. وسيأتي مزيد كلام فيه في باب: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} [الأحزاب: 38]. (أَوَ إِنكم تفعلون؟): -بفتح الواو وكسر إن-، والهمزة الداخلة على الواو للاستفهام. * * * باب: هَلْ يُسَافِرُ بِالْجَارِيَةِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا وَلَمْ يَرَ الْحَسَنُ بَأْساً أَنْ يُقَبِّلَهَا أَوْ يُبَاشِرَهَا. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: إِذَا وُهِبَتِ الْوَلِيدَةُ الَّتِي تُوطَأُ، أَوْ بِيعَتْ، أَوْ عَتَقَتْ، فَلْيُسْتَبْرَأْ رَحِمُهَا بِحَيْضَةٍ، وَلاَ تُسْتَبْرَأُ الْعَذْرَاءُ. وَقَالَ عَطَاءٌ: لاَ بَأْسَ أَنْ يُصِيبَ مِنْ جَارِيَتِهِ الْحَامِلِ مَا دُونَ الْفَرْجِ. وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6]. ¬

_ (¬1) "رجل" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "فيحب". (¬3) في "ع": "غزوة تبوك المريسيع"، وانظر: "أسد الغابة" (5/ 64).

(ولا تُستبرإِ العذراءُ): بكسر الهمزة من تُستبرأ، على أن "لا" ناهية، فهو مجزوم (¬1)، كُسر لالتقاء الساكنين، و -بضمها- على أن "لا" نافية (¬2)، والفعل مرفوع، والعذراء -بالمد-: البكر. * * * 1263 - (2235) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ أَنَسَ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ، فَلَمَّا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ الْحِصْنَ، ذُكِرَ لَهُ جَمَالُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، وَقَدْ قُتِلَ زَوْجُهَا، وَكَانَتْ عَرُوساً، فَاصْطَفَاهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِنَفْسِهِ، فَخَرَجَ بِهَا، حَتَّى بَلَغْنَا سَدَّ الرَّوْحَاءِ، حَلَّتْ، فَبَنَى بِهَا، ثُمَّ صَنَعَ حَيْساً فِي نِطَعٍ صَغِيرٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "آذِنْ مَنْ حَوْلَكَ". فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى صَفِيَّةَ. ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ، قَالَ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُحَوِّي لَهَا وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ، ثُمَّ يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ، فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ، فَتَضَعُ صَفِيَّةُ رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ، حَتَّى تَرْكَبَ. (وقد قُتل زوجها): هو كِنانةُ بنُ أبي الحُقَيقِ اليهوديُّ. (فاصطفاها (¬3)): أخذَها صَفِيّاً من مغنم خيبرَ، والصَّفِيُّ: هو سهمُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المغنم، كان يأخذ من رأس المال قبل القَسْم ما يختاره ¬

_ (¬1) في "ع": "مجزم". (¬2) في "ع": "ناهية". (¬3) "فاصطفاها" ليست في "ج".

من سلاح أو دابة أو جارية، أو غير ذلك، ولله درُّ هذه الجاريةِ ما أسعدَها بالمصطفى -عليه الصلاة والسلام- حيث كانت صَفِيَّته (¬1)! (سُدّ الروحاء): جبلها -بفتح السين المهملة وضمها، لغتان-، والروحاء، بالمد. (ثم صنع حَيْساً): بفتح الحاء المهملة وسكون آخر الحروف وبسين (¬2) مهملة. قال القاضي: هو خلط الأَقِطِ بالسمن والتمر، وقال بعضهم: وربما جُعلت فيه خميرة. قال ابن وضاح: هو التمر يُنزع نواه ويخلط بالسَّويق. قال القاضي: والأول أصوب (¬3). (في نِطَع (¬4)): -بكسر النون وفتح الطاء- في أفصح لغاته. (آذِن): بهمزة مفتوحة فألف فذال معجمة مكسورة فنون. (فكانت (¬5) تلك وليمةَ رسول الله): بنصب وليمة ورفعها. (يُحَوِّي): -بضم الياء وفتح الحاء وتشديد الواو-؛ أي: يدير كساءً على سنام (¬6) البعير، والاسم: الحَوِيَّةُ، والجمعُ حَوايا. ¬

_ (¬1) في "ع": "صفية". (¬2) في "ع" و"ج": "وسين". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 218). (¬4) "في نطع" ليست في "ع". (¬5) في "ج": "وكانت". (¬6) في "م" و"ن": "أسنام".

باب: بيع الميتة والأصنام

(بعباءة): -بعين مفتوحة مهملة وهمزة بعد الألف-: هي الكساء الصغير. * * * باب: بيعِ المَيْتةِ والأَصنامِ 1264 - (2236) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ، وَهُوَ بِمَكَّةَ: "إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالأَصْنَامِ". فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ، فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ، وَيَسْتَصْبحُ بِهَا النَّاسُ؟ فَقَالَ: "لاَ، هُوَ حَرامٌ". ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ ذَلِكَ: "قَاتَلَ اللهُ الْيَهُودَ؛ إِنَّ اللهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا، جَمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ، فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ". (ويَستصبحُ بها الناسُ (¬1)): أي: يجعلونها في سُرُجِهم ومصابيحهم (¬2) يستضيئون بها. (جَمَلوه): ويروى: "أَجْمَلوه"، جَمَلْتُ الشحمَ وأجملْتُه: إذا أَذَبْته واستخرجت دُهْنَهُ، وجَمَلْتُ أفصحُ من أَجْمَلْتُ (¬3). * * * ¬

_ (¬1) في "م": "للناس". (¬2) في "ع": "ومفاتيحهم". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 501).

باب: ثمن الكلب

باب: ثمنِ الكلبِ 1265 - (2237) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ. (ومهر البَغِيِّ): -بتشديد الياء-: واحدةُ البغايا، والبِغاء -بكسر الباء والمد-: الزنا (¬1)، ومهرُها: ما تُعطاه على الزنا. (وحُلْوان الكاهن): -بضم الحاء المهملة-: ما يُدفع له على كهانته، يقال: حَلَوْتُهُ (¬2) أَحْلُوهُ؛ أي: أعطيتُه. * * * 1266 - (2238) - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبِي اشْتَرَى حَجَّاماً، فَسَأَلتُهُ عَنْ ذَلِكَ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ وَثَمَنِ الْكَلْبِ، وَكَسْبِ الأَمَةِ، وَلَعَنَ الْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ، وَآكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ، وَلَعَنَ الْمُصَوِّرَ. (وكسبِ الأمةِ): هكذا جاء مطلقاً في هذه الرواية، وجاء في رواية رافع بن خديج: "حتى يعلمَ من أينَ هو؟ " (¬3)، وفي رواية أبي داود: "إلا ¬

_ (¬1) "الزنا" ليست في "ج". (¬2) "يقال: حلوته" ليست في "ع". (¬3) رواه أبو داود (3427).

ما عَمِلَتْ بيدِها، وقال بأصابعه هكذا؛ نحو الغزل والنفش، يعني: نفش الصوف" (¬1). وفي حديث: "إلا أن يكونَ لها عملٌ واصبٌ"؛ أي: كسبٌ يُعرف. رواه العلاءُ بنُ عبدِ الرحمن عن أبيه، عن أبي هريرة (¬2). * * * ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3426). (¬2) رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (8052)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 8).

كتاب السلم

كِتابُ السَّلمِ

(كتاب: السَّلَم): عرفه شيخُنا أبو عبد الله بنُ عرفة -رحمه الله- بقوله: عَقْدُ مُعاوَضَةٍ يوجبُ عمارةَ ذمةٍ بغيرِ عينٍ ولا منفعةٍ، غير متماثلِ العِوَضين (¬1). 1267 - (2239) - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، أَخْبَرَناَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، أَخْبَرَناَ ابْنُ أَبِي نجِيحٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كثِيرٍ، عَنْ أَبي الْمِنْهَالِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ، وَالنَّاسُ يُسْلِفُونَ فِي الثَّمَرِ الْعَامَ وَالْعَامَيْنِ، -أَوْ قَالَ: عَامَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً، شَكَّ إِسْمَاعِيلُ-، فَقَالَ: "مَنْ سَلَّفَ فِي تَمْرٍ، فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ". حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ: أَخْبَرَناَ إسْمَاعِيلُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ بِهَذَا: "فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ". (من أسلف (¬2) في تمر): بالمثناة، ويروى بالمثلثة. ¬

_ (¬1) وانظر: "مواهب الجليل" للحطاب (4/ 514). (¬2) نص البخاري: "سلّف".

باب: السلم في وزن معلوم

قال النووي: وهو أعم (¬1). قلت: انظر قوله -عليه الصلاة والسلام- في جواب هذا: "فليسلفْه في كيلٍ معلومٍ ووزنٍ معلوم" مع أن المعيار الشرعي في التمر -بالمثناة- الكيلُ لا الوزنُ. (حدثني (¬2) محمد): زعم أبو عليًّ الجيانيُّ أنه لم ينسبْ محمد [اً] هذا أحدٌ من الرواة، قال: والذي عندي في هذا: أنه محمدُ بنُ سَلاَّم (¬3). (أبي نَجيح): بفتح النون وكسر الجيم وبالحاء المهملة. * * * باب: السَّلَمِ في وزنٍ معلومٍ 1268 - (2240) - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ، أَخْبَرَناَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، أَخْبَرَناَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ أِبي الْمِنْهَالِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسْلِفُونَ بِالتَّمْرِ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلاَثَ، فَقَالَ: "مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ، فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ". (عن عبد الله بن كثير): كان الشيخ أبو الحسن القابسي، وغيره: يزعمون أن عبدَ الله بنَ كثير في هذا الإسناد، والذي قبله هو المقرئ المكي. ¬

_ (¬1) انظر: "شرح مسلم" (11/ 41 - 42). (¬2) كذا في رواية أبي ذر الهروي، وفي اليونينية: "حدثنا"، وهي المعتمدة في النص. (¬3) انظر: "التوضيح" (14/ 622).

وقال أبو الحسن: ليس في "الجامع" روايةٌ لأحدٍ من القراء السبعة إلا لعبد الله بنِ كثيرٍ، وابنِ (¬1) أبي النجود في المتابعة. قال الجياني: وهذا غير صحيح، وابنُ كثير هذا هو ابنُ المطلبِ بنِ أبي وداعةَ السهميُّ، وليس له في "الجامع" إلا هذا الحديث الواحد (¬2). قلت: لكن هذا الجامع معمور بالإمام مالك -رضي الله عنه-، فكم له فيه من آثارٍ جميلة فيه تُشَنِّفُ الآذان تقضي بتقدمه على غيره، فلله دَرُّهما من جامع وإمام! (من أسلفَ في شيء، ففي كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم): الواو هنا للتقسيم، فهي بمعنى أو، ولو أخذت على ظاهرها من معنى الجمع؛ لزم أن يجمع في الشيء الواحد من المسلَم فيه بين الكيل والوزن. قال ابن دقيق العيد: وذلك يُفضي إلى عزة الوجود، وهو مانع من صحة السلم، فتعَّينَ الحملُ على التفصيل، وأن المعنى: السلمُ بالكيل (¬3) في المكيل (¬4)، وبالوزن في الموزون. وفي الحديث دليل على منع السلَم الحالِّ، وهو مذهبُ مالك، وأبي حنيفة -رضي الله عنهما-، والمخالفون يقولون: المعنى: إن (¬5) أسلمَ ¬

_ (¬1) في "ع": "لعبد بن كثير في هذا الإسناد والذي قبله وابن". (¬2) انظر: "التوضيح" (14/ 622). (¬3) في "ع": "بالوكيل". (¬4) في "ج": "في الكيل بالكيل". (¬5) في "ج": "وإن".

باب: السلم إلى من ليس عنده أصل

إلى رجل، فليسلفْ إلى أجل معلوم، لا إلى أجل (¬1) مجهول، فوجهوا الأمر إلى العلم فقط، والإمامان وَجَّهاه إلى الأجل والعلم معاً (¬2) (¬3). * * * باب: السَّلَمِ إلى مَنْ ليسَ عندهُ أَصْلٌ 1269 - (2245) - ثُمَّ بَعَثَانِي إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يُسْلِفُونَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَمْ نَسْأَلْهُمْ: أَلَهُمْ حَرْثٌ أَمْ لاَ؟ (وسألت ابنَ أَبْزى): -بهمزة مفتوحة فموحدة ساكنة فزاي فألف- اسمه عبد الرحمن، وله صحبة. والقائل سألتُ ابنَ أبزى، هو محمدُ بنُ أبي المجالِدِ الكوفيُّ (¬4). * * * 1270 - (2245) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُجَالِدٍ بِهَذَا، وَقَالَ: فَنُسْلِفُهُمْ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ سُفْيَانَ: حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ، وَقَالَ: وَالزَّيْتِ. حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، وَقَالَ: فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّبِيبِ. ¬

_ (¬1) في "ع": "جهل"، وفي "ج": "جهل بعضهم". (¬2) "معاً" ليست في "ع". (¬3) انظر: "شرح عمدة الأحكام" (3/ 156). (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 501).

باب: السلم في النخل

(حدثنا إسحاق): هو ابن شاهين الواسطيُّ، مات بعد الخمسين ومئتين. * * * 1271 - (2246) - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَناَ عَمْرٌو، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ الطَّائِيَّ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- عَنِ السَّلَمِ فِي النَّخْلِ؟ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يُؤْكَلَ مِنْهُ، وَحَتَّى يُوزَنَ. فَقَالَ الرَّجُلُ: وَأَيُّ شَيْءٍ يُوزَنُ؟ قَالَ رَجُلٌ إِلَى جَانِبِهِ: حَتَّى يُحْرَزَ. (سمعت أبا البَخْتَرِيِّ): -بموحدة فخاء معجمة (¬1) ساكنة فمثناة من فوق مفتوحة فراء فياء نسب-: هو سعيدُ بن فيروز. * * * باب: السَّلَمِ في النَّخْلِ 1272 - (2248) - وَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ السَّلَمِ فِي النَّخْلِ، فَقَالَ: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يُؤْكَلَ مِنْهُ، أَوْ يَأْكُلَ مِنْهُ، وَحَتَّى يُوزَنَ. (قال (¬2): سألتُ ابنَ عباس عن السَّلَم في النخل): قال ابن بطال: هذا الحديث ليس من هذا الباب، يعني: باب: السلم إلى من ليس عنده (¬3) ¬

_ (¬1) "معجمة" ليست في "ع" و"ج". (¬2) "قال" ليست في نص البخاري. (¬3) في "ع": "عند".

أصل، وإنما هو في الباب الذي بعده، يعني: باب: السلم في النخل، وغَلِط فيه الناسخ (¬1). وأقره الزركشي، وسكت عليه (¬2). قلت: قال ابن المنير: والتحقيق أنه من هذا الباب، وقلَّ من يفهم ذلك إلا مثل البخاري، والفضلُ للمتقدِّم. ووجه مطابقته: أن (¬3) ابن عباس لمَّا سُئل عن السَّلَم إلى مَنْ له نخلٌ في ذلك النخل، عَدَّ ذلك من قَبيل (¬4) بيعِ الثمارِ قبل بُدُوِّ صلاحها، وإذا كان السلمُ في النخل المعين لا يجوز، لم (¬5) يبق (¬6) لوجودها في ملك المسلَم إليه فائدة، فتعين (¬7) جوازُ السلم إلى مَنْ ليس عنده أصل، بل لعله أجوزُ؛ لأنه يؤمَنُ فيه غائلةُ اعتمادِهما على هذا النخل بعينه، فيلتحق (¬8) ببيع الثمار قبل بدوِّ الصلاح. انتهى. وقد نقل كلامَ ابن المنير هذا معزواً إليه مغلطاي الجندي، وتابعه ابنُ الملقن (¬9). ¬

_ (¬1) انظر: "شرح ابن بطال" (6/ 367). (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 502). (¬3) "أن" ليست في "ع" و"ج". (¬4) في "ع": "قبل". (¬5) في "ع": "لمن" (¬6) في "ع" و"ج": "بين". (¬7) في "ع": "معين". (¬8) في "ج": "فالتحق". (¬9) انظر: "التوضيح" (14/ 632).

1273 - (2249) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- عَنِ السَّلَمِ فِي النَّخْلِ، فَقَالَ: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَصْلُحَ، وَنَهَى عَنِ الْوَرِقِ بِالذَّهَبِ نَسَاءً بِنَاجِزٍ. (نَساءً): -بفتح النون والمد-؛ أي: تأخيراً، منصوب على الحال، إما بجعل المصدر نفسه حالاً على المبالغة، أو تأويله باسم المفعول؛ أي: مؤخَّراً، أو على الحذف؛ أي: ذا تأخير، أو يجعل "نَساء" مصدَر فعلٍ محذوفٍ ناصبٍ له؛ أي: ينسأ نساءً، والجملة حالية، على ما هو مقرَّرٌ في نظائره، وقد سبق الكلام في مثله. * * * 1274 - (2250) - وَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَأْكُلَ، أَوْ يُؤْكَلَ، وَحَتَّى يُوزَنَ. قُلْتُ: وَمَا يُوزَنُ؟ قَالَ رَجُلٌ عِنْدَهُ: حَتَّى يُحْرَزَ. (حتى يُحزر): -بتقديم الزاي-؛ أي: يُخْرَص، ولا يُخرصُ حتى يصلُح للأكل. و (¬1) فائدة الخرص: أن يعلم كمية حقوق الفقراء قبل أن يتصرف المالك. وفي رواية أبي زيد: "حتى يُحْرَزَ" -بتقديم الراء على الزاي-، ¬

_ (¬1) الواو ليست في "ج".

باب: السلم إلى أجل معلوم

وصوَّبه القاضي، وقال: معناه: حفظه وصيانته ممن يجده، وقلما يكون ذلك إلا بعد بدوِّ صلاحه (¬1). * * * باب: السَّلَمِ إلى أجلٍ معلومٍ 1275 - (2254 و 2255) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَناَ سُفْيَانُ، عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُجَالِدٍ، قَالَ: أَرْسَلَنِي أَبُو بُرْدَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ شَدَّادٍ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، فَسَأَلْتُهُمَا عَنِ السَّلَفِ، فَقَالاَ: كُنَّا نُصِيبُ الْمَغَانِمَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَكَانَ يَأْتِينَا أَنْبَاطٌ مِنْ أَنْبَاطِ الشَّأْمِ، فَنُسْلِفُهُمْ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّبِيبِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، قَالَ: قُلْتُ: أَكَانَ لَهُمْ زَرْعٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ زَرْعٌ؟ قَالاَ: مَا كُنَّا نَسْأَلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ. (فكان يأتينا أنباط): كان شأنية، والأنباط: جمعُ نَبَط؛ كفَرَس، ونبَيط؛ كجَميل، وهم نصارى الشام الذين عمروها، وقيل: جيلٌ وجنسٌ من الناس. قال القاضي: ويحتمل أن (¬2) تسميتهم بذلك؛ لاستنباطهم المياهَ واستخراجِها (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 189). وانظر: "التنقيح" (2/ 502). (¬2) "أن" ليست في "ج". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 3).

كتاب الشفعة

كِتابُ الشُّفْعَةِ

(كتاب: الشُّفْعَة): قال بعضهم: هي بإسكان الفاء، لا يجوز غير ذلك، وجوز بعضهم ضمَّها. قال ابن دريد: وسُميت شُفعة؛ لأنه (¬1) يُشفع مالُه بها، يقال: كان فرداً، فشفعَه (¬2) بضمِّ غيره إليه، هذا أظهرُ ما قيل في اشتقاقها. وعرفها شيخُنا ابن عرفة بقوله: استحقاقُ شريكٍ أخذَ مَبيعِ شريكِه بثمنه (¬3). قال: وقولُ ابن الحاجب: أخذُ الشريكِ حصتَه جبراً بشراء (¬4)، إنما يتناول أخذَها، لا ماهيتها، وهي غيرُ أخذها؛ لأنها معروضة (¬5)، ولنقيضه (¬6)، وهو تركُها، والمعروضُ (¬7) لشيئين متناقضين ليس عين أحدهما، ¬

_ (¬1) "لأنه" ليست في "ج". (¬2) في "ع" و"ج": "فيشفعه". (¬3) وانظر: "مواهب الجليل" للحطاب (5/ 310). (¬4) انظر: "جامع الأمهات" لابن الحاجب (ص: 416). (¬5) في "ع" و"ج": "مفروضة". (¬6) في "ع" و"ج": "وليقضيه". (¬7) في "ع": "والمفروض".

باب: الشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود فلا شفعة

وإلا (¬1) اجتمع النقيضان. قلت: مما يدل على أن أخذ الشِّقْصِ على الوجه المذكور هو (¬2) مسمى الشفعة [دورانُه معه وجوداً وعدماً، أما وجوداً، ففيما إذا استولى على الشقص بالشفعة] (¬3)؛ فإنه يصدق عليه حينئذٍ أنه شفع، وأما عدماً، ففيما إذا لم يأخذه، فإنه يصدق (¬4) أنه لم يشفع، وقوله: إنها معروضة للأخذ ولنقيضه، وهو الترك، ممنوعٌ، إنما المعروضُ ما جعله هو (¬5) ماهيةَ الشفعة، وهو الاستحقاق؛ فإنه تارة يتمسك به، وتارة يتركه، ولو كان الاستحقاق هو ماهية الشفعة -كما ذكره- لم يصح سلبها عمن (¬6) استحق الأخذ، ولم يأخذ؛ فإنه يقال فيه: لم يشفع، وعبارات أصحابنا طافحة بذلك، ثم تعريفُه -رحمه الله- غيرُ جامع؛ لخروج الشقص المشفوع به بالقيمة لا بالثمن. * * * باب: الشُّفْعَةِ فيما لم يُقْسَم، فإذا وقعتِ الحُدودُ فَلا شُفْعَةَ 1276 - (2257) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ¬

_ (¬1) في "ج": "ولا". (¬2) في "ع": "وهو". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬4) في "ع" و"ج": "لم يصدق". (¬5) "هو" ليست في "ع". (¬6) في "ج": "ممن".

باب: عرض الشفعة على صاحبها قبل البيع

-رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: قَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ، وَصُرِّفَتِ الطّرُقُ، فَلاَ شُفْعَةَ. (فإذا وقعت الحدود، وصُرِّفت الطرق، فلا شفعة): قال ابن الملقن: زعم بعضهم أن هذا ليس مرفوعاً، إنما هو من كلام الراوي، وفيه نظر (¬1). وصرفُ الطرق: تبيين (¬2) مصارفها وشوارعها. * * * باب: عَرْضِ الشُّفْعَةِ عَلَى صَاحِبِها قَبْلَ البَيْعِ 1277 - (2258) - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَناَ ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ، قَالَ: وَقَفْتُ عَلَى سَعْدِ ابْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، فَجَاءَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى إِحْدَى مَنْكِبَيَّ، إِذْ جَاءَ أَبُو رَافِعٍ مَوْلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا سَعْدُ! ابْتَعْ مِنِّي بَيْتَيَّ فِي دَارِكَ، فَقَالَ سَعْدٌ: وَاللهِ! ما أَبْتاعُهُما، فقال المسْوَرُ: واللهِ! لَتَبْتاعَنَّهُمَا، فقال سَعْدٌ: واللهِ! لاَ أزِيدُكَ عَلَى أرْبَعَةِ آلافٍ مُنَجَّمَةٍ، أَوْ مُقَطَّعَةٍ، قَالَ أَبُو رَافِعٍ: لَقَدْ أُعْطِيتُ بِهَا خَمْسَ مِئَةِ دِينَارٍ، وَلَوْلاَ أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ"، مَا أَعْطَيْتُكَهَا بِأَرْبَعَةِ آلاَفٍ، وَأَناَ أُعْطَى بِهَا خَمْسَ مِئَةِ دِينَارٍ. فَأَعْطَاهَا إِيَّاهُ. ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (5/ 12). (¬2) في "ج": "تبين".

(ولولا أني سمعتُ رسولَ الله (¬1) يقول: الجارُ أحقُّ بسَقَبِه): رد ابنُ بطال على أهل العراق تمسُّكَهم بهذا في إثبات شفعة الجوار: بأن أبا رافع استدل به، وهو راويه (¬2) على إثبات الشفعة لشريكه، وهو سعد، قال: وكان أبو رافع شريك سعد في بيته (¬3). قال ابن المنير: وهو في ذلك كله واهم (¬4)؛ فإن أبا رافع كان يملك بيتين متميزين من جملة المنزل، لا شقصاً شائعاً، فهو جارٌ لا شريكٌ، وهذا لأهل العراق، لا عليهم. قلت: وهو ظاهر؛ لأن في صدر الحديث: فقال -يعني أبو رافع-: يا سعد! ابتع مني بيتيَّ في دارك، وهو دال (¬5) على أن ما كان أبو رافع يملكه متميز، لا شائع، ومن لم (¬6) يثبت شفعة (¬7) الجوار (¬8)، يحمل الجار على الشريك؛ فإنه يسمى جاراً. قال ابن الأثير: ويحتمل أن يكون أراد أنه أحق بالبر والمعونة (¬9) ¬

_ (¬1) كذا في رواية أبي ذر الهروي، وفي اليونينية: "النبي"، وهي المعتمدة في النص. (¬2) في "ع" و"ج": "رواية". (¬3) "شرح ابن بطال" (6/ 380). (¬4) في "ع" و"ج": "أوهم". (¬5) في "ع": "قال" (¬6) في "ع": "ولم" (¬7) في "ع": "شفعته" (¬8) في "ج": "الجواز" (¬9) في "ج": "المعرفة"

باب: أي الجوار أقرب

بسبب قربه من جاره (¬1). * * * باب: أَيُّ الْجِوَارِ أَقْرَبُ (باب: أَيُّ الجوار أقربُ): كأن البخاري -رحمه الله- مال إلى مذهب الكوفيين في استحقاق الشفعة بالجوار، إلا (¬2) أنه لم يترجم عليه، بل ذكر الحديث في الترجمة الأولى، وهو دليل على شفعة الجوار، وأعقبه بباب الجوار؛ ليدل بذلك على أن الأقرب جواراً أحقُّ من الأبعد، ولكنه لم يصرح في الترجمة بأن غرضه الشفعة، والجوار (¬3)، بضم الجيم وكسرها. 1278 - (2259) - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ (ح). وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ ابْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا شَبابَةُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ طَلْحَةَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ لِي جَارَيْنِ، فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: "إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ باباً". (قال (¬4): إلى أقربهما منكِ باباً): ويروى: "أقربهما (¬5) " -بالجر- مع إسقاط "إلى"، وهو من حذف الجار وإبقاء عمله، وجُوز الرفعُ. ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 377). (¬2) في "ع": "لا". (¬3) في "ع": "والجواز". (¬4) في "ع" و"ج": "وقال". (¬5) في "ج": "أقربها".

قال (¬1) الزركشي: وهو الأكثر، وليس في هذا الحديث ما يدل على ثبوت شفعة الجوار، إنما فيه: أن من قَرُبَ بابُه أولى بالهدية إليه ممن (¬2) هو أبعدُ منه باباً (¬3). * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "وقال". (¬2) في "م": "إليه إلى ممن". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 503).

كتاب الإجارة

كِتَابُ الإِجَارَةِ

باب: استئجار الرجل الصالح

باب: اسْتِئْجَارِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ (كتاب: الإجارة) (باب: استئجار الرجل الصالح): قال ابن المنير: غرضُه من هذه الترجمة قطعُ وهمِ مَنْ لعلَّه يتوهم أنه لا ينبغي استئجار الصالحين في الأعمال والخدم؛ لأن ذلك امتهانٌ لهم. 1279 - (2260) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جَدِّي أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْخَازِنُ الأَمِينُ، الَّذِي يُؤَدِّي مَا أُمِرَ بِهِ طَيِّبَةً نَفْسُهُ، أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنِ". (الخازن الأمين): قال الإسماعيلي: ليس في هذا معنى الإجارة. وقال الداودي: ذكره؛ لأن الخازن لا شيء له في المال، وإنما هو أجير، فلذا (¬1) أدخله. وقال ابن بطال: إنما أدخله؛ لأن من استؤجر على شيء، فهو أمين ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": فلهذا.

فيه، ولا ضمان عليه فيه إن لم يفرط (¬1)، وتبعه الزركشي عليه (¬2). قلت: وفيه نظر؛ لأن سقوط الضمان ليس منوطاً بالأمانة، وإنما هو منوط بالائتمان، حتى لو ائتمنه خائناً، لم يكن عليه ضمان، والمسوق في الحديث هو من اتصف (¬3) بالواقع في الأمانة، فأنَّى يؤخذ منه ما قالاه؟! فتأمل (¬4). * * * 1280 - (2261) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: أَقْبَلْتُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعِي رَجُلَانِ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ، فَقُلْتُ: مَا عَلِمْتُ أَنَّهُمَا يَطْلُبَانِ الْعَمَلَ، فَقَالَ: "لَنْ -أَوْ: لَا- نَسْتَعْمِلُ عَلَى عَمَلِنَا مَنْ أَرَادَهُ". "لن (¬5) -أو لا- نستعملُ (¬6) على عملنا من أراده): فيه غرابةٌ من جهة حذف منصوب "لن (¬7) "، و"نستعمل" مرفوع، وهو المنفي بـ "لا". * * * ¬

_ (¬1) "شرح ابن بطال" (6/ 385). (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 503). (¬3) في "ع": "أنصف". (¬4) في "ج": "قاله، فتأمله". (¬5) في "ع": "أن". (¬6) في "ع": "من يستعمل". (¬7) في "ج": "أن".

باب: رعي الغنم على قراريط

باب: رَعْي الغَنَمِ على قَرَارِيطَ 1281 - (2262) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "مَا بَعَثَ اللهُ نَبِيّاً إِلَّا رَعَى الْغَنَمَ". فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ: "نعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ". (فقال أصحابه: وأنت؟): على حذف همزة الاستفهام؛ أي: أو أنت؟ (قال: نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة): قال أبو إسحاق الحربي: قراريط: اسم مكان بقرب جياد، ولم يرد القراريطَ من الفضة. وقال سُويد بن سعيد: يعني: كل شاة بقيراط (¬1). قال ابن الجوزي: وقول (¬2) الحربي أصح (¬3). وأيده مغلطاي، بأن العرب لم تكن تعرف القيراط، [ولهذا أخبر -عليه السلام- أن مصر تفتح، وأنها أرض يُذكر فيها القيراط (¬4)] (¬5)، ولهذا لم يقل البخاري: باب: الاستئجار لرعي الغنم؛ لأنه لا ذكر للإجارة فيه، قال مغلطاي: أو ترك التلفظ بها (¬6) إعظاماً لسيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) في "ج": "بقراريط". (¬2) في "ع": "وقال". (¬3) انظر: "التوضيح" (15/ 35). (¬4) في "ج": "القراريط". (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬6) في "ع": "بهما".

باب: استئجار المشركين عند الضرورة، أو لم يوجد أهل الإسلام

باب: استئجارِ المشركينَ عندَ الضَّرورةِ، أو لم يوجدْ أهلُ الإسلامِ 1282 - (2263) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: وَاسْتَأْجَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ، هَادِياً خِرِّيتاً -الْخِرِّيتُ: الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ- قَدْ غَمَسَ يَمِينَ حِلْفٍ فِي آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، وَهْوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَأَمِنَاهُ، فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، فَأَتَاهُمَا بِرَاحِلَتَيْهِمَا صَبِيحَةَ لَيَالٍ ثَلَاثٍ، فَارْتَحَلَا، وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، وَالدَّلِيلُ الدَّيلِيُّ، فَأَخَذَ بِهِمْ أَسْفَلَ مَكَّةَ، وَهْوَ طَرِيقُ السَّاحِلِ. (عن عائشة، قالت: واستأجر): كذا لهم (¬1) -بالواو (¬2) -، وعند ابن السكن: قالت (¬3): استأجر، وهو أبينُ، وعلى الأول، فكأن البخاري اقتطعه من حديث الهجرة (¬4). (رجلًا من بني الدِّيل): -بكسر الدال المهملة واسكان الياء المثناة من تحت-: بطنٌ من (¬5) بني بكر، ويقال فيه: الدُّئِل -بضم الدال وكسر ¬

_ (¬1) في "م": "هم". (¬2) في "ع": "بالراء". (¬3) في "ع" و"ج": "قال". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 504). (¬5) "من" ليست في "ع".

الهمزة-، واسمُ هذا الرجل: عبد الله بنُ أُرَيْقِط، وفي "سيرة ابن هشام": عبدُ الله بنُ أرقط. قال الزركشي: وقيل: اسمه سهمُ بنُ عمرٍو (¬1). (هادياً خِرِّيتاً): -بكسر الخاء المعجمة وتشديد الراء-، وفسره في المتن بالماهر بالهداية. (قد غمسَ يمينَ حِلْفٍ): -بغين معجمة-، وحِلْف -بكسر الحاء المهملة وسكون (¬2) اللام-؛ أي: أخذ بنصيب من عقدهم وحلفهم يأمن به، وكانت عادتهم أن يُحضروا في جفنة طيباً (¬3)، أو دماً، أو رماداً، فَيُدخلون فيه أيديَهم عند التحالف؛ ليتمَّ عقدُهم عليه باشتراكهم في شيء واحد (¬4). (فأَمِناه): قال الزركشي: -بالقصر وكسر الميم-، أَمِنْتُ فلاناً، وأنا آمِنٌ، وهو مأمون، ويقال: أمنتُ على كذا: إذا لم يخف فيه غائلة (¬5). (ووعداه غار ثور): هو الغار الذي استتر فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر حين فرَّا من المشركين. (فانطلق معهما عامرُ بْن فُهيرة): هو مولى (¬6) أبي بكر الصديق رضي الله عنه. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 504). (¬2) في "م": "وكسر". (¬3) في "ع" و"ج": "طيناً". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 505). (¬5) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬6) في "ع": "موالي".

باب: إذا استأجر أجيرا ليعمل له بعد ثلاثة أيام، أو بعد شهر، أو بعد سنة، جاز، وهما على شرطهما الذي اشترطاه إذا جاء الأجل

قال ابن المنير: أراد البخاري أنه لا يُستعان في الإجارة إلا بالأخيار (¬1)؛ لأنها تستدعي الخلطة؛ بخلاف المبايعة، فترجم أولا على استئجار الصالحين، ثم ترجم ثانياً على استئجار المشركين، وبين أنه منوط بالضرورة، وساق من الأحاديث ما يناسب ذلك، فعلى هذا: لا يُساقى الكافر، ولا يقارض، ولا يستخدم، ولا يخالط في مثل هذا إلا لضرورة. * * * باب: إِذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيراً لِيَعْمَلَ لَهُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ بَعْدَ شَهْرٍ، أَوْ بَعْدَ سَنَةٍ، جَازَ، وَهُمَا عَلَى شَرْطِهِمَا الَّذِي اشْتَرَطَاهُ إِذَا جَاءَ الأَجَلُ (باب: إذا استأجر أجيراً ليعمل له بعد ثلاثة أيام، أو [بعد] شهر، [أو بعد] سنة، جاز): ساق فيه حديث استئجار الدليل الدُّئِلي، واعترضه الإسماعيلي، فقال: يرحم الله البخاري، ظن ظناً فعمل عليه، من أين في الخبر (¬2) أنهما استأجراه على أن لا يعمل إلا بعد ثلاث؟ بل الذي فيه أنهما استأجراه، وابتدأ في العمل من وقته (¬3) بتسليمهما (¬4) إليه راحلتيهما (¬5) يرعاهما ويحفظهما، وكان خروجهما وخروجه بعد ثلاث على الراحلتين ¬

_ (¬1) في "ع": "بالخيار". (¬2) في "ع" و"ج": "البخاري". (¬3) في "ج": "لوقته". (¬4) في "ع" و"ج": "بتسليمها". (¬5) في "ع": "راحلتهما".

اللتين هو قائم بأمرهما إلى ذلك الوقت (¬1). واعترض غيرُه بأمر آخر، وهو أنه ليس في الحديث تعرُّضٌ إلى تأخر (¬2) العمل إلى الأجل البعيد. وأجاب ابن المنير عن الأول: بأن الخدمة المقصودة بهذه الإجارة ما كانت إلا للدلالة (¬3) على الطريق، ولا خفاء بأنها تأخرت. وعن الثاني: أنه قاس الأجلَ البعيدَ على القريب بطريقه (¬4)، لا قائلَ (¬5) بالفصل، فجعل الحديثَ دليلاً على جواز الأجل مطلقاً. قلت: والعجب من مغلطاي، وتابعه ابن الملقن (¬6)؛ فإنهما ساقا اعتراض الإسماعيلي، ثم ذكرا (¬7) كلام (¬8) ابن المنير في جواب الاعتراض الثاني (¬9) جواباً عن مناقشة الإسماعيلي، وهو لا يُتصور أن يكون جواباً عنها ألبتة، ولم يُلِمَّا بشيء من كلامه الذي يصلُح أن يكون جواباً لتشكيك (¬10) الإسماعيلي، وبالله التوفيق. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 505). (¬2) في "ع" و"ج": "تأخير". (¬3) في "ع": "للدلالات". (¬4) في "ع": "بطريقة". (¬5) في "ع": "الأقاويل". (¬6) انظر: "التوضيح" (15/ 40). (¬7) في "ع" و"ج": "ذكر". (¬8) في "ج": "الكلام". (¬9) في "ع": "من الثاني". (¬10) في "ج": "للتشكيك".

باب: الأجير في الغزو

باب: الأجيرِ في الغَزْوِ 1283 - (2265) - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى، عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - جَيْشَ الْعُسْرَةِ، فَكَانَ مِنْ أَوْثَقِ أَعْمَالِي فِي نَفْسِي، فَكَانَ لِي أَجِيرٌ، فَقَاتَلَ إِنْسَاناً، فَعَضَّ أَحَدُهُمَا إِصْبَعَ صَاحِبِهِ، فَانْتَزَعَ إِصْبَعَهُ، فَأَنْدَرَ ثَنِيَّتَهُ، فَسَقَطَتْ، فَانْطَلَقَ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَهْدَرَ ثَنِيَّتَهُ، وَقَالَ: "أَفَيَدَعُ إِصْبَعَهُ فِي فِيكَ تَقْضَمُها -قالَ: أحْسبُهُ قالَ:- كَمَا يَقْضَمُ الفَحْلُ؟! ". (جيش العسرة): هو غزوة تبوك، سمي بذلك؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- ندبَ الناسَ إلى الغزو في شدة القيظ، وكان وقتَ طيب الثمرة، فعسُرَ ذلك عليهم وشَقَّ (¬1). (فأندرَ ثنيته): أي: أسقطَها، وأندر: بالنون والدال المهملة. (يقضَمها): -بفتح الضاد المعجمة-، وهي اللغة الفصيحة، والقَضْم: العَضُّ بأطراف الأسنان، والخَضْم: العَضُّ بأقصاها (¬2). * * * 1284 - (2266) - قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ جَدِّهِ، بِمِثْلِ هَذِهِ الصِّفَةِ: أَنَّ رَجُلاً عَضَّ يَدَ رَجُلٍ، فَأَنْدَرَ ثَنِيَّتَهُ، ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "وشق عليهم". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 506).

باب: من استأجر أجيرا، فبين له الأجل، ولم يبين العمل

فَأَهْدَرَهَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. (قال ابن جريج: وحدثني عبد الله بن أبي مليكة، عن جده): قال الدمياطي: هو عبدُ الله بنُ عبدِ الله بنِ أبي مليكة زهيرِ بنِ عبدِ الله بنِ جذعانَ قاضي الطائف لابن الزبير (¬1)، وقد خالف البخاريَّ ابنُ منده، وأبو نعيم، وأبو عمر (¬2) في هذا الحديث، فرووه في كتب الصحابة في ترجمة ابن أبي مُلَيْكَةَ زهيرٍ: أن رجلاً عضَّ يدَ رجل، فسقطت (¬3) [ثنيته]، فأبطلها أبو بكر، كذا في الزركشي (¬4). * * * باب: مَنِ اسْتَأْجَرَ أَجِيراً، فَبَيَّنَ لَهُ الأَجَلَ، وَلَمْ يُبَيِّنَ الْعَمَل لِقَوْلِهِ: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} [القصص: 27] إِلَى قَوْلِهِ: {عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} [القصص: 28] يَأْجُرُ فُلَاناً: يُعْطِيهِ أَجْراً، وَمِنْهُ فِي التَّعْزِيَةِ: أَجَرَكَ اللهُ. (يأجُرُ فلاناً: يعطيه أجره (¬5) ومنه في التعزية: أجرك الله): يريد ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "لابن الأثير". (¬2) في "ع" و"ج": "عمرو". (¬3) في "ع": "فسقط". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 506). (¬5) نص البخاري: "أجراً".

باب: إذا استأجر أجيرا على أن يقيم حائطا يريد أن ينقض، جاز

البخاري أن آجرتُ ممدودٌ، لكن (¬1) حُكي فيه القصر، قيل: ولا يحسن منه الاستشهادُ بالتعزية؛ لأن المعنى فيهما (¬2) مختلف، وفرق بين الأجر والأجرة. * * * باب: إِذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيراً عَلَى أَنْ يُقِيمَ حَائِطاً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ، جَازَ (باب: إذا استأجر أجيرا على أن يُقيم حائطاً): يريد: أن الإجارة قد تضبط بتعيين العمل [كما تضبط بتعيين الأجل] (¬3). * * * باب: الإِجَارَةِ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ (باب: الإجارة إلى نصف النهار): كما ترجم أولاً على الضبط بالعمل، ترجم هاهنا على الضبط بالأجل. 1285 - (2268) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ، كمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ، فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ غُدْوَةٍ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ الْيَهُودُ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ النَّصَارَى، ¬

_ (¬1) في "ع": "ذلك". (¬2) في "ع": "فيها". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع".

باب: الإجارة إلى صلاة العصر

ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنَ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ عَلَى قِيرَاطَيْنِ؟ فَأَنْتُمْ هُمْ، فَغَضِبَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالُوا: مَا لَنَا أَكْثَرَ عَمَلاً وَأَقَلَّ عَطَاءً؟ قَالَ: هَلْ نَقَصْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ". (فقالوا: ما لنا أكثرَ عملاً وأقلَّ عطاءً): بنصب أكثرَ وأقلَّ على الحال؛ كقوله تعالى: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ} [المدثر: 49]. * * * باب: الإجارةِ إلى صَلاةِ العصرِ 1286 - (2269) - حدثنا إسْماعِيلُ بنُ أبيِ أُوَيْسٍ، قالَ: حدّثني مالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ دِينارٍ مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ -رضي اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، كَرَجُلٍ اسْتَعْمَلَ عُمَّالًا، فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ، فَعَمِلَتِ الْيَهُودُ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ؟ ثُمَّ عَمِلَتِ النَّصَارَى عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ، ثُمَّ أَنْتُمُ الَّذِينَ تَعْمَلُونَ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغَارِبِ الشَّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، فَغَضِبَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَقَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلاً وَأَقَلُّ عَطَاءً؟! قَالَ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْئاً؟ قَالُوا: لَا، فَقَالَ: فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ". (إنما مثلكم واليهودِ): هكذا بالجر عطفاً على الضمير المخفوض بدون إعادة الخافض، وهو ممنوع عند البصريين، إلا يونسَ وقُطْرُباً

باب: الإجارة من العصر إلى الليل

والأخفشَ والكوفيين قاطبةً على الجواز، والحديثُ مما يشهد لهم. * * * باب: الإجارةِ من العَصْرِ إلى اللَّيلِ 1287 - (2271) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "مَثَلُ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ قَوْماً، يَعْمَلُونَ لَهُ عَمَلاً يَوْماً إِلَى اللَّيْلِ، عَلَى أَجْرٍ مَعْلُومٍ، فَعَمِلُوا لَهُ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ، فَقَالُوا: لَا حَاجَةَ لَنَا إِلَى أَجْرِكَ الَّذِي شَرَطْتَ لَنَا، وَمَا عَمِلْنَا بَاطِلٌ، فَقَالَ لَهُمْ: لاَ تَفْعَلُوا، "أَكْمِلُوا بَقِيَّةَ عَمَلِكُمْ، وَخُذُوا أَجْرَكُمْ كَامِلًا، فَأَبَوْا وَتَرَكُوا، وَاسْتَأْجَرَ أَجِيرَيْنِ بَعْدَهُمْ، فَقَالَ لَهُمَا: أَكْمِلاَ بَقِيَّةَ يَوْمِكُمَا هَذَا، وَلَكُمَا الَّذِي شَرَطْتُ لَهُمْ مِنَ الأَجْرِ، فَعَمِلُوا، حَتَّى إِذَا كَانَ حِينُ صَلَاةِ الْعَصْرِ، قَالَا: لَكَ مَا عَمِلْنَا بَاطِلٌ، وَلَكَ الأَجْرُ الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا فِيهِ. فَقَالَ لَهُمَا: أَكْمِلَا بَقِيَّةَ عَمَلِكُمَا؛ فَإِنَّ مَا بَقِيَ مِنَ النَّهَارِ شَيْءٌ يَسِيرٌ، فَأَبَيَا، وَاسْتَأْجَرَ قَوْماً أَنْ يَعْمَلُوا لَهُ بَقِيَّةَ يَوْمِهِمْ، فَعَمِلُوا بَقِيةَ يَوْمِهِمْ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ، واسْتَكْمَلُوا أَجْرَ الفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا، فَذلِكَ مَثَلُهُمْ ومَثَلُ ما قَبِلُوا مِنْ هَذَا النُّورِ". (فعملوا حتى إذا كان حينَ (¬1) [صلاة] العصر): بنصب "حينَ" على أنها خبر "كان" الناقصة، واسمها ضميرٌ مستتر فيها يعود إلى انتهاء (¬2) ¬

_ (¬1) "حين" ليست في "ع". (¬2) في "ع" و"ج": "إنهاء".

باب: من استأجر أجيرا فترك أجره، فعمل فيه المستأجر فزاد، أو من عمل في مال غيره فاستفضل

عملهم المفهوم من السياق، وبرفع "حينُ" على أنه فاعل كان التامة. * * * باب: من استأجَر أجيراً فتركَ أجْرَهُ، فعَمِلَ فيه المستأجرُ فَزَادَ، أو مَنْ عَمِلَ في مالِ غيرهِ فاستفضَلَ 1288 - (2272) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَتَّى أَوَوُا الْمَبِيتَ إِلَى غَارٍ، فَدَخَلُوهُ، فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ، فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الْغَارَ، فَقَالُوا: إِنَّهُ لَا يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلَّا أَنْ تَدْعُوا اللهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمُ: اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَكُنْتُ لَا أَغْبُقُ قَبْلَهُمَا أَهْلًا وَلَا مَالًا، فَنَأَى بِي فِي طَلَبِ شَيْءٍ يَوْماً، فَلَمْ أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا، فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا، فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ، وَكَرِهْتُ أَنْ أَغْبُقَ قَبْلَهُمَا أَهْلاً أَوْ مَالًا، فَلَبِثْتُ وَالْقَدَحُ عَلَى يَدَيَّ أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا حَتَّى بَرَقَ الْفَجْرُ، فَاسْتَيْقَظَا فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ، فَانْفَرَجَتْ شَيْئاً لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ". قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إلَيَّ، فَأَرَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا، فَامْتَنَعَتْ مِنِّي، حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ، فَجَاءَتْنِي، فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِئَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا، فَفَعَلَتْ، حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا، قَالَتْ: لَا أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ

الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ، فَتَحَرَّجْتُ مِنَ الْوُقُوعِ عَلَيْهَا، فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وَهْيَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أَعْطَيْتُهَا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهَا". قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَقَالَ الثَّالِثُ: اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ، فَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ واحِدٍ تَرَكَ الذي لَهُ وذَهَبَ، فَثَمَّرتُ أَجْرَهُ حتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الأَمْوَالُ، فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ، فقال: يا عَبْدَ الله! أَدِّ إِلَيَّ أَجْرِي، فَقُلْتُ لَهُ: كُلُّ ما تَرَى مِنْ أجْرِكَ؛ مِنَ الإبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالرَّقيقِ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ! لَا تَسْتَهْزِئْ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ، فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فَاسْتَاقَهُ، فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئاً، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، فَخَرَجُوا يَمْشُونَ". (حتى أَوَوْا): -بقصر الهمزة- على زنة رَمَوْا. (لا أَغْبُق): -بإسكان الغين المعجمة وضم الباء الموحدة-؛ أي: ما كنت أقدِّم عليهما (¬1) أحداً في شرب نصيبهما من اللبن، والغَبوق: الشُّرْبُ في آخر النهار، والصَّبوح: الشربُ في أوله. (فنأى بي (¬2)): أي: بَعُدَ بي (¬3) طلبُ المرعى، كذا في "المشارق". قال: والنأي: البعدُ، نَأَى (¬4) يَنْأَى؛ مثل سَعَى يَسْعَى، ويقال مقلوباً: ¬

_ (¬1) في "ع": "عليها". (¬2) في "ع" و"ج": "فيأتي". (¬3) في "ع" و"ج": "في". (¬4) في "ج": "أي".

ناءَ يَناءُ؛ كحارَ يَحار (¬1)، وناءَ ينوء (¬2)؛ كقال يقول (¬3). (فلم أُرِحْ عليهما): قال السفاقسي: قيل (¬4): هو من أراح (¬5)، رباعي (¬6). (حتى بَرَق الفجرُ): -بفتح الباء الموحدة والراء- من "برق". (ألمت بها سنة من السنين): أي: نزلت بها سنة من سني القحط، يقال: أَلْمَمْتُ بالرجل: إذا نزلتُ به. (أن تفضَّ الخاتمَ): عبارة عن إزالة البكارة على جهة الاستعارة (¬7). [(إلا بحقه): يريد: النكاحَ الشرعيَّ المسوِّغَ للوطء. (فتحرجت): أي: فتحنيتُ الخروجُ الناشئ من الوقوع عليها بغير حق. (فأفرِجْ): ضبطه الزركشي هنا بهمزة قطع وكسر الراء؛ أي: اكشفْ، قال: وفي رواية غير البخاري: "فافرُج" -بهمزة وصل وضم الراء- من قولهم: فرجهَ يفرُجه] (¬8). * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "مقلوباً ثانياً كجار يجار". (¬2) "ينوء" ليست في "ع". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 1). (¬4) "قيل" ليست في "ج". (¬5) في "ع": "أرواح". (¬6) انظر: "التوضيح" (15/ 60). (¬7) في "ع" و"ج": "الاستعارة التبعية". (¬8) ما بين معكوفتين سقط من "ن"، وانظر: "التنقيح" (2/ 508).

باب: من آجر نفسه ليحمل على ظهره، ثم تصدق به، وأجر الحمال

باب: من آجَرَ نَفْسَهُ ليحملَ على ظهرِهِ، ثمَّ تَصدَّق به، وأَجْرِ الحَمَّالِ 1289 - (2273) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَمَرَ بِالصَّدَقَةِ، انْطَلَقَ أَحَدُنَا إِلَى الشُّوقِ، فَيُحَامِلُ، فَيُصِيبُ الْمُدَّ، وَإِنَّ لِبَعْضِهِمْ لَمِئَةَ أَلْفٍ. قَالَ: مَا نُرَاهُ إِلاَّ نَفْسَهُ. (قال ما نراه إلا نفسه): -بضم النون- من نُراه؛ أي: ما نظنه إلا غني نفسه. * * * باب: هَلْ يُؤَاجِرُ الرَّجُلُ نَفْسَهُ مِنْ مُشْرِكٍ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ؟ (باب: هل يؤاجر الرجل نفسَه من مشرك في أرض الحرب؟): أشار بالتقييد بأرض الحرب إلى أن ذلك ضرورة، فيُغتفر، وأما في أرض الإسلام، فقد (¬1) أغنى الله بالمسلمين وخدمتهم عن الاضطرار إلى خدمة المشركين. قال ابن المنير: والذي استقرت عليه المذاهب أن الصناع في حوانيتهم كالقين والخياط ونحوهما يجوز أن يعمل لأهل الذمة، ولا يعد ذلك ذلة؛ بخلاف خدمته في منزله، وبطريق التبعية له؛ كالمكاري، والبَلَّان في الحمام، ونحو ذلك. ¬

_ (¬1) "فقد" ليس في "م".

باب: ما يعطى في الرقية على أحياء العرب بفاتحة الكتاب

باب: مَا يُعطى في الرُّقيةِ على أحياءِ العَربِ بفاتحةِ الكتابِ 1290 - (2276) - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا، حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، فَاسْتَضَافُوهُمْ، فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ، فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَيِّ، فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ، لَا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ، فَأَتَوْهُمْ فَقَالُوا: يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ! إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ، وَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ، فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ، وَاللهِ إِنِّي لأَرْقِي، وَلَكِنْ وَاللهِ لَقَدِ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضِيِّفُّونَا، فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلاً، فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنَ الْغَنَمِ، فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عَلَيْهِ وَيَقْرَأُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ، فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ. قَالَ: فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمُ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: اقْسِمُوا، فَقَالَ الَّذِي رَقَى: لَا تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ، فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُنَا، فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرُوا لَهُ، فَقَالَ: "وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟ " -ثُمَّ قَالَ:- "قَدْ أَصَبْتُمُ، اقْسِمُوا، وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْماً". فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. وَقَالَ شُعْبَةُ: حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ: سَمِعْتُ أَبَا الْمُتَوَكِّلِ بِهَذَا. (انطلق نفر): هم ما بين الثلاثة إلى العشرة، لكن في "المنتخب من مسند عبد بن حميد" حديث فيه بيان أن السرية ثلاثون رجلاً، وانظر هذا مع

تفسيره في حديث البخاري بالتفرد في حديث مسند عند بيان: أن أبا سعيد الخدري هو الراقي، وأن عدة الغنم التي أعطوها ثلاثون شاة. (فلُدِغ): -بدال مهملة وغين معجمة- مبني للمفعول، وفي الزركشي: أن الدال معجمة (¬1)، وهو سهو. (فسعوا له بكل شيء): من السعي -بالعين-، قال السفاقسي: هكذا هو الكتب والرواية، وقال الخطابي: "فشفوا" يعني: عالجوا طلباً للشفاء (¬2). (إني لأَرقي): بكسر القاف. (فانطلق يَتْفِل): -بمثناة من فوق ساكنة وفاء مكسورة- وورد: بضمها؛ أي: ينفُخ نفخاً معه أدنى بزاق (¬3). (كأنما نشط من عقال): أي: حُلَّ من عِقال، قال الخطابي: هكذا في بعض اللغات، وفي أكثرها: "نشطه" إذا عقدته بالشوطة، و"أنشطه": إذا حللته، ورواه الهروي: "كأنما أنشط من عقال". قال السفاقسي: وكذلك في بعض الروايات هاهنا (¬4). (وما به قَلَبَةٌ): أي: داء، سمي بذلك؛ لأن صاحبه يقلب من أجله؛ ليعلم موضع الداء منه. (وما يدريك أنها رُقْية؟): -بضم الراء وإسكان القاف-، قال الداودي: ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 509). (¬2) انظر: "أعلام الحديث" (2/ 1120). وانظر: "التنقيح" (2/ 509)، و"التوضيح" (15/ 83). (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 509). (¬4) انظر: "التوضيح" (15/ 84).

باب: ضريبة العبد، وتعاهد ضرائب الإماء

معناه: وما أدراك، قال: ولعله المحفوظ، قال ابن عيينة: ما قيل فيه: وما يدريك، فلم يدره، وما قيل فيه: وما أدراك، فقد علمه (¬1). (ثم قال: قد أصبتم، اقسموا واضربوا لي (¬2) معكم سهماً): فيه دليل على جواز أخذ الأجرة على الرقية بالفاتحة وأسماء الله تعالى، وهو موضع الترجمة، والخلاف عليه معروف (¬3). * * * باب: ضَرِيبَةِ الْعَبْدِ، وَتَعَاهُدِ ضَرَائِبِ الإِمَاءِ (باب: ضريبة العبد، وتعاهد ضرائب الإماء): قال ابن المنير: ما علمت مراده بتعاهد ضرائب الإماء، ولا كيف تعلقها بالحديث، يريد: حديث أبي طيبة الذي فيه تخفيف ضريبته بشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال: اللهم إلا أن يريد بالتعاهد: التعهد بمقدارها؛ لاحتمال أن يثقل عليهنَّ الضريبة في وقت ما، فيحتجن إلى الكسب بالفجور، ويستدل على هذا، بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرهم أن يخففوا ضريبة العبد الحجَّام، فالتخفيفُ عن الأَمَة من خراجها أقعدُ آكَدُ لأجل الغائلة الخاصة بها، والضريبة: هي ما يؤديه العبدُ إلى سيده من الخرج المقدَّر عليه، فَعِيلَة بمعنى مَفْعولة. قال الزركشي: وأشار البخاري بهذا التبويب إلى ما ذكره في "تاريخه": ¬

_ (¬1) المرجع السابق، (15/ 85). (¬2) في "ع": "إلي". (¬3) في "ج": "والخلاف في ذلك معروف".

باب: كسب البغي والإماء

ثنا محمد بن كثير، أنا سفيان، ثنا شدادُ بنُ أبي العالية، ثنا أبو داود الأحمري: خطبنا حذيفةُ حين قدمَ المدائنَ، فقال: تعاهَدُوا ضرائبَ أَرِقَّائكم (¬1). قلت: ما ذكره ابن المنير أقعدُ من هذا. * * * باب: كَسْبِ الْبَغِيِّ وَالإِمَاء (باب: كسبِ البغيِّ والإماء): لم (¬2) يتعرض في الترجمة إلى الحكم، بل أطلق؛ تنبيهاً على أن الممنوع (¬3) كسبُ الأمة بالفُجور، و (¬4) مفهومُه: أن كسبَها بالصنائُع المباحة أمرٌ غيرُ ممنوع. 1291 - (2283) - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أِبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ كَسْبِ الإِمَاءِ. (محمود (¬5) بنِ جُحادَةَ): بجيم مضمومة فحاء مهملة. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 509). (¬2) "لم" ليست في "ج". (¬3) في "ج": "للممنوع". (¬4) الواو ليست في "ج". (¬5) كذا في جميع النسخ، والصواب "محمد".

باب: عسب الفحل

باب: عَسْبِ الفَحْلِ 1292 - (2284) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ. (عَسْبِ الفحل): أي: ضِرابِه، والمعنى: عن كراء عسبِ (¬1) الفحل، فحُذف المضاف، وأُقيم المضاف إليه مقامه، وقيل: العسب: الكراء. * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "عسيب".

كتاب الحوالة

كِتابُ الحَوَالَةِ

باب: في الحوالة. وهل يرجع في الحوالة

(كتاب: الحَوَالَةِ): جمع حوالة، وتُفتح الحاء وتكسر. باب: فِي الْحَوَالَةِ. وَهَلْ يَرْجِعُ فِي الْحَوَالَةِ وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: إِذَا كَانَ يَوْمَ أَحَالَ عَلَيْهِ مَلِيّاً، جَازَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "يَتَخَارَجُ الشَّرِيكَانِ وَأَهْلُ الْمِيرَاثِ، فَيَأْخُذُ هَذَا عَيْناً وَهَذَا دَيْناً، فَإِنْ تَوِيَ لأَحَدِهِمَا، لَمْ يَرْجِعْ عَلَى صَاحِبِهِ. (فإن تَوِيَ): -بفتح المثناة من فوق وكسر الواو-؛ من التَّوَى، وهو الهلاك. 1293 - (2287) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيَرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، فَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيٍّ، فَلْيَتْبَعْ". (مَطْلُ الغنيِّ ظلمٌ): الظاهر أن المصدر (¬1) فيه مضاف إلى الفاعل؛ أي: ¬

_ (¬1) في "ع": "هذا المصدر".

مطلُ المديانِ الغنيِّ غريمَه، ولفظة (¬1) المطل تُشعر بتقديم الطلب، فيؤخذ منه أن الغني لو أَخر الدفعَ مع عدم طلبِ صاحبِ الحق له (¬2)، لم يكن ظالماً. وقد حكى أصحاب الشافعي وجهين (¬3) في وجوب الأداء مع القدرة من غير طلب من رب الدين، واستنبط منه بعضهم أن الحوالة لا تكون إلا بعدَ حلولِ الدَّين؛ إذ لا مطلَ مع عدمه. (فإذا أُتْبِع أحدُكم): -بضم الهمزة وسكون المثناة من فوق وكسر الموحدة-؛ من قولك: أَتبعتُ فلاناً: إذا جعلته تابعاً لغيره (¬4)، والمراد هنا: تبعيته في طلب الحق بالحوالة. قال الخطابي: [أكثر المحدثين] يقولونه: بالتشديد، والصواب التخفيف (¬5). (على مَلِيءٍ): قال الزركشي: بالهمزة: الغني؛ من الملاءة (¬6). قلت: ظاهره (¬7) أن الرواية كذلك، فينبغي تحريرها، ولم أظفر فيه بشيء. (فليَتْبَع): بفتح المثناة من تحت وإسكان المثناة من فوق وفتح الموحدة. ¬

_ (¬1) في "ع": "ولفظ". (¬2) "له" ليست في "ع" و"ج". (¬3) في "ج": "من وجهين". (¬4) "لغيره" ليست في "ج". (¬5) وانظر: "التوضيح" (15/ 116). (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 510). (¬7) في "ع": "ظاهر".

باب: إن أحال دين الميت على رجل جاز

وقيل: بتشديد المثناة من فوق وكسر الموحدة. وجمهور الفقهاء على أن هذا الأمر للندب؛ لما فيه من الإحسان إلى المحيل بتحصيل مقصوده من تحويل الحق عنه، وترك تكليفه للتحصيل بالطلب. وقال أهلُ الظاهر بوجوب (¬1) قبول الحوالة على المليِّ؛ لظاهر الأمر (¬2). * * * باب: إنْ أَحَالَ دَيْنَ الميِّتِ على رجلٍ جَازَ 1294 - (2289) - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: كُنَّا جُلُوساً عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ، فَقَالُوا: صَلِّ عَلَيْهَا، فَقَالَ: "هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ "، قَالُوا: لَا، قَالَ: "فَهَلْ تَرَكَ شَيْئاً؟ "، قَالُوا: لَا، فَصَلَّى عَلَيْهِ. ثُمَّ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ أُخْرَى، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! صَلِّ عَلَيْهَا، قَالَ: "هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ "، قِيلَ: نَعَمْ، قَالَ: "فَهَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟ "، قَالُوا: ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ، فَصَلَّى عَلَيْهَا. ثُمَّ أُتِيَ بِالثَّالِثَةِ، فَقَالُوا: صَلِّ عَلَيْهَا، قَالَ: "هَلْ تَرَكَ شَيْئاً؟ "، قَالُوا: لَا، قَالَ: "فَهَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ "، قَالُوا: ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ، قَالَ: "صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ". قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: صَلِّ عَليْهِ يَا رَسُولَ اللهِ وَعَليَّ دَيْنُهُ، فَصَلَّى عَليْهِ. ¬

_ (¬1) في "ع": "يوجب". (¬2) انظر: "شرح عمدة الأحكام" (3/ 199).

(فقال أبو قتادة: صلِّ عليه يا رسول الله وعليَّ دينُه، فصلَّى عليه): وان كان الدين باقياً في (¬1) ذمة الميت، وصاحب الحق عاد إلى الرجاء بعد اليأس، واطمأن بأن دينَه صار في مأمن (¬2)، فخف سخطه، وقرب من الرضا. ووقع في ابن ماجة في حديث أبي قتادة: أن الدين كان ثمانيةَ عشرَ درهماً، أو تسعة عشرة درهماً (¬3) (¬4)، فيحتمل أن تكونا واقعتين، ويحتمل أن الدين (¬5) كان في الأصل دينارين، ثم وفَّى منها خمسة أو ستة، فمن روى الدينارين، كان على الأصل، ومن روى ثمانية عشر أو تسعة عشر، كان على ما بقي؛ لأن الدينار كانت قيمته إذ ذاك اثني عشر درهماً. * * * ¬

_ (¬1) "في" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "من ما". (¬3) "أو تسعة عشر درهماً" ليست في "ع" و"ج". (¬4) رواه ابن ماجة (2407). (¬5) في "ع": "يكون الدين".

كتاب الكفالة

كِتابُ الكَفالَةِ

باب: الكفالة في القرض والديون بالأبدان وغيرها

باب: الكَفَالَةِ في القَرْضِ والدُّيونِ بالأَبْدَانِ وغيرِهَا 1295 - (2290) - وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بَعَثَهُ مُصَدِّقًا، فَوَقَعَ رَجُلٌ عَلَى جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ، فَأَخَذَ حَمْزَةُ مِنَ الرَّجُلِ كَفِيلاً حَتَّى قَدِمَ عَلَى عُمَرَ، وَكَانَ عُمَرُ قَدْ جَلَدَهُ مِئَةَ جَلْدَةٍ، فَصَدَّقَهُمْ، وَعَذَرَهُ بِالْجَهَالَةِ. وَقَالَ جَرِيرٌ وَالأَشْعَثُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي الْمُرْتَدِّينَ: اسْتَتِبْهُمْ وَكَفِّلْهُمْ، فَتَابُوا، وَكَفَلَهُمْ عَشَائِرُهُمْ. وَقَالَ حَمَّادٌ: إِذَا تَكَفَّلَ بِنَفْسٍ، فَمَاتَ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْحَكَمُ: يَضْمَنُ. (وكان عمر قد جلده مئة، فصدَّقهم، وعذره بالجهالة): يشير البخاري بهذا إلى خبر أورده ابن وهب في "موطئه" عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، قال: حدثني محمد بن حمزة بن عمرو الأسلمي، عن أبيه حمزة: أن عمر بن الخطاب بعثه مصدِّقاً على بني سعدِ بنِ هُذَيْمٍ، فأتى حمزة بمال يصدقه، فإذا رجل يقول لامرأة: صدِّقي مالَ مولاك، وإذا امرأة تقول: بل أنت أدِّ صدقة مال أبيك، فسأل حمزةُ عن أمرهما، فأُخبر أن

ذلك الرجل زوجُ تلك المرأة، وأنه وقع على جارية لها، فولدت ولداً، فأعتقته امرأته، فقالوا: هذا المال لابنه من جاريتها، قال حمزة: لأرجمنك بحجارتك، فقال أهل المال: أصلحك الله! إن أمره رُفع إلى عمر بن الخطاب، [فجلده مئة، ولم يحيى عليه رجماً، قال: فأخذه (¬1) حمزةُ بالرجل كفيلاً حتى قدم على عمر بن الخطاب] (¬2)، فسأله عما ذكرَ أهلُ المال من جلدِ (¬3) عمرَ إياه مئة جلدة، وأنه لم ير عليه رجماً، قال: فصدَّقهم عمرُ بذلك من قولهم، قال: وإنما درأ (¬4) عنه الرجمَ؛ لأنه عذره بالجهالة (¬5). (وقال حماد: إذا تكفل بنفس، فمات، فلا شيء عليه): سواء كان الحقُّ المتعلقُ بتلك النفس حدّاً، أو قصاصاً (¬6) أو مالاً من دين وغيره. (وقال الحكم: يضمن): أي: ما يُقبل ترتُّبُه في الذمة، وهو المال. * * * 1296 - (2291) - قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلاً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ¬

_ (¬1) في "ج": "فأخذ". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬3) في "ع": "جلدة". (¬4) في "ج": "رد". (¬5) انظر: "التوضيح" (15/ 133). (¬6) في "م" و"ن": "قصاً".

أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ، فَقَالَ: ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءَ أُشْهِدُهُمْ، فَقَالَ: كَفَى بِاللهِ شَهِيداً، قَالَ: فَأْتِنِي بِالْكَفِيلِ، قَالَ: كَفَى بِاللهِ كَفِيلاً، قَالَ: صَدَقْتَ، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَخَرَجَ فِي الْبَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكباً يَرْكَبُهَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلأَجَلِ الَّذِي أَجَّلَهُ، فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَباً، فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا، فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ، وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ، ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا، ثُمَّ أَتَى بِهَا إِلَى الْبَحْرِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ تَسَلَّفْتُ فُلَاناً أَلْفَ دِينَارٍ، فَسَأَلَنِي كَفِيلاً فَقُلْتُ: كَفَى بِاللهِ كَفِيلاً، فَرَضِيَ بِكَ، وَسَأَلَنِي شَهِيداً فَقُلْتُ: كَفَى بِاللهِ شَهِيداً، فَرَضِيَ بِكَ، وَأَنِّي جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَباً أَبْعَثُ إِلَيْهِ الَّذِي لَهُ فَلَمْ أَقْدِرْ، وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهَا، فَرَمَى بِهَا فِي الْبَحْرِ حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ، وَهْوَ فِي ذَلِكَ يَلْتَمِسُ مَرْكَباً يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ، يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَباً قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ، فَإِذَا بِالْخَشَبَةِ الَّتِي فِيهَا الْمَالُ، فَأَخَذَهَا لأَهْلِهِ حَطَباً، فَلَمَّا نَشَرَهَا، وَجَدَ الْمَالَ وَالصَّحِيفَةَ، ثُمَّ قَدِمَ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ، فَأَتَى بِالأَلْفِ دِينَارٍ، فَقَالَ: وَاللهِ! مَا زِلْتُ جَاهِداً فِي طَلَبِ مَرْكَبٍ لآتِيَكَ بِمَالِكَ، فَمَا وَجَدْتُ مَرْكَباً قَبْلَ الَّذِي أَتَيْتُ فِيهِ، قَالَ: هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ؟ قَالَ: أُخْبِرُكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ مَرْكَباً قَبْلَ الَّذِي جِئْتُ فِيهِ، قَالَ: فَإِنَّ اللهَ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِي بَعَثْتَ فِي الْخَشَبَةِ، فَانْصَرِفْ بِالأَلْفِ الدِّينَارِ رَاشِداً". (أنه ذكر رجلاً من بني إسرائيل): وساقَ قصةَ الخشبة. وقد ذكر محمد بن الربيع الجيزي في كتاب "أسماء من دخل مصر من الصحابة" بإسناده إلى عبد الله بن عمرو يرفعه: أن رجلاً جاء إلى النجاشي،

فقال: أسلِفْني ألفَ دينار إلى أَجَل، قال: فأتني بالحميل، قال: الله، فأعطاه الألف (¬1)، وساق قصةً نحوَ القصة الواقعة في "الصحيح" (¬2). (ثم زَجَّجَ موضعَها): بزاي (¬3) وجيمين. قال القاضي: لعل معناه: سمرها بمسامير كالزج (¬4)، أو حشا شقوقَ لصاقِها بشيء (¬5)، ورقعه بالزُّج (¬6). وقال (¬7) الخطابي: أي: سَوَّى موضعَ النَّقْرِ وأصلَحَه؛ من تزجيج الحواجب، وهو حذفُ زوائد الشَّعَر، ويحتمل أن يكون مأخوذاً من الزج الذي هو الفصل؛ بأن يكون النقرُ في طرف الخشبة؛ ليشدَّ (¬8) عليها رجاءَ أن يمسكه، ويحفظ ما في جوفه (¬9). (فأتى بالألف دينار): ذكر ابن مالك فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون أرادَ بالألف: ألفَ دينار على البدل، وحذف المضاف (¬10)، وأبقى المضاف إليه على حاله من الجر. ¬

_ (¬1) في "ع": "ألف". (¬2) وانظر: "عمدة القاري" للعيني (12/ 116). (¬3) في "ع": "براء". (¬4) في "ع": "كالزوج". (¬5) في "ع": "لشيء". (¬6) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 309). (¬7) في "ج": "فقال". (¬8) في "ج": "يسد". (¬9) انظر: "أعلام الحديث" (2/ 1133). وانظر: "التنقيح" (2/ 511). (¬10) "المضاف" ليست في "ع".

باب: قول الله -عز وجل-: {والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم} [النساء: 33]

قلت: المضاف هنا مجرور، فلمَ لم (¬1) يقل: إن المضاف إليه أقيم مقام المضاف؟ الثاني: أن يكون أصلُه بالألف الدينار، ثم حذفت (¬2) من الخط؛ لصيرورتها (¬3) بالإدغام دالاً، فكتب على اللفظ. قلت: لكن الرواية بتنوين (¬4) دينارٍ، ولو ثبت عدمُ تنوينه برواية معتبرة، تَعَيَّنَ هذا الوجهُ، وكثيراً ما يعتمد هو وغيره التوجيهَ باعتبار الخط (¬5)، ويلغون تحقيق الرواية. الثالث: أن تكون الألف مضافاً إلى دينار، والألف واللام زائدتان، فلم تمنعا الإضافة. ذكره أبو علي الفارسي. * * * باب: قَوْلِ اللهِ -عز وجل-: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء: 33] (باب: قولِ الله: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء: 33]): قال ابن المنير: وجه دخول هذا الباب: أن الحلف كان في أول الإسلام يقتضي استحقاقَ الميراث، فهو مالٌ أوجبَه عقدُ التزام على وجه التبرع، ¬

_ (¬1) "لم" ليست في "ع". (¬2) في "ع" و"ج": "حذف". (¬3) في "ع": "لضرورتها". (¬4) في "ج": "تنوين". (¬5) في "ع": "الحق".

باب: من تكفل عن ميت دينا، فليس له أن يرجع، وبه قال الحسن

فلزم، وكذلك الكفالة (¬1) إنما هي التزامُ مالٍ بغير عوض تطوعاً، فلزم. * * * 1297 - (2294) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ: حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، قَالَ: قُلْتُ لأَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَبَلَغَكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا حِلْفَ فِي الإِسْلَامِ"؟ فَقَالَ: قَدْ حَالَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ فِي دَارِي. (أَبلغكَ أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: لا حِلْفَ في الإسلام؟): -بكسر الحاء وإسكان اللام- على ما كانت عليه الجاهلية من الأنساب والتوارث، وأصلُه من الحَلِفِ؛ بمعنى: اليمين، كانوا يتقاسمون عند عقده على التزامه، والواحدُ حليفٌ، والجمعُ حُلفاءُ، أو أحلافٌ. (فقال: قد (¬2) حالف النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بين قريش والأنصار): حالفَ -بالحاء المهملة-؛ أي: آخى بينهم (¬3). * * * باب: مَنْ تَكَفَّلَ عَنْ مَيِّتٍ دَيْناً، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ (باب: من تكفَّلَ عن ميت ديناً، فليس له أن يرجع): حمله ابن بطال ¬

_ (¬1) في "ج": "المقالة". (¬2) "قد" ليست في "ع". (¬3) في "ع": "بينهما".

على أنه لا يرجع به في تركة الميت كما يقوله الشافعي رضي الله عنه (¬1). قال ابن المنير: وهو في جانب آخر مقصودُ البخاري، وذلك أنه إنما أراد: أن الكفالة عن الميت لازمة، وليس له أن يرجع عنه، ووجهُ استدلاله بحديث أبي قتادة: أنه لو كان له أن يرجع، [لما صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - على المِدْيان حتى يُوَفيَ أبو قتادة؛ لاحتمال أن يرجع] (¬2)، فيكون قد صلى على مديان، ولم يتكفل أحدٌ بدينه؛ إذ لا فرقَ بين كونه لم يتكفل عنه، ثم رجع الكفيل، أو (¬3) قلنا: إن له الرجوعَ، والعقود الجائزة لا يكاد يترتب عليها فائدة؛ بخلاف اللازمة. * * * 1298 - (2296) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ قَدْ جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ، قَدْ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا". فَلَمْ يَجِئْ مَالُ الْبَحْرَيْنِ حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ، أَمَرَ أَبُو بَكْرٍ فَنَادَى: مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عِدَةٌ، أَوْ دَيْنٌ، فَلْيَأْتِنَا، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِي كَذَا وَكَذَا، فَحَثَى لِي حَثْيَةً، فَعَدَدْتُهَا، فَإِذَا هِيَ خَمْسُ مِئَةٍ، وَقَالَ: خُذْ مِثْلَيْهَا. (لو قد جاء مال البحرين، قد أعطيتك): فيه شاهد على اقتران ¬

_ (¬1) انظر: "شرح ابن بطال" (6/ 426). (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬3) في "ج": "و".

باب: جوار أبي بكر في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وعقده

الماضي الواقع جواباً لـ "لو" بـ"قد"، وقد استغربه ابن هشام في "المغني"، وأنشد عليه قولَ جرير: لَوْ شِئْتِ قَدْ نَقَعَ (¬1) الفُؤَادُ بِشَرْبَةٍ ... تَدَعُ الحَوَائِمَ لا يَجُدْنَ غَلِيلَا (¬2) قلت: وقد وقع في البخاري -أيضاً- في باب: رجم الحبلى في الزنا، في حديث ابن عباس الطويل الذي فيه ذكر البيعة بعدَ وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ما نصه: قال لي عبدُ الرحمن بنُ عوف: لو رأيتَ رجلَا أتى (¬3) أميرَ المؤمنين [فقال: يا أمير المؤمنين] (¬4)! هل لك في فلان؟ يقول (¬5): لو قد مات عمر، لقد بايعت فلاناً (¬6)، وفي هذا والذي قبله اقترانُ (¬7) فعل شرط (¬8) "لو" الماضي -أيضاً- بـ "قد". * * * باب: جِوَارِ أَبِي بَكْرٍ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَعَقْدِهِ 1299 - (2297) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "يقع". (¬2) في "ع" و"ج": "خليلا". وانظر: "مغني اللبيب" (ص: 358). (¬3) في "ع" و"ج": "إلى". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬5) "يقول" ليست في "ج". (¬6) رواه البخاري (6830). (¬7) في "ع": "إقران". (¬8) في "ع": "الشرط".

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ. وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلاَّ وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلاَّ يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طَرَفَيِ النَّهَارِ، بُكْرَةً وَعَشِيَّهً، فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ، خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِراً قِبَلَ الْحَبَشَةِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ، لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ -وَهْوَ سَيِّدُ الْقَارَةِ-، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي، فَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الأَرْضِ فَأَعْبُدَ رَبِّي. قَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ: إِنَّ مِثْلَكَ لَا يَخْرُجُ وَلَا يُخْرَجُ، فَإِنَّكَ تَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، وَأَنَا لَكَ جَارٌ، فَارْجِعْ فَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبِلَادِكَ. فَارْتَحَلَ ابْنُ الدَّغِنَةِ، فَرَجَعَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، فَطَافَ فِي أَشْرَافِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلَا يُخْرَجُ، أَتُخْرِجُونَ رَجُلًا يُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ؟! فَأَنْفَذَتْ قُرَيْشٌ جِوَارَ ابْنِ الدَّغِنَةِ، وَآمَنُوا أَبَا بَكْرٍ، وَقَالُوا لاِبْنِ الدَّغِنَةِ: مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَلْيُصَلِّ، وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ، وَلاَ يُؤْذِينَا بِذَلِكَ، وَلَا يَسْتَعْلِنْ بِهِ، فَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا. قَالَ ذَلِكَ ابْنُ الدَّغِنَةِ لأَبِي بَكْرٍ، فَطَفِقَ أَبُو بَكْرٍ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَلَا يَسْتَعْلِنُ بِالصَّلَاةِ، وَلَا الْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ دَارِهِ، ثُمَّ بَدَا لأَبِي بَكْرٍ، فَابْتَنَى مَسْجِداً بِفِنَاءِ دَارِهِ وَبَرَزَ، فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ، وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَيَتَقَصَّفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ

وَأَبْنَاؤُهُمْ، يَعْجَبُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلاً بَكَّاءً، لاَ يَمْلِكُ دَمْعَهُ حِينَ يَقْرَأُ، الْقُرْآنَ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكينَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَةِ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا لَهُ: إِنَّا كُنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَإِنَّهُ جَاوَزَ ذَلِكَ، فَابْتَنَى مَسْجِداً بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَأَعْلَنَ الصَّلاَةَ وَالْقِرَاءَةَ، وَقَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، فَأْتِهِ، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَعَلَ، وَإِنْ أَبَى إِلاَّ أَنْ يُعْلِنَ ذَلِكَ، فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ؛ فَإِنَّا كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ، وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لأَبِي بَكْرٍ الاِسْتِعْلَانَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَةِ أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ، فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ تَرُدَّ إلَيَّ ذِمَّتِي، فَإِنَّي لَا أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنِّي أُخْفِرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ له. قال أَبُو بَكْرٍ: إنِّي أَردُّ إليْكَ جِوارَكَ، وأرْضَى بِجوَارِ اللهِ. ورسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتَكُمْ، رَأَيْتُ سَبْخَةً ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ"، وَهُمَا الْحَرَّتَانِ، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ حِينَ ذَكَرَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَرَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ بَعْضُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِراً، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "عَلَى رِسْلِكَ؛ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبي أَنْتَ؟ قَالَ: "نَعَمْ". فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِيَصْحَبَهُ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ. (باب: جوار أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعقده).

(لم [أعقل] (¬1) أبويَّ إلا وهما يَدينان (¬2) الدين): أي: عهدُتهما منذُ عقلتُ وهما على دين الإسلام. (حتى إذا بلغ بَرْكَ الغِماد): بفتح الباء لأكثرهم وبعضهم يكسرها، وبضم الغين المعجمة وتكسر، وهو اسم موضع باليمن. وقيل: وراء مكة بخمس ليال. وقيل: في أقاصي (¬3) هَجَر (¬4). (لقيه ابنُ الدَّغِنة (¬5)): بفتح الدال وكسر الغين المعجمة وتخفيف النون، كذا لأكثرهم، وعند المروزي: بفتح الغين. وقال الأصيلي: وكذا رواه لنا؛ لأنه كان في لسانه استرخاء لا يقدر على ملكه. وقال القابسي: -بضم الدال والغين وتشديد النون-، قال: وهي اسم أمه، واسمه ربيعةُ بن رُفَيع (¬6). قلت: حكى شيخُنا عن مغلطاي: أنه سماه في "سيرته": مالكاً. (وهو سيد القارَة): -بقاف وراء مخففة-: هم قوم يوصفون بجودة الرمي. ¬

_ (¬1) في "ع": "لم أعقل" ليست في "م". (¬2) في "ع": "يدينا". (¬3) في "ع": "أفاض". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 512). (¬5) في "ع": "دغنة". (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 512).

(إن (¬1) مثلَك لا يَخرج ولا يُخرج): بفتح أول الأول، وضم أول الثاني (¬2). (تُكسب العديم): قال الزركشي: أي: الفقير (¬3)، فَعيلٌ بمعنى فاعل، قال: وهذا أحسن من الرواية السابقة أولَ الباب في حديث خديجة: "تُكْسِبُ المعدومَ" (¬4). (وآمنوا أبا بكر): بالمد وتخفيف الميم. (فطفِق): بفتح الفاء وكسرها. (فابتنى مسجداً بفِناء داره): هذا أول (¬5) مسجدٍ بُني في الإسلام. (فينْقَصِفُ): أي: يزدحمون حتى يسقط بعضُهم على بعض، وأصلُ التقصُّف: التكسُّر. (فأفزع): من الفزع، وهو الخوف. (أشراف قريش): جمع شريف. (كرهنا أن نُخفرك): -بضم أوله-؛ من الإخفار، وهو نقض (¬6) العهد. قال ابن المنير: وهذا الحديث ينبغي إدخالُه في كفالة الأبدان لمكان ¬

_ (¬1) "إن" ليست في "ج". (¬2) في "ع" و"ج": "بفتح الأول وضم الثاني". (¬3) "أي: الفقير" ليست في "ع" و"ج". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 513). (¬5) "أول" ليست في "ع". (¬6) في "ع": "بعض".

المناسبة؛ كما ناسب {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 33] كفالةَ الأموال، ووجهُ المناسبة: أن المخفر كأنه تكفل بنفسٍ أن تُضام، فتكون العهدةُ (¬1) عليه (¬2). (رأيت سَبَخَة): -بفتح الباء-؛ أي: أرضاً (¬3) مالحة، وإذا وُصفت به الأرض، كُسرت الباء. * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "فيكون العهد". (¬2) "عليه" ليست في "ع". (¬3) في "ج": "أرض".

كتاب الوكالة

كِتابُ الوَكَالَةِ

باب: وكالة الشريك في القسمة وغيرها. أشرك النبي - صلى الله عليه وسلم - عليا في هديه، ثم أمر بقسمتها

باب: وَكَالَةُ الشَّرِيكِ فِي الْقِسْمَةِ وَغَيْرِهَا. أَشْرَكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلِيّاً فِي هَدْيِهِ، ثُمَّ أَمَرَ بِقِسْمَتِهَا 1300 - (2299) - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أَتَصَدَّقَ بِجِلَالِ الْبُدْنِ الَّتِي نُحِرَتْ وَبِجُلُودِهَا. (كتاب: الوكالة). (وكالة الشريك في القسمة وغيرها). (أن أتصدَّقَ بجلال البُدْنِ): -بكسر الجيم- جمع جُلّ -بضمها-، وهو ما تلبسه الدابة. (التي نُحِرَتْ): بضم أوله وكسر ثانيه على البناء للمفعول والتاء للتأنيث، وبفتح النون والحاء وضم التاء على البناء للفاعل، والضمير هو الفاعل، والمراد به: عليٌّ رضي الله عنه. * * *

1301 - (2300) - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَعْطَاهُ غَنَماً يَقْسِمُهَا عَلَى صَحَابَتِهِ، فَبَقِيَ عَتُودٌ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "ضَحِّ أَنْتَ". (أن [النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -] أعطاه غنماً يقسمها على صحابته (¬1)): قال ابن المنير: ولقد أحسن البخاري في اعتقاده أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- وهبَ الجملةَ للصحابة، ثم قسمَها بينهم، ولم يعتقد أن الهبة كانت خاصة؛ أي: وهبَ كلَّ واحد. ويحقق ما وقع للبخاري: أنه قال في طريق آخر: قسمَ بينهم ضحايا، [فدل على أنه عَيَّنَها للضحايا] (¬2)، ثم مَلَّكَهم جملَتَها، ثم قُسمت. قلت: ينبغي أن يضاف إلى ذلك: أن عقبةَ بنَ عامرٍ كان وكيلاً على القَسْم بتوكيلِ شركائه في تلك الضحايا التي قسمَها، حتى يتوجَّهَ إدخالُ حديثه في ترجمة وكالة الشريك لشريكه (¬3) في القَسْم. (فبقي عَتودٌ): -بفتح العين المهملة-: الصغيرُ من المعز إذا قويَ وأتى عليه حَوْلٌ (¬4) (¬5). * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "صاحبه". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬3) "لشريكه" ليست في "ج". (¬4) في "ع": "الحول". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 513).

باب: إذا وكل المسلم حربيا في دار الحرب -أو في دار الإسلام- جاز

باب: إذا وكَّلَ المُسلمُ حربيَّاً في دار الحربِ -أو في دار الإسلام- جاز 1302 - (2301) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ الْمَاجِشُونِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: كَاتَبْتُ أُمَيَّهَ بْنَ خَلَفٍ كِتَاباً، بِأَنْ يَحْفَظَنِي فِي صَاغِيَتِي بِمَكَّةَ، وَأَحْفَظَهُ فِي صَاغِيَتِهِ بِالْمَدِينَةِ، فَلَمَّا ذَكَرْتُ الرَّحْمَنَ، قَالَ: لَا أَعْرِفُ الرَّحْمَنَ، كَاتِبْنِي بِاسْمِكَ الَّذِي كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَكَاتَبْتُهُ: عَبْدُ عَمْرٍو، فَلَمَّا كَانَ فِي يَوْمِ بَدْرٍ، خَرَجْتُ إِلَى جَبَلٍ لأُحْرِزَهُ حِينَ نَامَ النَّاسُ، فَأَبْصَرَهُ بِلَالٌ، فَخَرَجَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى مَجْلِسٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا أُمَيَةُ، فَخَرَجَ مَعَهُ فَرِيقٌ مِنَ الأَنْصَارِ فِي آثَارِنَا، فَلَمَّا خَشِيتُ أَنْ يَلْحَقُونَا، خَلَّفْتُ لَهُمُ ابْنَهُ لأَشْغَلَهُمْ، فَقَتَلُوهُ، ثُمَّ أَبَوْا حَتَّى يَتْبَعُونَا، وَكَانَ رَجُلاً ثَقِيلاً، فَلَمَّا أَدْرَكُونَا، قُلْتُ لَهُ: ابْرُكْ، فَبَرَكَ، فَأَلْقَيْتُ عَلَيْهِ نَفْسِي لأَمْنَعَهُ، فَتَخَلَّلُوهُ بِالسُّيُوفِ مِنْ تَحْتِي حَتَّى قَتَلُوهُ، وَأَصَابَ أَحَدُهُمْ رِجْلِي بِسَيْفِهِ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَؤفٍ يُرِينَا ذَلِكَ الأَثَرَ فِي ظَهْرِ قَدَمِهِ. (في صاغِيَتي): -بالصاد المهملة والغين المعجمة-: هم خاصَّةُ الإنسان، ومن يَصْغَى إليه؛ أي: يميل، ومنه: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4]، يقال: صغا يَصْغو، ويَصْغى. (فقال: أميةُ بنَ خَلَف): [-بالنصب- على الإغراء؛ أي: عليكم أميةَ ابنَ خلف.

قال الزركشي: ويجوز الرفعُ على أن يكون خبرَ مبتدأ مضمرٍ؛ أي: هذا أمية (¬1). (خلفت لهم ابنه)] (¬2): هو عليُّ بنُ أميةَ بنِ خَلَف. (فتجللوه بالسيوف): -بالجيم- للأصيلي، وأبي ذر؛ أي: عَلَوْه وغَشُوه (¬3). وعند الباقين: بالخاء المعجمة، وهو أظهر؛ لقول عبد الرحمن بن عوف: فألقيتُ عليه نفسي، فكأنهم (¬4) أدخلوا سيوفَهم خلاله (¬5)، حتى وصلوا إليه، فطعنوا بها من تحته (¬6). وذكر في "مختصر الاستيعاب": أن قاتل أميةَ بنِ خلفٍ بلالٌ (¬7) -رضي الله عنه-، وأنشد لأبي بكر الصديق (¬8) -رضي الله عنه-: هَنِيئاً زَادَكَ الرَّحْمَنُ خَيْراً ... لَقَدْ أَدْرَكْتَ ثارَكَ يَا بِلالُ وكان أميةُ بْن خلف يعذِّبُ بلالاً (¬9). لكن في "سيرة ابن هشام" أنه يقال: قاتلُ أميةَ بنِ خلفٍ مُعاذُ بنُ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 514). (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬3) في "ع": "ويميسوه". (¬4) في "ع" و"ج": "وكأنهم". (¬5) في "ع": "حاله". (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 514). (¬7) "بلال" ليست في "ع" و"ج". (¬8) "الصديق" ليست في "ع". (¬9) وانظر: "الاستيعاب" (1/ 182).

عَفراءَ، و (¬1) خارجَةُ بنُ زيد، وخبيب بن يَساف، اشتركوا (¬2) في قتله (¬3). وعليه يدل قوله: "فتجللوه بالسيوف". وفي "مستدرك الحاكم" في ترجمة رافع (¬4) بن مالك [الزرقي: أن رفاعة بن رافع بن مالك] (¬5) قال: "لما كان يومُ بدر، وتجمَّع الناسُ على أميةَ بنِ خلف، فأقبلت إليه، فنظرت (¬6) إلى قطعة من درعه قد انقطعتْ من تحت إبطه، فأطعنته (¬7) بالسيف فيها طعنة، ورُميتُ بسهم يوم بدر، ففقئت عيني، فبصق فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ودعا لي، فما آذاني فيها شيء (¬8). فعلى هذا: يكون رفاعةُ بنُ رافعٍ الزرقيُّ من جملة المشاركين (¬9) في قتله. وقتل ابنَه علياً عمارُ بن ياسر. ذكره في "السيرة" (¬10). * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "أو". (¬2) في "ع": "واشتركوا". (¬3) انظر: (3/ 269). (¬4) في "ع": "ابن رافع". (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬6) في "ع": "فنظر". (¬7) في "ع": "فأعطيته". (¬8) رواه الحاكم في "المستدرك" (5024). (¬9) في "ع" و"ج": "المشركين". (¬10) انظر: "سيرة ابن هشام" (3/ 269).

باب: الوكالة في الصرف والميزان، وقد وكل عمر وابن عمر في الصرف

باب: الْوَكَالَةِ فِي الصَّرْفِ وَالْمِيزَانِ، وَقَدْ وَكَّلَ عُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ فِي الصَّرْفِ (باب: الوَكالة في الصَّرْف والميزان): قال ابن المنير: وجهُ إدخالها في الفقه: أنه ربما يَتوهم متوهمٌ من مَنْعِنا أن يعقد الصرف، ويوكل غيره في القبض، ويغيب حتى إنا نمنعُ التوكيل في الصرف مطلقاً في غَيْبة الموكِّل، فبين البخاري أن الوكيل إذا وَكَّل على العقد والقبض جميعاً، جاز، وقام مقام الموكل. * * * باب: إِذَا أَبْصَرَ الرَّاعِي أَوِ الْوَكِيلُ شَاةً تَمُوتُ، أَوْ شَيْئاً يَفْسُدُ، ذَبَحَ أو أَصْلَحَ مَا يَخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادَ (باب: إذا أبصر الراعي أو الوكيل شاة تموت، أو شيئاً يفسد، أصلح الفساد): تقدم للبخاري (¬1) أن من ذبح متعدِّياً، فإن ذبيحته مَيْتَةً، فمن هنا يؤخذ أما غيرُ متعدية؛ لأنه (¬2) حَلَّلها، وأما إذا بنينا على (¬3) أن ذبيحة المتعدِّي لا تَجيف، فلا دليلَ فيه، وليس غرض البخاري هنا (¬4) تحليلَ (¬5) الذبيحة، وإن كان يُستفاد من الحديث، وإنّما غرضُه إسقاطُ الضمان عن الراعي. ¬

_ (¬1) في "ع": "البخاري". (¬2) في "ج": "لأنها". (¬3) "على" ليست في "ج". (¬4) في "ج": "هو". (¬5) في "ج": "لتحليل".

باب: وكالة الشاهد والغائب جائزة

1303 - (2304) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، سَمِعَ الْمُعْتَمِرَ، أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ كَانَتْ لَهُمْ غَنَمٌ تَرْعَى بِسَلْعٍ، فَأَبْصَرَتْ جَارِيَةٌ لَنَا بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِنَا مَوْتاً، فَكَسَرَتْ حَجَراً فَذَبَحَتْهَا بِهِ، فَقَالَ لَهُمْ: لَا تَأْكُلُوا حَتَّى أَسْأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، أَوْ أُرْسِلَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَنْ يَسْألُهُ، وَأَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَاكَ، أَوْ أَرْسَلَ، فَأَمَرَهُ بأَكْلِهَا. قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: فَيُعْجبُنِي أَنَّهَا أَمَةٌ، وَأَنَّهَا ذَبَحَتْ. تَابَعَهُ عَبْدَةُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ. [(فكسرتْ حجراً فذبحتها به): هذا محمول على أن الحجر له حَدٌ يمور كمَوْرِ الحديد] (¬1). * * * باب: وَكَالَةُ الشَّاهِدِ وَالْغَائِبِ جَائِزَةٌ (باب: وكالة الشاهد والغائب جائزة): يشير إلى مخالفة أبي حنيفة -رضي الله عنه- في قوله: إنه لا يجوز توكيلُ الحاضر الصحيح البدن إلا برضا خصمه. 1304 - (2305) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - سِنٌّ مِنَ الإِبِلِ، فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ: "أَعْطُوهُ"، فَطَلَبُوا سِنَّهُ، ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع".

فَلَمْ يَجدُوا لَهُ إِلَّا سِنّاً فَوْقَهَا، فَقَالَ: "أَعْطُوهُ"، فَقَالَ: أَوْفَيْتَنِي أَوْفَى اللهُ بِكَ. قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ خِيَارَكمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً". (فجاءه يتقاضاه): أي: يطلب منه -عليه الصلاة والسلام- أن يَقْضيه ما له عليه. (فقال: أعطوه): وهذا موضع الشاهد؛ لأن هذا توكيلٌ منه لهم على القضاء عنه، ولم يكن -عليه السلام- مريضاً، ولا غائباً. (إِنَّ خيارَكم أَحْسَنُكم قضاءً): وفي حديث آخر بعد (¬1) هذا في كتاب: الاستقراض: "فَإِنَّ مِنْ خِيارِ النَّاسِ أَحْسَنهم قَضاءً" (¬2). ذكرتُ هنا: أن الحافظَ العلامةَ شهابَ الدين بنَ حجر -نفع الله بعلومه- كتب إليَّ بالإسكندرية في أول عامِ ثمانيةِ وتسعين وسبع مئة رقعة يهنئ (¬3) فيها بالعام المذكور، ونصُّها ومن خطه نقلت: لله الحمد في سائر الأحوال: أَيَا بَدْراً سَمَا فَضْلاً وَأَرْضَى ... رَعِيَّتَهُ وَفي الظَّلْمَاءِ ضَاءَ وَيَا أَقْضَى القُضَاةِ وَمُرْتَضَاهَا ... وَأَحْسَنَهَا لِمَا يَقْضِي أَدَاءَ تَهَنَّ العَامَ أَقْبَلَ في سُرُورٍ ... وَأَبْدَى لِلهَنَاءِ بِكُمْ هَنَاءَ رَوَى وَأَشَارَ مُقْتَبِساً (¬4) إِلَيْكُم ... خِيَارُ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءَ ¬

_ (¬1) في "ع": "تعمد". (¬2) رواه البخاري (2392) عن أبي هريرة رضي الله عنه. (¬3) في "ع": "ينتهي". (¬4) في "ع": "مقبساً".

باب: الوكالة في قضاء الديون

فانظرْ إلى هذا الاقتباس (¬1) الذي أشرق ضياؤه، واستمدَّ من هذه المشكاة الشريفة، فبهر (¬2) سناه وسناؤه، لله درُّه من شهابٍ ثاقبِ الفَهْم، وفاضلٍ ضربَ في أغراض (¬3) المعالي (¬4) بأوفرِ سَهْم. * * * باب: الْوَكَالَةِ فِي قَضَاءِ الدُّيُونِ (باب: الوكالة (¬5) في قضاء الديون (¬6)) وجهُ إدخالِ هذه الترجمة في الفقه: أنه ربما توهَّمَ متوهمٌ (¬7) أن قضاءَ الدين لما كان واجباً على الفور، امتنعت (¬8) الوكالةُ فيه؛ لأنها تأخيرٌ من الموكل، ورميٌ على الوكيل، فبين أن ذلك جائز، ولا يُعد مطلًا، قاله ابن المنير. * * * باب: إِذَا وَهَبَ شَيْئاً لِوَكِيلٍ، أَوْ شَفِيعِ قَوْمٍ، جَازَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِوَفْدِ هَوَازِنَ حِينَ سَأَلُوهُ الْمَغَانِمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ¬

_ (¬1) في "ع": "الإقباس". (¬2) في "ع": "قهر". (¬3) في "ع": "أعلا". (¬4) في "ج": "في ضرب أعلا المعالي". (¬5) "الوكالة" ليست في "ع". (¬6) في "ع": "الدين". (¬7) "متوهم" ليست في "ع". (¬8) في "ع": "وامتنعت".

"نَصِيبِي لَكُمْ". (قال: نصيبي لكم): قال ابن المنير: وإنما خاطب بذلك الوسائط، فظاهره: أن الهبة تختص بهم، وليس كذلك، إنما مقصودُه هبةُ الكل (¬1)؛ من حضرَ منهم ومن غاب، فدل ذلك على أن الألفاظ تُنزل على المقاصد، لا على الصور (¬2). ويؤخذ من هذا أن من شفع لغيره في هبة، فقال الواهب للشفيع: قد وهبتُك هذا، فتعلَّق (¬3) الشفيعُ بظاهر (¬4) اللفظ (¬5)، وطلبَ ذلك لنفسه، لا يقبل منه ذلك، ويكون الشيءُ للمشفوع له. من ذلك مَنْ وكل على شراء شيء بعينه، فاشتراه (¬6) ولم يسم (¬7) المالك، ثم زعم أنه إنما نوى نفسه، لم يقبل ذلك، وكانت السلعة للموكل (¬8). * * * 1305 - (2307 و 2308) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ¬

_ (¬1) في "ج": "لكل". (¬2) في "ع": "الصورة". (¬3) في "ع": "معلق"، وفي "م": "فتعليق". (¬4) في "ع": "فظاهر". (¬5) في "ع" و"ج": "الأمر". (¬6) في "ع": "فساره". (¬7) في "ع": "ولم ير". (¬8) "للموكل" ليست في "ج".

اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: وَزَعَمَ عُرْوَةُ: أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ، وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَيَّ أَصْدَقُهُ، فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ: إِمَّا السَّبْيَ، وَإِمَّا الْمَالَ، وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمْ". وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - انُتَظَرَهُمِ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنَ الطَّائِفِ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - غيْرُ رَادٍّ إلَيْهِمْ إِلَّا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، قَالُوا: فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمُسْلِمِينَ، فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ إِخْوَانكُمْ هَؤُلَاءِ قَدْ جَاؤُونَا تَائِبِينَ، وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ بِذَلِكَ، فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللهُ عَلَيْنَا، فَلْيَفْعَلْ". فَقَالَ النَّاسُ: قَدْ طَيَّبْنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّا لَا نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ، فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعُوا (¬1) إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ". فَرَجَعَ النَّاسُ، فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخْبَرُوهُ: أَنَّهُم قَدْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا. (فقد كنتُ استَأْنيتُ بهم): يقال للمُتَمَكِّثِ (¬2) في الأمور: مُتَأَنٍّ، ومُسْتَأْنٍ، والأَناةُ: الرفق. ¬

_ (¬1) في رواية الكشميهني: "يرفع"، وفي رواية الحمويي والمستملي: "يرفعوا"، وهي المعتمدة في النص. (¬2) في "ع": "للتمكث".

باب: إذا وكل رجل رجلا أن يعطي شيئا ولم يبين كم يعطي، فأعطى على ما يتعارفه الناس

(أن يطيب): -بفتح أوله وكسر ثانيه- مضارع [طابَ، وبضم أوله وفتح ثانيه وتشديد المثناة من تحت مع كسرها: مضارع] (¬1) طَيَّبَ تطييباً (¬2). (من أول ما يفيء (¬3) الله): مضارع أَفاءَ، فحرفُ المضارعة منه مضموم. (طَيَّبْنا ذلك): -بتشديد الياء-؛ أي: جعلناه طيباً من حيثُ كونُهم رَضُوا (¬4) بذلك، وطابت أنفسُهم به. (عُرَفاؤكم): جمع عَريف، وهو الذي (¬5) يعرف أمور القوم. * * * باب: إذا وكَّلَ رجلٌ رجلاً أنْ يُعطيَ شيئاً ولم يبيِّنْ كم يُعْطي، فأعطى على ما يتعارفُهُ النَّاسُ 1306 - (2309) - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَغَيْرِهِ، يَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَلَمْ يُبَلِّغْهُ كُلُّهُمْ، رَجُلٌ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، فَكُنْتُ عَلَى جَمَلٍ ثَفَالٍ، إِنَّمَا هُوَ فِي آخِرِ الْقَوْمِ، فَمَرَّ بِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "مَنْ هَذَا؟ "، قُلْتُ: جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: "مَا لَكَ؟ "، قُلْتُ: إِنِّي عَلَى جَمَلٍ ثَفَالٍ، قَالَ: "أَمَعَكَ قَضِيبٌ؟ "، قُلْتُ: ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) في "ع": "طبيباً". (¬3) في "ع": "بقي". (¬4) في "ج": "مضوا". (¬5) في "ع": "والذي".

نَعَمْ، قَالَ: "أَعْطِنِيهِ"، فَأَعْطَيْتُهُ، فَضَرَبَهُ فَزَجَرَهُ، فَكَانَ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ مِنْ أَوَّلِ الْقَوْمِ، قَالَ: "بِعْنِيهِ"، فَقُلْتُ: بَلْ هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قال: "بِعْنِيهِ"، قَدْ أَخَذْتُهُ بِأَرْبَعَةِ دَنانِيرَ، ولَكَ ظَهْرُهُ إِلَى الَمدِينَةِ، فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ، أَخَذْتُ أَرْتَحِلُ، قَالَ: "أَيْنَ تُرِيدُ؟ "، قُلْتُ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً قَدْ خَلَا مِنْهَا، قَالَ: "فَهَلَّا جَارِيَةً تُلاَعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ؟ "، قُلْتُ: إِنَّ أَبِي تُوُفِّيَ وَتَرَكَ بَنَاتٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَنْكِحَ امْرَأَةً قَدْ جَرَّبَتْ خَلَا مِنْهَا، قَالَ: "فَذَلِكَ". فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، قَالَ: "يَا بِلَالُ! اقْضِهِ وَزِدْهُ". فَأَعْطَاهُ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ، وَزَادَهُ قِيرَاطاً، قَالَ جَابِرٌ: لاَ تُفَارِقُنِي زِيَادَةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَلَمْ يَكُنِ الْقِيرَاطُ يُفَارِقُ جِرَابَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. (على جمل ثَفال): -بثاء مثلثة مفتوحة ففاء فألف (¬1) فلام-؛ أي: بطيء. قاله (¬2) القاضي (¬3)، ومن كسر المثلثة، فقد أخطأ (¬4). قال ابن فارس: الثِّفال -بالكسر-: الجلدُ يوضع عليه الرحاء. قال غيره: أو كساء يجعل تحت الرحا (¬5). وعلى كل منهما، فلا معنى لكسر المثلثة في الحديث. (بل هو لك يا رسول الله): يعني: (¬6) عَطِيَّةً. ¬

_ (¬1) "فألف" ليست في "ع". (¬2) في "ج": "فقاله". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 134). (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 515). (¬5) انظر: "التوضيح" (15/ 187). (¬6) في "ج": "أي".

(بل بِعْنيه (¬1)، قد أخذتُه بأربعة دنانير): فيه ردُّ العطية، وفيه ابتداء المشتري بذكر الثمن. وفي السفاقسي ما يقتضي أنه روي بأربع الدنانير -بإسقاط الهاء من العدد [وتعريف المعدود-، وذلك أنه قال: قال الداودي: أسقط (¬2) الهاء] (¬3) لما (¬4) دخلت الألف واللام، وذلك فيما دون العشرة، قال السفاقسي: وهذا قول لم يوافقه أحد عليه (¬5). (قد خلا منها): أي: ذهبَ منها بعضُ شبابها، ومضى من عمرها ما جربت به الأمور. قال القاضي: ورواه بعضهم بالمد، فصحف (¬6). (فهلاَّ جاريةً؟): -بالنصب مفعول بفعل محذوف-؛ أي: فهلا تزوجْتَ جاريةً؟ (يا بلال: أعطه (¬7)، وزده، فاعطاه أربعة دنانير، وزاده قيراطاً): هذا موضع الترجمة، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وكَّل بلالاً أن يعطي جابراً شيئاً زائداً ¬

_ (¬1) كذا: في رواية أبي ذر الهروي، وفي اليونينية: "قال بعنيه"، وهي المعتمدة في النص. (¬2) في "ج": "إسقاط". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬4) في "ج": "من العدد وتعريف المعدود وذلك أنه لما". (¬5) انظر: "التوضيح" (15/ 187). (¬6) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 239). (¬7) نص البخاري: "اقضه".

على الثمن، ولم يبين ذلك القدر (¬1) الزائد (¬2) كم هو، فزاده بلال قيراطاً، وهو أمر (¬3) متعارَفٌ بين الناس لا يَتوقف في مثله مَنْ أَذِنَ في (¬4) العطية من ماله، وفيه: أنهم كانوا يعرفون القيراط. (فلم يكن القيراط يُفارق قِرابَ جابر): قال السفاقسي: يعني بالقراب (¬5): الخريطة، أو الهِمْيان (¬6)، أو الشيء (¬7) الذي يرفع فيه، ومنه قيل (¬8): قراب السيف. ذكره (¬9) الداودي. [قال السفاقسي: والذي ذكره الجماعة: أن القراب هو قرابُ السيف. قال الزركشي] (¬10): ويروى (¬11): "جِرَاب"، بكسر الجيم (¬12). وفيه رواية أخرى: "أنه اشتراه بأربع أواق فضة". وفي أخرى: "بثمانين درهماً". ¬

_ (¬1) في "ج": "العدد". (¬2) في "ع": "والزائد". (¬3) "أمر" ليست في "ع". (¬4) "في" ليست في "ع" و"ج". (¬5) في "ع": "بالقرب". (¬6) في "ع": "لحميان"، وفي "ج": "والهميان". (¬7) "الشيء" ليست في "ع" و"ج". (¬8) في "ع": "وقيل". (¬9) في "ج": "ذكر". (¬10) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬11) في "ع": "وروي". (¬12) انظر: "التنقيح" (2/ 515).

باب: وكالة المرأة الإمام في النكاح

وفي أخرى: "بعشرين ديناراً"، وهذا لا يضعف الحديث؛ لإجماعهم على البيع [وشرط ظهره. وفي الحديث رد على من يقول: كل شرط يقارن عقد البيع] (¬1) يفسده (¬2). * * * باب: وَكَالَةِ الْمَرْأَةِ الإمَامَ فِي النِّكَاحِ 1307 - (2310) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأةٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي قَدْ وَهَبْتُ لَكَ مِنْ نَفْسِي. فَقَالَ رَجُلٌ: زَوِّجْنِيهَا، قَالَ: "قَدْ زَوَّجْنَاكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ". (باب: وكالة المرأةِ الإمامَ في النكاح). (إني وهبت (¬3) من (¬4) نفسي): قال الداودي: ليس فيه ما بوّب عليه، وليس فيه أنه (¬5) استأذنها (¬6)، ولا أنها وكلته، وقد قال تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) انظر: "التوضيح" (15/ 188). (¬3) نص البخاري: "قد وهبت". (¬4) "وهبت من نفسي": كذا في رواية أبي ذر الهروي وأبي الوقت، وفي اليونينية: "إني قد وهبت لك من نفسي"، وهي المعتمدة في النص. (¬5) "أنه" ليست في "ع" و"ج". (¬6) في "ج": "إسنادها".

باب: إذا وكل رجلا، فترك الوكيل شيئا، فأجازه الموكل، فهو جائز، وإن أقرضه إلى أجل مسمى، جاز

بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] (¬1). قال ابن بطال: ووجهُ استنباطِ (¬2) الوكالة من هذا الحديث: أن قولها: "قد وهبتُ من نفسي" كان ذلك كالوكالة على تزويجها من نفسه، أو ممن شاء (¬3). قلت: قد يمتنع (¬4) دلالة هذا اللفظ على ما ذكره. * * * باب: إِذَا وَكَّلَ رَجُلًا، فَتَرَكَ الْوَكِيلُ شَيْئاً، فَأَجَازَهُ الْمُوَكِّلُ، فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ أَقْرَضَهُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، جَازَ 1308 - (2311) - وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ أَبُو عَمْرٍو: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: وَكَّلَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ، فَأَتَانِي آتٍ، فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ وَقُلْتُ: وَاللهِ! لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: إِنَّي مُحْتَاجٌ، وَعَلَيَّ عِيَالٌ، وَلِي حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ قَالَ: فَخَلَّيْتُ عَنْهُ، فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ؟ ". قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً، وَعِيَالًا، فَرَحِمْتُهُ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ: "أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ، وَسَيَعُودُ". فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَعُودُ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّهُ ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (15/ 190). (¬2) في "ج": "وجه الاستنباط". (¬3) انظر: "شرح ابن بطال" (6/ 455). (¬4) في "ع": "يمنع".

سَيَعُودُ. فَرَصَدْتُهُ، فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ: لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: دَعْنِي؛ فَإِنِّي مُحْتَاجٌ، وَعَلَيَّ عِيَالٌ، لَا أَعُودُ، فَرَحِمْتُهُ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ؟ "، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالًا، فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ: "أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ، وَسَيَعُودُ". فَرَصَدْتُهُ الثَّالِثَةَ، فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ: لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَهَذَا آخِرُ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ أَنَّكَ تَزْعُمُ لَا تَعُودُ، ثُمَّ تَعُودُ. قَالَ: دَعْنِي أعُلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللهُ بِهَا، قُلْتُ مَا هُوَ؟ قَالَ: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ، فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ، فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللهِ حَافِظٌ، وَلَا يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبحَ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ؟ "، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِي كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي اللهُ بِهَا، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ: "مَا هِيَ؟ "، قُلْتُ: قَالَ لِي: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ، فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ مِنْ أَوَّلِهَا حَتَّى تَخْتِمَ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255]. وَقَالَ لِي: لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللهِ حَافِظٌ، وَلَا يَقْرَبَكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبحَ -وَكَانُوا أَحْرَصَ شَيْءٍ عَلَى الْخَيْرِ-، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ، تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ "، قَالَ: لَا، قَالَ: "ذَاكَ شَيْطَانٌ". (باب: إذا وَكَّل رجلاً فترك الوكيل شيئاً، فأجازه الموكل، فهو جائز، وإن أقرضه إلى أجلٍ مسمى، جاز). (وقال عثمان بن الهيثم أبو عمرو: حدثنا عوف)؛ علقه هنا، وفي

"التفلس" (¬1)، و"فضائل القرآن"، ووصله النسائي عن إبراهيم، عن يعقوب، نا (¬2) عثمان، فذكره (¬3). ووصله الإسماعيلي من حديث الحسن بن السكن، وعبد العزيز ابن سلام، عنه. وأبو نعيم من حديث هلال بن بشر، عنه (¬4) (¬5). (فجعل يحثو): -بحاء مهملة وثاء مثلثة-؛ أي: يأخذ بكَفَّيه. (قال: فخليت عنه): هذا موضع الترجمة؛ لأن أبا هريرة تركَ الرجلَ الذي حثا الطعام لما شكا الحاجة، فأخبر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأجازه. قال الزركشي وغيره: وفيه نظر؛ لأن أبا هريرة [لم يكن وكيلاً بالعطاء، بل بالحفظ خاصة (¬6). قلت: النظر ساقط؛ لأن المقصود انطباقُ الترجمة على الحديث، وهي كذلك؛ لأن أبا هريرة] (¬7) -وإن لم يكن وكيلاً في الإعطاء-، فهو وكيل في الجملة؛ ضرورةَ أنه وكيل بحفظ الزكاة، وقد ترك مما وكل بحفظه شيئاً، وأجاز -عليه السلام- فعلَه، فقد طابقته الترجمة قطعاً. ¬

_ (¬1) كذا في جميع النسخ، وصوابه "صفة إبليس"، كما في "التوضيح" (15/ 196)، وعنه ينقل المؤلف رحمه الله. (¬2) في "ع": "ابن". (¬3) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (10795). (¬4) "عنه" ليست في "ع". (¬5) انظر: "التوضيح" (15/ 196). (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 516). (¬7) ما بين معكوفتين ليس في "ع".

نعم (¬1) في أخذ إقراض الوكيل إلى أجل مسمى من هذا الحديث نظر. وقد قرب بعضهم وجه الأخذ: بأن أبا (¬2) هريرة لما تركَ (¬3) السارقَ الذي حثا من الطعام، كان ذلك كأنه تسليفٌ منه لذلك الطعام، إلى أَجَل، وهو قَسْمُه وتفرقته على المساكين؛ لأنهم كانوا يجمعونه قبل الفطر بثلاثة أيام للتفرقة، فكأنه أسلفه إلى (¬4) ذلك الأجل (¬5). قلت: ولا يخفى ما في ذلك من التكلُّف والضعف. (من الطعام): فيه (¬6): أن الجن يأكلون الطعام، وفي أشعار العرب أنهم (¬7) لا (¬8) يأكلون، وحملُ (¬9) ذلك على التمرد ومجردِ الإفساد خلافُ الظاهر؛ لأنه لو (¬10) لم يكن محتاجاً إلى طعام، ما علمه (¬11) آية الكرسي التي يمتنع بقراءتها من مَرَدَة الجن. ¬

_ (¬1) "نعم" ليست في "ع"، وفي "ج": "ثم". (¬2) في "ع": "أبي". (¬3) في "ع": "نزل". (¬4) في "ج": "على". (¬5) انظر: "التوضيح" (15/ 197). (¬6) في "ع": "في". (¬7) في "ع": "بأنهم". (¬8) "لا" ليست في "ع". (¬9) في "ع": "ويمل". (¬10) "لو" ليست في "ع" و"ج". (¬11) في "ع" و"ج": "عم له".

وفيه: ظهور الجن، وتكلمهم بكلام الإنس، وسرقتهم. (فرصَدْتُه): أي: تَرَقَّبته (¬1). (أَمَا): حرف استفتاح. (إِنه): بكسر الهمزة. وقال الزركشي: وبفتحها (¬2)؛ يعني: على جعل "أما" بمعنى: حقاً. (كذَبك): بفتح الذال المعجمة مخففة. (ولا يقرَبَك): بفتح الراء والباء. قال الزركشي: وأصله: "يقرَبنَّك"، بالنون المؤكِّدة (¬3). قلت: لا أدري ما دعاه (¬4) إلى ارتكاب مثل هذا الأمر الضعيف مع ظهور الصواب في خلافه، وذلك أنه قال: "فإنك لن يزالَ عليكَ من الله حافظ، ولا يقربَك (¬5) شيطانٌ حتى تصبحَ". فعندنا فعل منصوب ب "لن"، وهو قوله: "يزالَ"، [و] الآخر من قول: "يقربك (¬6) " منصوب بالعطف على المنصوب المتقدم، و"لا" زائدة لتأكيد النفي، مثلها في قولك: لن يقومَ زيدٌ ولا يضحكَ. ¬

_ (¬1) في "ع": "قربته". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 515). (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 515). (¬4) في "ع": "ادعاه". (¬5) في "ع": "ولا يقربنك". (¬6) في "ج": "يقربنك".

وجرينا (¬1) على طريقتهم في إطلاق الزيادة على "لا" هذه، وإن كان التحقيق أما ليست بزائدة دائماً، ألا ترى أنه إذا قيل: ما جاءني زيدٌ وعمرٌو، احتمل نفيَ مجيء كلٍّ منهما على كل حال (¬2)، ونفيَ اجتماعهما في المجيء، فإذا جيء بلا، كان الكلام نصاً في المعنى الأول. نعم هي زائدة في مثل قولك: لا يستوي زيدٌ ولا عمرو (¬3). (وكانوا أحرصَ شيء (¬4) على الخير): أي: على عمل الخير وتعلُّمه، وإنما خلَّى سبيلَه حرصاً على تعلمه لما ينفعه. (تعلمُ مَنْ تخاطبُ منذُ ثلاث (¬5) [ليال] يا أبا هريرة؟ قال: لا، قال (¬6): ذلك شيطان): العلمُ هنا بمعنى المعرفة. قال ابن المنير: و (¬7) فيه ما يدل على أن من رأى في منامه قائلاً يكلمه بحق، ويدله على خير، فعليه أن يتثبت؛ [لاحتمال أن يكون شيطاناً يدسُّ الخيرَ في الشر، والباطلَ في خلال الحق، ولا يغتر (¬8) بكونه قال له] (¬9) حقاً ما (¬10) بأنه ¬

_ (¬1) في "ج": " وجريناها". (¬2) في "ع": "حالة". (¬3) في "ع": "وعمر". (¬4) في "ع": "مني". (¬5) في "ع": "منه ثلاثة". (¬6) "قال" ليست في "ع". (¬7) الواو ليست في "ج". (¬8) في "ع": "يعتبر". (¬9) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬10) "ما" ليست في "ع" و"ج".

باب: إذا باع الوكيل شيئا فاسدا، فبيعه مردود

مَلَك؛ فإن (¬1) الكذوبَ (¬2) [ربما صدق، ولا يخطئهم فيه] (¬3)؛ لاحتمال أن يصيبوا في البعض، وإن كان الخطأ منهم معهوداً، فلابد أن يتأَنَّى (¬4) في تميز الحق من الباطل على أيِّ لسان، ومن أيِّ إنسان كان. * * * باب: إذا باعَ الوكيلُ شيئاً فاسداً، فبيعهُ مردودٌ 1309 - (2312) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا يَحْيىَ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، -هُوَ ابْنُ سَلَّامٍ- عَنْ يَحْيىَ، قَالَ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَبْدِ الْغَافِرِ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: جَاءَ بِلَالٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِتَمْرٍ بَرْنِيٍّ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مِنْ أَيْنَ هَذَا؟ "، قَالَ بِلَالٌ: كَانَ عِنْدَنَا تَمْرٌ رَدِيٌّ، فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ، لِنُطْعِمَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ ذَلِكَ: "أَوَّهْ أَوَّهِ! عَيْنُ الرِّبَا، عَيْنُ الرِّبَا، لَا تَفْعَلْ، وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ، فَبعِ التَّمْرَ بِبَيْعٍ آخَرَ، ثُمَّ اشْتَرِهِ". (أَوَّهْ): قال القاضي: رويناه بالقصر وتشديد الواو وسكون الهاء. وقيل: بمد الهمزة. وقيل: بسكون الواو وكسر الهاء. ومن العرب من يمد الهمزة، ويجعل بعدها واوين اثنين، فيقول: أووه، ¬

_ (¬1) في "ج": "من". (¬2) في "ج": "المكذوب". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬4) في "ج": "يتأيد".

باب: الوكالة في الحدود

وكله بمعنى التذكر والتحزن، ومنه: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ} [التوبة: 114] (¬1). (عينُ الربا): -بالرفع- خبرُ مبتدأ محذوف؛ أي: هذا عينُ الربا. * * * باب: الوكالةِ في الحُدودِ 1310 - (2314 و 2315) - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ، فَارْجُمْهَا". (واغْدُ يا أُنيس): -بصيغة التصغير-: هو ابنُ الضحاك (¬2) الأسلمي. ووقع في "مختصر الاستيعاب" ترجيح أنه أُنيس بنُ مَرْثَدِ بنِ أبي مرثدٍ (¬3) الغَنَوِيّ. * * * 1311 - (2316) - حَدَّثَنَا ابْنُ سَلَامٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: جِيءَ بِالنُّعَيْمَانِ -أَوِ ابْنِ النُّعَيْمَانِ- شَارِباً، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَنْ كَانَ فِي الْبَيْتِ أَنْ يَضْرِبُوا، قَالَ: فَكُنْتُ أَنَا فِيمَنْ ضَرَبَهُ، فَضَرَبْنَاهُ بِالنِّعَالِ وَالْجَرِيدِ. ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 52). وانظر: "التنقيح" (2/ 516). (¬2) في "ع": "ضحاك". (¬3) "مرثد" ليست في "ع".

(جيء بالنعيمان أو (¬1) ابن النعيمان): المعروفُ أنه نعيمانُ بنُ عمرِو (¬2) ابنِ رفاعةَ بنِ الحارثِ بن سواد النَّجَّارِيُّ، أبو عمرٍو (¬3)، عَقَبِيٌّ بَدْرِيٌّ (¬4). * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "و". (¬2) في "ع": "عمر". (¬3) في "ج": "عمر". (¬4) انظر: "التوضيح" (15/ 206).

كتاب المزارعة

كِتابُ المزَارَعَةِ

باب: فضل الزرع والغرس إذا اكل منه

باب: فَضْلِ الزَّرْعِ وَالغَرْسِ إِذَا اُكِلَ مِنْهُ وقولِ اللهِ تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا} [الواقعة: 63 - 65]. (كتاب: المزارعة). ({أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا} [الواقعة: 63 - 65]): وجه الاستدلال بهذه الآية على إباحة الحرث: أَنَّ الله تعالى امتنَّ (¬1) علينا بإنبات ما نحرثه، فدل (¬2) على أن الحرث جائز؛ إذ لا يمتن بممنوع (¬3). وإنما حمل (¬4) البخاريِّ على الترجمة على الجواز: أنه نقل عن عمر -رضي الله عنه-: أنه نَهَى عن الحرث، ومنع القُيون أن يضربوا سككَ ¬

_ (¬1) في "ع": "ليمتن". (¬2) "فدل" ليست في "ج". (¬3) في "ع": "ممنوع". (¬4) في "ع": "جعل".

المحاريث، وقال (¬1): ما (¬2) دخلتْ دارَ قومٍ إلا ذَلُّوا، وهو في حديثٍ ذُكر بعدُ (¬3)، ونهيُ عمرَ محمول على الاشتغال بالحرث عن الجهاد. وسأل ابن المنير عن وجه نسبة الحرث إلينا، والزرع إليه -جل جلاله-، والعقيدةُ أن الأفعالَ كلَّها لله حَرْثاً وبذراً وغير ذلك؟ فأجاب: بأن (¬4) المراد (¬5) بالزرع هنا: الإنباتُ، لا البَذْرُ، وذلك (¬6) من (¬7) خصائص القدرة القديمة (¬8)، قال: وإنما أدخل المزارعة في الترجمة؛ تنبيهاً على أن الانفراد بالحرث ونحوه (¬9) إذا جاز بالكتاب والسنة، جاز (¬10) الاشتراك فيه بشرطه شرعاً؛ لأن الاشتراك عبارة عن فعل اثنين، كلٌّ منهما جائزٌ وحده. * * * ¬

_ (¬1) "وقال" ليست في "ع" و"ج". (¬2) في "ع": "ومما"، وفي "ج": "وما". (¬3) رواه البخاري (2321) عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه. (¬4) "بأن" ليست في "ع". (¬5) في "ع": "بالمراد". (¬6) في "ع": "ومن ذلك". (¬7) "من" ليست في "ع". (¬8) في "ع": "العظيمة". (¬9) في "ع": "ونحو". (¬10) في "ج": "وجاز".

باب: ما يحذر من عواقب الاشتغال بآلة الزرع، أو مجاوزة الحد الذي أمر به

باب: ما يُحذَر منْ عَواقِبِ الاشتغالِ بآلةِ الزَّرعِ، أو مُجاوزَةِ الحدِّ الذي أُمِرَ بهِ 1312 - (2321) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَالِمٍ الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ الأَلْهَانِيُّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، قَالَ -وَرَأَى سِكَّةً وَشَيْئاً مِنْ آلَةِ الْحَرْثِ، فَقَالَ: -سَمِعْتُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَا يَدْخُلُ هَذَا بَيْتَ قَوْمٍ إِلَّا أُدْخِلَهُ الذُّلُّ). (الأَلْهاني): بهمزة مفتوحة فلام ساكنة فهاء فألف فنون فياء نسب. (إلا دخله (¬1) الذل): هو ما يُلم به (¬2) من حقوق الأرض التي يطالبهم بها ولاةُ الأمور. ويستفاد من ترجمة البخاري على هذا الحديث بقوله: باب: ما يحدث من عاقبة الاشتغال بآلة الزرع، أو جاز الحد الذي أُمر به، جوابُ (¬3) مَنْ عارضَ هذا الحديث بما ورد؛ مما يدل على أن أفضل المكاسب الزراعةُ، ووجهُ الجواب: أن ذمَّ الزراعة محمولٌ على من رَكَنَ إليها، وتركَ الجهادَ. * * * باب: اقْتِنَاءِ الْكَلْبِ لِلْحَرْثِ (باب: اقتناء الكلب للحرث): غرضُه بهذه الترجمة إباحةُ الحرث؛ ¬

_ (¬1) كذا في رواية أبي ذر الهروي عن الكشميهني، وفي اليونينية: "إلا أدخله"، وهي المعتمدة في النص. (¬2) في "م": "بها". (¬3) في "ع": "بجواب".

بدليلِ إباحةِ (¬1) اقتناء الكلب لأجل الحرث، فإذا رخص من أجله في الممنوع، فهو من المنع أبعدُ (¬2). وكلبُ الحرث عند مالك -رضي الله عنه- هو الذي يطرد الوحش ويعقره، لا الذي يطرد ابنَ آدم ويؤذيه، ذلك لا يجوز قُنيته أَلبتةَ. * * * 1313 - (2323) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَزِيدَ ابْنِ خُصَيْفَةَ: أَنَّ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ سُفْيَانَ بْنَ أَبِي زُهَيْرٍ -رَجُلًا مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ-، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنِ اقْتَنَى كلْباً، لَا يُغْنِي عَنْهُ زَرْعاً وَلَا ضَرْعاً، نَقَصَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطٌ". قُلْتُ: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: إَي وَرَبِّ هَذَا الْمَسْجِدِ. (يزيد): من الزيادة. (ابن خُصَيفة): بضم (¬3) الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة، مصغَّر. (نقص من عمله كلَّ يوم قيراطٌ): قيل: هو على التمثيل مثل جبل أحد، ذكره (¬4) الداودي، وليس المراد أنه ينقص من عملٍ مضى له قبل اتخاذ الكلب، وإنما أُريدَ: أن عمله في الكمال كعمل من لم يتخذ كلباً إلا كلبَ غنم أو حرث أو (¬5) صيدٍ. ¬

_ (¬1) "إباحة" ليست في "ع". (¬2) في "ج": "أبعد شيء". (¬3) في "ع": "بفتح". (¬4) في "ج": "الذي ذكره". (¬5) "أو" ليست في "ع".

باب: استعمال البقر للحراثة

استدل أصحابنا المالكية بجواز اتخاذها للصيد من غير ضرورة على طهارتها؛ فإن ملابستها مع الاحتراز عن مس شيء منها شاقٌّ، والإذن في الشيء إذنٌ في مكملات مقصوده، كما أن المنع من لوازمه مناسبٌ للمنع منه. * * * باب: استِعْمالِ البَقَرِ لِلحِرَاثَةِ 1314 - (2324) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدٍ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "بَيْنَمَا رَجُلٌ رَاكِبٌ عَلَى بَقَرَةٍ، الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا، خُلِقْتُ لِلْحِرَاثَةِ، قَالَ: آمَنْتُ بِهِ أَنَا وَأبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَأَخَذَ الذِّئْبُ شَاةً، فَتَبِعَهَا الرَّاعِي، فَقَالَ الذِّئْبُ: مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ، يَوْمَ لَا رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي؟ قَالَ: آمَنْتُ بِهِ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ". قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: مَا هُمَا يَوْمَئِذٍ فِي الْقَوْمِ. (خُلقتُ للحراثة): هذا موضع الترجمة على استعمال البقر للحراثة. (آمنتُ به أنا وأبو بكر وعمر): علم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أنهما يُقران بهذه (¬1) الآية؛ لكونه يعلم (¬2) منهما (¬3) المعروفَ بجواز الجائز (¬4) واستحالةِ المستحيل، وغير ذلك من قواعد العقائد، ونطقُ البقرة والذئبِ جائزٌ عقلاً؛ أعني: ¬

_ (¬1) في "ع": "هذه". (¬2) في "ع": "يعلموا". (¬3) في "ج": "منها". (¬4) في "ج": "الجائزة".

النطق (¬1) اللفظي والنفسي معاً، غير أن النفسي يشترط فيه (¬2) العقل، وخَلْقه في البقرة والذئب جائز، وكل جائز أَخْبَرَ صاحبُ المعجزةِ أنه واقع عَلِمْنا عقلاً أنه واقع، ولا يحمل توقفُ المتوقفين على أنهم شكوا في الصدق، ولكن استبعدوه استبعاداً عادياً، ولم يعلموا علماً مكيناً أن الخرق في زمن النبوات يكاد يكون عادة، فلا عجب إذاً. (هذا استنقذتها مني) (¬3): خرجه (¬4) ابن مالك على أوجه (¬5): إما أن يكون منادى حُذف منه حرف النداء. ¬

_ (¬1) في "ج": "المنطق". (¬2) في "ع" و"ج": "فيه يشترط". (¬3) هذا الشرح لم نجد له كلمة في نص البخاري هنا. وإنما رواه البخاري في كتاب: الأنبياء "3471 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَاةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: "بَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إِذْ رَكِبَهَا فَضَرَبَهَا، فَقَالَتْ: إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا، إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ". فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللهِ بَقَرَةٌ تَكَلَّمُ! فَقَالَ: "فَإِنَّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ -وَمَا هُمَا ثَمَّ-، وَبَيْنَمَا رَجُلٌ فِي غَنَمِهِ إِذْ عَدَا الذِّئْبُ فَذَهَبَ مِنْهَا بِشَاةٍ، فَطَلَبَ حَتَّى كَأَنَّهُ اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ هَذَا: اسْتَنْقَذْتَهَا مِنِّي، فَمَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُع، يَوْمَ لَا رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي؟ ". فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللهِ! ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ، قَالَ: "فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ". وَمَا هُمَا ثَمَّ". وقد تَبعَ المؤلِّفُ -رحمه الله- في ذكره هذه القطعة الإمامَ الزركشيِّ في "التنقيح" (2/ 517). (¬4) في "ع": "أخرجه". (¬5) في "ع": "وجه".

قلت: هذا ممنوع، أو قليل. قال: وإما أن (¬1) يكون في موضع (¬2) نصب على الظرفية أو المصدرية؛ أي: هذا اليومَ استنقذتها (¬3)، [أو هذا (¬4) الاستنقاذَ استنقذتها] (¬5) (¬6). (يومَ السَّبُع): -بفتح السين وضم الباء الموحدة-، وروي: بإسكانها، يريد: الحيوانَ المعروف، وبعضُهم يسكنه، ويقول: إنه يوم القيامة، وأنكره آخرون. ويحتمل أن يكون أراد: يومَ أكلي لها، يقال: سَبَعَ الذئبُ الغنمَ سَبْعاً؛ أي: أكلَها. وقيل: المراد: يوم الإهمال. قال الداودي: معناه: إذا طردَكَ (¬7) عنها السبعُ، فبقيتُ أنا فيها دونك، أتحكَّمُ له (¬8) لفراركَ منه؟ وقيل: يوم السبع عيدٌ للجاهلية يجتمعون فيه للهوهم (¬9)، فيهملون ¬

_ (¬1) "أن" ليست في "ع". (¬2) "موضع" ليست في "ع". (¬3) في "ع": "استفدتها". (¬4) في "ج": "وهذا". (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬6) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 211). وانظر: "التنقيح" (2/ 517). (¬7) في "ع" و"ج": "أن أطردك". (¬8) "له" ليست في "ج". (¬9) في "ع": "وللهوهم".

مواشيهم، فيأكلها السبع. قال القاضي: وهذا لا يلائم سياق الحديث؛ لأن الذئب أخذ على صاحبها حيثُ لم يسامحه بحرمتها يكون جزاءً (¬1) منه لما (¬2) يكون منه من حفظها بالتنبيه بالعواء، فلا يتمكن منها السبع. قال: وقال بعضهم: إنما هو السَّيعُ -بمثناة من تحت-؛ أي: يوم الضياع، يقال: أسيعت وأضيعت (¬3)، بمعنى (¬4). قيل: وهذان الحديثان من أخبار بني إسرائيل، وهما من العجائب التي كانت فيهم، وقد قال -عليه السلام-: "حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا حَرَجَ" (¬5)، ومعناه: فيما صحَّ عندكم، ولا تتحرَّجوا من (¬6) سماع عجائبهم؛ فقد كانت فيهم عجائب. ونقل السفاقسي عن الهروي في شأن الذئب أن ذلك كان (¬7) في مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬8). * * * ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "خيراً". (¬2) في "ع" و"ج": "كما". (¬3) في "ع": "أو صغيت"، وفي "ج": "أسعيت وأصغيت". (¬4) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 205). وانظر: "التنقيح" (2/ 517). (¬5) رواه البخاري (3461) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. (¬6) في "ع": "عن". (¬7) في "ع" و"ج": "ذلك كله كان". (¬8) انظر: "التوضيح" (15/ 233).

باب: إذا قال: اكفني مؤونة النخل أو غيره، وتشركني في الثمر

باب: إِذَا قَالَ: اكْفِنِي مَؤُونَةَ النَّخْلِ أَوْ غَيْرِهِ، وَتَشْرَكُنِي فِي الثَّمَرِ (باب: [إذا قال]: اكفني مؤونة النخل أو غيره، وَتَشْرَكُني في الثمر): تشرَكني -بفتح الراء-[مضارع شَرِكني -بكسرها-، -وبضم حرف المضارعة وكسر الراء-] (¬1)، مضارع أَشْرَكَ. قال ابن المنير: أشار بالترجمة إلى صورة المساقاة، ونَزَّلها ابنُ بطال على ذلك، وليس في الحديث حقيقتُها؛ لأن الرقابَ كانت ملكَ الأنصار، وهم -أيضاً- العمالُ عليها، فليس فيه إلا مجردُ تمليكهم لإخوانهم بلا عِوَض، غير أنهم عرضوا عليهم (¬2) الملكَ، ثم القسمة، فنزلوا عن الملك المتعلق بالرقبة إلى الثمرة، فكأنهم (¬3) ساقوا نصيبهم المعروضَ عليهم بجزء من الثمرة، وكان الجزء مبيناً إما بالنص، أو بالعرف. والله أعلم. أو بأن إطلاق الشرك منزل على النصف، وهو مشهورُ مذهبِ مالك، ونزل تمكنهم من الملك منزلة الملك؛ لأن مَنْ ملكَ أن يملكَ يُعد مالكاً، ويجوز أن يكونوا قبلوا التمليك، ولم يقبلوا (¬4) القسمة؛ لئلا يلزمهم مؤونة نصيبهم المعين (¬5) حتى ينتفعوا، فاختار لهم -عليه السلام-[أن تبقى الشركة، ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) في "ع": "عليه". (¬3) في "ع": "فكانوا". (¬4) في "ع": "يصلوا". (¬5) في "ع": "المبين".

ويعقدوا للمساقاة في نصيبهم، ويكون قوله -عليه السلام-: "لا"] (¬1) إنما هو ردٌّ لطلب القسمة، لا للملك، وهذا الأظهر (¬2) في الاستدلال به على المساقاة، والأقعدُ في غرض البخاري. قلت: ادعاؤه أن إطلاق الشرك منزلٌ على النصف، وهو مشهور مذهب مالك، فيه نظر، ففي كتاب القِراض: إذا قارضه على أن له شركاء في الربح، فالقراضُ فاسدٌ. وأيضًا بناؤه على قولهم: إن مَنْ ملك أن يملك يُعد مالكاً؛ غير مَرْضِيٍّ، فالقاعدة عند المحققين من أصحابنا واهية، وقد تعرض القرافي وغيرُه إلى بطلانها (¬3) بما يطول شرحه، فلينظر في محله (¬4). واعلم أن نص الحديث الذي ساقه في هذا الباب: قالَ الأنصارُ للنبي - صلى الله عليه وسلم -: اقسمْ بيننا وبين إخواننا النخلَ، قال: "لا"، فقالوا (¬5): أتكفونا المؤونة ونشرككم (¬6) في الثمرة؟ قالوا: سمعنا وأطعنا (¬7). ففهم ابنُ بطال أن الضمير في قوله: "فقالوا" مرادٌ (¬8) به الأنصار، وضمير ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬2) في "ع" و"ج": "هو الأظهر". (¬3) في "ج": "بطلانهما". (¬4) انظر: "الفروق" (3/ 38). (¬5) فقالوا" ليست في "ع". (¬6) في "م": "ونشركم". (¬7) رواه البخاري (2325) عن أبي هريرة رضي الله عنه. (¬8) في "ج": "يراد".

الخطاب من "تكفونا"، و"نشرككم" مرادٌ (¬1) به المهاجرون (¬2)؛ أي: فقالت الأنصار: تكفونا أيها المهاجرون مؤونة العمل في النخيل، ويكون المتحصل من ثمرها مشترَكاً بيننا وبينكم، وهذه عين المساقاة، وليس في اللفظ ما يأباه، وغايةُ الأمر أنهم لم يبينوا (¬3) مقدارَ الأنصباء التي وقع بها (¬4) الاشتراك، والواقعةُ واقعةُ عَيْن، فيحتمل أن تسمية الأنصباء (¬5) وقعت، ولكن الراوي لم يذكرها لفظاً، أو كان نصيبُ العامل في المساقاة معلوماً عندهم (¬6) بالعرف المنضبط، فتركوا النص عليه اعتماداً (¬7) على ذلك العرف. وفهم (¬8) ابن المنير أن ضمير "فقالوا" للمهاجرين، وضميرَ الخطاب من "تكفونا"، و"نشرككم" للأنصار؛ أي: فلما (¬9) أبى النبي - صلى الله عليه وسلم - من قَسْم رقاب النخل لمصلحة رآها، قال المهاجرون: تكفونا أيها الأنصار مؤونة العمل في النخل التي تصير لنا بالقسمة، واعملوا في الكل ما كان يطير (¬10) لنا، وما كان يطير (¬11) لكم، ويكون شركاً لكم في الثمار التي تتحصل في ¬

_ (¬1) في "ج": "يراد". (¬2) في "ع": "المهاجرين". (¬3) في "ع": "يثبتوا". (¬4) "بها" ليست في "ج". (¬5) في "ع": "نسبته الأنصاب". (¬6) "عندهم" ليست في "ع" و"ج". (¬7) في "ع": "اعتماد". (¬8) في "ع" و"ج": "ووهم". (¬9) في "ع": "علماً". (¬10) في "ج": "نظير". (¬11) في "ع" و"ج": "نظير".

الجمع، فرضي المهاجرون (¬1) بالثمرة فقط، وأعرضوا عن تملُّك الرقاب لما اقتضى رأيه -عليه السلام-، وليس في هذا حقيقةُ المساقاة، فاحتاج ابن (¬2) المنير إلى صرف ذلك إلى المساقاة بما قرره (¬3)، وفيه تكلف لا يخفى. وما قاله ابن بطال خالٍ من ذلك كما رأيت، إلا أن يعتضد ابنُ المنير بوقوع ما ترجَّح فهمُه في طريق من طرق (¬4) الحديث، فتأمله. * * * باب: قَطْعِ الشَّجَرِ والنَّخْلِ 1315 - (2326) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضيِرِ، وَقَطَعَ، وَهْيَ الْبُوَيْرَةُ، وَلَهَا يَقُولُ حَسَّانُ: وَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بنِي لُؤَيٍّ ... حَرِيقٌ بِالبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ (وهي البُوَيْرَة): -بضم الباء وفتح الواو (¬5)، على لفظ التصغير-: موضع. (ولها يقول حسان): بالصرف على أنه من الحسن -بالنون-، وبعدمه على أنه من الحسن، بدون نون. ¬

_ (¬1) في "ج": "المهاجرين". (¬2) "ابن" ليست في "ع". (¬3) في "ع": "قرروه". (¬4) في "ج": "طريق". (¬5) في "ع": "وفتح الراء".

(وهان على سراةِ بني لؤي ... حريق بالبويرة مستطير) قال السفاقسي: كذا في رواية أبي ذر: "وهانَ" بالواو، ووقع عند أبي الحسن: "هان (¬1) " بدون واو (¬2). قلت: فيكون فيه العضب -بالضاد المعجمة- وهو خَرْم مفاعَلَتُن (¬3)، فيصير على زنة مُفْتَعِلُن (¬4)، وينشد (¬5) عليه العروضيون (¬6) قول الشاعر: وإِنْ نَزَلَ (¬7) الشِّتَاءُ بِأَرْضِ قَوْمٍ ... تَجَنَّبَ جَارَ بَيْتِهِمُ الشِّتَاءُ والسَّراة -بفتح السين المهملة (¬8) -: قال (¬9) الجوهري: جمع سَرِيٍّ، وهو جمعٌ عزيزٌ؛ أي: يجمع فَعيل (¬10) على فَعَلَة، ولا يُعرف غيرُه. قلت: حكى ابن مالك في "التسهيل" جمع خَبيث على خَبَثَة. ثم قال الجوهري: وجمعُ السَّراةِ: سَرَوات (¬11) (¬12). ¬

_ (¬1) "هان" ليست في "ع" و"ج". (¬2) انظر: "التوضيح" (15/ 238). (¬3) في "ج": "مفاعيل". (¬4) في "ع": "تفعيلن". (¬5) في "ع": "وبتشديد". (¬6) في "ع" و"ج": "العرضيون". (¬7) في "ع": "نزول". (¬8) "المهملة" ليست في "ع". (¬9) في "ع": "قاله". (¬10) في "ع" و"ج": "فقيل". (¬11) في "ع": "سرات". (¬12) انظر: "الصحاح" (6/ 2375)، (مادة: س ر ي).

وقد شدد السهيلي في "الروض الأنف" النكت في هذه المسألة على النحاة، وقال: لا ينبغي أن يقال في سراة القوم: إنه جمع سَرِيٍّ، لا على القياس، ولا على غير القياس، و (¬1) إنما هو مثل كاهِلِ القوم، وسنامِهم، وذروتهم (¬2)، والعجبُ كيف خفيَ هذا على النَّحْوِيين حتى قلد الخالف (¬3) منهم السالف. وساق فيه (¬4) كلاماً طويلاً حاصله: أن السَّراةَ مفردٌ (¬5) لا جمع (¬6)، واستدل عليه بما نقف عليه من كلامه. (مستطير): أي: منتشر. قال صاحب "المعجم": إنما قال ذلك حسان؛ لأن قريشاً هم الذين حملوا كعبَ بنَ أسدٍ صاحبَ عقدِ بني قريظة على نقض (¬7) العهد بينه وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى خرج معهم (¬8) إلى الخندق، وقيل: إنما قطع النخل؛ لأنها كانت مقابل القوم، فقطعت؛ ليبرز مكانها، فيكون مجالاً للحرب (¬9). * * * ¬

_ (¬1) في "م": "أو". (¬2) "وذروتهم" ليست في "ع" و"ج". (¬3) في "ع": "منهم الحالف". (¬4) في "ج": "فيهم". (¬5) في "ع": "مفرداً". (¬6) انظر: "الروض الأنف" (3/ 206). (¬7) في "ع": "بعض". (¬8) "حتى خرج معهم" ليست في "ع". (¬9) انظر: "التنقيح" (2/ 518).

باب

باب 1316 - (2327) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يَحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ الأَنْصَارِيِّ: سَمِعَ رَافِعَ بْنَ خَدِيجِ، قَالَ: كُنَّا أَكْثَرَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مُزْدَرَعاً، كُنَّا نُكْرِي الأَرْضَ بِالنَّاحِيَةِ مِنْهَا مُسَمًّى لِسَيِّدِ الأَرْضِ، قَالَ: فَمِمَّا يُصَابُ ذَلِكَ وَتَسْلَمُ الأَرْضُ، فممَّا يُصَابُ الأَرْضُ وَيَسْلَمُ ذَلِكَ، فَنُهِينَا، وَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ، فَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ. (لسيد الأرض): أي: لمالكها. (قال: فمما (¬1) يصاب ذلك وتسلم الأرض): الظاهر تخريجه على أن "مما" بمعنى "ربما"، على ما ذهب إليه السيرافي، وأبناء طاهر، وخروف، والأَعْلَم، وخرَّجوا عليه قولَ سيبويه: واعلم أنهم مما (¬2) يحذفون كذا، وقد مر فيه كلام في (¬3) أول الكتاب. * * * باب: إِذَا لَمْ يَشْتَرِطِ السِّنِينَ فِي المُزَارَعَةِ (باب: إذا لم يشترط السنينَ في المزارعة): قال ابن بطال: ولا خلافَ بين أهل العلم أن الكراء في الدور والأرضين لا يجوز إلا وقتاً معلوماً (¬4). ورد ابن المنير: بأن مذهب مالك -بلا خلاف عنه-: أنه تجوز الإجارةُ ¬

_ (¬1) في "ع": "فما". (¬2) في "ج": "ما". (¬3) "في" ليست في "ع" و"ج". (¬4) انظر: "شرح ابن بطال" (6/ 470).

كلَّ سنة بكذا، ولا يسمي مدةَ الإجارة، وكذا في المساقاة، وإنما اختلف قوله: هل العقدُ غيرُ لازم ألبتة (¬1)، أو لازم في سنة؛ لأنها أقلُّ ما سموه؟ وأما إذا شرع العامل أو (¬2) الزارع في سنة، فقد لزمت بلا إشكال فيها، وقوله -عليه السلام-: "مَا أَقَرَّكُمُ اللهُ" (¬3) ليس بتأجيل، ولكنه مثل: كُلَّ سنة بكذا، وهو جائز في الزائد (¬4) على السنة، قولاً واحداً عند مالك، فمتى أراد، أخرجَه ما لم يشرع، فيلزم تلك السنة، لكن اليهود لم يُخْرَجوا إلا لخيانتهم، ولا تُوُعِّدوا إلا على ذلك، وكذا العاملُ الخائنُ يُخرج متى ظهرت خيانتُه، وقولنا: إن أقل المساقاة سنة، يعني به: إلى الجِداد خاصة، ولو أطلقا، حُمل على ذلك. * * * 1317 - (2329) - حَدَّثَنَا مُسَدَّد، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: عَامَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ. (من ثمر أو زرع): "أو" للتنويع (¬5). وقيل: بمعنى الواو، ففي رواية مسلم: "مِنَ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ" (¬6). ¬

_ (¬1) في "ع": "الهبة". (¬2) في "ع": "و". (¬3) رواه البخاري (2730) عن ابن عمر رضي الله عنهما. (¬4) في "ع": "الزوائد". (¬5) في "ع": "وللتنوين". (¬6) رواه مسلم (1551).

باب

باب 1318 - (2330) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ: قَالَ عَمْرٌو: قُلْتُ لِطَاوُسٍ: لَوْ تَرَكْتَ الْمُخَابَرَةَ؛ فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْهُ؟ قَالَ: أَيْ عَمْرُو! إِنِّي أُعْطِيهِمْ وَأُغْنِيهِمْ، وَإِنَّ أَعْلَمَهُمْ أَخْبَرَنِي -يَعْنِي: ابْنَ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَنْهَ عَنْهُ، وَلَكِنْ قَالَ: "أَنْ يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهِ خَرْجاً مَعْلُوماً". (أن يمنحَ أحدُكم أخاه خيرٌ له): قال الزركشي: يروى: بكسر (¬1) همزة إن وفتحها، والنون ساكنة، وفي يمنح -بفتح النون، و (¬2) بكسرها مع ضم أوله-؛ فإنه يقال: مَنَحْتُهُ، وأَمْنَحْتُهُ: إذا أعطيته (¬3). قلت: أما على فتح همزة أن، فالأمر ظاهر، مثل: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184]، وأما على كسرها، فتحتاج إلى جزم الفعل، وحذفِ مبتدأ وفاءِ الربط؛ أي: إن يمنح أحُدكم أخاه، فهو خير له، فينبغي تحريرُ الرواية فيه. * * * باب: ما يُكْرهُ مِنَ الشُّروطِ في المُزَارَعَةِ 1319 - (2332) - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ ¬

_ (¬1) في "ع": "بكسرة". (¬2) الواو ليست في "ع". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 519).

باب: إذا زرع بمال قوم بغير إذنهم، وكان في ذلك صلاح لهم

يَحْيىَ، سَمِعَ حَنْظَلَةَ الزُّرَقِيَّ، عَنْ رَافِعٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: كُنَّا أَكْثَرَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حَقْلاً، وَكَانَ أَحَدُنَا يُكْرِي أَرْضَهُ، فَيَقُولُ: هَذِهِ الْقِطْعَةُ لِي، وَهَذِهِ لَكَ، فَرُبَّمَا أَخْرَجَتْ ذِهْ، وَلَمْ تُخْرِجْ ذِهْ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. (حَقلاً): -بفتح الحاء المهملة و (¬1) بالقاف-: الأرض التي تزرع. وقال الجوهري: القَراحُ الطَّيب (¬2). (فربما أخرجت (¬3) ذِهْ، ولم تخرج ذِهْ): -بإسكان الهاء من "ذِهْ" في الموضعين-، و (¬4) لا تعلق في هذا لمن منع المزارعة؛ لأن النهي قد يكون لتعبين قطعة لهذا، وقطعة لهذا، وفيه من الغرر ما فيه. * * * باب: إِذَا زَرَعَ بِمَالِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ صَلَاحٌ لَهُمْ (باب: إذا زرع بمال قوم بغير إذنهم، وكان في ذلك صلاحٌ لهم): قال المهلب: لا يصح هذه الترجمة إلا بأن يكون الزارع ضامناً لرأس المال، ومتطوعاً بأن لا (¬5) خسارة على المالك. قال ابن المنير: والترجمة صحيحة ومطابقة؛ لأنه قد عين له حقه، ¬

_ (¬1) الواو ليست في "ع". (¬2) انظر: "الصحاح" (4/ 1671)، (مادة: حقل). (¬3) في "ع": "خرجت". (¬4) الواو ليست في "ع". (¬5) في "ع": "إلا".

ومكَّنه منه، فبرئت ذمته، فلما (¬1) ترك (¬2) القبض، ووضع المستأجر يده ثانياً على الفرق (¬3)، فهو وضعٌ (¬4) مستأنَفٌ على ملك (¬5) الغير، فتصرفُه إصلاحٌ لا تضييع، فاغتُفر ذلك، ولم يُعَدَّ تعدياً يوجبُ المعصية، وهذا مقصود الترجمة، لا أن (¬6) ذلك يلزم صاحب المال، ولا أنه (¬7) لو هلك لم يضمن المتصرف، ولو فرضنا أن الأجير شاحَّهُ هنا، وقال: لا آخذ إلا مثلَ (¬8) حقي، كان له ذلك. قلت: كأنه نسي -رحمه الله- ما قدمه في حديث الغار في باب: إذا اشترى شيئاً لغيره بغير إذنه، فرضي؛ حيث (¬9) قال هناك: فانظرْ في الفَرْق من الأَرُز هل ملكه الأجير أو لا؟ والظاهر أنه لم يملكه (¬10)؛ لأنه لم يستأجره (¬11) بفَرْق معين، وإنما استأجره بفَرْق على (¬12) الذمة، فلما عُرض ¬

_ (¬1) في "ع": "كلاً فلما". (¬2) في "ج": "تركت". (¬3) في "ع": "الفراق". (¬4) في "ع": "موضع". (¬5) في "ع": "الملك". (¬6) في "ع" و"ج": "لأن". (¬7) في "ع": "ولأنه". (¬8) في "ج": "مثلي". (¬9) في "ع": "بحيث". (¬10) في "ع": "يملك". (¬11) في "ع": "يستأجر". (¬12) في "ع": "بفرق معين على".

باب: أوقاف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأرض الخراج ومزارعتهم ومعاملتهم

عليه أن يقبضه، امتنعَ، فلم يدخل في ملكه، ولم يتعين له، إنما حقه في ذمة المستأجر، وجميعُ ما نتج إنما نتج على ملك المستأجر، وغاية ذلك أنه أحسنَ القضاء، فأعطاه حقَّه وزيادات كثيرة. هذا كلامه هناك، وهو مخالف لما قرره هنا قطعاً، فتأمله. * * * باب: أَوقافِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وأَرْض الخَرَاجِ ومُزَارَعَتِهِم ومُعَامَلَتِهِمْ 1320 - (2334) - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: لَوْلَا آخِرُ الْمُسْلِمِينَ، مَا فَتَحْتُ قَرْيَةً إِلَّا قَسَمْتُهَا بَيْنَ أَهْلِهَا، كمَا قَسَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ. (لولا آخر (¬1) المسلمين): مبتدأ محذوفُ الخبر وجوباً، على القاعدة في مثله (¬2). (ما فتحت قرية): ببناء (¬3) الفعل للفاعل، فقريةً منصوب على المفعولية (¬4)، وببنائه للمفعول، فقريةٌ مرفوع (¬5) على أنه النائب عن الفاعل. (إِلَّا قسمتُها بين أهلها): كان عمر -رضي الله عنه- يرى هذا نظراً لآخر المسلمين، ويتأول فيه قولَه تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: 10]، ¬

_ (¬1) في "ع": "أجر". (¬2) في "ع": "على الفساد عده مثله"، وفي "ج": "على الفساد عده في مثله". (¬3) في "ع": "قلنا". (¬4) في "ع" و"ج": "المفعول". (¬5) في "ع": "مرفوعة".

باب: من أحيا أرضا مواتا

ويعطفه على قوله: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر: 8]. ويروى: "الآخرين منهم (¬1) أسوة الأولين"، وقد كان يعلم أن المال يعزُّ، والشحَّ يغلبُ، وأن لا (¬2) مَلِكَ بعد كسرى يُغْنَم (¬3) مالُه، فيغني فقراء المسلمين، وأشفقَ أن يبقى آخر الناس لا شيء لهم، فرأى أن يُحَبِّسَ الأرضَ، ويَضرب عليها خراجاً يدوم به نفعُها للمسلمين كما فعلَ بأرض السواد؛ نظراً للمسلمين، وشفقةً على آخرهم، وهذا هو أشهرُ قولي مالك في المسألة. كذا في السفاقسي (¬4). * * * باب: مَنْ أَحْيَا أَرْضاً مَوَاتاً وَرَأَى ذَلِكَ عَلِيٌّ فِي أَرْضِ الْخَرَابِ بِالْكُوفَةِ مَوَاتٌ. وَقَالَ عُمَرُ: مَنْ أَحْيَا أَرْضاً مَيِّتَةً، فَهْيَ لَهُ. وَيُرْوَى عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَالَ: "فِي غَيْرِ حَقِّ مُسْلِمٍ، وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ فِيهِ حَقٌّ". (وليس لعرقٍ ظالم فيه (¬5) حقٌّ): بالتنوين فيهما؛ على نعت الأول بالثاني، وبترك التنوين في الأول فقط؛ على الإضافة. قال القاضي: وأصلُه في الغرس يغرسُه في الأرض غيرُ ربها (¬6) ليستوجِبَها ¬

_ (¬1) في "ج": "بينهم". (¬2) "لا" ليست في "ع" و"ج". (¬3) في "م" و"ج": "بمغنم". (¬4) انظر: "التوضيح" (15/ 268)، و"التنقيح" (2/ 519). (¬5) "فيه" ليست في "ع" و"ج". (¬6) "غير ربها" ليست في "ع".

به، وكذلك ما أشبهَ (¬1) من بناءٍ أو استنباطٍ أو استخراجِ معدِن، سُميت عروقًا؛ لشبهها في الأحياء بعرق الغرس (¬2). قال النووي في "تهذيب الأسماء واللغات": والتنوين فيهما اختيارُ (¬3) مالك، والشافعي رضي الله عنهما (¬4). وفي "الزاهي" لابن شعبان: العروق أربعة: عرقان ظاهران، وعرقان باطنان، فالظاهران: البناء والغرس، والباطنان: الآبار والعيون. قال السفاقسي: وهذا وقع (¬5) منه في تفسير الحديث، وهو يصح على رواية من رواه منوناً غيرَ مضاف، ومن لم يُضفه (¬6)، ونَوَّنَ عرقاً، احتجَّ به على أن غلات المغصوب لربه، وليس للغاصب منها شيء، يريد: أن الظالم هو الغاصب، ولا حقَّ له في المغصوب في غلة ولا غيرها. * * * 1321 - (2335) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ ابْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "مَنْ أَعْمَرَ أَرْضاً لَيْسَتْ لأَحَدٍ، فَهْوَ أَحَقُّ". قَالَ عُرْوَةُ: قَضَى بِهِ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِي خِلَافَتِهِ. ¬

_ (¬1) في "ج": "وكذا ما اشتبه". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 78). (¬3) في "ع": "اختار". (¬4) انظر: "تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (3/ 198)، و"التنقيح" (2/ 520). (¬5) في "ع": "واقع". (¬6) في "ع": "يصفه".

(من أعمرَ أرضاً): قال القاضي: كذا رواه أصحاب البخاري يعني: بفتح الهمزة، قال: وصوابه: "مَنْ عَمَرَ أرضاً" ثلاثي، قال الله تعالى: {وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا (¬1)} [الروم: 9]، إلا أن يريد: جعلَ فيها عمارة (¬2) (¬3). وقال الزركشي: ضم الهمزة أجودُ من الفتح (¬4). [قلت: يفتقر ذلك إلى ثبوت رواية فيه، وظاهرُ كلام القاضي أن جميع رواة البخاري على الفتح] (¬5). وقال ابن بطال: ذكر صاحب "العين": أعمرتُ الأرضَ: وجدتُها عامرة، وليس بمراد هنا، وإنما يجيء هنا الثلاثي، ويمكن أن يكون (¬6) من: اعتمرَ أرضاً، وسقطت التاء من الأصل (¬7). قلت: هذا ردٌّ لاتفاق الرواة (¬8) بمجرَّدِ احتمالٍ يجوز أن يكون، وأن لا يكون، وأكثر ما يعتمد هو وغيره على (¬9) مثل (¬10) هذا، وأنا لا أرضى لأحد أن يقع فيه. ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج" زيادة: {وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} [يونس: 13]. (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 88). (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 88). (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 520). (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬6) "أن يكون" ليست في "ع". (¬7) انظر: "التنقيح" (2/ 520). (¬8) في "ع": "الرواية". (¬9) في "ع": "مثل على". (¬10) "مثل" ليست في "ج"، وفي "ع": "أمثل".

باب

باب 1322 - (2336) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِم بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أُرِيَ وَهْوَ فِي مُعَرَّسِهِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ فِي بَطْنِ الْوَادِي، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ بِبَطْحَاءَ مُبَاركَةٍ. فَقَالَ مُوسَى: وَقَدْ أَنَاخَ بِنَا سَالِمٌ بِالْمُنَاخِ الَّذِي كَانَ عَبْدُ اللهِ يُنِيخُ بِهِ، يَتَحَرَّى مُعَرَّسَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَهْوَ أَسْفَلُ مِنَ الْمَسْجِدِ الَّذِي بِبَطْنِ الْوَادِي، بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَرِيقِ وَسَطٌ مِنْ ذَلِكَ. (وهو في مُعَرَّسِه): -بمهملات وميم مضمومة في أوله، والثالثُ مفتوح مشدد-، وهو مكان التعريس، وهو نزولُ المسافر آخرَ الليل للاستراحة، وكان (¬1) النبي - صلى الله عليه وسلم - عَرَّسَ بذي الحليفة، وصلَّى فيه الصبح. قال المهلب: ومحاولةُ البخاري لجعل المعرسِ ملكاً للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنه وقفه، لا يقوم على ساق. قال (¬2) ابن المنير: ظن أن البخاري أرادَ إلحاقَ المعرَّس بالأوقاف النبوية، فقال ما قال، وغرض البخاري غيرُ هذا، وذلك أنه لما ذكر إحياء الموات، والخلافُ فيها مشهور، وهل يتوقف مطلقاً على إذن الإمام، أو يفصل بين القريب والبعيد؟ نبه على أن هذه البطحاء التي عرس بها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وأمر بالصلاة فيها، وأعلمَ أما مباركة، لا تدخل في الموات (¬3) ¬

_ (¬1) في "ع": "فكان". (¬2) في "ع" و"ج": "وقال". (¬3) في "ع": "الموت".

باب: إذا قال رب الأرض: أقرك ما أقرك الله -ولم يذكر أجلا- فهما على تراضيهما

الذي يُحيا ويُملك؛ لما ثبت لها (¬1) من خصوصية التقرُّب فيها، فصارت كأنها وقف على أن يُقتدى فيها به -عليه السلام-، فهي كعرفةَ (¬2)، وموضع الجمار، وموضعِ النزولِ بمزدلفةَ، وموضعِ الوقوفِ بالمشعر الحرام، ليس لأحد أن يبني فيها، ولا يُحَجَّرَها، لا بإذن، ولا بغيره (¬3)؛ لتعلق حقَّ المسلمين (¬4) بها عموماً بغير الأبنية والسكنى. ويؤخذ من هذا: أن (¬5) لا يحيي أحدٌ (¬6) فيما قَرُبَ من العمران، وحَدُّه عند مالك حيثُ يبلغ المحتطِبُ (¬7) ويعود في نهاره، وحيثُ يبلغ الرِّعاء؛ لأن حقوق الناس قد تقدَّمت على من يريد تحجيرَها، وليس للإمام أن يُقْطِعَ منها (¬8)، ولا أن يأذنَ فيما تصدق به على العامة وهذا غرض البخاري. والله أعلم. * * * باب: إذا قَالَ رَبُّ الأَرْضِ: أُقِرُّكَ مَا أَقركَ اللهُ -ولم يذكرْ أَجَلاً- فَهُما عَلَى تَرَاضِيهِمَا 1323 - (2338) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ ¬

_ (¬1) في "ع": "بها". (¬2) في "ع": "كقربه". (¬3) في "ع": "غيره". (¬4) في "ع": "الميت". (¬5) في "ج": "ويؤخذ منها أن". (¬6) "أحد" ليست في "ع". (¬7) في "ع": "المخطب". (¬8) في "ع": "فيها".

سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُوسَى، أَخْبَرَنَا ناَفِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- أَجْلَى الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، لَمَّا ظَهَرَ عَلَى خَيْبَرَ، أَرَادَ إِخْرَاجَ الْيَهُودِ مِنْهَا، وَكَانَتِ الأَرْضُ حِينَ ظَهَرَ عَلَيْهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلِلْمُسْلِمِينَ، وَأَرَادَ إِخْرَاجَ الْيَهُودِ مِنْهَا، فَسَأَلَتِ الْيَهُودُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِيُقِرَّهُمْ بِهَا أَنْ يَكْفُوا عَمَلَهَا، وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "نُقِرُّكُمْ بِهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا"، فَقَرُّوا بِهَا حَتَّى أَجْلاَهُمْ عُمَرُ إِلَى تَيْمَاءَ وَأَرِيحَاءَ. (نُقِرُّكم بها (¬1) على ذلك (¬2) ما شئنا): فيه دليل على (¬3) جواز الإجارة مشاهرةً، أو مُسانَهَةً (¬4) أو مُياومةً؛ كما تقول المالكية، وقد مر الكلام فيه آنفاً. (فقَروا): بفتح القاف. (حتى أجلاهم عمرُ): أي: أخرجهم، فأخلا الأرض منهم. (إلى (¬5) تَيْماء): -بفتح المثناة من فوق وسكون الياء آخر الحروف وبألف (¬6) بين ميم وهمزة-: قرية من أمهات القرى على البحر من بلاد طَيِّئ، ومنها ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "فيها". (¬2) "ذلك" ليست في "ج". (¬3) "على" ليست في "ع". (¬4) في "ع": "مشابهة". (¬5) "إلى" ليست في "ع". (¬6) في "ع": "وبالألف".

باب: ما كان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يواسي بعضهم بعضا في الزراعة والثمر

يُخرج إلى الشام. (وأَرِيحاء): -بهمزة مفتوحة فراء مكسورة فمثناة من تحت فحاء مهملة فألف فهمزة-: موضعٌ آخرُ بناحية الشام. * * * باب: مَا كانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يُواسِي بعضُهم بَعْضَاً في الزِّراعةِ والثَّمرِ 1324 - (2339) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ أَبِي النَّجَاشِيِّ مَوْلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ: سَمِعْتُ رَافِع بْنَ خَدِيجِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَمَّهِ ظُهَيْرِ بْنِ رَافِعٍ: قَالَ ظُهَيْرٌ: لَقَدْ نَهَانَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَمْرٍ كَانَ بِنَا رَافِقاً، قُلْتُ: مَا قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَهْوَ حَقٌّ، قَالَ: دَعَانِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "مَا تَصْنَعُونَ بِمَحَاقِلِكُمْ؟ "، قُلْتُ: نُؤَاجِرُهَا عَلَى الرُّبُعِ، وَعَلَى الأَوْسُقِ مِنَ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ، قَالَ: "لا تَفْعَلُوا، ازْرَعُوهَا، أَوْ أَزْرِعُوهَا، أَوْ أَمْسِكُوهَا". قَالَ رَافِعٌ: قُلْتُ: سَمْعاً وَطَاعَةً. (ظُهَير (¬1) بنُ رافع): بضم الظاء المعجمة وفتح الهاء على التصغير. (عن أمر كان بنا رافقاً): أي: ذا رفقٍ، أو مُرفَق؛ كتالفٍ بمعنى مُتْلَف. (بمحاقلكم (¬2)): أي: بمزارعكم. (نؤاجرها على الربيع (¬3) (¬4) وعلى الأوسق): جعل بعضُهم الواوَ هنا ¬

_ (¬1) في "ع": "وظهير". (¬2) في "ع": "بمحالقكم". (¬3) في "ع": "أربع". (¬4) كذا في رواية أبي ذر الهروي عن الحمويي والمستملي، وفي اليونينية: "على =

باب: كراء الأرض بالذهب والفضة

بمعنى: أو، وهل الربيع: الساقية، أو النهر، أو يفيد (¬1) كونه صغيراً؟ أقوال: قال الداودي: إنما كره أن يكون على الربع (¬2) مما يخرج منها؛ لأنه مجهول، وكأنه (¬3) حمل (¬4) الربيع على الجزء الذي هو الربع (¬5)، ويؤيده أن في بعض الروايات: على الربع، والأوسق. قال السفاقسي: والصحيحُ أن معناه: أن ما جاءت به الساقية، وهي الربيع (¬6)، فهو خاص بربِّ الأرض (¬7). (لا تفعلوا، أَزْرِعوها، أو ازرعوها (¬8)): -همزة الأولى همزة قطع وراؤها مكسورة-؛ أي: امنحوها مَنْ يزرعها لنفسه، والرواية الثانية مفسرة لذلك (¬9). * * * باب: كِرَاءِ الأرضِ بالذَّهَبِ والفِضَّةِ 1325 - (2346 و 2347) - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ ¬

_ = الربع"، وهي المعتمدة في النص. (¬1) في "ع": "يعقد". (¬2) في "ع": "الربيع". (¬3) في "ع": "فكأنه". (¬4) في "ع": "جعل". (¬5) في "ع": "الربيع". (¬6) في "ع" و"ج": "الربع". (¬7) انظر: "التوضيح" (15/ 292). (¬8) في "ع": "زرعوها". (¬9) في "ع": "كذلك"، وانظر: "التنقيح" (2/ 521).

باب

رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمَّايَ: أَنَّهُمْ كَانُوا يُكْرُونَ الأَرْضَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَا يَنْبُتُ عَلَى الأَرْبِعَاءَ، أَوْ شَيْءٍ يَسْتَثْنِيهِ صَاحِبُ الأَرْضِ، فَنَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ، فَقُلْتُ لِرَافِعٍ: فَكَيْفَ هِيَ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ؟ فَقَالَ رَافِعٌ: لَيْسَ بِهَا بَأْسٌ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ. وَقَالَ اللَّيْثُ: وَكَانَ الَّذِي نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ، مَا لَوْ نَظَرَ فِيهِ ذَوُو الْفَهْمِ بِالْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ لَمْ يُجِيزُوهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمُخَاطَرَةِ. (عن رافع بن خديج، حدثني عماي): اسمُ أحدهما (¬1) ظُهير بن رافع، وهو الذي ضبطناه قريباً، واسم الآخر مُظَهِّر، بميم مضمومة وظاء معجمة مفتوحة وهاء مشددة مكسورة وراء. (بما ينبت على الأربعاء): -بفتح الهمزة وكسر الباء الموحدة والمد- جمع ربيع؛ أي: كانوا يكرون الأرض بشيء معلوم، ويشترطون بعد ذلك على مكتريها (¬2) ما ينبت (¬3) على الأنهار والسواقي. * * * باب 1326 - (2348) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، حَدَّثَنَا هِلاَلٌ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ هِلاَلِ بْنِ ¬

_ (¬1) في "ع": "أحد". (¬2) في "ع": "مكريها". (¬3) في "ع": "ثبت".

عَلِيًّ، عَنْ عَطَاءِ بْن يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَوْماً يُحَدَّثُ، وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِن أَهْلِ الْبَادِيَةِ: "أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ، فَقَالَ لَهُ: أَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ، قَالَ: فَبَذَرَ، فَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ، فَكَانَ أَمْثَالَ الْجبَالِ، فَيَقُولُ اللهُ: دُونَكَ يَا بْنَ آدَمَ؛ فَإِنَّهُ لاَ يُشْبِعُكَ شَيْءٌ". فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: وَاللهِ! لاَ تَجِدُهُ إِلاَّ قُرَشِيّاً أَوْ أَنْصَارِيّاً؛ فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ، وَأَمَّا نَحْنُ، فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ زَرْعٍ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب). (ثنا محمد بنُ سِنان): بسين مكسورة وألف بين نونين. قال الزركشي: وفي نسخة: "ابنُ يسار" (¬1). ولم يضبطه، مع الحاجة إلى ضبط هذا، مع (¬2) تعرضه إلى ضبط ما هو مشهور جداً؛ كقوله: بنو النَّضير (¬3): بفتح النون. (أن رجلاً من أهل الجنة (¬4) استأذنَ ربَّه في الزَّرع): قال ابن المنير: وجهُ إدخاله لهذا الحديث في باب كِراء الأرضِ بالذهب والفضة: التنبيهُ على أن أحاديث المنع من الكراء إنما جاءت على الندب، لا على الإيجاب؛ لأن العادة (¬5) فيما يحرص عليه ابنُ آدمَ أشدَّ الحرص ألا يُمنع من الاستمتاع ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 522). (¬2) "مع" ليست في "ع". (¬3) في "ع": "بني البصير". (¬4) في "ع": "المدينة". (¬5) في "ع": "العبادة".

باب: ما جاء في الغرس

به، وبقاءُ (¬1) حرصِ هذا الحريص من أهل الجنة على الزرع، وعلى طلب الانتفاع بالأرض في الجنة دليلٌ (¬2) على أنه مات على ذلك؛ لأن المرء يموت على ما عاش عليه، ويُبعث على ما مات عليه، فدل ذلك على أن آخرَ (¬3) عهدِهم من الدنيا جوازُ الانتفاع بالأرض واستثمارها، ولو كان كِراءَهاً محرماً عليه؛ لفَطَموا أنفسَهم عن (¬4) الحرص عليها، ولم يثبت في أذهانهم هذا الثبوت. * * * باب: ما جاء في الغرس 1327 - (2350) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: يَقُولُونَ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ، وَاللهُ الْمَوْعِدُ، وَيَقُولُونَ: مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ لاَ يُحَدَّثُونَ مِثْلَ أَحَادِيثِهِ؟ وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنَ الأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ عَمَلُ أَمْوَالِهِمْ، وَكُنْتُ امْرَأً مِسْكِيناً، أَلْزَمُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، فَأَحْضُرُ حِينَ يَغِيبُونَ، وَأَعِي حِينَ يَنْسَوْنَ، وَقالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْماً: "لَنْ يَبْسُطَ أَحَدٌ مِنْكُمْ ثَوْبَهُ حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي هَذِهِ، ثُمَّ يَجْمَعَهُ إِلَى صَدْرِهِ ¬

_ (¬1) في "ع": و"نفى". (¬2) "دليل" ليست في "ع" و"ج". (¬3) في "ع": "آخره". (¬4) في "ع": "على".

فَيَنْسَى مِنْ مَقَالَتِي شَيْئاً أَبَداً". فَبَسَطْتُ نَمِرَةً لَيْسَ عَلَيَّ ثَوْبٌ غَيْرُهَا، حَتَّى قَضَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَقَالَتَهُ، ثُمَّ جَمَعْتُهَا إِلَى صَدْرِي، فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ! مَا نَسِيتُ مِنْ مَقَالَتِهِ تِلْكَ إِلَى يَوْمِي هَذَا، وَاللهِ! لَوْلاَ آيَتَانِ فِي كِتَابِ اللهِ، مَا حَدَّثْتُكُمْ شَيْئاً أَبَداً: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ} [البقرة: 159] إِلَى قَوْلِهِ: {الرَّحِيمُ} [البقرة: 160]. (يقولون: إنَّ (¬1) أبا هريرة يُكثر، واللهُ المَوْعِدُ): -بفتح الميم وكسر العين المهملة- يريد: وعندَ الله الموعد؛ أي: هو حَسيبُ من يُعَرَّض أو يقول، وهناك يُعلم صدقي (¬2)، ويُجازي من (¬3) عرَّض. * * * ¬

_ (¬1) "إن" ليست في "ع". (¬2) "صدقي" ليست في "ع". (¬3) في "ج": "عن".

كتاب الشرب والمساقاة

كِتَابُ الشِّربِ والمُسَاقَاةِ

باب: في الشرب

باب: فِي الشِّرْبِ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} [الأنبياء: 30]، وَقَوْلِهِ -جَلَّ ذِكْرُهُ-: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ} [الواقعة: 68 - 70]. الأُجَاجُ: الْمُرُّ، الْمُزْنُ: السَّحَابُ. (باب: ما جاء في الشِّرب): -بكسر الشين-: النصيب (¬1) من الماء، وضبطه الأصيلي بالضم، وهو على (¬2) هذا مصدر (¬3). * * * باب: فِي الشِّرْبِ، وَمَنْ رَأَى صَدَقَةَ الْمَاءِ وَهِبَتَهُ وَوَصِيَّتَهُ جَائِزَةً، مَقْسُوماً كَانَ أَوْ غَيْرَ مَقْسُومٍ وَقَالَ عُثْمَانُ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ، فَيَكُونُ دَلْوُهُ ¬

_ (¬1) في "ع": "من النصيب". (¬2) في "ع" و"ج": "وعلى". (¬3) في "م": "المصدر"، وانظر: "التنقيح" (2/ 523).

فِيهَا كَدِلاَءِ الْمُسْلِمِينَ؟ "، فَاشْتَرَاهَا عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. (باب: ومن رأى صدقة الماء وهبته ووصيته جائزة). (من يشتري بئر رُومة (¬1)؟): رومةُ هذا يقال: إنه رومةُ الغِفاريُّ، كذا في "التجريد" للذهبي. وقال في "أسد الغابة" في ترجمة رومةَ الغفاريِّ: روى عبدُ الرحمن المحاربيُّ عن أبي مسعود، عن أبي سلمة، عن بشير بن بشير الأسلمي (¬2)، عن أبيه، قال: لما قدم المهاجرون المدينة (¬3)، استنكروا (¬4) الماء، وكانت لرجل من غفار عينٌ يُقال لها: بئرُ رومة، كان يبيع القِرْبَةَ بالمد، فقال له (¬5) النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بِعْنِيهَا بِعَيْنٍ في الجَنَّةِ"، فقال: يا رسول الله! ليس لي ولا لعيالي غيرُها، ولا أستطيع ذلك، فبلغ قولُه عثمانَ بنَ عفان، فاشتراها بخمسة وثلاثين ألفَ درهم، ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: أتجعلُ لي مثلَ ما جعلتَ لرومةَ عيناً في الجنة إنِ اشتريتُها (¬6)؟ قال: "نعم"، قال: قد اشتريتها، وجعلتها (¬7) للمسلمين. أخرجه ابن منده (¬8) (¬9). ¬

_ (¬1) في "ع": "دومة". (¬2) في "ع": "عن أسلمي". (¬3) في "ج": "بالمدينة". (¬4) في "ع": "استكبروا". (¬5) "له" ليست في "ع". (¬6) في "ج": "اشترى بثمنها". (¬7) في "ج": "وجعلناها". (¬8) "أخرجه ابن منده" ليست في "ع" و"ج". (¬9) انظر: "أسد الغابة" (2/ 286).

وفي البخاري ما يقتضي خلافَ (¬1) ذلك؛ فإنه ذكر في أبواب الوقف (¬2): أن عثمان قال: ألستم تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حفر رومة"، فحفرتها؟ (¬3) وهذا يقتضي أن رومة اسم العين، لا اسمُ صاحبها. قلت: ويحتمل أن يكون على حذف المضاف وإقامةِ المضاف إليه مقامه؛ جمعاً بين الحديثين. * * * 1328 - (2351) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِقَدَحٍ، فَشَرِبَ مِنْهُ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ أَصْغَرُ الْقَوْمِ، وَالأَشْيَاخُ عَنْ يَسَارِهِ، فَقَالَ: "يَا غُلاَمُ! أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ الأَشْيَاخَ؟ "، قَالَ: مَا كُنْتُ لأُوثِرَ بِفَضْلِي مِنْكَ أَحَداً يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ. (وعن يمينه غلامٌ أصغرُ القوم): قال النووي في "شرح مسلم": جاء في "مسند ابن أبي شيبة": أن هذا الغلام: عبدُ الله بنُ عباس، ومن الأشياخ خالدُ بنُ الوليد (¬4). (فقال: يا غلام! أتأذن أن أعطي الأشياخ؟): قال ابن المنير: مدخلُه ¬

_ (¬1) "خلاف" ليست في "ع" و"ج". (¬2) في "ع": "الواقف". (¬3) رواه البخاري (2778). (¬4) انظر: (13/ 201).

في الفقه (¬1) تحقيقُ أن الماء يُملَكُ، ولهذا استأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعضَ الشركاء فيه، ورتَّبَ قسمته يمنة (¬2) ويسرة، ولو كان باقياً على إباحته، لم يدخله ملك ما (¬3) يترتبُ قسمته. قلت: وفيه نظر. ثم قال: والحديث الثاني طابقَ الترجمة؛ لقوله: "وشِيبَ (¬4) لبنُها بماء". والاستدلالُ ضعيف، فلعل هذا الترتيب؛ لأن اللبن هو الذي يُملك، لا الماء، والحديث الأول لم يذكر فيه الشراب الذي كان في القدح، هل هو ماء، أو لبن شيب بماء؟ وظاهر (¬5) الأمر (¬6) أنه كان لبناً، وقد جاء، فما وجهُ إدخاله في الترجمة؟ فيقال في الجواب: إنه أدخله؛ ليبين أن الأمر جرى في الماء الذي شيب (¬7) به اللبن في الحديث الثاني مجرى اللبن المحض في الحديث الآخر، فدل ذلك على (¬8) أن الماء يُملك كاللبن، وإذا مُلك، جازت هبتُه، ¬

_ (¬1) "الفقه" ليست في "ع". (¬2) "يمنة" ليست في "ج"، وفي "ع": "يمينه". (¬3) في "ع": "مما". (¬4) في "ع": "ويشب"، وفي "ج": "ونسب". (¬5) في "ج": "هو ظاهر". (¬6) "الأمر" ليست في "ج". (¬7) في "ج": "يشيب". (¬8) "على" ليست في "ج".

والصدقةُ والوصيةُ مثلها، والذي في الحديث الهبةُ؛ لأنه -عليه السلام- كان لا يتناول الصدقة، هذا (¬1) محمول على (¬2) الهبة لا الصدقة؛ لما (¬3) تقدم. * * * 1329 - (2352) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّهَا حُلِبَتْ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَاةٌ دَاجِنٌ، وَهْيَ فِي دَارِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَشِيبَ لَبَنُهَا بِمَاءٍ مِنَ الْبِئْرِ الَّتِي فِي دَارِ أَنَسٍ، فَأَعْطَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْقَدَحَ، فَشَرِبَ مِنْهُ، حَتَّى إِذَا نَزَعَ الْقَدَحَ، مِنْ فِيهِ، وَعَلَى يَسَارِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابيٌّ، فَقَالَ عُمَرُ، وَخَافَ أَنْ يُعْطِيَهُ الأَعْرَابِيَّ: أَعْطِ أَبَا بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللهِ عِنْدَكَ، فَأَعْطَاهُ الأَعْرَابِيَّ الَّذِي عَلَى يَمِينِهِ، ثُمَّ قَالَ: "الأَيْمَنَ فَالأَيْمَنَ". (وعن يمينه أعرابي): قيل: هو خالد بن الوليد، ذكره ابن التين (¬4)، واستُبعد (¬5)؛ فإن خالداً -رضي الله عنه- لا يقال له: أعرابي (¬6). (ثم قال: الأيمنَ فالأيمنَ): -بالنصب-؛ أي: قَدِّموا الأيمنَ. قال الزركشي: ويجوز الرفعُ على الابتداء، والخبرُ محذوف، وإنما ¬

_ (¬1) في "ع": "هو"، وفي "ج": "على". (¬2) "على" ليست في "ج". (¬3) في "ج": "كما". (¬4) في "ج": "ابن المنير". (¬5) "واستبعد" ليست في "ج". (¬6) انظر: "التوضيح" (15/ 311).

باب: من حفر بئرا في ملكه، لم يضمن

استأذن الغلامَ في حديث [سهل، ولم يستأذن الأعرابي في حديث] (¬1) أنس؛ ائتلافاً (¬2) لقلب الأعرابي، وتطييباً (¬3) لنفسه، ولم يجعل الغلامَ بتلك المنزلة؛ لأنه من ذوي قرابته، وسنُّه (¬4) دونَ سنِّ الأشياخ الذين عن يساره، واستأذنه عليهم حتى أعلمه أن ذلك حَقٌّ (¬5) له بالتيامن (¬6). * * * باب: مَنْ حَفَرَ بِئْراً فِي مِلْكِهِ، لَمْ يَضْمَنْ 1330 - (2355) - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عن أبيِ هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "المَعْدِنُ جُبَارٌ، والبِئْرُ جُبَارٌ، والعَجْماءُ جُبَارٌ، وفي الرِّكازِ الخُمْسُ". (باب: من حفر بئراً في مِلْكه، لم يَضْمن). (والبئر (¬7) جُبار): قال ابن المنير: الحديثُ مطلق، والترجمةُ مقيدة ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) في "ع": "إملاءً". (¬3) في "م": "وتطيباً". (¬4) في "ع": "وسنته". (¬5) في "ج": "أحق". (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 523). (¬7) في "ع": "أو بئر".

بالملك، وإذا كان الحديث تحته صور: أحدُها الملك، وهو أقعدُ (¬1) الصورِ بسقوط الضمان، كان دخولها (¬2) في (¬3) الحديث محققاً، فاستقام الاستدلال؛ لأنه إذا لم يضمن (¬4)، وقد حفر في غير ملكه؛ كالذي يحفر في الصحراء، فأن لا يضمن مَنْ حفر في ملكه الخاصِّ أجدرُ. * * * باب: الخُصُومَةِ في البئْرِ، والقَضَاءِ فِيْها 1331 - (2357) - فَجَاءَ الأَشْعَثُ، فَقَالَ: مَا حَدَّثَكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ فِيَّ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، كَانَتْ لِي بِئْرٌ فِي أَرْضِ ابْنِ عَمٍّ لِي، فَقَالَ لِي: "شُهُودَكَ"، قُلْتُ: مَا لِي شُهُودٌ، قَالَ: "فَيَمِينَهُ"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِذنْ يَحْلِفَ، فَذَكَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - هَذَا الْحَدِيثَ، فَأَنْزَلَ اللهُ ذَلِكَ تَصْدِيقاً لَهُ. (فقال لي: شهودَك): -بالنصب-: أحضرْ شهودَك. (قال: فيمينَه): -بالنصب-؛ أي: فاستوفِ (¬5). (إذن يحلفَ): قال السهيلي: هو بالنصبِ لا غيرُ؛ لاستيفائها شروطَ إِعمالها، ولا يجوز إلغاؤها حينئذٍ. قال الزركشي: وكلامُ ابنِ خروفٍ في "شرح سيبويه" يقتضي أن الرواية ¬

_ (¬1) "أقعد" ليست في "ع". (¬2) في "ج": "ودخولها". (¬3) "في" ليست في "ج". (¬4) في "ع": "يضمنه". (¬5) في "ع": "فاستوفت".

بالرفع؛ فإنه قال: من العرب مَنْ لا ينصب بها مع استيفاء الشروط، وذكر الحديث (¬1). قلت: استشهاده بالحديث إنما يدل على أن الرفع مرويٌّ، لا أنه (¬2) هو المروي كما يظهر من عبارة الزركشي (¬3)، فتأمل. واعلم أن ابنَ [العمِّ المبهَم في قوله في هذا الحديث: كانت لي بئر في أرضِ ابنِ] (¬4) عَمٍّ لي، هو الجفشيشُ بنُ النعمان الكِنْدِيُّ، ويقال: بالحاء وبالخاء أيضاً (¬5). قال النووي: بفتح الجيم. ونقل غيره الضم والكسر. قيل: فيحصل (¬6) فيه تسعُ (¬7) لغات. قلت: إنما يثبت التسع عند ثبوت الحركات الثلاث في كل واحد من الجيم والحاء والخاء. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 524). (¬2) في "ع": "لأنه". (¬3) "الزركشي" ليست في "ع". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬5) انظر: "التوضيح" (15/ 334). (¬6) في "ع": "نتحصل". (¬7) في "ع": "لسبع".

باب: سكر الأنهار

باب: سَكْرِ الأَنْهَارِ (باب: سَكْر الأنهار): بفتح السين المهملة وإسكان الكاف. قال الجوهري: هو مصدر سَكَرْتُ النهرَ أَسْكُرُهُ سَكْراً: إذا سَدَدْتَه (¬1). 1332 - (2359 و 2360) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّهُ حَدَّثَهُ: أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ، خَاصَمَ الزُّبَيْرَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ، الَّتِي يَسْقُونَ بِهَا النَّخْلَ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: سَرِّحِ الْمَاءَ يَمُرُّ، فَأَبَى عَلَيْهِ، فَاخْتَصَمَا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِلزُّبَيْرِ: "اسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاء إِلَى جَارِكَ"، فَغَضِبَ الأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ؟ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَالَ: "اسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ". فَقَالَ الزُّبَيْرُ: وَاللهِ! إِنِّي لأَحْسِبُ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: 65]. (أن رجلاً من الأنصار خاصمَ الزبيرَ): قال النووي في "تهذيب الأسماء واللغات": قال ابنُ باطيش: هو حاطبُ بنُ أبي بَلْتَعَةَ، وقيل (¬2): ثَعْلَبَةُ بنُ حاطِبٍ، وقيل: حُميد. وقوله في حاطب لا يصح؛ فإنه ليس أنصارياً، وقد ثبت في "صحيح ¬

_ (¬1) انظر: "الصحاح" (2/ 687)، (مادة: سكر). (¬2) في "ع": "وقيل: ثعلبة، وقيل".

البخاري": أن هذا الأنصاري القائل: كان بدرياً (¬1). وفي "أسد الغابة" في ترجمة حميد الأنصاري بإسناده: أخبرنا ابنُ قتيبة قال: أنبأنا يزيدُ (¬2) بنُ خالدٍ الرمليُّ، قال: ثنا (¬3) الليثُ، عن الزهريِّ، عن عروةَ بنِ الزبير: أن حميداً -رجل من الأنصار- خاصمَ الزبير في شِراج الحَرَّةِ، الحديث. قال أبو موسى: هذا حديث صحيح (¬4) له طرقٌ شتى لا أعلم في شيء منها ذكر حميد إلا من هذا الطريق. قال ابن الأثير: حُميد: بضم الحاء وآخره دال (¬5). وفي "مبهمات ابن بشكوال": أنه ثابتُ بنُ (¬6) قيسِ بنِ شماس (¬7)، واستُبْعِد (¬8). (في (¬9) شِراج الحرة): بكسر الشين المعجمة وبألف بين راء وجيم في الآخر. ¬

_ (¬1) برقم (2708). وانظر: "تهذيب الأسماء واللغات" (2/ 582). (¬2) في "م": "قال: أنا يزيد". (¬3) في "ع": "أنبأنا". (¬4) "صحيح" ليست في "ج". (¬5) انظر: "أسد الغابة" (2/ 76). (¬6) "ابن" ليست في "ع". (¬7) انظر: "غوامض الأسماء المبهمة" (2/ 572). (¬8) انظر: "التوضيح" (15/ 341). (¬9) "في" ليست في "ع".

قال الجوهري: الشَّرْج؛ يعني: بفتح الشين وسكون الراء: مَسيلُ ماء من الحرة إلى السهل، والجمع: شِراج، وشُروج (¬1) (¬2). انتهى. والحرة: اسمُ موضع فيه تلك الشراج (¬3). (أَن كان ابنَ عَمَّتِك): -بفتح الهمزة-: قضيتَ له؛ لأن كانَ كذلك. وقال ابن مالك في الرواية الأخرى: "إنه كان ابنَ عمتك" يجوز في "أنه" -الكسرُ والفتح-، وإذا كسرتَ، قدر قبلَها الفاء، وإذا فتحتَ، قدر قبلها اللام، والكسرُ أجود. واستشكل الزركشي تقديرَ الفاء قبلَها مع الكسر: بأن الفاء إنما تكون للتعليل (¬4)، والتعليلُ (¬5) يقتضي الفتحَ لا الكسر (¬6). قلت (¬7): هذا كلام (¬8) من لم يلمَّ بفهم كلام القوم (¬9)، وذلك أن الكسر منوطٌ بكون المحل محلَّ الجملة لا (¬10) المفرد، والفتحُ بكونِ المحل ¬

_ (¬1) "وشروج" ليست في "ج". (¬2) انظر: "الصحاح" (1/ 324)، (مادة: شرج). (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 525). (¬4) في "ع": "فلتعليل". (¬5) في "ج": "والتعليق". (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 525). (¬7) "قلت" ليست في "ع". (¬8) في "ع" و"ج": "من كلام". (¬9) في "ع": "المفهوم". (¬10) "لا" ليست في "ع" و"ج".

للمفرد لا للجملة، وأما التعليل، فلا مدخل له من حيث خصوصُ التعليل، لا في فتح، ولا غيره (¬1)، ولكنه رآهم يقولون في مثل: أكرمْ زيداً أَنَّه فاضلٌ -بالفتح-: فُتحت أَنَّ لإرادة التعليل مثلاً، فظنَّ أنه الموجبُ للفتح، وليس كذلك، وإنما أرادوا: فُتحت (¬2) أن لأجل أن لام الجر مُرادَة، وهي في (¬3) الواقع للتعليل، فالفتحُ (¬4) إنما هو لأجل أن حرف (¬5) الجر -مطلقاً- لا يدخل إلا على مفرد، ففتحت أَن من حيثُ دخولُ اللام باعتبار كونها [حرفَ جر، لا باعتبار كونها] (¬6) للتعليل ولابدَّ. ألا ترى أن حرف (¬7) الجر المقدَّرَ لو (¬8) لم يكن للتعليل أصلاً؛ لكانت أَنْ مفتوحة، ثم ليس كل حرف دل على (¬9) التعليل تُفتح أَنْ معه، وإنما قدر ابنُ مالك الفاء مع الكسر؛ ليأتي بحرف دالٍّ على السببية، ولا يدخل (¬10) إلا على الجمل، فيلزم كسرُ أَنْ بعده، ولا شك أن الفاء الموضوعةَ للسببية كذلك؛ أي: تختص بالجمل، فتأمله. ¬

_ (¬1) في "ج": "وغيره". (¬2) في "م": "فتحة". (¬3) في "ع": "وفي". (¬4) في "ع": "بالفتح". (¬5) في "ع": "حروف". (¬6) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬7) في "ع": "حروف". (¬8) في "ع": "أو". (¬9) في "ج": "عليه". (¬10) في "ع": "مدخل".

(احبسِ الماء حتى يرجعَ إلى الجَدْر): -بفتح الجيم وإسكان الدال المهملة-؛ أي (¬1): الجِدار، قيل: المراد به هنا: أصلُ الحائط، وقيل: أصولُ الشجر، وقيل: جدر المشارب التي يجتمع فيها الماء في أصول الثمار. كذا في "المشارق" (¬2). قال السفاقسي: وروي بذال معجمة؛ أي: مبلغ تمام الشرب من جذر الحساب (¬3). واختلف أصحاب مالك في صفة إرسال الماء من الأعلى إلى الأسفل. فقال ابن حبيب: يُدخِل صاحبُ الأعلى جميعَ الماء في الحائط، ويسقي به، حتى إذا بلغ الماء من قاعة (¬4) الحائط إلى (¬5) الكعبين [من القائم (¬6) فيه، أَغلق مدخل الماء، وصرفَ ما زاد من الماء على مقدار الكعبين] (¬7) إلى مَنْ يليه، فيصنع (¬8) به مثلَ ذلك حتى يبلغ ماء السيل (¬9) إلى أقصى الحوائط، وهكذا (¬10) فسر لي مُطَرِّفٌ وابنُ الماجِشونِ. ¬

_ (¬1) في "ع": "إلى". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 141). (¬3) انظر: "التوضيح" (15/ 347). (¬4) "قاعة" ليست في "ج". (¬5) في "ع": "من". (¬6) في "ج": "إلى الكعبين إلى من يليه من القائم". (¬7) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬8) في "ع": "فيضع". (¬9) في "ع": "السبيل". (¬10) في "ع": "وهذا"، وفي "ج": "وكذا".

وقال ابنُ وهب، وابن القاسم: إذا انتهى الماء في الحائط إلى مقدار الكعبين، أرسله كلَّه إلى من تحته، ولم يحبس منه شيئاً في حائطه (¬1). ورجَّحَ (¬2) ابن حبيب الأولَ بأن مطرفاً وابنَ الماجشون من أهل المدينة، وبها كانت القصة، فهما أقعدُ بذلك (¬3). قال ابن المنير: والماء الذي (¬4) يُستقى من الحرة، لم يكن مملوكاً، بل كان مباحاً (¬5)، فلذا (¬6) يقدَّم فيه الأعلى؛ بخلاف الماء المملوك، فيقسم (¬7) بالقَلْد ونحوه، وظاهرُ الحديث مع ابن القاسم؛ لأنه قال: احبسِ الماء حتى يبلغ الجدرَ، والذي يبلغ الجدرَ هو الماء الذي يدخل الحائط، فمقتضى اللفظ أنه هو الذي يرسله بعد هذه الغاية، وهي طريقةُ السقي بديار مصر (¬8) في بعض النواحي: يحبس الماء على الحوض الأول أمداً معلوماً، ثم يرسله بجملته، فينزل الماء عن (¬9) الأول إلى الثاني، ويخلو (¬10) الأول ¬

_ (¬1) في "ع": "حائط". (¬2) "ورجح" ليست في "ع". (¬3) انظر: "التوضيح" (15/ 350). (¬4) في "ع" و"ج": "والذي". (¬5) في "ع": "مملوكاً". (¬6) في "ع": "فكذلك". (¬7) في "ج": "يقتسم". (¬8) في "ع": "مصرية". (¬9) في "ج": "من". (¬10) في "ع": "وبحلول".

باب: شرب الأعلى إلى الكعبين

بالكلية، وبعضها على الصورة (¬1) التي (¬2) ذكر ابن الماجشون: يحبسون الماء الذي في الحوض عليه، ويرسلون ما عداه، وهي طريقة حوائط الإسكندرية (¬3). * * * باب: شِرْبِ الأَعْلَى إلى الكَعْبَيْن 1333 - (2362) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا مَخْلَدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ حَدَّثَهُ: أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ فِي شِرَاجٍ مِنَ الْحَرَّةِ، يَسْقِي بِهَا النَّخْلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اسْقِ يَا زُبَيْرُ -فَأَمَرَهُ بالْمَعْرُوفِ-، ثُمَّ أَرْسِلْ إِلَى جَارِكَ". فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ؟ فَتلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَالَ: "اسْقِ، ثُمَّ احْبِسْ، حَتَّى يَرْجِعَ الْمَاءُ إِلَى الْجَدْرِ". وَاسْتَوْعَى لَهُ حَقَّهُ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: وَاللهِ! إِنَّ هَذِهِ الآيَةَ أُنْزِلَتْ فِي ذَلِكَ: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: 65]. قَالَ لِي ابْنُ شِهَابٍ: فَقَدَّرَتِ الأَنْصَارُ وَالنَّاسُ قَوْلَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "اسْقِ، ثُمَّ احْبِسْ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ". وَكَانَ ذَلِكَ إِلَى الْكَعْبَيْنِ. (واستوعى له حقه): أي: استوفاه له، وهو من الوعاء، وهذا يدل (¬4) ¬

_ (¬1) في "ع": "الصور". (¬2) في "ع": "الذي". (¬3) في "ع": "إسكندرية". (¬4) في "ج": "دليل".

باب: فضل سقي الماء

على أن القول الأول على وجه المشورة للزبير، والمسامحة لجاره ببعض حقه، لا على وجه الحكم، فلما خالفه الأعرابي، استقصى للزبير حقه. وقيل: هو من باب العقوبة بالمال، والأولُ هو الوجه، والرواية الثانية (¬1) في باب: إذا أشار الإمام (¬2) بالمصلحة مصرَّحةٌ بذلك (¬3). * * * باب: فَضْلِ سَقْي المَاءِ 1334 - (2363) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ سُمَيًّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ، فَنَزَلَ بِئْراً، فَشَرِبَ مِنْهَا، ثُمَّ خَرَجَ، فَإذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ، يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي، فَمَلأَ خُفَّهُ، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ، ثُمَّ رَقِيَ، فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَإنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْراً؟ قَالَ: "فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ". تَابَعَهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَالرَّبِيعُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ. (بينما رجل يمشي): تقدم الكلام عليه في "بينما"، والذي تُلُقَّيَتْ به (¬4) هو "إذا" من قوله: "فإذا هو بكلبٍ يلهثُ" غير أن الفاء مقترنة ¬

_ (¬1) في "ع": "الثابتة". (¬2) "الإمام" ليست في "ع". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 525). (¬4) "به" ليست في "ع".

بها، ولعلها زائدة. (يأكل الثَّرى): -بفتح الثاء المثلثة-؛ أي: الأرض. (من العطش): "مِنْ" تعليلية، ويروى: "من العُطاش" -بضم العين المهملة-، وهو داء يصيب الإنسان، يشرب الماء ولا يروى، قاله الجوهري (¬1). (لقد بلغ بهذا مثل الذي بلغ (¬2) بي): قال الزركشي: مثلَ -نصب- نعتٌ لمصدر محذوف؛ أي: مبلغاً مثلَ (¬3). قلت: لا يتعين؛ لجواز أن يكون المحذوف مفعولاً به؛ أي: عطشاً. ورأيت في نسخة: "مثلُ (¬4) "، مضبوطاً بالرفع، وله وجه، وهو أن يكون فاعلَ "بلغ"، و"هذا" مفعولٌ به مقدم. قال ابن الملقن: وكذا مضبوط بخط الدمياطي (¬5). (ثم رَقِي): -بكسر القاف-؛ أي: صَعِد، كذا في الزركشي (¬6). ومقتضى كلام السفاقسي: أن الرواية بفتح القاف، وذلك أنه قال: "ثم رَقى فسقى الكلبَ"، كذا وقع، وصوابه: رَقِيَ على وزن عَلِم، ومعناه: صَعِد، قال تعالى: {أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ} [الإسراء: 93]. ¬

_ (¬1) انظر: "الصحاح" (3/ 1012)، (مادة: عطش). (¬2) في "ع" و"م": "يبلغ". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 526). (¬4) في "ع": "مثله". (¬5) انظر: "التوضيح" (15/ 355). (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 526).

وأما رَقَى -بفتح القاف-، فمن الرُّقْيَة، وليس هذا موضعَه، وخرَّجه على لغة طيئ في مثل: بقَى يبقى، ورضَى يرضى؛ يأتون بالفتحة (¬1) مكان الكسرة، فتنقلب الياء ألفاً، وهذا دأبهم في كل ما هو من هذا الباب (¬2). قلت: ولعل المقتضي لإيثار الفتح هنا -إن صح- قصدُ المزاوجة بين رَقَى وسَقَى، وهي من مقاصدهم التي يعتمدون (¬3) فيها تغير (¬4) الكلمة عن وضعها الأصلي. * * * 1335 - (2364) - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا ناَفِعُ بْنُ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبي مُلَيْكَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى صَلاَةَ الْكُسُوفِ، فَقَالَ: "دَنَتْ مِنِّي النَّارُ، حَتَّى قُلْتُ: أَيْ رَبِّ! وَأَنَا مَعَهُمْ؟ فَإِذَا امْرَأَةٌ -حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ- تَخْدِشُهَا هِرَّةٌ، قَالَ: مَا شَأْنُ هَذِهِ؟ قَالُوا: حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعاً". (أَيْ رَبِّ!): -بفتح همزة أَيْ-، وهي (¬5) حرف نداء. (وأنا معهم؟): على حذف همزة الاستفهام؛ أي: أو (¬6) أنا معهم؟ ¬

_ (¬1) في "ع": "بالفتح". (¬2) انظر: "التوضيح" (15/ 355). (¬3) في "ع": "يتعمدون". (¬4) في "ع": "بغير". (¬5) في "ع": "وهو". (¬6) في "ع" و"ج": "و".

باب: من رأى أن صاحب الحوض والقربة أحق بمائه

1336 - (2365) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعاً، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ -قَالَ: فَقَالَ وَاللهُ أَعْلَمُ: -لاَ أَنْتِ أَطْعَمْتِهَا، وَلاَ سَقَيْتِهَا حِينَ حَبَسْتِيهَا، وَلاَ أَنْتِ أَرْسَلْتِيهَا فَأَكَلَتْ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ". (عُذبت امرأةٌ في هرة حبستها): احتج به ابن مالك على ورود "في" للسببية (¬1). (من خشاش الأرض): قال الزركشي: مثلث الخاء (¬2). قلت: ليس فيه تصريح بأن الرواية بالتثليث، ولم أتحقق (¬3) ذلك، فيُبحث عنه. قال ابن المنير: حديثُ سقيِ الكلبِ يدلُّ على فضل السقي، وحديثُ صاحب الهرة إنما يدل على تحريم قتل النفس بالعطش، ولو كانت النفس حيواناً؛ كالهرة، وليس فيه ثوابُ السقي، لكن كفى بالسلامة فضلاً. * * * باب: مَنْ رَأَى أَنَّ صَاحِبَ الْحَوْضِ وَالْقِرْبَةِ أَحَقُّ بِمَائِهِ (باب: من رأى [أن] صاحبَ الحوض والقربة أحقُّ بمائه): ساق فيه ¬

_ (¬1) في "ع": "السببية". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 526). (¬3) في "ع": "يتحقق".

حديث الغلام الذي عن يمينه، والأشياخ الذين (¬1) عن يساره، وحديث: "لأَذُودَنَّ رِجالاً (¬2) عَنْ حَوْضِي كَمَا تُذَادُ الغَرِيبَةُ مِنَ الإِبِلِ عَنِ الحَوْضِ". فانتقد المهلبُ على البخاري الأولَ بأنه لا يدل على أن صاحب الماء (¬3) أحقُّ به، وإنما فيه أن الأيمن أحقُّ من صاحب القدح أن يعطيه غيره. ورده ابن (¬4) المنير بأن استدلال البخاري ألطفُ من ذلك؛ لأنه إذا استحقه الأيمن بالجلوس، واختص به، فكيف لا يختص به صاحبُ اليد المسببُ (¬5) في تحصيله؟ قال المهلب: وإنما الدليل من قوله: "لأَذودنَّ رجالاً عن حوضي"؛ لدلالته على أحقية صاحب الحوض بمائه. قال ابن المنير: وهو وهم؛ فإن تنزيل أحكام التكاليف على وقائع الآخرة غير ممكن، وإنما استدل البخاري منه بقوله: "كما تُذاد الغريبةُ من الإبل عن الحوض"، فما شُبه بذودها في الدنيا إلا ولصاحب الإبل منعُ غير إبله من مائه، والتعدي لا يُشَبَّه به (¬6) الحقُّ. * * * ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "الذي". (¬2) في "ع": "رجلاً". (¬3) في "ع": "المال". (¬4) في "ع": "بابن". (¬5) في "م": "والمسبب". (¬6) "به" ليست في "ع".

باب: لا حمى إلا لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -

1337 - (2367) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لأَذُودَنَّ رِجَالاً عَنْ حَوْضِي، كمَا تُذَادُ الْغَرِيبَةُ مِنَ الإِبِلِ عَنِ الْحَوْضِ". (لأذودَنَّ): -بذال (¬1) معجمة ثم دال (¬2) مهملة-؛ بمعنى (¬3): الطرد. * * * باب: لا حِمَى إلاَّ للهِ ولرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - 1338 - (2370) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ حِمَى إِلاَّ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ". وَقَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - حَمَى النَّقِيعَ، وَأَنَّ عُمَرَ حَمَى السَّرِفَ وَالرَّبَذَةَ. (بلغنا (¬4) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حمى النقيع (¬5)): القائل: "بلغنا" هو ابن شهاب، رواه ابنُ وهب في "موطئه" كذلك عن يونس. ¬

_ (¬1) في "ع": "لأزودن -بزاي-". (¬2) في "ج": "بدال". (¬3) في "ع": "يعني". (¬4) في "ع": "وبلغنا". (¬5) في "ع": "البقيع".

والنقيع -بالنون-: موضع (¬1) بقرب المدينة كان الماء يستنقع فيه (¬2)؛ أي: يجتمع (¬3). (وأن عمر حمى السَّرِفَ): -بفتح السين المهملة وكسر الراء-، كذا عند البخاري. قال الدمياطي: وهو خطأ، والصواب -بالشين المعجمة وفتح الراء-، كذا رواه ابن وهب في "موطئه"، وهو من (¬4) عمل المدينة، وأما سَرِف، فمن عمل مكة على ستة أميالٍ منها، وقيل: سبعة، وقيل: تسعة (¬5)، وقيل: اثني عشر، ولا تدخله الألف واللام (¬6). قال القاضي: وقد رواه بعض رواة البخاري، وأصلحه على الصواب (¬7). (والرَّبَذَة): -براء وموحدة وذال معجمة مفتوحات-: موضع بالبادية فيه قبر أبي ذَرًّ (¬8)، وقد تقدم. * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "ثم موضع". (¬2) في "ج": "منه". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 527). (¬4) في "ع": "ممن". (¬5) "وقيل تسعة" ليست في "ج". (¬6) انظر: "التوضيح" (15/ 363). (¬7) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 233). (¬8) انظر: "التنقيح" (2/ 527).

باب: شرب الناس، وسقي الدواب من الأنهار

باب: شُرْبِ النَّاسِ، وسَقْيِ الدَّوابِّ منَ الأَنْهَارِ 1339 - (2371) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْخَيْلُ لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ: فَأَمَّا الَّذِي لَهُ أَجْرٌ، فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ، فَأَطَالَ بِهَا فِي مَرْجٍ أَوْ رَوْضَةٍ، فَمَا أَصَابَتْ فِي طِيَلِهَا ذَلِكَ مِنَ الْمَرْجِ أَوِ الرَّوْضَةِ، كَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٍ، وَلَوْ أَنَّهُ انْقَطَعَ طِيَلُهَا، فَاسْتَنَّتْ شَرَفاً أَوْ شَرَفَيْنِ، كَانَتْ آثَارُهَا وَأَرْوَاثُهَا حَسَنَاتٍ لَهُ، وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهَرٍ، فَشَرِبَتْ مِنْهُ، وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَ، كَانَ ذَلِكَ حَسَنَاتٍ لَهُ، فَهِيَ لِذَلِكَ أَجْرٌ. وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّياً وَتَعَفُّفاً، ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللهِ فِي رِقَابِهَا، وَلاَ ظُهُورِهَا، فَهِيَ لِذَلِكَ سِتْرٌ. وَرَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْراً وَرِيَاءً وَنِوَاءً لأَهْلِ الإِسْلاَمِ، فَهِيَ عَلَى ذَلِكَ وِزْرٌ". وَسُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْحُمُرِ، فَقَالَ: "مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ إِلاَّ هَذِهِ الآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8] ". (فما أصابت (¬1) في طِيَلها): -بكسر الطاء المهملة وفتح الياء المثناة من تحت-: الحبل الطويل يُشد أحدُ طرفيه في وتد أو غيره، والطرفُ الآخر في يد الفرس لتدورَ فيه وترعى و [لا] تذهب لوجهه، وعند الجرجاني: "طولها" وكذا في مسلم (¬2) وأنكر يعقوب الياء، وحكى ثابت ¬

_ (¬1) "أصابت" ليست في "ع". (¬2) رواه مسلم (987).

في "دلائله" الوجهين (¬1). (فاستَنَّتْ): يقال: استَنَّ الفرسُ اسْتِناناً؛ أي: غدا لمرحه (¬2) ونشاطه. (شرَفا أو شرَفين): -بفتح الراء-: العالي من الأرض، وقيل: المراد هنا: طلقاً أو طلقين، ولا راكب عليه. (ولو أنها مرت بنهر، فشربت منه، ولا يريد أنه يسقيها (¬3) (¬4)): قيل: إنما ذلك؛ لأنه وقت لا تنتفع (¬5) بشربها فيه، فيغتم لذلك (¬6)، فيؤجر، ويحتمل أنه كره شربها من (¬7) ماءِ غيرِه بغير إذنه. (ونِواءً لأهل (¬8) الإسلام): -بنون مكسورة فواو فألف ممدودة-؛ أي: مُعاداةً لهم. قال الزركشي: وأغربَ الداودي فقال: بالفتح والقصر (¬9). ونُصبَ على أنه مفعولٌ له، أو مصدرٌ مؤكِّد، والجملة حالية، أو على أن المصدرَ نفسَه الحالُ مبالغةً، أو على حذف مضاف، وقد مر له نظائر. ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 325). وانظر: "التنقيح" (2/ 527). (¬2) في "ع" و"ج": "لمراحه". (¬3) في "ع": "يستقيها". (¬4) نص البخاري: "أن يسقي". (¬5) في "ع": "ينتفع". (¬6) في "ع": "كذلك". (¬7) "من" ليست في "ع". (¬8) في "ع": "الأهل". (¬9) انظر: "التنقيح" (2/ 528).

(إلا هذه الآيةُ الفاذَةُ): -بالذال المعجمة-؛ أي: القليلةُ المثلِ المنفردةُ في معناها؛ فإنها تقتضي أَنَّ من أحسنَ إلى الحُمُر، رأى إحسانهَ في الآخرة، ومن أساء إليها، وكلفها فوق طاقتها (¬1)، رأى إساءته لها (¬2) في الآخرة. (الجامعةُ): أي: العامة الشاملة. قال الزركشي: وهو (¬3) حجة لمن قال بالعموم في "مَنْ"، وهو مذهب الجمهور. قلت: وكذا هو حجة في عموم (¬4) النكرة الواقعة في سياق الشرط؛ نحو: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ} [فصلت: 46]. وهذا منه (¬5) - صلى الله عليه وسلم - إشارة إلى أنه لم يبين له الله في أحكام الحمر وأحوالها ما بَيَّنَ له في الخيل والإبل وغيرهما مما ذكره، فالمعنى: لم ينزل عليَّ فيها نصٌّ، لكنه نزلت هذه الآية العامة (¬6). * * * 1340 - (2372) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ -رَضِيَ اللهُ ¬

_ (¬1) في "ع": "طاقها". (¬2) في "ع": "له". (¬3) في "ع": وهي. (¬4) "عموم" ليست في "ج". (¬5) في "ع": "فيه". (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 528).

عَنْهُ-، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَأَلَهُ عَنِ اللُّقَطَةِ، فَقَالَ: "اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإِلاَّ، فَشَأْنَكَ بِهَا". قَالَ: فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ: "هِيَ لَكَ، أَوْ لأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ". قَالَ: فَضَالَّةُ الإِبِلِ؟ قَالَ: "مَالَكَ وَلَهَا؟! مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا، تَرِدُ الْمَاءَ، وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا". (جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1)، فسأله عن اللقطة): تقدم في باب: الغضب في الموعظة من كتاب العلم، تفسيرُ هذا المبهم ببلال -رضي الله عنه-، ووعدنا هناك بالكلام عليه. فاعلم أنه وقع في "أسد الغابة" في ترجمة عُمير والدِ مالكٍ، قال: أورده أبو بكر الإسماعيلي، روى عنه (¬2) ابنه مالك: أنه سأل رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عن اللقطة، فقال: "عَرِّفْهَا، فَإِنْ وَجَدْتَ مَنْ يَعرفُها، فادْفَعْها (¬3) إِلَيه، وإلا، فاسْتَمْتِعْ (¬4) بِها، وأَشْهِدْ بِها عَلَيْكَ، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُها، فَادْفَعْها إِليه، وَإِلاَّ فَهِيَ مالُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ" أخرجه أبو موسى (¬5). وفي الطبراني: أنه زيدُ بنُ خالد -راوي الحديث- أبهمَ نفسه (¬6). ¬

_ (¬1) في "ع": "النبي - صلى الله عليه وسلم -". (¬2) في "ع": "عن". (¬3) "فادفعها" ليست في "ع". (¬4) في "ع": "فاستمع". (¬5) انظر: "أسد الغابة" (4/ 317). (¬6) رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (5237).

باب: بيع الحطب والكلأ

واللقَطة هنا -بفتح القاف-، قال الزركشي: كذا الرواية (¬1). (وإلا فشأنَكَ بها (¬2)): -بنصب- شَأْنَ على أنه مفعول بفعل محذوف. (سِقاؤها): -بكسر السين وبالمد-، يريد: الجوف. (وحِذاؤها): -بحاء مهملة مكسورة وذال معجمة وألف ممدودة-: الخُفُّ. * * * باب: بَيْعِ الحَطَبِ والكَلأ 1341 - (2375) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم-: أَنَّهُ قَالَ: أَصَبْتُ شَارِفاً مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَغْنَمٍ يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ: وَأَعْطَانِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شَارِفاً أُخْرَى، فَأَنَخْتُهُمَا يَوْماً عِنْدَ بَابِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَحْمِلَ عَلَيْهِمَا إِذْخِراً لأَبِيعَهُ، وَمَعِي صَائِغٌ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ، فَأَسْتَعِينَ بِهِ عَلَى وَلِيمَةِ فَاطِمَةَ، وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَشْرَبُ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ مَعَهُ قَيْنَةٌ، فَقَالَتْ: أَلاَ يَا حَمْزَ لِلشُّرُفِ النِّوَاءِ. فَثَارَ إِلَيْهِمَا حَمْزَةُ بِالسَّيْفِ، فَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا، وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا، ثُمَّ أَخَذَ مِنْ أَكبَادِهِمَا. قُلْتُ لاِبْنِ شِهَابٍ: وَمِنَ السَّنَامِ؟ قَالَ: قَدْ جَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا فَذَهَبَ بِهَا. قَالَ ابْنُ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 528). (¬2) في "ع": "لها".

شِهَابٍ: قَالَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: فَنَظَرْتُ إِلَى مَنْظَرٍ أَفْظَعَنِي، فَأَتَيْتُ نَبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ، فَخَرَجَ وَمَعَهُ زَيْدٌ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَدَخَلَ عَلَى حَمْزَةَ، فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ، فَرَفَعَ حَمْزَةُ بَصَرَهُ، وَقَالَ: هَلْ أَنْتُمْ إِلاَّ عَبِيدٌ لآبَائِي؟ فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُقَهْقِرُ حَتَّى خَرَجَ عَنْهُمْ، وَذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ. (ومعي صائغٌ): وعند الشيخ أبي الحسن: "طالع"، قال: ومعناه: طالعٌ يدلُّه على الطريق (¬1). (معه (¬2) قَيْنة): -بقاف مفتوحة فمثناة من تحت ساكنة فنون فهاء تأنيث- المراد بها: المغنية (¬3). (فقالت: يا حمزَ للشرف النواء): حمزَ: منادى مرخَّم على لغة من نوى، فالزاي مفتوحة، وفي نسخة: بضم الزاي (¬4)، على لغة من لم ينوِ، والجارُّ من قوله: "للشرفِ" متعلق بمحذوف؛ أي: انهضْ، تستدعيه (¬5) أن (¬6) ينحرها؛ ليطعمَ أضيافه من لحمها، والشُّرُف -بضمتين- جمعُ شارف، وقد تسكن الراء تخفيفاً، وإنما كانتا شارفين ففيه إطلاق الجمع على الاثنين. ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (15/ 376). (¬2) في "ع": "مع". (¬3) في "ع": "الغيبة". (¬4) في "ع": "الراء". (¬5) في "ع": "لبنيه". (¬6) في "ج": "أي".

(النَّواء (¬1)): -بكسر النون وتخفيف الواو والمد-: جمعُ ناوية، وهي السمينة، يقال: نوت الناقة: سَمِنَتْ، فهي ناوية. ووقع عند الأصيلي والقابسي: "النوا" بالقصر. وحكى الخطابي: أن ابن جرير الطبري (¬2) رواه: "ذا الشَّرَفِ النَّوى" -بفتح الشين والراء والنون والقصر-، وفسره بالبعد. قال الخطابي: وهو وهم، وتصحيفٌ، وبقيةُ البيت: "وَهُنَّ مُعَقَّلاتٌ بِالْفِنَاءِ (¬3) ". وبعده: ضَع السِّكِّينَ فِي اللَّبَّاتِ مِنْهَا ... وَضَرِّجْهُنَّ حَمْزَةُ بِالدِّمَاءِ وَعَجِّلْ مِنْ أَطَايِبِهَا لِشَرْبٍ ... قَدِيداً مِنْ طَبِيخٍ أَوْ شِوَاءِ ذكرهما ابن أبي شيبة في كتابه. "والشَّرْب (¬4) " -بفتح الشين وإسكان الراء-: الجماعة على الشراب، والواحدُ شارِبٌ؛ مثل: تاجِر وتَجْر (¬5). (فثار): -بمثلثة (¬6) -: وَثَبَ (¬7). ¬

_ (¬1) في "ع": "النوى". (¬2) في "ع": "الطبراني". (¬3) انظر: "غريب الحديث" (1/ 652). (¬4) في "ع": "والشرف". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 529). (¬6) في "ع": "مثله". (¬7) "وثب" ليست في "ج".

باب: القطائع

(فجَبَّ): -بجيم-: قطعَ. (أسنمتَهما): جمعُ سَنامٍ، وهو ما على ظهر البعير. (وبَقَرَ): -بالقاف-: شَقَّ. (إلى (¬1) منظر أفظعني): أي: هالَني، يقال: أفظعَ الأمرُ، فهو مُفْظِعٌ وفَظيعٌ، والظاء معجمة. (وذلك قبل تحريم الخمر): لأنها حُرمت بعد (¬2) وقعة أُحُد، وحمزةُ توفي يومَ أُحد. * * * باب: القَطَائِعِ 1342 - (2376) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ يَحْيَى ابْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَساً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: أَرَادَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُقْطِعَ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، فَقَالَتِ الأَنْصَارُ: حَتَّى تُقْطِعَ لإِخْوَانِنَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِثْلَ الَّذِي تُقْطِعُ لَنَا، قَالَ: "سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي". (أن يُقْطِعَ (¬3)): مضارع أَقْطَعَ، وهو عَطاءٌ يُعطيه الإمامُ أهلَ السابقةِ والفضلِ. قال الخطابي: وإنما يسمَّى إقطاعاً: إذا كان أرضاً، أو عقاراً، وإنما ¬

_ (¬1) "إلى" ليست في "ع". (¬2) "بعد" ليست في "ع". (¬3) في "ع": "ينقطع".

باب: الرجل يكون له ممر، أو شرب في حائط أو في نخل

يُعطيه من الفيء دون حقوق المسلمين، وإقطاعُه من البحرين إما من الموات (¬1) الذي لم يملكه أحد، فيُمْلَك (¬2) بالإحياء، وإما أن يكون من العمارة من حقِّه في الخمس (¬3). (سترون بعدي أُثْرة): بضم الهمزة وسكون المثلثة، ويروى بفتحهما. قال الزركشي: ويقال: بكسر الهمزة وإسكان الثاء، وهو الاستئثار؛ أي (¬4): يستأثر عليكم بأمور الدنيا، ويُفضل غيرُكم نفسَه عليكم، ولا يُجعل (¬5) لكم في الأمر نصيب (¬6). * * * باب: الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ مَمَرٌّ، أَوْ شِرْبٌ فِي حَائِطٍ أَوْ فِي نَخْلٍ (باب: الرجل يكون له ممر، أو شرب في حائط أو نخل): قال ابن المنير: وجهُ دخول هذا في الفقه: إمكانُ اجتماع الحقوق في العين (¬7) الواحدة، هذا له الملكُ، وهذا له الانتفاعُ، وفهمَه البخاريُّ من استحقاقِ ¬

_ (¬1) في "ع": "الموت". (¬2) في "ع" و"ج": "فيملكه". (¬3) انظر: "غريب الحديث" (1/ 479). (¬4) "أي" ليست في "ع". (¬5) في "ج": "ويجعل". (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 530). (¬7) في "م": "الغير".

المبتاعِ للثمرة دونَ الأصل، فله حقُّ التطرُّق (¬1) لاقتطافها في أرض مملوكة (¬2) لغيره. وادَّعى ابنُ بطال إجماعَ العلماء على دخول صاحب العَرِيَّة إلى الحائط؛ لسقيِها وإصلاحِها (¬3)، و (¬4) ليس كذلك؛ لأن عندنا خلافاً فيمن يَسقي العريةَ، فقيل: سقيُها على الواهب، وقيل: على (¬5) الموهوب، وكذلك سقيُ الثمرةِ المستثناةِ في البيع، قيل: على البائع، وقيل: على المشتري. * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "النظر". (¬2) في "ج": "الأرض المملوكة". (¬3) انظر: "شرح ابن بطال" (6/ 511). (¬4) الواو ليست في "ع". (¬5) في "ع": "هو على".

كتاب الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس

كِتابُ الاسْتِقْراضِ وأداءِ الدّيُونِ وَالحَجَرْ والتَّفْلِيْسِ

باب: من أخذ أموال الناس يريد أداءها، أو إتلافها

باب: مَنْ أَخَذَ أَمْوالَ النَّاسِ يريدُ أَدَاءَهَا، أَوْ إِتْلاَفَها 1343 - (2387) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأُوَيْسِيُّ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا، أَدَّى اللهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا، أَتْلَفَهُ اللهُ". (كتاب: في الاستقراض، وأداء الدين (¬1)، والحجر، والتفليس). (ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها، أتلفه الله تعالى): ترجمةُ الباب الذي ساق فيه هذا الحديث يبين أن الأولى (¬2)، وهي قوله: باب: من اشترى بالدين، وليس عنده ثمنه، أو ليس بحضرته، مقيدةٌ بالقدرة على التحصيل؛ لأنه إذا عَلم من نفسه العجزَ، فقد أخذَ لا يريد الوفاء، وكيف يريد ما هو عاجز عنه إلا تمنياً؟ والتمني (¬3) غيرُ الإرادة المذكورة. ¬

_ (¬1) "وأداء الدين" ليست في "ع" و"ج". (¬2) في "ع": "الأول". (¬3) في "ع": "والنهي".

باب: أداء الديون

وفيه دليل على أن من اشترى سلعة بدين، وكشف العيب أنه فقير، لا (¬1) يُخير صاحب السلعة عليه (¬2) في رد البيع، بل يلزمه إمضاؤه، وينتظر الأجل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - اقتصر على أن (¬3) دعا المدلس، ولم يلزمه العقد (¬4). وقالوا في المحيل: إذا دلس بفلس المحال عليه، كان للمحتال أن يتعقب الأصل، كذا في ابن المنير. قلت: ذكر اللخمي فيما إذا غره (¬5) من فلس مثل ما تقدم، قال: والأبينُ أن له أخذَ سلعته؛ لأن العسرَ عيب، وهذا الذي مالَ إليه خلافُ المذهب. * * * باب: أَدَاءِ الدُّيُونِ 1344 - (2388) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا أَبْصَرَ -يَعْنِي: أُحُداً-، قَالَ: "مَا أُحِبُّ أَنَّهُ يُحَوَّلُ لِي ذَهَباً، يَمْكُثُ عِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ فَوْقَ ثَلاَثٍ، إِلاَّ دِينَاراً أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ". ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ الأَكْثَرِينَ هُمُ الأَقَلُّونَ، إِلاَّ مَنْ قَالَ بِالْمَالِ هَكَذَا وَهَكَذَا". -وَأَشَارَ أَبُو شِهَابٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَعَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ- وَقَلِيلٌ مَا هُمْ. ¬

_ (¬1) "فقير لا" ليست في "ع". (¬2) "عليه" ليست في "ج". (¬3) "أن" ليست في "ع". (¬4) في "م": "العقد". (¬5) في "ج": "عده".

وَقَالَ: "مَكَانَكَ". وَتَقَدَّمَ غَيْرَ بَعِيدٍ، فَسَمِعْتُ صَوْتاً، فَأَرَدْتُ أَنْ آتِيَهُ، ثُمَّ ذَكَرْتُ قَوْلَهُ: مَكَانَكَ حَتَّى آتِيَكَ. فَلَمَّا جَاءَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! الَّذِي سَمِعْتُ، أَوْ قَالَ: الصَّوْتُ الَّذِي سَمِعْتُ؟ قَالَ: "وَهَلْ سَمِعْتَ؟ "، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: "أَتَانِي جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-، فَقَالَ: مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لاَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً، دَخَلَ الْجَنَّةَ"، قُلْتُ: وَإِنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: "نَعَمْ". (ما أحبُّ أن يُحَوَّل لي (¬1) أُحُدٌ (¬2) ذهباً): فيه مجيءُ حَوَّل (¬3) كصَيَّر، معنى وعملاً. قال ابن مالك: وهو استعمالٌ صحيحٌ خفيَ على أكثر (¬4) النحويين، حتى أنكر بعضهم على الحريريِّ قوله في الخمر: وَمَا شَيْءٌ إِذَا فَسَدَا ... تَحَوَّلَ غَيُّهُ (¬5) رَشَدَا زَكِيُّ العِرْقِ (¬6) والِدُهُ ... وَلَكِنْ بِئْسَ مَا وَلَدَا (¬7) وقد جاءت في الحديث مبنيةً للمفعول، فرفعت أولَ المفعولين، وهو ضمير عائد على "أحد" ونصبت ثانياً، وهو "ذهباً". ¬

_ (¬1) "لي" ليست في "ع". (¬2) "أُحُد" ليست في نص الحديث. (¬3) "حول" ليست في "ع". (¬4) في "ع": "كثير". (¬5) في "ع": "عنه"، وفي "ج": "عيبه". (¬6) في جميع النسخ: "العروق"، والصواب ما أثبت. (¬7) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 69).

باب: استقراض الإبل

(إلا من قال بالمال هكذا وهكذا): فيه التعبير عن الفعل بالقول (¬1)؛ نحو: قال بيده (¬2)؛ أي: أخذ، أو (¬3) رفع، وقال برجله؛ أي: مشى (¬4)، وقد سبق. * * * باب: اسْتِقْراضِ الإِبِلِ 1345 - (2390) - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنَا سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بِبَيْتِنَا يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَجُلاً تَقَاضَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَغْلَظَ لَهُ، فَهَمَّ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ: "دَعُوهُ؛ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالاً، وَاشْتَرُوا لَهُ بَعِيراً فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ". وَقَالُوا: لاَ نَجِدُ إِلاَّ أَفْضَلَ مِنْ سِنِّهِ، قَالَ: "اشْتَرُوهُ، فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ؛ فَإِنَّ خَيْرَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً". (سلَمة بن كُهيل): بفتح لام سلمة، وضم كاف كهيل، على التصغير. (أن رجلاً تقاضى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -): هذا (¬5) المبهمُ المذكور هنا، وفي الأبواب الثلاثة بعدَه، وهو الذي كان له السِّنُّ على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأوفاه فوقَ سِنِّه، حاول بعضُهم تفسيرَه بالعِرْباض بنِ ساريةَ بناءً على حديث وقع في ¬

_ (¬1) في "ج": "بالفعل عن القول". (¬2) في "ع": "بيد". (¬3) في "ع": "و". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 532). (¬5) "هذا" ليست في "ع" و"ج".

"معجم الطبراني" عنه: أنه قال: بِعْتُ من رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -[بَكْراً، فجئت أتقاضاه، فقلت: يا رسول الله] (¬1)! اقضني ثمن بَكْري، فقضاه بعيراً (¬2) مُسِناً، فقلت: يا رسول الله! هذا أفضلُ من بَكْري، فقال: "هو خيرٌ لكَ؛ إنَّ خيرَ القوم خيرُهم قَضاء" (¬3). لكن روى النسائي من حديث عرباض: بعتُ (¬4) من النبي - صلى الله عليه وسلم - بكراً، فأتيته أتقاضاه، فقال: "أَجَلْ لا أَقْضِيكَهَا إِلاَّ النَّجِيبَةَ"، فقضاني فأحسنَ قضائي، وجاءه أعرابيٌّ يتقاضاه سِنَّهُ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَعْطُوه سِنّاً"، فأعطوه يومئذ (¬5) جَمَلاً، فقال: هذا من خيرُ سن (¬6)، فقال: "خَيْرُكُمْ (¬7) خَيْرُكُمْ قَضَاءً" (¬8). وأخرج الحديثَ ابنُ ماجه عن العرباض، فذكر قصةَ الأعرابي، وأسقط قصةَ العرباض (¬9)، فتبين بهذا أنه سقط من رواية الطبراني قصةُ الأعرابي، فلا يفسَّرُ المبهمُ بذلك. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) في "ع" و"ج": "بكراً". (¬3) رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (18/ 255). (¬4) في "ع": "بعث". (¬5) "يومئذٍ" ليست في "ع" و"ج". (¬6) في "ع": "سنن". (¬7) "خيركم" ليست في "ع". (¬8) رواه النسائي (4619). (¬9) رواه ابن ماجه (2286).

باب: إذا قضى دون حقه، أو حلله، فهو جائز

باب: إِذَا قَضَى دُونَ حَقِّهِ، أَوْ حَلَّلَهُ، فَهْوَ جَائِزٌ (باب: إذا قضى دونَ حقه، أو حلله): قال ابن بطال: كذا في جميع النسخ، والصواب: "وحَلَّله" -بالواو-؛ لأنه لا يجوز (¬1) أن يقضيَ ربَّ الدين دونَ حقه، ويُسقطَ مطالبتَه بباقيه إلا أن يُحلله منه (¬2). قال ابن المنير: والصوابُ ما في النسخ، والمقصود: أو حلله من جميعه (¬3)، وأخذ البخاريُّ هذا (¬4) من جواز قضاء البعض، والتحلل من البعض، فإذا كان لصاحب الحق أن يُهضم بعضُه، فيطيِّبَ للمديان، فكذا الجميع (¬5)، وكأنه إذا قضى دون حقه، وحلله من الباقي، أو حلله من الكل (¬6). 1346 - (2395) - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَبَاهُ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيداً، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَاشْتَدَّ الْغُرَمَاءُ فِي حُقُوقِهِمْ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَأَلَهُمْ أَنْ يَقْبَلُوا تَمْرَ حَائِطِي، وَيُحَلِّلُوا أَبِي، فَأَبَوْا، فَلَمْ يُعْطِهِمِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَائِطِي، وَقَالَ: "سَنَغْدُو عَلَيْكَ"، فَغَدَا عَلَيْنَا حِينَ أَصْبَحَ، فَطَافَ فِي النَّخْلِ، وَدَعَا فِي ثَمَرِهَا بِالْبَرَكَةِ، فَجَدَدْتُهَا، فَقَضَيْتُهُمْ، وَبَقِيَ لَنَا مِنْ تَمْرِهَا. ¬

_ (¬1) في "م": "لأنه يجوز". (¬2) انظر: "شرح ابن بطال" (6/ 518). (¬3) في "ع": "جمعه". (¬4) "هذا" ليست في "ع". (¬5) في "ع": "كذا الجمع". (¬6) في "ج": "الكامل".

باب: إذا قاص، أو جازفه في الدين تمرا بتمر أو غيره

(فأبوا، فلم يعطهم النبي - صلى الله عليه وسلم - حائطي، وقال: سنغدو عليك): فيه جواز (¬1) تأخير الغريم ما لا مضرة فيه على الطالب، وقد بوب عليه البخاري بعد هذا. * * * باب: إِذَا قَاصَّ، أَوْ جَازَفَهُ فِي الدَّيْنِ تَمْراً بِتَمْرٍ أَوْ غَيْرِهِ (باب: إذا قاضى (¬2) رجلاً (¬3)، أو جازفه في الدين، فهو جائز، تمراً بتمر أو غيره): اعترض بأن ترجمة هذا الباب لا يصح استنباطها للبخاري؛ لأن بيع التمر بالتمر مجازفةً حرامٌ؛ لعدم (¬4) المماثلة، وإنما يجوز أن يأخذ مجازفة إذا علم أنه أقلُّ من دينه، وسامح بالباقي. وأجاب ابن المنير: بأن مقصود البخاري: أنه يُغتفر في القضاء ما لا يغتفر في المعاوضة ابتداء. 1347 - (2396) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَبَاهُ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ عَلَيْهِ ثَلاَثِينَ وَسْقاً لِرَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ، فَاسْتَنْظَرَهُ جَابِرٌ، فَأَبَى أَنْ يُنْظِرَهُ، فَكَلَّمَ جَابِرٌ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِيَشْفَعَ لَهُ إِلَيْهِ، ¬

_ (¬1) في "ع": "فيه تجويز جواز". (¬2) في "ع" و"ج": "قضى". (¬3) كذا في الأصل، وفي البخاري: "إذا قاصَّ أو جازفه". (¬4) في "ع": "بعد".

باب: من استعاذ من الدين

فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَلَّمَ الْيَهُودِيَّ لِيَأْخُذَ ثَمَرَ نَخْلِهِ بِالَّذِي لَهُ، فَأَبَى، فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - النَّخْلَ، فَمَشَى فِيهَا، ثُمَّ قَالَ لِجَابِرٍ: "جُدَّ لَهُ، فَأَوْفِ لَهُ الَّذِي لَهُ"، فَجَدَّهُ بَعْدَ مَا رَجَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَوْفَاهُ ثَلاَثِينَ وَسْقاً، وَفَضَلَتْ لَهُ سَبْعَةَ عَشَرَ وَسْقاً، فَجَاءَ جَابِرٌ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِيُخْبِرَهُ بِالَّذِي كَانَ، فَوَجَدَهُ يُصَلِّي الْعَصْرَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، أَخْبَرَهُ بِالْفَضْلِ، فَقَالَ: "أَخْبِرْ ذَلِكَ ابْنَ الْخَطَّابِ". فَذَهَبَ جَابِرٌ إِلَى عُمَرَ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَقَدْ عَلِمْتُ حِينَ مَشَى فِيهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيُبَارَكَنَّ فِيهَا. (وترك (¬1) عليه ثلاثين وَسْقاً لرجل من اليهود): هو أبو (¬2) الشحم، كذا وقع في "المنتقى من تاريخ دمشق" لابن عساكر في ترجمة جابرِ بنِ عبدِ الله. * * * باب: مَنِ اسْتَعَاذَ مِنَ الدَّيْنِ 1348 - (2397) - حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ: أَنَّ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلاَةِ، وَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَم وَالْمَغْرَمِ". فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ يَا رَسُولَ اللهِ مِنَ الْمَغْرَمِ! قَالَ: "إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ، حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ". ¬

_ (¬1) في "ع": "ويترك". (¬2) في "ع": "وأبو".

باب: الصلاة على من ترك دينا

(اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم): لا تعارُضَ بين الاستعاذة من الدين، وبين جواز الاستدانة، وذلك أن الذي استُعيذ منه ليس نفسَ الدين، ولكن غوائلَ الدين، وقد بينها في الحديث، فمن ادَّانَ وسلمَ من تلك الغوائل، فقد أعاذه الله، وفعل جائزاً. * * * باب: الصَّلاَةِ عَلَى مَنْ تَرَكَ دَيْناً (باب: الصلاة على (¬1) من ترك ديناً): قال ابن المنير: أورد (¬2) هذه الترجمة تسهيلاً لأمر الدَّين، وأنه لا يُخِلُّ بالدَّين؛ ليبين أن الاستعاذةَ من مفاسد الدَّين، لا منه نفسِه، فأورد الحديث الذي مقتضاه صلاته -عليه السلام- على المديان بعد أن كان لا يصلي على مديان. 1349 - (2398) - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "مَنْ تَرَكَ مَالاً، فَلِوَرثَتِهِ، وَمَنْ تَرَكَ كَلاًّ، فَإِلَيْنَا". (ومن ترك كَلاًّ): -بفتح الكاف- من "كلاًّ"؛ أي: عيالاً. * * * 1350 - (2399) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ هِلاَلِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ¬

_ (¬1) "على" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "أورده".

باب: لصاحب الحق مقال

-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلاَّ وَأَنَا أَوْلَى بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اقْرَؤوا إِنْ شِئْتُمْ: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6]، فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ مَاتَ وَتَرَكَ مَالاً، فَلْيَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانوُا، وَمَنْ تَرَكَ دَيْناً أَوْ ضَيَاعاً، فَلْيَأْتِنِي، فَأَناَ مَوْلاَهُ". (أو ضَياعاً): -بفتح الضاد المعجمة- مصدر ضاعَ يَضيعُ، فسمي العيال بالمصدر كما تقول: تركه عُسْراً؛ أي: معسِرين. وروي بالكسر، على أنه جمع ضائع؛ كجِياع (¬1) وجائع، وأنكره (¬2) الخطابي، وقال ابن الجوزي: الأولُ أصحُّ (¬3). * * * باب: لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالٌ وَيُذْكَرُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عُقُوبَتَهُ وَعِرْضَهُ". قَالَ سُفْيَانُ: عِرْضُهُ: يَقُولُ: مَطَلْتَنِي. وَعُقُوبَتُهُ: الْحَبْسُ. (لَيُّ الواجد): -بفتح اللام وتشديد المثناة من تحت- معناه: المطل، وأصلُه لَوْيُ، فقلبت الواو ياء، وأدغمت في الياء، على القاعدة المشهورة، والواجد: الغنيُّ؛ من الوُجْدِ -بضم الواو- بمعنى: السَّعَةِ (¬4) والقدرةِ (¬5). ¬

_ (¬1) في "ع": "كجائع". (¬2) في "ع": "وأنكر". (¬3) انظر: "التوضيح" (15/ 426)، و"التنقيح" (2/ 534). (¬4) في "ع": "البيعة". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 534).

باب: إذا وجد ماله عند مفلس في البيع والقرض والوديعة، فهو أحق به

(يُحلُّ عرضَه وعقوبتَه): -بضم حرف المضارعة- من "يُحِلُّ"، وقد فسر سفيانُ ذلك في المتن. * * * باب: إِذَا وَجَدَ مَالَهُ عِنْدَ مُفْلِسٍ فِي الْبَيْعِ وَالْقَرْضِ وَالْوَدِيعَةِ، فَهْوَ أَحَقُّ بِهِ (باب: إذا وجد ماله في البيع والقرض والوديعة، فهو أحقُّ به): قال ابن المنير: إدخال البخاري القرضَ والوديعةَ مع البيع؛ إما لأن الحديث مطلق، وإما لأنه واردٌ (¬1) في البيع، والحكم في القرض (¬2) والوديعة، أولى، أما الوديعة فملكُ رَبِّها لم ينتقل، وأما القرضُ، فانتقالُ ملكهِ عنه (¬3) معروف، وهو (¬4) أضعف من (¬5) تمليك المعاوضة، فإذا أبطلَ (¬6) التفليسُ ملكَ المعاوضة القويَّ بشرطه، فالضعيف أولى. 1351 - (2402) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونسُ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ ¬

_ (¬1) في "ج": "أورد". (¬2) في "ع": "القراض". (¬3) في "ع": "عند". (¬4) في "ج": "وقد". (¬5) في "ج": "عن". (¬6) في "ع" و"ج": "بطل".

باب: من باع مال المفلس أو المعدم، فقسمه بين الغرماء، أو أعطاه حتى ينفق على نفسه

ابْنِ هِشَامٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، أَوْ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ، أَوْ إِنْسَانٍ قَدْ أَفْلَسَ، فَهْوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِه". (من أدرك (¬1) ماله بعينه عند رجل أو إنسان قد أفلس، فهو أحقُّ به): هذا دليل المالكية في أن البائع إنما يرجع إلى عين ماله في الفَلَس (¬2) دون الموت. قال ابن دقيق العيد: ودَلالته قوية جداً بعد تبيُّنِ دخول البائع فيه، حتى قيل: إنه لا تأويل له. وقال: الإصطخريُّ من أصحاب الشافعي: لو قضى القاضي بخلافه، نُقض (¬3) حكمُه (¬4) (¬5). * * * باب: مَنْ بَاعَ مَالَ الْمُفْلِسِ أَوِ الْمُعْدِمِ، فَقَسَمَهُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ، أَوْ أَعْطَاهُ حَتَّى يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ (باب: من باع مال المفلس أو المعدم، فقسمه بين الغرماء، أو أعطاه حتى ينفق على نفسه): ¬

_ (¬1) في "ع": "إدراك". (¬2) في "ع": "النفس". (¬3) في "ع": "بعض". (¬4) "حكمه" ليست في "ع" و"ج". (¬5) انظر: "شرح عمدة الأحكام" (3/ 201).

قال ابن بطال: ليس في الحديث القسمةُ بين الغرماء، وليس فيه أنه كان عليه دين، بل إنما باعه عليه، ولم يكن له مالٌ غيره، ومن السنَّة ألاَّ يتصدَّق بماله كلِّه (¬1) ويبقى فقيراً (¬2). وقال ابن المنير: احتمل عند البخاري دفعُ الثمن إليه أن يكون -عليه السلام- باعه؛ لأنه لم يكن له مال سواه، فلما أجحف بنفسه، تولى النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3) بيعَه بنفسه لأجل تعلُّقِ حق التدبير (¬4)، والحقوقُ إذا بَطَلَت، احتيج (¬5) في فسخها إلى الحاكم، فعلى هذا يكون دفعُ الثمن إليه؛ لينفقه على نفسه، واحتمل عندَه أن يكون باعَه عليه (¬6)؛ لأنه مديانٌ، ومالُ المديانِ يُقسم بين الغرماء، ويكون تسليمه إليه ليقسمَه بين غرمائه، ولهذا ترجم على التقديرين. قلت: استشكل مغلطاي كلاً منهما جميعاً: بأن في بعض طرق هذا الحديث: أن هذا الرجل (¬7) كان مفلساً معدماً (¬8)، وفي بعض طرقه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "اقْضِ به دَيْنَكَ"، [و] في لفظ: "أَلَكَ مالٌ غَيْرُهُ؟ "، قال: ¬

_ (¬1) "كله" ليست في "ع". (¬2) انظر: "شرح ابن بطال" (6/ 526). (¬3) في "ع": "تولى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -". (¬4) في "ع" و"ج": "التدبر". (¬5) في "م": "احتج". (¬6) في "ج": "عليه السلام عليه". (¬7) "أن هذا الرجل" ليست في "ع". (¬8) في "ج": "معدوماً".

باب: الشفاعة في وضع الدين

لا، قال: "ابْدَأْ بِنَفْسِكَ" (¬1)، فصحَّ تبويبُ البخاري ومطابقتُه للواقعة في الحديث. * * * باب: الشَّفَاعةِ في وَضْعِ الدَّيْنِ 1352 - (2405) - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: أُصِيبَ عَبْدُ اللهِ، وَتَرَكَ عِيَالاً وَدَيْناً، فَطَلَبْتُ إِلَى أَصْحَابِ الدَّيْنِ أَنْ يَضَعُوا بَعْضاً مِنْ دَيْنِهِ، فَأَبَوْا، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَاسْتَشْفَعْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ، فَأَبَوْا، فَقَالَ: "صَنِّفْ تَمْرَكَ كُلَّ شَيءٍ مِنْهُ عَلَى حِدَتِهِ، عِذْقَ ابْنِ زَيْدٍ عَلَى حِدَةٍ، وَاللِّينَ عَلَى حِدَةٍ، وَالْعَجْوَةَ عَلَى حِدَةٍ، ثُمَّ أَحْضِرْهُمْ حَتَّى آتِيَكَ"، فَفَعَلْتُ، ثُمَّ جَاءَ - صلى الله عليه وسلم - فَقَعَدَ عَلَيْهِ، وَكَالَ لِكُلِّ رَجُلٍ حَتَّى اسْتَوْفَى، وَبقِيَ التَّمْرُ كَمَا هُوَ، كَأَنَّهُ لَمْ يُمَسَّ. (صَنَّفْ تمرَك): أي: اجعلْه أصنافاً متميزة (¬2)، كلُّ صنف منها وحدَه غير مختلط بغيره. (على حِدَتِه): أي: على (¬3) حياله، والهاء عوض من الواو مثل: عِدَة. (عَذْقَ ابنِ زيدٍ): -بفتح العين المهملة وسكون الذال المعجمة-: نوع جيد من التمر منسوب إلى ابن زيد. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (997). (¬2) في "ع": "بتميزه". (¬3) "على" ليست في "ع".

وقال الدمياطي: المعروفُ: عَذْق ابنِ زيد، والعَذْق -بالفتح-: النخلة، و-بالكسر-: الكباسة (¬1). (واللِّيْن): -بلام مكسورة وياء ساكنة-: اسمُ جنسٍ جمعيٌّ، واحده لِينَةٌ، وهو من اللون، فياؤه منقلبة عن واو؛ لسكونها وانكسار ما قبلها. وقيل: إن أهل المدينة يسمون النخل كلَّها ما خلا (¬2) البرنيَّ والعجوةَ: واللون والألوان [واللين واللينة] (¬3). * * * 1353 - (2406) - وَغَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ناَضِحٍ لَنَا، فَأُزْحِفَ الْجَمَلُ، فَتَخَلَّفَ عَلَيَّ، فَوَكَزَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ خَلْفِهِ، قَالَ: "بِعْنِيهِ، وَلَكَ ظَهْرُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ". فَلَمَّا دَنَوْنَا، اسْتَأْذَنْتُ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ، قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "فَمَا تَزَوَّجْتَ، بِكْراً أَمْ ثَيِّباً؟ "، قُلْتُ: ثَيِّباً، أُصِيبَ عَبْدُ اللهِ وَتَرَكَ جَوَارِيَ صِغَاراً، فَتَزَوَّجْتُ ثَيِّباً تُعَلِّمُهُنَّ وَتُؤَدِّبُهُنَّ، ثُمَّ قَالَ: "ائْتِ أَهْلَكَ"، فَقَدِمْتُ، فَأَخْبَرْتُ خَالِي بِبَيْعِ الْجَمَلِ فَلاَمَنِي، فَأَخْبَرْتُهُ بِإِعْيَاءِ الْجَمَلِ، وَبِالَّذِي كَانَ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَوَكْزِهِ إِيَّاهُ، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، غَدَوْتُ إِلَيْهِ بِالْجَمَلِ، فَأَعْطَانِي ثَمَنَ الْجَمَلِ وَالْجَمَلَ، وَسَهْمِي مَعَ الْقَوْمِ. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 535). (¬2) في "ج": "ما عدا". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 535).

باب: ما ينهى عن إضاعة المال

(على ناضح): -بنون وضاد معجمة وحاء مهملة-: هو (¬1) البعير يُستقى عليه. (فأُزْحِف): -بهمزة مضمومة فزاي ساكنة فحاء مهملة مكسورة ففاء، على البناء للمفعول-؛ أي: أَعْيا وكَلَّ، يقال: أزحفه (¬2) السير، فزحَف (¬3). (فأخبرت خالي ببيع الجمل، فلامني): لجابر خالان يأتي ذكرهما في الغزوات، هما: ثعلبةُ وعمرٌو ابنا غَنَمَةَ بنِ عَدِيَّ بنِ سنانِ، أختهما أُنَيْسَةُ بنتُ غَنَمَةَ أُمُّ جابرِ بنِ عبدِ الله، فالله (¬4) أعلم أيُّ الخالين لامَهُ. (وسَهَّمَني): -بتشديد الهاء- على أنه فعلٌ اتصلت به نون (¬5) الوقاية؛ أي: أعطاني السهم، ويروى: "سَهْمي" على أنه اسمٌ مضافٌ إلى الياء، واحدُ السهام (¬6). * * * باب: مَا يُنْهَى عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: 205]، وَ {لَا يُصْلِحُ ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "وهو". (¬2) في "ج": "أزحف أزحفه". (¬3) وقد ضبط في بعض النسخ: "فأَزْحَفَ" بفتح الهمزة وإسكان الزاي وفتح الحاء المهملة. انظر: "التوضيح" (15/ 452). (¬4) في "ج": "والله". (¬5) "نون" ليست في "ع". (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 535).

عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 81]. وَقَالَ فِي قَوْلِهِ: {أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} [هود: 87]. وَقَالَ: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5]، وَالْحَجْرِ فِي ذَلِكَ، وَمَا يُنْهَى عَنِ الْخِدَاعِ. (وقال (¬1) {أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} [هود: 87]): قد يتبادر إلى بعض الأذهان عطف "أن نفعل" على "أن نترك" (¬2)؛ لأنه يرى أن (¬3) والفعل مرتين، وبينهما حرف العطف، وذلك باطل؛ لأنه لم يأمرهم أن يفعلوا في أموالهم ما يشاؤون، وإنما هو عطف على "ما"، فهو معمول للترك، والمعنى: أن نتركَ أن نفعلَ (¬4)، كذا في "مغني ابن هشام" (¬5). * * * 1354 - (2408) - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ وَرَّادٍ مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ الْبَنَاتِ، وَمَنْعَ وَهَاتِ. وَكَرِهَ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَكثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ". ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "وقالوا". (¬2) في "ع": "أن لا نترك". (¬3) "أن" ليست في "ع". (¬4) في "ج": "نفعل في". (¬5) انظر: "مغني اللبيب" (ص: 686).

(وكثرةَ السؤال): قال مالك (¬1) -رضي الله عنه-: لا أدري أهو ما أنهاكم عنه من كثرة المسائل؛ فقد كره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسائلَ وعابها، أو هو مسألةُ الناسِ أموالَهم؟ قال ابن المنير: وقيل: هو السؤال عما (¬2) لا يعني، وربما يكره المسؤولُ الجوابَ، فيفضي إلى سكوته، فيحقد عليهم، أو يلتجئ إلى أن يكذب، وعدَّ منه قول الرجل لصاحبه: أين (¬3) كنت؟ وأما المسائلُ المنهيُّ عنها في زمنه -عليه الصلاة والسلام-، فكان ذلك خوفاً أن يُفْرَض عليهم ما لم يكن فرضاً، فيقال: قد أُمِنَت الغائلةُ، فما وجهُ الكراهية؟ والجواب: أن مالكاً -رضي الله عنه- لم يكره المسألة (¬4) الواقعة (¬5)؛ لأنها لازمة، وإنما كره المفروضة؛ لأنها متكلَّفة، وكان يقول: بلغني أن العالم إذا تكلَّم فيما وقع، أُعينَ، وإذا تكلم فيما لم يقع، خُذِل. * * * ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "قال ابن مالك". (¬2) في "ج": "كما". (¬3) في "ع": "أي". (¬4) في "ع": "المسائل". (¬5) "الواقعة" ليست في "ج".

كتاب الخصومات

كِتابُ الخُصُومَاتِ

باب: ما يذكر في الإشخاص والخصومة بين المسلم واليهودي

باب: مَا يُذْكَرُ فِي الإِشْخَاصِ وَالْخُصُومَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْيَهُودِي (باب: ما يذكر في الإشخاص والخصومة (¬1)): الإشخاصُ: إحضارُ الغريم من موضع إلى موضع. قال ابن التين (¬2): شَخَص -بفتح الخاء- من بلد إلى بلد؛ أي: ذهب، والمصدرُ شُخوصاً، وأَشْخَصَه غيرُه (¬3). 1355 - (2410) - حَدَّثَنَا أَبَو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ أَخْبَرَنِي، قَالَ: سَمِعْتُ النَّزَّالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَجُلاً قَرَأَ آيَةً، سَمِعْتُ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - خِلاَفَهَا، فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ، فَأَتَيْتُ بِهِ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "كِلاَكُمَا مُحْسِنٌ". قَالَ شُعْبَةُ: أَظُنُّهُ قَالَ: "لاَ تَخْتَلِفُوا؛ فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ اخْتَلَفُوا، فَهَلَكُوا". ¬

_ (¬1) في "ع": "والحكومة". (¬2) في "ع" و"ج": "ابن المنير". (¬3) انظر: "التوضيح" (15/ 466).

(النّزّال): -بنون وزاي مشددة-، ابن سَبْرة: بفتح السين المهملة وإسكان الباء الموحدة. * * * 1356 - (2411) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلاَنِ؛ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَرَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، قَالَ الْمُسْلِمُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُحَمَّداً عَلَى الْعَالَمِينَ! فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْعَالَمِينَ! فَرَفَعَ الْمُسْلِمُ يَدَهُ عِنْدَ ذَلِكَ فَلَطَمَ وَجْهَ الْيَهُودِيِّ، فَذَهَبَ الْيَهُودِيُّ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِ الْمُسْلِم، فَدَعَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمُسْلِمَ، فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى؛ فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَصْعَقُ مَعَهُمْ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ جَانِبَ الْعَرْشِ، فَلاَ أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي، أَوْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللهُ؟ ". (فرفع المسلم يده، فلطم وجه (¬1) اليهودي): قال ابن بشكوال في "مبهماته (¬2) ": اليهودي اسمه فنحاص، واللاطم هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه (¬3). ويرده (¬4) حديثُ أبي سعيد الخدري الواقع في هذا الباب، قال: "بينا ¬

_ (¬1) في "ع": "وجهه". (¬2) في "ع": "مهماته". (¬3) انظر: "غوامض الأسماء المبهمة" (1/ 300). (¬4) في "ع": "ويرد".

رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - جالس، جاء يهودي، فقال: يا أبا القاسم! ضربَ وجهي رجلٌ من أصحابك، فقال: من؟ قال: رجل من الأنصار"، والقصة واحدة. (فإن الناس (¬1) يصعقون): أي: يَخِرُّونَ صَرْعى لصوتٍ يسمعونه. (فإذا موسى باطشٌ جانبَ العرش): أي: قابضٌ عليه بيده، وفي رواية: "باطشٌ بجانب العرش" (¬2)؛ أي: متعلق به بقوة، والبطشُ: الأخذُ القويُّ (¬3). * * * 1357 - (2412) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ، جَاءَ يَهُودِيٌّ، فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِم! ضَرَبَ وَجْهِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِكَ، فَقَالَ: "مَنْ؟ "، قَالَ: رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، قَالَ: "ادْعُوهُ"، فَقَالَ: "أَضَرَبْتَهُ؟ "، قَالَ: سَمِعْتُهُ بِالسُّوقِ يَحْلِفُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ! قُلْتُ: أَيْ خَبِيثُ! عَلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَأَخَذَتْنِي غَضْبَةٌ ضَرَبْتُ وَجْهَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تُخَيِّرُوا بَيْنَ الأَنْبِيَاءِ؛ فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِم الْعَرْشِ، فَلاَ أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ، أَمْ حُوسِبَ بِصَعْقَةِ الأُولَى". (فلا أدري أكان فيمن صعق، أم حوسب بصعقته (¬4) الأولى؟): أي: ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "فالناس". (¬2) رواه البخاري (3408). (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 537). (¬4) نص البخاري: "بصعقة".

باب: من رد أمر السفيه والضعيف العقل، وإن لم يكن حجر عليه الإمام

بصعقته في الدار الأولى، وهي التي وقعت له في دار الدنيا (¬1)، وهي المذكورة في قوله تعالى: {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} [الأعراف: 143]، وسيأتي الكلام على ذلك كله (¬2) عند إفضاء النوبة إليه في كتاب: الحشر، إن شاء الله تعالى. * * * باب: مَنْ رَدَّ أَمْرَ السَّفِيهِ وَالضَّعِيفِ الْعَقْلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَجَرَ عَلَيْهِ الإِمَامُ وَيُذْكَرُ عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَدَّ عَلَى الْمُتَصَدِّقِ قَبْلَ النَّهْيِ، ثُمَّ نَهَاهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: إِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ، وَلَهُ عَبْدٌ، لاَ شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ، فَأَعْتَقَهُ، لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ. (باب: مَنْ ردَّ أمرَ السفيهِ والضعيفِ العقل). (ويذكر عن جابر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ردَّ على المتصدق قبلَ النهي، ثم نهاه): قال عبد الحق (¬3): مراده: حديثُ نُعَيْمِ بنِ النَّحَّامِ حين دَبَّرَ غلامَه، فباعه النبي - صلى الله عليه وسلم - في دَيْنِه. وقال غيره: بل أراد حديثَ جابر في الداخلِ يومَ الجمعةِ والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يخطب، فأمرهم فتصدَّقوا عليه، فجاء في الجمعة الآتية، فأمر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالصدقة، فقام ذلك المتصدَّقُ عليه يتصدَّق بإحدى ثوبيه، فرده -عليه الصلاة والسلام (¬4) -، وهو حديث ضعيف رواه الدارقطني، ولهذا ذكره ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "الأولى". (¬2) "كله" ليست في "ع" و"ج". (¬3) "قال عبد الحق" ليست في "ع". (¬4) في "ع": "فرد عليه السلام".

البخاري بصيغة التمريض (¬1). قال ابن المنير: هذه الترجمة وما ساقه (¬2) معها من محاسنه اللطيفة، وذلك أن العلماء اختلفوا في سفيه الحال قبل الحكم، هل تُرَدُّ عقودُه؟ واختلف قولُ مالك في ذلك، فاختار البخاريُّ ردَّها، واستدل بحديث المدبَّر، وذكر قولَ مالك في ردَّ عتقِ المديانِ قبلَ الحجرِ إذا أحاط الدينُ بماله، ويلزم مالكاً ردُّ أفعالِ سفيه الحال؛ لأن الحجر في المديان والسفيه مُطَّرِد، ثم فهم البخاري أنه يردُّ عليه حديثُ الذي يُخْدَع؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - اطلع على أنه يُخدع، وأمضى أفعاله الماضية والمستقبلة، فنبه على أن (¬3) الذي تُرد أفعالُه هو الظاهر (¬4) السَّفَه، البَيَّنُ الإضاعة؛ كإضاعةِ صاحب المدبَّر، وأن المخدوع في التبرع يمكنه الاحتراز، وقد نبهه الرسول -عليه السلام- على ذلك، ثم فهم أنه يردُّ عليه (¬5) كونُ النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى صاحبَ المدبَّر ثمنَه، ولو كان بيعُه (¬6) لأجل السَّفَه، لما سلَّم إليه الثمنَ، فنبه على أنه إنما أعطاه بعد أن أعلمه طريقَ الرشد، وأمره بالإصلاح والقيام بشأنه، وما كان السفهُ حينئذٍ فسقاً، وإنما كان لشيء من الغفلة وعدم البصيرة بمواقع المصالح، فلما بَيَّنَها، كفاه ذلك، ولو ظهر للنبي - صلى الله عليه وسلم - بعدَ ذلك أنه لم يَتَهَدَّ ولم يرشُد، لمَنَعَهُ التصرفَ مطلقاً، وحجرَ عليه. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 538). (¬2) في "ج": "ساقها". (¬3) في "ج": "أن المراد". (¬4) في "ج": "الذي الظاهر". (¬5) "أنه يرد عليه" ليست في "ج". (¬6) في "ع": "يبيعه".

باب: من باع على الضعيف ونحوه، فدفع ثمنه إليه، وأمره بالإصلاح، والقيام بشأنه، فإن أفسد بعد منعه

باب: مَنْ بَاعَ على الضَّعيفِ ونحوِه، فَدَفَع ثمنَهُ إليهِ، وأمرَهُ بالإصْلاحِ، والقيامِ بشأنِهِ، فإنْ أفسدَ بَعْدُ مَنَعَهُ 1358 - (2415) - حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبي ذِئْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَجُلاً أَعْتَقَ عَبْداً لَهُ، لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، فَرَدَّهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَابْتَاعَهُ مِنْهُ نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ. (فابتاعه منه نُعيم بنُ النَّحَّام): قيل: صوابه: نُعيم النحامُ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "دَخَلْتُ الجَنَّةَ، فسَمِعْتُ نَحْمَةً مِنْ نُعَيْمٍ"، وهي السَّعْلة (¬1). * * * باب: كلامِ الخُصُومِ بَعضِهِم في بَعْضٍ 1359 - (2419) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ: أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُولُ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيم ابْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَؤُهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَقْرَأَنِيهَا، وَكِدْتُ أَنْ أَعْجَلَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَمْهَلْتُهُ حَتَّى انْصَرَفَ، ثُمَّ لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ، فَجِئْتُ بِهِ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: إِنَّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأْتَنِيهَا، فَقَالَ لِي: "أَرْسِلْهُ". ثُمَّ قَالَ لَهُ: "اقْرَأْ". فَقَرَأَ، قَالَ: "هَكَذَا أُنْزِلَتْ". ثُمَّ قَالَ لِي: "اقْرَأْ". فَقَرَأْتُ، فَقَالَ: "هَكَذَا أُنْزِلَتْ، إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَؤُوا مِنْهُ مَا تَيَسَّرَ". ¬

_ (¬1) رواه مسلم (997) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه. وانظر: "التنقيح" (2/ 538).

(فقال: هكذا أُنزلت، إن القرآن أُنزل (¬1) على سبعة أحرف، فاقرؤوا منه ما تيسر): اختلف في معنى الحرف على أقوال كثيرة (¬2) لا نطول بسردها. قال السفاقسي: واختلف الأصوليون: هل يُقرأ اليومَ على سبعة أحرف؟ فمنعه الطبري وغيره، وقالوا: إنما تجوز القراءة اليومَ بحرف واحد، وهو حرفُ زيدٍ، ونحا إليه القاضي أبو بكر. وقال الشيخ (¬3) أبو الحسن الأشعريُّ: أجمع المسلمون على أنه لا يجوز حظرُ ما وسَّعَه الله من القراءة بالأحرف التي أنزلها، ولا يسوغ للأمة أن تمنع ما أطلقه، بل السبعةُ الأحرف موجودة في قراءتنا اليوم، وهي مفترقة في القرآن غير معلومة بأعيانها تمييز بعضها عن بعض، فيجوز على هذا، وبه قال القاضي أن يُقرأ بكل حرف نقلَه أهلُ التواتر من غير تمييز حرفٍ من حرف (¬4)، فيخلط حرفَ نافع بحرف حمزةَ والكسائي، ولا حرجَ في ذلك؛ لأن الله أنزل هذه الحروف تيسيراً على عباده ورفقاً. انتهى (¬5). وقد رأيت أن أذكر هنا كلاماً لشيخنا أبي عبد الله بن عرفة -رحمه الله- أجاب به عن سؤال وردَ عليه من غَرْناطَةَ قاعدةِ بلادِ الأندلس يتعلَّق بعضُه بما نحن فيه، وها أنا أُورد جميعَه على ما فيه (¬6) من الطول؛ رَوْماً لتحصيل الفائدة. ¬

_ (¬1) في "م": "المنزل". (¬2) في "م": "كثير". (¬3) في "ج": "القاضي". (¬4) في "ع": "بحرف". (¬5) انظر: "التوضيح" (15/ 496). (¬6) في "ج": "ما هو".

ونصُّ السؤال: جوابكم في مسألة وقع النزاع فيها بين الطلبة بغرناطة -أمنها الله- حتى آلَ الأمرُ فيها إلى أن كَفَّرَ بعضُهم بعضاً، وهي أن بعض المشفعين بالجامع الأعظم قرأ ليلة قول الله تعالى في سورة الأنعام: {وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ} [الأنعام: 99] برفع "جنات"، فردَّ عليه الإمام، و (¬1) هو الشيخ الأستاذ أبو سعيد (¬2) بن لُبّ، وكان القارئ [ثقيل السمع، فصار يلقنه مرةً بعد أخرى: وجَنَّاتٍ -بالنصب-، والقارئ] (¬3) لا يسمع، وتشجَّع بالأستاذ غيرُه، فلقَّنه (¬4) أيضاً مثلَ ذلك، وأكثروا عليه حتى ضجَّ بهم المسجدُ، فلما يئسوا من إسماعه (¬5)، تقدم بعضُهم حتى دخل معه في المحراب، فأسمعه، فأصبح الطلبة يتحدثون بذلك، فقال لهم قائل: لو شاء الله، لتركوه وقراءته؛ لأنها -وإن لم يقرأ بها أحد من السبعة من هذه الطرق المشهورة التي بأيدي الناس-، فقد رُويت من طرق صحيحة لا مطعنَ (¬6) فيها لأحد، وقد ذكرها ابنُ مجاهد وغيرُه من كبار الأئمة، فقال له بعض الشيوخ: إنما يقرأ في الصلاة بالقراءات السبع؛ لأنها متواترة، ولا يجوز أن يقرأ بغيرها؛ لأنه شاذ، والشاذ لا تصح الصلاة به. فقال له ذلك القائل: لا فرق بين القراءات المروية عن أحد الأئمة السبعة أو غيرهم من الأئمة إذا كانت موافقة لخط المصحف؛ إذ الجميعُ متواتر ¬

_ (¬1) الواو ليست في "ع" و"ج". (¬2) "سعيد" ليست في "ع". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬4) في "ع": "فلقيه". (¬5) في "ج": "سماعه". (¬6) في "ج": "يطعن".

باعتبار خطِّ المصحف، [وقد صحت روايته عن الثقات، ولم يشترط أحد من أئمة القراءة في قبول القراءة الموافقةَ لخط المصحف] (¬1) أن ينقل وجهها من جهة الأداء تواتراً، ومن تتبع طرقَ الروايات، علم ذلك قطعاً. فقال له ذلك (¬2) الشيخ: لا (¬3)، بل لا بد من اشتراط ذلك، وإلا لزم عدمُ تواتر القرآن جملة؛ إذ من المحال عقلاً أن يكون القرآن متواتراً (¬4)، وأَوجُهُ قراءتِه غيرُ متواترة. فلما كثر النزاع بينهما، ارتفعا (¬5) إلى الشيخ أبي سعيد بن لُب؛ ليكون الحكمَ بينهما في القضية، فصوب الشيخُ أبو سعيد (¬6) رأيَ من زعم اشتراطَ (¬7) التواتر في قبول القراءات. وزاد من تلقاء نفسه: إن القرآن هو القراءات السبع، وما خرج عنها فليس بقرآن، وإن من زعم أن القراءات السبع لا يلزم فيها التواتر، فقوله كفر؛ لأنه يؤدي إلى عدم تواتر القرآن جملة، وحجته في ذلك ما وقع لابن الحاجب في كتابه في (¬8) "أصول الفقه"، وقد وقع مثلُه لأبي المعالي في كتاب "البرهان"، والفقهاء يقولون: لا يصلَّى بالشاذ، وأبو عمرٍو الداني قد ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬2) "ذلك" ليست في "ج". (¬3) "لا" ليست في "ع" و"ج". (¬4) "متواتراً" ليست في "ج". (¬5) "ارتفعا" ليست في "ج". (¬6) في "ع" و"ج": "أبي سعيد بن لب". (¬7) "اشتراط" ليست في "ج". (¬8) "في" ليست في "ع".

وضع كتاباً جمعَ فيه ما خرج عن قراءات الأئمة السبعة من الطرق المشهورة، وسمى ما (¬1) جمع في ذلك بالقراءات الشواذ، فتركَّبَ (¬2) له من مجموع ذلك أن ما خرج عن القراءات السبع شاذ ليس بقرآن، فالمطلوبُ من سيادتكم أن تتأملوا كلامَ الأئمة في أوجه القراءات، وطرق الأداء، وما وقع (¬3) لأئمة (¬4) القراء والنحويين في مثل هذا، وأن تجيبوا عن ذلك بجميع ما يظهر لكم حتى يظهر وجهُ المسألة مأجورين. فأجاب شيخنا -رحمه الله تعالى- بما نصه: الحمد لله وحده (¬5). هذا السؤال حاصلُه: أن بعضَهم منعَ القراءةَ في الصلاة بقراءةٍ غيرِ قراءة أحدِ (¬6) السبعة؛ لأن غيرها شاذ، والشاذ لا تجوز الصلاة به، وقال: من لوازم تواترِ القرآن تواتر وجه أدائه، وأن بعضهم أجاز الصلاة بغير قراءة أحد السبعة إذا كانت موافقةً لخط المصحف، وصحَّتْ روايتها. قال: ولا يلزم من تواتر القرآن تواترُ وجه أدائه، وإن الحاكم بينهما صوب الأول، وردَّ الثاني، وزاد: إن ما خرج عن القراءات السبع فليس بقرآن، وإن مَنْ زعم أن القراءات السبع لا يلزم فيها التواتر، فقوله كفر؛ لأنه يؤدي إلى عدم تواتر القرآن جملة. ¬

_ (¬1) في "ع": "وسمى به ما". (¬2) في "ج": "فترك". (¬3) في "ج": "ووقع". (¬4) في "ع": "الأئمة". (¬5) "وحده" ليست في "ع". (¬6) "أحد" ليست في "ع".

وجوابه أن نقول: القراءة الشاذة تطلق باعتبارين: الأول: كونها لم يَقْرأ بها (¬1) أحدُ السبعة، وهي بلفظ فيه كلمةٌ غيرُ ثابتة في مصحف عثمان المجمَع عليه، سواء كان معناها موافقاً لما في المصحف؛ كقراءة عمر: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9]، أو لا؛ كقراءة ابن مسعود: (ثلاثة أيام متتابعات)، وهذا الإطلاق هو ظاهر استعمال الأصوليين والفقهاء (¬2). والثاني: إطلاقها على ما لم يقرأ به أحدُ السبعة من الطرق المشهورة عنهم باعتبار (¬3) إعرابٍ (¬4) وإمالةٍ أو نحوِ ذلك؛ مما يرجع لكيفِ (¬5) النطقِ بالكلمة، مع ثبوتها في مصحف عثمان، وهذا الإطلاق هو ظاهر استعمال القراء. فأما القراءة بالشاذ على المعنى الأول، فغير جائزة. ونقل المازري في "شرح البرهان" الاتفاقَ على ذلك. وقال في "شرح التلقين": تخريجُ اللخميِّ عدمَ إعادةِ (¬6) المصلِّي بها زَلّةٌ. وقولُ شيخنا ابن عبد السلام في "شرحه": نقل أبو عمر بن عبد البر في "التمهيد" عن مالكٍ جوازَ القراءة بها في الصلاة ابتداءً وَهْمٌ (¬7) يعرفه مَنْ ¬

_ (¬1) "بها" ليست في "ع". (¬2) "والفقهاء" ليست في "ع". (¬3) "باعتبار" ليست في "ع" و"ج". (¬4) في "ع" و"ج": "بإعراب". (¬5) في "ج": "فكيف". (¬6) "إعادة" ليست في "ع". (¬7) "وهم" ليست في "ع".

وقف على كلام أبي عمر في "التمهيد". وأما القراءة بها (¬1) في غير الصلاة، فللشيوخ فيها طريقان: الأكثر: على منعها، قاله مكي (¬2)، والقاضي إسماعيل (¬3). قال القاضي عياض (¬4): اتفق فقهاء بغداد على استتابة ابن شنبوذ المقرئ أحدِ أئمة (¬5) المقرئين بها مع ابن مجاهد لقراءته وإقرائه شواذَّ من الحروف مما ليس في المصحف، وعقدوا عليه بالرجوع عنه والتوبةِ منه سِجِلاًّ. الطريقة الثانية: طريقة أبي عمر في "التمهيد"، قال: روى (¬6) ابن وهب عن مالك جوازَ القراءة بها في غير الصلاة، ونحوه قول الأنباري (¬7): المشهورُ من مذهب مالك: أنه لا يقرأ بها. [وأما القراءة بالشاذ على المعنى الثاني إذا ثبت برواية الثقات، فلا ينبغي أن يقرأ بها] (¬8) ابتداء، وأما (¬9) بعد الوقوع، فالصلاة مجزئة؛ لقول القاضي إسماعيل: إن جرى شيء (¬10) من القراءة الشاذة على لسان إنسان من غير ¬

_ (¬1) "بها" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "المكي". (¬3) في "ع" و"ج": "عياض". (¬4) "قال القاضي عياض" ليست في "ع" و"ج". (¬5) في "ج": "الأئمة". (¬6) في "ع": "وروى". (¬7) في "ع": "ابن الأنباري". (¬8) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬9) في "ع": "وما". (¬10) "شيء" ليست في "ع".

قصد كان له في ذلك سعة، إذا لم يكن معناه يخالف (¬1) خط المصحف المجمَع عليه، فقد دخل ذلك في معنى ما جاء: "إِنَّ القرآنَ أُنزل على سبعةِ أحرف"، إذا ثبت هذا، فالرد على القارئ المذكور أولَ مرة قد (¬2) تخفف. وأما تقريرُ ذلك، والمشيُ إليه، فالصوابُ عدمُه؛ لأنها قراءة مُجزئة حسبما نقله الأنباري في "شرح البرهان" عن القاضي إسماعيل، وقبلَه منه، وهو ظاهر القبول، وكلُّ أمرٍ الصلاةُ به مجزئة لا ينبغي أن يَمشي في الصلاة لإماطته؛ لأنه حينئذ فعل منافٍ للصلاة لغير ما تُوقف صحتُها عليه؛ كما في دفعِ المارِّ بين يدي المصلي، إن بَعُدَ عن تنحيته، لا يمشي إليه. وأما قول الحاكم بينهما: ما خرج عن القراءات السبع، فليس بقرآن، فمردودٌ بما تقدَّم من رواية ابن وهب عن مالك، [ولا يلزم من قول من قال: [لا يقرأ بها في غير صلاة] (¬3) منعُ تسميتها قرآناً إلا بقيد كونه مجمَعاً عليه في مصحف عثمان] (¬4)، ولا يلزم من صحة نفيه مقيداً نفيه مطلقاً ضرورة. وأما تواتر القراءات السبع، فهو على وجهين: الأول: ما يرجع لآحاد الكلم في ذواتها؛ كملِك ومالِك ويَخدعون ويُخادعون، ونحوِ ذلك. الثاني: ما يرجع لكيفِ النُّطق بها من إعراب وإمالة، وكيفيةِ وقفٍ، ونحوِ ذلك. ¬

_ (¬1) في "ع": "يخالط". (¬2) في "ع" و"ج": "فقد". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ج".

أما الأول: فمتواترٌ، لا أعرف فيه نصَّ خلاف من (¬1) كتاب، إلا ما (¬2) يؤخذ من كلام (¬3) الأنباري والداودي حسبما يأتي، إن شاء الله تعالى. وأما الثاني: فاختلف فيه متأخرو شيوخنا والمتقدمون، وكان (¬4) شيخنا الشيخ الفقيه الصالح المقرئ الضابط الأصولي أبو عبد الله محمد بن سلامة (¬5) الأنصاريُّ لا يشك في تواترها، أخبرني عن بعض شيوخه المقرئين الصلحاء: أنه اجتمع ببعض مدرسي حضرة يونس (¬6)، وكانت له دراية (¬7) بالعربية وأصول الفقه، فقال له: القراءات السبعُ غيرُ متواترة، فقال له الشيخ المقرئ (¬8): مَنْ يقول هذا يموتُ مذبوحاً، وانفصلَ عنه، ولم يشهده في إجازة كان (¬9) أتى بها إليه؛ ليشهده فيها، فبعد مدة أصبح ذلك المدرسُ في منزله مذبوحاً. وأخبرني (¬10) بذلك شيخُنا الشيخ (¬11) الفقيه المصنف (¬12) الشهيرُ أبو ¬

_ (¬1) في "ج": "بخلاف في". (¬2) في "ج": "في ما". (¬3) "كلام" ليست في "ع". (¬4) في "ج": "وكلام". (¬5) في "ع": "سلام". (¬6) في "ع" و"ج": "مدرسي من حضر ابن يونس". (¬7) في "ج": "رواية". (¬8) "له الشيخ المقرئ" ليست في "ع" و"ج". (¬9) في "ع" و"ج": "وكان". (¬10) في "ع": " وأخبرنا". (¬11) "الشيخ" ليست في "ع" و"ج". (¬12) في "ج": "المصنف الفقيه".

عبد الله بن الحباب، وقال لي: ذبحه ابنُ أخيه؛ لأنه كان المحيطَ بتعصبه. وكان شيخنا الشيخ الفقيه القاضي الخطيب المفتي الشهير أبو عبد الله بنُ عبدِ السلام يقول في المسألة إذا جرى فيها الكلام في عام مجلس تدريسه: إنها غير متواترة، مستدلاً بأن شرط التواتر استواءُ الطرفين فيها والوسط. قال: وقراءةُ السبعة تنتهي إلى أبي عمرٍو الداني، قال: وهذا يقدح في تواترها (¬1). ونحوه -أيضاً- سمعته من الشيخ الفقيه الصالح أبي العباس بنِ إدريسَ فقيهِ بجايةَ، وكان (¬2) جوابي للشيخين: منع حصر وقفها على أبي عمرو الداني، بل شاركه في ذلك عدد كثير، والخاص به شهرتها به فقط. وأما المتقدمون، فالحاصل منهم ثلاثة أقوال: الأول: أنها (¬3) متواترة، نقله الأنباري عن أبي المعالي، وأنكره عليه حسبما يأتي. الثاني: أنها متواترة عند طائفةٍ خاصَّةٍ، وهم القراء فقط، نقله المازري في "شرح البرهان" وبسط القول فيه. الثالث: أنها غير متواترة، قاله ابن العربي، وبسط القول فيه، ولم يحكِ غيره، وذلك في كتاب: "القواصم والعواصم" له. وقاله (¬4) -أيضاً- الأنباري، واحتج بأن قال: قولُ الإمام: وجوهُ ¬

_ (¬1) في "ع": " تواتره". (¬2) في "ع": "فكان". (¬3) "أنها" ليست في "ع". (¬4) في "ع": "وقال".

القراءات متواترةٌ (¬1) غيرُ صحيح، إنما المتواتر (¬2) ما اشتمل عليه المصحف، ولم يثبت فيه تعرضٌ لإعراب (¬3)، إنما ذلك راجع لما تقتضيه العربية، مع صحة الإسناد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. هذا نافع قال: أخذت قراءتي هذه (¬4) [عن الثقات، ما انفرد به الواحدُ، تركتُه، وما اجتمع فيه اثنان، قبلتُه حتى ألفت قراءتي هذه] (¬5)، وسائرُ الأئمة إنما نقل وجوهَ القراءة عن أفراد لا يبلغون عدد التواتر، وسببه أن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يسمعون منه - صلى الله عليه وسلم - القراءة على (¬6) جهات متعددة مما (¬7) يسوغ في العربية، كما ورد في قراءة عمر، وحكيم بن حزام، وقصتِهما المشهورة، فكان الصحابة يذهبون في البلاد، فيُقْرِئ كلُّ صاحب (¬8) أهلَ بلدة على حسبِ ما سمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما كتبَ عثمانُ المصحفَ، [ولم يتعرض فيه لضبط ولا نَقْط، وكتب المصاحف] (¬9) على ذلك، قيل: سبعة، وقيل: خمسة، بعث إلى كل مِصْرٍ مصحفاً، فبقي أهلُ كلَّ (¬10) مصرٍ ¬

_ (¬1) في "ع": "غير متواترة". (¬2) في "ع": "التواتر". (¬3) في "ع": "لا إعراب". (¬4) "هذه" ليست في "ج". (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬6) في "ع": "في". (¬7) في "ع": "إنما". (¬8) "صاحب" ليست في "ج". (¬9) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬10) "كل" ليست في "ع" و"ج".

على ما كانوا يعرفونه مما نقلَ إليهم الصاحبُ الذي كان علَّمهم مما يوافق خطَّ المصحف مع الانضباط، ولم يشترط أحدٌ أن جهةَ القراءة بالإضافة إلى كلِّ إمام من هذه الأئمة متواترةٌ، فثبت بمجموع ذلك أن المتواتر (¬1) وافقَ خطَّ المصحف، وفُهِمَ معناه على لغة العرب، وأما وجهُ القراءة، فلا يُشترط فيه التواتر بحال. قد قال أئمة (¬2) العربية: قراءة حمزة: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء: 1] ضعيفة، وكذا قراءة قالون: {وَمَحْيَايَ} [الأنعام: 162]-بإسكان الياء- ضعيفة جداً. وقد روى الداودي حديثاً فيه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} [الفاتحة: 2] وفيه: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4]، قال: وهذا حجةٌ لأهل المدينة؛ لأنهم يقرؤون: مَلِكِ -بغير ألف-، فلو كانت القراءات على هذه الجهة متواترة، لما احتج عليها بالحديث الذي هو خبر واحد. فإن قيل (¬3): قد يختلفون في الحرف الواحد؛ كرواية بعضهم: (سارعوا)، ورواية غير (وسارعوا) (¬4)؟ قلت: محملهما (¬5) أنه - صلى الله عليه وسلم - قرأها بالوجهين. انتهى كلام ابن الأنباري. قلت: وظاهره (¬6) أن الخلاف عنده في (مالك) و (ملك) حسب ما أشرنا ¬

_ (¬1) في "ع": "المتواترة". (¬2) في "ج": "الأئمة". (¬3) في "ع": "قلت". (¬4) "ورواية غير (وسارعوا) " ليست في "ع". (¬5) في "ع": "محلهما". (¬6) في "ع" و"ج": "وظاهر".

إليه أولاً، خلاف نقلِ ابن الحاجب. قلت: والصواب عندي نقل المازري أنها متواترة عند القراء لا عموماً، والله أعلم. وأما قول الحاكم بينهما: من زعمَ أن القراءاتِ السبعَ لا يلزم تواترُها، فقولُه كفرٌ. فلا يخفى على من اتقى الله تعالى وأنصفَ، وفهمَ ما نقلناه (¬1) عن هذه الأئمة الثقات، وطالعَ كلامَ عياضٍ وغيرِه من أئمة الدين: أنه قولٌ غيرُ صحيح، هذه مسألةُ البسملة اتفقوا على عدم التكفير بالخلاف في إثباتها ونفيها (¬2)، والخلافُ في تواتر وجوه القراءات مثلُه، أو أيسرُ منه، فكيف يُصَرَّح بالتكفير؟! وأيضاً: على تسليم تواترها عموماً أو خصوصاً، ليس علمُه من الدين ضرورةً، ولا موجباً لتكذيب الشارع بحال، وكلُّ ما هذا شأنه، فواضحٌ لمن اتقى الله وأنصفَ: أنه ليس كفراً، وإن كان خطأً. قال الأنباري (¬3) وغيره: ضابطُ ما يكفر به ثلاثة أمور: أحدها: ما يكون نفسُ اعتقادِه كفراً؛ كإنكار الصانع، أو صفاتِه التي لا يكون صانعاً إلا بها، وجحدِ النبوات. الثاني: صدورُ ما لا يقع إلا من كافر. الثالث: إنكارُ ما عُلم من الدين ضرورةً؛ لأنه آيلٌ إلى تكذيب الشارع. ¬

_ (¬1) في "ج": "نقله". (¬2) "ونفيها" ليست في "ع". (¬3) في "ع": "ابن الأنباري".

ونحوَ هذا الضابط ذكر (¬1) الشيخُ عزُّ الدين بنُ عبدِ السلام في "قواعده"، والقرافي في "قواعده"، وغيرُهم. وأما استدلال من حكم بينهما على كفر ذي القولِ بعدمِ لزوم تواترِ (¬2) القراءات السبعِ بأنه يؤدي إلى عدم تواتر القرآن جملةً، فمردودٌ من ثلاثة أوجه: الأول: منعُ (¬3) كونِه يؤدي إلى ذلك، والمنعُ كافٍ؛ لأنه لم يأتِ على كونه يؤدي إلى ذلك بدليل، وليس علمُ ذلك واضحاً بحيث لا يَفتقر لدليل. الثاني: سلمنا عدمَ التمسك بالمنع، لنا: الدليلُ قائمٌ على عدم تأديته لذلك، وهو أن يقول: كل ما كان حكم ثبوتِ المنقول بنقل عدد مختلِفٍ لفظُ ناقليه، مع اتفاقه في المعنى؛ كحكم نقل ذلك العدد له مع اتفاق لفظهم، ثم يكون عدمُ تواترِ وجهِ قراءةِ السبعة مؤدياً لعدم تواترها، والملزومُ حَقٌّ (¬4)، فاللازمُ كذلك. بيانُ حقية الملزوم: أن شهادة (¬5) أربعةٍ في الزنا، واثنينِ في سائر (¬6) الحقوق، مع اختلاف كلماتهم، أو بعضِها (¬7)، واتفاقِها في المعنى المشهود ¬

_ (¬1) في "ع": "ذكره". (¬2) "تواتر" ليست في "ع" و"ج". (¬3) في "ج": "إن منع". (¬4) في "ع" و"ج": "في حق". (¬5) في "ع": "إن شهدت". (¬6) في "ع": "شهادة". (¬7) في "ع": "بعضهم".

به (¬1)، كثبوتها (¬2) مع اتفاق ألفاظهم، لا أعلم في ذلك خلافاً؛ كما لو قال أحدُ الأربعة: رأيتُه وَطِئَها بموضع كذا، في وقت كذا، على صفة كذا، وقال الثاني: رأيته حتى فعل كذا، معبراً بما ورد (¬3) في حديث البخاري، وعبر عن الموضع والوقت والصفة بمرادفِ لفظِ الأول، وكذا الثالث والرابع، فإنَّ حكمَ قبولِ شهادتهم كما لو عبروا (¬4) بألفاظ متماثلة في ثبوت الظن الموجب للحدِّ، وليس اختلافهم بذلك بالذي يصيرهم منفردين، فيجب حدهم. وكذا لو شهد شاهدٌ بطلاق، أو حق، وشهد معه آخرُ معبراً بلفظٍ مرادفٍ للفظ (¬5) الأول، فهو كما لو عبر بلفظٍ مماثل للأول في ثبوت الطلاق والحقِّ، وليس اختلافهم بذلك بالذي يصيرهم منفردين، فلا يجب طلاق، ولا يثبت الحقُّ إلا بيمين (¬6) مدعيه. وبيان الملازمة: أن المطلوب في القراءات السبع إثباتُ لفظِ مصحفِ عثمانَ تواتراً (¬7)، واختلافُ ألفاظِ السبعةِ في (¬8) تعبيرهم عن تلك الكلمات ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "له". (¬2) في "ج": "بثبوتها". (¬3) في "ج": "ورده". (¬4) في "ج": "عبر". (¬5) في "ع": "اللفظ". (¬6) في "ع" و"ج": "بين". (¬7) في "ع": "تواتر". (¬8) "في" ليست في "ع".

بالرَّوم، والترقيق (¬1)، والتسهيل، وأضدادها، والإعرابِ الموافقِ في المعنى، كاختلاف ألفاظ الشهداء في إثبات الزنا والطلاق والحقّ، بل اختلافُ ذلك أخفُّ؛ لأن (¬2) اختلافهم (¬3) راجعٌ لاختلافٍ في [صفة الحروف، أو في بعض حروف الكلمة، واختلافُ الشهداء راجعٌ لاختلافٍ في] (¬4) الكلم بكمالها (¬5)، فكما أجمعا على أن اختلاف تلك الألفاظ غيرُ مانع من ثبوت حكم اتفاقها (¬6)، وهو ثبوت العلم (¬7) بها [بثبوت الأمر الموجب للحد والطلاق والحق، فكذا اختلافُ ألفاظِ السبعة بما ذُكر غيرُ مانعٍ من ثبوت حكمِ اتفاقها (¬8)، وهو ثبوت الظن بها] (¬9) الثبوتَ المحكومَ له بالتواتر. الثالث (¬10): أنا [إن] سلَّمنا عدمَ نهوضِ هذين الوجهين فيما ذكرناه، كان أقل حالهما أنهما شبهتان تمنعان من أن العلم بأن عدمَ تواترِ وجوه القراءات يوجب عدمَ تواترِ القرآن جملةً ضروريٌّ من الدين، وجحدُ ¬

_ (¬1) في "ع": "والترفيق". (¬2) "لأن" ليست في "ع". (¬3) في "ع": "لاختلافهم". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬5) في "ج": "بكلامها بكمالها". (¬6) في "م": "اتفاقهما". (¬7) في "ع": "الظن". (¬8) في "م": "اتفاقهما". (¬9) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬10) في "ج": "والثالث".

باب: إخراج أهل المعاصي والخصوم من البيوت بعد المعرفة

ما ليسَ علمُه ضرورياً من الدين (¬1) ليسَ كفراً بحال، والله أعلم. انتهى كلام شيخنا -رحمه الله-، فلنعد إلى ما نحن بصدده (¬2). * * * باب: إِخْرَاجِ أَهْلِ الْمَعَاصِي وَالْخُصُومِ مِنَ الْبُيُوتِ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ (باب: إخراج أهل المعاصي): أعاده في: الأحكام، وقال بدل المعاصي: الرِّيَب. 1360 - (2420) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاَةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى مَنَازِلِ قَوْمٍ لاَ يَشْهَدُونَ الصَّلاَةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ". (فأُحَرِّقَ عليهم): ليس في الحديث هؤلاء المتخلفين (¬3) عن الصلاة أنه نفاهم من بيوتهم، والترجمة إنما تدل على الإخراج لا على الإحراق. قال (¬4) ابن المنير: جواب هذا: إذا أحرقها عليهم، فقد خرجوا منها قطعاً، والاقتصار على مجرد إخراجهم أجدرُ بالجواز. ¬

_ (¬1) "من الدين" ليست في "ع". (¬2) في "ع" و"ج": "بصدده، والله الموفق". (¬3) في "ع": "المختلفين". (¬4) في "ج": "وقال".

باب: دعوى الوصي للميت

وقد قال ابن القاسم: تُباع على المفسد دارُه. وفيه: جواز نفي الأراذل والسفلة والمفسدين من مدينة إلى أخرى؛ لتضعف شوكتُهم، ولتشغلهم (¬1) الغربة عن إيقاع المسلمين في الكُربة. * * * باب: دَعْوَى الْوَصِيِّ لِلْمَيِّتِ 1361 - (2421) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: أَنَّ عَبْدَ بْنَ زَمْعَةَ وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، اخْتَصَمَا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي ابْنِ أَمَةِ زَمْعَةَ، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَوْصَانِي أَخِي إِذَا قَدِمْتُ أَنْ أَنْظُرَ ابْنَ أَمَةِ زَمْعَةَ فَأَقْبِضَهُ، فإِنَّهُ ابْنِي. وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: أَخِي وَابْنُ أَمَةِ أَبِي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي. فَرَأَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - شَبَهاً بَيِّناً، فَقَالَ: "هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ". (باب: دعوى الوصيِّ للميت). (أوصاني أخي إذا قدمتُ أن أنظرَ ابنَ أمةِ زمعة، فأقبضَه؛ فإنه ابني): سأل ابن المنير عن موقع هذه من الفقه، وهل يختلف الناس في صحة الوصية على الأطفال، ودعوى الوصي عنهم؟ ثم قال: لو طلب أحد جهده من التوقيف على ذلك، لم يكد يجده إلا ها هنا، والإجماع -وإن كان فيه غنية- إلا أن التمسك (¬2) به من جنس ¬

_ (¬1) في "ع": "وتشغلهم". (¬2) في "ع": "يتمسك".

التقليد، وهذا بحث عن مستند أهل الإجماع، فهذا لا يليق بالمتبحر مثل البخاري رحمه الله. قلت: الإجماع أحَدُ (¬1) الأدلة الشرعية، فالاستنادُ إليه في إثبات الحكم الشرعي لا يعد تقليداً. ثم قال: وفيه دليل على أن للوصي الحضانة؛ بدليل قوله: فاقبضه، وقبضُه: حضانته. قلت: لا يتم هذا؛ لجواز (¬2) أن يكون ثبوتُ الحضانة له من جهة كونه عماً، لا من حيث كونُه وصياً. ثم يقال: و (¬3) فيه دليل على جواز محاكمة الوصي في أصل نسب الولد، ولا يحتج عليه بأن الوصية لا تستثبت حتى يثبت نسب (¬4) الولد الموصى عليه، ولم يظهر أنه -عليه السلام- كلفه إثباتَ وصيته، وذلك أن حاصل غرضه أن يحضنه منسوباً إلى أبيه، والحضانةُ يستحقها العم وإن لم يكن وصياً، وكان سعدٌ عمَّ الطفل لو ثبت دعواه، وللعم أن يسعى (¬5) في إثبات نسب (¬6) ابن أخيه، وإن لم يكن وصياً. ¬

_ (¬1) في "م": "أخذ". (¬2) في "ج": "الجواز". (¬3) الواو ليست في "ج". (¬4) "نسب" ليست في "ج". (¬5) في "ع": "إن سعى". (¬6) في "ج": "في نسب إثبات".

باب: الربط والحبس في الحرم

قلت: هذا منافٍ لاستدلاله أولاً (¬1) بالحديث على ثبوت الحضانة للوصي (¬2). * * * باب: الرَّبْطِ وَالْحَبْسِ فِي الْحَرَمِ وَاشْتَرَى نَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ دَاراً لِلسِّجْنِ بِمَكَّةَ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَلَى أَنَّ عُمَرَ إِنْ رَضِيَ، فَالْبَيْعُ بَيْعُهُ، وَإنْ لَمْ يَرْضَ عُمَرُ، فَلِصَفْوَانَ أَرْبَعُ مِئَةٍ. وَسَجَنَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ. (واشترى نافعُ بنُ عبدِ (¬3) الحارث داراً للسجن بمكة من صفوانَ بنِ أميةَ على إن رضيَ عمر، فالبيعُ بيعه، وإن لم يرض عمر، فلصفوانَ أربع مئة دينار (¬4)): استشكل بعضهم صحةَ هذا البيع، وليس بمشكل على مذهبنا؛ لأن العهدة فيه على المشتري، وإن سمي غيره (¬5) أنه يشتري له حتى يتبرأ (¬6) من العهدة، ويقول: لستُ من البيع في شيء، فهذا البيع دخل فيه على اللزوم، إما لعمر -رضي الله عنه-، وإما لنافع، والعهدة في الثمن ¬

_ (¬1) "أولاً" ليست في "ع". (¬2) في "ج": "للصبي". (¬3) "عبد" ليست في "ع". (¬4) كذا في رواية أبي ذر الهروي، وفي اليونينية: "أربع مئة" دون قوله: "دينار"، وهي المعتمدة في النص. (¬5) في "ج": "غيرها". (¬6) في "ع" و"ج": "يبرأ".

على نافع؛ لأنه لم يتبرأ (¬1) منها، ولا غرض للبائع في تعيين مَنْ عليه العهدةُ في الشراء، ولهذا لو اعترف المشتري أنه إنما اشترى لزيد، فقال البائع: لا أعامل زيداً، لم يكن له ذلك، ولزمه البيعُ، والثمنُ على الوكيل، حتى لو كان البائعُ حلفَ قبلَ ذلك أن (¬2) لا يبيع سلعة من زيد، حنث، ومضى البيع، ولا يُعذر إن كان هذا الواسطة معروفاً بوكالة زيد. قاله ابن المنير. قلت: انظر دخولَ حرف الجر على الجملة الشرطية في قوله: على إِنْ رضيَ عمرُ. * * * ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "يبرأ". (¬2) "أن" ليست في "ج".

كتاب اللقطة

كِتَابُ اللُّقَطَةِ

(كتاب: اللقطة): عرف شيخُنا ابنُ عرفة -رحمه الله- اللقطةَ بقوله: مالٌ وُجِدَ بغيرِ حِرْزٍ محترماً، ليس حيواناً ناطقاً، ولا نَعَماً، فيخرجُ الركازُ، وما بأرض الحرب، وتدخل الدجاجةُ وحَمامُ الدور، لا السمكةُ تقع في سفينة، هي لمن وقعت إليه، قاله ابن عات عن ابن شعبان. وذكر بعضُ الأخيار أنه كان في ناسٍ أتوا من دفن ميت بجهة دارس (¬1) بعضِ سواحل تونسَ بقارب في بحيرتها، وفي الجمع سيدي أبو الحسن المنتصر (¬2) الوليُّ الشهير، فقلت في نفسي: اللهم إن كان من أوليائك، فاجعلْ سمكةً من هذه البحيرة تسقط (¬3) بقاربنا، قال: فسقطت سمكةٌ في القارب، فابتدرها غيري، فقلت له (¬4): أنا أحقُّ بها؛ فإنها بصيدي حصلت، وذكرتُ لهم ما قلتُه في نفسي، فأخذتها (¬5). ¬

_ (¬1) في "ج" و"م": "رادس". (¬2) في "ع": "المتبصر". (¬3) "تسقط" ليست في "ع". (¬4) "له" ليست في "ع". (¬5) في "م": "فأخذها".

باب: إذا أخبره رب اللقطة بالعلامة دفع إليه

قال شيخنا: والأظهرُ في السمكة إن كانت بحيثُ لو لم يأخذْها مَنْ سقطت إليه، لنجت بنفسها؛ لقوة حركتها، وقربِ محلِّ سقوطها من ماء البحر، فهو كما قال ابن شعبان، وإلا، فهي لرب السفينة؛ كقولنا (¬1) فيمن طرد صيداً حتى دخل دارَ قوم: إن اضطره إليها، فهو له، وإن لم يضطره، وبَعُدَ عنه، فهو لرب الدار (¬2). وضبطُ لفظِ اللُّقطة سيأتي. * * * باب: إِذَا أَخْبَرهُ ربُّ اللُّقَطَةِ بالعَلاَمَةِ دَفَعَ إِلَيْهِ 1362 - (2426) - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ: سَمِعْتُ سُوَيْدَ بْنَ غَفَلَةَ، قَالَ: لَقِيتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، فَقَالَ: أَخَذْتُ صُرَّةً، مِئَةَ دِينَارٍ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "عَرِّفْهَا حَوْلاً". فَعَرَّفْتُهَا حَوْلَهَا، فَلَمْ أَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا، ثُمَّ أَتَيْتُهُ، فَقَالَ: "عَرِّفْهَا حَوْلاً"، فَعَرَّفْتُهَا، فَلَمْ أَجِدْ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ ثَلاَثاً، فَقَالَ: "احْفَظْ وِعَاءَهَا، وَعَدَدَهَا، وَوِكَاءَهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإِلاَّ، فَاسْتَمْتِعْ بِهَا". فَاسْتَمْتَعْتُ، فَلَقِيتُهُ بَعْدُ بِمَكَّةَ. فَقَالَ: لاَ أَدْرِي، ثَلاَثَةَ أَحْوَالٍ، أَوْ حَوْلاً وَاحِداً. (سمعت سُوَيْدَ بنَ غَفَلَةَ): بضم سين سويد، وفتح واوه، على التصغير، ¬

_ (¬1) في "م": "كقولها". (¬2) وانظر: "مواهب الجليل" للحطاب (6/ 69).

وغفلة: بغين معجمة وفاء مفتوحتين. (فقال): أي: أُبي بنُ كعب رضي الله عنه. (وجدت (¬1) صرةً فيها مئةُ دينار): قال ابن المنير: فيه حجة لمن أوجب معرفةَ عددِ الدنانير والدراهم، وهو أحد القولين. قلت: لا يظهر فيه حجة أصلاً. قال: وليس في قوله: "عرفها حولاً"، ثم قال: في الثاني والثالث كذلك حجةٌ لمن شرطَه؛ لأنا نقول بموجبه إذا لم يُؤْثِرِ الملتقطُ التمليكَ، والواقعةُ حكايةُ عين. (فإن جاء صاحبها، وإلا فاستمتعْ بها): ليس هذا على وجه التمليك لها؛ إذ لو كان المراد التمليكَ التام، لم يقتصر به على الاستمتاع الذي ظاهرُه الانتفاع لا بأصل الملك، ولما قَلَّلَ الله تعالى الدنيا، قال: {إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ} [غافر: 39]، ولذلك قال في [الحديث الآخر: "اسْتَنْفِقْهَا"، ولم يقل: فهي لك، وفي] (¬2) حديثٍ بعدَ هذا: "ثُمَّ اسْتَنْفِقْ (¬3) بِهَا، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا، فَأَدِّهَا إِلَيْه (¬4) "، وهو صريح في المقصود، وفي رواية: "فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإِلاَّ اسْتَمْتِعْ بِهَا"، بدون فاء (¬5). قال ابن مالك: تضمنت هذه الروايةُ حذفِ جواب "إنْ" الأولى، ¬

_ (¬1) كذا في رواية الكشميهني، وفي اليونينية: "أخذت"، وهي المعتمدة في النص. (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬3) في "ع": "استفق". (¬4) في "ع": "إليها". (¬5) "فاء" ليست في "ج".

باب: ضالة الإبل

وحذف شرط (¬1) "إن" الثانية، وحذف الفاء من جوابها، والأصلُ: فإن جاء صاحبها، أَخَذَها، وإن لا يجيءْ فاستمتعْ بها (¬2). * * * باب: ضَالَّةِ الإِبِلِ 1363 - (2427) - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَن رَبِيعَةَ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ، عَنْ زيدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَأَلَهُ عَمَّا يَلْتَقِطُهُ، فَقَالَ: "عَرَّفْهَا سَنَةً، ثُمَّ احْفَظْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُخْبِرُكَ بِهَا، وَإِلاَّ فَاسْتَنْفِقْهَا". قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ: "لَكَ، أَوْ لأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ". قَالَ: ضَالَّةُ الإِبِلِ؟ فَتَمَعَّرَ وَجْهُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "مَا لَكَ وَلَهَا؟! مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا، تَرِدُ الْمَاءَ، وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ". (جاء أعرابي النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3) فسأله عما يلتقط): تقدم أن السائل بلالٌ، وهذه الرواية تُبَعِّد ذلك؛ لأنه لا يقال في مثلِ بلالٍ المؤذنِ المشهورِ: أعرابيٌّ، فيحتمل أن تكونا واقعتين. (ضالة (¬4) الغنم؟ قال: لك، أو لأخيك، أو للذئب): على طريقة السبر ¬

_ (¬1) "شرط" ليست في "ع". (¬2) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 135). (¬3) في "ع": "إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -". (¬4) كذا في رواية أبي ذر الهروي وأبي الوقت، وفي اليونينية: "فضالة"، وهي المعتمدة في النص.

والتقسيم، وأشار إلى إبطال قسمين، فتعين الثالث، والأخُ هنا ليسَ صاحبَها، ولكن ملتقطٌ آخر، فكأنه قال: ينحصر الأمر في ثلاثة أقسام: أن تأخذَها لنفسك، أو تتركَها فيأخذَها مثلُك، أو يأكلَها الذئب، لا سبيلَ إلى تركها للذئب؛ فإنه إضاعةُ مال، ولا معنى لتركها لملتقطٍ آخرَ مثلِ الأول بحيث يكون الثاني أحقَّ؛ لأنهما استويا، وسبقَ الأول، فلا معنى لترك السابقِ واستحقاق المسبوق، وإذا بطل هذان القسمان، تعين الثالث، وهو أن تكون لهذا (¬1) الملتقِط. فإن قيل: لعله عنى بالأخ صاحبها (¬2)؟ قلنا: لا تقتضي البلاغة أن يُقرن (¬3) صاحبها المستحقَّ بالذئبِ العادي. فإن قيل: بقي قسم رابع، وهو تركُها لعلَّ صاحَبها يصادفها؟ قلنا: أُلغي هذا؛ لأن الغرضَ وجدانها بمحل إياس من صاحبها أن تعود إليه إلا على ندور. واللام في القسمين الأولين للملك، وفي الثالث للاختصاص. وقول بعضهم: اللامُ في "الذئب" ليست للتمليك، فهي كذلك في بقية الأقسام، مردودٌ بأنها مع قابل الملك له، ومع ما لا يقبله للاختصاص (¬4)، كذا قرره ابن المنير رحمه الله. (فتمَعَّرَ): أي: تغير للغضب. ¬

_ (¬1) في "ج": "هذا لهذا". (¬2) "صاحبها" ليست في "ع" و"ج". (¬3) في "ع" و"ج": "يفرق". (¬4) في "ج": "الاختصاص".

باب: ضالة الغنم

باب: ضَالَّةِ الغَنَمِ 1364 - (2428) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ: أَنَّهُ سَمِعِ زيدَ بْنَ خَالِدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُولُ: سُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ اللُّقَطَةِ، فزَعَمَ أَنَّهُ قَالَ: "اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً". يَقُولُ يَزِيدُ: إِنْ لَمْ تُعْتَرَفِ، اسْتَنْفَقَ بِهَا صَاحِبُهَا، وَكَانَتْ وَدِيعَةً عِنْدَهُ. قَالَ يَحْيَى: فَهَذَا الَّذِي لاَ أَدْرِي أَفِي حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - هُوَ، أَمْ شَيْءٌ مِنْ عِنْدِهِ؟ -ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ تَرَى فِي ضَالَّةِ الْغَنَمِ؟ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "خُذْهَا، فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ، أَوْ لأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ". قَالَ يَزِيدُ: وَهْيَ تُعَرَّفُ أَيْضاً. ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ تَرَى فِي ضَالَّةِ الإبِلِ؟ قَالَ: فَقَالَ: "دَعْهَا؛ فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا، تَرِدُ الْمَاءَ، وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا". (سُئل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن اللُّقَطة): هو (¬1) بتحريك القاف بإجماع الرواة في هذا الحديث، كذا قال الأزهري. قال: وهو على غير قياس اللغة فإنها بالإسكان: اسمٌ لما يُلتقط (¬2)، و-بالفتح- للملتقِط، فالفُعْلَةُ للمفعول؛ كالضُّحْكَة، والفُعَلَة للفاعل؛ كالضُّحَكَة، والتحريكُ للمفعول نادرٌ. قلت: حكى مغلطاي عن "الجامع": أن اللقطَة: ما التقطه الإنسان بحركة، قال: وعن الأصمعي، وابن الأعرابي، والفراء: بفتح القاف: اسمُ المال (¬3). ¬

_ (¬1) "هو" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "يلقط". (¬3) وانظر: "التوضيح" (15/ 509 - 510).

باب: إذا وجد تمرة في الطريق

باب: إِذَا وَجَدَ تمرةً في الطَّريقِ 1365 - (2431) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِتَمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ، قَالَ: "لَوْلاَ أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ، لأَكَلْتُهَا". (لولا أن (¬1) (¬2) أخاف أن تكون من الصدقة، لأكلتها): في (¬3) هذا دليل على أنه لا يُتعبد (¬4) في العقود بالألفاظ (¬5) الخاصة؛ بدليلِ تملُّكِ التمرةِ الساقطة، مع علمِنا بأن صاحبها لم يتلفظ (¬6) فيها بتمليك الواجد. وقيل: وفيه (¬7) دليل على تنزيل (¬8) الأمور الحكمية منزلةَ الحقيقية؛ فإنا نزلنا يأسَ صاحبها منها منزلةَ رضاه بأن تُؤخذ، وهذا أمر حكمي، لا رِضاً حقيقي، ثم هذا النوع من الملك (¬9) من أتم أنواع الأملاك، ولهذا توخى المتورعون أكلَ (¬10) الملتقطات، والالتقاطَ خلفَ الحَصَّادين، ويرون ذلك ¬

_ (¬1) "أن" ليست في "ع". (¬2) نص البخاري: "أَنِّي". (¬3) "في" ليست في "ع" و"ج". (¬4) في "ع": "ينعقد". (¬5) "بالألفاظ" ليست في "ع". (¬6) في "ع": "يلتقط". (¬7) "وفيه" ليست في "ع" و"ج". (¬8) في "ع": "أن تنزيل". (¬9) "من الملك" ليست في "ع". (¬10) في "ع" و"ج": "عن أكل".

باب: كيف تعرف لقطة أهل مكة

من أطيب المباحات، وإنما يكمل (¬1) طيبه بقوة الملك فيه، مع عدم اللفظ الناقل لملك الأول. قال ابن المنير: وانظرْ لو أقام صاحبُ هذا الشيءِ اليسيرِ البينةَ عليه مع يسارته (¬2)؛ كالتمرة ونحوها، والظاهر أنه أحق بها حينئذ. * * * باب: كَيْفَ تُعَرَّفُ لُقَطَةُ أَهْلِ مَكَّةَ 1366 - (2433) - وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ سَعِدٍ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ يُعْضَدُ عِضَاهُهَا، وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلاَ تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إِلاَّ لِمُنْشِدٍ، وَلاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا". فَقَالَ عَبَّاسٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِلاَّ الإِذْخِرَ، فَقَالَ: "إِلاَّ الإِذْخِرَ". (باب: كيف تُعَرَّفُ لُقَطَةُ مكة). (إلا لمنشِدٍ): أي: مُعَرِّفٍ (¬3)؛ بدليل الحديث قبله: "إِلاَّ لمعرِّفٍ"، يقال: نَشَدْتُ (¬4) الضَّالَّةَ، فأنا ناشِدٌ: إذا طلبتُها، وأَنْشَدْتُها، فأنا مُنْشِدٌ: إذا عَرَّفْتُها (¬5). ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "يملك". (¬2) في "ع" و"ج": "يساره". (¬3) في "ع": "معرب". (¬4) في "ع" و"ج": "أنشدت". (¬5) انظر: "الصحاح" (2/ 543)، (مادة: نشد).

ومذهبُ مالك -رحمه الله-: أن حكمَ لقطة [مكة حكمُ لقطةِ سائرِ البلاد. وقال الشافعي -رحمه الله-: هي بخلاف غيرها، لا تُملك لقطتها] (¬1) أبداً، وإنما يلتقطها من يعرفها، وإليه ذهب الباجي، وابن العربي من أصحابنا؛ تمسكاً بهذا الحديث. قال شيخنا ابن عرفة: والانفصال عن (¬2) التمسك به على قاعدة مالك في تقديمه العملَ على الحديث الصحيح حسبما ذكره ابن يونس في كتاب "الأقضية"، ودل (¬3) عليه استقراءُ المذهب واضح. وقال ابن المنير: ووجْهُ (¬4) مذهب مالك التمسكُ بظاهر الاستثناء؛ لأنه نفى الحل، واستثنى المنشِد، والاستثناءُ من النفي إثبات، فيكون الحلُّ ثابتاً للمُنْشِد؛ أي: المعرَّف (¬5)، يريد: بعد قيامه بوظيفة التعريف، وإنما يريد على هذا: أن مكةَ وغيرَها بهذا الاعتبار في تحريم اللقطة قبلَ التعريف، وتحليلها بعدَ التعريف واحدٌ، والسياقُ يقتضي اختصاصَها عن غيرها. والجواب: أن الذي أشكلَ على غير مالك إنما هو (¬6) تعطيلُ المفهوم؛ إذ مفهومُ اختصاص مكةَ بحلِّ اللقطةِ بعدَ التعريف، وتحريمِها قبلَه: أن غيرَ ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬2) في "ج": "على". (¬3) في "ع": "ودليل". (¬4) في "ع" و"ج": "وجه". (¬5) في "ج": "العرف". (¬6) "هو" ليست في "ع".

مكة ليسَ لذلك (¬1)، بل تحلُّ لقطتُه مطلقاً، أو (¬2) تحرم مطلقاً، وهذا لا قائل به، فإذا آل الأمرُ إلى هذا، فالخطبُ يسير، وذلك أنا اتفقنا على (¬3) أن التخصيص إذا خرج مخرجَ الغالب، فلا مفهومَ له، وكذلك نقول هنا: الغالبُ أن لقطةَ مكة ييأس ملتقطها من صاحبها؛ لتفرُّق الخلق عنها إلى الآفاق البعيدة، فربما داخلَه الطمعُ فيها من أول وهلة، فاستحلَّها قبلَ التعريف، فخصَّها الشارعُ بالنهي عن استحلالِ لقطتها (¬4) قبلَ التعريف؛ لاختصاصِها بما ذكرناه، فقد ظهرت للتخصيص فائدة سوى المفهوم، فسقط الاحتجاجُ به، وانتظم الاختصاص حينئذ، وتناسب السياق، ذلك أن المأيوس من معرفة صاحبه لا يُعَرَّف؛ كالموجود بالسواحل، لكن مكة تختص بان تُعَرَّفَ لقطتُها. وقد نص بعضهم على أن لُقَطَة العسكر ببلد الحرب إذا تفرق العسكر لا تعرَّف سنة؛ لأنها إما لكافر، فهي مباحة، وإما لأهل العسكر، فلا معنى لتعريفها في غيرهم، فظهر حينئذ اختصاصُ مكة بالتعريف، وإن تفرقَ أهلُ الموسم، مع أن الغالبَ كونُها لهم، وأنهم لا يرجعون لأجلها، فكأنه -عليه السلام- قال: ولا تحل لقطتها إلا بعدَ الإنشاد والتعريفِ سنةً؛ بخلاف ما هو من جنسها؛ كمجتمعات العساكر، ونحوها؛ فإن تلك تحل بنفس افتراق العسكر، ويكون المذهب حينئذ أسعدَ بظاهرِ الحديث من ¬

_ (¬1) في "ج": "أن غير كذلك". (¬2) في "ج": "و". (¬3) "على" ليست في "ع" "و"ج ". (¬4) في "ج": "للقطتها".

مذهب المخالِف؛ لأنهم يحتاجون إلى تأويل اللام، وإخراجها عن التمليك، ويجعلون المراد: ولا تحلُّ لقطتُها إلا لمنشِد، فيحل له إنشاد، لا أخذُها، فيخالفون ظاهرَ اللام، وظاهرَ الاستثناء. ويحقق ما قلناه من أن (¬1) الغالبَ على مكةَ أن لقطتَها لا يعود لها صاحبُها، أننا لم نسمع أحداً ضاعت له تليفة بمكة، فرجع إليها ليطلبها، ولا بعث في ذلك، بل ييأس منها بنفس التفرق، والله أعلم. * * * 1367 - (2434) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِم، حَدَّثَنَا الأوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيىَ بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: لَمَّا فَتَحَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ، قَامَ فِي النَّاسِ، فَحَمِدَ اللهَ وَأثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ اللهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّهَا لاَ تَحِلُّ لأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي، وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَإنَّهَا لاَ تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي، فَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلاَ يُخْتَلَى شَوْكُهَا، وَلاَ تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلاَّ لِمُنْشِدٍ. وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ، فَهْوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُفْدَى، وَإِمَّا أَنْ يُقِيدَ". فَقَالَ الْعَبَّاسُ: إِلاَّ الإِذْخِرَ فَإِنَّا نَجْعَلُهُ لِقُبُورِناَ وَبُيُوتِنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِلاَّ الإذْخِرَ". فَقَامَ أَبُو شَاهٍ، -رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ-، فَقَالَ: اكْتُبُوا لِي يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اكْتُبُوا لأَبي شَاهٍ". ¬

_ (¬1) "أن" ليست في "ج".

قُلْتُ لِلأَوْزَاعِيِّ: مَا قَوْلُهُ: اكْتُبُوا لِي يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: هَذِهِ الْخُطْبَةِ الَّتِي سَمِعَهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. (حبس عن مكة الفيل): بالفاء والمثناة من تحت. ويروى: بقاف ومثناة من فوق، وقد مر في كتاب: العلم. (فقام أبو شاهٍ): -بهاء أصلية منونة-، وهو مصروف. قال القاضي: كذا ضبطه بعضُهم، وقرأته أنا معرفةً ونكرةً (¬1). قال (¬2) ابن الملقن: وعن ابن دحية: أنه بالتاء منصوباً (¬3). قلت: لا يُتصور نصبُه؛ لأنه مضاف إليه في مثل هذا العَلَم دائماً، وإنما مراده: أنه معربٌ (¬4) بالفتحة في حال الجر؛ لكونه غير منصرف، وذلك لأن القاعدة (¬5) في العَلَم ذي الإضافة اعتبارُ حال المضاف إليه بالنسبة إلى الصرف وعدمه، وامتناع دخول اللام ووجوبها، فيمتنع مثلُ هذا، و (¬6) مثلُ أبي هريرةَ من الصرف، ومن دخول الألف واللام، وينصرف مثل أبي بكر، ويجب اللام في مثل امرئ القيس، ويجوز في مثل (¬7) ابن العباس. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 542). (¬2) في "ع": "فقال". (¬3) انظر: "التوضيح" (15/ 542). (¬4) في "ج": "معروف". (¬5) في "ج": "العادة". (¬6) في "ع": "أو". (¬7) "مثل" ليست في "ع".

باب: لا تحتلب ماشية أحد بغير إذنه

باب: لا تُحْتَلَبُ مَاشِيَةُ أَحَدٍ بغيرِ إِذْنِهِ 1368 - (2435) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ يَحْلُبَنَّ أَحَد مَاشِيَةَ امْرِئٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرُبَتُهُ، فَتُكْسَرَ خِزَانَتُهُ، فَيُنْتَقَلَ طَعَامُه؟ فإنَّمَا تَخْزُنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ أَطْعِمَاتِهِمْ، فَلاَ يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيةَ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِهِ". (أن تؤتى مَشْرُبته، فتكسرَ خزانتُه): المشربة: -بضم الراء وفتحها-: الغرفة. شبه النبي - صلى الله عليه وسلم - ضروعَ المواشي في ضبطها الألبانَ على أربابها بالخزانة التي تحفظ ما أُودعت من متاع ونحوه. * * * باب: هَلْ يَأْخُذُ اللُّقَطَةَ ولا يَدَعُها تَضِيعُ حتَّى لا يأْخُذَهَا مَنْ لا يَسْتَحِقُّ 1369 - (2437) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سُوَيْدَ بْنَ غَفَلَةَ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ سَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَزَيْدِ بْنِ صُوحَانَ فِي غزَاةٍ، فَوَجَدْتُ سَوْطاً، فَقَالَ لِي: أَلْقِهِ، قُلْتُ: لاَ، وَلَكِنْ إِنْ وَجَدْتُ صَاحِبَهُ، وَإِلاَّ اسْتَمْتَعْتُ بِهِ، فَلَمَّا رَجَعْنَا، حَجَجْنَا، فَمَرَرْتُ بِالْمَدِينَةِ، فَسَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، فَقَالَ: وَجَدْتُ صُرَّةً عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِيهَا مِائَةُ دِينَارٍ، فَأَتَيْتُ بِهَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "عَرِّفْهَا حَوْلاً". فَعَرَّفْتُهَا حَوْلاً، ثُمَّ أَتَيْتُ، فَقَالَ: "عَرِّفْهَا حَوْلاً"، فَعَرَّفْتُهَا حَوْلاً، ثُمَّ أَتَيْتُهُ، فَقَالَ: "عَرِّفْهَا حَوْلاً"، فَعَرَّفْتُهَا حَوْلاً، ثُمَّ أَتَيْتُهُ

باب

الرَّابِعَةَ فَقَالَ: "اعْرِفْ عِدَّتَهَا، وَوِكَاءَهَا، وَوِعَاءَهَا، فإنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإِلاَّ اسْتَمْتِعْ بِهَا". (وزيد بن صُوحان): بصاد مهملة مضمومة وحاء مهملة. * * * باب 1370 - (2439) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَناَ النَّضْرُ، أَخْبَرَناَ إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَيي الْبَرَاءُ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: انْطَلَقْتُ، فَإِذَا أَناَ بِرَاعِي غَنَمٍ يَسُوقُ غَنَمَهُ، فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَسَمَّاهُ فَعَرَفْتُهُ، فَقُلْتُ: هَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقُلْتُ: هَلْ أَنْتَ حَالِبٌ لِي؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرْتُهُ، فَاعْتَقَلَ شَاةً مِنْ غنَمِهِ، ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ ضَرْعَهَا مِنَ الْغُبَارِ، ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ كَفَّيْهِ، فَقَالَ هَكَذَا، -ضَرَبَ إِحْدَى كفَّيْهِ بِالأُخْرى،- فَحَلَبَ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، وَقَدْ جَعَلْتُ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِدَاوَةً، عَلَى فَمِهَا خِرْقَةٌ، فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ، حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، فَانْتُهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللهِ، فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ. (فاعتقلَ شاةً): أي: حبسها، واعتقالُ الشاة (¬1): أن يضع رجله بين فخذي الشاة ويحلبها. ¬

_ (¬1) "الشاة" ليست في "ع" و"ج".

(حلب (¬1) كُثْبة): -بضم الكاف وإسكان المثلثة وبموحدة فهاء تأنيث-؛ أي: شيء (¬2) قليل. وقال يعقوب (¬3): الكثبةُ: قدرُ حَلْبَةٍ، وكذا في "الصحاح". وزاد عن أبي زيد: "مَلْءُ القدح"، فهو كالسوط التي اغتفر التقاطه من اللبن (¬4)، وأدخل (¬5) البخاري هذا الحديث في أبواب اللقطة؛ لأن اللبن إذ ذاك في حكم الضائغ المستهلَك، فهو كالسوط التي اغتُفر التقاطُه، وأعلى حاله أن يكون كالشاة، وقد قال فيها: "هي لكَ، أو لأخيكَ، أو للذئب"، كذا هذا اللبن إن يحلب، ضاع. كذا في الزركشي (¬6)، وهو مأخوذ من ابن المنير، وجرى على عادته في عدم نسبة ما يستحسنه إلى قائله. قلت: قد يُمنع ضياعُه مع وجود الراعي الموكَّلِ بحفظه، وبهذا يقدح في تشبيهه (¬7) بالشاة؛ لأنها بمحل مضيعة (¬8) بالفرض؛ بخلاف هذا اللبن، قال: وهذا أولى من قول من تأوله (¬9) على أنه مال حربي؛ إذ العناية لم تكن أحلت بعد. ¬

_ (¬1) في "ع": "ويحلبها حلب". (¬2) "شيء" ليست في "ج". (¬3) في "ع": "بعضهم". (¬4) انظر: "الصحاح" (1/ 209)، (مادة: كثب). (¬5) في "م": "وأخل". (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 542). (¬7) في "ع": "تشبهه". (¬8) في "ع": "مصنعه". (¬9) في "ع": "تأويله".

وقيل: كانت لصديق للصدِّيق، ولهذا قال: فسماه فعرفتُه. قلت: الاستدلال بمجرد معرفته على الصداقة غيرُ متأتٍّ. وقيل: أراد بقوله: هل في غنمك من لبن: هل أذنَ لك في بذله؟ وقيل: كان ذلك مستفيضاً في العرب، لا يرون بذلك (¬1) بأساً مطلقاً، أو (¬2) في حق محتاج، أو يبيحون ذلك لرعاتهم (¬3). * * * ¬

_ (¬1) "بذلك" ليست في "ع" و"ج". (¬2) في "ج": "و". (¬3) في "ج": "لرعايتهم".

كتاب المظالم

كِتابُ المَظَالم

باب: قصاص المظالم

(كتاب: المظالِم): جمع مَظْلَمَة -بكسر اللام وفتحها-، حكاه الجوهري وغيره (¬1)، ولم يذكر ابن سيده غيرَ الكسر (¬2). وقال ابن القوطية (¬3): لا تقوله العرب بالفتح، إنما هو بالكسر (¬4). باب: قِصَاصِ المَظَالِمِ 1371 - (2440) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَناَ مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "إِذَا خَلَصَ المُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ، حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْن الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا نُقُّوا وَهُذِّبُوا، أُذِنَ لَهُمْ بِدخُولِ الْجَنَّةِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ! لأَحَدُهُمْ بِمَسْكَنِهِ فِي الْجَنَّةِ أَدَلُّ بِمَنْزِلهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا". ¬

_ (¬1) انظر: "الصحاح" (5/ 1977)، (مادة: ظلم). (¬2) انظر: "المحكم" (10/ 24)، (مادة: ظلم). (¬3) في "ع": "القواطية". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 544).

(إذا خَلَصَ المؤمنون من النار): أي: نَجَوْا منها. (حُبسوا بقَنْطرة): هي كل شيء يُنْصَب على نهر، أو واد، أو غيره، ويحتمل أن يكون طرف الصراط. قاله الداودي. وقال الهروي: سمي البناء قنطرة (¬1)؛ لتكاثف بعضه على بعض، والقناطر عند العرب: المال الكثير (¬2). (فبتقاصون مظالم كانت بينهم): قال السفاقسي: أي: يتتاركون؛ لأنه ليسَ موضعَ مقاصَّة ولا محاسبة؛ لأنهم خلصوا (¬3) من النار، لكن يلقي الله تعالى [في قلوبهم العفوَ لبعضهم عن بعض، فيتتاركون، أو يعوض الله تعالى] (¬4) بعضهم عن (¬5) بعض. (حتى إذا نُقُّوا): -بالبناء للمفعول- من التنقية؛ بمعنى: التخليص والتميز (¬6). (وهُذِّبوا): بالذال المعجمة، مبني أيضاً للمفعول؛ أي: خُلِّصوا (¬7) من العيوب. ¬

_ (¬1) في "م": "قنطر". (¬2) انظر: "التوضيح" (15/ 569). (¬3) في "ع": "حصلوا". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬5) في "ع" و"ج": "على". (¬6) في "ج": "التمييز". (¬7) في "ع": "أخلصوا".

باب: قول الله تعالى: {ألا لعنة الله على الظالمين} [هود: 18]

باب: قول الله تعالى: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18] 1372 - (2441) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ، حَدَثَنَا هَمَّامٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي قَتَادَةُ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ الْمَازِنِيِّ، قَالَ: بَيْنَمَا أَناَ أَمْشِي مَعَ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- آخِدٌ بِيَدِهِ، إِذْ عَرَضَ رَجُلٌ فَقَالَ: كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي النَّجْوَى؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ اللهَ يُذنِي الْمُؤْمِنَ، فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ، فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيقُولُ: نَعَمْ أَيْ رَبِّ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوِيهِ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ، قَالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَناَ أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ. وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ، فَيَقُولُ الأَشهَادُ: {هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18]. (عن صَفْوانَ بنِ مُحْرِزٍ): -بحاء مهملة فراء- على صيغة اسم فاعل، من أَحْرَزَ. (بينا أنا أمشي مع ابنِ عمرَ آخذٌ): أي: أنا آخذٌ (¬1)، والجملة حال. (فيضع عليه كنَفه): -بنون مفتوحة-؛ أي: سِتْرَهُ فلا يكشفُه على رؤوس الأشهاد؛ بدليل سياق الحديث. وقيل: عفوه ومعرفته. قال القاضي: وصحفه بعضهم تصحيفاً قبيحاً، فقاله بالتاء (¬2). ¬

_ (¬1) في "م" قلادة: "أو أنا آخذ". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 343). وانظر: "التنقيح" (2/ 543).

باب: لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه

باب: لا يَظْلِمُ المُسْلِمُ المُسْلِمَ ولاَ يُسْلِمُهُ 1373 - (2442) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ سَالِماً أخبَرَهُ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِم، لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ، كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً، سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". (ولا يُسْلِمُه): مضارع أَسْلَمَ، يقال: أسلمَ فلانٌ فلاناً: إذا أَلقاه إلى الهلكة، ولم يحمِه من عدوه، وهو عامٌّ في كل من أسلمتَه إلى شيء، لكن غلبَ عليه في (¬1) الاستعمال أنه إنما يطلق على الإلقاء في الهلكة (¬2). وفيه تعريضٌ بصحة القول بأن التركَ كالفعل في باب الضمان؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سَوَّى بين الظلم، وبينَ تركِ النُّصرة، فدلَّ على أن الترتيبَ على ترك النصر كالمترتب (¬3) على فعل الظلم، وتحت هذا الأصل فروعٌ معروفة. * * * باب: مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ عِنْدَ الرَّجُلِ، فَحَلَّلَهَا لَهُ، هَلْ يُبَيِّنُ مَظْلَمَتَهُ؟ 1374 - (2449) - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبي ذِئْبٍ، ¬

_ (¬1) "في" ليست في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 544). (¬3) في "ج": "كالمرتب".

حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأَحَدٍ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ، أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ، أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ، فَحُمِلَ عَلَيْهِ". (باب: من كانت له مظلمة عند الرجل، فحللها له، هل يبين مظلمته؟). (إن كان له عمل صالح، أُخذ منه بقدر مظلمته): قال المهلب: اختلف فيمن كانت بينه (¬1) وبين آخر معاملة، فحلله، فقيل: ذلك براءة (¬2) له في الدارين، وإن لم يبين قدره، وقيل: لابد من العلم بقدره، وإلا، فلا تصح البراءة. قال: والحديث حجة لهذا القول؛ لأن (¬3) قوله -عليه الصلاة والسلام-: "أُخذ منه بقدر مظلمته" يدل على أنه يجب أن يكون معلومَ القدر، ووهَّمه (¬4) ابن المنير؛ لأن التقدير ذُكر حيث يقتص المظلوم من الظالم، فيأخذ بقدر حقه، وهذا متفق عليه؛ إذ لا يتجاوز المظلوم قدرَ حقه أصلاً، وإنما الكلام إذا أسقط الحق، هل يشترط معرفته بقدره، أو لا؟ ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "له بينه". (¬2) في "ع": "دائر". (¬3) في "ج": "لأنه". (¬4) في "ج": "ووهم".

باب: إذا حلله من ظلمه، فلا رجوع فيه

والحديث يدل على عدم الاشتراط؛ لأنه أطلق التحلل من غير تعرض إلى معرفة القدر، وهو أصل مالك -رحمه الله- في صحة هبة المجهول؛ خلافاً لغيره. * * * باب: إِذَا حَلَّلَهُ مِنْ ظُلْمِهِ، فَلاَ رُجُوعَ فِيهِ (باب: إذا حلله من مظلمة (¬1)، فلا رجوع فيه): ساق في هذه الترجمة قول عائشة -رضي الله عنها- في هذه الآية: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} [النساء: 128]. قال الزركشي: استُشكل تطبيقُ (¬2) الترجمة على الحديث؛ فإنها تتناول إسقاط الحق من المظلمة الواقعة، والآية مضمونُها إسقاطُ الحقِّ المستقبَل حتى لا يكون عدمُ الوفاء به (¬3) مظلمة؛ لسقوطه. وأجيب: بأن مراد البخاري: أنه إذا نفذ الإسقاط في الحق المتوقَّع، فلأنْ ينفذَ في الحق المحقَّق أولى (¬4). قلت: السؤال والجواب كلاهما لابن المنير رحمه الله. * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "ظلمه". (¬2) في "ع" و"ج": "تطابق". (¬3) في "ع": "الوقاية". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 545).

باب: إذا أذن له أو أحله، ولم يبين كم هو

باب: إِذَا أَذِنَ لَهُ أو أَحَلَّهُ، ولَمْ يُبَيِّنْ كَمْ هُوَ 1375 - (2451) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِشَرابٍ، فَشَرِبَ مِنْهُ، وَعَنْ يَمِيِنهِ غُلاَمٌ، وَعَنْ يَسَارِهِ الأَشْياَخُ، فَقَالَ لِلْغُلاَمِ: "أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلاَءِ؟ "، فَقَالَ الْغُلاَمُ: لاَ وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، لاَ أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَداً. قَالَ: فَتَلَّهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي يَدِهِ. (فتلَّه): أي: دفعَه. * * * باب: إثمِ مَنْ ظَلَمَ شيئاً مِنَ الأَرْضِ 1376 - (2452) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي طَلْحَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَمْرِو بْنِ سَهْلٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ ظَلَمَ مِنَ الأَرْضِ شَيْئاً، طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ". (طوقهن (¬1) بِسبعِ (¬2) أرَضين): -بفتح الراء-، و (¬3) هذا هو المشهور عند اللغويين، وحكى الجوهري إسكانها (¬4)، وفي معناه وجهان: ¬

_ (¬1) في "ج": "طوقه من". (¬2) نص الحديث: "طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ". (¬3) الواو ليست في "ع". (¬4) انظر: "الصحاح" (3/ 1063)، (مادة: أرض).

أحدهما: أن يكلَّف (¬1) نقلَ ما ظلم منها في القيامة إلى المحشر، فيكون كالطوق في عنقه. الثاني: أن يُعاقب بالخسف إلى سبع (¬2) أرضين. قال ابن المنير: وفيه دليل على أن الحكم إذا تعلق بظاهر الأرض، تعلَّقَ بباطنها إلى التخوم (¬3)، ولهذا تقول: من ملكَ ظاهرَ الأرض، ملكَ باطنَها من حجارة وأبنية ومعادن وكنزٍ (¬4) في بعض الأرضين (¬5)، ومن حَبَّسَ أرضاً مسجداً أو غيره، يتعلق التحبيس بباطنه، حتى لو أراد إمامُ المسجد أن يحتفر تحت أرض المسجد، ويبني مطامير تكون أبوابها إلى جانب المسجد تحت مصطبة له، أو نحوها، أو جعل المطامير حوانيتَ ومخازنَ، لم يكن له ذلك؛ لأن باطن الأرض تعلَّق (¬6) بها الحبسُ كظاهرها (¬7)، فكما لا يجوز اتخاذُ قطعة من المسجد حانوتاً، كذلك لا يجوز ذلك (¬8) في باطنه. * * * 1377 - (2453) - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا ¬

_ (¬1) في "ع": "تكف". (¬2) "سبع" ليست في "ع". (¬3) في "ع" و"ج": "النجوم". (¬4) في "ع": "وكثر"، وفي "ج": "كثير". (¬5) في "ع" و"ج": "الأرض". (¬6) في "ع": "معلق". (¬7) "كظاهرها" ليست في "ع". (¬8)) "ذلك" ليست في "ع".

باب: إذا أذن إنسان لآخر شيئا جاز

حُسَيْنٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ كانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُناَسٍ خُصُومَةٌ، فَذَكَرَ لِعَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، فَقَالَتْ: يَا أَبَا سَلَمَةَ! اجْتَنِبِ الأَرْضَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنَ الأَرْضِ، طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ". (قِيدَ شبرٍ): -بكسر القاف-؛ أي: قَدْرَ. * * * باب: إِذَا أَذِنَ إِنْسَانٌ لآخَرَ شيئاً جَازَ 1378 - (2455) - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ جَبَلَةَ: كُنَّا بِالْمَدِينَةِ فِي بَعْضِ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَأَصَابَنَا سَنَةٌ، فَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَرْزُقُنَا التَّمْرَ، فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- يَمُرُّ بِنَا، فَيَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الإِقْرَانِ، إِلاَّ أَنْ يَسْتَأذِنَ الرَّجُلُ مِنْكُمْ أَخَاهُ. (نهى عن الإقران): كذا ثبت عند أكثر الرواة، قال الزركشي: وصوابه: القِرانُ، وسبق في الحج (¬1). * * * باب: إِثْمِ مَنْ خَاصَمَ في بَاطِلٍ وهُوَ يَعْلَمُهُ 1379 - (2458) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 545).

زَيْنَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ أُمَّهَا أُمَّ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- زَوْجَ النَبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرَتْهَا، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ سَمِعَ خُصُومَةً بِباب حُجْرَتهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: "إِنَّمَا أَناَ بَشَرٌ، وَإِنَّهُ يَأْتِينِي الْخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَدَقَ، فَأقْضِيَ لَهُ بِذَلِكَ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ، فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ، فَلْيَأْخُذْهَا، أَوْ فَلْيَتْرُكْهَا". (إنما أنا بشر): من باب قصر الإفراد؛ إخراجاً للكلام لا على مقتضى الظاهر تنزيل (¬1) استعظامهم؛ لعدم اطلاعه على بواطن الأمور؛ من حيث هو رسول يوحى إليه بالمغيبات عن الخلق بمنزلة إنكارهم لذلك، حتى كأنهم اعتقدوا فيه وصف البشرية، والاطلاع على البواطن، فقصر (¬2) على البشرية؛ نفياً للاطلاع على بواطن الأمور. (فلعل بعضَكم أن يكون أبلغَ من بعض): فيه اقترانُ خبر "لعل" التي اسمها جُثَّةُ بـ "أن" المصدرية، وقد تقدم التنبيهُ عليه مرات. وسأل ابن المنير: كيف يتوصل الفصيح الخصم إلى الباطل، مع سلامة القاضي من (¬3) الإثم، مع أن القاضي مدفوعٌ إلى النظر في المعاني، [وردِّ الفروع إلى الأصول، والحكمِ في الوقائع بالاجتهاد، والمعاني] (¬4) لا تختلف باختلاف الألفاظ فصاحةً ولُكْنَةً؟ ¬

_ (¬1) في "ع": "تنزل". (¬2) في "ع": "فقضى". (¬3) في "ع": "مع". (¬4) ما بين معكوفتين ليست في "ع".

باب: قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه

وأجاب: بأن ذلك إنما ينتظم بأن يكون أحدُ الخصمين يحسن التعبير عما هو حجة، ويكون الآخر قاصرَ الفهم عما يُدْلي به، وقد اختلفت (¬1) الأجوبة عما يسوغُ للقاضي أن يعلمه أحد الخصمين إذا فهم عنه (¬2) القصورَ عن الأداء، والضابطُ: أنه لا (¬3) يُعينه على باطل، ولا يُمسك عن (¬4) إعانته على التعبير عما يفهم أنه فيه مُحِق. (فمن قضيتُ له بحقِّ مسلم، فإنما هي قطعةٌ من النار): هذا دليل لمن يرى أن القضاء لا يَنفذُ (¬5) في الباطن إذا كان مخالفاً للظاهر، والمخالفُ يشمله في الأموال، ولا شك أن الفروج كذلك من باب الأولى (¬6). * * * باب: قِصَاصِ الْمَظْلُومِ إِذَا وَجَدَ مَالَ ظَالِمِهِ (باب: قصاص المظلوم إذا وجد مالَ ظالمه): اختلف المالكيون فيه على أقوال، المفتى به منها: أنه يأخذ قدرَ شيئه إن أَمِنَ من فتنة، أو نسبة إلى رذيلة (¬7)، هذا في الأموال، وأما العقوبات البدنية، فلا يقتص فيها ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "اختلف". (¬2) في "ع": "عند". (¬3) في "ع": "إلا". (¬4) في "ع": "على". (¬5) في "ع": "يبعد". (¬6) في "ع" و"ج": "أولى". (¬7) في "ع": "رد بدله".

لنفسه، وإن أمكنه؛ لكثرة الغوائل. * * * 1380 - (2460) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ: أَنَّ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: جَاءَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ ابْنِ رَبِيعَةَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ، فَهَلْ عَلَيَّ حَرَجٌ أَنْ أُطْعِمَ مِنَ الَّذِي لَهُ عِيَالَنَا؟ فَقَالَ: "لاَ حَرَجَ عَلَيْكِ أَنْ تُطْعِمِيهِمْ بِالْمَعْرُوفِ". (إن أبا سفيان رجل مِسِّيك): بكسر الميم وتشديد السين. قال القاضي: كذا ضبطه أكثرُهم؛ للمبالغة في البخل، كشرِّيب، وفي (¬1) رواية المتقنين وأهل العربية: "مَسِيك" -بفتح الميم وتخفيف السين-، وبالوجهين قيده بعضُهم، وكذا ذكره أهل اللغة (¬2). * * * 1381 - (2461) - حَدَّثَثَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: قُلْنَا لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّكَ تَبْعَثُنَا، فَنَنْزِلُ بِقَوْمٍ لاَ يَقْرُوناَ، فَمَا تَرَى فِيهِ؟ فَقَالَ لَنَا: "إِنْ نزَلْتُمْ بِقَوْمٍ، فَأُمِرَ لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ، فَاقْبَلُوا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا، فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ". ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "في". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 387). وانظر: "التنقيح" (2/ 546).

باب: ما جاء في السقائف

(لا يَقرونا): -بفتح أوله-؛ من القرى، وروي: "يَقْروننَا"، بنونين (¬1). * * * باب: مَا جَاءَ فِي السَّقَائِفِ (باب: ما جاء في السقائف): أراد التنبيه على جواز اتخاذها، وصورتها: أن صاحب جانبي الطريق يجوز أن يبني سقفاً على الطريق تمر المارةُ تحته، ولا يقال: إنه تصرف في هواء الطريق، وهو تابع لها يستحقه المسلمون؛ لأن الحديث على جواز اتخاذها، ولولا ذلك، لما أقرها النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا جلس تحتها. 1382 - (2462) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ. وَأَخْبَرَنِي يُونُسٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم-، قَالَ: حِينَ تَوَفَّى اللهُ نَبِيَّهُ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ الأَنْصَارَ اجْتَمَعُوا فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَقُلْتُ لأَبِي بَكْرٍ: انْطَلِقْ بِنَا، فَجِئْنَاهُمْ فِي سَقِيفَةِ بِنَي سَاعِدَةَ. (في سقيفة بني ساعدةَ): نُسبت (¬2) إليهم؛ لأنهم كانوا يجتمعون فيها، أو (¬3) لأنهم بنوها. * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "بنونين تنوين". (¬2) في "ع": "نسب". (¬3) في "ع": "و".

باب: لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبه في جداره

باب: لاَ يَمْنَعُ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ (أن يغرز خشبة): روي بالإفراد، وبالجمع، وقال عبد الغني بن سعيد (¬1): كل الناس يقولونه بالجمع، إلا الطحاوي (¬2). وهذا عند المالكية أمر مندوب إليه، وتجوز المعاوضة فيه، فإن أخذ عوضاً على (¬3) الإذن، وقيده بمدة معينة، فتلك إجارة، فإن انهدم الحائط، انفسخت فيما بقي، ورجع المستأجر من الأجرة بحسابها، وإن أطلق الإذن، تأبَّد بيعاً، وكان الحائط مضموناً على صاحبه، فإن انهدم، ألزم بعمارته؛ ليحمل الآخر (¬4) عليه خشبه؛ كالعلو والسُّفْل. 1383 - (2463) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ يَمْنعُ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ". ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَالِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ؟! وَاللهِ لأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ. (بين أكتافكم): -بالمثناة من فوق-؛ أي: بينكم. وروي في "الموطأ" بالنون؛ جمع كَنَف -بفتح النون-، وهو الجانب (¬5). * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "سعد". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 546). (¬3) في "ع" و"ج": "عن". (¬4) في "ع": "ليحل الأجر". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 547).

باب: صب الخمر في الطريق

باب: صَبِّ الْخَمْرِ فِي الطَّرِيقِ (باب: صَبِّ الخمرِ في الطَّريق (¬1)): قال المهلب: إنما جاز ذلك؛ لإظهار نبذِها، وشياع اطِّراحِها، ولولا ذلك، لم يحسن صبُّها في الطريق؛ لأنها قد تؤذي الناسَ في ثيابهم، ونحن نمنعُ من إراقة الماء في الطريق من أجل أذى الناس في ممشاهم، فكيف الخمرُ؟ قال ابن المنير: إنما أراد البخاري التنبيهَ على جواز مثل هذا في الطريق للحاجة، فعلى هذا يجوز تفريغُ الصهاريجِ ونحوِها في الطرقات، ولا يُعد ذلك ضرراً، ولا يضمن فاعلُه ما ينشأ عنه من زَلَقٍ ونحوه. وترجم ابن أبي زيد في "النوادر" على من حفر بئراً حيث يجوز له، أو وَقَّفَ (¬2) دابةً هنالك (¬3)، أو رَشَّ فِناءه (¬4)، فذكر سقوطَ الضمان في الصور كلها، ولم يذكر مسألة رَشِّ الماء، وكذلك عادتُه، يترجم على المسائل المتماثلة في اعتقاده، ويطلب الفروعَ في النقل، فقد لا يجد الفرعَ منقولاً، فيبقي الترجمة ولا فرعَ لها، وقد نقله غيرُه على إسقاط الضمان، وإياه أراد البخاري. قلت: حكى السفاقسي عن سحنون: أنه منع أن يُصَبَّ ماءُ بئرٍ وقعتْ فيه فأرةٌ في الطريق (¬5). ¬

_ (¬1) في "م": "الطرق". (¬2) في "ع": "ووقف". (¬3) في "ع": "هناك". (¬4) في "ع": "ماءه". (¬5) "في الطريق" ليست في "ع" و"ج".

1384 - (2464) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَبُو يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: كنْتُ سَاقِيَ الْقَوْمِ فِي مَنْزِلِ أَبِي طَلْحَةَ، وَكَانَ خَمْرُهُمْ يَوْمَئِذٍ الْفَضِيخَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُنَادِياً يُنَادِي: "أَلاَ إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ". قَالَ: فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: اخْرُجْ فَأَهْرِقْهَا، فَخَرَجْتُ فَهَرَقْتُهَا، فَجَرَتْ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: قَدْ قُتِلَ قَوْمٌ وَهْيَ فِي بُطُونِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93]. (كنت ساقيَ القوم في منزل أبي طلحة): جاء ذكرُ القوم في روايتين (¬1) ستأتيان؛ في إحداهما: "كنت أسقي أبا عُبيدةَ، وأبا طلحةَ، وأبيَّ بن (¬2) كَعْبٍ" (¬3)، وفي الأخرى: "أبا دُجانةَ، وسهيلَ بنَ بَيْضاءَ" (¬4)، وفي مسلم: "ومُعاذَ بْنَ جَبَلٍ" (¬5). (فجرت في سِكك المدينة): جمع سِكَّة -بكسر السين في المفرد والجمع-، والمراد: طرقها وأَزِقَّتُها. ذكرت هنا ما وقع بثغر الإسكندرية (¬6) من تغيير سِكَّة الفلوس وتبديلها مراراً، فحدث في المعاملات من الضرر ما آثارُه باقية إلى هذا الوقت، ¬

_ (¬1) في "ج": "رأيين". (¬2)) "بن" ليست في "م". (¬3) رواه البخاري (5582). (¬4) رواه البخاري (5600). (¬5) رواه مسلم (1980). (¬6) في "ج": "إسكندرية".

باب: أفنية الدور والجلوس فيها، والجلوس على الصعدات

فقلت في ذلك مُوَرِّياً: تَغَيُّرُ السِّكَّةِ في ثَغْرِنَا ... أَلْحَقَ أَهْلِيهِ بِمَنْ قَدْ هَلَكْ أَسْبَابُهُمْ قَدْ وَقَفَتْ كُلُّهَا ... وَالحَالُ لا يَمْشِي بِتِلْكَ السِّكَكْ * * * باب: أَفْنِيَةِ الدُّورِ وَالْجُلُوسِ فِيهَا، وَالْجُلُوسِ عَلَى الصُّعُدَاتِ (باب: أفنيةِ الدور، والجلوسِ فيها (¬1)، والجلوس على الصُّعُدات): أفنيةُ الدور: الأمكنة (¬2) المتشعبة (¬3) أمامَها، جمعُ فِناء -بالكسر والمد-، والصُّعُدات: -بضم الصاد والعين المهملتين-: جمع صُعُد (¬4) -بضمهما- جمع صعيد؛ كطريق وطُرُق وطُرُقات؛ وَزْناً ومعنىً (¬5). 1385 - (2465) - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "إِيِّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ"، فَقَالُوا: مَا لَنَا بُدٌّ، إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا. قَالَ: "فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ ¬

_ (¬1) "والجلوس فيها" ليست في "ع". (¬2) في "ج": "الأمكنة". (¬3) في "ع": "المتسعة". (¬4) في "ع": "صعيد". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 457).

باب: الآبار التي على الطرق إذا لم يتأذ بها

الْمَجَالِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا"، قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: "غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَأَمرٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ". (إياكم والجلوسَ على الطرقات): لأن الجالسَ بها (¬1) لا يسلَم غالباً من رؤيةِ ما يكره، وسماعِ ما لا يحلُّ، إلى غير ذلك من المفاسد، لكنه -عليه الصلاة والسلام- فسحَ لهم في الجلوس بها حين قالوا: "ما لنا بدٌّ" على (¬2) شريطة أن يُعطوا الطريقَ حقَّها، وفسر لهم، فرجَّحَ أولاً (¬3) عدَم الجلوس على الجلوس، وإن كان فيه مصلحة؛ لأن القاعدة تقتضي تقديمَ دَرْءِ المفسدة على جانب المصلحة. * * * باب: الآبَارِ التي عَلَى الطُّرُقِ إِذَا لَمْ يُتَأَذَّ بِهَا (باب: الأَبْآر): -بهمزة ثم باء ساكنة وبعدها همزة ثم مدة قبل الراء- هذا هو الأصل في الجمع، ويجوز تقديم الهمزة على الباء (¬4)، ولم أقف على رواية عن (¬5) البخاري في ضبط ذلك. * * * ¬

_ (¬1) "بها" ليست في "ج". (¬2) في "ج": "من". (¬3) في "ع": "فرجح لهم أولاً". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 458). (¬5) "عن" ليست في "ع".

باب: إماطة الأذى

باب: إِمَاطَةِ الأَذَى وَقَالَ هَمَّامٌ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "تُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ". (تميطُ الأَذى عن الطريق صدقة): أي: تُنَحِّيه. قال السفاقسي: قال أبو عُبيد عن الكسائي: مِطْتُ عنه الأَذى، وأَمَطْتُ: نَحَّيْتُ (¬1)، وهذا التركيب على حدِّ قولهم: تسمع (¬2) بالمعيدي (¬3) خيرٌ من أن تراه، وإذا كانت الإماطة صدقةً وطاعة (¬4)، فإلقاءُ الأذى في الطريق [ضدُّ ذلك أَذِيَّةٌ وعُدوانٌ، ولهذا نقول: من ألقى في الطريق] (¬5) ما يُتأذى به، ضمن من تَأَذَّى به (¬6)، ولو سارقاً. * * * باب: الْغُرْفَةِ وَالْعُلِّيَّةِ الْمُشْرِفَةِ وَغَيْرِ الْمُشْرِفَةِ فِي السُّطُوحِ وَغَيْرِهَا (باب: الغُرفه والعِلِّيَّة): الغُرفة: بضم الغين المعجمة فقط، والعُلِّيَّة: بضم العين المهملة وكسرها مع كسر اللام والمثناة من تحت. ¬

_ (¬1) في "ع": "تنحيت". (¬2) "تسمع" ليست في "ع". (¬3) في "ع": "بالمعيد"، وفي "ج": "العيدي". (¬4) في "ع": "وطاعته". (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬6) "ضمن من تأذى به" ليست في "ع" و"ج".

1386 - (2467) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: أَشْرَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ قَالَ: "هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى؟ إِنِّي أَرَى مَوَاقِعَ الْفِتَنِ خِلاَلَ بُيُوتِكُم كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ". (على أُطُم): -بضمتين-؛ أي: حصون. (خِلالَ بيوتكم): -بكسر الخاء المعجمة-؛ أي: وَسَطَ بيوتكم. * * * 1387 - (2468) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: لَمْ أَزَلْ حَرِيصاً عَلَى أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ الْمَرْأَتَيْنِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، اللَّتَيْنِ قَالَ اللهُ لَهُمَا: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4]، فَحَجَجْتُ مَعَهُ، فَعَدَلَ وَعَدَلْتُ مَعَهُ بِالإِدَاوَةِ، فَتَبَرَّزَ، حَتَّى جَاءَ، فَسَكَبْتُ عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الإِدَاوَةِ، فَتَوَضَّأَ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! مَنِ الْمَرْأَتَانِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، اللَّتَانِ قَالَ لَهُمَا: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} [التحريم: 4]؟ فَقَالَ: وَاعَجَبِي لَكَ يَا بْنَ عَبَّاسٍ! عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ عُمَرُ الْحَدِيثَ يَسُوقُهُ، فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ وَجَارٌ لِي مِنَ الأَنْصَارِ فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ، وَهْيَ مِنْ عَوَالِي الْمَدِينَةِ، وَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَيَنْزِلُ يَوْماً، وَأَنْزِلُ يَوْماً، فَإِذَا نَزَلْتُ، جِئْتُهُ مِنْ خَبَرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنَ الأَمْرِ وَغَيْرِهِ، وَإِذَا نَزَلَ، فَعَلَ مِثْلَهُ، وَكُنَّا -مَعْشَرَ قُرَيْشٍ- نَغْلِبُ النِّسَاءَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى

الأَنْصَارِ، إِذَا هُمْ قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ، فَطَفِقَ نِسَاؤُناَ يَأخُذْنَ مِنْ أَدَبِ نِسَاءِ الأَنْصَارِ، فَصِحْتُ عَلَى امْرَأَتِي، فَرَاجَعَتْنِي، فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي، فَقَالَتْ: وَلِمَ تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ؟ فَوَاللهِ! إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَيُرَاجِعْنَهُ، وَإِنَّ إِحْدَاهُنَّ لَتَهْجُرُهُ الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ. فَأَفْزَعَنِي، فَقُلْتُ: خَابَتْ مَنْ فَعَلَ مِنْهُنَّ بِعَظِيمٍ، ثُمَّ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي، فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ، فَقُلْتُ: أَيْ حَفْصَةُ! أَتُغَاضِبُ إِحْدَاكُنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَقُلْتُ: خَابَتْ وَخَسِرَتْ، أَفَتَأْمَنُ أَنْ يَغْضَبَ اللهُ لِغَضَبِ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - فَتَهْلِكِينَ؟ لاَ تَسْتَكْثِرِي عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلاَ تُرَاجِعِيهِ فِي شَيْءٍ، وَلاَ تَهْجُرِيهِ، وَاسْأَلِينِي مَا بَدَا لَكِ، وَلاَ يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ هِيَ أَوْضَأَ مِنْكِ وَأَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -يُرِيدُ: عَائِشَةَ-. وَكُنَّا تَحَدَّثْنَا أَنَّ غَسَّانَ تُنْعِلُ النِّعَالَ لِغَزْوِناَ، فَنَزَلَ صَاحِبِي يَوْمَ نَوْبَتِهِ، فَرَجَعَ عِشَاءً، فَضَرَبَ بابي ضَرْباً شَدِيداً، وَقَالَ: أَنَائِمٌ هُوَ؟ فَفَزِعْتُ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ، وَقَالَ: حَدَثَ أَمْرٌ عَظِيمٌ، قُلْتُ: مَا هُوَ، أَجَاءَتْ غَسَّانُ؟ قَالَ: لاَ، بَلْ أَعْظَمُ مِنْهُ وَأَطْوَلُ، طَلَّقَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نِسَاءَهُ، قَالَ: قَدْ خَابَتْ حَفْصَةُ وَخَسِرَتْ، كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ هَذَا يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ، فَجَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي، فَصَلَّيْتُ صَلاَةَ الْفَجْرِ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَدَخَلَ مَشْرُبَةً لَهُ، فَاعْتَزَلَ فِيهَا، فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ، فَإِذَا هِيَ تَبْكِي، قُلْتُ: مَا يُبْكِيك؟ أَوَلَمْ أَكُنْ حَذَّرْتُكِ؟ أَطَلَّقَكُنَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَتْ: لاَ أَدْرِي، هُوَ ذَا فِي الْمَشْرُبَةِ، فَخَرَجْتُ، فَجِئْتُ الْمِنْبَرَ، فَإِذَا حَوْلَهُ رَهْطٌ يَبْكِي بَعْضُهُمْ، فَجَلَسْتُ مَعَهُمْ قَلِيلاً، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ، فَجِئْتُ الْمَشْرُبَةَ الَّتِي هُوَ فِيهَا، فَقُلْتُ لِغُلاَمٍ لَهُ أَسْوَدَ: اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ، فَدَخَلَ فَكَلَّمَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَ: ذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ، فَانْصَرَفْتُ حَتَّى جَلَسْتُ

مَعَ الرَّهْطِ الَّذِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ، فَجِئْتُ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ، فَجَلَسْتُ مَعَ الرَّهْطِ الَّذِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ، فَجِئْتُ الْغُلاَمَ، فَقُلْتُ: اسْتَأذِنْ لِعُمَرَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ، فَلَمَّا وَلَّيْتُ مُنْصَرِفاً، فَإِذَا الْغُلاَمُ يَدْعُونِي، قَالَ: أَذِنَ لَكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى رِمَالِ حَصِيرٍ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ قَدْ أَثَّرَ الرِّمَالُ بِجَنْبِهِ، مُتَّكِئٌ عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ، حَشْوُهَا لِيفٌ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قُلْتُ وَأَناَ قَائِمٌ: طَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟ فَرَفَعَ بَصَرَهُ إِلَيَّ، فَقَالَ: "لاَ". ثُمَّ قُلْتُ -وَأَناَ قَائِمٌ أَسْتَأْنِسُ-: يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ رَأَيْتَنِي وَكُنَّا -مَعْشَرَ قُرَيْشٍ- نَغْلِبُ النِّسَاءَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى قَوْمٍ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ، فَذَكَرَهُ، فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قُلْتُ: لَوْ رَأَيْتَنِي، وَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ، فَقُلْتُ: لاَ يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ هِيَ أَوْضَأَ مِنْكِ، وَأَحَبَّ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -يُرِيدُ: عَائِشَةَ-، فَتَبَسَّمَ أُخْرَى، فَجَلَسْتُ حِينَ رَأَيْتُهُ تَبَسَّمَ، ثُمَّ رَفَعْتُ بَصَرِي فِي بَيْتِهِ، فَوَاللهِ مَا رَأَيْتُ فِيهِ شَيْئاً يَرُدُّ الْبَصَرَ، غَيْرَ أَهَبَةٍ ثَلاَثَةٍ، فَقُلْتُ: ادْعُ اللهَ فَلْيُوَسِّعْ عَلَى أُمَّتِكَ؛ فَإِنَّ فَارِسَ وَالرُّومَ وُسِّعَ عَلَيْهِمْ، وَأُعْطُوا الدُّنْيَا، وَهُمْ لاَ يَعْبُدُونَ اللهَ، وَكَانَ مُتَّكِئاً، فَقَالَ: "أَوَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا بْنَ الْخَطَّابِ؟ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ اسْتَغْفِرْ لِي، فَاعْتَزَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ حِينَ أَفْشَتْهُ حَفْصَةُ إِلَى عَائِشَةَ، وَكَانَ قَدْ قَالَ: "مَا أَنَا بِدَاخِلٍ عَلَيْهِنَّ شَهْراً"؛ مِنْ شِدَّةِ مَوْجِدَتِهِ عَلَيْهِنَّ حِينَ عَاتَبَهُ اللهُ، فَلَمَّا مَضَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ، دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ، فَبَدَأَ بِهَا، فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: إِنَّكَ أَقْسَمْتَ أَنْ لاَ تَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْراً، وَإِنَّا أَصْبَحْنَا لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً أَعُدُّهَا عَدّاً، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ". وَكَانَ ذَلِكَ الشَّهْرُ

تِسْعٌ وَعِشْرُونَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأُنْزِلَتْ آيَةُ التَّخْيِيرِ، فَبَدَأَ بِي أَوَّلَ امْرَأَةٍ، فَقَالَ: "إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْراً، وَلاَ عَلَيْكِ أَنْ لاَ تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ". قَالَتْ: قَدْ أَعْلَمُ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُوناَ يَأمُرَانِي بِفِرَاقِكَ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ اللهَ قَالَ: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} -إلى قوله- {عَظِيمًا} [الأحزاب: 28] ". قُلْتُ: أَفِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟ فَإِنِّي أُرِيدُ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ، ثُمَّ خَيَّرَ نِسَاءَهُ، فَقُلْنَ مِثْلَ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ. (إني كنتُ وجارٌ لي): -بالرفع- عطفاً على الضمير المرفوع المتصل بدون فاصل، وهو قليل. قال الزركشي: ويجوزُ النصبُ؛ عطفاً على الضمير في قوله: "إني " (¬1). قلت: لكن الشأن في الرواية، وأيضاً فالظاهر أن قوله: "في بني أميةَ ابنِ زيدٍ" خبر كان، وجملة كان ومعمولها خبر "إن"، فإذا جعلتَ جاراً معطوفاً على اسم "إنَّ"، لم يصح كونُ الجملة المذكورة خبراً لها إلا بتكلفِ (¬2) حذفٍ لا داعيَ إليه، فتأمله. (نتناوب النزول): قال الزركشي: أي: ينزل هو يوماً، وأنا أنزل يوماً (¬3). قلت: إتيانه (¬4) بهذا التفسير عجيب، مع أن عمر -رضي الله عنه- فسره في متن الحديث بعقب قوله: نتناوب النزول، فقال: فينزل يوماً، وأنزل ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 549). (¬2) في "ج": "بتكليف". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 549). (¬4) في "ع" و"ج": "إثباته".

يوماً، فماذا أفاده الزركشي بتفسيره (¬1)؟ (من أَرَبِ (¬2) نساءِ الأنصارِ): أَرَبِ: بالراء، ويروى بالدال المهملة. (لتهجره اليومَ حتى الليلِ): بجر الليل بـ "حتى". (أفتأمن): فاعلُه ضمير غيبة مستتر عائدٌ على إحداكن. (فتهلِكَ): -بكسر اللام وفتح الكاف-، وفاعله ضمير كالأول. (ولا يغرنَّكِ): بنون التوكيد الثقيلة. (أَن كانتْ جارتُك): "أن" -بفتح الهمزة- على أنها المصدرية، والمصدرُ المسبوك هو الفاعل. (هي أَوْضَأَ): -بهمزة أوله وآخره-؛ أي: أحسنَ، أَفْعَلُ تفضيلٍ من الوضاءة، وهي الحسن والنظافة، و (¬3) منه يقول: وَضُؤَ الرجلُ؛ أي: صار وَضيئاً. (أَنَّ غسانَ): هم رهط من قحطان، نزلوا (¬4) حين تفرقوا من مَأرِبَ بماء يقال له: غَسَّانُ، فسُمُّوا به، وسكنوا بطرف الشام. (تُنْعِلُ النِّعالَ): -بضم أول الفعل-، يقال: أَنْعَلْتُ الدابةَ، ولا يقال: نعَلْتُ الدابة، قاله الجوهري (¬5)، لكن القاضي حكاه، وأورد الحديث: ¬

_ (¬1) في "ع": "تفسيره". (¬2) في "ع": "أرباب". (¬3) الواو ليست في "م". (¬4) في "ع" و"ج": "ونزلوا". (¬5) انظر: "الصحاح" (5/ 1832)، (مادة: نعل).

"تنعل الخيل" (¬1)، والموجود في البخاري: "تنعل النعال (¬2) " كما حكيناه (¬3). (فقلت لغلام أسود): اسمه رَباح. (على رِمالِ حصيرٍ): الرُّمال -بكسر الراء وبضمها (¬4) -: ما رُمِلَ؛ أي: نُسج من حصيرٍ وغيره، والمراد: أنه لم يكن فوق الحصير فراشٌ ولا غيرُه، ولم يكن بينهما حائل. (ثم قلت وأنا قائم أستأنس): أي أتبصَّر هل يعودُ إلى الرضا، أو أقول قولاً أُطَيِّبُ به قلبَه، وأُسَكِّنُ غَضَبَه. (غير أَهَبَةٍ (¬5) ثلاثة): أَهَبَة -بفتحتين- جمع إهاب على غير قياس، وضُبط أيضاً بضمهما؛ أي: الهمزة والهاء: الجلدُ مطلقاً، وقبلَ أن يُدبغ، وبه جزم ابنُ بطال في كتاب: النكاح (¬6). (أَوَفي شك أنت؟!): -بفتح الواو والهمزة- للإنكار التوبيخي. (من شدة موجِدته (¬7)): -بكسر الجيم-؛ أي: غضبه، يقال: وَجَدْتُ من الغضبِ مَوْجِدَةً، ومن الحزن، وَجْداً -بفتح الواو-، ومن الحال وُجْداً -بضمها-. ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 17). (¬2) في "ع": "البغال". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 549). (¬4) في "ع" و"ج": وضمها". (¬5) في "ع": "أهب". (¬6) انظر: "شرح ابن بطال" (7/ 315). وانظر: "التوضيح" (15/ 660). (¬7) في "ع": "وجدته".

(إنك أقسمتَ أن لا تدخُلَ علينا شهراً): تريد: ولم تستكمل ثلاثين يوماً، إنما تركت الدخول تسعاً وعشرين ليلة كما صَرَّحَتْ به. (الشهرُ تسعٌ وعشرون): قال ابن المنير: فيه حجة قوية لمن قال: إن من نَذَرَ شهراً، فصام في أثناء شهر، أجزأه تسعةٌ وعشرون، وإن لم يصم للهلال. (ولا عليكِ أن لا تَعْجَلي حتى (¬1) تستأمري أبويكِ (¬2)): جعل فيه ابن المنير دليلاً على أن (¬3) الخيار لا يتقيد بالمجلس، ولهذا أبقاه لها، وإن انفصل المجلس، واجتمعت بأبويها، وما كان التخيير أولاً (¬4) مقيداً بزمان، بل مطلقاً. قلت: فيه نظر؛ فإنه لم يخبرها إلا بعد تقديم هذه المقالة، ولم يقع قبلها تخيير، إنما قال أولأ: "إني ذاكرٌ لكِ أمرأ"، ووصله بقوله: "ولا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك"، فلقائل أن يمنع كونَ التخيير وقعَ مطلقاً، بل مقيداً، إنما أشار إليه من التأني (¬5)، واستئمار الأبوين. * * * ¬

_ (¬1) "لا تعجلي حتى" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "أبيك". (¬3) "أن" ليست في "ج". (¬4) في "ع": "التخير أولى". (¬5) في "ع" و"ج": "الثاني".

باب: من عقل بعيره على البلاط، أو باب المسجد

باب: مَنْ عَقَلَ بَعِيرَهُ عَلَى الْبَلاَطِ، أَوْ بَابِ الْمَسْجِدِ (باب: من عقلَ بعيرَه على البلاط، أو بابِ المسجد): يشير بذلك إلى أن مثلَ هذا الفعل لا يكون موجباً للضمان. قال ابن المنير: ولا ضمانَ على مَنْ ربطَ دابته بباب المسجد، أو السوق؛ لحاجة عارضة، إذا رَمَحَت، ونحوه؛ بخلاف أن يعتاد ذلك، ويجعله مربطاً لها دائماً وغالباً، فيضمن. 1388 - (2470) - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَقِيلٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيُّ، قَالَ: أَتَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَسْجِدَ، فَدَخَلْتُ إِلَيْهِ، وَعَقَلْتُ الْجَمَلَ فِي ناَحِيَةِ الْبَلاَطِ، فَقُلْتُ: هَذَا جَمَلُكَ، فَخَرَجَ فَجَعَلَ يُطِيفُ بِالْجَمَلِ، قَالَ: "الثَّمَنُ وَالْجَمَلُ لَكَ". (في ناحية البلاط): موضع عند مسجد (¬1) المدينة. (فجعل يُطيف): مضارع أَطافَ، ويروى (¬2): "يَطوفُ"، مضارع طافَ. * * * باب: الوقُوفِ والَبْولِ عنَد سُبَاطةِ قَومٍ 1389 - (2471) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، ¬

_ (¬1) في "ع": "المسجد". (¬2) في "ج": "وروي".

باب: اختلفوا في الطريق الميتاء، ثم يريد أهلها البنيان، فترك منها للطريق سبعة أذرع

عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، أَوْ قَالَ: لَقَدْ أَتَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سُبَاطَةَ قَوْمٍ، فَبَالَ قَائِماً. (سُباطة قوم): السُّباطة -بضم السين-: الكناسة. * * * باب: اخْتَلَفُوا في الطَّريقِ المِيتاءِ، ثمَّ يريدُ أَهْلُها البُنيانَ، فتُرِكَ منها للطَّريقِ سبعةُ أَذْرُعٍ 1390 - (2473) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ خِرِّيتٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَضَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا تَشَاجَرُوا فِي الطَّرِيقِ بِسَبْعَةِ أَذْرُعٍ. (إذا تشاجروا): من المشاجرة، ويروى: "تَشاحُّوا"، بالحاء المهملة. * * * باب: النُّهبى بغيرِ إذْنِ صَاحِبِهِ 1391 - (2474) - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ يَزِيدَ الأَنْصَارِيَّ، -وَهُوَ جَدُّهُ أَبُو أُمِّهِ-، قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ النُّهْبَى وَالْمُثْلَةِ. (عن النُّهبى): -بالضم-: اسم لما يُنتهب. ثم الانتهاب منه محرَّم، وهو ما يُنتهب بغير إذن المالِك وهو له كارهٌ. ومنه مكروه، وهو ما يأذن فيه صاحبه للجماعة، فينتهبونه على

التفاوت؛ كما يُنثر (¬1) على رؤوس الصبيان، وفي الأعراس، كرهه (¬2) مالك -رضي الله عنه-، وجماعة، وأجازه الكوفيون، وإنما كرهه مالك؛ لأنه خارج عن القواعد إلا بتكلف (¬3)، وهو على صورة النهبى (¬4) المحرمة، وذلك أن الذي ينثر الشيء للجماعة ظاهرُ الحال أنه ملَّكهم إياه سواء؛ لأن المعاطاة هنا أو اللفظ الدال عليها يقتضي التسويةَ؛ كقوله (¬5): هذا (¬6) لكم، أو دونكم فخذوه، أو قد أعطيتكم هذا، فكيفما دار الأمر، فإنما أعطاه صاحبُه للجماعة، ومقتضى عطيتهم التسويةُ، ومقتضى النهبى التفاوتُ (¬7)، وحرمانُ قوم، ونيلُ قوم، وتفاوتُهم -أيضاً- فيما ينالون غالباً، وإنما سهله أحد أمرين: إما أنه مدخول عليه بين الجماعة؛ كطعام المخارجة، وفيه التفاوت، وإما حمل التمليك على التعليق، كأنه ملك كلَّ واحد ما عساه أن يحصل بيده، فلأجل هذا كرهه (¬8) مالك، و (¬9) إن أجازه في الجملة إذا وقع. (والمثلة): هي العقوبة الفاحشة في الأعضاء؛ كجَدْع الأنف، وقطع الأذن، وفَقْءِ [العين]، ونحو ذلك. ¬

_ (¬1) في "ع": "يبين"، وفي "ج": "ينتثر". (¬2) في "ع": "كراهة". (¬3) في "ع": "بتكليف". (¬4) في "ع": "النهي". (¬5) "كقوله" ليست في "ع". (¬6) في "ع": "وهذا". (¬7) في "ع": "النهي والتفاوت". (¬8) في "ع": "كراهة". (¬9) الواو ليست في "ع".

1392 - (2475) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَنْتَهِبُ نُهْبَةً، يَرْفَعُ الناسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ، حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهْوَ مُؤْمِنٌ". (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمرَ): قال الزركشي: فيه حذف الفاعل بعد النفي؛ فإن الضمير لا يرجع إلى الزاني، بل لفاعل مقدر دل (¬1) عليه ما قبله؛ أي: ولا يشرب الشارب. قلت: في كلامه تدافع، فتأمله. ثم انظر ما الحكمةُ في تقييد الفعل المنفي بالظرف في الجميع؛ أي (¬2): لا يزني الزاني حين يزني، ولا يشرب الخمر حين يشربها، ولا يسرق حين يسرق، ولا ينتهب نهبة حين ينتهبها!! ويظهر لي -والله أعلم-: أن ما أضيف إليه الظرف من باب التعبير عن الفعل بإرادته، وهو كثير في كلامهم؛ أي (¬3): لا يزني الزاني حين إرادته الزنا وهو مؤمن؛ ليتحقق قصدُه وانتفاءُ ما عداه (¬4) بالسهو؛ لوقوع الفعل منه ¬

_ (¬1) "دل" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "أن". (¬3) في "ع": "أن". (¬4) في "ع": "عداه"، وفي "م": "عذره".

باب: هل تكسر الدنان التي فيها الخمر، أو تخرق الزقاق؟

في حين إرادته، وكذا (¬1) البقية، فذكر القيد؛ لإفادة كونه متعمداً لا (¬2) عذر له. والله [أعلم]. قال الخطابي: إنما سلبَه (¬3) كمالَ الإيمان دونَ أصلِه، وقد يكون المرادُ به: الإنذارَ بزوال (¬4) الإيمان إذا اعتاد هذه المعاصي، واستمرَّ عليها. قال: و (¬5) بعضهم يرويه: "ولا يَشْرَبِ الخمرَ" -بكسر الباء-، يقول: إذا كان مؤمناً، فلا يفعلْ ذلك (¬6). وذكر غيره: أنه سلبه الإيمانَ بسبب استحلاله لذلك (¬7). * * * باب: هَلْ تُكْسَرُ الدِّناَنُ الَّتِي فِيهَا الْخَمْرُ، أَوْ تُخَرَّقُ الزِّقَاقُ؟ (الدِّنان): -بكسر الدال المهملة- جمع دَنٍّ، بفتحها. (الزِّقاق): -بكسر الزاي- جمعُ زِقٍّ، بكسرها أيضاً. * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "وكذلك". (¬2) في "ع": "إلا". (¬3) في "ع": "سلكه"، وفي "ج": "سبكه". (¬4) في "ع": "نزول". (¬5) الواو ليست في "ع" و"ج". (¬6) انظر: "أعلام الحديث" (2/ 1236). (¬7) انظر: "التنقيح" (2/ 551).

1393 - (2477) - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ يَزِيدَ ابْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى نِيرَاناً تُوقَدُ يَوْمَ خَيْبَرَ، قَالَ: "عَلَى مَا تُوقَدُ هَذِهِ النِّيرَانُ؟ "، قَالُوا: عَلَى الْحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ، قَالَ: "اكْسِرُوهَا، وَأَهْرِقُوهَا"، قَالُوا: أَلاَ نُهْرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا؟ قَالَ: "اغْسِلُوا". (على ما توقد (¬1)؟): إثبات ألف "ما" الاستفهامية (¬2) مع دخول الجار عليها، وهو قليل، ويروى: "عَلامَ" -بحذف الألف- على اللغة المشهورة. (هذه النَّيران): -بكسر النون الأولى-: جمعُ نار، والياء منقلبة عن واو. (الحمر الإنسية): أي: التي تألف البيوت. وفي "المشارق": قال البخاري: كان ابن أبي أويس يقول: "الأَنَسِيَّة" -بفتح الألف والنون-. قال القاضي: وأكثرُ روايات الشيوخ فيه: "الإنسية" -بكسر الهمزة وسكون النون-، وكلاهما صحيح. انتهى (¬3). فالأول: على أنه منسوب إلى الأَنَس -بفتح الهمزة والنون-، وهو التآنس. والثاني: على أنه منسوب إلى الإِنْس، وهم بنو آدمَ، الواحدُ إِنْسِيٌّ. ¬

_ (¬1) في "ع": "يوقد". (¬2) في "ج": "للاستفهام". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 45).

(وأهرقوها): ويروى: "وأهريقوها (¬1) " -بإثبات الياء قبل القاف-، والهاء مفتوحة في: ألا نُهَريقها؟ * * * 1394 - (2478) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ، وَحَوْلَ الْكَعْبَةِ ثَلاَثُ مِئَةٍ وَسِتُّونَ نُصُباً، فَجَعَلَ يَطْعَنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ، وَجَعَلَ يَقُولُ: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ} [الإسراء: 81]. نصْباً: -بضم الصاد المهملة وسكونها-: حجر كانوا ينصبونه (¬2) في الجاهلية (¬3)، ويتخذونه صنماً يعبدونه، والجمع أَنْصاب. (فجعل يطعُنها): -بفتح العين- من يطعُنها، وقيل بالضم (¬4). * * * 1395 - (2479) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِم، عَنْ أَبِيهِ الْقَاسِم، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: أَنَّهَا كَانَتِ اتَّخَذَتْ عَلَى سَهْوَةٍ لَهَا سِتْراً فِيهِ ¬

_ (¬1) في "ع": "أهرقوها". (¬2) في "م": "ينصبونها". (¬3) "في الجاهلية" ليست في "ع". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 552).

باب: من قاتل دون ماله

تَمَاثِيلُ، فَهَتَكَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَاتَّخَذَتْ مِنْهُ نُمْرُقَتَيْنِ، فَكَانَتَا فِي الْبَيْتِ يَجْلِسُ عَلَيْهِمَا. (اتخذَتْ على سَهوة): -بفتح السين (¬1) المهملة-: كالصُّفَّةِ تكون بين (¬2) يَدَي البيت، وقيل: هي شبيهة (¬3) بالرَّفِّ، أو (¬4) الطَّاقِ يوضع فيه الشيء. (نمرقتين): بضم النون والراء وبكسرهما. * * * باب: مَنْ قَاتَلَ دُوْنَ مَالِهِ 1396 - (2480) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا سَعِيد، -هُوَ ابْنُ أَبِي أَيُّوبَ-، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الأَسْوَدِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ، فَهُوَ شَهِيدٌ". (من قتل دون ماله، فهو شهيد): قال ابن المنير: فلو قتل في داره من زعم صاحبُ الدار أنه أرادَ حريمه بالإفساد، ولم تقم له بينة؟ فقال ابن القاسم: إن كان قد عُرف بالفساد، وتقدَّم إليه صاحبُ المنزل قبلَ ذلك بأن يباعده، صُدِّقَ، ولا قَوَدَ عليه، وإلا، فالقَوَدُ. ¬

_ (¬1) "السين" ليست في "ع". (¬2) "بين" ليست في "ج". (¬3) في "ع": "شبيهته". (¬4) في "ج": "و".

باب: إذا كسر قصعة أو شيئا لغيره

ويدل على القود حديثُ اللِّعان حيث قال: "الرجلُ يجدُ مع امرأته رجلاً، أيقتله (¬1) فتقتلونَه، أم كيف يصنع؟ " (¬2) ولم ينكر -عليه السلام- عليه ذلك، ولا أَعْلَمَه بأن دم الرجل هدرٌ بمجرد قول المدعي (¬3)، وهذا هو القياس، وتصديقُ القائل بالقرائنِ -كما قاله ابن القاسم- استحسانٌ. * * * باب: إِذَا كَسَر قَصْعَةً أو شيئاً لغَيرِهِ 1897 - (2481) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -كَانَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ خَادِمٍ بِقَصْعَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتْ بِيَدِهَا، فَكَسَرَتِ الْقَصْعَةَ، فَضَمَّهَا، وَجَعَلَ فِيهَا الطَّعَامَ، وَقَالَ: "كُلُوا". وَحَبَسَ الرَّسُولَ وَالْقَصْعَةَ حَتَّى فَرَغُوا، فَدَفَعَ الْقَصْعَةَ الصَّحِيحَةَ، وَحَبَسَ الْمَكْسُورَةَ. (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان عند بعض نسائه): هي عائشة رضي الله عنها. (فأرسلت إليه إحدى أمهات المؤمنين مع خادم بقصعة): وهل هذه المرسلةُ زينبُ أو أُمُّ سلمةَ، أو صفيةُ، أو حفصةُ (¬4)؟ أقوال (¬5). والقصعةُ: -بفتح القاف-، والجمع قِصَعٌ، وقِصاعٌ. ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "يقتله". (¬2) رواه البخاري (4745)، ومسلم (1492) عن سهل بن سعد رضي الله عنه. (¬3) في "ع": "قبول الدعوى". (¬4) "أو حفصة" ليست في "ع". (¬5) انظر: "التوضيح" (16/ 37).

باب: إذا هدم حائطا، فليبن مثله

(فدفع القصعةَ الصحيحة، وأبقى (¬1) المكسورة): ليس فيه حجة على ضمان المتقوم بمثله؛ لأن ذلك لم يكن منه - صلى الله عليه وسلم - على سبيل الحكم، إنما هو شيء كان في (¬2) بيته [بينه] وبين أهله (¬3). * * * باب: إِذَا هَدَمَ حائِطَاً، فَلْيَبْن مِثْلَهُ 1398 - (2482) - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كَانَ رَجُلٌ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهُ: جُرَيْجٌ يُصَلِّي، فَجَاءَتْهُ أُمُّهُ، فَدَعَتْهُ، فَأبَى أَنْ يُجِيبَهَا، فَقَالَ: أُجِيبُهَا أَوْ أُصَلِّي؟ ثُمَّ أَتَتْهُ فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ لاَ تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ الْمُومِسَاتِ، وَكَانَ جُرَيْجٌ فِي صَوْمَعَتِهِ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: لأَفْتِنَنَّ جُرَيْجاً، فَتَعَرضَتْ لَهُ، فَكَلَّمَتْهُ فَأَبَى، فَأَتَتْ رَاعِياً فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا، فَوَلَدَتْ غُلاَماً، فَقَالَتْ: هُوَ مِنْ جُرَيْجٍ، فَأَتَوْهُ، وَكَسَرُوا صَوْمَعَتَهُ، فَأَنْزَلُوهُ وَسَبُّوهُ، فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى، ثُمَّ أَتَى الْغُلاَمَ فَقَالَ: مَنْ أَبُوكَ يَا غُلاَمُ؟ قَالَ: الرَّاعي، قَالُوا: نَبْنِي صَومَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: لاَ، إِلاَّ مِنْ طِينٍ". (المومِسات): الزانيات. (فقالت امرأة: لأفتنَنَّ جريجاً): في "معجم الطبراني الأوسط": عن ¬

_ (¬1) نص البخاري: "وحبس". (¬2) "في" ليست في "ع" و"ج". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 552).

عمرانَ بنِ حصين: أن التي قالت عنه إنه فعل بها هي (¬1) [بنتُ] ملكِ القرية (¬2). (فأتت راعياً): قال القسطلاني في "مبهماته": اسمُ هذا الراعي صُهَيْب (¬3). (نبني صومعتك من ذهب، قال: لا (¬4)، إلا من طين): قال ابن مالك: فيه شاهد على حذف المجزوم بلا الناهية؛ فإن مراده: [لا تبنونها إلا من طين (¬5). قلت: يحتمل أن يكون التقدير: لا أريدها إلا من طين، فلا شاهد] (¬6) فيه. قال ابن المنير: وليس في الحديث حجةٌ ظاهرة على أن الحكمَ البنيانُ، وذلك أنهم إن (¬7) تمسكوا بما عرضوه عليه (¬8)، فهم (¬9) قد عرضوا عليه مالاً لا (¬10) يلزمهم بالإجماع، وهو بناؤها من ذهب، وإن تمسكوا بما قاله جريج، فإنما قال لهم بعضَ ما التزموه، ولا خلاف أن هادم الحائط لو ¬

_ (¬1) "هي" ليست في "ع". (¬2) رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (7498). (¬3) انظر: "هدي الساري" لابن حجر (ص: 284). (¬4) "لا" ليست في "ع". (¬5) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 197). (¬6) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬7) "إن" ليست في "ع". (¬8) في "ع" و"ج": "عليهم". (¬9) "فهم" ليست في "ع". (¬10) "لا" ليست في "ع" و"ج".

التزم بنيانه، ووافقه الآخر، كان ذلك، ويحمل (¬1) على أصل مالك إذا قلنا بالقيمة: أنه لا يجوز الإنفاق على البنيان؛ لأنه فسخ ما يجب ناجزاً فيما يتأخر. * * * ¬

_ (¬1) في "ع": ويحتمل".

كتاب الشركة

كِتابُ الشَّرِكَةِ

باب: الشركة في الطعام والنهد والعروض

باب: الشَّرِكَةِ فِي الطَّعَامِ وَالنِّهْدِ وَالْعُرُوضِ (كتاب: الشركة). (في الطعام والنِّهد): بكسر النون. قال القاضي: هو إخراجُ القوم نفقاتهم، وخلطُها كذلك عند المرافقة في السفر، وهي المخارَجَة. وفسره القابسي بطعام الصلح بين القبائل. والأول أصحُّ وأعرف. قال القاضي: وحكى بعضهم فيه فتح النون أيضاً (¬1). 1399 - (2483) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّهُ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْثاً قِبَلَ السَّاحِلِ، فَأمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ، وَهُمْ ثَلاَثُ مِئَةٍ، وَأَنَا فِيهِمْ، فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْض الطَّرِيقِ، فَنِيَ ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 30).

الزَّادُ، فَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِأَزْوَادِ ذَلِكَ الْجَيْشِ، فَجُمِعَ ذَلِكَ كُلُّهُ، فَكَانَ مِزْوَدَيْ تَمْرٍ، فَكَانَ يُقَوِّتُنَا كُلَّ يَوْمٍ قَلِيلاً قَلِيلاً حَتَّى فَنِيَ، فَلَمْ يَكُنْ يُصِيبُنَا إِلاَّ تَمْرَةٌ تَمْرَةٌ، فَقُلْتُ: وَمَا تُغْنِي تَمْرَةٌ؟ فَقَالَ: لَقَدْ وَجَدْناَ فَقْدَهَا حِينَ فَنِيَتْ، قَالَ: ثُمَّ انْتَهَيْنَا إِلَى الْبَحْرِ، فَإِذَا حُوتٌ مِثْلُ الطَّرِبِ، فَأَكَلَ مِنْهُ ذَلِكَ الْجَيْشُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِضِلَعَيْنِ مِنْ أَضْلاَعِهِ فَنُصِبَا، ثُمَّ أَمَرَ بِرَاحِلَةٍ فَرُحِلَتْ، ثُمَّ مَرَّتْ تَحْتَهُمَا فَلَمْ تُصِبْهُمَا. (فكان (¬1) يُقَوِّتنا): بتشديد الواو. (فإذا حوتٌ مثلُ الظَّرِب): -بظاء معجمة مفتوحة فراء مكسورة فباء-؛ أي: الجبل، ويقال بكسر الظاء وسكون الراء. [(بضِلَعين): بكسر الضاد المعجمة وفتح اللام] (¬2). * * * 1400 - (2484) - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مَرْحُومٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: خَفَّتْ أَزْوَادُ الْقَوْمِ، وَأَمْلَقُوا، فَأَتَوُا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي نَحْرِ إِبِلِهِمْ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَلَقِيَهُمْ عُمَرُ، فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ: مَا بقَاؤُكُمْ بَعْدَ إِبلِكُمْ، فَدَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا بَقَاؤُهُمْ بَعْدَ إِبلِهِمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ناَدِ فِي النَّاسِ، فَيَأتُونَ بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ". فَبُسِطَ لِذَلِكَ نِطَعٌ، وَجَعَلُوهُ عَلَى النِّطَعِ، فَقَامَ ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "وكان". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج".

باب: ما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية في الصدقة

رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَدَعَا وَبَرَّكَ عَلَيْهِ، ثُمَّ دَعَاهُمْ بِأَوْعِيَتِهِمْ، فَاحْتَثَى النَّاسُ حَتَّى فَرَغُوا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - "أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ". (وبَرَّكَ عليه): -بتشديد الراء-؛ أي: دعا بالبركة. (فاحتثى الناسُ): افتعلَ من الحثية، وهي الأخذُ بالكَفَّين. * * * 1401 - (2486) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ، جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءً وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي، وَأَناَ مِنْهُمْ". (إذا أَرْمَلوا): أي: إذا نَفِدَ زادُهم، وأصلُه من الرَّمْل؛ كأنهم لَصِقوا بالرمل؛ كما قيل: تَرِبَ الرجلُ: إذا افتقر؛ كأنه لصقَ بالتراب. * * * باب: مَا كَانَ مِنْ خَليطينِ فإنَّهما يتراجَعَانِ بينهما بالسَّوِيَّةِ في الصَّدَقَةِ 1402 - (2487) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَنَسٍ: أَنَّ أَنَساً حَدَّثَهُ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: كَتَبَ لَهُ فَرِيضَةَ الصَّدَقَةِ، الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ، فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ".

باب: قسمة الغنم

(وما كان من خليطين، فإنهما يراجعان (¬1) (¬2) بينهما بالسوِيَّة): قال ابن المنير: هذا منه غرم المستهلك؛ لأنا نقدر: مَنْ يُعْطَ، استهلكَ مالَ مَنْ أعطى؛ إذ (¬3) أخذَ منه عن حقٍّ وجبَ على صاحبه. وقيل: إنما يقدَّرُ متسلفاً من صاحبه على ذلك الخلاف في وقت التقويم عند التراجع، هل يقوم وقت (¬4) الأخذ لوقت (¬5) الوفاء؟ فالأول: على أنه استهلك، والثاني: على أنه سلف. وفيه حجة لمذهب مالك -رضي الله عنه- أن من قام عن غيره بواجب، رجعَ عليه (¬6) بالقضاء، وإن لم يكن أذنَ له في القيام، وأما لو ذبح أحدُ الخليطين أو الشريكين من الشركة شيئاً، فهو مستهلِكٌ، فالقيمةُ يومَ الاستهلاك، قولاً واحداً؛ بخلاف ما يأخذه الساعي. * * * باب: قِسْمَةِ الغَنَمِ 1403 - (2488) - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ بْنُ الْحَكَمِ الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ ¬

_ (¬1) في "ع": "يرجعان". (¬2) نص البخاري: "يتراجعان". (¬3) في "ع" و"ج": "إذا". (¬4) "وقت" ليست في "ع". (¬5) في "ع": "عند الأخذ أو وقت". (¬6) "عليه" ليست في "ج".

جَدِّهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِذِي الْحُلَيْفَةِ، فَأَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ، فَأَصَابُوا إبِلاً وَغَنَماً، قَالَ: وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي أُخْرَيَاتِ الْقَوْمِ، فَعَجلُوا وَذَبَحُوا، وَنَصَبُوا الْقُدُورَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْقُدُورِ فَأُكْفِئَتْ، ثُمَّ قَسَمَ، فَعَدَلَ عَشْرَةً مِنَ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ، فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ، فَطَلَبُوهُ فَأَعْيَاهُمْ، وَكَانَ فِي الْقَوْمِ خَيْلٌ يَسِيرَةٌ، فَأَهْوَى رَجُلٌ مِنْهُمْ بِسَهْمٍ، فَحَبَسَهُ اللهُ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَا غلَبَكُمْ مِنْهَا، فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا". فَقَالَ جَدِّي: إِنَّا نَرْجُو -أَوْ نَخَافُ- الْعَدُوَّ غداً، وَلَيْسَتْ مُدًى، أَفَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ؟ قَالَ: "مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ، فَكُلُوهُ، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ: أَمَّا السِّنُّ، فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ، فَمُدَى الْحَبَشَةِ". (فأُكفئت): أي: أُميلت؛ ليفرغ ما فيها، يقال: كَفَأْتُ الإناءَ، وأكْفَأْتُه: أَمَلْتُه. قيل: وإنما أُكفئت القدور؛ لأنهم ذبحوا الغنمَ قبل أن يُقسم، ولم يكن لهم ذلك (¬1). (فعدلَ عشرةً من الغنم ببعير): -بتخفيف الدال- من عَدَل، ومعناه: سَوَّى عشرةً (¬2) ببعير. (فنَدَّ منها بعيرٌ): أي: شَرَدَ وهَرَبَ. (فأهوى رجل منهم): يقال: أهوى بيده إلى الشيء ليأخذَه، وهوى نحوه: مالَ إليه. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 555). (¬2) في "ع" و"ج": "غيره".

(إن لهذه البهائم أوابدَ): أي: نوافرَ وشواردَ، جمعُ آبِدَة، يقال: أَبَدَتْ -بفتح الباء المخففة- تَأْبُد -بكسرها وضمها- أُبوداً: إذا تَوَحَّشَتْ. (وليس لنا (¬1) مُدىً): -بضم الميم-: جمعُ مُدْيَةِ -مثلث الميم-، وهي السكين، سميت بذلك؛ لأنها مدى الأجل. (ما أنهرَ الدمَ): أي: صَبَّه بكثرة كصبِّ النهرِ، وهو بالراء. [قال الزركشي: وروي بالزاي، حكاه القاضي، وهو غريب (¬2). قلت: هذا تحريف في النقل؛ فإن القاضي] (¬3) قال في "المشارق" (¬4): ووقع للأصيلي في كتاب "الصيد": "نهر" (¬5)، وليس بشيء، والصواب ما لغيره: أنهر؛ كما في سائر المواضع (¬6). فالقاضي (¬7) إنما حكى هذا عن الأصيلي في كتاب "الصيد"، لا في المكان الذي نحن فيه، وهو كتاب الشركة، وكلام الزركشي ظاهرٌ في روايته -بالزاي- في هذا المحل الخاص، وهو تحريف بلا شك. (وذُكر اسمُ الله عليه، فكلوه): دليل على اشتراط التسمية؛ فإنه علَّقَ ¬

_ (¬1) كذا في رواية أبي ذر الهروي عن الحمويي والمستملي، وفي اليونينية: "وليست مدى"، وهي المعتمدة في النص. (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 555). (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬4) في "ع": "قال القاضي في "المشارق"". (¬5) "نهر" ليست في "ع". (¬6) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 30). (¬7) في "ع": "قال القاضي".

الإذنَ في الأكل بمجموع أمرين، والمعلَّق على شيئين ينتفي بانتفاء أحدِهما. فإن قلت: الضميرُ من قوله: "فكلوه" لا يعود على "ما"؛ لأنها عبارة عن آلة التذكية، وهي لا تؤكل، فعلى ماذا يعود؟ قلت: على المذكَّى [المفهوم من الكلام؛ لأن إنهار الآلة للدم يدل على شيء أُنهر دمُه ضرورة، وهو المذكَّى] (¬1). فإن قلت: يلزم عدمُ الارتباط حينئذ. قلت: لا نسلِّم، بل الربطُ حاصل، وذلك لأنا نقدِّر التركيب هكذا (¬2): ما أنهر الدمَ، وذُكر اسمُ الله عليه على مُذَكَّاة، فكلوه؛ أي (¬3): فكلوا مَذَكَّاةً (¬4)، فالضميرُ عائد على ملتبِس، فحصل الربط. وقد قال الكسائي، وتبعه ابن مالك في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 234]: إن "الذين" مبتدأ، و"يتربصن" الخبر، والأصلُ: يتربصنَ أزواجَهم، ثم جيء بالضمير مكان الأزواج؛ لتقدم ذكرِهنَّ، فامتنع ذكر الضمير؛ لأن النون لا تضاف؛ لكونها ضميراً، وجعل الربط بالضمير القائم مقامَ الظاهر المضاف إلى الضمير، وهذا مثلُ مسألتنا، وقد فهمتَ معادَ الضمير أيضاً من قوله: (ليس السنَّ والظُّفُرَ): قال الزركشي: "ليس" هنا للاستثناء، وما بعدها ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) في "ع": "هذا". (¬3) "فكلوه أي" ليست في "ج". (¬4) "مذكاة" ليست في "ج".

باب: القران في التمر بين الشركاء حتى يستأذن أصحابه

بالنصب على الاستثناء (¬1). قلت: الصحيحُ أنها ناسخة، وأن اسمها ضمير راجع للبعضِ المفهومِ مما (¬2) تقدم، واستتاره (¬3) واجب، فلا يليها في اللفظ إلا المنصوب. (وسأحدِّثكم عن ذلك): أي: سأبين لكم العلةَ في ذلك. (أما السنُّ، فعظم): وهذا يدل على أن النهي عن الذكاة بالعظم كان متقدماً، فأحال بهذا القول على معلومٍ قد سبق، وقد قيل: إن العظم غالباً لا يقطع، وإنما يجرح ويُدمي، فتزهق النفس من غير أن يتيقن الذكاة. وقيل: أراد بالسن: السنَّ (¬4) المركبَ في الإنسان. وقيل: بل المنزوع. وجاء في رواية: "أَمَّا السِّنُّ، فَنَهْسٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ، فَخَنْقٌ" (¬5). * * * باب: الْقِرَانِ فِي التَّمْرِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ أَصْحَابَهُ (باب: القِرانِ في التمر بين الشركاء حتى يستأذنَ أصحابه): كذا ثبت في جميع النسخ، وفيه إشكال، فقيل: معناه: [لا يجوز حتى يستأذن. ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 555). (¬2) في "ع": "كما". (¬3) في "ج": "وإسناده". (¬4) "السن" ليست في "ع". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 555).

وقيل: صوابه: "حين" مكان "حتى". وقيل: لعله باب: النهي عن القران] (¬1) حتى (¬2)، فسقط لفظُ (¬3) النهي (¬4). قلت: وأسهلُ من هذا كلِّه أن يكون من حذف المضاف، وإقامةِ (¬5) المضافِ إليه مقامَه؛ لوجود (¬6) الدليل، والأصل: بابُ (¬7) تركِ القران، فحذف الترك؛ لأن الغاية المذكورة تدل عليه. * * * 1404 - (2489) - حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا جَبَلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- يَقُولُ: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَقْرُنَ الرَّجُلُ بَيْنَ التَّمْرَتَيْنِ جَمِيعاً حَتَّى يَسْتَأْذِنَ أَصْحَابَهُ. (جَبَلة): بفتح الجيم والموحدة. (ابنُ سُحيم): بسين وحاء مهملتين، مصغر. * * * ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬2) "حتى" ليست في "ع". (¬3) "لفظ" ليست في "ع". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 556). (¬5) في "ج": "وإضافة". (¬6) في "ع": "لوجوده". (¬7) "باب" ليست في "ع" و"ج".

باب: تقويم الأشياء بين الشركاء بقيمة عدل

1405 - (2490) - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَليدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ جَبَلَةَ، قَالَ: كُنَّا بِالْمَدِينَةِ، فَأَصَابَتْنَا سَنَةٌ، فَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَرْزُقُنَا التَّمْرَ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَمُرُّ بِنَا فَيَقُولُ: لاَ تَقْرُنُوا؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الإِقْرَانِ، إِلاَّ أَنْ يَسْتَأْذِنَ الرَّجُلُ مِنْكُمْ أَخَاهُ. (فأصابتنا سَنَةٌ): أي: قَحْط. (لا تَقرِنُوا): بفتح حرف المضارعة وضم الراء وكسرها. (نهى عن الإقران): قال ابن الأثير وغيره: كذا رُوي، والأصحُّ: "القِران" (¬1). * * * باب: تَقْوِيمِ الأَشْيَاءَ بينَ الشُّركَاءِ بقيمةِ عَدْلٍ 1406 - (2491) - حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُوبُ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَعْتَقَ شِقْصاً لَهُ مِنْ عَبْدٍ، أَوْ شِرْكاً -أَوْ قَالَ: نَصِيباً-، وَكَانَ لَهُ مَا يَبْلُغُ ثَمَنَهُ بِقِيمَةِ الْعَدْلِ، فَهْوَ عَتِيقٌ، وَإِلاَّ، فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ". (شِقْصاً): -بكسر الشين المعجمة وسكون القاف-: هو النصيب في العَيْن المشتركة، وكذا الشَّقيص (¬2)، على زنة النصيب. ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (4/ 52)، وانظر: "التنقيح" (2/ 556). (¬2) في "م": "الشقص".

باب: هل يقرع في القسمة؟ والاستهام فيه

1407 - (2492) - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "مَنْ أَعْتَقَ شَقِيصاً مِنْ مَمْلُوكهِ، فَعَلَيْهِ خَلاَصُهُ فِي مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، قُوِّمَ الْمَمْلُوكُ قِيمَةَ عَدْلٍ، ثُمَّ اسْتُسْعِيَ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ". (ثم استُسعي) -بضم تاء الاستفعال، على البناء للمفعول-؛ أي: أُلزم للسعي فيما يفك بقيةَ رقبته من الرقِّ. (غيرَ مشقوق عليه): بنصب "غير"، على أنه حال من الضمير المستتر العائد على العبد، و"عليه" في محل رفع على أنه النائب عن الفاعل؛ أي: ثم استُسعي العبدُ مرفَّهاً أو مسامَحاً. * * * باب: هَلْ يُقْرَعُ فِي الْقِسْمَةِ؟ وَالاِسْتِهَامِ فِيهِ (باب: هل يُقرع في القسمة؟): قال ابن بطال: القرعة سنة لكل من أراد العدلَ بين الشركاء، والفقهاءُ متفقون على القول بها، وخالف فيها بعض الكوفيين (¬1). 1408 - (2493) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، قَالَ: سَمِعْتُ عَامِراً يَقُولُ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ، وَالْوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى ¬

_ (¬1) انظر: "شرح ابن بطال" (7/ 12).

سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا، وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ، مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقاً، وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا، هَلَكُوا جَمِيعاً، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ، نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعاً". (كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضُهم أعلاها، وبعضُهم أسفلَها): قال ابن المنير: فيه جواز قسمة العقار المتقارب في الجملة بالقرعة، ولو كان فيه عُلْوٌ وسُفْل، وانظر هل اقتسموا رقبة السفينة، أو تهايؤوا في منفعتها، وانظر في قسمة المهايأة، هل تصح بالسهم أو لا؟ وهي عندهم -إن وقعت- غيرُ لازمة؛ بخلاف قسمتها على المُدَدِ، كان يسكن هذا سنةً، ويسكن (¬1) هذا (¬2) سنةً، فهذه إجارة لازمة، ولم أقف فيهما (¬3) جميعاً على جريان السهم، والظاهر أنه لا يجري في المهايأة. (فكان الذي (¬4) في أسفلها إذا استقوا من الماء): يظهر لي أن "الذي" صفة لموصوف مفرد اللفظ؛ كالجمع، والفوج، فاعتُبر لفظه، فوصف بالذي، واعتُبر معناه، فأُعيد عليه ضمير الجماعة في قوله: "إذا استقوا (¬5) "، وهو أولى من أن يجعل "الذي" مخففاً من الذين، فحذف النون. ¬

_ (¬1) "ويسكن" ليست في "ج". (¬2) في "ج": "وهذا". (¬3) في "ج": "فيها". (¬4) كذا في رواية أبي الهروي عن الحمويي والمستملي، وفي اليونينية: "الذين"، وهي المعتمدة في النص. (¬5) في "ج": "استيقوا".

باب: الاشتراك في الذهب والفضة، وما يكون فيه الصرف

باب: الاشْتِراكِ في الذَّهَبِ والفِضَّةِ، وما يكونُ فيهِ الصَّرفُ 1409 - (2497 و 2498) - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عُثْمَانَ -يَعْنِي: ابْنَ الأَسْوَدِ-، قَالَ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْمِنْهَالِ عَنِ الصَّرْفِ يَداً بِيَدٍ، فَقَالَ: اشْتَرَيْتُ أَنَا وَشَرِيكٌ لِي شَيْئاً يَداً بِيَدٍ وَنَسِيئَةً، فَجَاءَنَا الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، فَسَأَلْنَاهُ، فَقَالَ: فَعَلْتُ أَنَا وَشَرِيكِي زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، وَسَأَلْنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: "مَا كَانَ يَداً بِيَدٍ، فَخُذُوهُ، وَمَا كَانَ نَسِيئَةً، فَذَرُوهُ". (اشتريت أنا وشريكٌ لي شيئاً يداً بيد، ونسيئةٍ): يعني: عقداً واحداً اشتملَ على المناجزةِ والتأخير. (فقال: ما كان يداً بيد، فخذوه، وما كان نسيئة، فردوه (¬1)): قال ابن المنير: فيه حجة للقول بتفريق الصفقة، وأنه يصح منها (¬2) الصحيح، ويبطل منها الفاسد، وفيه أن استحقاق العين في الصرف لا ينقضُه، وأن الخيارَ الحكميَّ ليس كالشَّرْطِيِّ (¬3)، وهو أحد القولين؛ لأن اقتضاء النقد في الحديث دون النسيئة يَستدعي التقويمَ وكأنه عقدٌ جديد متأخر، ولكنه جَرَّتْ إليه (¬4) الأحكام، فاغْتُفِر. ¬

_ (¬1) كذا في رواية، وفي اليونينية: "فذروه"، وهي المعتمدة في النص. (¬2) في "م": "منهما". (¬3) في "ع": "كالشرط". (¬4) في "ع": "عليه".

باب: الشركة في الطعام وغيره

باب: الشَّرِكَةِ فِي الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ وَيُذْكَرُ أَنَّ رَجُلاً سَاوَمَ شَيْئاً، فَغَمَزَهُ آخَرُ، فَرَأَى عُمَرُ أَنَّ لَهُ شَرِكَةً (ويذكر أن رجلاً ساومَ شيئاً، فغمزه آخر، فرأى عمرُ أَنَّ له شركةً): يشير إلى ما رواه سفيان، عن هشام بن حجير، عن إياس بن معاوية، قال: بلغني أن عمرَ بنَ الخطاب -رضي الله عنه- قضى في رجلين حضرا سلعةً، فسام بها أحدُهما، فأراد صاحبه أن يزيد، فغمزه بيده، فاشترى، فقال: أنا شريكك، فأبى أن يشركه، فقضى له عمرُ بالشركة (¬1). * * * باب: الشَّرِكَةِ في الرَّقيقِ 1410 - (2503) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "مَنْ أَعْتَقَ شِرْكاً لَهُ فِي مَمْلُوكٍ، وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْتِقَ كُلَّهُ، إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ قَدْرَ ثَمَنِهِ، يُقَامُ قِيمَةَ عَدْلٍ، وَيُعْطَى شُرَكَاؤُهُ حِصَّتَهُمْ، وَيُخَلَّى سَبِيلُ الْمُعْتَقِ". (وجب عليه أن يعتقَ كلَّه): الغالبُ على "كل" أن تكون تابعةً؛ نحو جاء القومُ كلُّهم، وحيثُ يخرج (¬2) عن التبعية (¬3)، فالغالبُ ألا يَعملَ فيها إلا ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (16/ 98). (¬2) في "ع": "لم يخرج". (¬3) في "ج": "البيعة".

باب: من عدل عشرة من الغنم بجزور في القسم

الابتداءُ، ووقعت (¬1) في الحديث من غير الغالب. قلت: ويحتمل أن تجري فيه على غير الغالب؛ بأن يجعل "كلَّه" تأكيداً لضمير محذوف؛ أي: يعتقَهُ كلَّه؛ بناء على جواز حذف المؤكَّد وبقاء التأكيد، وقد قال به إماما أهل العربية الخليلُ (¬2) وسيبويه. * * * باب: مَنْ عَدَل عَشَرَةً مِنَ الغَنَمِ بجَزُورٍ في القَسْمِ 1411 - (2507) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِذِي الْحُلَيْفَةِ مِنْ تِهَامَةَ، فَأَصَبْنَا غَنَماً وَإِبلاً، فَعَجِلَ الْقَوْمُ فَأَغْلَوْا بِهَا الْقُدُورَ، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأمَرَ بِهَا فَأُكْفِئَتْ، ثُمَّ عَدَلَ عَشْراً مِنَ الْغَنَمِ بِجَزُورٍ، ثُمَّ إِنَّ بَعِيراً نَدَّ، وَلَيْسَ فِي الْقَوْمِ إِلاَّ خَيْلٌ يَسِيرَةٌ، فَرَمَاهُ رَجُلٌ فَحَبَسَهُ بِسَهْمٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا، فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا". قَالَ: قَالَ جَدِّي: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا نَرْجُو -أَوْ نَخَافُ- أَنْ نلْقَى الْعَدُوَّ غداً، وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى، فَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ؟ فَقَالَ: "اعْجَلْ، أَوْ: أَرْنِي، مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ، فَكُلُوا، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ: أَمَّا السِّنُّ، فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ، فَمُدَى الْحَبَشَةِ". ¬

_ (¬1) في "ع": "أو وقعت". (¬2) "الخليل" ليست في "ع".

(اعجلْ أو أَرِنْ): -بفتح الهمزة وكسر الراء وسكون النون- مثل أَقِمْ، وضبطه الأصيلي: "أرني" -بكسر النون بعدها ياء (¬1) -، وسيأتي الكلام عليه في الصيد. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 28).

كتاب الرهن

كِتابُ الرَّهْنِ

باب: في الرهن في الحضر

باب: في الرَّهْنِ في الحَضَرِ 1412 - (2508) - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: وَلَقَدْ رَهَنَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - دِرْعَهُ بِشَعِيرٍ، وَمَشَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِخُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ، وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "مَا أَصْبَحَ لآلِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - إِلاَّ صَاعٌ، وَلاَ أَمْسَى"؛ وَإِنَّهُمْ لَتِسْعَةُ أَبْيَاتٍ. (كتاب: الرهن). (ولقد رهن النبي - صلى الله عليه وسلم -): قال ابن المنير: فيه من الفقه أن قِنية آلة الحرب (¬1) لا تدل على تحبيسها (¬2). * * * باب: الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ ومَخْلُوبٌ 1413 - (2512) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، ¬

_ (¬1) في "ع": "الرهن". (¬2) وانظر: "فتح الباري" (5/ 141).

أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الرَّهْنُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُوناً، وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُوناً، وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ النَّفَقَةُ". (وعلى الذي يركب ويشرب النفقةُ): مذهب مالك -رضي الله عنه-: أن النفقة على الرهن (¬1) الواجبةَ قبلَ رهنه باقيةٌ بعده. قال في "المدونة": كفنُ العبدِ المرهونِ إن مات ودفنُه على راهنه. بقي الكلام فيما إذا أنفق المرتهن، فهل تكون العين المرهونة رهناً بالنفقة أيضاً؟ قال ابن المنير: لا تكون رهناً بها حتى يأذنَ له المالكُ، ويصرِّحَ بأن الرهنَ رهنٌ بنفقتك أيضاً، أو يغيبَ ربُّها، فيرفع المرتهنُ القضيةَ (¬2) للإمام، فينفق بأمره، فيكون الرهنُ رهناً بالنفقة أيضاً، وإلا فهو فيها أسوة الغرماء، وفي لفظ "المدونة": فيها تقديم وتأخير وإشكال. قلت: الذي نقله شيخنا عنها لا إشكال فيه، وذلك أنه قال: وفيها: إن أنفق المرتهنُ على الراهن بأمر ربه، أو بغيره، اتَّبَعَهُ بما أنفق، [ولا يكُون ما أنفق] (¬3) في الرهن إن أنفق بأمره؛ لأنه سَلَف؛ بخلاف المنفِق على الضالة، هو أحقُّ بها من الغرماء حتى يستوفي نفقتَه؛ إذ لا نقدر على ربها، ولابد من النفقة عليها، والمرتهنُ ياخذ راهنَه بنفقته، فإن غاب، رفع ذلك للإمام. انتهى. ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "الراهن". (¬2) في "ج": "القصة". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع".

باب: إذا اختلف الراهن والمرتهن ونحوه، فالبينة على المدعي، واليمين على من أنكر

وفي المذهب خلاف في المسألة. بقي هنا فرع، وهو أنه لو قال الراهن للمرتهن: أنفقْ ونفقتُكَ في الرهن، فهل يكون رهناً بالنفقة؛ كما إذا صرح، أو يكون فائدة ذلك حبس الرهن عن ربه في النفقة، لا أنه (¬1) رهن بها؟ قولان للشيوخ. * * * باب: إِذَا اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ والمُرْتهِنُ ونحوُه، فالبينّةُ على المُدَّعي، واليمينُ على مَنْ أَنْكَرَ 1414 - (2514) - حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا ناَفِعُ بْنُ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَكَتَبَ إِلَيَّ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى: أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. (فكتب إلي أَن (¬2) النبي - صلى الله عليه وسلم -): بكسر إن على الحكاية، وبفتحها، على تقدير الجار؛ أي: كتب إلي بأن النبي - صلى الله عليه وسلم -. * * * 1415 - (2516) - ثُمَّ إِنَّ الأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ خَرَجَ إِلَيْنَا، فَقَالَ: مَا يُحَدِّثُكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَن؟ قَالَ: فَحَدَّثْنَاهُ، قَالَ: فَقَالَ: صَدَقَ، لَفِيَّ وَاللهِ أُنْزِلَتْ، كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ خُصُومَةٌ فِي بِئْرٍ، فَاخْتَصَمْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "شَاهِدُكَ أَوْ يَمِينُهُ". قُلْتُ: إِنَّهُ إِذاً ¬

_ (¬1) في "ع": "لأنه". (¬2) "أن" لبست في "ع" و"ج".

يَحْلِفُ وَلاَ يُبَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا مَالاً، هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ، لَقِيَ الله وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ". فَأَنْزَلَ اللهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ، ثُمَّ اقْتَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} إِلَى: {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 77]. (شاهداك أو يمينه): أي: عليك شاهداك (¬1)، أو عليه يمينه، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "شاهدان".

كتاب العتق

كِتابُ العِتْقَ

(كتاب: العتق): عرفه شيخنا ابن عرفة (¬1) -رحمه الله- بقوله: رَفْعُ مِلْكٍ حقيقيٍّ لا بسباءٍ (¬2) محرَّمٍ عن (¬3) آدميٍّ حَيٍّ (¬4). خرجَ بحقيقي: استحقاقُ عبدٍ بحرية، وبسباء (¬5) محرم: فداء المسلم من حربي سباه، أو ممن (¬6) صار له منه، وبقوله: عن آدمي حي (¬7): رفعه عنه بموته (¬8). وقول ابن عبد السلام: استغنى ابنُ الحاجب عن تعريف حقيقته؛ لشهرتها عند العامة والخاصة، يُرَدُّ بأن ذلك من حيثُ وجودُها، لا من حيثُ ¬

_ (¬1) "ابن عرفة" ليست في "ع" و"ج". (¬2) في "ع": "بسبي". (¬3) "عن" ليست في "ع". (¬4) "حي" ليست في "ع". (¬5) في "ع": "وبسبي". (¬6) في "ع": "من". (¬7) "حي" ليست في "ع" و"ج". (¬8) وانظر: "مواهب الجليل" للحطاب (6/ 324).

باب: في العتق وفضله

إدراكُ حقيقتها، بل كثير من المدرسين لو قيل له: ما حقيقةُ العتق (¬1)؟ لم يجب بشيء، ومن تأمل وأنصف، أدركَ ما قلناه، والله أعلم بمن اهتدى. * * * باب: في العِتْقِ وفَضْلِهِ 1416 - (2517) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي وَاقِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدٌ بْنُ مَرْجَانَةَ، صَاحِبُ عَلِيِّ ابْنِ حُسَيْنٍ، قَالَ لِي أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِماً، اسْتَنْقَذَ اللهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْواً مِنْهُ مِنَ النَّارِ". قَالَ سَعِيدٌ ابْنُ مَرْجَانَةَ: فَانْطَلَقْتُ إِلَى عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، فَعَمَدَ عَلِيُّ ابْنُ حُسَيْنٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- إِلَى عَبْدٍ لَهُ، قَدْ أَعْطَاهُ بِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَشَرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ -، أَوْ أَلْفَ دِينَارٍ-، فَأَعْتَقَهُ. (أَيُّما رجلٍ أعتقَ امرأً مسلماً): قال ابن المنير: الآية التي تلاها في أول الباب، وهي قوله تعالى: {فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: 13] في فضل العتق مطلقاً، ولو كانت الرقبة كافرةً، وهذا الحديث يخص المؤمنةَ، ولا يمكن أن يقال بقياس الكافرة عليها في خصوص الوعد بالعتق من النار؛ لئلا يلغو مزيَّةُ الإيمان، فعلى هذا لا يستقيم تعليلُ مَنْ علل (¬2) تكميلَ العتق بتكميل (¬3) نجاته من النار؛ لأن مقتضاه ألا يكمل على الشريك عتق الرقبة الكافرة، ¬

_ (¬1) في "ع": "المعتق". (¬2) في "ج": "العلل". (¬3) "العتق بتكميل" ليست في "ع".

باب: أي الرقاب أفضل

والمذاهبُ على خلافه. نعم، يدل التخصيص على اختصاص الكفارات بالرقبة المؤمنة؛ لأن سبب الكفارة (¬1) موجبا للنار، فالكفارة إذن منقذة (¬2) من النار، فينبغي ألا تكون إلا بمؤمنة يوجب عتقُها العتقَ من النار، ولهذا لا يُبَعَّض، ولو أعتق نصفين من رقبتين، لم يجزئه؛ لعدم مطابقة الأعضاء. * * * باب: أيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ 1417 - (2518) - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُرَاوحٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "إِيمَانٌ بِاللهِ، وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ". قُلْتُ: فأَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قالَ: "أَغْلاَهَا ثَمَناً، وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا". قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟ قَالَ: "تُعِينُ صَانِعاً، أَوْ تَصْنَعُ لأَخْرَقَ". قَالَ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟ قَالَ: "تَدَعُ النَّاسَ مِنَ الشَّرِّ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ تَصَدَّقُ بِهَا عَلَى نَفْسِكَ". (قال: أغلاها ثمناً): بالغين المعجمة، ويروى بالمهملة. (تُعين ضائعاً): -بالضاد المعجمة-، هكذا رواية هشام التي رواها البخاري من جهته؛ أي: ذا ضَياع؛ من فقر، أو عيال، أو حال قصر عن القيام بها. وروي بالصاد المهملة والنون. ¬

_ (¬1) في "ج": "الكافرة". (¬2) في "ج": "متقدمة".

باب: ما يستحب من العتاقة في الكسوف أو الآيات

وقال الدارقطني: إنه الصواب؛ لمقابلته (¬1) الأخرق، وهو الذي لا يحسن العمل. وقال معمر: كان الزهري يقول: صَحَّفَ هشام، إنما هو الصانع (¬2) (¬3). (أو تصنعُ لأخرقَ): أي: جاهل بما (¬4) يجب أن يعملَه، ولم يكن في يده صنعة يكتسب بها. * * * باب: مَا يُسْتحبُّ مِنَ العَتَاقَةِ في الكُسُوفِ أو الآياتِ 1418 - (2520) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا عَثَّامٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَتْ: كنَّا نُؤْمَرُ عِنْدَ الْخُسُوفِ بِالْعَتَاقَةِ. (عثام): -بالعين المهملة والثاء المثلثة-: هو ابنُ علي، ذكره (¬5) هنا خاصة. (بالعَتاقة): بفتح العين. * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "لمقابلة". (¬2) في "ع": "الضائع". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 559). (¬4) في "ع": "مما". (¬5) في "ع" و"ج": "ما ذكره".

باب: إذا أعتق عبدا بين اثنين، أو أمة بين الشركاء

باب: إِذَا أَعْتَقَ عَبْداً بينَ اثْنينِ، أَو أَمَةً بينَ الشُّركَاءِ 1419 - (2521) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "مَنْ أَعْتَقَ عَبْداً بَيْنَ اثْنَيْنِ، فَإِنْ كَانَ مُوسِراً قُوِّمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُعْتَقُ". (من أعتقَ عبداً بين اثنين): قال ابن المنير: فيه دليل لطيفٌ على صحة إطلاق الجمع على الواحد؛ لأنه (¬1) قال: "عبداً (¬2) بين اثنين"، ثم قال: فأعطى (¬3) شركاءه حصصهم، والمراد: شريكه قطعاً. قلت: هذا سهو (¬4) منه -رحمه الله-؛ فإن الحديث الذي فيه: "مَنْ أعتقَ عبداً بينَ اثنين" ليس فيه: "فَأَعْطَى شُرَكاءَهُ"، وإنما فيه: "فإنْ كان موسِراً، قُوِّمَ عليه، ثم يُعتق"، والحديث الذي فيه: "فأعطى شركاءه حصصَهم" ليس فيه: "مَنْ أعتقَ عبداً بين اثنين"، وإنما فيه: "من أعتقَ شِرْكاً له في عَبْدٍ". (ثم يُعتقُ): بضم المثناة من تحت ومن فوق. فيه حجة قوية للمشهور من مذهبنا: في أن العتق بالحكم لا بالسراية. * * * 1420 - (2522) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ ¬

_ (¬1) في "ع": "لأن". (¬2) في "ع": "عبد". (¬3) في "ع": "فأعطاه". (¬4) في "ع": "هو سهو".

باب: الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه، ولا عتاقة إلا لوجه الله

ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ أَعْتَقَ شِرْكاً لَهُ فِي عَبْدٍ، فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ، قُوِّمَ الْعَبْدُ قِيمَةَ عَدْلٍ، فَأعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ، وَإِلاَّ، فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ". (فأُعطي شركاؤُه): ببناء أُعطي للمفعول، وشركاءه نائب عن الفاعل، هذا هو المشهور في الرواية. ويروى: ببناء أعطى للفاعل، ونصب شركاءه على المفعولية. (حصصهم): أي: قيمةَ حصصِهم. (وإلا، فقد عَتَق): -بفتح العين والتاء-، ولا يبنى للمفعول إلا إذا كان بهمزة التعدية، فيقال: "أُعْتِقَ"، وهي رواية هنا. * * * 1421 - (2523) - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِع، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَن أَعْتَقَ شِرْكاً لَهُ فِي مَمْلُوكٍ، فَعَلَيْهِ عِتْقُهُ كُلِّهِ، إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ، يُقَوَّمُ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ، فَأُعْتِقَ مِنْهُ مَا أَعْتَقَ". (فعليه عتقه كلِّه): بالجر على أنه تأكيد للضمير المضاف إليه. * * * باب: الْخَطَأ وَالنِّسْيَانِ فِي الْعَتَاقَةِ وَالطَّلاَقِ وَنَحْوِهِ، وَلاَ عَتَاقَةَ إِلاَّ لِوَجْهِ الله (باب: الخطأ والنسيان في العَتاقة والطلاق): قال ابن المنير: اشتهر

عن مالك -رحمه الله- قولان في الطلاق بالنية، والعتق بالنية، فأشكل على كثير قولُ الإلزام بمجرد النية، حتى قال بعض أهل المذهب: لا يثبت عن مالك هذا القول إلا مخرجاً تخريجاً معترضاً، فظن هذا القائل أن الناقل تلقى ذلك من مسألة من قال: اسقني الماء، ونوى الطلاق أو العتق، فقال مالك -رحمه الله-: يلزمه ذلك. قال المخرج: وليس هذا لفظاً يتناول عتقاً ولا طلاقاً، فوجودُه كعدمه، فالحكمُ حينئذ إنما يحال على النية. ورُدَّ هذا التخريج بأن النية هنا صاحَبَها قولٌ اصطلاحي، وإذا لزمه اصطلاحُ غيره إجماعاً، فاصطلاحُه مع نفسه أجدُر، فلا يؤخذ منه اللزوم بمجرد النية. والصحيح عندنا أن النقل ثابتٌ صريحاً عن مالك (¬1) غير مخرج. ووجهُ الإشكال الذي حمل المنكرين للنقل على الإنكار: أن النية عبارةٌ عن القصد في الحال، أو العزم في الاستقبال، فكما لا يكون قاصدُ الصلاة مصلياً حتى يفعلَ المقصود، وكذا قاصدُ الزكاة والنكاحِ، وهَلُمَّ جراً، كذلك ينبغي أن يكون قاصدُ الطلاق. ثم قول القائل: يقع الطلاق بالقصد، متدافعٌ، وحاصلُه: يقعُ ما لم يوقعه المكلَّف؛ إذ القصدُ ضرورة يفتقر إلى مقصود النية، فكيف يكون القصدُ نفسَ المقصود؟ هذا (¬2) قلبٌ (¬3) للحقائق، فمن هنا اشتد الإنكار حتى ¬

_ (¬1) "عن مالك" ليست في "ج". (¬2) في "ج": "وهذا". (¬3) في "ع": "قلبت".

حمل (¬1) على التأويل أو (¬2) التوريك في النقل. والذي يرفع الإشكال: أن النية التي أُريدت هنا، هي (¬3) الكلام النفسي، والذي يعبر عنه بقول القائل: أنت طالق، فالمعنى الذي هذا لفظه هو المراد بالنية، وإيقاعُ الطلاق على من تكلم بالطلاق وأنشأه حقيقة لا ريب فيه، وذلك أن الكلام يطلق على النفسي حقيقةً (¬4)، وعلى اللفظي، قيل: حقيقةً (¬5)، وقيل: مجازاً، ولهذا نقول: قاصدُ الإيمان [مؤمن؛ أي: المتكلمُ بالإيمان] (¬6) كلاماً نفسياً مصدقاً عن معتقده مؤمن، ولذلك (¬7) المعتقدُ الكفرَ بقلبه المصدِّقُ له كافرٌ، وكذلك عندي المتكلِّم في نفسه بالبيع والشراء أو (¬8) الإجارة عاقدٌ فيما بينه وبين الله، لكن لا يتصور لخصمه مطالبته في الدنيا؛ لأنه لا يطلع على ذلك. وأما المتكلمُ في نفسه بإحرام الصلاة، وبالقراءة (¬9)، فإنما لم يُعَدَّ مصلياً، ولا قارئاً بمجرَّد الكلام النفسيِّ؛ لتعبُّدِ الشرع في هذه المواضع الخاصةِ بالنطق اللفظيِّ، ألا ترى أن المتكلمَ بإحرام الحج في نفسِه محرمٌ، ¬

_ (¬1) في "ع": "عمل". (¬2) في "ج": "و". (¬3) "هي" ليست في "ع". (¬4) في "ع": "حقيقته". (¬5) في "ع": "حقيقته". (¬6) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬7) في "ع" و"ج": "وكذلك". (¬8) في "ع": "و". (¬9) في "ج": "والقراءة".

وإن لم يلبِّ؟ وقد نصَّ مالكٌ نصاً (¬1) لا يُدفع على أن المخَيَّرة (¬2) إذا تستَّرَتْ، ونقلت قماشها ونحو ذلك، كان ذلك اختياراً للطلاق، وإن لم (¬3) تتكلم بلفظ؛ لأنها قد تكلمت في نفسها، ونصبَتْ هذه الأفعالَ دلالاتٍ على الكلام النفسي؛ فإن الدليل عليه لا يَخُصُّ النطقَ، بل تدخل فيه الإشاراتُ والنقراتُ والرموزُ والخطوطُ، ولهذا كانت المعاطاة عنده بيعاً (¬4)؛ لدلالتها على الكلام النفسي عرفاً، فاندفع السؤال، وصار ما كان مشكلاً هو اللائح، وتكون ترجمة البخاري تؤيد قول (¬5) ابن القاسم [في عتق مرزوقٍ بالنية، ولا يعكُسُه مع ذلك على عتق ناصح باللفظ؛ لأن ابن القاسم] (¬6) إنما فرض الكلام فيما إذا ضبطت النيةُ اللفظَ، وهذا لا ينبغي أن يُختلف فيه؛ فإن من شهدت عليه بينةٌ بإقرارٍ ونحوه، فادَّعى أنه أخطأ في لفظه، وأنه أراد غيرَ ذلك، لا تُقبل هذه الدعوى منه اتفاقاً، والأصل في الألفاظ أنها منبعثة عن القصود (¬7)، غيرَ أن ذلك يُشكل على أصل ابن القاسم من وجهٍ آخرَ، وذلك أنه منعَ الشهادةَ على الكلام حتى يستوعبه الشاهدُ أولَه وآخرَه. لكن الفرض أن الشاهد اجتهد في الضبط، فلم يسمع إلا قولَه لناصحٍ ¬

_ (¬1) في "ج": "وقد قال مالك أيضاً". (¬2) في "ع": "المخبرة". (¬3) في "ع": "ولم". (¬4) في "ج": "تبعاً". (¬5) في "ج": "كلام". (¬6) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬7) في "ع" و"ج": "المقصود".

عقيبَ قولِ (¬1): نعم أنت حر، ولو ضيقنا الفرض بأن نفرضه قال بحضرة البينة: قد عزمتُ على أن أناديَ مرزوقاً فأعتقَه، ثم قال: يا مرزوقُ! فقال ناصح: نعم، فقال: أنت حر؛ لكان الأظهر هنا أن لا يعتق إلا مرزوق، لاسيما إذا زدنا (¬2) الفرض تضييقاً؛ بأن يقول للبينة: اعلموا أني لا أعتق إلا مرزوقاً، [وإن أجابني غيره، فقلت: إنه حر، فإنما أعني مرزوقاً] (¬3)، فهنا لا يُتصور خلاف في أنه لا يُعتق إلا مرزوق (¬4). * * * 1422 - (2528) - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي مَا وَسْوَسَتْ بِهِ صُدُورُهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ، أَوْ تَكَلَّمْ". (إن الله تجاوزَ عن أمتي ما وسوسَتْ به صُدُورُها): -بضم صدورها- نحو: {وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} [ق: 16]. ورواه الأصيلي بالفتح، ووسوست على هذا بمعنى: حدثت، وهو كما وقع في الرواية الأخرى: "ما حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَها" -بفتح أنفسَها-، ويدل ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "قوله". (¬2) في "ع": "أردنا". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬4) في "ج": "مرزوقاً".

باب: إذا قال لعبده: هو لله، ونوى العتق، والإشهاد في العتق

عليه أن أحدنا يحدِّثُ نفسَه (¬1). * * * باب: إِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: هُوَ لِلَّهِ، وَنَوَى الْعِتْقَ، وَالإشْهَادِ فِي الْعِتْقِ (باب: إذا قال لعبده: هو لله، ونوى العتق، والإشهادِ في العتق): هو بجر الإشهادِ؛ أي: وبابُ (¬2) الإشهادِ، فينبغي، حذف التنوين من باب، فيصح العطف على المضاف إليه. 1423 - (2530) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ، عَنْ إسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّهُ لَمَّا أَقْبَلَ يُرِيدُ الإِسْلاَمَ، وَمَعَهُ غُلاَمُهُ، ضَلَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ، فَأقْبَلَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ جَالِسٌ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! هَذَا غُلاَمُكَ قَدْ أَتَاكَ". فَقَالَ: أَمَا إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّهُ حُرٌّ، قَالَ: فَهُوَ حِينَ يَقُولُ: يَا لَيْلَةً مِنْ طُولِهَا وَعَنَائِهَا ... عَلَى أَنَّهَا مِنْ دَارَةِ الْكُفْرِ نَجَّتِ (هو (¬3) حين يقول: يا ليلةً من طولها وعَنائها على أنها من دارة الكفر نَجَّتِ): هو من بحر الطويل، ودخلَ الجزءَ الأولَ منه الثَّلم. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 560). (¬2) في "ع": "ويأتي". (¬3) نص البخاري: "فهو".

باب: أم الولد

1424 - (5312) - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: لَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قُلْتُ فِي الطَّرِيقِ: يَا لَيْلَةً مِنْ طُولِهَا وَعَنَائِهَا ... عَلَى أَنَّهَا مِنْ دَارَةِ الْكُفْرِ نَجَّتِ قَالَ: وَأَبَقَ مِنِّي غُلاَمٌ لِي فِي الطَّرِيقِ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، بَايَعْتُهُ، فَبَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ، إِذْ طَلَعَ الْغُلاَمُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! هَذَا غُلاَمُكَ"، فَقُلْتُ: هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ، فَأَعْتَقْتُهُ. (وأبقَ لي غلامٌ (¬1)): أَبقَ (¬2) بفتحات. وحكى ابن القطاع فيه لغة بكسر الباء (¬3)، والله أعلم. * * * باب: أُمِّ الْوَلَدِ 1425 - (2533) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: إِنَّ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: أَنْ يَقْبِضَ إِلَيْهِ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ، قَالَ عُتْبَهَ: إِنَّهُ ابْنِي، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زَمَنَ الْفَتْحِ، أَخَذَ سَعْدٌ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ، فَأَقْبَلَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَقْبَلَ مَعَهُ بِعَبْدِ ¬

_ (¬1) نص البخاري: "وأبق مني غلام لي". (¬2) "أبق" ليست في "ع". (¬3) انظر: "الأفعال" (1/ 40). وانظر: "التنقيح" (2/ 561).

ابْنِ زَمْعَةَ، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَذَا ابْنُ أَخِي، عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ، فَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَذَا أَخِي ابْنُ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى ابْنِ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ، فَإِذَا هُوَ أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ". مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبيهِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بِنْتَ زَمْعَةَ"؛ مِمَّا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ، وَكَانَتْ سَوْدَةُ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (باب: أم الولد). (يا سودةَ بنتَ زمعةَ): -بفتح سودةَ وضمِّها- على الوجهين المشهورين في مثل: يا زيدَ بنَ عمرٍو، وأما بنتَ زمعةَ، فبالنصب لا غير؛ لأنه مضاف إضافة معنوية، وما كان كذلك (¬1) من توابع المنادى وجبَ نصبُه. وفي الزركشي: يجوز رفعُ بنت (¬2)، وهو خطأ منه، أو من الناسخ. وسأل ابن المنير عن وجه مطابقة الترجمة على أم الولد لحديثَي الباب، وهما حديث: "مِنْ أَشْرَاطِ (¬3) السَّاعَةِ أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا"، وحديثُ ابنِ وليدةِ زمعةَ؟ وأجاب: بأن البخاري أراد إثباتَ حرمة أم الولد، وأنها لا تُباع، واستدل بقوله: "تلد الأمةُ ربتها" من جهة كونِه من أشراط (¬4) الساعة؛ أي: يعتق الرجلُ والمرأةُ أُمَّهما الأمةَ، ويعاملانها معاملةَ السيدِ للأمة؛ تقبيحاً ¬

_ (¬1) في "ج": "ذلك". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 561). (¬3) في "ج": "اشتراط". (¬4) في "ج": "اشتراط".

لذلك، وعدَّه من الفتن في الدين، ومن أشراط الساعة، فدل ذلك (¬1) على أنها محترمة شرعاً. واستدل أيضاً بقوله: "الولدُ للفراشِ" [على أن أمَّ الولدِ فِراشٌ] (¬2) كالحرة؛ بخلاف الأَمَة، ولهذا سوَّى بينهما في هذا اللفظ العام. وقد استُشْكِل هذا الحديثُ من جهة خروجه عن الأصول المجتمع عليها، وذلك أن الاتفاق على أنه لا يَدَّعي أحدٌ عن أحد إلا بتوكيل من المدير له، ولم يذكر توكيلَ عتبَة (¬3) لأخيه سعدٍ، وأيضاً (¬4) فعبدُ بنُ زمعة ادَّعى على أبيه ولداً (¬5) بقوله: أخي، وابن وليدة أبي، ولد على فراشه، ولم يأت ببينة (¬6) على إقرار أبيه، ولا يجوز دعواه على أبيه، ولا يستلحق غير الأب. وجوابه من ثلاثة أوجه: إما أن يكون (¬7) [فتوى. إما أن يكون] (¬8) حكماً، واستوفيت الشروط، ولم تستوعب الرواة القصة. ¬

_ (¬1) "ذلك" ليست في "ع" و"ج". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬3) "عتبة" ليست في "ع". (¬4) في "ع": "سعيد أيضاً". (¬5) في "ع": "وكذا". (¬6) في "م": "بينة". (¬7) "إما أن يكون" ليست في "ع". (¬8) ما بين معكوفتين ليس في "ج".

باب: بيع المدبر

وإما حكماً، فلا يحتاج إلى إثبات وكالة ولا وصية (¬1)؛ لأن كلاً منهما يطلب الحضانة، وهي حقه؛ إذ أحدُهما في دعواه عم، والآخرُ أخ، أو تحاكما في الأخوة والعمومة؛ لما يبتنى عليه من الميراث المتوقع لهما. * * * باب: بَيْعِ المُدَبَّرِ 1426 - (2534) - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو ابْنُ دِينَارٍ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنَّا عَبْداً لَهُ عَنْ دُبُرٍ، فَدَعَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِهِ، فَبَاعَهُ. قَالَ جَابِرٌ: مَاتَ الْغُلاَمُ عَامَ أَوَّلَ. (فمات الغلامُ عامَ أولَ): بالفتح على البناء. و (¬2) يروى: "مات"، بدون فاء (¬3). * * * باب: إِذَا أُسِرَ أَخُو الرَّجُلِ أَوْ عَمُّهُ، هَلْ يُفَادَى إِذَا كَانَ مُشْرِكاً؟ (باب: إذا أُسر أخو الرجل أو (¬4) عمُّه): مراده: أن العمَّ وابَن العم ¬

_ (¬1) في "ج": "وصيته". (¬2) الواو ليست في "ج". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 561). (¬4) في "ع": "و".

ونحوَهما من ذوي الرَّحِم لا يعتقون على من ملكهم من ذوي رحمهم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك في عمه العباس، وفي ابن عمه عَقيل، مع أنهما من الغنيمة بالتي له فيها نصيب، وكذلك علي، ولم يعتقا على واحد منهما، وهو حجة على أبي حنيفة -رحمه الله- في أن من ملك ذا رحم محرم عتقَ عليه (¬1). * * * 1427 - (2537) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ مُوسَى، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رِجَالاً مِنَ الأَنْصَارِ اسْتَأذَنُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالُوا: ائْذَنْ فَلْنَتْرُكْ لاِبْنِ أُخْتِنَا عَبَّاسٍ فِدَاءَهُ، فَقَالَ: "لاَ تَدَعُونَ مِنْهُ دِرْهَماً". (فقالوا: ائذن (¬2) -لنا- فلنتركْ لابنِ أختِنا عباسٍ فداءه): الذي أَسر العباسَ هو أبو اليسر كعبُ بنُ عمرٍو، كذا في "تفسير البغوي". وقيل: هو، و (¬3) طارق بنُ عُبيد بنِ مسعود، ذكره القسطلاني. وقيل: أسره عُبيد بنُ أَوس من بني ظفر، ذكره ابن سعد في ترجمة (¬4) العباس. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 562). (¬2) في "ع": "قالوا أذن". (¬3) الواو ليست في "ع" و"ج". (¬4) في "ج": "ترجمته".

باب: من ملك من العرب رقيقا، فوهب وباع، وجامع وفدى، وسبى الذرية

باب: مَنْ مَلَكَ مِنَ الْعَرَبِ رَقِيقاً، فَوَهَبَ وَبَاعَ، وَجَامَعَ وَفَدَى، وَسَبَى الذُّرِّيَّةَ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [النحل: 75]. (باب: من ملكَ من العرب رقيقاً {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: 75]: وجهُ مطابقةِ الترجمة لهذه الآية: أن الآية أَطلقت القولَ في العبد المملوك، ولم تقيده بكونه عجمياً، فدل ذلك على أن العبد يكون عجمياً وعربياً. * * * 1428 - (2543) - حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ ابْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: لاَ أَزَالُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ. وَحَدَّثَنِي ابْنُ سَلاَمٍ: أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَعَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: مَا زِلْتُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ مُنْذُ ثَلاَثٍ، سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ فِيهِمْ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "هُمْ أَشَدُّ أُمَّتِي عَلَى الدَّجَّالِ". قَالَ: وَجَاءَتْ صَدَقَاتُهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هَذِهِ صَدَقَاتُ قَوْمِنَا". وَكَانَتْ سَبِيَّةٌ مِنْهُمْ عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَ: "أَعْتِقِيهَا؛ فَإِنَّهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ".

باب: فضل من أدب جاريته وعلمها

(فقال: أعتقيها (¬1)؛ فإنها من ولد إسماعيل): قال ابن المنير: تملُّكُ العربِ لابدَّ عندي فيه من تفصيل ومن تخصيص للشرفاء من ولد فاطمة -رضي الله عنها-، فلو فرضنا أن حَسَنِيّاً وحُسَينِيّاً تزوج أمة، لاستبعدنا الخلافَ (¬2) في أن ولدَه منها لا يُسْتَرَقُّ؛ بدليل قوله -عليه السلام-: "أعتقيها (¬3) [فإنها] من ولد إسماعيل"، فإذا كان كونهُا من ولد إسماعيل يوجب الاستحبابَ، فكونُها بالمثابة التي فرضناها يوجبُ الحرية (¬4) حتماً، فالخلاف فيه صعب عسير (¬5). * * * باب: فَضْلِ مَنْ أدَّبَ جَارِيَتَهُ وعَلَّمَها 1429 - (2544) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ فُضَيْلٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ، فَعَالَهَا، فَأَحْسَنَ إلَيْهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوجَهَا، كَانَ لَهُ أَجْرَانِ". (من كانت له جارية فعلَّمها): هذا شاهد الترجمة. ¬

_ (¬1) في "ع": "أعتقها". (¬2) في "ع": "لاستبعد بالخلاف". (¬3) في "ع" و"ج": "أعتقها". (¬4) في "ع": "الحرمة". (¬5) في "ع": "عسر".

باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "العبيد إخوانكم، فأطعموهم مما تأكلون"

ولأبي زيد: "فعالَها" من العَوْل (¬1). * * * باب: قولِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "العَبِيدُ إِخْوانُكم، فَأَطْعِموهُم ممَّا تَأْكُلُونَ" 1430 - (2545) - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إَيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا وَاصِلٌ الأَحْدَبُ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَعْرُورَ بْنَ سُوَيْدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ الْغِفَارِيَّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، وَعَلَى غُلاَمِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلاً، فَشَكَانِي إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّه؟! ". ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ إِخْوَانَكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَأَعِينُوهُمْ". (ساببتُ رجلاً): سبقَ أنه بلال رضي الله عنه. (أعيرته بأمه؟!): قال الزركشي: الأفصحُ تعديتُه بنفسِه (¬2). (إخوانُكم خَوَلُكم): -بفتح الخاء المعجمة-: حَشَمُ الرجلِ وأتباعُه، واحده خائِل. (ولا تكلّفوهم): -بتشديد اللام-؛ من التكليف. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 562). (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 563).

باب: العبد إذا أحسن عبادة ربه، ونصح سيده

باب: العَبْدُ إِذَا أَحْسَنَ عِبَادَةَ ربِّهِ، ونِصَحَ سَيِّدَهُ 1431 - (2548) - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لِلْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ الصَّالِحِ أَجْرَانِ"، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَوْلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَالْحَجُّ، وَبِرُّ أُمُّي، لأَحْبَبْتُ أَنْ أَمُوتَ وَأَناَ مَمْلُوكٌ. (والذي نفسي بيده! لولا الجهادُ في سبيل الله، والحجُّ، وبرُّ أمي، لأحببت أن أموت وأنا مملوك): هذا مُدْرَجٌ في الحديث من قول أبي هريرة، ويدل عليه قوله: "وبرُّ أمي". وكلام الخطابي يدل على أنه مرفوع، قال: ولله أن يمتحن أنبياءه وأصفياءه بالرق كما امتحن -عليه الصلاة والسلام- (¬1). * * * 1432 - (2549) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "نِعْمَ مَا لأَحَدِهِمْ، يُحْسِنُ عِبَادَةَ رَبِّهِ، وَيَنْصَحُ لِسَيِّدِهِ". (نعم ما لأحدهم (¬2)، يحسن عبادةَ ربه، وينصح لسيده): فاعلُ "نعم" ¬

_ (¬1) انظر: "أعلام الحديث" (2/ 1274). وانظر: "التنقيح" (2/ 563)، ووقع عنده: "كما امتحن يوسف عليه السلام". (¬2) في "ع": "لأحد".

باب: كراهية التطاول على الرقيق، وقوله: عبدي أو أمتي

ضمير مستتر فيها، مفسر بـ: "ما". وقول ابن مالك: "ما" (¬1) مساوية للضمير في الإبهام، فلا تميزه؛ لأن التمييزَ لبيان جنس المميز عنه، مدفوعٌ بأن "ما" ليس مساوياً للضمير؛ لأن المراد: شيء عظيم. فإن قلت: ما موقعُ قوله: "يُحسن عبادةَ ربه، وينصح لسيده"؟ قلت: هو تفسير لـ: "ما" (¬2) في المعنى، فلا محل له من الإعراب. * * * باب: كَرَاهِيَةِ التَّطَاوُلِ عَلَى الرَّقِيقِ، وَقَوْلِهِ: عَبْدِي أَوْ أَمَتِي (باب: كراهية التطاوُل على الرقيق، وقوله: عبدي وأمتي): ساق فيه قول الله تعالى: {وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32]، وقولَ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ"؛ تنبيهاً على أن النهيَ إنما جاء متوجِّهاً على السيد؛ إذ هو في مَظِنة الاستطالة، وأن قول الغير: هذا عبدُ زيد، وهذه أَمَةُ خالدٍ جائزٌ؛ لأنه يقوله إخباراً وتعريفاً، وليس في مظنة الاستطالة، والآيةُ والحديثُ مما يؤيد هذا الفرقَ. وفي الحكايات المأثورة: أن سائلاً وقفَ ببعض الأحياء، فقال: من سيدُ هذا الحيِّ؟ فقال رجل: أنا، فقال: لو كنتَ (¬3) سيدَهم لم تَقُلْه. ¬

_ (¬1) "ما" ليست في "ع". (¬2) في "ع" و"ج": "لها". (¬3) في "م": "كان".

باب: إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه

باب: إِذَا أَتَى أَحَدكُم خادِمُهُ بِطَعَامِهِ 1433 - (2557) - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ، فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ، فَلْيُنَاوِلْهُ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ، أَوْ أُكْلَةً أَوْ أُكْلَتَيْنِ؛ فَإِنَّهُ وَلِيَ عِلاَجَهُ". (أُكلة أو أُكلتين): -بضم الهمزة- يعني: اللقمةَ واللقمتين. [فإن قلت: سبق قولُه: "فليناوله لقمة أو لقمتين"] (¬1)، فما هذا العطف؟ قلت: لعل الراوي شكَّ هل قال (¬2) -عليه السلام-: "فليناولْه لقمةً أو لُقمتين"، أو قال: "فليناوله أو أُكلة أو أُكلتين"، فجمع بينهما، وأتى بحرف الشك؛ ليؤدِّيَ المقالةَ كما سمعَها. ويحتمل أن يكون من عطف أحدِ المترادفين على الآخر بكلمة أو، وقد صرح بعضُهم بجوازه. * * * باب: العَبْدُ راعٍ في مَالِ سَيِّدِهِ 1434 - (2558) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬2) "قال" ليست في "ج".

رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهْوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةُ وَهْيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهْوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ". قَالَ: فَسَمِعْتُ هَؤُلاَءِ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَحْسِبُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "فِي مَالِ أَبِيهِ رَاعٍ، وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ". (والخادمُ في مال سيده راعٍ): يلزم منه كونُ العبد لا يَمْلك كما يُفهم من كلام البخاري. فإن قيل: قد جعل رعايته في مال سيده مستوعبة لأحوال، وعامةً فيها. والجواب: أنه على تقدير تسليم العموم فيه، لا يتمسك به؛ فإن العام إذا سيق لغير مقصود العموم، لا يُستدل به على العموم، وإنما سيق الحديث للتحذير من الخيانة، ولتحقيق أنه مسؤولٌ ومحاسَبٌ، لا لغير ذلك. * * *

كتاب المكاتب

كِتابُ المُكَاتِب

باب: المكاتب، ونجومه في كل سنة نجم

(كتاب: المكاتب): قال شيخنا ابن عرفة -رحمه الله-: الكتابةُ عِتْقٌ على مالٍ مُؤَجَّلٍ من العبدِ موقوفٌ على أدائِه. فيخرج: على مال معجل، ويخرج أيضاً: عتق العبد على مال مؤجل على أجنبي (¬1). باب: الْمُكَاتَبِ، وَنُجُومِهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ نَجْمٌ وَقَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33]. وَقَالَ رَوْحٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَوَاجِبٌ عَلَيَّ إِذَا عَلِمْتُ لَهُ مَالًا أَنْ أُكُاتِبَهُ؟ قَالَ: مَا أُرَاهُ إلَّا وَاجِباً. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: تَأْثُرُهُ عَنْ أَحَدٍ؟ قَالَ: لاَ. ثُمَّ أَخْبَرَنِي: أَنَّ مُوسَى بْنَ أَنَسٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ سِيرِينَ سَألَ أَنَساً الْمُكَاتَبَةَ، وَكَانَ كَثِيرَ الْمَالِ، فَأَبَى، فَانْطَلَقَ إِلَى عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، فَقَالَ: كَاتِبْهُ، فَأَبَى، فَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ، وَيَتْلُو عُمَرُ: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33]، فَكَاتَبَهُ. ¬

_ (¬1) وانظر: "مواهب الجليل" للحطاب (6/ 344).

({فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33]): قال ابن المنير: لم يشك القائلون بأن العبد لا يملِكُ في أن المرادَ بالخير في الآية المالُ على أظهر التفاسير فيه، ومنهم ابن عباس، لا يقال: المال الذي يكتسبه بعدَ الكتابة؛ لأنا نقول: ذلك غيبٌ لا يعلم إلا الله، وقد قال البخاري في حديث سيرين: وكان كثير المال؛ أي: عندَ سؤالِه الكتابة، والبخاري ممن يرى أن العبدَ لا يملِكُ، وقال: إن الخير هنا المالُ، وعليه جاء حديثُ سيرين. * * * 1435 - (2560) - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: إِنَّ بَرِيرَةَ دَخَلَتْ عَلَيْهَا تَسْتَعِينُهَا فِي كِتَابَتِهَا، وَعَلَيْهَا خَمْسَةُ أَوَاقٍ، نُجِّمَتْ عَلَيْهَا فِي خَمْسِ سِنِينَ، فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ، وَنَفِسَتْ فِيهَا: أَرَأَيْتِ إِنْ عَدَدْتُ لَهُمْ عَدَّةً وَاحِدَةً، أَيَبِيعُكِ أَهْلُكِ فَأُعْتِقَكِ، فَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لِي؟ فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا، فَعَرَضَتْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: لَا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ لنَاَ الْوَلَاءُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اشْتَرِيهَا، فَأَعْتِقِيهَا؛ فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ". ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطاً لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ؟! مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطاً لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ، فَهْوَ بَاطِلٌ، شَرْطُ اللهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ". (دخلَتْ عليها تستعينها في كتابتها، وعليها خمس أواق نُجِّمَتْ عليها في خمسِ سنينَ): قال الزركشي: هذا خلافُ ما سيذكره قريباً، يريد (¬1): ¬

_ (¬1) "يريد" ليست في "ع".

ما ذكره في باب: استعانة المكاتبة من قوله: عن عائشة -رضي الله عنها-، قالت: "جاءت بريرة، فقالت: إني كاتبتُ أهلي على تسعِ أواقٍ، في كل عام (¬1) أوقية" (¬2). ثم حكى الزركشي عن الإِسماعيلي بأن الأخبار مصرِّحة بأنها كوتبت على تسعِ أواق، وأن ما ذكر (¬3) هنا مخالفٌ للأخبار الصحيحة (¬4). قلت: لا تعارُضَ بين الحديثين، وليس الثاني مخالفاً (¬5) للأول، وذلك أن هذا (¬6) الحديث يقتضي أنها جاءت تستعين وعليها خمسُ أواق منجَّمة في خمس سنين، وليس في ذلك تصريح بأن هذا هو مجموعُ ما عقدت الكتابة عليه؛ إذ يجوز أن يكون وقعت على تسع أوق، فأدَّت منها أربعاً، وبقي خمسٌ، فاستعانت في هذه الخمس الباقيةِ، والحديثُ الثاني مصرِّحٌ بأن الذي وقعت الكتابة فيه تسعُ أواق، ولم يتعرض فيه إلى أداء شيء منها، وقع أو لم يقع، فأين التعارض والتخالف؟ فتأمل. * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "يوم". (¬2) رواه البخاري (2563)، ومسلم (1504). (¬3) في "ع": "ذكره". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 564). (¬5) في "ع": "الباقي مخالف". (¬6) "هذا" ليست في "ع".

كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها

كِتَابُ الهِبَةِ وَفَضلِهَا وَالتَحريضِ عَلَيْهَا

1436 - (2566) - حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ! لاَ تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتها، وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ". (يا نساءُ المسلماتُ): روي بضم الهمزة، على أنه منادى مفرد يعرف (¬1) بالإقبال عليه، والمسلماتُ صفةٌ له، فيرفع على اللفظ، وينصب على المحل، وقد رُوي بهما. ويروى أيضاً: "يا نساءَ المسلماتِ" -بفتح الهمزة- على منادى مضاف، والمسلماتِ حينئذٍ صفةٌ لموصوف محذوفٍ، والتقدير: يا نساءَ الطوائفِ المسلماتِ، فيخرج حينئذٍ عن إضافة الموصوف إلى الصفة (¬2). وقد أطال ابن بطال في تقرير هذا المحل، ولم يأت بعدَ الإطالة بطائل. (ولو فِرْسِنَ شاةٍ): بفاء مكسورة فراء ساكنة فسين مهملة مكسورة فنون. قال القاضي: هو كالقَدَم من الإنسان. ¬

_ (¬1) في "ع": "يفعل". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 564).

قال غير واحد: هو ما دونَ الرُّسْغ، وفوقَ الحافر (¬1). قيل: وأشير بذلك إلى المبالغة (¬2) في قبول القليل من الهدية، لا إعطاء الفرسِنِ؛ لأن أحداً لا يهديه (¬3). * * * 1437 - (2567) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأُوَيْسِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: أَنَّهَا قَالَتْ لِعُرْوَةَ: ابْنَ أُخْتِي! إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلَالِ، ثُمَّ الْهِلاَلِ، ثَلاَثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ، وَمَا أُوقِدَتْ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَارٌ. فَقُلْتُ: يَا خَالَةُ! مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ؟ قَالَت: الأَسْوَدَانِ؛ التَمْرُ، وَالْمَاءُ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جِيرَانٌ مِنَ الأَنْصَارِ، كَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ، وَكَانُوا يَمْنَحُونَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ ألْبَانِهِمْ، فَيَسْقِينَا. (قالت لعروة: ابن أختي! (¬4)): قال الزركشي: بفتح الهمزة والنصب على النداء (¬5). قلت: فتكون الهمزة نفسُها حرف نداء، ولا كلام في ذلك مع ثبوت الرواية، وقد رأيته في بعض النسخ بوصل الهمزة، فتكون مكسورة عند ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 153). (¬2) في "ع": "أن المبالغة". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 565). (¬4) في "ع": "إخوتي". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 565).

الابتداء بها، وحرفُ النداء على هذا محذوف؛ أي: يا بن أختي! ومثلُه جائز إجماعاً، فيبحث عن تحرر (¬1) الرواية فيه. (إنْ كنا لننظر إلى الهلال): "إنْ" هذه مخففة من الثقيلة عند البصريين، والسلام فارقة بينها وبين النافية، وأما الكوفيون، فيرونها: "إن" النافية، ويجعلون اللام بمعنى إلا. (ما كان يُعيشكم؟): بضم حرف المضارعة، وهو مضارع أَعاشَ. (قالت: الأسودان: التمرُ والماء): هذا على التغليب؛ كالعمرين والقمرين، وهذا صريح في أنه من قول عائشة. وقال صاحب "المحكم": فسره أهل اللغة بالتَّمر والماء، و (¬2) عندي أنها إنما أرادت الحرَّة والليل، وذلك لأن وجود التمر والماء عندهم شِبَعٌ ورَي (¬3)، وخصبٌ لا سَغَبٌ، وإنما أرادت عائشة -رضي الله عنها- أن تبالغ في شدة الحال، وينتهي (¬4) في ذلك إلى ما لا يكون معه إلا الحرَّة والليل، وهو أذهبُ في (¬5) سوء الحال من التمر والماء (¬6). قلت: كأنه لم يقف على هذا الحديث، فخبطَ [خَبْطَ] عشواء، وأما إن وقف عليه، وفسر بعد ذلك مراد عائشة -رضي الله عنها- بما قاله، ¬

_ (¬1) في "ع": "تجوز". (¬2) الواو ليست في "ع" و"ج". (¬3) في "ع" و"ج": "وروي". (¬4) في "ع": "ينهي". (¬5) في "ج": "من". (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 565).

باب: القليل من الهبة

فهو عناد ومكابرة. (جِيران): بكسر الجيم. (منائح): جمعُ منيحة؛ أي: غَنَمٌ فيها لَبَن. (يَمنَحون): بفتح أوله وثالثه: مضارع منح، وبضم أوله وكسر ثالثه: مضارع أَمْنَحَ؛ أي (¬1): يجعلونها له منحةً. * * * باب: القَليلِ مِنَ الهِبَةِ 1438 - (2568) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أِبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "لَوْ دُعِيتُ إِلَى ذِرَاعٍ، أَوْ كُرَاعٍ، لأَجَبْتُ، وَلَوْ أُهْدِيَ إلَيَّ ذِرَاعٌ أَوْ كُرَاعٌ، لَقَبِلْتُ". (لو دُعيت إلى ذراعٍ أو كُراعٍ، لأجبتُ): الذراع: الساعدُ، والكُراع: ما دونَ الركبة من الساق. قال الزركشي: وأغربَ الغزالي في "الإحياء": أن كراعاً هنا كراعُ الغميم الموضعُ البعيدُ من المدينة، واحتجَّ به لإجابة الدعوةِ من المكان البعيد، ثم (¬2) رأيت صاحب "مرآة الزمان" حكى في المراد بالكراع وجهين (¬3). ¬

_ (¬1) "أي" ليست في "ج". (¬2) "ثم" ليست في "ج". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 566).

باب: من استوهب من أصحابه شيئا

باب: مَنِ اسْتَوْهَبَ مِنْ أَصْحَابِهِ شَيْئَاً 1439 - (2570) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ السَّلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: كُنْتُ يَوْماً جَالِساً مَعَ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَنْزِلٍ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَازِلٌ أَمَامَنَا، وَالْقَوْمُ مُحْرِمُونَ، وَأَنَا غَيْرُ مُحْرِمٍ، فَأَبْصَرُوا حِمَارًا وَحْشِيّاً، وَأَنَا مَشْغُولٌ أَخْصِفُ نَعْلِي، فَلَمْ يُؤْذِنُونِي بِهِ، وَأَحَبُّوا لَوْ أَنِّي أَبْصَرْتُهُ، وَالْتَفَتُّ فَأَبْصَرْتُهُ، فَقُمْتُ إِلَى الْفَرَسِ فَأَسْرَجْتُهُ، ثُمَّ رَكِبْتُ وَنَسِيتُ السَّوْطَ وَالرُّمْحَ، فَقُلْتُ لَهُمْ: نَاوِلُونِي السَّوْطَ وَالرُّمْحَ، فَقَالُوا: لاَ وَاللهِ لاَ نُعِينُكَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، فَغَضِبْتُ، فَنَزَلْتُ فَأَخَذْتُهُمَا، ثُمَّ رَكِبْتُ فَشَدَدْتُ عَلَى الْحِمَارِ فَعَقَرْتُهُ، ثُمَّ جِئْتُ بِهِ وَقَدْ مَاتَ، فَوَقَعُوا فِيهِ يَأَكُلُونَهُ، ثُمَّ إِنَّهُمْ شَكُّوا فِي أَكْلِهِمْ إِيَّاهُ وَهُمْ حُرُمٌ، فَرُحْنَا وَخَبَأْتُ الْعَضُدَ مَعِي، فَأَدْرَكْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: "مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ؟ "، فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَنَاوَلْتُهُ الْعَضُدَ، فَأَكَلَهَا حَتَّى نَفَّدَهَا وَهْوَ مُحْرِمٌ. (عن عبد الله بن أبي قتادة السَّلَمي): بفتح السين واللام. (قمت إلى الفرس): اسمه الجرادة كما رواه البخاري في الجهاد (¬1). (فأدركْنا): بإسكان الكاف. (حتَّى نفَّدها): -بفاء مشددة ودال مهملة-؛ أي (¬2): أفناها، ومنهم ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2854). (¬2) "أي" ليست في "ع".

باب: من استسقى

من قيده بفتح النون وكسر الفاء مخففة. * * * باب: مَنِ اسْتَسْقَى 1440 - (2571) - حَدَّثَنَا خَالِدٌ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو طُوَالَةَ -اسْمُهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ-، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَساً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُولُ: أًتَانَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي دَارِنَا هَذِهِ، فَاسْتَسْقَى، فَحَلَبْنَا لَهُ شَاةً لَنَا، ثُمَّ شُبْتُهُ مِنْ مَاءِ بِئْرِنَا هَذِهِ، فَأَعْطَيْتُهُ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ يَسَارِهِ، وَعُمَرُ تُجَاهَهُ، وَأَعْرَابِيٌّ عَنْ يَمِينهِ، فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَ عُمَرُ: هَذَا أَبُو بَكْرٍ، فَأَعْطَى الأَعْرَابِيَّ، ثُمَّ قَالَ: "الأَيْمَنُونَ، الأَيْمَنُونَ، أَلاَ فَيَمِّنُوا". قَالَ أَنَسٌ: فَهْيَ سُنَّةٌ، فَهْيَ سُنَّةٌ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. (أبو طُوالة): -بضم الطاء المهملة- عبد الله (¬1) بن عبد الرحمن. (ثم شُبِته): -بضم الشين المعجمة وكسرها-؛ أي: خلطته (¬2). (ثم قال: الأيمنون فالأيمنون): قال الزركشي: كذا بالرفع بتقدير (¬3) مبتدأ مضمر؛ أي: المقدَّم (¬4). قلت: أو مرفوع بفعل محذوف؛ أي: يُقَدَّم الأيمنون. ¬

_ (¬1) في "ع": "عن عبد الله". (¬2) في "ج": "خليطه". (¬3) في "ع": "بتقديم". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 567).

باب: قبول هدية الصيد

باب: قَبُولِ هديَّةِ الصَّيدِ 1441 - (2572) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: أَنْفَجْنَا أَرْنَباً بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، فَسَعَى الْقَوْمُ فَلَغَبُوا، فَأَدْرَكْتُهَا فَأَخَذْتُهَا، فَأَتَيْتُ بِهَا أَبَا طَلْحَةَ، فَذَبَحَهَا، وَبَعَثَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِوَرِكِهَا -أَوْ فَخِذَيْهَا، قَالَ: فَخِذَيْهَا لاَ شَكَّ فِيهِ-، فَقَبِلَهُ. قُلْتُ: وَأَكَلَ مِنْهُ؟ قَالَ: وَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ بَعْدُ: قَبِلَهُ. (أَنْفَجْنا): -بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الفاء وسكون الجيم-؛ أي: أَثَرْنا ونَفَّرْنا. (بمَرّ الظهران): -بفتح الميم وتشديد الراء والظاء المعجمة-: موضع قريب من مكة، وقد مر. (فلَغَبوا): -بفتح الغين المعجمة وكسرها-؛ أي: تعبوا، والفتحُ أفصح، وبعضُهم يُنكر الكسر. * * * باب: قَبُولِ الهَدِيَّهِ 1442 - (2575) - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ إِيَاسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: أَهْدَتْ أُمُّ حُفَيْدٍ خَالَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ، إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَقِطاً وَسَمْناً وَأَضُبّاً، فَأَكَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الأَقِطِ وَالسَّمْنِ، وَتَرَكَ الضَّبَّ تَقَدُّراً. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأُكِلَ عَلَى مَائِدَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَوْ كَانَ حَرَاماً، مَا أُكِلَ عَلَى مَائِدَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -.

(أم حُفيد): بحاء مهملة مضمومة ففاء فياء تصغير فدال مهملة. (وَأَضُبّاً): جمع ضَبّ؛ مثل: كَفّ وأكُفّ: دُوَيبة لا تشرب الماء (¬1). * * * 1443 - (2576) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أُتِيَ بِطَعَامٍ، سَألَ عَنْهُ: "أَهَدِيَّةٌ أَمْ صَدَقةٌ؟ " فَإِنْ قِيلَ: صَدَقَةٌ، قَالَ لأَصْحَابِهِ: "كُلُوا" وَلَمْ يَأْكُلْ، وَإِنْ قِيلَ: هَدِيَّةٌ، ضَرَبَ بِيَدِهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَكَلَ مَعَهُمْ. (أهدية أم صدقة؟): -بالرفع أو بالنصب (¬2) -؛ أي: أجئتم به؟ * * * 1444 - (2579) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا خَالِدُ ابْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ: دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، فَقَالَ: "عِنْدكُمْ شَيْءٌ؟ "، قَالَتْ: لاَ، إلَّا شَيْءٌ بَعَثَتْ بِهِ أُمُّ عَطِيَّةَ، مِنَ الشَّاةِ الَّتِي بُعِثَت إِلَيْهَا مِنَ الصَّدَقَةِ، قَالَ: "إِنَّهَا قَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّهَا". (إِنها بلغت محِلَّها): -بكسر الحاء- يقع على المكان والزمان؛ أي: صارت حلالًا بانتقالها من الصدقة إلى الهدية، وقد مر في الزكاة. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 568). (¬2) في "ع": "والنصب".

باب: من أهدى إلى صاحبه، وتحرى بعض نسائه دون بعض

قال ابن المنير: وفيه دليل على جواز أن يعطي الرجل زكاته (¬1) الفقير، ثم يتقاضاها منه بعينها في دين له عليه؛ لأنها حينئذ قد بلغتْ محلها، والتصرف الثاني (¬2) لا يعكر على الأول. وفيه دليل للقول بأن للمرأة أن تعطي زكاتها زوجها، وأن ينفق عليها من ذلك؛ لأنها بلغت محلها. ووجه المشهور من المذهب في (¬3) منع ذلك: أنه (¬4) إنما منعه إذا كان بشرطٍ، أو عادةٍ تنزلُ (¬5) منزلة الشرط، فكأنه بالحقيقة ما أخرجَ من يده شيئاً، وحديثُ أم عطية هذا لم يكن فيه شرط، ولا يثبت فيه عادة، فلهذا كان الخَطْبُ فيه يسيراً. * * * باب: مَنْ أَهْدَى إلى صَاحِبِه، وتحرَّى بَعْضَ نِسَائِهِ دُونَ بَعْضٍ 1445 - (2580) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: كَانَ النَّاسُ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمُ يَوْمِي. وَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: إِنَّ صَوَاحِبِي اجْتَمَعْنَ، فَذَكَرَتْ لَهُ، فَأَعْرَضَ عَنْهَا. ¬

_ (¬1) في "ج": "زكاة". (¬2) في "ج": "والثاني". (¬3) "في" ليست في "ع". (¬4) في "ع": "به أنه". (¬5) في "ج": "بترك".

(عن عائشة، قالت: كان (¬1) الناس يتحَرَّوْنَ بهداياهم يومي): قال المهلب: فيه أنه (¬2) لا حرجَ على الرجل في إيثار بعضِ نسائه بالتُّحَف والطُّرَف من المأكل (¬3). ونازعه ابن المنير، فقال: لا دلالةَ في الحديث عليه، وإنما الناس كانوا يفعلون ذلك، والزوجُ وإن كان مخاطَباً بالعدل بين نسائه، فالمهدُون الأجانبُ ليس أحدُهم مخاطباً بذلك، فلهذا لم يتقدم -عليه السلام - إلى الناس بشيء في ذلك، وأيضاً فليس من مكارم الأخلاق أن يتعرض (¬4) الرجل إلى الناس في مثل ذلك؛ لأن فيه تعريضاً بطلب الهدية، ولا يقال: إنه -عليه السلام- هو الذي يقبل الهدية فيملكها، فيلزم التخصيص من قبله؛ لأنا نقول: المُهدي لأجل عائشة -رضي الله عنها-[كأنه مَلَّكَ الهديةَ بشرط تخصيص عائشة -رضي الله عنها-] (¬5)، والتمليك يتبع فيه تحجير المالك كما سبق في مواضع، ثم الظاهر أنه -عليه السلام- كان يتحفهن كلَّهن من ذلك (¬6)، وإنما كانت المنافسة (¬7) في كونِ العطية تصلُ إليهن من بيت عائشة، ولا يلزم في مثل ذلك تسوية. ¬

_ (¬1) في "م": "كانت". (¬2) في "ج": "أن". (¬3) في "ع": "من المأكل والمشرب". (¬4) في "ع" و"ج": "يعرض". (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬6) "من ذلك" ليست في "ج". (¬7) في "ع" و"ج": "المناقشة".

1446 - (2581) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: أَنَّ نِسَاءَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كُنَّ حِزْبَيْنِ: فَحِزْبٌ فِيهِ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ وَصَفِيَّةُ وَسَوْدَةُ، وَالْحِزْبُ الآخَرُ أُمُّ سَلَمَةَ وَسَائِرُ نِسَاءَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدْ عَلِمُوا حُبَّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَائِشَةَ، فَإِذَا كَانَتْ عِنْدَ أَحَدِهِمْ هَدِيَّةٌ، يُرِيدُ أَنْ يُهْدِيَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، أَخَّرَهَا، حَتَّى إِذَا كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَيْتِ عَائِشَةَ، بَعَثَ صَاحِبُ الْهَدِيَّةِ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَيْتِ عَائِشَةَ، فَكَلَّمَ حِزْبُ أُمِّ سَلَمَةَ، فَقُلْنَ لَهَا: كَلِّمِي رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُكَلِّمُ النَّاسَ، فَيَقُولُ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يُهْدِيَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - هَدِيَّةً، فَلْيُهْدِهِ إِلَيْهِ حَيْثُ كَانَ مِنْ بُيُوتِ نِسَائِهِ، فَكَلَّمَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ بِمَا قُلْنَ، فَلَمْ يَقُلْ لَهَا شَيْئًا، فَسَأَلْنَهَا، فَقَالَتْ: مَا قَالَ لِي شَيْئاً، فَقُلْنَ لَهَا: فَكَلِّمِيهِ، قَالَتْ: فَكَلَّمَتْهُ حِينَ دَارَ إِلَيْهَا أَيْضاً، فَلَمْ يَقُلْ لَهَا شَيْئاً، فَسَأَلْنَهَا، فَقَالَتْ: مَا قَالَ لِي شَيْئاً، فَقُلْنَ لَهَا: كَلِّمِيهِ حَتَّى يُكَلِّمَكِ، فَدَارَ إِلَيْهَا فَكَلَّمَتْهُ، فَقَالَ لَهَا: "لا تُؤْذِينِي فِي عَائِشَةَ؛ فَإِنَّ الْوَحْيَ لَمْ يَأْتِنِي وَأَنَا فِي ثَوْبِ امْرَأَةٍ إِلَّا عَائِشَةَ". قَالَتْ: فَقَالَتْ: أَتُوبُ إِلَى اللهِ مِنْ أَذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ، ثُمَّ إِنَّهُنَّ دَعَوْنَ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَرْسَلْنَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَقُولُ: إِنَّ نِسَاءَكَ يَنْشُدْنَكَ اللهَ الْعَدْلَ فِي بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، فَكَلَّمَتْهُ، فَقَالَ: "يَا بُنَيَّةُ! أَلَا تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ؟ ". قَالَتْ: بَلَى، فَرَجَعَتْ إِلَيْهِنَّ فَأَخْبَرَتهُنَّ، فَقُلْنَ: ارْجِعِي إِلَيْهِ، فَأَبَتْ أَنْ تَرْجِعَ، فَأَرْسَلْنَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ، فَأَتَتْهُ فَأَغْلَظَتْ، وَقَالَتْ: إِنَّ نِسَاءَكَ يَنْشُدْنَكَ اللهَ الْعَدْلَ فِي بِنْتِ ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ، فَرَفَعَتْ صَوْتَهَا حَتَّى تَنَاوَلَتْ عَائِشَةَ وَهْيَ قَاعِدَةٌ، فَسَبَّتْهَا، حَتَّى إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيَنْظُرُ إِلَى عَائِشَةَ هَلْ

باب: من رأى الهبة الغائبة جائزة

تَكَلَّمُ؟ قَالَ: فَتَكَلَّمَتْ عَائِشَةُ تَرُدُّ عَلَى زَيْنَبَ حَتَّى أَسْكَتَتْهَا، قَالَتْ: فَنَظَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى عَائِشَةَ، وَقَالَ: "إِنَّهَا بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ! ". (إنها ابنةُ أبي بكر): فيه إشارة إلى الشرف بالفضل والفهم. * * * باب: مَنْ رَأَى الْهِبَةَ الْغَائِبَةَ جَائِزَةً (باب: من رأى أن الهبةَ الغائبةَ جائزةٌ): ساق فيه حديثَ سبي هوازن (¬1). و (¬2) زعم المهلب أن فيه دليلًا على أن السلطان يرفع أملاك قوم إذا كان في ذلك مصلحةٌ واستئلاف. قال ابن (¬3) المنير: ولا دليل فيه على ذلك، ولا يسوغ لسلطان نقلُ أملاك الناس، وكل أحد أحقُّ بماله. قلت: لنا في المذهب صورٌ ينقل فيها السلطان ملكَ الإنسان عنه جبرًا (¬4)؛ كدارٍ ملاصقة للجامع الذي احتيج إلى توسيعه (¬5)، وغير ذلك، لكنه لا ينقل إلا بالثمن، وهو وارد على عموم كلامه. * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "وهوازن". (¬2) الواو ليست في "ج". (¬3) "ابن" ليس في "م". (¬4) في "ج": "خيراً". (¬5) في "ع" و"ج": "توسعة".

باب: الهبة للولد، وإذا أعطى بعض ولده شيئا، لم يجز، حتى يعدل بينهم، ويعطي الآخرين مثله، ولا يشهد عليه

باب: الْهِبَةِ لِلْوَلَدِ، وَإِذَا أَعْطَى بَعْضَ وَلَدِهِ شَيْئاً، لَمْ يَجُزْ، حَتَّى يَعْدِلَ بَيْنَهُمْ، وَيُعْطِيَ الآخَرِينَ مِثْلَهُ، وَلَا يُشْهَدُ عَلَيْهِ وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ فِي الْعَطِيَّةِ". وَهَلْ لِلْوَالِدِ أَنْ يَرْجِعَ فِي عَطِيَّتِهِ؟ وَمَا يَأْكُلُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يَتَعَدَّى. وَاشْتَرَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ عُمَرَ بَعِيراً، ثُمَّ أَعْطَاهُ ابْنَ عُمَرَ، وَقَالَ: "اصْنَعْ بِهِ مَا شِئْتَ". (واشترى النبي - صلى الله عليه وسلم -[بعيراً] ثم أعطاه ابنَ عمر، وقال: اصنعْ به (¬1) ما شئت): فيه تأكيد للتسوية بين الأولاد في الهبة؛ لأنه -عليه السلام - لو سأل عمر، أن يهبه لابن عمر لم يكن عدلاً بين بني عمر، فلذلك اشتراه -عليه السلام -، ووهبه. وفيه دليل على أن الأجنبي يجوز أن يخص بالهبة بعضَ ولدِ صديقه دونَ بعض، ولا يُعد ذلك جوراً. وقال البخاري في الترجمة: ولا يُشهَد عليه (¬2) -بضم أوله وفتح ثالثه، على البناء للمفعول-؛ أي: لا يُشرع للشهود أن يشهدوا على ذلك؛ لامتناع النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقوله: "يأكل من مال ولده بالمعروف ولا يتعدى": وجهُ مناسبةِ هذه الزيادة للحديث: أن الحديث تضمن جواز الاعتصار؛ لقوله (¬3): فأرجعه، والاعتصار: انتزاعٌ من ملكِ الولدِ إليه بعد تحقُّقِه، فهو كأكله منه بالمعروف. ¬

_ (¬1) في "ع": "بي". (¬2) "عليه" ليست في "ع". (¬3) في "ج": "كقوله".

باب: الإشهاد في الهبة

باب: الإِشْهَادِ في الهِبَةِ 1447 - (2587) - حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً، فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: إنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟ ". قَالَ: لا، قَالَ: "فَاتَّقُوا الله، وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ". قَالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ. (لا أرضى حتى تُشهد رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1): في الحديث (¬2) دليل على أن الإِمام الأعظم تحمَّلَ الشهادة، وإن كان يؤديها عند نائبه. وفيه دليل أيضاً على جواز أداء الإمام الشهادةَ التي تحمَّلَها عند (¬3) نائبه (¬4)؛ إذ لا يؤديها عندَ نفسِه، فلو كان لا يؤديها عند نائبِه، لبطلَتْ فائدةُ تحمُّلِها، أو يقضي بعلمه فيها، على اختلاف العلماء في ذلك، كذا قال ابن المنير. وفيه نظر لمن تأمل. قال: في الحديث دليل على سوء عاقبة الحرص والتنطع؛ لأنها أبت ¬

_ (¬1) في "ع": "يشهد لي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -". (¬2) في "ع": "والحديث". (¬3) في "ع": "عنه". (¬4) "نائبه" ليست في "ج".

باب: هبة الرجل لامرأته، والمرأة لزوجها

أن ترضى حتى يُشهدَ عليها رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فكان (¬1) حرصها على إمضائها سبباً في إبطالها. قلت: إبطالُها (¬2) يرتفع به جَوْرٌ وقع في القضية، فليس ذلك من سوء العاقبة في شيء. * * * باب: هِبَةِ الرَّجُلِ لاِمْرَأَتِهِ، وَالْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ: جَائِزَةٌ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: لاَ يَرْجِعَانِ. وَاسْتَأْذَنَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - نِسَاءَهُ في أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ، كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ". وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، فِيمَنْ قَالَ لاِمْرَأَتِهِ: هَبِي لِي بَعْضَ صَدَاقِكِ أَوْ كُلَّهُ، ثُمَّ لَمْ يَمْكُثْ إلَّا يَسِيراً حَتَّى طَلَّقَهَا، فَرَجَعَتْ فِيهِ، قَالَ: يَرُدُّ إِلَيْهَا إِنْ كَانَ خَلَبَهَا، وَإِنْ كَانَتْ أَعْطَتْهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ خَدِيعَةٌ، جَازَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا} [النساء: 4]. (باب: هبة (¬3) الرجل من زوجته، والمرأة لزوجها (¬4)): وجه (¬5) مطابقته ¬

_ (¬1) في "ج": "وكان". (¬2) "قلت: إبطالها" ليست في "ع". (¬3) في "ج": "هدية". (¬4) في "ع" و"ج": "من زوجها". (¬5) "وجه" ليست في "ع" و"ج".

باب: هبة المرأة لغير زوجها، وعتقها إذا كان لها زوج، فهو جائز إذا لم تكن سفيهة، فإذا كانت سفيهة لم يجز

للحديث المذكور فيها، وهو حديثً العائد في هبته: أنه ذم العائد على العموم، فدخل الزوجُ وغيره. (إن كان خَلبَها): بفتح الخاء المعجمة، مثل خَدَعَها؛ وزناً ومعنىً. * * * باب: هِبَةِ المَرْأَةِ لغَيرِ زَوْجِها، وعِتْقِها إذا كانَ لَهَا زَوْجٌ، فهو جائِزٌ إذا لم تكنْ سفيهةً، فإذا كانَتْ سَفيهةً لم يَجُزْ 1448 - (2591) - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَنْفِقِي، وَلَاَ تُحْصِي فَيُحْصِيَ اللهُ عَلَيْكِ، وَلَا تُوعِي فَيُوعِي اللهُ عَلَيْكِ". (ولا تحصي فيحصيَ الله عليك): بنصب المضارع الواقع بعد الفاء في جواب النهي، وكذا: "لا توعي فيوعيَ الله عليك". * * * 1449 - (2592) - حَدَّثَنَا يَحْيىَ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أَخْبَرَتْهُ: أَنَّهَا أَعْتَقَتْ وَليدَةً، وَلَمْ تَسْتَأْذِنِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُهَا الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهَا فِيهِ، قَالَتْ: أَشَعَرْتَ يَا رَسُولَ اللهِ أَنِّي أَعْتَقْتُ وَلِيدَتِي؟ قَالَ: "أَوَفَعَلْتِ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: "أَمَا إِنَّكِ لَوْ أَعْطَيْتِيهَا أَخْوَالَكِ، كَانَ أَعْظَمَ لأَجْرِكِ".

(قال: أَوَفعلت؟): بفتح الواو والهمزة للاستفهام. (أَمَا إنك): قال الزركشي: بفتح "أَما" وتخفيفها، بمعنى: حقاً، و"أن" مفتوحة (¬1). قلت: إن تثبت روايته بذلك، فحسن، وإلا، فيجوز أن تكون استفتاحية، "وإن" مكسورة، وقد رأيت كسرة (¬2) الهمزة في "إن" في (¬3) بعض النسخ المعتنى بها. * * * 1450 - (2593) - حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أخبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَرَادَ سَفَراً، أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا، خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، وَكَانَ يَقْسِمُ لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا، غَيْرَ أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا لِعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، تَبْتَغِي بِذَلِكَ رِضَا رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. (حِبَّانُ بنُ موسى): بحاء مهملة مكسورة وباء موحدة. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 569). (¬2) في "ع": "مكسور". (¬3) "في" ليست في "ج".

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مَصَابِيحُ الجَامِعِ [6]

جَمِيعُ الحُقُوقِ مَحْفُوظَة الطَّبْعَةُ الأُولَى 1430 هـ - 2009 م ردمك: 0 - 12 - 418 - 9933 - 978 ISBN قَامَت بعمليات التنضيد الضوئي والإخراج الفني والطباعة دَار النَّوَادِر لصَاحِبهَا ومديرها نور الدّين طَالب سوريا - دمشق - ص. ب: 34306 لبنان - بيروت - ص. ب: 5180/ 14 هَاتِف: 00963112227001 - فاكس: 00963112227011 www.daralnawader.com

باب: بمن يبدأ بالهدية؟

باب: بِمَنْ يُبْدَأُ بِالهَديَّةِ؟ 1451 - (2595) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الجَوْنِيِّ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، -رَجُلٍ مِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ-، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إَنَّ لِي جَارَيْنِ، فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: "إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ باباً". (قال: إلى أقربهما منكِ باباً): وفي بعض النسخ: "أقربهما" بالجر على حذف الجار وإبقاءِ عمله. * * * باب: مَنْ لَمْ يَقْبَلِ الْهَدِيَّهَ لِعِلَّةٍ وَقالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: كَانَتِ الْهَدِيَّةُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - هَدِيَّةً، وَالْيَوْمَ رِشْوَةٌ. (واليوم رِشوة): بتثليث الراء. 1452 - (2597) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-،

باب: إذا وهب هبة أو وعد، ثم مات قبل أن تصل إليه

قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا مِنَ الأَزْدِ، يُقَالُ لَهُ ابْنُ الأُتْبِيَّةِ، عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ، قَالَ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ لِي. قَالَ: "فَهَلاَّ جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ، فَيَنْظُرَ يُهْدَى لَهُ أَمْ لاَ؟! وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْهُ شَيْئاً إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيراً لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ -ثُمَّ رَفَعَ بِيَدِه حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ:- اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ ثَلَاثاً". (فينظرَ أَيُهدى له أم لا): بنصب المضارع المقترن بالفاء في جواب التحضيض المتقدم، وهو: "هَلاَّ جلسَ في بيتِ أبيهِ وأُمه"، والظاهر أن النظر هنا بَصَريّ، والجملة الواقعة بعده مقترنة بالاستفهام في محل نصب، وهو معلَّق عن (¬1) العمل، وقد صرح الزمخشري بتعليق النظر البصري؛ لأنه من طريق العلم، وتوقف فيه ابن هشام في "مغنيه" مرة، وقال به أخرى (¬2). * * * باب: إِذَا وَهَبَ هِبَةً أَوْ وَعَدَ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ إِلَيْهِ (باب: إذا وهب هبةً أو وعدَ -عِدَةً- ثم مات قبل أن تصل إليه): نقل الزركشي عن الإسماعيلي أنه قال: لا تدخل في الهبة بحال، وليس اقاله (¬3) النبي - صلى الله عليه وسلم - لجابر هبةً، وإنما هو عِدَةٌ (¬4). ¬

_ (¬1) في "م": "على". (¬2) انظر: "مغني اللبيب" (ص: 546، 763). (¬3) في "ع" و"ج": "قال". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 570).

باب: إذا وهب هبة فقبضها الآخر، ولم يقل: قبلت

قلت: الترجمة صحيحة، وما وقع فيها مطابق لها، وذلك لأنه ترجم على أمرين: أحدهما: إذا وهب، ثم مات قبل وصولها، فساق لهذا ما ذكره عن الحسن وعبيدة في عين الهبة. الثاني: إذا وعد، ثم مات قبلَ وصولها، وساق لهذا حديث جابر، وهو قوله -عليه الصلاة والسلام- لجابر: "لو جاءَ مالُ البَحْرَيْنِ أعطيتُكَ هَكَذا، ثلاثًا" (¬1)، وهذا وعدٌ بلا شك، فلم يقع في البخاري إخلالٌ بما وقع في الترجمة، والوعدُ له تعلُّق بالهبة، فيحسن ذكره في الكتاب المعقود لها، ولم يزل فقهاؤنا يذكرونه في كتاب الهبة، ولا يخفى أنها (¬2) [من] أنواع العطية. وعرفها شيخُنا ابنُ عرفةَ بقوله: تمليكٌ متموَّلٌ بغيرِ عوضٍ إنشاءً (¬3). وعرف العِدَةَ بقوله: إخبارٌ عن (¬4) إنشاءِ المخبِرِ معروفاً في المستقبل (¬5). * * * باب: إِذَا وَهَبَ هِبَةً فَقَبَضَهَا الآخَرُ، وَلَمْ يَقُلْ: قَبِلْتُ (باب: إذا وهب هبة، فقبضها الآخَرُ، ولم يقل: قبلتُ): ساق فيه ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2598). (¬2) في "ع": "أن". (¬3) وانظر: "مواهب الجليل" للحطاب (6/ 49). (¬4) "عن" ليست في "ع". (¬5) وانظر: "منح الجليل" لعلّيش (5/ 436).

باب: إذا وهب دينا على رجل

حديثَ المحترق الذي جامعَ أهلَه في نهار رمضان. قال الإسماعيلي: ليس في حديثه أنه أعطاه هبةً، بل لعله كان من الصدقة (¬1)، فيكون قاسماً لا واهباً (¬2). * * * باب: إذا وَهَبَ ديْنَاً على رَجُلٍ 1453 - (2601) - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسٌ. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَبَاهُ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا، فَاشْتَدَّ الْغُرَمَاءُ فِي حُقُوقِهِمْ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَكَلَّمْتُهُ، فَسَأَلَهُمْ أَنْ يَقْبَلُوا ثَمَرَ حَائِطِي، وَيُحَلِّلُوا أَبِي، فَأَبَوْا، فَلَمْ يُعْطِهِمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَائِطِي، وَلَمْ يَكْسِرْهُ لَهُمْ، وَلَكِنْ قَالَ: "سَأَغْدُو عَلَيْكَ". فَغَدَا عَلَيْنَا حَتَّى (¬3) أَصْبَحَ، فَطَافَ فِ النَّخْلِ، وَدَعَا فِي ثَمَرِهِ بِالْبَرَكَةِ، فَجَدَدْتُهَا، فَقَضَيْتُهُمْ حُقُوقَهُمْ، وَبَقِيَ لَنَا مِنْ ثَمَرِهَا بَقِيَّةٌ، ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ جَالِسٌ، فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِعُمَرَ: "اسْمَعْ -وَهْوَ جَالِسٌ- يَا عُمَرُ"، فَقَالَ: أَلاَّ يَكُونُ؟ قَدْ عَلِمْنَا أنَّكَ رَسُولُ اللهِ، وَاللهِ! إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ. ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "من حيث الصدقة". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 571). (¬3) في رواية أبي ذر الهروي "حين"، وفي اليونينية: "حتى"، وهي المعتمدة في النص.

باب: هبة الواحد للجماعة

(فجدَدْتها): أي: قطعتُها (¬1). قال السفاقسي: يقال: بدالين مهملتين ومعجمتين. * * * باب: هِبَةِ الْوَاحِدِ لِلْجَمَاعَةِ (باب: هبة الواحد للجماعة): ساق فيه حديثَ الشراب الذي أُتي به إلى (¬2) النبي - صلى الله عليه وسلم -. 1454 - (2602) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِشَرَابٍ، فَشَرِبَ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلَامٌ، وَعَنْ يَسَارِهِ الأَشْيَاخُ، فَقَالَ لِلْغُلَامِ: "إِنْ أَذِنْتَ لِي، أَعْطَيْتُ هَؤُلَاءِ"، فَقَالَ: مَا كُنْتُ لأُوثِرَ بِنَصِيبِي مِنْكَ يَا رَسُولَ اللهِ أَحَداً، فَتَلَّهُ فِي يَدِهِ. [(وعن يمينه غلام، وعن يساره الأشياخ): قال الإسماعيلي: ليس في هذا الحديث هبةٌ، لا للواحد، ولا للجماعة، وإنما هو شراب أُتي به للنبي - صلى الله عليه وسلم -]، (¬3)، ثم سُقي على وجه الإباحة والإرفاق؛ كما لو قدَّمَ للضيف طعاماً يأكله، وقوله للغلام: "أتأذن لي؟ " ليس على جهة أنه حق له بالهبة، لكن الحقَّ من جهة السُّنة في الابتداء به، وللأشياخِ حقُّ السنِّ. ¬

_ (¬1) في "ع": "وقطعها". (¬2) "إلى" ليست في "ج". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع".

باب: الهبة المقبوضة وغير المقبوضة، والمقسومة وغير المقسومة

قال الزركشي: ويؤخذ منه أنه إذا تعارضت الفضيلة المتعلقة بالمكان والمتعلقة (¬1) بالذات، تُقدم الفضيلةُ بالذات، وإلا لم يستأذنه، ويحتمل خلافه (¬2). قلت: وقع في (¬3) "النظائر والأشباه" للقاضي تاج الدين السبكي: أنه بحث مرةً مع والده في صلاة الظهر بمنى يومَ النحر إذا جعلنا مِنى خارجةً عن حدود الحرم، أيكون أفضل من صلاتها في المسجد؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاها بمنى؟ والاقتداء (¬4) به أفضلُ، أو في المسجد لأجل المضاعفة؟ فقال: بل في منى، وإن لم تحصل بها المضاعفة، فإن في الاقتداء بأفعال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الخير ما يربو على المضاعفة. * * * باب: الهِبَةِ المَقْبوضَةِ وغيرِ المَقْبُوضَةِ، والمَقْسُومَةِ وغَيْرِ المَقْسُومَةِ 1455 - (2606) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ جَبَلَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَلَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دَيْنٌ، فَهَمَّ بِهِ أَصْحَاُبهُ، فَقَالَ: "دَعُوهُ؛ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا". وَقَالَ: "اشْتَرُوا لَهُ ¬

_ (¬1) في جميع النسخ عدا "ع": "والمتقدمة". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 572). (¬3) "في" ليست في "م". (¬4) في "م": "والابتداء".

باب: من أهدي له هدية وعنده جلساؤه، فهو أحق

سِنّاً، فَأَعْطُوهَا إِيَّاهُ". فَقَالُوا: إنَّا لاَ نَجدُ سِنّاً إِلَّا سِنّاً هِيَ أَفْضَلُ مِنْ سِنِّهِ، قَالَ: "فَاشْتَرُوهَا، فَأَعْطُوهَا إيَّاهُ، فَإِنَّ مِنْ خَيْرِكُمْ أَحْسَنَكُمْ قَضَاءً". (فإن من خيركم أحسنكم (¬1) قضاء): يروي: بنصب "خيرَكم وأحسنَكم (¬2) "، فعلى هذا يكون الخبر محذوفاً بالنسبة إلى خيركم، وذلك لأن أصل التركيب: فإن من خيركم أحسنَكم قضاء، فأحسنَكم اسمُ إن مؤخَّر، و"من خيركم" خبر لها مقدَّم، وقوله: أو خيركم، تقديره: أو إن خيركم، [فيكون الخبر محذوفاً من هنا؛ للدلالة عليه. ويروى: بنصب "خيرَكم"] (¬3)، ورفع "أحسنُكم" على أنهما اسم إن وخبرها، فيكون الاسم من الأول محذوفاً، والخلاف في المسألة معروف مقررٌ في كتب العربية، والله أعلم. * * * باب: مَنْ أُهْدِيَ لَهُ هَدِيَّةٌ وَعِنْدَهُ جُلَسَاؤُهُ، فَهْوَ أَحَقُّ (باب: من أُهدي له هدية وعنده جلساؤه، فهو أحق به): ساق فيه حديث الذي جاء (¬4) يتقاضاه، ثم قضاه أفضلَ من سنه. ووجهُ مطابقته للترجمة: أنه -عليه الصلاة والسلام- وهبه الفضلَ ¬

_ (¬1) في "ع": "أو خيركم أحسنكم". (¬2) في "ج": "وحسنكم". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬4) "جاء" ليست في "ع" و"ج".

باب: هدية ما يكره لبسها

بين السِّنَّيْنِ، فامتاز به دون الحاضرين، بناءً على أن الزيادة في الثمن تبرُّعاً، حكمُها حكمُ الهبة لا الثمن، أو فيها شائبةُ الهبة والثمن، فنزَّلَ البخاريُّ الأمرَ على ذلك. * * * باب: هَدِيَّةِ مَا يُكْرَهُ لُبْسُهَا (باب: هدية ما يُكره لبسُه (¬1)): قال ابن المنير: أراد بهذه الترجمة التفرقةَ بين أواني الذهب والفضة، وبينَ ثياب الحرير، إذ يجوز اقتناؤه لجواز الانتفاع به في الجملة؛ إذ ليس محرماً على النساء، ولا كذلك الأواني؛ لحرمتها عموماً، فلذا (¬2) لم يجز اقتناؤها على الأصح إلا بعد إفساد (¬3) صورتها. 1456 - (2613) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَبُو جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: أَتَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْتَ فَاطِمَةَ، فَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهَا، وَجَاءَ عَلِيٌّ، فَذَكَرَتْ لَهُ ذَلِكَ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "إِنِّي رَأَيتُ عَلَى بَابِهَا سِتْراً مَوْشِيّاً". فَقَالَ: "مَا لِي وَلِلدُّنْيَا؟ ". فَأَتَاهَا عَلِيٌّ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهَا، فَقَالَتْ: لِيَأْمُرْنِي فِيهِ بِمَا شَاءَ، قَالَ: "تُرْسِلُ بِهِ إلَى فُلَانٍ، أَهْلِ بَيْتٍ بِهِمْ حَاجَة". ¬

_ (¬1) في اليونينية: "لبسها"، وهي المعتمدة في النص. (¬2) في "ج": "فكذا". (¬3) في "ع" و"ج": "فساد".

(قال: ترسلي (¬1) به إلى فلان): فيه شاهد على حذف لام الأمر وبقاء عملها؛ مثل: مُحَمَّدُ تَفْدِ نَفْسَكَ كُلُّ نَفْسٍ ... إِذَا مَا خِفْتَ مِنْ أَمْرٍ تَبالا هذا مع كونِ مرفوعِ فعلِ الطلب فاعلاً مخاطباً؛ كقراءة جماعة: {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} وفي الحديث: "لتَأْخُذُوا مَصَافَّكُمْ" (¬2). ويحتمل، وهو الأولى، أن يخرج على حذف "أن" (¬3) الناصبة وبقاء عملها؛ أي: آمُرُكِ أن ترسلي به. * * * 1457 - (2614) - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ، عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: أَهْدَى إِلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حُلَّةً سِيَرَاءَ، فَلَبِسْتُهَا، فَرَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، فَشَقَقْتُهَا بَيْنَ نِسَائِي. (فشققتها بين نسائي): في "مبهمات عبد الغني بن سعيد" من حديث أم هانئ: "فراحَ (¬4) عَلِيٌّ وهي عليه"، فقال -عليه السلام-: "إِنَّما ¬

_ (¬1) كذا في رواية أبي ذر الهروي، وفي اليونينية: "ترسل"، وهي المعتمدة في النص. (¬2) وانظر: "الكشاف" للزمخشري (2/ 336). والحديث الذي ذكره، قال عنه الزيلعي في "تخريج أحاديث الكشاف" (2/ 127): غريب. وقد روى الترمذي (3235) عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- مرفوعاً؛ بلفظ فيه: "على مصافكم كما أنتم". (¬3) "أن" ليست في "ج". (¬4) "فراح" ليست في "ع".

كَسَوْتُكَهَا (¬1) لِتَجْعَلَهَا خُمُراً لِلْفَوَاطِمِ". والحديث في (¬2) "صحيح مسلم" في كتاب: اللباس: عن عَلِيٍّ: أَنَّ أكيدرَ دومةَ أهدى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ثوبَ حرير، فأعطاه علياً (¬3)، فقال: "شَقِّقْهُ خُمُراً بَيْنَ الفَوَاطِمِ" (¬4). وذكر ابن أبي الدنيا في كتاب: "الهدايا" عن علي، قال: فشققت منها أربعةَ أخمر لفاطمةَ بنتِ أَسَدٍ أمي، ولفاطمةَ زوجتي، ولفاطمة بنتِ حمزةَ ابنِ عبدِ المطلب قال: ونسي الراوي الرابعةَ. قال القاضي: يشبه (¬5) أن تكون فاطمةَ [بنتَ شيبةَ بنِ ربيعةَ امرأةَ عقيلٍ أخي عَلِيٍّ. وعند أبي العلاء بن سلمان: بنت أبي طالب المكناة بأم هانئ. وقيل: فاطمة] (¬6) بنت الوليد بنِ عقبة، وقيل: فاطمة بنت عقبة بن ربيعة. حكاهما القرطبي (¬7). * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "كسوتها". (¬2) في "ع": "الحديث الصحيح في". (¬3) "علياً" ليست في "ع". (¬4) رواه مسلم (2071). (¬5) في "ع": "أشبه". (¬6) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬7) انظر: "التوضيح" (16/ 386).

باب: قبول الهدية من المشركين

باب: قَبُولِ الْهَدِيَّةِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِسَارَةَ، فَدَخَلَ قَرْيَةً فِيهَا مَلِكٌ أَوْ جَبَّارٌ، فَقَالَ: أَعْطُوهَا آجَرَ". وَأُهْدِيَتْ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ. وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: أَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بَغْلَةً بَيْضَاءَ، وَكَسَاهُ بُرْداً، وَكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ. (وأُهديت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - شاةٌ فيها سم): قال القاضي: فيه -يعني: في السم- ثلاثُ لغات: الفتح، والضم، والكسر، والفتحُ أفصح. ومُهديةُ الشاة هي زينبُ بنت الحارث أختُ مرحبٍ زوجُ سلام بنِ مشكم، وقيل: زينب بنت أخي مرحب (¬1). (وكتب له ببَحْرِهم): -بموحدة وحاء مهملة-؛ أي: ببلدِهم وأرضِهم، والإسناد فيه مجازي؛ أي: أمر أن يُكتب له. * * * 1458 - (2615) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - جُبَّةُ سُنْدُسٍ، وَكَانَ يَنْهَى عَنِ الْحَرِيرِ، فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْهَا، فَقَالَ: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا". (لمناديلُ سعدٍ): إنما ضرب له المثل بالمناديل؛ لأنها ليست من ¬

_ (¬1) في "ع": "مركب".

غلبة اللباس، بل تبذل (¬1) في صون الثياب، وتُمسح بها الأيدي، ويُنفض بها الغبار على حدِّ قوله تعالى: {بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} [الرحمن: 54] (¬2). * * * 1459 - (2616) - وَقَالَ سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنسٍ: إِنَّ أُكَيْدِرَ دُومَةَ أَهْدَى إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (أكيدر دُومة): -بفتح الدال المهملة وضمها-، وهو أكيدر بن عبد الملك صاحبُ دومةِ الجندلِ، قيل: إنه بقي (¬3) على نصرانيته، وقيل: أسلم ثم ارتدَّ (¬4). * * * 1460 - (2617) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ يَهُودِيَّهً أَتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ، فَأَكَلَ مِنْهَا، فَجِيءَ بِهَا، فَقِيلَ: أَلَا نَقْتُلُهَا؟ قَالَ:"لَا". فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. (لَهَوَات): -بالفتح- جمع لهاة. قال الداودي: هي ما يبدو من فيه عند التبسم. ¬

_ (¬1) في "ع": "تتبدل". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 574). (¬3) "بقي" ليست في "ع" و"ج". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 575).

باب: الهدية للمشركين

وقال ابن فارس: لهاة الفم: هي اللحمةُ المشرِفَةُ على الحلق، قال: ويقال: بل هي أقصى الحلق (¬1). * * * 1461 - (2618) - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثَلَاثِينَ وَمِئَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُمْ طَعَامٌ؟ "، فَإِذَا مَعَ رَجُلٍ صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ أَوْ نَحْوُهُ، فَعُجِنَ، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ، مُشْعَانٌ طَوِيلٌ، بِغَنَمٍ يَسُوقُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "بَيْعاً أَمْ عَطِيَّةً، -أَوْ قَالَ:- أَمْ هِبَةً"، قَالَ: لا، بَلْ بَيْعٌ، فَاشْتَرَى مِنْهُ شَاةً، فَصُنِعَتْ، وَأَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِسَوَادِ الْبَطْنِ أَنْ يُشْوَى، وَايْمُ اللهِ! مَا فِي الثَّلاَثِينَ وَالْمِئَةِ إِلَّا قَدْ حَزَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَهُ حُزَّةً مِنْ سَوَادِ بَطْنِهَا، إِنْ كَانَ شَاهِداً، أَعْطَاهَا إِيَّاهُ، وَإِنْ كَانَ غَائِباً، خَبَأَ لَهُ، فَجَعَلَ مِنْهَا قَصْعَتَيْنِ، فَأَكَلُوا أَجْمَعُونَ، وَشَبِعْنَا، فَفَضَلَتِ الْقَصْعَتَانِ، فَحَمَلْنَاهُ عَلَى الْبَعِيرِ، أَوْ كَمَا قَالَ. (بسواد البطن): هو الكبد. * * * باب: الهَدِيَّةِ للمُشْرِكيْنَ 1462 - (2620) - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (16/ 399)، و"التنقيح" (2/ 575).

هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهْيَ مُشْرِكَةٌ، فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قُلْتُ: وَهْيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: "نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ". (عن أسماء بنتِ أبي بكر قلت (¬1): يَا رسول الله! قدِمَتْ عليَّ أُمي): هي قُتيلة -بالتصغير-، ويقال: قَتْلَة -على التكثير- بنتُ عبدِ العزي بنِ عبدِ أسعد بنِ جابرِ بنِ نصرِ بنِ مالكِ بنِ حُسيلِ بنِ عامرِ بنِ لؤيٍّ، وهي (¬2) أمُّ عبدِ الله بنِ أبي بكر، فهما شقيقان، وذكرها المستغفري في جملة الصحابة، وقال: تأخر إسلامها. قال (¬3) أبو موسى المديني: ليس في شيء من الحديث ذكرُ إسلامها (¬4). وقد ذكرها ابن الأثير -أيضاً-، وساق (¬5) نحوَ ما تقدم (¬6). (وهي راغبة): أي: عن الإِسلام كما وقع مصرَّحاً به في غير هذا الموضع. وقيل: راغبة في صِلَتي. ¬

_ (¬1) كذا في رواية أبي الوقت وأبي ذر الهروي، وفي اليونينية: "قالت"، وهي المعتمدة في النص. (¬2) في "ع": "وهم". (¬3) في "ع": "وقال". (¬4) انظر: "التوضيح" (16/ 404). (¬5) في "ج": "وقال". (¬6) انظر: "أسد الغابة" (7/ 233).

باب

قال الزركشي: وروي: "راغمة" -بالميم-؛ أي: كارِهَة للإسلام، ساخِطَة له (¬1). قلت: هذا يوهم أن الرواية في البخاري، وليس كذلك، بل هذه الرواية رواها أبو داود -رضي الله عنه-، وفسرها الخطابي بما تقدم. وقال غيره: هاربة من قومها (¬2). وفيه نظر. * * * باب 1463 - (2624) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ: أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَنَّ بَنِي صُهَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ جُدْعَانَ، ادَّعَوْا بَيْتَيْنِ وَحُجْرَةً، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَعْطَى ذَلِكَ صُهَيْباً، فَقَالَ مَرْوَانُ: مَنْ يَشْهَدُ لَكُمَا عَلَى ذَلِكَ؟ قَالُوا: ابْنُ عُمَرَ، فَدَعَاهُ، فَشَهِدَ لأَعْطَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صُهَيْباً بَيْتَيْنِ وَحُجْرَةً، فَقَضَى مَرْوَانُ بِشَهَادَتِهِ لَهُمْ. (فقضى مروان بشهادته لهم): هذا محمول على أنه قضى بشهادته مع يمين الطالب؛ لأن الحكم في مال، ولا يحتمل أنه قضى بشهادته فقط؛ لأنه خلاف السُّنة. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 575). (¬2) انظر: "التوضيح" (16/ 405).

باب: ما قيل في العمرى والرقبى

باب: ما قِيْلَ في العُمْرى والرُّقْبَى 1464 - (2625) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَضَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْعُمْرَى: أَنَّهَا لِمَنْ وُهِبَتْ لَهُ. (فقضى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالعُمْرى [أنها] لمن وُهبت له): يحتمل أن تكون الباء ظرفية؛ أي: قضى في العمرى أنها لمن وهبت؛ أي: بأنها، ويحتمل أن تكون ظرفية، وأنها لمن وهبت له بدلُ اشتمال من العمري. * * *

كتاب العارية

كِتَابُ العَارِيَةِ

باب: من استعار من الناس الفرس

باب: مَنِ اسْتَعَارَ مِنَ النَّاسِ الفَرَسَ 1465 - (2627) - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَساً يَقُولُ: كَانَ فَزَعٌ بِالْمَدِينَةِ، فَاسْتَعَارَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَرَساً مِنْ أَبِي طَلْحَةَ يُقَالُ لَهُ الْمَنْدُوبُ، فَرَكِبَ، فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: "مَا رَأَيْنَا مِنْ شَيْءٍ، وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْراً". (يقال له: المندوب): قال القاضي: يحتمل أنه لقب، أو اسمٌ لغير معنى كسائر الأسماء، ويحتمل أنه سُمي بذلك؛ لنَدْبٍ فيه، وهذا من الجرح، أو من الندب وهو الخطر الذي يُحمل في السباق (¬1). (إن وجدناه لبحراً): أي: واسعَ الجري، ومنه سُمي البحرُ بحراً؛ لسعته، ومنه تَبَحَّرَ فلان في العلم: إذا اتسع فيه. وقيل: شبهه (¬2) بالبحر؛ لأن جريه لا ينفد كما لا ينفد ماء البحر. قال ابن الملقن: وذكر القاضي عياض أن من خَيْل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 7). (¬2) في "ع" و"ج": "شبهته".

فرساً يسمى البحر، اشتراه من تجار قدموا من اليمن، سبقَ عليه مرات، ثم قال: فيحتمل مصيره إليه بعد أبي طلحة. وهذا نقض للأول، لكن لو قال: يحتمل أنهما فرسان اتفقا في الاسم؛ لكان أقرب (¬1). قلت: ليس في احتمال صيرورته إليه [بعد أبي طلحة ما ينفي شراءه -عليه الصلاة والسلام- له] (¬2) أولاً (¬3)؛ إذ يجوز أن يكون اشتراه أولاً، ثم خرج عن ملكه بطريق من الطرق، وملكه أبو طلحة، ثم ملكه النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أبي طلحة، فلا تناقض. قال الخطابي: و"إن" هنا نافية، والسلام بمعنى "إلا" (¬4)، وعليه اقتصر الزركشي (¬5). قلت: وهو قصور، فهذا إنما هو مذهب كوفي، ومذهب البصريين: أنَّ (¬6) "إن" مخففة من الثقيلة، واللام فارقة بينها (¬7) وبين النافية؛ كما سبق. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (16/ 433). (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬3) في "ع": "أو لأن". (¬4) انظر: "أعلام الحديث" (2/ 1288). (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 575). (¬6) "أن" ليست في "م". (¬7) في "ع": "بينهما".

باب: الاستعارة للعروس عند البناء

باب: الاسْتِعَارَةِ للعَرُوسِ عِنْدَ البِنَاءِ 1466 - (2628) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وَعَلَيْهَا دِرْعُ قِطْرٍ، ثَمَنُ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ، فَقَالَتِ: ارْفَعْ بَصَرَكَ إِلَى جَارِيَتِي انْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّهَا تُزْهَى أَنْ تَلْبَسَهُ فِي الْبَيْتِ، وَقَدْ كَانَ لِي مِنْهُنَّ دِرْعٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ تُقَيَّنُ بِالْمَدِينَةِ إِلَّا أَرْسَلَتْ إِلَيَّ تَسْتَعِيرُهُ. (درع قِطْر): -بكسر القاف وسكون الطاء المهملة-: ضربٌ من بُرود اليمن فيها حمرة، ولها أعلام، فيها بعض الخشونة. قال الأزهري: في أعراض البحرين قرية يقال لها: قُطَر (¬1)، وأحسب الثيابَ القطريةَ تنسب إليها (¬2)، فكسروا القاف للنسبة، وخففوا (¬3). قال القاضي: ورواه القابسي وابن السكن: "فطر (¬4) "، بالفاء (¬5). (فإنها تُزهَى أن تلبسَه في البيت): تُزْهى -بضم أوله وفتح ثالثه، مبني للمفعول-؛ من الزهو، وهو التكبر؛ أي: تتكبر أن تلبسَه في البيت، يقال: زهِيَ الرجل (¬6): إذا تكبر، وأُعجب بنفسه، وهو من الأفعال التي لم ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "قطن". (¬2) في "ع": "إليهما". (¬3) انظر: "تهذيب اللغة" (9/ 7). (¬4) في "ج": "فطن". (¬5) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 156). (¬6) "زهي الرجل" ليست في "ج".

باب: فضل المنيحة

ترد إلا مبنية لما لم يسم فاعله. (فما كانت امرأة تُقَيّن بالمدينة): تقين -بضم حرف المضارعة وفتح القاف وتشديد المثناة من تحت، على البناء للمفعول-؛ أي: تزين. قال صاحب "الأفعال": قانَ الشيءَ قِيانة: أصلحَه. وقيل: معناه: تخلى على زوجها. ويروى: "تُزَفَّفُ"، ويروى: "تُزَفُّ" (¬1). * * * باب: فَضْلِ المَنِيحَةِ 1467 - (2629) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "نِعْمَ الْمَنِيحَةُ اللِّقْحَةُ الصَّفِيُّ مِنْحَةً، وَالشَّاةُ الصَّفِيُّ، تَغْدُو بِإِنَاءٍ، وَتَرُوحُ بِإِنَاءٍ". (نعم المنيحةُ): أي: العطية، وهي هنا عاريَّةُ ذواتِ الألبان، يُمنح لبنُها، ثم تُرَدُّ هي. (اللِّقحة): -بكسر اللام (¬2) -: التي لها لبن، وقيل: فيها لغتان: كسر اللام، وفتحها (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 576). (¬2) في "ع": "القاف". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 576).

(الصَّفِيّ): الخيارُ، والأشهرُ استعمالها [بغير هاء كما ورد هنا، وقد تستعمل] (¬1) بالهاء. (منحةً): نصب على التمييز. قال ابن مالك: فيه وقوع التمييز بعد فاعل نعم ظاهراً، وسيبويه يمنعُه، وإنما يُجيز وقوعَه إذا كان الفاعل مضمراً، نحو: {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} [الكهف: 50] , وجوَّزه المبرد، وهو الصحيح (¬2). قلت: يحتمل أن يقال: إن فاعل نعم في الحديث مضمر، والمنيحة الموصوفة بما ذكره هي المخصوص بالمدح، ومنحةً تمييزٌ تأخر عن المخصوص، فلا شاهد فيه على ما قال، ولا يَرِد على سيبويه حينئذ. (تغدو بإناء، وتروح بإناء): أي: تحلب إناء بالغداة، وإناء بالعشي. * * * 1468 - (2630) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا يُونُسٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ مِنْ مَكَّةَ، وَلَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ، -يَعْنِي: شَيْئاً-، وَكَانَتِ الأَنْصَارُ أَهْلَ الأَرْضِ وَالْعَقَارِ، فَقَاسَمَهُمُ الأَنْصَارُ عَلَى أَنْ يُعْطُوهُمْ ثِمَارَ أَمْوَالِهِمْ كُلَّ عَامٍ، وَيَكْفُوهُمُ الْعَمَلَ وَالْمَؤُونَةَ، وَكَانَتْ أُمُّهُ أُمُّ أَنَسٍ أُمُّ سُلَيْمٍ، كَانَتْ أُمَّ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، فَكَانَتْ أَعْطَتْ أُمُّ أَنَسٍ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عِذَاقاً، فَأَعْطَاهُنَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أُمَّ أَيْمَنَ مَوْلاَتَهُ أُمَّ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬2) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 107).

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالكٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا فَرَغَ مِنْ قَتْلِ أَهْلِ خَيْبَرَ، فَانْصَرَفَ إِلَى الْمَدِينَةِ، رَدَّ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى الأَنْصَارِ مَنَائِحَهُمُ الَّتِي كَانُوا مَنَحُوهُمْ مِنْ ثِمَارِهِمْ، فَرَدَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى أُمِّهِ عِذَاقَهَا، وَأَعْطَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أُمَّ أَيْمَنَ مَكَانَهُنَّ مِنْ حَائِطِهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ: أَخْبَرَناَ أَبِي، عَنْ يُونسُ: بِهَذَا، وَقَالَ: مَكَانَهُنَّ مِنْ خَالِصِهِ. (عِذاقاً): -بعين مكسورة مهملة وذال معجمة-: جمعُ (¬1) عَذْق؛ مثل: كَلْب، وكِلاب، وهو النخلةُ نفسُها، وتجمع أيضاً على عُذوق وأَعذاق، وقيل: إنما يقال للنخلة عذق: إذا كانت بحملها (¬2)، والعرجون عذق: إذا كان قائماً بشماريخه وثمره (¬3). * * * 1469 - (2631) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي كَبْشَةَ السَّلُولِيِّ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَرْبَعُونَ خَصْلَةً، أَعْلاَهُنَّ مَنِيحَةُ الْعَنْزِ، مَا مِنْ عَامِلٍ يَعْمَلُ بِخَصْلَةٍ مِنْهَا رَجَاءَ ثَوَابِهَا، وَتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا، إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللهُ بِهَا الْجَنَّةَ". قَالَ حَسَّانُ: فَعَدَدْناَ مَا دُونَ مَنِيحَةِ الْعَنْزِ، مِنْ رَدِّ السَّلاَمِ، وَتَشْمِيتِ ¬

_ (¬1) "جمع" ليست في "ج". (¬2) في "ع": "تحملها". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 577).

الْعَاطِسِ، وَإِمَاطَةِ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ، فَمَا اسْتَطَعْنَا أَنْ نَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً. (أربعون خصلة أعلاهن منيحة (¬1) العنز): قال ابن بطال: ما أبهمها (¬2) -عليه السلام- إلا لمعنى هو أنفعُ من ذكرها، وذلك -والله أعلم- خشية أن يكون التعيين والترغيب فيها مُزَهِّداً في (¬3) غيرها من أبواب الخير وسبل المعروف، و (¬4) قول حسان: فما استطعنا أن نبلغ خمس عشرة خصلة، ليس بمانع أن يوجد (¬5) غيرها، ثم عدد خصالاً كثيرة (¬6). قال ابن المنير: التعداد سهل، ولكن الشرط صعب، وهو أن يكون كلُّ ما تُعدده من الخصال دون منحة العنز (¬7)، ولا يتحقق فيما عدده الشارح، بل هو منعكس، وذلك أن من (¬8) جملة ما عدده: نصرة المظلوم والذب عنه ولو بالنفس، وهذا أفضل من منحة العنز (¬9)، والأحسنُ في هذا أن لا يعد؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أبهمه، وما أبهمه الرسولُ كيف يتعلق الأملُ ببيانه ¬

_ (¬1) في "ع": "منحة". (¬2) في "ع": "ألهمها". (¬3) في "ج": "وفي". (¬4) الواو ليست في "ع". (¬5) في "م": "يؤخذ". (¬6) انظر: "شرح ابن بطال" (7/ 151). (¬7) في "ع": "الغير". (¬8) "من" ليست في "ع" و"ج". (¬9) في "ع": "الغير".

باب: إذا قال: أخدمتك هذه الجارية على ما يتعارف الناس، فهو جائز، وقال بعض الناس: هذه عارية، وإن قال: كسوتك هذا الثوب، فهو هبة

من غيره؟ مع أن الحكمة (¬1) في إبهامه ولا ينافي بيانه، والغرضُ من ذلك في الجملة أن (¬2) لا يحتقر شيء من وجوه البر وإن قل. والله أعلم. * * * باب: إِذَا قَالَ: أَخْدَمْتُكَ هَذِهِ الْجَارِيَةَ عَلَى مَا يَتَعَارَفُ النَّاسُ، فَهْوَ جَائِزٌ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: هَذِهِ عَارِيَّةٌ، وَإِنْ قَالَ: كَسَوْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ، فَهْوَ هِبَةٌ (باب: إذا قال: أخدمتك هذه الجارية على ما يتعارف الناس، فهو جائز، وقال بعض الناس: هذه عارية، وإن (¬3) قال: كسوتك هذا الثوب، فهو هبة): قال ابن المنير: غرضُ البخاري أن لفظ الإخدام للتمليك، وكذلك الكسوة، والحمل في سبيل الله، والعُمْرى (¬4)، واستند (¬5) في حمل الإخدام [على التمليك إلى العرف، ولا خفاء عند مالك بأن لفظ الإخدام] (¬6) لا يقتضي التمليك، إنما هو مصروف إلى المنفعة، والكسوةُ للتمليك بلا شك؛ لأن ظاهرها الأصلي لا يراد؛ إذ أصلها لمباشرة الإلباس، لكنا نعلم أن الغني إذا قال للفقير: كسوتُك هذا الثوبَ، لا يعني ¬

_ (¬1) في "ع": "الحكمية". (¬2) " أن" ليست في "ع". (¬3) "وإن" ليست في "ع". (¬4) "والعمرى" ليست في "ع". (¬5) في "ع": "وأسند". (¬6) ما بين معكوفتين ليس في "ج".

باب: إذا حمل رجل على فرس، فهو كالعمرى والصدقة

أنني باشرتُ إلباسكَ إياه، فإذا تعذر حملُه على الوضع (¬1)، حُمل على العرف، وهو العطية، والظاهر أن الحمل في سبيل الله على التمليك. وأما العُمْرى: فإنها مقيدة بالعمر، فلو كانت تمليكاً للرقبة، لم يتقيد؛ [لأن الملك لا يتقيد] (¬2)، ولهذا كانت عند مالك راجعة إلى المالك. * * * باب: إذا حَمَلَ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ، فهو كالعُمْرى والصَّدَقَةِ 1470 - (2636) - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، أَخْبَرَناَ سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكاً يَسْأَلُ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: قَالَ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَرَأَيْتُهُ يُبَاعُ، فَسَأَلتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "لاَ تَشْتَرِ، وَلاَ تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ". (قال عمر: حملتُ على فرس في سبيل الله، فرأيته يُباع): هذا الفرس اسمه الورد. قال المزي في "أفراس النبي - صلى الله عليه وسلم -": وكان له الورد أهداه له تميمٌ الدارِيُّ، فأعطاه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فحمل عليه في سبيل الله، فوجده يُباع. وكذلك قال الدمياطي في "سيرته". والورد: بين الكُمَيْت الأحمر والأشقر. ¬

_ (¬1) في "ع": "الموضع". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج".

كتاب الشهادات

كِتَابُ الشَّهَادَاتِ

(كتاب: الشهادات): قال القرافي في "قواعده" (¬1): أقمت نحو ثماني سنين أطلب الفرق بين الشهادة والرواية، وأسأل الفضلاءَ عنه، فيقولون: الشهادةُ يُشترط فيها: العددُ، والذكورية، والحرية؛ بخلاف الرواية، فأقول لهم: اشتراطُ ذلك فرعُ تصورِ الشهادة وتمييزها عن الرواية، فلو عُرفت بأثرها وأحكامها التي لا تُعرف إلا بعد معرفتها، لزمَ الدورُ، ولم أزل كذلك في شدةِ قلقٍ حتى طالعتُ "شرح البرهان" للمازري -رضي الله عنه-، فوجدته حقق المسألة، وميز بين الأمرين، فقال: هما خبران، غير أن المخبَرَ عنه إن كان عاماً لا يختص بمعين، فهو الرواية؛ نحو: "الأعمالُ بالنيات"، أو (¬2) "الشفعة فيما لم يُقسم" لا يختص بشخص معين، بل هو عام في كل الخلق والأعصار والأمصار؛ بخلاف قولِ العدلِ عند الحاكم: لهذا عندَ هذا دينار إلزامٌ (¬3) لمعينٍ لا يتعداه، فهذا هو الشهادة، والأولُ الرواية. ¬

_ (¬1) "في قواعده" ليست في "ع". (¬2) في "ج": "و". (¬3) في "ج": "ألزم".

قال شيخنا أبو عبد الله بن عرفة -رحمه الله-: كان بعض شيوخنا يتعقب قول القرافي: "أقمتُ مدةَ كذا أطلبُ الفرقَ بينهما حتى وقفتُ على كلام المازري" بأن الفرقَ الذي ذكره مذكورٌ في أيسر الكتب المتداوَلَة بين مبتدئي الطلبة، وهو "التنبيه" لابن بشير. قال في كتاب الصيام: لما كان القياس عند المتأخرين ردَّ ثبوتِ الهلالِ لبابِ الإخبار، إذ رأوا أن الفرقَ بين باب الخبر وباب (¬1) الشهادة: أن كل ما خَصَّ للمشهود عليه، فبابه بابُ (¬2) الشهادة، وكلَّ ما عمَّ، فلزم القائلَ منه ما يلزم غيره، فبابه بابُ الإخبار، جعلوا في المذهب قولةً بقبول خبر الواحد في الهلال. قال شيخنا: وما ارتضاه، وتبع (¬3) فيه المازريَّ؛ من أن الشهادة هي الخبر المتعلِّق بجزئي، والروايةَ الخبرُ المتعلق بكلي، يُرَدُّ بأن الرواية تتعلق بالجزئي كثيراً؛ كحديث (¬4): "يُخرب الكعبةَ ذو السُّوَيقتين من الحبشة" (¬5)، والصواب: أن الشهادةَ قولٌ هو (¬6) بحيث يوجب على الحاكم سماعه الحكمَ بمقتضاه إن عُدِّلَ قائلُه مع تعدده، أو حلف الطالب، فتخرج الروايةُ، والخبرُ القسيمُ للشهادة، وإخبارُ القاضي بما ثبتَ عنده قاضياً آخرَ يجب ¬

_ (¬1) في "ع": "وبين باب". (¬2) في "ع": "من باب". (¬3) في "ج": "وتبعه". (¬4) في "ع": "لحديث". (¬5) رواه البخاري (1591)، ومسلم (2909) عن أبي هريرة -رضي الله عنه-. (¬6) "هو" ليست في "ع" و"ج".

باب: ما جاء في البينة على المدعي

عليه الحكمُ بمقتضى ما كتب إليه؛ لعدم شرطه بالتعدد أو الحلف، وتدخل الشهادة قبل الأداء، وغير التامة؛ لأن الحيثية لا توجب حصولَ مدلولِ ما أُضيفت إليه بالفعل حسبما ذكروه في تعريف الدلالة. * * * باب: مَا جَاءَ فِي الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمُدَّعِي (باب: ما جاء في البينة على المدعي): تلا فيه قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [البقرة: 282]، وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ} [المائدة: 8]. ووجه الاستدلال بذلك على الترجمة: أن المدَّعِيَ لو كان مصدَّقاً بلا بينة، لم يكن حاجة [إلى الإشهاد، ولا إلى كتابة الحقوق، وإملائها، فالإرشاد إلى ذلك يدل على الحاجة إليه] (¬1)، وفي ضمن ذلك أن البينة على المدَّعي. * * * باب: إِذَا عَدَّلَ رَجُلٌ رَجُلٌ فَقَالَ: لاَ نَعْلَمُ إِلاَّ خَيْراً، أَوْ مَا عَلِمْتُ إِلاَّ خَيْراً (باب: إذا عَدَّلَ رجلٌ رجلاً): ويروى: "أحداً". (فقال: لا نعلم إلا خيراً) (¬2). ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) "فقال: لا نعلم إلا خيراً" ليس في "ع".

1471 - (2637) - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا ثَوْبَانُ. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، وَابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ، عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، وَبَعْضُ حَدِيثهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضاً، حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلِيّاً وَأُسَامَةَ، حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ، يَسْتَأْمِرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ، فَأَمَّا أُسَامَةُ، فَقَالَ: أَهْلُكَ، وَلاَ نَعْلَمُ إِلاَّ خَيْراً، وَقَالَتْ بَرِيرَةُ: إِنْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْراً أَغْمِصُهُ أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، تَنَامُ عَنْ عَجينِ أَهْلِهَا، فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ يَعْذِرُناَ مِنْ رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِ بَيْتِي؟ فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ مِنْ أَهْلِي إِلاَّ خَيْراً، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلاً مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلاَّ خَيْراً". (أهلَكَ (¬1)، ولا نعلم إلا خيراً): أي: أمسكْ أهلَكَ، أو الزمْ، ونحوه. قاله القاضي (¬2). وروي بالرفع؛ أي: هم أهلك، على الابتداء والخبر؛ أي: العفائف المعروفات (¬3) بالصيانة (¬4). قال ابن المنير: التعديلُ إنما يكون بتقييد (¬5) الشهادة، وعائشةُ هنا لم تكن شاهدةً، ولا محتاجة للتعديل؛ لأن الأصل البراءة، وإنما البينةُ على ¬

_ (¬1) في "ع": "فقال: أهلك". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 354). (¬3) في "ع": "المعروف". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 579). (¬5) في "م": "بتقيد".

المدَّعي، وتزكية البينة [أيضاً، وغايةُ ما في الباب: أن المراد: نفيُ الظِّنةِ عنها، وإبطالُ التهمة] (¬1) حتى لا تكون الدعوى عليها مشتبهة، ولا قريبة من الصدق، ويكفي في هذا النوع هذا اللفظ، ولهذا -والله أعلم- التزمَ الموثقون (¬2) في الوثائق التي تُكتب بالتبرئة من التُّهم هذه الصيغةَ، فيقولون: لا يعلم شهودُه على فلانٍ إلا خيراً، وقولُ القائل: إنه ربما يُلقي كناسته في الطريق، فيعلم ذلك منه، وإلقاءُ الكناسةِ ليس من الخير، ولا من الشر، يريد القدحَ بذلك في (¬3) هذه الصيغة، غيرُ مستقيم؛ فإن المراد بقوله: "ما علمتُ عليه إلا خيراً" باعتبار ما يُسأل عنه، وما علمت شراً، ولابد مع (¬4) ذلك من حاطة ما ومباطنة (¬5). ونُقل عن بعض السلف: أنه دُعي إلى الشهادة في مثل ذلك لمن لا يعرفه (¬6) ليتخلصَ من ظالم يطلبه، فقال للسائل: قل: لا إله إلا الله، فقالها، فشهد عند ذلك الظالم: أنه لا يعلم على هذا إلا خيراً و (¬7) هذا من المعاريض، وإلا، فلابد في جواز مثل هذه الشهادة من خبرة ومباطنة. وكذلك قوله: لا أعلم له وارثاً، ولا أعلم له مالاً، كلُّه من قبيل واحد. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬2) في "ع": "الموفقون". (¬3) "بذلك في" ليست في "ج". (¬4) في "ج": "شراً يدفع". (¬5) في "ع": "ومناطته". (¬6) "لمن لا يعرفه" ليست في "ع". (¬7) في "م": "أو".

باب: شهادة المختبي

قلت: إن بنينا على أن المباح حسن؛ لأنه مأذون فيه شرعاً، سقطَ اعتراضُ (¬1) ذلك القائل بأن الشاهد (¬2) ربما علم من المشهود له (¬3) إلقاءَ كناسته (¬4) في المحل المباح له، فيكون قوله: لا نعلم إلا خيراً، ليس بصحيح؛ لأنه علم منه ما ليس بخير ولا شر. ووجهُ سقوط الاعتراض على ذلك القول: أن المباحَ من جملة الخيور، فإذا اطلعَ منه على فعل مباح، ولم يطلعْ منه على فعل منهيٍّ عنه، صدق قوله: ما علمتُ إلا خيراً. (حين استلبثَ): هو استفعلَ؛ من اللبث، وهو الإبطاءُ والتأخُّر. (أَغْمِصُه): -بفتح الهمزة وإسكان الغين المعجمة وكسر الميم بعدها صاد مهملة-؛ أي: أَعيبها به. (الداجن): الشاةُ تألفُ البيوت. * * * باب: شَهَادَةِ الْمُخْتَبِي 1472 - (2639) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: جَاءَتِ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ، فَطَلَّقَنِي فَأَبَتَّ طَلاَقِي، فَتَزَوَّجْتُ ¬

_ (¬1) في "ع": "إعراض". (¬2) في "ج": "الشهادة". (¬3) "له" ليست في "ع". (¬4) في "ع": "كناسة".

عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ، إِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ، فَقَالَ: "أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ؟ لاَ، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ". وَأَبُو بَكْرٍ جَالِسٌ عِنْدَهُ، وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بِالْباب يَنْتَظِرُ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ! أَلاَ تَسْمَعُ إِلَى هَذِهِ مَا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟! (باب: شهادة المختبي). (جاءت امرأةُ رفاعةَ القرظي): هذه المرأة هي تُميمة -بضم التاء-، وقيل (¬1) بفتحها، القرظيةُ، وقيل (¬2): سُهَيْمة، وقيل: عائشة، حكى الأقوالَ الثلاثةَ ابنُ الأثير في مواضع من كتابه (¬3). وقيل: اسمها الغُميصاء، وقيل: الرُّميصاء، وقيل: أُميمة بنتُ الحارث، والكلام في ذلك طويل (¬4). (عبد الرحمن بن الزَّبير): بفتح الزاي. (إنما معه مثل هدبة الثوب): تريد ذَكَرَه، شبهته بذلك إما لصغره، وإما لاسترخائه وعدم انتشاره. (أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟): وكأن هذا بسبب أنه فهم عنها إرادةَ فراقِ عبدِ الرحمن، وأن يكون فراقه سبباً للرجوع إلى رفاعة. (لا، حتى تذوقي عُسَيلته): يدل على أن الإحلال بالزوج الثاني ¬

_ (¬1) "وقيل" ليست في "ج". (¬2) "وقيل" ليست في "ع". (¬3) انظر: "أسد الغابة" (7/ 171). (¬4) انظر: "التوضيح" (16/ 475).

يتوقف على الوطء. قال ابن دقيق العيد: وقد يَستدل به من يرى الانتشارَ شرطاً في الإحلال؛ من حيث إنه يرجِّحُ حملَ قولها: إنما معه مثلُ هدبة الثوب، على الاسترخاء، وعدم الانتشار؛ لاستبعاد أن يكون الصغر (¬1) قد بلغ إلى حد لا (¬2) تغيب منه الحشفة، أو مقدارُها الذي يحصل به التحليل. وجمهورُ الفقهاء على أن التحليل لا يحصل (¬3) إلا بالدخول، ولم ينقل فيه خلاف إلا عن سعيد بن المسيب فيما قالوه. واستعمالُ لفظِ العُسيلة مجازٌ عن اللذة، ثم عن مظنتها، فهو مجاز في الرتبة الثانية على مذهب الجمهور الذين يكتفون بمغيب الحشفة (¬4). قيل: وأَنَّثَ العُسيلة؛ لأنه شبهها بالقطعة من العسل، وقيل: أشار إلى الإلمامة الواحدة. وعن أبي زيد: العُسيلة: ماءُ الرجل، والنطفةُ تسمى العسيلة، وعليه فلا مجاز (¬5). (وخالد بن سعيد بن العاص بالباب (¬6) ينتظر (¬7) أن يؤذن له، فقال: يا أبا بكر! ألا تسمع هذه ما تجهر به؟!): كأنه استعظمَ تلفُّظَها ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "الصغير". (¬2) في "ج": "لم". (¬3) في "ع": "يتحصل". (¬4) انظر: "شرح عمدة الأحكام" (4/ 40). (¬5) انظر: "التوضيح" (16/ 373). (¬6) "بالباب" ليست في "ع" و"ج". (¬7) في "ع": "ينظر".

بذلك (¬1) بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال السفاقسي: ورواه الداودي: "تجهر به": أي: إلى ما تأتي به من الكلام القبيح، وهذا موضع الترجمة؛ لأن خالداً نقلَ عنها، [وأنكرَ عليها بمجرد سماعِ صوتها، وإن كان شخصُها محتجباً عنه] (¬2)، وهذا حاصل شهادة المختبي. قال ابن المنير: والحرصُ على تحمل الشهادة قادح، واختلفوا في الاختفاء ليشهد؟ فقيل: حرصٌ قادحٌ. والمشهورُ عن مالك: أنه لا يقدح. وقيده محمد بما إذا لم يكن المقرُّ مخدوعاً ولا خائفاً، وهو وفاق، والحجةُ على سماع (¬3) شهادته واضحة، وذلك أنا اتفقنا على أنه يشهد على من سمعه يكفر، أو (¬4) يؤمن بالله، وقد كان كافرًا، أو تُطلَّق، وإن لم يُشهدوه على أنفسهم، بل لا معنى للإشهاد إلا الإسماع، فإذا أسمعَه، فقد أشهدَه، قصدَ ذلك أم لا، وقد قال الله تعالى: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} [البقرة: 283]، ولم يقل: الإشهاد، والسماعُ شهادة، ولكن إذا صرح المقرُّ بالإشهاد، فالأحسنُ أن يكتب الشاهد: أشهدَني بذلك، فشهدتُ عليه؛ حتى يخلص الخصمُ من الخلاف. ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "به". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬3) في "ع" و"ج": "إسماع". (¬4) في "ج": "و".

باب: إذا شهد شاهد أو شهود بشيء، وقال آخرون: ما علمنا بذلك، يحكم بقول من شهد

باب: إِذَا شَهِدَ شَاهِدٌ أَو شُهودٌ بشيءٍ، وقال آخرونَ: ما عَلِمْنَا بذلك، يُحْكَمُ بِقَوْلِ مَنْ شَهِدَ 1473 - (2640) - حَدَّثَنَا حِبَّانُ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَناَ عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ: أَنَّهُ تَزَوَّجَ ابْنَةً لأَبِي إِهَابِ بْنِ عَزِيزٍ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: قَدْ أَرْضَعْتُ عُقْبَةَ وَالَّتِي تَزَوَّجَ، فَقَالَ لَهَا عُقْبَةُ: مَا أَعْلَمُ أَنَّكِ أَرْضَعْتِنِي، وَلاَ أَخْبَرْتِنِي، فَأَرْسَلَ إِلَى آلِ أَبِي إِهَابٍ يَسْأَلُهُمْ، فَقَالُوا: مَا عَلِمْنَا أَرْضَعَتْ صَاحِبَتَنَا، فَرَكِبَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْمَدِينَةِ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ؟ "، فَفَارَقَهَا، وَنَكَحَتْ زَوْجاً غَيْرَهُ. (كيف وقد قيل؟ ففارقها): حديث عقبةَ المذكورُ في هذا الكلام ليس بمخالف لأصل الباب المقرر (¬1)؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحكم بشهادة المرأة (¬2) المرضعة، ولا قدم قولها على قول عقبة على طريق الإيجاب، وإنما أشار -عليه السلام- إلى أن قول المرأة شبهة تصلُح للتورع والتنزه عن زوجته من أجلها. قال ابن بطال: ويدل عليه الاتفاقُ على أنه لا يجوز شهادةُ امرأةٍ واحدة في الرضاع إذا شهدت بذلك بعد النكاح (¬3). * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "المقر". (¬2) في "ع": "والمرأة". (¬3) انظر: "شرح ابن بطال" (8/ 12).

باب: الشهداء العدول

باب: الشُّهداءِ العُدُولِ 1474 - (2641) - حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ ابْنَ عُتْبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُولُ: إِنَّ أُنَاساً كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالْوَحْيِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَإِنَّ الْوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ، وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمُ الآنَ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْراً، أَمِنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ، وَلَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ، اللهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءاً، لَمْ نَأْمَنْهُ، وَلَمْ نُصَدِّقْهُ، وَإِنْ قَالَ: إِنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ. (وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا): وذلك لأن الناس كانوا في الزمن الأول على العدالة حتى ظهر منهم خلافُها، فالتمس حينئذ منهم (¬1) العدالة، وقد نزل بعضُ ذلك في زمن عمر، فقال له رجل: أتيتك لأمرٍ لا رأسَ له ولا ذَنَبَ، قال: وما ذاك؟ قال: شهادة الزور ظهرتْ في أرضنا؟ قال عمر: في زماني وفي سلطاني؟ لا والله لا يُؤَمَّرُ رجل بغير العدول (¬2). قال ابن المنير: ونحن نشترط في جواز الدخول تقدمَ الإشهاد على النكاح، ولو دخل قبل أن يُشهد، حُدَّ، ولابدَّ من الفسخ، وقيل: إنه نكاح السر، ثم إنا نجوز شهادة المساتير على إذن المرأة، وهي ركن في العقد للضرورة. ¬

_ (¬1) "منهم" ليست في "ج"، وفي "ع": "فالتمس منهم حينئذٍ". (¬2) في "ع": "العدل".

باب: تعديل كم يجوز

(فمن أظهر لنا خيراً، أَمِنَّاه): بهمزة مفتوحة مقصورة وميم (¬1) مكسورة. * * * باب: تَعْدِيلُ كَمْ يجوزُ 1475 - (2642) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: مُرَّ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِجَنَازَةٍ، فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْراً، فَقَالَ: "وَجَبَتْ". ثُمَّ مُرَّ بِأُخْرَى، فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرّاً -أَوْ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ-، فَقَالَ: "وَجَبَتْ". فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! قُلْتَ لِهَذَا: وَجَبَتْ، وَلِهَذَا وَجَبَتْ؟ قَالَ: "شَهَادَةُ الْقَوْمِ، الْمُؤْمِنُونَ شُهَدَاءُ اللهِ فِي الأَرْضِ". (قلت لهذا: وجبت، ولهذا: وجبت؟ قال: شهادة القوم، المؤمنون شهداءُ الله في الأرض): ضبط بعضهم شهادة: بالرفع والتنوين، على أنها خبر مبتدأ مضمر؛ أي: هي شهادة، ثم استأنف فقال: "القومُ المؤمنون شهداءُ الله في الأرض". وجوز السهيلي كونَ القوم فاعلًا بالمصدر المنون، أو بفعل مضمر؛ أي: شهدَ القومُ، والجملة الاسمية مبتدؤها: المؤمنون. وضبطه بعضهم بإضافة شهادة إلى القوم، وهو ظاهر (¬2). * * * ¬

_ (¬1) "وميم" ليست في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 581).

باب: الشهادة على الأنساب، والرضاع المستفيض، والموت القديم

1476 - (2643) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، قَالَ: أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ، وَقَدْ وَقَعَ بِهَا مَرَضٌ، وَهُمْ يَمُوتُونَ مَوْتًا ذَرِيعًا، فَجَلَسْتُ إِلَى عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، فَمَرَّتْ جِنَازَةٌ، فَأُثْنِيَ خَيْرٌ، فَقَالَ عُمَرُ: وَجَبَتْ، ثُمَّ مُرَّ بِأُخْرَى، فَأُثْنِيَ خَيْراً، فَقَالَ: وَجَبَتْ، ثُمَّ مُرَّ بِالثَّالِثَةِ، فَأُثْنِيَ شَرّاً، فَقَالَ: وَجَبَتْ، فَقُلْتُ: مَا وَجَبَتْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: قُلْتُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّمَا مُسْلِمٍ شَهِدَ لَهُ أَرْبَعَةٌ بِخَيْرٍ، أَدْخَلَهُ الله الْجَنَّةَ"، قُلْنَا: وَثَلاَثَةٌ؟ قَالَ: "وَثَلاَثَةٌ"، قُلْتُ: وَاثْنَانِ، قَالَ: "وَاثْنَانِ". ثُمَّ لَمْ نَسْأَلْهُ عَنِ الْوَاحِدِ. (موتاً ذريعاً): أي: سريعاً (¬1) كثيراً. (فأُثني خيرٌ): وفي نسخة: "خيراً" بالنصب، ووجهها أن يكون النائب عن الفاعل ضمير المصدر مستكناً في الفعل، و"خيراً" حالٌ منه؛ أي (¬2): فأثنى هو؛ أي: الثناء حالةَ كونه خيراً. * * * باب: الشَّهَادَةِ عَلَى الأَنْسَابِ، وَالرَّضَاعِ الْمُسْتَفِيضِ، وَالْمَوْتِ الْقَدِيمِ (باب: الشهادة على الأنساب، والرضاع المستفيض، والموت القديم): قال ابن المنير: ترجم على الأنساب والرضاع والموت، وإنما ¬

_ (¬1) من قوله: "المؤمنون" إلى هنا ليس في "ع". (¬2) "أي" ليست في "ج".

ذكر الشواهد على الرضاع، وما عداه مَقيسٌ عليه. ووجه الاستدلال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بتَّ القولَ بأنه رضيعُ حمزة، وإن كان لم يدركِ الرضاع، وإنما سمعه سماعاً، وكذلك (¬1) عائشةُ بَتَّتِ القولَ بالرضاع في حق نفسِها، ولم تدرك ذلك إلا سماعاً، ومذهبُ مالك جوازُ شهادة السماع في الوقف والموت والملك، وشُرط في ذلك: طولُ الزمان، وانقراضُ الحاضرين غالباً، وقال: خمس عشرة سنة، وقيل: إن كان وباءٌ وانقراضٌ بسبب ظاهر، جاز في خمس عشرة سنة. وأطلق النَّقَلةُ القولَ بذلك، وما أراه يشترط (¬2) ذلك في الموت، بل تجوز الشهادة به سماعاً على الفور؛ لأنه ليس مما يعاينه الجمهور غالباً، وما أراه اشترط (¬3) الطولَ إلا في الملك والوقف، وكذلك (¬4) الرضاع ما ينبغي اشتراطُ طولِ الزمان في قبول السماع الفاشي فيه، وكذلك النسب إذا اشتهر. قيل لابن القاسم: أيشهد أنك ابنُ القاسم من لا يعرف أَبَاك؟ قال: نعم. والأحاديث تدل على قبول شهادة السماع في الرضاع وإن لم يطل الزمان جداً، فإنَّ سِنَّ عائشةَ عند وفاته -عليه السلام- إنما كان ثماني عشرة سنة، ومع هذا كله ثبت القول بسماع الرضاع في حقها (¬5). هذا كلامه رحمه الله. ¬

_ (¬1) في "ج": "ولذلك". (¬2) في "ع": "وما أراده بشرط". (¬3) في "ع": "اشتراط". (¬4) في "ع": "وكذا". (¬5) في "ع": "حقه".

قلت: فيه نظر من وجوه: - أما أولاً: فتخصيصُه شهادةَ السماع بالوقف والموت والملك ليس كما ينبغي؛ فقد عدَّ أهلُ المذهب جملةً مستكثرةً من ذلك؛ كالولاية، والعزل، والتعديل والتجريح، والإِسلام والكفر، والرشد والسَّفَه، إلى غير ذلك، وينسب إلى القاضي أبي الوليد بن رشد في عددها نظم. - فأما ثانيًا: فإن قوله: "وما أراه يشترط ذلك في الموت، بل تجوز الشهادة به سماعاً على الفور" مقتضٍ لجواز شهادة السماع (¬1) فيه في (¬2) بلد الموت، أو ما هو قريبٌ منها، وليس كذلك، فقد قال الباجي: ما قرب، أو كان ببلد الموت، إنما الشهادة فيه على البَتِّ؛ لحصول العلم به بالسماع المتواتر. وقال شيخنا أبو عبد الله بنُ عرفة: مقتضى الروايات والأقوال: أن شهادة السماع القاصرة عن شهادة البَتِّ في القطع بالمشهود به يُشترط فيها كونُ المشهود به بحيث لا يدرك بالقطع والبت به عادة، وإن أمكن عادة البتُّ به، لم تجز فيه شهادة السماع، وهو مقتضى قول الباجي. - وأما ثالثاً: فاستشهادُه على شهادة السماع في النسب وإن لم يطل الزمان بما ساقه من كلام ابن القاسم غيرُ محرر؛ لأن كلام ابنِ القاسم في السماع المفيد (¬3) للعلم، على ما صرح به ابن (¬4) الحاجب وغيره، وهو ¬

_ (¬1) في "ع": "إسماع". (¬2) "في" ليست في "ج". (¬3) في "ع": "المقيد". (¬4) "ابن" ليست في "ج".

مرتفع عن شهادة السماع القاصر عن ذلك، وحيث يطلق الفقهاء شهادة السماع، فإنما مرادُهم الثاني لا الأول. * * * 1477 - (2644) - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنَا الْحَكَمُ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتِ: اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ أَفْلَحُ، فَلَمْ آذَنْ لَهُ، فَقَالَ: أَتَحْتَجِبِينَ مِنِّي وَأَنَا عَمُّكِ؟! فَقُلْتُ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَرْضَعَتْكِ امْرَأَةُ أَخِي بِلَبَنِ أَخِي. فَقَالَتْ: سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "صَدَقَ أَفْلَحُ، ائْذَنِي لَهُ". (أرضعَتْك امرأةُ أخي): الأخُ المذكور هو أبو القُعَيْس، واسمه: وائلُ ابنُ أفلحَ، ويقال: اسمه الجَعْد، وهو صاحب اللبن. وفي "مختصر الاستيعاب": أنه عم عائشة، وهو متعقَّب، فعمها أفلحُ كما هو مذكور في متن (¬1) البخاري (¬2). * * * 1478 - (2645) - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي بِنْتِ حَمْزَةَ: "لاَ تَحِلُّ لِي، يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ، هِيَ بِنْتُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ". ¬

_ (¬1) في "ج": "كتاب". (¬2) انظر: "التوضيح" (16/ 496).

(قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في ابنة حمزَة: لا تحلُّ لي): هي أُمامَة، وقيل: عُمارَة، وقيل: فاطمة، ذكرها ابن الأثير في "أسد الغابة"، وجعل الجميعَ واحدةً، قال: وتكنى: أُمَّ الفضل (¬1). والذي أراده على ذلك علي (¬2) بن أبي طالب -رضي الله عنه-، وهو المخاطَب بذلك، كما رواه مسلم عن علي (¬3)، وارتضاعُ النبي - صلى الله عليه وسلم - معه كان من ثُوَيْبَة، وكانت قد أرضعت أَيضاً أَبا سلمةَ بنَ عبدِ الأسدِ زوجَ أم سَلَمَةَ -رضي الله عنها-. * * * 1479 - (2647) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَسْرُوقٍ: أَنَّ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَعِنْدِي رَجُلٌ، قَالَ: "يَا عَائِشَةُ! مَنْ هَذَا؟ "، قُلْتُ: أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، قَالَ: "يَا عَائِشَةُ! انْظُرْنَ مَنْ إِخْوَانُكُنَّ؛ فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ". (فقال: يا عائشة! من هذا؟ قلت: أخي من الرضاعة): قال شيخُنا قاضي القضاة جلالُ الدين البلقينيُّ -ذكره الله بالصالحات- (¬4): وجدتُ ¬

_ (¬1) انظر: "أسد الغابة" (7/ 24). (¬2) في "ج": "قال". (¬3) رواه مسلم (1446). (¬4) "ذكره الله بالصالحات" ليست في "ج".

باب: شهادة القاذف والسارق والزاني وقول الله تعالى: {ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون (4) إلا الذين تابوا} [النور: 4 - 5]

بخط مغلطاي على "حاشية أسد الغابة": عبد الله بن يزيد رضيع عائشة، روى عنه عبد الله بن زيد الجرمي، إن كان رضع (¬1) من أُم رومان، فله صحبة؛ لكون أمه توفيت في عهده -عليه الصلاة والسلام- على الصحيح، ويؤيده ما في "الصحيحين": عن عائشة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها وعندها رجل، فقال: "من هذا؟ "، فقلت: أخي من الرضاعة (¬2)، [ولا نعلم لها أخاً من الرضاعةِ] (¬3) غيره، فشبه أن يكون هو، والله أعلم. * * * باب: شَهَادَةِ الْقَاذِفِ وَالسَّارِقِ وَالزَّانِي وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 4 - 5] وَجَلَدَ عُمَرُ أَبَا بَكْرَةَ وَشِبْلَ بْنَ مَعْبَدٍ وَنَافِعاً بِقَذْفِ الْمُغِيرَةِ، ثُمَّ اسْتَتَابَهُمْ، وَقَالَ: مَنْ تَابَ، قَبِلْتُ شَهَادَتَهُ. وَأَجَازَهُ عَبْد اللهِ بْنُ عُتْبَةَ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعِكْرِمَةُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ، وَشُرَيْحٌ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ." وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ: الأَمْرُ عِنْدَناَ بِالْمَدِينَةِ: إِذَا رَجَعَ الْقَاذِفُ عَنْ قَوْلِهِ، ¬

_ (¬1) في "م": "رضيع". (¬2) رواه البخاري (2647)، ومسلم (1455). (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ج".

فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَقَتَادَةُ: إِذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ، جُلِدَ، وَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: إِذَا جُلِدَ الْعَبْدُ، ثُمَّ أُعْتِقَ، جَازَتْ شَهَادَتُهُ، وَإِنِ اسْتُقْضِيَ الْمَحْدُودُ، فَقَضَايَاهُ جَائِزَةٌ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْقَاذِفِ وَإِنْ تَابَ، ثُمَّ قَالَ: لا يَجُوزُ نِكَاحٌ بِغَيْرِ شَاهِدَيْنِ، فَإِنْ تَزَوَّجَ بِشَهَادَةِ مَحْدُودَيْنِ، جَازَ، وَإِنْ تَزَوَّجَ بِشَهَادَةِ عَبْدَيْنِ، لَمْ يَجُزْ، وَأَجَازَ شَهَادَةَ الْمَحْدُودِ وَالْعَبْدِ وَالأَمَةِ لِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ، وَكَيْفَ تُعْرَفُ تَوْبَتُهُ. وَقَدْ نَفَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الزَّانِيَ سَنَةً. وَنَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ كَلَامِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَصَاحِبَيْهِ حَتَّى مَضَى خَمْسُونَ لَيْلَةً. (باب: شهادة القاذف والسارق والزاني): ثم قال بعد كلام طويل: وكيف تعرف توبته؟ وهذا كالترجمة المستقلة المعطوفة، ثم بين كيفيةَ المعرفة بالتوبة بتغريبِ من يُغَرَّب مدةً معلومة، وُيهجر: أن الثلاثة مدة معلومة حتى تتحقق التوبة، ويحسن الحال. وسأل ابن المنير فقال: ليس مجرد الغربة عاماً توبة توجِب قبولَ الشهادة باتفاق، فكيف يتجه كلام البخاري؟ وأجاب (¬1): بأنه أراد: أن الحال تتغير في السنة، وتنتقل إلى حال لا تحتاج معها إلى تغريب، وكأنها مَظِنةٌ لكسر سورة النفس وهيجان الشهوة، ¬

_ (¬1) في "ع": "فأجاب".

ثم لا غربةَ عليه بعدها، فدل ذلك على أن الحال قابلة لتغير الأحكام، يرد بذلك على مَنْ زعم أن التربة لا تُقبل باعتبار الشهادة، وإنما تقبل باعتبار زوال اسم الفسق، وما فيه صريح الرد على الشافعي، بل ساق البخاري الآثار الدالة على أن القاذف لا بد في توبته من إكذابه نفسَه (¬1)، والآثار الدالة على عدم الاحتياج لذلك، وجعلها مسألة نظرية، والأدلةُ فيها متعارضة، لكن الصحيح بعد ذلك أن إكذابَه لنفسه (¬2) لا يشترط. ألا ترى أنه لو كان صادقاً في نفس الأمر، كيف يجوز له إكذابُ نفسه (¬3)، وهو حينئذ كاذبٌ في إكذاب نفسه؟ فعلى هذا ينسدُّ على الصادق في قذفه بابُ التوبة. ثم سأل (¬4) فقال: إن كان صادقاً في قذفه، فمم يتوب إذن؟ وأجاب: بأنه يتوب من الهَتْك، ومن التحدُّث (¬5) بما رآه (¬6) وقد ستره الله، وأما إن كان كاذباً في قذفه، فإنه يتوب من البهتان، وقولُه تعالى: {فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: 13]؛ أي: هم المكذَّبون في حكم الله، عليكم أن تكذِّبوهم، وإن كانوا صادقين في نفس الأمر؛ لأن علينا أن نبني على ظاهر السلامة والستر والصيانة للمسلم، سواء وافقنا العلمَ، أو خالفناه (¬7)؛ كما ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "بنفسه". (¬2) في "ع": "بنفسه". (¬3) في "ع": "بنفسه". (¬4) "ثم سأل" ليست في "ع". (¬5) في "ع" و"ج": "التحديث". (¬6) في "ع": "رواه". (¬7) في "ع": "وأخلفناه".

نكذِّبُ (¬1) المدَّعِيَ إلا ببينة، وإن كان صادقاً في علم الله تعالى. قلت: دعوى المدعي خبرٌ يحتمل الصدقَ والكذب، فليس لنا أن نكذِّبَه ولا نصدِّقَه (¬2) بالتشهِّي، وليس طلبُنا منه البينةَ على صحة دعواه دليلاً على تكذيبنا له فيها. ففيما قاله نظر. و (¬3) قال البخاري بأثر الباب قبل الترجمة الثانية المذكورة: (وجلدَ عمرُ أبا بكرة، وشبلَ بن معبد، ونافعاً بقذفِ المغيرة، ثم استتابهم، وقال: من تابَ، قُبلت شهادته): قال الطبري: كان المغيرة والياً على البصرة، وله مشربة تقابل مشربة (¬4) أبي بكرة، ولكل من المشربتين كَوَّةٌ تقابل كوةَ الأخرى، فكان مع أبي بكرة (¬5) في مشربته نافعُ بنُ كَلَدَة، وشبلُ بنُ معبد، وزيادٌ أخو أبي بَكْرة لأمه يتحدثون، فصفقَتِ الريحُ بابَ كوته، فقام ليصفقها، فبصر بالمغيرة -لفتحِ الريح بابَ كوةِ مشربته- بينَ رِجْلَي امرأة توسَّطَها، فقال للنفر: قوموا انظروا (¬6) واشهدوا، فنظروا فقالوا: من هذه؟ فقال: أم جميل بنتُ الأفقم، كانت تعشق المغيرةَ وأشرافَ الأمراء، فلما تقدم المغيرة للصلاة، منعه أبو بكرة. وبلغ الأمرُ عمر، فأشخصهم، وبعث أبا موسى والياً على البصرة، ¬

_ (¬1) في "ج": "لما يكذب". (¬2) في "ج": "نصدقه ولا نكذبه". (¬3) الواو ليست في "ع". (¬4) "تقابل مشربة" ليست في "ج". (¬5) في "م": "بكيرة". (¬6) في "ع" و"ج": "وانظروا".

فلما حضروه (¬1)، قال المغيرة: يا أمير المؤمنين! سل هؤلاء الأعبد: كيف رأوني، وهل عرفوا المرأة، فإن كانوا مستقبليَّ فكيف استنزوا؟ وإن كانوا مستدبريَّ فبأي شيء استحلوا النظر إليَّ على امرأتي؟ والله! ما كانت إلا زوجتي، وهي تشبهها. فبدأ عمر بأبي بكرة، فشهد أنه رآه بين رجلَي أُمِّ جميل، وهو يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة، قال: كيف رأيتهما؟ قال: مستدبرهما، فقال: كيف استبنت رأسها؟ قال: تحاملْتُ حتى رأيتها. ثم شهد شبلٌ، ونافعٌ كذلك. وشهد زيادٌ بأن قال: رأيته بين رجلي امرأة، وقدماها مخضوبتان تخفقان، واستين مكشوفتين، وحفزاناً شديداً. قال: هل رأيتَ كالميل في المكحلة؛ قال: لا، قال: هل تعرف المرأة؟ قال: لا، ولكن أُشَبِّهُها، قال له: تنحَّ، وأمر بالثلاثة فجُلدوا، وتلا قوله تعالى: {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ} [النور: 13]. فقال المغيرة: اشفني (¬2) من الأَعْبُد يا أمير المؤمنين. فقال له: اسكتْ أسكتَ الله نَأْمَتَكَ، والله! لو تمت الشهادةُ، لرميتُك بأحجارِك. قال الطبري: وردَّ عمرُ شهادتهم، ثم استتابهم، فتابَ نافعٌ وشبلٌ، وقبلَ شهادَتَهما، واستتاب أبا بكرة، فأبى. قال غيره: قال له: تُبْ، وأقبلُ شهادتك، فأبى، وكرّر شهادته. ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "أحضروه". (¬2) في "ع": "أسعفيني".

قال شيخنا أبو عبد الله بن عرفة: وإلى هذه الآية أشار ابنُ التلمساني في مسألة الإجماع السكوتي في "شرح المعالم" بقوله: كقول عليٍّ لعمرَ -رضي الله عنهما- لما رأى جلدَ أبي بكرة: إن جلدته، فارجم صاحبك، وكان شيخُنا ابنُ عبد السلام -رحمه الله- يستشكل (¬1) صحة الملازمة في قول علي (¬2) مع قبول عمرَ له، ويحكي استشكاله عن شيخه أبي (¬3) الحسن البوذري (¬4)، وكانت (¬5) له مشاركةٌ حسنةٌ في الأصلين، ولم يجيبا عنه بشيء. وكان يجري لنا جوابه بما أقوله: وهو أن القذف الموجبَ للحدِّ قسمان: قذفٌ صدرَ من قائله على وجه التنقيص (¬6) للمقذوف، وقذفٌ صدرَ (¬7) على وجهِ شهادةٍ لم تَتِمَّ (¬8)، وهو الواقع في النازلة، فلما كرر أبو بكرة شهادته، أراد عمرُ جلده للقذفِ بقوله هذا، فقال له علي: إن جلدته، فارجمْ صاحبك؛ [أي: إن أردتَ جلده، لزم إرادتَك رجمُ صاحبك] (¬9)؛ ¬

_ (¬1) في "ع": "استشكل". (¬2) "علي" ليست في "ع". (¬3) في "ع": "أبو". (¬4) في "ع": "البردري". (¬5) في "ع": "وكان". (¬6) في "ع": "التنصيص". (¬7) "صدر" ليست في "ع". (¬8) في "ع": "يتم". (¬9) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج".

لأن إرادة جلده إما أن تكون لسابق شهادته (¬1) من حيث كونُه أحدَ الثلاثة، [أو لشهادته لا من حيث كونُه أحدَ الثلاثة] (¬2)، فإن كان الأول، لم يحدَّ؛ لأنه قد حُدَّ لها، وإن كان لا من حيثُ كونُه أحدَ الثلاثة؛ لزم كونه -من حيث هو- زائداً عليها، وكلُّ ما كان زائداً عليها، كان رابعاً، وكلُّ ما كان رابعاً؛ لزم تمام النصاب، فيجب حَدُّ المغيرة. وهذا التقدير يدل على صحة قول ابن الماجشون: بصحة افتراق (¬3) بينة الزنا في الأداء، وأن تمام النصاب بمن يجبُ قبولُه ولو بعدَ حَدِّ مَنْ لم يكمُلِ النصابُ به يوجِب حَدَّ المشهود عليه، والخلاف في المسألة معروف. قلت: حاصلُ ما ذكره الشيخ: بيانُ الملازمة في القضية الشرطية، وهي: إن جلدته، فارجمْ صاحبَك، يعني: والتالي منتفٍ، فالمقدَّمُ مثله، فذكرَ بيانَ الملازمة لخفائها، وسكتَ عن بيان انتفاء التالي لوضوحه. (ونهى عن كلام كعبِ بنِ مالك وصاحبيه): هما هِلالُ بْنُ أُمَيَّةَ، ومُرارَةُ بْنُ الرَّبيعِ، [وإذا جعلتَ أسماءَهم مرتبةً على هذا النمط: مرارة بن الربيع] (¬4)، كعب بن مالك، هلال بن أمية، اجتمع من أول (¬5) أسمائهم على الترتيب [لفظُ: مكة، ومن آخر أسماء آبائهم] (¬6) لفظ: عكة. ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "شهادة". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬3) في "ع": "اقتران". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬5) "أول" ليست في "ع". (¬6) ما بين معكوفتين ليس في "ع".

باب: لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد

1480 - (2648) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ امْرَأَةً سَرَقَتْ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ، فَأُتِيَ بِهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ أَمَرَ فَقُطِعَتْ يَدُهَا، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا، وَتَزَوَّجَتْ، وَكَانَتْ تَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. (أن امرأة سرقَتْ في غزوة الفتح): هي فاطمةُ بنتُ أبي الأسد المخزوميةُ التي أَهَمَّ شأنُها قريشاً، وشفعَ فيها أسامةُ. ووقع لبعض الشارحين أنها فاطمةُ بنتُ الأسود، وهذا مرجوح، والراجح أنها بنت أبي الأسد، أو (¬1) بنت أبي الأسود (¬2) بن عبد الأسد بنتُ أخي أبي سلمةَ بنِ عبدِ الأسد. * * * باب: لا يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ جَوْرٍ إِذَا أُشْهِدَ 1481 - (2650) - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَناَ أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: سَأَلَتْ أُمِّي أَبِي بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ لِي مِنْ مَالِهِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَوَهَبَهَا لِي، فَقَالَتْ: لاَ أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخَذَ بِيَدِي، وَأَنَا غُلَامٌ، فَأَتَى بِيَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: إِنَّ أُمَّهُ بِنْتَ رَوَاحَةَ، سَأَلَتْنِي بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ لِهَذَا، قَالَ: "ألَكَ وَلَدٌ سِوَاهُ؟ "، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأُرَاهُ قَالَ: "لاَ تُشْهِدْنِي ¬

_ (¬1) في "ج": "و". (¬2) "أو بنت أبي الأسود" ليست في "ع".

عَلَى جَوْرٍ". وَقَالَ أَبُو حَرِيزٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: "لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ". (عن النعمان بن بشير، قال: سألتْ أمي أبي (¬1) بعضَ الموهبة لي من ماله): أُمه هي عَمْرَةُ بنتُ رَواحةَ أختُ عبدِ الله بنِ رَواحة، كما جاء مصرَّحاً به في البخاري، والموهوبُ عبدٌ، أو أمة، كما جاء مصرَّحاً به أَيضاً. وفي راوية: "غلام" من غير شك، وجاء في رواية: "حديقة"، وحملهما ابنُ حبان على حالتين. (أبو حَرِيز): بحاءٍ مهملة فراء فياء فزاي (¬2)، على زنة سعيد. (لا أشهدُ على جَوْر): استُدِلَّ به على تحريم التفضيل بين الأولاد في الهبات. ومذهب مالك والشافعي -رحمهما الله-: أن التفضيل مكروه لا غير، وربما استُدل على ذلك بالرواية التي قيل فيها: "أَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي"؛ فإنها تقتضي إباحةَ إشهاد الغير (¬3)، ولا يُباح إشهادُ الغير إلا على أمرٍ جائز، ويكون امتناعُه -عليه الصلاة والسلام- من الشهادة على وجه التنزُّة، واستضعف هذا ابنُ دقيق العيد بأن الصيغة -وإن كان ظاهرها الإذن- إلا أنها مِشعرةٌ بالتنفير الشديد عن ذلك الفعل؛ حيث امتنع -عليه الصلاة والسلام- من مباشرة هذه الشهادة مُعَلِّلاً بأنها جَوْر، فتخرجُ (¬4) الصيغةُ عن ¬

_ (¬1) "أبي" ليست في "ع". (¬2) "فزاي" ليست في "ع". (¬3) "الغير" ليست في "ع". (¬4) في "ع": "فيخرج".

ظاهر الإذن بهذهِ القرائن، وقد استعملوا مثل هذا اللفظ في مقصود التنفير (¬1). قال المهلب: وفي هذا الحديث من الفقه: أن الإنسان لا يضع (¬2) اسمه في وثيقة لا تجوز، ومن العلماء من رأى جوازه بقصد (¬3) الشهادة على الممنوع ليُرَدَّ. قال ابن المنير: إنما يريد لما يضع خطه في وثيقة بظاهر الجواز مع أن الباطن (¬4) باطل، وأما المساطير التي تكتب (¬5) لإبطال العقود الفاسدة بصيغة الاستدراك لا البناء، فلا خلافَ ولا خفاءَ في وجوب وضع الشهادة فيها، ولو وضع شهادته (¬6) في وثيقة كُتبت بظاهر الجواز، والعقدُ فاسد، زاد في خطه فقال (¬7): والأمرُ بينهما في ذلك محمول على ما يصححه الشرع من ذلك أو يبطله، ومثل هذا الوضع (¬8) لا يكاد يختلف فيه. * * * 1482 - (2651) - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ، ¬

_ (¬1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" (3/ 216). (¬2) في "ع": "يضيع". (¬3) في "ع": "يقصد". (¬4) في "ع": "الجواز". (¬5) في "ع": "يكتب". (¬6) في "ع": "بشهادته". (¬7) في "ع": "قال". (¬8) في "ج": "الموضع".

قَالَ: سَمِعْتُ زَهْدَمَ بْنَ مُضَرِّبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -:"خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ". قَالَ عِمْرَانُ: لاَ أَدْرِي، أَذَكَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدُ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ بَعْدَكُمْ قَوْماً يَخُونُونَ وَلاَ يُؤْتَمَنُونَ، وَيَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلَا يَفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ". (خيركم قرني): القرنُ: أهلُ العصر متقاربةً أسنانُهم، مشتقٌّ من الاقتران في الأمر الذي يجمعهم. ويقال: إنه لا يكون قرناً حتى يكونوا في زمان نبي أو رئيس يجمعهم على ملَّة و (¬1) رأي أو مذهب (¬2). (يَشهدون ولا يُستشهدون): لا يعارض هذا حديث: "خَيْرُ (¬3) الشُّهَدَاءِ الَّذِي يَأتِي بِشَهَادَتِهِ (¬4) قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا" (¬5)؛ لأن الأولَ في حقوق الآدميين، وهذا في حقوق الله تعالى التي لا طالبَ لها. قال الزركشي: وقيل (¬6): الأولُ في الشهادة على الغيب في أمر الخلق، ¬

_ (¬1) في "ع": "أو". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 582). (¬3) "خير" ليست في "ع" و"ج". (¬4) في "ع" و"ج": "بشهادة". (¬5) رواه مسلم (1719) عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه. (¬6) في "ع": "فقيل".

فيشهد (¬1) على قوم أنهم من أهل النار، ولآخرين (¬2) بغيره (¬3). قلت: هذا مُشكل؛ لأن الذمَّ ورد في (¬4) الشهادة بدون استشهاد، والشهادةُ على الغيب مذمومٌ مطلقاً، سواءٌ كان باستشهادٍ، أو بدونه. قال ابن المنير: وطابق هذا الحديث، أعني: "خيرُكم قرني" الترجمةَ، وهي قوله: بابٌ (¬5): لا يشهد على جَوْرٍ؛ لأن الحديث فيه ذمُّ المتسرع إلى الشهادة، الذي يَشهد قبل أن يُستشهد، ومثلُ هذا جدير بأن يَشهد على كل ما عُرِض عليه، وإن كان جَوْراً، ولا يتثبت، ولا ينصح الجائر فيصرفه عن الجور. وانظر (¬6) إن (¬7) كان هذا تعديلاً منه -عليه الصلاة والسلام- للقرون الثلاثة والقرن الأول، فكيف حكم عمر -رضي الله عنه- بطلب التزكية، [وقد كان قرنُه حينئذٍ من القرن الأول أو (¬8) الثاني؟ والجواب: أن التزكية] (¬9) التامة إنما حصلت للقرن الأول بدليل قوله ¬

_ (¬1) في "ع": "فليشهد". (¬2) في "ع": "والآخرين". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 583). (¬4) "في" ليست في "ع". (¬5) "باب" ليست في "ع". (¬6) "وانظر" ليس في "ج". (¬7) في "ج": "وإن". (¬8) في "ع": "و". (¬9) ما بين معكوفتين ليس في "ج".

تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ} [الفتح: 18] مع قوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143]؛ أي: عدلاً خياراً، فشهد لهم الله ورسوله بالعدالة والرضا، فتمت التزكية فيهم. قلت: تعليقُ تمامِ التزكية على شهادة الله ورسوله جميعاً محلُّ بحث لا يخفى عليك. ثم قال: وأما مَنْ بعدهم، فما ثبت لهم إلا أنهم خيرٌ من الذين يتأخرون عنهم، ولا يلزم من ذلك التزكية. (ويَنذِرون): بفتح حرف المضارعة وكسر الذال المعجمة وضمها. وهذا لا يعارض حديثَ النهي عن النذر، وإنما هو تأكيد لأمره، وتحذير من التهاون به بعد إيجابه. قال الزركشي: النذرُ: إيجابُك على نفسِك تبرعاً من عبادة أو صدقة أو غير ذلك (¬1). قلت: هذا لا يتمشى على مذهبنا؛ فإنه ينطبق على نحو: إن فعلت كذا، فلله عليَّ طلاقُ زوجتي فلانَة؛ إذ يصدق (¬2) عليه أنه إيجاب تبرع، ولا يلزم الطَّلاق عندنا في مثل هذه الصورة؛ فإنه غير قربةٍ. قال شيخنا ابن عرفة -رحمه الله تعالى-: النذرُ الأعم من الجائز: إيجابُ امرئٍ على نفسِه لله أمراً؛ لحديث: "مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ الله" (¬3)، ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 583). (¬2) في "ع": "إذا تصدق". (¬3) رواه البخاري (6696)، عن عائشة -رضي الله عنها-.

باب: ما قيل في شهادة الزور

وإطلاقُ الفقهاء على المحرَّمِ نذراً (¬1)، وأخصّه المأمورُ بأدائه التزامُ طاعةٍ (¬2) بنيةِ قربةٍ، لا امتناعٌ من أمر، هذا يمين (¬3). (ويظهر فيهم السِّمَن): بكسر السين المهملة وفتح الميم، ومعناه: عِظَمُ حرصِهم على الدنيا والتمتعِ بملذاتها (¬4) وإيثارِ شهواتها، والترفُّهِ في نعيمها حتى تسمنَ (¬5) أجسادُهم. وقيل: المراد: تَكَثُّرهم بما ليس فيهم، وادعاؤهم لشرفٍ (¬6) ليس لهم (¬7). وقيل: المراد: جمعُهم المال (¬8). * * * باب: مَا قِيلَ فِي شَهَادَةِ الزُّورِ لِقَوْلِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان: 72]. وَكِتْمَانِ الشَّهَادَةِ: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ ¬

_ (¬1) في "م": "نذر". (¬2) في "ع" و"ج": "طاعته". (¬3) وانظر: "مواهب الجليل" للحطاب (3/ 316). (¬4) في "ج": "بلذاتها". (¬5) في "ع": "يسمن". (¬6) في "ع" و"ج": "الشرف". (¬7) "ليس لهم" ليست في "ج". (¬8) انظر: "التنقيح" (2/ 583).

بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [البقرة: 283]. {تَلْوُاْ} [النساء: 135]: أَلْسِنَتَكُمْ بِالشَّهَادَةِ. ({وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283]): قال الزمخشري ما حاصلُه: إنما لم يكتف بقوله: آثمٌ حتَّى أضافه إلى القلب؛ لأن الذنبَ هنا كتمانُ الشهادة، وهو [من] أعمال القلوب، فاضيف إلى محله الخاص، كما يؤكد الرواية فيقول: سمعتْه أُذناي، ووسماه قَلبي (¬1). * * * 1483 - (2653) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُنِيرٍ، سَمِعَ وَهْبَ بْنَ جَرِيرٍ، وَعَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ إِبْرَاهِيمَ، قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْكَبَائِرِ، قَالَ: "الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَشَهَادةُ الزُّورِ". (سئل عن الكبائر): هي جمعُ كبيرة، وقد اختُلف في حَدِّها، فقيل: هي المعصيةُ الموجبةُ لحدٍّ. وقيل: ما لحق صاحبَها وعيدٌ شديد بنصِّ كتابٍ أو سُنة. وقيل: ما آذنَ بقلَّةِ اكتراثِ مرتكبه بالدين. وقيل: ما نص الكتابُ على تحريمه، أو وجبَ في جنسه حدّ. هذا ما ذكروه في الضبط، والتفصيلُ مستوعَبٌ في الفقهيات. * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4295)، ومسلم (1354) عن أبي شريح العدوي. وانظر: "الكشاف" للزمخشري (1/ 357).

1484 - (2654) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ " ثَلاَثًا، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ" -وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئاً، فَقَالَ:- "أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ". قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ. (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟): يدل على انقسام الكبائر في عِظَمها إلى كبيرٍ وأكبرَ، ولا يلزم من كونِ هذه أكبرَ الكبائر استواءُ رتبتها هي (¬1) في نفسها؛ كما إذا قلت: زيدٌ وعمرٌو أفضلُ من بكر؛ فإنه لا يقتضي استواءَ زيد وعمرٍو في الأفضلية أن قد يكونان متفاوتين فيها، وكذلك هنا؛ فإن الإشراك أكبرُ الذنوب المذكورة في الأحاديث التي (¬2) ذُكر فيها الكبائر. (وجلس وكان متكئاً): فيه حجةٌ لمن قال: الجلوسُ للنائم، والقعودُ للقائم. (فقال: ألا وقولُ الزور): هذا محمول على شهادة الزور، كما جاء في الحديث الآخر؛ لأنا لو حملناه على عمومه، لزم أن تكون الكذبة الواحدة مطلقاً كبيرةً، وليس كذلك، فقد نص الفقهاء على (¬3) أن الكذبة الواحدة وما يقاربها لا تُسقط العدالة، ولو كانت كبيرةً، لأسقطتها. ¬

_ (¬1) "هي" ليست في "ع" و"ج". (¬2) في "ج": "الذي". (¬3) "على" ليست في "ع".

ومراتبُ الكذب تتفاوت بحسب (¬1) تفاوت مفاسده. قال ابن دقيق العيد: وقد نص في الحديث الصَّحيح على أن الغيبة والنميمة كبيرة، والغيبة عندي تختلف بحسب القول المغتاب به، فالغيبةُ بالقذف كبيرة؛ لإيجابها الحدَّ، ولا تساويها الغيبةُ بقبح الخلقة مثلًا (¬2)، أو قبحِ بعضِ الهيئة في اللباس مثلاً. واهتمامه -عليه السلام- بأمر شهادة الزور يحتمل أن يكون؛ لأنها أسهلُ وقوعاً على الناس، والتهاونُ بها أكثرُ، فمفسدتها أيسرُ وقوعاً (¬3)، ألا (¬4) ترى أن المذكور معها هو الإشراك بالله، ولا يقع فيه مسلم، وعقوقُ الوالدين، والطبعُ صارفٌ عنه، وأما قول الزور، فإن الحوامل (¬5) عليه كثيرة؛ كالعداوة وغيرها، فاحتيج إلى الاهتمام بتعظيمه، وليس ذلك لعظمه بالنسبة إلى ما ذُكر معه -وهو الإشراك- قطعاً (¬6). (الجُريريُّ): بجيم مضمومة وياء تصغير بين راءين، منسوبٌ إلى جَرير بن عُبادة. * * * ¬

_ (¬1) "تتفاوت بحسب" ليست في "ع" و"ج". (¬2) "مثلاً" ليست في "ع". (¬3) في "ع": "وقوعها". (¬4) في "ع": "لا". (¬5) في "ج": "الزور فالحوامل". (¬6) انظر: "شرح عمدة الأحكام" (4/ 173).

باب: شهادة الأعمى وأمره ونكاحه وإنكاحه ومبايعته وقبوله في التأذين وغيره، وما يعرف بالأصوات

باب: شَهَادَةِ الأَعْمَى وَأَمْرِهِ وَنِكَاحِهِ وَإِنْكَاحِهِ وَمُبَايَعَتِهِ وَقَبُولِهِ فِي التَّأْذِينِ وَغَيْرِه، وَمَا يُعْرَفُ بِالأَصْوَاتِ وَأَجَازَ شَهَادَتَهُ قَاسِمٌ، وَالْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَالزُّهْرِيُّ، وَعَطَاءٌ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: تَجُوزُ شَهَادَتُهُ إِذَا كَانَ عَاقِلاً. وَقَالَ الْحَكَمُ: رُبَّ شَيْءٍ تَجُوزُ فِيهِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: أَرَأَيْتَ ابْنَ عَبَّاسٍ لَوْ شَهِدَ عَلَى شَهَادَةٍ أَكُنْتَ تَرُدُّهُ؟. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَبْعَثُ رَجُلًا إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ أَفْطَرَ، وَيَسْأَلُ عَنِ الْفَجْرِ، فَإِذَا قِيلَ لَهُ طَلَعَ، صَلَّى ركْعَتَيْنِ. وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ: اسْتَأْذَنْتُ عَلَى عَائِشَةَ، فَعَرَفَتْ صَوْتِي، قَالَتْ: سُلَيْمَانُ، ادْخُلْ، فَإِنَّكَ مَمْلُوكٌ مَا بَقِيَ عَلَيْكَ شَيْءٌ. وَأَجَازَ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ شَهَادَةَ امْرَأَةٍ مُنْتَقِبَةٍ. (شهادةَ امرأةٍ مُنتقبة): بميم فنون فتاء فوقية، ويروى بتقديم التاء على النون. (باب: شهادة الأعمى): نازعه الإسماعيلي في هذه الترجمة، فقال: ليس في جميع ما ذكره دلالة على قبول شهادة الأعمى، وأطال في ذلك بما هو قابل للقدح فيه (¬1). 1485 - (2655) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (16/ 538).

باب: شهادة النساء

قَالَتْ: سَمِعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً يَقْرَأُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: "رَحِمَهُ اللهُ، لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكذَا آيَةً، أَسْقَطْتُهُنَّ مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا". وَزَادَ عَبَّادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَائِشَةَ: تَهَجَّدَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَيْتِي، فَسَمِعَ صَوْتَ عَبَّادٍ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ! أَصَوْتُ عَبَّادٍ هَذَا؟ "، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: "اللَّهُمَّ ارْحَمْ عَبَّاداً". (سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً يقرأ في المسجد، فقال: رحمه (¬1) الله، لقد أَذْكَرني كذا وكذا): هذا الرجل هو (¬2) عبدُ الله بنُ يزيدَ الخَطْمي، نبه عليه عبدُ الغني في "مبهماته". (فسمع صوتَ عباد (¬3)): هو عَبَّادُ بنُ (¬4) بِشْرِ بنِ وَقْشٍ الأشهليُّ، رفيقُ أُسيد بنِ حُضير في المصباحين (¬5). * * * باب: شَهَادَةِ النِّسَاءِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] ({فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ}): أي: فإن لم يكن الشهيدان ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "يرحمه". (¬2) "هو" ليست في "ع" و"ج". (¬3) في "ج": "عباد يصلي". (¬4) "ابن" ليست في "ع". (¬5) انظر: "التوضيح" (16/ 583).

باب: شهادة الإماء والعبيد

رجلين، فالشهيدان رجلٌ وامرأتان، أو فليشهدْ رجلٌ وامرأتان (¬1)، وهو أنسب من قول الزمخشري: فليشهدْ رجلٌ وامرأتان؛ إذ المأمور هم المخاطبون، لا الشهداء. * * * باب: شَهَادَةِ الإِمَاءِ وَالْعَبِيدِ وَقَالَ أَنَسٌ: شَهَادَةُ الْعَبْدِ جَائِزَةٌ إِذَا كَانَ عَدْلًا. وَأَجَازَهُ شُرَيْحٌ وَزُرَارَةُ ابْنُ أَوْفَى. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: شَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ إِلَّا الْعَبْدَ لِسَيِّدِهِ. وَأَجَازَهُ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ. وَقَالَ شُرَيْحٌ: كُلُّكُمْ بَنُو عَبِيدٍ وَإِمَاءٍ. (وقال شريح): بشين معجمة وحاء مهملة مصغر. (كلكم بنو عبيدٍ وإماء): كذا لأكثر الرواة، وعند ابن السكن: "كلُّكم عبيدٌ وإماءٌ"، وهو ظاهر (¬2). 1486 - (2659) - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ. وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا يَحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقْبَةُ ابْنُ الْحَارِثِ، أَوْ سَمِعْتُهُ مِنْهُ: أَنَّهُ تَزَوَّجَ أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ أَبِي إِهَابٍ: قَالَ: فَجَاءَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَتْ: قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَعْرَضَ عَنِّي، قَالَ: فَتَنَحَّيْتُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، قَالَ: "وَكَيْفَ وَقَدْ زَعَمَتْ ¬

_ (¬1) انظر: "الكشاف" (1/ 353). (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 583).

أَنْ قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا؟ ". فَنَهَاهُ عَنْهَا. (فجاءت أَمَةٌ (¬1) سوداءُ فقالت: قد أرضعتُكما): روى (¬2) الإسماعيلي من حديث عمرو (¬3) بن سعيد، عن ابن أبي مليكة، حدثني عقبة بن الحارث، قال: تزوجتُ ابنةَ أبي (¬4) إهاب، فلما كان صبيحة ملكتها، جاءت امرأةٌ لأهل مكة، فقالت: إني قد أرضعتُكما، قال عقبة: فركبتُ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو بالمدينة، فذكرت له ذلك، وقلت: فسألت أهلَ الجارية فأنكروا، فقال: "كيف وقد قيل؟ "، ففارقتها، ونكحَتْ غيري. قال الإسماعيلي: من حيث صحح البخاري حديثَ ابن جريج، عن أبي مليكة، فقد صح حديثُ عمرو بن سعيد عنه، وهو يروي: "مولاةٌ لأهل مكة"، ومن كانت حرةً وعليها ولاءٌ، فقد تُدعى بهذا الاسم؛ لأنه ممن يريد تحقيرها وتصغيرها (¬5). قلت: حاصلُه: أن إطلاقَ الأمة على هذه المذكورة عند البخاري مجازيٌّ باعتبار ما كانت عليه، وإنما هي حرةٌ؛ بدليل قوله في الحديث الآخر (¬6): ["مولاةٌ لأهلِ مكةَ"، فإذَنْ ليس هذا من شهادة الإماء في شيء، ¬

_ (¬1) في "ع": "امرأة". (¬2) في "ع": "لما روى". (¬3) في "م": "عمر". (¬4) في "ج": "لأبي". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 583). (¬6) "الآخر" ليست في "ج".

باب: تعديل النساء بعضهن بعضا

على أنها لم تعمل شهادتها في حديث البخاري] (¬1)، وإنما دله -عليه الصلاة والسلام- على طريق الورع، وقد سبق حديث الإفك. * * * باب: تَعْديلِ النِّساءِ بَعْضِهنَّ بَعْضاً 1487 - (2661) - حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، وَأَفْهَمَنِي بَعْضَهُ أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ، وَعُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ مَا قَالُوا، فَبَرَّأَهَا اللهُ مِنْهُ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكُلُّهُمْ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنْ حَدِيثِهَا، وَبَعْضُهُمْ أَوْعَى مِنْ بَعْضٍ، وَأَثْبَتُ لَهُ اقْتِصَاصاً، وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْحَدِيثَ الَّذِي حَدَّثَنِي عَنْ عَائِشَةَ، وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضاً، زَعَمُوا: أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ سَفَراً، أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا، خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزَاةٍ غَزَاهَا، فَخَرَجَ سَهْمِي، فخَرَجْتُ مَعَهُ، بَعْدَ مَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ، فَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجٍ وَأُنْزَلُ فِيهِ، فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ غَزْوَتهِ تِلْكَ وَقَفَلَ، وَدَنَوْناَ مِنَ الْمَدِينَةِ، آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ، فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي، أَقْبَلْتُ إِلَى الرَّحْلِ، فَلَمَسْتُ صَدْرِي، فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ أَظْفَارٍ قَدِ انْقَطَعَ، فَرَجَعْتُ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي، فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ، فَأَقْبَلَ الَّذِينَ ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع".

يَرْحَلُونَ لِي، فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ أَرْكَبُ، وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنَّي فِيهِ، وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يَثْقُلْنَ، وَلَم يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ، وَإنَّمَا يَأَكُلْنَ الْعُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ الْقَوْمُ حِينَ رَفعُوهُ ثِقَلَ الْهَوْدَجِ فَاحْتَمَلُوهُ، وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَبَعَثُوا الْجَمَلَ وَسَارُوا، فَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَ مَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ، فَجِئْتُ مَنْزِلَهُمْ وَلَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ، فَأَمَمْتُ مَنْزِلِي الّذِي كُنْتُ بِهِ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُوني فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ غَلَبَتْنِي عَيْنَايَ فَنِمْتُ، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ، فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ فَأَتَانِي، وَكَانَ يَرَانِي قَبْلَ الْحِجَابِ، فَاستَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ، حِينَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ، فَوَطِيءَ يَدَهَا فَرَكبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ، حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ بَعْدَ مَا نَزَلُوا مُعَرِّسِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى الإِفْكَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَاشْتَكَيْتُ بِهَا شَهْراً، يُفِيضُونَ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِ الإِفْكِ، وَيَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لا أَرَى مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَمْرَضُ، إِنَّمَا يدخُلُ فَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُولُ: "كَيْفَ تِيكُمْ؟ "، لاَ أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى نَقَهْتُ، فَخَرَجْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ، مُتَبَرَّزِنَا، لا نَخْرُجُ إِلَّا لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نتَّخِذَ الْكُنُفَ قَرِيباً مِنْ بُيُوتِنَا، وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الأُوَلِ فِي الْبَرِّيَّةِ، أَوْ فِي التَنَزُّهِ، فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ بِنْتُ أَبِي رُهْمٍ نَمْشِي، فَعَثَرَتْ فِي مِرْطِهَا، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ لَهَا: بِئْسَ مَا قُلْتِ، أَتَسُبِّينَ رَجُلاَّ شَهِدَ بَدْراً؟! فَقَالَتْ: يَا هَنْتَاهْ! أَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالُوا؟ فَأَخْبَرتِنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الإِفْكِ، فَازْدَدْتُ مَرَضاً إِلَى مَرَضِي، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي، دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَلَّمَ، فَقَالَ: "كَيْفَ تِيكُمْ؟ "، فَقُلْتُ: ائْذَنْ لِي إلَى أَبَوَيَّ. قَالَتْ: وَأَنَا حِينَئِذٍ

أُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا، فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَتَيْتُ أَبَوَيَّ، فَقُلْتُ لأُمِّي: مَا يَتَحَدَّثُ بهِ النَّاسُ؟ فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّةُ! هَوِّنِي عَلَى نَفْسِكِ الشَّأْنَ، فَوَاللهِ! لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأةٌ قَطُّ وَضِيئَةٌ، عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا، وَلَهَا ضَرَائِرُ، إِلَّا أَكْثَرْنَ عَلَيْهَا. فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ! وَلَقَدْ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ بِهَذَا؟ قَالَتْ: فَبِتُّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ، لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، ثُمَّ أَصْبَحْتُ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلِيَّ بْنَ أَبي طَالِبٍ، وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ، يَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ، فَأَمَّا أُسَامَةُ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِالَّذِي يَعْلَمُ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْوُدِّ لَهُمْ، فَقَالَ أُسَامَةُ: أَهْلُكَ يَا رَسُولَ اللهِ، وَلاَ نَعْلَمُ -وَاللهِ- إِلَّا خَيْراً، وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! لَمْ يُضَيِّقِ اللهُ عَلَيْكَ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَسَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَرِيرَةَ، فَقَالَ: "يَا بَرِيرَةُ! هَلْ رَأَيْتِ فِيهَا شَيْئاً يَرِيبُكِ؟ "، فَقَالَتْ بَرِيرَةُ: لاَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، إِنْ رَأَيْتُ مِنْهَا أَمْراً أَغْمِصُهُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ أنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثةُ السِّنِّ، تَنَامُ عَنِ الْعَجِينِ، فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ. فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ يَوْمِهِ، فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي، فَوَاللهِ! مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْراً، وَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْراً، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي". فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنَا وَاللهِ أَعْذِرُكَ مِنْهُ: إِنْ كَانَ مِنَ الأَوْسِ، ضَرَبْنَا عُنُقَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الْخَزْرجِ، أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا فِيهِ أَمْرَكَ. فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرجِ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحاً، وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ، فَقَالَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللهِ لاَ تَقْتُلُهُ، وَلاَ تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ. فَقَامَ أُسُيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ فَقَالَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللهِ، وَاللهِ لَنَقْتُلَنَّهُ، فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ.

فَثَارَ الْحَيَّانِ: الأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ، حَتَّى هَمُّوا، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْمِنْبَرِ، فَنَزَلَ فَخَفَّضَهُمْ، حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ، وَبَكَيْتُ يَوْمِي لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، فَأَصْبَحَ عِنْدِي أَبَوَايَ، قَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْماً، حَتَّى أَظُنُّ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي -قَالَتْ:- فَبَيْنَا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي، إِذِ اسْتَأْذَنَتِ امْرَأةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَأَذِنْتُ لَهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَلَسَ وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مِنْ يَوْمِ قِيلَ فِيَّ مَا قِيلَ قَبْلَهَا، وَقَدْ مَكثَ شَهْراً لاَ يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي شَيْءٌ -قَالَتْ:- فَتَشَهَّدَ، ثُمَّ قَالَ: "يَا عَائِشَةُ! فَإِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً، فَسَيُبَرِّئُكِ الله، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ، فَاسْتَغْفِرِي اللهَ، وَتُوبِي إِلَيْهِ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ، ثُمَّ تَابَ، تَابَ الله عَلَيْهِ". فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَقَالَتَهُ، قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً، وَقُلْتُ لأَبِي: أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: وَاللهِ! مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ لأُمِّي: أَجِيبِي عَنِّي رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا قَالَ، قَالَتْ: وَاللهِ! مَا أَدْرِي مَا أقولُ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَتْ: وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثةُ السِّنِّ، لاَ أَقْرَأُ كَثِيراً مِنَ الْقُرْآنِ، فَقُلْتُ: إِنِّي وَاللهِ! لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّكُمْ سَمِعْتُمْ مَا يَتَحَدَّثُ بهِ النَّاسُ، وَوَقَرَ فِي أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُم بِهِ، وَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي بَرِيئَةٌ، وَاللهُ يَعْلَمُ إِنِّي لَبَرِيئَةٌ، لاَ تُصَدِّقُونِي بذَلِكَ، وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ، وَاللهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ، لَتُصَدِّقُنِّي، وَاللهِ! مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا إِلَّا أَبَا يُوسُفُ إِذْ قَالَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18]. ثُمَّ تَحَوَّلْتُ عَلَى فِرَاشِي، وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يُبَرِّئَنِي اللهُ، وَلَكِنْ وَاللهِ! مَا ظَنَنْتُ أَنْ يُنْزِلَ فِي شَأْنِي وَحْياً، وَلأَنَا أَحْقَرُ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يُتَكَلَّمَ بِالْقُرْآنِ فِي أَمْرِي، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللهُ، فَوَاللهِ!

مَا رَامَ مَجْلِسَهُ، وَلَا خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، حَتَّى أُنْزِلَ عَلَيْهِ، فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ مِنَ الْعَرَقِ فِي يَوْمٍ شَاتٍ، فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَضْحَكُ، فَكَانَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ لِي: "يَا عَائِشَةُ! احْمَدِي اللهَ، فَقَدْ بَرَّأَكِ اللهُ". فَقَالَتْ لِي أُمِّي: قُومِي إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: لا وَاللهِ! لا أَقُومُ إِلَيْهِ، وَلاَ أَحْمَدُ إِلاَّ اللهَ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} [النور: 11] الآيَاتِ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللهُ هَذَا فِي بَرَاءَتِي، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَح بْنِ أُثَاثَةَ؟ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ: وَاللهِ! لاَ أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئاً أَبَداً، بَعْدَ مَا قَالَ لِعَائِشَةَ. فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ. . . غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 22]، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى وَاللهِ! إِنِّي لأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لِي، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ الَّذِي كَانَ يُجْرِي عَلَيْهِ. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْأَلُ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ عَنْ أَمْرِي، فَقَالَ: "يَا زَيْنَبُ! مَا عَلِمْتِ؟ مَا رَأَيْتِ؟ "، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي، وَاللهِ! مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا إلاَّ خَيْراً. قَالَتْ: وَهْيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي، فَعَصَمَهَا اللهُ بِالْوَرَعِ. (فأيتهن): بتاء التأنيث. قال الزركشي: هو الوجه، ويروى: "فَأَيَّهُنَّ" (¬1)؛ يعني (¬2): بدون تاء تأنيث. قلت: دعواه أن الرواية الثانية ليست على الوجه، خطأ؛ إذ المنصوص: ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 585). (¬2) "يعني" ليست في "ع".

أنه إذا أريد بأَيّ المؤنثُ، جاز إلحاقُ التاء به، موصولاً كان أو استفهامياً (¬1)، أو غيرَهما. (فخرجتُ معه بعد ما أُنزل الحجاب): الحجابُ نزل بعد تزويج زينبَ بنتِ جحش، وتزويجُها في ذي القعدة سنة أربع على الأصح، والإفكُ في غزوة المريسيع (¬2)، [وهي غزوة (¬3) بني المصطلق في شعبان من سنة خمس على الأصح، وفي البخاري: كانت غزوة المريسيع] (¬4) سنة ست، وقال ابن عقبة: سنة أربع، والصحيح ما سبق (¬5). (أُحمل في هَوْدَجٍ): هو القُبَّةُ التي فيها المرأةُ، وهي الخِدْر. (وقفل): أي: رجع. وما أحسنَ قولَ صاحبِنا زينِ الدينِ بنِ (¬6) العجميِّ -رحمه الله تعالى- بوجه (¬7) هذه الكلمة حيث يقول: سرَى قَلْبِيَ المُضْنَى خِلَالَ رِكَابِهِمْ ... وَنَجْمُ سُرُورِي بَعْدَ بُعْدِهِمُ أَفَلْ وَقَدْ فَتَحَ التَّسْهِيدُ أَجْفَانَ مُقْلَتِي ... وَسَارَ مَنَامِي خَلْفَ قَلْبِي وَمَا قَفَلْ ¬

_ (¬1) في "ع": "استفهامية". (¬2) في "ع": "غزوة تبوك المريسيع". (¬3) "غزوة المريسيع وهي غزوة" ليست في "ج". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬5) انظر: "التوضيح" (16/ 566). (¬6) "ابن" ليست في "ع". (¬7) في "ج": "موجه".

(آذَنَ): روي بمد الهمزة وتخفيف الذال المعجمة، والقصر، وتشديدها؛ أي: أعلمَ. (فإذا عِقدٌ): بكسر العين (¬1). (من جَزْع): -بفتح الجيم وإسكان الزاي-: الخرز المنظوم اليماني. (أظفار): كذا الرواية بألف. وقال الخطابي وغيره: الصواب: "ظَفارِ" -بفتح الظاء المعجمة وكسر الراء- مبني؛ كحَضارِ، وهي مدينة باليمن ينسب [إليها الجَزْعُ]، وكذا ذكره البخاري في كتاب: المغازي. قالوا: فدل على أن (¬2) المذكور هنا وهمٌ. ومنهم من وَجَّهَ الروايةَ الأولى بأن الأظفارَ عودٌ يُتطيب به، فجاز أن يُجعل كالخرز، ويُتحلى به، إما لحسن لونه، أو لطيب ريحه (¬3). (يَرحلون): بفتح الياء والحاء المهملة المخففة (¬4). قال القاضي: رَحَلْتُ البعيرَ -مخففاً- (¬5) شَدَدْتُ عليه الرَّحْلَ (¬6). ¬

_ (¬1) "بكسر العين" ليست في "ج". (¬2) في "م": "فدل أن". (¬3) انظر: "أعلام الحديث" (2/ 1311)، و"التنقيح" (2/ 585). (¬4) "المخففة" ليست في "ع". (¬5) في "ج": "مخففة". (¬6) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 285).

وعند (¬1) أبي ذر (¬2): "يُرَحِّلُونَ": -بتشديد الحاء مع ضم الياء وفتح الراء-، وكذا "فَرَحَّلُوهُ" -بتشديد الحاء-، والمعروفُ التخفيف (¬3). (ولم يغشَهُنَّ اللحمُ): وفي المغازي: "لم يَهْبُلْنَ": -بضم الباء الموحدة وكسرها-؛ أي: لم (¬4) يكثر شحومُهن عليهن. (فإنما يأكُلْنَ العُلْقَةَ من الطعام): العُلْقَة: -بضم العين المهملة وبالقاف-: اليسيرُ من الطعام الذي فيه بُلْغَةٌ. (بعد ما استمرَّ الجيش): استفعلَ من مَرَّ، ومنه: {سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر: 2]؛ أي: ذاهب (¬5)، هذا قولُ الفراء، وأما الزجَّاج فقال: معناه: دائم. (فَأَمَّمْتُ منزلي): -بتشديد الميم-؛ أي: قَصَدْتُ. وحكى السفاقسي تخفيفها، ومنه: {آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} [المائدة: 2]. (وظننت): الظن هنا بمعنى العلم؛ لأن فقدهم إياها محقَّقٌ قطعاً، فهو أمر معلومٌ عندها. (سيفقِدوني): بقاف مكسورة ونون واحدةٍ. قال الزركشي: فيحتمل أن يكون حذف إحدى النونين، وأن تكون [النون] مشددة (¬6). ¬

_ (¬1) في "ع": "وكذا عند". (¬2) في "ج": "وكذا عند ذر". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 586). (¬4) "لم" ليست في "ع" و"ج". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 586)، ووقع في المطبوع: "ومنه: شجر مستمر". (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 586).

قلت: هذا ظاهر في أنه لم يطلع على رواية معينة في هذه الكلمة، ويروى بنونين. (صفوان بن المعطَّل): بفتح الطاء المهملة المشدّدة. (السُّلَمي) بضم السين المهملة وفتح اللام. (فاستيقظتُ باسترجاعِه): يعني قوله: "إنا لله وإنا إليه راجعون"، فيحتمل أن يكون شَقَّ عليه ما جرى عليها، أو يكون عَدَّها مصيبةً لما وقع في نفسه أنه لا يسلم من الكلام. (بعد ما نزلوا مُعَرِّسين): التعريس: النزولُ في آخر الليل. وقال أبو زيد: هو النزول في أي وقت كان، ويشهد له ما وقع هنا (¬1)؛ فإنها -رضي الله عنها- قالت: (في نَحْرِ الظَّهيرة): أي: حين بلغت الشّمسُ منتهاها من الارتفاع، كأنها وصلت إلى النحر، وهو أعلى الصَّدر. وقيل: نحرها: أولُها، و (¬2) الظهيرة: شدة الحرّ. (يُفيضون): يُشيعون الحديث، يقال (¬3): أماض القومُ في الحديث: إذا اندفعوا فيه. (ويُريبني): بفتح أوله وضمه، يقال: رابني، وأَرابني بمعنىً؛ من الشك والوهم. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 587). (¬2) الواو ليست في "ج". (¬3) "يقال" ليست في "ج".

(اللُّطف): قال الزركشي: بضم اللام؛ أي: الرفق والبر. قال ابن الأثير: ويروى (¬1): بفتح اللام والطاء، لغة فيه (¬2). قلت: الذي وقع في "المشارق": ولا أعرفُ منهُ اللَّطَفَ الذي كنتُ أعرفه، كذا رويناه بفتح اللام والطاء، ويقال -أيضاً- بضم اللام وسكون الطاء، و (¬3) هو البر والتحَفي (¬4). وهذا صريح في أن الثاني ليس بمروي له، ويحتمل بعد ذلك قوله: ويقال -أيضاً-: أن يكون مروياً في الجملة، أو لغة فيه، ولكنها غير مرويَّة. (كيف تيكم؟): هي في الإشارة للمؤنث مثل: ذاكم في المذكر. قال الزركشي: وهي تدل على لطف (¬5) من حيث سؤالُه عنها، وعلى نوع جفاء من قوله: "تيكم" (¬6). (حتى نقَهْتُ): -بفتح القاف-؛ أي: أفقتُ من مرضي. وحكى الجوهري وابن سيده فيه الكسر -أيضاً (¬7) -. (أنا وأُمُّ مِسْطَحٍ): هي سلمى بنتُ أبي رُهم بن المطلب بن عبد منافٍ ¬

_ (¬1) "ويروى" ليست في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 587). (¬3) الواو ليست في "ع". (¬4) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 357). (¬5) في "ج": "لفظ". (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 587). (¬7) المرجع السابق، الموضع نفسه.

خالةُ أبي بكر الصديق، وابنُها مِسطحٌ هو (¬1) بكسر الميم: لقبٌ له، وأصلُه عودٌ من أعواد الخِباء، واسمه عامرٌ، وقيل: عَوْفُ بنُ أُثاثَةَ بنِ عَبَّادِ بنِ عبدِ المطَّلبِ ابنِ عبدِ منافٍ (¬2). (قِبَل): بكسر القاف وفتح الباء الموحدة. (المناصِع): بصاد مهملة. قال الأزهري: موضعٌ خارج المدينة للحديث كانوا يتبرزون فيه (¬3). (متبرَّزِنا): -بفتح الراء المشددة- وهو بدلٌ من المناصع؛ يعني: أنه موضعُ التبرُّز، وهو قضاءُ الحاجة. (الكُنُف): -بضمتين- جمع كَنيف، وأصلُه السترُ. (وأَمرُنا أمرُ (¬4) العربِ الأَوَّلُ): قال القاضي: بفتح الهمزة [وضم اللام، نعتٌ للأمر، وقيل: هو وجهُ الكلام. ورُوي: الأُوَلِ -بكسر اللام وضم الهمزة] (¬5) مخففة الواو- وصفاً للعرب، لا للأمر. تريد -رضي الله عنها-: أنهم بعد لم يتخلقوا بأخلاق أهل الحواضر (¬6) والعجم (¬7). ¬

_ (¬1) "هو" ليست في "ع" و"ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 587). (¬3) انظر: "تهذيب اللغة" (2/ 23)، (مادة: نصع)، وانظر: "التنقيح" (2/ 589). (¬4) "أمر" ليست في "ع". (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬6) في "ج": "الحاضرة". (¬7) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 51).

فإن قلت: الأُوَل -بضم الهمزة- على هذه الرواية جمعٌ لأُولى، وواحد العرب لا يصح وصفُه به. قلت: قدر ابنُ الحاجب (¬1) العربَ اسمَ جمعٍ لجماعات، فواحده جماعةٌ، ووصفُها بالأُولى ممكن، فجاز بهذا الاعتبار. (بنت أبي رُهْم): بضم الراء وإسكان الهاء. (في مِرْطِها): -بكسر الميم-: كساءٌ من صوفٍ أو خزّ أو كتان (¬2)، قاله الخليل. وقال ابن الأعرابي: هو الإزار. وقال النضر: لا يكون المرط إِلا درعاً (¬3)، وهو من خَزٍّ أخضرَ، ولا يلبسه إلا النساء. قال القاضي: وظاهرُ الحديث يصحح قولَ الخليل، ففي الحديث: "خرجَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في مرطٍ مرجلٍ من شعرٍ أسودَ" (¬4). (تعَس): -بفتح العين- قيده الجوهري بمعنى: العثار، وأتعسه الله: أَكَبَّه (¬5): دعاءٌ عليه أن لا يستقيل من عثرته، وكلامُ ابن الأثير يقتضي أن ¬

_ (¬1) "الحاجب" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "أو خزاً أو كتاناً". (¬3) في "ج": "ذراعان". (¬4) رواه مسلم (2081)، عن عائشة رضي الله عنها. وانظر: "مشارق الأنوار" (1/ 377). (¬5) في "ج": "وأكبه".

الأعرفَ كسرُ العين، ثم قال: وقد تفتح (¬1). (يا هنْتاه!): بسكون النون وفتحها، والسّكونُ أشهر. قال صاحب "نهاية الغريب": وبضم الهاء الأخيرة، وتُسَكَّن؛ أي: يا هذه! قاله الخطابي. وقيل: بل نسبتها للبله وقلة المعرفة بالشر، يقال: امرأة هنتاه (¬2)؛ أي: بلهاء (¬3). (وضيئة): بالهمز؛ أي: حَسَنَةٌ؛ من الوضاءة، وهي الحُسْنُ. (لا يرقَأُ لي دمع): بهمز يرقا؛ أي: لا ينقطع، وَرَقأً الدمعُ -بالهمزة (¬4) -: سكنَ. (وسل الجارية تصدقك، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بَريرَةَ): قال الزركشي: قيل: إن هذا وهم؛ فإن بريرةَ إنما اشترتها عائشةُ (¬5) وأعتقتْها قبلَ ذلك. قال: والمَخْلَصُ (¬6) من هذا الإشكال: أن تفسير (¬7) الجارية ببريرةَ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 588). (¬2) في "ع": "هنية". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 588). (¬4) في "ج": "بالهمز". (¬5) "عائشة" ليست في "ع". (¬6) في "ع": "والملخص". (¬7) في "ع": "يفسر".

مُدرجٌ في الحديث من بعض الرواة ظناً منه أنها هي (¬1). قلت: هذا ضيقُ عَطَن؛ فإنه لم يرفع الإشكال إلا بنسبة الوهم إلى الراوي، مع أن ادعاءه كونَه مدرجاً لا ثبتَ يقوم عليه، والمخلص عندي من الإشكالِ الرافعِ لتوهيمِ الرواة وغيرِهم: أن يكون إطلاقُ الجارية على بريرة، وإن كانت معتقة إطلاقاً مجازياً باعتبار ما كانت (¬2) عليه، واندفع الإشكال، ولله الحمد. (إنْ رأيتُ منها أمراً أَغْمِصه): -بالغين المعجمة وكسر الميم-؛ أي: أَعيبه، يقال: غَمَصْتُ عليه قولاً قاله؛ أي: عِبْتُهُ عليه. (تنام عن العجين، فتأتي الدّاجنُ فتأكلُه): قال ابن المنير: وقولها: سوى أن الداجنَ تأكل عجينها، من الاستثناء البديع الذي يراد به التسجيل على نفي العيوب؛ كقوله: وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ (¬3) غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ ... بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ فغفلتُها عن عجينها (¬4) أبعدُ لها من هذا العيب، وأقربُ إلى أن تكون به (¬5) من المحصَنات الغافلات المؤمنات. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 589). (¬2) في "ج": "كان". (¬3) في "ع": "فيهن". (¬4) في "ع" و"ج": "العجين". (¬5) في "ع": "فيه".

قلت: ليس في الحديث صورة استثناء بـ: "سوى" ولا غيرها من أدواته (¬1)، وإنما فيه: إنْ رأيتُ منها أمراً (¬2) أَغْمِصُه عليها قَطُّ أكثرَ من أنها جاريةٌ حديثة السن، تنام عن العجين، فتأتي (¬3) الداجنُ فتأكله، لكن معنى هذا قريبٌ (¬4) من (¬5) معنى الاستثناء. (من يَعْذِرني من رجلٍ؟): بفتح حرف المضارعة. قال في "البارع": أي: مَنْ ينصرني عليه؟ والعذير: الناصر. وقال الهروي: من يقومُ بعذري (¬6) إن كافأتُه على سوء فعله، كذا في "المشارق" (¬7). (فقام سعدُ بنُ مُعاذ): حكى القاضي عن بعض شيوخه: أن ذكرَ سعد ابن معاذ في هذا الحديث وهمٌ؛ لأنه مات سنةَ أربع، وحديثُ الإفك كان سنة ست في غزوة المريسيع (¬8). قلت: وقد مضى (¬9) الخلاف فيها، وإن منهم من قال: إنها كانت في سنة أربع. ¬

_ (¬1) في "ج": "ولا غيرها من أدواته وإنما فيه من أدواته". (¬2) "أمراً" ليست في "ج". (¬3) في "ع": "فيأتي". (¬4) في "م": "قريباً". (¬5) في "ج": "من أنها جارية حديثة السن". (¬6) في "ع": "يعذرني". (¬7) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 70). (¬8) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 239). (¬9) في "ع" و"ج": "قلت: ومعنى".

قال إسماعيل القاضي: والأولى أن يكون قبل الخندق، قال القاضي عياض: فعلى هذا تخرج هذه أن سعد بن معاذ كان حياً إذ ذاك (¬1). (إن كان من الأوس، ضربنا عنقَه، وإن كان من إخواننا [من] الخزرج، أمرتَنا ففعلنا فيه أمرَكَ): قال السفاقسي: وإنما قال سعدُ بنُ معاذ ذلك؛ لأن الأوسَ قومُه، وهم بنو النجار، ومن آذى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وجبَ قتلُه، ولم يقل كذلك في الخزرج؛ لما كان بينهم من قبل (¬2)، فبقيت فيهم بعدُ أَنَفَةٌ أن يحكم بعضُهم في بعضه، فإذا أمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، امتثلوا أمره (¬3). (فقام سعدُ بنُ عبادةَ، وهو سيدُ الخزرج): وكان من رهط عبد الله بن أَبي رُهْمِ بنِ ساعدة، كذا في السفاقسي (¬4). (وكان احتمَلَتْه الحميَّةُ): -بالحاء المهملة- من "احتملته"، كذا لأكثرهم، ووقع في بعض النسخ (¬5): "اجْتَهَلَتْه (¬6) ": -بالجيم والهاء-، وصَوَّبه الوقشي، وصوب القاضي كليهما (¬7)، فقال: احتمل الرجلُ: إذا غضبَ، قاله يعقوب. فمعنى احتملته: أغضبته، ومعنى اجتهلته: حملته على أن يجهل؛ ¬

_ (¬1) المرجع السابق، (2/ 240). (¬2) في "ع": "قتل". (¬3) "انظر: "التوضيح" (16/ 583). (¬4) المرجع السابق، (16/ 584). (¬5) "في بعض النسخ" ليست في "ج". (¬6) في "ع": "أجهلته". (¬7) في "ج": "كلاهما".

أي: يقولُ قولَ أهل (¬1) الجهل (¬2). (فقال: كذبتَ لَعَمْرُ اللهِ): أي: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يجعل حكمَه إليك، كذا (¬3) قال الداودي. وقال السفاقسي: الظاهر أنه قال له: كذبت؛ أي: إنك لا تقدرُ على قتله (¬4). (فقام أُسيد بنُ حُضير (¬5)): كلا العلمين على صيغة المصغَّر. (فقال: كذبتَ لعمرُ الله): أي: لن يأمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتله. وقوم أُسيد بنو عبد الأشهل. وهؤلاء الثلاثة: السَّعدان، وأُسيد، من نقباء الأنصار. (إذ قال: {صَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}: هكذا رأيته في بعض النسخ: {صَبْرٌ} -بدون فاء-، و (¬6) صحح عليه، وكلامُ الشيخ بهاءِ الدين أبي حامدٍ السبكيِّ في "شرح مختصر ابن الحاجب" الأصيلي يدل على أنه بالفاء، وذلك أنه قال: إذا كان الكلام المحكيُّ مقروناً بالفاء مثلاً، ولم يذكر الحاكي ما قبله، جاز له إثبات العاطف وحذفُه. ¬

_ (¬1) "قول أهل" ليست في "ع"، و"أهل" ليست في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 590). (¬3) "كذا" ليست في "ج". (¬4) انظر: "التوضيح" (16/ 584). (¬5) كذا في رواية أبي ذر الهروي، وفي اليونينية: "الحضير". (¬6) الواو ليست في "ع".

واستشهد للإثبات بأحاديث، منها: قول عائشة -رضي الله عنها- في (¬1) قصة الإفك: "ما أجدُ لي ولكم مثلاً إلا كما قالَ العبدُ الصالحُ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18] " كذلك هو في "صحيح البخاري"، على أنه في "سيرة ابن إسحاق" بغير فاء. على أن هذا الذي ذكر فيه السبكي إثبات الفاء في البخاري إنما هو في الطريق التي فيها: كما قال العبد الصالح، وما نحن فيه على خلاف هذا، ونصه: "والله! ما أجدُ لي ولكم مثلاً إلا أبا يوسفَ، إذ (¬2) قال"، فتأمله. (فوالله! ما رامَ مجلسَهُ): أي: ما فارَقَه؛ من: رَام يَريم رَيماً، فأَمَّا مِنْ طلبِ الشيء، فرام يَروم رَوْماً. (من البُرَحاء): -بضم الباء (¬3) الموحدة وفتح الراء، ممدود (¬4) -؛ من البَرْح، وهو أشدُّ ما يكون من الكَرْب. (ليتحدَّرُ منه مثلُ الجُمان): -بضم الجيم (¬5) وتخفيف الميم-: الدُّرُّ. وقال الداودي: هو شيءٌ كاللؤلؤ يُصنع من الفضة (¬6). ويدل للأول قولُ الشاعر: ¬

_ (¬1) "في" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "إذا". (¬3) "الباء" ليست في "ع" و"ج". (¬4) في "ج": "ممدوداً". (¬5) في "ج": "بضم الموحدة الجيم". (¬6) انظر: "التوضيح" (16/ 587).

كَجُمَانَةِ البَحْرِيِّ جَاءَ بِهَا ... غَوَّاصُهَا مِنْ لُجَّةِ البَحْرِ (فلما سُرِّيَ (¬1)): أي: كُشف عنه، والتشديدُ فيه للمبالغة. (مِسْطَحُ بنُ أُثاثةَ): بهمزة مضمومة وثاءين مثلثتين (¬2) بينهما ألف وآخره (¬3) هاء (¬4) تأنيث. وضبطه المهلب بفتح الهمزة، ولم يُتابَع عليه (¬5). (لا أُنفق على مسطحٍ بشيء): ويروى: "شيئاً". (أَحمي سمعي وبصري): [أَحْمي فعلٌ مضارع، فهمزتُه (¬6) همزةُ قطع؛ أي: أمنعُهما من المأثم، ولا أكذبُ فيما سمعت وفيما أبصرت، فيعاقبني الله في سمعي وبصري] (¬7)، ولكني أَصْدُقُ حمايةً لهما. (وهي التي كانت تُساميني): أي: تنازعني (¬8) الحظوة، والمساماةُ: مُفاعَلَة من السموِّ. وقد ذكر البخاري في كتاب: الاعتصام معلقاً: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جلد الرامين ¬

_ (¬1) "فلما سري" ليست في "ج". (¬2) في "ع" و"ج": "مثلثين". (¬3) في "ع": و"آخرها". (¬4) في "ج": "وآخرها تاء". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 591). (¬6) "فهمزته" ليست في "ع". (¬7) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬8) في "ع": "ينازعني"، وفي "م": "تنازعي".

باب: إذا زكى رجل رجلا، كفاه

لها (¬1)، وسيأتي فيه كلام إن شاء الله تعالى. * * * باب: إِذَا زَكَّى رَجُلٌ رَجُلاً، كَفَاهُ وَقَالَ أَبُو جَمِيلَةَ: وَجَدْتُ مَنْبُوذاً، فَلَمَّا رَآنِّي عُمَرُ، قَالَ: عَسَى الْغُويرُ أَبْؤُسًا، كَأَنَّةُ يَتَهِمُنِي، قَالَ عَرِيفِي: إِنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ، قَالَ: كَذَاكَ، اذْهَبْ وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ. (وقال أبو جَميلة): بجيم مفتوحة. (وجدت منبوذاً): أي: لَقيطاً، وهو صغير آدمي، لم يُعلم أبواه ولا رِقُّه، كذلك عرفه شيخنا ابن عرفة، قال: وقول ابن الحاجب تابعاً لابن شاس تابعاً للغزالي: هو طفل ضائعٌ لا كافلَ له (¬2)، يبطُلُ طردُه لطفلٍ كذلكَ معلومٍ أبوه؛ لأنه غيرُ لقيط؛ لانتفاء لازمه، وهو كون إرثه للمسلمين (¬3). (فلما رآني (¬4) عمر، قال: عسى الغُوَيرُ أَبؤساً): هو مَثَلٌ سائر، قيل: لما قتلت الزبَّاء جذيمةَ الأبرشَ، أتى قصيرٌ إلى ابن (¬5) أخيه، فقال له: افعل بي ما أقول لك: اجدعْ أنفي، واضربْ ظهري، ففعلَ ذلك به، فذهب إلى ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 591). (¬2) انظر: "جامع الأمهات" (ص: 460). (¬3) وانظر: "منح الجليل" لعلّيش (8/ 245). (¬4) في "ع": "رأى". (¬5) في "ج": "ابن قصير".

الزبَّاء، فقال لها: إنما فعل بي هذا من أجلك لما أشرتُ عليه بالمجيء إليك، فمكَّنَتْه، وأعطته مالًا، فسافر به، وذهب إلى صاحبه من حيث (¬1) لا تعلم الزباء، فزاده في المال، وأتاها بربح عظيم، وبجواهر وطُرَف، ثم تردد (¬2) كذلك مرات، ثم اتخذ توابيتَ، وجعلها في الجوالق، وجعل رباط الجوالق من داخل الرجال في التوابيت، ومعهم السّلاح، ورجع في طريق الغور غير الطريق الأولى، فلما قيل لها: رجع في الغور، والغورُ تهامةُ وما يلي اليمن، قالت: عسى الغوير أبؤساً، صَغَّرت الغور، وأبؤساً جمع بأس؛ مثل: فَلْس وأَفْلُس، وانتصبَ على أنه خبرٌ لـ "يكون" محذوفة؛ أي: عسى الغُوَير أن يكون أبؤساً، فذهبت مثلاً، ولما أقبل قصير، سيق (¬3) إليها، وقال: اطلعي على القصر لتنظري (¬4) العير، فلما صَعِدَت، رأتِ الجمالَ تمشي مهلاً، فقالت: مَا لِلْجِمَالِ مَشْيُهَا وَئِيدَا ... أَجَنْدَلًا يَحْمِلْنَ أَمْ حَدِيدَا أَمْ صَرَفَاناً بَارِداً شَدِيدَا ... أَمِ الرِّجَالَ جُثَّما قُعُودَا ففتحوا التوابيت، وخرجوا فقتلوها. (كأنه يتهمني): قال السفاقسي: وإنما اتهمه عمر أن يكون هو ألقاه، ثم أخذه ليكفله (¬5). انتهى. ¬

_ (¬1) في "ع": "وذهب به من حيث". (¬2) في "ع": "يردد". (¬3) في "م": "سبق". (¬4) في "ع" و"ع": "لننظر". (¬5) في "ع": "ليكفيه".

ووجهُ ضربهِ المثلَ المذكورَ: أن المعنى: عسى أن يكونَ باطنُ أمرِك رديّاً (¬1). (قال عريفي): هو القَيِّمُ (¬2) بأمور القبيلة والجماعة من الناس، يلي أمورَهم، ويعرِّفُ الأميرَ أحوالَهم. (إنه رجلٌ صالح، قال: كذلك): هذا موضع الترجمة؛ فإن عمر -رضي الله عنه- اكتفى بقول العريف على ما يفهمه قوله كذلك، ولهذا قال: اذهبْ، وعلينا نفقتُه. * * * 1488 - (2662) - حدَّثني محمَّدُ بْنُ سَلَامٍ، حدَّثَنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَثْنَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "وَيْلَكَ! قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ، قَطَعْتَ عُنَقَ صَاحِبِكَ"، مِرَاراً، ثُمَّ قَالَ: "مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَادِحاً أَخَاهُ لا مَحَالَةَ، فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ فُلَاناً، وَاللهُ حَسِيبُهُ، وَلاَ أُزَكِّي عَلَى اللهِ أَحَداً، أَحْسِبُهُ كَذَا وَكَذَا، إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُ". (من كان منكم مادحاً أخاه لا مَحالة): -بفتح الميم- من محالة. (فليقل أحسَب): -بفتح السين-، وحُكي الكسر. قال الجوهري: وهو شاذ؛ لأن ما كان ماضيه مكسور [اً]، فمستقبله ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 592). (¬2) في "ج": "القائم".

باب: بلوغ الصبيان وشهادتهم

مفتوح؛ كعَلِم يعلَم، إلا أربعةَ (¬1) أحرف جاءت نوادر: حَسِبَ، وبَئِس، ونَعِم، ويَئس (¬2). قال الإسماعيلي: وليس (¬3) [في] هذا الحديث دلالةٌ على أن تزكية الواحد إذا احتيج (¬4) إليها كافيةٌ كما ترجم عليه (¬5). * * * باب: بُلُوغِ الصِّبْيَانِ وشَهَادَتِهِم 1489 - (2664) - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، قَالَ: حَدَّثنِي ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَرَضَهُ يَوْمَ أحُدٍ، وَهْوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمْ يُجِزْنِي. ثُمَّ عَرَضَنِي يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ، فَأَجَازَنِي. قَالَ نَافِعٌ: فَقَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَهْوَ خَلِيفَةٌ، فَحَدَّثْتُهُ هَذَا الْحَدِيثَ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَحَدٌ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَكَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ: أَنْ يَفْرِضُوا لِمَنْ بَلَغَ خَمْسَ عَشْرَةَ. (ثم عرضني يومَ الخندق وأنا ابنُ خمسَ عشرةَ، فأجازني): جعل الشافعيةُ هذه المدةَ حداً للبلوغ بالسن؛ استناداً إلى هذا الحديث، ولا دليل ¬

_ (¬1) في "ع": "رابعة". (¬2) انظر: "الصحاح" (1/ 112)، (مادة: حسب). (¬3) في "ج": "فليس". (¬4) في "ع" و"ج": "إذا لم يحتج". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 592).

باب: اليمين على المدعى عليه في الأموال والحدود وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "شاهداك أو يمينه"

لهم فيه؛ إذ الإجازة المذكورة حكم منوط بإطاقة القتال والقدرةِ عليه، فأجاز (¬1) -عليه السلام- ابنَ عمر في الخمسَ عشرةَ؛ لأنه رآه مُطيقاً للقتال في هذا السن، ولما عُرض عليه وهو ابنُ أربعَ عشرةَ، لم يره مطيقاً للقتال، فردَّه، فليس في هذا دليل على أنه رأى عدم البلوغ في الأول، ورآه في الثاني (¬2) (¬3). * * * باب: الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الأَمْوَالِ وَالْحُدُودِ وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ" (شاهداك أو يمينُه): قال القاضي: كذا الرواية بالرفع، وارتفع (¬4) شاهداك بفعل مضمر، قال سيبويه: معناه: ما قال شاهداك (¬5)، هكذا حكوا عنه، وفيه نظرٌ، وقد سبق أن تقديره: عليك شاهداك، أو عليه يمينُه، ويدل عليه: "البَيِّنَةُ عَلَى مَنِ ادَّعَى، وَاليَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ"، وقد يقدر: لكَ شاهداك، اْو يمينه؛ أي: لك إقامةُ شاهديك، أو طلبُكَ يمينَه، فحذف المضاف من كل من المتعاطفين، وأقيم المضاف إليه مقامه (¬6). ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "فإجازته". (¬2) في "ع": "الثانية". (¬3) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 240). (¬4) في "ع": "وارتفاع". (¬5) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 259). (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 593).

باب: إذا ادعى أو قذف، فله أن يلتمس البينة، وينطلق لطلب البينة

باب: إِذَا ادَّعَى أَوْ قَذَفَ، فَلَهُ أَنْ يَلْتَمِسَ الْبَيِّنَةَ، وَيَنْطَلِقَ لِطَلَبِ الْبَيِّنَةِ (باب: إذا ادعى أو قذف، فله أن يلتمس البينة، وينطلق ليلتمس البينة): قال الزركشي: مقصودُه بهذه الترجمة: تمكينُ القاذفِ من إقامة البينة على زنا المقذوف؛ لدفع الحدِّ عنه، ولا يرد عليه أن الحديث إنما هو في الزوجين، والزوجُ له مخرج عن الحد باللِّعان [إن عجز عن البينة؛ بخلاف الأجنبي] (¬1)؛ لأنا نقول: إنما كان هذا، وقوله -عليه السلام-: "انطلق" قبل نزول اللعان؛ حيثُ كان الزوجُ والأجنبي سواء، فاستقام الدليل (¬2). قلت: هذا بعينه كلام ابن المنير رحمه الله. * * * 1490 - (2671) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ هِلَالَ ابْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْبَيِّنَةَ، أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ"، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِذَا رَأَى أَحَدُنَا عَلَى امْرَأَتِهِ رَجُلاً، يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ؟! فَجَعَلَ يَقُولُ: "الْبَيِّنَةَ، وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ". فَذَكَرَ حَدِيثَ اللِّعَانِ. (أن هلالَ بنَ أميةَ قذف امرأته): هي خَوْلَةُ بنتُ عاصم، ذكره الذهبي ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 594).

باب: اليمين بعد العصر

في "التجريد" تبعاً لـ: "أسد الغابة" (¬1). (بشَريكِ بنِ سَحْماء): -بسين وحاء مهملتين وبالمد-: هي أُم شريك، وأما أبوه، فهو عَبَدَةُ -بفتحات- ابنُ مُغيثِ بنِ الجدّ بنِ عجلانَ البلويُّ. وقال أبو نعيم: قيل: إن سحماء لم يكن اسمَ أمه، ولا كان اسمه شريكاً، وإنما كان بينه وبين ابن السحماء (¬2) شركة، وهذا ليس بشيء، قاله في "أسد الغابة" (¬3). (البينةَ أو حَدٌّ في ظهرك): بنصب "البينةَ"، ورفع "حَدٌّ"؛ أي: تُحضر البينةَ، أو يقع حدٌّ في ظهرك، وفي هذا التقدير محافظة على تشاكل الجملتين لفظاً، وقدَّره بعضُهم: أحضر البينةَ، أو هو حدٌّ. * * * باب: اليَمينِ بَعْدَ العَصْرِ 1491 - (2672) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ثَلاَثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ، وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِطَرِيقٍ يَمْنَعُ مِنْهُ ابْنَ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ رَجُلًا لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِلدُّنْيَا، فَإِنْ أَعْطَاهُ مَا يُرِيدُ، وَفَى لَهُ، وَإِلَّا، لَمْ يَفِ لَهُ، وَرَجُلٌ سَاوَمَ رَجُلًا بِسِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَحَلَفَ بِاللهِ ¬

_ (¬1) انظر: "أسد الغابة" (7/ 106). (¬2) في "ع" و"ج": "ابن سحماء". (¬3) انظر: "أسد الغابة": (2/ 602).

باب: يحلف المدعى عليه حيثما وجبت عليه اليمين، ولا يصرف من موضع إلى غيره

لَقَدْ أعطِيَ بِهِ كَذَا وَكَذَا، فَأَخَذَهَا". (على فضل ماء): أي: فضلٍ عن كفايةِ السابقِ إليه. (وَفَى له): -بفاءٍ مخففة-، كذا الرّواية، يقال: وَفَى بعهده يَفي (¬1) وَفاءً -بالمد-، وأما "وَفَّى" -بتشديد الفاء-، فيستعمل في توفية الحق وإعطائه، ومنه قوله تعالى: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم: 37]؛ أي: قام (¬2) بما كُلِّف من الأعمال (¬3). * * * باب: يَحْلِفُ المدَّعَى عَلَيْهِ حَيْثُما وَجَبتْ عليه اليَمينُ، ولا يُصْرَفُ مِنْ مَوْضعٍ إلى غَيرِهِ 1492 - (2673) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالًا، لَقِيَ اللهَ وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ". (من حلف على يمين): أي: على شيء مما يُحْلَف عليه، سُمِّي المحلوفُ عليه يميناً؛ لتلبُّسِه (¬4) باليمين. * * * ¬

_ (¬1) "يفي" ليست في "ع" و"ج". (¬2) في "ع": "أقام". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 594). (¬4) في "ع": "ليلبسه".

باب: إذا تسارع قوم في اليمين

باب: إِذَا تَسَارعَ قومٌ في اليمينِ 1493 - (2674) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَرَضَ عَلَى قَوْمٍ الْيَمِينَ، فَأَسْرَعُوا، فَأَمَرَ أَنْ يُسْهَمَ بَيْنَهُمْ فِي الْيَمِينِ، أَيُّهُمْ يَحْلِفُ. (فأمر أن يُسْهَم بينهم في اليمين): أي: يُقْرَع بينهم. قال الخطابي: إنما يُفعل هذا إذا تساوت درجاتُهم في أسباب الاستحقاق؛ مثلَ أن يكون الشيء في يدي اثنين، كلُّ واحد منهما يدَّعيه كلَّه، ويريده كلُّ واحد أن يحلف ويستحقه، فيُقرع بينهما، فمن خرج سهمُه، حلفَ واستحقَّه (¬1). واعتُرض بأن الحكم في هذه الصورة ليس هكذا (¬2)، وإنما الحكم أن يتحالفا، ويقسمانه (¬3) نصفين إن ادَّعى كلُّ واحدٍ جميعَه (¬4). قلت: ويمكن فرضُ التشاحِّ في البداءة مع دعوى كلٍّ منهما للكل، وكون الحكم قَسَمَه بينهما نصفين، وذلك بأن يكون لكل منهما غرض في استحقاق ما يوجب الحكمُ استحقاقه بعد يمينه؛ بأن يتصرف فيه عاجلاً بالبيع أو غيره، ويقابله (¬5) خصمه بمثل هذا الغرض، فتكون القرعة في هذه ¬

_ (¬1) انظر: "أعلام الحديث" (2/ 1312). (¬2) في "ج": "كذلك". (¬3) في "ع" و"ج": "ويقتسمانه". (¬4) انظر: "التوضيح" (16/ 649 - 650). (¬5) في "ع" و"ج": "ويقابل".

باب: كيف يستحلف؟

الحالة طريقاً للعدل بينهما، ورفع تخصيص أحدهما بالبداءة من غير مخصص. (أيهم يحلف): سبق الكلام فيه في: الصلاة، في قوله في حديث الجمعة: "أَيُّهُما يَكْتُبُها (¬1) أَوَّل" (¬2). * * * باب: كيف يُسْتَحْلَفُ؟ 1494 - (2679) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، قَالَ: ذَكَرَ نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ كَانَ حَالِفاً، فَلْيَحْلِفْ بِاللهِ، أَوْ لِيَصْمُتْ". (أو ليصمُتْ): قال الزركشي: بضم الميم وكسرها (¬3)، يعني: أنه مضارع ثلاثي، أو رباعي، يقال: صَمَتَ يَصْمُتُ صَمْتاً وصُمُوتاً وصُمَاتاً: سَكَتَ (¬4)، وأَصْمَتَ مثلُه، كذا في "الصحاح" (¬5)، ولكن الشأن في الضبط من جهة الرواية. * * * ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "إنهما يكتبا". (¬2) رواه البخاري (799). (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 595). (¬4) في "ع" و"ج": "أسكت". (¬5) انظر: "الصحاح" (1/ 256)، (مادة: صمت).

باب: من أقام البينة بعد اليمين

باب: مَنْ أَقَامَ البَيِّنَةَ بَعْدَ اليَمينِ 1495 - (2680) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ ابْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَينَبَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئاً بِقَوْلِهِ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ، فَلَا يَأْخُذْهَا". (لعلَّ بعضَكم ألحنُ بحجته): أي: أَعْرَفُ بها، وأَفْطَنُ لها من غيره، واللَّحَن -بتحريك الحاء-: الفطنة، وأما بالسكون: فإزالة الإعرابِ عن جهته، يقال: لَحِنَ -بكسر الحاء- يَلْحَن -بفتحها-: إذا فطن، ولَحَنَ يَلْحَنُ -بفتحهما (¬1) معاً-: إذا زاغ، قاله (¬2) الخطابي (¬3). وموضع استنباطِه الترجمةَ على إقامة البينةِ بعدَ اليمين من هذا الحديث: أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يجعل اليمينَ الكاذبةَ قاطعةً لحقِّ المحِقِّ، بل نهى الكاذبَ بعدَ يمينه عن القبض (¬4). * * * باب: مَنْ أَمَرَ بِإِنْجَازِ الْوَعْدِ. وَفَعَلَهُ الْحَسَنُ {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} [مريم: 54]. وَقَضَى ابْنُ ¬

_ (¬1) في "ج": "بفتحها". (¬2) في "ج": "قال". (¬3) انظر: "أعلام الحديث" (2/ 1313). (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 595).

الأَشْوَعِ بِالْوَعْدِ. وَذَكَرَ ذَلِكَ عَنْ سَمُرَةَ. وَقَالَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ: سَمِعْتُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَذَكَرَ صِهْراً لَهُ، قَالَ: "وَعَدَنِي، فَوَفَى لِي". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَرَأَيْتُ إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ يَحْتَجُّ بِحَدِيثِ ابْنِ أَشْوَعَ. (وقضى ابنُ أشوعَ (¬1)): -بشين معجمة غير منصرف-: هو سعيدُ بنُ عمرِو (¬2) بنِ أشوعَ الهمدانيُّ الكُوفيُّ قاضيها، حدَّثَ عن الشعبي (¬3). (بالوعد): أما الوفاء به، فهو مطلوب اتفاقاً، وأما القضاء به، ففي مذهبنا فيه أربعة أقوال: - الأول: يُقضى به مطلقاً. - و (¬4) الثاني: مقابله. - و (¬5) الثالث: إن كان على سبب قُضي، وإن لم يدخل بسببه (¬6) في ذلك السبب (¬7). - الرابع: إنما يُقضى به إذا كان على سبب بشرط أن يدخل (¬8) لأجل ¬

_ (¬1) كذا في رواية أبي الوقت وأبي ذر الهروي، وفي اليونينية: "الأشوع"، وهي المعتمدة في النص. (¬2) في "ج": "عمر". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 595). (¬4) الواو ليست في "ج". (¬5) الواو ليست في "ج". (¬6) في "ع": "نسبته". (¬7) "السبب" ليست في "ع" و"ج". (¬8) في "ع" و"ج": "أن لا يدخل".

باب: لا يسأل أهل الشرك عن الشهادة وغيرها

الوعد في ذلك السبب. ولعلمائنا في ذلك تفاريعُ كثيرةٌ مبسوطة في كتب الفقه. (وذكر صهراً له، قال: وعدني فوفى لي): هو أبو العاص بنُ الربيع، ويقال: ابنُ ربيعة، واسمه لقيط، أو مِهْشَم، أو هُشَيم، والأولُ أكثر. وكان أبو العاص مصاحباً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مصافياً، وكان قد أبى أن يطلق زينبَ لما أمره المشركون بطلاقها (¬1)، فشكر له رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك، ولما أطلقه من الأسر، شرط عليه أن يرسل زينبَ إلى المدينة، فعاد إلى مكة، وأرسلها إلى المدينة، فلهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "حَدَّثَني فصَدَقني، ووعَدَني فوَفَى لي" (¬2). * * * باب: لا يُسْألُ أَهْلُ الشِّرْكِ عَنِ الشَّهَادَةِ وغيرِهَا 1496 - (2685) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ! كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ، وَكِتَابُكُمُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى نبَيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحْدَثُ الأَخْبَارِ بِاللهِ، تَقْرَؤُونَهُ لَمْ يُشَبْ، وَقَدْ حَدَّثَكُمُ اللهُ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بَدَّلُوا مَا كَتَبَ اللهُ، وَغَيَّرُوا بِأَيْدِيهِمُ الْكِتَابَ، فَقَالُوا: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا، أَفَلَا ¬

_ (¬1) في "ع": "بذلك". (¬2) رواه البخاري (3110)، ومسلم (2449) عن المسور بْن مخرمة -رضي الله عنهما-.

باب: القرعة في المشكلات

يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنَ الْعِلْم عَنْ مُسَاءَلَتِهِمْ؟ وَلَا وَاللهِ! مَا رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلاً قَطُّ يَسْأَلُكُمْ عَنِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ. (أحدثُ الأخبار بالله): أي: أقربُهم إلينا إنزالاً. (لم يُشَبْ): -بشين معجمة مبني للمفعول-؛ أي: لم يُخْلَط. * * * باب: الْقُرْعَةِ فِي الْمُشْكِلَاتِ وَقَوْلِهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: {إِذْ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} [آل عمران: 44]. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اقْتَرَعُوا، فَجَرَتِ الأَقْلَامُ مَعَ الْجِرْيَةِ، وعَالَى قَلَمُ زَكَرِيَّاءَ الْجِرْيَةَ، فَكَفَلَهَا زَكَرِيَّاءُ. وَقَوْلِهِ {فَسَاهَمَ}: أَقْرَعَ، {فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: 141]: مِنَ الْمَسْهُومِينَ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: عَرَضَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى قَوْمٍ الْيَمِينَ، فَأَسْرَعُوا، فَأَمَرَ أَنْ يُسْهَمَ بَيْنَهُمْ أَيُّهُمْ يَحْلِفُ. (وقال ابن عباس: اقترعوا (¬1)): قال السفاقسي: صوابه: أَقْرَعُوا (¬2)، أو قارَعُوا؛ لأنه رباعي. قلت: هذه إشارة قبيحة؛ إذ (¬3) ظاهرها تخطئةُ ابنِ عباس -رضي الله عنه-، والظنُّ أنه إنما قصد تخطئةَ الناقل (¬4) عنه، وعلى الجملة فهو مخطئ. ¬

_ (¬1) في "ع": "أقرعوا". (¬2) في "ج": "اقترعوا". (¬3) في "ع": "إذا". (¬4) في "ع" و"ج": "للناقل".

قال الجوهري: وأقرعتُ (¬1) بينَهم: من القُرْعَة، واقْتَرَعوا وتَقارَعُوا بمعنى (¬2). (فجرتِ الأقلامُ مع الجِزْيَةِ): -بالكسر-؛ أي: جرتْ مع جِزيَةِ الماء إلى الجهة السفلى. (وعَالَى قلمُ زكرياء): أي: ارتفعَ على الماء. * * * 1497 - (2687) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ: أَنَّ أُمَّ الْعَلَاءِ -امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِمْ- قَدْ بَايَعَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ طَارَ لَهُ سَهْمُهُ فِي السُّكْنَى، حِينَ أَقْرَعَتِ الأَنْصَارُ سُكْنَى الْمُهَاجِرِينَ، قَالَتْ أُمُّ الْعَلَاءَ: فَسَكَنَ عِنْدَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، فَاشْتَكَى، فَمَرَّضْنَاهُ، حَتَّى إِذَا تُوُفِّيَ، وَجَعَلْنَاهُ فِي ثِيَابِهِ، دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ، فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللهُ، فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللهَ أَكْرَمَهُ؟ "، فَقُلْتُ: لَا أَدْرِي، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَّا عُثْمَانُ، فَقَدْ جَاءَهُ -وَاللهِ- الْيَقِينُ، وَإِنِّي لأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ، وَاللهِ! مَا أَدْرِي -وَأَنَا رَسُولُ اللهِ- مَا يُفْعَلُ بِهِ"، قَالَتْ: فَوَاللهِ! لَا أُزَكِّي أَحَداً بَعْدَهُ أَبَداً. وَأَحْزَنَنِي ذَلِكَ، قَالَتْ: فَنِمْتُ، فَأُرِيتُ لِعُثْمَانَ عَيْناً تَجْرِي، فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: "ذَلِكَ عَمَلُهُ". ¬

_ (¬1) وفي "ج": "واقترعت". (¬2) انظر: "الصحاح" (3/ 1264)، (مادة: قرع).

(أن عثمانَ بنَ مظعون): بظاء معجمة، وسبق حديثُه في الجنائز. * * * 1498 - (2686) - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثَنِي الشَّعْبِيُّ: أَنَّهُ سَمِعَ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَثَلُ الْمُدْهِنِ فِي حُدُودِ اللهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا، مَثَلُ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا سَفِينَةً، فَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَسْفَلِهَا، وَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَعْلَاهَا، فَكَانَ الَّذِي فِي أَسْفَلِهَا يَمُرُّونَ بِالْمَاءِ عَلَى الَّذِينَ فِي أَعْلَاهَا، فَتَأَذَّوْا بِهِ، فَأَخَذَ فَأْساً، فَجَعَلَ يَنْقُرُ أَسْفَلَ السَّفِينَةِ، فَأَتَوْهُ فَقَالُوا: مَا لَكَ؟ قَالَ: تَأَذَّيْتُمْ بِي، وَلَا بُدَّ لِي مِنَ الْمَاءِ، فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى يَدَيْهِ، أَنْجَوْهُ وَنَجَّوْا أَنْفُسَهُمْ، وَإِنْ تَرَكُوهُ، أَهْلَكُوهُ وَأَهْلَكُوا أَنْفُسَهُمْ". [(مثل المُدْهِن): -بضم الميم وإسكان الدال المهملة وكسر الهاء-؛ أي: المداهن. (في حدود الله): المضيِّعِ لها] (¬1). * * * ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج".

كتاب الصلح

كِتابُ الصُّلْحِ

باب: ما جاء في الإصلاح بين الناس

باب: مَا جَاء في الإصْلاحِ بينَ النَّاسِ 1499 - (2691) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي: أَنَّ أَنَساً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: لَوْ أَتَيْتَ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ، فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَرَكِبَ حِمَاراً، فَانْطَلَقَ الْمُسْلِمُونَ يَمْشُونَ مَعَهُ، وَهْيَ أَرْضٌ سَبِخَةٌ، فَلَمَّا أَتَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: إِلَيْكَ عَنِّي، وَاللهِ! لَقَدْ آذَانِي نَتْنُ حِمَارِكَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ مِنْهُمْ: وَاللهِ! لَحِمَارُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَطْيَبُ رِيحاً مِنْكَ، فَغَضِبَ لِعَبْدِ اللهِ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَشَتَمَا، فَغَضِبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْحَابُهُ، فَكَانَ بَيْنَهُمَا ضَرْبٌ بِالْجَرِيدِ وَالأَيْدِي وَالنِّعَالِ، فَبَلَغَنَا أَنَّهَا أُنْزِلَتْ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9]. (فانطلق إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وركب حماراً): كان -عليه الصلاة والسلام- يركب على سبيل التيسير (¬1) من غير التزام مركوبٍ معيَّن (¬2)، ركب ¬

_ (¬1) في "م": "التسيير". (¬2) في "ج": "يعني".

مرةً فرساً لأبي طلحة لفزعٍ كان بالمدينة، وركب يومَ حنين بغلةً ليسرَّ المسلمين إذا رأوه عليها، وأيضاً: فهو أدلُّ على الشجاعة وقوة الجأش، ووقفَ بعرفةَ على راحلته، وسار عليها من هناك إلى مزدلفة، ومن مزدلفة إلى منى، وإلى مكة. (وهي أرضٌ سبِخة): -بكسر الباء-؛ أي: ذاتُ سِباخ. (فقال رجلٌ من الأنصار): هو عبد الله بنُ رواحة رضي الله عنه. (فكان بينهَم): أي: بين الجماعة المختصِمين، وفي نسخة: "بينهما"؛ أي: بين الطائفتين: طائفةِ عبدِ الله بنِ رواحةَ، وطائفة ابنِ أُبَيٍّ. (ضربٌ بالجريد): -بالجيم والراء- كذا لأكثرهم، ولأبي زيد: "بالحديد" بالحاء المهملة والدال. قال ابن الملقن: وقال ابن عباس في "تفسيره": ومن زعم أن قتالهم كان بالسيوف، فقد كذب (¬1). (فبلغنا (¬2) أما نزلت: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9]): قال ابن بطال: يستحيل نزولُها في عبد الله بن أُبي وأصحابه؛ لأن أصحابَ عبدِ الله ليسوا بمؤمنين، وقد تعصَّبوا له بعدَ الإسلام في قصة الإفك، [وقد] رواه البخاري في كتاب: الاستئذان عن أسامة بن زيد (¬3): أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرَّ في مجلس فيه أخلاطٌ من المشركين ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (17/ 14). (¬2) في "ج": "فبلغها". (¬3) في "ع": "عن ابن زيد".

باب: ليس الكاذب الذي يصلح بين الناس

والمسلمين وعبدةِ الأوثان واليهود، وفيهم عبد الله بْن أبي (¬1)، وذكر الحديث، فدل على أن الآية لم تنزل (¬2) فيه، وإنما نزلت في قوم من الأوس والخزرج اختلفوا في حق (¬3)، واقتصر الزركشي على ذلك (¬4). قلت: كأنه ظنّ أن لا جواب عنه (¬5) لو استبعد الجواب. قال مغلطاي: وفي "تفسير ابن عباس": وأعانَ ابنَ أُبيٍّ رجالٌ من قومه، وهم مؤمنون، فاقتتلوا، وهذا فيه ما يزيلُ استبعادَ ابنِ بطال. وأخذ ابنُ الملقن هذا الجواب مُغيراً (¬6) عليه على عادته مع هذا الرجل وغيره، مصرِّحاً بأنه من كلام نفسه بقوله: قلت. * * * باب: ليسَ الكَاذِبُ الذي يُصْلِحُ بينَ النَّاسِ 1500 - (2692) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ: أَنَّ أُمِّهُ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَّةَ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، فَيَنْمِي خَيْراً، أَوْ يَقُولُ خَيْراً". ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6254). (¬2) في "ع": "ينزل"، وفي "ج": "نزلت". (¬3) انظر: "شرح ابن بطال" (8/ 80). (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 596). (¬5) في "ع": "فيه". (¬6) في "ج": "تغيراً".

(فينمي خيراً): -بتخفيف الميم-، يقال: نَمَيْتُ الحديثَ أَنْمِيهِ (¬1): إذا بَلَّغْتُهُ على وجه [الإصلاحِ وطلبِ الخير، فإذا بَلَّغْتُهُ على وجه] (¬2) الإفسادِ والنميمةِ، قلتُ: "نَمَّيْتُه": -بتشديد الميم-، كذا قال أبو عبيدة، وابنُ قتيبة، وغيرُهما من الأئمة. وقال الجوهري (¬3): هي مشددة، وأكثر المحدثين يخففها، وهذا لا يجوز، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يلحن، ومن خَفَّفَ، لزمه أن يقول: "خَيْر"، يعني: بالرفع. قال ابن الأثير: وهذا ليس بشيء، فإنه [ينتصب بـ "ينمي"، كما] ينتصب بـ: قال، وكلاهما على زعمه لازم، وإنما نمى متعدٍّ، يقال: نميتُ الحديثَ؛ أي: رفعتُه وأبلغتُه (¬4) (¬5). (أو يقول خيراً): قال الشارحون: هو شكٌّ من الراوي، والمعنى واحد. وأطلق بعضُهم القولَ بجواز الكذبِ في الصور الثلاث: الصلح، وعدةِ امرأته بشيء يستصلحُها، وخدعة. ¬

_ (¬1) في "ج": "أنميته". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬3) كذا في جميع النسخ، وهو خطأ، إذ لم يحكه الجوهري في "الصحاح"، والصواب: "الحربي" بدل "الجوهري"، كما في "التنقيح" للزركشي (2/ 596)، وعنه نقل المؤلف رحمه الله. وانظر: "التوضيح" (17/ 18). (¬4) في "ج": "وبلغته". (¬5) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (5/ 120). وانظر: "التنقيح" (2/ 596).

باب: قول الإمام لأصحابه: اذهبوا بنا نصلح

وبعضهم يقول: لا يجوز الكذب في شيء أصلاً، وإنما يجوز الإلغاز؛ كما تقول للظالم: فلان يدعو لك؛ يعني: قوله (¬1) في الصلاة: "اللهم اغفرْ للمسلمينَ والمسلمات" (¬2). قلت: وليس في تبويب البخاري ما (¬3) يقتضي جوازَ الكذب في الإصلاح، وذلك أنه قال: باب: ليس الكاذبُ الذي يُصلح بين الناس، وسلبُ الكاذب عن المصلح لا يستلزمُ كونَ ما يقوله كذباً؛ لجواز أن يكون صدقاً بطريق التصريح أو (¬4) التعريض، وكذا الواقع في الحديث؛ فإن فيه: "ليسَ الكذابُ (¬5) الذي يُصلح بينَ الناس". فإن قلت: لِمَ لم يعبر في الترجمة بالكذب كما وقع في المتن؟ قلت: فعل ذلك تنبيهاً على أن نفيَ صيغة المبالغة غيرُ شرط ولابدَّ، بل تثبتُ لمن لم يبالغ (¬6) ولم يَكْثُرْ ذلك منه. * * * باب: قَولِ الإمامِ لأَصْحَابِهِ: اذْهَبُوا بِنَا نُصْلِحُ 1501 - (2693) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ ¬

_ (¬1) "قوله" ليست في "ج". (¬2) انظر: "التوضيح" (17/ 18). (¬3) في "ج": "وما". (¬4) "أو" ليست في "ع"، وفي "ج": "و". (¬5) في "ع" و"ج": "فإنه ليس فيه الكذاب". (¬6) في "ع" و"ج": "بل ثبت لمن يبالغ".

باب: قول الله تعالى: {أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير} [النساء: 128]

عَبْدِ اللهِ الأُوَيْسِيُّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ أَهْلَ قُبَاءٍ اقْتَتَلُوا حَتَّى تَرَامَوْا بِالْحِجَارَةِ، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِذَلِكَ، فَقَالَ: "اذْهَبُوا بِنَا نُصْلِحُ بَيْنَهُمْ". (الفَرْوي): بفتح الفاء وإسكان الراء وبواو فياء نسب. (اذهبوا بنا نصلحُ بينهم): برفع "نصلح"، على أن الجملة حال مقدرة، وبجزمه، على أنه جواب الأمر. * * * باب: قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] {أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}: هذا مما جعل العلماء فيه الألف واللام لاستغراق الجنس، واستدلوا به على خيرية (¬1) كلِّ صلحٍ لم يحلِّلْ حراماً، ولا حَرَّمَ حلالاً، ولم يجعلوا الأداةَ فيه للعهد الذِّكْرِيِّ مع ظهوره؛ مثل: {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل: 15 - 16]. ونقضَ (¬2) به ابنُ هشام في "مغنيه" قولَ النُّحاة: إن النكرةَ إذا أُعيدت معرفةً كانت عينَ الأول (¬3). وقد صرح بعضُ الأئمة بما يدفعُ اعتراضه، ¬

_ (¬1) في "ع": "على خير". (¬2) في "ع": "ويقضي". (¬3) انظر: "مغني اللبيب" (ص: 861).

باب: إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود

فقال: إنما هو أَكْثَرِيٌّ، لا كُلِّيٌّ، وقد أشبعتُ الكلامَ على ذلك في "حاشية المغني"، فمن أحبَّ الوقوفَ على ذلك، فليراجعْها. * * * باب: إذا اصْطَلَحُوا عَلَى صُلْحِ جَورٍ فالصُّلْحُ مَرْدُودٌ 1502 - (2695 و 2696) - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَا: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ، فَقَامَ خَصْمُهُ فَقَالَ: صَدَقَ، اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ، فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفاً عَلَى هَذَا، فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، فَقَالُوا لِي: عَلَى ابْنِكَ الرَّجْمُ، فَفَدَيْتُ ابْنِي مِنْهُ بِمِئَةٍ مِنَ الْغَنَمِ وَوَلِيدَةٍ، ثُمَّ سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ، فَقَالُوا: إِنَّمَا عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِئَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللهِ، أَمَّا الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ، فَرَدٌّ عَلَيْكَ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِئَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَأَمَّا أَنْتَ يَا أُنيسُ -لِرَجُلٍ-، فَاغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَارْجُمْهَا". فَغَدَا عَلَيْهَا أُنَيْسٌ، فَرَجَمَهَا. (فقال: يا رسولَ الله! اقض بيننا بكتاب الله (¬1)): كتابُ الله ينطلق على القرآن خاصَّةً، وقد ينطلق على حكم الله مطلقاً (¬2)، والأَوْلى هنا الثاني؛ إذ ليس ذلك منصوصاً في القرآن، إلا أن يؤخذ (¬3) ذلك بواسطة ¬

_ (¬1) في "ع": "بيننا يا رسول الله". (¬2) في "ع": "معلقاً". (¬3) في "ع": "القرآن أن لا أن يوجد".

الأمر بطاعة الرسول واتباعه. [(عَسيفًا): -بالعين المهملة والفاء-؛ أي: أجيراً. (ففديت [ابني] منه): أي: من الرجم الذي قيل لي: إنه حَدُّه] (¬1). (فسألت أهلَ العلم): فيه دليل على الفتوى (¬2) في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ودليل على استصحاب الحال، والحكم بالأصل في الأحكام الثابتة، وإن كان يمكن زوالها بالنسخ في حياته عليه الصلاة والسلام. (فقالوا: إنما على ابنك جلدُ مئة): قال القاضي: رواية الجمهور بتنوين "جلدٌ"، يعني: مع رفعه، وبنصب مئةً؛ يعني: على التمييز، وجاء عن الأصيلي: "جلدُه مئة" بالإضافة مع إثبات الهاء؛ يعني: أن رواية الأصيلي: "إنما على ابنك جلدُه (¬3) " بإضافة المصدر إلى ضمير الغائب (¬4) العائد على الابن؛ من باب إضافة المصدر إلى المفعول، قال: وهو بعيد، إلا أن يُنصب "مئةً" على التفسير، أو يُضمن المضاف إلى عدد مئة، أو نحو ذلك (¬5). وقد قيل: إن الذين كانوا يُفتون في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -: الخلفاء الأربعة، وثلاثة من الأنصار: معاذُ بنُ جبل، وأُبَيُّ بنُ كعب، وزيدُ بْن ثابت رضي الله عنهم أجمعين. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) في "ع" و"ج": "على أن الفتوى". (¬3) في "ع": "أبيك جلد مئة". (¬4) في "ع": "ضمير المصدر الغائب". (¬5) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 151).

قال شيخنا قاضي القضاة شيخُ الإسلام (¬1) جلال (¬2) الدين البلقيني -أمتع الله بعلومه الشريفة (¬3) -: ولعلّ هذا حكمة الفقهاء السبعة، وهي الموطأة لما كان في زمان (¬4) النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأخرج ابن سعد (¬5) في "الطبقات" عن ابن عمر: أنه سئل: من كان يفتي الناس في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: أبو بكر، وعمر، ما أعلم غيرَهما. ثم أخرجَ عن القاسم بنِ محمد، قال: كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي يُفتون الناس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬6). ثم أخرج عن عبد الله بن دينار، عن أبيه، قال: كان عبدُ الرحمن بنُ عوف ممن يفتي في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬7). ثم أخرج عن كعب بن مالك: أنه قال: كان معاذُ بنُ جبل يفتي بالمدينة في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬8). [ثم أخرجَ عن محمدِ بنِ سهلِ بنِ أبي حَثْمَةَ، عن أبيه، قال: كان الذين يُفتون على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬9) ثلاثة من المهاجرين، وثلاثة من ¬

_ (¬1) "شيخ الإسلام" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "جمال". (¬3) "الشريفة" ليست في "ج". (¬4) "في زمان" ليست في "ع" و"ج". (¬5) في "م": "السعيد". (¬6) انظر: "الطبقات الكبرى" (2/ 334 - 335). (¬7) انظر: "الطبقات الكبرى" (2/ 340). (¬8) انظر: "الطبقات الكبرى" (2/ 348). (¬9) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج".

الأنصار: عمر، وعثمان، وعليٌّ، وأُبَيُّ بنُ كعبٍ، ومعاذُ بنُ جَبَل، وزيدُ ابنُ ثابت (¬1). (أما الوليدةُ والغنمُ، فَرَدٌّ عليك): أي: فمردودةٌ عليك، فأطلق المصدر على المفعول. قال ابن دقيق العيد: وفيه دليل على أن ما أُخذ بالمعاوضة الفاسدة يجب ردُّه، ولا يُمْلَكُ، وبه يتبين ضعفُ عذرِ منِ اعتذرَ من أصحاب الشافعي عن بعض العقود الفاسدة، بأن المتعاوِضين أَذن كلٌّ منهما للآخر في التصرف في ملكه، وجعل ذلك سبباً لجواز التصرف، فإن ذلك الإذن ليس مطلقاً، وإنما هو مبني على المعاوضة الفاسدة (¬2). (وأما أنت يا أنيس -لرجلٍ-): أي: يقول ذلك لرجل، وأُنيس المذكورُ هو أُنيس بنُ الضحَّاك الأسلميُّ، ووَهِمَ من زعم أنه أنيسُ بنُ مرثدِ ابنِ أَبي مرثدٍ (¬3)؛ لأن هذا غَنَوِيٌّ. وفي الحديث: أنه قال ذلك لرجلٍ من أسلم، ووهمَ من زعم أنه تصغير أَنَسِ بنِ مالك خادمِ النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لما تقدم (¬4). * * * 1503 - (2697) - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ ¬

_ (¬1) انظر: "الطبقات الكبرى" (2/ 350). (¬2) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 111). (¬3) في "ع": "يزيد". (¬4) وانظر: "التوضيح" (17/ 31).

باب: كيف يكتب: "هذا ما صالح فلان بن فلان فلان بن فلان" وإن لم ينسبه إلى قبيلته أو نسبه

أَبِيهِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ". رَوَاهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَخْرَمِيُّ، وَعَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَبِي عَوْنٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إَبْرَاهِيمَ. (المَخْرَمي): -بفتح الميم وإسكان الخاء وفتح الراء- من ولد المِسْوَرِ بنِ مخرمةَ، ذكره البخاري -رحمه الله- في المتابعات (¬1). * * * باب: كَيفَ يُكْتَبُ: "هَذَا مَا صَالَحَ فُلانٌ بنُ فلانٍ فلانَ بنَ فُلاَنٍ" وإِنْ لَمْ ينسُبْهُ إلى قبيلتِهِ أو نسَبِهِ 1504 - (2698) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: لَمَّا صَالَحَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ، كَتَبَ عَلِيٌّ بَيْنَهُمْ كِتَاباً، فَكَتَبَ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: لَا تَكْتُبْ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، لَوْ كُنْتَ رَسُولاً، لَمْ نُقَاتِلْكَ، فَقَالَ لِعَلِيٍّ: "امْحُهُ"، فَقَالَ عَلِيٌّ: مَا أَنَا بِالَّذِي أَمْحَاهُ، فَمَحَاهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ، وَصَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ يَدْخُلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَا يَدْخُلُوهَا إِلَّا بِجُلُبَّانِ السِّلَاحِ، فَسَأَلُوهُ: مَا جُلُبَّانُ السِّلَاحِ؟ فَقَالَ: الْقِرَابُ بِمَا فِيهِ. (أهل الحُدَيْبِيَة): -بتخفيف الياء-، مثل دُوَيْهِيَة. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 597).

قال القاضي: كذا ضبطناه عن المتقنين، وعامةُ الفقهاء والمحدِّثون يشدِّدونها، وهي قرية ليست بالكبيرة، سُميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة، وبين الحديبية والمدينة تسع (¬1) مراحل، وقد جاء في الحديث: "وهي بئر" (¬2). قال مالك: وهي من الحرم. قال ابن القصار (¬3): وبعضها من الحِلِّ (¬4). وقال الخطابي: سُميت بشجرة حَدْباءَ كانت هناك (¬5). (فقال لعلي: امحه): أي: امحُ الخطَّ الذي لم يريدوا (¬6) إثباتَه، يقال: مَحَوْتُ الكتابة ومَحَيْتُها. (ما أنا بالذي أمحاه): هذا مثل: قَلَى يَقْلَى وسَعَى يَسْعَى، والذي في القرآن: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [الرعد: 39]. (إلا بجُلُبَّان السلاح): قد فسر في المتن (¬7) بأنه القِراب (¬8) بما فيه، وهو (¬9) بضم الجيم واللام وتشديد الباء الموحدة. ¬

_ (¬1) في "ع": "سبع". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 221). (¬3) في "ع": "ابن الصقال". (¬4) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 221). (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 597). (¬6) في "ع": "يريد". (¬7) في "ع" و"ج": "قد فسر الناس". (¬8) في "ع": "القراءات"، وفي "ج": "القرآن". (¬9) في "ع": "وهم".

قال القاضي: كذا ضبطناه، وكذا صوبه ابنُ قتيبة، ورواه بعض الناس: "جُلْبان": -بإسكان اللام-، كذا ذكره الهروي، وصوّبه هو وثابت، ولم يذكر ثابتٌ سواه، وهو مثل الجلبان الذي هو من القَطاني (¬1). وإنما اشترطوا أن يكون السلاح في القِراب؛ ليكون ذلك أَمارة للسِّلم؛ لئلا يُظَنَّ أنهم دخلوها قهراً، "والقِراب": شيء يُحْرَزُ من الجلود (¬2) يضع الراكب (¬3) فيه أداته (¬4). * * * 1505 - (2699) - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: اعْتَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ، حَتَّى قَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَتَبُوا الْكِتَابَ، كَتَبُوا: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالُوا: لَا نُقِرُّ بِهَا، فَلَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، مَا مَنَعْنَاكَ، لَكِنْ أَنْتَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: "أَنَا رَسُولُ اللهِ، وَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ"، ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ: "امْحُ: رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: لَا وَاللهِ! لَا أَمْحُوكَ أَبَداً، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْكِتَابَ، فَكَتَبَ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، لَا يَدْخُلُ مَكَّةَ سِلَاحٌ إِلَّا فِي الْقِرَابِ، وَأَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ أَهْلِهَا بِأَحَدٍ إِنْ أَرَادَ أَنْ ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 150). (¬2) "خرز من الجلود" ليست في "ع". (¬3) في "ع": "الركاب". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 598).

يَتَّبِعَهُ، وَأَنْ لَا يَمْنَعَ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِهِ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بِهَا. فَلَمَّا دَخَلَهَا وَمَضَى الأَجَلُ، أَتَوْا عَلِيّاً فَقَالُوا: قُلْ لِصَاحِبِكَ: اخْرُجْ عَنَّا؛ فَقَدْ مَضَى الأَجَلُ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَتَبِعَتْهُمُ ابْنَةُ حَمْزَةَ: يَا عَمِّ يَا عَمِّ! فَتَنَاوَلَهَا عَلِيٌّ، فَأَخَذَ بِيَدِهَا، وَقَالَ لِفَاطِمَةَ -عَلَيْهَا السَّلَامُ-: دُونَكِ ابْنَةَ عَمِّكِ احْمِلِيهَا، فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ وَزَيْدٌ وَجَعْفَرٌ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَحَقُّ بِهَا، وَهْيَ ابْنَةُ عَمِّي، وَقَالَ جَعْفَرٌ: ابْنَةُ عَمِّي، وَخَالَتُهَا تَحْتِي، وَقَالَ زَيْدٌ: ابْنَةُ أَخِي، فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِخَالَتِهَا، وَقَالَ: "الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ". وَقَالَ لِعَلِيٍّ: "أَنْتَ مِنِّي، وَأَنَا مِنْكَ". وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: "أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي". وَقَالَ لِزَيْدٍ: "أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلَانَا". (حتى قاضاهم): من القضاء، وهو إحكامُ الأمر وإمضاؤه. (فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكتابَ فكتَب): قال أبو الفرج: إطلاقُ يده بالكتابة وهو لا يحسنها كالمعجزةِ له، ولا ينافي هذا كونهَ أُمياً لا يُحسن الكتابة؛ لأنه (¬1) ما حرك يدَه تحريكَ من يحسن الكتابة، إنما حركها فجاء المكتوبُ صواباً. وقال السهيلي: في البخاري كتبَ وهو لا يحسن الكتابة، فتوهم أن الله تعالى أطلقَ يده بالكتابة حينئذٍ، وقال: هي آية، فيقال: لكنها مناقضة لآية أخرى، وهو كونه أمياً لا يكتب، وفي ذلك إفحامُ الجاحد، وقيامُ الحجة، والمعجزاتُ يستحيل أن يدفع بعضُها بعضاً، فمعنى كتب: أمر، وكان الكاتب يومئذٍ علياً (¬2). ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "لأن". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 598).

قلت: كان أبو الوليد الباجي من أئمة المالكية يذهب إلى الرأي الأول، وقد أخبرنا شيخنا الإمام العالم (¬1) جمالُ الدين إبراهيمُ بنُ محمدِ ابنِ عبدِ الرحيم الأسيوطيُّ (¬2) الشافعي نزيلُ مكةَ المشرفةِ -رحمه الله- إجازةً، قال: أخبرني (¬3) الشيخ الحافظ أبو عبد الله محمدُ بنُ جابر القيسيُّ الواديُّ: أنبأني بقراءتي عليه في سادسَ عشرَ جُمادى الأولى سنة خمسٍ وأربعين وسبع مئة، بالخانقاة الشرابيشية من القاهرة، أنا قاضي الجماعة أبو العباس أحمدُ بنُ محمدِ بنِ حسنِ بنِ الغماز الخزرجيُّ قراءة عليه وأنا أسمع في أواخر ذي الحجة عام تسعةٍ وثمانين وست مئة، أنا الحافظ أبو الربيع سليمانُ بنُ موسى بنِ سالمِ [بن] حسانَ الكلاعيُّ إجازةً إن لم يكن سماعاً، أخبرني الوزيرُ الحافظ أبو بكر عبدُ الرّحمن بنُ محمدِ (¬4) بنِ مقارب قراءةً عليه وأنا أسمع بشاطبةَ يومَ الأربعاء السادس والعشرين من صفر سنة ست وثمانين وخمس مئة، حدثني أبي، ثنا (¬5) أبو جعفر أحمدُ بنُ عبدِ الرحمن ابن جَحْدر، ثنا (¬6) الحافظ أبو الحسن طاهر (¬7) بنُ مفوز بن أحمد المعافريُّ، قال: كان أبو محمدٍ عبدُ الله بنُ أحمدَ بنِ الحاج من أهل جزيرة شَقْر صديقاً ¬

_ (¬1) "العالم" ليست في "ع" و"ج". (¬2) "الأسيوطي" ليست في "ج". (¬3) في "ع" و"ج": "أخبرنا". (¬4) "ابن محمد" ليست في "ع". (¬5) في "ع": "أنبأنا". (¬6) في "ع": " أنبأنا". (¬7) في "ع": "ظاهر".

للقاضي أبي الوليد سليمانَ بنِ خلفٍ الباجيِّ -رحمه الله-، قد لزمَه، وتفقَّه عنده، وكان حسنَ الفهم، جيدَ القريحة، وكان يعجبه تأويلُ الفقيه أبي الوليد في حديث المقاضاةِ حين قاضى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - سهيلَ بنَ عمرٍو من المشركين يومَ الحديبية، وقول إسرائيل فيه: فأخذ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -[الكتابَ، فكتب، ومرّة قال: فأخذَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الكتابَ، وليس يُحسن أن يكتبَ، فكتب، وكل ذلك من رواية عبيد الله بن موسى عنه، فتأول أبو الوليد -رحمه الله- أَنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬1) باشر الكتابَ بيده، وخرَّج ذلك على وجهين: على أنه كتبَ عالماً بما يكتب القلم، وعلى وجهٍ آخر: أنه كتبَ كتاباً مستوياً على حسب المراد، وجرى القلمُ بما أراد من ذلك، من غير أن يعلم هو - صلى الله عليه وسلم - حقيقةَ ما كتب؛ ليكون ذلك زيادةً في الإعجاز، وكان أبو محمد عبدُ الله بنُ أحمدَ يعجبه هذا القول، ويًسَرُّ به، فأنكره عليه، وأنقضَه بضروب من النقض يطولُ ذكرُها، وكنت أقول له (¬2): هذا القولُ لا يصح، ولا يقوله أحدٌ ممن يقتدى بقوله، ولا بلغنا عن أحد من سلف هذه الأمة، وأبينُ له الوهمَ بأكثرَ من هذا، فيأبى إلا التمادي في الإعجاب به، والإصرار (¬3) عليه، فلما كان بعدَ برهة، قصدني زائراً على عادته، ققال لي: يا سيدي! ذكر لي بعض إخواني مناماً كان يراه، ورغب إليَّ أن أقصَّه عليك؛ لأنتهي (¬4) إلى تأويلك فيه، فقلت له: قُصَّه، فقال: أخبرني أنه كان ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) "له" ليست في "ع". (¬3) في "ع": "والإعجاز". (¬4) في "ع": "لأنهي".

يرى في النوم أنه في المدينة مدينةِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فكنت أرى أني أدخلُ في المسجد إلى قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأرى القبر أمامي، فكنت أجد للقبر هيبةً عظيمة في نفسي، حتى كنت أجد قُشَعريرة؛ إجلالاً وتعظيماً لمن فيه - صلى الله عليه وسلم -، فبينما أنا على تلك الحال، إذ كنت ألتفت، فأرى القبر ينشقُّ، وكأنه يميل ولا يستقر، فكنت يعتريني فزعٌ عظيم، وأتأمل القبرَ فأراه لا يستقرُّ، وأنا فيما لا يعلمه إلا الله -عز وجل- من الفزع، ثم قال لي: يا سيدي! ما عندكَ في تأويل هذا المنام؟! فأطرقتُ حيناً، ثم قلت له: أخشى على صاحب هذا المنام أن يصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغير صفته، أو يَنْحَلَه ما ليس له بأهل، أو لعله يفتري عليه، قال لي: ومن أين تخلصت إلى هذا؟ فقلت له: من قول الله -تبارك وتعالى-: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} [مريم: 90 - 91]. فقال لي أبو محمد: لله (¬1) درك يا سيدي! وأقبلَ يقبِّل رأسي وبَيْنَ عينيَّ، ويبكي مرةً، ويضحك أخرى فرحاً منه وسروراً بحسن التأويل الموافق للمنام، ويقول: ما سمعتُ قَطُّ بأبدعَ من هذا التأويل، ولا بأصحَّ منه، وإني للرجلُ الذي رأى هذا المنام، واسْمَع أُتِمُّهُ لك؛ فقد بقيتْ منه بقيةٌ تشهد بصحة تأويلك، فقلت: هاتِ، قال: فلما رأيتني في ذلك الفزع العظيم، كنت -والله- أقولُ ما هذا إلا لأني أقولُ وأعتقدُ أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كتبَ، فكنت أبكي وأقول: أنا تائبٌ يا رسول الله، وكنت أقول ذلك مراراً بجدٍّ وإخلاص، فكنت أتأمل القبر، فأراه قد عاد إلى هيئته ¬

_ (¬1) "لله" ليس في "ع".

التي هو عليها، وسكن ذلك الميل عنه، واستيقظت. قال لي أبو محمد: وأنا أُشهدك يا سيدي: أن (¬1) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كتب حرفاً قط، هذا قولي، وعليه ألقى الله تعالى (¬2)، فقلت: الحمدُ لله الذي أراكَ هذا البرهان، وصرفَكَ عن قولك الذي كنت تعتقدُه، فاشكرِ الله كثيراً، وأحمدْه جزيلاً. (فتبعتْهم ابنةُ حمزة): هي أُمامة، وقيل: عُمارة، وقيل: فاطمة كما تقدم. قال ابن الأثير: أُمامة بنتُ حمزةَ بنِ عبدِ المطلب، وأُمها سلمى بنتُ عُميس، وهي التي اختصم فيها عليٌّ، وجعفرٌ، وزيدٌ (¬3) -رضي الله عنهم- لما خرجتْ من مكة، فاجتاز بها عليٌّ، فأخذها، وطلب جعفرٌ أن تكون عنده؛ لأن خالتَها أسماءَ بنتَ عميس عنده، وطلب زيدٌ أن تكون عنده؛ لأنه قد كان آخى بينَهما رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقضى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجعفرٍ؛ لأن خالتها (¬4) عنده، ثم زوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سَلَمَةَ بْن أم سلمةَ، وقال حين زوجها: "هَلْ جُزِيتَ سَلَمَةُ؟ "؛ لأن سلمةَ هو الذي زوج أُم سلمة من النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬5). ونقل (¬6) عن محمد بْن نصر: أنها إذ ذاك كانت غيرَ مدركة. ¬

_ (¬1) "سيدي أن" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "الله به تعالى". (¬3) في "ع": "علي وزيد وجعفر". (¬4) في "م": "خالتهما". (¬5) انظر: "أسد الغابة" (7/ 24). (¬6) في "م": "وينقل".

وعن الكلبي: أن سلمة هلك قبل أن يجتمعا. (وقال: الخالةُ بمنزلة الأُم): هذا الحديث أصلٌ في باب الحضانة، وصريح أن الخالة فيها كالأم عندَ عدمِ الأم، وسياقُ الحديث يدل على أنها بمنزلتها في الحضانة، وقد يستدل بإطلاقه من يُنزلها منزلةَ الأم في الميراث. قال ابن دقيق العيد: إلا أن الأول أقوى؛ فإن السياق طريقٌ إلى بيانِ المجملات، وتعيينِ المحتملات (¬1)، وتنزيلِ الكلام على المقصود منه، وفهمُ ذلك قاعدةٌ كبيرة من قواعد أصول الفقه (¬2). (قال لعلي: أنت مني وأنا منك، وقال لجعفر: أشبهت خَلْقي وخُلُقي (¬3)، وقال لزيد: أنت (¬4) أخونا ومولانا): مقالته لزيد هي من قوله تعالى (¬5): {فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5]، والولاءُ المذكور هنا بمعنى الانتساب فقط، لا الموارثة؛ لأنه قد نسخ التوارث بالتبني والحلف، [فلم يبقَ من ذلك إلا انتسابُ الرجل إلى حلفائه ومعاقديه خاصة، وإلى من أسلم على يديه] (¬6)، وهذا الذي قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - لهؤلاء الجماعة من الكلامِ المطيِّبِ (¬7) لقلوبهم من حسن أخلاقِه عليه الصلاة والسلام. ¬

_ (¬1) "وتعيين المحتملات" ليست في "ع". (¬2) انظر: "شرح عمدة الأحكام" (4/ 83). (¬3) "وخلقي" ليست في "ع". (¬4) "أنت" ليست في "ع". (¬5) في "ع": "من قول الله تعالى". (¬6) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬7) في "ع": "الطيب".

باب: الصلح مع المشركين

قال ابن دقيق العيد: ولعلك تقول: أما ما ذكره لعلي وزيد، فقد ظهرت مناسبتُه؛ لأن حرمانهما من مرادهما مناسبٌ لجبرهما بذكر ما يُطَيِّب قلوبَهُما، وأما جعفرٌ، فإنّه حصل له مرادُه من أخذ الصَّبِيَّة، فكيف ناسبَ ذلك جبره (¬1) بما قيل له؟ فيجاب عن ذلك: بأن الصَّبِيَّةَ استحقتها الخالةُ، والحكمُ بها لجعفرٍ بسبب الخالة، لا بسبب نفسه، فهو في الحقيقة غيرُ محكوم له، فناسب ذلك جبره بما قيل له (¬2). * * * باب: الصُّلْحِ معَ المُشْرِكِينَ 1506 - (2700) - وَقَالَ مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: صَالَحَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: عَلَى أَنَّ مَنْ أَتَاهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ رَدَّهُ إِلَيْهِمْ، وَمَنْ أَتَاهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَرُدُّوهُ، وَعَلَى أَنْ يَدْخُلَهَا مِنْ قَابِلٍ، وَيُقِيمَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَا يَدْخُلَهَا إِلَّا بِجُلُبَّانِ السِّلَاحِ: السَّيْفِ وَالْقَوْسِ وَنَحْوِهِ. فَجَاءَ أَبُو جَنْدَلٍ يَحْجُلُ فِي قُيُودِهِ، فَرَدَّهُ إِلَيْهِمْ. قَالَ: لَمْ يَذْكُرْ مُؤَمَّلٌ عَنْ سُفْيَانَ: أَبَا جَنْدَلٍ، وَقَالَ: إِلَّا بِجُلُبِّ السِّلَاحِ. ¬

_ (¬1) في "ع": "خبره". (¬2) انظر: "شرح عمدة الأحكام" (4/ 83).

(ولا يدخلها إلا بجلبَّان السِّلاح: السَّيفِ والقوسِ ونحوِه): قال الزركشي: كذا وقع مفسَّراً هنا، وهو مخالفٌ لقوله في السياق السابق: "فسألوه: ما جلبَّان السِّلاح؟ قال: القِرابُ بما فيه" (¬1)، وهو الأصوب. قال الأزهري: الجُلُبَّان: يشبه الجِرابَ من الأَدَم، يضعُ فيه الراكبُ سيفَه مغموداً، ويضع فيه سوطَه وأداتَه، ويعلِّقها في آخر الرحل أو وسطه. انتهى (¬2). قلت (¬3): فعلى ما قاله الأزهريُّ لا يخالف ما في هذا الحديث السِّياقَ الأولَ أصلاً؛ فإنه هنا فسر السّلاح الذي يوضع فيه الجلبان بالسيف والقوس ونحوه، ولم يفسره في الأول حيث قال (¬4): القراب بما فيه، فأي تخالف وقعَ؟ فتأمله. (قال: إلا بجُلُبِّ السلاح): -بضم الجيم واللام وتشديد الباء-: جمعٌ (¬5). قال القاضي: ولعله بفتح اللام، جمع جُلْبَة، وهي الجلدة تغشى القَتَب (¬6). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2698). (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 599). (¬3) من قوله: "الخزرجي قراءة عليه" إلى هنا ليس في "ج". (¬4) "قال" ليست في "ع". (¬5) "جمع" ليست في "ع". (¬6) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 150).

باب: الصلح في الدية

1507 - (2701) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ مُعْتَمِراً، فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَنَحَرَ هَدْيَهُ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَقَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يَعْتَمِرَ الْعَامَ الْمُقْبِلَ، وَلَا يَحْمِلَ سلَاحاً عَلَيْهِمْ إِلَّا سُيُوفاً، وَلَا يُقِيمَ بِهَا إِلَّا مَا أَحَبُّوا. فَاعْتَمَرَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَدَخَلَهَا كَمَا كَانَ صَالَحَهُمْ، فَلَمَّا أَقَامَ بِهَا ثَلَاثاً، أَمَرُوهُ أَنْ يَخْرُجَ، فَخَرَجَ. (سُرَيْجُ (¬1) بنُ النعمان): بسين (¬2) مضمومة فراء فياء تصغير فجيم. * * * 1508 - (2702) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَىَ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، قَالَ: انْطَلَقَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَهْلٍ وَمُحَيَّصَةُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ زيدٍ إِلَى خَيْبَرَ، وَهيَ يَوْمَئِذٍ صُلْحٌ. (عن بُشَير): بضم الموحدة وفتح الشين المعجمة، مصغَّر. (ابن يَسار): بمثناة تحتية مفتوحة وسين مهملة، وقد مر ذلك كله. * * * باب: الصُّلْحِ في الدِّيَةِ 1509 - (2703) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "شريح". (¬2) في "ع" و"ج": "بشين".

باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للحسن بن علي رضي الله عنهما: "ابني هذا سيد"

حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ: أَنَّ أَنَساَ حَدَّثَهُمْ: أَنَّ الرُّبَيِّعَ، -وَهْيَ ابْنَةُ النَّضْرِ،- كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِبَةٍ، فَطَلَبُوا الأَرْشَ، وَطَلَبُوا الْعَفْوَ، فَأَبَوْا، فَأَتَوُا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَمَرَهُمْ بِالْقِصَاصِ، فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ: أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبيِّعِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ! لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا، فَقَالَ: "يَا أَنسُ! كتَابُ اللهِ الْقِصَاصُ". فَرَضِيَ الْقَوْمُ، وَعَفَوْا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ، لأَبَرَّهُ". زَادَ الْفَزَارِيُّ: عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ: فَرَضِيَ الْقَوْمُ، وَقَبِلُوا الأَرْشَ. (أن الرُّبَيِّع): بضم الراء وفتح الموحدة وكسر المثناة التحتية. (يا أنس! كتابُ الله القصاصُ): برفعهما، و (¬1) المعنى: حكمُ اللهِ القصاصُ، ويروى بنصب الأول؛ عليكم كتابَ الله، والقصاصُ مبتدأ حذف خبره؛ أي: القصاصُ واجبٌ، أو مستحقٌّ، أو نحو ذلك. * * * باب: قولِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - للحَسَنِ بنِ عليٍّ رضي الله عنهما: "ابْني هَذَا سَيِّدٌ" 1510 - (2704) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: اسْتَقْبَلَ -وَاللهِ- الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مُعَاوِيَةَ بكَتَائِبَ أَمْثَالِ الْجِبَالِ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: إِنِّي لأَرَى كتَائِبَ لَا تُوَلِّي حَتَّى تَقْتُلَ أَقْرَانَهَا، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ -وَكَانَ وَاللهِ خَيْرَ ¬

_ (¬1) الواو ليست في "ع".

الرَّجُلَيْنِ-: أَيْ عَمْرُو! إِنْ قَتَلَ هَؤُلَاءِ هَؤُلَاءِ، وَهَؤُلَاءِ هَؤُلَاءِ، مَنْ لِي بِأُمُورِ النَّاسِ؟ مَنْ لِي بِنِسَائِهِمْ؟ مَنْ لِي بِضَيْعَتِهِمْ؟ فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ، مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ: عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ عَامِرِ ابْنِ كُرَيْزٍ، فَقَالَ: اذْهَبَا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ، فَاعْرِضَا عَلَيْهِ، وَقُولَا لَهُ، وَاطْلُبَا إِلَيْهِ. فَأَتَيَاهُ فَدَخَلَا عَلَيْهِ، فَتَكَلَّمَا وَقَالَا لَهُ، فَطَلَبَا إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمَا الْحَسَنُ ابْنُ عَلِيٍّ: إِنَّا بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَدْ أَصَبْنَا مِنْ هَذَا الْمَالِ، وَإِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ قَدْ عَاثَتْ فِي دِمَائِهَا. قَالَا: فَإِنَّهُ يَعْرِضُ عَلَيْكَ كَذَا وَكَذَا، وَيَطْلُبُ إِلَيْكَ وَيَسْأَلُكَ، قَالَ: فَمَنْ لِي بِهَذَا؟ قَالَا: نَحْنُ لَكَ بِهِ، فَمَا سَأَلَهُمَا شَيْئاً إِلَّا قَالَا: نَحْنُ لَكَ بِهِ، فَصَالَحَهُ. فَقَالَ الْحَسَنُ: وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْمِنْبَرِ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَنْبِهِ، وَهْوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً، وَعَلَيْهِ أُخْرَى، وَيَقُولُ: "إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ". قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ: إِنَّمَا ثَبَتَ لَنَا سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ أَبِي بَكْرَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ. (وكان -واللهِ- خيرَ الرجلين): يريد (¬1): وكان معاويةُ خير [اً] من عمرِو بنِ العاص. (أي عمرو!): حرف نداء، ومنادى مبني على الضم. (من لي بضَيعتهم): -بفتح الضاد المعجمة-؛ أي: عِيالهم. (فقال: اذهبا إلى هذا الرَّجل): أي: فقال معاوية لرسوليه المذكورين: اذهبا إلى الحسن، وهو دليلٌ على أن معاويةَ كان الراغبَ في ¬

_ (¬1) "يريد" ليست في "ع".

باب: هل يشير الإمام بالصلح؟

الصلح وعرضِ المال على الحسن؛ رغبةً في حقنِ الدماء، وحسمِ مادة الفتنة. قالوا: وفيه جوازُ الصلح على الانخلاع من الخلاف والعهد بها على أخذ مال للمصلحة. (إن ابني هذا سيدٌ): أظن (¬1) أن ابن المنير قال: إن هذا أصلُ قولِ (¬2) الناس في هذه الأعصار للشريف: سيد، وهو عُرْفُ ديارِ مصرَ إلى الآن. * * * باب: هل يُشِيرُ الإِمامُ بالصُّلْحِ؟ 1511 - (2705) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أُمِّهُ عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- تَقُولُ: سَمِعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صَوْتَ خُصُومٍ بِالْباب، عَالِيَةٍ أَصْوَاتُهُمَا، وَإِذَا أَحَدُهُمَا يَسْتَوْضعُ الآخَرَ، وَيَسْتَرْفِقُهُ فِي شَيْءٍ، وَهْوَ يَقُولُ: وَاللهِ! لَا أَفْعَلُ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "أَيْنَ الْمُتَأَلِّي عَلَى اللهِ لَا يَفْعَلُ الْمَعْرُوفَ؟ "، فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَهُ أَيُّ ذَلِكَ أَحَبَّ. (سمع صوتَ (¬3) خصومٍ بالباب عاليةٍ أصواتهما): بجر "عاليةٍ"، صفة ¬

_ (¬1) في "ج": "ظن". (¬2) في "ج": "في قول". (¬3) في "ع" و"ج": "بصوت".

باب: فضل الإصلاح بين الناس والعدل بينهم

لخصوم، وبنصبه على الحال من خصوم، وإن كان نكرة؛ لتخصصه (¬1) بالوصف، أو من الضمير المستكنِّ في الظرف المستقر. * * * باب: فَضْلِ الإِصْلَاحِ بينَ النَّاسِ والعَدْلِ بينَهم 1512 - (2707) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ سُلَامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بَيْنَ النَّاسِ صَدَقَةٌ". (كلُّ سُلامى): -بضم السين- جمع سُلامِيَّةٍ (¬2)، وهي الأنملَةُ من أنامل الأصابع، وقيل: واحدُه وجمعُه سواءٌ، وتجمع على سُلامياتٍ، وهي التي بين كلِّ مَفْصِلَيْنِ من أصابع الإنسان (¬3). * * * باب: إِذَا أَشَارَ الإِمامُ بالصُّلحِ فَأَبى، حَكَمَ عَلَيهِ بالحُكْمِ البَيِّنِ 1513 - (2708) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ الزُّبَيْرَ كَانَ يُحَدِّثُ: أَنَّهُ خَاصَمَ رَجُلاً مِنَ ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "لتخصيصه". (¬2) في "ع": "سلامة". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 601).

الأَنْصَارِ قَدْ شَهِدَ بَدْراً، إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي شِرَاجٍ مِنَ الْحَرَّةِ، كَاناَ يَسْقِيَانِ بِهِ كِلَاهُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِلزُّبَيْرِ: "اسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثُمَّ أَرْسِلْ إِلَى جَارِكَ"، فَغَضِبَ الأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! آنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ؟ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَالَ: "اسْقِ، ثُمَّ احْبِسْ حَتَّى يَبْلُغَ الْجَدْرَ". فَاسْتَوْعَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَئِذٍ حَقَّهُ لِلزُّبَيْرِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَبْلَ ذَلِكَ أَشَارَ عَلَى الزُّبَيْرِ بِرَأْيٍ سَعَةٍ لَهُ وَلِلأَنْصَارِيِّ، فَلَمَّا أَحْفَظَ الأَنْصَارِيُّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، اسْتَوْعَى لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ فِي صَرِيح الْحُكْمِ، قَالَ عُرْوَةُ: قَالَ الزُّبَيْرُ: وَاللهِ! مَا أَحْسِبُ هَذِهِ الآيَةَ نزَلَتْ إِلَّا فِي ذَلِكَ: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: 65]. (فلما أحفظَ الأنصاريُّ): -بحاء مهملة وظاء معجمة-؛ أي: أَغْضَبَ، والحَفيظةُ: الغضبُ. قال الحماسي: إِذاً لَقَامَ بِنَصْرِي مَعْشَرٌ خُشُنٌ ... عِنْدَ الحَفِيظَةِ إِنْ ذُو لُوثَةٍ لَانَا وقيل: إن قوله: فلما أحفظَ الأنصاريُّ، من كلام الزهري، وكان من عادته أن يصل كلامه بالحديث إذا رواه، حتى (¬1) قال له موسى بنُ عقبةَ: ميّزْ قولَكَ من قولِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). * * * ¬

_ (¬1) "حتى" ليست في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 601).

باب: الصلح بين الغرماء وأصحاب الميراث، والمجازفة في ذلك

باب: الصُّلْحِ بين الغُرَماءِ وأصْحَابِ الميراثِ، والمُجازَفَةِ في ذلكَ 1514 - (2709) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: تُوُفِّيَ أَبِي وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَعَرَضْتُ عَلَى غُرَمَائِهِ أَنْ يَأْخُذُوا التَّمْرَ بِمَا عَلَيْهِ، فَأَبَوْا، وَلَمْ يَرَوْا أَنَّ فِيهِ وَفَاءً، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: "إِذَا جَدَدْتَهُ، فَوَضَعْتَهُ فِي الْمِرْبَدِ، آذَنْتَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -". فَجَاءَ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَجَلَسَ عَلَيْهِ، وَدَعَا بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ قَالَ: "ادْعُ غُرَمَاءَكَ فَأَوْفِهِمْ". فَمَا تَرَكْتُ أَحَداً لَهُ عَلَى أَبِي دَيْنٌ إِلَّا قَضَيْتُهُ، وَفَضَلَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَسْقاً، سَبْعَةٌ عَجْوَةٌ، وَسِتَّةٌ لَوْنٌ، أَوْ سِتَّةٌ عَجْوَةٌ، وَسَبْعَةٌ لَوْنٌ، فَوَافَيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَغْرِبَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَضَحِكَ، فَقَالَ: "ائْتِ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فَأَخْبِرْهُمَا"، فَقَالَا: لَقَدْ عَلِمْنَا إِذْ صَنَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا صَنَعَ أَنْ سَيَكُونُ ذَلِكَ. (إذا جَدَدْتَه): قَطَعْته، بإعجام الذالين وإهمالهما. (آذَنْتَ): بهمزة ممدودة وتاء الضمير منه مفتوحة، وهو جواب "إذا". (وفضِل): -بكسر الضاد- عند أبي ذر، وفي "المحكم": فضَل يفضُل؛ يعني: بفتح الضاد من الماضي، وضمها من الغابر، وفضِل يفضُل؛ يعني: بكسرها في الماضي، وضمها (¬1) في الغابر، نادرٌ (¬2). ¬

_ (¬1) "وضمها" ليست في "ع". (¬2) "نادر" ليست في "ج".

باب: الصلح بالدين والعين

وقال اللحياني: فضِل يفضَل؛ كحسب يحسب (¬1)، كلُّ ذلك بمعنى، والفُضالة: ما فَضَل من (¬2) الشيء (¬3). واعلم أن قصد البخاري من هذا الحديث أن المجازفة في الاعتياض عن الدَّين جائزةٌ، وإن كانت من جنس حقِّه، وأنه لا يتناوله النهيُ؛ إذ لا مقابلةَ هنا من الطرفين (¬4)، وقد مر الكلام فيه. * * * باب: الصُّلْحِ بالدَّيْنِ والعَيْنِ 1515 - (2710) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ ابْنُ كَعْبٍ: أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْناً كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَسْجِدِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ فِي بَيْتٍ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْهِمَا، حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ، فَنَادَى كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ، فَقَالَ: "يَا كَعْبُ! "، فَقَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ: أَنْ ضَعِ الشَّطْرَ، فَقَالَ كَعْبٌ: قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قُمْ فَاقْضِهِ". ¬

_ (¬1) "كحسب يحسب" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "عن". (¬3) انظر: "المحكم" لابن سيده (8/ 207)، (مادة: فضل). وانظر: "التنقيح" (2/ 601). (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 602).

(سِجْف حجرته): -بكسر السين المهملة-: السِّتْر. (قم فاقضِهِ): -بكسر الهاء- ضمير الغريم المذكور، أو ضمير الشطر الباقي من الدَّين بعدَ الوضع. * * *

كتاب الشروط

كِتَابُ الشُّرُوْطِ

باب: ما يجوز من الشروط في الإسلام، والأحكام، والمبايعة

باب: ما يجوز من الشُّروطِ في الإسْلَامِ، والأَحْكَامِ، والمُبَايَعَةِ 1516 - (2711 و 2712) - حَدَّثَنَا يَحْيىَ بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ سَمِعَ مَرْوَانَ، وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- يُخْبِرَانِ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: لَمَّا كَاتَبَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو يَوْمَئِذٍ، كَانَ فِيمَا اشْتَرَطَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ، إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا، وَخَلَّيْتَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ. فَكَرِهَ الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ، وَامْتَعَضُوا مِنْهُ، وَأَبَى سُهَيْل إِلَّا ذَلِكَ، فَكَاتَبَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ذَلِكَ، فَرَدَّ يَوْمَئِذٍ أَبَا جَنْدَلٍ عَلَى أَبِيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَلَمْ يَأْتِهِ أَحَدٌ مِنَ الرِّجَالِ إِلَّا رَدَّهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَإِنْ كَانَ مُسْلِماً، وَجَاءَ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ، وكَانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مِمَّنْ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَئِذٍ وَهْيَ عَاتِقٌ، فَجَاءَ أَهْلُهَا يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَرْجِعَهَا إِلَيْهِمْ، فَلَمْ يَرْجِعْهَا إِلَيْهِمْ، لِمَا أَنْزَلَ اللهُ فِيْهِنَّ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10].

باب: إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمى، جاز

(كتاب: الشروط). (وامْتَعَضُوا منه): -بعين مهملة وضاد معجمة-؛ أي: غضبوا من هذا الشرط، وأَنِفوا منه. (بنتُ عقبةَ (¬1) بنِ أبي مُعَيطٍ): -بضم الميم وفتح العين-، وهو الفاسق المذكور في القرآن، أُسر يومَ بدرٍ، وضُربت عنقُه صَبراً. (وهي عاتق): أي: شابَّهٌ أولَ ما أدركَتْ. (أن يَرجعهما إليهم): -بفتح ياء المضارعة-؛ لأن ماضيه ثلاثي، قال الله تعالى: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ} [التوبة: 83]، وقد مر. * * * 1517 - (2714) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ جَرِيراً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُولُ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَاشْتَرَطَ عَلَيَّ: وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. (زياد بْن عِلاقة): بعين مهملة مكسورة وقاف. * * * باب: إذا اشْتَرطَ البَائِعُ ظَهْرَ الدَّابةِ إلى مكانٍ مُسَمًّى، جَازَ 1518 - (2718) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، قَالَ: سَمِعْتُ عَامِراً يَقُولُ: حَدَّثَنِي جَابِرٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ قَدْ ¬

_ (¬1) في "ع": "بنت أبي عقبة".

باب: الشروط في المعاملة

أَعْيَا، فَمَرَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَضَرَبَهُ، فَدَعَا لَهُ، فَسَارَ بِسَيْرٍ لَيْسَ يَسِيرُ مِثْلَهُ، ثُمَّ قَالَ: "بِعْنِيهِ بِوَقيَّةٍ"، قُلْتُ: لَا، ثُمَّ قَالَ: "بِعْنِيهِ بِوَقيَّةٍ"، فَبِعْتُهُ، فَاسْتَثْنَيْتُ حُمْلَانَهُ إِلَى أَهْلِي، فَلَمَّا قَدِمْنَا، أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ، وَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ، فَأَرْسَلَ عَلَى إِثْرِي، قَالَ: "مَا كُنْتُ لآخُذَ جَمَلَكَ، فَخُذْ جَمَلَكَ ذَلِكَ، فَهْوَ مَالُكَ". (ثمّ قال: بعنيه بِوَقيَّةٍ): هي لغةٌ في الأُوقِيَّة. وفيه ابتداء المشتري بتسميته الثّمنَ، وقد مر. * * * باب: الشُّروطِ في المُعَامَلَةِ 1519 - (2719) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَتِ الأَنْصَارُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: اقْسِمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا النَّخِيلَ، قَالَ: "لَا". فَقَالَ: تَكْفُونَا الْمَؤُونَةَ وَنَشْرَكُكُمْ فِي الثَّمَرَةِ. قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا. (تَكفونا المؤونة): -بفتح تاء المضارعة-، ويروى: "تَكْفوننَا" بنونين (¬1). * * * باب: الشُّرُوطِ الَّتي لا تَحِلُّ في الحُدُودِ 1520 - (2724 و 2725) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ شهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 603).

ابْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم-: أَنَّهُمَا قَالَا: إِنَّ رَجُلاً مِنَ الأَعْرَابِ أَتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ! أَنْشُدُكَ اللهَ إِلاَّ قَضَيْتَ لِي بِكِتَابِ اللهِ، فَقَالَ الْخَصْمُ الآخَرُ، وَهْوَ أَفْقَهُ مِنْهُ: نَعَمْ، فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ، وَائْذَنْ لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قُلْ". قَالَ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفاً عَلَى هَذَا، فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، وَإِنِّي أُخْبِرْتُ أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ، فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِئَةِ شَاةٍ وَوَليدَةٍ، فَسَألْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ، فَأَخْبَرُونِي أَنَّمَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِئَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَأَنَّ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا الرَّجْمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدهِ! لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللهِ، الْوَليدَةُ وَالْغَنَمُ رَدٌّ، وَعَلَى ابْنكَ جَلْدُ مِئَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، اغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ، فَارْجُمْهَا". قَالَ: فَغَدَا عَلَيْهَا، فَاعْتَرَفَتْ، فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَرُجِمَتْ. (فإن اعترفَتْ، فارجُمْها): في الحديث المذكور دليلٌ على أن ما (¬1) يستعمل من الألفاظ في محل الاستفتاء (¬2) يُسامَح به في إقامة الحدِّ أو التعزير؛ فإن هذا الرجل قذفَ المرأةَ بالزنا، ولم يتعرض النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمر حده بالقذف، وأعرض عن ذلك ابتداء. وفيه تصريحٌ بحكم الرجم. وفيه استنابةُ الإمام في إقامة الحدود. ولعله يؤخذ منه (¬3): أن الإقرار مرةً واحدة يكفي في إقامة الحد، فإنه ¬

_ (¬1) "أن ما" ليست في "ع"، و"أن" ليست في "ج". (¬2) في "ع": "الاستفتاح". (¬3) "منه" ليست في "ع".

باب: الشروط في الطلاق

رَتَّبَ جلدَها على مجرد اعترافِها، ولم يقيده بعدد. وقد يُستدل به على عدم الجمع بين الجلد والرجم؛ فإنّه لم يعرفه أنيساً، ولا أمره به، كذا قال ابن دقيق العيد (¬1). * * * باب: الشُّروطِ في الطَّلَاقِ 1521 - (2727) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ التَّلَقِّي، وَأَنْ يَبْتَاعَ الْمُهَاجِرُ لِلأَعْرَابِيِّ، وَأَنْ تَشْتَرِطَ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا، وَأَنْ يَسْتَامَ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ، وَنَهَى عَنِ النَّجْشِ، وَعَنِ التَّصْرِيَةِ. (وأن يبتاع المهاجريُّ (¬2) للأعرابي): قال الزركشي: هو بمعنى (¬3): أَنْ يبيعَ حاضِرٌ لبادٍ (¬4). * * * باب: الشُّرُوطِ مَعَ النَّاسِ بِالْقَوْلِ (باب: الشروط مع الناس بالقول): قيل: مرادُه الاكتفاءُ في الاشتراط ¬

_ (¬1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" (4/ 111 - 112). (¬2) نص البخاري: "المهاجر". (¬3) "بمعنى" ليست في "ع" و"ج". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 604).

باب: الشروط في الولاء

بالقول من غير احتياج إلى إشهاد، ألا ترى أن موسى -عليه السلام- لم يُشهد أحداً (¬1) على ما قال؟ (¬2) * * * باب: الشُّروطِ في الوَلَاءِ 1522 - (2729) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ، فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ، فَأَعِيِنينِي، فَقَالَتْ: إِنْ أَحَبُّوا أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ، وَيَكُونَ وَلَاؤُكِ لِي، فَعَلْتُ، فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا، فَقَالَتْ لَهُمْ، فَأَبَوْا عَلَيْهَا، فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِمْ وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ، فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ عَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَأَبَوْا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "خُذِيهَا، وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ؛ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ". فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي النَّاسِ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطاً لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ؟! مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ، فَهْوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِئَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللهِ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ". (كاتبتُ أهلي على تسع أَواقٍ، في كل عام أوقيةً (¬3)، فأعينيني، ¬

_ (¬1) في "ج": "أحد". (¬2) انظر: "التوضيح" (17/ 126). (¬3) في "ع": "أوقيتين".

باب: إذا اشترط في المزارعة: إذا شئت أخرجتك

قالت (¬1): إن أحبوا أن أعدّها لهم، ويكونَ ولاؤك لي، فعلتُ): ظاهر هذا أن تسع الأواقي كانت كلها باقيةً، ولم تؤدِّ منها شيئاً؛ لقولها: "أن أعدَّها لهم"؛ أي: الأواقيَّ التسعَ، وهو مما يُشكل على التأويل الذي كنا قدمناه في الجمع بين حديث خمس الأواقي والتسع، على أن هذا -أيضاً- ليس ببعيد عن (¬2) التأويل إذا تأملت. * * * باب: إِذَا اشْتَرطَ في المُزَارَعَةِ: إذا شِئْتُ أَخْرَجْتُكَ 1523 - (2730) - حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى أَبُو غَسَّانَ الْكِنَانِيُّ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: لَمَّا فَدَعَ أَهْلُ خَيْبَرَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، قَامَ عُمَرُ خَطِيباً، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ عَامَلَ يَهُودَ خَيْبَرَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ، وَقَالَ: "نُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمُ اللهُ". وَإِنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ خَرَجَ إِلَى مَالِهِ هُنَاكَ، فَعُدِيَ عَلَيْهِ مِنَ اللَّيْلِ، فَفُدِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ، وَلَيْسَ لَنَا هُنَاكَ عَدُوٌّ غَيْرُهُمْ، هُمْ عَدُوُّنَا وَتُهَمَتُنَا، وَقَدْ رَأَيْتُ إِجْلاَءَهُمْ، فَلَمَّا أَجْمَعَ عُمَرُ عَلَى ذَلِكَ، أَتَاهُ أَحَدُ بَنِي أَبِي الْحُقَيْقِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! أَتُخْرِجُنَا وَقَدْ أَقَرَّنَا مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم -، وَعَامَلَنَا عَلَى الأَمْوَالِ، وَشَرَطَ ذَلِكَ لَنَا؟ فَقَالَ عُمَرُ: أَظَنَنْتَ أَنِّيّ نَسِيتُ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كَيْفَ بِكَ إِذَا أُخْرِجْتَ مِنْ خَيْبَرَ تَعْدُو بِكَ قَلُوصُكَ لَيْلَةً بَعْدَ لَيْلَةٍ؟ "، فَقَالَ: كَانَتْ هَذِهِ هُزَيْلَةً مِنْ أَبِي الْقَاسِمِ، قَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللهِ، فَأَجْلَاهُمْ عُمَرُ، وَأَعْطَاهُمْ قِيمَةَ ¬

_ (¬1) نص البخاري: "فقالت". (¬2) في "ع": "على".

مَا كَانَ لَهُمْ مِنَ الثَّمَرِ، مَالًا وَإِبلًا وَعُرُوضاً مِنْ أَقْتَابٍ وَحِبَالٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. (لما فَدَعَ أهلُ خيبرَ): -بفاء ودال وعين مهملتين مفتوحتين-؛ أي: أزالوا يدَ عبدِ الله بنِ عمرَ ورجلَه من مَفْصِلِهما، فاعوجت (¬1). (فعُدي عليه): -بضم العين، مبني للمفعول-؛ من العدوان، وهو الظلم، يقال: عدا فلان على فلان: إذا ظلمه. (ففُدِعَتْ يداه ورجلاه): ببناء الفعل للمفعول أيضاً. قال الزركشي: وفي حديث ابن عمر: أن أباه بعثه إليهم ليقاسمهم الثمرة، فدفعوه، ففُدِعت قدمُه (¬2). (وهم (¬3) عدوُّنا وتُهَمَتُنا): قال السفاقسي: التُّهَمَةُ أصلُها الواو؛ لأنها من الوَهْم، وهي محركة الهاء، وضبطه في بعض النسخ: بالسكون (¬4). (وقد أردت (¬5) إجلاءهم): يقال: جلا القومُ عن مواضعهم، وأَجْلَيْتُهم أنا إجلاءً ويقال أيضاً: جَلَوْتُهم. (تعدو بك): بعين مهملة. (قَلوصُك): القَلوص (¬6) -بفتح القاف-: الأُنثى من الإبل، وتطلق ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 604). (¬2) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬3) في "ع" و"ج": "وهو". (¬4) انظر: "التوضيح" (17/ 136). (¬5) نص البخاري: "رأيت". (¬6) "القلوص" ليست في "ع".

باب: الشروط في الجهاد، والمصالحة مع أهل الحرب، وكتابة الشروط

على أنثى النَّعامِ، وقيل: هي الناقةُ الطويلةُ القوائمِ. (كان ذلك (¬1) هُزَيَلةً): تصغيرُ هزلةٍ؛ أي: كانت كلمةً هزلةً؛ أي: لم تكن حقيقة، وكذبَ عدوُّ الله. (وعُروضاً (¬2)): -بضم العين-: جمع عَرْض -بفتحها-؛ كفَلْس وفُلوس. (من أقتاب): جمع قَتَب، هو إكافُ الجمل، وقال القاضي: ويجمع -أيضاً- على أقتاب، القِتْب -بكسر القاف-: إكافٌ صغير يُجعل على كتفي بعير السانية (¬3). (وحبال): -بحاء مهملة-: جمع حَبْل. واعلم أن الترجمة على جواز اشتراط الخيار من المالك إلى غير أمدٍ، والحديثُ لا يدل على ذلك كما نبه عليه ابن المنير؛ إذ ليس في قوله: "نُقِرُّكُمْ ما أَقَرَّكُمُ اللهُ" ما يقتضي ذلك. * * * باب: الشُّرُوطِ فِي الْجِهَادِ، وَالْمُصَالَحَةِ مَعَ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَكِتَابَةِ الشُّرُوطِ 1524 - (2731 و 2732) - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ¬

_ (¬1) كذا في رواية أبي ذر الهروي عن الحموي والمستملي، وفي اليونينية: "كانت هذه"، وهي المعتمدة في النص. (¬2) في جميع النسخ: "وعوضاً"، والصواب ما أثبت، كما في "صحيح البخاري". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 171).

عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ، يُصَدِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدِيثَ صَاحِبِهِ، قَالَا: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ، حَتَّى كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بِالْغَمِيمِ، فِي خَيْلٍ لِقُرَيْشٍ طَلِيعَةً، فَخُذُوا ذَاتَ الْيَمِينِ". فَوَاللهِ! مَا شَعَرَ بِهِمْ خَالِدٌ حَتَّى إِذَا هُمْ بِقَتَرَةِ الْجَيْشِ، فَانْطَلَقَ يَرْكُضُ نَذِيراً لِقُرَيْشٍ، وَسَارَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالثَّنِيَّةِ الَّتِي يُهْبَطُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا، بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، فَقَالَ النَّاسُ: حَلْ حَلْ، فَأَلَحَّتْ، فَقَالُوا خَلأَتِ الْقَصْوَاءُ، خَلأَتِ الْقَصْوَاءُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا خَلأَتِ الْقَصْوَاءُ، وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ". ثُمَّ قَالَ: "وَالَّذِي نفسِي بِيَدِهِ! لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللهِ، إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا". ثُمَّ زَجَرَهَا فَوَثَبَتْ، قَالَ: فَعَدَلَ عَنْهُمْ حَتَّى نَزَلَ بِأَقْصَى الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَمَدٍ قَلِيلِ الْمَاءِ، يَتَبَرَّضُهُ النَّاسُ تَبَرُّضاً، فَلَمْ يُلَبِثْهُ النَّاسُ حَتَّى نَزَحُوهُ، وَشُكِيَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْعَطَشُ، فَانْتَزَعَ سَهْماً مِنْ كِنَانَتهِ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ فِيهِ، فَوَاللهِ! مَا زَالَ يَجِيشُ لَهُمْ بِالرِّيِّ حَتَّى صَدَرُوا عَنْهُ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذْ جَاءَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ خُزَاعَةَ، وَكَانُوا عَيْبَةَ نُصْحِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ، فَقَالَ: إِنِّيّ تَرَكْتُ كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ نَزَلُوا أَعْدَادَ مِيَاهِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَمَعَهُمُ الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ، وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّا لَمْ نجَئْ لِقِتَالِ أَحَدٍ، وَلَكِنَّا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ، وَإِنَّ قُرَيْشاً قَدْ نَهِكَتْهُمُ الْحَرْبُ، وَأَضَرَّتْ بِهِمْ، فَإِنْ شَاؤُوا مَادَدْتُهُمْ مُدَّةً، وَيُخَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ، فَإِنْ أَظْهَرْ، فَإِنْ شَاؤُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ فَعَلُوا، وَإِلَّا فَقَدْ جَمُّوا، وَإنْ هُمْ أَبَوْا، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ!

لأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي، وَلَيُنْفِذَنَّ اللهُ أَمْرَهُ". فَقَالَ بُدَيْلٌ: سَأُبَلِّغُهُمْ مَا تَقُولُ، قَالَ: فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى قُرَيْشاً، قَالَ: إِنَّا قَدْ جِئْنَاكُمْ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ، وَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ قَوْلًا، فَإنْ شِئْتُمْ أَنْ نَعْرِضَهُ عَلَيْكُمْ، فَعَلْنَا، فَقَالَ سُفَهَاؤُهُمْ: لاَ حَاجَةَ لَنَا أَنْ تُخْبِرَناَ عَنْهُ بِشَيْءٍ، وَقَالَ ذَوُو الرَّأْيِ مِنْهُمْ: هَاتِ مَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا، فَحَدَّثَهُمْ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَامَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ! أَلَسْتُمْ بِالْوَالِدِ؛ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: أَوَلَسْتُ بِالْوَلَدِ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَهَلْ تَتَّهِمُونِي؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي اسْتَنْفَرْتُ أَهْلَ عُكَاظٍ، فَلَمَّا بَلَّحُوا عَلَيَّ، جِئْتُكُمْ بِأَهْلِي وَوَلَدِي وَمَنْ أَطَاعَنِي؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَإِنَّ هَذَا قَدْ عَرَضَ لَكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ، اقْبَلُوهَا وَدَعُونِي آتِيهِ، قَالُوا: ائْتِهِ، فَأَتَاهُ، فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، نَحْواً مِنْ قَوْلهِ لِبُدَيْلٍ، فَقَالَ عُرْوَةُ عِنْدَ ذَلِكَ: أَيْ مُحَمَّدُ! أَرَأَيْتَ إِنِ اسْتَأْصَلْتَ أَمْرَ قَوْمِكَ، هَلْ سَمِعْتَ بِأَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ اجْتَاحَ أَهْلَهُ قَبْلَكَ؟ وَإِنْ تَكُنِ الأُخْرَى، فَإِنِّي وَاللهِ! لأَرَى وُجُوهاً، وَإِنِّي لأَرَى أَشْواباً مِنَ النَّاسِ خَلِيقاً أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: امْصُصْ بَظْرَ اللاَّتِ، أَنَحْنُ نَفِرُّ عَنْهُ وَنَدَعُهُ؟ فَقَالَ: مَنْ ذَا؟ قَالُوا: أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَوْلَا يَدٌ كَانَتْ لَكَ عِنْدِي لَمْ أَجْزِكَ بِهَا، لأَجَبْتُكَ، قَالَ: وَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَكُلَّمَا تَكَلَّمَ، أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَمَعَهُ السَّيْفُ، وَعَلَيْهِ الْمِغْفَرُ، فَكُلَّمَا أَهْوَى عُرْوَةُ بِيَدِهِ إِلَى لِحْيَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ضَرَبَ يَدَهُ بِنَعْلِ السَّيْفِ، وَقَالَ لَهُ: أَخِّرْ يَدَكَ عَنْ لِحْيَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَرَفَعَ عُرْوَةُ رَأْسَهُ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، فَقَالَ: أَيْ غُدَرُ! أَلَسْتُ أَسْعَى فِي غَدْرَتِكَ؟ وَكَانَ الْمُغِيرَةُ صَحِبَ قَوْماً فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَتَلَهُمْ،

وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ، ثُمَّ جَاءَ فَأَسْلَمَ، فَقَالَ النَّبِيُ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَّا الإِسْلَامَ، فَأَقْبَلُ، وَأَمَّا الْمَالَ، فَلَسْتُ مِنْهُ فِي شَيءٍ". ثُمَّ إِنَّ عُرْوَةَ جَعَلَ يَرْمُقُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَيْنَيْهِ، قَالَ: فَوَاللهِ! مَا تَنَخَّمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمُ، ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ، كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ، خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيماً لَهُ، فَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ! وَاللهِ! لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ، وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ وَكِسْرَى وَالنَّجَاشِيِّ، وَاللهِ! إِنْ رَأَيْتُ مَلِكاً قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - مُحَمَّداً، وَاللهِ! إِنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمُ، ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ، كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ، خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيماً لَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهَا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ: دَعُونِي آتِيهِ، فَقَالُوا: ائْتِهِ، فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابِهِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هَذَا فُلَانٌ، وَهْوَ مِنْ قَوْمٍ يُعَظِّمُونَ الْبُدْنَ، فَابْعَثُوهَا لَهُ". فَبُعِثَتْ لَهُ، وَاسْتَقْبَلَهُ النَّاسُ يُلَبُّونَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ، قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! مَا يَنْبَغِي لِهَؤُلَاءَ أَنْ يُصَدُّوا عَنِ الْبَيْتِ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ، قَالَ: رَأَيْتُ الْبُدْنَ قَدْ قُلِّدَتْ وَأُشْعِرَتْ، فَمَا أَرَى أَنْ يُصَدّوا عَنِ الْبَيْتِ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، يُقَالُ لَهُ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ، فَقَالَ: دَعُونِي آتِيهِ، فَقَالُوا: ائْتِهِ، فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "هَذَا مِكْرَزٌ، وَهْوَ رَجُلٌ فَاجِرٌ". فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَبَيْنَمَا هُوَ يُكَلِّمُهُ، إِذْ جَاءَ سُهَيْلُ ابْنُ عَمْرٍو. قَالَ مَعْمَرٌ: فَأَخْبَرَنِي أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَقَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ". قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ الزُّهْرِيُّ

فِي حَدِيثِهِ: فَجَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، فَقَالَ: هَاتِ اكْتُبْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَاباً، فَدَعَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْكَاتِبَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ". قَالَ سُهَيْلٌ: أَمَّا الرَّحْمَنُ، فَوَاللهِ! مَا أَدْرِي مَا هُوَ؟ وَلَكِنِ اكْتُبْ: بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: وَاللهِ! لَا نَكَتُبُهَا إِلَّا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اكْتُبْ: بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ". ثُمَّ قَالَ: "هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ". فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَاللهِ! لَوْ كُنَّا نعلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، مَا صَدَدْنَاكَ عَنِ الْبَيْتِ، وَلَا قَاتَلْنَاكَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَاللهِ! إِنِّي لَرَسُولُ اللهِ، وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي، اكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ". قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ: "لاَ يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللهِ إِلاَّ أَعْطَيْتُهُمْ إيَّاهَا". فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "عَلَى أَنْ تُخَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَنَطُوفَ بِهِ". فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَاللهِ! لاَ تَتَحَدَّثُ الْعَرَبُ أَنَّا أُخِذْناَ ضُغْطَةً، وَلَكِنْ ذَلِكَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَكَتَبَ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَعَلَى أَنَّهُ لاَ يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى دِيِنكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا. قَالَ الْمُسْلِمُونَ: سُبْحَانَ اللهِ! كيْفَ يُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكينَ وَقَدْ جَاءَ مُسْلِماً؟! فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذْ دَخَلَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو يَرْسُفُ فِي قُيُودِهِ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ حَتَّى رَمَى بِنَفْسِهِ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: هَذَا يَا مُحَمَّدُ أَوَّلُ مَا أُقَاضِيكَ عَلَيْهِ أَنْ تَرُدَّهُ إِلَيَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّا لَمْ نَقْضِ الْكِتَابَ بَعْدُ". قَالَ: فَوَاللهِ! إِذاً لَمْ أُصَالِحْكَ عَلَى شَيْءٍ أَبَداً، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَأَجِزْهُ لِي". قَالَ: مَا أَنَا بِمُجِيِزِهِ لَكَ، قَالَ: "بَلَى فَافْعَلْ". قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، قَالَ مِكْرَزٌ: بَلْ قَدْ أَجَزْنَاهُ لَكَ، قَالَ أَبُو جَنْدَلٍ: أَيْ مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ! أُرَدُّ إلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جِئْتُ مُسْلِماً؟! أَلَا تَرَوْنَ مَا قَدْ لَقِيتُ؟ وَكَانَ قَدْ عُذِّبَ عَذَاباً شَدِيداً فِي اللهِ.

قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: فَأَتَيْتُ نبَيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: أَلَسْتَ نبَيَّ اللهِ حَقّاً؟ قَالَ: "بَلَى". قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: "بَلَى". قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَةَ فِي دِينِنَا إِذاً؟ قَالَ: "إِنِّي رَسُولُ اللهِ، وَلَسْتُ أَعْصِيهِ، وَهْوَ نَاصِرِي". قُلْتُ: أَوَلَيْسَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: "بَلَى، فَأَخْبَرْتُكَ أَنَّا نَأْتِيهِ الْعَامَ؟ ". قَالَ: قُلْتُ: لَا، قَالَ: "فَإِنَّكَ آتِيهِ، وَمُطَّوِّفٌ بِهِ". قَالَ: فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ! أَلَيْسَ هَذَا نبَيَّ اللهِ حَقّاً، قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّهَ فِي دِيِنِنَا إِذاً؟ قَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ! إِنَّهُ لَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَيْسَ يَعْصِي رَبَّهُ، وَهْوَ نَاصِرُهُ، فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزهِ، فَوَاللهِ! إِنَّهُ عَلَى الْحَقِّ، قُلْتُ: أَلَيْسَ كَانَ يُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: بَلَى، أَفَأَخْبَرَكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ الْعَامَ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ. قَالَ الزُّهْرِيِّ: قَالَ عُمَرُ: فَعَمِلْتُ لِذَلِكَ أَعْمَالًا. قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَصْحَابِهِ: "قُومُوا فَانْحَرُوا، ثُمَّ احْلِقُوا". قَالَ: فَوَاللهِ! مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نبَيَّ اللهِ! أَتُحِبُّ ذَلِكَ؟ اخْرُجْ ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَداً مِنْهُمْ كلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ. فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَداً مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ: نَحَرَ بُدْنَهُ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ، قَامُوا فَنَحَرُوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضاً، حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضاً غَمّاً، ثُمَّ جَاءَهُ نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} حَتَّى بَلَغَ {بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10]. فَطَلَّقَ

عُمَرُ يَوْمَئِذٍ امْرَأَتَيْنِ، كَانَتَا لَهُ فِي الشِّرْكِ، فَتَزَوَّجَ إِحْدَاهُمَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَالأُخْرَى صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، ثُمَّ رَجَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْمَدِينَةِ، فَجَاءَهُ أَبُو بَصِيرٍ -رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ- وَهْوَ مُسْلِمٌ، فَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِهِ رَجُلَيْنِ، فَقَالُوا: الْعَهْدَ الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا، فَدَفَعَهُ إِلَى الرَّجُلَيْنِ، فَخَرَجَا بِهِ حَتَّى بَلَغَا ذَا الْحُلَيْفَةِ، فَنَزَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ تَمْرٍ لَهُمْ، فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ لأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ: وَاللهِ! إِنِّي لأَرَى سَيْفَكَ هَذَا يَا فُلَانُ جَيِّداً، فَاسْتَلَّهُ الآخَرُ، فَقَالَ: أَجَلْ، وَاللهِ! إِنَّهُ لَجَيِّدٌ، لَقَدْ جَرَّبْتُ بِهِ، ثُمَّ جَرَّبْتُ، فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ: أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْهِ، فَأَمْكَنَهُ مِنْهُ، فَضَرَبَهُ حَتَّى بَرَدَ، وَفَرَّ الآخَرُ حَتَّى أَتَى الْمَدِينَةَ، فَدَخَلَ الْمَسْجدَ يَعْدُو، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ رَآهُ: "لَقَدْ رَأَى هَذَا ذُعْراً". فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: قُتِلَ وَاللهِ صَاحِبِي وَإِنِّي لَمَقْتُولٌ، فَجَاءَ أَبُو بَصِيرٍ: فَقَالَ: يَا نبَيَّ اللهِ! قَدْ وَاللهِ أَوْفَى اللهُ ذِمَّتَكَ، قَدْ رَدَدْتَنِي إِلَيْهِمْ، ثُمَّ أَنْجَانِي اللهُ مِنْهُمْ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَيْلُ امِّهِ، مِسْعَرَ حَرْبٍ، لَوْ كانَ لَهُ أَحَدٌ". فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ، عَرَفَ أَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ، فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى سِيفَ الْبَحْرِ، قَالَ: وَيَنْفَلِتُ مِنْهُمْ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلٍ، فَلَحِقَ بِأَبي بَصِيرٍ، فَجَعَلَ لَا يَخْرُجُ مِنْ قُرَيْشٍ رَجُلٌ قَدْ أَسْلَمَ إِلَّا لَحِقَ بِأَبي بَصِيرٍ، حَتَّى اجْتَمَعَتْ مِنْهُمْ عِصَابَةٌ، فَوَاللهِ! مَا يَسْمَعُونَ بِعِيرٍ خَرَجَتْ لِقُرَيْشٍ إِلَى الشَّأْمِ إِلَّا اعْتَرَضُوا لَهَا، فَقَتَلُوهُمْ، وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ، فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - تُنَاشِدُهُ بِاللهِ وَالرَّحِمِ لَمَّا أَرْسَلَ، فَمَنْ أتَاهُ فَهْوَ آمِنٌ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْهِمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} حَتَّى بَلَغَ {الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} [الفتح: 24 - 26]، وَكَانَتْ

حَمِيَّتُهُمْ أَنَّهُمْ لَمْ يُقِرُّوا أَنَّهُ نَبِيُّ اللهِ، وَلَمْ يُقِرُّوا بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَحَالُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْبَيْتِ. (باب: الشروط (¬1) في الجهاد). (بالغَمِيم): -بفتح الغين المعجمة وكسر الميم- مثل رَغيف، وبضم الغين وفتح الميم، -كذا في "المشارق"-: وادٍ بالحجاز بين عسفان وبطن مرو، إليه يُضاف كُراع الغَميم، وهو جبل أسودُ مستطيلٌ شُبه بالكراع هنالك (¬2). (طليعة): أيْ مقدِّمةً للجيش. (بَقَتَرة الجيش): القَتَرَة -بفتحات-: الغبار. (فقال الناس: حَلْ حَلْ): زَجْرٌ للناقة إذا حملَها على السير. قال الزركشي: يقال لها: حَلْ -ساكنة اللام-، فإذا كررتَ، وقلتَ: حَلٍ حَلْ، كسرتَ لام الأولى منوناً، وسكنت لام الثانية (¬3). قلت: أظنه أخذه من قول الجوهري: وحَلٍ أيضاً، بالتنوين في الوصل (¬4). ولا متمسَّكَ له فيه إذا تأملتَ، والثابتُ في النسخ: سكونُ اللام فيهما. (فألَحَّتْ): أي: في البُروك، وبالَغَتْ، والمعنى: لَزِمَتْ مكانهَا. قال أهل اللغة: ألحت الناقة: إذا قامَتْ فلم تبرحْ (¬5). ¬

_ (¬1) في "ع": "باب الخيار". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 350). (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 605). (¬4) انظر: "الصحاح" (4/ 1675)، (مادة: حلل). (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 605).

(خَلأَت): -بخاء معجمة مع (¬1) الهمز-: حَرَنَتْ وتَصَعَّبَتْ (¬2)، والخِلاءُ في الإبل: كالحِران في الدوابِّ. (القَصواء): بفتح القاف والمد. قال السفاقسي: وضبطه في بعض النسخ بالضم وبالقصر؛ مثل الدُّنْيا. قال الخطابي: كانتْ مقصورةَ الأُذن، وهو قطعُ طرفها (¬3). وقال الداودي: سُميت بذلك؛ لأنها كانت (¬4) لا تكاد تُسبق، قال: وكأنهم يقولون: لها أفضلُ السَّبق والجري؛ لأن آخرَ كلِّ شيء أقصاه، قال: ويقال لها: العَضْباء؛ لأن طرفَ ذنبها كان مقطوعاً. وقال ابن فارس: العضباء: لقبٌ لها. قيل: وكذا القصواء (¬5). (وما ذاك لها بخُلُقٍ): أي: وما الخلاء لها بعادة. (ولكن حبسَها (¬6) حابسُ الفيل): أي: الذي حبسَ الفيلَ عن دخول مكة، قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل: 1]. ووجهه: أنه لو دخل -عليه الصلاة والسلام- مكةَ عامئذٍ، لم يُؤْمَنْ من (¬7) ¬

_ (¬1) "مع" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "وتعصبت". (¬3) انظر: "أعلام الحديث" (2/ 1337). (¬4) "كانت" ليست في "ع". (¬5) انظر: "التوضيح" (17/ 144 - 145). (¬6) في "ع": "حبسهما". (¬7) "من" ليست في "ع".

وقوع قتال كبير، و (¬1) قد سبق في العلم القديم إسلامُ جماعةٍ منهم، فحُبس عن ذلك كما حُبس الفيل؛ إذ لو دخلَ أصحاب مكة قتلوا خلقاً، وقد سبق العلم بإيمان (¬2) قومٍ منهم، فلم يكن للقتل عليهم سبيل (¬3)، فمُنع بسبب ذلك (¬4). وقال الداودي: أراد الأشرمُ هدمَ الكعبة في العام الذي وُلد فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما قربوا منها (¬5)، برك (¬6) الفيلُ، وذلك أن بعضَ من كان مأسوراً عند الأشرم قال في أذن الفيل (¬7): إنما يريدون أن يذهبوا بك لتهدمَ الكعبةَ، [فبرك، فجعلوا يضربونه فلا يتحرك] (¬8)، فإذا أرادوا صرفه إلى غير مكّة، أسرعَ، فرماهم الله بالحجارة من مناقير الطير وأرجلِها، وتقطعت مفاصلُ الأشرم عُضواً عضواً، فلما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - القصواء بركتْ، علم أن الله أراد صرفَهم عن القتال؛ ليقضيَ الله أمراً كان مفعولاً. قلت: وتتميم (¬9) هذا الكلام أن يقال: إنه - صلى الله عليه وسلم - كان خرج إليهم على ¬

_ (¬1) الواو ليست في "ع". (¬2) في "ج": "بالإيمان". (¬3) في "ع": "للقتل منهم سبب". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 606). (¬5) في "ع": "منهما". (¬6) في "ع": "ترك". (¬7) "الفيل" ليست في "م". (¬8) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬9) في "ع": "ويتمم".

أنهم إن صدوه عن البيت، قاتلهم، فصدوه (¬1)، فبركت الناقة، ففهم وجودَ الصارف عن ذلك من قِبل الله لأمرٍ أراده، فصالحهم. (لا يسألوني خُطَّةً): -بضم الخاء المعجمة-: الحالة. وقال الداودي: [الخصلة. وقال الزركشي] (¬2): الخصلة (¬3) الجميلة (¬4). قلت: ولا أرى أن زيادة هذا الوصف هنا مستقيم، فكم من خصلةٍ غيرِ جميلة سألوها، واحتمل (¬5) النبي - صلى الله عليه وسلم - المشقة في الإجابة إليها؛ لما يترتب على ذلك من المصالح. (يعظمون فيها حُرُماتِ الله): أي: يَكُفُّون بسببها عن القتال في الحَرَم تعظيماً له. (إلا أعطيتُهم إياها): أي: وإن كان في ذلك تحمُّلُ مشقةٍ. (ثَمَدٍ): -بفتح المثلثة والميم-: الماء القليل الذي لا مادة له (¬6)، كذا فسره الجوهري (¬7) وغيره، وانظر كيف وُصف بقوله: "قليلِ الماء". ¬

_ (¬1) "فصدوه" ليست في "ع". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬3) "الخصلة" ليست في "ج". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 606). (¬5) في "ع": "واحتملها". (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 606). (¬7) انظر: "الصحاح" (2/ 451)، (مادة: ثمد).

قال السفاقسي: هي توكيد. قلت: لو اقتصر على "قليل"، أمكن، أما مع إضافته إلى "الماء"، فيشكل، وذلك لأنك لا تقول: هذا ماء قليلُ الماء، نعم قال الداودي: إن الثمدَ: العين، فإن صح، فلا إشكال. (يَتَبَرَّضُه الناس): -بالضاد المعجمة-؛ أي: يأخذونه قليلاً قليلاً. (فلم يُلْبِثْه الناس): -بإسكان اللام- مضارع أَلْبَثَ، وبفتحها: مضارع لَبَّثَ، بالتشديد. (حتى نَزَحوه): أي: لم يُبقوا منه شيئاً، يقال: نزحتُ البئرَ فنَزَحَتْ، على صيغة واحدة في التعدي واللزوم. (من كِنانَتِه): هي الجعبة التي يُجعل فيها النَّبْل. (ما زال يجيش): -بجيم وشين معجمة-؛ أي: يفور ويرتفع. (حتى صدروا): أي: رجعوا عنه وهم رِواءٌ. وذكر في "أسد الغابة": في الذي نزل بئر الحديبية حتى وضعَ فيها سهمَ النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أقوال: قيل: هو البراء بن عازب، وقيل: ناجيةُ بنُ جندب، وقيل: عبادُ بنُ خالدٍ الغفاريُّ (¬1). (بُدَيل بْن ورقاء): بضم الموحدة وفتح الدال المهملة، مصغَّر. (وكانوا عَيْبةَ نصحِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -): -بفتح العين المهملة وسكون المثناة التحتية وبالموحدة-؛ أي: موضع سِرِّهِ وأمانته؛ كعيبة الثياب التي يوضع فيها المتاع. ¬

_ (¬1) انظر: "أسد الغابة" (2/ 125).

(نزلوا أَعدادَ مياهِ الحديبية): الأَعداد -بفتح الهمزة-: جمع عِدٍّ -بكسر العين-: وهو الماء الذي لا انقطاعَ لمادته؛ كالعين والبئر، وفي الحديث: "إنما أَقْطَعْتُهُ الماءَ العِدَّ" (¬1). (العُوذ): -بضم العين المهملة وآخره ذال معجمة-: جمعُ عائذ؛ أي (¬2): النوقُ الحديثاتُ النتاجِ. (المطافيلُ): جمع المُطْفِلِ، وهي التي معها أطفالها، فرفقت بها في السير، وجمعه (¬3): [مَطافِل، وقد نطقوا به] (¬4). قال ابن قتيبة: يريد: النساء والصبيان، ولكنه استعار ذلك، يريد: أن هذه القبائل قد احتشدت لحربك، وساقت أموالها وأهليها معها (¬5). (قد نهِكتهم الحرب): -بكسر الهاء وفتحها-: أضعفَتْهم. (مادَدْتُهم مُدَّةً): أي: صالحتهُم مدةً معينة، وتركتُ قتالهم. (وإلا فقد جَمُّوا): -بجيم مفتوحة-؛ أي: استراحوا من جهة القتال. (حتى تنفرد سالِفَتي): أي: تَبِينَ رقبتي، والسالفةُ: ناحيةُ مقدَّمِ العنق، وقيل: صَفْحَةُ العنق. (ولينفِّذَن الله أمره): -بتشديد الفاء المكسورة وفتح الذال المعجمة-؛ ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3064)، والترمذي (1380)، عن أبيض بن حمال رضي الله عنه. (¬2) في "ج": "إلى". (¬3) في "ع": "وحقه تطفوا"، وفي "م": "وحقه"، والتصويب من "التنقيح" للزركشي. (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 607).

أي: ليُمْضِيَنَّ الله أمره، وليُتِمَّنَّه. (هاتِ): -بكسر التاء-؛ أي: أعطِني، وتقول (¬1) للاثنين: هاتيا، وللجمع: هاتوا، وهاتِينَ، وللواحدة: هاتي. قال الخليل: أصلُ هاتِ: آتِ -بالهمزة (¬2) -؛ من آتَى يُؤْتي، فقلبت الهمزة هاء (¬3). (أني استنفرتُ أهلَ عُكاظ): أي: دعوتهم للقتال نصرةً لكم. (فلما بلّحوا): -بباء موحدة ولام تشدد (¬4) وتخفف وحاء مهملة-؛ أي: تأخروا، يقال: بَلَحَ بُلُوحاً، وبَلَّحَ تَبْليحاً، مأخوذٌ من البَلَح، وهو الّذي لا يبدو فيه (¬5) نقطة الإرطاب (¬6). (استأصَلْتَ): أهلكْتَ. (اجتاح): -بتقديم الجيم على الحاء المهملة-؛ أي: أهلكَ (¬7). (وإن تكنِ (¬8) الأُخرى): جواب الشرط محذوف. قال الزركشي: والتقدير: وإن كانت الأخرى، كانت الدولة للعدو، ¬

_ (¬1) في "ع": "ويقال". (¬2) في "ع": "بالهمز". (¬3) انظر: "العين" (8/ 145). (¬4) في "ج": "مشددة". (¬5) "فيه" ليست في "ع". (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 607). (¬7) في "ع": "أهلكت". (¬8) في "ع": "وإن لم يكن".

وكان الظفر لهم عليك وعلى أصحابك (¬1). قلت: هذا التقدير غير مستقيم؛ لما يلزم عليه من اتحاد الشرط والجزاء؛ لأن الأخرى هم انتصار العدو وظفرُهم، فيؤول التقدير إلى أنه إن انتصر أعداؤك وظفروا، كانت الدولة لهم وظفروا، وإنما الذي ينبغي أن يقدر فيما يظهر لي: وإن تكن (¬2) الأخرى، لم ينفعْك أصحابك، ويدل عليه: (فإني والله! لأرى وجوهاً، وإني لأرى (¬3) أشواباً من الناس خليقاً أن يفروا ويدعوك): أشواباً -بشين معجمة وباء موحدة-؛ أي: أخلاطاً، وفي رواية: "أوباشاً"؛ أي: جماعة من قبائل شتى (¬4). (خليقاً): أي: جديراً، ويروى: "خلقاء" جمع خَليق. (امْصَصْ بَظْرَ اللاَّتِ): هي كلمة تقولها العرب عند الذم والمشاتمة، تقول: لِيَمْصَصْ بَظْرَ أُمِّه، فاستعار ذلك أبو بكر -رضي الله عنه- في اللاَّت؛ لتعظيمِهم إياها، وامْصَصْ: -بفتح الصاد الأولى-؛ لأن أصلَ ماضيه مَصَصَ؛ مثل: مَسَّ يَمَسُّ، وكذلك هو مضبوط في رواية أبي ذر، وهو في رواية الشيخ أبي الحسن: بضمها. قال الداودي: البَظْر: فرجُ المرأة. قال السفاقسي: والذي عند أهل اللغة أن البظر ما يُخْفَضُ من فرج المرأة؛ أي: يقعُ عند خِفاضِها. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 608). (¬2) في "ع": "وأن يكون". (¬3) في "ع": "فإني والله لا أرى". (¬4) المرجع السابق، الموضع نفسه.

(فكلما كلَّمه (¬1)، أخذَ بلحيته): قيل: إن ذلك عادةٌ للعرب (¬2) يستعملونها كثيراً، وأكثرُ من يستعملُها أهلُ اليمن، ويقصدون بها الملاطفةَ، وإنما منعه المغيرةُ من ذلك؛ تعظيماً للنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ كان هذا الفعلُ إنما يفعله الرجل بنظيره، وكان - صلى الله عليه وسلم - لا يمنعه من ذلك تألفاً واستمالةً لقلبه (¬3) (¬4). (أي غُدَرُ!): أي: يا غُدَرُ! معدول من غادرٍ. (أَلَستُ أسعى في غدرتك؟): أي: أسعى لأتبرأ من خيانتك؛ أي: أسعى ببذل المال لأدفع عني شرَّ خيانتك، والغَدْرَة: -بالفتح-: المرة الواحدة من الغدر، و -بالكسر-: اسم لما فعل من الغدر. (أما المال، فلستُ منه في شيء (¬5)): وأصلُ القصة: أن المغيرة خرج (¬6) مع نفر من بني مالك إلى المقوقس، فوصلهم بجوائز، وقصر بالمغيرة؛ لأنه ليس من القوم، فجلسوا في بعض الطريق يشربون، فلما سكروا وناموا، قتلهم المغيرة جميعاً، وأخذَ ما كان معهم، وقدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأسلم، فقال له أبو بكر: ما فعل المالكيّون الذين (¬7) كانوا ¬

_ (¬1) كذا في رواية أبي ذر الهروي عن الحمويي والكشميهني، وفي اليونينية: "تكلم"، وهي المعتمدة في النص. (¬2) في "ع" و"ج": "العرب". (¬3) في "ع": "القلب". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 608). (¬5) في "ع": "منه بشيء". (¬6) في "ع": "يخرج". (¬7) في "ع": "الذي".

معك؟ قال: قتلتُهم، وجئت بأسلابهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للخميس، أو ليرى فيها رأيه، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "أما المالُ، فلستُ منه في شيء"، يريد: في حِل؛ لأنه علم أن أصله غصب، وأن أموال المشركين -وإن كانت مغنومة (¬1) عند القهر- فلا يحل أخذها عند الأمن، فإذا كان الإنسان مصاحباً لهم، فقد أمن كلُّ واحدٍ منهما صاحبه، فسفكُ الدماء، وأخذُ الأموال عند ذلك غدرٌ، والغدرُ بالكفار وغيرِهم محظورٌ، فلما بلغ ثقيفاً فعلُ المغيرة، تداعوا للقتال، ثم اصطلحوا على أن يحمل عنه عروةُ ابنُ مسعودٍ عمُّ المغيرةِ ثُلُثَ عُشْرِ الدية، فهذا هو سبب قوله له (¬2): أي غُدَر! [ألستُ أسعى في غدرتك؟] (¬3). (نُخامةً): -بضم النون-: هي (¬4) ما يصعد إلى الفم من الصدر ومن الرأس، وهو البصاقُ الغليظ. (على وَضوئِهِ): أي: على فَضلة الماء الذي (¬5) تُوُضِئ به، أو على ما يجتمع من القطرات، وما يسيل من الماء الذي باشر أعضاءه الشريفة عند الوضوء. (ما يُحِدُّون إليه النظر): يُحِدُّون -بضم أوله وكسر الحاء المهملة-؛ أي: ما يتأملونه، ولا يديمون النظر إليه تعظيماً. ¬

_ (¬1) في "ع": "مفتوحة". (¬2) "له" ليست في "ع". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬4) في "ع": "هو". (¬5) في "م": "التي".

(فقال رجلٌ من كنانة: دعوني آته): قيل: هو حليس بنُ علقمة، قاله الأمير ابنُ ماكولا، فقال: قال (¬1) الزبير: الحُلَيْس بنُ علقمة الحارثيُّ سيدُ الأحابيش، هو الذي قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية: "هذا من قومٍ يُعَظِّمونَ البُدْنَ، فابعثوها في وَجْهِهِ (¬2) " (¬3). (مِكْرَز): بميم مكسورة فكاف ساكنة فراء مفتوحة فزاي. (وهو رجل فاجر): يحتمل أنه أخبر بذلك من طريق الوحي، ويحتمل أن يكون ظاهر حاله، وأراد: مساوئَ أفعاله غيرَ الشرك. (لما جاء سهيل، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: قد سهل لكم من أمركم): تسارع الشارحون إلى أن هذا من التفاؤل، وكان -عليه الصلاة والسلام- يعجبه الفألُ الحسن، وكان تفاؤله حقاً؛ لأنه يُلْقَى في رُوعه. قلت: هذا أمر ظاهر، لكن بقي فيه لطيفةٌ لم يتنبهوا لها، وهي الحكمةُ في كونه -عليه السلام- أتى بـ "من" التبعيضية في قوله: "سَهُلَ [لكم] من أمركم"، وفيه إيذان بأن السهولة الواقعة في هذه القضية ليست عظيمة، فمن أيِّ شيء أخذ -عليه الصلاة والسلام- ذلك؟ وأظن أن ابن المنير قال: إن ذلك مأخوذ من التصغير الواقع في سُهيل؛ فإن (¬4) تصغيره يقتضي كونَه ليس كبيراً (¬5) ولا عظيماً، فمن ثَمَّ ¬

_ (¬1) "قال" ليست في "ج". (¬2) في "ع": "وجهها". (¬3) انظر: "الإكمال" لابن ماكولا (2/ 497). (¬4) في "ع": "فإنه". (¬5) في "ج": "كبير".

أدخل "من" التبعيضية إيماءً إلى ذلك، فقلت ذلك من حفظي؛ لعدم حضور الجزء الذي في هذا الموضع عندي الآن. "وسَهُل": بفتح السين وضم الهاء (¬1)، وبضم السين وكسر الهاء مشددة. (فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - الكاتبَ): أبهمه هاهنا، وهو علي بن أبي طالب، كما تقدم مصرَّحاً به. (ضُغْطَة): -بضم الضاد-، قال الجوهري: أَخَذْتُ فلاناً ضُغْطَة: إذا ضَيَّقتَ عليه لتكرهَه على الشيء (¬2). (أبو جندل): اسمه: العاصي بنُ سهلٍ. (يرسُف في قيوده): -بضم السين المهملة-؛ أي: يمشي فيها مشيَ المقيَّدِ المثقل. (فلمَ نُعطي الدّنِيَة؟): -بتشديد الياء-: صفة لمحذوف؛ أي: الحالة الدنية الخبيثة، والأصل فيه: الهمز، لكنه خفف. (إني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولست أَعصيه (¬3)): فيه تنبيهٌ لعمر على إزالة ما حصل عنده من القلق، وأنه -عليه السلام- لم يفعل ذلك [إلا لأمرٍ أطلعه الله عليه، وأنه لم يفعل ذلك] (¬4) برأيه فقط. (فقال عمر: فعملتُ لذلك أعمالاً): يعني: من المجيء والذهاب، ¬

_ (¬1) في "ع": "ضم الهاء وبضم الحاء". (¬2) انظر: "الصحاح" (3/ 1140)، (مادة: ضغط). (¬3) في "ع": "أغضبه". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ع".

والسؤال عما اللهُ ورسولُه أعلمُ به. (فقالت (¬1) أم سلمة: يا نبي الله! أتحبُّ ذلك؟ اخرجْ، ثم لا تكلم أحداً منهم حتى تنحر بُدْنَك): قال (¬2) إمام الحرمين في "النهاية": قيل: ما أشارت امرأةٌ بصوابٍ إلا أُمُّ سلمةَ في هذه القضية (¬3). (وتَدْعُوَ حالقك): بنصب الفعل عطفاً على الفعل المنصوب قبله، والحالق هو خِراشُ بنُ أميةَ الكعبيُّ الخزاعيُّ. (فطلّق عمرُ يومئذٍ امرأتين كانتا له في الشِّرْك): قد ذكرَ في الرواية التي بعدَ هذه تسميةَ إحداهما، وهي قُرَيْبَةُ بنتُ أبي آمنة (¬4)، ونعتَ (¬5) الأخرى بأنها ابنةُ جَرْوَلٍ الخزاعيِّ، وتكنى هذه أُمَّ كُلثوم، ذكره ابنُ بشكوال، واسمها مُلَيْكَة. لكن في هذه الرواية: أنه تزوج إحداهما معاويةُ، وتزوج الأخرى صفوانُ بنُ أمية، وفي تلك: أنه تزوجَ قُريبة معاويةُ، وتزوج الأخرى أبو جَهْم. (فجاء أبو بَصير): -بفتح الباء الموحدة- اسمه عبدُ الله. (رجلٌ من قريشٍ): بدلٌ من "أبو بصير"، ومعنى كونه من قريش: أنه منهم بالحلف، وإلا فهو ثقفي. ¬

_ (¬1) "فقالت" ليست في "ع". (¬2) في "ج": "فقال". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 610). (¬4) في "ج": "أمية". (¬5) في "ع": "وبعث".

وأطلق الزركشي القول بأن هذه الرواية وَهْم؛ لكون أبي بصير (¬1) ثقفياً حليفاً لقريش (¬2). (فأرسلوا في طلبه رجلين): وقع في "طبقات ابن سعد": أنه كتب الأخنسُ بنُ شريق (¬3) الثقفيُّ حليفُ بني زُهرة، وأزهرُ بنُ عوفٍ الزهريُّ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[كتاباً، وبعثا إليه رجلاً من بني عامر بْن لُؤَيٍّ، وهو خُنَيْسُ ابن جابر، استأجراه (¬4) ببُكَيرٍ ابن لَبون، وسألا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -]، (¬5) أن يرد أبا بَصير إليهما على ما اصطلحوا عليه يومَ الحديبية أن يردَّ إليهم مَنْ جاء منهم، فخرج خُنيس بنُ جابر ومعه مولًى له (¬6) يقال له: كوثر، فقدما على النبي - صلى الله عليه وسلم - بكتاب الأخنس بنِ شريق، وأزهرَ بنِ عوف، فقرأه، ودفع أبا بصير إليهما، فلما كانا بذي الحليفة، عدا أبو بصير على خُنيسِ بنِ جابرٍ، فقتله بسيفه، وهرب منه (¬7) كوثر حتى قدم المدينة، فأخبر النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، ورجع أبو بصير فقال: وفيتَ بذمتك يا رسول الله، فدفعتني إليهم، فخشيتُ أن يفتنوني عن ديني، فامتنعت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكوثر: "خذه فاذهب"، فقال: إني أخاف أن يقتلني، فتركه ورجع إلى مكة، فأخبر ¬

_ (¬1) في "ع": "نصير". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 610). (¬3) في "ج": "ابن سعد شريق". (¬4) في "ع": "استأجره". (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬6) "له" ليست في "ع". (¬7) "منه" ليست في "ع".

قريشاً بما كان من أمر أبي بصير (¬1). (وَيْلُ أمِّهِ مِسْعَرَ حرب): يصفُه بالمبالغة في النجدة والحرب والإيقاد لنارها، و"وَيْ": من أسماء الأفعال بمعنى أتعجَّبُ (¬2)، واللام متعلقةٌ به، ومِسْعَرَ حربٍ: نصبٌ على التمييز، أو الحال؛ مثل: لله (¬3) دَرُّه فارساً. وقال ابن مالك: أصلُ ويلُمِّهِ: وَيْ لأُمه، فحذفت الهمزة تخفيفاً؛ لأنه كلام كثر (¬4) استعمالهُ، وجرى مجرى المثل، ومن العرب من يضم اللامَ إتباعاً للهمزة (¬5). (سِيفَ البحر): -بكسر السين المهملة-: ساحلَه. * * * 1525 - (2733) - وَقَالَ عُقَيْلٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: قَالَ عُرْوَةُ: فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَمْتَحِنُهُنَّ، وَبَلَغَنَا أَنَّهُ لَمَّا أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى أَنْ يَرُدُّوا إِلَى الْمُشْرِكِينَ مَا أَنْفَقُوا عَلَى مَنْ هَاجَرَ مِنْ أَزْوَاجِهِمْ، وَحَكَمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يُمَسِّكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ: أَنَّ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَيْنِ قُريبَةَ بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ، وَابْنَةَ جَرْوَلٍ الْخُزَاعِيِّ، فَتَزَوَّجَ قُريبَةَ مُعَاوِيَةُ، وَتَزَوَّجَ الأُخْرى أَبُو جَهْمٍ، فَلَمَّا أَبَى الْكُفَّارُ أَنْ يُقِرُّوا بِأَدَاءِ مَا أَنْفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ، ¬

_ (¬1) انظر: "كشف المشكل" لابن الجوزي (4/ 60). (¬2) في "ع" و"ج": "التعجب". (¬3) "لله" ليست في "ع". (¬4) في "ع": "كثير". (¬5) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 157). وانظر: "التنقيح" (2/ 610).

باب: ما يجوز من الاشتراط والثنيا في الإقرار، والشروط التي يتعارفها الناس بينهم، وإذا قال: مئة إلا واحدة أو ثنتين

أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ} [الممتحنة: 11]. وَالْعَقِبُ: مَا يُؤَدِّي الْمُسْلِمُونَ إِلَى مَنْ هَاجَرَتِ امْرَأَتُهُ مِنَ الْكُفَّارِ، فَأَمَرَ أَنْ يُعْطَى مَنْ ذَهَبَ لَهُ زَوْجٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَا أَنْفَقَ مِنْ صَدَاقِ نِسَاءِ الْكُفَّارِ اللاَّتِي هَاجَرْنَ، وَمَا نَعْلَمُ أَحَداً مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ ارْتَدَّتْ بَعْدَ إِيمَانِهَا. وَبَلَغَنَا أَن أَبَا بَصِيرِ بِنَ أَسِيدٍ الثَّقَفِيُّ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُؤْمِناً مُهَاجِراً فِي الْمُدَّةِ، فَكَتَبَ الأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْأَلُهُ أَبَا بَصِيرٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. (قُرَيبة): بضم القاف وفتح الراء على التصغير، وفي بعض النسخ: "قَرِيبة": -بفتح القاف-. (وابنة جَرول): بفتح الجيم. * * * باب: مَا يَجُوزُ مِنَ الاِشْتِرَاطِ وَالثُّنْيَا فِي الإِقْرَارِ، وَالشُّرُوطِ الَّتِي يَتَعَارَفُهَا النَّاسُ بَيْنَهُمْ، وَإِذَا قَالَ: مِئَةٌ إِلَّا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ رَجُلٌ لِكَرِيِّهِ: أَدْخِلْ رِكَابَكَ، فَإِنْ لَمْ أَرْحَلْ مَعَكَ يَوْمَ كَذَا وكَذَا، فَلَكَ مِئَةُ دِرْهَمٍ. فَلَمْ يَخْرُجْ، فَقَالَ شُرَيْحٌ: مَنْ شَرَطَ عَلَى نَفْسِهِ طَائِعاً غَيْرَ مُكْرَهٍ، فَهْوَ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَيُّوبُ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: إِنَّ رَجُلاً بَاعَ طَعَاماً، وَقَالَ: إِنْ لَمْ آتِكَ الأَرْبِعَاءَ، فَلَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بَيعٌ. فَلَمْ يَجِئْ، فَقَالَ شُرَيْحٌ لِلْمُشْتَرِي: أَنْتَ أَخْلَفْتَ. فَقَضَى عَلَيْهِ. (قال رجل لِكَرِيِّهِ): قال الجوهري: يطلق على المُكْرِي، وعلى

المُكْتَرِي أيضاً (¬1)، وهي على صيغة (¬2) فَعِيل. * * * 1526 - (2736) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْماً، مِئَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ". (مئة إلا واحدة (¬3)): أنث الاسم؛ لأنه كلمة. قال سيبويه: الكلمةُ (¬4): اسمٌ وفعلٌ وحرف (¬5). بهذا استدل بعضُهم، وهو غيرُ محتاج إلى نَصًّ (¬6) شخصٍ معين، فالإجماعُ قائمٌ على صحة إطلاق الكلمة على الاسم، وعلى أن الثلاثةَ أنواعٌ لها. (من أحصاها، دخلَ الجنة): قال الهروي: أحصاها عِلماً وَإيماناً. وقيل: معنى الإحصاء: العَدُّ لها حتى يستوفيَها، يريد: لا (¬7) يقتصر على بعضها، ولكن يدعو الله بجميعها، ويُثني عليه بها كلِّها، فيستوجب بذلك الموعودَ عليها من الثواب. ¬

_ (¬1) انظر: "الصحاح" (6/ 2472)، (مادة: كرى). (¬2) في "ع" و"ج": "صفة". (¬3) في نص الحديث: "واحداً". (¬4) في "م": "الكَلِمُ". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 611). (¬6) "نص" ليست في "ع". (¬7) في "ج": "ولا".

باب: الشروط في الوقف

وقيل: معنى الإحصاء: الإطاقة، والمعنى: من أطاقَ القيامَ بحقِّ هذه الأسماء، والعمل بمقتضاها، وهو أن يعتبر معانيها، ويلتزم مُوجبها، فإذا قال: الرزاق، وثق بالرزق، وإذا قال: الرحيم، رجا الرحمة (¬1)، فإذا قال: الغفار، رجا المغفرة، وعلى هذا سائرُ الأسماء (¬2). * * * باب: الشُروطِ في الوَقْفِ 1527 - (2737) - حَدَّثَنَا قُتَيْتَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَنْبَأَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَصَابَ أَرْضاً بِخَيْبَرَ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي أَصَبْتُ أَرْضاً بِخَيْبَرَ، لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ، فَمَا تَأْمُرُ بِهِ؟ قَالَ: "إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا، وَتَصَدَّقْتَ بِهَا". قَالَ: فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ: أَنَّهُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ، وَتَصَدَّقَ بِهَا فِي الْفُقَراءِ، وَفِي الْقُرْبَى، وَفِي الرِّقَابِ، وَفِي سَبِيلِ اللهِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، وَالضَّيْفِ، لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَليَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَيُطْعِمَ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ. قَالَ: فَحَدَّثْتُ بِهِ ابْنَ سِيرِينَ، فَقَالَ: غَيْرَ مُتَأِثِّلٍ مَالاً. (إن شئتَ حَبَّسْتَ (¬3)): -بتشديد الباء الموحدة-؛ أي: وَقَفْتَ، ويروى: "حَبَسْتَ" -بالتخفيف -؛ أي: منعت. ¬

_ (¬1) في "ع": "الرحمة وثق بالرحمة"، وفي "ج": "الرحيم وثق بالرحمة". (¬2) انظر: "فتح الباري" (11/ 225). (¬3) في "ج": "جلست".

(غيرَ متأثل مالاً): أي: لا يتملَّكُ شيئاً من رقابها. قال الزركشي: و"مالاً" نصب على التمييز (¬1). قلت: هو خطأ، وإنما نصب على أنه مفعول به (¬2)، ويقال: تَأَثَّلْتُ المالَ؛ أي: اتخذتُه. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 612). (¬2) "به" ليست في "ع".

كتاب الوصايا

كِتابُ الوَصَايَا

باب: الوصايا، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وصية الرجل مكتوبة عنده"

باب: الوَصَايَا، وقَوِل النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "وَصيَّةُ الرَّجُلِ مَكْتُوبةٌ عِنْدَهُ" 1528 - (2738) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا حَقُّ امرِئٍ مُسْلِمٍ، لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ، إِلاَّ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ". تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عن عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (كتاب: الوصايا). (ما حقُّ امرئ مسلم له شيءٌ فيه يبيتُ ليلتين إلا ووصيتُه مكتوبةٌ عنده): الظاهر أن (¬1) "يبيت" ارتفع بعد حذف "أن"؛ مثل قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ} [الروم: 24]. ثم الوصيةُ على وجهين: أحدهما: الوصيةُ بالحقوق اللازمة، وذلك واجبٌ. ¬

_ (¬1) في "ع": "أنه".

وهل الحكم كذلك حتى في الشيء (¬1) اليسير الذي (¬2) جرت العادة بتداينه، ورده مع القرب؟ فيه كلام لبعضهم، مال فيه إلى أن مثل هذا لا تجبُ الوصيةُ به على التضييق و (¬3) الفور؛ مراعاة للمشقة. الثاني: الوصيةُ بالتطوُّعات والقُرُبات، وذلك مستحبٌّ. والظاهرُ حملُ الحديث على النوع الأول، والترخُّصُ في الليلتين دفعاً للحرج. قيل: وفيه دليل على العمل بالخَطِّ؛ لقوله: "ووصيته مكتوبة عنده". والمخالفون يقولون: المرادُ: ووصيته مكتوبة بشروطها، ويأخذون الشروط من خارج. قلت: من جملة كون الوصية مكتوبة: أن يكتبها الموصي بخطه، ولا يُشهد عليها أحداً، فتوجد في تركته، ويُعرف أنها خَطُّه بشهادة عدلين. وهذه الصورة قد حكى الباجيُّ فيها أنها لا يثبت شيء (¬4) منها، قد يكتب، ولا يعرف، رواه ابن القاسم في "المجموعة"، و"العتبية"، ولم يحكِ شيخُنا ابنُ عرفةَ فيه (¬5) [خلافاً. ¬

_ (¬1) "الشيء" ليست في "ع" و"ج". (¬2) في "م": "التي". (¬3) في "ع": "أو". (¬4) في "ع": "بشيء". (¬5) في "ع": "فيه شيئاً".

(تابعه محمد بن مسلم): هو الطائفيُّ، ولم يخرج عنه إلا في المتابعة] (¬1). * * * 1529 - (2739) - حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْجُعْفِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ خَتَنِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، أَخِي جُويْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ، قَالَ: مَا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ مَوْتِهِ دِرْهَماً، وَلاَ دِينَاراً، وَلاَ عَبْداً، وَلاَ أَمَةً، وَلاَ شَيْئاً، إلاَّ بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ، وَسِلاَحَهُ، وَأَرْضاً جَعَلَهَا صَدَقَةً. (خَتَنِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -):-بفتح الخاء المعجمة والمثناة الفوقية-، والأَختانُ من قِبَل المرأة. ووجهُ إدخال حديثه في باب الوصية: أن الصدقة التي ذكرها في قوله: "وأرضاً جعلَها صدقة" يحتمل (¬2) أن تكون على ظاهرها، ويحتمل أن تكون موصًّى بها (¬3). * * * 1530 - (2741) - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، أَخْبَرَناَ إِسمَاعِيلُ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، قَالَ: ذَكَرُوا عِنْدَ عَائِشَةَ: أَنَّ عَلِيّاً ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع"، وقوله: "تابعه محمد بن مسلم. . . المتابعة" ليس في "ج". (¬2) في "ع": "ويحتمل". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 612).

باب: أن يترك ورثته أغنياء خير من أن يتكففوا الناس

-رضِيَ اللهُ عَنْهُما- كَانَ وَصِيّاً، فَقَالَتْ: مَتَى أَوْصَى إِلَيْهِ؟! وَقَدْ كُنْتُ مُسْنِدَتَهُ إِلَى صَدْرِي -أَوْ قَالَتْ: حَجْرِي-، فَدَعَا بِالطَّسْتِ، فَلَقَدِ انْخَنَثَ فِي حَجْرِي، فَمَا شَعَرْتُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ، فَمَتَى أَوْصَى إِلَيْهِ؟! (فلقد انخنث): -بنون فخاء معجمة فنون فمثلثة-؛ أي: انثنى، ومالَ عندَ فراق الحياة، صلوات الله عليه وسلامه. * * * باب: أَنْ يَتْرُكَ وَرَثَتَهُ أَغنياءَ خَيرٌ مِنْ أَنْ يَتَكَفَّفُوا النَّاسَ 1531 - (2742) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: جَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُنِي وَأَناَ بِمَكَّةَ، وَهْوَ يَكْرَهُ أَنْ يَمُوتَ بِالأَرْضِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا، قَالَ: "يَرْحَمُ اللهُ ابْنَ عَفْرَاءَ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: "لاَ"، قُلْتُ: فَالشَّطْرُ؟ قَالَ: "لاَ"، قُلْتُ: الثُّلُثُ؟ قَالَ: "فَالثُلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَإِنَّكَ مَهْمَا أَنْفَقْتَ مِنْ نفَقَةٍ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ، حَتَّى اللُّقْمَةُ الَّتِي تَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِكَ، وَعَسَى اللهُ أَنْ يَرْفَعَكَ، فَيَنْتَفِعَ بِكَ نَاسٌ، وُيضَرَّ بِكَ آخَرُونَ". وَلَمْ يَكُنْ لَهُ يَوْمَئِذٍ إِلاَّ ابْنَةٌ. (يرحم الله ابنَ عفراءِ): قال (¬1) الدمياطي: وقولُه: ابنَ عفراء، وَهْمٌ، والمحفوظ: ابنَ خَوْلَةَ، ولعلَّ الوهمَ فيه أتى من سعدِ بنِ إبراهيمَ، وقد ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "وقال".

باب: الوصية بالثلث

ذكره البخاري في الفرائض من حديث (¬1) الزهري، عن عامر، وفيه: "ولكن البائس سعد بن خولة"، والزهري (¬2)؛ أي: أحفظُ من سعدِ بنِ إبراهيمَ. قال شيخنا قاضي القضاة شيخُ الإسلام (¬3) جلالُ الدين البلقيني (¬4) -ذكره الله بالصالحات (¬5) -: وابنُ عفراءَ هو (¬6) سعدُ بنُ خولةَ المذكورُ في حديث سعيد [في] غير ما موضعٍ، ويدل عليه أن في النسائي: "يَرْحَمُ اللهُ سَعْدَ (¬7) بْنَ عَفْرَاءَ" (¬8). ثم حكى معنى ما تقدم عن بعض الشيوخ معزواً إلى الداودي، ثم قال: ويقال على هذا: إذا أمكن التأويلُ، فلا توهيم، يجوز أن يكون أبو خولة، وأمه اسمها عفراء، أو يكون لأمه اسمان إن كانت خولة اسم أمه، وفيه بُعد. * * * باب: الوَصِيَّةِ بالثُّلُثِ 1532 - (2744) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ ¬

_ (¬1) في "ج": "أحاديث". (¬2) رواه البخاري (1295) عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-. (¬3) "شيخ الإسلام" ليست في "ج". (¬4) "البلقيني" ليس في "م" و"ع". (¬5) "ذكره الله بالصالحات" ليست في "ج". (¬6) في "ع": "وهو". (¬7) في "ع" و"ج": "سعيد". (¬8) رواه، النسائي (3628) عن عامر بن سعد، عن أبيه -رضي الله عنه-.

باب: لا وصية لوارث

عَدِيٍّ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ، عَنْ هَاشِمِ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: مَرِضْتُ، فَعَادَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! ادْعُ اللهَ أَنْ لاَ يَرُدَّنِي عَلَى عَقِبِي، قَالَ: "لَعَلَّ اللهَ يَرْفَعُكَ، وَيَنْفَعُ بِكَ ناَساً". قُلْتُ: أُرِيدُ أَنْ أُوصِيَ، وَإِنَّمَا لِي ابْنَةٌ، قُلْتُ: أُوصِي بِالنِّصْفِ؟ قَالَ: -النِّصْفُ كَثِيرٌ-، قُلْتُ: فَالثُّلُثِ؟ قَالَ: "الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، أَوْ كَبِيرٌ". قَالَ: فَأَوْصَى النَّاسُ بِالثُّلُثِ، وَجَازَ ذَلِكَ لَهُمْ. (وإنما لي ابنةٌ): هذه البنت اسمها عائشة. * * * باب: لا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ 1533 - (2747) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: كَانَ الْمَالُ لِلْوَلَدِ، وَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ، فَنَسَخَ اللهُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحَبَّ، فَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ، وَجَعَلَ لِلأَبَوَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسَ، وَجَعَلَ لِلْمَرْأَةِ الثُّمُنَ وَالرُّبْعَ، وَلِلزَّوْجِ الشَّطْرَ وَالرُّبُعَ. (وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس): قال الزمخشري في قوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 11]: لكل واحد منهما بدلٌ بإعادة العامل؛ إذ لو (¬1) قال: لأبويه السدس، اشتركا فيه، ولو قال: ¬

_ (¬1) "لو" ليست في "ع".

لأبويه الثلث، تُوُهِّمَ قسمتُه بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين، أو بالسواء (¬1). واعترضه ابن المنيِّر في "الانتصاف": بأن هذا من بدلِ الشيء من الشيء (¬2)، وهما لعينٍ واحدة، فيصير الكلام: والسدسُ لأبويه لكلِّ واحدٍ منهما، ومقتضى الاقتصار على المبدَلِ منه اشتراكُهما (¬3) في السدس، ومقتضى البدل وإفراد الأول إفرادُ كلِّ واحدٍ منهما بالسدس (¬4)، وهو تناقض، فإذا تعذر البدل، قدرنا مبتدأ محذوفاً تقديره: ولأبويه الثلث، ثم فصله بقوله تعالى: {لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 11]، ودل التفصيل على المبتدأ المحذوف، ويستقيم على هذا جعلُه من بدل التقسيم؛ كقولك: الدار لثلاثة: لزيد ثلثها، ولعمرو (¬5) ثلثها، ولبكر ثلثها (¬6)، ولا يستقيم ذلك على الأول (¬7). وانفصل الشيخ سعد الدين (¬8) التفتازاني عن (¬9) هذا الاعتراض: بأن الحكمَ المتعلِّقَ بالمثنى (¬10) أو المجموع قد يُقصد تعلُّقُه [بالمجموع، وقد ¬

_ (¬1) انظر: "الكشاف" (1/ 513). (¬2) "من الشيء" ليست في "ع". (¬3) في "ج": "اشتراكها". (¬4) في "ع": "السدس". (¬5) في "ع": "لعمر". (¬6) "ولبكر ثلثها" ليست في "ع". (¬7) "على الأول" ليست في "ع". (¬8) "سعد الدين" ليست في "ج". (¬9) في "ع": "من". (¬10) في "ع": "بالمبني".

باب: إذا وقف، أو أوصى لأقاربه، ومن الأقارب؟

يُقصد تعلقه] (¬1) بكل فردٍ، فبيَّن بالبدل أن القصد إلى الثاني. قال: وبهذا يندفع ما يقال: إن البدل ينبغي أن يكون بحيث لو أُسقط، استقامَ الكلام معنى، وهاهنا لو قيل: لأبويه السدس، لم يستقم. وإذا فهمت هذا، عرفتَ إعرابَ التركيب الواقع في متن البخاري. * * * باب: إِذَا وَقَفَ، أَوْ أَوْصَى لأَقَارِبِهِ، وَمَنِ الأَقَارِبُ؟ وَقَالَ ثَابِتٌ، عَنْ أَنسٍ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأَبِي طَلْحَةَ: "اجْعَلْهَا لِفُقَرَاءِ أَقَاَرِبِكَ". فَجَعَلَهَا لِحَسَّانَ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ. وَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ مِثْلَ حَدِيثِ ثَابِتٍ، قَالَ: "اجْعَلْهَا لِفُقَرَاءِ قَرَابَتِكَ". قَالَ أَنَسٌ: فَجَعَلَهَا لِحَسَّانَ، وَأُبَيِّ ابْنِ كَعْبٍ، وَكَاناَ أَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنِّي، وَكَانَ قَرَابَةُ حَسَّانَ وَأُبَيٍّ مِنْ أَبِي طَلْحَةَ، وَاسْمُهُ زَيْدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ الأَسْوَدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ عَدِيِّ ابْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ. وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ حَرَامٍ، فَيَجْتَمِعَانِ إِلَى حَرامٍ، وَهْوَ الأَبُ الثَّالِثُ، وَحَرَامُ بْنُ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، فَهْوَ يُجَامِعُ حَسَّانُ أَبَا طَلْحَةَ وَأُبَيٌّ إِلَى سِتَّةِ آبَاءٍ إِلَى عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ. وَهْوَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ ابْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، فَعَمْرُو بْنُ مَالِكٍ يَجْمَعُ حَسَّانَ وَأَبَا طَلْحَةَ وَأُبَيّاً. وَقَالَ بَعْضُهْمْ: إِذَا أَوْصَى لِقَرَابَتِهِ، فَهْوَ إِلَى آبَائِهِ فِي الإِسْلاَمِ. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج".

(باب: إذا أوقفَ (¬1)): قال (¬2) القاضي: هو بالألف لغة قليلة، والفصيح: وَقَفَ، وهي روايةُ الأصيلي في بعض المواضع (¬3). (فهو يجامع حسان أبا طلحة وأبياً (¬4) إلى آخره): قال الحافظ الدمياطي: ظاهرُ هذا الكلام مُشكلٌ يحتاج إلى تبيين وإيضاح، وإيضاحه: أن أبا طلحة زيدُ بنُ سهلِ بنِ الأسودِ بنِ حَرامٍ، [وحسان بنُ ثابتِ بنِ المنذرِ بنِ حَرامِ] (¬5) بنِ عمرِو بنِ زيدِ مَناةَ بنِ عديِّ بنِ عمرِو بنِ مالكِ بنِ النجار، وأبيُّ ابنُ كعبِ بنِ قيسِ بنِ عبيدِ بنِ زَيْدِ (¬6) بنِ معاويةَ بنِ عمرِو بنِ مالكِ بنِ النجار، فيجتمع أبو طلحةَ، وحسانُ، وأبيُّ بنُ كعبٍ (¬7) في عمرِو بنِ مالكِ ابنِ النجار، ويجتمع أبو طلحةَ وحسانُ في حَرامٍ وجدِّ أبويهما، و (¬8) بنو عديِّ بنِ عمرِو بنِ مالكٍ يقال لهم: بنو مَغالة، وبنو معاوية بن عمرو بن مالك يقال لهم: بنو حُديلة، بطنان من بني مالك بن النجار، فقوله: "فهو يجامع حسانُ أبا طلحة وأُبياً" جملة اسمية، المبتدأ منهما (¬9) "هو"، و"هو" ضمير شأن، وَالفعلية خبره، وفي رواية المروزي والهروي: "وهو يُجامع" ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "وقف". (¬2) "قال" ليست في "ع". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 293). (¬4) كذا في نسخة، وفي اليونينية: "وأبي"، وهي المعتمدة في النص. (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬6) في "م": "يزيد". (¬7) في "ع": "وابن أبي كعب". (¬8) الواو ليست في "ج". (¬9) في "ج": "منها".

باب: هل يدخل النساء والولد في الأقارب؟

بالواو، وفي رواية: "هو (¬1) مجتَمعٌ حسانُ، وأبو طلحة، وأبيٌّ" برفع الجميع، وهو صواب أيضاً (¬2). * * * باب: هل يَدْخُلُ النِّسَاءُ والولَدُ في الأَقَارِبِ؟ 1534 - (2753) - حَدَّثَنَاَ أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ أَنْزَلَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]، قَالَ: "يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! -أَوْ كلِمَةً نَحْوَهَا- اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ، لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ! لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ! لاَ أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللهِ! شَيْئاً، وَيَا صَفِتَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللهِ! لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئاً، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ! سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي، لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئاً". (يا عباسُ بن عبد المطلب!): وبعده: (ويا صفيةُ عمة رسول الله!) وبعده: (ويا فاطمةُ بنت محمد!): قال الزركشي: يجوز في عباس: الرفعُ والنصبُ، [وكذا في: "يا صفيةُ عمة"، وكذا في: "يا فاطمةُ بنت" (¬3). قلت: يريد بالرفع والنصب] (¬4): الضمَّ والفتحَ؛ إذ مثلُه من المناديات ¬

_ (¬1) في "ج": "وهو". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 615). (¬3) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ج".

مبني على الضم، وفُتحَ للإتباع، أو للتركيب، على الخلاف، وظاهرُ كلامه: أن ضمَّ صفيةَ وفاطمةَ وفتحَهما (¬1) كذلك، وأن الفتح (¬2) إنما جاء باعتبار الصلة، ولذلك (¬3) قال: يا صفية عمة، يا فاطمة بنت، وليس كذلك قطعاً. أما الوصفُ بالعمة، فظاهر (¬4)، وأما الوصفُ ببنت في النداء، فلا يؤثر في الموصوف شيئاً، لا جوازاً، ولا وجوباً، نعم يجوز في كل من صفيةَ وفاطمةَ الضمُّ، ووجهه ظاهر، والفتح، ووجهه أن هاء التأنيث قُدر حذفُها ترخيماً، فاقحمتْ مفتوحة. هكذا قال ابن مالك، وجماعة. وقيل: أقحمت التاء بين الميم وحركتها، ثم فتحت الميم؛ لأن التاء لا يكون ما قبلها إلا مفتوحاً. وقيل: كأن الأصل يا فاطمةُ، ثم رُخِّمَ فقيل: يا فاطمةَ. وذهب أبو حيان إلى قول في المسالة ما زلتُ أستحسنه. قال في "التدريب": والذي حملَهم على تكلُّف (¬5) هذه الأشياء، وادعاءِ الإقحام: ما استقر في هذا النوع من بناء المفرد المعرفة على الضم، فلما وجدوا التاء في مثل هذا مفتوحةً، تطلَّبوا لذلك وجهاً حتى لا ينكسر القانون الذي تقرر في المعرفة المفرد، ولو ذهب ذاهب إلى أن الاسم الذي فيه هاء التأنيث يجوز فيه وجهان: ¬

_ (¬1) في "ع": "وفتحها"، وقوله: "وفتحهما" ليست في "ج". (¬2) في "ج": "كذلك والفتح". (¬3) في "ج": "وكذلك". (¬4) "فظاهر" ليست في "ع". (¬5) في "ع": "تكليف".

أحدهما: البناءُ على الضم؛ نحو: يا طلحةُ [كما استقر في بناء المفرد المعرفة. والآخر: إعرابُه إعرابَ المضاف والمشبَّهِ به (¬1)، فقالوا: يا طلحةَ] (¬2)؛ كما قالوا: يا ضاربَ زيدٍ، ويا ضارباً زيداً، لكان مذهباً حسناً، ووجهاً قوياً، ولم يحتج إلى شيء من هذه التحملات، ولم أر أحداً من النحويين ذهب إلى هذا، وأنا أختاره، وللنصب (¬3) في مثل (¬4): يا طلحةَ؛ نوعٌ من القياس، وذلك أن المؤنث بالتاء فرعٌ عن المذكر (¬5)، ويتنزل التاء منزلةَ كلمة أخرى، ألا ترى أنها تسقط في النسب كما يسقط ثاني المركب، ولا يلحق بها؛ بخلاف (¬6) الألف؛ فإنها تكون للتأنيث، وتكون للإلحاق، والمضافُ والمشبَّهُ به فَرعانِ عَن المفرد، فشُبه به المؤنثُ بالتاء؛ لاشتراكهما في الفرعية، فجاز نصبه، ولما كان شبهاً ضعيفاً، لم يتحتم النصب، بَل هو مرجوح، والبناءُ على الضم أعرفُ؛ لأن شبهه بالمفرد الخالي من التاء أقوى من شبهه بالمضاف، فلذلك كان ضمُّه أكثرَ من نصبه. * * * ¬

_ (¬1) "به" ليست في "ج". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬3) في "ع": "وإلى النصب". (¬4) في "ج": "في نحو". (¬5) في "ع": "المذكور". (¬6) "بخلاف" ليست في "ع".

باب: من تصدق إلى وكيله ثم رد الوكيل إليه

باب: مَن تَصَدَّقَ إلى وكيلِهِ ثُمَّ ردَّ الوكِيْلُ إلَيْهِ 1535 - (2758) - وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، لاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ عَنْ أَنسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92]، جَاءَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! يَقُولُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي كِتَابِهِ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92]، وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بِيرُحَاءَ -قَالَ: وَكَانَتْ حَدِيقَةً، كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْخُلُهَا وَيَسْتَظِلُّ بِهَا، وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا-، فَهِيَ إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَإِلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، أَرْجُو بِرَّهُ وَذُخْرَهُ، فَضَعْهَا أَيْ رَسُولَ اللهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "بَخْ يَا أَبَا طَلْحَةَ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، قَبِلْنَاهُ مِنْكَ، وَرَدَدْناَهُ عَلَيْكَ، فَاجْعَلْهُ فِي الأَقْرَبِينَ"، فَتَصَدَّقَ بِهِ وأَبُو طَلْحَةَ عَلَى ذَوِي رَحِمِهِ، قَالَ: وَكَانَ مِنْهُمْ أُبَيٌّ، وَحَسَّانُ، قَالَ: وَبَاعَ حَسَّانُ حِصَّتَهُ مِنْهُ مِنْ مُعَاوِيَةَ، فَقِيلَ لَهُ: تَبِيعُ صَدَقَةَ أَبِي طَلْحَةَ؟! فَقَالَ: أَلاَ أَبِيعُ صَاعاً مِنْ تَمْرٍ بِصَاعٍ مِنْ دَرَاهِمَ؟! قَالَ: وَكَانَتْ تِلْكَ الْحَدِيقَةُ فِي مَوْضعِ قَصْرِ بَنِي حُدَيْلَةَ الَّذِي بَنَاهُ مُعَاوِيَةُ. (في موضع قصرِ بَني حُدَيْلَةَ): -بحاء مهملة مَضمومة-: بطنٌ من الأنصار، وقد تقدم آنفاً في كلام الدمياطي. * * *

باب: ما يستحب لمن توفي فجاءة أن يتصدقوا عنه، وقضاء النذور عن الميت

باب: مَا يُسْتَحَبُّ لِمَنْ تُوُفِّي فُجاءَةً أَنْ يَتَصَدَّقُوا عَنْهُ، وَقَضَاءُ النُّذُورِ عَنِ الْمَيِّتِ (تُوُفِّي فُجاءَةً): -بضم الفاء والمد، وبفتح الفاء مع إسكان الجيم-: هي البَغْتَةُ دون تقدُّم مرضٍ ولا سَبَب. 1536 - (2760) - حَدَّثنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أِبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسَهَا، وَأُرَاهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ، تَصَدَّقَتْ، أَفَا تَصَدَّقُ عَنْهَا؟ قَالَ: "نَعَمْ، تَصَدَّقْ عَنْهَا". (افتلتَتْ نفسَها): أي: ماتت فجأة، "ونفسَها" ضبطه بعضهم بالنصب على [أنه] مفعول (¬1) ثانٍ؛ أي: افتلتَها اللهُ نفسَها، وَبالرفع على أنه المفعول الآخر. وَقال صاحب "النهاية": افتلتَ متعدٍّ لواحد، فنفسُها قائمٌ مقام الفاعل، وتكون التاء للنفس؛ أي: أُخذَتْ نفسُها فلتةً (¬2). [(وأُراها): -بضم الهمزة-؛ أَي: أَظُنُّها] (¬3). * * * باب: قَولِ الله تعالى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} إلى قوله: {نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 6 - 7] وَمَا لِلْوَصِيِّ أَنْ يَعْمَلَ في مَالِ اليتيمِ وَمَا يَأْكُلُ مِنْهُ بِقَدرِ عُمَالَتِهِ 1537 - (2764) - حَدَّثَنَا هَارُونُ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي ¬

_ (¬1) "مفعول" ليست في "ج". (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (3/ 467)، وانظر: "التنقيح" (2/ 616). (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ج".

باب: قول الله تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا} [النساء: 10]

هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ عُمَرَ تَصَدَّقَ بِمَالٍ لَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: ثَمْغٌ، وَكَانَ نَخْلاً، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي اسْتَفَدْتُ مَالاً، وَهُوَ عِنْدِي نَفِيسٌ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "تَصَدَقْ بِأَصْلِهِ، لاَ يُبَاعُ وَلاَ يُوهَبُ وَلاَ يُورَثُ، وَلَكِنْ يُنْفَقُ ثَمَرُهُ"، فَتَصَدَّقَ بِهِ عُمَرُ، فَصَدَقَتُهُ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَفِي الرِّقَابِ، وَالْمَسَاكِينِ، وَالضَّيْفِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، وَلذِي الْقُرْبَى، وَلاَ جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ، أَوْ يُوكِلَ صَدِيقَهُ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ بِهِ. (وكان يقال له: ثَمْغ): -بمثلثة مفتوحة فميم ساكنة فغين معجمة-، كذا قيده النووي (¬1) وغيره، وحكى المنذري فتح الميم (¬2). * * * باب: قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10] ({إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا}): أي: ما يَجُرُّ إلى النار (¬3)، فكأنه نارٌ في الحقيقة. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "شرح مسلم" (11/ 86). (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 616). (¬3) "النار" ليست في "ج".

باب: إذا وقف أرضا، ولم يبين الحدود فهو جائز، وكذلك الصدقة

باب: إِذَا وَقَفَ أَرْضاً، وَلَمْ يُبَيِّنِ الْحُدُودَ فَهْوَ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ (باب: إذا وَقف أرضاً (¬1)، وَلم يُبَيِّنِ الحدُود): نازعه المهلب بأن الأرض إذا كانت مَعلومةً معينة كبير حاء، استغني بذلك عن معرفة الحدود، ولما كان المخرافُ معيناً عند من أشهدهُ، وأما إذا لم يكن (¬2) معيناً، فلابد من التحديد، قال: ولا خلاف في هذا. وأجاب ابن المنير فيما أظنه: بأن البخاري أراد جوازَ الوقف بهذه الصيغة، وأما التحديد، فلا مَعنى لتوقف الصحة، ولا يجوز الاستشهاد عليه (¬3). 1538 - (2770) - حَدَّثَني مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، أَخْبَرَناَ رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ أُمَّةُ تُوُفِّيَتْ، أَيَنْفَعُهَا إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: "نَعَمْ". قَالَ: فَإِنَّ لِي مِخْرَافاً، وَأُشْهِدُكَ أَنِّي قَدْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا. (فإن لي مخرافاً): كذا بالألف، وقال الدمياطي: صوابُه: "مِخْرَفاً"، وَقد مرَّ. * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "وقف جماعة أرضاً". (¬2) "يكن" ليست في "ج". (¬3) انظر: "التنقيح" (17/ 274).

باب: إذا وقف جماعة أرضا مشاعا، فهو جائز

باب: إِذَا وَقَفَ جَمَاعَةٌ أَرْضاً مُشَاعاً، فَهْوَ جَائِزٌ (باب: إِذَا وَقف جماعةٌ أرضاً مشاعاً، فهو جائز): قال الزركشي: هذا بناءٌ منه على أَن بني النجار وقفوا الحائطَ مسجداً، ولم يبيعوه (¬1). قلت: لم يبنه البخاري على هذا أصلاً، وإنما بناهُ على أنهم أرادوا وقفَه حيث قالوا: لا نطلبُ ثمنه إلا إلى الله، ولم يُبينْ لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن هَذا الذي قصدوه باطل، وإنما طلبَ شراءه منهم؛ ليكون مُتَعَبَّدَهُ (¬2) ليس لأحد فيه علقة، ولا شُبهة منه، قاصداً بذلك وجهَ الله، وقد قدمنا الكلام في شأن هذا الحائط في باب: حَرَم المدينة. * * * باب: وقفِ الدَّوابِّ والكُراعِ والعُرُوضِ والصَّامِتِ 1539 - (2775) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي ناَفِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ الله عَنْهُما-: أَنَّ عُمَرَ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ لَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ، أَعْطَاهَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا رَجُلاً، فَأُخْبِرَ عُمَرُ أَنَّهُ قَدْ وَقَفَهَا يَبِيعُهَا، فَسَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَبْتَاعَهَا، فَقَالَ: "لاَ تَبْتَعْهَا، وَلاَ تَرْجِعَنَّ فِي صَدَقَتِكَ". (فأُخبر عمرُ أَنه وقفها يبيعها (¬3)): -بفتح القاف وتخفيفها-، يقال: ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 618). (¬2) في "م": "متبعده". (¬3) في "م": "ليبيعها".

باب: نفقة القيم للوقف

وَقَفَتِ الدابَّهُ، [وَ] وقَفْتُها (¬1) أنا وَقْفاً، وَقد صرح في الحديث بأن وَقْفَها إنما هو تعريضُها (¬2) للبيع، لا تحبيسُها. ولأبي زيد: "دَفعَها"، بدال مهملة وفاء وعين مهملة (¬3). * * * باب: نَفَقَةِ القَيِّم للوَقْفِ 1540 - (2776) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أِبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ يَقْتَسِمْ وَرَثَتِي دِينَاراً، مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمَؤُونَةِ عَامِلِي، فَهْوَ صَدَقَةٌ". (لا يقتسم ورثتي): سماهم ورثة مجازاً، وإلا فقد قال: "إِنَّا -مَعَاشِرَ الأَنْبِيَاءِ- لا نُورَثُ" (¬4). * * * باب: إِذَا وَقَفَ أَرْضاً أَوْ بِئْراً، أوَ اشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ مِثْلَ دِلاَءِ الْمُسْلِمِينَ وَوَقَفَ أَنَسٌ دَاراً، فَكَانَ إِذَا قَدِمَهَا، نَزَلَهَا. وَتَصَدَّقَ الزُّبَيْرُ بِدُورِهِ، وَقَالَ لِلْمَرْدُودَةِ مِنْ بَنَاتِهِ أَنْ تَسْكُنَ غَيْرَ مُضِرَّةٍ وَلاَ مُضَرٍّ بِهَا، فَإِنِ اسْتَغْنَتْ ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "وقفها". (¬2) في "ج": "تعريضاً". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 618). (¬4) رواه البخاري (3093)، ومسلم (1758) عن أبي بكر رضي الله عنه.

باب: قول الله عز وجل: {ياأيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية. . .} [المائدة: 106]

بِزَوْجٍ، فَلَيْسَ لَهَا حَقٌّ. وَجَعَلَ ابْنُ عُمَرَ نَصِيبَهُ مِنْ دَارِ عُمَرَ سُكْنَى لِذَوِي الْحَاجَةِ مِنْ آلِ عَبْدِ اللهِ. (وقال للمردودة من بَناتِه): ويروى: "من نسائه"، قال الزركشي: وهو أصوب (¬1) (¬2). (غيرَ مضِرَّة ولا مضَرٍّ بها): الأولى بكسرِ الضاد المعجمة، والثانية بفتحها. * * * باب: قول الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ. . .} [المائدة: 106] 1541 - (2780) - وَقَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ ابْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَهْمٍ مَعَ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، وَعَدِيِّ بْنِ بَدَّاءٍ، فَمَاتَ السَّهْمِيُّ بِأَرْضٍ لَيْسَ بِهَا مُسْلِمٌ، فَلَمَّا قَدِمَا بِتَرِكَتِهِ، فَقَدُوا جَاماً مِنْ فِضَّةٍ مُخَوَّصاً مِنْ ذَهَبٍ، فَأَحْلَفَهُمَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ وُجِدَ الْجَامُ بِمَكَّةَ، فَقَالُوا: ابْتَعْنَاهُ مِنْ تَمِيمٍ وَعَدِيٍّ، فَقَامَ رَجُلاَنِ مِنْ أَوْلِيَائِهِ، فَحَلَفَا: لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهمَا، وَإِنَّ الْجَامَ لِصَاحِبِهِمْ. قَالَ: وَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} [المائدة: 106]. ¬

_ (¬1) في "ع": "وهو صواب". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 618).

باب: قضاء الوصي ديون الميت بغير محضر من الورثة

(عَدِيُّ بنُ بَدَّاء): -بتشديد الدال المهملة- تأنيثُ أَبَدَّ. (مخوَّصاً من ذهب): -بخاء معجمة وواو مشددة مفتوحة وصاد مهملة-؛ أي: عليه صفائحُ من ذهب مثل خوصِ النخل. * * * باب: قضاءِ الوَصيِّ ديونَ الميِّتِ بِغَيرِ مَحْضَرٍ مِنَ الوَرَثَةِ 1542 - (2781) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، أَوِ الْفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْهُ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ فِرَاسٍ، قَالَ: قَالَ الشَّعْبِيُّ: حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ أَبَاهُ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَتَرَكَ سِتَّ بَنَاتٍ، وَتَرَكَ عَلَيْهِ دَيْناً، فَلَمَّا حَضَرَ جِدَادُ النَّخْلِ، أتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ وَالِدِي اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَتَرَكَ عَلَيْهِ دَيْناً كَثِيراً، وَإنِّي أُحِبُّ أَنْ يَرَاكَ الْغُرَمَاءُ، قَالَ: "اذْهَبْ فَبَيْدِرْ كُلَّ تَمْرٍ عَلَى ناَحِيَتِهِ"، فَفَعَلْتُ، ثُمَّ دَعَوْتُ، فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهِ، أُغْرُوا بِي تِلْكَ السَّاعَةَ، فَلَمَّا رَأَى مَا يَصْنَعُونَ، أَطَافَ حَوْلَ أَعْظَمِهَا بَيْدَراً ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "ادْعُ أَصْحَابَكَ"، فَمَا زَالَ يَكِيلُ لَهُمْ حَتَّى أَدَّى اللهُ أَمَانَةَ وَالِدِي، وَأَناَ -وَاللهِ- رَاضٍ أَنْ يُؤَدِّيَ اللهُ أَمَانَةَ وَالِدِي، وَلاَ أَرْجِعَ إِلَى أَخَوَاتِي بِتَمْرَةٍ، فَسَلِمَ -وَاللهِ- الْبَيَادِرُ كُلُّهَا، حَتَّى أنَّي أَنْظُرُ إِلَى الْبَيْدَرِ الَّذِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ تَمْرَةً وَاحِدَةً. (لم ينقص تمرةً): بمثناة تحتية ونصب تمرة، وبمثناة فوقية ورفع تمرة (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 619).

كتاب الجهاد والسير

كِتابُ الجَهادِ وَالسَّيِر

وقَولِ اللهِ تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [التوبة: 111] إلى قوله: {وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 112]. 1543 - (2782) - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْوَلِيدَ بْنَ الْعَيْزَارِ: ذَكَرَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ:" الصَّلاَةُ عَلَى مِيقَاتِهَا"، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ"، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ". فَسَكَتُّ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ، لَزَادَنِي. (كتاب: الجهاد). (ابن العيزار): بعين مهملة فمثناة تحتية فزاي فألف فراء، وقد مر. (ثم أَي؟ قال: الجهاد): وفي حديث آخر في الباب: دُلَّني على (¬1) عملٍ يعدلُ الجهادَ، قال: "لا أَجِدُ" (¬2). ¬

_ (¬1) "على" ليست في "ع". (¬2) رواه البخاري (2785) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

قال ابن المنير: وجهُ الجمع بين الحديثين: أن يُحمل حديث من قال: "دُلَّني على عملٍ" على أنه سألَ عن عمل من النوافلِ يعدلُ الجهاد، فقال له -عليه السلام-: "لا أَجِدُ"، وبرُّ الوالدين، والصلاةُ لوقتها من الواجبات، فلا يُنافي كونُ البرِّ يعدلُ الجهادَ ويزيدُ عليه أن لا يعدلَ الجهادَ عملٌ من النوافل. * * * 1544 - (2783) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّهٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ، فَانْفِرُوا". (لا هجرةَ بعدَ الفتح): يريدُ: لمن لم يكنْ هاجرَ قبلَ فتح مكة؛ بدليل الحديث الآخر: "يُقِيمُ المُهَاجِرُ ثَلاَثاً بَعْدَ قَضَاءِ الحَجِّ" (¬1). (وإذا استُنفرتم، فانفروا): أي: إذا دُعيتم إلى الغزو، فاخرجوا. * * * 1545 - (2785) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَناَ عَفَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو حَصِينٍ: أَنَّ ذَكْوَانَ حَدَّثَهُ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- حَدَّثَهُ: قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يَعْدِلُ الْجِهَادَ، قَالَ: "لاَ أَجِدُهُ"، ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1352)، عن العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه.

قَالَ: "هَلْ تَسْتَطِيعُ إِذَا خَرَجَ الْمُجَاهِدُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَكَ، فَتَقُومَ وَلاَ تَفْتُرَ، وَتَصُومَ وَلاَ تُفْطِرَ؟ "، قَالَ: وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنَّ فَرَسَ الْمُجَاهِدِ لَيَسْتَنُّ فِي طِوَلهِ، فَيُكْتَبُ لَهُ حَسَنَاتٍ. (محمد بن جُحادة): بجيم مضمومة وحاء مهملة. (أبو حَصين): -بحاء مهملة مفتوحة وصاد مهملة (¬1) -: هو غُنْدَرُ بنُ عامر (¬2). (ليستنُّ): أي: يعدو نشيطاً. و (¬3) في المثل: استَنَّتِ الفِصَالُ حَتَّى القَرْعَى؛ أي: مَرِحَتْ. (في طِوَله): -بكسر الطاء المهملة وفتح الواو-: حبلٌ تُشد به (¬4) الدابة، ويُمسك صاحبُها بطرفه، ويرسلها ترعى. (فيكتب له حسناتٍ (¬5)): أي: فيُكتب له استنانُها حسناتٍ، فالضمير راجعٌ إلى المصدر [الذي دلَّ عليه ليستنُّ، فهو مثل: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8]. ¬

_ (¬1) في "ج": "مهملة مفتوحة". (¬2) كذا وقع هنا، وفي "التنقيح" (2/ 620): غندر بن غانم، والصواب أنه عثمان بن عاصم الأسدي، كذا ذكره الحافظ ابن حجر في مواضع من "الفتح" (4/ 285)، (6/ 528)، (8/ 229) وغيرها. (¬3) الواو ليست في "ج". (¬4) في "ج": "حبل يشبه". (¬5) في "ع": "فنكتب حسنات".

باب: أفضل الناس مؤمن مجاهد بنفسه وماله في سبيل الله

باب: أفضلُ النَّاسِ مُؤْمِنٌ مُجَاهِدٌ بِنَفْسِهِ ومَالِهِ في سَبيلِ اللهِ 1546 - (2787) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ- كمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ، وَتَوَكَّلَ اللهُ لِلْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِهِ بِأَنْ يَتَوَفَّاهُ: أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ يَرْجِعَهُ سَالِماً مَعَ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ". (وتَوَكَّلَ الله للمجاهد): وفي رواية: "وهو يَكْفُل"، وهو بمعناه. (أو يَرْجِعهَ سالماً مع أجرٍ أو غنيمة): قيل: "أو" بمعنى الواو، وقد رواها أبو داود كذلك (¬1). قال ابن دقيق العيد: وهذا -مع (¬2) ما فيه من الضعف من جهة العربية- فيه إشكالٌ من حيث إنه إذا كان المعنى يقتضي اجتماع الأمرين، كان ذلك داخلاً في الضمان، فيقتضي أنه لابد من حصول أمرين لهذا المجاهد إذا رجع سالماً، وقد لا يتفق ذلك؛ بأن يتلفَ ما حصل [في الرجوع] من الغنيمة، اللهم إلا أن يُتجوز في لفظة الرجوع إلى الأهل، ويُجعل المعية في مطلق الحصول، لا في الحصول في الرجوع (¬3). قال الزركشي: وقيل: "أو" للتقسيم؛ أي: فله الأجر إن فاتته الغنيمة، وإن حصلت، فلا، وهو ضعيف، ففي "الصحيح": "مَا مِنْ غَازِيَة تَغْزُو، ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2494) عن أبي أمامة رضي الله عنه. (¬2) "مع" ليست في "ج". (¬3) انظر: "شرح عمدة الأحكام" (4/ 229).

فَتُصيبُ وَتَغْنَمُ إِلاَّ تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرِهِمْ وَيَبْقَى لَهُمُ الثُّلُثُ" (¬1)، فهذا تصريحٌ ببقاء بعض الأجر مع (¬2) حصول الغنيمة (¬3). قلت: إنما يَرِدُ إشكالُه إذا كان القائل بأنها للتقسيم قد فسرَ المرادَ بما ذكره هو من قوله: "فَلَهُ الأَجْرُ إِنْ فَاتَتْهُ الغَنِيمَةُ" إلى آخره، وأما إن سكت عن هذا التفسير، فلا يتجه الإشكال؛ إذ يجوز أن يكون التقدير: أو يرجعَه سالماً مع أجر وَحْدَهُ، أو غنيمةٍ وأجرٍ، وحذف الأجرُ من الثاني، والتقسيمُ بهذا الاعتبار صحيح، والإشكال ساقط. على أنه لو سلم أن القائل بأنها للتقسيم صرح بأن المراد هو ما ذكره الزركشي، لم يرد الإشكال المذكور عليه؛ لاحتمال أن يكون تنكير الأجر لتعظيمه (¬4)، ويراد به: الأجرُ الكامل، فيكون معنى قوله: "فله (¬5) الأجرُ إن فاتته الغنيمة"؛ أي: فله الأجرُ المذكورُ في الحديث، وهو الكامل، ويكون معنى قوله: "وإن حصلت، فلا": وإن حصلت الغنيمة] (¬6)، فلا يحصل له ذلك الأجر المخصوص، وهو الكامل (¬7)، فلا يلزم انتفاء مطلق (¬8) الأجر عنه، فتأمله. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1906) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما. (¬2) "مع" ليست في "ع". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 621). (¬4) في "ج": "لتعظيم". (¬5) "فله" ليست في "ج". (¬6) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬7) من قوله: "أي: فله الأجر المذكور في الحديث. . . " إلى هنا ليس في "ع". (¬8) في "ع": "مطلقاً".

باب: الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء

باب: الدُّعَاءِ بالجِهَادِ والشَّهَادَةِ للرِّجَالِ والنِّسَاءِ 1547 - (2788 و 2789) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ، فَتُطْعِمُهُ، وَكَانَتْ أُمُّ حَرَامٍ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَطْعَمَتْهُ، وَجَعَلَتْ تَفْلِي رَأْسَهُ، فَنَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَمَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "ناَسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللهِ، يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا الْبَحْرِ مُلُوكاً عَلَى الأَسِرَّةِ، أَوْ: مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ". شَكَّ إِسْحَاقُ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَدَعَا لَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقُلْتُ: وَمَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "ناَسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللهِ"؛ كَمَا قَالَ فِي الأَوَّلِ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ: "أَنْتِ مِنَ الأَوَّلِينَ". فَرَكِبَتِ الْبَحْرَ فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنَ الْبَحْرِ، فَهَلَكَتْ. (على أم حَرام): بحاء وراء مهملتين. (بنت مِلحان): -بكسر الميم-، نقل النووي في "شرح مسلم" الإجماعَ على أنها كانت مَحْرَماً له، وإنما اختلفوا في كيفية ذلك، هل هي خالته من الرضاع، أو النسب (¬1)؟ ¬

_ (¬1) انظر: "شرح مسلم" (13/ 57).

وردَّ عليه ذلك، وقيل: الصواب أنه لا محرميةَ بينهما، وقد بين ذلك الحافظُ الدمياطي في جزء أفرده فيه، وأما خلوتُه بها مع كونها أجنبية، فأمر جائز، وهي من خصائصه -عليه السلام-؛ لأنه (¬1) معصوم قطعاً (¬2). (تَفْلي رأسه): -بفتح التاء وإسكان الفاء-؛ أي (¬3): تفتش شعر الرأس؛ لتستخرج هوامَّهُ. (ثَبَج هذا البحر): -بمثلثة فموحدة مفتوحتين فجيم-: وسطه، أو معظمه، أو هوله، أقوال (¬4). (ادعُ الله أن يجعلني منهم، فدعا لها): قال ابن المنير: مدخله في الفقه أن الدعاء بالشهادة حاصِلُه: أن يدعو الله أن يمكن منه كافراً يعصي الله بقتله، فيقلَّ عددُ المسلمين، ويدخلَ السرور على قلوب المشركين، وقد استشكل أجر الدعاء بالشهادة على القواعد؛ إذ مقتضاها أن لا يتمنى معصيةَ الله أحدٌ، لا لنفسه، ولا لغيره. ووجهُ تخريجه (¬5) على القواعد: أن المدعُوَّ به قصداً إنما هو نيلُ الدرجةِ الرفيعةِ المعدَّةِ للشهداء، وأما قتلُ الكافرِ للمسلم، فليس بمقصودٍ للدَّاعي، وإنما هو من ضرورات الوجود؛ لأن الله أجرى حكمَها أن لا ينالَ تلكَ الدرجةَ إلا شهيدٌ، فلهذا أدخلَ البخاري هذه الترجمةَ، وعَضَدَها ¬

_ (¬1) في "ج": "أنه". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 621). (¬3) "أي" ليست في "ع". (¬4) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬5) في "ع": "تخرجه".

باب: درجات المجاهدين في سبيل الله

بالأحاديث، وانظر هل لأحد أن يتمنى الشهادة لغيره، أو يدعو له بها؟ وافهمْ بعدَ ذلك أن تعددَ الجهات صحيح في النظر عقلاً وشرعاً، وربما يلتحق هذا بالمشروع بأصله الممنوع بوصفه؛ لأن الشهادة لا تنفكُّ من مفسدةِ [قتلِ الكافر للمسلم بحالٍ، ومع ذلك انغمرت المفسدة] (¬1) في جانب المصلحة. وقد تقدم في كتاب الإيمان شيءٌ من هذا المعنى، ونقلناه هناك عن القرافي، وهو مشهور بين العلماء، ووقع للزمخشري مثلُه في تفسير سورة آل عمران (¬2). (فركبتِ البحرَ في زمن معاوية): ظاهرُه زمنَ إمارته. وقال الزبير بن بكار: كان ركوب معاويةَ البحرَ في خلافة عثمان، قيل: سنة ثمانٍ وعشرين (¬3). * * * باب: دَرَجَاتِ المُجَاهِدِينَ في سَبِيلِ اللهِ 1548 - (2790) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ هِلاَلِ ابْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَبِرَسُولهِ، وَأَقَامَ الصَّلاَةَ، وَصَامَ رَمَضَانَ، ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬2) انظر: "الكشاف" (1/ 449) عند قوله تعالى: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ. . .} [آل عمران: 143]. (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 622).

كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا". فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! أَفَلاَ نُبِشِّرُ النَّاسَ؟ قَالَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِئَةَ دَرَجَةٍ، أَعَدَّهَا اللهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءَ وَالأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللهَ، فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ، فَإنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ، وَأَعْلَى الْجَنَّةِ -أُرَاهُ- فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ". قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ: "وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ". (الفردوس): قيل: هو البستان بلغة الروم، وهو معرب. (فإنه أوسط الجنة): أي: أفضلُها؛ كقوله تعالى: {أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143]؛ أي: خِياراً. و (فوقه عرشُ الرحمن): قيده الأَصيلي بضم القاف؛ أي: أعلاه. والجمهور على النصب، ولم يصحح ابن قُرقُول تقييد الأَصيلي، وقال: إنه وهم عليه. قلت: وجهه أن فوق من الظروف الملازمة للظرفية، فلا تستعمل غيرَ منصوبة أصلاً. والضمير المضاف إليه "فوق" ظاهر التركيب عَوْدُه إلى الفردوس. وقال السفاقسي: هو راجع إلى الجنة كلِّها (¬1). قلت: والتذكير حينئذ باعتبار كون الجنة مكاناً، وإلا، فمقتضى الظاهر على ذلك أن يقال: وفوقها. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 622).

باب: الغدوة والروحة في سبيل الله، وقاب قوس أحدكم من الجنة

باب: الغُدْوَةِ والرَّوْحَةِ في سَبيلِ اللهِ، وقَابَ قَوْسِ أَحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ 1549 - (2792) - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ رَوْحَةٌ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا". (لغَدوةٌ في سبيل الله أو رَوْحة): -بفتح الغين المعجمة- من "غَدْوة" فَعْلَة (¬1) من غدا يغدو، و-بفتح الراء- من "روحة"، فَعْلَة من راح يروح؛ أي: لخرجَةٌ واحدة في الجهاد من أول النهار أو آخره. (خيرٌ من الدنيا وما فيها): أي: ثوابُ ذلك في الجنة خيرٌ من الدنيا وما اشتملتْ عليه، والمراد: أن اليسير (¬2) من عمل البر [في الجهاد خيرٌ من الدنيا كلِّها؛ أي: من نعيمِها؛ إذ هذا اليسيرُ] (¬3) يوجب النعيمَ الدائم، والدائمُ (¬4) خيرٌ من المنقطع (¬5)، فينبغي أن يغتبطَ صاحبُ الغَدْوة والروحة بغدوته (¬6) وروحته أكثرَ مما يغتبط أن لو حصلتْ له الدنيا بحذافيرها نعيماً محضاً غيرَ محاسَب عليه، مع أن (¬7) هذا لا يُتصور. ¬

_ (¬1) في "ج": "وفعلة". (¬2) في "ع": "أن السير". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬4) في "ع": "النعيم أو الدائم". (¬5) في "ع": "المتقطع". (¬6) في "م": "بغدوه". (¬7) في "ع": "عليه غير أن".

باب: تمني الشهادة

الحُوْرُ العِيْنُ وَصِفَتُهُنَّ 1550 - (2796) - وَسَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَرَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ، أَوْ غَدْوَةٌ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ، أَوْ مَوْضعُ قِيدٍ -يَعْنِي: سَوْطَهُ- خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ، لأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا، وَلَمَلأَتْهُ رِيحاً، وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا". (ولنصيفُها (¬1)): -بنون وصاد-؛ أي: خِمارها. * * * باب: تَمَنِّي الشَّهَادَةِ 1551 - (2798) - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابنُ عُلَيَّهَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: خَطَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ غَيْرِ إِمْرَةٍ، فَفُتِحَ لَهُ"، وَقَالَ: "مَا يَسُرُّناَ أَنَّهُمْ عِنْدَناَ". قَالَ أَيُّوبُ: أَوْ قَالَ: "مَا يَسُرُّهُمْ أَنَّهُمْ عِنْدَناَ". وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ. (ما يسرنا أنهم عندنا): لعلمه -عليه السلام- بما صاروا إليه من الكرامة. ¬

_ (¬1) في "ع": "ولنصفها".

باب: فضل من يصرع في سبيل الله فمات فهو منهم

(أو قال: ما يسرُّهم أنهم عندنا): لتحققهم (¬1) خيريةَ ما حصلوا عليه من السعادة العظمى والدرجة الرفيعة. (وعيناه تذرفان): هذا راجع إلى تعدُّد (¬2) الجهات، فَسُرَّ -عليه الصلاة والسلام- باعتبار ما صاروا إليه من النعيم، وبكى باعتبار ما تعجله من فراقهم، أو رحمةً لمن (¬3) خلفوه من عيال وأطفال يحزنون لفراقهم، ولا يعرفون مقدار عاقبتهم ومآلهم. * * * باب: فَضْلِ مَنْ يُصْرَعُ في سَبيلِ اللهِ فَمَاتَ فَهُوَ مِنْهُمْ 1552 - (2799 و 2800) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ أَنسَ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ خَالَتِهِ أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ، قَالَتْ: ناَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْماً قَرِيباً مِنِّي، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ يَبَتَسَّمُ، فَقُلْتُ: مَا أَضْحَكَكَ؟ قَالَ: "أُناَسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ، يَرْكَبُونَ هَذَا الْبَحْرَ الأَخْضَرَ، كَالْمُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ". قَالَتْ: فَادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَدَعَا لَهَا، ثُمَّ ناَمَ الثَّانِيَةَ، فَفَعَلَ مِثْلَهَا، فَقَالَتْ مِثْلَ قَوْلِهَا، فَأَجَابَهَا مِثْلَهَا، فَقَالَتِ: ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ: "أَنْتِ مِنَ الأَوَّلِينَ". فَخَرَجَتْ مَعَ زَوْجِهَا عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ غَازِياً، أَوَّلَ مَا رَكِبَ الْمُسْلِمُونَ الْبَحْرَ مَعَ مُعَاوِيَةَ، فَلَمَّا انْصَرَفُوا مِنْ غَزْوِهِمْ قَافِلِينَ فَنَزَلُوا ¬

_ (¬1) في "ج": "محققهم". (¬2) في "ع": "تعد". (¬3) في "ع": "لما".

باب: من ينكب في سبيل الله

الشَّأْمَ، فَقُرِّبَتْ إِلَيْهَا دَابَّةٌ لِتَرْكَبَهَا، فَصَرَعَتْهَا فَمَاتَتْ. (عن محمدِ بنِ يحيى بنِ حَبَّان): بحاء مهملة مفتوحة وباء موحدة. (البحرَ الأخضر): قيل: المراد به: الأسود (¬1). (مع معاوية): أي: في خلافة عثمان، كما قدمناه، فكانت (¬2) الغزوة إلى قبرص، ومر تاريخها. (قافلين): أي: راجعين. (فقُرِّبَتْ إليها دابة لتركبَها، فصُرعتْ فماتت): فيه دلالة على أن من مات في طريق الجهاد من غير مباشرة للقتال، له من الأجر مثلُ ما للمباشِر، والنساءُ كُنَّ إذا غزونَ يسقين الماء، ويداوين الكَلْمى، ويصنعْنَ للجيش طعامَهم وما يُصلحهم. * * * باب: مَنْ يُنْكَبُ في سَبِيلِ اللهِ 1553 - (2801) - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْحَوْضِيُّ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ إِسْحَاقَ، عَنْ أَنسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَقْوَاماً مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ إِلَى بَنِي عَامِرٍ فِي سَبْعِينَ، فَلَمَّا قَدِمُوا، قَالَ لَهُمْ خَالِي: أَتَقَدَّمُكُمْ، فَإنْ أَمَّنُونِي حَتَّى أُبَلِّغَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَإلاَّ كُنْتُمْ مِنِّي قَرِيباً، فَتَقَدَّمَ، فَأَمَّنُوهُ، فَبَيْنَمَا يُحَدِّثُهُمْ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ أَوْمَؤُوا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَطَعَنَهُ ¬

_ (¬1) في "ع": "به الأخضر". (¬2) في "ج": "قدمنا، وكانت".

فَأَنْفَذَه، فَقَالَ: اللهُ أَكْبَرُ، فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ مَالُوا عَلَى بَقِيَّةِ أَصْحَابِهِ فَقَتَلُوهُمْ إِلاَّ رَجُلٌ أَعْرَجُ صَعِدَ الْجَبَلَ -قَالَ هَمَّامٌ: فَأُرَاهُ آخَرَ مَعَهُ -فَأَخْبَرَ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُمْ قَدْ لَقُوا رَبَّهُمْ، فَرَضِيَ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ، فَكُنَّا نَقْرَأُ: أَنْ بَلِّغُوا قَوْمَنَا، أَنْ قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا، فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَاناَ. ثُمَّ نُسِخَ بَعْدُ، فَدَعَا عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً؛ عَلَى رِعْلٍ، وَذَكْوَانَ، وَبَنِي لِحْيَانَ، وَبَنِي عُصَيَّةَ، الَّذِينَ عَصَوُا اللهَ وَرَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم -. (بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - أقواماً من بني سُليم (¬1)): بضم السين. قال الدمياطي: هذا وهم؛ لأن بني سُليم هم الذين قتلوا السبعين أصحابَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). (فكنا نقرأ أن بَلِّغوا قومنا (¬3)، أَنْ قد لَقينا ربَّنا فرضيَ عنا وأرضانا، ثم نُسخ بعد): أي: نسخ لفظُه فأُسقط من التلاوة. قال (¬4) الداودي: يريد: سكتَ عن ذكره؛ لتقادم عهده إلا أن يذكره بمعنى الرواية، وليس النسخ بمعنى التبديل؛ لأن الخبر لا يدخله نسخ (¬5). قلت: الكلام في نسخ الخبر، والاختلاف فيه مقرر في أصول الفقه. قال بعض المتأخرين (¬6): والحق في المسألة ما ذكره القاضي في ¬

_ (¬1) في "ع": "بني إسرائيل". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 623). (¬3) في "ع": "أقوامنا". (¬4) في "ج": "وقال". (¬5) انظر: "عمدة القاري" للعيني (4/ 112). (¬6) في "م": "المتأخر".

"مختصر التقريب" من بناء المسألة على أن النسخ بيانٌ أو رفعٌ، فمن قال بالأول، جوزَ ذلك، فقال: إذا أخبر الله سبحانه عن ثبوت شريعة، فيخبر بعدها فيقول: أردت ثبوتها بإخباري (¬1) الأول إلى هذا الوقت، ولم أُرِدْ أولاً إلا ذلك، فهذا لا يفضي (¬2) إلى خلف. وأما من قال بالثاني كالقاضي، فلا (¬3) يُجوِّزُ ذلك، كيف ونسخُ الخبر حينئذ يستلزم الكذبَ قطعاً (¬4)؟ ثم ثبوتُ نسخِ تلاوةِ ما هو من القرآن [شكك الهنديُّ عليه بأنه يتوقَّفُ على كونه من القرآن، وكونُه من القرآن] (¬5) لا يثبت بخبر الواحد. وأجاب: بأن القرآن المثبَتَ بين الدفتين هو الذي لا بدَّ في نقله من التواتر، وأما المنسوخُ، فلا نسلِّم أنه لا يثبت بخبر الواحد، سلَّمنا، لكن الشيء (¬6) قد يثبت ضِمْناً بما لا يثبت (¬7) به استقلالاً، كما قال بعض الأصوليين: إذا قال الصحابي في أحد الخبرين المتواترين: إنه كان قبل الآخر، قُبِلَ، ولزم منه نسخُ المتأخر، وإن لم يُقبل قولُه في نسخ المعلوم. ¬

_ (¬1) في "ع": "باختياري". (¬2) في "ع": "يقتضي". (¬3) في "ج": "ولا". (¬4) "قطعاً" ليست في "ع". (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬6) في "ع": "سلمنا وأجاب بأن القرآن المثبت بين الدفتين هو الذي لا بد في نقله من التوارث، وأما المنسوخ فلا يسلم أنه يثبت بخبر الواحد، سلمنا لكن الشيء". (¬7) في "ج": "يثبت بخبر الواحد".

واعترض القاضي تاجُ الدين السبكي كلاً من الجوابين. أما الأول: فإنا لا نعقل كونَه منسوخاً حتى يُعقل كونُه قبل ذلك من القرآن، وكونُه من القرآن لا يثبت بخبر الواحد. وقوله: لا نسلم أن القرآن المنسوخ (¬1) لا يثبت بخبر الواحد، قلنا؛ لأن نسخه لا يكون إلا بعد ثبوت كونِه من القرآن، ثم يَرِدُ النسخ بعدَ ذلك متأخراً في الزمان، فيصدُقُ إثباتُ القرآنِ غيرَ منسوخ بخبر الواحد، ثم إثباتُ نسخه بخبر الواحد. وأما الثاني (¬2): ففيما نحن فيه لم يتعارض دليلان، وفيما استشهدَ (¬3) به تعارضَ دليلان، فلذلك (¬4) رجحنا في موضع (¬5) التعارض بمرجِّحٍ ما (¬6)، وهو قولُ الصحابي: هذا متقدمٌ. وإنما الذي يظهر لي في الجواب عن هذا السؤال: أن زماننا هذا ليس زمان النسخ، وفي زمان النسخ لم يقع النسخ بخبر الواحد. ثم هنا فرع (¬7): قال الآمدي: هل يجوز بعد نسخ تلاوة الآية أن يمسَّها المحدِثُ ¬

_ (¬1) في "ع": "منسوخ". (¬2) "وأما الثاني" ليست في "ع". (¬3) في "ع" و"ج": "يستشهد". (¬4) في "ج": "فكذلك". (¬5) في "ع" و"ج": "رجحنا موضع". (¬6) "ما" ليست في "ع" و"ج". (¬7) في "ع": "فرع به".

ويتلوها الجنب؟ تردد فيه الأصوليون، والأشبهُ المنعُ من ذلك (¬1). وكلام (¬2) السهيلي يقتضي خلافَ ذلك، قال: هذا المذكور ليس عليه رونق الإعجاز، ويقال: إنه لم ينزل بهذا النظم، ولكن بنظم معجز كنظم القرآن. [فإن قيل: إنه خبر، فلا ينسخ، قلنا: لم ينسخ (¬3) منه الخبر، وإنما نُسخ منه الحكمُ؛ فإن حكمَ القرآن أن (¬4)] (¬5) يتلى في الصلاة، وأن لا يمسه إلا الطاهر، وأن يكتب بين الدفتين، وأن يكون تعلمه فرض كفاية، فكل ما ينسخ رُفعت منه هذه الأحكام، وإن بقي محفوظاً، فهو منسوخ، فإن تضمن حكماً، جاز أن يبقى ذلك الحكم معمولاً به، وأنكرت ذلك المعتزلة، وإن تضمن خبراً (¬6)، بقي ذلك الخبر مصدقاً به، وأحكام التلاوة عنه منسوخة، هكذا في "الروض الأنف"، خبر بئر معونة (¬7). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "الإبهاج" للسبكي (2/ 242). (¬2) في "ج": "وقال". (¬3) "قلنا لم ينسخ منه" ليست في "ع". (¬4) "أن" ليست في "ع". (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬6) في "ع": "تضمن حكماً جاز أن يبقى ذلك الحكم خبراً"، وفي "ج": ذلك خبراً". (¬7) انظر: "الروض الأنف" (3/ 385).

1554 - (2802) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ جُنْدُبِ بْنِ سُفْيَانَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ فِي بَعْضِ الْمَشَاهِدِ، وَقَدْ دَمِيَتْ إصْبَعُهُ، فَقَالَ: "هَلْ أَنْتِ إِلاَّ إِصْبَعٌ دَمِيتِ، وَفِي سَبِيلِ اللهِ مَا لَقِيتِ". (فقال: هل أنتِ إلا إصبغٌ دَميتِ، وفي سبيل الله ما لَقيتِ): هذا مما تعلق (¬1) به الملحدون في الطعن، فقالوا: هذا شعرٌ نطق به، والقرآنُ يشهد بخلافه. وأجاب القاضي: بأن الوزن في هذا الكلام غيرُ مقصود، فليس بشعر، وذلك غير ممتنع على أحد من العامة والباعة أن يقع له كلامٌ موزون، ولا يُعَدُّون بذلك شعراء؛ مثل قولهم: اسْقِني في الكُوزِ ماءً يا غُلامْ ... وَاسْرِجِ البَغْلَ وَجِئْني بِالطَّعَامْ وقولهم: مَنْ يَشْتَرِي لي أَلْفَ بَاذِنْجَانَهْ وساق من ذلك أشياء، ثم قال: والرجزُ عندي غيرُ شعر. قال ابن المنير: وقفتُ على كلام القاضي في هذا الفصل من كتاب "الانتصار" (¬2)، وما استحسنت استشهاده بالعامة، ولا ذِكْرَه للفظِ الباعَة، ولا حاجة عند العلماء بكلام العرب إلى هذا؛ فإن العرب لا تَعُدُّ الشعرَ بيتاً واحداً، بل أقلُّه بيتان، وهذا لم يَجْرِ على لسانه -عليه السلام- قَطُّ. ¬

_ (¬1) في "ع": "يتعلق". (¬2) في "ج": "الاستبصار".

وأما هذا الرجز، فالصحيح أنه بيت واحد، ثم الرجزُ على الخصوص قريبٌ من النثر، بل قيل فيه: إنه ليس بشعر، وشرطُ الشعر أن يَشعر به قائله، ويقصده، ويدل على أن الرجز نثر، أو قريب منه: أن البيت الواحد من غيره كان لا يلتئم على لسانه -عليه السلام-؛ لأنه شعر، فَغَيَّرَهُ الله على لسانه؛ كقوله يحكي قولَ العباسِ بنِ مرداسٍ: أنت القائلُ: أَتَجْعَلُ نَهْبِي وَنَهْبَ الْعُبَيْدِ ... بَيْنَ الأَقْرَعِ وَعُيَيْنَه (¬1)؟ فقال أبو بكر: أشهدُ أنك رسولُ الله حقاً. قلت (¬2): بين أول كلامه وآخره تدافُع، وذلك أنه قرر أولاً أن البيت الواحد ليس بشعر، وقرر آخراً (¬3) أن البيت الواحد من غير الرجز شعر، ولذلك لم يلتئم على لسانه عليه الصلاة والسلام. ثم (¬4) ادعاؤه أن ما في الحديث بيتٌ واحد من الرجز على الصحيح لا يقوم عليه دليل؛ لجواز كونه بيتين من مشطور السريع. والمخلص هو ما أشار إليه من أن القصد إلى الوزن معتبر في كون الكلام شعراً، ولا نسلم وجوده فيما في الحديث، سواء كان بيتاً، أو بيتين. ثم تعريفُهم الشعر بأنه (¬5) الكلامُ الموزونُ بوزنٍ مقصودٍ عربيٍّ (¬6) ينطبق ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "بين عيينة والأقرع". (¬2) في "ج": "قال: قلت". (¬3) في "ج": "وقرن آخر". (¬4) "ثم" ليست في "ج". (¬5) في "ع" و"ج": "بأن". (¬6) في "ج": "عربي مقصود".

باب: من يجرح في سبيل الله

على البيت وحده، وعليه مع غيره. * * * باب: مَنْ يُجْرَحُ في سَبِيلِ اللهِ 1555 - (2803) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لاَ يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللهِ -وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ- إِلاَّ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ، وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ". (لا يُكلَم) -بضم أوله وفتح ثالثه (¬1) مبني للمفعول-؛ أي: لا يُجْرَح. (واللهُ أَعْلَمُ (¬2) بمن يُكْلَم في سبيله): فيه إشارة إلى (¬3) أنه ليس كلُّ مَنْ جُرِحَ (¬4) في الغزو تكون هذه حالته عند الله حتى تصح نيته، ويعلمَ اللهُ من قلبه أنه خرج مخلصاً لوجه الله تعالى، لا يشوب ذلك شيء آخر (¬5). (و (¬6) اللونُ لونُ الدم، والريحُ ريحُ المسك): أُخذ منه أن الشيء (¬7) إذا ¬

_ (¬1) في "ع": "ثلاثة". (¬2) في "م": "يعلم". (¬3) "إلى" ليست في "ع". (¬4) في "ع": "من الجرح"، وفي "م": "خرج". (¬5) "آخر" ليست في "ع"، وفي "ج": "ذلك شيئاً". (¬6) الواو ليست في "ع". (¬7) في "ج": "أن الزركشي".

باب: قول الله -عز وجل-: {قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين} [التوبة: 52] والحرب سجال

حال عن حالة إلى غيرها، كان الحكمُ لما انتقل إليه؛ كالماء تحلُّ فيه نجاسة، فتغير أحدَ أوصافه. وعورض بأن المرادَ بالخبر (¬1) التذاذُ المجروح (¬2) بأثر جرحه كالتذاذِ المتضمِّخِ بالمسك برائحته (¬3)، وهذا لا يشبه الأحكام الشرعية. وما أحسنَ قولَ ابنِ نُباتةَ مقتبساً من هذا الحديث: لايُنْكِرُ الكاسِرُ أَجْفَانَهُ ... دَمَ الشَّهِيدِ الصَّابِرِ المُغْرَمِ فَالرِّيحُ رِيحُ المِسْكِ في خَدِّهِ ... كَمَا تَرَى واللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ * * * باب: قَوْلِ اللهِ -عَزَّ وجَلَّ-: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} [التوبة: 52] وَالْحَرْبُ سِجَالٌ (باب قولِ الله -عز وجل-: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ}، والحرب سجال): جعل ابنُ بطال وجهَ تعلُّق حديث ابن عباس: "الحربُ (¬4) سجالٌ" بالآية المذكورة أنها مصدِّقَةٌ له، وهو مُبيِّنٌ لها؛ لأن الحرب إذا كانت (¬5) سجالاً، فهي إحدى الحسنيين؛ لأنها إن كانت علينا، كانت الشهادة، ¬

_ (¬1) "بالخبر" ليست في "ج". (¬2) في "ج": "بالتذاذ الخروج". (¬3) في "ع": "رائحته". (¬4) في "ع" و"ج": "والحرب". (¬5) في "ج": "كان".

باب: قول الله عز وجل: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} [الأحزاب: 23]

وهي أكبر الحسنيين، وإن كانت لنا، فالغنيمة، وهي أصغرهم (¬1)، فالحديث مطابق (¬2). قال ابن المنير: والتحقيق أن البخاري ما ساق الحديث إلا لقوله فيه: "وكذلكَ الرسُلُ تُبتلى، ثم تكونُ لهم العاقبة"، فبهذا يتحقق أنهم على إحدى الحسنيين، إن انتصروا، فلهم العاجلة والعاقبة، وإن انتصر عدوهم، فللرسل العاقبة، وهي خير من العاجلة وأحسنُ، ففي تمام حديث هرقل تظهر المطابقة، بل تحصل المطابقة من مجرد قوله: الحربُ سِجال؛ لأن المراد: لنا تارة، ولهم تارة، فإن كانت شهادة، فالدولة للعدو، وإن كانت غنيمة، فالدولة للمسلمين، إلا أن الفرق أن الدولة إذا كانت للمسلمين، لم يكن للعدو ما يجبرهم (¬3)، وإن كانت الدولة للعدو، كان (¬4) للمسلمين ما يجبرهم، وهو فضل الشهادة. * * * باب: قَولِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23] 1556 - (2805) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْخُزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ: سَاَلْتُ أَنسَاً. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، حَدَّثَنَا زِيَادٌ، قَالَ: ¬

_ (¬1) في "ج": "أصغر الحسنيين". (¬2) انظر: "شرح ابن بطال" (5/ 21). (¬3) في "ع": "ما يخيرهم". (¬4) في "ع": "وكان".

حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: غَابَ عَمِّي أَنَسُ ابْنُ النَّضْرِ عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلْتَ الْمُشْرِكِينَ، لَئِنِ اللهُ أَشْهَدَنِي قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ، لَيَرَيَنَّ اللهُ مَا أَصْنعُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، وَانْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ، قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاَءِ -يَعْنِي: أَصْحَابَهُ-، وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاَءِ -يَعْنِي: الْمُشْرِكينَ-، ثُمَّ تَقَدَّمَ، فَاسْتَقْبَلَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَالَ: يَا سَعْدُ بْنَ مُعَاذٍ! الْجَنَّةَ وَرَبِّ النَّضْرِ، إنِّي أَجِدُ رِيحَهَا مِنْ دُونِ أُحُدٍ، قَالَ سَعْدٌ: فَمَا اسْتَطَعْتُ يَا رَسُولَ اللهِ مَا صَنَعَ. قَالَ أَنَسٌ: فَوَجَدْنَا بِهِ بِضْعاً وَثَمَانِينَ: ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ، أَوْ طَعْنَةً بِرُمْحٍ، أَوْ رَمْيَةً بِسَهْمٍ، وَوَجَدْناَهُ قَدْ قُتِلَ، وَقَدْ مَثَّلَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ، فَمَا عَرَفَهُ أَحَدٌ إِلاَّ أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ. قَالَ أَنَسٌ: كُنَّا نَرَى، أَوْ نظُنُّ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ وَفِي أَشْبَاهِهِ: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23] إلَى آخِرِ الآيَةِ. (فلما كان يومُ أحد): برفع "اليوم" على أنه فاعل بـ "كان" التامة. (وانكشف المسلمون): أي: انهزموا. (قال): جواب لما. (اللهم أني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء -يعني: أصحابه-، وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء -يعني: المشركين-): هذا من (¬1) أبلغ كلام وأفصحِه؛ حيث قال في حق المسلمين: أعتذرُ إليك، وقال في حق المشركين: أبرأُ إليك، ¬

_ (¬1) "من" ليست في "ع" و"ج".

باب: عمل صالح قبل القتال

فاعتذرَ عن الأولياء، وَتَبَّرأ عن الأعداء، مع (¬1) أنه لم يرضَ الأمرين جميعاً، لكنهما متقاربان، قاله ابن المنير. * * * باب: عَمَلٌ صَالِحٌ قَبْلَ الْقِتَالِ وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: إِنَّمَا تُقَاتِلُونَ بِأَعْمَالِكُمْ. وَقَوْلُهُ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 2 - 4]. (باب: عمل صالح قبل القتال). ({يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ}): قال ابن المنير: المطابقة بين الترجمة وما بعدها ظاهر، إلا في هذه الآية، لكن وجهها على الجملة: أن الله عاتبَ مَنْ (¬2) قال: إنه يفعل (¬3) الخير، ولم يفعله، ثم أعقبَ ذلك بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا} [الصف: 4]، فأثنى على مَنْ (¬4) وَفَى وثبتَ، ثم قاتل، والله أعلم (¬5). وأنكر اللهُ على من قدَّمَ على القتال قولاً غيرَ مَرْضي؛ لأنه قد كشف ¬

_ (¬1) "مع" ليست في "ع". (¬2) في "ج": "لمن". (¬3) في "ج": "قال أفعل". (¬4) "من" ليست في "ج". (¬5) انظر: "المتواري" (ص: 151).

باب: من أتاه سهم غرب فقتله

الغيب أنه أخلف، مفهومه: أن الفضلَ (¬1) في الصدقِ، والعزمِ (¬2) الصحيح على الوفاء، وذلك من أصلح الأعمال. انتهى. و (¬3) ليس كلامه هذا بالقوي، فتأمله (¬4). * * * باب: مَنْ أَتَاهُ سَهْمٌ غَرْبٌ فَقَتَلَهُ 1557 - (2809) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنَّ أُمَّ الرُّبَيِّعِ بِنْتَ الْبَرَاءِ، وَهْيَ أُمُّ حَارِثَةَ بْنِ سُرِاقَةَ، أَتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ! أَلاَ تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ -وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ، أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ-؛ فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ، صَبَرْتُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ، اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي الْبُكَاءِ؟ قَالَ: "يَا أُمَّ حَارِثَةَ! إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الأَعْلَى". (أن أم الرَّبَيِّع): بتشديد المثناة التحتية. (بنتَ البراء (¬5)، وهي أم (¬6) حارثةَ بنِ سُراقةَ): المعروف أن أم حارثةَ بنِ سراقة هي الرُّبَيِّعُ بنتُ النَّضْرِ بنِ ضَمْضَم، فهي عمةُ أنسِ بنِ مالك؛ لأن مالكاً ¬

_ (¬1) في "ع": "الفاصل". (¬2) في "ع": "فالعزم". (¬3) الواو ليست في "ع" و"ج". (¬4) "فتأمله" ليست في "ع". (¬5) في "ع": "بنت الربيع". (¬6) "أم" ليست في "ع".

باب: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا

وأنساً والربيع أولادُ النضرِ بنِ ضمضمٍ، قاله ابن الأثير (¬1)، وغيره. وقد أخرج الترمذي الحديث من طريق قتادة عن أنس: أن الربيعَ بنتَ النَّضْرِ أتتِ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وكان ابنها حارثةُ أُصيب يومَ بدرٍ، (¬2) الحديث، وهذا قد انفرد البخاري به من رواية شيبان، عن قتادة. (أصابه سَهْمٌ غَرَبٌ): أي: لا يُعرف راميه، يقال: بفتح الراء وإسكانها، وبالإضافة على الصفة لسهم، وقيل: هو بالسكون: إذا أتاه من حيث لا يدري، وبالفتح: إذا رماه فأصابَ غيره (¬3). (فإن كان في الجنة، صبرتُ): قال ابن المنير: وإنما شَكَّتْ في أمره (¬4)؛ لأن العدو لم يقتله قَصْداً، وكأنها فهمتْ أن الشهيدَ هو الذي يُقتل قصداً؛ لأنه الأغلب، فَنَزَّلَتِ الكلامَ على الغالب حتى بَيَّنَ لها الرسولُ العمومَ. * * * باب: مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كلِمَةُ اللهِ هِيَ العُلْيَا 1558 - (2810) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ: "مَنْ قَاتَلَ لِتكُونَ ¬

_ (¬1) انظر: "أسد الغابة" (7/ 120). (¬2) رواه الترمذي (3174) عن أنس بن مالك رضي الله عنه. (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 626). (¬4) في "ع" و"ج": "شكت فيه".

كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ". (جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: الرجلُ يُقاتِل للمغنم): هذا الرجل [يحتمل تفسيره بما ذكره في "أسد الغابة" في اللام، فقال: لاحِقُ بنُ ضُمَيرةَ الباهِلِيُّ] (¬1)، فأخرج عن سليم بن عامر، قال: سمعتُ لاحِقَ بنَ ضميرةَ الباهليَّ يقول: وفدتُ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسألتُه عن الرجل يغزو و (¬2) يلتمس الأجرَ والذِّكْرَ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا شَيْءَ لَهُ؛ إِنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لا يَقْبَلُ مِنَ العَمَلِ إِلاَّ مَا كَانَ خَالِصاً، وَمَا ابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ" (¬3). وفي "جزء ابن أبي الحديد": عن معاذ بن جبل: أنه قال: يا رسولَ الله! كُلُّ بني سَلِمَةَ يُقاتل، فمنهم من يُقاتل رياءً، ومنهم مَنِ القتالُ خليقَتُهُ، ومنهم من يُقاتل، احتساباً، فقال: "كُلُّ هَذِهِ الخِصَالِ، مَنْ يُقَاتِلْ عَلَيْهَا وَأَصْلُ أَمْرِهِ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُلْيَا، فَقُتِلَ، فَهُوَ شَهِيدٌ" (¬4). فيستفاد من هذا الحديث أن القائل مُعاذٌ. وفيه فائدة أخرى، وهي تعيين بني (¬5) سَلِمَةَ، ولكن العبرةَ بعموم اللفظ، لا بخصوصِ (¬6) السبب. * * * ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) في "ع": "أو". (¬3) انظر: "أسد الغابة" (4/ 535). (¬4) وإسناده ضعيف، كما ذكر الحافظ في "الفتح" (6/ 28). (¬5) في "ع": "ابن". (¬6) في "م": "لخصوص".

باب: من اغبرت قدماه في سبيل الله

باب: مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ. . . إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [التوبة: 120] (باب: من اغبرَّت قدماه في سبيل الله، وقولِ الله -عز وجل (¬1) -: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ} الآية (¬2)): ووجه المطابقة بينها وبين الترجمة بآخر الآية عند قوله: {وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ} [التوبة: 120]، فأثابهم بخطواتهم، وإن لم يلقوا قتالاً. 1559 - (2811) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَناَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أِبي مَرْيَمَ، أَخْبَرَناَ عَبَايَةُ بْنُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْسٍ -هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَبْرٍ-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا اغْبَرَّتْ قَدَمَا عَبْدٍ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَمَسَّهُ النَّارُ". (يزيد بنُ أبي مريم): -بالمثناة التحتية والزاي-، روى له (¬3) البخاري هذا الحديث الواحد، وفي الجمعة (¬4). * * * باب: مَسْحِ الغُبَارِ عَنِ النَّاسِ في السَّبِيلِ 1560 - (2812) - حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَناَ عَبْدُ الْوَهَّابِ، ¬

_ (¬1) كذا في رواية أي ذر الهروي، وفي اليونينية: "تعالى"، وهي المعتمدة في النص. (¬2)) "الآية" ليست في "ج". (¬3) "له" ليست في "ع". (¬4) رواه البخاري (907). وانظر: "التنقيح" (2/ 626).

باب: الغسل بعد الحرب والغبار

حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لَهُ وَلعَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ: ائْتِيَا أَبَا سَعِيدٍ فَاسْمَعَا مِنْ حَدِيثِهِ، فَأَتَيْنَاهُ وَهُوَ وَأَخُوهُ فِي حَائِطٍ لَهُمَا يَسْقِيَانِهِ، فَلَمَّا رَآناَ، جَاءَ، فَاحْتَبَى وَجَلَسَ، فَقَالَ: كُنَّا نَنْقُلُ لَبِنَ الْمَسْجدِ لَبِنَةً لَبِنَةً، وَكَانَ عَمَّارٌ يَنْقُلُ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ، فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَمَسَحَ عَنْ رَأْسِهِ الْغُبَارَ، وَقَالَ: "وَيْحَ عَمَّارٍ، تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، عَمَّارٌ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللهِ، وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ". (فأتيناه وهو وأَخوهُ في حائطٍ لهما (¬1)): قال الدمياطي: لم يكن لأبي سعيدٍ الخدريِّ أخٌ بالنَّسَب سوى قَتادةَ بنِ النعمانِ الظفريِّ؛ فإنه كان أخاه لأمه، ومات قتادةُ في عهد عمرَ، وكان عُمْرُ أبي (¬2) سعيد حين بُني المسجد نحوَ عشرِ سنين (¬3). (لَبِنه لَبِنة): بفتح اللام وكسر الموحدة. قال الزركشي: بكسر اللام وإسكان الباء (¬4). (ويح عمار): يترحَّم له. * * * باب: الْغَسْلِ بَعْدَ الْحَرْبِ وَالْغُبَارِ (باب: الغسل بعد الحرب والغبار): قال ابن المنير: إنما بوب عليه؛ لئلا يُتوهم كراهيةُ غسلِ الغبار؛ لأنه من جميل الآثار؛ كما كره بعضُهم ¬

_ (¬1) "لهما" ليست في "ع". (¬2) في "ج": "ابن". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 626). (¬4) المرجع السابق، الموضع نفسه.

باب: فضل قول الله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون (169) فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون (170) يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين} [آل عمران: 169 - 171]

مسحَ ماء الوضوء بالمنديل، فبين جوازَه بالعمل المذكور (¬1). * * * 1561 - (2813) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ، بنُ سلامٍ أَخْبَرَناَ عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا رَجَعَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَوَضَعَ السِّلاَحَ، وَاغْتَسَلَ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ وَقَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ الْغُبَارُ، فَقَالَ: وَضَعْتَ السِّلاَحَ؟ فَوَاللهِ! مَا وَضَعْتُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فَأَيْنَ؟ "، قَالَ: هَاهُنَا، وَأَوْمَأَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ. قَالَتْ: فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. (وقد عصبَ رأسَه الغبارُ) (¬2): -بتخفيف الصاد المهملة-؛ أي: أحاطَ به كالعصابة تُحيط بالرأس، ومنه سُميت قَرابةُ الرجلِ لأبيه عَصَبَةً (¬3). * * * باب: فَضْلِ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 169 - 171] (باب: فضل (¬4) قول الله -عز وجل (¬5) -: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي ¬

_ (¬1) انظر: "المتواري" (ص: 153). (¬2) من قوله: "قال ابن المنير: إنما بوب" إلى هنا ليس في "ج". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 627). (¬4) "فضل" ليست في "ع" و"ج". (¬5) كذا في رواية أبي ذر الهروي، وفي اليونينية: "تعالى"، وهي المعتمدة في النص.

سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ} [آل عمران: 169]، وساق في هذا الباب ما رواه عن جابر بن عبد الله: * * * 1562 - (2815) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الله، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- يَقُولُ: اصْطَبَحَ ناَسٌ الْخَمْرَ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمَّ قُتِلُوا شُهَدَاءَ، فَقِيلَ لِسُفْيَانَ: مِنْ آخِرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ؟ قَالَ: لَيْسَ هَذَا فِيهِ. (اصطبحَ ناسٌ (¬1) الخمرَ يومَ أُحد، ثم قتلوا شهداء): قال المهلب: يعني: والخمرُ في بطونهم، [وإنما كان هذا قبل نزول تحريمها، فلم يمنعْهم ما كان في علم الله من تحريمها، ولا كونها في بطونهم] (¬2) من حكمِ الشهادةِ وفضلِها؛ لأن التحريمَ إنما يلزمُ بالنهي، وما (¬3) كان قبل النهي، فهو مَعْفُوٌّ عنه. قال ابن المنير: إن أراد بمعفو عنه: غيرَ مخاطَب به، فصحيح، وإن أراد: أن هناك ذنباً أو شبهةَ ذنب، فُعفي عنه، فغيرُ صحيح؛ إذ لا حكمَ قبل ورود الشرع. وأما مطابقة الترجمة لحديث جابر: فعسِرٌ جداً، إلا أن يكون مرادُه ¬

_ (¬1) "اصطبح ناس" ليست في "ج". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬3) في "م": "أو ما".

باب: ظل الملائكة على الشهيد

التنبيهَ على أن الخمر التي شربوها لم تضرّهم؛ لأن الله تعالى أثنى عليهم بعدَ موتهم، ورفعَ عنهم الخوفَ والحزن، وما ذاك إلا لأن (¬1) الخمر كانت يومئذ مباحةً، ولا يتعلق التكليفُ (¬2) بفعل المكلف باعتبار ما في علم الله تعالى حتى يُبَلِّغه (¬3) رسولُه. قلت: لم تحصل النفس على شفاء من مطابقة الحديث للترجمة؛ لأن هؤلاء الذين اصطبحوا ثم ماتوا وهي في بطونهم، لم يفعلوا ما يُتوقع عتابٌ ولا عقابٌ؛ ضرورةَ أنها كانت مباحةً حينئذ، فهي كغيرها من مباحاتٍ صدرت منهم في ذلك اليوم، فما الحكمة (¬4) في تخصيص هذا المباح بالذكر دون غيره؟ فتأمله (¬5). * * * باب: ظِلِّ المَلاَئِكَةِ عَلَى الشَّهِيدِ 1563 - (2816) - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ ابْنُ عُيَيْنَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ: أَنَّهُ سَمِعَ جَابِراً يَقُولُ: جِيءَ بِأَبي إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ مُثِّلَ بِهِ، وَوُضعَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَذَهَبْتُ أَكْشِفُ عَنْ وَجْهِهِ، فَنَهَانِي قَوْمِي، فَسَمِعَ صَوْتَ صَائِحَةٍ، فَقِيلَ: ابْنَةُ عَمْرٍو، أَوْ أُخْتُ عَمْرٍو، ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "إلا أن". (¬2) في "ج": "للتكليف". (¬3) في "ع": "بلغه". (¬4) في "ج": "في ذلك، فالحكمة". (¬5) "فتأمله" ليست في "ع".

باب: الجنة تحت بارقة السيوف

فَقَالَ: "لِمَ تَبْكِي؟ -أَوْ: لاَ تَبْكِي-، مَا زَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا". قُلْتُ لِصَدَقَةَ: أَفِيهِ: حَتَّى رُفِعَ؟ قَالَ: رُبَّمَا قَالَهُ. (لم تبكي؟ أو لا تبكي): هذا شكٌّ من الراوي هل قال لغيرها: لم تبكي؟ أي: لم تبكي (¬1) هي؟ وإلا، فلو كان مخاطِباً لها، لقال: لم تبكين؟ أو نهاها عن البكاء، فقال لها: لا (¬2) تبكي (¬3). * * * باب: الْجَنَّةُ تَحْتَ بَارِقَةِ السُّيُوفِ (باب: الجنةُ تحتَ بارقةِ السيوف): لمعِها، مأخوذٌ من البريق. ولابن السكن: "تحت الأبارقة"، والإبريق: السيف، ودخلت الهاء عوضاً عن الياء (¬4). قال ابن المنير: ولم يذكر البخاري في الحديث ما يوافق لفظَ الترجمة، فكأنه (¬5) أشار بها إلى حديثٍ ليس على شرطه، واستنبطَ معناه بما هو على شرطه؛ فإنه إذا أُثبت لها (¬6) ظِلال، ثبت لها بارقةٌ ولمعان (¬7)، وهذا معنى ¬

_ (¬1) "أي: لم تبكي" ليست في "ج". (¬2) "لا" ليست في "ج". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 627)، و"التوضيح" (17/ 413). (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 628). (¬5) في "ع": "وكأنه". (¬6) "لها" ليست في "ج". (¬7) انظر: "المتواري" (ص: 153).

باب: من طلب الولد للجهاد

كلامه، وذكر [5] الزركشيُّ على العادة غيرَ مَعْزُوٍّ (¬1). * * * باب: مَنْ طَلَبَ الوَلَدَ لِلْجِهَادِ 1564 - (2819) - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ -عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ-: لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى مِئَةِ امْرَأَةٍ -أَوْ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ-، كُلُّهُنَّ تأْتِي بِفَارِسٍ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: إِنْ شَاءَ اللهُ، فَلَمْ يَقُلْ: إِنْ شَاءَ اللهُ، فَلَمْ تَحْمِلْ مِنْهُنَّ إِلاَّ امْرَأَةٌ واحِدَةٌ، جَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللهُ، لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فُرْسَاناً أَجْمَعُونَ". (فقال صاحبه: إن شاء (¬2) الله، فلم [يقل: إن شاء الله، فلم] (¬3) تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشِقِّ رجلٍ): قال المهلب: في الحديث حضٌّ على طلب الولد بنيةِ الجهاد في سبيل الله، وقد يكون الولد يخالف ما أَمَّلَه (¬4)، فيكون كافراً، ولكنْ قد تم له الأجرُ في نيته وعمله. وفيه (¬5): أن المستثني بمشيئة الله جديرٌ بأن يُعطى أُمنيته. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 628). (¬2) في "ع": "قل: إن شاء". (¬3) "يقل إن شاء الله فلم" ليست في "ع". (¬4) في "ع": "ما أهله". (¬5) في "ع" و"ج": "وقيل".

وفيه: أن الاستثناء قد يكون بإثر القول، وإن كان فيه سكوت يسير لم ينقطع به دونه (¬1)، فيكن حائل بين الاستثناء والتمييز. قال ابن المنير: مذهبُ مالك: الاستثناءُ متى انفصل من الكلام بغير سُعال ونحوِه، لم يُفِدْ، وإن قلَّ زمنُ السكوت، والاتصالُ عندنا شرط، ومحْملُ حديثِ سليمان -عليه الصلاة والسلام-: أن صاحبه قال له قبلَ أن يُتم كلامه: قل: إن شاء الله؛ بحيث لو استثنى، لاتصل استثناؤه، فليس فيه نقضٌ لمذهب مالك. قلت: هذا خلافُ ظاهر الحديث، وذلك أن نصَّ المتن: "قالَ سليمانُ ابنُ داودَ: لأطوفنَّ الليلةَ على مئة امرأة، أو تسع وتسعين، كلُّهن تأتي بفارسٍ يجاهد في سبيل الله، فقال صاحبه: إن شاء الله، فلم يقل" إلى آخره. فظاهر الحديث أو صريحه في أن إشارة الملك عليه بقوله: "إن شاء الله" كانت بعد تمام كلام سليمان -عليه السلام-؛ لعطفه الجملةَ الفعليةَ المتعلقةَ بالملك بالفاء المقتضيةِ للتعقيبِ على الجملة الفعلية بتمامِها المتعلقةِ بسليمان. ثم قال ابن المنير: لا يقال: الاستثناءُ المشروطُ اتصالُه هو الرافِعُ للتمييز، وأما الاستثناء المفروضُ في هذا الكلام، فهو استثناءُ التبرُّكِ، ولا يَحل اليمينَ؛ لأنا نقول: اشتراطُ الاتصال قضيتُه (¬2) لفظية يستوي فيها أنواع الاستثناء. ¬

_ (¬1) في "ع": "دون". (¬2) في "ع" و"ج": "قضية".

إن قلت: ظاهره (¬1): أن من نسي الاستثناء بالمشيئةِ المقصودِ بها (¬2) التبركُ، ثم استدركَ عن قُرب، لا يحصل له فضل التبرك؛ لفواتِ شرطه، وهو الاتصال. وفيه نظر. [ثم قال: وقوله: إن ثوابَ من ينوي الولدَ يكمُل بمجرد نيته. وفيه نظر] (¬3)، فليس ثوابُ مَنْ وُلد له ولدٌ فجاهدَ على وَفْقِ نيةِ الأبِ ما شاء الله من الأعوام، ودفعَ ونفعَ كثوابِ من خرجَ ولدُه كافراً، أو زَمِناً، أو مُتهاوِناً، وإن كان أبوه نوى غير ذلك، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [الجمعة: 4]. قلت: ليس في كلام المهلب ما يقتضي ورودَ النقض (¬4) بما قاله، وذلك لأنه قال: من طلب الولدَ بنية الجهاد؛ يعني: وعَمِلَ عَمَلَ (¬5) ما يكون غيرَ الولد من وِقاع أهله، فقد تم الأجرُ بنيته وعمله؛ أي: على نيته وعمله هو في نفسه، وهذا أمرٌ لا نزاع فيه، ولا دلالة فيه على (¬6) ثبوت أجر ما كان يتصوره هو (¬7) من جهاد ولده، وإن لم يقع، [ولا يخفى أن عمل الولد غيرُ عمل الأب، فكيف يحصل الثواب (¬8) من غير عمله الذي لم يقع في ¬

_ (¬1) في "ع": "ظاهرها". (¬2) في "ع": "لها". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬4) في "ع": "البعض". (¬5) "عَمَلَ" ليست في "ع". (¬6) "على" ليست في "ع". (¬7) في "ج": "هو في نفسه، وهذا لغز". (¬8) في "ع": "يحصل له ثواب".

باب: الشجاعة في الحرب والجبن

الوجود؟] (¬1) هذا ما لا سبيل إليه هنا أصلاً، نعم يُثاب على نيته، والسعيِ في تحصيل الولد بهذا القصد الجميل، وهو مراده بقوله: عمله؛ كما قدمناه، فتأملْه. * * * باب: الشَجَاعَةِ في الحَرْبِ والجُبْنِ 1565 - (2821) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ: أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ يَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَهُ النَّاسُ، مَقْفَلَهُ مِنْ حُنَيْنٍ، فَعَلِقَهُ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ، حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى سَمُرَةٍ، فَخَطِفَتْ رِدَاءَهُ، فَوَقَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "أَعْطُونِي رِدَائِي، لَوْ كَانَ لِي عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ نَعَماً، لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ، ثُمَّ لاَ تَجِدُونِي بَخِيلاً، وَلاَ كَذُوباً، وَلاَ جَبَاناً". (مَقْفَلَه (¬2)): -بميم مفتوحة فقاف ساكنة ففاء فلام مفتوحتين-: اسمُ زمان، فقوله: "من حُنين": -بحاء مهملة مضمومة ونونين (¬3) بينهما ياء تصغير-، وكان ذلك في سنة ثمان. (فعلقت الأعراب (¬4)): يقال: علق كذا مثل طَفِقَ. (فخطِفت): بكسر الطاء المهملة. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬2) في "ع": "مقفولة". (¬3) في "ع" و"ج": "وبنونين". (¬4) كذا في رواية أبي ذر الهروي، وفي اليونينية: "فعلقه الناس"، وهي المعتمدة في النص.

(لو كان لي عددُ هذه العِضَاهِ نَعَماً): نصب على التمييز، و"لي": خبر كان. وجوز فيه أن يكون منصوباً على أنه خبر كان، والعِضاه: -بكسر العين المهملة وبضادٍ معجمة وهاء أصلية بعد الألف-، وهي شجر كثيرُ الشوك، واحده عِضَةٌ -بهاء التأنيث-، وقيل: عِضاهَةٌ، وقيل (¬1): عِضَهَةٌ (¬2). (ثم لا تجدوني بخيلاً ولا كذوباً ولا جباناً): أي: لا تجدوني ذا بخلٍ، ولا ذا كذبٍ، ولا ذا جُبْنٍ، فالمراد: نفيُ الوصفِ من أصله، لا نفيُ المبالغة التي يدلُّ عليها. قال ابن المنير: و (¬3) في جمعه -عليه السلام- بين هذه الصفات لطيفةٌ (¬4)، وذلك لأنها متلازمة، وكذا أضدادها: الصدقُ والكرمُ والشجاعةُ، وأصلُ المعنى هنا: الشجاعة؛ فإن الشجاع (¬5) واثقٌ من نفسه بالخلف من كسب سيفه، فبالضرورة لا يبخل، وإذا سهل عليه العطاء، لا يكذب بالخُلْف في الوعد؛ لأن الخلفَ إنما ينشأ من البخل، وقوله: "لو كان لي مثلُ هذه العضاهِ" تنبيهٌ بطريق الأولى؛ لأنه إذا سمح بمال نفسه، فلأن يسمح (¬6) بقَسْم غنائمهم عليهم (¬7) أولى. ¬

_ (¬1) في "ج": "وهي". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 628). (¬3) الواو ليست في "ع" و"ج". (¬4) في "ج": "اللطيفة". (¬5) "فإن الشجاع" ليست في "ع". (¬6) في "ع": "يمسح". (¬7) في "ج": "عليه".

باب: ما يتعوذ من الجبن

و (¬1) استعمال ["ثم" هنا بعدما تقدم ذكرُه ليس مخالفاً لمقتضاها، وإن كان الكرمُ يتقدم العطاء، لكنْ عِلْمُ] (¬2) الناسِ بكرم الكريم إنما يكون بعدَ العطاء، وليس المراد هنا بـ "ثم" الدلالةَ على تراخي العلم بالكرم (¬3) عن العطاء، [وإنما التراخي هنا لعلوِّ رتبةِ الوصف؛ كأنه قال: وأعلى من العطاء بما لا يتقارب أن يكون العطاءُ] (¬4) عن كرم، فقد يكون عطاءٌ بلا كرم؛ كعطاء البخيل ونحو ذلك. * * * باب: ما يُتَعَوَّذُ مِنَ الجُبْنِ 1566 - (2823) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ". (إني أعوذ بك من العجز): هو ذهابُ القدرة. (والكسل): هو القعودُ عن الشيء مع القدرة على عمله (¬5). (والجبن): هو الخَوَرُ من تعاطي الحرب ونحوِها خوفاً على المُهْجَة. ¬

_ (¬1) الواو ليست في "ع". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬3) "بالكرم" ليست في "ع". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 629).

باب: وجوب النفير، وما يجب من الجهاد والنية

قال ابن المنير: وفيه دليل على أن الغرائز قد تتبدل من خير إلى شر، ومن شرٍّ إلى خير، ولولا ذلك، لما صحَّ تعوذُ الجبان من الجبن بِطمعه في فضل الله. * * * باب: وُجُوبِ النَّفِيرِ، وَما يَجِبُ مِنَ الجِهادِ والنِّيَةِ وَقَوْلِهِ: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41) لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: 41 - 42]، وَقَوْلِهِ {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ. . . عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التوبة: 38 - 39]. يُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: انْفِرُوا ثُبَاتٍ: سَرَايَا مُتَفَرِّقينَ، يُقَالُ: أَحَدُ الثُّبَاتِ: ثُبَةٌ. (سرايا متفرقين): ووقع في رواية القابسي: "ثباتاً" -بالألف-، قال الزركشي: ولا وجه له؛ لأنه جمع مؤنث سالم؛ كَهِنْداتٍ (¬1). قلت: مذهبُ الكوفيين جوازُ إعرابه في حالة النصب بالفتح مطلقاً، وجوزه قومٌ في محذوف اللام، وعلى كل من الرأيين يكون لهذه الرواية [وجه؛ ومن ذا الذي أوجبَ اتباعَ المذهب البصري، وإلغاءَ المذهب ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 629). وكذا غَلَّط الحافظ في "الفتح" (6/ 46) رواية القابسي، وقال: لا وجه له؛ لأنه جمع ثبة.

الكوفي حتى يقال بأن هذه الرواية] (¬1) لا وجهَ لها؟! * * * 1567 - (2825) - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ يَوْمَ الْفَتْحِ: "لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّتةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ، فَانْفِرُوا". (وإذا استُنفرتم، فانفروا): جعل (¬2) المهلبُ وجوبَ (¬3) النفير على ما إذا كان الاستنفار لعدوٍّ (¬4) غالبٍ، وأما ما عداه، فسنة (¬5) مؤكدة (¬6). والمنصوصُ في كتب أصحابنا: أن الجهاد يتعين على من نزل بهم عدو، وفيهم قوة عليهم، فإن ضعفوا، تَعَيَّنَ على من يَليهم، وهَلُمَّ جَرّاً حتى يكتفوا، وأنه يتعينُ أيضاً على من عَيَّنَهُ الإمام مطلقاً، ولا معنى للتعيّن (¬7) إلا وجوبُ الفرض عيناً، وقولُ المهلب يخالف هذا، فتأمله. * * * ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬2) في "ع": "حمل". (¬3) في "ع": "وجود". (¬4) في "ع": "بعدوٍ". (¬5) في "ج": "فسنته". (¬6) انظر: "التوضيح" (17/ 438). (¬7) في "ع" و"ج": "للتعيين".

باب: الكافر يقتل المسلم، ثم يسلم، فيسدد بعد، ويقتل

باب: الْكَافِرِ يَقْتُلُ الْمُسْلِمَ، ثُمَّ يُسْلِمُ، فَيُسَدِّدُ بَعْدُ، وَيُقْتَلُ (باب: الكافر يقتل المسلم، ثم يسلم، فيسدد بعدُ، ويقتل): يريد: أن القاتل الأول كان كافراً، وتوبتُه إسلامُه، والمراد: الحربيُّ (¬1). 1568 - (2826) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَضْحَكُ اللهُ إِلَى رَجُلَيْنِ، يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، يَدْخُلاَنِ الْجَنَّةَ، يُقَاتِلُ هَذَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلُ، ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ عَلَى الْقَاتِلِ، فَيُسْتَشْهَدُ". (يضحك الله إلى رجلين): أي: يتلقاهما بالفضل والإحسان (¬2) واستحسن تقديم (¬3) هذا الحديث على حديث أبي هريرة الآتي؛ لما (¬4) ستعرفه إذا تأملتَ حديثه. (ثم يتوب الله -عز وجل- على القاتل فيستشهَد): أبدى ابن المنير الحكمة الباعثة له على عدوله أن يقول في الترجمة: فيستشهد، مع أنها التي في الحديث إلى قوله: فيسدّد، فقال: صنع ذلك؛ لينبه على أن الشهادة، إحدى وجوه التسديد، وأن كلَّ تسديد كذلك، وإن كانت الشهادة (¬5) أفضلَ، لكن دخول الجنة مشترَك بين الشهيد المسدَّد بالشهادة، وبين المسدَّد (¬6) بغير ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 630). (¬2) "والإحسان" ليست في "ع". (¬3) في "ع": "تقدم". (¬4) في "ج": "بما". (¬5) في "ج": "كان التسديد". (¬6) "بالشهادة وبين المسدد" ليست في "ج".

الشهادة، والإسلامُ بمجرد تسديد كافٍ في دخول الجنة، فجعل البخاري هذا الكلام في الترجمة بمعنى الحديث، وإزالةً لوهم من يتوهم أن هذا خاص بمن استُشهد. * * * 1569 - (2827) - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ بِخَيْبَرَ بَعْدَمَا افْتَتَحُوهَا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَسْهِمْ لِي، فَقَالَ بَعْضُ بَنِي سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ: لاَ تُسْهِمْ لَهُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: هَذَا قَاتِلُ ابْنِ قَوْقَلٍ، فَقَالَ ابْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ: وَاعَجَبا لِوَبْرٍ، تَدَلَّى عَلَيْنَا مِنْ قَدُومِ ضَأْنٍ، يَنْعَى عَلَيَّ قَتْلَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ، أَكْرَمَهُ اللهُ عَلَى يَدَيَّ، وَلَمْ يُهِنِّي عَلَى يَدَيْهِ. قَالَ: فَلاَ أَدْرِي أَسْهَمَ لَهُ أَمْ لَمْ يُسْهِمْ لَهُ. (فقلتُ: يا رسول الله! أسهمْ لي، فقال (¬1) بعضُ بني سعيد بنِ العاص: لا تُسهم له): القائل هو أبانُ بنُ سعيدِ بنِ العاص، قاله النووي في "مبهماته" تبعاً للخطيب (¬2). (قال أبو هريرة: هذا (¬3) قاتل ابنِ (¬4) قَوقَل): -بقافين مفتوحتين-، واسمه النعمان: رجلٌ مسلمٌ قتله أبانٌ في حال كفره، وكان إسلام أبانٍ بين ¬

_ (¬1) في "ع": "لي فقال لي". (¬2) وانظر: "التوضيح" (17/ 441). (¬3) في "ع": "هذه". (¬4) في "ع" و"ج": "من".

الحديبية وخيبرَ، وهو الذي أجار (¬1) عثمانَ يومَ الحديبيةِ حين بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - رسولاً إلى مكة. قال أبو الفرج: و (¬2) لا أدري من (¬3) يعني بابن قوقل، إلا أن النعمانَ بنَ مالكِ بنِ ثعلبةَ الأنصاريَّ، وثعلبةُ هو قَوْقَلٌ، كان يقول للخائف: قَوْقِلْ حيثُ شئتَ؛ فإنكَ آمِنٌ، وقُتل النعمانُ يومَ أُحُدٍ شهيداً، والذي قتلَه صفوانُ بنُ أمية، وقُتل من القواقل العباسُ بنُ عبادة، قتله صفوانُ أيضًا (¬4). (واعجبا): أصله: واعَجَبي، فأُبدلت كسرةُ الباء فتحةً، والياء ألفاً؛ كما فُعل (¬5) في: يا أَسَفَا (¬6)، ويا حَزَناَ، وفيه شاهد على استعمال "وا" حرفَ نداءٍ في غير النداء كما يقوله المبِّردُ (¬7). (لوَبْرٍ): -بإسكان الباء-: دُوَيبة تُشبه السِّنَّوْر، والجمعُ وبارٍ. ويروى: بفتح الباء، من وَبَر الإبل، فعلى الأول: شُبِّه في قُدومه بوبرٍ تدلَّى من موضعِه، وعلى الثاني: شُبه في حقارةِ شأنه بالوَبَر الذي لا خَطْبَ له (¬8) (¬9). ¬

_ (¬1) في "ج": "أحال". (¬2) الواو ليست في "ع" و"ج". (¬3) في "ج": "ما". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 630). (¬5) "فعل" ليست في "ع". (¬6) في "ع": "يا أسفي". (¬7) انظر: "التنقيح" (2/ 630). (¬8) في "ع": "له فيه"، وفي "ج": "فيه". (¬9) انظر: "التنقيح" (2/ 630).

(تدلَّى): أي: انحدر، وقد روي كذلك، ويروى: "تردَّى"، والكل بمعنى واحد (¬1). (من قَدُوم ضَأْنٍ): أي: من طَرَف جبلٍ، وضَأْن: اسمُ جبل في أرض دَوْسٍ، وقَدوم -بفتح القاف-: ثنيةٌ به (¬2). ونحوه لأبي ذر. وضبطه الأصيلي بضم القاف. قال ابن بطال: يحتمل أن يكون جمعَ قادم؛ مثل: راكع ورُكوع، وساجد وسُجود، ويكون المعنى: تدلَّى علينا من ساكِني ضأْنٍ، [ويحتمل أن يكون مصدراً وُصِفَ به، وفي الكلام حذف؛ أي: من ذوي قَدومٍ] (¬3)، ويحتمل أن يكون معناه (¬4): تدلَّى علينا من مكان قدوم (¬5). وقال أبو عبيد: رواه الناس عن البخاري: "ضَأْنٍ" -بالنون- إلا الهمداني، فإنه رواه: "من قدوم ضَالٍ" -باللام-، وهو الصواب إن شاء الله، والضال: السِّدْرُ البري (¬6). قال ابن بطال: وإنما سكت أبو هريرة عن أبان في قوله هذا؛ لأنه لم ¬

_ (¬1) المرجع السابق، (2/ 631). (¬2) "به" ليست في "ج". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬4) "معناه" ليست في "ج". (¬5) انظر: "شرح ابن بطال" (5/ 41). (¬6) انظر: "التوضيح" (17/ 447).

باب: الشهادة سبع سوى القتل

يرمه بشيء ينقص دينه، إنما نقصه بقلة العشيرة، أو بضعف المُنَّةِ (¬1). (ينعَى عَلَيَّ): أي: يعيبُ عليَّ -بفتح العين المهملة- من "ينعَى". (أكرمَه الله على يَدَيَّ): -[بتشديد الياء- تثنية يد؛ يعني: أنه كان إكرامُ ذلك المسلم بالشهادة على يديه؛ فإنه هو الذي قتله. (ولم يُهِنِّي على يديه)] (¬2): يعني: لم يقدِّر موتي بقتله إياي كافراً. (فلا أدري أسهمَ له، أو لم يسهمْ): فيه حذف الهمزة؛ إذ (¬3) الأصلُ: لا أدري أَأَسهمَ له. وقد رواه أبو داود، وقال: "ولم يَقْسِمْ له رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - (¬4). * * * باب: الشَّهَادَةُ سَبعٌ سِوَى الْقَتْلِ (باب: الشهادةُ سبعٌ سوى القتل): ساق فيه حديثَ أبي هريرة: (الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: المَطْعُونُ، وَالمَبْطُونُ، وَالغَرِيقُ، وَصَاحِبُ الهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ في سَبِيلِ اللهِ" (¬5). وقد أشكلَ (¬6) على ابن بطال مطابقةُ الترجمة للحديث، فقال: هذا دليلٌ ¬

_ (¬1) انظر: "شرح ابن بطال" (5/ 40). (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬3) في "م": "إذا". (¬4) رواه أبو داود (2723). (¬5) رواه البخاري (2829)، ومسلم (1914). (¬6) في "ج": "استشكل".

باب: قول الله عز وجل: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر} [النساء: 95]

أن البخاريَّ مات ولم يهذِّبْ كتابه، وكأنه أراد أن يدخلَ في الترجمة حديثَ مالكٍ، وفيه: "إِنَّ الشُّهَدَاءَ سَبْعَةٌ سِوَى القَتْلِ في سَبِيلِ اللهِ" (¬1) (¬2). قال ابن المنير: ويحتمل عندي: أن البخاري أراد التنبيه على أن الشهادة لا تنحصر في القتل، بل لها أسباب أُخر، وتلك الأسبابُ أيضاً اختلف الأحاديث في عددها، ففي بعضها: خمسة، وهو الذي صح عند البخاري، ووافق شرطَه، وفي بعضها: سبعة، ولم يوافق شرطَه، فنبه عليه في الترجمة؛ إيذاناً بأن الوارد في عددها من الخمسة والسبعة ليس على معنى التحديد (¬3) الذي لا يزيد ولا ينقص، بل هو إخبار عن خصوص فيما ذكر (¬4)، والله أعلمُ بحصرها. قال الزركشي: قال الإسماعيلي: الترجمة مخالفة للحديث. قلت: بل أشير بالترجمة إلى أن الحديث قد ورد، لكنه ليس على شرطه (¬5). هذا نصه، وهو كما رأيت عينُ كلام ابن المنير، نسبه إلى نفسه صريحاً. * * * باب: قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] 1570 - (2831) - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ¬

_ (¬1) رواه مالك في "الموطأ" (1/ 233). (¬2) انظر: "شرح ابن بطال" (5/ 43). (¬3) في "ج": "التجريد". (¬4) في "ع": "ذكروا". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 633).

قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُولُ: لَمَّا نزَلَتْ: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} دَعَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زَيْداً، فَجَاءَ بِكَتِفٍ فَكَتبَهَا، وَشَكَا ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ضَرَارَتَهُ، فَنَزَلَتْ: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95]. (فنزلت: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}: صدرُ الحديث: سمعتُ البراءَ قال: "لما نزلتْ: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيداً، فجاء بكَتِفٍ (¬1) فكتبها، وشكا ابنُ أم مكتوم ضرارَتَه، فنزلت: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] ". فسأل ابن المنير: لم (¬2) كرر الراوي الآية؟ وهلاَّ اقتصر على: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95]؟ وأجاب: بأن الاستثناء والنعت [لا يجوز فصلُهما عن أصل الكلام، فلابد أن تعاد الآية الأولى حتى يتصل بها الاستثناء أو (¬3) النعت]. قلت: ليس (¬4) هذا فصلاً (¬5)، ولا يضر ذكره مجرداً (¬6) عما قبله؛ لأن المراد حكايةُ الزائد على ما نزل أولاً، فيقتصر عليه؛ لأنه الذي تعلق به الغرض، ولهذا قال في الطريق الثانية عن زيد في ذكر هذه القصة: فأنزل الله ¬

_ (¬1) في "ج": "بكف". (¬2) في "ع": "له"، وفي "ج": "لما". (¬3) في "ج": "و"، وما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬4) "ليس" ليست في "ع". (¬5) في "ع": "فصل". (¬6) في "ع": "محموداً".

باب: التحريض على القتال وقول الله عز وجل: {حرض المؤمنين على القتال} [الأنفال: 65]

تعالى: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}، فماذا يعتذر به عن زيد بن ثابت، مع كونه لم يصل (¬1) الاستثناء أو النعت بما قبله؟ (¬2) والحق أن كلا الأمرين شائع، ثم استثناء أولي الضرر يُفهِمُ التسويةَ بين القاعدين للعذر، وبين المجاهدين؛ إذ الحكمُ المتقدمُ عدمُ الاستواء، فيلزم ثبوتُ الاستواء لمن استثني؛ ضرورة أنه لا واسطة بين الاستواء وعدمه. * * * باب: التَّحْريْضِ عَلَى القِتَالِ وقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: 65] 1571 - (2834) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنسَاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْخَنْدَقِ، فَإذَا الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَبِيدٌ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ لَهُمْ، فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ مِنَ النَّصَبِ وَالْجُوعِ، قَالَ: "اللَّهُمَّ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الآخِرَهْ، فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ"، فَقَالُوا مُجِيبِينَ لَهُ: نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا ... عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدَا (اللهم إن العيش عيشُ الآخرة): قال الداودي: إنما قال ابن رواحة: "لا هُمَّ إِنَّ العَيْشَ عَيْشُ الآخِرَهْ"، فأتى به بعض الرواة على المعنى، ¬

_ (¬1) في "ج": "يحصل". (¬2) "بما قبله" ليست في "ع".

باب: حفر الخندق

وإنما يتزن هكذا (¬1). قلت: هذا توهيمٌ للرواة من غير داع إليه، فلا يمتنع أن يكون ابن رواحة قال: اللهم -بألف ولام- على جهة الخزم، وهو الزيادة على أول البيت حرفاً فصاعداً إلى أربعة، فكذا على أول النصف الثاني حرفاً أو اثنين على الصحيح، هذا أمر لا نزاع فيه بين العروضيين، ولم يقل أحد منهم بامتناعه، وإن لم يستحسنوه، [ولا قال أحد: إن الخزم يقتضي إلغاء ما هو فيه على أن يعد شعراً، نعم، الزيادة لا يُعتد بها في الوزن ويكون] (¬2) ابتداءُ النظم ما بعدها، فكذا ما نحن فيه. * * * باب: حَفْرِ الخَنْدَقِ 1572 - (2835) - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: جَعَلَ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ الْخَنْدَقَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ، وَيَنْقُلُونَ التُّرَابَ عَلَى مُتُونِهِمْ، وَيَقُولُونَ: نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا ... عَلَى الإِسْلاَمِ مَا بَقِينَا أَبَدَا وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُجيبُهُمْ، وَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنَّهُ لاَ خَيْرَ إِلاَّ خَيْرُ الآخِرَهْ، فَبَارِكْ فِي الأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ". (على متونهم): جمعُ مَتْن، وهو ما يكتنف الصلبَ من العصب واللحم. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 633)، و"التوضيح" (17/ 467). (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ج".

(على الجهاد ما بقينا (¬1)): قال الزركشي: هذا هو الصواب، وفي نسخة: "على الإسلام" وليس بموزون (¬2). قلت: لكن كونه غيرَ موزون لا يُعد خطأ، فلم لا يجوِّزُ أن يكون هذا الكلام نثراً مسجعاً، وإن وقع بعضُه موزوناً؟ ومن ذا الذي نقل لنا (¬3) أنهم ذكروا هذه القطعة على (¬4) أنها كلام موزون؛ بحيث إذا روى أحد فيها شيئاً لا يدخل في الوزن، حكم بخطئه؟ * * * 1573 - (2837) - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الأَحْزَابِ يَنْقُلُ التُّرَابَ، وَقَدْ وَارَى التُّرَابُ بَيَاضَ بَطْنِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا فَأَنْزِلِ السَّكِينَةَ عَلَيْنَا ... وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا إِنَّ الأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا ... إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا (لولا (¬5) أنت ما اهتدينا): [قال الزركشي: هكذا روي، وصوابه في ¬

_ (¬1) في "ج": "بقينا أبداً". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 633). (¬3) في "ع": "إلينا". (¬4) "على" ليست في "ج". (¬5) في "ع": "لا هم، أو تالله لولا".

الوزن: لاهُمَّ، أو تاللهِ لولا أنتَ ما اهتدينا] (¬1) (¬2). قلت: هذا عجيب؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الممتثل (¬3) بهذا الكلام، والوزن لا يجري على لسانه الشريف غالباً. (إن (¬4) الأُلى قد بغوا (¬5) علينا): هكذا روي أنه -عليه السلام- تمثل به، وليس بمتزن على هذه الصورة، فيحتمل أن يكون ناظمُ هذا الكلام أولاً قال: إن الأُلى هم (¬6) قد بغوا علينا. ويروى أيضاً: إن الأعادي قد بَغَوا علينا، ولا يتزن إلا بزيادة هم، أو قد، إن كانت الرواية بتسكين ياء الأعادي (¬7)، وإن كانت بتحريكها، وهو الظاهر، فالوزن مستقيم بدون تقدير، والجزء الثاني دخله الزحاف المسمى (¬8) بالخَبْل -باللام-، وهو عندهم مستعمل في الجملة، وليس وجوده بالذي يقتضي انكسار الوزن. * * * ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 633). (¬3) في "ع" و"ج": "الممثل". (¬4) "إن" ليست في "ع". (¬5) في "ع": "بلغوا". (¬6) "هم" ليست في "ج". (¬7) انظر: "التنقيح" (2/ 634). (¬8) في "ج": "والمسمى".

باب: فضل النفقة في سبيل الله

باب: فَضْلِ النَّفَقَةِ في سَبيلِ اللهِ 1574 - (2841) - حَدَّثَنَي سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ: أنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللهِ، دَعَاهُ خَزَنَةُ الْجَنَّةِ، كُلُّ خَزَنَةِ باب: أَيْ فُلُ! هَلُمَّ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ! ذَاكَ الَّذِي لاَ تَوَى عَلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ". (من أنفق زوجين): أراد أن يشفعَ المنفقُ ما ينفقه من دينار، أو درهم، أو سلاح، أو غيره. قال الداودي: يقع الزوجُ على الواحد والاثنين، وهو هنا على الواحد (¬1). (أي فُلُ!): -بضم اللام وإسكانها-؛ أي: يا (¬2) فلان! وقد اختُلف أهو (¬3) ترخيمُ فلان أو لا؟ والجمهور على أنه ليس ترخيماً له. قال الزركشي: لأنه لا يقال إلا بسكون اللام. قلت: لم يذكر القاضي غيرَ الضم؛ فإنه قال: هو ترخيمُ يا فلان (¬4)! على لغة يا حارُ. قال سيبويه: ليست ترخيماً، وإنما هي صيغة مرتَجَلَة في النداء، وقد ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 634). (¬2) "يا" ليست في "ع". (¬3) في "ع": "هو". (¬4) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 158).

باب: فضل من جهز غازيا، أو خلفه بخير

جاءت في غير النداء، ولهذا قال: في لُجَّة أمسكْ فلاناً عن فُلِ والقائلون بأنه ترخيم "فلان" يقولون: حذفت النون للترخيم، والألف لسكونها، وتفتح (¬1) اللام وتضم (¬2) على المذهبين المعروفين (¬3). وقد علمت أن القاضي لم يضبطه إلا بالضم. (ذاك الذي لا تَوى عليه): تَوَى -مقصور-؛ أي: لا بأس عليه، هذه (¬4) الرواية. وقال ابن فارس: يُمَدُّ أيضاً؛ والمعنى: إن هذا الرجل لا بأسَ عليه أن يتركَ باباً ويدخلَ من آخرَ (¬5). * * * باب: فَضْلِ مَنْ جَهَّزَ غَازِياً، أَوْ خَلَفَهُ بِخَيْرٍ (باب: فضل (¬6) من جهز غازياً، أو خَلَفه بخير): خلفه -بتخفيف اللام-؛ أي: أقام بعده فيهم، وقام عنه بما كان يفعله. 1575 - (2844) - حَدَّثَنَا مُوسَى بنُ إسْمَاعيلَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَنسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ ¬

_ (¬1) في "ع": "وبفتح". (¬2) في "ع": "وبضم". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 634). (¬4) "هذه" ليست في "ج". (¬5) انظر: "مجمل اللغة" (ص: 151). وانظر: "التنقيح" (2/ 634). (¬6) في "ع": "باب قصد".

باب: التحنط عند القتال

بَيْتاً بِالْمَدِينَةِ غَيْرَ بَيْتِ أُمِّ سُلَيْمٍ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِ، فَقِيلَ لَهُ، فَقَالَ: "إِنِّي أَرْحَمُهَا، قُتِلَ أخُوهَا مَعِي". (لم يكن يدخل بيتاً بالمدينة غيرَ بيتِ أُمِّ سُليم): يريد: على سبيل العادة والكثرة، وإلا، فقد دخل على أختها أم حَرام، ثم قيل: المعنى بيتاً من بيوت النساء اللاتي لسن (¬1) بمحرم له. (إني أرحمها، قتل أخوها معي): هو حَرام بن ملحان، والمراد بالمعية: الصحبة اللائقة؛ أي: قتل مع صحبتي، وفي نصرتي، فإنه إنما قُتِل ببئر معونَة، ولم يحضرها النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد ظهرت مناسبةُ هذا الحديث للترجمة من حيث إنه -عليه السلام- خلف أخاها في أهله بخير بعدَ وفاته، وحسنُ العهد من الإيمان، وكفى بجبر الخاطر والتودد خيراً لاسيما من سيد الخلق، صلوات الله عليه وسلامه. * * * باب: التَّحَنُّطِ عِنْدَ القِتَالِ 1576 - (2845) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَنسٍ، قَالَ -وَذَكَرَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ- قَالَ: أَتَى أَنَسٌ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ، وَقَدْ حَسَرَ عَنْ فَخِذَيْهِ وَهْوَ يَتَحَنَّطُ، فَقَالَ: يَا عَمِّ! مَا يَحْبِسُكَ أَنْ لاَ تَجِيءَ؟ قَالَ: الآنَ يَا بْنَ أَخِي، وَجَعَلَ يَتَحَنَّطُ -يَعْنِي: مِنَ الْحَنُوطِ-، ثُمَّ جَاءَ فَجَلَسَ، فَذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ انْكِشَافاً مِنَ ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "ليس".

باب: فضل الطليعة

النَّاسِ، فَقَالَ: هَكَذَا عَنْ وُجُوهِنَا حَتَى نُضَارِبَ الْقَوْمَ، مَا هَكَذَا كُنَّا نفعَلُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، بِئْسَ مَا عَوَّدْتُمْ أَقْرَانَكُمْ. (بئسما عَوَّدْتم أقرانَكم): ولأبي زيد: "عَوَّدْتم أقرابَكم" من تركهم اتباعكم، وقتلكم، حتى اتخذتم الفرار عادة للنجاةِ وطلبِ الراحة من مجالدة الأقران (¬1). * * * باب: فَضْلِ الطَّلِيْعَةِ 1577 - (2846) - حدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ يَأْتِيني بِخَبَرِ الْقَوْمِ؟ يَوْمَ الأَحْزَابِ"، قَالَ الزُّبَيْرُ: أَناَ، ثُمَّ قَالَ: "مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ؟ ". قَالَ الزُّبَيْرُ: أَناَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيّاً، وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ". (إن لكل نبي حَوارياً): أي: ناصراً. قال الزجَّاج: ينصرف؛ لأنه غير منسوب (¬2) إلى (¬3) حواري، وليس كبَخَاتي (¬4)، وكَرَاسي؛ لأن واحده بُخْتيٌّ، وكُرْسِيٌّ، والله أعلم (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (17/ 487). (¬2) "منسوب" ليست في "ج". (¬3) في "ج": "أي". (¬4) في "ج": "كتجاف". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 636).

باب: سفر الاثنين

باب: سَفَرِ الاِثْنَيْنِ (باب: سفر الاثنين): أي: سفر الرجلين دون ثالث، ولم يُرِدْ [يومَ الاثنين كما توهَّمَ بعضهم، فالحديثُ إنما فيه سفرُ الاثنين، لا] (¬1) سفرُ يوم الاثنين (¬2). * * * باب: الْجِهَادُ مَاضٍ مَعَ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" (باب: الجهادُ ماضٍ مع البر والفاجر): كذا في رواية أبي ذر، وفي رواية غيره: "على البر والفاجر"، فعلى الأول يجب مع الإمام العدلِ وغيره، وعلى الثاني: يجب على كل أحد. قيل: واستنبط البخاري الترجمة من قوله: إلى "يوم القيامة" (¬3). وجعل ابن المنير وجهَ الاستنباط: أنه -عليه الصلاة والسلام- لم يجعل الخير معقوداً [بالأمر، إنما جعله معقوداً] (¬4) بالخيل؛ أي: على (¬5) أي حالةٍ كان الأمر، والخيرُ مطلوب أينما كان، فينبغي أن يُطلب الخير في الخيل، وإن كان الأمير جائراً. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفيتين ليس في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 637). (¬3) المرجع السابق، (2/ 638). (¬4) ما بين معكوفيتين ليس في "ع". (¬5) "أي: على" ليست في "ج".

باب: من احتبس فرسا

1578 - (2852) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنْ عَامِرٍ، حَدَّثَنَا عُرْوَةُ الْبَارِقِيُّ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ: الأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ". (الخيلُ معقودٌ بنواصيها الخيرُ إلى يوم القيامة: الأجرُ والمغنمُ): هما (¬1) بدلان من الخير، أو (¬2) خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو الأجر والمغنم. * * * باب: مَنِ احْتَبَسَ فَرَسًا 1579 - (2853) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَناَ طَلْحَةُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيداً الْمَقْبُرِيَّ يُحَدِّثُ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنِ احْتَبَسَ فَرَساً فِي سَبِيلِ اللهِ، إِيمَاناً بِاللهِ، وَتَصْدِيقاً بِوَعْدِهِ، فَإنَّ شِبَعَهُ وَرِيَّهُ وَرَوْثَهُ وَبَوْلَهُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". (من احتبس فرساً): يعني به: الوقْفَ. * * * باب: اسْمِ الفَرَسِ والحِمَارِ 1580 - (2855) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا مَعْنُ ابْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا أُبَيُّ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كَانَ ¬

_ (¬1) في "ع": "هو". (¬2) في "ج": "و".

لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَائِطِنَا فَرَسٌ يُقَالُ لَهُ: اللُّحَيْفُ. (فرس يقال له: اللُّحَيف): -بضم اللام وفتح الحاء المهملة على التصغير، وبفتح اللام وكسر الحاء بوزن رغيف- كذا ضبطه القاضي بالوجهين، وذكر الثاني الهروي، وقال: سمي بذلك؛ لطول ذَنبَه، فَعيل بمعنى فاعل، كأنه يُلحِفُ الأرض بذَنبَه. قال البخاري: وقال بعضهم: اللُّخَيف، يعني: -بالخاء المعجمة-، قيل: ولا وجه له، والمعروف الأول (¬1). قال صاحب "مرآة الزمان": هو بلام مضمومة وخاء معجمة كذا قيده البخاري، وكذا حكاه ابن سعد عن الواقدي، وقال: أهداه له سعدُ بنُ البراء. وحكى البلاذري: أنه "الحليف" بتقديم الحاء على اللام (¬2). وقيل: "النحيف" بنون (¬3). * * * 1581 - (2856) - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، سَمِعَ يَحْيَى بْنَ آدَمَ، حَدَّثَناَ أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ مُعَاذٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ، فَقَالَ: "يَا مُعَاذُ! هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 356). (¬2) "على اللام" ليست في "ع". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 638).

باب: ما يذكر من شؤم الفرس

عَلَى اللهِ؟ ". قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "فَإنَّ حَقَّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَفَلاَ أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ؟ قَالَ: "لاَ تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا". (على حمار يقال له: عُفَيْرٌ): -بالعين المهملة- على المشهور، وذكر القاضي في "المشارق": أنه بالغين المعجمة، وأنكروه عليه. قال صاحب "المطالع": لا أدري هذا، ولا رأيته (¬1). وقال ابن دحية: ولا رواه أحد إلا بالمهملة، وهو تصغير ترخيم؛ كسويد في الأسود (¬2). * * * باب: مَا يُذْكَرُ مِنْ شُؤْمِ الفَرَسِ 1582 - (2858) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إنَّمَا الشُؤْمُ فِي ثَلاَثَةٍ: فِي الْفَرَسِ، وَالْمَرْأَةِ، وَالدَّارِ". (إنما الشؤم في ثلاثة): الشؤم -بالهمز، ويُخَفَّف فيصير (¬3) واواَّ-؛ ¬

_ (¬1) في "م": "رويته". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 639). (¬3) في "ج": "ويصغر".

باب: من ضرب دابة غيره في الغزو

أي: إن (¬1) كان ما يُكْرَهُ ويخاف عاقبتُه، فهي هذه الثلاثة، وتخصيصه لها (¬2)؛ لأنه لما أبطلَ مذهبَ العرب في التطَيُّر، قال: فإن كان لأحدكم دار يكره سُكناها، أو امرأةٌ يكرهها، أو فرسٌ يكره ارتباطها، فليفارقها. وقيل: قد يكون الشؤم هنا على غير (¬3) المفهوم من معنى التطير، لكن بمعنى قلة الموافقة وسوء الطباع؛ كما في الحديث: "مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ ثَلاثٌ: المَرْأَهُ الصَّالِحَةُ، والمَسْكَنُ (¬4) الصَّالِحُ، والمَرْكَبُ الصَّالِحُ، وَمِنْ شِقْوَتِهِ (¬5): المرأَةُ السُّوءُ (¬6)، والمركَبُ السُّوءُ (¬7)، والمَسْكَنُ السُّوءُ (¬8) " رواه أحمد في "مسنده" (¬9). * * * باب: مَنْ ضَرَبَ دَابَّةَ غيْرِهِ في الغَزْوِ 1583 - (2861) - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَقِيلٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُتَوَكِّلِ ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "وإن". (¬2) في "ع": "لا". (¬3) "غير" ليست في "ع". (¬4) في "ج": "والسكن". (¬5) في "ع": "ومن شقاوته". (¬6) في "ع": "المرأة الشؤم". (¬7) "والمركب السوء" ليست في "ع". (¬8) "والمركب السوء والمسكن السوء" ليست في "ج". (¬9) رواه الإمام أحمد في "مسنده" (1/ 168) عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. وانظر: "التوضيح" (17/ 520).

النَّاجِيُّ، قَالَ: أَتَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيَّ، فَقُلْتُ لَهُ: حَدِّثْنِي بِمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: سَافَرْتُ مَعَهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، -قَالَ أَبُو عَقِيلٍ: لاَ أَدْرِي غَزْوَةً أَوْ عُمْرَةً-، فَلَمَّا أَنْ أَقْبَلْنَا، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَعَجَّلَ إِلَى أَهْلِهِ، فَلْيُعَجِّلْ". قَالَ جَابِرٌ: فَأَقْبَلْنَا، وَأَناَ عَلَى جَمَلٍ لِي أَرْمَكَ، لَيْسَ فِيهِ شِيَهٌ، وَالنَّاسُ خَلْفِي، فَبَيْنَا أَناَ كَذَلِكَ، إِذْ قَامَ عَلَيَّ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا جَابِرُ! اسْتَمْسِكْ"، فَضَرَبَهُ بِسَوْطِهِ ضَرْبَهً، فَوَثَبَ الْبَعِيرُ مَكَانَهُ، فَقَالَ: "أَتَبِيعُ الْجَمَلَ؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ. فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، وَدَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَسْجِدَ فِي طَوَائِفِ أَصْحَابِهِ، فَدَخَلْتُ إِلَيْهِ، وَعَقَلْتُ الْجَمَلَ فِي ناَحِيَةِ الْبَلاَطِ، فَقُلْتُ لَهُ: هَذَا جَمَلُكَ، فَخَرَجَ فَجَعَلَ يُطِيفُ بِالْجَمَلِ وَيَقُولُ: "الْجَمَلُ جَمَلُنَا". فَبَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَوَاقٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: "أَعْطُوهَا جَابِراً". ثُمَّ قَالَ: "اسْتَوْفَيْتَ الثَّمَنَ؟ "، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: "الثَّمَنُ وَالْجَمَلُ لَكَ". (وأنا على جمل [لي] أرمك): أي: في لونه غبرة يخالطها سواد، وذلك اللون هو الرمك. (شِيَة): -بكسر الشين المعجمة وفتح المثناة التحتية-؛ أي: ليس فيه لمعة من غير لونه (¬1). قال الخليل: الشِّيَةُ: بياضٌ فيما يخالفه من الألوان، وكذا السوادُ في البياض (¬2). (إذ قام عليَّ): معناه: وقفَ الجملُ من الإعياء والكَلال، قال الله ¬

_ (¬1) "من غير لونه" ليست في "ع". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 639).

تعالى: {وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا} [البقرة: 20]؛ أي: وقفوا. (قال: الثمنُ والجملُ لك): قال السهيلي: من لطيف العلم في حديث جابر بعد أن يُعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يفعل شيئاً عبثاً، بل كانت أفعالُه مقرونة بالحكمة، ومؤيدةً بالعصمة، فاشترى الجمل من جابر، ثم أعطاه الثمن، وزاده زيادة عليه، ثم ردَّ الجملَ عليه، وقد كان يمكنه أن يعطيه ذلك العطاء دون مساومة في الجمل، ولا اشتراء، ولا شرط توصيل، فالحكمة في ذلك بديعة جداً، فلتنظر بعين الاعتبار؛ وذلك أنه سأله: "هَلْ (¬1) تَزَوَّجْتَ؟ "، ثم قال له: "هَلاَّ بِكْراً تُلاعِبُهَا؟ " (¬2) فذكر له مقتلَ أبيه، وما خَلَّفَ من البنات، وقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد أخبر جابراً بأن الله قد أحيا أباه، ورَدَّ عليه رُوحه، وقال له (¬3): ما تشتهي فأزيدك (¬4)؟ فأكد الرسول -عليه الصلاة والسلام- هذا الخبر بمَثَلٍ يُشبهه، فاشترى منه الجملَ وهو مَطِيَّتُه، كما اشترى الله من أبيه ومن الشهداء أنفسَهم بثمنٍ هو الجنةُ، ونفسُ الإنسان مطيتُه كما قال عمر بن عبد العزيز: إن نفسي مطيتي، ثم زادهم الله زيادةً فقال (¬5): {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26]، ثم رَدَّ (¬6) عليهم أنفسَهم التي اشتراها منهم فقال (¬7): ¬

_ (¬1) في "ج": "ثم". (¬2) رواه البخاري (5247). (¬3) "له" ليست في "ع". (¬4) في "ج": "فأزيدكه". (¬5) "فقال" ليست في "ع". (¬6) في "ج": "يرد". (¬7) "فقال" ليست في "ع".

باب: الركوب على الدابة الصعبة والفحولة من الخيل

{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [آل عمران: 169]، فأشار -عليه الصلاة والسلام- باشتراءِ الجمل من جابر، وإعطائِه الثمنَ وزيادةً على الثمن، ثم ردِّ الجملِ المشترى عليه؛ أشار بذلك إلى تأكيد الخبر الذي أخبره به عن فعل الله بأبيه، فتشاكل الفعل مع الخبر كما تراه. * * * باب: الرُّكُوبِ عَلَى الدَّابَّةِ الصَّعْبَةِ والفُحُولَةِ مِنَ الخَيْلِ 1584 - (2862) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَناَ شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَزَعٌ، فَاسْتَعَارَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَرَساً لأَبِي طَلْحَةَ يُقَالُ لَهُ: مَنْدُوبٌ، فَرَكِبَهُ، وَقَالَ: "مَا رَأَيْنَا مِنْ فَزَعٍ، وَإنْ وَجَدْناَهُ لَبَحْراً". (فاستعار النبي - صلى الله عليه وسلم - فرساً لأبي طلحة): ساق هذا في ترجمة الفحولة من الخيل. قال ابن المنير: ولا دليل في لفظ الفرس على أنه كان فحلاً؛ لأن الفرس يتناول الفحل والأنثى، إنما الحصانُ يخصُّ الفحل، إلا أن يستدلَّ البخاري على (¬1) أنه كان فحلاً بِعَوْدِ ضميرِ المذكَّرِ عليه، فهو استدلال ضعيف أيضاً؛ لأن العَوْدَ [يصح على اللفظ، كما] (¬2) يصح على المعنى، ولفظ الفرس مذكر، وإن كان يقع على المؤنث، عكس لفظ الجماعة ¬

_ (¬1) "على" ليست في "ع". (¬2) "يصح على اللفظ كما" ليست في "ع".

باب: من قاد دابة غيره في الحرب

مؤنثٌ، ولكنه يقع على الذكر (¬1)، فلك أن تعيد على اللفظ، وأن تعيد على المعنى، إلا أنهم قالوا في تصغير الفرس الذكر (¬2): فُرَيْس، وفي الأنثى: فُرَيْسَة، فاتبعوا المعنى لا اللفظ، فهذا يقوي استدلاله. قلت: لا يقويه ولا يعضده بوجه، فتأمله تجده كما قلناه. * * * باب: مَنْ قَاَد دَاَبَّةَ غَيْرِه في الحَرْبِ 1585 - (2864) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إسْحَاقَ: قَالَ رَجُلٌ لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَفَرَرْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ قَالَ: لَكِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَفِرَّ، إِنَّ هَوَازِنَ كَانُوا قَوْماً رُمَاةً، وَإِنَّا لَمَّا لَقِينَاهُمْ، حَمَلْنَا عَلَيْهِمْ، فَانْهَزَمُوا، فَأَقْبَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْغَنَائِمِ، وَاسْتَقْبَلُوناَ بِالسِّهَامِ، فَأَمَّا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ يَفِرَّ، فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ وَإِنَّهُ لَعَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ، وَإِنَّ أَبَا سُفْيَانَ آخِذٌ بِلِجَامِهَا، وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "أَناَ النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ، أَناَ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ". (والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: أنا النبيُّ لا كذبْ، أنا ابنُ عبد المطلب): كان بعضُهم لا يقف على قوله: "لا كذب" بالسكون، بل بفتحة؛ ليخرج عن وزن الشعر، وهذا [تغيير للرواية الثابتة (¬3) بمجرد خيالٍ يقوم في النفس، ¬

_ (¬1) في "ع": "المذكر". (¬2) في "ع": "المذكر". (¬3) في "ج": "تعيين الرواية الثانية".

باب: ركوب الفرس العري

وقد قدمنا ما يدفع كونَ هذا شعراً] (¬1)، فلا حاجة إلى إخراج الكلام عما هو عليه في الرواية، والله الموفق. * * * باب: رُكُوبِ الْفَرَسِ الْعُرْيِ (باب: ركوب الفرس العُرْي): المشهور: ضم (¬2) العين، وقال السفاقسي: بفتحها وتشديد الياء. وقال ابن فارس: عَرَوْتُ الفرسَ: إذا ركبتُه عُرياً (¬3)، وهي نادرة، وضبطه بإسكان الراء وتخفيف الياء؛ أي: ليس له سَرْجٌ ولا أداة، ولا يُقال مثلُ هذا في الآدميين، إنما يقال: عُريان (¬4). * * * باب: الفَرَسِ القَطُوفِ 1586 - (2867) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَزِعُوا مَرَّةً، فَرَكِبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَرَساً لأَبِي طَلْحَةَ كَانَ يَقْطِفُ، -أَوْ كَانَ فِيهِ قِطَافٌ-، فَلَمَّا رَجَعَ، قَالَ: "وَجَدْناَ فَرَسَكُمْ هَذَا بَحْراً"، فَكَانَ ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) في "ج": "بضم". (¬3) انظر: "مجمل اللغة" (ص: 664). (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 641).

باب: السبق بين الخيل

بَعْدَ ذَلِكَ لاَ يُجَارَى. (يقطِف): -بكسر الطاء وضمها-؛ أي: بطيءُ السير مع تقارُبِ الخَطْو. (لا يُجارى): أي: لا يُطيق فرسٌ الجَرْيَ معه. * * * باب: السَّبْقِ بَيْنَ الخَيْلِ 1587 - (2868) - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: أَجْرَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَا ضُمِّرَ مِنَ الْخَيْلِ مِنَ الْحَفْيَاءِ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ، وَأَجْرَى مَا لَمْ يُضَمَّرْ مِنَ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَكُنْتُ فِيمَنْ أَجْرَى. قَالَ عَبْدُ اللهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ، قَالَ سُفْياَنُ: بَيْنَ الْحَفْيَاءِ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ خَمْسَةُ أَمْيالٍ أَوْ سِتَّةٌ، وَبَيْنَ ثَنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ مِيلٌ. [(من الحَفْياء): -بحاء مهملة ففاء فمثناة تحتية فألف ممدودة-: موضعٌ بخارج المدينة، وبعضهم] (¬1) يقدِّم الياء على الفاء. (ثنية الوداع): الثَّنِيَّهُ: أعلى الجبل. (مسجد بني زُرَيْق): -بتقديم الزاي على الراء-: قبيلة من الأنصار. * * * ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع".

باب: إضمار الخيل للسبق

باب: إضْمَارِ الْخَيْلِ لِلسَّبْقِ (باب: إضمار الخيل للسَّبْق): ذكر ابن بطال هنا سؤالاً وجواباً، فقال: إن قيل: كيف ترجم على إضمار الخيل، وذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سابقَ بين الخيل التي لم (¬1) تُضْمَر؟ فالجواب: أنه أشار بطرف من الحديث إلى بقيته، وأحال على (¬2) سائره؛ لأن تمام الحديث: أنه -عليه السلام- سابقَ بينَ الخيل التي أُضمرت، وبين الخيل التي لم تُضْمَر (¬3). فقال ابن المنير: إنما كان البخاري يترجم على الشيء من الجهة العامة قد يكون ثابتاً، وقد يكون منفياً، فمعنى قوله: باب: إضمار الخيل للسبق؛ أي: هل هو شرط، أو لا؟ فبين أنه ليس بشرط؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سابق بها مضمرةً، وغير مضمرةٍ، وهذا أقعدُ بمقاصد البخاري من قول الشارح: إنما ذكر طرفاً من الحديث؛ ليدل على تمامه؛ لأن لقائل أن يقول: إذا لم يكن بُدٌّ من الاختصار، فذكرُ الطرفِ المطابق للترجمة أولى في البيان، لاسيما والطرفُ المطابقُ هو أول الحديث، إذ أولُه (¬4): عن ابن عمر: سابق النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الخيل التي أُضْمِرَتْ من الحفياءِ إلى ثنيةِ الوادع، ثم ذكر الخيلَ التي لم تُضْمَر (¬5)؛ كما ساق في هذه الترجمة، فحملُه على ¬

_ (¬1) "لم" ليست في "ج". (¬2) في "ج": "إلى". (¬3) انظر: "شرح ابن بطال" (5/ 73). (¬4) في "ع": "إذا أوله". (¬5) رواه البخاري (420).

باب: بغلة النبي - صلى الله عليه وسلم -

تأويلها لا معترضَ (¬1) عليه. * * * باب: بَغْلَةِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - 1588 - (2874) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عُمَارَةَ! وَلَّيْتُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ قَالَ: لاَ وَاللهِ! مَا وَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَكِنْ وَلَّى سَرَعَانُ النَّاسِ، فَلَقِيَهُمْ هَوَازِنُ بِالنَّبْلِ، وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ آخِذٌ بِلِجَامِهَا، وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "أَناَ النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ، أَناَ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ". (ولَّى سَرَعان الناس): -بفتح السين والراء-؛ أي: أخِفَّاؤهم، والمستعجِلون منهم. قال القاضي: وضبطه بعضهم بسكون الراء، وله وجه (¬2). (والنبي - صلى الله عليه وسلم - على بغلة بيضاء (¬3)): تقدم (¬4) أن مسلماً ذكر أن (¬5) هذه البغلة أهداها له فروةُ بن نُفاثةَ الجذاميُّ (¬6)، وسبق أنها غيرُ البغلة التي ¬

_ (¬1) في "ج": "معترضين". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 213). (¬3) كذا في رواية أبي ذر الهروي، وفي اليونينية: "بغلته البيضاء"، وهي المعتمدة في النص. (¬4) في "ج": "وتقدم". (¬5) "أن" ليست في "ع" و"ج". (¬6) رواه مسلم (1775).

باب: غزوة المرأة في البحر

أهداها ملكُ أيلةَ ابنُ العَلماء؛ لأن إهداء ابن العلماء كان بتبوكَ، [وكان هذا في حنين، وهي قبل تبوك] (¬1). * * * باب: غَزْوَةِ المَرْأَةِ في البَحْرِ 1589 - (2877 و 2878) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ ابْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَاَ أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَساً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُولُ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ابْنَةِ مِلْحَانَ، فَاتَّكَأَ عِنْدَهَا، ثُمَّ ضَحِكَ، فَقَالَتْ: لِمَ تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: "ناَسٌ مِنْ أُمَّتِي يَرْكَبُونَ الْبَحْرَ الأَخْضَرَ فِي سَبِيلِ اللهِ، مَثَلُهُمْ مَثَلُ الْمُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ"، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا مِنْهُمْ". ثُمَّ عَادَ فَضَحِكَ، فَقَالَتْ لَهُ مِثْلَ، أَوْ مِمَّ ذَلِكَ؟ فَقَالَ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَتِ: ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قَالَ: "أَنْتِ مِنَ الأَوَّلِينَ، وَلَسْتِ مِنَ الآخِرِينَ". قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: فَتَزَوَّجَتْ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، فَرَكِبَتِ الْبَحْرَ مَعَ بِنْتِ قَرَظَةَ، فَلَمَّا قَفَلَتْ، رَكِبَتْ دَابَّتَهَا، فَوَقَصَتْ بِهَا، فَسَقَطَتْ عَنْهَا، فَمَاتَتْ. (مع بنت قَرَظَة): -بقاف وراء وظاء معجمة مفتوحات-: هي فاخِتَةُ امرأةُ معاويةَ. قال الزركشي: وأسقط البخاري من إسناد هذا الحديث زائدةَ بنَ ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع".

باب: غزو النساء وقتالهن مع الرجال

قدامةَ الثقفيَّ بين أبي إسحاقَ الفزاريِّ وأبي طُوالَةَ، قاله أبو (¬1) مسعود الدمشقي (¬2). قلت: في "شرح مغلطاي" نقلاً عن الحافظ الجياني: أنه قال: قابلته في سنن أبي إسحاق، عن أبي (¬3) طُوالة ليس فيهما زائدةُ (¬4). * * * باب: غَزْوِ النِّسَاءِ وقِتَالِهِنَّ مَعَ الرِّجَالِ 1590 - (2880) - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، انْهَزَمَ النَّاسُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ، وَأُمَّ سُلَيْمٍ، وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرَتَانِ، أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا، تَنْقُزَانِ الْقِرَبَ -وَقَالَ غَيْرُهُ: تَنْقُلاَنِ الْقِرَبَ- عَلَى مُتُونِهِمَا، ثُمَّ تُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ، ثُمَّ تَرْجِعَانِ فتمْلآنِهَا، ثُمَّ تَجِيئَانِ فَتُفْرِغَانِهَا فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ. (أرى خَدَم سوقهما): الخدم: هي الخلاخيل، الواحدُ خَدَمة، والسُّوق: جمعُ ساق. (تنقُزان القرب -وقال غيره: تنقلان القرب- على متونهما): تنقُزان ¬

_ (¬1) في "ع": "ابن". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 642). (¬3) "أبي" ليست في "ج". (¬4) وانظر: "التوضيح" (17/ 564) وعنده: قال الجياني: وتأملته في كتب أبي إسحاق، عن عبد الله، فليس هو فيه.

باب: حمل النساء القرب إلى الناس في الغزو

-بقاف مضمومة وزاي-؛ أي: تَثِبان، ولهذا أشكل نصبُ "القِرَب" على بعضهم، حتى كان يقرؤه بالضم على أنه مبتدأ خبره "على متونهما"، والجملة حالية، وكلٌّ استبعدَ نصبَ القرب. قلت: بل هو قريب على أن يجعل مفعولاً باسم فاعل منصوب على الحال محذوف؛ أي: تنقزان جاعلتين القربَ، أو ناقلتين القربَ على متونهما، وحذف العامل؛ لدلالة الكلام عليه، ولا بُعد في ذلك. * * * باب: حَمْلِ النِّسَاءِ القِرَبَ إِلَى النَّاسِ في الغَزْوِ 1591 - (2881) - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَناَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: قَالَ ثَعْلَبَةُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ: إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَسَمَ مُرُوطاً بَيْنَ نِسَاءٍ مِنْ نِسَاءِ الْمَدِينَةِ، فَبَقِيَ مِرْطٌ جَيِّدٌ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَن عِنْدَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! أَعْطِ هَذَا ابْنَةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الَّتِي عِنْدَكَ، يُرِيدُونَ: أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيٍّ، فَقَالَ عُمَرُ: أُمُّ سَلِيطٍ أَحَقُّ. وَأُمُّ سَلِيطٍ مِنْ نِسَاءِ الأَنْصَارِ، مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَ عُمَرُ: فَإنَّهَا كَانَتْ تَزْفِرُ لَنَا الْقِرَبَ يَوْمَ أُحُدٍ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: تَزْفِرُ: تَخِيطُ. (أم سَليط): بفتح السين. (تزْفِر): -بتقديم الزاي على الراء وسكون الزاي وكسر الفاء (¬1) -؛ أي: تحمل القربة ملأى على ظهرها، يقال منه: زَفَرَ، وأَزْفَرَ. ¬

_ (¬1) في "ع": "وسكون الفاء".

باب: نزع السهم من البدن

وروى المستملي في البخاري: "قال أبو عبد الله: تزفر: تخيط". قال القاضي: وهو غير معروف في اللغة (¬1). * * * باب: نَزْعِ السَّهْمِ مِنَ البَدَنِ 1592 - (2884) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: رُمِيَ أَبُو عَامِرٍ فِي رُكْبَتِهِ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ، قَالَ: انْزِعْ هَذَا السَّهْمَ، فَنَزَعْتُهُ، فَنَزَا مِنْهُ الْمَاءُ، فَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: "اللَهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ" (فنزا منه الماء): أي: جرى ولم ينقطع. * * * باب: الحِرَاسَةِ في الغَزْوِ في سَبيلِ اللهِ 1593 - (2887) - حَدَّثَنَا يحيى بنُ يوسُفَ، حَدَّثَنَا أبو بكرٍ، عَنْ أَبي حصينٍ، عَنْ أَبِي صَالحٍ، عَنْ أبي هُرَيرةَ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "تَعِسَ عَبْدُ الدِّينارِ، والدِّرْهَمِ، والقَطِيفَةِ، والخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضي، وَإنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ". وَزَادَ عَمْرٌو، قَالَ: أَخْبَرَناَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "تَعِسَ ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 312). وانظر: "التنقيح" (2/ 643).

عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانتُكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انتُقَشَ، طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، أَشْعَثَ رَأْسُهُ، مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، إِنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ، وَإنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ، إِن اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ". (تعَس عبد الدينار): تَعَسَ: بفتح العين، وقد سبق الكلام عليه. (وإذا شيك): أي: أصابته الشوكةُ. (فلا انتقش): -بالقاف-؛ أي: فلا خرجتْ شوكتُه بالمِنْقاش، يقال: نقشتُ الشوكَ: إذا استخرجته. قال ابن قتيبة: وسمعت من يرويه بالعين بدل القاف؛ أي: ارتفع، يقال: نعش الرجل، وأنعشتُه: إذا رفعته من عثرته (¬1)؛ ولا معنى له مع ذكر الشوكة (¬2). (أشعثَ): -مجرور بالفتحة-؛ لمنعه من الصرف على أنه صفة للمجرور من قوله: طوبى لعبدٍ. (رأسُه): فاعل أشعث (¬3)، وكذلك القول في: (مغبرةٍ قدماه): فهو مثلُ أشعثَ رأسهُ. * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "عشيرته". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 644). (¬3) في "ج": "بأشعث".

باب: فضل الخدمة في الغزو

باب: فَضْلِ الخِدْمَةِ في الغَزْوِ 1594 - (2890) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ أَبُو الرَّبِيعِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ زَكَرِيَّاءَ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنْ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيِّ، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أَكْثَرُناَ ظِلاًّ الَّذِي يَسْتَظِلُّ بِكِسَائِهِ، وَأَمَّا الَّذِينَ صَامُوا، فَلَمْ يَعْمَلُوا شَيْئاً، وَأَمَّا الَّذِينَ أَفْطَرُوا، فَبَعَثُوا الرِّكَابَ، وَامْتَهَنُوا وَعَالَجُوا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالأَجْرِ". (عن موَرِّق العجلي): بفتح الواو وكسر الراء المشددة (¬1). (أكثرُنا ظِلاًّ الذي يستظلُّ بكسائه): أي: لم تكن لهم أَخْبِيَةٌ؛ لما كانوا عليه من الفاقة، وقلَّة ذات اليد. * * * باب: فَضْلِ مَنْ حَمَلَ مَتَاعَ صَاحِبِهِ في السَّفَرِ 1595 - (2891) - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزِّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "كُلُّ سُلاَمَى عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ، يُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ، يُحَامِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ، وَكُلُّ خَطْوَةٍ يَمْشِيهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَدَلُّ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ". (وكلُّ خَطوة): ضبطت (¬2) بفتح الخاء وضمها. ¬

_ (¬1) في "ع": "بفتح الراء وكسر المشددة". (¬2) "ضبطت" ليست في "ع".

باب: من غزا بصبي للخدمة

(ودَلُّ الطريق صدقةٌ): -بفتح الدال المهملة-؛ أي: الدلالةُ عليه. * * * باب: مَنْ غَزَا بِصَبِيٍّ لِلْخِدْمَةِ 1596 - (2893) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لأَبِي طَلْحَةَ: "الْتَمِسْ غُلاَماً مِنْ غِلْمَانِكُمْ يَخْدُمُنِي حَتَى أَخْرُجَ إِلَى خَيْبَرَ". فَخَرَجَ بِي أَبُو طَلْحَةَ مُرْدِفِي، وَأَناَ غُلاَمٌ رَاهَقْتُ الْحُلُمَ، فَكُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا نزَلَ، فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ كَثِيراً يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ". ثُمَّ قَدِمْنَا خَيْبَرَ، فَلَمَّا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ الْحِصْنَ، ذُكِرَ لَهُ جَمَالُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيَّ بنِ أَخْطَبَ، وَقَدْ قُتِلَ زَوْجُهَا، وَكَانَتْ عَرُوساً، فَاصْطَفَاهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِنَفْسِهِ، فَخَرَجَ بِهَا حَتَّى بَلَغْنَا سَدَّ الصَّهْبَاءِ حَلَّتْ، فَبَنَى بِهَا، ثُمَّ صَنَعَ حَيْساً فِي نِطَعٍ صَغِيرٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "آذِنْ مَنْ حَوْلَكَ". فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى صَفِيَّهَ. ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ، قَالَ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُحَوِّي لَهَا وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ، ثُمَّ يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ، فَيَضَعُ رُكبَتَهُ، فَتَضَعُ صَفِيَّةُ رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ حَتَّى تَرْكَبَ، فَسِرْناَ حَتَى إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ، نَظَرَ إِلَى أُحُدٍ، فَقَالَ: "هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ". ثُمَّ نَظَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ إِنيِّ أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا بِمِثْلِ مَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مُدِّهِمْ وَصَاعِهِمْ". (راهقتُ الحلمَ): أي: قارَبْتُه. (من الهم والحزن): أكثرُهم لا يفرِّق بينهما، ومنهم من فرقَ بأن

باب: من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب

الهمَّ: على ما يُتوقَّعُ، والحزنَ: على ما وَقَعَ (¬1) (¬2). (وضَلَع الدين): -بفتحتين- ثِقَلُه. (وكانت عروساً): قال الخليل: رجلٌ عروسٌ في رجالٍ عُرسٍ، وامرأةٌ عروسٌ في نساءٍ عرائس، قال: والعروس نعتٌ يستوي فيه الرجلُ والمرأة ما داما في تعريسهما أياماً (¬3). (ثم صنع حَيْساً): -بحاء مهملة مفتوحة فمثناة تحتية ساكنة فسين مهملة-: الطعام المتَّخَذ من التمر والأَقِط والسَّمْن، وقد يُجعل عوضَ الأقطِ الدقيقُ (¬4). * * * باب: مَنِ اسْتَعَان بالضُّعَفَاءِ والصَّالِحِينَ في الحَرْبِ 1597 - (2896) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ، عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: رَأَى سَعْدٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ لَهُ فَضْلاً عَلَى مَنْ دُونَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ؟! ". (هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟!): زاد النسائي في "سننه": ¬

_ (¬1) في "ج": "توقع". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 645). (¬3) انظر: "العين" (1/ 328). (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 645).

"بِصَوْمِهِمْ وَصَلاتِهِمْ وَدُعَائِهِمْ" (¬1) ووُجِّهَ (¬2) أنَّ عِبادةَ الضعفاء أشدُّ إخلاصاً؛ لخلاء (¬3) قلوبهم من التعلُّق بالدنيا، وصفاءِ ضمائرِهم مما يقطعُهم عن الله، فجعلوا هَمَّهم واحدًا، فَتَزَكَّتْ أعمالهُم، وأُجيب دعاؤهم (¬4). * * * 1598 - (2897) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو: سَمِعَ جَابِرًا، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "يَأْتِي زَمَانٌ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ: فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَيُقَالُ: نعَمْ، فَيُفْتَحُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَأْتِي زَمَانٌ، فَيُقَالُ: فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَيُقَالُ: نعَمْ، فَيُفْتَحُ، ثُمَّ يَأْتِي زَمَانٌ، فَيُقَالُ: فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ صَاحِبَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَيُقَالُ: نعَمْ، فَيُفْتَحُ". (يأتي زمانٌ يغزو فِئام): -بفاء مكسورة فهمزة فألف فميم-: الجماعةُ من الناس لا واحدَ له من لفظه، والجملةُ الثانية في محل رفع صفة لـ"زَمانٌ"، والعائد محذوف؛ أي: فيه. * * * ¬

_ (¬1) رواه النسائي (3178). (¬2) في "ج": "وجهه". (¬3) في "ج": "لجلاء". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 646).

باب: لا يقول: فلان شهيد

باب: لا يَقُولُ: فُلَانٌ شَهِيدٌ (باب: لا يقال (¬1): فلانٌ شهيد): قيل: ليس في حديث الباب من معنى الشهادة شيء، وغاية ما قيل فيه: (ما أَجزأَ اليومَ منا أحدٌ كما أجزأَ فلانٌ)، يمدحون فعله وغَناءه، فأُوحي إليه بمغيبِ مآلِ (¬2) أمرِه حتى لا يَشهدوا لأحدٍ شهادةً (¬3) قاطعةً عند الله (¬4). 1599 - (2898) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْتَقَى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ فَاقْتَتَلُوا، فَلَمَّا مَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى عَسْكَرِهِ، وَمَالَ الَآخَرُونَ إِلَى عَسْكَرِهِمْ، وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ، لا يَدَعُ لَهُمْ شَاذَّةً وَلَا فَاذَّةً إلَّا اتَّبَعَهَا يَضْرُبهَا بِسَيْفِهِ، فَقَالَ: مَا أَجْزَأَ مِنَّا الْيَوْمَ أَحَدٌ كَمَا أَجْزأَ فُلَانٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ". فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَنَا صَاحِبُهُ، قَالَ: فَخَرَجَ مَعَهُ كُلَّمَا وَقَفَ وَقَفَ مَعَهُ، وَإِذَا أَسْرعَ أَسْرعَ مَعَهُ، قَالَ: فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرْحًا شَدِيدًا، فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ، فَوَضَعَ نصلَ سَيْفِهِ بِالأَرْضِ، وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَى سَيْفِهِ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: أَشْهَدُ أنكَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ: "وَمَا ذَاكَ؟ ". قَالَ: الرَّجُلُ الَّذِي ذَكَرْتَ آنِفًا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَأَعْظَمَ النَّاسُ ¬

_ (¬1) في البخاري: "يقول". (¬2) في "ج": "ما آل". (¬3) في "ج": "شهادتهم". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 647).

ذَلِكَ، فَقُلْتُ: أَنَا لَكُمْ بِهِ، فَخَرَجْتُ في طَلَبِهِ، ثُمَ جُرِحَ جُرْحاً شَدِيداً، فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ، فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ في الأَرْضِ، وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ ذَلِكَ: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهْوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهْوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ". (وفي أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل): هو قُزْمان الظفريُّ، يكنى: أَبا الغيداق، وهو في عداد المنافقين، وكان قد غاب يومَ أُحد، فعيره النساء، فخرجَ وقاتلَ وبالغَ (¬1). (شاذَّة ولا فاذَّة): إما نعتٌ لمحذوف؛ أي: نسمةً شاذةً، وإما للمبالغة؛ كعلاَّمة، والشاذةُ: ما شذتْ عن صوابها، وكذا الفاذَّةُ: هي المنفردةُ، يصفه بأنه (¬2) لا يرى شيئاً إلا أتى عليه، وقيل: ما صَغُر وما كَبُر، وقيل: الشاذةُ: ما كانت من القوم، ثم شذَّتْ منهم، والفاذَّةُ: من لم يختلط معهم أصلًا. (فقال رجل من القوم: أنا صاحبه): هو أكثمُ بنُ أَبي الجَوْن، أو أكثمُ ابنُ الجون، ذكر في "أسد الغابة" حديثاً يدل عليه (¬3). (وذبابه بين ثدييه): الذُّباب: الطَّرَفُ، وقيل: الحَدُّ. وقال (¬4) ابن فارس: الثديُ للمرأة، ويقال للرجل: ثُنْدُؤَة: -بضم ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 647). (¬2) في "ج": "فإنه". (¬3) انظر: "أسد الغابة" (1/ 170). (¬4) في "ع": "وقيل".

أوله مع الهمز (¬1)، وبفتحه مع واو خالصة بلا همز-؛ وقد مر (¬2). (ذكرتَ آنِفاً): -بمد الهمزة-؛ أي: الساعةَ. (ليعملُ بعمل أهل الجنة فيما يبدو للنَّاس): زيادة حسنة ترفعُ الإشكال من الحديث. قال ابن المنير: الظاهرُ جواز إطلاق الشهادة، وقد أطلقها السلفُ والخلفُ بناءً على الظاهر، أما من استُشهد مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ كشهداء أُحدٍ وبَدْرٍ ونحوِهم، فلا خفاءَ به ظاهراً، والظاهر أن مَنْ بعدَهُم كذلك؛ إذ (¬3) لم يمنع أحدٌ (¬4) أن يقال فيمن قُتل في سبيل الله: استُشْهِد. وقد أجمع الفقهاء أن شهيدَ المعترك لا يُغسل، [ويطلقونه عاماً وخاصاً, وللفقيه إذا سُئل عن مؤمنٍ قُتل كذلك أن يقول: هو شهيد، فلا يغسل] (¬5)، والذي منعه النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يطلقه الإنسان جزماً على الغيب، وهذا ممنوع حتى في زمانه -عليه السلام-[إلا بوحي خاص، وقد قال -عليه السلام-] (¬6): "إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحاً أَخَاهُ وَلَا بُدَّ، فَلْيَقُلْ: أَحْسَبُ، أَوْ أَظُنُّ، لا أُزَكِّي عَلَى اللهِ أَحَدًا" (¬7). ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "الهمزة". (¬2) انظر: "مجمل اللغة" (ص: 157). وانظر: "التنقيح" (2/ 647). (¬3) في "ج": "إذا". (¬4) في "ج": "أحدًا". (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬6) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬7) رواه مسلم (3000) عن أبي بكرة رضي الله عنه.

باب: التحريض على الرمي وقوله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل} [الأنفال: 60]

هذا كلُّه ما لم يَدْعُ إلى التزكية ضرورةٌ، فإن كانت شهادة في حق يُحكم بها، فلا خلافَ أن التزكيةَ على البَتِّ، ولو قال هنا: أظنُّ وأحسبُ؛ لأوردَهُ في غير موضعه؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- خَصَّ لفظَ الظنِّ بغير حال الشهادة في الحقوق، والإجماعُ يبينُ المراد (¬1)، وفي الشهادة تعبدات. * * * باب: التَّحْرِيضِ عَلَى الرَّمْي وقوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: 60] 1600 - (2899) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ ابْنُ إسْمَاعِيلَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسلَمَ يَنْتَضِلُونَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ؛ فَإِنَّ أبَاكُمْ كَانَ رَامِياً، ارْمُوا وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلَانٍ". قَالَ: فَأَمْسَكَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ بَأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا لَكُمْ لاَ تَرْمُونَ؟ "، قَالُوا: كَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ؟ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ارْمُوا، فَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ". (على نفرٍ من أَسْلَمَ يَنْتَضِلُون (¬2)): -بضاد معجمة-؛ أي: يَرْتَمون، والنضال: الرمي مع الأصحاب. وقال ابن فارس: نَضَلَ فلانٌ فلاناً في المراماة: إذا غَلَبَه، وناضَلْتُ ¬

_ (¬1) في "ج": "الموارد". (¬2) في "ع": "يتناضلون".

فلاناً فنَضَلْتُهُ؛ أي: غَلَبْتُهُ، وانْتَضَلَ القومُ وتَناضَلوا: إذا رَمَوْا بالسَّبْق (¬1). (ارموا بنو (¬2) إسماعيل): فيه دليل لمن يقول من النسابة: اليمن من ولد إسماعيل. قيل: ويمكن أن يكون أراد: بنوةَ (¬3) القوة؛ لأنهم رَمَوا مثلَ رميه (¬4). (فأمسك أحدُ (¬5) الفريقين): قال المهلب: تأدباً مع النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لئلا يرموا، فيسبقوا الطائفة التي هو -عليه السلام- معها. قال ابن المنير: والظاهرُ أن إمساكهم؛ لاستشعارهم قوةَ قلوبِ أصحابِهم بالغَلَبَة (¬6)؛ إذ (¬7) كانت معهم بركةُ النبي - صلى الله عليه وسلم - وهِمَّتُه، وأيُّ سببٍ في الانتصار أعظمُ من ذلك؟ فوقفوا وقوفَ المغلوبين، فلما قال: "ارموا، وأنا معكم كُلِّكم"، وسوَّى بينهم (¬8) في صرفِ الهمةِ إلى الجميع، تساوتْ أقدامُهم حينئذٍ، فعادوا إلى الانتضال. بقي أن يقال: إذا تقاوت البركةُ من الجانبين، وتعارضَتْ، فأين يظهر (¬9) أثرُها؟ ¬

_ (¬1) انظر: "مجمل اللغة" (ص: 870). (¬2) نص البخاري: "بني". (¬3) في "ج": "بنو". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 648). (¬5) في "ج": "إحدى". (¬6) في "ع": "بالعلية". (¬7) في "ع" و"ج": "إذا". (¬8) في "ع": "أي: في". (¬9) في "ع": "فأين منها يظهر".

فيقال: يظهر أثرُها (¬1) إما في تساوي الجزأين جميعاً، فيصيب الكلُّ، ولا يُغْلَب أحدٌ منهم، وإما في (¬2) مجموع الجزأين إن ناضل أحدٌ منهم حزباً آخر، فتظهر البركةُ حينئذٍ مع مَنْ خصَّه الرسول بها. وفيه (¬3) أصلٌ في جواز (¬4) الادِّعاء والانتماء إلى الإمام أو غيره من جِلَّةِ الناس في السابقةِ ونحوِها، مما هو من فن الجِدِّ لا اللعب. * * * 1601 - (2900) - حَدَّثَنَا أَبو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْغَسِيلِ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ بَدْرٍ، حِينَ صَفَفْنَا لِقُرَيْشٍ وَصَفُّوا لَنَا: "إِذَا أَكْثَبُوكُمْ، فَعَلَيْكُمْ بِالنَّبْلِ". (عبد الرحمن بنُ الغَسيل): -بفتح الغين المعجمة-، سُمِّي غسيلًا (¬5)؛ لأن الملائكة غسلته. (عن حمزةَ): بحاء مهملة وزاي. (ابن أبي أُسَيْد): بضم الهمزة، مصغَّر (¬6). (إذا أكْثبَوكم): -بمثلثة ثم موحدة-؛ أي: إذا جَعلوكم في كثب منهم، ¬

_ (¬1) "فيقال يظهر أثرها" ليست في "ج". (¬2) "في" ليست في "ج". (¬3) في "ج": "وفي". (¬4) في "ج": "الجواز". (¬5) في "ع": "غسيل". (¬6) في "ع": "مذكر".

باب: المجن، ومن يتترس بترس صاحبه

والكثَب -بفتح المثلثة-: القُرْب؛ والهمزةُ للتعدية. وقيل: المعنى إذا تحاملوا عليكم، وتكاثروا، فعليكم بالنَّبْل، وذلك أن النبلَ إذا رمى (¬1) الجمعَ لم يخطئ، ففيه ردعٌ (¬2) لهم (¬3). * * * باب: الْمِجَنِّ، وَمَنْ يَتَتَرَّسُ بِتُرْسِ صَاحِبِهِ (باب: المِجَنِّ): وجهُ إدخاله في الفقه: أن لا يُتخيل أن التترسَ ينافي التوكُّل، والحقُّ أن الحذرَ لا يردُّ القدرَ، ولكن يضيق مسالكَ الشيطان، ولا (¬4) ينافي التوكُّلَ على الرحمن (¬5). 1602 - (2903) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ، قَالَ: لَمَّا كُسِرَتْ بَيْضَةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رَأْسِهِ، وَأُدْمِيَ وَجْهُهُ، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيتَهُ، وَكَانَ عَلِيٌّ يَخْتَلِفُ بِالْمَاءِ فِي الْمِجَنِّ، وَكَانَتْ فَاطِمَةُ تَغْسِلُهُ، فَلَمَّا رَأَتِ الدَّمَ يَزِيدُ عَلَى الْمَاءِ كَثْرَةً، عَمَدَتْ إِلَى حَصِيرٍ فَأَحْرَقَتْهَا، وَألصَقَتْهَا عَلَى جُرْحِهِ، فَرَقَأَ الدَّمُ. (قال: لما كُسرت بيضةُ النبي - صلى الله عليه وسلم - على رأسه، وأُدْمي وجهُه، وكسرت ¬

_ (¬1) في "ع": "إذا أرمي". (¬2) في "ع": "رد". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 648). (¬4) في "ع": "فلا". (¬5) في "ع": "على الله".

رَباعِيَتُهُ): -بفتح الراء وتخفيف الياء (¬1) -: السن التي بين الثنية والناب، والفاعل لهذه القضيةِ الشنعاءِ قيل: هو عبد الله بنُ قَمِئَةَ، وقيل: عُتبةُ بن أبي وقاص، وذلك يومَ أُحد. وذكر الثاني الحاكمُ في "المستدرك" في ترجمة حاطبِ بنِ أبي بَلْتَعَةَ عن أنسِ بنِ مالك: أنه سمعَ حاطبَ بنَ أبي بلتعة يقول: إنه طلعَ على النبي - صلى الله عليه وسلم - بأُحدٍ وهو يشدُّ، وبيدِ عليِّ بنِ أبي طالب الترسُ فيه ماء، ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يغسل وجهه من ذلك الماء، فقال له حاطب: من فعل بك هذا؟ قال: عتبةُ بنُ أبي وقاص، هشمَ وجهي، ودقَّ رَباعيتي بحجر رماني، قلتُ (¬2): أين توجَّه عتبةُ؟ فأشار إلى (¬3) حيثُ توجَّه، فمضيت حتى ظفرتُ به، فضربته بالسيف فطرحتُ رأسه، فهبطت فأخذت رأسه وسَلَبَه وفرسَه، وجئت به (¬4) النبي - صلى الله عليه وسلم -، فسلَّم ذلكَ إليّ، ودعا لي فقال (¬5): "رَضِيَ اللهُ عَنْكَ، رَضِيَ اللهُ عَنْكَ" (¬6). وفي "السِّيرة": قال ابن هشام: وذكر رُبَيح بنُ عبدِ الرحمن بنِ أبي سعيدٍ الخدري، [عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري] (¬7): أن عُقبةَ (¬8) بنَ أبي ¬

_ (¬1) "الياء" ليست في "ج". (¬2) في "ج": "فقلت". (¬3) في "ع": "إليه". (¬4) في "ع": "به إلى". (¬5) في "ع": "قال". (¬6) رواه الحاكم (5307)، قال الحافظ في "الإصابة" (5/ 259): إسناده فيه مجاهيل. (¬7) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬8) في "ع": "عن أبيه عن عقبة".

باب

وقاص رمى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذٍ، فكسر رَباعِيَتَهُ السفلى، وجرح شَفَتَه السفلى، وأن عبدَ الله بنَ شهاب (¬1) الزهريَّ شَجَّه في جبهته، وأن ابنَ قَمِئَةَ جرحه في وَجْنته، فدخلت حلقتان من حِلَق (¬2) المغفر في وجنته (¬3). (في المِجن): -بكسر الميم-: التُّرْس. (فَرَقَأَ): -بهمزة بعد القاف-؛ أي: انقطعَ. * * * 1603 - (2904) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، عَنْ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولهِ - صلى الله عليه وسلم -، مِمَّا لَمْ يُوجِفِ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَاصَّةً، وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِ، ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بقِيَ فِي السِّلاَحِ وَالْكُرَاعِ، عُدَّةَّ فِي سَبِيلِ اللهِ. (ابن الحدَثان): بفتح الدال المهملة. * * * باب 1604 - (2905) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيىَ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: ¬

_ (¬1) في "ع": "بن أبي شباب". (¬2) "من حلق" ليست في "ج". (¬3) انظر: (4/ 28).

حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ عَلِيٍّ. حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ شَدَّادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُفَدِّي رَجُلاً بَعْدَ سَعْدٍ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي". (سمعتُ علياً يقول: ما رأيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُفَدّي): بضم حرف المضارعة وفتح الفاء وتشديد الدال المهملة. (رجلاً بعد سعدٍ، سمعته يقول: ارم فداك أبي وأمي): قال الزركشي: قيل: قد (¬1) صح أنه فدى الزبير أيضاً، فلعل علياً لم يسمعه (¬2). قلت: إنما يحتاج إلى الاعتذار إذا ثبت أنه فدى الزبير بعدَ سعد (¬3)، وإلا، فقد يكون فداه قبلَه، فلا يُعارض قولَ عليٍّ -رضي الله عنه-: ما رأيته يفدِّي رجلًا بعد سعد، فلا يحتاج إلى الاعتذار حينئذ. والتفديةُ من النبي - صلى الله عليه وسلم - دعاء؛ وأدعيتُه مستجابة. وقيل: إنما فداه بأبويه لِما ماتا عليه. وقال ابن الزملكاني: الحق أن كلمة التفدية (¬4) نُقلت بالعرف عن وضعها (¬5)، وصارت علامة على الرضا، فكأنه قال: اِرم مَرْضِيًّا عنك (¬6). ¬

_ (¬1) في "ج": "وقد". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 649). (¬3) في "ع": "بعد سبع". (¬4) في "ع": "التعدية". (¬5) في "ع": "عن وصفها". (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 649).

باب: الدرق

باب: الدَّرَقِ (باب: الدَّرَق): مقصودُه من هذا وأمثالِه: أن يبين زِيَّ العرب في آلة الحرب، وتمييزَ ما سبق استعماله في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ليكون أطيبَ للنفس، وأبرأَ من احتمال البدعة. * * * باب: مَا جَاءَ في حِلْيَةِ السُّيوفِ 1605 - (2909) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَناَ الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ حَبِيبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ: لَقَدْ فَتَحَ الْفُتُوحَ قَوْمٌ، مَا كَانَتْ حِلْيَةُ سُيُوفِهِم الذَّهَبَ وَلاَ الْفِضَّةَ، إِنَّمَا كَانَتْ حِلْيتُهُمُ الْعَلاَبِيَّ وَالآنُكَ وَالْحَدِيدَ. (إنما كانت حِلْيتهم العَلابي): -بفتح العين المهملة- جمع عِلْباء -بكسرها-، وهو عَصَبٌ في عُنق البعير يُشقق (¬1)، ثم يُشَدُّ (¬2) به أسفلُ الجفن وأعلاه، يُجعل موضعَ (¬3) الحِلْية، وقيل: ضربٌ [من] الرصاص (¬4)، ولذلك قُرن بالآنُكِ، حكاه القزاز (¬5) (¬6). ¬

_ (¬1) في "ع": يفسق". (¬2) في "ج": "يشدد". (¬3) في "ع" و"ج": "يجعل في موضع". (¬4) في "ع": "ضرب إلى الرصاص". (¬5) "حكاه القزاز" ليست في "ع". (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 650).

باب: من علق سيفه بالشجر في السفر عند القائلة

قلت: قرانه بالآنُك يشبه أن يكون مانعاً من تفسيره بالرصاص، لا مقتضياً. (والآنُك): -بهمزة ممدودة ونون مضمومة بعد الألف وكاف مخففة-: هو الرصاص، وهو واحدٌ لا جمع له، وقيل: هو من شاذِّ كلامهم أن يكون واحدٌ على زِنَةِ أَفْعَل، وقيل: هو القِصْدير (¬1). * * * باب: مَنْ عَلَّقَ سَيْفَهُ بالشَّجَرِ في السَّفَرِ عِنْدَ القَائِلَةِ 1606 - (2910) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيُّ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- أَخْبَرَ: أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قِبَلَ نَجْدٍ، فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَفَلَ مَعَهُ، فَأَدْرَكَتْهُمُ الْقَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَتَفَرَّقَ النَّاسُ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَحْتَ سَمُرَةٍ، وَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ، وَنمْنَا نومَةً، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْعُوناَ، وَإِذَا عِنْدَهُ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: "إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ عَلَيَّ سَيْفِي وَأَناَ ناَئِمٌ، فَاسْتَيْقَظْتُ وَهْوَ فِي يَدِهِ صَلْتاً"، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ فَقُلْتُ: "اللهُ"، ثَلاَثاً، وَلَمْ يُعَاقِبْهُ، وَجَلَسَ. (تحت سَمُرةٍ): -بفتح السين المهملة وضم الميم-: واحدةُ السَّمُرِ: ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 650).

وهو شجر الطَّلْح (¬1). (وإذا عنده أعرابي): هو غورثُ بنُ الحارث، ويقال: دُعْثور، وقد عدَّه الذهبي في "الصحابة"، فقال في الغين: غَوْرَثُ بنُ الحارث، قال: من يمنعك مني؟ قال: "الله"، فوقع (¬2) السيف من يده، وأسلم. قاله البخاري من حديث جابر (¬3). وقال في الدال: دُعثور (¬4) بنُ الحارث الغطفاني في حديث عجيب الإسناد. والأشبه: غورث. وفي "أسد الغابة": لم يذكره في غورث، وإنما ذكره في دُعثور، فقال: أورده أبو سعيد النقاش في "الصحابة"، وساق سنداً عن الواقدي إلى عبد الله بن رافع بن خديج، عن أبيه، وفيه: انتهى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ذي أمر، فعسكَرَ به، فقالت (¬5) غطفانُ لدُعثور (¬6) بن الحارث -وكان سيدَها، وكان شجاعاً-: انفردَ محمدٌ عن أصحابه، وأنتَ لا تجده (¬7) أخلى (¬8) من ¬

_ (¬1) في "ج": "الطلع". (¬2) في "ع": "فرفع". (¬3) رواه البخاري (4136). (¬4) في "ع": "معثور". (¬5) في "ع" و"ج": "فقال". (¬6) "لدعثور" ليست في "ع". (¬7) في "ج": "أتخذه". (¬8) في "ج": "خلا".

هذه الساعة، فأخذ سيفاً صارماً، ثم انحدر وساق الحديث، وفيه: "ثم أسلم دعثورٌ بعدُ" أخرجه أبو موسى، وقال: كذا أورده. والمشهور بهذا الفعل غَورث، وربما (¬1) تصحَّف [أحدُهما من الآخر، ولم يُذكر إسلامُه (¬2) إلا في هذه الرواية، وذكره (¬3) أبو أحمد العسكري، كما ذكره أبو سعيد] (¬4) النقاش، وسماه: دُعثوراً (¬5). وحكى مغلطاي: أن الخطيب في "مبهماته" قال: يقال: اسمه غورك -بالكاف-. قال شيخنا قاضي القضاة جلال الدين البلقيني -أمتع الله بعلومه الشريفة-: وأما ما نسبه الذهبي إلى البخاري من إسلامه، فلم أقف عليه؛ فإن (¬6) البخاري أعادَ هذا الحديث في الغزوات بعدَ غزوةِ ذاتِ الرقاع، ثم قال في آخره: وقال مسدَّدٌ عن أبي بِشْر: اسمُ الرجل غورثُ ابنُ الحارث، ثم أعاده (¬7) بعد غزوةِ بني المصطلق، وهي المريسيع، ولم يذكر إسلامَه، فليحرَّر ذلك. (اخترط عليَّ سيفي): أي: جَرَّدَه من غِمْدِه. ¬

_ (¬1) في "ع": "غورث فمن ربما". (¬2) في "ع": "ولم يذكر السلامة". (¬3) في "ع": "وذكر". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬5) انظر: "أسد الغابة" (2/ 192). (¬6) في "ج": "لأن". (¬7) في "ع" و"ج": "أعاد".

باب: من لم ير كسر السلاح عند الموت

(وهو في يده صلتاً): أي: مُجَرَّدًا، وفي إعرابه وجوهٌ تقدمَ (¬1) التنبيهُ على مثلها مَرَّاتٍ. * * * باب: مَنْ لَمْ يَرَ كَسْرَ السِّلاَحِ عِنْدَ الْمَوْتِ (باب: مَنْ لم يرَ كسرَ السلاح عندَ الموت): قال المهلب: كانت الجاهلية إذا مات سلطانُهم أو رئيسُهم، عَهِدَ بكسر سلاحه وحرقِ متاعه وعقرِ دوابه؛ فخالف (¬2) النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلَهم، و (¬3) تركَ بغلَتَه وسلاحَه وأرضَه غيرَ معهودٍ فيها بشيء إلا صدقةً في سبيل الله. قال ابن المنير: كأن الله (¬4) أنطقَهم من حالهم، والفأل موكَّلٌ بالمنطق، ألا تراهم يكسرون سلاحهم إقراراً بانقطاعِ أعمالِهم، وبطلانِ آثارهم، [وذهابِ أفعالهم التي فعلوها لغير الله تعالى، وانكسارِ ذكرهم، وخمولِ قدرهم، وصيرورتهم] (¬5) بحالِ مَنْ لا ناصرَ له ولا عدةَ؟ وأما المتبعُ للسنة إذا أبقى سلاحه، [فهو عنوانٌ على بقاء ذكره، واستموال أعماله الحسنة التي سنها للناس، وعادته الجميلة التي حمل] (¬6) ¬

_ (¬1) في "ع": "فقدم". (¬2) في "ع" و"ج": "فخالفهم". (¬3) في "ج": "أو". (¬4) لفظ الجلالة "الله" ليس في "ع". (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬6) ما بين معكوفتين ليس في "ج".

باب: تفرق الناس عن الإمام عند القائلة والاستظلال بالشجر

عليها العبادَ، فهو إِذَنْ (¬1) حَيٌّ [وإن مات، وغيرُه ميت] (¬2) وإن كان في الحياة. * * * باب: تَفَرُّقِ النَّاسِ عَنِ الإمَامِ عِنْدَ القَائِلَةِ والاسْتِظْلاَلِ بالشَّجَرِ 1607 - (2913) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنَا سِنَانُ، بْنُ أَبِي سِنَانٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ: أَنَّ جَابِراً أَخْبَرَهُ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَناَ ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيِّ: أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَدْرَكَتْهُمُ الْقَائِلَةُ فِي وَادٍ كثِيرِ الْعِضَاهِ، فَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الْعِضَاهِ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - تَحْتَ شَجَرَةٍ، فَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ، ثُمَّ ناَمَ، فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ وَهْوَ لاَ يَشْعُرُ بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ سَيْفِي"، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ؟ قُلْتُ: "اللهُ"، فَشَامَ السَّيْفَ، فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ. ثُمَّ لَمْ يُعَاقِبْهُ. (فها هو ذا جالسٌ): -بالرفع- عند الجمهور على أن "ذا" (¬3) الخبر، و"جالسٌ" خبرٌ آخر، و"ذا" بدل من "هو"، و"جالس" الخبر، أو "ذا" هو الخبر، و"جالس" خبر مبتدأ مضمَر. ¬

_ (¬1) "إذن" ليست في "ج". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬3) "ذا" ليست في "ع".

باب: ما قيل في الرماح

ورُوي بالنصب على الحال على جعل "ذا" خبر المبتدأ، وعاملُ الحال ما في "ها" من معنى التنبيه، [أو في "ذا" من معنى الإشارة (¬1). * * * باب: مَا قِيلَ فِي الرِّمَاحِ وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "جُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي". (جُعل رزقي تحت ظلِّ رمحي): قال ابن المنير: فيه تنبيه] (¬2) حسنٌ على أن ظلَّه -بحمد الله- ممدودٌ، وحظَّه من السعد غيرُ محدود؛ لأن العربَ تضربُ المثلَ في الطولِ بظلِّ القَناة. * * * باب: مَا قِيْلَ في دُرُوعِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - والقَميصِ في الحَرْبِ 1608 - (2915) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ فِي قُبَّهٍ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ بَعْدَ الْيَوْمِ". فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ: حَسْبُكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَدْ ألحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ، وَهْوَ فِي الدِّرْعِ، فَخَرَجَ وَهْوَ يَقُولُ: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر: 45 - 46]. وَقَالَ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 651). (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع".

باب: الحرير في الحرب

وُهَيْبٌ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ: يَوْمَ بَدْرٍ. (اللهم إني أَنْشُدُك عَهْدَك ووَعْدَك): ولأبي زيد: "اللهم إني أَسْأَلُكَ"؛ أي: أساَلك إنجازَ وعدك، وإتمامَه بإظهار ديِنكَ (¬1). (اللهم إن شئت لم تُعبد): ويروى: "إِنْ تَشَأْ لا تُعْبَدُ"، وهذا تسليمٌ لأمر الله فيما يشاء أن يفعلَه، وفيه ردٌّ على المعتزلة القائلين بأن الشرَّ غيرُ مرادٍ للهِ (¬2). (فقد ألححْتَ): أي: داومتَ الدعاء، وسيأتي فيه كلام إن شاء الله تعالى. * * * باب: الْحَرِيرِ فِي الْحَرْبِ (باب: الحريرِ في الحَرْب): يروى: الحرب -بفتح الحاء المهملة وسكون الراء-، ويروى بجيم وراء مفتوحة (¬3). 1609 - (2920) - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَالزُّبَيْرَ: شَكَوَا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -يَعْنِي: الْقَمْلَ-، فَأَرْخَصَ لَهُمَا فِي الْحَرِيرِ، فَرَأَيْتُهُ عَلَيْهِمَا فِي غَزَاةٍ. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 651). (¬2) في "ج": "الله". وانظر: "التنقيح" (2/ 651). (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 652).

باب: ما قيل في قتال الروم

(شكيا): هكذا بالياء في بعض النسخ، و"شَكَوا" -بالواو- في (¬1) بعضِها؛ ولكلٍّ وجهٌ. قال الجوهري: يقال (¬2): شَكَيْتُ، وشَكَوْتُ (¬3). * * * باب: مَا قِيْلَ في قِتَالِ الرُّوْمِ 1610 - (2924) - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيىَ ابْنُ حَمْزَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ: أَنَّ عُمَيْرَ بْنَ الأَسْوَدِ الْعَنْسِيَّ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ أَتَى عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، وَهْوَ ناَزِلٌ فِي سَاحِلِ حِمْصَ، وَهْوَ فِي بِنَاءٍ لَهُ، وَمَعَهُ أُمُّ حَرَامٍ، قَالَ عُمَيْرٌ: فَحَدَّثَتْنَا أُمُّ حَرَامٍ: أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ الْبَحْرَ قدْ أَوْجَبُوا". قَالَتْ أُمُّ حَرَامٍ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَناَ فِيهِمْ؟ قَالَ: "أَنْتِ فِيهِمْ". ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لَهُمْ"، فَقُلْتُ: أَناَ فِيهِمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "لاَ". (العَنْسِيَّ): -بالنون- نسبة إلى قبيلة من العرب يقال لهم: بنو عَنْسٍ، وهم بالشام، وأما بنو عَبْسٍ -بالباء الموحدة-، فبالبصرة (¬4). (قد أوجبوا): أي: لأنفسِهم المغفرةَ والرحمةَ بأعمالهم الصالحة. ¬

_ (¬1) في "ع": "وفي". (¬2) "يقال" ليست في "ج". (¬3) انظر: "الصحاح" (6/ 2394). وانظر: "التنقيح" (2/ 652). (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 652).

باب: قتال اليهود

(أولُ جيش من أمتي يغزون مدينةَ قيصرَ مغفورٌ لهم): قال المهلب: من هذا الحديث ثبتت (¬1) خلافةُ يزيدَ بنِ معاوية، [وفيه: أنه من أهل الجنة. قال ابن المنير: تحاملَ في تصحيح خلافة يزيدَ بنِ معاوية] (¬2)، ثم في (¬3) جعله من المشهود [لهم بالجنة، وما أراه إلا احتملَتْه الحميةُ لبني أُميةَ، ولا خفاءَ بأن المغفرةَ ونحوَها من آثار الخير، إنما] (¬4) تتنزل على أسبابها، وإنما تؤتى من أبوابها، وحالةُ يزيدَ عند أهل السنة والجماعة ليست بهذه المثابة، وتخصيصُ واحدٍ من الأمة بقرائنَ تُخرجه من العموم ليس ببدعٍ (¬5)، ولا خلافَ في أن قوله -عليه السلام-: "مغفورٌ لهم" مشروطٌ بكونهم (¬6) من أهل الجنة والمغفرة، والمرادُ: مغفورٌ لمن وُجد شرطُ المغفرة فيه منهم (¬7). * * * باب: قِتَالِ اليَهُودِ 1611 - (2925) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) في "ع": "يثبت"، وفي "ج": "تثبت". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬3) "في" ليست في "ج". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬5) في "ج": "بدع". (¬6) في "ع": "بكونه". (¬7) في "ج": "فيهم".

باب: قتال الترك

قَالَ: "تُقَاتِلُونَ الْيَهُودَ، حَتَّى يَخْتَبِئَ أَحَدُهُمْ وَرَاءَ الْحَجَرِ، فَيَقُولَ: يَا عَبْدَ اللهِ! هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ". (إسحاق بن محمد الفَرْوي): -بفاء مفتوحة وراء ساكنة-: نسبة لجدِّه أبي فروة (¬1). (تقاتلون اليهود): هذا عند نزول عيسى بن مريم -عليه السلام-، ويكون اليهود مع الدجال. * * * باب: قِتَالِ التُّرْكِ 1612 - (2928) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ الأَعْرَجِ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا التُّرْكَ، صِغَارَ الأَعْيُنِ، حُمْرَ الْوُجُوهِ، ذُلْفَ الأُنُوفِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ، وَلاَ تَقومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْماً نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ". (ذُلْفَ الأنوف): -بضم الذال المعجمة وسكون اللام-: جمعُ أَذْلَف، وهو القصير الأنف. وقال ابن فارس: الذُّلْفَةُ: الاستواءُ في طَرَفِ الأنف (¬2). والأنوف: جمعُ أَنْفٍ في الكثرة، وآنُفٍ في القِلَّة، كذا رواه القزاز (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 652). (¬2) انظر: "مجمل اللغة" (ص: 360). (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 653).

باب: من صف أصحابه عند الهزيمة ونزل عن دابته واستنصر

(كأن وجوههم المجَانُّ): -بفتح الميم وتخفيف الجيم (¬1) وتشديد النون-: جمعُ مِجَنّ، وهو الترس، كما مر. (المُطْرَقَة): -بضم الميم وإسكان الطاء المهملة-: التي يُجعل لها الطِّراقُ، وهو جلدٌ يُقَدَّرُ على قَدْرِ الدَّرَقَة، ثم يُلصق عليها، ويُجعل طاقةً فوقَ طاقة، ومنه: طارَقْتُ النعلَ: إذا صيرت خَصفاً على خَصف، أراد بذلك عرضَ وجوههم (¬2). * * * باب: مَنْ صَفَّ أَصْحَابَهُ عِنْدَ الهَزِيْمَةِ وَنزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ واسْتَنْصَرَ 1613 - (2930) - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ، وَسَأَلَهُ رَجُل: أَكُنْتُمْ فَرَرْتُمْ يَا أَبَا عُمَارَةَ يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ قَالَ: لاَ وَاللهِ! مَا وَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَكِنَّهُ خَرَجَ شُبَّانُ أَصْحَابِهِ وَأَخِفَّاؤُهُمْ حُسَّراً لَيْسَ بِسِلاَحِ، فَأَتَوْا قَوْماً رُمَاةً، جَمْعَ هَوَازِنَ وَبَنِي نَصْرٍ، مَا يَكَادُ يَسْقُطُ لَهُمْ سَهْمٌ، فَرَشَقُوهُمْ رَشْقاً مَا يَكَادُونَ يُخْطِئُونَ، فَأَقْبَلُوا هُنَالِكَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَهْوَ عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ، وَابْنُ عَمِّهِ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَقُودُ بِهِ، فَنَزَلَ وَاسْتَنْصَرَ، ثُمَّ قَالَ: "أَناَ النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ، أَناَ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ"، ثُمَّ صَفَّ أَصْحَابَهُ. (شُبان): -بضم الشين-: جمعُ شابٍّ. ¬

_ (¬1) "وتخفيف الجيم" ليست في "ع". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 653).

باب: الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة

(وأَخِفَّاؤهم): جمع خفيف، ويقال فيه: خِفٌّ أيضاً؛ أي (¬1): لا سلاحَ معه يُثقله، ويروى: "خِفافُهم" (¬2). (حُسّراً): -بضم الحاء المهملة [وتشديد السين المهملة-: جمعُ حاسِرٍ، وهو الذي لا دِرْعَ معه. (جمع هوازنَ)] (¬3): مجرور بالفتحة؛ لأنه لا ينصرف (¬4). (ما يكاد يسقط لهم سهمٌ): يحتمل أن يكون في "كاد" ضمير شأنٍ مستتر، والجملة الفعلية خبر كاد، ويحتمل أن يكون "سهم" اسمها، و"يسقط لهم" خبرها (¬5)؛ مثل (¬6): ما كان يقومُ زيدٌ (¬7)، على خلاف فيه، والمعنى: أنهم يجيدون الرمي، فلا يسقط لهم سهم في الأرض. * * * باب: الدُّعَاءِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِالْهَزِيمَةِ وَالزَّلْزَلَةِ (باب: الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة): في الباب أحاديثُ ليس فيها الدعاء بالهزيمة والزلزلة إلا في حديث واحد، وبقيةُ الأحاديث ¬

_ (¬1) "أي" ليست في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 653). (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬4) في "ع": "لا يتصرف". (¬5) في "ج": "سهم خبرها". (¬6) "مثل" ليست في "ع". (¬7) في "ع": "زيداً".

إنما دعا فيها بغير الهزيمة. قال ابن المنير: إنما خص في الترجمة الدعاءَ بالهزيمة؛ لئلا يتخيلَ متخَيِّلٌ أن الدعاء بها تضجيع في إهلاك المشركين؛ لأن المنهزم ينجو بنفسه، والمراد: البالغُ منهم إنما هو الهلاك والقتل، فأراد البخاري أن الدعاء يكون مقتصداً وبالغاً، وإذا جاز أن يدعو عليهم بالهزيمة، فما (¬1) فوقها أجدَرُ. قلت: في الأولوية نظر، وذلك لأن الهزيمة فيها سلامةُ نفوسهم، وقد يكون ذلك مطلوباً رجاء أن يتوبوا من الشرك، ويدخلوا في الإسلام، والإهلاكُ الماحقُ لهم مفوِّتٌ لهذا المقصد الصحيح، فتأمله. * * * 1614 - (2934) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَناَسٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَنُحِرَتْ جَزُورٌ بِنَاحِيَةِ مَكَّةَ، فَأَرْسَلُوا فَجَاؤُوا مِنْ سَلاَهَا وَطَرَحُوهُ عَلَيْهِ، فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَلْقَتْهُ عَنْهُ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ"، لأَبي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَهَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَليدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبهَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ. قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُمْ فِي قَلِيبِ بَدْرٍ قَتْلَى. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَنَسِيتُ السَّابِعَ. وَقَالَ يُوسُفُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: ¬

_ (¬1) في "ع": "فيما".

باب: دعوة اليهود والنصارى، وعلى ما يقاتلون عليه؟ وما كتب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى كسرى وقيصر، والدعوة قبل القتال

أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ. وَقَالَ شُعْبَةُ: أُمَيَّهُ، أَوْ أُبَيٌّ. وَالصَّحِيحُ أُمَيَّةُ. (والصحيح أمية): هو كما قال؛ لأن أُبَيَّ بنَ خلف قتلَه النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1) يومَ أُحد بعدَ بدر (¬2). * * * باب: دَعْوَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَعَلَى مَا يُقَاتَلُونَ عَلَيْهِ؟ وَمَا كَتَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ، وَالدَّعْوَةِ قَبْلَ الْقِتَالِ (باب: دعوةِ اليهود والنصارى): يريد لزومَ الدعوة قبل القتال، وأما حديثُ ابنِ عَوْنٍ، عن نافع، عن ابن عمر في إغارة النبي - صلى الله عليه وسلم - على بني المصطلق، فقد ذكره البخاري في كتاب: الفتن، وكأنه ترك إدخاله في الجهاد؛ [لأنه محمول على أنهم بلغَتْهم الدعوة] (¬3) (¬4). 1615 - (2938) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَساً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُولُ: لَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الرُّومِ، قِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ لاَ يَقْرَؤُونَ كِتَابًا إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَخْتُوماً، فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِهِ فِي يَدِهِ، وَنَقَشَ فِيهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ. ¬

_ (¬1) من قوله: "الصحيح فتأمله" إلى هنا ليس في "ع". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 653). (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬4) انظر "التنقيح" (2/ 654).

باب: من أراد غزوة فورى بغيرها، ومن أحب الخروج يوم الخميس

(فاتخذ خاتماً من فضة): قال السفاقسي: كان اتخاذه في سنة ستٍّ (¬1). * * * باب: مَنْ أَرَادَ غَزْوَةً فَوَرَّى بِغَيْرِهَا، وَمَنْ أَحَبَّ الْخُرُوجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ (باب: من أراد غزوة فوَرَّى بغيرها): قال الزركشي: وَرَّى بغيرها؛ أي: تَسَتَّرَ بغيرها، وأصلُه من وراء الإنسان؛ إذْ (¬2) مَنْ ورّى بشيء، فكأنه جعلَه وراءه. و (¬3) قيده السيرافي في "شرح سيبويه" بالهمز، قال: وأصحابُ الحديث لم يضبطوا الهمزَ فيه (¬4). قلت: غرّه (¬5) هذا الكلام من السيرافي، فظن خطأَ المحدثين، وليس كذلك ففي "الصحاح": وارَيْتُ (¬6) الشيء؛ أي: أَخْفَيْتُه، وتَوارَى هو؛ أي: استترَ، قال: ويقول: وَرَّيْتُ الخبرَ توريةً: إذا سترته وأظهرت غيره (¬7). ¬

_ (¬1) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬2) في "ج": "لا". (¬3) الواو ليست في "ع". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 655). (¬5) في "ج": "غيره". (¬6) في "ج": "ورأيت". (¬7) انظر: "الصحاح" (6/ 2523)، (مادة: ورى).

فإن قلت: قد عقب (¬1) هذا بقوله: "كأنه مأخوذ من وراء الإنسان، كأنه يجعله وراءه حيث لا يظهر"، ومقتضى هذا أن يكون بالهمز، فكيف يلتئم أولُ كلامه وآخره؟ قلت: همزة وراء ليست أصلية، وإنما هي منقلبة عن ياء، فإذا لوحظ في فعل معنى وراء، لم يجز فيه الإتيانُ بالهمز؛ لفقدان الموجب (¬2) لقلبها (¬3) في الفعل، وثبوته في وراء، وهذا مما يقضي بالقطع بخطأ الزركشي، ولا أدري مع هذا كيف يصحُّ كلام السيرافي؟ فتأمله. والمرادُ بالتورية: التعريضُ؛ كما إذا قصدَ غزوَ مكان قريب، فقال: ما مكانُ كذا إلا (¬4) بعيدٌ (¬5)، وسألَ عنه وعن طريقه، فيفهم السامع بسبب ذلك أنه يقصدُ المكانَ القريب، والمتكلمُ صادقٌ، لكن الخللَ (¬6) وقعَ في فهم السامع خاصة. * * * 1616 - (2948) - وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَناَ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَبِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ ¬

_ (¬1) يعني: الجوهري. (¬2) في "ع": "الموجب أن الموجب". (¬3) في "ع": "لقلتها". (¬4) في "ع": "كذا لا". (¬5) في "ج": "الأبعد". (¬6) في "ع": "التحلل".

كعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ كعْبَ بْنَ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُولُ: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَلَّمَا يُرِيدُ غَزْوَةً يَغْزُوهَا إِلاَّ وَرَّى بِغَيْرِهَا، حَتَّى كَانَتْ عَزْوَةُ تَبُوكَ، فَغَزَاهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَراً بَعِيداً وَمَفَازاً، وَاسْتَقْبَلَ غَزْوَ عَدُوٍّ كَثِيرٍ، فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ؛ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ عَدُوِّهِمْ، وَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ. (حتى كانت غزوةُ تبوكَ): أي: في سنة تسعٍ -بمثناة فوقية-، وكان أول يوم من رجب، واستخلف (¬1) فيها علياً بالمدينة (¬2). (فجلّى للمسلمين): -بجيم ولام مشددة-؛ أي: كشفَ الأمر وأظهرَ لهم؛ لأجل المصلحة الداعية إلى ذلك. (ليتأهبوا أُهبة عدوِّهم): معناه: ليكونوا على أُهْبَةٍ يلاقون بها عدوهم، ويعتدوا لذلك. * * * 1617 - (2949) - وَعَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- كَانَ يَقُولُ: لَقَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْرُجُ إِذَا خَرَجَ فِي سَقَرٍ، إِلاَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ. (وعن يونس، عن الزهري): قال الجَيَّاني: حديثُ يونسَ بهذا صواب، وهو مرسَل، ونازع الدارقطنيُّ في وصل البخاريِّ له من طريق ¬

_ (¬1) في "ع": "فاستخلف". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 655).

باب: الخروج بعد الظهر

معمرٍ عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج في غزوة تبوك يومَ الخميس، وكان يحبُّ أن يخرجَ يومَ الخميس، وأطال الدارقطني في تقرير ذلك. قال الحافظ الجياني: والغرضُ من هذا كله: الاستدراكُ على البخاري؛ حيث خرجه على الاتصال، وهو مرسَل، فلينظر ذلك في محله (¬1). * * * باب: الخُروجِ بَعْدَ الظُّهرِ 1618 - (2951) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى بِالْمَدِينَةِ الظُّهْرَ أَرْبَعًا، وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، وَسَمِعْتُهُمْ يَصْرُخُونَ بِهِمَا جَمِيعاً. (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلَّى بالمدينة الظهرَ (¬2) أربعاً، والعصرَ بذي الحليفة ركعتين): الاستشهادُ به على الخروج بعدَ الظهر ظاهرٌ، لكن فيه معنى آخر استنبطه ابنُ المنير، فقال: فيه السفرُ في غير يوم الخميس، فتأمله. ويتعين أن يكون هنا يومَ السبت؛ لأن أولَ ذي الحجة كان الخميس قطعاً؛ لأن الوقفة الجمعة، وإذا كان أولُه الخميسَ، كان أولُ ذي القعدة إما الثلاثاء إن كان تاماً، والأربعاء إن كان ناقصاً، فيكون [يومُ] الخامس ¬

_ (¬1) انظر: "تقييد المهمل" (2/ 632). وانظر: "التوضيح" (18/ 48). (¬2) في "ع": "العصر".

باب: الخروج في رمضان

والعشرين [منه إما الجمعة، أو السبت قطعاً. فإن كان أوله الثلاثاء، فالخامس والعشرون] (¬1) منه الجمعة، وإن (¬2) كان أوله الأربعاء، فالخامس والعشرون منه السبت، ويستحيل الأول؛ لأنه صلَّى الظهر بالمدينة أربعاً، والعصرَ بذي الحليفة ركعتين، والجمعةُ لا تصلَّى ظهراً أربعاً، فيتعين أن يكون أولُه الأربعاء، والخامسُ والعشرون منه يكون السبت، والله الموفق. * * * باب: الخُروجِ في رَمَضَانَ 1619 - (2953) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي رَمَضَانَ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ أَفْطَرَ. (بلغ الكَديد): -على زنة رَغيف-: ما بين قديد وعسفان، وقد خلا. * * * باب: التَّودِيعِ 1620 - (2954) - وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّهُ قَالَ: بَعَثنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَعْثٍ، وَقَالَ لَنَا: "إِنْ لَقِيتُم فُلاَناً وَفُلاَناً" -لِرَجُلَيْنِ مِنْ ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬2) في "ع": "وإذا".

قُرَيْشٍ سَمَّاهُمَا-، "فَحَرِّقُوهُمَا بِالنَّارِ". قَالَ: ثُمَّ أَتَيْنَاهُ نُوَدِّعُهُ حِينَ أَرَدْناَ الْخُرُوجَ، فَقَالَ: "إِنِّي كُنْتُ أَمَرَتُكُمْ أَنْ تُحَرِّقُوا فُلاَناً وَفُلاَناً بِالنَّارِ، وَإِنَّ النَّارَ لاَ يُعَذِّبُ بِهَا إِلاَّ اللهُ، فَإِنْ أَخَذْتُمُوهُمَا، فَاقْتُلُوهُمَا". (إن لقيتمُ فلاناً وفلاناً -لرجلين من قريش سماهما-): الرجلان هما: هَبَّارُ بنُ الأسود، ونافعُ بنُ عبدِ عمرٍو. وذكره ابنُ بشكوال بعد أن أخرج هذا الحديث من طريق البخاري، ثم أخرجَ من طريق ابنِ لهيعة، قال: أخبرني بُكير بن الأشجع، عن سليمانَ بن يسار، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - سرية، وكان أبو هريرة فيهم، فقال: "إِنْ لَقِيتُمْ هَبَّارَ بْنَ الأَسْوَدِ، وَناَفِعَ بْنَ عَبْدِ عَمْرٍو، فَأحْرِقُوهُمَا بِالنَّارِ، لا تَقْتُلُوهُما"، وكانا نَخَسا بزينبَ بنتِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - حين خرجَتْ من مكة، فلم تزل ضَنِيَّهً حتى ماتت، فلما ودَّعنا النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: "إِنِّي كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ تُحْرِقُوا هَبَّاراً وَناَفِعاً، وَإِنَّهُ لا يَنْبَغِي لأِحَدٍ (¬1) أَنْ يُعَذِّبَ بِعَذَابِ اللهِ، فَإِنْ لَقِيتُمُوهُمَا، فَاقْتُلُوهُمَا" (¬2). انتهى. فأما هبارٌ، فإنه أسلمَ وحَسُنَ إسلامُه. (ثم أتينا نودعه حين أردْنا الخروج): فيه أن المسافر يودِّعُّ المقيمَ. (فإن وجدتموهما (¬3)، فاقتلوهما): بعد أمرِه أولًا بتحريقهما، ففيه النسخُ قبلَ الفعل. ¬

_ (¬1) في "ع": "أحد". (¬2) انظر: "غوامض الأسماء المبهمة" (1/ 119). (¬3) نص البخاري: "أخذتموهما".

باب: السمع والطاعة للإمام ما لم يأمر بمعصية

باب: السَّمْعِ والطَّاعَةِ لِلإْمَامِ مَا لَمْ يَأْمُرْ بِمَعْصِيَةٍ 1621 - (2955) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي ناَفِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ حَقٌّ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِالْمَعْصِيَةِ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَةَ". (فإذا أُمر بمعصية، فلا سمعَ ولا طاعةَ): فيه أن المنفي (¬1) فيه محمولٌ على الشرعي، لا على الحقيقة، فإن قوله: "لا سمعَ ولا طاعةَ" شرعيين. * * * باب: يُقَاتَلُ مِن وَرَاءِ الإِمَامِ، وَيُتَّقَى بِهِ (باب: يُقاتَلُ من وراء الإمام، ويُتَّقَى به): ساق فيه حديثَ: "نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ". قال ابن المنير: وجهُ مطابقة الترجمة له: أن معنى يقاتَل من ورائه؛ أي: من أمامه، فأطلق الوراء على الأمام؛ لأنهم -وإن تقدموه في الصورة-، فهم أتباعه في الحقيقة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - تقدَّم غيرُه عليه بصورة الزمان، لكن المتقدِّم عليه مأخوذٌ (¬2) عهدُه أن يؤمنَ به وينصرَه كآحاد أمته، ولذلك ¬

_ (¬1) في "ع": "أن النفي". (¬2) في "ع": "مأخوذ عليه".

ينزل (¬1) عيسى (¬2) -عليه السلام- مأموماً، وإمامُ القوم منهم (¬3). ويحتمل أن يكون ذكر هذا الحديث ابتداءً؛ لأنه أول "صحيفة هَمَّام ابن منبِّه"، فذكر أحاديث منها: وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "مَنْ أَطَاعَنِي" الحديث، وإنما ذكر أول الصحيفة تحرجاً من الاقتصار على بعضها؛ لأنَّ حالَ المقتصر تُشبه حالَ من حذفَ بعضَ الأحكام المتصلة (¬4)، وبتر الحديث. * * * 1622 - (2957) - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ: "مَن أَطَاعَنِي، فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ عَصَانِي، فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَمَنْ يُطِعِ الأَمِيرَ، فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الأَمِيرَ، فَقَدْ عَصَانِي، وَإِنَّمَا الإمَامُ جُنَّةٌ، يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ، وَيُتَّقَى بِهِ، فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللهِ، وَعَدَلَ، فَإِنَّ لَهُ بِذَلِكَ أَجْراً، وَإِنْ قَالَ بِغَيْرِه، فَإِنَّ عَلَيْهِ مِنْهُ". (وإنما الإمام جُنَّة يُقاتَل من ورائه، ويُتَّقَى به): هذا تنبيهٌ على عِظَمِ حقِّ الإمام، وأن لا يَعتقدَ مَنْ قاتل عنه أنه (¬5) حماه، بل ينبغي أن يعتقدَ أنه احتمى به؛ لأنه فيئُه، وبه قويت مُنَّتُهُ. وفيه إشارة إلى صحة تعدد الجهات، وأن لا يُعد من التناقض، وإن توهم فيه ذلك؛ لأن كونه جُنَّةً يقتضي أن يتقدَّم، وكونَه يقاتَل من أمامه ¬

_ (¬1) في "ع": "ينزل عليه". (¬2) في "ع": "عيسى بن مريم". (¬3) "منهم" ليست في "ع". (¬4) "المتصلة" ليست في "ع". (¬5) في "ع": "إنما".

باب: البيعة في الحرب ألا يفروا

يقتضي أن يتأخر، فجمع بينهما باعتبارين وجهتين، وفهم الصحابة عنه ذلك بلا كُلْفة، وإنما شوشَ الأذهانَ فيما تأخر اختلافُ العقائد، وتشتتُ (¬1) المقاصد، وقلةُ الإنصاف، وعدمُ المعرفة أو الاعتراف (¬2). (وإن قال بغيره): أي: حكمَ بغير العدل. (فإن عليه منه): كذا الرواية المشهورة، والاسم محذوف؛ لدلالة ما قبله عليه، وقد جاء في بعض طرقه: "فَإِنَّ عَلَيْهِ مِنْهُ وِزْراً" (¬3). * * * باب: البَيْعَةِ في الحَرْبِ ألاَّ يَفِرُّوا 1623 - (2959) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: لَمَّا كَانَ زَمَنُ الْحَرَّةِ، أَتَاهُ آتٍ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ ابْنَ حَنْظَلَةَ يُبَايعُ النَّاسَ عَلَى الْمَوْتِ، فَقَالَ: لاَ أُبَايعُ عَلَى هَذَا أَحَداً بَعْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. (إن ابنَ حنظلةَ يبايع الناس على الموت، قال (¬4): لا أبايع على هذا أحداً بعدَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -): والفرقُ أنه -عليه الصلاة والسلام- يستحقُّ على كل مسلم أن يفديَه بنفسه، بخلاف (¬5) غيره. ¬

_ (¬1) في "ع": "ونسبت". (¬2) في "ع": "أو الإعراف"، وفي "ج": "والاعتراف". (¬3) رواه مسلم (1841)، وانظر: "التنقيح" (2/ 656). (¬4) نص البخاري: "فقال". (¬5) في "م": "وبخلاف".

وهل يجوز لأحد أن يستهدف عن أحد بقصد وقايته، ويكون ذلك من إلقاء اليد إلى التهلكة؟ تردَّدَ فيه ابنُ المنير، قال: ولا خلاف أنه لا يؤثِرُ أحدٌ أحداً بنفسِه لو كانا في مَخْمَصَة، ومع أحدهما قوتُ نفسِه خاصة، وكذا لا يحلُّ له أن يؤثره بماء وضوئه، ويتيمم هو. * * * 1624 - (2960) - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: بَايَعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ عَدَلْتُ إِلَى ظِلِّ الشَّجَرَةِ، فَلَمَّا خَفَّ النَّاسُ، قَالَ: "يَا بْنَ الأَكْوَعِ! أَلاَ تُبَايعُ؟ "، قَالَ: قُلْتُ: قَدْ بَايَعْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "وَأَيْضاً". فَبَايَعْتُهُ الثَّانِيَةَ. فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ! عَلَى أَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تُبَايِعُونَ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: عَلَى الْمَوْتِ. (يا بن الأكوع! ألا تبايع؟ قال: قلت: قد بايعتُ يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: وأيضًا): قال ابن المنير: فيه دليل على أن (¬1) إعادة لفظ عقد النكاح وغيره ليس (¬2) فسخاً للعقد الأول؛ خلافًا لبعض الشافعية، ولو كان تكرارُ العقد فسخاً؛ لكان تكرارُ البيعة نَكْثاً. والحكمةُ في تكرار البيعة على سَلَمة: أنه كان شجاعًا بذَّالًا لنفسه، فأَكَّدَ عليه العقدَ احتياطاً حتى يكون بذلُه لنفسه عن رضاً متأكد، ¬

_ (¬1) "أن" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "وليس".

باب: عزم الإمام على الناس فيما يطيقون

ولا يلزم مثلُ هذا في المتأني المتثبِّتِ؛ لأن ذلك يحتاط (¬1) لنفسه قبل أن يُحتاط له، وهو من جنس قولِ مالكٍ في عقد النكاح: إذا قال له: زَوِّجْني، فقال: فعلتُ؛ فقال: لا أرضى، قال مالك: قد لزمه العقد، ولا يُقبل منه أنه قصدَ الاحتياط؛ لأن النكاح بابٌ يُتروَّى فيه، فما بلغ إلى قوله: زَوِّجني، إلا وقد تحقق العزم، ولا كذلكَ البيعُ؛ فإنه قبل قوله: إنه أراد المساومةَ؛ لأن البيعَ يشبه أن يقع فلتةً بدون تثبُّتٍ وتَرَوٍّ. * * * باب: عَزْمِ الإِمَامِ عَلَى النَّاسِ فِيما يُطِيقُونَ 1625 - (2964) - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبي وَائِلٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: لَقَدْ أَتَانِي الْيَوْمَ رَجُلٌ، فَسَأَلَنِي عَنْ أَمْرٍ مَا دَرَيْتُ مَا أَرُدُّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلاً مُؤْدِياً نَشِيطاً، يَخْرُجُ مَعَ أُمَرَائِنَا فِي الْمَغَازِي، فَيَعْزِمُ عَلَيْنَا فِي أَشْيَاءَ لاَ نُحْصِيهَا؟ فَقُلْتُ لَهُ: وَاللهِ! مَا أَدْرِي مَا أقولُ لَكَ، إِلاَّ أَنَّا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَعَسَى أَنْ لاَ يَعْزِمَ عَلَيْنَا فِي أَمْرٍ إِلاَّ مَرَّةً حَتَّى نَفْعَلَهُ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَنْ يَزَالَ بِخَيْرٍ مَا اتَّقَى اللهَ، وَإِذَا شَكَّ فِي نَفْسِهِ شَيْءٌ، سَأَلَ رَجُلاً، فَشَفَاهُ مِنْهُ، وَأَوْشَكَ أَنْ لاَ تَجِدُوهُ، وَالَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ! مَا أَذْكُرُ مَا غَبَرَ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ كَالثَّغْبِ، شُرِبَ صَفْوُهُ، وَبَقِيَ كَدَرُهُ. (أرأيت رجلاً مُؤْدِيًا): -بميم مضمومة فهمزة ساكنةٍ فدال مهملة ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "يحتاج".

مكسورة فمثناة تحتية خفيفةٍ (¬1) -يريد: كاملَ الأداة؛ أي: آلةِ الحرب. (نشيطاً): -بنون وشين معجمة-؛ من النشاط. (فيعزم علينا في أشياءَ لا نحصيها): [قيل: المراد: لا نُطيقها، وقيل: لا ندري هل هي طاعةٌ، أو معصيةٌ] (¬2). (فقلت له: والله! ما أدري ما أقول لك): إذا عين الإمام طائفةً للجهاد، أو للحصار، أو لغيره من المهام، تعينوا، وصار ذلك عليهم فرضَ عين، لا فرضَ كفاية، وعلى الإمام (¬3) الاجتهادُ، ومجانبةُ التشهي، والاقتصارُ بكلٍّ على طاقته، وعليهم حينئذٍ الطاعةُ في المنشَط والمكرَه، فإن استفتى أحدُهم على الإمام، وادعى أنه كلفه بالتشهي، أشكلت الفُتيا حينئذٍ؛ لأنا إن قلنا: لا يُهم الإمام، عارضنا فساد الزمان، وإن قلنا: يُتهم، وفسحنا لمن طلبَ الرخصةَ، التبسَ ذلك بالخروج عن طاعته، والصواب: التوقُّفُ كما توقَّفَ ابنُ مسعود -رضي الله عنه-، وكثيرٌ من الفتاوى على الحكام تجري هذا المجرى، ويكون الصواب التوقفَ، إلا أن تعضد الفتوى قوةٌ زمانية أو سلطانية، قاله ابن المنير. (وإذا شكَّ في نفسه بشيء (¬4)، سأل رجلاً فشفاه): يريد: أن من تقوى الله أن لا يُقْدِم على شيء مما شُكَّ فيه حتى يسأل (¬5) من عنده علم، ¬

_ (¬1) "خفيفة" ليست في "ع". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬3) "الإمام" ليست في "ج". (¬4) في البخاري: "شَيْءٌ". (¬5) في "م": "تسأل".

فيدل على ما فيه الشفاء من هذه الداء العارض. (وأُوشِكُ أن لا تجدوه): أُوشِكُ مسندٌ إلى ضمير المتكلم مضارعُ أَوْشَكْتُ؛ أي: يفوت ذلك عند ذهاب الصحابة، رضوان الله عليهم أجمعين. (ما غَبَرَ من الدنيا): أي: ما بقيَ، وقيل: ما مضى؛ وهو من الأضداد، والصواب تفسيره (¬1) هنا (¬2) بالأول. (إلا كالثَّغَب): بمثلثة مفتوحة وغين معجمة تفتح وتسكن. قال القاضي: وهو ما بقي من الماء المستنقع من المطر، وهو ماءٌ صافٍ يستنقع (¬3) في صخرة. وقيل: بقية الماء في بطن الوادي مما يحتفره السيل (¬4) فيغادر فيه الماء (¬5). وقيل: هو الموضع المطمئن من أعلى الجبل (¬6). * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "والصواب هنا تفسيره". (¬2) "هنا" ليست في "ع". (¬3) في "ج": "ليستنقع". (¬4) في "ع": "يحتفره من السبيل في صخرة"، وفي "ج": "يحتفره السيل في صخرة". (¬5) "فيغادر في الماء" ليست في "ع" و"ج". (¬6) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 133).

باب: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا لم يقاتل أول النهار، أخر القتال حتى تزول الشمس

باب: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا لَمْ يُقَاتِلْ أَوَّلَ النَّهَارِ، أَخَّرَ الْقِتَالَ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ (باب: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا لم يقاتل أول النهار، أَخَّرَ القتالَ حتى تزول الشمس): هذه الترجمة على العادة، والحديث الذي أتى به في هذا الباب واقِعَةٌ مفردَةٌ، فكأنه بنى ذلك على أن العادة تثبت بمرةٍ (¬1) واحدة، وتلقى ذلك من هذا الحديث، على أن البخاري ذكر هذا الحديث في موضع آخر بلفظٍ أعمَّ من هذا. * * * باب: اسْتِئْذَانِ الرَّجُلِ الإِمَامَ 1626 - (2967) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَناَ جَرِيرٌ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: فَتَلاَحَقَ بِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَناَ عَلَى ناَضحٍ لَنَا قَدْ أَعْيَا، فَلاَ يَكَادُ يَسِيرُ، فَقَالَ لِي: "مَا لِبَعِيرِكَ؟ ". قَالَ: قُلْتُ: عَيِيَ، قَالَ: فَتَخَلَّفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَزَجَرَهُ، وَدَعَا لَهُ، فَمَا زَالَ بَيْنَ يَدَيِ الإِبِلِ قُدَّامَهَا يَسِيرُ، فَقَالَ لِي: "كَيْفَ تَرَى بَعِيرَكَ؟ ". قَالَ: قُلْتُ: بِخَيْرٍ، قَدْ أَصَابَتْهُ بَرَكَتُكَ، قَالَ: "أَفَتَبِيعُنِيهِ؟ ". قَالَ: فَاسْتَحْيَيْتُ، وَلَمْ يَكُنْ لَنَا ناَضحٌ غَيْرُهُ، قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: "فَبِعْنِيهِ". فَبِعْتُهُ إِيَّاهُ عَلَى أَنَّ لِي فَقَارَ ظَهْرِهِ حَتَّى أَبْلُغَ الْمَدِينَةَ، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي عَرُوسٌ، ¬

_ (¬1) في "ع": "ثمرة".

فَاسْتَأْذَنْتُهُ فَأَذِنَ لِي، فَتَقَدَّمْتُ النَّاسَ إِلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ، فَلَقِيَنِي خَالِي، فَسَأَلَنِي عَنِ الْبَعِيرِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا صَنَعْتُ فِيهِ، فَلاَمَنِي، قَالَ: وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِي حِينَ اسْتَأْذَنْتُهُ: "هَلْ تَزَوَّجْتَ بِكْراً أَمْ ثَيِّباً؟ "، فَقُلْتُ: تَزَوَّجْتُ ثَيِّباً، فَقَالَ: "هَلاَّ تَزَوَّجْتَ بِكْراً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ؟ ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! تُوُفِّيَ وَالِدِي -أَوِ اسْتُشْهِدَ-، وَلِي أَخَوَاتٌ صِغَارٌ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ مِثْلَهُنَّ، فَلاَ تُؤَدِّبُهُنَّ وَلاَ تَقُومُ عَلَيْهِنَّ، فَتَزَوَّجْتُ ثَيِّباً لِتَقُومَ عَلَيْهِنَّ وَتُؤَدِّبَهُنَّ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ، غَدَوْتُ عَلَيْهِ بِالْبَعِيرِ، فَأَعْطَانِي ثَمَنَهُ، وَرَدَّهُ عَلَيَّ. قَالَ الْمُغِيرَةُ: هَذَا فِي قَضَائِنَا حَسَنٌ لاَ نَرَى بِهِ بَأْساً. (قد عَيِيَ): ويروى: "أَعْيا (¬1) ". (هل تزوجتَ بِكْراً أم ثيباً؟): قال ابن مالك في "التوضيح": فيه شاهد على أن "هل" قد (¬2) تقع موقع الهمزةِ المستفهَم بها عن التعيين، فتكون "أم" بعدها متصلة غيرَ منقطعة؛ لأن استفهام النبي - صلى الله عليه وسلم - جابراً لم يكن إلا بعد علمه بتزوجه إما بكراً وإما ثيباً، فطلب منه الإعلامَ بالتعيين كما كان يطلب بأَيّ، فالموضعُ إذن موضعُ الهمزة، لكن استُغني عنها (¬3) بـ"هل"، وثبت بذلك أن "أم" المتصلة قد تقع بعد هل [كما تقع بعد الهمزة. انتهى (¬4). ¬

_ (¬1) "أعيا" ليست في "ع". (¬2) "قد" ليست في "ج". (¬3) في "ع" و"ج": "بها". (¬4) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 209).

باب: الجعائل والحملان في السبيل

قلت: يمكن أن يقال: لا نسلِّم أنها في الحديث متصلة] (¬1)، ولم لا يجوز أن تكون منقطعة، و"ثيباً" (¬2) مفعول بفعل محذوف؟ فاستفهمَ أولاً، ثم أضربَ واستفهمَ ثانياً، والتقدير: أتزوجت ثيباً؟ ولا شك أن المصير إلى هذا أَوْلى؛ لما في الأول من إخراج "أم" عما عُهد فيها من كونها لا تعادلُ إلا الهمزة. (قال المغيرة: هذا في قضائنا حسن): [يحتمل أن يريد: بيعَ الجمل، واستثناءَ ظهرِه. وقال الداودي: يريد: الزيادةَ في القضاء على حقِّه] (¬3) (¬4). * * * باب: الْجَعَائِلِ وَالْحُمْلاَنِ فِي السَّبِيلِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ: الْغَزْوُ، قَالَ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أُعِينَكَ بِطَائِفَةٍ مِنْ مَالِي، قُلْتُ: أَوْسَعَ اللهُ عَلَيَّ، قَالَ: إِنَّ غِنَاكَ لَكَ، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَالِي فِي هَذَا الْوَجْهِ. وَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ ناَساً يَأْخُذُونَ مِنْ هَذَا الْمَالِ لِيُجَاهِدُوا، ثُمَّ لاَ يُجَاهِدُونَ، فَمَنْ فَعَلَهُ، فَنَحْنُ أَحَقُّ بِمَالِهِ، حَتَّى نَأْخُذَ مِنْهُ مَا أَخَذَ. وَقَالَ طَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ: إِذَا دُفِعَ إِلَيْكَ شَيْءٌ تَخْرُجُ بِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) في "ج": "ويبنى". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 657).

فَاصْنع بِهِ مَا شِئْتَ، وَضَعْهُ عِنْدَ أَهْلِكَ. (باب (¬1): الجعائل والحملان في السبيل): الجعائل: جمعُ جَعيلَة؛ من الجِعالَة. (قلت لابن عمر: الغزوُ): -بالرفع- على أنه مبتدأ حُذف خبرُه؛ أي: الغَزْوُ أُريدُه، و-بالنصب- على أنه مفعولٌ بفعل محذوف. (فمَنْ فعلَ (¬2)، فنحن (¬3) أحقُّ بماله): فيه أن كل من أخذ مالًا من بيت المال على عمل إذا أهملَ العملَ رَدَّ ما أخذَ بالقضاء، وكذلك الأخذُ منه على عمل لا يتهيأ له. * * * 1627 - (2972) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ يَحْيَى ابْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، مَا تَخَلَّفْتُ عَنْ سَرِيَّةٍ، وَلَكِنْ لاَ أَجِدُ حَمُولَةً، وَلاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ، وَيَشُقُّ عَلَيَّ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي قَاتَلْتُ فِي سَبِيلِ اللهِ فَقُتِلْتُ، ثُمَّ أُحْيِيتُ ثُمَّ قُتِلْتُ، ثُمَّ أُحْيِيتُ". (لولا أن أَشُقَّ على أمتي، ما تخلَّفْتُ عن سَرِيَّةٍ): وجهُ مطابقة هذا ¬

_ (¬1) "باب" ليست في "ج". (¬2) كذا في رواية أبي ذر الهروي والحمويي والمستملي، وفي اليونينية: "فعله"، وهي المعتمدة في النص. (¬3) في "ع": "فهو".

باب: الأجير

الحديث للترجمة: أنه نص فيه على الحمولة، فقال: ولكن لا أجد حَمولةً، وحاصلها: أنه يحمل رجالاً من ماله في سبيل الله، ولا يعد (¬1) ذلك من أخذ المال ثمناً للزوج، ولا للدين. (لا أجد (¬2) حَمولةً): -بفتح الحاء-: ما يحملُ من كبار (¬3) الإبل. * * * باب: الأَجِيرِ (باب: الأجير): مقصودُ هذه الترجمة: جوازُ أخذِ الأجرة على الغزو، وإنما ساقه البخاري؛ لئلا يقال: إن الأجرة تجردتْ للطاعة، وأخذُ الأجرة على نفس الطاعة ليس على وفق القواعد، فبين أن الأجير غازٍ في سبيل الله، قائمٌ بطاعة الله، لا باعتبار الأجرة، ولهذا يستحق (¬4) السهمَ من الغنيمة، فدل ذلك على [أن] غرضَ الأجرة غيرُ غرض الطاعة. وقريبٌ من هذا المعنى أخذُ أئمةِ المساجدِ الأرزاقَ، فلا يُعد ذلك أخذاً للأجرة على الطاعة، بل على (¬5) قضيةِ (¬6) ملازمَةِ المسجدِ للطاعة، وليست منها؛ كأجير الغزو. * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "يعدل". (¬2) في "ع": "لأجد". (¬3) في "ع": "كبائر". (¬4) في "ج": "استحق". (¬5) "على" ليست في "ع". (¬6) في "ج": "قضيتين".

باب: ما قيل في لواء النبي - صلى الله عليه وسلم -

1628 - (2973) - حدثنا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا سُفْيانُ، حدثنا ابنُ جُرَيْجٍ، عنْ عَطاءٍ، عنْ صَفْوانَ بْنِ يَعْلَى، عنْ أَبِيهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قال: غَزَوْتُ مَعَ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - غَزْوَةَ تَبُوكَ، فَحَمَلْتُ علَى بَكْرٍ، فَهوَ أَوْثَقُ أعْمالِي في نَفْسِي، فاسْتَأْجَرْتُ أَجِيراً، فَقَاتَلَ رَجُلًا، فَعَضَّ أَحَدُهُما الآخَرَ، فانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ، ونَزَعَ ثَنِيَّتَهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَهْدَرَها، فَقَالَ: "أَيَدْفَعُ يَدَهُ إِلَيْكَ فَتَقْضَمُها كَمَا يَقْضَمُ الفَحْلُ؟! ". (فحملتُ على بَكْرٍ، فهو أوثق): -بالثاء المثلثة-، ويروى بالفاء. (أعمالي): جمع عمل. وعند الحموي: بالحاء المهملة، وعند المستملي بالجيم (¬1). * * * باب: مَا قِيْلَ في لِوَاءَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - 1629 - (2974) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ثَعْلَبَةُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ الْقُرَظِيُّ: أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ الأَنْصَارِيَّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، وَكَانَ صَاحِبَ لِوَاءَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، أَرَادَ الْحَجَّ، فَرَجَّلَ. (أَن قيس بن سعدٍ الأنصاري، وكان صاحب لواء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراد الحج، فرجّل): هو بالجيم المشددة (¬2)؛ أي: رَجَّلَ شعرَه قبل أن يُحْرِم. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 658). (¬2) في "ج": "الشديدة".

باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "نصرت بالرعب مسيرة شهر" وقول الله تعالى: {سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب} [آل عمران: 151]

قال الزركشي: وهو منقطعٌ من حديثٍ ذكر البخاريُّ منه ما يوافق ترجمتَه، وتركَ بقيته، فأشكلَ على كثير من الناس، حتى حار (¬1) بعضُ الشارحين في تفسير [هِ]، وتكلف له وجوهاً عجيبةً. وبقية الحديث: "فرجَّلَ أَحَدَ شِقَّيْ رأسِه، فقامَ غلامٌ فقلَّدَ هَدْيَهُ، فنظر قيس، وقد رجَّلَ أحدَ شِقَّي رأسِه (¬2)، فإذا هَدْيُه (¬3) قد قُلِّدَ، فأهلَّ بالحجِّ، ولم يرجِّلْ شقَّهُ الآخَرَ"، وإنما اختصره البخاري؛ لأن ذلك ليس بمسند، إنما هو من فعل قيس ورأيه، وليس من شرط كتابه، فذكر من الحديث ما هو شرطُه من اتخاذِ اللواء، واقتصرَ عليه دونَ غيره، وقد أسنده الإسماعيلي في "مستخرجه (¬4) "، وذكره الحميدي بكماله؛ كما ذكرناه (¬5). * * * باب: قَولِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "نُصِرْتُ بالرُّعْبِ مَسِيرةَ شَهْرٍ" وقولِ اللهِ تَعالَى: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} [آل عمران: 151] 1630 - (2977) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، ¬

_ (¬1) "حار" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "رأسه إلي". (¬3) "هديه" ليست في "ع". (¬4) في "ع": "في مختصره". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 658).

عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ، وَنصُرْتُ بِالرُّعْبِ، فَبَيْنَا أَناَ ناَئِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ، فَوُضِعَتْ فِي يَدِي". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَقَدْ ذَهَبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَنْتُمْ تَنْتَثِلُونَهَا. (بجوامعِ الكَلِم): يريد: القرآنَ، أو السُّنَّةَ؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - كان يتكلم بالمعاني الكثيرة (¬1) في الألفاظ القليلة. (بمفاتيح خزائن الأرض): يحتمل: ما فُتح لأمته بعدَه، أو: معادن. (ولقد ذهب رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -): أي: ولم يَنَلْ منها شيئاً لنفسِه، إنما كان يقسم ما أدركَ منها بينكم. (وأنتم تَنْتَثِلونهَا): أي: تستخرجونها؛ يعني: الأموال، وما فُتح عليهم، يقال: نَثَلْتُ البِئْرَ، وانْتُثَلْتُها (¬2): استخرجْتُ ترابها (¬3). * * * 1631 - (2978) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَخْبَرَهُ: أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ، ثُمَّ دَعَا ¬

_ (¬1) في "ج": "الكبيرة". (¬2) في "ج": "وأنبتها". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 659).

باب: حمل الزاد في الغزو وقول الله تعالى: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} [البقرة: 197]

بِكِتَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ، كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ، فَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ، وَأُخْرِجْنَا، فَقُلْتُ لأَصْحَابِي حِينَ أُخْرِجْنَا: لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ؛ إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الأَصْفَرِ. (إنه يخافه مَلِكُ بني الأصفر): هذا موضعُ الترجمة؛ فإن بين الحجاز والشام شهراً أو أكثرَ (¬1)، وقد بلغ رغبُ الإسلام إلى الشام وهو بهذه المسافة. * * * باب: حَمْلِ الزَّادِ في الغَزْوِ وقولِ اللهِ تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: 197] 1632 - (2979) - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، وَحَدَّثَتْنِي أَيْضاً فَاطِمَةُ، عَنْ أَسْمَاءَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: صَنَعْتُ سُفْرَةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ، حِينَ أَرَادَ أَنْ يُهَاجِرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، قَالَتْ: فَلَمْ نَجِدْ لِسُفْرَتِهِ، وَلاَ لِسِقَائِهِ مَا نَرْبِطُهُمَا بِهِ، فَقُلْتُ لأَبِي بَكْرٍ: وَاللهِ! مَا أَجِدُ شَيْئاً أَرْبِطُ بِهِ إِلاَّ نِطَاقِي، قَالَ: فَشُقِّيهِ بِاثْنَيْنِ فَارْبِطِيهِ: بِوَاحِدٍ السِّقَاءَ، وَبِالآخَرِ السُّفْرَةَ، فَفَعَلْتُ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ، ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ. ¬

_ (¬1) في "ع": "أو كثير".

(إلا نِطاقي): هو شيء تشدُّ به المرأة وسطَها، ترفعُ به ثيابها، وترسل عليه إزارَها، ذكره (¬1) القزاز (¬2). * * * 1633 - (2981) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنِي بُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ: أَنَّ سُوَيدَ بْنَ النُّعْمَانِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ خَيْبَرَ، حَتَّى إِذَا كَانوُا بِالصَّهْبَاءِ -وَهْيَ مِنْ خَيْبَرَ، وَهْيَ أَدْنىَ خَيْبَرَ-، فَصَلَّوُا الْعَصْرَ، فَدَعَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالأَطْعِمَةِ، فَلَمْ يُؤْتَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلاَّ بِسَوِيقٍ، فَلُكْنَا فَأَكَلْنَا وَشَرِبْنَا، ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَمَضْمَضَ، وَمَضْمَضْنَا، وَصَلَّيْنَا. (بُشَير بن يَسارٍ (¬3)): بضم الباء الموحدة وفتح الشين المعجمة، مصغَّر. (فَلُكنا): اللَّوْكُ: مَضْغُ الشيء وإدارتُه في الفم. (وشربنا): قال الداودي: ما أراه محفوظاً (¬4)؛ لأنه كان من المضمضة (¬5) عند أكل السَّويق، ولا يبلغ بها الشربَ (¬6). ¬

_ (¬1) في "ج": "وذكره". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 659). (¬3) في "ع": "ابن بشار". (¬4) في "ج": "إلا محفوظاً". (¬5) في "ع": "من المضغة". (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 659).

قلت: دفعُ الروايةِ الثانيةِ بمجرد هذا الخيال عجيبٌ؛ وأَيُّ مانع يمنعُ من أنهم بعد أكلِ السويق شربوا ماء؟! * * * 1634 - (2982) - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مَرْحُومٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: خَفَّتْ أَزْوَادُ النَّاسِ وَأَمْلَقُوا، فَأَتَوُا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي نَحْرِ إبِلِهِمْ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَلَقِيَهُمْ عُمَرُ، فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: مَا بَقَاؤُكُمْ بَعْدَ إِبلِكُمْ؟! فَدَخَلَ عُمَرُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا بَقَاؤُهُمْ بَعْدَ إِبلِهِمْ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ناَدِ فِي النَّاسِ يَأْتُونَ بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ"، فَدَعَا، وَبَرَّكَ عَلَيْهِ، ثُمَّ دَعَاهُمْ بِأَوْعِيَتِهِمْ، فَاحْتَثَى النَّاسُ حَتَّى فَرَغُوا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ". (وأملقوا): قال الزركشي: فَنِيَتْ أَزوادُهم (¬1). قلت: يدفعه أن قبله: "خَفَّتْ أزوادُ القوم"، ثم الواقعُ أنها لم تَفْنَ بالكلية؛ بدليل أنهم جمعوا فضلَ أزوادهم، فبرَّك (¬2) النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها (¬3). (ما بقاؤكم بعدَ إبلكم؟!): أي: إن (¬4) بقاءكم يسير بعد فَناءِ الإبل؛ ¬

_ (¬1) المرجع السابق، والموضع نفسه. (¬2) في "ع": "فنزل". (¬3) "فيها" ليست في "ع". (¬4) "إن" ليست في "ج".

باب: حمل الزاد على الرقاب

لغلبةِ الهلاك على الرجال، وهذا أخذه عمرُ من نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أكلِ (¬1) لحومِ الحُمُرِ الأهلية يومَ خيبر، استبقاءً (¬2) لظهورها؛ ليحمل المسلمين عليها، وتحمل أزوادَهم (¬3). (فاحتثى الناس): -بمثناة فوقية فمثلثة-: من الحَثْيَةِ باليد. * * * باب: حَمْلِ الزَّادِ عَلَى الرِّقابِ 1635 - (2983) - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَناَ عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: خَرَجْنَا وَنَحْنُ ثَلاَثُ مِئَةٍ نَحْمِلُ زَادَناَ عَلَى رِقَابِنَاَّ، فَفَنِيَ زَادُناَ، حَتَّى كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا يَأْكُلُ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَمْرَةً، قَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! وَأَيْنَ كَانَتِ التَمْرَةُ تَقَعُ مِنَ الرَّجُلِ؟ قَالَ: لَقَدْ وَجَدْناَ فَقْدَهَا حِينَ فَقَدْناَهَا، حَتَّى أَتَيْنَا الْبَحْرَ، فَإِذَا حُوتٌ قَدْ قَذَفَهُ الْبَحْرُ، فَأَكَلْنَا مِنْهَا ثَمَانِيةَ عَشَرَ يَوْماً مَا أَحْبَبْنَا. (فإذا حوت قذفه البحرُ، فأكلنا منه (¬4)): فيه جوازُ أكل الحوت الطافي. * * * ¬

_ (¬1) "أكل" ليست في "ع" و"ج". (¬2) في "ع": "استيفاء". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 659). (¬4) كذا: في نسخة، وفي اليونينية: "منها".

باب: الردف على الحمار

باب: الرِّدْفِ عَلَى الحِمَارِ 1636 - (2987) - حَدَّثَنَا قَتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَفْوَانَ، عَنْ يُونُسَ ابْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَكِبَ عَلَى حِمَارٍ، عَلَى إِكَافٍ عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ وَرَاءَهُ. (على إكافٍ عليه قَطيفةٌ): الإكافُ للحمار كالسَّرجِ للفرس، وفيه لغةٌ بالواو. والقَطيفَةُ: دِثارٌ مُخْمَلٌ، والجمعُ قَطائِفُ، وقُطُف (¬1). * * * باب: مَنْ أَخَذَ بِالرِّكَابِ وَنَحْوِهِ 1637 - (2989) - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ الرَّزِّاقِ، أَخْبَرَناَ مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بَيْنَ الاِثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا، أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَيُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ". (باب: من أخذَ بالركاب). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 659).

باب: كراهية السفر بالمصاحف إلى أرض العدو

(ويعين الرجل على دابته): هذا موضع الترجمة؛ فإنه يدخل (¬1) فيه الأخذ بالركاب وغيره. * * * باب: كَرَاهِيَةِ السَّفَرِ بِالْمَصَاحِفِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَتَابَعَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَقَدْ سَافَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْقُرْآنَ. (باب: السفر بالمصاحف إلى أرض العدو، وكذلك يروى عن محمد بن بِشْر، عن عبد الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -): كذا وقع هذا صدرَ الباب، فكأنه من تغيير (¬2) الناسخ، وإنما موضعه بعد حديث مالك عن نافع، عن ابن عمر، ثم يقول: وكذا يروى (¬3) عن محمد بن بشر، وتابعه ابن إسحاق، وإنما احتاج إلى ذكر هذه المتابعة؛ لأن بعضهم زاد في الحديث: "مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ العَدُوُّ"، وجعلَه من لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يصح ذلك، وإنما هو من قول مالك، كذا قال ابن بطال وغيره (¬4). ¬

_ (¬1) في "ع": "لا يدخل". (¬2) في "ع": "من تعبير". (¬3) في "ع": "كذا روي". (¬4) انظر: "شرح ابن بطال" (5/ 149). وانظر: "التنقيح" (2/ 660).

باب: التكبير عند الحرب

(وقد سافر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه (¬1) في أرض العدو (¬2) وهم يعلمون القرآنَ): الاستدلال بهذا على (¬3) جواز السفر بالمصاحف إلى أرض العدو ضعيفٌ جداً. * * * باب: التَّكِبيرِ عِنْدَ الحَرْبِ 1638 - (2991) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: صَبَّحَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ، وَقَدْ خَرَجُوا بِالْمَسَاحِي عَلَى أَعْنَاقِهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: هَذَا مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ، مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ. فَلَجَؤُوا إِلَى الْحِصْنِ، فَرَفَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَدَيْهِ وَقَالَ: "اللهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إَذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ". وَأَصَبْنَا حُمُراً فَطَبَخْنَاهَا، فَنَادَى مُنَادِي النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ، فَأُكْفِئَتِ الْقُدُورُ بِمَا فِيهَا. (فنادى منادي النبي - صلى الله عليه وسلم -): هو أبو طلحةَ زيدُ بنُ سهلٍ، وفي مسلم: فأمرَ رسولُ الله (¬4) - صلى الله عليه وسلم - أبا طلحةَ فنادى: إن الله ورسولَه ينهيانكم (¬5) عن لحوم الحُمُر (¬6). ¬

_ (¬1) في "ج": "هو وأصحابه". (¬2) "في أرض العدو" ليست في "ع" و"ج". (¬3) "على" ليست في "ج". (¬4) في "ج": "النبي". (¬5) في "ع" و"ج": "ينهاكم". (¬6) رواه مسلم (1940) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

باب: ما يكره من رفع الصوت بالتكبير

باب: مَا يُكْرَهُ مِنْ رَفْعِ الصَّوتِ بالتَّكْبِيرِ 1639 - (2992) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَكُنَّا إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ، هَلَّلْنَا وَكَبَّرْناَ ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أيُّهَا النَّاسُ! ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ؛ فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِباً، إِنَّهُ مَعَكُمْ، إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ، تَبَارَكَ اسْمُهُ، وَتَعَالَى جَدُّهُ". (اربَعوا على أنفسكم): -بفتح الباء-؛ أي: كُفُّوا وارفَعُوا (¬1). * * * باب: التَّسْبِيحِ إِذَا هَبَطَ وَادِيَاً 1640 - (2993) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَالِم بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: كُنَّا إِذَا صَعِدْناَ كَبَّرْناَ، وَإِذَا نَزَلْنَا سَبَّحْنَا. (كنا إذا صعدنا كبّرنا، وإذا نَزلنا سبّحنا): قال المهلب: التكبيرُ عند الإشراف على الجبال؛ استشعاراً لكبرياء الله تعالى عندما تقع العين عليه من عظيم خلقه. وأما التسبيح [في بطون الأودية، فهو مستنبط من قصة يونس -عليه السلام- وتسبيحه] (¬2) في بطن الحوت، فسبَّحوا في بطون الأودية؛ ¬

_ (¬1) في "ع": "أي: ارفعوا وكفوا". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع".

لينجيَهم الله منها، ومن أن يدركهم فيها عدو. وقال غيره: معنى تسبيحه في بطون الأودية وما انخفض (¬1) من الأرض: أنه لما كان التكبير لله تعالى عند رؤية عظيم مخلوقاته؛ وجب أن يكون فيما انخفض من الأرض تسبيح الله؛ لأن تسبيحه تنريهُه عن صفات الانخفاض [والضعة (¬2). وسأل (¬3) ابن المنير فقال: ينبغي أن يكون التنزيهُ في الانخفاضِ] (¬4) والاستعلاءِ؛ لأن جِهَتَي (¬5) العُلْوِ والسُّفلِ كلتاهما محالٌ على (¬6) الحق؟ [وأجاب: بأن الشرع (¬7) أذنَ في رفع البصر إلى السماء، وفي الدعاء، وأذن في وصف الحق] (¬8) بالعلو، وإن كان (¬9) معنوياً لا جسمانياً (¬10)، ولم ¬

_ (¬1) في "ج": "يخفض". (¬2) انظر: "التوضيح" (18/ 134). (¬3) في "ج": "سئل". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬5) في "ع": "لأن جهة". (¬6) في "ج": "عن". (¬7) في "ع": "بأن الشارع". (¬8) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬9) "كان" ليست في "ج". (¬10) الأولى، بل الصواب -إن شاء الله- الكف عن التفصيل في هذا، فربما أوقع الناس في هنات غير محمودة، والتسليم بما ورد في القرآن وصحيح السنة هو الأسلم والأحكم، {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11].

باب: التكبير إذا علا شرفا

يؤذن في وصفه بالانخفاض أَلبتة، ولا له اسم مشتق من ذلك. وقد ورد: "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا" (¬1)، وأوَّلناه بالمعنى (¬2)، لكنه لم يشتق له منه اسمُ المُتَنَزِّلِ (¬3)؛ بخلاف اسمِه المُتَعالي سبحانه وتعالى. * * * باب: التَّكْبِير إَذَا عَلاَ شَرَفاً 1641 - (2995) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ صَالحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَفَلَ مِنَ الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ -وَلاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ قَالَ: الْغَزْوِ -يَقُولُ كُلَّمَا أَوْفَى عَلَى ثَنِيَّةٍ أَوْ فَدْفَدٍ، كَبَّرَ ثَلاَثاً، ثُمَّ قَالَ: "لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهْوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّتَا حَامِدُونَ. صَدَقَ اللهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ". قَالَ صَالِحٌ: فَقُلْتُ لَهُ: ألَمْ يَقُلْ عَبْدُ اللهِ: إِنْ شَاءَ اللهُ؟ قَالَ: لاَ. (ولا أعلمه إلا قال: الغزو): بالنصب والجر. (كلما أوفى): أي: أَشْرَفَ. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6321)، ومسلم (758) عن أبي هريرة رضي الله عنه. (¬2) وهذا التأويل ممتنع عند الجمهور من السلف والخلف. (¬3) الحق أن أسماء الله عز وجل -توقيفية بما ورد به القرآن وصحيح السنة النبوية، لا اشتقاق فيها ولا اجتهاد.

باب: يكتب للمسافر ما كان يعمل في الإقامة

(على ثَنِيَّه): هي أعلى الجبل. (أو فَدْفَد): الغليظ من الأرض، وقيل: ذات الحصى المرتفعة (¬1). * * * باب: يُكْتَبُ لِلْمُسَافِرِ مَا كَانَ يَعْمَلُ في الإقَامَةِ 1642 - (2996) - حَدَّثَنَا مَطَرُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا الْعَوَّامُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ أَبُو إِسْمَاعِيلَ السَّكْسَكِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بُرْدَةَ، وَاصْطَحَبَ هُوَ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي كَبْشَةَ فِي سَفَرٍ، فَكَانَ يَزِيدُ يَصُومُ فِي السَّفَرِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بُرْدَةَ: سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى مِرَارًا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيماً صَحِيحاً". (كُتب له مثلُ ماكان يعمل مقيماً صحيحاً": حمله بعضهم على النوافل، وحَجَّرَ (¬2) واسعاً، بل (¬3) تدخلُ فيه الفرائضُ التي شأنه أن يعمل بها وهو صحيحٌ، إذا عجز عن جملتها (¬4) أو بعضها بالمرض، كُتب له أجرُ ما عجز عنه (¬5) فعلًا؛ لأنه قام به عزماً أن لو كان صحيحاً، حتى صلاة الجالس في الفرض لمرضه يُكتب له عنها أجرُ صلاةِ القائم. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 660). (¬2) في "ع" و"ج": "وحجراً". (¬3) "بل" ليست في "ج". (¬4) في "ج": "حملها". (¬5) في "ع": "منه".

باب: السير وحده

باب: السَّيْرِ وَحْدَهُ 1643 - (2998) - حَدَّثَنَا أَبَو الْوَليدِ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمِ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زيدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الْوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ، مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ". (ما في الوَحدة): [قال السفاقسي: ضُبط بفتح الواو وكسرها، وأنكر بعضُهم الكسر. وقيل: المراد: الوحدة في الليل] (¬1) (¬2). * * * باب: مَا قِيْلَ في الجَرسِ ونَحْوِهِ في أَعْنَاقِ الإِبِلِ 1644 - (3005) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أبِيَ بَكْرٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ: أنَّ أَبَا بَشِيرٍ الأَنْصَارِيَّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، -قَالَ عَبْدُ اللهِ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ:- وَالنَّاسُ فِي مَبِيتهِمْ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَسُولًا أَنْ لاَ يَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلاَدَةٌ مِنْ وَتَرٍ -أَوْ قِلاَدةٌ- إِلاَّ قُطِعَتْ. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 660).

باب: الجاسوس

(أن أبا (¬1) بَشير): بموحدة مفتوحة وشين معجمة. (الأنصاري): هو أبو بشير بنُ الحارث، قيل: السَّاعديُّ، وقيل: المازنيُّ، وقيل: اسمه قيس بن عُبيد، وليس له في كتاب البخاري غير هذا الحديث (¬2). (لا يبقينَّ في رقبة بعير قلادةٌ من وتر -أو قلادة-): أي: غير وترٍ. (إلا قُطعت): قيل: إنما كره ذلك من أجل الأَجْراس التي تعلق فيها، وعليه يدل تبويب البخاري. وقيل: إنما كره من أجل أنهم كانوا يزعمون أنها تدفع العين، قاله مالك في "الموطأ" بإثر هذا الحديث (¬3). قال ابن المنير: ويحتمل أن يكون النهي عن القلائد؛ لئلا يتشبه فيها بالهدايا، وليست لله -عز وجل-، فأراد اختصاصَ الهدايا بشعار التقليد، ولهذا فسح في تقليد الخيل؛ لأنها ليست مما يُهدى مثلُها، ونهى عن الأوتار فيها؛ لئلا تختنق بها. * * * باب: الجَاسُوسِ 1645 - (3007) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا ¬

_ (¬1) "أن أبا" ليست في "ج". (¬2) انظر: "التوضيح" (18/ 153). (¬3) انظر: "الموطأ" (2/ 937).

عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، سَمِعْتُهُ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي حَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ أَبِي رَافِع، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُولُ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَناَ وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ، قَالَ: "انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ؛ فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً، وَمَعَهَا كِتَابٌ، فَخُذُوهُ مِنْهَا". فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا، حَتَى انتُهَيْنَا إِلَى الرَّوْضَةِ، فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ، فَقُلْنَا: أَخْرِجِي الْكِتَابَ، فَقَالَتْ: مَا مَعِي مِنْ كتَابٍ، فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ، أوْ لَنْلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُناَسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا حَاطِبُ! مَا هَذَا؟ ". قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! لاَ تَعْجَلْ عَلَيَّ، إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقاً فِي قُرَيْشٍ، وَلَمْ أَكَنْ مِنْ أَنْفُسِهَا، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ، يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ، أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَداً يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي، وَمَا فَعَلْتُ كُفْراً وَلاَ ارْتِدَاداً، وَلاَ رِضاً بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَقَدْ صَدَقَكُمْ". قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ! دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ، قَالَ: "إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْراً، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ". قَالَ سُفْيَانُ: وَأَيُّ إِسْنَادٍ هَذَا! (أخبرني حسن (¬1) بنُ محمد): محمدٌ هذا هو محمدُ بنُ عليِّ بنِ أبي (¬2) طالب، هو المعروفُ بابن الحنفية. ¬

_ (¬1) في "م" و"ج": "حسين". (¬2) "أبي" ليست في "م".

(قال: أخبرني عُبيدُ الله بن أبي رافع): وأبو رافع هذا هو مولى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولهذا كان سفيان يستعظم هذا الإسناد بقوله (¬1): أي إسنادٍ (¬2) هذا. (روضة خاخ): -بخاءين معجمتين-: موضع بينه وبين المدينة اثنا عشر ميلًا. (فإن بها ظعينةً): المرأةُ في الهَوْدجَ (¬3)؛ وهذه المرأة يقال لها: سارة [مولاة العباس بن عبد المطلب، ويقال: أم سارة] (¬4)، واسمها كَنُود. (تعَادَى بنا خيلُنا): تعادى: تفاعل؛ من العَدْو، وهو الجَرْي. (أو لتُلقينَّ الثيابَ): كذا الرواية، وقياس العربية: "أو لَتُلْقِنَّ (¬5) " (¬6) -بدون ياء-؛ لأنها تجتمع (¬7) مع نون التأكيد الثقيلة، وأُولى النونين ساكنة، فيلتقي (¬8) ساكنان، فيحذف أولهما (¬9) وهو الياء (¬10). ¬

_ (¬1) في "ج": "لقوله". (¬2) في "م": "أي استناد"، وفي "ج": "أي في استناد". (¬3) في "ج": "هودج". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬5) في "ع": "أو لنلقين". (¬6) كذا في رواية الأصيلي وأبي الوقت. (¬7) في "ج": "تجمع". (¬8) في "ع": "فتلقى". (¬9) في "ج": "أولاهما". (¬10) انظر: "التنقيح" (2/ 661).

(من عِقاصها): -بعين مهملة مكسورة وقاف-: هو (¬1) الخيط الذي تُعقص (¬2) به أطرافُ الذوائب. (إني كنت امرأً مُلْصَقاً في قريش): أي: كنتُ مُضافاً إليهم، ولا نسبَ لي فيهم، وأصلُ ذلك من إلصاقِ الشيء بغيره وليس منه. (دعني أضربْ عنقَ هذا المنافق): قال ابن المنير: حجةُ أصحاب مالك بقتل الجاسوس بَيِّنَةٌ من حديث حاطب؛ لأن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عزمَ على قتله بالتجسُّس (¬3)، فلم ينكرْ عليه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - جَعْلَ التجسسِ علةً، ولكن بَيَّنَ له (¬4) المانعَ الخاصَّ به، فقال: إنه من أهل بدر، وهم مخصوصون بالمغفرة، فصحَّت العلَّة، وتعيَّنَ أن يُعمل (¬5) بها عند عدم (¬6) المانعِ المذكور. وقد جاء في السير أنه كتب (¬7) إليهم: "من حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش؛ أما بعد: فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد جاءكم في جيش كالسيل، أو كالليل، والله! لو جاءكم وحده، لنصره الله عليكم، وأنجز (¬8) له (¬9) وَعْدَه، ¬

_ (¬1) في "ج": "وهو". (¬2) في "ع" و"ج": "تعتقص". (¬3) في "ع": "بالتجسيس". (¬4) "له" ليست في "ع". (¬5) في "ج": "العمل". (¬6) "عدم" ليست في "ج". (¬7) "كتب" ليست في "ع". (¬8) في "ج": "ونجز". (¬9) "له" ليست في "ج".

فانظروا لأنفسكم"، فهذا اللفظ في غاية التعظيم والإرهاب، ومع ذلك عده عمر -رضي الله عنه- تجسُّساً، وموجِباً للقتل. قلت: ليس في هذا الحديث تعليلُ عمرَ عزمَه على قتل حاطب بالتجسس (¬1)، وإنما فيه إيماءٌ إلى تعليل ذلك بالنفاق، ثم قوله -رضي الله عنه- مشكلٌ؛ وذلك لأنه قال مقالته تلك (¬2) بعد شهادة الصادقِ المصدوق لحاطب بأنه ما فعل ذلك كفراً ولا ارتداداً، ولا رضي بالكفر بعد الإسلام، وهذه الشهادة نافية للنفاق قطعاً، فبعضهم قال: إنما أطلق عليه عمر ذلك؛ لأن ما صدر عنه يشبه فعلهم؛ لأنه باطَنَ (¬3) الكفارَ بخلاف ما يُظهر. وقيل: يحتمل أنه قاله قبل قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ صَدَقَكُمْ"، وهذا يبعده سياقُ الحديث لمن تأمله. وقيل: يريد أنه وإن صدق، فلا عذر له، وإنما عذر له النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه كان متأولًا، ولا ينافق بقلبه. وعلى الجملة: فمن عذره النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وشهد بصدقه (¬4) يجب على كل أحدٍ قَبولُ عذره وتصديقُه، والتماسُ أحسنِ المخارج له (¬5). (وما يدريك لعل الله اطَّلَع على أهل بدرٍ، فقال: اعملوا ما شئتمِ، فقد غفرتُ لكم): معنى "يدريك": يُعْلِمُك، "ولعلَّ" للترجِّي، لكنه محقَّق ¬

_ (¬1) في "ج": "بالتجسيس". (¬2) "تلك" ليست في "ع". (¬3) في "ع": "لأنه باطن باطن". (¬4) في "ع": "وشهد تصدقه". (¬5) "له" ليست في "ع".

باب: الكسوة للأسارى

للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وقوله: "اعملوا ما شئتم" مشكلٌ؛ لأنه إباحة مطلَقَة، وهو خلاف عقد الشرع، فقيل: هو للماضي لا للمستقبل، وتقديره: أيُّ عمل كان لكم، فقد غفرته، وهو ضعيف (¬1)؛ لأن صيغة افعلْ دالةٌ على الاستقبال، وأيضاً فالصادرُ من حاطب إنما كان في الاستقبال بعدَ بدر، فلو كان للماضي، لم يحسن التمسكُ به هنا. وقيل: بل هو خطابُ إكرامٍ وتشريفٍ، أنَّ (¬2) هؤلاء القوم حصلت لهم حالةٌ غُفرت لهم بها ذنوبُهم السالفة، وتأهلوا بها (¬3) أن تُغفر لهم ذنوبٌ لاحقة إن (¬4) وقعتْ منهم (¬5). * * * باب: الكِسْوَةِ لِلأُسَارَى 1646 - (3008) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو: سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ، أُتِيَ بِأُسَارَى، وَأُتِيَ بِالْعَبَّاسِ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ثَوْبٌ، فَنَظَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَهُ قَمِيصاً، فَوَجَدُوا قَمِيصَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ يَقْدُرُ عَلَيْهِ، فَكَسَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِيَّاهُ، فَلِذَلِكَ نَزَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَمِيصَهُ الَّذِي أَلْبَسَهُ، قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَتْ لَهُ عِنْدَ ¬

_ (¬1) "وهو ضعيف" ليست في "ع" و"ج". (¬2) في "ع" و"ج": "لأن". (¬3) "بها" ليست في "ع" و"ج". (¬4)) "ذنوب لاحقة" ليست في "ج". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 662).

باب: الأسارى في السلاسل

النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَدٌ، فَأَحَبَّ أَنْ يُكَافِئَهُ. (فوجدوا قميصَ عبدِ الله بنِ أُبي يقدُر عليه): -بضم الدال المخففة-؛ أي: يجيء قدرَه، وذاك لطولِ لباسِ العباس -رضي الله عنه-، وكان طُوالاً كأنه فُسطاط (¬1)، وكذا كان أخوه عبد الله، وأبوهما عبد المطلب (¬2). * * * باب: الأُسَارَى في السَّلاَسِلِ 1647 - (3010) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "عَجِبَ اللهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فِي السَّلاَسِلِ". (عجبَ اللهُ من قومٍ يدخلون الجنةَ في السلاسل): قال المهلب: يعني: يدخلون الإسلام (¬3) مُكْرَهين، وسمي الإسلام بالجنة؛ لأنه سببها. قال ابن فورك: والعجبُ المضافُ إلى الله تعالى يرجع إلى معنى الرضا والتعظيم، والله تعالى يُعظم مَنْ أخبر عنه بأنه ممن يَعجب منه، ويرضى عنه (¬4). وقال ابن المنير: إن كان المرادُ حقيقةَ وضعِ السلاسل بالأعناق، ¬

_ (¬1) في "ع": "فسطاطاً". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 662). (¬3) في "ع" و"ج": "في الإسلام". (¬4) انظر: "التوضيح" (18/ 176).

باب: فضل من أسلم من أهل الكتابين

فالترجمةُ مطابقة، وإن كان المراد: المجازَ عن الإكراه، فليستْ مطابقة (¬1). والحقُّ حملُها على ظاهرها. وفيه دليل على (¬2) شرعية السجن في الحقوق؛ لأنه موثقٌ؛ كالقيد والغُلِّ، وهو أظهرُ من الاستشهاد عليه بقوله تعالى: {إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} [آل عمران: 75]. * * * باب: فَضْلِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الكتَابَيْنِ 1648 - (3011) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ حَيٍّ أَبُو حَسَنٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "ثَلاَتَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ: الرَّجُلُ تَكُونُ لَهُ الأَمَةُ، فَيُعَلِّمُهَا فَيُحْسِنُ تَعْلِيمَهَا، وَيُؤَدِّبُهَا فَيُحْسِنُ أَدبَهَا، ثُمَّ يُعْتِقُهَا فَيَتَزَوَّجُهَا، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَمُؤْمِنُ أَهْلِ الْكِتَابِ، الَّذِي كَانَ مُؤْمِناً، ثُمَّ آمَنَ بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَالْعَبْدُ الَّذِي يُؤَدِّي حَقَّ اللهِ، وَيَنْصَحُ لِسَيِّدِهِ". ثُمَّ قَالَ الشَّعْبِيُّ: وَأَعْطَيْتُكَهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَرْحَلُ فِي أَهْوَنَ مِنْهَا إِلَى الْمَدِينَةِ. (ومؤمنُ أهل الكتاب الذي كان مؤمناً، ثم آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، فله ¬

_ (¬1) انظر: "المتواري" (ص: 167). (¬2) "على" ليست في "ع".

باب: أهل الدار يبيتون، فيصاب الولدان والذراري

أجران): مؤمنُ أهل الكتاب لابدَّ أن يكون مؤمناً به -عليه الصلاة والسلام-؛ للعهد المتقدمِ والميثاق، فإذا بُعث -عليه السلام-، فإيمانه الأول مستمر، فكيف يُعدد حتى تعدد أجرُه؟ وجوابه: أن إيمانه أولاً تعلق بأن الموصوف بكذا رسولٌ، وإيمانه ثانياً تعلق (¬1) بأن محمداً - صلى الله عليه وسلم - هو الموصوف بتلك الصفات، فهما معلومان متباينان، فجاء التعدد. * * * باب: أَهْلِ الدَّارِ يُبَيَّتوْنَ، فَيُصَابُ الوِلْدَانُ والذَّرَارِيُّ 1649 - (3012) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم-، قَالَ: مَرَّ بِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالأَبْوَاءِ -أَوْ بِوَدَّانَ-، وَسُئِلَ عَنْ أَهْلِ الدَّارِ يُبَيَّتُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَيُصَابُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارَيِّهِمْ، قَالَ: "هُمْ مِنْهُمْ". وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "لاَ حِمَى إِلاَّ لِلَّهِ وَلِرَسُولهِ - صلى الله عليه وسلم -". (يُبَيَّتون): على البناء للمفعول، بَيَّتوا العدوَّ: إذا أَتوهم ليلاً، والاسم: البَيات، بالفتح؛ كالسَّلام من سَلَّمَ. (فيصاب من نسائهم وذرارِيِّهم، قال: هم منهم): أي: إذا لم يُوصَلْ إلى قتل الرجال إلا بذلك، قُتِلوا، وإلا، فلا يُقصد الأطفالُ والنساء بالقتل مع القدرة على ترك ذلك؛ جمعاً بين الأحاديث. ¬

_ (¬1) في "ج": "معلقاً".

باب: قتل النساء في الحرب

باب: قَتْلِ النِّسَاء في الحَرْبِ 1650 - (3015) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي أُسَامَةَ: حَدَّثَكُمْ عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: وُجِدَتِ امْرَأةٌ مَقْتُولَةً فِي بَعْضِ مَغَازِي رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَنَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ قَتْلِ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانِ. (وُجدت امرأةٌ مقتولةً في بعض مغازي النبي - صلى الله عليه وسلم -): لعل هذه الغزوة هي فتح مكة، فقد روى الطبراني في "المعجم الأوسط" عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما دخل مكة (¬1)، أُتي بامرأة مقتولة، فقال: "ما كانت هذه تقاتل"، ونهى عن قتل النساء والوالدان (¬2). * * * باب: لاَ يُعَذَّبُ بِعَذَابِ اللهِ 1651 - (3016) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّهُ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَعْثٍ، فَقَالَ: "إِنْ وَجَدْتُمْ فُلاَناً وَفُلاَناً، فَأَحْرِقُوهُمَا بِالنَّارِ"، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ أَرَدْناَ الْخُرُوجَ: "إِنِّي أَمَرْتُكُمْ أَنْ تُحْرِقُوا فُلاَناً وَفُلاَناً، وَإِنَّ النَّارَ لاَ يُعَذِّبُ بِهَا إِلاَّ اللهُ، فَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمَا، فَاقْتُلُوهُمَا". ¬

_ (¬1) "لما دخل مكة" ليست في "ج". (¬2) رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (673).

باب: إذا حرق المشرك المسلم هل يحرق؟

(إن وجدتم فلاناً وفلاناً (¬1)، فأحرقوهما): تقدم أنهما هَبَّارُ بنُ الأسود، [ونافعُ بنُ عبدِ عمرٍو، وأن هباراً أسلمَ. وفي "الروض الأنف" للسهيلي: أنهما هبار بن الأسود] (¬2)، ونافعُ ابنُ عبدِ قيس. ذكره ابن هشام، وفي غير "السيرة" أنه خالدُ بنُ قيس، هكذا ذكر عن البزار (¬3). * * * باب: إذا حَرَّقَ المُشْرِكُ المُسْلِمَ هَلْ يُحَرَّقُ؟ 1652 - (3018) - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُوبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَهْطاً مِنْ عُكْلٍ، ثَمَانِيَةً، قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! ابْغِنَا رِسْلاً، قَالَ: "مَا أَجِدُ لَكُمْ إِلاَّ أَنْ تَلْحَقُوا بِالذَّوْدِ". فَانْطَلَقُوا فَشَرِبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، حَتَّى صَحُّوا وَسَمِنُوا، وَقَتَلُوا الرَّاعِيَ، وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ، وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ، فَأَتَى الصَّرِيخُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَبَعَثَ الطَّلَبَ، فَمَا تَرَجَّلَ النَّهَارُ حَتَّى أُتِيَ بِهِمْ، فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، ثُمَّ أَمَرَ بِمَسَامِيرَ فَأُحْمِيَتْ، فَكَحَلَهُمْ بِهَا، وَطَرَحَهُمْ بِالْحَرَّةِ، يَسْتَسْقُونَ فَمَا يُسْقَوْنَ، حَتَّى مَاتُوا. قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: قَتَلُوا، وَسَرَقُوا، وَحَارَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم -، وَسَعَوْا فِي الأَرْضِ فَسَاداً. ¬

_ (¬1) "فلاناً" ليست في "ع". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬3) انظر: "الروض الأنف" (3/ 106).

(أن رهطاً من عُكْلٍ ثمانيةً): فيه تصريح بعددهم، والشيخ محيي الدين النووي -رحمه الله- عزا ذلك (¬1) إلى "مسند أبي يعلى الموصلي"، وكأنه لم يقف على هذا في "الصحيح" (¬2). (يا رسول الله! ابْغِنا رِسْلاً): أي: اطلبْه لنا، يقال: بَغَيْتُكَ الشَّيءَ: إذا طلبتُه لكَ، وابْتَغَيْتُكَهُ: أَعَنْتُكَ على طَلَبِه، والرِّسل -بكسر الراء-: اللَّبَنُ (¬3). (فلما ترجَّل النَّهار): -بالجيم-؛ أي: ذهبَ منه كثيرٌ. (فأُحميت): كذا وقع رباعياً، وهو المعروف في اللغة، وإنما فعل ذلك بهم؛ لما في رواية سليمان (¬4) التيمي، عن أنس: "أنهم كانوا فعلوا بالرِّعاء مثلَ ذلك" (¬5)، وعليه يتنزل تبويبُ البخاري، ولولا ذلك، لم يكن ثَمَّ (¬6) مناسبةٌ (¬7). (قال أبو قِلابة: قَتلوا وسَرقوا): قد نوزِعَ؛ فإن هذه ليست سرقةً، وإنما هي حرابَةٌ. * * * ¬

_ (¬1) "عزا ذلك" ليست في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 663). (¬3) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬4) "سليمان" ليست في "ع" و"ج". (¬5) رواه مسلم (1671). (¬6) "ثم" ليست في "ج". (¬7) انظر: "التنقيح" (2/ 663)، و"التوضيح" (18/ 201).

باب

باب 1653 - (3019) - حَدَّثَنَا يَحْيىَ بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "قَرَصَتْ نَمْلَةٌ نَبِيّاً مِنَ الأَنْبِيَاءَ، فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ فَأُحْرِقَتْ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ: أَنْ قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ أَحْرَقْتَ أُمَّةً مِنَ الأُمَمِ تُسَبِّحُ؟! ". (قرصَتْ نملة نبياً من الأنبياء): ذكر بعضُ المتأخرين أن النبي المذكور هو عُزير -عليه السلام-، وقيل: موسى بن عمران -عليه السلام-، ذكره الحكيم الترمذي (¬1). * * * باب: حَرْقِ الدُّورِ وَالنَّخِيلِ (باب: حرق الدور والنخيل): قال الزركشي: صوابُه: إحراق (¬2). قلت: في "المشارق": والحرق يكون من النار، والأعرفُ فيه الإحراق (¬3)، فجعلَ الحرقَ معروفاً، لا خطأً. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "نوادر الأصول" (1/ 407). وانظر: "هدي الساري" لابن حجر (ص: 292). (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 665). (¬3) انظر: "التنقيح" (1/ 188).

1654 - (3020) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيىَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: قَالَ لِي جَرِيرٌ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ؟ " -وَكَانَ بَيْتاً فِي خَثْعَمَ يُسَمَّى: كَعْبَةَ الْيَمَانِيَةَ-، قَالَ: فَانْطَلَقْتُ فِي خَمْسِينَ وَمِئَةِ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ، وَكَانُوا أَصْحَابَ خَيْلٍ -قَالَ:- وَكُنْتُ لاَ أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، فَضَرَبَ فِي صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ أَصَابِعِهِ فِي صَدْرِي، وَقَالَ: "اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ، وَاجْعَلْهُ هَادِياً مَهْدِيّاً". فَانْطَلَقَ إِلَيْهَا، فَكَسَرَهَا وَحَرَّقَهَا، ثُمَّ بَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُخْبِرُهُ، فَقَالَ رَسُولُ جَرِيرٍ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ! مَا جِئْتُكَ حَتَّى تَرَكْتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْوَفُ، أَوْ أَجْرَبُ. قَالَ: فَبَارَكَ فِي خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ. (من ذي الخَلَصَة): -بفتح الخاء المعجمة واللام جميعاً، وبضم الخاء فقط، وبضمها (¬1) مع ضم اللام، وبفتح الخاء وإسكان اللام-، وكذا حكاه ابن داود؛ وهو بيت صنم ببلاد دَوْسٍ، وهو الكعبةُ اليمانِيَةُ، وضَعَّفه الزمخشري بأن "ذو" لا يضاف إلا (¬2) إلى أسماء الأجناس (¬3)، وسمي الكعبة اليمانية؛ لأنه بأرض اليمن، ضاهَوْا بها الكعبَة الحرام (¬4). (من أَحْمَسَ): -بحاء وسين مهملتين-: قبيلة من العرب. ¬

_ (¬1) في "ج": "وبضمهما". (¬2) "إلا" ليست في "ج". (¬3) "الفائق في غريب الحديث" (1/ 389). (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 665).

باب: قتل النائم المشرك

(واجعلْه هادياً مَهْدِيّاً): قال ابن بطال: هو من باب التقديم والتأخير؛ لأنه لا يكون هادياً لغيره إلا بعد أن يهتديَ هو ويكونَ مهدياً (¬1). (فقال رسولُ جرير (¬2)): هو أبو أرطاة حصينُ بنُ ربيعة (¬3). (كأنها جملٌ أجربُ): -بالموحدة-: مطليٌّ بالقَطِران، يشير إلى ما حصل لها من سواد الإحراق، وفي رواية مسدّد: "جَمَلٌ أَجْوَفُ" -بالواو والفاء-، وشرحه بأبيض البطنِ، قال القاضي: وهو تصحيفٌ وإفساد للمعنى (¬4). * * * باب: قَتْلِ النَّائِم الْمُشْرِكِ (باب: قتل النائمِ المشركِ): قال ابن المنير: ويعني بالنائم: المضطجع، لا خلاف (¬5) اليقظان، ويجوز أن يريد: النائم؛ لأن أبا رافع إنما قُصد وهو نائم، وذلك الإيقاظ (¬6) إنما كان ليَعلمَ مكانهَ بصوتِه، والظاهر أنه قتله وهو في حكم النائم، [لهذا لم (¬7) يهتدِ لا للهرب ولا للطلب. ¬

_ (¬1) انظر: "شرح ابن بطال" (5/ 194). (¬2) في "ع" و"ج": "رسول الله". (¬3) "حصين بن ربيعة" ليست في "ع". (¬4) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 147). وانظر: "التنقيح" (2/ 665). (¬5) في "ع": "لاختلاف". (¬6) في "ج": "لأن الإيقاظ". (¬7) في "ج" "لا".

ووجهُ إدخالِه في الفقه: قطعُ وَهْمِ من يتوهَّم أن النائم] (¬1) غيرُ مكلف حالةَ النوم، فيقع (¬2) له أنه من جنس السكران الذي لا يُقام عليه الحدُّ في حال سُكره حتى يفيقَ، وانظرْ لو لَقِينَا حَرْبِيٌّ سكرانُ، ولم نَخَفْ غائِلَتَهُ إذا أمهلناه (¬3) للصَّحو؛ أنقتلُه (¬4) في حال سُكره، أم (¬5) نمهلُه (¬6)؛ لاحتمال أن يصحو فيُسْلِمَ؟ الله أعلم. أما أبو رافع هذا، فكان ممن يُئِس من إسلامه وتوبته، فلا يُقاس عليه، وأيضاً: فإنه قُتل حَدّاً مع كونه كافراً؛ لأنه كان يؤذي رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أذية خاصة (¬7)، فهو ممن لو أسلم، لم يسقط عنه القتل؛ كما لم يُستتب ابنُ خَطَل ونحوه. ونصَّ أصحابُنا في المرتدِّ أو الشابِّ يُجَنُّ: أنه يوقف عن قتله حتى يُفيق، أو يقتله الله، فيؤخذ (¬8) من هذا: أن النائم لا يُقتل حدّاً ولا كُفراً. ويحتمل حدّ أبي رافع على أنه قُتل وقد استيقظ، خلافاً لما قصده البخاري من الترجمة. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) في "ج": "فيقطع". (¬3) في "ع": "إذا مهلناه". (¬4) في "ع": "نقتله". (¬5) في "ج": "أو". (¬6) في "ج": "نهمله". (¬7) "أذية خاصة" ليست في "ع" و"ج". (¬8) في "ج": "أنه فيؤخذ".

قلت: في آخر الباب التصريحُ بقتله في حالة النوم، فإنه قال: "فدخلَ عليه عبدُ الله بنُ عَتيكٍ (¬1) بيتَه ليلاً، فقتلَه وهو نائمٌ". * * * 1655 - (3022) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّاءَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَهْطاً مِنَ الأَنْصَارِ إِلَى أَبِي رَافِعٍ لِيَقْتُلُوهُ، فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَدَخَلَ حِصْنَهُمْ، قَالَ: فَدَخَلْتُ فِي مَرْبِطِ دَوَابَّ لَهُمْ، قَالَ: وَأَغْلَقُوا بَابَ الْحِصْنِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ فَقَدُوا حِمَاراً لَهُمْ، فَخَرَجُوا يَطْلُبُونَهُ، فَخَرَجْتُ فِيمَنْ خَرَجَ، أُرِيهِمْ أَنَّنِي أَطْلُبُهُ مَعَهُمْ، فَوَجَدُوا الْحِمَارَ، فَدَخَلُوا وَدَخَلْتُ، وَأَغْلَقُوا بَابَ الْحِصْنِ لَيْلاً، فَوَضَعُوا الْمَفَاتِيحَ فِي كَوَّةٍ حَيْثُ أَرَاهَا، فَلَمَّا ناَمُوا، أَخَذْتُ الْمَفَاتِيحَ، فَفَتَحْتُ بَابَ الْحِصْنِ، ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا رَافِعٍ! فَأَجَابَنِي، فتُعَمَّدْتُ الصَّوْتَ، فَضَرَبْتُهُ، فَصَاحَ، فَخَرَجْتُ، ثُمَّ جِئْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ كَأَنِّي مُغِيثٌ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا رَافِعٍ! وَغَيرْتُ صَوْتِي، فَقَالَ: مَا لَكَ لأُمِّكَ الْوَيْلُ؟! قُلْتُ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: لاَ أَدْرِي مَنْ دَخَلَ عَلَيَّ فَضَرَبَنِي، قَالَ: فَوَضَعْتُ سَيْفِي فِي بَطْنِهِ، ثُمَّ تَحَامَلْتُ عَلَيْهِ حَتَّى قَرَعَ الْعَظْمَ، ثُمَّ خَرَجْتُ وَأَناَ دَهِشٌ، فَأَتَيْتُ سُلَّماً لَهُمْ لأَنْزِلَ مِنْهُ، فَوَقَعْتُ، فَوُثِئَتْ رِجْلِي، فَخَرَجْتُ إلَى أَصْحَابِي، فَقُلْتُ: مَا أَناَ بِبَارِحٍ حَتَّى أَسْمَعَ النَّاعِيةَ، فَمَا بَرِحْتُ حَتَّى سَمِعْتُ نَعَايَا أَبِي رَافِعٍ تَاجِرِ أَهْلِ الْحِجَازِ، قَالَ: فَقُمْتُ وَمَا بِي قَلَبَةٌ، حَتَّى أَتَيْنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخْبَرْناَهُ. ¬

_ (¬1) في "ج": "عبد الله عن أبي عبيدة".

(بعث رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - رهطاً من الأنصار): ذكر ابن هشام عن الزهري، عن كعب بن مالك: أنه خرج إليه خمسةُ نَفَرٍ: عبدُ الله بنُ عتيك (¬1)، ومسعودُ بنُ سنانٍ (¬2)، وعبدُ الله بنُ أُنَيْسٍ، وأبو قتادةَ الحارثُ بنُ رِبْعي (¬3)، وخُزاعِيُّ (¬4) بنُ أسودَ حليفٌ لهم من أسلمَ، وأَمَّر عليهم عبدَ الله ابنَ عتيك، وفي هذه الراوية: أنهم دخلوا عليه، و (¬5) ابتدروه بأسيافهم، وأن عبدَ الله بنَ أنيسٍ (¬6) تحامل (¬7) عليه بسيفه في بطنه حتى أنفذه، وهو يقول (¬8): قَطْني قَطْني؛ أي: حَسْبي (¬9). ورواية البخاري تقتضي أن الذي عمل العملَ كلَّه هو عبدُ الله بنُ عَتيك، وهو الذي وقعَ من الدرجة؛ لأنه كان ضعيف البصر، وما في البخاري أصحُّ. (في كَوَّةٍ): بفتح الكاف وضمها. (فوُثِئَتْ رِجْلي): -بواو مضمومةٍ فثاء مثلثة مكسورة فهمزة، مبني ¬

_ (¬1) في "ج": "عبد الله بن عبيد". (¬2) "سنان" ليست في "ج". (¬3) في "ج": "ربيعة". (¬4) في "ج": "وخزاعة". (¬5) الواو ليست في "ج". (¬6) "أنيس" ليست في "ج". (¬7) في "ج": "حمل". (¬8) في "ع": "وهو تأويل". (¬9) انظر: "السيرة النبوية" لابن هشام (4/ 235).

باب: الحرب خدعة

للمفعول-؛ أي: أصابَ عظمَ رجلي شيءٌ لا يبلغُ الكسرَ؛ كأنه فك. (حتى سمعت نعايا أبي رافعٍ): قال الخطابي: هكذا روي؛ وإنما حق الكلام: نَعاءِ أبا رافع؛ أي: انْعَوْا أبا رافع، يقال (¬1): نَعاءِ فلاناً؛ أي: انْعَهُ (¬2)؛ كقولك: دراكِ؛ أي: أَدْرِكْ (¬3). قلت: وهذا أيضاً قدحٌ في الرواية الصحيحة بوهمٍ يقع في الخاطر، فالنعايا هنا جمعُ نَعِيٍّ؛ كصَفِيٍّ وصَفايا، والنَّعْيُ: خبرُ الموت؛ أي: فما برحتُ حتى سمعتُ الأخبارَ مصرِّحَةً بموته. وفيه: قبولُ خبرِ الواحد في الوفاة بقرائنِ الأحوال، ولو كان الناقلُ كافراً؛ لأن المحكم القرينةُ لا القول. (وما بي قَلَبَة): أي: داء (¬4) تقلَب (¬5) له رجلي لتعالَجَ. * * * باب: الحرْبِ خَدْعَةٌ 1656 - (3030) - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَناَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو: سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْحَرْبُ خَدْعَةٌ". ¬

_ (¬1) في "ج": "قالوا". (¬2) في "ع" و"ج": "أبغه". (¬3) انظر: "أعلام الحديث" (2/ 1430). وانظر: "التنقيح" (2/ 666). (¬4) "أي: داء" ليست في "ع". (¬5) في "ع": "وانقلب".

(الحرب خَدْعة): -بفتح الخاء المعجمة وإسكان الدال المهملة- على أفصح لغاتها. قال في "الفصيح" (¬1): وذُكر لي أنها لغةُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وذكر بعضُ أهل (¬2) السير أنه -عليه الصلاة والسلام- قالها يومَ الأحزاب لما بعثَ نعيمَ بنَ مسعود يُخَذِّلُ بين قريشٍ وغطفان ويهودَ (¬3). والمراد بالحديث -والله أعلم-: أن الحربَ الجيدةَ (¬4) لصاحبها، الكاملةَ في مقصودها، إنما هي المخادَعَةُ، لا (¬5) المواجَهَةُ، وذلك أن (¬6) المواجهة خَطِرة، وأما المخادعةُ، فيحصل منها الظفرُ مع أمنِ (¬7) الخطر، والمعنى: أن خَدعةً واحدة -أي: مرةً من الخداع- تُغني غَناءَ الحرب، فهو من جنس: "إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ" (¬8). * * * 1657 - (3027) - حَدَثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ: أَخْبَرَناَ مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ¬

_ (¬1) لثعلب. (¬2) "أهل" ليست في "ع". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 666). (¬4) في "ج": "الجيد". (¬5) في "ج": "أي". (¬6) في "ج": "لأن". (¬7) في "ع" و"ج": "مع أمر". (¬8) رواه البخاري (6114)، ومسلم (2609) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

باب: الكذب في الحرب

قَالَ: "هَلَكَ كِسْرَى، ثُمَّ لاَ يَكُونُ كِسْرَى بَعْدَهُ، وَقَيْصَرٌ لَيَهْلِكَنَّ ثُمَّ لاَ يَكُونُ قَيْصَرٌ بَعْدَهُ، وَلتُقْسَمَنَّ كُنُوزُهَا فِي سَبِيلِ اللهِ". (هلك كسرى، ثم لا يكون كسرى بعدَه): قال الشافعي (¬1) -رضي الله عنه-: معناه: لا كسرى بعدَه بالعراق، ولا قيصرَ بعده بالشام. قال: وسببُ الحديث: أن قريشاً كانت تأتي الشامَ والعراقَ كثيراً للتجارة في الجاهلية، فلما أسلموا، خافوا انقطاعَ سفرهم إليهما؛ لمخالفتهم بالإسلام، فقال -عليه الصلاة والسلام-: لا كسرى ولا قيصرَ بعدهما بهذين الإقليمين، و (¬2) لا ضررَ عليكم، فلم يكن قيصر بعدَه بالعراق، ولا كسرى بالشام، ولا يكون (¬3). * * * باب: الْكَذِبِ فِي الْحَرْبِ 1658 - (3031) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو ابْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ لِكَعْب بْنِ الأَشْرَفِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللهَ وَرَسُولَهُ؟ ". قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "نَعَمْ". قَالَ: فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا -يَعْنِي: النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -- قَدْ عَنَّاناَ، وَسَأَلَنَا الصَّدَقَةَ، قَالَ: وَأَيْضاً، وَاللهِ قَالَ: فَإِنَّا قَدِ اتَّبَعْتَاهُ، فَنَكْرَهُ أَنْ نَدَعَهُ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى مَا يَصِيرُ أَمْرُهُ، قَالَ: ¬

_ (¬1) في "ع": "قال السفاقسي". (¬2) الواو ليست في "ج". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 667).

باب: ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب وعقوبة من عصى إمامه

فَلَمْ يَزَلْ يُكَلِّمُهُ حَتَّى اسْتَمْكَنَ مِنْهُ فَقَتَلَهُ. (باب: الكذب في الحرب). (قد عَنَّانا): -بتشديد النون-؛ أي: أَلْزَمَنا العناءَ، وكلَّفنا ما يشقُّ علينا، فعدَّ البخاريُّ هذا كذباً في الحرب. ويمكنُ المنازعة فيه، فيقال: بل هو تعريض؛ فإنه -عليه السلام- قد أمرهم ونهاهم، والأوامرُ والنواهي تكاليفُ، فلا بِدْعَ (¬1) أن يطلق: عَنَّانا، ويريد: كَلَّفَنا بما ورد (¬2) به الشرع من الأوامر والنواهي، وقوله: "وسألنا الصدقة" لا كذبَ فيه أيضاً؛ فإنه -عليه الصلاة والسلام- طالبها منهم ما أمر الله سبحانه وتعالى. * * * باب: مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّنَازُعِ والاختِلاَفِ في الحرْبِ وعقُوبةِ مَنْ عَصَى إِمَامَهُ 1659 - (3039) - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- يُحَدِّثُ، قَالَ: جَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الرَّجَّالَةِ يَوْمَ أُحُدٍ -وَكَانُوا خَمْسِينَ رَجُلاً- عَبْدَ اللهِ بْنَ جُبَيْرٍ، فَقَالَ: "إِنْ رَأَيْتُمُوناَ تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ، فَلاَ تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ هَذَا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ، وَإِنْ رَأَيْتُمُوناَ هَزَمْنَا الْقَوْمَ وَأَوْطَأْناَهُمْ، فَلاَ تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ"، فَهَزَمُوهُمْ، قَالَ: فَأَناَ وَاللهِ! رَأَيْتُ النِّسَاءَ يَشْتَدِدْنَ، قَدْ بَدَتْ ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "يدع". (¬2) في "ج": "يرد".

خَلاَخِلُهُنَّ وَأَسْوُقُهُنَّ، رَافِعَاتٍ ثِيَابَهُنَّ. فَقَالَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُبَيْرٍ: الْغَنِيمَةَ -أَيْ قَوْمِ! - الْغَنِيمَةَ، ظَهَرَ أَصْحَابُكُمْ، فَمَا تَنْتَظِرُونَ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ ابْنُ جُبَيْرٍ: أَنَسِيتُمْ مَا قَالَ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالُوا: وَاللهِ! لَنَأْتِيَنَّ النَّاسَ فَلَنُصِيبَنَّ مِنَ الْغَنِيمَةِ، فَلَمَّا أَتَوْهُمْ، صُرِفَتْ وُجُوهُهُمْ، فَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ، فَذَاكَ إِذْ يَدْعُوهُمُ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ، فَلَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - غَيْرُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاً، فَأَصَابُوا مِنَّا سَبْعِينَ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ أَصَابَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعِينَ وَمِئَةً: سَبْعِينَ أَسِيراً، وَسَبْعِينَ قَتِيلاً. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُجِيبُوهُ، ثُمَّ قَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ؟ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَمَّا هَؤُلاَءِ، فَقَدْ قُتِلُوا، فَمَا مَلَكَ عُمَرُ نفسَهُ، فَقَالَ: كَذَبْتَ -وَاللهِ- يَا عَدُوَّ اللهِ، إِنَّ الَّذِينَ عَدَدْتَ لأَحْيَاءٌ كُلُّهُمْ، وَقَدْ بَقِيَ لَكَ مَا يَسُوءُكَ. قَالَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، وَالْحَرْبُ سِجَالٌ، إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ فِي الْقَوْمِ مُثْلَةً، لَمْ آمُرْ بِهَا، وَلَمْ تَسُؤنِي، ثُمَّ أَخَذَ يَرْتَجِزُ: اُعْلُ هُبَلْ، اُعْلُ هُبَلْ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ تُجيبُوا لَهُ؟ ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا نقُولُ؟ قَالَ: "قُولُوا: اللهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ". قَالَ: إِنَّ لَنَا الْعُزَّى وَلاَ عُزَّى لَكُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ تُجِيبُوا لَه؟ ". قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا نَقُولُ؟ قَالَ: "قُولُوا: اللهُ مَوْلاَناَ وَلاَ مَوْلَى لَكُمْ". (على الرجّالة): -بتشديد الجيم-: جمعُ راجِل، وهم الذين لا خيلَ معهم. (إن رأيتمونا تخْطَفنا الطير): -بإسكان الخاء وتخفيف الطاء وفتحها-، ويروى بفتح الخاء وتشديد الطاء، وأصله: تَتَخَطَّفُنا -بتاءين حذفت

إحداهما (¬1) -، وهو مَثلٌ يراد به الهزيمة. (وأَوْطَأْفاهم (¬2)): يريد: مشينا عليهم وهم قتلى بالأرض. (رأيت النساء): أي: نساء المشركين. (يُسْنِدْنَ): -بسين مهملة ونون-؛ أي: يمشين في سَنَد الجبل يُرِدْنَ أن يَرْقَيْنَ الجبلَ، وفي رواية أبي ذر: "يَشْتَدِدْنَ" -بشين معجمة-: يفتعلْنَ؛ من الشدة؛ أي: يجرين (¬3). (وأَسْوُقُهُنَّ): جمع ساقٍ، ويقال بواو مضمومةٍ خالصةٍ، وضبطه بعضهم (¬4) بالهمزة؛ لأن الواو إذا انضمَّتْ، جاز همزُها، نحو: أَدْوُرٍ وأَدْؤُرٍ. وفيه جوازُ النظر إلى أَسْوُقِ المشركات؛ لتعرُّفِ حالِ القوم، لا لشهوةٍ (¬5). (الغنيمةَ (¬6)): نصب على الإغراء. (فما ملكَ عمرُ نفسَه، فقال: كذبتَ -والله- يا عدوَّ الله): لم يرد عمر -رضي الله عنه- مخالفةَ نهي النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما أنكرَ قولَ الباطل. ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "أحدهما". (¬2) في "ع": "وأوطأنها". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 668). (¬4) في "ع": "بعضه". (¬5) انظر: "التوضيح" (18/ 243). (¬6) في "ع" و"ج": "والغنيمة".

باب: من رأى العدو فنادى بأعلى صوته: يا صباحاه! حتى يسمع الناس

(إنكم ستجدون في القوم مُثْلة لم آمرْ بها، ولم تَسُؤْني): يعني: أنهم جَدَعوا أنوفهم، وشَقُّوا (¬1) بطونهم، وكان حمزة -رضي الله عنه- ممن مُثِّلَ به. وقوله: "لم آمرْ بها"؛ يعني: أنه لا يأمرُ بفعلٍ قبيحٍ لا يجلبُ لفاعله نفعاً. وقوله: ولم تَسُؤْني؛ يعني: لأنكم عدوٌّ لي، وكانوا قتلوا ابنه يومَ بدرٍ. (اعلُ هُبَل): صنم كانوا يعبدونه، وكذا العُزَّى. (الله مولانا): أي: ناصرُنا. قال السفاقسي: وذُكر أن أبا سفيان لما أجابه عمر، قال له: أنشدُكَ الله أمحمدٌ حيٌّ؟ قال: اللهمَّ نعم، وهو ذا يسمعُك، قال: أنت أصدقُ عندنا من ابنِ قَمِئَةَ، قال ذلك؛ لأن ابنَ قمئةَ قال لهم (¬2): قتلتُه (¬3). * * * باب: مَنْ رَأَى الْعَدُوَّ فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا صَبَاحَاهْ! حَتَّى يُسْمِعَ النَّاسَ (باب: من رأى العدوَّ فنادى بصوته: يا صباحاه! حتى يُسمع الناس): موضع الترجمة من الفقه: أن هذه الدعوة ليست من دعوى الجاهلية المنهيِّ ¬

_ (¬1) في "ع": "وشطوا"، وفي "م": "وشقطوا". (¬2) "لهم" ليست في "ج". (¬3) انظر: "التوضيح" (18/ 244).

عنها؛ لأنها استعانةٌ على المشركين (¬1) (¬2). * * * 1660 - (3041) - حَدَّثَنَا الْمَكَيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَناَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ: أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، قَالَ: خَرَجْتُ مِنَ الْمَدِينَةِ ذَاهِباً نَحْوَ الْغَابَةِ، حَتَى إِذَا كُنْتُ بِثَنِيَّةِ الْغَابَةِ، لَقِينِي غُلاَمٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قُلْتُ: وَيْحَكَ! مَا بِكَ؟ قَالَ: أُخِذَتْ لِقَاحُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قُلْتُ: مَنْ أَخَذَهَا؟ قَالَ: غَطَفَانُ وَفَزَارَةُ، فَصَرَخْتُ ثَلاَثَ صَرَخَاتٍ أَسْمَعْتُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا: يَا صَبَاحَاهْ! يَا صَبَاحَاهْ! ثُمَّ انْدَفَعْتُ حَتَّى أَلْقَاهُمْ وَقَدْ أَخَذُوهَا، فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ وَأقُولُ: أَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ ... وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ فَاسْتَنْقَذْتُهَا مِنْهُمْ قَبْلَ أَنْ يَشْرَبُوا، فَأَقْبَلْتُ بِهَا أَسُوقُهَا، فَلَقِيَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إنَّ الْقَوْمَ عِطَاشٌ، وَإنِّي أَعْجَلْتُهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا سِقْيَهُمْ، فَابْعَثْ فِي إِثْرِهِمْ، فَقَالَ: "يَا بْنَ الأكْوَعِ! مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ، إِنَّ الْقَوْمَ يُقْرَوْنَ فِي قَوْمِهِمْ". (أنا ابن الأكوع، واليومُ يومُ الرُّضَّع): سجعٌ لم يلتزم فيه الوزن، فيقول بعضهم: وَجْهُه (¬3): إِنَّا بَني الأَكْوعِ، ساقط. ومعنى اليومُ يومُ الرضع: اليوم هلاك اللئام؛ من قولهم: لئيم (¬4) راضعٌ، ¬

_ (¬1) "على المشركين" ليست في "ع" و"ج". (¬2) انظر: "المتواري" (ص: 174). (¬3) في "ج": "وجه". (¬4) "لئيم" ليست في "ع".

وهو الذي رَضَعَ اللؤمَ من ثدي أمه، وكلُّ مَنْ ينسَبُ إلى لؤم، فإنه يوصف بالمصّ والرضاع، وفي المثل: أَلأَمُ من راضع، وأصلُ ذلك: رجلٌ كان إذا أحسَّ بالضيف، رضعَ من ثدي البهيمة؛ لئلا يحسَّ به إذا حلب. وقيل: أراد: اليومُ يومٌ تعلم المرضعةُ هل أرضعت (¬1) جباناً أو شجاعاً؟ وقيل: أراد: يوماً شديداً تُفارِق فيه المرضعُ رضيعَها. قال السهيلي: اليومُ يومُ الرضع، بالرفع فيهما، وبنصب الأول ورفع الثاني. حكى (¬2) سيبويه: اليومَ يومُك، على أن يجعل اليومَ في موضع خبر الثاني؛ لأن ظرف الزمان يخبَر به عن زمانٍ مثلِه إذا كان الظرفُ يتسع للثاني، ولا يضيق عنه (¬3) (¬4). (ملكتَ فأَسْجِحْ): -بهمزة قطع فسين مهملة (¬5) فجيم فحاء مهملة- فعلُ أمر؛ أي: قَدَرْتَ، فَسَهِّلْ وأَحْسِنِ العفوَ، يقال: أسجحَ الكريمُ إلى مَنْ أذنبَ (¬6). (إن القوم يُقْرَوْنَ في قومهم): هو من القِرى، وهو الضيافة، والمعنى: أنهم وصلوا إلى قومهم. ¬

_ (¬1) في "م": "أرضعه". (¬2) في "ج": "وحكى". (¬3) في "ع": "عليه". (¬4) انظر: "الروض الأنف" (4/ 6 - 7)، وانظر: "التنقيح" (2/ 668). (¬5) "فسين مهملة" ليست في "ج". (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 669).

باب: من قال: خذها وأنا ابن فلان وقال سلمة: خذها وأنا ابن الأكوع

وقال ابن بطال: سيبلغون أولَ بلادهم، فيطعمون ويسقون الماء قبل أن تبلغَ منهم ما تريد. ويروى: "يَقْرون": -بفتح الياء وضم الراء-؛ أي: ارفقْ بهم؛ فإنهم يُضيِّفون الأضيافَ (¬1). * * * باب: مَنْ قَالَ: خُذْهَا وَأَناَ ابْنُ فُلاَنٍ وَقَالَ سَلَمَةُ: خُذْهَا وَأَناَ ابْنُ الأَكْوَعِ (وقال سلمة: خُذْهما وأنا ابنُ الأكوع): يعني: الرميةَ، وهي كلمةٌ يقولها الرامي عندما يُصيب فَرَحاً. قال السفاقسي: وكان ابنُ عمر إذا رمى يقول: خُذْها وأنا أبو (¬2) عبد الرحمن، ويقول: أنا بها، أنا بها، وكان رامياً مُجيداً يرمي الطيرَ على سنام البعير، فلا يخشى أن يصيب السنام (¬3). * * * باب: إِذَا نَزَلَ العَدُوُّ على حُكْمِ رَجُلٍ 1661 - (3043) - حَدَثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، -هُوَ ابْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ-، عَنْ أَبِي ¬

_ (¬1) انظر: "شرح ابن بطال" (5/ 198). (¬2) "أبو" ليست في "ج". (¬3) انظر: "التوضيح" (18/ 254).

سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ، -هُوَ ابْنُ مُعَاذٍ-، بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَ قَرِيبًا مِنْهُ، فَجَاءَ عَلَى حِمَارٍ، فَلَمَّا دَنَاَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قُومُوا إلَى سَيِّدِكُمْ،، فَجَاءَ فَجَلَسَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ لَهُ: "إِنَّ هَؤُلاَءِ نِزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ". قَالَ: فَإِنِّي أَحْكُمُ أَنْ تُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ، وَأَنْ تُسْبَى الذُّرَّيَّةُ، قَالَ: "لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْم الْمَلِكِ". (قال: لقد حكمت فيهم (¬1) بحكم الملك): قال ابن المنير: فيه تصحيحُ القول بأن المصيب واحد، وأن المجتهدَ ربما أخطأ، ولا حرجَ عليه، ولهذا قال -عليه الصلاة والسلام- لسعدٍ (¬2): "لقد حكمتَ بحكم الملك"، فدل ذلك على أن حكمَ الله في الواقعة متقرر، فمن أصابه، فقد أصابَ الحقَّ، ولولا ذلك، لم يكن لسعدٍ مزيةٌ في الصواب. لا يقال: كانت المسألة قطعية، والمسائل القطعية (¬3) لله فيها حكمٌ واحدٌ؛ لأنا نقول: بل كانت اجتهادية ظنيةً، ولهذا كان رأيُ أكثرِ الأنصار أن يُعفى عن اليهود؛ خلافاً لسعدٍ، وما كان الأنصار (¬4) ليتفق أكثرُهم على خلاف الصواب قطعاً. وفيه: جواز الاجتهاد في زمنه -عليه الصلاة والسلام-، وبحضرته، فكيف بعد وفاته؟ ¬

_ (¬1) في "ع": "بينهم". (¬2) "لسعد" ليست في "ع" و"ج". (¬3) "والمسائل القطعية" ليست في "ع". (¬4) في "ع": "وما كان من الأنصار".

باب: قتل الأسير، وقتل الصبر

وفيه: أنه يسوغ للإمام الأعظم إذا كانت له حكومة في نفسه أن يولي نائباً يحكم بينه وبين خصمه للضرورة، وينفذ ذلك على خصمه إذا كان عدلاً، ولا يُقدَح فيه أنه حكم له وهو نائبه. * * * باب: قَتْلِ الأسِيرِ، وَقَتْلِ الصَّبْرِ 1662 - (3044) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ، جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: إنَّ ابْنَ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: "اقْتُلُوهُ". (إن ابنَ خَطَلٍ متعلقٌ بأستار الكعبة، فقال: اقتلوه): جاء في قاتلِ ابنِ خطل روايتان: فروي عن أبي برزةَ الأسلميِّ فضلةَ بنِ عُبيدٍ أنه قال: أنا (¬1) قتلتُ ابنَ خطل، ذكره [ابن] عبد البر في "الاستيعاب" (¬2). وفي "سنن البيهقي" في أبواب الردة: أنه ابتدره سعيدُ بنُ (¬3) زيد، وعمارُ بن ياسر، وأن سعيدَ بنَ زيد تقدمه إليه، فقتله. رواه عن أسباط عن السدي، عن مصعب بن سعد، عن أبيه (¬4). ¬

_ (¬1) "أنا" ليست في "ع" و"ج". (¬2) انظر: (4/ 1495). (¬3) "بن" ليست في "ع". (¬4) رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 205).

واسم ابنِ خطل (¬1): عبدُ الله، وقيل: عبدُ العزى، وقد مر أنه (¬2) أسلمَ ثم ارتدَّ وقتلَ مسلماً. وفي "الإكمال" لابن ماكولا في باب: كبير (¬3) ما نصه: وهلال (¬4) بنُ عبد الله، ويعرف بابنِ خَطَلِ بنِ عبدِ الله بنِ مناف بنِ أسعدَ (¬5) بنِ جابرِ بنِ كبير (¬6): هو الذي تعلَّق بأستار الكعبة، فقُتل، وقيل في نسبه غيرُ هذا (¬7). وفي "الروض الأنف" للسهيلي: وقد قيل: كان هلالٌ أخاه (¬8). وفي "أسد الغابة" في ترجمة سعيدِ بنِ ذؤيب: روى السديُّ عن مصعبِ ابنِ سعدٍ، عن أبيه، قال: لما كان يومُ فتحِ مكة، أَمَّنَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الناسَ (¬9) إلا أربعةَ أنفس: عِكْرِمَةَ بنَ أبي جهلٍ، وعبدَ الله بنَ خَطَل، ومِقْيَسَ بنَ صُبابَةَ، وعبدَ الله بنَ سعدِ بنِ أبي سَرْع، فأما ابنُ خطل، فأُدرك وهو متعلقٌ بأستار الكعبة، فاستبق (¬10) إليه سعدُ بنُ ذؤيب، وعمارُ بنُ ياسر، فسبق سعدٌ ¬

_ (¬1) في "ع": "ابن حنظل". (¬2) "أنه" ليست في "م". (¬3) في "ع": "باب كثير". (¬4) في "ع": "وهو هلال". (¬5) في "ج": "سعد". (¬6) في "ع": "بن كثير". (¬7) انظر: "الإكمال" (7/ 126). (¬8) انظر: "الروض الأنف" (4/ 168). (¬9) "الناس" ليست في "ع". (¬10) في "ع" و"ج": "فأسبق".

باب: هل يستأسر الرجل؟ ومن لم يستأسر، ومن ركع ركعتين عند القتل

عماراً، وكان أشبَّ الرجلين (¬1). وفي "البيهقي" في فتح مكة بإسناده إلى زيد بن الحُباب، قال: حدثني عمرُو بنُ عثمانَ بنِ عبدِ الرحمنِ بنِ سعيدٍ المخزوميُّ، قال: حدثني جدي، عن أبيه: أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَمَّنَ الناسَ إلا هؤلاء الأربعة: ابنَ خطلٍ، ومقيسَ بنَ صبابةَ، وعبدَ الله بنَ أبي سرح، وابنَ نُقَيذٍ (¬2)، فأما ابنُ خطل، فقتله الزبيرُ بنُ العوام (¬3). فحصلنا (¬4) أربعةَ أقوال في قاتل ابن خطل. وفي "السيرة" لابن سيد الناس: إن قاتله سعيدُ بنُ حُرَيْثٍ المخزوميُّ وأبو برزة (¬5)، فهذا قول خامس. * * * باب: هَلْ يَسْتَأْسِرُ الرَّجُلُ؟ ومَنْ لَمْ يَسْتَأْسِرْ، وَمَنْ رَكَع رَكعَتَينِ عِنْدَ القَتْلِ 1663 - (3045) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ أَسيدِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِيُّ -وَهْوَ حَلِيفٌ لِبَنِي زُهْرَةَ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ-: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ ¬

_ (¬1) انظر: "أسد الغابة" (2/ 413). (¬2) في "ع": وابن نفيذ". (¬3) رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (9/ 120). (¬4) في "ج": "فجعلنا". (¬5) انظر: "عيون الأثر" (2/ 195).

عَنْهُ- قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَشَرَةَ رَهْطٍ سَرِيَّةً عَيْناً، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ ابْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ جَدَّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانوُا بِالْهَدْأَةِ، وَهْوَ بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ، ذُكِرُوا لِحَيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ، يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو لِحْيانَ، فَنَفَرُوا لَهُمْ قَرِيباً مِنْ مِئَتَيْ رَجُلٍ، كُلُّهُمْ رَامٍ، فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ حَتَّى وَجَدُوا مَأْكَلَهُمْ تَمْراً تَزَوَّدُوهُ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَقَالُوا: هَذَا تَمْرُيَثْرِبَ، فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ، فَلَمَّا رَآهُمْ عَاصِمٌ وَأَصْحَابُهُ، لَجَؤُوا إلَى فَدْفَدٍ، وَأَحَاطَ بِهِمُ الْقَوْمُ، فَقَالُوا لَهُمُ: انْزِلُوا وَأَعْطُونَا بِأَيْدِيكُمْ، وَلَكُمُ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ، وَلاَ نَقتُلُ مِنْكُمْ أَحَداً. قَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ أَمِيرُ السَّرِيَّةِ: أَمَّا أَناَ، فَوَاللهِ! لاَ أَنْزِلُ الْيَوْمَ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ، اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ، فَرَمَوْهُمْ بِالنَّبْلِ، فَقَتَلُوا عَاصِماً فِي سَبْعَةٍ، فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ بِالْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ، مِنْهُمْ خُبَيْبٌ الأَنْصَارِيُّ، وَابْنُ دَثِنَةَ، وَرَجُلٌ آخَرُ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ، أَطْلَقُوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فَأَوْثَقُوهُمْ، فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ: هَذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ، وَاللهِ! لاَ أَصْحَبُكُمْ، إنَّ فِي هَؤُلاَءِ لأُسوَةً -يُرِيدُ: الْقَتْلَى-، فَجَرَّرُوهُ وَعَالَجُوهُ عَلَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَأَبَى، فَقَتَلُوهُ، فَانْطَلَقُوا بِخُبَيْبٍ وَابْنِ دَثِنَةَ حَتَّى بَاعُوهُمَا بِمَكَّةَ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، فَابْتَاعَ خُبَيْباً بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ قَتَلَ الْحَارِثَ بْنَ عَامِرٍ يَوْمَ بَدْرٍ، فَلَبِثَ خُبَيْبٌ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا، فَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عِيَاضٍ أَنَّ بِنْتَ الْحَارِثِ أَخْبَرتْهُ: أَنَّهُمْ حِينَ اجْتَمَعُوا اسْتَعَارَ مِنْهَا مُوسَى يَسْتَحِدُّ بِهَا، فَأَعَارَتْهُ، فَأَخَذَ ابْناً لِي وَأَناَ غَافِلَةٌ حِينَ أَتَاهُ، قَالَتْ: فَوَجَدْتُهُ مُجْلِسَهُ عَلَى فَخِذِهِ، وَالْمُوسَى بِيَدِهِ، فَفَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَهَا خُبَيْبٌ فِي وَجْهِي، فَقَالَ: تَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ مَا كُنْتُ لأَفْعَلَ ذَلِكَ، وَاللهِ! مَا رَأَيْتُ أَسِيراً قَطُّ خَيْراً مِنْ خُبَيْبٍ، وَاللهِ! لَقَدْ وَجَدْتُهُ

يَوْماً يَأْكُلُ مِنْ قِطْفِ عِنَبٍ فِي يَدِهِ، وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ فِي الْحَدِيدِ، وَمَا بِمَكَّةَ مِنْ ثَمَرٍ، وَكَانَتْ تَقُولُ: إِنَّهُ لَرِزْقٌ مِنَ اللهِ رَزَقَهُ خُبَيْباً، فَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ فِي الْحِلِّ، قَالَ لَهُمْ خُبَيْبٌ: ذَرُونِي أَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، فَتَرَكُوهُ، فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: لَوْلاَ أَنْ تَظُنُّوا أَنَّ مَا بِي جَزَغٌ، لَطَوَّلْتُهَا، اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَداً: ما أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِماً ... عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ فَقَتَلَهُ ابْنُ الْحَارِثِ، فَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ لِكُلِّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ قُتِلَ صَبْراً، فَاسْتَجَابَ اللهُ لِعَاصِم بْنِ ثَابِتٍ يَوْمَ أُصِيبَ، فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَصْحَابَهُ خَبَرَهُمْ وَمَا أُصِيبُوا. وَبَعَثَ ناَسٌ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ إِلَى عَاصمٍ حِينَ حُدِّثُوا أَنَّهُ قُتِلَ لِيُؤْتَوْا بِشَيءٍ مِنْهُ يُعْرَفُ، وَكَانَ قَدْ قتُلَ رَجُلاً مِنْ عُظَمَائِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَبُعِثَ عَلَى عَاصِم مِثْلُ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْرِ، فَحَمَتْهُ مِنْ رَسُولِهِمْ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى أَنْ يَقْطَعَ مِنْ لَحْمِهِ شَيْئاً. (عَمْرُو بنُ أبي سفيانَ): -بفتح العين وسكون الميم-، كذا يقوله أكثرُ أصحاب الزهري، وقال آخرون: عُمر، بضم العين (¬1). (ابنِ أَسِيدِ): بفتح الهمزة وكسر السين. (ابنِ جارية): بالجيم. (بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة رهطٍ سريةً عيناً): في "سيرة ابن هشام" أنه ستةٌ، وسماهم، وما في البخاري أصحُّ، قال: هم مَرْثَدُ بنُ أبي مرثد الغَنَويُّ، ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 669).

وخالدُ بنُ البُكَير الليثيُّ، وعاصمُ بنُ ثابتِ بنِ أبي الأفلحِ، وخُبَيْبُ بنُ عَدِيٍّ، وزيدُ بنُ الدَّثِنَةِ، وعبدُ الله بنُ طارق حليفُ بني ظُفَرَ (¬1)، وقد عُدَّ منهم: مُغيثُ بنُ عبيدٍ البلويُّ حليف الأنصار. (وأمّر عليهم عاصمَ بنَ ثابتٍ الأنصاريَّ جدَّ عاصم بنِ عمرَ بنِ الخطاب (¬2)): قال مصعبٌ الزهري وغيره (¬3): إنما هو خالُ عاصمٍ، لا جَدُّه؛ لأن عاصمَ بنَ عمرَ بنِ الخطاب أُمه جميلةُ بنتُ ثابتِ بنِ [أبي] الأفلح أختُ عاصمِ بنِ ثابتٍ، وكان اسمها عاصية، [فسماها النبي - صلى الله عليه وسلم - جميلةَ] (¬4). (بالهَدْأة): بفتح الهاء وإسكان الدال المهملة بعدها همزة. ويروى: "بالهَدَةِ"، بإسقاط الهمزة مع تخفيف الدال، ومنهم من يشددها (¬5). (بنو لِحْيان): هو ابنُ هذيلِ بنِ مُدْرِكَةَ بنِ إلياسَ بنِ مُضَرَ -بكسر اللام-. وحكى صاحب "المطالع" فتحها. وعند الدمياطي: أنهم بقايا جُرْهُم (¬6). (خُبيب): بضم الخاء المعجمة، مصغَّر. (و (¬7) ابن الدَّثِنَة): بفتح الدال المهملة وكسر المثلثة وتخفيف النون، ¬

_ (¬1) انظر: "سيرة ابن هشام" (4/ 122). (¬2) كذا في رواية أبي ذر الهروي، وفي اليونينية: "عمر"، وهي المعتمدة في النص. (¬3) "وغيره" ليست في "ع". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ج"، وانظر: "التنقيح" (2/ 670). (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 670). (¬6) انظر: "التوضيح" (18/ 267). (¬7) الواو ليست في "ع" و"ج".

وقد تشدد، وقد تسكن الثاء. (يأكل من قِطْفِ عنبٍ في (¬1) يده، وإنه لموثقٌ في الحديد، وما بمكةَ من ثمرٍ (¬2)): قال المهلب: هذا يمكن أن يكون آية لله -عز وجل- على الكفار، وبرهاناً لنبيه -عليه الصلاة والسلام-، وتصحيحاً لرسالته عند الكافرةِ وأهلِ بلدها الكفار، وأما من يدَّعي اليومَ مثلَ هذا بين ظهراني المسلمين، فليس لذلكَ (¬3) وجهٌ، والمنع (¬4) من ذلك (¬5) لازم؛ لما فيه من إدخال الريب في قلوب أهل التقصير. قلت: هذا يسدُّ بابَ الكرامة، والحقُّ ثبوتُها. ثم قال (¬6): وقد أخبرني أبو عمران الفقيه الحافظُ بالقيروان: أنه وَقَّفَ أبا بكر بنَ الطيبِ الباقلاني (¬7) على تجويزه لهذه المعجزات، فقال له: أرأيتَ إن قالت لنا المعتزلة: إن برهاننَا على تصحيح مذهبنا وما ندَّعيه من المسائلِ المخالفةِ لكم ظهورُ هذه الآية على يد رجلٍ صالحٍ منا؟ قال أبو عمران: فأطرق عني، ومَطَلني بالجواب، ثم اقتضيته في مجلس آخر، فقال لي: كل من اعترض في هذه الأشياء شيئاً من الدين، أو ¬

_ (¬1) في "ع": "وما في". (¬2) في "ع": "ثمرة". (¬3) في "ج": "كذلك". (¬4) في "ج": "ووجهه المنع". (¬5) في "ج": "لذلك". (¬6) "ثم قال" ليست في "ع" و"ج". (¬7) في "ع" و"ج": "أبا بكر البالقاني".

من السُّنن، أو ما عليه صحيحُ العلم، فلا يُقبل أصلاً على أي طريقٍ كان، فهذا ما رجعَ إليه ابنُ (¬1) الطيب (¬2). قلت: المسألة التي فرضها الشيخ أبو عمران هي (¬3) مسألةُ ظهور المعجزة على يد الكاذب، وهو مستحيل عقلاً أو عادة، فإذا قال المعتزلي: آيةُ (¬4) صحة مذهبي في معتقدي (¬5) المخالفِ لكم أن أفعل كذا، لم يُتصور أن يقع ذلك أبداً، وأين هذا من كرامات الأولياء؟ فهي، وإن كانت أمراً خارقاً للعادة، فليست مقرونةً بالتحدي، ولو تحدَّى بها الوليُّ، لم يكن ولياً، ولم تجرِ على يده أصلاً، فتأمله (¬6). (اللهمَّ أَحْصِهم عَدَداً): أي: عُمَّهُم (¬7) بالهلاك بقوله: لا تُبْقِ (¬8) منهم أحداً. (واقتلْهم بَدَداً): -بفتح الباء-، والبَدَدُ: التفرُّق، وإنما أخرجوه من الحرم؛ لأنهم كانوا لا يحلونه. (ولست أُبالي): أي: إذا قُتلت (¬9) وأنا مسلم، فلا أكترثُ بما جاءني، ¬

_ (¬1) "ابن" ليست في "ج". (¬2) انظر: "التوضيح" (18/ 271 - 272). (¬3) "هي" ليست في "ع". (¬4) في "ج": "أنه". (¬5) في "ع": "في معتقد". (¬6) "فتأمله" ليست في "ع" و"ج". (¬7) في "ع": "أعمهم". (¬8) في "ع": "لا يبقى". (¬9) في "ع": "قبلت".

والمَصْرَعُ: موضعُ سقوط الميت. (وذلك (¬1) في ذاتِ الإله): فيه جوازُ إضافة الذاتِ إلى الله، وقد منعه كثيرون، أو الأكثرون؛ لأن التاء للتأنيث، ويجاب بالمنع (¬2)، وسيأتي فيه كلام إن شاء الله تعالى. (على أوصال): جمع وَصْلٍ، وهو العُضْوُ. (شِلْو): -بكسر الشين المعجمة وإسكان اللام-: بقيةُ الجسم. (ممزَّع): مُقَطَّع مُفَرَّق. (قُتل صبراً): أي: مصبوراً محبوساً للقتل. (وكان قد قتل رجلاً من عظمائهم يومَ بدرٍ): في "السيرة": لما قُتل عاصمٌ، أرادت هذيلٌ أخذَ رأسه؛ ليبيعوه من سُلافَةَ بنتِ سعيد، وكانت نذرتْ حين أصابَ ابنيها (¬3) يومَ أحدٍ: لئن قدرتْ على رأسِ عاصمٍ لتشربنَّ الخمرَ في قحفه، فمنعته (¬4) الدَّبْرُ (¬5)، وما في البخاري أصحُّ. ولعل المقتولَ من عظماء الكفار في بدر عقبةُ بنُ أبي معيط؛ فإن أهلَ السير قالوا في غزوة بدر: إن عاصماً قتلَه صبراً بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) في "ج": "وذاك". (¬2) في "ع": و"يجاب بأن المنع"، انظر: "التنقيح" (2/ 671) وقال: ويجاب بأنه قد ورد، فلا تكون التاء للتأنيث. (¬3) في "ع" و"ج": "ابنها". (¬4) في "ج": "فمنعه". (¬5) انظر: "سيرة ابن هشام" (4/ 124).

باب: فكاك الأسير

قال ابن هشام: ويقال: عليُّ بنُ أبي طالب (¬1). (مثل الظُّلَّة (¬2)): -بضم الظاء المعجمة-: مثل السحابة القريبة من الرأس كأنها تُظِلُّه. (من الدَّبْر): -بفتح الدال المهملة وإسكان الموحدة-: الدبابير (¬3)، وقيل: النحل. (فحمَتْه من رسولهم): أي: منعَتْه منه (¬4)، ومنعَتِ الكفارَ أيضاً أن تصلَ أيديهم إليه، وكان يقال لعاصم: حَمِيُّ الدَّبْرِ؛ فإنه كان حلف أن (¬5) لا يمسَّ مشركاً، ولا يمسه مشرك، فبرَّ (¬6) الله قسمَه (¬7). * * * باب: فَكَاكِ الأَسِيرِ (باب: فَكاك الأسير): بفتح الفاء وكسرها. 1664 - (3047) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ، أَنَّ عَامِراً حَدَّثَهُمْ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قُلْتُ ¬

_ (¬1) انظر: "سيرة ابن هشام" (3/ 263). (¬2) في "ع": "مثل الظلمة". (¬3) في "ع": "الدنانير". (¬4) في "ع": "منهم". (¬5) "أن" ليست في "ع". (¬6) في "ع": "فبرأه". (¬7) انظر: "التنقيح" (2/ 671).

باب: يقاتل عن أهل الذمة ولا يسترقون

لِعَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مِنَ الْوَحْيِ إِلاَّ مَا فِي كِتَابِ اللهِ؟ قَالَ: وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّهَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ! مَا أَعْلَمُهُ إِلاَّ فَهْماً يُعْطِيهِ اللهُ رَجُلاً فِي الْقُرْآنِ، وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ. قُلْتُ: وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ، قَالَ: الْعَقْلُ، وَفَكَاكُ الأَسِيرِ، وَأَنْ لاَ يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ. (إلا فَهْمٌ (¬1) يعطيه اللهُ رجلاً في القرآن): أي: في الاستنباط منه. (العقل): أي: الدِّيَة. * * * باب: يُقَاتَلُ عَنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلاَ يُسْتَرقُّونَ 1665 - (3052) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَنْ يُوفَى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَأَنْ يُقَاتَلَ مِنْ وَرَائِهِمْ، وَلاَ يُكَلَّفُوا إِلاَّ طَاقَتَهُمْ. (وأن يقاتَل من ورائهم): يعني: بين أيديهم، وقد تقدَّم استعمالُ "وراء" بمعنى أمام. * * * باب: جَوَائِزِ الوَفْدِ 1666 - (3053) - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ ¬

_ (¬1) في "ع": "إلا فهماً".

الأَحْوَلِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: أَنَّهُ قَالَ: يَوْمُ الْخَمِيسِ، وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ؟! ثُمَّ بَكَى حَتَّى خَضَبَ دَمْعُهُ الْحَصْبَاءَ، فَقَالَ: اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَجَعُهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ، فَقَالَ: "ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَاباً لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَداً". فَتَنَازَعُوا، وَلاَ يَنْبَغِي عِنْدَ نبَيٍّ تَنَازُعٌ، فَقَالُوا: هَجَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: "دَعُونِي، فَالَّذِي أَناَ فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِي إِلَيْهِ". وَأَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ بِثَلاَثٍ: "أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ". وَنَسِيتُ الثَّالِثَةَ. وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ: سَأَلْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، فَقَالَ: مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَالْيَمَنُ. وَقَالَ يَعْقُوبُ: وَالْعَرْجُ أَوَّلُ تِهَامَةَ. (يومُ الخميس وما يومُ الخميس): تعجَّب من ذلك اليوم الذي فيه وَجِعَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. (ائتوني بكتابٍ أكتبْ لكم كتاباً لن تضلُّوا بعده أبداً): الظاهر أن هذا الكتاب الذي أراده إنما هو في النص على خلافة أبي بكر، لكنهم لما تنازعوا، واشتد مرضه، عدلَ عن ذلك مُعَوَّلاً على ما أَصَّلَ (¬1) في ذلك من استخلافِه على الصلاة (¬2). وقد روى مسلم عن عائشة، قالت: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ادْعِي لِي أَبَا ¬

_ (¬1) في "ع": "ما في أصل". (¬2) في "ج": "عليه الصلاة والسلام".

بَكْرٍ وَأَخَاكَ أَكْتُبْ كِتَاباً؛ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ، وَيَقُولَ قَائِلٌ: أَناَ أَوْلَى، وَيَأْبَى اللهُ وَالمُؤْمِنُونَ إِلاَّ أَبَا بَكْرٍ" (¬1). وفي رواية البزار عنها: لما اشتدَّ وجعُه، قال: ائْتُونِي بِدَوَاةٍ وَكَتِفٍ أَوْ قِرْطَاسٍ، أَكْتُبْ لأَبِي بَكْرٍ كِتَاباً لا يَخْتَلِفِ النَّاسُ عَلَيْهِ"، ثم قال: "مَعَاذَ اللهِ أَنْ يَخْتَلِفَ النَّاسُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ". فهذا نصٌّ صريح فيما ذكرنا (¬2)، وأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما ترك كتابته معِّولاً على أنه لا يقعُ إلا كذلك، وبهذا (¬3) يبطلُ قولُ من ظنَّ أنه كتابٌ بزيادةِ أحكامٍ وتعليمٍ، وخشيَ عمرُ عجزَ الناسِ عنها (¬4). (أَهَجر؟): -بفتح الهاء والهمزة للإنكار-، ومعناه: أَهَذى؟ إنكاراً على مَنْ (¬5) ظن به ذلك؛ إذ لا يليقُ به الهَذَيان، ولا قولٌ غيرُ مضبوطٍ في حالة من الحالات، بل كلُّ ما يتكلم به حَقٌّ و (¬6) صحيح، لا خُلْفَ فيه ولا غَلَطَ، كان ذلك في صحةٍ أو مرض، أو نوم أو يقظة، أو رضًا أو غضب - صلى الله عليه وسلم -[وعلى آله وصحبه (¬7) وسلم] (¬8) تسليماً كثيراً، والهُجر -بالضم (¬9) -: الهَذَيان، ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2387). (¬2)) "فيما ذكرنا" ليست في "ع"، وفي "ج": "ذكرناه". (¬3) في "ع" و"ج": "وهذا". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 672). (¬5) "من" ليست في "ع". (¬6) الواو ليست في "ع". (¬7) في "ع": "آله وأصحابه". (¬8) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬9) في "ع" و"ج": "بضم الهاء".

وكلامُ المُبَرْسَم والنائِم. قال القاضي: وأَما روايةُ "هجر": فظن قومٌ أنها بمعنى هَذَى، فركبوا شَطَطاً، واحتاجوا إلى تأويلها، والصواب أنها على (¬1) حذف الألف، وأما رواية: "أَهُجْرٌ؟ " -على الاستفهام-، وهو رواية المستملي، فيحتمل رجوعُه إلى المختلفين عنده - صلى الله عليه وسلم -، ومخاطبة بعضِهم بعضاً (¬2). وقال صاحب "مرآة الزمان": لعل هذا من تحريف الرواية، ويحتمل أن يكون معناه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هَجَرَكم؛ من الهَجْر الذي هو ضدُّ الوَصْل؛ لما قد وردَ عليه من الواردات الإلهية، ولهذا قال: "في الرَّفيقِ الأَعْلَى"، ألا ترى إلى قوله: "دَعُوني؛ فالذي أنا فيه خَيْرٌ [ممَّا أنتم عليه] "؟ وقيل: هو استفهام على وجه الإنكار على من ظَنَّه بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك الوقت؛ لشدة المرض عليه. قال صاحب "النهاية": أي: أتغيرَ كلامُه بسبب المرض؟ على سبيل الاستفهام، وهذا أحسنُ ما يُقال فيه؛ إذ (¬3) لا يُظن بقائله ذلك (¬4). وقيل: معناه: أُغمي عليه (¬5)، فهو يقولُ ما يقول من شدة الوجع؛ فإن المريضَ ربما يتكلم بما لا يعلم، ظنوا أن ذلك كذلك (¬6). ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "على أنها". (¬2) انظر: "الشفا" للقاضي عياض (2/ 192 - 193). (¬3) في "ع" و"ج": "أي". (¬4) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (5/ 245). (¬5) "عليه" ليست في "ع". (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 673).

باب: التجمل للوفود

(وأَجيزوا الوفدَ): من الجائزة، وهي العطيّة. قال ابن المنير: والذي بقي اليوم (¬1) من هذا الرسم ضيافاتُ الرسل، وإقطاعاتُ الأعراب ورسومهم في أوقات، ومنه إكرامُ أهل الحجاز إذا وفدوا. (ونسيتُ الثالثةَ): قال المهلب: هي إنفاذُ جيشِ أُسامة، وكان المسلمون اختلفوا في ذلك على أبي بكر، فأعلمهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عهدَ بذلك عند موته (¬2) (¬3). وقال القاضي: يحتمل أنها قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَتَّخِذُوا قَبْرِي وَثَناً يُعْبَدُ" (¬4). (العَرْج أول تهامة): -بفتح العين وإسكان الراء-: قرية جامعة من عمل الفرع على نحو ثمانية وسبعين ميلاً من المدينة. * * * باب: التَّجَمُّلِ لْلِوُفُودِ 1667 - (3054) - حَدَّثَنَا يَحْيىَ بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: وَجَدَ عُمَرُ حُلةَ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ، فَأتَى بِهَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ¬

_ (¬1) "اليوم" ليست في "ج". (¬2) في "ع" و"ج": "عهد إليهم عند وفاته". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 673). (¬4) انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 383). وانظر: "التوضيح" (18/ 284).

باب: كيف يعرض الإسلام على الصبي

فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ ابْتَعْ هَذِهِ الْحُلَّةَ، فَتَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَلِلْوُفُودِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ، أَوْ: إنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ". فَلَبِثَ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ أَرْسَلَ إَلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِجُبَّةِ دِيبَاجٍ، فَأَقْبَلَ بِهَا عُمَرُ حَتَّى أَتَى بِهَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! قُلْتَ: "إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ، أَوْ إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لا خَلاَقَ لَهُ"، ثُمَّ أَرْسَلْتَ إِلَيَّ بِهَذِهِ؟ فَقَالَ: "تَبِيعُهَا، أَوْ تُصِيبُ بِهَا بَعْضَ حَاجَتِكَ". "إنما هذه لباسُ مَنْ لا خَلاقَ له): فلم ينكر عليه طلبه للتجمل، و (¬1) إنما أنكر التجمُّلَ بهذا الشيء المنهيِّ عنه، وهذا موضع ترجمة البخاري على التجمُّل للوفود (¬2). * * * باب: كَيْفَ يُعْرَضُ الإسْلاَمُ عَلَى الصَّبِيِّ 1668 - (3055) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَناَ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عُمَرَ انْطَلَقَ فِي رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ، حَتَّى وَجَدُوهُ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، عِنْدَ أُطُمِ بَنِي مَغَالَةَ، وَقَدْ قَارَبَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ صَيَّادٍ يَحْتَلِمُ، فَلَمْ يَشْعُرْ حَتَّى ضَرَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ظَهْرَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -". ¬

_ (¬1) الواو ليست في "ع" و"ج". (¬2) في "ع": "للوقوف".

فَنَظَرَ إِلَيْهِ ابْنُ صَيَّادٍ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الأُمِّيِّينَ، فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ؟ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "آمَنْتُ بِاللهِ وَرُسُلِهِ". قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَاذَا تَرَى؟ "، قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: يَأْتِينِي صَادِقٌ وَكَاذِبٌ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "خُلِطَ عَلَيْكَ الأَمْرُ". قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي قَدْ خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئاً"، قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: هُوَ الدُّخُّ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اخْسَأْ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ". قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ! ائْذَنْ لِي فِيهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنْ يَكُنْهُ، فَلَنْ تُسَلَّطَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْهُ، فَلاَ خَيْرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ". (قِبَلَ ابنِ صياد): هو غلامٌ من اليهود، كان (¬1) يتكهن أحياناً، فيصدُق ويكذِب، فشاع حديثُه، وتُحُدِّثَ أنه الدجَّال، وأشكلَ أمرُه، ولم يبينِ الله لهم شيئاً من ذلك، فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - يسلك (¬2) طريقاً يختبر بها حاله، وبنى على أنه كان من الكهان، وقد أشكل أمرُه على ابن عمر، وأبي سعيد، وغيرهما من الصحابة؛ كما في "مسلم" (¬3)، وغيره (¬4). (خُلِّط عليك الأمرُ): -بتخفيف اللام وتشديدها-؛ أي: خُلِّط عليك الحقُّ والباطل على عادة الكهَّان. (إني قد (¬5) خبأتُ لك خبيئاً): -بالهمز- في خَبَأْت، وخَبيئاً، قيل: ¬

_ (¬1) في "ج": "وكان". (¬2)) "يسلك" ليست في "ع". (¬3) رواه مسلم (2930) عن ابن عمر رضي الله عنهما. (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 673). (¬5) "قد" ليست في "ع" و"ج".

معناه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أضمر له في نفسه: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10] والدُّخُّ: لغةٌ في الدُّخان. قال الزركشي: وقد خلط في تفسيره الحاكمُ، والخطابي، أما الحاكمُ، فزعم أنه الزخ- بالزاي- الذي هو الجماع، وأما الخطابي، فزعم أنه نبتٌ موجودٌ (¬1) بين النخيل، قال: ولا معنى للدخان. والصواب: أنه الدّخان؛ والدخُّ لغةٌ فيه حكاها ابنُ دريد، والجوهري، وابن سِيدَه (¬2). وقد روى الترمذي: "إِنِّي خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئاً" (¬3)، وخَبَأَ له: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10]، فقال ابن صياد: هو الدُّخُّ، وإسناده صحيح، فأدركَ ابنُ صياد من ذلك هذه (¬4) الكلمة فقط، على عادة الكهان في اختطاف بعض الشيء من الشياطين من غير وقوف على تمام البيان، ولهذا قال له: "اخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ"؛ أي: فلا مزيد (¬5) على قدر إدراك الكهان. وقيل: إنه أراد أن يقول: الدخان، فزجره النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فلم يستطع تمامه. وقيل: السر في أن خبأ له الدخان: أن (¬6) الدجال يقتله عيسى بنُ مريم ¬

_ (¬1) في "ج": "يوجد". (¬2) في "ع": "وابن سيد الناس". (¬3) رواه الترمذي (2818). (¬4) "هذه" ليست في "ع" و"ج". (¬5) في "ج": "نزيد". (¬6) "الدخان: أن" ليست في "ج".

باب: إذا أسلم قوم في دار الحرب، ولهم مال وأرضون، فهي لهم

بجبل الدُّخان، فكأنه أراد التعريضَ بقتله (¬1). (إن يَكُنْهُ): فيه اتصال الضمير إذا وقع خبراً لكان، وابنُ مالك يختاره على الانفصال، عكس ما اختاره ابنُ الحاجب. وفي رواية: "إنْ يَكُنْ هُوَ" (¬2) على أن اسم كان ضميرٌ مستتر فيها، و"هو (¬3) " تأكيد له، وخبرها محذوف. * * * باب: إِذَا أَسْلَمَ قَوْمٌ فِي داَرِ الْحَرْبِ، وَلَهُمْ مَالٌ وَأَرَضُونَ، فَهيَ لَهُمْ 1669 - (3058) - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَيْنَ تَنْزِلُ غَداً؟ فِي حَجَّتِهِ، قَالَ: "وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مَنْزِلاً؟ "، ثُمَّ قَالَ: "نَحْنُ ناَزِلُونَ غَداً بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ الْمُحَصَّبِ، حَيْثُ قَاسَمَتْ قُرَيْشٌ عَلَى الْكُفْرِ". وَذَلِكَ أَنَّ بَنِي كِنَانَةَ حَالَفَتْ قُرَيْشاً عَلَى بَنِي هَاشِمٍ: أَنْ لاَ يُبَايِعُوهُمْ، وَلاَ يُؤْوُوهُمْ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَالْخَيْفُ: الْوَادِي. (باب: إذا أسلمَ قومٌ في دار الحرب، ولهم مال وأرضون، فهي لهم). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 674). (¬2) المرجع السابق، (2/ 675). (¬3) في "م": "وفيه".

(وهل ترك لنا عقيل منزلاً؟): قال ابن المنير: مطابقته للترجمة على وجهين: إما أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - سُئل: هل ينزل في داره بمكة؟ وهو مبين في بعض الأحاديث، فقوله (¬1): "وهل تركَ لنا عقيلٌ منزلاً؟ " بين؛ لأنه إذا ملكَ ما استولى عليه في الجاهلية من مِلْكِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكيف لا يملكُ ما لم يزل ملكاً له؟ وإما أن يكون سُئل: هل ينزل من منازل مكة شيئاً؟ لأنها فتحت عَنْوَة، فبين أنه مَنَّ على (¬2) أهلها بأنفسهم وأموالهم، فتستقرُّ أملاكُهم كما كانت. وعلى التقديرين، فأهل مكة ما أسلموا على أملاكهم، ولكنهم مُنَّ عليهم، وأسلموا، فإذا ملكوا وهم كفار بالمنِّ، فملكُ مَنْ أسلمَ قبلَ الاستيلاء أولى (¬3). * * * 1670 - (3059) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ ابْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- اسْتَعْمَلَ مَوْلىً لَهُ يُدْعَى: هُنَيّاً عَلَى الْحِمَى، فَقَالَ: يَا هُنَيُّ! اضْمُمْ جَنَاحَكَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ؛ فَإِنَّ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ، وَأَدْخِلْ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ، وَرَبَّ الْغُنَيْمَةِ، وَإِيَّايَ وَنَعَمَ ابْنِ عَوْفٍ، وَنَعَمَ ابْنِ عَفَّانَ، ¬

_ (¬1) في "ع": "في قوله". (¬2) في "ع": "من أعلى". (¬3) انظر: "المتواري" (ص: 178).

فَإِنَّهُمَا إِنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُمَا، يَرْجِعَا إِلَى نَخْلٍ وَزَرْعٍ، وَإِنَّ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ، وَرَبَّ الْغُنَيْمَةِ إِنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُمَا، يَأتِنِي بِبَنِيهِ فَيَقُولُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! أَفَتَارِكُهُمْ أَناَ لاَ أَبَا لَكَ؟ فَالْمَاءُ وَالْكَلأُ أَيْسَرُ عَلَيَّ مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَايْمُ اللهِ! إِنَّهُمْ لَيَرَوْنَ أَنِّي قَدْ ظَلَمْتُهُمْ، إِنَّهَا لَبِلاَدُهُمْ، فَقَاتَلُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَسْلَمُوا عَلَيْهَا فِي الإِسْلاَمِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَده! لَوْلاَ الْمَالُ الَّذِي أَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، مَا حَمَيْتُ عَلَيْهِمْ مِنْ بِلاَدِهِمْ شِبْراً. (يا هُنَيُّ!): بضم الهاء وفتح النون وتشديد الياء، ويقال بياء ساكنة وهمزة بعدها. (اضمُمْ جناحَك عن المسلمين): أي: [كُفَّ يدَك عن ظلمهم. ومن رواه: "على المسلمين"، فمعناه: استرْهم بجناحك (¬1). (ربَّ الصريمة)] (¬2): تصغير صِرْمَةٍ -بكسر الصاد-، وهي القطيع من الإبل. (وربَّ الغُنيمة): -بضم الغين-: تصغير (¬3) غَنَم. أمره بإدخال صاحب الإبل القليلة، والغنم القليلة (¬4) في الحمى والمرعى. (وإيايَ ونعمَ ابنِ عوفٍ): نهاه عن إدخال الأغنياء. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 675). (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬3) "تصغير" ليست في "ع". (¬4) "والغنم القليلة" ليست في "ع".

باب: كتابة الإمام الناس

وفيه تحذير المتكلم نفسَه، وهو قليل؛ كأمر المتكلمِ نفسَه. (إن تهلِكْ): بكسر اللام. (لَيَرَوْنَ أَني قد ظلمتُهم): يريد: أربابَ المواشي الكثيرة. (لولا المالُ الذي أحملُ [عليه] في سبيل الله): يريد: الخيلَ التي أعدَّها ليحمل (¬1) عليها في الجهاد مَنْ لا مركوبَ له. قال مالك: وكان عِدَّتها أربعين ألفاً (¬2). * * * باب: كِتَابَةِ الإِمَامِ النَّاسَ (باب: كتابةُ الإمامِ الناسَ): قال ابن المنير: موضعُ الترجمة من الفقه (¬3): أن لا يُتخيل أن كتابةَ الناس إحصاءٌ لعددهم، وقد يكون ذريعةً لارتفاع البركة منهم؛ كما ورد في الدعوات على الكفار: "اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَداً" (¬4)؛ أي: ارفع البركةَ منهم، وإنما خرج هذا على هذا النحو؛ لأن الكتابة [لمصلحة دينية، والمؤاخذة التي وقعت ليست من ناحية الكتابة] (¬5)، ولكن من ناحية إعجابهم بكثرتهم، فأُدِّبوا بالخوف المذكور في الحديث (¬6). ¬

_ (¬1) في "م": "لتحمل". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 676). (¬3) "من الفقه" ليست في "ع". (¬4) رواه البخاري (3045) عن أبي هريرة رضي الله عنه. (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬6) انظر: "المتواري" (ص: 179).

باب: إن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر

1671 - (3060) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اكْتُبُوا لِي مَنْ تَلَفَّظَ بِالإِسْلاَمِ مِنَ النَّاسِ"، فَكَتَبْنَا لَهُ أَلْفاً وَخَمْسَ مِئَةِ رَجُلٍ، فَقُلْنَا: نَخَافُ وَنَحْنُ أَلْفٌ وَخَمْسُ مِئَةٍ؟! فَلَقَدْ رَأَيْتُنَا ابْتُلِينَا، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيُصَلِّي وَحْدَهُ وَهْوَ خَائِفٌ. حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ: فَوَجَدْناَهُمْ خَمْسَ مِئَةٍ، قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: مَا بَيْنَ سِتِّ مِئَةٍ إِلَى سَبْعِ مِئَةٍ. (اكتبوا [لي] من تلفظ بالإسلام): فيه إباحةُ التدوين، واستكتاب الكتاب للجيوش. (فكتبنا له ألفاً وخمس مئة): قيل: كان (¬1) هذا في عام الحديبية؛ لأنهم خرجوا في ألف وأربع مئة ونحوها. * * * باب: إِنَّ اللهَ يُؤَيِّدُ الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ (باب إن الله يؤيِّدُ الدينَ بالرجل الفاجر): موضعُ الترجمة من الفقه: أن لا يُتخيل في الإمامِ أو (¬2) السلطانِ الفاجرِ إذا حمى حوزةَ الإسلام أنه مُطَّرَحُ النفع في الدين لفجوره، فَيُخْرَجَ (¬3) عليه، ويُخْلعَ؛ لأن الله قد يؤيد به دينه، فيجب الصبرُ عليه، والسمعُ والطاعة له في غير ¬

_ (¬1) "كان" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "و". (¬3) في "ع": "فخرج".

المعصية، ومن هذا الوجه استجاز العلماء الدعاءَ للسلاطين بالتأييد النصر، وغير ذلك من الخير. قاله ابن المنير رحمه الله، وعفا عنه (¬1). * * * 1672 - (3062) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، (ح) وَحَدَّثَنِي مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَناَ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: شَهِدْناَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ لِرَجُلٍ مِمَّنْ يَدَّعِي الإِسْلاَمَ: "هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ". فَلَمَّا حَضَرَ الْقِتَالُ، قَاتَلَ الرَّجُلُ قِتَالاً شَدِيداً، فَأَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! الَّذِي قُلْتَ: إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَإِنَّهُ قَدْ قَاتَلَ الْيَوْمَ قِتَالاً شَدِيداً، وَقَدْ مَاتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ: "إِلَى النَّارِ". قَالَ: فَكَادَ بَعْضُ النَّاسِ أَنْ يَرْتَابَ، فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ قِيلَ: إِنَّهُ لَمْ يَمُتْ، وَلَكِنَّ بِهِ جِرَاحاً شَدِيداً، فَلَمَّا كَانَ مِنَ اللَّيْلِ، لَمْ يَصْبِرْ عَلَى الْجِرَاحِ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِذَلِكَ، فَقَالَ: "اللهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنِّي عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ". ثُمَّ أَمَرَ بِلاَلاً فَنَادَى بِالنَّاسِ: "إِنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَإِنَّ اللهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ". (هذا من أهل النار): تقدم أنه قُزمان الظفريُّ (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: "المتواري" (ص: 180). (¬2) في "ع": "تقدم أنه بالظفري".

باب: من تأمر في الحرب من غير إمرة إذا خاف العدو

قال الزركشي: فيحتمل أنه استوجبها، إلا أن يعفو الله عنه (¬1). قلت: وقع في بعض الأحاديث وصفُه بما يقتضي أنه منافق، ذكره ابن الأثير في "أسد الغابة" في ترجمة أكثم بن الجون (¬2). ثم قال الزركشي: ويحتمل أن يكون حقيقة؛ أي: يُعاقب لقتله نفسه، أو يكون قد ارتاب وشكَّ حين خرج، وهو أشبهُ بظاهر الحديث (¬3). * * * باب: مَنْ تَأَمَّرَ في الحرْب مِنْ غَيرِ إمْرةٍ إِذَا خَافَ العَدُوَّ 1673 - (3063) - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّهَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ غَيْرِ إِمْرَةٍ، فَفُتِحَ عَلَيْهِ، وَمَا يَسُرُّنِي -أَوْ قَالَ: مَا يَسُرُّهُمْ- أَنَّهُمْ عِنْدَناَ". وَقَالَ: وَإِنَّ عَيْنَيْهِ لَتَذْرِفَانِ. (ثم أخذها خالد بن الوليد عن غير إمرةٍ، ففتح الله عليه): ويروى: "مِنْ غَيْرِ إِمْرَةٍ"، وهو متعلق بالأخير، فقد روى البخاري في المغازي: "إِنْ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 676). (¬2) انظر: (1/ 171). (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 676).

قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ، وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ" (¬1). قال ابن المنير: يؤخذ منه أنه من تَعَيَّنَ لولاية، وتعذَّرَ تناولُ الإمام الأعظم لتوليته، ثبتت له الولايةُ شرعاً، ولزمَتْ طاعتُه حكماً، وكان مُوَلىًّ من الله عز وجل. ويؤخذ منه أيضاً: صحةُ مذهب مالكٍ فيمن حلفَ ليوفينَّ فلاناً حقَّه لأَجَل، فغاب فلان: أن جماعة المسلمين تقوم مقام الإمام، ويبرأ بالقضاء لهم والإشهاد. وأيضاً: المرأةُ إذا لم يكن لها ولي إلا السلطان، فتعذر تناوله، زَوجها المسلمون، وكان كتزويج الإمام. وأيضاً: إذا غاب إمام الجمعة، قدّم المسلمون لأنفسهم. وأما استدلالُ الشارح -يعني: المهلب- على تولية العهد لواحد بعدَ واحد -بعد موت الإمام- بهذا الحديث، فغير مستقيم؛ لأن الولاية هنا للنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو حي، وأما الإمام يولي بعد موته فلاناً، فإن مات، ففلانٌ، فلا يستقيم، وترجع الإمامة كأنها حُبِّسَت عليه يتحكم فيها إلى يوم القيامة، فيقول: فلان بعد فلان، وعَقِبُ فلان (¬2) بعد عقِب فلان، وهذا لا يُعهد إلا فيمن يُحَبِّسُ ما (¬3) يملك في عقبه كيف شاء، ويؤبده، ولا يصلح هذا في مصالح المسلمين المختلفة باختلاف الأوقات. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4261) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. (¬2) "وعقب فلان" ليست في "ع". (¬3) "ما" ليست في "ع".

باب: العون بالمدد

باب: العَوْنِ بِالمَددِ 1674 - (3064) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَسَهْلُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَتَاهُ رِعْلٌ وَذَكْوَانُ وَعُصَيَّهُ وَبَنُو لِحْيَانَ، فَزَعَمُوا أَنَّهُمْ قَدْ أَسْلَمُوا، وَاسْتَمَدُّوهُ عَلَى قَوْمِهِمْ، فَأَمَدَّهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِسَبْعِينَ مِنَ الأَنْصَارِ، قَالَ أَنَسٌ: كُنَّا نُسَمِّيهِمُ الْقُرَّاءَ، يَحْطِبُونَ بِالنَّهَارِ، وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ، فَانْطَلَقُوا بِهِمْ، حَتَّى بَلَغُوا بِئْرَ مَعُونَةَ، غَدَرُوا بِهِمْ، وَقَتَلُوهُمْ، فَقَنَتَ شَهْراً يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِي لِحْيَانَ. قَالَ قَتَادَةُ: وَحَدَّثَنَا أَنَسٌ: أَنَّهُمْ قَرَؤوا بِهِمْ قُرْآناً: أَلاَ بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا بِأَنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا، فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَاناَ. ثُمَّ رُفِعَ ذَلِكَ بَعْدُ. (أتاه رِعْل): بكسر الراء. (وذكوانُ): بالذال المعجمة. (وعُصَيَّةُ (¬1)): مصغرٌ. (وبنو لِحيان): بكسر اللام وفتحها، على ما مر. قال الدمياطي: وهذا (¬2) وهم؛ بنو لحيان لم يكونوا من أصحاب بئر معونة، وإنما كانوا من أصحاب الرجيع (¬3) الذين قتلوا عاصمَ بنَ أبي الأفلح وأصحابَه، وأسروا خُبيبَ بنَ عَدِي، وابنَ الدَّثِنَة، وقوله: أتاه رعلٌ وذكوانُ ¬

_ (¬1) في "ع": "وعصيته". (¬2) "وهذا" ليست في "ع". (¬3) في "ع": "الرجع".

باب: من غلب العدو، فأقام على عرصتهم ثلاثا

وعصيةُ (¬1)، وهمٌ أيضاً، وإنما أتاه أبو براء من بني كلاب، وأجار [أصحاب] النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأخفر جوارَه عامرُ بنُ الطفيل، وجمع عليهم هذه القبائل من بني سُليم (¬2). [(بئر معونة): -بالنون، كانت غزوتُها في أول سنة أربع قبل أُحُدٍ بشهرٍ] (¬3). * * * باب: مَنْ غَلَبَ العَدُوَّ، فَأَقَامَ عَلَى عَرْصَتِهِمْ ثَلاَثَاً 1675 - (3065) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذَكَرَ لَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ كَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ، أَقَامَ بِالْعَرْصَةِ ثَلاَثَ لَيَالٍ. (كان إذا ظهر على قوم، أقام بالعرصة ثلاثَ ليالٍ): العرصَةُ: الموضعُ الواسعُ خارجَ البناء، ولعل المقصودَ بالإقامة تبديلُ السيئات، وإذهابُها بالحسنات، وإظهارُ عزّ الإسلام في ملك الأرض، كأنه (¬4) يضيفها بما يُوقعُه فيها من العبادات والأذكار لله، وإظهار شعائر المسلمين، وإذا تأملت البقاعَ، وجدتها تشقى كما تشقى الرجال وتسعد، وإذا كان هذا ¬

_ (¬1) في "ع": "وعصيته". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 676)، و"التوضيح" (18/ 311). (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬4) في "ع": "فكأنه".

باب: من قسم الغنيمة في غزوه وسفره

حكم (¬1) الضيافة للأرض، ناسب أن يقيم عليها ثلاثاً (¬2)؛ لأن الضيافة ثلاث. قاله ابن المنير. * * * باب: مَنْ قَسَمَ الْغَنِيمَةَ فِي غزْوِهِ وَسَفَرِهِ وَقَالَ رَافِعٌ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِذِي الْحُلَيْفَةِ، فَأَصَبْنَا غَنَماً وَإِبِلاً، فَعَدَلَ عَشَرَةً مِنَ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ. (فعَدَل عشرةً من الغنم ببعير): -بتخفيف الدال المهملة-؛ أي: قَوَّمَها وجعلَها مُعادِلةً له. * * * باب: إِذَا غَنِمَ المُشْرِكُونَ مَالَ المُسْلِم ثُمَّ وَجَدَهُ المُسْلِمُ 1676 - (3068) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ناَفِعٌ: أَنَّ عَبْداً لاِبْنِ عُمَرَ أَبَقَ، فَلَحِقَ بِالرُّومِ، فَظَهَرَ عَلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَرَدَّهُ عَلَى عَبْدِ اللهِ، وَأَنَّ فَرَساً لاِبْنِ عُمَرَ عَارَ، فَلَحِقَ بِالرُّومِ، فَظَهَرَ عَلَيْهِ، فَرَدُّوهُ عَلَى عَبْدِ اللهِ. قال أبو عبد الله: "عَارَ" مشتق من العَير، وهو حمار وحش؛ أي: هَربَ. ¬

_ (¬1) في "ع": "الحكم". (¬2) في "ع": "ثلاث".

باب: من تكلم بالفارسية والرطانة

(وأن فرساً لابن عمر عار): -بعين مهملة وراء-؛ أي: انطلق هارباً على وجهه. وقال البخاري في المتن: إنه مشتقٌّ من العَيْرِ: وهو حمار الوحش، يريد: أنه فعل فعلَه من النفار والهرب. وقال الطبري: يقال ذلك للفرس إذا فعله مرةً بعد مرةٍ، ومنه قيل للشيطان الذي لا يثبت على حالةٍ واحدة: عَيَّارةٌ، ومنه الشّاةُ العائِرَةُ، وسَهْم عائرٌ: لا يُدرى من أين أتى. وما ذكره البخاري آخراً (¬1): أنه كان في خلافة أبي بكر خلافُ ما ذكره أولاً: أنه كان في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، والصحيح الأول؛ وعُبيد الله أثبتُ في نافع من موسى، قاله بعض الحفاظ (¬2). هكذا قيل، فتأمله. * * * باب: مَنْ تَكَلَّمَ بِالْفَارِسِيَّةِ وَالرَّطَانِةَ (والرِطانة): -بكسر الراء وفتحها-: هي التكلم بلسان العجم وكلامهم. 1677 - (3070) - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، أَخْبَرَناَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، أَخْبَرَناَ سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لَنَا، ¬

_ (¬1) في "ع": "آخر". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 677).

وَطَحَنْتُ صَاعاً مِنْ شَعِيرٍ، فَتَعَالَ أَنْتَ وَنَفَرٌ، فَصَاحَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "يَا أَهْلَ الْخَنْدَقِ! إِنَّ جَابِراً قَدْ صَنَعَ سُؤْراً، فَحَيَّ هَلاً بِكُمْ". (بُهيمةً): بضم الموحدة (¬1) وتخفيف المثناة التحتية، على التصغير لبَهْمة بإسكان الهاء. (قد صنع سُوْراً): -بضم السين وإسكان الواو من غير همزٍ -هو بالفارسية: الطعام الذي يُدعى إليه الناس، وقيل: الطعام مطلقاً. وفي "المعرَّب" للجواليقي: قال ثعلب: إنما يراد من هذا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تكلم بالفارسية صنعَ سوراً؛ أي: طعاماً دعي إليه الناس. وقيل: السُّور: الصُّنْع بلغة الحبشة (¬2). (فحيَّ هَلا بكم): أي: هلمُّوا (¬3) هلا (¬4) بكم، ويروى بتشديد اللام وتخفيفها (¬5). * * * 1678 - (3071) - حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى: أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَتْ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ أَبِي، وَعَلَيَّ قَمِيصٌ أَصْفَرُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "سَنَهْ ¬

_ (¬1) "بضم الموحدة" ليست في "ع". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 678). (¬3) "هلموا" ليست في "ع". (¬4) في "ع": "أهلاً". (¬5) المرجع السابق، الموضع نفسه.

سَنَهْ". قَالَ عَبْدُ اللهِ: وَهْيَ بِالْحَبَشِيَّةِ: حَسَنَةٌ. قَالَتْ: فَذَهَبْتُ أَلْعَبُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ، فَزَبَرَنِي أَبِي، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "دَعْهَا". ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ: "أَبْلِي وَأَخْلِفِي، ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِفِي، ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِفِي". قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَبَقِيَتْ حَتَّى ذَكَرَ. (حِبّان بن موسى): بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة. (سنه سنه): وفي رواية: سَناهْ سَناهْ، وفي أخرى: سَنَّا سَنَّا -بتشديد النون وتخفيفها في الكل-، ومعناه بالحبشة: حسن. قال القاضي: وللقابسي وحده: كسر السين، ولم يحك كلَّ هذه الألفاظ، وإنما رأيتها في الزركشي (¬1). (فزبرني): -بزاي (¬2) فموحدة فراء-؛ أي: زجرني. (أَبلي وأَخلفي): بفتح همزة الفعلين، وبالفاء في الثاني لأبي ذر والمروزي. وقال ابن الأثير: ولغيرهما بالقاف؛ من إخلاق الثوب، ومعناه بالفاء: أن يكتب خلفه بعد بلائه (¬3). يقال: خَلَفَ اللهُ، وأَخْلَفَ -بالهمزة-، والثاني أشهرُ؛ أي: جعلك الله ممن يُخلفه عليك بعد ذهابه وتمزُّقه (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 678). (¬2) "بزاي" ليست في "ع". (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 144). (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 678)، و"التوضيح" (18/ 327).

(فبقيت): يعني: الخميصة. (حتى دَكِنَ): -بدال مهملة ونون- لأبي الهيثم، ورجحه أبو ذر؛ أي: اسودَّ لونُه؛ من الدُّكْنَة، وهي غبرة كَدِرة. و (¬1) لأكثر الرواة: "حتى ذَكَر"، بذال معجمة وراء بعد الكاف. وزاد ابنُ السكن: "حتى ذَكَرَ دهراً"، وهى تفسير لرواية من روى: ذَكَر؛ كأنه أراد: أن الراوي ذكر دهراً؛ أي: زماناً طويلاً، وأنه نسي تحديده. وقيل: في "ذَكَرَ" ضميرُ القميص؛ أي: بقي هذا القميص حتى ذكر دهراً مجازاً (¬2). قلت: والضمير في الراوية الأخرى عائد على القميص، وفي "بقيت" عائدٌ على الخميصة، فذكَّرَ وأَنَّثَ باعتبارين؛ إذ المراد بالقميص هو الخميصة، وأحسنُ من هذا أن يعود ضمير المؤنث على أم خالد، وضميرُ المذكر على القميص. * * * 1679 - (3072) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ الْحَسَنَ ابْنَ عَلِيٍّ أَخَذَ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ، فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْفَارِسِيَّةِ: "كَخٍ كَخٍ، أَمَا تَعْرِفُ أَنَّا لاَ نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ؟! ". ¬

_ (¬1) الواو ليست في "ع". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 679).

باب: الغلول

(كخ كخ): سبق الكلام على ضبطه ومعناه. قال الداودي: وهي كلمة مُعَرَّبة (¬1)، ولهذا أدخلها البخاري في هذا الباب، ومقصوده من إدراج هذا الباب في الجهاد: أن الكلام بالفارسية يحتاج إليه المسلمون مع رسل العجم (¬2). * * * باب: الغُلُولِ 1680 - (3073) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو زُرْعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَامَ فِينَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرَ الْغُلُولَ، فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ، قَالَ: "لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ، عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ، يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئاً، قَدْ أَبْلَغْتُكَ، وَعَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ، يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئاً، قَدْ أَبْلَغْتُكَ، وَعَلَى رَقَبَتِهِ صَامِت فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئاً، قَدْ أَبْلَغْتُكَ، أَوْ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئاً، قَدْ أَبْلَغْتُكَ". وَقَالَ أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ: فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ. (لا ألفينَّ أحدَكم يومَ القيامة على رقبته شاةٌ لها ثغاء): -بضم الهمزة ¬

_ (¬1) في "ع": "كلمة معروفة". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 679).

من أُلفِي-؛ لأنه من الإلفاء، وهو الوجدان، وهذا التركيب مثل قولهم: لا أَرينَّكَ هاهنا، وهو مما أُقيم فيه المسبَّب مقام السبب؛ والأصل: لا تكن هاهنا فأراك، وتقديره في الحديث: لا يَغُلَّ أحدُكم فأُلفيه؛ أي: أجدَه يوم القيامة على هذه الصفة. والثُّغاء: -بمثلثة مضمومة فغين معجمة فألف ممدودة (¬1) -: صوت الشاة. قال ابن المنير: وما أظنُّ أهلَ السياسة فهموا تجريسَ (¬2) السارق وعملته على رقبته، ونحو ذلك، إلا من هذا الحديث. قلت: لا يلزم من وقوع ذلك في الدار الآخرة جوازُ فعلِه في الدنيا؛ لتباين الدارين، وعدم استواء المنزلتين. (على رقبته صامِتٌ (¬3)): أي: ذهبٌ أو وَرِقٌ؛ إذ هما خلافُ الناطق، وهو الحيوان. (رقاع تخفق): أراد: تلمع، يقال: أخفق (¬4) الرجل بثوبه: إذا لمع. قال الزركشي: أراد بالرقاع: ما (¬5) عليه من الحقوق المكتوبة فيها؛ وخُفوق الرقاع: حركَتُها (¬6). ¬

_ (¬1) في "ع": "ممدود". (¬2) في "ع": "تجراس". (¬3) "صامت" ليست في "ع". (¬4) في "ع": "أحقق". (¬5) "ما" ليست في "ع". (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 679).

باب: القليل من الغلول

باب: الْقَلِيلِ مِنَ الْغُلُولِ (باب: القليل من الغُلول): ولم يذكر عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه حرق متاعه، وهذا أصح (¬1)؛ يعني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحرق رَحْلَ كِرْكِرَةَ حين وجد فيه الغلول، وحديث ابن عمرو (¬2) من رواية عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، وفي هذه النسخة كلام لهم (¬3). 1681 - (3074) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: كَانَ عَلَى ثَقَلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: كِرْكِرَةُ، فَمَاتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هُوَ فِي النَّارِ"، فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ إلَيْهِ، فَوَجَدُوا عَبَاءَةً قَدْ غَلَّهَا. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: قَالَ ابْنُ سَلاَمٍ: كَرْكَرَةُ -يَعْنِي: بِفَتْحِ الْكَافِ-، وَهْوَ مَضْبُوطٌ كَذَا. (وكان على ثَقل النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل يقال له: كركرة): الثَّقَل: -بفتح الثاء المثلثة والقاف-: العِيالُ وما يثقُل (¬4) من المتاع، و (كِركِرة) في هذه الطريق: مكسور الكافين. (قال ابن سَلاَم): بتخفيف اللام. كَركَرة): بفتح الكافين. ¬

_ (¬1) في "ع": "وهذا صح". (¬2) في "ع": "ابن عمر". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 680). (¬4) في "ع": "وما ثقل".

باب: ما يعطى البشير وأعطى كعب بن مالك ثوبين حين بشر بالتوبة

باب: مَا يُعْطَى الْبَشِيرُ وَأَعْطَى كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ثَوْبَيْنِ حِينَ بُشِّرَ بِالتَّوْبَةِ (وأعطى كعبُ بنُ مالك ثوبين حين بُشِّرَ بالتوبة): البشير بالتوبة هو حمزةُ بنُ عمرٍو الأسلميُّ، وسيأتي فيما بعد هذا، إن شاء الله تعالى. * * * باب: لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ 1682 - (3080) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ عَمْرٌو وَابْنُ جُرَيْجٍ: سَمِعْتُ عَطَاءً يَقُولُ: ذَهَبْتُ مَعَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ إِلَى عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- وَهِيَ مُجَاوِرَةٌ بِثَبِيرٍ، فَقَالَتْ لَنَا: انْقَطَعَتِ الْهِجْرَةُ مُنْذُ فَتَحَ اللهُ عَلَى نبَيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ. (وهي مجاورة بِثَبير): بالصرف، وعدمه. * * * باب: إِذَا اضْطَرَّ الرَّجُلُ إِلَى النَّظَرِ في شُعُورِ أَهْلِ الذِّمَّةِ والمؤْمِنَاتِ إِذَا عَصَيْنَ اللهَ وتَجْرِيدِهِنَّ 1683 - (3081) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَوْشَبٍ الطَّائِفِيُّ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَناَ حُصَيْنٌ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أِبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَكَانَ عُثْمَانِيّاً، فَقَالَ لاِبْنِ عَطِيَّهَ، وَكَانَ عَلَوِيّاً: إِنِّي لأَعْلَمُ مَا الَّذِي جَرَّأَ صَاحِبَكَ عَلَى الدِّمَاءِ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَالزُّبَيْرَ، فَقَالَ: "ائْتُوا رَوْضَةَ كَذَا، وَتَجِدُونَ بِهَا امْرَأَةً، أَعْطَاهَا حَاطِبٌ كِتَاباً". فَأَتَيْنَا الرَّوْضَةَ،

باب: استقبال الغزاة

فَقُلْنَا: الْكِتَابَ، قَالَتْ: لَمْ يُعْطِنِي، فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ، أَوْ لأُجَرِّدَنَّكِ، فَأَخْرَجَتْ مِنْ حُجْزَتِهَا، فَأَرْسَلَ إِلَى حَاطِبٍ، فَقَالَ: لاَ تَعْجَلْ، وَاللهِ! مَا كَفَرْتُ، وَلاَ ازْدَدْتُ لِلإِسْلاَمِ إِلاَّ حُبّاً، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ إِلاَّ وَلَهُ بِمَكَّةَ مَنْ يَدْفَعُ اللهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِي أَحَدٌ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَداً، فَصَدَّقَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ عُمَرُ: دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَهُ؛ فَإِنَّهُ قَدْ نَافَقَ، فَقَالَ: "مَا يُدْرِيكَ، لَعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ". فَهَذَا الَّذِي جَرَّأَهُ (روضة كذا): أي: روضة خاخ، وقد سبق، إلا أنه قال هنا: (خرجته (¬1) من حُجْزتها): -بضم الحاء (¬2) المهملة وسكون الجيم-: مَعْقِدُ السراويلِ والإزارِ (¬3) (¬4). * * * باب: اسْتِقْبَالِ الْغُزَاةِ 1684 - (3082) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ وَحُمَيْدُ بْنُ الأَسْوَدِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ لاِبْنِ جَعْفَرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم-: أَتَذْكُرُ إِذْ تَلَقَّيْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَناَ وَأَنْتَ وَابْنُ عَبَّاسٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَحَمَلَنَا وَتَرَكَكَ. ¬

_ (¬1) نص البخاري: "فأخرجت". (¬2) في "ع": "بضم الهاء". (¬3) في "ع": "أو الإلزام". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 680).

باب: ما يقول إذا رجع من الغزو

(قال ابن الزبير لابن جعفر: أتذكر إذ تلقينا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أنا وأنت وابنُ عباس؟ قال: نعم، فحملَنا، وتركَك): فهم الداودي أن: (فحملَنا وتركَك) من بقية قول ابنِ جعفر (¬1)، وفي "أفراد مسلم"، و"مسند أحمد": أن عبد الله بن جعفر قال ذلك لابن الزبير (¬2). قال ابن الملقن: والظاهر أنه انقلب على الراوي؛ كما نبّه عليه ابن الجوزي في "جامع المسانيد" (¬3). * * * باب: مَا يَقُولُ إِذَا رَجَعَ مِنَ الغَزْوِ 1685 - (3084) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا قَفَلَ، كَبَّرَ ثَلاَثاً، قَالَ: "آيِبُونَ إِنْ شَاءَ اللهُ تَائِبُونَ، عَابِدُونَ، حَامِدُونَ، لِرَبِّنَا سَاجِدُونَ، صَدَقَ اللهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ". (آيبون إن شاء الله، تائبون، عابدون، حامدون، لربنا ساجدون): قال ابن بطال: لا تتعلق المشيئة بقوله: "آيبون"؛ لوقوع الإياب، وإنما يتعلق بباقي الكلام الذي لم يقع بعد، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد تقرر عنده أنه لا يزال ثابتاً عابداً ساجداً، لكن هذا هو أدبُ الأنبياء -عليهم السلام-، يُظهرون الافتقارَ إلى الله تعالى مبالغةً في شكره، وإن علموا حقيقة مقامهم الشريف ¬

_ (¬1) المرجع السابق، (2/ 681). (¬2) رواه مسلم (2427)، وأحمد في "مسنده" (1/ 203). (¬3) انظر: "التوضيح" (18/ 351).

عنده (¬1)، وأنهم آمنون مما يخافه غيرهم (¬2). قال ابن المنير: والظاهرُ أن المشيئة إنما عَلَّق عليها الإيابَ خاصة، وقول الشارح: قد وقع، فلا تعلق، وهمٌ؛ لأن الإياب المقصود (¬3) إنما هو الرجوع الموصول إلى نفس الموطن، وهو مستقبل بعدُ، ولا (¬4) يصح أن (¬5) يعلِّقَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بقيةَ الأفعال على المشيئة؛ لأنه قد حَمِدَ الله تعالى ناجزاً، وعَبَده دائماً، ولو كان كما وقع للشارح؛ لاستدل (¬6) به القائلون بتقييد (¬7) الإيمان بالمشيئة، وكان دليلاً بطريق الأولى؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - واثقٌ بالخاتمة، موقِنٌ بها، فلو جاز له ذلك، لجاز لمن لا يثق بالخاتمة أحرى وأولى، ولا يستقيم أيضاً؛ فإن الإيمان إنما علقه على المشيئة باعتبار الخاتمة، وأما العمل الناجز، فلا (¬8) ينبغي تعليقه (¬9) على المشيئة، ولو صلى إنسانٌ الظهرَ فقال: صليت إن شاء الله؛ لكان غلطاً منه؛ لأن الله قد شاء له أن يصلي وصلَّى، فلا يتشكك في معلومٍ، وبعضُ الصوفية لا يقول: حججتُ، ولكن يقول: وصلتُ مكة (¬10)، وهذا تنطُّع أجمعَ السلفُ على خلافه. ¬

_ (¬1) في "ع": "عندهم". (¬2) انظر: "شرح ابن بطال" (5/ 242). (¬3) في "ع": "المقصودة". (¬4) في "ع" و"ج": "فلا". (¬5) "أن" ليست في "ج". (¬6) في "ع": "لا استدل". (¬7) في "ج": "وتقييد". (¬8) في "ج": "فما". (¬9) في "ع" و"ج": "تعلقه". (¬10) في "ع" و"ج": "وصلت إلى مكة".

1686 - (3085) - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيىَ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم - مَقْفَلَهُ مِنْ عُسْفَانَ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَقَدْ أَرْدَفَ صَفِيَّهَ بِنْتَ حُيَيٍّ، فَعَثَرَتْ نَاقَتُهُ، فَصُرِعَا جَمِيعاً، فَاقْتَحَمَ أَبُو طَلْحَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: "عَلَيْكَ الْمَرْأَةَ". فَقَلَبَ ثَوْباً عَلَى وَجْهِهِ وَأَتَاهَا، فَأَلْقَاهَا عَلَيْهَا، وَأَصْلَحَ لَهُمَا مَرْكَبَهُمَا فَرَكِبَا، وَاكْتَنَفْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا أَشْرَفْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ، قَالَ: "آيِبُونَ تَائِبُونَ، عَابِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ". فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ ذَلِكَ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ. (مُقْفَلَه من عُسفان): قال الدمياطي: ذكرُ عُسفانَ مع قضية (¬1) صفيةَ وهمٌ؛ لأن غزوة (¬2) عُسفان إلى بني لحيان كانت سنة ست، وغزوة خيبر كانت في سنة سبع، وإرداف صفيةَ مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ووقوعهما (¬3) كان فيها (¬4). (عليك المرأةَ): -بالنصب على الإغراء-، ولقد أحسنَ أبو طلحة كلَّ الإحسان في قلب الثوب على وجهه لما قصدها (¬5). * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "قصة". (¬2) "غزوة" ليست في "ع". (¬3) في "ج": "ووقوعها". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 681). (¬5) المرجع السابق، الموضع نفسه.

باب: الطعام عند القدوم وكان ابن عمر يفطر لمن يغشاه

باب: الطَّعَامِ عِنْدَ الْقُدُوم وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُفْطِرُ لِمَنْ يَغْشَاهُ (وكان ابن عمر يُفطر لمن يغشاه): أي (¬1): إذا قدم من سفر، أطعمَ مَنْ يغشاه، وأفطرَ معهم؛ أي: يتركُ قضاءَ رمضان؛ لأنه كان لا يصومُه في السفر، فإذا انقضى الإطعام، ابتدأ قضاء رمضان الذي أفطر في السفر. وقد روى إسماعيل في "الأحكام" من طريق نافع: أن ابن عمر كان لا يصوم في السفر، فإذا قدم، أفطر لمن يغشاه، ثم استأنف قضاء رمضان (¬2). وُيفْطر: -بضم الياء وإسكان الفاء-؛ من الإفطار، واللام للتعليل (¬3)؛ أي: يفطر (¬4) لأجل من يغشاه (¬5). وفي بعض النسخ: "يُفَطِّر" -بفتح الفاء (¬6) وتشديد الطاء-؛ أي: يصنع طعام الفطر (¬7) لمن يغشاه. * * * ¬

_ (¬1) "أي" ليست في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 682). (¬3) "للتعليل" ليست في "ع". (¬4) في "ع" و"ج": "لا يفطر". (¬5) في "ج": "يغشى". (¬6) في "ع" و"ج": "بتشديد الفاء". (¬7) في "ج": "طعاماً للفطر".

باب: فرض الخمس

1687 - (3089) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ، نَحَرَ جَزُوراً أَوْ بَقَرَةً. زَادَ مُعَاذٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَارِبٍ: سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ: اشْتَرَى مِنِّي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَعِيراً بِوَقِيَّتَيْنِ، وَدِرْهَمٍ أَوْ دِرْهَمَيْنِ، فَلَمَّا قَدِمَ صِرَاراً، أَمَرَ بِبقرَةٍ فَذُبِحَتْ، فَأَكَلُوا مِنْهَا، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ، أَمَرَنِي أَنْ آتِيَ الْمَسْجِدَ، فَأُصَليَ رَكْعَتَيْنِ، وَوَزَنَ لِي ثَمَنَ الْبَعِيرِ. (فلما قدم صِراراً (¬1)): -بكسر الصاد المهملة-: بئر قديمة على ثلاثة أميال من المدينة من طريق العراق. * * * باب: فَرْضِ الخُمُسِ 1688 - (3091) - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَناَ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ: أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ -عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ- أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَلِيّاً قَالَ: كَانَتْ لِي شَارِفٌ مِنْ نَصِيبِي مِنَ الْمَغْنَمِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَعْطَانِي شَارِفاً مِنَ الْخُمُسِ، فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَبْتَنِيَ بِفَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَاعَدْتُ رَجُلاً صَوَّاغاً مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ أَنْ يَرْتَحِلَ مَعِيَ، فَنَأْتِيَ بِإِذْخِرٍ أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَهُ الصَّوَّاغِينَ، وَأَسْتَعِينَ بِهِ فِي وَلِيمَةِ عُرْسِي، فَبَيْنَا أَناَ أَجْمَعُ لِشَارِفَيَّ مَتَاعاً مِنَ الأَقْتَابِ وَالْغَرَائِرِ وَالْحِبَالِ، ¬

_ (¬1) في "ع": "صرار".

وَشَارِفَايَ مُنَاخَانِ إِلَى جَنْبِ حُجْرَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، رَجَعْتُ حِينَ جَمَعْتُ مَا جَمَعْتُ، فَإِذَا شَارِفَايَ قَدِ اجْتُبَّ أَسْنِمَتُهُمَا، وَبُقِرَتْ خَوَاصِرُهُمَا وَأُخِذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا، فَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنَيَّ حِينَ رَأَيْتُ ذَلِكَ الْمَنْظَرَ مِنْهُمَا، فَقُلْتُ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ فَقَالُوا: فَعَلَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَهْوَ فِي هَذَا الْبَيْتِ فِي شَرْبٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فَعَرَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي وَجْهِي الَّذِي لَقِيتُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا لَكَ؟ "، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهَ! مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ قَطُّ، عَدَا حَمْزَةُ عَلَى ناَقَتَيَّ، فَأَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا، وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا، وَهَا هُوَ ذَا فِي بَيْتٍ مَعَهُ شَرْبٌ، فَدَعَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِرِدائِهِ فَارْتَدَى، ثُمَّ انْطَلَقَ يَمْشِي، وَاتَّبَعْتُهُ أَناَ وَزَيْدُ ابْنُ حَارِثَةَ حَتَّى جَاءَ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ حَمْزَةُ، فَاسْتَأْذَنَ، فَأذِنوُا لَهُمْ، فَإذَا هُمْ شَرْبٌ، فَطَفِقَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَلُومُ حَمْزَةَ فِيمَا فَعَلَ، فَإِذَا حَمْزَةُ قَدْ ثَمِلَ، مُحْمَرَّةً عَيْنَاهُ، فَنَظَرَ حَمْزَةُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ، فَنَظَرَ إِلَى رُكْبَتِهِ، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ، فَنَظَرَ إِلَى سُرَّتِهِ، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ حَمْزَةُ: هَلْ أَنْتُمْ إِلاَّ عَبِيدٌ لأَبِي؟ فَعَرَفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَدْ ثَمِلَ، فَنَكَصَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى عَقِبَيْهِ الْقَهْقَرَى، وَخَرَجْنَا مَعَهُ. (في شَرْبٍ): -بفتح الشين المعجمة وسكون الراء-: هم الجماعة الذين يجتمعون على شرب الخمر. (فانطلقتُ حتى أدخلُ): -بالرفع والنصب-، ورجَّحَ ابن مالك النصبَ (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 682).

1689 - (3093) - فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ". فَغَضِبَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَهَجَرَتْ أَبَا بَكْرٍ، فَلَمْ تَزَلْ مُهَاجِرَتَهُ حَتَى تُوُفِّيَتْ، وَعَاشَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سِتَّةَ أَشْهُرٍ، قَالَتْ: وَكَانَتْ فَاطِمَةُ تَسْأَلُ أَبَا بَكْرٍ نَصِيبَهَا مِمَّا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ خَيْبَرَ وَفَدَكٍ، وَصَدَقَتِهِ بِالْمَدِينَةِ، فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ عَلَيْهَا ذَلِكَ، وَقَالَ: لَسْتُ تَارِكاً شَيْئاً كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعْمَلُ بِهِ إلاَّ عَمِلْتُ بِهِ، فَإِنِّي أَخْشَى إِنْ تَرَكْتُ شَيْئاً مِنْ أَمْرِهِ أَنْ أَزِيغَ. فَأَمَّا صَدَقَتُهُ بِالْمَدِينَةِ، فَدَفَعَهَا عُمَرُ إِلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ، فَأَمَّا خَيْبَرُ وَفَدَكٌ، فَأَمْسَكَهَا عُمَرُ، وَقَالَ: هُمَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، كَانَتَا لِحُقُوقِهِ الَّتِي تَعْرُوهُ وَنَوَائِبِهِ، وَأَمْرُهُمَا إِلَى مَنْ وَلِيَ الأَمْرَ، قَالَ: فَهُمَا عَلَى ذَلِكَ إِلَى الْيَوْمِ. (لا نورث ما تركنا صدقة): "نُورَثُ" -بالنون-، و"صدقَةٌ" مرفوع خبر المبتدأ، وحَرَّفَه (¬1) الإماميةُ فقالوا" "لا يورث" -بالياء (¬2) -، و"صدقَةً" -منصوب على الحال (¬3) -، و"ما تركنا" مفعول ما لم يُسم فاعله، وهذا تحريف يُخرج الكلام عن نمط الاختصاص الذي دلَّ عليه قوله في بعض الطُّرق: "نَحْنُ مَعاشِرَ الأَنْبِياءِ" (¬4). قال سيبويه: في هذا وأمثاله نصب على التخصيص، ويعود الكلام بما حرفوه إلى أمر لا يختص به الأنبياء؛ لأن آحادَ الأمة إذا وقفوا أموالهم، ¬

_ (¬1) في "ع": "وحرمه". (¬2) "بالياء" ليست في "ع". (¬3) "الحال" ليست في "ج". (¬4) انظر: "التوضيح" (18/ 379).

أو (¬1) بتلوها صدقةً، انقطع حقُّ الورثة عنها، فهذا من تحامُلهم أو تجاهُلهم. وأورده بعضُ أكابر (¬2) الإمامية على القاضي شاذان صاحب القاضي أبي الطيب، فقال: وكان ضعيف العربية، قوياً في علم الخلاف: لا أعرف نصب "صدقة" من رفعها، ولا أحتاج إلى علمه؛ فإنه لا خفاءَ بي وبك أن فاطمةَ وعلياً من أفصح العرب، لا تبلغُ أنت ولا أمثالُك إلى ذلك منهما، فلو كانت لهما حجة فيما لحظته، لأبدياها حينئذٍ لأبي بكر، فسكت، ولم يُحِر جواباً. (فهجرتْ أبا بكر، فلم تزل مُهاجِرَتَه حتى تُوفيت): هذا اللفظ يردّ ما حكاه الترمذي عن شيخه علي بن عيسى: أنها لم تكلمه في هذا الميراث خاصة (¬3). (من خيبرَ): ممنوع الصرف. (وفَدَك): -بفتحتين-: اسم قرية بخيبر، بالصرف، وعدمه. (وصدقته بالمدينة): بجرّ "صدقتِهِ": عطفاً على المجرور قبله، وبالنصب عطفاً على المنصوب من قوله: "تسألُ أبا بكر نصيبَها"، والأول أظهر. (أن أزيغ): أي: أن أَميل عن الحق إلى غيره. * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "و". (¬2) في "ع": "الأكابر". (¬3) انظر: "سنن الترمذي" (4/ 157). وانظر: "التنقيح" (2/ 683).

قِصَّةُ فَدَك 1690 - (3094) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ، حَدَّثَنَا مَالِكُ ابْنُ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، وَكَانَ مُحَمَّدُ ابْنُ جُبَيْرٍ ذَكَرَ لِي ذِكْراً مِنْ حَدِيثِهِ ذَلِكَ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى مَالِكِ ابْنِ أَوْسٍ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ، فَقَالَ مَالِكٌ: بَيْنَا أَناَ جَالِسٌ فِي أَهْلِي حِينَ مَتَعَ النَّهَارُ، إِذَا رَسُولُ عُمَرَ بْنِ الْخَظَّابِ يَأْتِينِي، فَقَالَ: أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى عُمَرَ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى رِمَالِ سَرِيرٍ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ، مُتَكِئٌ عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ جَلَسْتُ، فَقَالَ: يَا مَالِ! إِنَّهُ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ قَوْمِكَ أَهْلُ أَبْيَاتٍ، وَقَدْ أَمَرْتُ فِيهِمْ بِرَضْخٍ، فَاقْبِضْهُ فَاقْسِمْهُ بَيْنَهُمْ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! لَوْ أَمَرْتَ بِهِ غَيْرِي، قَالَ: اقْبِضْهُ أَيُّهَا الْمَرْءُ، فَبَيْنَا أَناَ جَالِسٌ عِنْدَهُ، أَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَا، فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَالزُّبَيْرِ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ يَسْتَأْذِنُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَدَخَلُوا، فَسَلَّمُوا وَجَلَسُوا، ثُمَّ جَلَسَ يَرْفَا يَسِيراً، ثُمَّ قَالَ: هَلْ لَكَ فِي عَلِيِّ وَعَبَّاسٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَذِنَ لَهُمَا، فَدَخَلاَ، فَسَلَّمَا فَجَلَسَا، فَقَالَ عَبَّاسٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا، وَهُمَا يَخْتَصِمَانِ فِيمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ بَنِي النَّضِيرِ، فَقَالَ الرَّهْطُ -عُثْمَانُ وَأَصْحَاُبهُ-: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! اقْضِ بَيْنَهُمَا، وَأَرِحْ أَحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ، قَالَ عُمَرُ: تَيْدَكُمْ، أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَة". يُرِيدُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَفْسَهُ؟ قَالَ الرَّهْطُ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ، فَأَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا اللهَ، أَتَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -

قَدْ قَالَ ذَلِكَ؟ قَالاَ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ، قَالَ عُمَرُ: فَإِنِّي أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الأَمْرِ، إِنَّ اللهَ قَدْ خَصَّ رَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم - فِي هَذَا الْفَيْءِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَداً غيْرَهُ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ} إلى قوله: {قَدِيرٌ} [الحشر: 6]، فَكَانَتْ هَذِهِ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَاللهِ! مَا احْتَازَهَا دُونَكُمْ، وَلاَ اسْتَأْثَرَ بِهَا عَلَيْكُمْ، قَدْ أَعْطَاكُمُوهُ، وَبَثَّهَا فِيكُمْ، حَتَّى بَقِيَ مِنْهَا هَذَا الْمَالُ، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بقِيَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللهِ، فَعَمِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِذَلِكَ حَيَاتَهُ، أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ: أَنْشُدُكُمَا بِاللهِ هَلْ تَعْلَمَانِ ذَلِكَ؟ قَالَ عُمَرُ: ثُمَّ تَوَفَّى اللهُ نَبِيَّهُ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَناَ وَلِيُّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَبَضَهَا أَبُو بَكْرٍ، فَعَمِلَ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُ فِيهَا لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ تَوَفَّى اللهُ أَبَا بَكْرٍ، فَكُنْتُ أَناَ وَلِيَّ أَبِي بَكْرٍ، فَقَبَضْتُهَا سَنَتَيْنِ مِنْ إِمَارَتِي، أَعْمَلُ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَمَا عَمِلَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ، وَاللهُ يَعْلَمُ إِنِّي فِيهَا لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ جِئْتُمَانِي تُكَلِّمَانِي، وَكَلِمَتُكُمَا وَاحِدَةٌ، وَأَمْرُكُمَا وَاحِد، جِئتنِي يَا عَبَّاسُ تَسْألنِي نَصِيبَكَ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ، وَجَاءَنِي هَذَا -يُرِيدُ: عَلِيّاً- يُرِيدُ نَصِيبَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا، فَقُلْتُ لَكُمَا: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ"، فَلَمَّا بَدَا لِي أَنْ أَدْفَعَهُ إِلَيْكُمَا، قُلْتُ: إِنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا، عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللهِ وَمِيثَاقَهُ لَتَعْمَلاَنِ فِيهَا بِمَا عَمِلَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَبِمَا عَمِلَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ، وَبِمَا عَمِلْتُ فِيهَا مُنْذُ وَلِيتُهَا، فَقُلْتُمَا: ادْفَعْهَا إِلَيْنَا، فَبِذَلِكَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا، فَأَنْشُدُكُمْ بِاللهِ هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْهِمَا بِذَلِكَ؟ قَالَ الرَّهْطُ: نَعَمْ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ، فَقَالَ:

أَنْشُدُكُمَا بِاللهِ، هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ؟ قَالاَ: نَعَمْ، قَالَ: فَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ، فَوَاللهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ! لاَ أَقْضِي فِيهَا قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا، فَادْفَعَاهَا إِلَيَّ، فَإِنِّي أَكْفِيكُمَاهَا. (متَعَ النهارُ): -بفتح المثناة الفوقية-: اشتد حَرُّه وارتفع، ومنه في الدعاء: أمتعني الله بك. (على رِمُال سرير): -بضم الراء من "رمال" وكسرها-: ما يُنسج من سَعَفِ النخل ونحوِه ليضطجَع عليه. (يا مالِ!): يريد: يا مالك! على الترخيم. قال الزركشي: ويجوز ضم اللام وكسرها (¬1). قلت: جرى على العادة في نقل ما يجوز في الكلمة، من غير تبيين هل الرواية كذلك أو لا؟ والذي رأيته في نسخة معتمدة: "يا مالِ": -بكسر اللام-، وصحح عليه، وهي اللغة المشهورة. (بِرَضْخٍ): -بالخاء المعجمة-؛ أي: بعَطِيَّةٍ. (إذ أتاه حاجبه يَرْفا): -بمثناة تحتية مفتوحة فراء ساكنة ففاء فألف-، ومنهم من يجعل بدل الألف همزة. وفي "سنن أبي (¬2) داود" وتسميته: اليرفا: بألف ولام (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 683). (¬2) "أبي" ليست في "ع". (¬3) في "سنن أبي داود" (2963): "يرفا"، وقد نقل المؤلف -رحمه الله- هذا عن الزركشي في "التنقيح" (2/ 683).

(تِيدَكُمْ): -بكسر المثناة الفوقية- يريد: على رِسْلِكُمْ، كأنه مصدر تادَ يتيد، فتركَ هَمْزَه، والمشهورُ في هذا الفعل: اتَّأدَ يَتَّئِدُ، على وزن افتعل؛ من التؤدة، وهي السكون، وهو نصب على المصدر، ومعناه: السكون، والتقدير: تِيدُوا تِئْدكم، بكسر التاء وبهمزةٍ ساكنةٍ. قال القاضي: فالياء -يعني: التحتية- في "تئدكم" مسهلة من مزة (¬1)، والتاء -يعني: الفوقية- مبدَلَة من واو؛ لأنه في الأصل: وُأَدَة (¬2). (ما احتازها): -بحاء مهملة وزاي-؛ من الحيازة، وهي الجمع، يقال: حازَ الشيء واحتازَهُ: جمعه، وضمه إلى حَوْزه. (أنشدكما الله (¬3)): أي: بالله. قال الخطابي: هذه القصة مُشكلةٌ جداً؛ فإن علياً وعباساً إذا كانا قد أخذا هذه من عمر على هذه (¬4) الشريطة، وتمسَّكا في ذلك بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما تَرَكْنا صَدَقَةٌ"، فما الذي بدا لهما حتى تخاصما؟ وأمثلُ ما قيل في ذلك ما قاله أبو داود: إنهما طلبا قسمة ذلك بينهما؛ إذ كان يشقُّ عليهما أن لا يكون أحدُهما منفرداً بما يصير له يعمل فيه ما يريد، فطلبا القسمة لذلك؛ فمنعهما إياها؛ لئلا يجري عليها اسم الملك، وقال لهما: إن عجزتما، فردّاها عليَّ (¬5). ¬

_ (¬1) في "ع": "من غير همزة". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 118). وانظر: "التنقيح" (2/ 684). (¬3) كذا في رواية أبي ذر الهروي، وفي اليونينية: "بالله"، وهي المعتمدة في النص. (¬4) "من عمر على هذه" ليست في "ع". (¬5) انظر: "أعلام الحديث" (2/ 1440). وانظر: "التنقيح" (2/ 684).

باب: أداء الخمس من الدين

باب: أَداءُ الْخُمُسِ مِنَ الدِّينِ (باب: أداءُ الخمس من الدين (¬1)): ذكر فيه حديثَ وفد عبد القيس، وقد سبق مراراً في الإيمان وغيره، إلا أنه ترجم عليه هنا: أداءُ الخُمْس من الدين، وترجم عليه في كتاب الإيمان: أداء الخمس من الإيمان، [وفائدة الجمع بين الترجمتين: أنا إذا قلنا: الإيمان قولٌ وعمل، دخل أداءُ الخمس في الإيمان] (¬2)، وإن قلنا: إنه التصديق بالله، دخل أداؤه من الدين (¬3). * * * باب: نَفقَةِ نِسَاء النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ وَفَاتِهِ 1691 - (3096) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَاراً، مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمَؤُونَةِ عَامِلِي فَهْوَ صَدَقَةٌ". (لا يقتسمُ (¬4) ورثتي ديناراً): "لا" نافية لا ناهية؛ فيقسمُ: مرفوعٌ لا مجزوم (¬5)، هكذا الرواية فيه. ¬

_ (¬1) في "ع": "من الإيمان". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 685). (¬4) في "ع": "لا يقسم". (¬5) في "م": "مرفوع لا مجرور".

(ومؤونة عاملي): قيل: حافرُ قبري، وقيل: عاملُ صدقاتي، وقيل: الخليفةُ بعدي (¬1). * * * 1692 - (3097) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَا فِي بَيْتِي مِنْ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ، إِلاَّ شَطْرَ شَعِيرٍ فِي رَفٍّ لِي، فَأَكَلْتُ مِنْهُ حَتَّى طَالَ عَلَي، فَكِلْتُهُ، فَفَنِيَ. (ما يأكله (¬2) ذو كبد): تريد: إنساناً أو (¬3) بهيمة. (إلا شَطْرَ شعير): أي: نصفَ وَسْقٍ. (في رفٍّ لي): هي كالغرفة القصيرة في البيت لا بابَ عليه. (فكِلْتُه ففَني): قيل: بورك لها حتى شعرتْ، فأصابته العينُ. وقيل: إنما البركةُ مع جهل المأخوذ منه، فلما كالته، علمت مدةَ بقائه، ففني عند تمام ذلك الأمد. ووجه مطابقة الترجمة على نفقة نسائه -عليه السلام-؛ لحديث عائشة هذا: قولها: "فأكلتُ منه حتى طالَ عليَّ (¬4)، فكلتُه، ففني"، ولم تذكر أنها ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 685). (¬2) نص البخاري: "وما في بيتي من شيء يأكله". (¬3) في "ع": "و". (¬4) "طال علي" ليست في "ع".

باب: ما جاء في بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وما نسب من البيوت إليهن

أخذته في نصيبها بالميراث؛ إذ لو لم يكن لها النفقة (¬1) مستحقةً؛ لكان الشعير الموجود لبيت المال، أو مقسوماً بين الورثة، وهي أحدهم، والله أعلم (¬2). * * * باب: مَا جَاءَ فِي بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَمَا نُسِبَ مِنَ الْبُيُوتِ إِلَيْهِنَّ (باب: ما جاء في بيوت النبي - صلى الله عليه وسلم -): قال ابن المنير: وجهُ دخول الترجمة في الفقه: أن سكناهنَّ في بيوت النبي - صلى الله عليه وسلم - من الخصائص، كما استحققن النفقة، والسرُّ في ذلك حَبْسُهنَّ (¬3) عليه أبداً؛ لقوله: {وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا} [الأحزاب: 53]، وساق البخاري الأحاديثَ التي نَسبت إليهنَّ البيوتَ فيها؛ تنبيهاً محلى أن هذه النسبة تُحقِّقُ دوامَ استحقاقهن للبيوت (¬4) ما بَقينَ (¬5). واستشهادُ المهلب على صحة الحبس، وإِنْ سكنه صاحبه يسيراً، أو انتفع (¬6) قليلاً؛ بقصة بيوت الأزواج؛ بناء منه على (¬7) أنه -عليه السلام- ¬

_ (¬1) في "ج": "نفقة". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 685). (¬3) في "ع": "حليتهن". (¬4) "للبيوت" ليست في "ع". (¬5) انظر: "المتواري" (ص: 186). (¬6) في "ع": "وانتفع"، وفي "ج": "يسير وانتفع". (¬7) "على" ليست في "ج".

باب: ما ذكر من درع النبي - صلى الله عليه وسلم - وعصاه وسيفه وقدحه وخاتمه، وما استعمل الخلفاء بعده من ذلك مما لم يذكر قسمته، ومن شعره ونعله وآنيته مما تبرك أصحابه وغيرهم بعد وفاته

حبسَها عليهن (¬1)، غيرُ (¬2) مستقيم، ولا يقدر على الوفاء به على مذهب مالك؛ فإن من حبس -عندَه- على زوجته، أو على زوجاته الأربع كلَّ واحدة مسكناً، ثم استمر على السكنى معهن على ما كان عليه، وأوصى أن يُدفن في بعضها، لا يصحُّ عنده. والوجه: أن هذا خاصٌّ به -عليه الصلاة والسلام-، أو كانت أحباساً عليهنَّ، ولكن صدقةً (¬3) من الله تعالى بعد نبيه، لا بالوقف. * * * باب: مَا ذُكِرَ مِنْ دِرْعِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَعَصَاهُ وَسَيْفِهِ وَقَدَحِهِ وَخَاتَمِهِ، وَمَا اسْتَعْمَلَ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ قِسْمَتُهُ، وَمِنْ شَعَرِهِ وَنَعْلِهِ وَآنِيَتِهِ مِمَّا تَبَرَّكَ أَصْحَابُهُ وَغَيْرُهُمْ بَعْدَ وَفَاتِهِ (باب ما ذُكر من درع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -): وجهُ دخول الترجمة وأحاديثها في الفقه: تحقُّقُ أنه -عليه الصلاة والسلام- لم يُورَثْ، وأن الآنية بقيت عند من وصلت إليه للتبرك، ولو كانت ميراثاً، لاقتسمها ورثته (¬4). (مما يتبرك (¬5) أصحابُه وغيرُهم): من البركة، والعائد محذوف؛ أي: مما (¬6) يتبرك به، لكن الشرط في مثله مفقود، هذه رواية (¬7) القابسي. ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (18/ 404). (¬2) "غير" ليست في "ج". (¬3) في "ج": "صدقة عليهن". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 687). (¬5) في "ع": "يترك". (¬6) في "ع": "ما". (¬7) في "ع": "الرواية".

ورواه الأصيلي: "مما يشرك" -بالشين المعجمة-؛ من الشركة، قال القاضي: وهو ظاهر؛ لقوله قبله: "فيما (¬1) لم يُذْكَرْ قسمتُه (¬2) ". * * * 1693 - (3107) - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَسَدِيُّ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ طَهْمَانَ، قَالَ: أَخْرَجَ إِلَيْنَا أَنَسٌ نَعْلَيْنِ جَرْدَاوَيْنِ لَهُمَا قِبَالاَنِ. فَحَدَّثَنِي ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ بَعْدُ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّهُمَا نَعْلاَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (جَرداوَتَيْنِ): -بجيم مفتوحة وتاء (¬3) بعد الواو- تثنية جرداء، وهي التي لا شعر عليها، والقياس في مثله: جرداوَيْنِ مثل حَمْراوَيْنِ. (لهما قِبالان): تثنية قِبال: -بكسر القاف-، وهو زمام النعل، وهو السَّيْر الذي يكون بين الإصبعين (¬4). * * * 1694 - (3109) - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ عَاصم، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ قَدَحَ النَبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - انْكَسَرَ، فَاتَّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ. قَالَ عَاصِمٌ: رَأَيْتُ الْقَدَحَ، وَشَرِبْتُ فِيهِ. ¬

_ (¬1) نص البخاري: "مِمَّا". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 687). (¬3) من قوله: "المعجمة من الشركة" إلى هنا ليس في "ج". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 687).

(انكسر): أي: انشقَّ. (الشَعْب): -بفتح الشين المعجمة وإسكان العين المهملة-: الصَّدْع والشَّقُّ، وإصلاحُه أيضاً يسمى: الشَّعْبَ. (فاتخذ): يوهم أن الضمير للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فيكون هو الذي اتخذ مكانَ الشعب سلسلةً [من فضة، وليس كذلك، وإنما الضمير عائد على أنسٍ، ويحققه أن في رواية: فجعلتُ مكانَ الشَّعب سلسلةَ] (¬1)؛ أي: يُسَدُّ بها الشَّقُّ (¬2). * * * 1695 - (3110) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرْميُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ كَثِيرٍ حَدَّثَهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ الدُّؤَلِيِّ حَدَّثَهُ: أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ حَدَّثَهُ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ حُسَيْنٍ حَدَّثَهُ: أَنَّهُمْ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ مِنْ عِنْدِ يَزِيدَ بْن مُعَاوِيَةَ، مَقْتَلَ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ -رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ-، لَقِيَهُ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ، فَقَالَ لَهُ: هَلْ لَكَ إِلَيَّ مِنْ حَاجَةٍ تَأْمُرُنِي بِهَا؟ فَقُلْتُ لَهُ: لاَ، فَقَالَ لَهُ: فَهَلْ أَنْتَ مُعْطِيَّ سَيْفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؛ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَغْلِبَكَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ، وَايْمُ اللهِ لَئِنْ أَعْطَيْتَنِيهِ لاَ يُخْلَصُ إِلَيْهِمْ أَبَداً حَتَّى تُبْلَغَ نَفْسِي، إنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ خَطَبَ ابْنَةَ أَبِي جَهْلٍ عَلَى فَاطِمَةَ -عَلَيْهَا السَّلاَمُ-، فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬2) المرجع السابق، (3/ 688).

النَّاسَ فِي ذَلِكَ عَلَى مِنْبَرِهِ هَذَا، وَأَناَ يَوْمَئِذٍ مُحْتَلِمٌ، فَقَالَ: "إِنَّ فَاطِمَةَ مِنِّي، وَأَناَ أَتَخَوَّفُ أَنْ تُفْتَنَ فِي دِينِهَا". ثُمَّ ذَكَرَ صِهْراً لَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ إِيَّاهُ. قَالَ: "حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي، وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي، وَإِنّي لَسْتُ أُحَرِّمُ حَلاَلاً، وَلاَ أحُلُّ حَرَاماً، وَلَكِنْ وَاللهِ! لاَ تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَبِنْتُ عَدُوِّ اللهِ أَبَداً". (خطب بنتَ أبي جهل): هي العوراءُ بنتُ أبي جهل، وقيل: جُويرية. * * * 1696 - (3111) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ سُوقَةَ، عَنْ مُنْذِرٍ، عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ: لَوْ كَانَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ذَاكِراً عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، ذَكَرَهُ يَوْمَ جَاءَهُ ناَسٌ، فَشَكَوْا سُعَاةَ عُثْمَانَ، فَقَالَ لِي عَلِيٌّ: اذْهَبْ إِلَى عُثْمَانَ فَأَخْبِرْهُ: أَنَّهَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَمُرْ سُعَاتَكَ يَعْمَلُونَ فِيهَا. فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ: أَغْنِهَا عَنَّا، فَأَتَيْتُ بِهَا عَلِيّاً، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: ضَعْهَا حَيْثُ أَخَذْتَهَا. (فقال: اغْنِها عَنَّا): -بقطع الألف-؛ أي: اصرفْها عنا، ومنه قوله تعالى: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس: 37]؛ أي: يصده ويصرفه عن قرابته (¬1). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 688).

باب: الدليل على أن الخمس لنوائب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والمساكين، وإيثار النبي - صلى الله عليه وسلم - أهل الصفه والأرامل حين سألته فاطمة وشكت إليه الطحن والرحى أن يخدمها من السبي، فوكلها إلى الله

باب: الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ لِنَوَائِبِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَالْمَسَاكِينِ، وَإِيثَارِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَهْلَ الصُّفَّهِ وَالأَرَامِلَ حِينَ سَألَتْهُ فَاطِمَةُ وَشَكَتْ إلَيْهِ الطَحْنَ وَالرَّحَى أَنْ يُخْدِمَهَا مِنَ السَّبْيِ، فَوَكَلَهَا إِلَى اللهِ (فوَكَلها): بتخفيف الكاف. * * * باب: قَولِ الله عزَّ وجلَّ: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 41] 1697 - (3114) - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، وَمَنْصُورٍ، وَقَتَادَةَ: سَمِعُوا سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا مِنَ الأَنْصَارِ غُلاَمٌ، فَأَرَادَ أَنْ يُسَمِّيَهُ مُحَمَّداً -قَالَ شُعْبَةُ: فِي حَدِيثِ مَنْصُورٍ: إِنَّ الأَنْصَارِيَّ قَالَ: حَمَلْتُهُ عَلَى عُنُقِي، فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -. وَفِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ: وُلِدَ لَهُ غُلاَمٌ، فَأَرَادَ أَنْ يُسَمِّيَهُ مُحَمَّداً-، قَالَ: "سَمُّوا بِاسْمِي، وَلاَ تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي؛ فَإِنِّي إِنَّمَا جُعِلْتُ قَاسِماً أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ". وَقَالَ حُصَيْنٌ: "بُعِثْتُ قَاسِماً أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ". قَالَ عَمْرٌو: أَخْبَرَناَ شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَالِماً، عَنْ جَابِرٍ: أَرَادَ أَنْ يُسَمِّيَهُ الْقَاسِمَ، فَقَالَ النَبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "سَمُّوا بِاسْمِي، وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي". (ولد لرجل منا من الأنصار غلامٌ، فأراد أن يسميه محمداً): [يحتمل

تفسير هذا بمحمد بن أَنَسِ بنِ فضالةَ] (¬1) الأنصاري (¬2). ففي "أسد الغابة" في ترجمته؛ أنه قال: قدم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا ابنُ أسبوعين، فأُتي بي (¬3) إليه، فمسحَ رأسي، ودعا لي بالبركة، وقال: "سَمُّوهُ بِاسْمِي، وَلا تَكْنُوهُ (¬4) بِكُنْيَتِي" (¬5). * * * 1698 - (3115) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلاَمٌ، فَسَمَّاهُ الْقَاسِمَ، فَقَالَتِ الأَنْصَارُ: لاَ نَكْنِيكَ أَبَا الْقَاسِمِ، وَلاَ نُنْعِمُكَ عَيْناً، فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! وُلِدَ لِي غُلاَمٌ، فَسَمَّيْتُهُ الْقَاسِمَ، فَقَالَتِ الأَنْصَارُ: لاَ نَكْنِيكَ أَبَا الْقَاسِمِ، وَلاَ نُنْعِمُكَ عَيْناً، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَحْسَنَتِ الأَنْصَارُ، سَمُّوا بِاسْمِي، وَلاَ تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي، فَإِنَّمَا أَناَ قَاسِمٌ". (ولا نُنْعِمُكَ عيناً): أي لا نُكرمك، ولا نقُرُّ عينَكَ به. * * * 1699 - (3118) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) في "ع": "الأنصار". (¬3) في "ع" و"ج": "به". (¬4) في "ع": "وتكنوه". (¬5) انظر: "أسد الغابة" (5/ 82).

باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أحلت لي الغنائم"

أَيُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَيَّاشٍ -وَاسْمُهُ نُعْمَانُ-، عَنْ خَوْلَةَ الأَنْصَارِيَّةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ رِجَالاً يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللهِ بِغَيْرِ حَقًّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". (يتخَوَّضون): -بالخاء والضاد المعجمتين-؛ من الخوض؛ أي: يَتَطَرَّقونَ (¬1) في بيت مال المسلمين، ويَستبدُّون به لأنفسهم. * * * باب: قَولِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: "أُحِلَّت لِيَ الغَنَائِمُ" 1700 - (3124) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "غَزَا نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ، فَقَالَ لِقَوْمِهِ: لاَ يَتْبَعْنِي رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ، وَهْوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا، وَلَمَّا يَبْنِ بِهَا، وَلاَ أَحَدٌ بَنَى بُيُوتاً وَلَمْ يَرْفَعْ سُقُوفَهَا، وَلاَ أَحَدٌ اشْتَرَى غَنَماً أَوْ خَلِفَاتٍ، وَهْوَ يَنْتَظِرُ وِلاَدَهَا، فَغَزَا، فَدَناَ مِنَ الْقَرْيَةِ صَلاَةَ الْعَصْرِ، أَوْ قَرِيباً مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لِلشَّمْسِ: إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ وَأَناَ مَأْمُورٌ، اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا، فَحُبِسَتْ حَتَّى فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ، فَجَمَعَ الْغَنَائِمَ، فَجَاءَتْ -يَعْنِي: النَّارَ- لِتَأْكُلَهَا، فَلَمْ تَطْعَمْهَا، فَقَالَ: إِنَّ فِيكُمْ غُلُولاً، فَلْيُبَايِعْنِي مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ، فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ: فِيكُمُ الْغُلُولُ، فَلْيُبَايِعْنِي قَبِيلَتُكَ، فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ: فِيكُمُ الْغُلُولُ، فَجَاؤُوا بِرَأْسٍ مِثْلِ رَأْسِ بقَرَةٍ مِنَ الذَّهَبِ، ¬

_ (¬1) في "ع": "يتطوقون".

فَوَضَعُوهَا، فَجَاءَتِ النَّارُ فَأَكَلَتْهَا، ثُمَّ أَحَلَّ اللهُ لَنَا الْغَنَائِمَ، رَأَى ضَعْفَنَا وَعَجْزَناَ، فَأحَلَّهَا لَنَا". (غزا نبيٌّ من الأنبياء): هو يُوشَعُ بنُ نون، كما جاء مفسَّراً في رواية الحاكم في "المستدرك" (¬1) عن كعب الأحبار (¬2). (فدنا من القرية): هي أَريحا. (فلزقَتْ يد رجل بيده، فقال فيكم الغلولُ): قال ابن المنير: جعل الله علامةَ الغلول التزاق يد الغالِّ، وألهم ذلك النبي، فدعاهم للمبايعة حتى تقوم له العلامة المذكورة، وكذلك يوفق الله تعالى خواصَّ هذه الأمة من العلماء لمثل هذا الاستدلال (¬3)؛ لأن علماء هذه الأمة كأنبياء بني إسرائيل. ورُوي في الحكايات المسندة عن الثقات: أنه كان بالمدينة مَحَمَّةٌ يُغَسَّلُ فيها النساءُ، وأنه جيء إليها بامرأة، فبينما هي تُغَسِّل (¬4)، إذْ وقفتْ عليها (¬5) امرأةٌ، فقالت (¬6): إنك لِما علمتُ زانيةٌ، وضربت يدَها على عَجيزة (¬7) المرأة الميتة، فأُلزقت يدُها، فحاولت وحاول (¬8) النساء نزعَ يدها، ¬

_ (¬1) "في المستدرك" ليست في "ع". (¬2) رواه الحاكم (2618). (¬3) في "ج": "هذا الاستدراك". (¬4) في "ع" و"ج": لا تغتسل". (¬5) "عليها" ليست في "ع". (¬6) في "ع": "فقال". (¬7) في "ج": "على عجيز". (¬8) في "ع": "وجاءت".

فلم يمكن، فرُفعت إلى والي المدينة، فاستشار الفقهاء، فقال قائل: تُقطع يدُها، وقال آخر (¬1): تقطع بضعةٌ من الميتة؛ لأن حرمةَ الحيِّ آكَدُ، فقال الوالي: لا (¬2) أُبرم أمراً حتى أُؤامر أبا عبد الله، فبعث إلى مالك -رحمه الله-، فقال: لا تقطع من هذه ولا من هذه، ما أرى هذه (¬3) إلا امرأةً تطلب حقَّها من الحدِّ، فحُدُّوا هذه القاذفةَ، فضربها تسعةً وسبعين (¬4) سوطاً ويدُها ملتصقةٌ، فلما ضربها تكملة (¬5) الثمانين، انحلَّت يدُها. فإما أن يكون مالك -رحمه الله- اطلع على هذا الحديث، فاستعمله بنور التوفيق في مكانه، وإما أن يكون أيضاً وُفِّقَ، فوافقَ، والله أعلم. وكان إلزاقُ يدِ الغالّ بيد النبيِّ تنبيهاً على أنها يدٌ عليها حقٌّ يطلب (¬6) أن يتخلص (¬7) منه، أو دليلاً على أنها يد ينبغي أن يُضرب عليها، ويُحبس صاحبُها حتى يؤدي الحقَّ إلى الإمام، وهو من جنس شهادة اليد على صاحبها يوم القيامة. * * * ¬

_ (¬1) "آخر" ليست في "ج". (¬2) في "ع": "ألا". (¬3) "ما أرى هذه" ليست في "ج". (¬4) في "ع": "وتسعين". (¬5) في "ع": "بكلمة". (¬6) في "ع": "يتطلب". (¬7) في "ج": "أن يخلص".

باب: الغنيمة لمن شهد الوقعة

باب: الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ (باب: الغنيمةُ لمن شهدَ الوقعَة): ساق فيه قولَ عمرَ -رضي الله عنه-: لولا آخِرُ المسلمين، ما فتحتُ قرية إلا قسمتُها (¬1) بينَ أهلها كما قسمَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -. واستشهادُه بقولِ عمرَ مُنافٍ لغرضه من الترجمة. ويجاب: بأنه إنما أرادَ من حديث عمر قولَه: "كما قسمَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -"، فأومأ البخاري إلى ترجيح القسمة الناجزة، وأن لا توقف. واستدل على أن المفقود (¬2) الذي لم يوجد بعدُ لا يستحقُّ من الغنيمة شيئاً؛ بالقياس على من غابَ عن الوقعة من الموجودين، فإذا كان الموجود الغائب لا يستحقُّ، فكيف يستحقُّ المعدومُ والموهومُ حينئذ؟ بقي النظر في استدلال (¬3) عمر -رضي الله عنه-، وهو موافق لمذهب مالك على أن الأرضين يستحقها المتوقَّعُ وجودُهم إلى يوم القيامة مع الحاضرين، ولهذا وقفها بقوله: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: 10] ولم لا يكون الكلام استئنافاً، والخبر في قوله تعالى: {يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا} [الحشر: 10]، ويكون الفرقُ بين هؤلاء الذين لم يوجدوا (¬4) بعدُ، وبين الذين تبوَّؤوا الدارَ والإيمان: أن الذين تبوؤوا الدار والإيمان هم الأنصار، وكانوا يحضرون الوقائع، فيستحقون كالمهاجرين، وأما هؤلاء، ¬

_ (¬1) في "ع": "قسمها". (¬2) في "ع" و"ج": "المعقود". (¬3) في "ع": "الاستدلال". (¬4) في "ع" و"ج": "يوجد".

باب: من قاتل للمغنم هل ينقص من أجره؟

فلا يوجد فيهم الاستحقاق، ولم تدع ضرورة إلى العطف؛ لإمكان الاستئناف؟ فيجاب عن هذا: بأن الاستئناف هنا لا يصح؛ لأنه حينئذ يكون خبراً عن كل من جاء بعد الصحابة أنه يستغفر لهم، وقد وقع خلافُ هذا، فما أكثرَ الرافضةَ وغيرَهم من السابِّين غير (¬1) المستغفرين! فلو كان خبراً، لزم الخُلْفُ، وهو باطل، فإذا جعلنا الكلام معطوفاً، أدخلنا الذين جاؤوا من بعدهم في الاستحقاق للغنيمة (¬2)، وجعلنا قوله: {يَقُولُونَ} [جملة حالية كالشرط للاستحقاق؛ كأنه قال: يستحقون في حالة الاستغفار، وبشرطه] (¬3)، ولهذا قال مالك: لا حقَّ (¬4) لمن سبَّ السلفَ في الفيء، فلا يلزم خلفٌ، كذا في "الصبح الصادع (¬5) ". * * * باب: مَنْ قَاتَلَ لِلْمَغْنَمِ هَلْ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ؟ (باب: من قاتل للمغنم هل ينقصُ من أجره؟): استنبط البخاري أن المقاتلة للمغنم لا تنقص الأجرَ على الإطلاق؛ من أنه -عليه السلام- عَلَّلَ الأجرَ وكونهَ في سبيل الله؛ بأن يقاتل لتكونَ كلمةُ الله هي العليا، ولا ينافي فعلَ الشيء لقصدٍ ما تعلَّق قصدٌ آخرُ به، فيكون مفعولاً للقصدين معاً، فمن ¬

_ (¬1) "غير" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "لغنيمة". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬4) "لا حق" ليست في "ج". (¬5) في "ع": "الصادق".

باب: بركة الغازي في ماله حيا وميتا، مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وولاة الأمر

قاتلَ للمغنم، ولتكونَ كلمةُ الله [هي العليا، صَدَقَ عليه أنه قاتلَ لإعلاء كلمة الله] (¬1)، والسبب لا يستلزم الحصر، ولهذا ثبت الحكم الواحد بأسباب عديدة، ولو كان قصدُ (¬2) المغنم ينافي قصدَ أن تكون كلمةُ الله هي العليا، لما جاء الجواب عاماً، ولكان الجواب المطابق أن يقال: من قاتلَ للمغنم، فليس في سبيل الله مطلقاً (¬3). * * * باب: بَرَكَةِ الْغَازِي فِي مَالِهِ حَيّاً وَمَيِّتاً، مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَوُلاَةِ الأَمْرِ (باب: بركة الغازي في ماله حياً وميتاً): هو بالباء الموحدة. قال القاضي: كذا ترجم البخاري، وذكر عقبها تركة [الزبير] ووصيته، وهذه الرواية، وإن ظهرت صحتها، فهي وهم (¬4)؛ لقوله بعد ذلك: حياً وميتاً (¬5). قلت: هذا تعسُّف على البخاري -رحمه الله-، فقضيةُ (¬6) الزبير ظاهرة في بركة الغازي في ماله ميتاً (¬7)، وأما بركةُ ماله حياً، فلم يَسُق فيه ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) في "ج": "فضل". (¬3) "مطلقاً" ليست في "ع". (¬4) "وهم" ليست في "ع". (¬5) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 86). وانظر: "التنقيح" (2/ 691). (¬6) في "ع": "فقصته". (¬7) "ميتاً" ليست في "ع" و"ج".

حديثاً؛ لأن السنَّةَ مشحونةٌ بالبركة التي ينال الغازي في حال حياته، فكم من فقير أغناه الله تعالى ببركة غزوه! وتركة [الزبير] لا تحقق نسبة الوهم إليه، بل ربما تكون قضيةُ الزبير شاهدةً للأمرين معاً. * * * 1701 - (3129) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: قَالَ: قُلْتُ لأَبِي أُسَامَةَ: أَحَدَّثَكُمْ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: لَمَّا وَقَفَ الزُّبَيْرُ يَوْمَ الْجَمَلِ، دَعَانِي فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَقَالَ: يَا بُنَيِّ! إِنَّهُ لاَ يُقْتَلُ الْيَوْمَ إِلاَّ ظَالِمٌ أَوْ مَظْلُومٌ، وَإِنِّي لاَ أُرَانِي إِلاَّ سَأُقْتَلُ الْيَوْمَ مَظْلُوماً، وَإِنَّ مِنْ أَكْبَرِ هَمِّي لَدَيْنِي، أَفَتُرَى يُبْقِي دَيْنُنَا مِنْ مَالِنَا شَيْئاً؟ فَقَالَ: يَا بُنَيِّ! بِعْ مَالَنَا فَاقْضِ دَيْنِي، وَأَوْصَى بِالثُّلُثِ، وَثُلُثِهِ لِبَنِيهِ -يَعْنِي: عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ -يَقُولُ: ثُلُثُ الثُّلُثِ، فَإِنْ فَضَلَ مِنْ مَالِنَا فَضْل بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ شَيْءٌ، فَثُلُثُهُ لِوَلَدِكَ. قَالَ هِشَامٌ: وَكَانَ بَعْضُ وَلَدِ عَبْدِ اللهِ قَدْ وَازَى بَعْضَ بَنِي الزُّبَيْرِ، خُبَيْبٌ، وَعَبَّادٌ، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعَةُ بَنِينَ، وَتِسْعُ بَنَاتٍ. قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَجَعَلَ يُوصِينِي بِدَيْنِهِ، وَيَقُولُ: يَا بُنَيِّ! إِنْ عَجَزْتَ عَنْهُ فِي شَيْءٍ، فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ مَوْلاَيَ. قَالَ: فَوَاللهِ مَا دَرَيْتُ مَا أَرَادَ حَتَّى قُلْتُ: يَا أَبَتِ! مَنْ مَوْلاَكَ؟ قَالَ: اللهُ، قَالَ: فَوَاللهِ! مَا وَقَعْتُ فِي كُرْبَةٍ مِنْ دَيْنِهِ إِلاَّ قُلْتُ: يَا مَوْلَى الزُّبَيْرِ! اقْضِ عَنْهُ دَيْنَهُ، فَيَقْضِيهِ، فَقُتِلَ الزُّبَيْرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَلَمْ يَدَعْ دِينَاراً وَلاَ دِرْهَماً إِلاَّ أَرَضِينَ، مِنْهَا الْغَابَةُ، وَإِحْدَى عَشْرَةَ دَاراً بِالْمَدِينَةِ، وَدَارَيْنِ بِالْبَصْرَةِ، وَدَاراً بِالْكُوفَةِ، وَدَاراً بِمِصْرَ، قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ دَيْنُهُ الَّذِي عَلَيْهِ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَأْتِيهِ بِالْمَالِ، فَيَسْتَوْدِعُهُ إِيَّاهُ، فَيَقُولُ الزُّبَيْرُ:

لاَ، وَلَكِنَّهُ سَلَفٌ، فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ، وَمَا وَلِيَ إِمَارَةً قَطُّ، وَلاَ جِبَايَةَ خَرَاجٍ، وَلاَ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِي غَزْوَةٍ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أَوْ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم-، قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: فَحَسَبْتُ مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ، فَوَجَدْتُهُ أَلْفَيْ أَلْفٍ وَمِئَتَيْ أَلْفٍ، قَالَ: فَلَقِيَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: يَا بْنَ أَخِي! كَمْ عَلَى أَخِي مِنَ الدَّيْنِ؟ فَكَتَمَهُ، فَقَالَ: مِئَةُ أَلْفٍ، فَقَالَ حَكِيمٌ: وَاللهِ! مَا أُرَى أَمْوَالَكُمْ تَسَعُ لِهَذِهِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ: أَفَرَأَيْتَكَ إِنْ كَانَتْ أَلْفَيْ أَلْفٍ وَمِئَتَيْ أَلْفٍ؟ قَالَ: مَا أُرَاكُمْ تُطِيقُونَ هَذَا، فَإِنْ عَجَزْتُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، فَاسْتَعِينُوا بِي، قَالَ: وَكَانَ الزُّبَيْرُ اشْتَرَى الْغَابَةَ بِسَبْعِينَ وَمِئَةِ أَلْفٍ، فَبَاعَهَا عَبْدُ اللهِ بِأَلْفِ أَلْفٍ وَسِتِّ مِئَةِ أَلْفٍ، ثُمَّ قَامَ فَقَالَ: مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ حَقٌّ، فَلْيُوَافِنَا بِالْغَابَةِ، فَأَتَاهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَكَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ أَرْبَعُ مِئَةِ أَلْفٍ، فَقَالَ لِعَبْدِ اللهِ: إِنْ شِئْتُمْ تَرَكْتُهَا لَكُمْ، قَالَ عَبْدُ اللهِ: لاَ، قَالَ: فَإِنْ شِئْتُمْ جَعَلْتُمُوهَا فِيمَا تُؤَخِّرُونَ إِنْ أَخَّرْتُمْ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: لاَ، قَالَ: قَالَ: فَاقْطَعُوا لِي قِطْعَةً، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: لَكَ مِنْ هَاهُنَا إِلَى هَاهُنَا، قَالَ: فَبَاعَ مِنْهَا، فَقَضَى دَيْنَهُ فَأَوْفَاهُ، وَبقِيَ مِنْهَا أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَنصْفٌ، فَقَدِمَ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَعِنْدَهُ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَابْنُ زَمْعَةَ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: كَمْ قُوِّمَتِ الْغَابَةُ؟ قَالَ: كُلُّ سَهْمٍ مِئَةَ أَلْفٍ، قَالَ: كَمْ بَقِيَ، قَالَ: أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَنِصْفٌ، قَالَ الْمُنْذِرُ بْنُ الزُّبَيْرِ: قَدْ أَخَذْتُ سَهْماً بِمِئَةِ أَلْفٍ، قَالَ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ: قَدْ أَخَذْتُ سَهْماً بِمِئَةِ أَلْفٍ، وَقَالَ ابْنُ زَمْعَةَ: قَدْ أَخَذْتُ سَهْماً بِمِئَةِ أَلْفٍ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: كَمْ بَقِيَ؟ فَقَالَ: سَهْمٌ وَنِصْفٌ، قَالَ: أَخَذْتُهُ بِخَمْسِينَ وَمِئَةِ أَلْفٍ،

قَالَ: وَبَاعَ عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ نَصِيبَهُ مِنْ مُعَاوِيَةَ بِسِتِّ مِئَةِ أَلْفٍ، فَلَمَّا فَرَغَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ، قَالَ بَنُو الزُّبَيْرِ: اقْسِمْ بَيْنَنَا مِيرَاثَنَا، قَالَ: لاَ وَاللهِ! لاَ أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ حَتَّى أُناَدِيَ بِالْمَوْسِم أَرْبَعَ سِنِينَ، أَلاَ مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ دَيْنٌ، فَلْيَأْتِنَا فَلْنَقْضِهِ، قَالَ: فَجَعَلَ كَلَّ سَنَةٍ يُنَادِي بِالْمَوْسِمِ، فَلَمَّا مَضَى أَرْبَعُ سِنِينَ، قَسَمَ بَيْنَهُمْ، قَالَ: فَكَانَ لِلزُّبَيْرِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ، وَرَفَعَ الثُّلُثَ، فَأصَابَ كُلَّ امْرَأَةٍ أَلْفُ أَلْفٍ وَمِئَتَا أَلْفٍ، فَجَمِيعُ مَالِهِ خَمْسُونَ أَلْفَ أَلْفٍ، وَمِئَتَا أَلْفٍ. (لما وقف الزبير يوم الجمل (¬1)): وكان ذلك في سنة ست وثلاثين بعد مقتل عثمان -رضي الله عنه- بسنة، ويريد بالجمل المذكور (¬2): الجملَ الذي ركبته عائشة، وكان يسمى: عسكراً، كان لعليِّ بنِ منبهٍ أعطاها إياه، وكان اشتراه بمئتي دينار. (لا يقتل اليوم إلا ظالم أو مظلوم): أي: إما متأوِّلٌ (¬3) أراد بفعله وجهَ الله -عز وجل-، وإما رجلٌ من غير الصحابة أرادَ الدنيا، وقاتلَ عليها، فهو الظالم. (وإني لا أُراني): -بضم الهمزة-؛ أي: لا أظنني. (إلا سأُقتل اليوم مظلوماً): إنما قال ذلك لأ [نه] سمع قولَ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بَشِّرْ قَاتِلَ ابْنِ صَفِيَّهَ بَالنَّارِ" (¬4)، وقتله ابنُ جرموز في غيرِ قتالٍ ¬

_ (¬1) في "ع": "الجمع". (¬2) "المذكور" ليست في "ج". (¬3) في "ع": "متناول". (¬4) رواه الإمام أحمد في "مسنده" (1/ 89)، والطبراني في "المعجم الكبير" (243)، والحاكم في "المستدرك" (5580)، عن علي رضي الله عنه.

ولا معركة (¬1). (أفتُرى): بضم المثناة الفوقية. (دَيْنُنا يُبْقي من مالنا شيئاً؟): قاله استكثاراً لما عليه، وإشفاقاً من دَيْنه. وفيه الوصيةُ عند الحرب؛ لأنها سبب؛ كركوب البحر. (بالثلث من ثلثه لبنيه): أي: أوصى بثلثِ الثلثِ لبني ولدِه (¬2) عبدِ الله، فالضميرُ من "بنيه" عائد على عبد الله. (فإن فضل بعد قضاء الدين شيء، فثلثُه لولدك): في ظاهر الكلام إشكال؛ إذ مقتضاه: أن الفاضلَ بعدَ قضاء الدين يُصرف ثلثُه لبني عبد الله؛ وهو إنما أوصى لهم بثلث الثلث -كما تقدم صريحاً-، ويُحمل الكلام على أن المراد: فإن فضلَ بعدَ الدين شيء يُصرف لجهة الوصية التي أوصيتها، فثلثه لولدك. وقد حمل بعضُ الناس (¬3) الإشكالَ السابق على أن قال: ليس "ثلثُه" من قوله: "فثلثُه لولدك" اسماً، وإنما هو فعلُ أمرٍ، بفتح المثلثة وكسر اللام المشددة (¬4)؛ ليكون التثليث (¬5) وُصْلَةً إلى إيصال ثلثِ الثلث إلى أبناء عبد الله؛ وفيه بحث (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 691). (¬2) "ولده" ليست في "ج". (¬3) "الناس" ليست في "ع" و"ج". (¬4) يعني: "ثَلِّثْهُ". (¬5) في "ع" و"ج": "الثلث". (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 691).

(وكان بعض ولد عبد الله قد وازى): بالزاي. (بعض بني الزبير): يجوز أن يكون وازاهم في السن، ويجوز في أنصبائهم من الوصية فيما حصل له من ميراث أبيهم الزبير. قيل: و (¬1) هذا أولى، وإلا لم يكن لذكر كثرة أولاد الزبير معنى. (خُبيب): بخاء معجمة مضمومة، مصغَّر. (إلا أرَضين (¬2)): بفتح الراء. (منها الغابة): بغين معجمة وباء موحدة. (فيقول: لا، ولكنه سَلَفٌ): إنما كان يفعل ذلك مع من يريد أن يستودعه مالاً خشيةَ أن يضيع المال، فيظن به السوء؛ أي: إن هذا أبقى لمروءته، وأرفقُ لأصحاب الأموال؛ لأنه كان صاحبَ ذمة وافرة، وعقاراتٍ كثيرة، فرأى جعلَ أموال الناس مضمونةً عليه. (بحسَب ما عليه): بفتح السين المهملة وبباء موحدة. (ما أُرى أموالكم): -بضم الهمزة- من "أُرى" (¬3)؛ أي: ما أظنُّ أموالكم. (أفرأيتَكَ): -بفتح التاء- بمعنى: أخبرني. (وكان للزبير أربعُ نسوة، ورفع الثلث، فأصابَ كلَّ امرأة (¬4) ألفُ ¬

_ (¬1) الواو ليست في "ع". (¬2) في "ع": "الأرضين". (¬3) في "ع": "رأى". (¬4) "كل امرأة" ليست في "ع".

ألفٍ ومئتا ألف (¬1)، فجميع ماله خمسون ألفَ ألفٍ، ومئتا ألفٍ): قال ابن بطال، والقاضي، وغيرهما: هذا غلط في الحساب، والصواب: فجميع ماله المحتوي على الوصية والميراث المذكورين بعد أداء الدين سبعة وخمسون ألف ألف، وست مئة ألف (¬2). قال القاضي: وهذا إذا لم نحسب دينه أول الحديث أنه كان ألفي ألف ومئتي ألف، [فجميع ماله المذكور على هذا المقسوم للدين والوصية والتركة: تسعة وخمسون ألف ألف] (¬3) وست مئة. وذكر أن محمد بن سعد (¬4) كاتبَ الواقدي صرح في "تاريخه": بأنه أصاب كلَّ امرأة ألفُ ألفٍ ومئةُ ألف. فصحَّ على هذا قول البخاري: فجميع المال خمسون ألف ألف، لكن يبقى الوهم في قوله: مئتا ألف، وصوابه: مئة ألف. وأجاب الحافظ شرفُ الدين الدمياطي: بأن قول البخاري محمولٌ على أن جملة المال كانت في حين الموت ذلك القدر دون الزائد في أربع سنين إلى حين القسمة (¬5). * * * ¬

_ (¬1) "ومئتا ألف" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "ألف ألف". (¬3) ما بين معكوفتين ليس "ع". (¬4) في "ع": "سعيد". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 692).

باب: إذا بعث الإمام رسولا في حاجة، أوأمره بالمقام، هل يسهم له

باب: إِذَا بَعَثَ الإِمامُ رسُولاً في حَاجَةٍ، أوأَمَرهُ بالمُقَامِ، هَلْ يُسْهِمُ لَهُ 1702 - (3130) - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ ابْنُ مَوْهَبٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: إنَّمَا تَغَيَّبَ عُثْمَانُ عَنْ بَدْرٍ، فَإِنَّهُ كَانَتْ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَتْ مَرِيضَةً، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْراً وَسَهْمَهُ". (عثمان (¬1) بن مَوهَب): بفتح الميم (¬2) والهاء. (إن لك (¬3) أجرَ رجل ممن شهد بدراً وسهمَه): يحتج به الحنفية على أن من بعثه الإمام في حاجة يُسْهَم لَهُ (¬4). ومالك والشافعي وجماعة يقولون: لا يُسهم إلا لمن شهد القتال، ويعتذرون عن المذكور هنا بأنه خاصٌّ بعثمان، ويدل عليه قولُه -عليه الصلاة والسلام-: "إِنَّ لكَ (¬5) أجرَ رجلٍ ممن شهد بدراً وسهمَه"، وهذا لا سبيل إلى أن يعلمه غيرُ النبي - صلى الله عليه وسلم -. * * * ¬

_ (¬1) "عثمان" ليست في "ع". (¬2) في "ج": "بفتح الواو". (¬3) في "ع": "ذلك". (¬4) "له" ليست في "م". (¬5) في "ع": "ذلك".

باب: ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين

باب: وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ 1703 - (3133) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا أَيُوبُ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ عَاصِمٍ الْكُلَيْبِيُّ -وَأَناَ لِحَدِيثِ الْقَاسِمِ أَحْفَظُ-، عَنْ زَهْدَمٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى، فَأُتِيَ -ذَكَرَ دَجَاجَةً- وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللهِ أَحْمَرُ كَأَنَّهُ مِنَ الْمَوَالِي، فَدَعَاهُ لِلطَّعَامِ، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ شَيْئاً فَقَذِرْتُهُ، فَحَلَفْتُ لاَ آكُلُ، فَقَالَ: هَلُمَّ فَلأُحَدِّثْكُمْ عَنْ ذَاكَ، إِنِّي أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي نَفَرٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ نَسْتَحْمِلُهُ، فَقَالَ: "وَاللهِ! لاَ أَحْمِلُكُمْ، وَمَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ". وَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِنَهْبِ إِبِلٍ، فَسَأَلَ عَنَّا، فَقَالَ: "أَيْنَ النَّفَرُ الأَشْعَرِيُّونَ؟ "، فَأَمَرَ لَنَا بِخَمْسِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَا، فَلَمَّا انْطَلَقْنَا، قُلْنَا: مَا صَنَعْنَا؟ لاَ يُبَارَكُ لَنَا، فَرَجَعْنَا إِلَيْهِ، فَقُلْنَا: إِنَّا سَأَلْنَاكَ أَنْ تَحْمِلَنَا، فَحَلَفْتَ أَنْ لاَ تَحْمِلَنَا، أَفَنَسِيتَ؟ قَالَ: "لَسْتُ أَناَ حَمَلْتُكُمْ، وَلَكِنَّ اللهَ حَمَلَكُمْ، وَإِنِّي وَاللهِ -إِنْ شَاءَ اللهُ- لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْراً مِنْهَا، إِلاَّ أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَتَحَلَّلْتُهَا". (باب: ومن الدليل على أن الخمسَ لنوائب المسلمين. . . إلى آخره): (قال: وحدثني القاسم بنُ عاصم الكُلَيْبيُّ): -بضم الكاف- نسبةً إلى (¬1) كليب (¬2) بن يربوعِ بنِ حنظلة، والضمير المستتر في "قال" عائد على أيوب. ¬

_ (¬1) "إلى" ليست في "ج". (¬2) في "ع" و"ج": "الخطيب".

(زَهدَم): بزاي ودال مهملة، على وزن جعفر. (فأُتي -ذَكرَ دَجاجة-): ضبطه بفتح الدال، والدجاج مثلث الدال. (غُرِّ الذُّرَا): أي: بِيضِ الأسنمة من سِمنهنَّ وكثرةِ شحومهنَّ، والذُّرا: جمعُ ذُروة، وذروةُ كلِّ شيء: أعلاه. (لست أنا (¬1) حملتُكم، ولكنَّ الله حملَكم): يحتمل أن يريد إزالة المنة عليهم بإضافة النعمة إلى الله، ولو لم يكن له في ذلك صنعٌ، لم يحسُنْ هنا إيرادُ قوله: "وإني -واللهِ إن شاء الله- لا أحلفُ على يمينٍ، فأرى غيرَها خيراً منها، إلا أَتيتُ الذي هو خيرٌ، وتحللتها". ويحتمل أن يكون أُنْسِيَها (¬2). ويحتمل أن اليمين (¬3) كانت إلا أن يَرِدَ عليه (¬4) ما يحملُهم، فيحملهم (¬5). * * * 1704 - (3134) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ سَرِيَّةً فِيهَا عَبْدُ اللهِ قِبَلَ نَجْدٍ، فَغَنِمُوا إِبِلاً كَثِيراً، فَكَانَتْ سِهَامُهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيراً، أَوْ أَحَدَ عَشَرَ بَعِيراً، وَنُفِّلُوا بَعِيراً بَعِيراً. ¬

_ (¬1) "أنا" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "أنيسها". (¬3) في "ج": "أن يكون اليمين". (¬4) في "ج": "كانت في الإيراد عليه". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 693).

(فغنموا إبلاً كثيرة (¬1)، فكانت سهمانهم اثني عشرَ بعيراً، أو أحدَ عشرَ بعيراً، ونُفِّلوا بعيراً بعيراً): السُّهمان -بضم السين-: جمعُ سهم -بفتحها (¬2) -، وهو النصيب، والإتيان بحرف الشك يحتمل أنه لأجل أنه شك في السهمان كانت اثني (¬3) عشر بعيراً، [أو أحد عشر بعيراً، ويحتمل أن يكون؛ لأنه شك هل كانت اثني عشر] (¬4)، ونفلوا بعيراً بعيراً زائداً، أو كانت أحد عشر، ونُفل (¬5) كلٌّ منهم بعيراً، فيكون مجموعُ ما حصل من سهم ونافلة اثني عشر. وبيّن البخاري من غير حديث مالك: أنهم بلغت سهامهم (¬6) اثني عشر بعيراً، فيكون الحاصل لكل منهم بالنافلة ثلاثةَ عشرَ. قال ابن بطال: غرضُ البخاري من هذا الباب: أن يبين أن إعطاء النبي - صلى الله عليه وسلم - في نوائب المسلمين إنما كان من الفيء والخمسِ اللذين أمرهما مردود إليه، وأن يرد على الشافعي في قوله: إن الخمس مقسومٌ على خمسة أسهم، وحاول الاحتجاج على ذلك بأنه -عليه السلام- حين تحللَ المسلمين من سَبْي هوازن، ووعدَهم بالتعويض من (¬7) أول ما يفيء الله عليه، إنما أشار إلى الخمس؛ إذ من المعلوم أن أربعة أخماس للغانمين، ¬

_ (¬1) كذا في رواية الأصيلي، وفي اليونينية: "كثيراً"، وهي المعتمدة في النص. (¬2) في "ج": "وبفتحها". (¬3) في "م": "اثنا". (¬4) مابين معكوفتين ليس في "ج". (¬5) في "ع": "ونقل". (¬6) في "ع": "سهمانهم". (¬7) "من" ليست في "ع" و"ج".

فبان أن الخمس لو كان مقسوماً على خمسة، لم يفِ خُمْسُه بما وعد به. وقد ذكر أهل السير: أن هوازن لما أتت لقتال النبي - صلى الله عليه وسلم -، أتوا بالإبل والشاءِ (¬1) والنساءِ والذريةِ وجميعِ أموالهم، أفترى خمسَ الخمسِ يفي بالعوض من ذلك؟ (¬2) قال ابن المنير: هذا تحجير لواسع، والمستقبلُ غيبٌ، ولا يمتنع (¬3) أن يفتح الله عليه بأضعاف ما وعد به {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ} [الإسراء: 100]. ثم إن الأكثرين طابت نفوسُهم بغير عِوَض على ما صحَّ في السير؛ إنما الذي لا حيلة للمخالف فيه قوله: فكانت للمختلف فيه: "فكانت سهماننا (¬4) اثني عشر بعيراً، ونفلنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بعيراً بعيراً" (¬5)، فهذا لا يقتضي الحال فيه في غنيمة هذه السرية أن يفي (¬6) خمسُ الخمسِ بما يعود عليهم ببعير بعير أبداً، وانضبط الحساب هنا؛ لأنا علمنا نصيبَ كلِّ واحدٍ من أربعة الأخماس، وهو اثنا عشر، ومتى كان ذلك كذلك، استحال أن يفي خمسُ الخمس بجميع العدد ببعير بعير، ويفرض عدد السرية مئة نفر نابهم (¬7) في أربعة الأخماس ألف ومئتان، فيكون الخمسُ من الأصل ¬

_ (¬1) "والشاء" ليست في "ع" و"ج". (¬2) انظر: "شرح ابن بطال" (5/ 297). (¬3) في "ع": "يمنع". (¬4) في "ع": "سهمانها". (¬5) رواه البخاري (4338). (¬6) في "ع": "بقي". (¬7) في "ع": "بأنهم".

ثلاثَ مئة، خُمُسها ستون (¬1)؛ وستون لا يفي بمئة واحداً واحداً، وهكذا كيف (¬2) ما فرضتَ العددَ، قليلاً أو كثيراً (¬3)، حتى زعم بعضُهم؛ ليتخلص من هذا الإلزام: أن جملة السهمان اثني عشر، قيل له: فيكون خمس هذه الغنيمة إذن ثلاثة أبعرة، وقد قال: "نفلنا بعيراً بعيراً"، فيكون عددُ السرية كلِّها ثلاثةَ رجال، وهذه مكابرة ومعاندة؛ لقوله: "فغنمنا إبلاً كثيرة"، ولا يقال هذا في خمسةَ عشرَ. على أن منذرَ بن سعيدٍ نقل عن مالك: أن النفل من خمس الخمس ليس إلا، وهو نقل شاذ لا يعرفه أصحاب (¬4) مالك. * * * 1705 - (3136) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ، فَخَرَجْنَا مُهَاجِرِينَ إِلَيْهِ، أَناَ وَأَخَوَانِ لِي، أَناَ أَصْغَرُهُمْ، أَحَدُهُمَا أَبُو بُرْدَةَ، وَالآخَرُ أَبُو رُهْمٍ، إِمَّا قَالَ: فِي بِضْعٍ، وَإمَّا قَالَ: فِي ثَلاَثَةٍ وَخَمْسِينَ، أَوِ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ رَجُلاً مِنْ قَوْمِي، فَرَكِبْنَا سَفِينَةً، فَأَلْقَتْنَا سَفِينَتُنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ بِالْحَبَشَةِ، وَوَافَقْنَا جَعْفَرَ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأَصْحَابَهُ عِنْدَهُ، فَقَالَ جَعْفَرٌ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَنَا هَاهُنَا، ¬

_ (¬1) "ستون" ليست في "ج". (¬2) "كيف" ليست في "ج". (¬3) في "ج": "العدد كثيراً أو قليلاً". (¬4) في "ع": "إلا أصحاب".

وَأَمَرَنَا بِالإِقَامَةِ، فَأَقِيمُوا مَعَنا، فَأَقَمْنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا جَمِيعاً، فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ، فَأَسْهَمَ لَنَا، أَوْ قَالَ: فَأَعْطَانَا مِنْهَا، وَمَا قَسَمَ لأَحَدٍ غَابَ عَنْ فَتْحِ خَيْبَرَ مِنْهَا شَيْئاً، إِلاَّ لِمَنْ شَهِدَ مَعَهُ، إِلاَّ أَصحَابَ سَفِينَيِنَا مَعَ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ، قَسَمَ لَهُمْ مَعَهُمْ. (يُريد بن عبد الله): بموحدة مضمومة. (أبو رُهْم): بضم الراء وإسكان الهاء. (وما قسم لأحد غابَ عن فتح خيبرَ منها شيئاً، إلا لمن شهدَ معه، إلا أصحابَ سفينتنا): الاستثناء الأول منقطع، والثاني متصل، والإخراج فيه من الجملة الأولى. وهذا الحديث ظاهرُه عدمُ المطابقة للترجمة؛ فإن الظاهر كونُه -عليه السلام- قسم لأصحاب السفينة مع (¬1) أصحاب الغنيمة من الغانمين، وإن كانوا غائبين؛ تخصيصاً لهم، لا من الخمس؛ إذ (¬2) لو كان منه، لم (¬3) تظهر الخصوصية، والحديث ناطق بها (¬4). ووجه الاستدلال: أنه إذا جاز أن يجتهد الإمام في أربعة أخماس الغانمين، فلأن (¬5) يجوز اجتهادُه في الخُمْس الذي لا يستحقُّه مُعَيَّنٌ بطريق ¬

_ (¬1) في "م": "من". (¬2) في "ج": "لا إذ". (¬3) "لم" ليست في "ع". (¬4) انظر: "المتواري" (ص: 195). (¬5) في "ج": "فلا".

الأولى، وقولنا: لا يستحقُّه معينٌ؛ أي: وإن استحقه أنواعٌ وأصنافٌ على مذهب المخالف، إلا أنه لا يخالف في أنه لا يستحقُّه أشخاص، وما يستحقُّه الأشخاصُ أبعدُ أن يتصرف فيه بالاجتهاد مما يستحقه الأنواع، كذا في "الصبح الصادع". * * * 1706 - (3137) - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، سَمِعَ جَابِراً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ قَدْ جَاءَنِي مَالُ الْبَحْرَيْنِ، لَقَدْ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا". فَلَمْ يَجِئْ حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ، أَمَرَ أَبُو بَكْرٍ مُنَادِياً فَنَادَى: مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دَيْنٌ أَوْ عِدَةٌ، فَلْيَأْتِنَا، فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِي كَذَا وَكَذَا، فَحَثَا لِي ثَلاَثاً وَجَعَلَ سُفْيَانُ يَحْثُو بِكَفَّيْهِ جَمِيعاً، ثُمَّ قَالَ لَنَا: هَكَذَا قَالَ لَنَا ابْنُ الْمُنْكَدِرِ. وَقَالَ مَرَّةً: فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ، فَسَأَلْتُ فَلَمْ يُعْطِنِي، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَلَمْ يُعْطِنِي، ثُمَّ أَتَيْتُهُ الثَّالِثَةَ، فَقُلْتُ: سَأَلْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي، ثُمَّ سَأَلْتُكَ فَلَمْ تُعْطِتِي، ثُمَّ سَأَلْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي، فَإِمَّا أَنْ تُعْطِينَي، وَإِمَّا أَنْ تَبْخَلَ عَنِّي، قَالَ: قُلْتَ: تَبْخَلُ عَلَيَّ؟ مَا مَنَعْتُكَ مِنْ مَرَّةٍ إِلاَّ وَأَناَ أُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَكَ. قَالَ سُفْيَانُ: وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ جَابِرٍ: فَحَثَا لِي حَثْيَهً وَقَالَ: عُدَّهَا، فَوَجَدْتُهَا خَمْسَ مِئَةٍ، قَالَ: فَخُذْ مِثْلَهَا مَرَّتَيْنِ. وَقَالَ -يَعْنِي: ابْنَ الْمُنْكَدِرِ-: وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَأُ مِنَ الْبُخْلِ؟!

(لو قد (¬1) جاءني مالُ البحرين، قد أعطيتك، فحثى لي حثية): قال الزركشي: هذا يقتضي أن ما يؤخذ باليدين يسمى حثية، والمعروف في اللغة: أن الحثية: ما على الكف الواحدة، وأن الحفية: ما يحفى باليدين، قاله الداودي (¬2). قلت: إنما قال: إن هذا يقتضي أن ما يؤخذ باليدين يسمى حثية؛ وإن لم يكن في هذا المحل ذكر اليدين؛ لأنه قد تقدم أنه قال: (فحثا لي ثلاثاً، وجعل سفيان يحثو بكفيه جميعاً، ثم قال لنا: هذا هكذا): فهذا وجه الأخذ؛ إذ القضيةُ واحدة. وقد ذكر الهروي: أن الحثية والحفية (¬3) بمعنى، وادعى بعضهم أن صوابه: حثوة، وليس بشيء؛ إذ يقال: حَثَى يحثو ويحثي (¬4). (وأَيُّ داء أدوأُ من البخل): أي: أقبحُ. قال القاضي: هذا يرويه المحدثون غير مهموز، والصواب: أدوأ -بالهمزة-؛ لأنه من الداء، والفعل منه: داءَ يَداءُ؛ مثل: نام ينام، فهو داءٌ، وغيرُ المهموز من دَوِيَ الرجلُ: إذا كان به مرضٌ باطنٌ في جوفه؛ مثل: سَمِعَ، فهو دَوٍ (¬5). * * * ¬

_ (¬1) "قد" ليست في "ع". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 694). (¬3) في "ع": "والخفية". (¬4) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬5) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 264).

1757 - (3138) - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْسِمُ غَنِيمَةً بِالْجعْرَانَةِ، إِذْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: اعْدِلْ، فَقَالَ لَهُ: "شَقِيتَ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ". (إذ قال له رجل: اعدلْ): الرجلُ هو ذو الخُوَيْصِرة التميميُّ، وقيل: [عبدُ الله بنُ ذي الخويصرة، وقيل] (¬1): حُرْقوصُ بنُ زهير؛ رأسُ الخوارج (¬2). (لقد شقيتَ إن لم أعدلْ): يروى بفتح التاء وضمها، فمعنى الضم ظاهر، وتقرير (¬3) الفتح: شقيتَ أنتَ التابعُ إذا كنتُ لا أعدل؛ لكونك تابعاً ومقتدياً بمن لا يعدلُ. وفيه تأويل آخر: أي: شقيتَ أنت إن اعتقدتَ ما قلتَ؛ لأن هذا القولَ لا يصدر عن إيمان، لكن لا (¬4) يلائمه حينئذٍ: "إن لم أعدلْ"، اللهم إلا أن يقدر له جوابٌ محذوف. قال النووي: والفتح أشهر (¬5). ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 694). (¬3) في "ع": "وتقدير". (¬4) في "ج": "لكن من لا". (¬5) انظر: "شرح مسلم" (7/ 159). وانظر: "التنقيح" (2/ 694).

باب: ما من النبي - صلى الله عليه وسلم - على الأسارى من غير أن يخمس

باب: مَا مَنَّ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الأُسَارَى مِنْ غَيرِ أَنْ يُخَمَّسَ 1708 - (3139) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَناَ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ: "لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيّاً، ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلاَءِ النَّتْنَى، لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ". (لو كان المطعِمُ بنُ عديٍّ حَيّاً، ثم كلَّمني في هؤلاء النَّتْنَى (¬1)، لتركتُهم له (¬2)): فيه دليل على جواز (¬3) المنِّ على الأسارى وإطلاقِهم. وقال أصحاب الشافعي: لو (¬4) تركَ السبيَ للمُطْعِم، كان يستطيبُ أنفسَ (¬5) أصحابه (¬6) الغانمين؛ كما فعل في سَبْي هوازن. قال ابن المنير: وهذا تأويلٌ ضعيف؛ لأن الاستطابةَ عقدٌ من العقود الاختيارية يحتمل أن يذعنَ صاحبُها، وأن لا يذعن، هذا حقيقة الاختيار، فكيف يبتُّ الرسول -عليه الصلاة والسلام- القولَ بأنه يُعطيه إياهم، والأمرُ موقوفٌ على اختيار من يحتمل أن لا يختار، والبتُّ في موضع الشك لا يليق بمنصب النبوة؟ ¬

_ (¬1) "النتنى" ليست في "ع". (¬2) "له" ليست في "ع". (¬3) في "ج": "على أن جواز". (¬4) "لو" ليست في "ج". (¬5) في "ع": "نفس". (¬6) في "ج": "الصحابة".

باب: ومن الدليل على أن الخمس للإمام

والفرقُ بين هذا وبين سبي هوازن: أنه -عليه السلام- لم يعط هوازنَ ابتداء، بل وقفَ أمرَهم، ووعدَهم أن يكلم المسلمين، ويستطيبَ نفوسَهم، [ويعرض عليهم ذلك، وهذا ليس خبراً أن نفوسهم] (¬1) تطيب ولا بدَّ، ولا أنهم (¬2) يعطيهم السبيَ ولا بدَّ؛ بخلاف حديث المطعم؛ فإنه جزم بأنه (¬3) لو كان حياً، وكلمه في السبي، لأعطاه إياهم. والنتنى: جمعُ نَتِن؛ كَزمِنٍ وزَمْنَى، قاله الخطابي (¬4). وقال غيره: جمعُ (¬5) نَتينٍ؛ كجَريحٍ وجَرْحى. وقيل: صوابُه السَّبْي بسين مهملة وباء موحدة (¬6). * * * باب: وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الخُمُسَ للإْمَامِ 1709 - (3140) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: مَشَيْتُ أَناَ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! أَعْطَيْتَ بَنِي الْمُطَّلِبِ وَتَرَكْتَنَا، وَنَحْنُ وَهُمْ مِنْكَ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ؟ فَقَالَ ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬2) في "ج": "ولا أن". (¬3) "بأنه" ليست في "ج". (¬4) انظر: "أعلام الحديث" (2/ 1455). (¬5) "جمع" ليست في "ج". (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 695).

باب: من لم يخمس الأسلاب

رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا بَنُو الْمُطَّلِبِ وَبَنُو هَاشِمٍ شَيْءٌ وَاحِدٌ". قَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، وَزَادَ: قَالَ جُبَيْرٌ: وَلَمْ يَقْسِمِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، وَلاَ لِبَنِي نَوْفَلٍ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: عَبْدُ شَمْسٍ وَهَاشِمٌ وَالْمُطَّلِبُ إِخْوَةٌ لأُمٍّ، وَأُمُّهُمْ عَاتِكَةُ بِنْتُ مُرَّةَ، وَكَانَ نَوْفَلٌ أَخَاهُمْ لأَبِيهِمْ. (إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد): -بالشين المعجمة-؛ أي: حكمهما (¬1) واحد، وكان يحيى بن معين يرويه بسين مهملة مكسورة فمثناة تحتية مشددة-، قال (¬2) الخطابي: وهو أجودُ (¬3). قلت: لم يبين وجهَ الأجودية، والظاهرُ أنهما بمنزلة واحدة. * * * باب: مَنْ لَمْ يُخَمِّسِ الأَسْلاَبَ 1710 - (3141) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ الْمَاجِشُونِ، عَنْ صَاِلحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: بَيْنَا أَناَ وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ، فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَشِمَالِي، فَإِذَا أَناَ بِغُلاَمَيْنِ مِنَ الأَنْصَارِ، حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا، تَمَنَّيْتُ أَنْ أُكَونَ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا، فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا فَقَالَ: يَا عَمِّ! هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، مَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا بْنَ أَخِي؟ قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَالَّذِي نَفْسِي ¬

_ (¬1) في "م": "حكمها". (¬2) في "م": "قاله". (¬3) انظر: "إصلاح غلط المحدثين" (ص: 41). وانظر: "التنقيح" (2/ 695).

بِيَدِهِ! لَئِنْ رَأَيْتُهُ، لاَ يُفَارِقْ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الأَعْجَلُ مِنَّا، فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ، فَغَمَزَنِي الآخَرُ، فَقَالَ لِي مِثْلَهَا، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ فِي النَّاسِ، قُلْتُ: أَلاَ إِنَّ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي سَأَلْتُمَانِي، فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا، فَضَرَبَاهُ حَتَّى قَتَلاَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللهُ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرَاهُ، فَقَالَ: "أَيُّكُمَا قَتَلَهُ؟ "، قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَناَ قَتَلْتُهُ، فَقَالَ: "هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟ "، قَالاَ: لاَ، فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ، فَقَالَ: "كِلاَكُمَا قَتَلَهُ، سَلَبُهُ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ". وَكَاناَ: مُعَاذَ بْنَ عَفْرَاءَ، وَمُعَاذَ ابْنَ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ. (تمنيتُ أن أكونَ بين أضلَع منهما): -بضاد معجمة وعين مهملة-؛ أي: أقوى، والضلاعة: القوة، يريد: أن الكهلَ أصبرُ في الحروب. وروي: "أصلح"، بصاد وحاء مهملتين (¬1). (لا يفارق سَوادي سَواده): -بفتح السين المهملة-؛ أي: لا يفارق شخصي شخصه. (حتى يموتَ الأعجلُ منا): أي: الأقربُ أجلاً. فإن قلت: [فيه الجمع بين الألف واللام الداخلة على اسم التفضيل وبين من التفضيلية؟ قلت] (¬2): ليست "من" هي الجارَّةَ للمفضَّل عليه، فلا يتعلق باسم التفضيل، وإنما الجارُّ والمجرورُ ظرفٌ مستقرٌّ في موضع نصب على الحال من الأعجل. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 695). (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ج".

(قال: كلاكما قتله، سلبُه لمعاذِ بنِ عَمْرِو (¬1) بنِ الجموح): قيل: إنما نَفَّلَه أحدَهما بعدَ قوله: "كلاكما (¬2) قتله" تطييباً لقلوبهما؛ لأن الواقع أن معاذاً أثخنه. وقيل: لأنه رأى ذلك لحاجته، لكن في غير هذه الرواية: "فنفَّلَهما سَلَبَهُ" (¬3). * * * 1711 - (3143) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيى ابْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ أَفْلَحَ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ حُنَيْنٍ، فَلَمَّا الْتَقَينَا، كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ، فَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَلاَ رَجُلاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَدَرْتُ حَتَّى أَتَيْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ حَتَّى ضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ، فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ، ثُمَّ أَدْركَهُ الْمَوْتُ فَأَرْسَلَنِي، فَلَحِقْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَقُلْتُ: مَا بَالُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَمْرُ اللهِ، ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ رَجَعُوا، وَجَلَسَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، فَلَهُ سَلَبُهُ" فَقُمْتُ فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ ثُمَّ جَلَسْتُ، ثُمَّ قَالَ: "مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، فَلَهُ سَلَبُهُ". فَقُمْتُ، فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ ثُمَّ جَلَسْتُ، ثُمَّ قَالَ الثَّالِثَةَ مِثْلَهُ، فَقَالَ رَجُلٌ: صَدَقَ يَا رسُولَ اللهِ، وَسَلَبُهُ ¬

_ (¬1) في "م": "عمر". (¬2) في "ج": "كلا". (¬3) المرجع السابق، (2/ 696).

عِنْدِي، فَأَرْضِهِ عَنِّي، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: لاَهَا اللهِ، إِذاً يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللهِ، يُقَاتِلُ عَنِ اللهِ وَرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، يُعْطِيكَ سَلَبَهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "صَدَقَ". فَأَعْطَاهُ، فَبِعْتُ الدِّرْعَ، فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرِفاً فِي بَنِي سَلِمَةَ، فَإِنَّهُ لأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الإِسْلاَمِ. (عن ابنِ أفلحَ): هو عَمْرُو بنُ كثيرٍ أخي محمدِ بنِ عبدِ الرحمنِ، وأبواهما (¬1) ولدا (¬2) أفلحَ مولى أبي أيوب. (فاستدرت (¬3)): من الاستدارة (¬4)، ويروى: "فاستَدْبَرْتُ"؛ من الاستدبار (¬5). (لاها اللهِ إذاً لا (¬6) يعمد إلى أسد من أُسْدِ الله يقاتل عن الله ورسوله يعطيك سلبه): قال ابن الحاجب: حمل بعضُ النحويين إدخالَ "إذن" في هذا المحل على الغلط من الرواة؛ لأن العرب لا تستعمل "هَا اللهِ" إلا مع "ذا"؛ وإن سلم استعمالُه بدون "ذا"، فليس هذا موضعَ إذن؛ لأنه للجزاء، وهو هنا على نقيضه، و (¬7) معرفة هذا يتوقف على أن يُعلم أن مدخول "إذن" ¬

_ (¬1) في "ج": "وأبوهما". (¬2) في "ج": "ولد". (¬3) في "ع": "فاستدارت". (¬4) "من الاستدارة" ليست في "ع". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 696). (¬6) كذا في رواية أبي ذر الهروي وابن عساكر، وفي اليونينية: "إذاً يعمد"، وهي المعتمدة في النص. (¬7) الواو ليست في "ع" و"ج".

جزاء لشرط مقدَّر على ما نقله في "المفصَّل" عن الزجاج، وإذا كان كذلك، وجب أن يكون [الشرط المقدر يصحُّ وقوعُه سبباً لما بعد إذن؛ إذ الشرطُ يجب أن يكون] (¬1) سبباً للجزاء. وإذا تقرر هذا، فنقول (¬2): هذا الكلام -أعني قولَه: "لاها اللهِ إذنْ لا يعمدُ"- جواب لمن طلب السلبَ بقوله: فأرضِه عني، وليس بقاتل و"يعمد" وقع في الرواية مع "لا"، فيكون تقرير الكلام: أنَّ (¬3) إرضاءه عنك لا يكون عامداً (¬4) إلى أسد [فيعطيك سلبه، ولا يصح أن يكون إرضاءُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - القاتلَ عن الطالب سبباً لعدم كونه عامداً إلى أسد] (¬5)، ومعطياً سلبَه الطالبَ، وإذا لم يكن سبباً له، بطل كونُ "لا يعمد" جزاء للإرضاء، ومقتضى الجزائية أن لا تُذكر إلا مع يعمد (¬6)؛ ليكون التقدير: إن يرضِه عنك، يكنْ عامداً إلى أسد من أسد الله (¬7)، معطياً (¬8) سلبَ مقتوله غيرَ القاتل، فقالوا: الظاهر أن الحديث: "لاها اللهِ ذا لا يعمدُ إلى أسدٍ من (¬9) ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬2) في "ع": "فيقول". (¬3) في "ع" و"ج": "وأن". (¬4) في "ع": "عائد". (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬6) في "ج": "إلا متعمداً". (¬7) "من أسد الله" ليست في "ج". (¬8) في "ج": "ومعطياً". (¬9) "أسد من" ليست في "ع" و"ج".

أسدِ الله"، فصحَّفَها بعضُ الرواة، ثم نقلت الرواية المصحفة (¬1) كذلك (¬2). قلت: هذا داءٌ عَمَّ وطَمَّ، فقلَّ (¬3) مَنْ تراه يتحامى الطعنَ على الرواة (¬4) إذا لم يقدر على توجيه الرواية، وقد قال الإمام الحديثي: الحديثُ صحيح، ولا يجبُ أن يلازم "ذا" هاءَ القسم، كما لا يجب أن لا (¬5) يلازم غيرها من حروفه، وتحقيق الجزائية بـ "إذن لا يعمد" صحيح؛ إذ معناه: إذا صدق أسدٌ غيرك، لا يعمد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى إبطال حقه، وإعطاء سلبه إياك. قال ابن مالك: وفي اللفظ بـ "ها اللهِ" أربعة أوجه: أحدها: ها (¬6) للهِ، بهاء يليها اللام. الثاني: ها اللهِ، بألف ثابتة قبل اللام، وهو شبيه بقولهم: التقت حلقتا البطان، بألف ثابتة (¬7) بين التاء واللام. الثالث: أن يجمع بين ثبوت الألف وقطع همزة ألله. الرابع: أن تحذف الألف (¬8)، وتقطع همزة ألله. ¬

_ (¬1) في "ع": "إذا لم يقدر على توجيه الرواية المصحفة". (¬2) "كذلك" ليست في "ج". (¬3) في "ج": "قل". (¬4) في "ع": "الرواية". (¬5) "لا" ليست في "ع" و"ج". (¬6) "هاء" ليست في "ع". (¬7) في "ع": "ثانية". (¬8) في "ج": "تحذف الهمز".

باب: ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه

قال: والمعروف في كلام العرب: هاءَ اللهِ ذا، وقد وقع في هذا الحديث: إذنْ، وليس ببعيد (¬1). * * * باب: مَا كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعْطِي المُؤَلَفَةَ قُلُوبُهُم وغَيرُهُمْ مِنَ الخُمُسِ وَنَحْوِهِ 1712 - (3144) - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهُ كَانَ عَلَيَّ اعْتِكَافُ يَوْمٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَفِي بِهِ، قَالَ: وَأَصَابَ عُمَرُ جَارِيَتَيْنِ مِنْ سَبْيِ حُنَيْنٍ، فَوَضَعَهُمَا فِي بَعْضِ بُيُوتِ مَكَّةَ. قَالَ: فَمَنَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى سَبْيِ حُنَيْنٍ، فَجَعَلُوا يَسْعَوْنَ فِي السِّكَكِ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا عَبْدَ اللهِ! انْظُرْ مَا هَذَا؟ فَقَالَ: مَنَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى السَّبْيِ، قَالَ: اذْهَبْ فَأَرْسِلِ الْجَارِيَتَيْنِ. قَالَ نَافِعٌ: وَلَمْ يَعْتَمِرْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْجِعْرَانَةِ، وَلَوِ اعْتَمَرَ، لَمْ يَخْفَ عَلَى عَبْدِ اللهِ. (قال نافع: ولم يعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الجِعْرانة، ولو اعتمر (¬2)، لم (¬3) يَخْفَ على عبد الله): قال السفاقسي: الذي ذكره جماعة أنه اعتمر (¬4) من الجعرانة حين فرغَ من حُنين والطائف، وكان ذلك في عام ثمانية، ¬

_ (¬1) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 167). وانظر: "التنقيح" (2/ 697). (¬2) "ولو اعتمر" ليست في "ع". (¬3) في "ع": "ولم". (¬4) "اعتمر" ليست في "ع" و"ج".

وانصرفَ من العمرة في آخر ذي القعدة، وحجَّ بالناس عَتَّابُ بنُ أَسِيد، وليس في قول نافع حجة؛ لأن ابن عمر لم يحدِّث بكل شيء عَلِمَه نافعاً، ولا كلُّ ما حدَّثَ به نافعاً حفظَه نافع، ولا كلُّ ما عملَه ابنُ عمر لا ينساه، والعمرةُ من الجعرانةِ أشهرُ من هذا وأظهر من أن يُشَكَّ فيها، وممن رواها أنس في "الصحيحين" (¬1). * * * 1713 - (3145) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: أَعْطَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَوْماً، وَمَنَعَ آخَرِينَ، فَكَأَنَّهُمْ عَتَبُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ: "إِنِّي أُعْطِي قَوْماً أَخَافُ ظَلَعَهُمْ وَجَزَعَهُمْ، وَأَكِلُ أَقْوَاماً إِلَى مَا جَعَلَ اللهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْخَيْرِ وَالْغِنَى، مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ". فَقَالَ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ: مَا أحُبُّ أَنَّ لِي بِكَلِمَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حُمْرَ النَّعَمِ. (عمرو بن تَغْلِبَ): بمثناة فوقية وغين معجمة، غير منصرف. (أو بسَبْي): بسين مهملة وباء موحدة، وفي نسخة: بشين معجمة وهمزة بعد مثناة تحتية ساكنة. (أخاف ظَلَعهم): -بفتح الظاء واللام معاً-؛ أي: ميلَهم ومرضَ قلوبهم؛ وهو مرض يأخذ في قوائم الدواب تغمز منها، ورجل ظالع؛ أي: مائل، وقيل: إن المائل بالضاد (¬2). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1778)، ومسلم (1253). وانظر: "التنقيح" (2/ 698). (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 698).

1714 - (3146) - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي أُعْطِي قُرَيْشاً أَتَأَلَّفُهُمْ؛ لأَنَّهُمْ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ". (لأنهم حديثُ عهدٍ بجاهلية): أي: لأن عهدَهم بالجاهلية قريبٌ. قيل: وصوابه: حديثو عهد (¬1). قلت: قد سبق أنه يقدر له موصوفٌ مفردٌ لفظاً دالٌّ على الجمع معنىً؛ كفريق، وفوج، ونحو ذلك. * * * 1715 - (3147) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنَّ ناَساً مِنَ الأَنْصَارِ قَالُوا لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، حِينَ أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَمْوَالِ هَوَازِنَ مَا أَفَاءَ، فَطَفِقَ يُعْطِي رِجَالاً مِنْ قُرَيْشٍ الْمِئَةَ مِنَ الإِبِلِ، فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللهُ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، يُعْطِي قُرَيْشاً وَيَدَعُنَا، وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ. قَالَ أَنَسٌ: فَحُدِّثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَقَالَتِهِمْ، فَأَرْسَلَ إِلَى الأَنْصَارِ، فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ، وَلَمْ يَدْعُ مَعَهُمْ أَحَداً غَيْرَهُمْ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا، جَاءَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "مَا كَانَ حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟ ". قَالَ لَهُ فُقَهَاؤُهُمْ: أَمَّا ذَوُو آرَائِنَا يَا رَسُولَ اللهِ، فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئاً، وَأَمَّا أُناَسٌ مِنَّا حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ، فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللهُ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، يُعْطِي قُرَيْشاً، وَيَتْرُكُ الأَنْصَارَ، وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي أُعْطِي رِجَالاً حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِكُفْرٍ، أَمَا تَرْضَوْنَ ¬

_ (¬1) المرجع السابق، الموضع نفسه.

أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالأَمْوَالِ، وَتَرْجِعُونَ إِلَى رِحَالِكُمْ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَوَاللهِ! مَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ". قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ رَضِينَا، فَقَالَ لَهُمْ: "إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أُثْرَةً شَدِيدَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا اللهَ وَرَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْحَوْضِ". قَالَ أَنَسٌ: فَلَمْ نَصْبِرْ. (إني أعطي رجالاً حديثي عهدِهم (¬1) بكفرٍ): هذا شاهدٌ لسيبويهِ على إجازة مثل: مررتُ برجلٍ حسنِ وجهِه -بإضافة حسن إلى الوجه-، وغيرُه يخالفه في ذلك، والمسألةُ مقررة في كتب العربية بأدلتها. (سَتَرَوْن بعدي أُثْرَةً): بضم الهمزة وسكون الثاء المثلثة. ويروى: " أَثَرة": بفتحهما. وبالوجهين قيده الجَيَّاني. و-بالفتح- قيده (¬2) الأصيلي، وهو ضبط الصدفي، والطبري، والهوزني من الرواة. قال القاضي: وقيدناه عن الأسدي وآخرين بالضم، والوجهان صحيحان، ويقال أيضاً: "إثره":- بالكسر وسكون الثاء المثلثة (¬3) -، وهي بمعنى الاستئثار؛ أي: يُستأثر (¬4) عليكم بالدنيا، ولا يُجعل لكم في الأمر نصيبٌ (¬5). ¬

_ (¬1) في "ع": "عهد". (¬2) "قيده" ليست في "ج". (¬3) "المثلثة" ليست في "ع" و"ج". (¬4) "أي: يستأثر" ليست في "ع". (¬5) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 18).

1716 - (3149) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ ابْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ، فَأدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ، فَجَذَبَهُ جَذْبَةً شَدِيدَةً، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أثَّرَتْ بِهِ حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَذْبَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إلَيْهِ فَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ. (وعليه بُرْدٌ نَجْراني): -بنون مفتوحة وجيم ساكنة- نسبةً إلى نجرانَ؛ موضعٍ بين الشام والحجاز واليمن (¬1). * * * 1717 - (3150) - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِّي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ، آثَرَ النَبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أُناَساً فِي الْقِسْمَةِ، فَأَعْطَى الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِئَةً مِنَ الإِبلِ، وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَعْطَى أُناَساً مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ، فَآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْقِسْمَةِ، قَالَ رَجُلٌ: وَاللهِ! إِنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ مَا عُدِلَ فِيهَا، وَمَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللهِ. فَقُلْتُ: وَاللهِ لأُخْبِرَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: "فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يَعْدِلِ اللهُ وَرَسُولُهُ؟! رَحِمَ اللهُ مُوسَى، قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا، فَصَبَرَ". (قال رجل: إن هذه قسمةٌ ما عُدل فيها، وما أُريد بها وجهُ الله): ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (1/ 698).

قال الواقدي (¬1): الرجل هو مُعَتِّبُ (¬2) بنُ بشيرٍ. * * * 1718 - (3152) - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ناَفِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَجْلَى الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا ظَهَرَ عَلَى أَهْلِ خَيْببَرَ، أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ الْيَهُودَ مِنْهَا، وَكَانَتِ الأَرْضُ لَمَّا ظَهَرَ عَلَيْهَا لِلْيَهُودِ وَلِلرَّسُولِ وَلِلْمُسْلِمِينَ، فَسَأَلَ الْيَهُودُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَتْرُكَهُمْ عَلَى أَنْ يَكْفُوا الْعَمَلَ، وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "نُقِرُّكُمْ عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا". فَأُقِرُّوا حَتَّى أَجْلاَهُمْ عُمَرُ فِي إِمَارَتِهِ إِلَى تَيْمَاءَ وَأَرِيحَا. (وكانت الأرض لما ظهرَ عليها لله وللرسول): وروي: "لليهودِ وللرسولِ وللمسلمين"، ورواية ابن السكن عن الفربري: "لله"؛ كما كتبناه بالحمرة. وقال القابسي: لليهود. ولا أعرفه. قال ابن أبي صفرة: بل الصواب: لليهود، وهو صحيح. وقوله: لما ظهر عليها؛ أي: بفتح أكثرِها ومعظمِها قبل أن يسأله اليهود أن يصالحوه بأن ينزلوا عن الأرض، ويُسلمهم في أنفسهم، فكانت ¬

_ (¬1) "قال الواقدي" ليست في "ع" و"ج". (¬2) في "ع": "مغيث".

باب: ما يصيب من الطعام في أرض الحرب

لليهود، فلما صالحهم على أن يُسلِّموا له الأرض، كانت لله ورسوله (¬1)، يريد: هذه الأرضَ التي وقع الصلحُ بها، وأما غيرُها مما أُخذ عَنوةً، فليس لليهود فيه شيء (¬2). * * * باب: مَا يُصِيْبُ مِنَ الطَّعامِ في أَرْضِ الَحرْبِ 1719 - (3153) - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: كُنَّا مُحَاصِرِينَ قَصْرَ خَيْبَرَ، فَرَمَى إِنْسَانٌ بِجِرَابٍ فِيهِ شَحْمٌ، فَنَزَوْتُ لآخُذَهُ، فَالْتَفَتُّ، فَإِذَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ. (عبد الله بن مغَفَّل): بغين معجمة مفتوحة وفاء مشددة مفتوحة. (بجِراب): -بكسر الجيم-، والعامَّةُ تفتحه (¬3)، كذا في "الصحاح" (¬4)، وما (¬5) ألطف قولَ بعضهم: لا تكسر القصعة، ولا تفتح الجراب! وحكى السفاقسي فيه اللغتين. وقال القزاز: الجَرَاب: -بالفتح-: وعاء من جلود، وبكسرها: ¬

_ (¬1) في "ج": "ولرسوله". (¬2) انظر: "التنقيح" (18/ 543 - 544). (¬3) في "ع" و"ج": "بفتحه". (¬4) انظر: "الصحاح" (1/ 98)، (مادة: جرب). (¬5) في "ع": "وأما".

جِرَاب الرَّكِيَّة، وهو ما حولها من أعلاها إلى أسفلها (¬1). (فَنَزَوْتُ): -بنون وزاي-؛ أي: وَثَبْتُ، ومعناه: أن رامي (¬2) الجراب إنما رماه؛ ليكون له، لا لعبدِ الله (¬3). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 699). (¬2) في "ج": "الرامي". (¬3) المرجع السابق، الموضع نفسه.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مَصَابِيحُ الجَامِعِ [7]

جَمِيعُ الحُقُوقِ مَحْفُوظَة الطَّبْعَةُ الأُولَى 1430 هـ - 2009 م ردمك: 0 - 12 - 418 - 9933 - 978 ISBN قَامَت بعمليات التنضيد الضوئي والإخراج الفني والطباعة دَار النَّوَادِر لصَاحِبهَا ومديرها نور الدّين طَالب سوريا - دمشق - ص. ب: 34306 لبنان - بيروت - ص. ب: 5180/ 14 هَاتِف: 00963112227001 - فاكس: 00963112227011 www.daralnawader.com

كتاب الجزية والموادعة

كِتَابُ الجِزيَةَ والموَادَعَةِ

1720 - (3156) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمْراً، قَالَ: كُنْتُ جَالِساً مَعَ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَعَمْرِو بْنِ أَوْسٍ، فَحَدَّثَهُمَا بَجَالَةُ سَنَةَ سَبْعِينَ -عَامَ حَجَّ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ بِأَهْلِ الْبَصْرَةِ -عِنْدَ دَرجَ زَمْزَمَ، قَالَ: كُنْتُ كَاتِباً لِجَزْءَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَمِّ الأَحْنَفِ، فَأَتَاناَ كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ: فَرِّقُوا بَيْنَ كُلِّ ذِي مَحْرَمٍ مِنَ الْمَجُوسِ، وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنَ الْمَجُوسِ. (كتاب: الجزية). (بَجالة): -بباء موحدة مفتوحة فجيم فألف فلام فهاء تأنيث- وهو بجالةُ بنُ عبدِ الله التميميُّ البصريُّ، ويقال: ابنُ عبدٍ (¬1). (كنت كاتباً لجَزْءِ بنِ معاويةَ): -بفتح الجيم وسكون الزاي وبعدها همزة- كذا للأصيلي، وقيده عبد الغني: "جَزِء". وقال الدارقطني: المحدِّثون يكسرون الزاي، وأهل العربية يقولون: "جَزَاء" (¬2). ¬

_ (¬1) في "ج": "عبد الله". (¬2) كذا في النسخ الخطية، وفي مطبوعة "التنقيح" للزركشي (2/ 700) وعنه نقل =

1721 - (3158) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ: أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَمْرَو ابْنَ عَوْفٍ الأَنْصَارِيَّ، وَهْوَ حَلِيفٌ لِبَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْراً، أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - هُوَ صَالَحَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمُ الْعَلاَءَ ابْنَ الْحَضْرَمِيِّ، فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، فَسَمِعَتِ الأَنْصَارُ بِقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ، فَوَافَتْ صَلاَةَ الصُّبْحِ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا صَلَّى بِهِمِ الْفَجْرَ، انْصَرَفَ، فَتَعَرَّضُوا لَهُ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ رَآهُمْ، وَقَالَ: "أَظُنُّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدْ جَاءَ بِشَيْءٍ؟ ". قَالُوا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "فَأبْشِرُوا، وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللهِ لاَ الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا، كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ". (أن عمرَو بنَ عوفٍ الأنصاريَّ): عده ابنُ (¬1) إسحاقَ وابنُ سعدٍ ممن شهد بدراً من المهاجرين، وقالا: عُمير (¬2) بن عوفِ مولى (¬3) سهيلِ بنِ عمرو، مات في خلافة عمر (¬4). ¬

_ = المؤلف -رحمه الله-: "جَزَى". (¬1) "ابن" ليست في "ج". (¬2) في "ع": "عمر". (¬3) في "م" و"ج": "بن أبي" بدل "مولى"، والصواب ما أثبت. (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 700)، و"التوضيح" (18/ 576).

(وأَمِّلوا ما يَسُرُّكم): قال الزركشي: الأمل: الرجاء، يقال: أمّلته، فهو مأمول (¬1). قلت: مقتضاه أن يكون: وامُلوا -بهمزة وصل وميم مضمومة-، وفي نسخة: بهمزة مفتوحة بدون مد وميم مشددة مكسورة؛ من التأميل. * * * 1722 - (3159) - حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيُّ، وَزِيَادُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ حَيَّهَ، قَالَ: بَعَثَ عُمَرُ النَّاسَ فِي أَفْنَاءِ الأَمْصَارِ يُقَاتِلُونَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَسْلَمَ الْهُرْمُزَانُ، فَقَالَ: إِنِّي مُسْتَشِيرُكَ فِي مَغَازِيَّ هَذِهِ، قَالَ: نَعَمْ، مَثَلُهَا وَمَثَلُ مَنْ فِيهَا مِنَ النَّاسِ مِنْ عَدُوِّ الْمُسْلِمِينَ مَثَلُ طَائِرٍ لَهُ رَأْسٌ، وَلَهُ جَنَاحَانِ، وَلَهُ رِجْلاَنِ، فَإِنْ كُسِرَ أَحَدُ الْجَنَاحَيْنِ، نَهَضَتِ الرِّجْلاَنِ بِجَنَاحٍ وَالرَّأْسُ، فَإِنْ كُسِرَ الْجَنَاحُ الآخَرُ، نَهَضَتِ الرِّجْلاَنِ وَالرَّأْسُ، وَإِنْ شُدِخَ الرَّأْسُ، ذَهَبَتِ الرِّجْلاَنِ وَالْجَنَاحَانِ وَالرَّأْسُ، فَالرَّأْسُ كِسْرَى، وَالْجَنَاحُ قَيْصَرُ، وَالْجَنَاحُ الآخَرُ فَارِسُ، فَمُرِ الْمُسْلِمِينَ فَلْيَنْفِرُوا إِلَى كِسْرَى. وَقَالَ بَكْرٌ وَزِيَادٌ جَمِيعاً: عَنْ جُبَيْرِ بْنِ حَيَّهَ، قَالَ: فَنَدَبَنَا عُمَرُ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْنَا النُّعْمَانَ بْنَ مُقَرِّنٍ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِأَرْضِ الْعَدُوِّ، وَخَرَجَ عَلَيْنَا عَامِلُ كِسْرَى فِي أَرْبَعِينَ أَلْفاً، فَقَامَ تُرْجُمَان فَقَالَ: لِيُكَلمْنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: سَلْ عَمَّا شِئْتَ، قَالَ: مَا أَنْتُمْ؟ قَالَ: نَحْنُ أُناَس مِنَ الْعَرَبِ، كُنَّا ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 700).

فِي شَقَاءٍ شَدِيدٍ، وَبَلاَءٍ شَدِيدٍ، نَمَصُّ الْجِلْدَ وَالنَّوَى مِنَ الْجُوعِ، وَنَلْبَسُ الْوَبَرَ وَالشَّعَرَ، وَنَعْبُدُ الشَّجَرَ وَالْحَجَرَ، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرَضِينَ -تَعَالَى ذِكْرُهُ، وَجَلَّتْ عَظَمَتُهُ- إِلَيْنَا نَبِيّاً مِنْ أَنْفُسِنَا، نَعْرِفُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ، فَأَمَرَناَ نَبِيُّنَا، رَسُولُ رَبِّنَا - صلى الله عليه وسلم -: أَنْ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تَعْبُدُوا اللهَ وَحْدَهُ، أَوْ تُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ، وَأَخْبَرَناَ نَبِيُّنَا - صلى الله عليه وسلم - عَنْ رِسَالَةِ رَبِّنَا أَنَّهُ مَنْ قُتِلَ مِنَّا، صَارَ إِلَى الْجَنَّةِ فِي نَعِيمٍ لَمْ يَرَ مِثْلَهَا قَطُّ، وَمَنْ بَقِيَ مِنَّا، مَلَكَ رِقَابَكُمْ. (الرَّقِّي): -بفتح الراء وتشديد القاف- نسبة إلى الرقةِ، بلدٍ بالشام. (ابن حية): بالمثناة التحتية. (فأسلم الهرمزان): كان أسره (¬1) أبو (¬2) موسى، وبعثه مع أنسٍ إلى عمرَ، وضربُه المثلَ يدكُّ على كمال عقله، وجعلَ الرأسَ كسرى؛ لأنه أعظمُ ملكاً، وأكثر أَتباعاً (¬3). (النعمان بن مقَرِّن): بفتح القاف وكسر الراء المشددة. * * * 1723 - (3160) - فَقَالَ النُّعْمَانُ: رُبَّمَا أَشْهَدَكَ اللهُ مِثْلَهَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ يُنَدِّمْكَ، وَلَمْ يُخْزِكَ، وَلَكِنِّي شَهِدْتُ الْقِتَالَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -،كَانَ إِذَا لَمْ يُقَاتِلْ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، انُتَظَرَ حَتَّى تَهُبَّ الأَرْوَاحُ، وَتَحْضُرَ الصَّلَوَاتُ. ¬

_ (¬1) "أسره" ليست في "ع". (¬2) "أبو" ليست في "ج". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 700).

(حتى تَهُبَّ الأرواح): جمع ريح، وأصلُه: رِوْحٌ بدليل الجمعِ الذي غالبُ حاله أن يردَّ الشيءَ إلى أصله، فقُلِبَ واوُ المفرد ياءً؛ لسكونها وانكسار ما قبلها. وحكى ابن جني في جمعه: أرياح. قال الزركشي: لما رآهم قالوا: رياح (¬1). قلت: إن (¬2) اعتمد صاحب هذا القول على رياح، فقد وَهِم؛ لأن موجبَ قلب الواو في رياح ثابت؛ لانكسار ما قبلها؛ كحِياض جمع حَوْض، ورِياض جمع رَوْض؛ والمقتضي للقلب (¬3) في أرياح مفقود، والمعتمَدُ في هذا إنما هو السماع. * * * باب: إِذَا وَادَعَ الإِمَامُ مَلِكَ الْقَرْيَةِ، هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ لِبَقِيَّتِهِمْ؟ (باب: إذا وادعَ الإمامُ ملكَ القرية، هل يكون ذلك لبقيتهم؟): ساق فيه حديثَ: "أَهدى ملكُ أيلةَ للنبي - صلى الله عليه وسلم - بغلةً بيضاء" (¬4)، ولم يجر فيه صيغة الطلب، ولا صيغة الأمان، فبنى البخاري على العادة: أن الملكَ الذي أهدى إنما طلبَ بقاءَ ملكه، وإنما يبقى ملكُه ببقاء رعيته، فأخذ من هذا أن موادعته موادعةٌ لرعيته، وقد أسلَفْنا عن ابن (¬5) إسحاق صيغةَ الكتاب ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 701). (¬2) "إن" ليست في "ع" و"ج". (¬3) في "ج": "والمقتضى الثابت". (¬4) رواه البخاري (3161) عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه. (¬5) "ابن" ليست في "ع" و"ج".

باب: الوصاة بأهل ذمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

الذي كتبه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو نص على أن الأمان (¬1) كان عاماً له ولرعيته، ومثلُ هذا لا يختلف فيه. * * * باب: الوَصَاةِ بأَهْلِ ذِمَّةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - 1724 - (3162) - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ جُوَيْرِيَةَ بْنَ قُدَامَةَ التَّمِيمِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: قُلْنَا: أَوْصِنَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: أُوصِيكُمْ بِذِمَّةِ اللهِ؛ فَإِنَّهُ ذِمَّةُ نَبِيِّكُمْ، وَرِزْقُ عِيَالِكُمْ. (أبو جمرة): بجيم وراء. (ورزق عيالكم): يريد ما يؤخذ من جزيتهم، أو ما يُنال في تردُّدهم لأمصار المسلمين (¬2). * * * باب: مَا أَقْطَعَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ البَحْرَينِ، وَمَا وَعَدَ مِنَ البَحْرَينِ وَالجِزْيَةِ، وَلِمَنْ يُقْسَمُ الفَيءُ والجِزْيَةُ؟ 1725 - (3164) - حَدَّثنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِي: "لَو قَدْ جَاءَناَ مَالُ ¬

_ (¬1) في "ع": "الإمام". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 702).

الْبَحْرَيْنِ، قَدْ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا". فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَجَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَنْ كَانَتْ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عِدَةٌ، فَلْيَأْتِنِي، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ كَانَ قَالَ لِي: "لَوْ قَدْ جَاءَناَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ، لأَعْطَيْتُكَ هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا". فَقَالَ لِي: احْثُهْ، فَحَثَوْتُ حِثْيَةً، فَقَالَ لِي: عُدَّهَا، فَعَدَدْتُهَا، فَإِذَا هِيَ خَمْسُ مِئَةٍ، فَأعْطَانِي أَلْفاً وَخَمْسَ مَئَةٍ. (فقال لي احثُهْ): بضم المثلثة وبهاء السكت. (فحثوت حثية): أُخذ الفعلُ من لغة، والمصدرُ من لغة (¬1) أخرى، وكذا فعلوا في تداخل اللغتين من كلمتين. (فقال لي: عُدَّها، فعددُتها، فإذا هي خمس مئة): قال ابن المنير: والحكمةُ في ذلك -والله أعلم-: أنه -عليه الصلاة والسلام- وعدَ بثلاثِ حفناتٍ متساوياتٍ أشارَ إليها إشارةً واحدة في نسق (¬2) واحد، فأراد أبو بكر أن يكون فعلُه منطبقاً على الوعد، وكان من توفيق الله له أن جاءت العطية عقداً صحيحاً من جنس المعلومة المعدودة في أصل الوعد، هكذا قال. وفيه نظر. * * * 1726 - (3165) - وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ: أُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، فَقَالَ: "انْثُرُوهُ فِي ¬

_ (¬1) "والمصدر من لغة" ليست في "ع". (¬2) في "ع" و"ج": "شق".

باب: إثم من قتل معاهدا بغير جرم

الْمَسْجِدِ"، فَكَانَ أَكْثَرَ مَالٍ أُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، إِذْ جَاءَهُ الْعَبَّاسُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَعْطِنِي، إنِّي فَادَيْتُ نَفْسِي، وَفَادَيْتُ عَقِيلاً. قَالَ: "خُذْ". فَحَثَا فِي ثَوْبِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ، فَقَالَ: اؤْمُرْ بَعْضَهُمْ يَرْفَعْهُ إِلَيَّ. قَالَ: "لاَ". قَالَ: فَارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَيَّ، قَالَ: "لاَ". فَنَثَرَ مِنْهُ، ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ، فَلَمْ يَرْفَعْهُ، فَقَالَ: اؤْمُرْ بَعْضَهُمْ يَرْفَعْهُ عَلَيَّ، قَالَ: "لاَ". قَالَ: فَارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَيَّ، قَالَ: "لاَ". فَنَثَرَ، ثُمَّ احْتَمَلَهُ عَلَى كَاهِلِهِ، ثُمَّ انْطَلَقَ، فَمَا زَالَ يُتْبِعُهُ بَصَرَهُ حَتَّى خَفِي عَلَيْنَا؛ عَجَباً مِنْ حِرْصِهِ، فَمَا قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَثَمَّ مِنْهَا دِرْهَمٌ. (بمال من البحرين، فقال: انثروه في المسجد): في "مصنف (¬1) ابن أبي شيبة" من طريق حميد بن هلال، قال: بعثَ العلاءُ بنُ الحضرميِّ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بمئة ألف من خراج البحرين، وكان أولَ خراجٍ قدم به عليه، فأمر به، فنُثِرَ (¬2) على حصير، الحديث (¬3). (ثم ذهب يُقِلُّه): يقال: أَقَلَّ الشيءَ يُقِلُّهُ، واسْتَقَلَّهُ يَسْتَقِلُّهُ: إذا رفعَه وحملَه (¬4). * * * باب: إِثْمِ مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدَاً بِغَيرِ جُرْمٍ 1727 - (3166) - حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا ¬

_ (¬1) في "ج": "تصنيف". (¬2) في "ع": "فنثره". (¬3) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (35805). (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 702).

باب: إخراج اليهود من جزيرة العرب

الْحَسَنُ بْنُ عَمرٍو، حَدَّثَنَا مُجَاهِدٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "مَنْ قَتَلَ مُعَاهَداً، لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيِحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَاماً". (من قتل معاهَداً): -بفتح الهاء-: اسمُ مفعول؛ وهو كافرٌ عوهِدَ بعهد صحيح. وفي بعض النسخ بكسر الهاء، على أنه اسمُ فاعل، والفتحُ أكثر (¬1). (لم (¬2) يَرح رائحة الجنة): بفتح الياء والراء جميعاً، وبفتح الياء وكسرها؛ أي: لم يَشَمَّها، ويقال بضم الياء وكسر الراء. قال صاحب "النهاية": يقال: راحَ يَراحُ، وراحَ يُريحُ: إذا وجدَ رائحةَ الشيء، والثلاثةُ قد رُوي بها الحديث (¬3). * * * باب: إِخْرَاجِ اليَهُودِ مِنْ جَزِيرَةِ العَرَبِ 1728 - (3167) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ، خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "انْطَلِقُوا إِلَى يَهُودَ"، فَخَرَجْنَا حَتَّى جِئْنَا بَيْتَ -الْمِدْراسِ، فَقَالَ: "أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُجْلِيَكُمْ مِنْ هذا الأَرْضِ، فَمَنْ يَجِدْ ¬

_ (¬1) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬2) "لم" ليست في "ع". (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 272)، وانظر: "التنقيح" (2/ 702).

باب: إذا غدر المشركون بالمسلمين هل يعفى عنهم؟

مِنْكُمْ بِمَالِهِ شَيْئاً، فَلْيَبِعْهُ، وَإِلاَّ، فَاعْلَمُوا أَنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ". (بيت المِدْراس): يعني: بيت العالم الذي يُدرِّس (¬1)؛ أي: موضع العلم (¬2). * * * باب: إذا غَدَرَ المُشْرِكُونَ بالمُسْلِمينَ هَلْ يُعْفَى عَنْهُم؟ 1729 - (3169) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ، أُهْدِيَتْ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اجْمَعُوا إِلَيَّ مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ يَهُودَ"، فَجُمِعُوا لَهُ، فَقَالَ: "إِنَّي سَائِلُكُمْ عَنْ شَيْءٍ، فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْه؟ "، فَقَالُوا: نَعَمْ، قَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَبُوكُمْ؟ ". قَالُوا: فُلاَنٌ، فَقَالَ: "كَذَبْتُمْ، بَلْ أَبُوكُمْ فُلاَنٌ". قَالُوا: صَدَقْتَ، قَالَ: "فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيِّ عَنْ شَيْءٍ إنْ سَأَلْتُ عَنْهُ؟ "، فَقَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، وَإِنْ كَذَبْنَا عَرَفْتَ كَذِبَنَا كَمَا عَرَفْتَهُ فِي أَبِينَا، فَقَالَ لَهُمْ: "مَنْ أَهْلُ النَّارِ؟ ". قَالُوا: نَكُونُ فِيهَا يَسِيرًا، ثُمَّ تَخْلُفُوناَ فِيهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اخْسَؤُوا فِيهَا، وَاللهِ! لاَ نَخْلُفُكُمْ فِيهَا أَبَداً"، ثُمَّ قَالَ: "هَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ؟ ". فَقَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، قَالَ: "هَلْ جَعَلْتُمْ فِي هَذِهِ الشَّاةِ سُمّاً؟ ". قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: "مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ ". قَالُوا: أَرَدْناَ إِنْ كُنْتَ كَاذِباً نَسْتَرِيحُ، وَإِنْ كُنْتَ نَبِيّاً لَمْ يَضُرَّكَ. ¬

_ (¬1) في "ع": "لم يدرس". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 702).

باب: دعاء الإمام على من نكث عهدا

(فهل أنتم صادِقِيِّ): -بتشديد الياء-، وأصله: "صادِقُويَ" اجتمعت الواو والياء، وسبقتْ إحداهما بالسكون، فقُلبت الواو ياء، وأُدغمت في الياء. * * * باب: دُعَاءِ الإِمَامِ عَلَى مَنْ نَكَثَ عَهْدَاً 1730 - (3170) - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَساً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ الْقُنُوتِ، قَالَ: قَبْلَ الرُّكُوعِ، فَقُلْتُ: إِنَّ فُلاَناً يَزْعُمُ أَنَّكَ قُلْتَ: بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَقَالَ: كَذَبَ، ثُمَّ حَدَّثَنَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَنَتَ شَهْراً بَعْدَ الرُّكُوعِ، يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ. قَالَ: بَعَثَ أَرْبَعِينَ، أَوْ سَبْعِينَ -يَشُكُّ فِيهِ- مِنَ الْقُرَّاءِ، إِلَى أُنَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكينَ، فَعَرَضَ لَهُمْ هَؤُلاَءِ، فَقَتَلُوهُمْ، وَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَهْدٌ، فَمَا رَأَيْتُهُ وَجَدَ عَلَى أَحَدٍ مَا وَجَدَ عَلَيْهِمْ. (نا أبو النعمان، نا ثابتُ بنُ زَيْدٍ): هذا بصري، ويقال: ابن يزيد (¬1): -بزيادة (¬2) الياء-، قال الكُلاباذي: وهو أصح (¬3). * * * باب: أَمَانِ النِّسَاءِ وَجِوَارِهِنَّ 1731 - (3171) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي ¬

_ (¬1) في "ع": "ويقال فيه: ابن زيد"، وفي "ج": "ويقال فيه: يزيد". (¬2) في "ع": "زيادة". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 703).

النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ: أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ بْنَةِ أَبي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئٍ بْنَةَ أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ الْفَتْحِ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ، وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: "مَنْ هَذِهِ؟ "، فَقُلْتُ: أَناَ أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: "مَرْحَباً بِأُمِّ هَانِئٍ". فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ، قَامَ فَصَلَّى ثَمَانَ رَكَعَاتٍ، مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! زَعَمَ ابْنُ أُمِّي، عَلِيٌّ، أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلاً قَدْ أَجَرْتُهُ، فُلاَنُ ابْنُ هُبَيْرَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ أَجَرْناَ مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ". قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ: وَذَلِكَ ضُحًى. (قد أَجَرْنا مَنْ أَجَرتِ يا أمَّ هانئ): لِقائلٍ أن يقول: إن كانت الإجارة منها نافذةً، فقد فاتَ الأمر، ونفذَ الحكم، فلا يوافق قوله -عليه السلام-: "قد أَجرنا مَنْ أَجرت"؛ لأنه يكون تحصيلاً للحاصل، فهذا يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الذي أجارَ، ولولا تنفيذُه (¬1)، لما نفذ جوارها، وهل تنفيذُ الجوارِ على القول بأنه موقوف إجارَة مُؤْتَنَفَةٌ، أو لا؟ هي قاعدة اختُلف فيها؛ كتنفيذ الورثةِ وصيةَ المورِّثِ بأزيدَ من الثلث، فقيل: ابتداءُ عطية منهم، فيشترط شروط العطية من الجواز وغيره. وقيل: لا يُشترط ذلك، والتنفيذُ (¬2) ليسَ ابتداءَ عطية، وانظر ما في أَمانِ الآحاد من المسلمين إذا عقدوه لأهل مدينة عظيمة؛ مثل: أن تؤمن (¬3) ¬

_ (¬1) في "ع": "ولا تنفيذ". (¬2) في "ع": "بل لابد والتنفيذ". (¬3) في "ج": "أن يأمن".

باب: ذمة المسلمين وجوارهم واحدة، يسعى بها أدناهم

امرأةٌ أو عبدٌ أهلَ القسطنطينية، هل يجب على الإمام تنفيذُ ذلك، أو (¬1) إنما ينفذ تأمينهم للآحاد؟ يبحث فيه عن النص. غير أن المتأخرين أجازوا للآحاد إعطاء الأمان، وقالوا: مطلقاً ومقيداً، قبل الفتح وبعده، هكذا في "الصبح الصادع". * * * باب: ذِمَّةِ المُسْلِمِيْنَ وَجِوَارِهِمْ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بِهَا أَدْناَهُمْ 1732 - (3172) - حدثني مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَناَ وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَطَبَنَا عَلِيٌّ، فَقَالَ: مَا عِنْدَناَ كِتَابٌ نَقْرَؤُهُ إِلاَّ كِتَابُ اللهِ، وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، فَقَالَ: فِيهَا الْجِرَاحَاتُ، وَأَسْنَانُ الإِبِلِ، وَالْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى كَذَا، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثاً، أَوْ آوَى فِيهَا مُحْدِثاً، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ، وَمَنْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا، فَعَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ. (فمن أخفرَ مسلماً): أي: نقضَ عهدَه. * * * باب: إِذَا قَالُوا: صَبَأْناَ، وَلَمْ يُحْسِنُوا: أَسْلَمْنَا وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَجَعَلَ خَالِدٌ يَقْتُلُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ". وَقَالَ عُمَرُ: إِذَا قَالَ: مَتْرَسْ، فَقَدْ آمَنَهُ، إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ الأَلْسِنَةَ ¬

_ (¬1) في "ع": "و".

كُلَّهَا. وَقَالَ: تَكَلَّمْ لاَ بَأْسَ. (وقال عمر: إذا قال: مَتْرَس، فقد آمنه): مترس -بفتح الميم وتشديد التاء الفوقية وإسكان الراء، وبفتح الميم وإسكان التاء وفتح الراء- معناه: لا تخف (¬1). (أو (¬2) قال: تكلَّمْ لا بأسَ): مثلُ هذا وقع للهرمزان مع عمر -رضي الله عنه-، وذلك أن جيش المسلمين لما حاصروا تُسْتَر (¬3)، نزل الهرمزانُ على حكم عمر -رضي الله عنه-، فبعث به أبو موسى، فلما قدم عمر، سكت الهرمزان، فقال له عمر: تكلم، فقال: كلام حي أم كلام ميت؟ فقال عمر: تكلم فلا بأس، فقال: إنا وإياكم -معشرَ العرب- ما خلّى (¬4) الله بيننا، كنا نقتلكم ونَغْصِبُكم (¬5)؛ فأما إذا كان الله معكم، فلم يكنْ لنا بكم يدانِ، ثم هَمَّ عمر بقتله، فقال له أنس: ليس لك (¬6) إلى قتله سبيلٌ، فقال: أعطاك شيئاً؟ قلت: ما (¬7) فعلت، ولكنك قلتَ له: تكلَّمْ فلا بأس؛ فقال: لتجيئَنَّ بمن يشهدُ (¬8) معك، وإلا بدأتُ بعقوبتك، فخرجت من عنده، فإذا أنا ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 703). (¬2) في "ع": "و". (¬3) في "ع": "حصل وأيسر". (¬4) في "ع": "حكى". (¬5) في "ع": "وبعضكم". (¬6) في "ع": "له". (¬7) "ما" ليست في "ع". (¬8) "بمن يشهد" ليست في "ع".

باب: الموادعة والمصالحة مع المشركين بالمال وغيره، وإثم من لم يف بالعهد

بالزبيرِ بنِ العَوَّامِ قد حفظَ ما حفظتُ، فشهدَ عندَه، فتركه، وأسلم الهرمزانُ، وفوض له (¬1). ومقصود الترجمة: أن المعتبر المقاصدُ بأدلتها كيفما كانت الأدلةُ، لفظية أو غيرَها، على وَفْق (¬2) لغةِ العرب أو غيرِها (¬3). وحديثُ عمر الذي سقناه أصلٌ في أن القاضي إذا حكم بشيء، ونسيَهُ، فشهدتْ عنده بحكمه ذلك بَيِّنَةٌ، قَبِلَها، ونفذ الحكم. وفيه: سَعْيُ أحدِ الشاهدين في شاهد آخرَ تكمُلُ به البينةُ، ولا يكون ذلك قدحًا في شهادته إذا انتفتِ الريبة. * * * باب: الْمُوَادَعَةِ وَالْمُصَالَحَةِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ بِالْمَالِ وَغَيْرِهِ، وَإِثْمِ مَنْ لَمْ يَفِ بِالْعَهْدِ وَقَوْلِهِ: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: 61]. (باب: الموادعة والمصالحة مع المشركين بالمال (¬4) وغيرِه): قال ابن المنير: قد استشار الإمامُ أصحابَ مالك [على أن لا يقبل منه، وذكر] (¬5) أن الطَّاغية بذل مئة ألف دينار على المتاركة عشرَ سنين، فأجمعَ رأيُ أصحابِ ¬

_ (¬1) رواه أبو عبيد في "الأموال" (ص: 149)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (33401). (¬2) في "ع": "وقف". (¬3) انظر: "المتواري" (ص: 199). (¬4) "بالمال" ليست في "ع". (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ع".

مالك على أن لا يُقبل منه، وقالوا: بالمسلمين الآن قوةٌ، وِيعَدُوِّهم ضعفٌ، ونخشى أن يكون هذا المال سبباً لثبط (¬1) الغزاة والمرابطين بالسواحل، وتَفَلُّل جموعِهم، فيجد العدوُّ حينئذ القوةَ والفرصةَ، فرجع إلى رأيهم هذا إذا بذل العدوُّ المالَ للمسلمين؛ فإن (¬2) انعكست القضية، ودعت الضرورة، وظهرت المصلحة، فالظاهر الجوازُ، وقد بذل النبي - صلى الله عليه وسلم - لغطفان ثلثَ ثمر المدينة لينصرفوا بمن معهم إبقاءً على أهل المدينة؛ لأن العربَ رمتهم عن قوس واحدة، فقال له سعد: يا رسول الله! أهذا شيء تصنعه؛ لأن الله أمركَ به، أو لأنك [تحبه، فتصنعه لأجل ذلك، أم شيء تصنعه لأجلنا؟ فقال: "بل لأجلكم"، فقالوا] (¬3): واللهِ! ما نعطيهم تمرةً واحدة، وقد كنا في الجاهلية وقبلَ أن يُعزنا الله بالإسلام لا يَصلون (¬4) إليه إلا بشراءٍ أو قِرًى، فترك النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكن العقد انبرمَ فيه. وليس في ترجمة البخاري تعرض؛ لأن المال المبذول من جهة المسلمين، أو من جهة الكفار، إلا أنه ساق حديثَ موادعةِ اليهود، ولم يكن بمال أصلاً، وأما الديةُ التي قام بها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فليست عن اليهود؛ لأن أصحاب الحق نكلوا (¬5) عن اليمين، والناكلُ ليس له إلا (¬6) استحلافُ المتهمين، ¬

_ (¬1) في "ع": "ليثبط". (¬2) في "ع": "فإذا". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬4) في "ع": "تصلوا". (¬5) في "ع": "تكلموا". (¬6) "له إلا" ليست في "ع".

فامتنعوا أيضاً من استحلافهم، وقالوا (¬1): لا نقبل أيمانَ قوم كفار. وما كان البخاري أرادَ إلا جوازَ الأحوالِ كلِّها بحسب المصلحة، بمال أو غيره، من أَيِّ الجهتين كان المال، وقد صالح النبي - صلى الله عليه وسلم - صلح الحديبية، وكان الحَيْفُ من المشركين على المسلمين، ولهذا قال عمر -رضي الله عنه-: لِمَ نُعطي الدنيةَ في ديننا؟ فقال: "سيجعلُ اللهُ لكم فَرَجاً ومَخْرَجاً" (¬2). * * * 1733 - (3173) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ -هُوَ ابْنُ الْمُفَضَّلِ-، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبي حَثْمَةَ، قَالَ: انْطَلَقَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَهْلٍ، وَمُحَيِّصةُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ زَيْدٍ إِلَى خَيْبَرَ، وَهْيَ يَوْمَئِذٍ صُلْحٌ، فَتَفَرَّقَا، فَأَتَى مُحَيِّصَةُ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ سَهْلٍ وَهْوَ يَتَشَحَّطُ فِي دَمٍ قَتِيلاً، فَدَفَنَهُ، ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ، وَمُحَيِّصَةَ وَحُوَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ: "كَبِّرْ كَبِّرْ"، وَهْوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ، فَسَكَتَ، فَتَكَلَّمَا، فَقَالَ: "أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ قَاتِلَكُمْ، أَوْ صَاحِبَكُمْ؟ "، قَالُوا: وَكَيْفَ نَحْلِفُ، وَلَمْ نَشْهَدْ وَلَمْ نَرَ؟ قَالَ: "فَتُبْرِيكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ؟ "، فَقَالُوا: كَيْفَ نَأْخُذُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ؟! فَعَقَلَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ عِنْدِهِ. (مُحَيصة): بضم الميم وفتح الحاء وسكون الياء، وقد تشدد مكسورة. ¬

_ (¬1) في "ع": "فقالوا". (¬2) رواه مسلم (1784).

باب: ما يحذر من الغدر

(وحُويصة): بضم الحاء وفتح الواو وسكون الياء وتخفيف الصاد المهملة، وقد تشدد. (فعقله النبي - صلى الله عليه وسلم - من عنده): أي: أَدَّى دِيَتَهُ، يقال: عَقَلْتُه: إذا أَدَّيْتُ ديتَه، وعَقَلْتُ عنه: إذا أُلْزِمَ ديةً، فأَدَّيْتُها (¬1) عنه (¬2). * * * باب: مَا يُحْذَرُ مِنَ الغَدْرِ 1734 - (3176) - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْعَلاَءِ بْنِ زَبْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ بُسْرَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَهْوَ فِي قُبَّهٍ مِنْ أَدَمٍ، فَقَالَ: "اعْدُدْ سِتّاً بَيْنَ يَدَيِ السَاعَةِ: مَؤْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ مُوتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ، ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِئَةَ دِينَارٍ، فَيَظَلُّ سَاخِطاً، ثُمَّ فِتْنَةٌ لاَ يَبْقَى بَيْتٌ مِنَ الْعَرَبِ إِلاَّ دَخَلَتْهُ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الأَصْفَرِ، فَيَغْدِرُونَ، فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً، تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً". (ابن زَبْر): بفتح الزاي (¬3) وإسكان الموحدة. (بُسْر بن عُبيد الله): بضم الموحدة وإسكان السين المهملة. ¬

_ (¬1) في "ع": "ديته كأديتها". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 704). (¬3) "الزاي" ليست في "ع"، وفي "م": "الراء"، والصواب ما أُثبت.

(ثم مُوْتانٌ): -بفتح الميم وسكون (¬1) الواو-: الموت، وبضم الميم أيضاً؛ والمراد به: الطاعون. وعند ابن السكن: "ثم موتتان"، قيل: ولا معنى له (¬2). (كقُعاص الغنم): -بضم القاف-: داءٌ يصيب الغنمَ؛ و (¬3) هو شيء يأخذها في رؤوسها تسيل له (¬4) أنوفُها، لا يُلبثها أن تموتَ، وقيل: الموت فجأة (¬5). (ثم هُدْنة): بهاء مضمومة فدال ساكنة فنون: هي الصلح. (فيغدِرون): بكسر الدال. (تحت ثمانين غاية): -بغين معجمة فألف فياء تحتية-: هي الراية. قال الجواليقي: لأنها غايةُ المتبع، إذا وقفت، وقف، وإذا مشت، تبعها. ورواه بعضهم: "غابة" -بباء موحدة-: وهي الأَجَمَة، شَبَّه كثرةَ الرماح بالأجمة (¬6). * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "وإسكان". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 704). (¬3) الواو ليست في "ع". (¬4) "له" ليست في "ع". (¬5) انظر: "التوضيح" (18/ 636). (¬6) انظر: "التوضيح" (18/ 638).

باب: كيف ينبذ العهد إلى أهل العهد؟

باب: كَيْفَ يُنْبَذُ العَهْدُ إِلَى أَهْلِ العَهْدِ؟ 1735 - (3177) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثنِي أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِيمَنْ يُؤَذِّنُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى: لاَ يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَيَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ. وَإِنَّمَا قِيلَ: الأَكْبَرُ؛ مِنْ أَجْلِ قَوْلِ النَّاسِ: الْحَجُّ الأَصْغَرُ، فَنَبَذَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى النَّاسِ فِي ذَلِكَ الْعَامِ، فَلَمْ يَحُجَّ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ الَّذِي حَجَّ فِيهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُشْرِكٌ. (ويومُ الحج الأكبر يومُ النحر): لا دليل في الحديث المذكور على أن وقوف أبي بكر في ذي الحجة، وإنما يريد بيوم الحج ويوم النحر: من الشهر الذي وقف فيه، فيصدُق، وإن كان وقف في ذي القعدة؛ لأنهم كانوا يقفون فيه، وينحرون فيه، فلا يدل قولهُ: "يوم الحج الأكبر" على أنه كان في ذي الحجة، والصحيحُ أنه كان في ذي القعدة، كما تقدم. قال ابن المنير في "الصبح (¬1) الصادع": وسُئلتُ مرة فقيل لي: هل يتعينُ اليومُ الذي وقف فيه من ذي القعدة؟ فقلت: يتعين، ويكون التاسع؛ لأن النسيء كان عندهم شهراً، فبين الوقفتين (¬2) شهر، فتكون الوقفة في ذي القعدة كانت في التاسع، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "الصحيح". (¬2) في "ع": "الوقتين".

باب: إثم من عاهد ثم غدر

باب: إِثْمِ مَنْ عَاهَدَ ثُمَّ غَدَرَ 1736 - (3179) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: مَا كَتَبْنَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلاَّ الْقُرْآنَ، وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْمَدِينَةُ حَرَامٌ مَا بَيْنَ عَائِرٍ إِلَى كَذَا، فَمَنْ أحدَثَ حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لا يُقْبَلُ مِنْهُ عَدْلٌ وَلاَ صَرْفٌ، وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِماً، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ، وَمَنْ وَالَى قَوْماً بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ". (ومن والى قوماً بغير إذن مواليه): قال الداودي في غير هذا الموضع: "مَنْ تَوَلَّى"، وهو المحفوظ؛ لأنه نهى عن بيع الولاء وهبته (¬1). قلت: وعلى هذا فقوله: "بغيرِ إذنِ مواليه": لا مفهوم له؛ إذ لو أُذِنوا في توليِّ (¬2) قوم بحيث يكون لهم ولاؤه دونهم، لم يجز. * * * 1737 - (3180) - قَالَ أَبُو مُوسَى: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا لَمْ تَجْتَبُوا دِينَاراً وَلاَ دِرْهَماً؟ فَقِيلَ لَهُ: وَكَيْفَ تَرَى ذَلِكَ كَائِناً يَا أَبَا ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 705). (¬2) في "ع": "مولى".

باب

هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: إِيْ وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ، عَنْ قَوْلِ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ، قَالُوا: عَمَّ ذَاكَ؟ قَالَ: تُنْتَهَكُ ذِمَّةُ اللهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَيَشُدُّ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- قُلُوبَ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَيَمْنَعُونَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ. (تنتهك حرمة (¬1) الله): أي: بِتناولِ ما لا يحلُّ. * * * باب 1738 - (3181) - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ الأَعْمَشَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا وَائِلٍ: شَهِدْتَ صِفِّينَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَسَمِعْتُ سَهْلَ ابْنَ حُنَيْفٍ يَقُولُ: اتَّهِمُوا رَأْيَكُمْ، رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ، وَلَوْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ أَمْرَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، لَرَدَدْتُهُ، وَمَا وَضَعْنَا أَسْيَافَنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا لأَمْرٍ يُفْظِعُنَا إِلاَّ أَسْهَلْنَ بِنَا إِلَى أَمْرٍ نَعْرِفُهُ غَيْرِ أَمْرِنَا هَذَا. (فسمعت سَهْلَ بنَ حُنَيف): بضم الحاء المهملة وفتح النون على التصغير. (يقول: اتهموا رأيكم، رأيتُني يومَ أبي جندل، ولو (¬2) أستطيع أن أردَّ (¬3) أمرَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، لرددتُه): عَنَى سهلُ بنُ حُنيفٍ بقوله هذا: إعلامَهم بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتثبَّتُ (¬4) في القتال إبقاءً على المسلمين، وصوناً للدماء، هذا وهو بمرصاد ¬

_ (¬1) نص البخاري: "ذمة". (¬2) في "م": "فلو". (¬3) في "ع": "إن أراد". (¬4) في "ع": "يثبت".

الوحي، وعلى يقين الحق نَصّاً (¬1) بغير اجتهاد ولا ظن، فإذا كان هذا تثبتُه (¬2) حيثُ كانَ رأيُ كلِّ ذي رأيٍ التسرُّعَ (¬3) إلى القتال، وإلى نُصرة الحقِّ الأبلَج على الباطل الصُّراح، فكيف لا يُتَثَبَّتُ (¬4) في قتالِ الفتنة، ومَظِنَّةِ المحنة، وعدمِ القطع والتعيين بموجب القتال، [وحقائقِ الأحوال؟! ولهذا قعدَ جماعةٌ عن القتال] (¬5)، ولو مع (¬6) عليٍّ -كرم الله وجهه-، مع أن رأيهم كان موافقاً لرأيه، ولكن رأوا الأمرَ مُشْكِلاً، والدم خطيراً، فوقفوا، وعذرهم عليٌّ رضي الله عنه. وساق البخاري هذا الخبر بغير هذا المعنى، وما مراده منه إلا الوفاء بالعهد؛ وإن كان مُمِضّاً؛ كإسلام أبي جندلٍ إلى الكفار في قيوده. (لأمر يفظعنا): أي: يثقل علينا ويشقُّ، قال ابن فارس: فَظَعَ وأَفْظَعَ لغتان (¬7). (إلا (¬8) أسهَلْنَ (¬9) بِنا): الضمير عائد على الأسياف التي تقدَّم ذكرُها؛ أي: أَدْنَتْنا إلى أمر سهل، فأدخلَتْنا فيه. ¬

_ (¬1) في "ع": "مضى". (¬2) في "ع": "بينة". (¬3) في "ع": "الشرع". (¬4) في "ع": "يثبت". (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬6) "مع" ليست في "ع". (¬7) انظر: "المجمل" (ص: 723)، وانظر: "التنقيح" (2/ 705). (¬8) "إلا" ليست في "ع". (¬9) في "ع": "أسهل".

باب: إثم الغادر للبر والفاجر

باب: إِثْمِ الغَادِرِ لِلْبَرِّ والفَاجِرِ 1739 - (3186 و 3187) - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. وَعَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ -قَالَ أَحَدُهُمَا: يُنْصَبُ، وَقَالَ الآخَرُ-: يُرَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُعْرَفُ بِهِ". (وعن ثابت، عن أنس): القائل هذا: هو شعبةُ شيخُ شيخِ البخاري. * * * 1740 - (3189) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: "لاَ هِجْرَةَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ، فَانْفِرُوا". وَقَالَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: "إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، فَهْوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، فَهْوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لاَ يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلاَ يَلتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلاَّ مَنْ عَرَّفَهَا، وَلاَ يُخْتَلَى خلاَهُ"، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِلاَّ الإِذْخِرَ؛ فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِم وَلِبُيُوتِهِمْ، قَالَ: "إِلاَّ الإِذْخِرَ". (إن هذا البلدَ حَرَّمَهُ اللهُ): وجهُ مطابقة ترجمته على إثم الغادر للبر والفاجر؛ لحديث مكةَ: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نصَّ على أنها اختصت بالحرمة إلاَّ في الساعة المستثناة، وليس المرادُ حرمةَ قتلِ المؤمن البَرِّ فيها، إذ كلُّ بقعةٍ كذلك، فالذي اختصَّت به: حرمةُ قتلِ الفاجرِ المتأهِّلِ للقتل، فإذا استقر

أن الفاجرَ قد حَرُمَ قتلُه فيها بعهدِ الله الذي خصَّها به، فإذا خصَّ أحدٌ فاجراً بعهد الله وميثاقه في غيرها، لزمَ نفوذُ العهد له، وثبوتُ الحرمة في حقه، فيقوى عمومُ الحديث الأول في الغادِرِ بالبر والفاجر (¬1). وجاء في بعض الطرق: "وإنَّ لواءَ الغادِرِ يُنْصَبُ لَهُ عِنْدَ اسْتِهِ، يُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلانٍ" (¬2)، والمراد من ذلك -والله أعلم-: مقابلتُه بنقيضِ قصدِه؛ لأن اللواء في الدنيا إنما ينُصب على الرئيس، فينُصب يومئذ عند استِ الغادر فُضوحاً له؛ إذ الأعينُ تمتدُّ إلى الألوية، فيكون ذلك سببَ امتدادِ الأعينِ إلى سوءته (¬3) التي بدت له يومئذ، وفُضح فيها على رؤوس الأشهاد، قاله في "الصبح الصادع". * * * ¬

_ (¬1) انظر: "المتواري" (ص: 200). (¬2) رواه مسلم (1738)، وابن حبان في "صحيحه" (7343)، واللفظ له، من حديث أبي سعيد رضي الله عنه. (¬3) في "ع": "بيوته".

كتاب بدء الخلق

كِتابُ بَدءِ الخَلْقِ

باب: ما جاء في قول الله تعالى: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده} [الروم: 27]

باب: مَا جَاءَ فِي قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [الروم: 27] قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ، وَالْحَسَنُ: كُلٌّ عَلَيْهِ هَيِّنٌ. هَيْنٌ وَهَيِّنٌ مِثْلُ لَيْنٍ وَلَيِّنٍ، وَمَيْتٍ وَمَيِّتٍ، وَضيْقٍ وَضَيِّقٍ. (كتاب: بدء الخلق). (الربيع بن خُثَيم): بخاء معجمة مضمومة وثاء مثلثة مفتوحة. (هَيِّنٌ وهَيْنٌ مثلُ لَيِّنٍ ولَيْنٍ): وقال ابن الأعرابي: العربُ تمدح بالهَيْنِ اللَّيْنِ، وتذمُّ بالهيِّن الليِّن، مثقلاً (¬1). 1741 - (3190) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ جَامِعِ ابْنِ شَدَّادٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: جَاءَ نَفَرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "يَا بَنِي تَمِيمٍ! أبْشِرُوا". قَالُوا: بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا، فَتَغيَّرَ وَجْهُهُ، فَجَاءَهُ أَهْلُ الْيَمَنِ، فَقَالَ: "يَا أَهْلَ الْيَمَنِ! اقْبَلُوا الْبُشْرَى إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ". قَالُوا: قَبِلْنَا، فَأَخَذَ ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (19/ 11).

النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُحَدِّثُ بَدْءَ الْخَلْقِ وَالْعَرْشِ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا عِمْرَانُ! رَاحِلَتُكَ تَفَلَّتَتْ، لَيْتَنِي لَمْ أَقُمْ. (صفوان بن مُحْرِز): بإسكان الحاء المهملة وكسر الراء بعدها زاي، وقد مر. (قالوا: قد بَشَّرْتَنا فأَعْطِنا): قيل: قاله الأقرعُ بنُ حابس، كان فيه بعضُ أخلاقِ البادية. قال السفاقسي: ورُوي أنه حين ردَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - سبيَ هوازنَ، قال الأقرعُ وعُيَيْنَةُ: ما نطيبُ بذلك، وأنهما أخذا حِصَّتَهما من ذلك، فوقع لأحدهما: جمل أجربُ، ويقال: إنه كان فيمن نادى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - من وراء (¬1) الحجرات (¬2). * * * 1742 - (3191) - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا جَامِعُ بْنُ شَدَّادٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ: أنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَعَقَلْتُ نَاقَتِي بِالْبَابِ، فَأَتَاهُ نَاسٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَقَالَ: "اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ". قَالُوا: قَدْ بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا، مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، فَقَالَ: "اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا أَهْلَ الْيَمَنِ، إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ". قَالُوا: قَدْ قَبِلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالُوا: جئْنَاكَ نَسْأَلُكَ عَنْ هَذَا الأَمْرِ، قَالَ: "كَانَ اللهُ، وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَكتَبَ فِي الذِّكْرِ ¬

_ (¬1) "وراء" ليست في "ع". (¬2) انظر: "التوضيح" (19/ 14).

كُلَّ شَيْءٍ، وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ". فَنَادَى مُنَادٍ: ذَهَبَتْ نَاقَتُكَ يَا بْنَ الْحُصَيْنِ، فَانْطَلَقْتُ، فَإِذَا هِيَ يَقْطَعُ دُونَهَا السَّرَابُ، فَوَاللهِ! لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ تَرَكْتُهَا. (اقبلوا البشرى يَا أهلَ اليمن؛ إذ (¬1) لم يقبلوها (¬2): ويروى: "أَن" -بالفتح-؛ أي: من أجلِ تركِ بني تميمٍ لها. * * * 1743 - (3192) - وَرَوَى عِيسَى، عَنْ رَقَبَةَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُولُ: قَامَ فِينَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَقَاماً، فَأَخْبَرَنَا عَنْ بَدْءِ الْخَلْقِ حَتَّى دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مَنَازِلَهُمْ، وَأَهْلُ النَّارِ مَنَازِلَهُمْ، حَفِظَ ذَلِكَ مَنْ حَفِظَهُ، وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ. (وروى عيسى عن رقية (¬3)): قال الجياني: هكذا في النسخ كلها عن البخاري. وقال أبو مسعود الدمشقي: إنما رواه عيسى -يعني: ابن موسى الغُنجار البخاري-، عن أبي حمزة، عن رقية، وفي "مستخرج أبي نعيم": ولا يعرف لعيسى عن رقية نفسه شيء (¬4). ¬

_ (¬1) في "ع": "إذا". (¬2) نص البخاري: "إذ لم يقبلها بنو تميم". (¬3) نص البخاري: "رَقَبَة"، وقد وقع هكذا؛ أعني: "رقية" في "التنقيح" للزركشي (2/ 707). (¬4) انظر: "التوضيح" (19/ 17).

1744 - (3194) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَمَّا قَضَى اللهُ الْخَلْقَ، كَتَبَ فِي كِتَابِهِ، فَهْوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي". (لما قضى [اللهُ] الخلقَ): قال ابن عرفة: قضاءُ الشيء: إحكامُه وإمضاؤه، والفراغُ منه، وبه سمي القاضي؛ لأنه إذا حكم، فقد فرغَ مما بينَ الخصمين (¬1). (فهو عنده فوق العرش): قيل: المراد: دونه؛ كقوله تعالى: {بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة: 26]؛ أي: دونها؛ استعظاماً أن يكون شيء من المخلوقات فوقَ العرش. وقيل: الكلام على حقيقته، والمراد: علمُ ذلك عندَ الله لا يُبدل (¬2). (إن رحمتي غلبتْ غضبي): أشار لسَعَةِ الرحمةِ وشمولها (¬3) الخلقَ، فكأنها الغالبة؛ يقال: غلبَ على فلانٍ الكرمُ؛ أي: هو أكثرُ أفعاله، وإلا فغضبُ الله ورحمتُه صفتان من صفات ذاته، فالغضبُ: إرادةُ العقاب، والرحمةُ: إرادة الثواب، والصفاتُ لا توصف بالغلبة (¬4)، ولا يسبق بعضُها بعضاً، لكن جاء هذا على الاستعارة. ولا يمتنع أن تجعل الرحمة والغضب من صفات الفعل لا الذات، فالرحمة: هي الثواب والإحسان، والغضب: ¬

_ (¬1) المرجع السابق، (19/ 19). (¬2) وهو الصواب. (¬3) في "ع": "ومشمولها". (¬4) في "ع": "بالعلية".

باب: ما جاء في سبع أرضين

هو الانتقام والعقاب، فتكون الغلبة (¬1) على بابها؛ أي (¬2): إن رحمتي أكثرُ من غضبي، فتأمله (¬3). * * * باب: مَا جَاءَ في سَبْعِ أَرَضِينَ 1745 - (3195) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ عَلِيِّ ابْنِ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُنَاسٍ خُصُومَةٌ فِي أَرْضٍ، فَدَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ، فَذَكَرَ لَهَا ذَلِكَ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا سَلَمَةَ! اجْتَنِبِ الأَرْضَ؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ، طُوِّقَهُ مِنْ سَبع أَرَضِينَ". (قِيدَ شِبْرٍ): -بكسر القاف-؛ أي: قَدْرَ شبر. * * * 1746 - (3197) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنِ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "الزَّمَانُ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ؛ ذُو الْقَعْدَةِ، ¬

_ (¬1) في "ع": "فكون العلية". (¬2) "أي" ليست في "ع". (¬3) قلت: صفة الرحمة، صفة ذاتية، ملازمة للحق سبحانه وتعالى دائمة، أما صفة الغضب، فهي صفة اختيارية له -سبحانه- ليست دائمة، فمتى شاء سبحانه يغضب، ومتى شاء لا يغضب، والله أعلم.

وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ، الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ". (إن الزمان قد استدارَ): يعني به -والله أعلم-: زمانَ الحج الذي هو ذو الحجة؛ فإنه -عليه الصلاة والسلام- وافقَ حجّه فيه، وهو الزمان الذي شرع الله فيه عملَ الحج على إبراهيم -عليه السلام-، ولم يزل الناس يحجون إلى أن غيرت قريشٌ زمانهَ بالنَّسيء الذي ابتدعوه، فإنهم كانوا يزيدون في كل سنة شهراً يحجُّون فيه، فإذا حجُّوا في سنةٍ [في] ذي الحجة، حجوا في السنة التي تليها في المحرم، وهكذا، حتى ينتهي الدور إلى ذي (¬1) الحجة، وكانت تلك السنة قد اقتضى دورهم أن يكون الحجُّ فيها في ذي الحجة؛ فهدى الله نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - إلى الوقت الذي شرعَ اللهُ فيه الحجَّ، وحماه الله من بدع الجاهلية؛ كما فعل معه في جميع أحواله -عليه الصلاة والسلام-، وهذا أولى ما قيل فيه (¬2). (ورجبُ مُضَرَ الذي بين جُمادى وشعبان): قيل: حصرُه بين هذين الشهرين تأكيدٌ. وقيل: الأشبهُ أنه تأسيسٌ، وذلك لأن العرب كانت تُنَسِّئ الأشهرَ، فتؤخِّرُ الشهرَ من موضعه إلى شهر آخرَ، فإنهم كانوا يقولون: رَجَبٌ شهرٌ حرام، وكانوا لا يحاربون في الأشهر الحرم، وكان أكثرُ معايشهم وأرزاقهم من الغارات، وكانوا يؤخِّرون الشهرَ الحرام إلى شهرٍ بعدَه؛ ليحاربوا في الشهر الحرام، ويغيروا مكانَ الشهر، فينتقل عن وقته الحقيقي، فقال لهم ¬

_ (¬1) "ذي" ليست في "ع". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 708).

النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن شهرَ رَجَبٍ هو (¬1) الذي بين جُمادى وشعبان، لا رجبٌ الذي هو (¬2) عندكم، وقد أنسأتموه وأخرتموه (¬3). * * * 1747 - (3198) - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ: أَنَّهُ خَاصَمَتْهُ أَرْوَى -فِي حَقٍّ زَعَمَتْ أَنَّهُ انْتَقَصَهُ لَهَا- إِلَى مَرْوَانَ، فَقَالَ سَعِيدٌ: أَنَا أَنْتَقِصُ مِنْ حَقِّهَا شَيْئاً؟! أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ أَخَذَ شِبْراً مِنَ الأَرْضِ ظُلْماً، فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ". (ابن نُفَيل): بضم النون وفتح الفاء على التصغير. (خاصَمَتْه أَرْوَى): هي بنتُ أَوس، وكانت حاضنةً لمروانَ بنِ الحكم، فقال سعيد: اللهمَّ إن كانتْ كاذبةً، فأَعْمِ بصرَها، واجعلْ قبرهَا في دارها، فتقبَّلَ اللهُ دعوته، فعميتْ، ومرت على (¬4) بئر في الدار، فوقعت فيها، فكانت (¬5) قبرَها (¬6). * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "مضر هو". (¬2) "هو" ليست في "ع". (¬3) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬4) "على" ليست في "ع". (¬5) في "ع": "وكانت". (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 709).

باب: في النجوم

باب: فِي النُّجُومِ وَقَالَ قَتَادَةُ {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} [الملك: 5]: خَلَقَ هَذِهِ النُّجُومَ لِثَلاَثٍ: جَعَلَهَا زِينَةً لِلسَّمَاءِ، وَرُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ، وَعَلاَمَاتٍ يُهْتَدَى بِهَا، فَمَنْ تَأَوَّلَ فِيهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ، أَخْطَأَ، وَأَضَاعَ نَصِيبَهُ، وَتَكَلَّفَ مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {هَشِيمًا} [الكهف: 45]: مُتَغَيِّراً. وَالأَبُّ: مَا يَأْكُلُ الأَنْعَامُ، الأَنَامُ: الْخَلْقُ، {بَرْزَخٌ} [الرحمن: 20]: حَاجِبٌ. (برزخ: حاجب): وفي نسخة: "حاجز" (¬1). * * * باب: صِفَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ {بِحُسْبَانٍ} [الرحمن: 5]: قَالَ مُجَاهِدٌ: كَحُسْبَانِ الرَّحَى، وَقَالَ غَيْرُهُ: بِحِسَابٍ وَمَنَازِلَ لا يَغدُوَانِهَا. حُسْبَانٌ: جَمَاعَةُ حِسَابٍ مِثْلُ شِهَابٍ وَشُهْبَانٍ. {ضُحَاهَا} [النازعات: 29] ضَوْءُهَا. {أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ} [يس: 40]: لا يَسْتُرُ ضَوْءُ أَحَدِهِمَا ضَوْءَ الآخَرِ، وَلاَ يَنْبَغِي لَهُمَا ذَلِكَ. {وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} [يس: 40]: يَتَطَالَبَانِ حَثِيثَانِ. {سَابِقُ النَّهَارِ} [يس: 40]: يتطالبان حثيثين: في "الانتصاف": يؤخذ من هذه الآية: أن النهار تابعٌ لليل (¬2)؛ إذ جعلَ الشمسَ التي (¬3) هي آيةُ النهار غيرَ مدركةٍ للقمر الذي هو آيةُ الليل، فبقي الإدراك الذي يمكن أن يقع، وهو ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 709). (¬2) في "ع": "الليل". (¬3) "التي" ليست في "ع".

يستدعي تقدمَ القمر، وتبعيةَ الشَّمس؛ فإنه لا يقال: أدركَ السابقُ اللاحقَ، لكن يقال: أدركَ (¬1) اللاحقُ السابقَ، فالليلُ إذن متبوعٌ، والنهارُ تابعٌ. فإن قيل: فالآية مصرحة بأن الليلَ لا يسبق النهار؟ فجوابه: أنه مشترك الإلزام؛ إذ الأقسامُ المحتملة ثلاثةٌ: إما تبعيةُ النهارِ لليلِ كمذهب الفقهاء، أو عكسُه؛ وهو المنقولُ عن طائفة من النُّحاة، أو اجتماعُهما، فهذا القسم الثالث منفيٌّ بالاتفاق، فلم يبقَ إلا تبعيةُ النهارِ لليل، وعكسُه، والسؤالُ وارد عليهما، لاسيما من قال: إن النهارَ سابقُ الليل، يلزم من طريق البلاغة أن يقول: ولا الليل يدرك النهار؛ فإن المتأخر إذا نُفِي (¬2) إدراكُه كان أبلغَ من نفي سَبْقِه، مع أنه ناءٍ عن قوله: {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ} [يس: 40]. فأما ظاهراً: فالتحقيقُ أن المنفيَّ: السبقيةُ الموجبةُ لتراخي النهار عن الليل، وتخلُّل زمنٍ آخرَ بينهما، فيثبتُ التعاقبُ، وحينئذ يكون القولُ بسبق النهارِ الليلَ مخالفاً لصدر الآية؛ فإن بين عدم الإدراك -الدالِّ على التأخر والتبعية- وبين السبق بَوْناً بعيداً، ولو كان الليلُ تابعاً متأخِّراً؛ لكان حَرِيّاً أن يوصَف بعدم الإدراك، ولا يُبلغ به عدمُ السبق، فتقدمُ الليلِ على النهار مطابقٌ لصدر الآية صريحاً، ولعَجُزِها بتأويلٍ حسنٍ. * * * 1748 - (3199) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ¬

_ (¬1) في "ع": "إدراك". (¬2) في "ع": "بقي".

الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأَبِي ذَرٍّ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ: "تَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ؟ ". قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَتَسْتَأْذِنَ، فَيُؤْذَنَ لَهَا، وَيُوشِكُ أَنْ تَسْجُدَ فَلاَ يُقْبَلَ مِنْهَا، وَتَسْتَأْذِنَ فَلاَ يُؤْذَنَ لَهَا، يُقَالُ لَهَا: ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [يس: 38]. (حتى تسجدَ تحت العرش، فتستأذنَ (¬1)): سجودُ الشمسِ أنكره قومٌ من أهل الغفلة اقتداءً بالملحدة؛ وسجودُها صحيحٌ ممكنٌ لا يُحيله العقلُ. وقيل: هو عبارةٌ عن التذللِ والخضوع، واسئئذانُها إن كانت ممن يعقل، فعلى ظاهره، وإلا فَمِنَ الموكَّلين بها، أو يكون ذلك على لسان حالها. قال ابن الجوزي: ربما أشكلَ هذا الحديث على بعض الناس من حيث أَنا نراها تغيب في الأرض، وقد أخبر القرآن أنها تغيب في (¬2) عين حَمِئَة، فأين هي من العرش؟ والجواب: أن الأرضين السبعَ في ضرب المثال كقطبِ رحًى، والعرش لعظم ذاته بمثابة الرحى، فأينما سجدت الشمسُ، سجدت تحت (¬3) العرش، وذلك مستقرُّها (¬4). (فلا يؤذَن لها): أي: في المسير إلى مطلعها. ¬

_ (¬1) "فتستأذن" ليست في "ع". (¬2) في "م": "من". (¬3) "تحت" ليست في "ع". (¬4) انظر: "التوضيح" (19/ 38 - 39).

1749 - (3200) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ الدَّانَاجُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ مُكَوَّرَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". (الداناجُ): -بدال مهملة فألف فنون فألف فجيم-: هو بالفارسية: العالمُ. (الشمسُ والقمر مُكَوَّرانِ يوم القيامة): قيل: يذهبُ نورُهما، وقيل: يُلَفَّان كما يُلَفُّ الثوبُ. ووقع في بعض نسخ "أطراف أبي مسعود الدِّمشقي" زيادة: "في النار"، وكذا رواية ابن أبي شيبة في "مصنفه"، والإسماعيلي في "مستخرجه". وإنما روى أبو داود الطَّيالِسي في "مسنده" عن الرقاشي، عن أنس يرفعه: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ ثَوْرَانِ عَقِيرَانِ في النَّارِ" (¬1): -بالثاء المثلثة-، وإنما (¬2) يجتمعان في جهنم؛ لأنهما عُبدا من دون الله، ولا تكون النار عذاباً لهما؛ لأنهما (¬3) جماد؛ وإنما يُفعل ذلك بهما زيادة تبكيت الكفار وحسرتهم (¬4). * * * 1750 - (3201) - حَدَّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، ¬

_ (¬1) رواه الطيالسي في "مسنده" (2103). (¬2) في "ع": "وأنهما". (¬3) "لأنهما" ليست في "ع". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 710).

باب: ما جاء في قوله: {وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي} [الفرقان: 48]

قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: أَنَّهُ كَانَ يُخْبِرُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا، فَصَلُّوا". (عبد الله بن عمرو (¬1) أنه كان يخبر): كذا وقع في بعض النسخ: "عَمْرو" -بفتح العين وإسكان الميم-، والصواب: عن عبد الله بن عمر؛ أي: ابن الخطاب؛ كما في جُلِّ النسخ، وكذا ذكره الدمشقي في "أطرافه" (¬2). * * * باب: مَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ: {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ} [الفرقان: 48] {قَاصِفًا} [الإسراء: 59]: تَقْصِفُ كُلَّ شَيْءٍ. {لَوَاقِحَ} [الحجر: 22]: مَلاَقِحَ، مُلْقِحَةً. ({لَوَاقِحَ}: ملاقح): يشير إلى أن الأصل: ملاقح، جمع مُلْقِحَة، ثم حُذفت منه (¬3) الزوائد، هذا قول أبي عبيدة، وغيره. وأنكره بعضهم (¬4)، وقال: هو بعيد جدًا؛ لأن حذف الزوائد في مثل هذا بابُهُ (¬5) الشعر، قال: ولكنه جمع لاقِحَة ولاقِح بلا خلاف على النسب؛ ¬

_ (¬1) في "ع": "عمر". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 710). (¬3) "منه" ليست في "ع". (¬4) "بعضهم" ليست في "ع". (¬5) في "ع": "بأنه".

أي: ذاتُ اللقاح. وقال ابن السِّكِّيت: اللواقح: الحوامل (¬1). * * * 1751 - (3206) - حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها -، قَالَتَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا رَأَى مَخِيلَةً فِي السَّمَاءَ، أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، وَدَخَلَ وَخَرَجَ، وَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ، فَإِذَا أَمْطَرَتِ السَّمَاءُ، سُرِّيَ عَنْهُ، فَعَرَّفَتْهُ عَائِشَةُ ذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا أَدْرِي لَعَلَّهُ كَمَا قَالَ قَوْمٌ: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ} [الأحقاف: 24] ". (وما (¬2) أدري، لعلَّه كما قال قوم: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ}): قال ابن العربي: كيف يلتئم هذا مع قوله -عز وجل-: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال: 33]؟ وأجاب: بأن الآية قبل الحديث؛ لأن الآية كرامةٌ للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ودرجتُه رفيعةٌ لا تُحَطُّ بعدَ أن رُفعت؛ فإن الله لم يُعذبْ أسلافَهم؛ لكونه -عليه السلام- في أصلابهم، ولم يعذبهم؛ لحرمة وجوده فيهم، ولم يعذبهم وهم يستغفرون بعدَ ذهاب نبيهم عليه الصلاة والسلام. واستشكل مغلطاي قوله: إن الآية قبلَ الحديث؛ إذ لا وجه له هنا، قال (¬3): ولو قال: بعد الحديث، لكان حسنا. ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (19/ 47). (¬2) كذا في رواية أبي ذر الهروي، وفي اليونينية: "ما"، وهي المعتمدة في النص. (¬3) "قال" ليست في "ع".

باب: ذكر الملائكة

قال ابن العربي: وقالت الصوفية: كما أن كونَه -عليه السلام- بينَ أَظْهُرهم مانعٌ من عذابهم، فالإيمانُ الذي في القلوب يمنع من تعذيب أبدانهم، والله أعلم (¬1). * * * باب: ذِكْرِ الْمَلاَئِكَةِ وَقَالَ أَنَسٌ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ جِبْرِيلَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} [الصافات: 165]: الْمَلاَئِكَةُ. (باب: ذكر الملائكة، و (¬2) قال أنس: قال عبدُ الله بنُ سَلامٍ للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إن جبريل عدو اليهود من الملائكة): هذا التعليق رواه البخاري عن قريبٍ مسنَداً مطوَّلاً عن محمد بن سلام، عن مروان بن معاويةَ، عن حُميد، عنه. 1752 - (3207) - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ. وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ وَهِشَامٌ، قَالاَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكٍ بْنِ صَعْصَعَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "بَيْنَا أَنَا عِنْدَ الْبَيْتِ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ -وَذَكَرَ: بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ-، فَأُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ، مُلِيءَ حِكْمَةً وَإِيمَاناً، فَشُقَّ مِنَ النَّحْرِ إِلَى مَرَاقِّ الْبَطْنِ، ثُمَّ غُسِلَ الْبَطْنُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ مُلِيءَ حِكْمَةً وَإِيمَاناً، ¬

_ (¬1) انظر: "عارضة الأحوذي" (12/ 140). وانظر: "التوضيح" (19/ 50). (¬2) الواو ليست في "ع".

وَأُتِيتُ بِدَابَّهٍ أَبْيَضَ، دُونَ الْبَغْلِ وَفَوْقَ الْحِمَارِ: الْبُرَاقُ، فَانْطَلَقْتُ مَعَ جِبْرِيلَ حَتَّى أَتَيْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَباً بِهِ، وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَأَتَيْتُ عَلَى آدَمَ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَباً بِكَ مِنِ ابْنٍ وَنَبِيٍّ، فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم -، قِيلَ: أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَباً بِهِ، وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَأَتَيْتُ عَلَى عِيسَى وَيَحْيَى، فَقَالاَ: مَرْحَباً بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ، فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الثَّالِثَةَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَباً بِهِ، وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَأَتَيْتُ يُوسُفَ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، قَالَ: مَرْحَباً بِكَ مِنْ أخٍ وَنَبِيٍّ، فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ: جبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ: مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم -، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قِيلَ: نَعمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، وَلَنِعْمَ الْمَجيءُ جَاءَ، فَأَتَيْتُ عَلَى إِدْرِيس، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَباً مِنْ أخٍ وَنبِيٍّ، فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَباً بِهِ، وَلَنِعْمَ الْمَجيءُ جَاءَ، فَأَتَيْنَا عَلَى هَارُونَ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَباً بَكَ مِنْ أَخٍ وَنبِيٍّ، فَأَتَيْنَا عَلَى السَّمَاءَ السَّادِسَةِ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قيلَ: مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم -، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ مَرْحَباً بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَأَتَيْتُ عَلَى مُوسَى فَسَلَّمْتُ، فَقَالَ: مَرْحَباً بِكَ مِنْ أَخٍ وَنبِيٍّ، فَلَمَّا جَاوَزْتُ، بَكَى، فَقِيلَ: مَا أَبْكَاكَ؟ قَالَ: يَا رَبِّ! هَذَا الَغُلامُ الَّذِي بُعِثَ بَعْدِي، يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَفْضَلُ مِمَّا يَدْخُلُ مِنْ أمُّتِي، فَأَتِيْنَا السَّمَاءَ السَّابِعَةَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ:

وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ مَرْحَباً بِهِ، وَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَأَتَيْتُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَباً بِكَ مِنِ ابْنٍ وَنَبِيٍّ، فَرُفِعَ لِيَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ، فَقَالَ: هَذَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا، لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ، وَرُفِعَتْ لِي سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى، فَإِذَا نبَقُهَا كَأَنَّهُ قِلاَلُ هَجَرٍ، وَوَرَقُهَا كَأَنَّهُ آذَانُ الْفُيُولِ، فِي أَصْلِهَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ: نَهْرَانِ بَاطِنَانِ، وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ، فَقَالَ: أَمَّا الْبَاطِنَانِ، فَفِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ، النِّيلُ وَالْفُرَاتُ، ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ صَلاَةً، فَأَقْبَلْتُ حَتَّى جِئْتُ مُوسَى، فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: فُرِضَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ صَلاَةً، قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِالنَّاسِ مِنْكَ، عَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، وَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ، فَرَجَعْتُ فَسَأَلْتُهُ، فَجَعَلَهَا أَرْبَعِينَ، ثُمَّ مِثْلَهُ، ثُمَّ ثَلاَثِينَ، ثُمَّ مِثْلَهُ، فَجَعَلَ عِشْرِينَ، ثُمَّ مِثْلَهُ، فَجَعَلَ عَشْراً، فَأَتَيْتُ مُوسَى، فَقَالَ مِثْلَهُ، فَجَعَلَهَا خَمْساً، فَأَتَيْتُ مُوسَى، فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: جَعَلَهَا خَمْساً، فَقَالَ مِثْلَهُ، قُلْتُ: سَلَّمْتُ بِخَيْرٍ، فَنُودِيَ: إِنِّي قَدْ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي، وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي، وَأَجْزِي الْحَسَنَةَ عَشْراً". (إلى مَرَاقّ (¬1) البطن): -بتشديد القاف-[وأصلُه: مراقِق؛ فأدغمت القاف] (¬2) الأولى في الثانية، وسُميت بذلك؛ لأنها موضعُ رِقَّةِ الجلد (¬3). (بدابةٍ أبيضَ): ولم يقل: بيضاء؛ نظراً إلى المعنى؛ أي: بمركوبٍ، أو بُراقٍ. ¬

_ (¬1) في "ع": "مطراق". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 711).

(البراقُ): بالرفع، خبر مبتدأ محذوف، وبالجر على البدل. (هذا الغلام): الإشارة للتعظيم، والعرب تسمي الرجل المُجْتَمِعَ السنِّ: غلاماً. قيل: وإنما بكى موسى -عليه السلامُ- لأن أمته حين قصر عددُهم عن (¬1) عددِ أمةِ محمد -عليه السلام-، أشفق عليهم، وتمنى لهم الخير. (فأتينا السماءَ السابعةَ): كذا وقع هنا، ولكن في أول كتاب الصلاة: أنه في السادسة (¬2)، وكذا اختُلف في موسى، وإذا حُمل الإسراءُ على التعدد، فلا اختلافَ. (فنودي: إني أمضيتُ فريضتي، وخففتُ عن عبادي): تقدم في كتاب الصلاة: أن ابن المنير -رحمه الله- قال: إن هذا يلزم عليه النسخ قبل البلاع، وأنه يرد على أهل السنة والمعتزلة، وصرح في "الصبح الصادع": بأن ذلك من مبتكراته. قلت: وهو عجيب؛ فإن السهيليَّ نقل في "الروض الأُنف" عن أبي جعفر النحاس: أنه أنكر كونَ حطِّ الخمسِ والأربعين صلاةً نسخاً لوجهين: أحدهما: أن العبادة لا يجوز نسخُها قبلَ العمل [بها؛ لأن ذلك من البداء، وهو محال على الله تعالى. الثاني: أن العبادة، وإن جاز نسخها قبلَ العمل بها] (¬3) عندَ من يراه، فليس يجوزُ عندَ أحد نسخُها قبل وصولها إلى المخاطَبين. ¬

_ (¬1) "عددهم عن" ليست في "ع". (¬2) رواه البخاري (349) عن أنس بن مالك رضي الله عنه. (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع".

قال أبو جعفر: وإنما هي شفاعة شفعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأمته (¬1) عند ربه؛ ومثلُه لا يسمى نسخاً. وردَّ السهيلي قولَه بلزوم البداء في النسخ بما هو مقرر في كتب الأصول. ثم قال السهيلي: وقولُنا في الخمس والأربعين صلاةً الموضوعةِ عن محمدٍ وأمته أحدُ وجهين: إما أن يكون نُسخ ما وجب على النبي - صلى الله عليه وسلم - من أدائها، ورُفع عنه استمرارُ العزم واعتقادُ الوجوب، وهذا قد قدمنا أنه نسخ على الحقيقة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ونُسخ عنه ما وجب (¬2) عليه من التبليغ؛ فقد كان في كل مرة عازماً على تبليغ ما أُمر به، وقولُ أبي جعفر: إنما كان شافعاً ومراجِعاً لا ينفي النسخَ؛ فإن النسخ قد يكون عن سبب معلوم، فشفاعته -عليه الصلاة والسلام- لأمته كانت سبباً للنسخ، لا مبطلةً له، ولكن المنسوخ ما ذكرناه من حكم التبليغِ الواجبِ عليه قبل النسخ، وحكم الصلوات الخمس في خاصته، وأما أمته، فلم يُنسخ عنهم (¬3) حكم؛ إذ لا يُتصور نسخُ الحكم قبل وصوله إلى المأمور، وهذا كله أحدُ الوجهين المذكورين في الحديث. قلت: لم يَرفع الإشكالَ أصلاً، فإن فرض الصلاة لم يكن خاصاً بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، بل كان شاملاً له ولأمته، ولذلك قال موسى -عليه السلام-: "إنَّ أمتك لا تُطيق ذلك"، فهو صريح في أن الأمة مفروضةٌ عليهم الخمسون. وما أحسنَ قولَه: "إن أمتك لا يطيقون ذلك"، ولم يقل: إنك وأمتك ¬

_ (¬1) "لأمته" ليست في "ع". (¬2) "عنه ما وجب" ليست في "ع". (¬3) في "ع": "عليهم".

لا تطيقون؛ لأن العجزَ عن ذلك (¬1) مقصورٌ على الأمة، لا يتعداهم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهو لما رزقه الله من الكمال يطيقُ ذلك، [و] أكثرَ من ذلك، وكيف لا وقد جُعلت قرةُ عينه في الصلاة؟! وأيضاً: فالسهيلي (¬2) قد اعترف بأن الأمة فُرضت عليهم الخمسون صلاة حيث قال: نُسخ عنه -عليه السلام- حكمُ التبليغِ الواجبِ عليه، وإلا، فلو لم يكن ثَمَّ فرض لذلك عليهم، لم يكن ثَمَّ نسخٌ لوجوب تبليغ ذلك إليهم، والإشكال (¬3) إنما ورد باعتبار الأمة خاصة، ولم يجب عنه بشيء. ثم قال: والوجه الثاني: أن يكون هذا خبراً لا تعبداً، وإذا كان خبراً، لم يدخله النسخ، ومعنى الخبر: أنه -عليه السلام- أخبره ربُّه أن على (¬4) أمته خمسين صلاة، ومعناه: أنها خمسون في اللوح المحفوظ، ولذلك قال في آخر (¬5) الحديث: "هي خمسٌ، وهي خمسون، والحسنةُ بعشرِ أمثالها"، فتأوله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أنها خمسون بالفعل، فلم يزلْ يراجعُ ربه حتى بين (¬6) له أنها في الثواب، لا بالعمل (¬7). فتأمله. وبالجملة: فالمسألة بحالها، ولم يصنع في رفع الإشكال شيئاً، وبالله التوفيق. ¬

_ (¬1) "عن ذلك" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "قال السهيلي". (¬3) "والإشكال" ليست في "ع". (¬4) "على" ليست في "ع". (¬5) "آخر" ليست في "ع". (¬6) في "ع": "تبين". (¬7) انظر: "الروض الأنف" للسهيلي (2/ 207 - 208).

1753 - (3208) - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَهْوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ، قَالَ: "إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْماً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ مَلَكاً، فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، وَيُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ، وَرِزْقَهُ، وَأَجَلَهُ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ لَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ إِلاَّ ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ كِتَابُهُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ. وَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ إِلاَّ ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ". (إن أحدكم يُجمع خَلْقُه في بطن أمه أربعين يوماً): قال الخطابي: جاء في (¬1) تفسيره عن ابن مسعود: أن النطفة إذا وقعت في الرحم، فأراد الله أن يخلق منها بشراً، طارت في بَشَرِ (¬2) المرأة تحت كل (¬3) ظفر وشعر، ثم تمكث أربعين ليلة، ثم تنزل (¬4) دماً في الرحم، فذلك (¬5) جمعها (¬6). وفيه دليل على (¬7) أن مصير الأمور في العاقبة إلى ما سبق به القضاءُ، ¬

_ (¬1) "جاء في" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "بشرة". (¬3) "كل" ليست في "ع". (¬4) في "ج": "تتنزل"، وفي "م": "يتنزل". (¬5) في "ع": "فكذلك". (¬6) انظر: "أعلام الحديث" للخطابي (2/ 1482). (¬7) "على" ليست في "م".

وجرى به القدرُ، وأن الأعمال أمارات، وليست بموجبات، ولا التفاتَ لإنكار عمرِو بن عُبيد من المعتزلة لهذا الحديث (¬1). * * * 1754 - (3209) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا مَخْلَدٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَهَ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَتَابَعَهُ أبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَهَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "إِذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَبْدَ، نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ الله يُحِبُّ فُلاَنًا، فَأَحْبِبْهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ الله يُحِبُّ فُلاَنًا، فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الأَرْضِ". (إن الله يحب فلاناً فحبَّه): وفي رواية: "فَأَحِبَّهُ". قال القاضي: يقولونه بفتح الباء، ومذهب سيبويه ضمها (¬2). ويروى: "فَأَحْبِبْهُ" على الفَكِّ (¬3). * * * 1755 - (3210) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 712). (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 178). (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 712).

عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَنْزِلُ فِي الْعَنَانِ -وَهْوَ السَّحَابُ-، فَتَذْكُرُ الأَمْرَ قُضِيَ فِي السَّمَاءَ، فَتَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ، فَتَسْمَعُهُ، فَتُوحِيهِ إِلَى الْكُهَّانِ، فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مِئَةَ كَذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ". (ثنا محمد، ثنا ابن أبي مريم): محمدٌ هذا هو البخاري مؤلفُ الكتاب، قاله أبو ذَرٍّ الهَرَوِيُّ، قال الزركشي: ولهذا سقطت من أكثر النسخ (¬1). * * * 1756 - (3214) - وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ حُمَيْدَ بْنَ هِلاَلٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى غُبَارٍ سَاطِعٍ فِي سِكَّةِ بَنِي غَنْمٍ، زَادَ مُوسَى: مَوْكِبَ جِبْرِيلَ. (في سِكَّة بني غَنْم): السِّكَّةُ -بكسر السين-، وغَنْم: بفتح الغين المعجمة، وسكون النون. (موكبُ جبريل): بالرفع: خبر مبتدأ مضمر؛ أي: هو، وبالنصب: مفعول بفعل محذوف؛ أي: كأني أنظر. * * * 1757 - (3221) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ عُمَرَ ابْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَّرَ الْعَصْرَ شَيْئًا، فَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ: أَمَا إِنَّ جِبْرِيلَ قَدْ نَزَلَ، فَصَلَّى أَمَامَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ عُمَرُ: اعْلَمْ مَا تَقُولُ يَا عُرْوَةُ، قَالَ: ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 712).

سَمِعْتُ بَشِيرَ بْنَ أَبِي مَسْعُودٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُودٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "نَزَلَ جِبْرِيلُ، فَأَمَّنِي، فَصَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ". يَحْسُبُ بِأَصَابِعِهِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ. (فصلى أمامَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -): قال ابن مالك: لا إشكال في فتح همزة "أَمام"، بل في كسرها؛ لأن إضافة أمام محضة، فهو معرفة؛ والموضعُ موضع حال، فوجب جعلُه نكرة بالتأويل كغيره من المعارف الواقعة أحوالاً؛ كـ "أرسلَها العراكَ" (¬1). * * * 1758 - (3222) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَهَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "قَالَ لِي جِبْرِيلُ: مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً، دَخَلَ الْجَنَّةَ، أَوْ: لَمْ يَدْخُلِ النَّارَ، قَالَ: وَإِنْ زَنَىَ وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: وَإِنْ". (دخل الجنةَ): وهذا أمرٌ مقطوعٌ به. (أو لم يدخل النار): ظاهرُه متروك؛ لثبوت (¬2) أن طائفةً من عُصاة هذه الأمة لا بدَّ من دخولهم النارَ، لكنهم لا يُخلدون فيها، فيحتاج إلى تأويل قوله: ¬

_ (¬1) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 193). وانظر: "التنقيح" (2/ 713). (¬2) في "ع": "الثبوت".

باب: إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه

"لم يدخل النار" على أن المرادَ: لم يدخلها دخولَ تخليدٍ فيها؛ جمعاً بين الأحاديث (¬1). * * * باب: إِذَا قَالَ أَحدُكُمْ آمِيْنَ وَالمَلاَئِكَةُ في السَّمَاءِ فَوَافَقَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ 1759 - (3225) - حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا طَلْحَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لا تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتاً فِيهِ كلْبٌ، وَلاَ صُورَةُ تَمَاثِيلَ". (لاَّ تدخل الملائكة بيتاً فيه كلبٌ، ولا صورةُ تماثيلَ): قال النووي: هؤلاء هم الملائكة الذين يطوفون بالرحمة والتبرك والاستغفار؛ بخلاف الحَفَظَة. قال الخطابي: والمراد: ما يحرُم اقتناؤه من الكلاب والصُّور، وأما ما لا يحرم؛ مثل: كلب الصيد والزرع والماشية، [والصورة التي تُمتهَن في البساط والوسادة وغيرها، فلا يمنع دخول الملائكة بسببه] (¬2). قيل: والأظهرُ أنه عامٌّ في كل كلب، وفي كل (¬3) صورة، وأنهم يمتنعون من الجميع؛ لإطلاق الأحاديث، فإن الجروَ الذي لم يعلم (¬4) به رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (19/ 91). (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬3) "كل" ليست في "ع". (¬4) في "ع": "يعلمه".

تحت السرير في الحديث المذكور في "مسلم" كان العذر [فيه ظاهراً، ومع هذا فقد امتنعَ جبريلُ -عليه السلام- من دخول البيت، وعلَّلَ بالجرو، فلو كان العذر] (¬1) في وجود الصورة (¬2) والكلب لا يمنعهم، لم يمتنع جبريلُ. ثم قيل: سبب امتناع الملائكة من دخول البيت الذي فيه الصورة؛ لكونها معصيةً فاحشة، وكونها مضاهاةً لخلق الله، وفيها ما يُعبد من دون الله -عز وجل-، وامتناعهم من الدخول إلى البيت فيه كلب؛ لكثرة أكله النجاسات، ولأن بعضها شيطان، والملائكةُ ضدٌّ لهم، ولقبح رائحة الكلب، والملائكةُ تكره الرائحة الكريهة، ولأنها منهيٌّ عن اتخاذها، فعوقب متخذُها بحرمانه (¬3) دخولَ الملائكة بيتَه، واستغفارَها له، وتبريكَها عليه (¬4). هكذا قيل، ولا يخلو بعضه من نظر. * * * 1760 - (3226) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرٌو: أَنَّ بُكَيْرَ بْنَ الأَشَجِّ حَدَّثَهُ: أَنَّ بُسْرَ بْنَ سَعِيدٍ حَدَّثَهُ: أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِيَّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- حَدَّثَهُ: وَمَعَ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عُبَيْدُ اللهِ الْخَوْلاَنِيُّ، الَّذِي كَانَ فِي حَجْرِ مَيْمُونَةَ -رضي الله عنها- زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: حَدَّثَهُمَا زَيْدُ ابْنُ خَالِدٍ: أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ حَدَّثَهُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتاً ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) في "ع": "في وجوده الصور". (¬3) في "ع": "بحرمانها". (¬4) انظر: "شرح مسلم" للنووي (14/ 84).

فِيهِ صُورَةٌ". قَالَ بُسْرٌ: فَمَرِضَ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ، فَعُدْنَاهُ، فَإِذَا نَحْنُ فِي بَيْتِهِ بِسِتْرٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ، فَقُلْتُ لِعُبَيْدِ اللهِ الْخَوْلاَنِيِّ: أَلَمْ يُحَدِّثْنَا فِي التَّصَاوِيرِ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ قَالَ: "إِلاَّ رَقْمٌ فِي ثَوْبٍ"، أَلاَ سَمِعْتَهُ؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: بَلَى، قَدْ ذَكَرَهُ. (إلا رَقْمٌ في ثوب): قال الخطابي: الصورةُ غيرُ الرَّقْم، ولعله أراد: الصورةَ المنهيَّ عنها، إنما هي ما كان له شخصٌ ماثل، دون ما كان منسوجاً في ثوب، وهذا قال به قوم، ولكن حديث القاسم عن عائشة يفسد هذا التأويل (¬1). * * * 1761 - (3231) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ: أَنَّ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَدَّثَتْهُ: أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ قَالَ: "لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدُّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ ابْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلاَّ وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ الله قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ؛ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ! فَقَالَ: ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِم الأَخْشَبَيْنِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: بَلْ أَرْجُو أَنْ ¬

_ (¬1) انظر: "أعلام الحديث" (2/ 1486). وانظر: "التنقيح" (2/ 714).

يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ الله وَحْدَهُ، لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً". (إذ عرضتُ نفسي على ابنِ عبدِ ياليل): قال مغلطاي: فيه نظر من حيث إن المذكور في السِّير عبد ياليل، لا ابن عبد ياليل. (ابن عبد كُلال): بضم الكاف. (بقرن الثعالب): هو قرنُ المنازل ميقاتُ أهلِ نجدٍ على (¬1) مرحلتين من مكة. (أن أَطْبق عليهم الأخشبين): أُطبق -بضم الهمزة وسكون الطاء-؛ من الإطباق، والأَخْشبان: -بفتح الهمزة وبخاء وشين معجمتين-: جبلا مكة: أبو قُبَيْس، والجبلُ (¬2) الذي يقابله (¬3). * * * 1762 - (3233) - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم: 18] قَالَ: رَأَى رَفْرَفاً أَخْضَرَ سَدَّ أُفُقَ السَّمَاءِ. (رأى رفرفاً خَضِراً (¬4)): يقال: هي ثيابٌ خضر، واحدها رَفْرَفَةٌ. قال السفاقسي: وجاء في بعض الروايات: "أنه رأى جبريلَ في حلتي ¬

_ (¬1) في "ع": "من". (¬2) في "ع": "والمد لجبل". (¬3) انظر: "التوضيح" (19/ 102). (¬4) كذا في رواية أي ذر الهروي عن الحمويي والمستملي، وفي اليونينية: "أخضر"، وهي المعتمدة في النص.

رفرف (¬1)، قد ملأ ما بين السماء والأرض (¬2). قال الخطابي: ويحتمل أن يكون أراد بالرفرف: أجنحةً بسطَها كما تُبسط الثياب (¬3) * * * 1763 - (3238) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "ثُمِّ فَتَرَ عَنِّي الْوَحْيُ فَتْرَةً، فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي، سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفعْتُ بَصَرِي قِبَلَ السَّمَاءِ، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ، قَاعِدٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَجُئِثْتُ مِنْهُ، حَتَّى هَوَيْتُ إِلَى الأَرْضِ، فَجِئْتُ أَهْلِي فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1] إِلَى {فَاهْجُرْ} [المدثر: 5] ". قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: وَالرِّجْزُ: الأَوْثَانُ. (فجُئِثت): -بضم الجيم وبهمزة مكسورة فمثلثة فمثناه فوقية- كذا للجمهور؛ أي: رُعِبْتُ، وقد سبق ضبطه. * * * 1764 - (3239) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ. وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ ¬

_ (¬1) في "ع": "رفرفت". (¬2) رواه أبو يعلى في "مسنده" (5018). (¬3) انظر: "أعلام الحديث" (2/ 1491). وانظر: "التوضيح" (19/ 103).

أَبِي الْعَالِيَةِ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَمِّ نَبِيِّكُمْ؛ يَعْنِي: ابْنَ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي مُوسَى، رَجُلاً آدَمَ، طُوَالاً جَعْداً، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَرَأَيْتُ عِيسَى رَجُلاً مَرْبُوعاً، مَرْبُوعَ الْخَلْقِ إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ، سَبِطَ الرَّأْسِ، وَرَأَيْتُ مَالِكاً خَازِنَ النَّارِ"، وَالدَّجَّالَ، فِي آيَاتٍ أَرَاهُنَّ اللهُ إِيَّاهُ: {فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ} [السجدة: 23]. قَالَ أَنَسٌ وَأَبُو بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "تَحْرُسُ الْمَلاَئِكَةُ الْمَدِينَةَ مِنَ الدَّجَّالِ". (آدم): أي: أَسْمَر. (جعداً): أي: ليس بسَبِط. (طُوالاً): بضم الطاء. (كأنه من رجال شنوءة): أي: في طوله وسُمرته، وشَنوءة: قبيلة من قحطان. قال القزار: واختلفت الرواية (¬1)، هل هو جَعْدٌ، أو سبط؟ وهل هو ضرب نحيف، أو جسيم (¬2)؟ (إلى الحمرة والبياض): قال الداودي: ما أراه محفوظاً؛ لأنه قال في رواية مالك: "آدَمَ (¬3) كَأَحْسَنِ (¬4) ما أَنْتَ راءٍ" (¬5) (¬6). ¬

_ (¬1) في "ع": "الروايات". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 715). (¬3) في "ع": "إن آدم". (¬4) في "ع": "كان أحسن". (¬5) رواه البخاري (5902)، ومسلم (169) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. (¬6) المرجع السابق، الموضع نفسه.

باب: ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة

قلت: فيه نظر. (سَبِط الرأس): -بفتح السين وكسر الموحدة- قيده الجوهري (¬1). قال صاحب "النهاية": السَّبْط -بسكون الباء-: الذي ليس فيه تعقُّد ولا نتوء (¬2). * * * باب: مَا جَاءَ في صِفَةِ الجَنَّةِ وَأَنَّها مَخْلُوقَةٌ 1765 - (3241) - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ، فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ، وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ، فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ". (سَلْم): بسين مفتوحة فلام ساكنة فميم. (ابن زَرِير): بزاي مفتوحة فراء مكسورة فياء تحتية فراء. قال عبد الرحمن بن مهدي: ابن رزين -براء مقدمة على الزاي والنون آخر الاسم-، فصُحِّفَ، ووقع لبعض رواة البخاري: "زُرَيْر" -بضم الزاي على التصغير-، حكاه الأصيلي عن بعضهم، والصواب الفتح، كما سبق (¬3). * * * ¬

_ (¬1) انظر "الصحاح" (3/ 1129)، (مادة: سبط). (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 334). (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 715).

1766 - (3242) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ قَالَ: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، رَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ، فَإِذَا امْرَأةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ؟ فَقَالُوا: لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ، فَوَلَّيْتُ مُدْبِراً". فَبَكَى عُمَرُ وَقَالَ: أَعَلَيْكَ أَغَارُ يَا رَسُولَ اللهِ؟! (فإذا امرأة تتوضأ): قال ابن قتيبة: إنما هو شوهاء؛ لأن الجنة ليست بدار تكليف. قال الزركشي: ولا في الجنة شوهاء، والوضوءُ لُغويٌّ، ولا مانعَ منه (¬1). * * * 1767 - (3245) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لا يَبْصُقُونَ فِيهَا، وَلاَ يَمْتَخِطُونَ، وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ، آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ، أَمْشَاطُهُمْ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمَجَامِرُهُمُ الأَلُوَّةُ، وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ، يُرَى مُخُّ سُوقهِمَا مِنْ وَرَاءَ اللَّحْم مِنَ الْحُسْنِ، لا اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمْ وَلاَ تَبَاغُضَ، قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ، يُسَبِّحُونَ الله بُكْرَةً وَعَشِيّاً". ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 716).

(ومجامرهم): أي: عودُ مجامرِهم، قاله الزمخشري (¬1). وقال القاضي: مجامرُهم؛ أي: بخورُهم، وقد يكون جمعُ مِجْمَر؛ أي: الآلة التي يُتبخر بها، فسمي بها (¬2) البخور (¬3)، ويؤيد الأولَ الروايةُ الآتية: "وَقودُ مجامرِهم" (¬4)؛ كانه أرادَ: الجمرَ الذي يُطرح عليه. وقال الإسماعيلي في "المستخرج": وفيه نظر، هل في الجنة نار (¬5)؟ قلت: يمكن أن يكون في الجنة نار لا تسلُّطَ لها إلا على إحراق ما يُتبخر به خاصَّةً، ولم يخلق الله فيها قوةً يتأذى بها من يمسُّها أصلاً، والقدرةُ صالحة لذلك، فهي إذن نافعةٌ لا ضارةٌ، ولا بُعْدَ في وجود مثلِ هذه النار في الجنة، ولا تُدفع الرواياتُ الثابتةُ بمثل هذا التشكيك. (الأَلُوَّة): أجودُ العودِ الهنديِّ. قال السفاقسي: فارسيٌّ معرب، وهو بفتح الهمزة وضمها، وقيل: وكسرها، ويخفف، ويشدد (¬6). * * * 1768 - (3246) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّناَدِ، ¬

_ (¬1) انظر: "الفائق" (3/ 333). (¬2) "بها" ليست في "ع". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 152). (¬4) رواه البخاري (3074). (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 716). (¬6) المرجع السابق، الموضع نفسه.

عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَالَّذِينَ عَلَى إِثْرِهِمْ كَأَشَدِّ كَوْكَبٍ إِضَاءَةً، قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمْ وَلاَ تَبَاغُضَ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءَ لَحْمِهَا مِنَ الْحُسْنِ، يُسَبِحُونَ اللهَ بُكْرَةً وَعَشِيّاً، لاَ يَسْقَمُونَ، وَلاَ يَمْتَخِطُونَ، وَلاَ يَبْصُقُونَ، آنِيَتُهُمُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَأَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ، وَقُودُ مَجَامِرِهِمُ الأُلُوَّةُ -قَالَ أَبُو الْيَمَانِ: يَعْنِي: الْعُودَ-، وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ". وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الإِبْكَارُ: أَوَّلُ الْفَجْرِ، وَالْعَشِيُّ: مَيْلُ الشَّمْسِ أَنْ -تُرَاهُ- تَغْرُبَ. (كأشدِّ كوكبٍ إضاءةً): قال الداودي: يعني: الزُّهْرَةَ (¬1). (لكل امرئ منهم زوجتان). كذا هو في الروايات بالتاء، وهي لغة متكررة (¬2) في الأحاديثِ وكلامِ العرب، والأشهرُ حذفُها، وقد كان الأصمعي يُنكر دخولَ التاء، فذُكر له قولُ ذي الرُّمة: أَذُو زَوْجَةٍ بِالمِصْرِ أَمْ ذُو خُصُومَةٍ ... أَرَاكَ لَهَا بِالبَصْرَةِ العَامَ ثاوِيَا فقال: إن ذا الرمة طالما أكلَ في دكاكين البقالين، فقيل له: فقد قال الفرزدق: ¬

_ (¬1) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬2) في "ع": "منكرة".

وإِنَّ الَّذِي يَسْعَى لِيُفْسِدَ زَوْجَتِي ... كَسَاعٍ إِلَى أُسْدِ الشّرَى يَسْتَبيلُهَا (¬1) فلم يحرْ جواباً (¬2). (ورشْحُهم): بإسكان الشين المعجمة. * * * 1769 - (3256) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ ابْنُ أَنَسٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -, قَالَ: "إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَرَاءَيُونَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ، كَمَا يَتَرَاءَيُونَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الأُفُقِ مِنَ الْمَشْرِقِ أَوِ الْمَغْرِبِ؛ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لاَ يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ، قَالَ: "بَلَى، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! رِجَالٌ آمَنُوا بِاللهِ، وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ". [(يتراءون): ويروى: "يتراءيون". (الدُّرِّيَّ): الشديدَ البياض في صفاء، يقال: بضم الدال وكسرها] (¬3). (الغابرَ في الأفق من المشرق أو المغرب): الغابر: بغين معجمة وباء موحدة؛ أي: الذاهب في البُعد (¬4)، ولا يستشكل ذكرُ المشرق، مع أن ¬

_ (¬1) في "ع": "يستليمها". (¬2) انظر: "التوضيح" (19/ 143). (¬3) ما بين معكوفتين لس في "ع". (¬4) في "ع": "أي الذاهب أي الذي في البعد".

باب: صفة النار وأنها مخلوقة

الطوالع (¬1) إنما تُعرف في المغرب خاصةً؛ لأن أحوال القيامة (¬2) خوارق (¬3). (بلى، والذي نفسي بيده! رجالٌ آمنوا بالله، وصَدَّقوا المرسلين): قيل: يريد: أنهم بلغوا درجة الأنبياء. وقيل: بل يبلغون هذه المنازل الموصوفة، وأن منازلَ الأنبياء فوقَ ذلك. * * * باب: صِفَةِ النَّارِ وأَنَّها مَخْلُوقَةٌ 1770 - (3258) - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُهَاجِرٍ أَبِي الْحَسَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، فَقَالَ: "أَبْرِدْ". ثُمَّ قَالَ: "أَبْرِدْ". حَتَّى فَاءَ الْفَيْءُ؛ يَعْنِي: لِلتُّلُولِ، ثُمَّ قَالَ: "أَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ؛ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّم". (أَبْرِدْ): -بقطع الهمزة-؛ أي: ادخُلْ (¬4) في وقت البرد؛ كأَظْلِمْ (¬5)، وأَمْسِ. * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "الطول". (¬2) في "ع": "العلماء القيامة". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 717). (¬4) في "ع": "دخل". (¬5) في "ع": "كالظلم".

1771 - (3264) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي ناَفِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ". (هي من فيح جهنم، فابردوها): -بوصل الهمزة-؛ لأنه (¬1) ثلاثي من بَرَدَ الماءُ حرارةَ جوفي (¬2). * * * 1772 - (3267) - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: قِيلَ لأُسَامَةَ: لَوْ أَتَيْتَ فُلاَناً فَكَلَّمْتَهُ، قَالَ: إِنَكُمْ لَتَرَوْنَ أَنِّي لاَ أُكَلِّمُهُ إِلاَّ أُسْمِعُكُمْ، إِنِّي أُكَلِّمُهُ فِي السِّرِّ، دُونَ أَنْ أَفْتَحَ بَاباً لاَ أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ، وَلاَ أَقُولُ لِرَجُلٍ أَنْ كَانَ عَليَّ أَمِيراً: إِنَّهُ خَيْرُ النَّاسِ، بَعْدَ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالُوا: وَمَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلاَنُ! مَا شَأْنُكَ؟ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُناَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُكمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ". (فتندلق): أي: تَزْلَقُ وتخرجُ من بطنه. (أقتابه): أي: أمعاؤه، واحدُها قَتب. ¬

_ (¬1) "لأنه" ليست في "ع". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 717).

باب: صفة إبليس وجنوده

باب: صِفَةِ إِبْلِيْسَ وجُنُودِهِ 1773 - (3268) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَناَ عِيسَى، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: سُحِرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. وَقَالَ اللَّيْثُ: كَتَبَ إِلَيَّ هِشَامٌ: أَنَّهُ سَمِعَهُ وَوَعَاهُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سُحِرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ، حَتَّى كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ دَعَا وَدَعَا، ثُمَّ قَالَ: "أَشَعَرْتِ أَنَّ اللهَ أَفْتَانِي فِيمَا فِيهِ شفَائِي؟ أَتَانِي رَجُلاَنِ، فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي، وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآخَرِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ، قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ، قَالَ: فِيمَاذَا؟ قَالَ: فِي مُشُطٍ وَمُشَاقَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ، قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ". فَخَرَجَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ لِعَائِشَةَ حِينَ رَجَعَ: "نَخْلُهَا كَأَنَّهَا رُؤوسُ الشَّيَاطِينِ". فَقُلْتُ: اسْتَخْرَجْتَهُ؟ فَقَالَ: "لاَ، أَمَّا أَناَ، فَقَدْ شفَانِي اللهُ، وَخَشِيتُ أَنْ يُثِيرَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ شَرّاً. ثُمَّ دُفِنَتِ الْبِئْرُ". (مطبوب): أي: مسحور، كَنَّوْا بالطب عن السحر؛ تفاؤلاً بالطب الذي هو العلاج؛ كما كنوا عن اللديغ بالسليم، وإنما كان - صلى الله عليه وسلم - يخيل إليه يفعلُ الشيء ولا يفعله في أمر نسائه؛ إذ (¬1) كان قد أُخذ عنهن بالسحر دونَ ما سواه من أمر الدين (¬2). (في مشط ومشاطة): قال ابن قتيبة: المشاطة: الشعرُ الذي يسقط عن ¬

_ (¬1) في "ع": "إذا". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 717).

الرأس إذا سُرِّحَ بالمشط، وفي لفظ: "ومشاقَة": وهي مشاقة الكهان (¬1). (وجُفِّ طَلْعَةٍ): بالإضافة، وتنوينِ طلعةٍ. (ذَكَرٍ): صفة لجُفِّ؛ والجُفُّ -بضم الجيم وبالفاء المشددة-: وعاءُ الطَّلْعِ وغشاؤه إذا جَفَّ. (في بئر ذَرْوان): بذال معجمة مفتوحة وراء ساكنة. وقال الأصمعي: ذي (¬2) أَرْوان، وغَلَّطَ من قال: ذَرْوان (¬3). * * * 1774 - (3273) -: "وَلاَ تَحَيَّنُوا بِصَلاَتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلاَ غُرُوبَهَا؛ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ". أَوِ "الشَيْطَانِ". لاَ أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَ هِشَامٌ. (ولا تَحَينوا): -بتاءين في الأصل-؛ أي: تتحَيَّنوا، إلا أن إحداهما حذفت تخفيفاً، والتَّحَيُّنُ: تَفَعُّلٌ من الحِينِ، وهو طلبٌ وقتٍ معلومٍ (¬4). * * * 1775 - (3274) - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْ أَحَدِكُمْ شَيْءٌ، وَهُوَ يُصَلِّي، فَلْيَمْنَعْهُ، فَإِنْ ¬

_ (¬1) المرجع السابق، (2/ 718). (¬2) في "ع": "ذرى". (¬3) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬4) المرجع السابق، الموضع نفسه.

أَبَى، فَلْيَمْنَعْهُ، فَإِنْ أَبَى، فَلْيُقَاتِلْهُ؛ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ". (فليقاتله؛ فإنما هو شيطان): بناه على أنه شيطانٌ حقيقةً، أو على التشبيه بأفعاله. * * * 1776 - (3275) - وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: وَكَّلَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ، فَأَتَانِي آتٍ، فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ، فَقُلْتُ: لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -فَذَكرَ الْحَدِيثَ-، فَقَالَ: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ، فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ، لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللهِ حَافِظٌ، وَلاَ يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبحَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "صَدَقَكَ وَهْوَ كَذُوبٌ، ذَاكَ شَيْطَانٌ". (وَكَّلني): بتشديد الكاف، ويروى بتخفيفها (¬1). * * * 1777 - (3276) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْر، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ، فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ، وَلْيَنْتَهِ". (حتى (¬2) يقول: من خلق ربَّكَ، فإذا بلغه، فليستعذ بالله): أمرٌ بالاستعاذة ¬

_ (¬1) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬2) "حتى" ليست في "ع".

من وسوسةِ الشيطان والاستعانةِ عليه بالإعراض عنه، وبذكر الله تعالى. قال الخطابي: ولو أذن النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في محاجَّته؛ لكان الجواب سهلاً على كل (¬1) موحِّد، ولكان الجوابُ مأخوذاً من فحوى كلامه، فإن أولَ كلامه يناقضُ آخره؛ لأن جميع المخلوقات من مَلَكٍ وإنسٍ وجنٍّ وحيوانٍ وجمادٍ داخلٌ تحتَ اسم الخلق، فلم تبقَ مطالبة، ولو فتح الباب الذي ذكره، للزم منه أن يقال: ومن خلقَ ذلك الشيءَ؟ ويمتدُّ القولُ في ذلك إلى ما لا يتناهى، والقولُ بما لا يتناهى فاسدٌ، فسقط (¬2) السؤالُ من أصله (¬3). * * * 1778 - (3280) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "إِذَا اسْتَجْنَحَ اللَّيْلُ، -أَوْ: كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ-، فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ؛ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ الْعِشَاءِ، فَحُلُّوهُمْ، وَأَغْلِقْ بابَكَ، وَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ، وَأَطْفِئْ مِصْبَاحَكَ، وَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ، وَأَوْكِ سِقَاءَكَ، وَاذْكرِ اسْمَ اللهِ، وَخَمِّرْ إِناَءَكَ، وَاذْكُرِ اسمَ اللهِ، وَلَوْ تَعْرُضُ عَلَيْهِ شَيْئاً". (إذا استَجْنَحَ الليل): أي: أقبلَ ظلامُه. ¬

_ (¬1) "كل" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "يسقط". (¬3) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 1512). وانظر: "التوضيح" (19/ 200)، و"التنقيح" (2/ 718).

(أو كان جنحُ الليل): كذا عند النسفي، وأبي الهيثم، والحموي، ولسائرهم: "أو قال (¬1) "، وجُنْح الليل -بكسر الجيم وضمها-: طائفة منه (¬2). (فإذا ذهب ساعةٌ من العشاء، فخَلُّوهم (¬3) (¬4)): أي: إذا ذهب بعض الظلمة لامتدادها. (وأَوْكِ): أمرٌ من الإيكاء: وهو الشذُّ بخيطٍ أو غيره، والتخميرُ (¬5): التغطيةُ. (ولو تعرُض): -بضم الراء وكسرها، والكسرُ أكثر- يعني (¬6): إذا لم تُطْبِقْه (¬7) بما يُغطِّيه، فلا أقلَّ من أن تعرِضَ عليه شيئاً. * * * 1779 - (3287) - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: قَدِمْتُ الشَّأْمَ، قَالُوا: أَبُو الدَّرْدَاءِ قَالَ: أَفِيكُمُ الَّذِي أَجَارَهُ اللهُ مِنَ الشَّيْطَانِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ ¬

_ (¬1) في "ع": "وقال". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 719). (¬3) "فخلوهم" ليست في "ع". (¬4) كذا في رواية أبي ذر الهروي عن الحموي والمستملي، وفي رواية المستملي والكشميهني: "فحلوهم"، وهي المعتمدة في النص. (¬5) في "ع": "والتخمر". (¬6) "يعني" ليست في "ع". (¬7) في "ع": "يطيقه".

(أفيكم الذي أجاره الله من الشيطان؟: هو عمار بن ياسر، كما بينه في الرواية التي بعدها. * * * 1780 - (3288) - قَالَ: وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلاَلٍ: أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ أَخْبَرَهُ عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "الْمَلاَئِكَةُ تَتَحَدَّثُ فِي الْعَنَانِ -وَالْعَنَانُ: الْغَمَامُ- بِالأَمْرِ يَكُونُ فِي الأَرْضِ، فَتَسْمَعُ الشَّيَاطِينُ الْكَلِمَةَ، فَتَقُرُّهَا فِي أُذُنِ الْكَاهِنِ كَمَا تُقَرُّ الْقَارُورَةُ، فَيَزِيدُونَ مَعَهَا مِئَةَ كَذِبَةٍ". (فيَقُرُّها في أُذُن الكاهن): بفتح الياء التحتية وضم القاف. قال في "المحكم": قَرَّ الكلامَ في أُذنه يَقُرُّهُ قَرّاً: إذا أفرغَه (¬1)، وقيل: إذا سارَّه (¬2). قال الهروي: القَرُّ: ترديدُك الكلامَ في أذن المخاطَب حتى يفهمَه (¬3). كما تُقَر (¬4)): بضم التاء (¬5) وفتح القاف. (القارورةُ): يريد: كما تُطبق القارورةُ برأس الوعاء الذي يُفْرغَ [منه] فيها. ¬

_ (¬1) في "ع": "أقرعه". (¬2) انظر: "المحكم" (6/ 121). (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 719). (¬4) في "ع": "يقر". (¬5) في "ع": "الياء".

وقيل: معناه: يلقيها في أذن الكاهن كما يستقرُّ الشيءُ في قراره (¬1). * * * 1781 - (3289) - حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "التَّثَاؤُبُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَالَ: هَا، ضَحِكَ الشَّيْطَانُ". (التثاؤبُ من الشيطان): معنى هذا الكلام: تحذير السبب الذي يتولَّد منه الثُّؤَباءُ، وإنما أُضيف إلى الشيطان؛ لأنه هو الذي يدعو الإنسانَ إلى إعطاء النفس شهوتَها من الطعام، ويزيِّنُ له ذلك (¬2). (فإذا قال: ها): يعني: إذا بالغَ في التثاؤب. (ضحك الشيطان): فرحاً بذلك. * * * 1782 - (3290) - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ هِشَامٌ: أَخْبَرَنَا عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: لَمَّا كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ، هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ، فَصَاحَ إِبْلِيسُ: أَيْ عِبَادَ اللهِ! أُخْرَاكُمْ، فَرَجَعَتْ أُولاَهُمْ، فَاجْتَلَدَتْ هِيَ وَأُخْرَاهُمْ، فَنَظَرَ حُذَيْفَةُ، فَإِذَا هُوَ بِأَبِيهِ الْيَمَانِ، فَقَالَ: أَيْ عِبَادَ اللهِ! أَبِي أَبِي، فَوَاللهِ! مَا احْتَجَزُوا حَتَّى قَتَلُوهُ، ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 720). (¬2) انظر: "التوضيح" (19/ 213).

فَقَالَ حُذَيْفَةُ: غَفَرَ اللهُ لَكُمْ. قَالَ عُرْوَةُ: فَمَا زَالَتْ فِي حُذَيْفَةَ مِنْهُ بَقِيَّةُ خَيْرٍ حَتَّى لَحِقَ بِاللهِ. (فوالله! ما احتجزوا): -بالزاي (¬1) -؛ أي: لم ينفصلوا عنه، وما بانوا منه. (غفر الله لكم): عَذَرهم حين قتلوه وهم يظنونه (¬2) كافراً. * * * 1783 - (3291) - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْتِفَاتِ الرَّجُلِ فِي الصَّلاَةِ، فَقَالَ: "هُوَ اخْتِلاَسٌ يَخْتَلِسُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلاَةِ أَحَدِكُمْ". (هو اختلاس): يعني: كأنه خَطِفَ شيئاً، وظَفِرَ به. * * * 1784 - (3292) - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللهِ، وَالْحُلُمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا حَلَمَ ¬

_ (¬1) "بالزاي" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "يظنون".

أَحَدُكُمْ حُلُماً يَخَافُهُ، فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ، وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْ شَرِّهَا؛ فَإِنَّهَا لاَ تَضُرُّهُ". (والحلُم من الشيطان): الحلُم: -يضم اللام وسكونها-: رؤيا النوم، قاله القاضي (¬1). (فإذا حَلَم): بفتحتين. * * * 1785 - (3293) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ سُمَىٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي صَالحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فِي يَوْمٍ مِئَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِئَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِئَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزاً مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، إِلاَّ أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ". (عَدْلَ عشرِ رقاب): -بفتح العين- من "عَدْلَ". * * * 1786 - (3294) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَبَاهُ ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 196).

سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: اسْتَأْذَنَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَعِنْدَهُ نِسَاءٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُكَلِّمْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ، عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ، فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ قُمْنَ يَبْتَدِرْنَ الْحِجَابَ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَضْحَكُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَضْحَكَ اللهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "عَجبْتُ مِنْ هَؤُلاَءِ اللاَّتِي كُنَّ عِنْدِي، فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ، ابْتَدَرْنَ الْحِجَابَ". قَالَ عُمَرُ: فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ كُنْتَ أَحَقَّ أَنْ يَهَبْنَ، ثُمَّ قَالَ: أَيْ عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ! أَتَهَبْنَنِي وَلاَ تَهَبْنَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟! قُلْنَ: نَعَمْ، أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكاً فَجّاً إِلاَّ سَلَكَ فَجّاً غَيْرَ فَجِّكَ". (أنت أَفَظُّ وأغلظُ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -): قال الزركشي: أَفْعَلُ التفضيلِ قد يجيء لا للمشاركة في أصل الفعل؛ كقولهم: العسلُ أحلى من الخل (¬1). قلت: كلامٌ إقناعيٌّ لا تحريرَ فيه، وتحريرُ هذا (¬2) الموضع: أن لـ "أفعل" أربعَ حالات: إحداها -وهي الحالة الأصلية-: أن (¬3) يدل على ثلاثة أمور: أحدُها: اتصافُ مَنْ هو له بالحدث (¬4) الذي اشتُق منه، وبهذا المعنى كان وصفاً. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 721). (¬2) في "ع": "لهذا". (¬3) في "ع": "أي". (¬4) في "ع": "بالحديث".

والثاني: مشاركةُ مصحوبِهِ له في تلك الصفة. والثالث: تمييز موصوفِه على مصحوِبه فيها (¬1)، وبكلٍّ من هذين المعنيين فارقَ غيرَه من الصفات. - الحالة الثانية: أن يُخلع عنه ما امتاز به من الصفات، ويتجرد للمعنى الوصفي. - الحالة الثالثة: أن تبقى عليه معانيه الثلاثة، ولكن يُخلع منه قيد المعنى الثاني، ويخلفه قيدٌ آخَرُ، وذلك أن المعنى الثاني، وهو الاشتراك، كان مقيداً بتلك الصفة التي هي (¬2) المعنى الأول، فيصير مقيداً بالزيادة التي هي المعنى الثالث، ألا ترى أن المعنى في قولهم: العسلُ [أحلى من الخل: أن للعسل حلاوةً، وأن تلك الحلاوةَ ذاتُ زيادة، وأن زيادةَ حلاوة العسل] (¬3) أكثرُ من زيادةِ حموضة الخلّ؟ قاله ابن هشام في "حاشية التسهيل"، وهو بديع جداً. - الحالة الرابعة: أن يُخلع منه المعنى الثاني، وهو المشاركة، وقيدُ المعنى الثالث، وهو كونُ الزيادة على مصاحِبِه (¬4)، فيكون للدلالة على الاتصاف بالحدث، وعلى زيادةٍ مطلقةٍ لا مقيدة، وذلك في نحو قولك: يوسفُ أحسنُ إخوته، [هكذا ينبغي أن يفهم هذا المحل، فتدبره] (¬5). ¬

_ (¬1) "فيها" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "هو". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬4) في "ع": "مصاحبة". (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ع".

(ما لَقِيَكَ الشيطانُ سالكاً فَجّاً إلا سلكَ فَجّاً غيرَ فَجِّكَ): قال القاضي عياض: يحتمل أنه ضربَ مثلاً لبعدِ الشيطان وأعوانهِ من عمر، وأنه (¬1) لا سبيل له عليه (¬2)؛ أي: إنك إذا سلكتَ (¬3) في أمر بمعروف (¬4)، أو نهيٍ عن منكر، تنفذ فيه، ولا تتركه، فييئس الشيطان من أن يوسوس فيه، فيتركه (¬5)، ويسلك غيرَه. وليس المرادُ به الطريقَ على الحقيقة؛ لأن الله تعالى قال: {يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف: 27]، فلا يخافه إذا لقيه في فَجٍّ؛ لأنه لا يراه (¬6). * * * 1787 - (3295) - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "إِذَا اسْتَيْقَظَ -أُرَاهُ- أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ، فَتَوَضَّأَ، فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلاَثاً؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ". (على خيشومه): أي: على أنفه. ¬

_ (¬1) في "ع": "وأن". (¬2) انظر: "إكمال المعلم" (7/ 402). (¬3) في "ع": "سلك". (¬4) في "ع": "في معروف". (¬5) في "م": "فتتركه". (¬6) انظر: "التوضيح" (19/ 219) وعنه نقل المؤلف رحمه الله.

باب: ذكر الجن وثوابهم وعقابهم

باب: ذِكْرِ الْجِنِّ وَثَوَابِهِمْ وَعِقَابِهِمْ وَقَوْلُ اللهِ -جَلَّ ذِكْرُهُ-: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي} إِلَى قَوْلهِ تَعَالَى: {عَمَّا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 130] {بَخسَا} [الجن: 13]: نَقْصاً. قَالَ مُجَاهِدٌ {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} [الصافات: 158]، قَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ: الْمَلاَئِكَةُ بَنَاتُ اللهِ، وَأُمَّهَاتُهُمْ بَنَاتُ سَرَوَاتِ الْجِنِّ. قَالَ اللهُ: {وَلَقَدْ عَلِمَتِ اَلجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضرُونَ} [الصافات: 158] سَتُحْضرُ لِلْحِسَابِ. {جُنْدٌ مُحْضَرُونَ} [يس: 75]: عِنْدَ الْحِسَابِ. (سَرَوَات الجن): -بفتحات-؛ أي: خَيِّراتُ نسائِهم. * * * باب: قَولِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ: {وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} [البقرة: 164] 1788 - (3297) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: "اقْتُلُوا الْحَيَّاتِ، وَاقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالأَبْتَرَ؛ فَإِنَّهُمَا يَطْمِسَانِ الْبَصَرَ، وَيَسْتَسْقِطَانِ الْحَبَلَ". (ذا الطُّفْيتين): أي: الذي على ظهره خطان كالخوصتين، والطُّفْيَة: خوصة المُقْل، وجمعُها طُفْيٌ (¬1)، شبه الخطين اللذين على ظهر الحية بخوصتين من خوص المقل (¬2). ¬

_ (¬1) في "ع": "على طفى". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 721).

باب: خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال

(والأبتر): هو ما لا ذَنَبَ له، وقيل: حية قصيرةُ الذنب، والبُتْر: شِرارُ الحَيَّات. (يطمسان البصر): أي: يخترمانه ويذهبان به. (ويسقطان (¬1) الحبل): قيل: أراد الجنين، ويؤيده الرواية الآتية: "ويسقطُ الوَلَدَ" (¬2)؛ أي: إذا نظرتها أمه. قال الداودي: وإنما أمر بقتلها؛ لأن الجنيَّ لا يتمثل (¬3) بها، وإنما نهى عن ذوات البيوت؛ لأن الجنيَّ يتمثل بها. (وأمر أن يُؤْذن ثلاثاً): [قال الداودي: يعني: ثلاثة أيام، وهو بعيد] (¬4) (¬5). * * * باب: خَيْرِ مَالِ المُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الجبَالِ 1789 - (3301) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "رَأْسُ الْكُفْرِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلاَءُ فِي أَهْلِ الْخَيْلِ وَالإبِلِ، ¬

_ (¬1) كذا في نسخة، وفي رواية أبي ذر الهروي عن الكشميهني: "ويَسْتَسْقِطانِ"، وهي المعتمدة في النص. (¬2) رواه البخاري (3134). (¬3) في "ع": "يتمسك". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 721).

وَالْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ، وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ". (رأس الكفر نحوَ المشرق): بنصب نحوَ؛ لأنه ظرف، وهو مستقر في محل رفع على أنه خبر المبتدأ؛ أي: رأسُ الكفر في جهة المشرق. (والفدَّادين): من بلغَتْ إبلُه مئتين فصاعداً إلى الألف، وهم جُفاةٌ أهلُ خيلاءَ وإعجابٍ بأنفسهم من معالجتهم الإبلَ. وقال الخطابي: إن رويته بتشديد الدال، فهو جمع فَدَّاد، [وهو الشديد الصوت، من فَدَّ يَفِدُّ: إذا رفع صوتَه] (¬1)، وإن رويته بتخفيفها، فهو جمع الفَدَّان: وهو آلةُ الحرث، وإنما ذم (¬2) ذلك؛ لأنه يَشْغَلُ عن أمر الدين، ويُلهي عن أمر الآخرة، فيكون معها قساوةُ القلب (¬3). * * * 1790 - (3302) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسٌ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: أَشَارَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ نَحْوَ الْيَمَنِ، فَقَالَ: "الإِيمَانُ يَمَانٍ هَا هُنَا، أَلاَ إِنَّ الْقَسْوَةَ وَغِلَظَ الْقُلُوبِ فِي الْفَدَّادِينَ، عِنْدَ أُصُولِ أَذْناَبِ الإِبِلِ، حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْناَ الشَّيْطَانِ، فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ". (الإيمانُ يَمانٍ): أي: منسوبٌ إلى أهل اليمن، فقيل: هو على ظاهره. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) "ذم" ليست في "ع". (¬3) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 1521).

وقيل: كان -عليه السلام- حين قال هذا القول بأرض تبوك، وكانت المدينة ومكة والحجاز من جهة اليمن، فقال ذلك في المدينة وما والاها (¬1) إلى أرض اليمن، وقيل: أراد: المدينةَ ومكةَ. وقال أبو عبيد: إنما بدأ الإيمان من مكة؛ لأنها مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - ومبعثُه، ثم هاجر إلى المدينة، ويقال: إن مكة من أرض تهامة، وتهامة من أرض اليمن، ولهذا تسمى مكةُ وما وليها من أرض اليمن: التهائمَ، فمكةُ على هذا يمانيةٌ. وقيل: أراد الأنصار؛ لأنهم يمانون، وقد نصروا المؤمنين وآووهم، فنسب الإيمان إليهم (¬2). وأغربُ من هذا قولُ الحكيم الترمذي: إنه إشارة إلى أُويس القرني. قال ابن الصلاح: ولو جمع أبو عبيد ومن سلك سبيلَه طرقَ هذا (¬3) الحديث كما جمعها مسلمٌ وغيرُه وتأملوها، لصاروا إلى غير ما ذكروه، ولَمَا (¬4) تركوا الظاهر، ولقضوا بأن المراد: اليمنُ وأهلُه على ما هو المفهوم من إطلاق ذلك؛ إذ من ألفاظه: "أَتَاكُمْ أَهْلُ اليَمَنِ"، والأنصارُ من جملة المخاطَبين بذلك، فهم إذن غيرُهم (¬5). وكذا: "جَاءَ أَهْلُ اليَمَنِ"، وإنما جاء حينئذ غيرُ الأنصار، ثم إنه وَصَفَهم ¬

_ (¬1) في "م": "ولاها". (¬2) انظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد (2/ 161). (¬3) "هذا" ليس في "م". (¬4) في "ع": "ولو". (¬5) في "ع": "غيركم".

بما يقضي بكمال أَيمانهم، ورتَّب عليه: "الإيمان يمان"، فكان (¬1) ذلك إشارةً إلى إيمانِ مَن أتاه من أهل اليمن، لا إلى أهل مكة والمدينة، ولا مانعَ من إجراء الكلام على ظاهره، وحملُه على أهل اليمن حقيقةٌ؛ لأن من اتصف بشيء، وقوي إيمانه به، وتأكد اضطلاعه به، نُسب ذلك الشيءُ إليه إشعاراً بتميزه، فكذا حالُ أهل اليمن حينئذ، وحالُ الوافدين منهم في حياته وفي أعقابه؛ كأويس القرني، وأبي مسلم الخولاني، وشبههما ممن سَلِمَ قلبهُ، وقوي إيمانهُ، فكانت نسبةُ الإيمان إليهم بذلك إشعاراً بكمال إيمانهم، من غير أن يكون في ذلك نفيٌ له عن غيرهم، فلا منافاةَ بينه وبين قوله: "الإيمانُ في أَهْلِ الحِجَازِ"، ثم المراد بذلك: الموجودون منهم حينئذ، لا كلُّ أهل اليمن في كل زمان؛ فإن اللفظ لا يقتضيه. وهذا هو الحق في ذلك (¬2). (عند أُصولِ أذناب الإبل): يعني: أنهم يبعدون عن الأمصار، فيجهلون معالمَ دينِهم. (في ربيعةَ ومضرَ): يعني: مَنْ بالعراقِ منهما (¬3). * * * 1791 - (3303) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ، فَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ؛ فَإِنَّهَا رَأَتْ مَلَكاً، وَإِذَا ¬

_ (¬1) في "ع": "وكان". (¬2) انظر: "التوضيح" (19/ 240 - 241). (¬3) في "ع": "منها".

سَمِعْتُمْ نَهِيقَ الْحِمَارِ، فَتَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ؛ فَإِنَّهُ رَأَى شَيْطَاناً". (صياح الدِّيَكَة): -بكسر الدال وفتح الياء-: جمع ديك. * * * 1792 - (3304) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَناَ رَوْحٌ، أَخْبَرَناَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ -أَوْ أَمْسَيْتُمْ-، فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ؛ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ، فَحُلُّوهُمْ، وَأَغْلِقُوا الأَبْوَابَ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَفْتَحُ باباً مُغْلَقاً". (فَحُلُّوهم): -بحاء مهملة-؛ من الحل، وبخاء معجمة مفتوحة (¬1)؛ من التخلية. * * * 1793 - (3305) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "فُقِدَتْ أُمَّةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ يُدْرَى مَا فَعَلَتْ، وَإِنِّي لاَ أُرَاهَا إِلاَّ الْفَأْرَ، إِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الإِبِلِ، لَمْ تَشْرَبْ، وَإِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الشَّاءِ، شَرِبَتْ". فَحَدَّثْتُ كَعْباً، فَقَالَ: أَنْتَ سَمِعْتَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ لِي مِرَاراً، فَقُلْتُ: أَفَأَقْرَأُ التَّوْرَاةَ؟ (وما (¬2) أُراها إلا الفأر): بضم همزة "أُراها"، وإسكان همزة "الفأْر". ¬

_ (¬1) "مفتوحة" ليست في "ع". (¬2) نص البخاري: "لا".

1794 - (3307) - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ ابْنُ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ أُمَّ شَرِيكٍ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَهَا بِقَتْلِ الأَوْزَاغِ. (بقتل الأوزاغ): جمع وَزَغٍ، ووَزَغٌ: جمعُ وَزَغَةٍ، أو اسمُ جنسٍ جمعيٌّ لها. * * * 1795 - (3310) - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ أَبِي يُونُسَ الْقُشَيْرِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كانَ يَقْتُلُ الْحَيَّاتِ، ثُمَّ نَهَى، قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - هَدَمَ حَائِطاً لَهُ، فَوَجَدَ فِيهِ سِلْخَ حَيَّهٍ، فَقَالَ: "انْظُرُوا أَيْنَ هُوَ؟ "، فَنَظَرُوا، فَقَالَ: "اقْتُلُوهُ"، فَكُنْتُ أَقْتُلُهَا لِذَلِكَ. (سَلْخ حية): بفتح السين، وكسرها، وقواه بعضهم بأنه اسمٌ لا مصدرٌ. * * * 1796 - (3313) - فَحَدَّثَهُ أَبُو لُبابةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ قَتْلِ جِنَّانِ الْبُيُوتِ، فَأَمْسَكَ عَنْهَا. (جِنَّان البيوت): -بكسر الجيم وتشديد النون-، الجنان: التي تأوي إلى البيوت، وتكون فيها، جمعُ جانّ (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 723).

باب

باب 1797 - (3314) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريْعٍ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ: الْفَأْرَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْحُدَيَّا، وَالْغُرَابُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ". (خمسٌ فواسق): المشهورُ تنوينهما، ويروى بالإضافة، وقد سبق الكلامُ فيه. * * * 1798 - (3316) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ كَثِيرٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، رَفَعَهُ، قَالَ: "خَمِّرُوا الآنِيَةَ، وَأَوْكُوا الأَسْقِيَةَ، وَأَجِيفُوا الأَبْوَابَ، وَاكْفِتُوا صِبْيَانَكُمْ عِنْدَ الْعِشَاءَ؛ فَإِنَّ لِلْجِنِّ انْتِشَاراً وَخَطْفَةً، وَأَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ عِنْدَ الرُّقَادِ؛ فَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ رُبَّمَا اجْتَرَّتِ الْفَتِيلَةَ، فَأَحْرَقَتْ أَهْلَ الْبَيْتِ". (وأَجيفوا الأبوابَ): أي: أغلقوها. (واكفُتُوا صِبيانكم): أي: ضُمُّوهم، ومنه قوله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا} [المرسلات: 25]؛ أي: يمشون على ظهرها أحياء، وإذا ماتوا ضَمَّتْهم إليها، وكلُّ مَنْ ضَمَّ شيئاً فقدكَفَتَهُ. وضبط في بعض الروايات بكسر الفاء، وفي أكثرها بالضم (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (19/ 250).

باب

(فإن الفُوَيْسِقَة): هي الفأرة. * * * 1799 - (3319) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "نَزَلَ نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ تَحْتَ شَجَرَةٍ، فَلَدَغَتْهُ نَمْلَةٌ، فَأَمَرَ بِجَهَازِهِ فَأُخْرِجَ مِنْ تَحْتِهَا، ثُمَّ أَمَرَ بِبَيْتِهَا فَأُحْرِقَ بِالنَّارِ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ: فَهَلاَّ نَمْلَةً وَاحِدَةً؟! ". (فلدغته نملةٌ): يقال: لدغته العقربُ ونحوها، بالدال المهملة والغين المعجمة-، ولذعته النار، بالذال المعجمة والعين المهملة (¬1). * * * باب 1800 - (3320) - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُتْبَةُ بْنُ مُسْلمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ بْنُ حُنَيْنٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا وَقَعَ الذُّباب فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ، فَلْيَغْمِسْهُ، ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ؛ فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً، وَالأُخْرَى شِفَاءً". (إذا وقع الذباب في شراب أحدكم، فلْيغمسه، ثم لينزعْه): فيه ردٌّ ظاهر على القائلين بأنه ينجس ما مات فيه. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 724).

(فإن في أحد جناحيه داء، والأخرى (¬1) شفاء): الجناحُ يذكر ويؤنث، فإنهم قالوا في جمعه: أَجْنِحَة، وأَجْنُح، فأجنحة (¬2) جمعُ المذكر؛ كقَذالٍ وأَقْذِلَة (¬3)، وأَجْنُح جمعُ المؤنث؛ كشِمالٍ وأَشْمُل (¬4). والحديث جاء على التأنيث. وفيه شاهد لمن يحير مثل: إن في الدار زيداً، والحجرةِ عَمْراً، على ما هو معروف في العطف على معمولي عاملين مختلفين. * * * 1801 - (3321) - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "غُفِرَ لاِمْرَأَةٍ مُومِسَةٍ، مَرَّتْ بِكَلْبٍ عَلَى رَأْسِ رَكِيٍّ يَلْهَثُ، قَالَ: كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ، فَنَزَعَتْ خُفَّهَا، فَأَوْثَقَتْهُ بِخِمَارِهَا، فَنَزَعَتْ لَهُ مِنَ الْمَاءَ، فَغُفِرَ لَهَا بِذَلِكَ". (غُفر لامرأة مُومِسَةٍ): أي: زانية. (على رأس رَكِيٍّ): هي البئر، وجمعها: رَكايا. (فغُفر لها بذلك): فيه أن الله تعالى يتجاوز عن الكبيرة بالعمل اليسير من الخير، تفضُّلاً منه. ¬

_ (¬1) في "ع": "والآخر". (¬2) "فأجنحة" ليست في "ع". (¬3) في "ع": "وقذلة". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 724).

1802 - (3325) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ: سَمِعَ سُفْيَانَ بْنَ أَبِي زُهَيْرٍ الشَّنَئِيَّ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنِ اقْتَنَى كَلْباً، لاَ يُغْنِي عَنْهُ زَرْعاً وَلاَ ضَرْعاً، نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ". فَقَالَ السَّائِبُ: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: إِيْ وَرَبِّ هَذِهِ الْقِبْلَةِ! (الشَّنَوي): -بشين معجمة ونون مفتوحتين فواو فياء نسبة-، ويقال: "الشنائي"، بالهمز (¬1). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 724).

كتاب أحاديث الأنبياء

كِتَابُ أَحَادِيث الأَنبيَاءِ

باب: خلق آدم وذريته

باب: خَلْقِ آدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ 1803 - (3326) - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "خَلَقَ اللهُ آدَمَ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعاً، ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ، تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا: السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ، فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللهِ، فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ، فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَى الآنَ". (كتاب: الأنبياء). (خلق الله آدمَ وطولُه ستون ذراعاً): قيل: بذراعه، وقيل: بذراعنا؛ لأن ذراع كُلِّ أحدٍ مثلُ رُبْعِه، ولو كان بذراعه؛ لكانت يده قصيرة في جنب طول جسمه كالإصبع والظفر (¬1). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 725).

1804 - (3327) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَوَّلَ زُمرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً، لاَ يَيُولُونَ، وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ، وَلاَ يَتْفِلُونَ، وَلاَ يَمْتَخِطُونَ، أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ، وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ، وَمَجَامِرُهُمُ الأَلُوَّةُ -الأَنْجُوجُ، عُودُ الطِّيبِ-، وَأَزْوَاجُهُمُ الْحُورُ الْعِينُ، عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ، سِتُّونَ ذِرَاعاً فِي السَّمَاءِ". (ولا يتفِلون (¬1)): بكسر الفاء (¬2). (والأَلَنْجوج): بفتح الهمزة واللام وسكون النون. وفي رواية أبي ذر: "الأَنْجوج" -بدون لام-، ويقال أيضاً: "يَلَنْجوج، وأَلَنْجُج" (¬3). * * * 1805 - (3328) - حَدَّثَتَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ اللهَ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ الْغُسْلُ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ قَالَ: "نَعَمْ، إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ"، فَضَحِكَتْ أُمُّ سَلَمَةَ، فَقَالَتْ: ¬

_ (¬1) في "ع": "ينقلون". (¬2) في "ع": "القاف". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 725).

تَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فَبِمَا يُشْبِهُ الْوَلَدُ؟ ". "فبمَ يشبه الولد): وفي رواية: "فبما يشبه الولد" بإثباتِ ألفِ الاستفهام مع دخول الجار عليها، وهو قليل. * * * 1806 - (3329) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَناَ الْفَزَارِيُّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، فَالَ: بَلَغَ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَلاَمٍ مَقْدَمُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ، فَأَتَاهُ، فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلاَثٍ لاَ يَعْلَمُهُنَّ إِلاَّ نَبِيٌّ، قَالَ: مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ؟ وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَنْزِعُ الْوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ؟ وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَنْزِعُ إِلَى أَخْوَالِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "خَبَّرَنِي بِهِنَّ آنِفاً جِبْرِيلُ". قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ. وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ، فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ. وَأَمَّا الشَّبَهُ فِي الْوَلَدِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَشِيَ الْمَرْأَةَ، فَسَبَقَّهَا مَاؤُهُ، كَانَ الشَّبَهُ لَهُ، وَإِذَا سَبَقَ مَاؤُهَا، كَانَ الشَّبَهُ لَهَا". قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ. ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ، إِنْ عَلِمُوا بِإِسْلاَمِي قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَهُمْ، بَهَتُونِي عِنْدَكَ، فَجَاءَتِ الْيَهُودُ، وَدَخَلَ عَبْدُ اللهِ الْبَيْتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ؟ "، قَالُوا: أَعْلَمُنَا وَابْنُ أَعْلَمِنَا، وَأَخْيَرُناَ وَابْنُ أَخْيَرِناَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسلَمَ عَبْدُ اللهِ؟ "، قَالُوا: أَعَاذَهُ اللهُ مِنْ ذَلِكَ. فَخَرَجَ عَبْدُ اللهِ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ

مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ. فَقَالُوا: شَرُّناَ وَابْنُ شَرِّناَ. وَوَقَعُوا فِيهِ. (إن اليهود قوم بُهُت): -بضم الباء والهاء-: جمع بَهيت؛ كقَضيب وقُضُب، وهو الذي يبهت المقولَ له بما يفتريه عليه ويختلقُه. (خيرُنا وابنُ خيرنا): -بالياء التحتية-، وفي نسخة: "أَخْبَرُنا وابنُ أَخْبَرِنا": -بالباء الموحدة-؛ من الخبر، وهو المعرفة (¬1). * * * 1807 - (3330) - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَناَ مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَهُ؛ يَعْنِي: "لَوْلاَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْنَزِ اللَّحْمُ، وَلَوْلاَ حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا". (لم يخنز اللحمُ): -بفتح النون- مضارع (¬2) خَنَزَ اللحمُ: إذا أَنْتَنَ. * * * 1808 - (3331) - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَمُوسَى بْنُ حِزَامٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ مَيْسَرَةَ الأَشْجَعِيِّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ؛ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ، كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ، لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ". ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 725). (¬2) في "م": "ماضي".

(وموسى بن حِزام): -بحاء مهملة مكسورة وزاي- حدَّث عنه البخاريُّ هنا مقروناً بغيره. (خلقت المرأة (¬1)): يعني: حواء. (من ضِلَع): -بكسر الضاد المعجمة وفتح اللام وتسكن أيضاً-، قيل: إنما خُلقت من ضلع آدم القُصَيْرى (¬2)، وقيل: من ضلعه اليسرى، وجُعل مكانها لحمٌ. (وإن أعوجَ شيء في الضلع أعلاه): الضلع مؤنث، فكان مقتضى الظاهر أن يقال: أعلاها، لكنه أعاد الضمير مذكراً على تأويله بالعضو، وكذا في قوله: "إنْ ذهبتَ تُقيمه، كسرته، وإن تركته، لم يزل أعوجَ". وقال الزركشي: تأنيثه غيرُ حقيقي، فلذلك جاز التذكيرُ في هذه الضمائر العائدة عليه (¬3). قلت: هو غلط؛ لأن معاملة المؤنث غير الحقيقي معاملة المذكر، إنما هو بالنسبة إلى ظاهره إذا أسند إليه؛ مثل: طلع الشمسُ، وأما مضمره، فحكمه حكمُ المؤنث الحقيقي في وجوب التأنيث، تقول: الشمس طلعت، وهي طالعة، ولا تقول: طالع، وهو طالع، نعم قد يؤول في بعض المواضع بالمذكَّر، فينزل منزلته (¬4)؛ مثل: ¬

_ (¬1) في نص الحديث: "فإن المرأة خلقت". (¬2) في "ع": "القصير". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 726). (¬4) في "ع": "منزله".

فَلا مُزْنَةٌ وَدَقَتْ وَدْقَهَا ... وَلا أَرْضَ أَبْقَلَ إِبْقَالَهَا (¬1) فأوَّلَ الأرضَ بالمكان، فذَكَّر، وكذا ما نحن فيه. * * * 1809 - (3332) - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَهوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: "إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْماً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ إِلَيْهِ مَلَكاً بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، فَيُكْتَبُ عَمَلُهُ وَأَجَلُهُ وَرِزْقُهُ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، فَيَدْخُلُ النَّارَ". (حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو الصادق المصدوق: إن أحدكم): قال أبو البقاء: لا يجوز في إن هنا إلا الفتح؛ لأن قبلَه حدثنا (¬2). قلت: بل يجوز الكسر أيضاً على معنى: حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "إنَّ أَحَدَكم"، وهو مضبوط بالكسر في بعض النسخ، ووجهه ما قلناه، ولكن فيه توجيه آخر كوفي، وهو أن يجعل "أن" وما بعدها محكياً بحدثنا، على ¬

_ (¬1) قاله عامر بن جوين الطائي؛ انظر: "لسان العرب" (11/ 60). (¬2) انظر: "إعراب الحديث" (ص: 302). وانظر: "التنقيح" (2/ 726).

باب: الأرواح جنود مجندة

ما عُرف من مذهبهم في جواز الحكاية بما فيه معنى القول لا (¬1) حروفُه. (فكَتَبَ (¬2)): بالبناء للفاعل وبالبناء للمفعول، وعلمهما -نصبُ ما بعده، ورفعُه- من قوله: "عمله وأجله"، وما مع ذلك. * * * 1810 - (3333) - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "إِنَّ اللهَ وَكَّلَ فِي الرَّحِمِ مَلَكاً، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ! نُطْفَةٌ، يَا رَبِّ! عَلَقَةٌ، يَا رَبِّ! مُضْغَةٌ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَهَا، قَالَ: يَا رَبِّ! أَذَكَرٌ، أَمْ يَا رَبِّ! أُنْثَى؟ يَا رَبِّ! شَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ؟ فَمَا الرِّزْقُ؟ فَمَا الأَجَلُ؟ فَيُكْتَبُ كَذَلِكَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ". (يارب! نطفة): -بالنصب- على إضمار فعل؛ أي: حوت الرحم نطفة، وبالرفع على إضمار مبتدأ؛ أي: هي نطفة، وكذا علقة ومضغة. * * * باب: الأَرْوَاحِ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ 1811 - (3336) - قَالَ: قَالَ اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الأَرْوَاحُ ¬

_ (¬1) في "ع": "إلا". (¬2) نص البخاري: "فيكتب".

باب: قول الله تعالى: {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه} [هود: 25]

جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ". (الأرواح جنود مجندة): قيل: أشار إلى معنى التشاكل في الخير والشر؛ فإن الخيِّر من الناس يحنُّ إلى شكله، وكذا الشرير. وقيل: إنه إخبار عن تردد الأرواح في حال الغيب قبل خلقِ الأجسام، وكانت (¬1) تلتقي، فلما التقت بالأجسام، تعارفت بالذِّكْرِ الأولِ (¬2). * * * باب: قَولِ الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} [هود: 25] 1812 - (3340) - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي دَعْوَةٍ، فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ، وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ، فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً، وَقَالَ: "أَناَ سَيِّدُ الْقَوْمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، هَلْ تَدْرُونَ بِمَنْ يَجْمَعُ اللهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَيُبْصِرُهُمُ النَّاظِرُ، وَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَتَدْنُو مِنْهُمُ الشَّمْسُ، فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ: أَلاَ تَرَوْنَ إِلَى مَا أَنْتُمْ فِيهِ، إِلَى مَا بَلَغَكُمْ؟ أَلاَ تَنْظُرُونَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ؟ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ: أَبُوكُمْ آدَمُ، فَيَأْتُونَهُ، فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ! أَنْتَ أَبُو الْبَشَر، خَلَقَكَ اللهُ بِيَدهِ، وَنفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَمَرَ الْمَلاَئِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، وَأَسْكَنَكَ الْجَنَّةَ، أَلاَ ¬

_ (¬1) في "ع": "فكانت". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 727).

تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ؟ أَلاَ تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ وَمَا بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ: رَبِّي غَضِبَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلاَ يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَنَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ، نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ، فَيَأْتُونَ نُوحاً، فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ! أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ، وَسَمَّاكَ اللهُ عَبْداً شَكُوراً، أَمَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا بَلَغَنَا؟ أَلاَ تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّي غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلاَ يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، نَفْسِي نَفْسِي، ائْتُوا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَيَأْتُونِي، فَأَسْجُدُ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ! ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَهُ". (في دَعوة): قال القاضي: بالفتح: هي الطعام المدعُوُّ إليه، وفي النسب: الدِّعوة -بالكسر-، هذا عند أكثر العرب (¬1) إلا عديَّ الرَّباب؛ فإنهم يعكسون، فيفتحون في النسب، ويكسرون في الطعام (¬2). (فرُفع إليه الذراع): ببناء "رُفع" للمفعول، ثم حكى الزركشي أنه قيل: صوابه: رُفِعَتْ؛ لأن الذراع مؤنثة (¬3). قلت: وهو خَبْطٌ (¬4)؛ لأن هذا إسنادٌ إلى ظاهر غير الحقيقي، فيجوز لك التانيثُ وعدمُه، بل أقول: لو كان التأنيث هنا حقيقياً، لم يجب اقترانُ الفعل بعلامة التأنيث؛ لوجود الفاصل؛ كقولك: قامَ في الدار هندٌ. ¬

_ (¬1) في "ع": "أهل العرب". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 727). (¬3) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬4) في "ع": "ضبط".

(فنَهَسَ منها): -بسين مهملة-، وهو أخذُ اللحم من العظم بمقدَّم الفم. وفي رواية أبي ذر بالشين المعجمة، فقيل: هما بمعنى، وقيل: هو بالمعجمة: الأخذ بالأضراس، وبالمهملة: بأطراف الأسنان (¬1) (¬2). (فيقولون: يا نوح! أنت أولُ الرسل): قال الداودي: هذا هو الصحيح. وروي: أن آدم نبي مرسل، وروي في ذلك حديث مرفوع (¬3)، وقيل: هو نبي وليس برسول، وقيل: رسول وليس بنبي (¬4)، وردّ بأن من لازمِ الرسالةِ النبوةَ، فلا يكون الرسولُ إلا نبياً (¬5). (فيقول: ربِّ!): قال الزركشي: كذا وقع، وصوابه: "ربي" (¬6). قلت: وكذا هو فيما رأيتُه من النسخ. (فأسجدُ تحت العرش): جاء في "مسند أحمد": "قَدْرَ جُمْعةٍ" (¬7). * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "الإنسان". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 728). (¬3) رواه ابن حبان في "صحيحه" (361)، من حديث أبي ذر رضي الله عنه. (¬4) في "ع": "نبي". (¬5) انظر: "التوضيح" (19/ 306). (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 728). (¬7) رواه الإمام أحمد في "المسند" (1/ 4) عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

باب: ذكر إدريس عليه السلام

1813 - (3341) - حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ نَصْرٍ، أَخْبَرَناَ أَبُو أَحْمَدَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَرَأَ: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 15]، مِثْلَ قِرَاءَةِ الْعَامَّةِ. (قرأ: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} مثلَ قراءةِ العامة): أصلُه مُذْتَكِر -بذال معجمة- مُفْتَعِل من الذِّكْر، فاجتمع حرفان متقاربان في المخرج، والأول (¬1) ساكن، وألفينا الثاني مهموساً، فأبدلناه بمجهورٍ يقاربه في المخرج، وهي الدال المهملة، ثم قلبت الذال دالاً، وأُدغمت في الدال المهملة (¬2). * * * باب: ذِكْرِ إِدْرِيسَ عليه السلام وقولِ اللهِ عزَّ وجَلَّ: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} [مريم: 57] 1814 - (3342) - قَالَ عَبْدَانُ: أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَناَ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. (ح) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: كَانَ أَبُو ذَرِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "فُرِجَ سَقْفُ بَيْتِي وَأَناَ بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ، فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَاناً، فَأَفْرَغَهَا فِي صَدْرِي، ثُمَّ أَطْبَقَهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ، فَلَمَّا جَاءَ إِلَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا، قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ: افْتَحْ، قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا جِبْرِيلُ، قَالَ: مَعَكَ أَحَدٌ؟ قَالَ: مَعِيَ مُحَمَّدٌ، ¬

_ (¬1) في "ع": "وأول". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 728).

قَالَ: أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَافْتَحْ. فَلَمَّا عَلَوْناَ السَّمَاءَ، إِذَا رَجُلٌ عَنْ يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ، وَعَنْ يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ، فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينهِ، ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ، بَكَى، فَقَالَ: مَرْحَباً بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، وَالاِبْنِ الصَّالِحِ. قُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا آدَمُ، وَهَذِهِ الأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ، فَأَهْلُ الْيَمِينِ مِنْهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَالأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ، فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ، ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ، بَكَى، ثُمَّ عَرَجَ بِي جِبْرِيلُ، حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ، فَقَالَ لِخَازِنِهَا: افْتَحْ، فَقَالَ لَهُ خَازِنُهَا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُ، فَفَتَحَ". قَالَ أَنَسٌ: فَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ فِي السَّمَوَاتِ: إِدْرِيسَ، وَمُوسَى، وَعِيسَى، وَإِبْرَاهِيمَ، وَلَمْ يُثْبِتْ لِي كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ، غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ آدَمَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّادِسَةِ. وَقَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا مَرَّ جِبْرِيلُ بِإِدْرِيسَ، قَالَ: مَرْحَباً بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، وَالأَخِ الصَّالِحِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ، ثُمَّ مَرَرْتُ بِمُوسَى، فَقَالَ مَرْحَباً بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، وَالأَخِ الصَّالِحِ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا مُوسَى. ثُمَّ مَرَرْتُ بِعِيسَى، فَقَالَ: مَرْحَباً بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، وَالأَخِ الصَّالِحِ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: عِيسَى. ثُمَّ مَرَرْتُ بِإِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: مَرْحَباً بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، وَالاِبْنِ الصَّالِحِ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا إِبْرَاهِيمُ. قَالَ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ حَزْمٍ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَأَبَا حَبَّهَ الأَنْصَارِيَّ كَاناَ يَقُولاَنِ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ثُمَّ عُرِجَ بِي حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوًى أَسْمَعُ صَرِيفَ الأَقْلاَمِ". قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَفَرَضَ اللهُ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلاَةً، فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ حَتَّى أَمُرَّ بِمُوسَى، فَقَالَ مُوسَى: مَا الَّذِي فُرِضَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسِينَ صَلاَةً.

باب: قول الله عز وجل: {وإلى عاد أخاهم هودا} [هود: 50]

قَالَ: فَرَاجِعْ رَبَّكَ؛ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ، فَرَجَعْتُ فَرَاجَعْتُ رَبِّي، فَوَضَعَ شَطْرَهَا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ، فَوَضَعَ شَطْرَهَا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ؛ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ، فَرَجَعْتُ فَرَاجَعْتُ رَبِّي، فَقَالَ: هِيَ خَمْسٌ، وَهْيَ خَمْسُونَ، لاَ يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ. فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ، فَقُلْتُ: قَدِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي، ثُمَّ انْطَلَقَ، حَتَّى أَتَى السِّدْرَةَ الْمُنْتَهَى، فَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لاَ أَدْرِي مَا هِيَ، ثُمَّ أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ، فَإِذَا فِيهَا جَنَابِذُ اللُّؤْلُؤِ، وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ". (وأبا حَبَّة الأنصاري): بحاء مهملة مفتوحة وباء موحدة مشددة. * * * باب: قَولِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [هود: 50] وقولهِ تَعَالى: {إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ} إلى قوله: {كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} [الأحقاف: 21 - 25] 1815 - (3344) - قَالَ: وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِّي نُعْمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِذُهَيْبَةٍ، فَقَسَمَهَا بَيْنَ الأَرْبَعَةِ: الأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الْحَنْظَلِيِّ ثُمَّ الْمُجَاشِعِيِّ، وَعُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيِّ، وَزَيْدٍ الطَّائِيِّ ثُمَّ أَحَدِ بَنِي نَبْهَانَ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلاَثَةَ الْعَامِرِيِّ ثُمَّ أَحَدِ بَنِي كِلاَبٍ، فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ وَالأَنْصَارُ، قَالُوا: يُعْطِي صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ وَيَدَعُنَا؟! قَالَ: "إِنَّمَا أَتَأَلَّفُهُمْ"، فَأَقْبَلَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ، مُشْرِفُ الْوَجْنتَيْنِ، ناَتِئُ الْجَبِينِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ،

مَحْلُوقٌ، فَقَالَ: اتَّقِ اللهَ يَا مُحَمَّدُ. فَقَالَ: "مَنْ يُطِعِ اللهَ إِذَا عَصَيْتُ؟ أَيَأْمَنُنِي اللهُ عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَلاَ تَأْمَنُونِي؟ ". فَسَأَلَهُ رَجُلٌ قَتْلَهُ -أَحْسِبُهُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ-، فَمَنَعَهُ، فَلَمَّا وَلَّى، قَالَ: "إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا -أَوْ فِي عَقِبِ هَذَا -قَوْمٌ يَقْرَؤونَ الْقُرْآنَ، لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّهِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، لَئِنْ أَناَ أَدْرَكْتُهُمْ، لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ". (بعث عليٌّ): أي: من اليمن، كما رواه النسائي (¬1). (بذُهَيْبة): أَنَّثَها على معنى: القطعة من الذهب. (صناديدَ أهل نجد): أي: رؤساءهم، الواحدُ صِنْديد. (غائر العينين): أي: داخِلُهما، يقال: غارت عيناه: إذا دخلتا، وهو ضد الجاحظ. (مشرف الوجنتين): أي: ليس بسهلِ الخَدِّ، وقد أشرفت وجنتاه؛ أي: عَلَتا. (ناتئ الجبين): أي: مرتفع على ما حوله. (كَثُّ اللحية): -بالثاء المثلثة-؛ أي: كثيرُ شعرِ اللحية غيرَ مُسْبَلَةٍ. (محلوق): أي: محلوقُ الرأس (¬2)، يشير إلى مخالفته ما كانوا عليه من تربية شعر الرأس وفَرْقه. (إن من ضِئْضِئ هذا): أي: من نَسْلِه وعَقِبه. ¬

_ (¬1) رواه النسائي (2578). (¬2) "الرأس" ليست في "ع".

باب: قصة يأجوج ومأجوج

(لا يجاوز حناجرَهم): أي: لا يرفع في الأعمال الصالحة. (يمرقون): المُروق: النُّفوذ حتى يخرجَ من الطرف الآخر. (من الدين): أي: الطاعة، يريد: أنهم يخرجون من طاعة الأئمة كخووج السهم من الرمية، وهذا نعتُ الخوارج الذين لا يدينون (¬1) للأئمة، ويخرجون على الناس (¬2). * * * باب: قِصَّةِ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ 1816 - (3346) - حَدَّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّ زَيْنَبَ بْنَةَ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ زَيْنَبَ بْنَةِ جَحْشٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُنَّ-: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعاً يَقُولُ: "لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَاْجُوجَ مِثلُ هَذِهِ"، وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا. قَالَتْ زَيْنَبُ بْنَةُ جَحْشٍ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قالَ: "نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخُبْثُ". (وحلق بإصبعيه (¬3) الإبهامِ والتي تليها): وفي رواية أبي هريرة: "وعقدَ بيدِه تِسْعين" (¬4). ¬

_ (¬1) في "ع": "يدنون". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 729). (¬3) كذا في رواية أبي ذر الهروي وابن عساكر، وفي اليونينية: "بإصبعه"، وهي المعتمدة في النص. (¬4) رواه البخاري (3347).

قال السفاقسي: وليس عقدُ التسعين (¬1) في الحساب مثلَ التحليق، وردَّ بأن عقدَ التسعين في اصطلاح الحساب: أن يجعل رأس الإصبع السبابة في أصل الإبهام، ويضمها حتى لا يبقى بينهما إلا خلل يسير (¬2). * * * 1817 - (3348) - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: يَا آدَمُ! فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، فَيَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، قَالَ: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِئَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى، وَمَا هُمْ بِسُكَارَى، وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَأَيُّنَا ذَلِكَ الْوَاحِدُ؟ قَالَ: "أَبْشِرُوا؛ فَإِنَّ مِنْكُمْ رَجُلٌ، وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفٌ". ثُمَّ قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! إِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ"، فَكَبَّرْناَ، فَقَالَ: "أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ"، فَكَبَّرْناَ، فَقَالَ: "أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ"، فَكَبَّرْناَ، فَقَالَ: "مَا أَنْتُمْ فِي النَّاسِ إِلاَّ كَالشَّعَرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَبْيَضَ، أَوْ كَشَعَرَةٍ بَيْضَاءَ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَسْوَدَ". (فيقول: أخرجْ بعثَ النار): المخاطب بهذا الكلام آدمُ -عليه السلام-، وإنما خُصَّ بذلك؛ لأن الله تعالى قد جمع له جميعَ (¬3) نَسَمِ بنيه المولودين ¬

_ (¬1) في "ع": "السبعين". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 730). (¬3) "جميع" ليست في "ع".

باب: قوله الله عز وجل: {واتخذ الله إبراهيم خليلا} [النساء: 125]

منه إلى يوم القيامة، ودليلُ ذلك: أن نبينا -صلوات الله عليه وسلامه عليه- رأى آدم ليلة الإسراء في السماء الدنيا، وعن يمينه أَسْوِدَة، وعن يساره أسودة. (فقال: أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة): روى الترمذي عن بريدة مرفوعاً، وحَسَّنه: "أَهْلُ الجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِئَةُ ضِعْفٍ، ثَمَانُونَ مِنْهَا مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَأَرْبَعُونَ مِنْهَا مِنْ سَائِرِ الأُمَمِ" (¬1)، ولا تعارضَ بين الحديثين، وإذا (¬2) تأملت، فإن هذا ليس فيه الجزم بأنهم نصفُ أهل الجنة فقط، وإنما هو رجاءٌ رجاهُ لأمته، ثم أعلمَه الله تعالى بعدَ ذلك أن أمته ثُلثُا أهلِ الجنة (¬3). (ما أنتم في الناس إلا كالشعرة السوداء في جلد ثور أبيض): هذا في المحشر، وأما في الجنة، فهم نصف الناس هناك، أو ثلثاهم على ما سبق. * * * باب: قوله الله عز وجل: {وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125] 1818 - (3349) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَناَ سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ ابْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً -ثُمَّ قَرَأَ-: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104]، وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ، وَإِنَّ أُناَساً مِنْ أَصْحَابِي يُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ، فَأَقُولُ: أَصْحَابِي أَصْحَابِي، فَيَقُولُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2546). (¬2) في "ع": "إذا". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 730).

أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ، فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ} إِلَى قَوْلهِ: {الْحَكِيمُ} [المائدة: 117] ". (غُرْلاً): -بضم الغين المعجمة وإسكان الراء-؛ أي: غيرَ مختونين، جمعُ أَغْرَلَ (¬1)، والغُرْلَةُ: هو ما يقطعُه الخاتِن، وهي القُلْفَةُ (¬2). (أصحابي): ويروى: "أُصَيْحابي" -بالتصغير-؛ للتنبيه (¬3) على قلة عددهم (¬4). (مرتدِّين على أعقابهم): قيل: في قوله: على أعقابهم، ولم يقتصر على مرتدين؛ إشارة إلى أنهم مرتكبو الكبائر، وقيل: ارتدادُ من ارتدَّ من العرب بعد موته - صلى الله عليه وسلم - (¬5). * * * 1819 - (3350) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَخِي عَبْدُ الْحَمِيدِ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ، فَيَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ لاَ تَعْصِنِي؟ فَيَقُولُ أَبُوهُ: فَالْيَوْمَ لاَ أَعْصِيكَ. فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: يَا رَبِّ! إِنَّكَ ¬

_ (¬1) "جمع أغرل" ليست في "ع". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 730). (¬3) في "ع": "للتثنية". (¬4) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬5) المرجع السابق، الموضع نفسه.

وَعَدْتَنِي أَنْ لاَ تُخْزِيَني يَوْمَ يُبْعَثُونَ، فَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الأَبْعَدِ؟ فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: إِنِّي حَرَّمْتُ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا إِبْرَاهِيمُ! مَا تَحْتَ رِجْلَيْكَ؟ فَيَنْظُرُ، فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ مُلْتَطِخٍ، فَيُؤْخَذُ بِقَوَائِمِهِ، فَيُلْقَى فِي النَّارِ". (فإذا هو بذبْخ (¬1)): -بذال معجمة مكسورة فباء موحدة ساكنة فخاء معجمة-: هو ذكر الضِّباع. (مُلْتَطِخ): أي: بعَذِرَةٍ ونجاسةٍ. ولما حملت الرأفةُ إبراهيمَ -عليه السلام- على الشفاعة لأبيه، أُبرز له في هذه الهيئة المستبشعة (¬2) ليتبرأَ منه. وتوقف الإسماعيلي في "المستخرج على الصحيح"، فقال: هذا خبر في صحته نظر من جهة أن إبراهيم -عليه السلام- عالمٌ أن الله تعالى لا يخلف الميعاد، ووعدُه بأنه لا يخزيه يومَ البعث، ولو تلا الإسماعيلي قولَه تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} [التوبة: 114]، لتلاشى عنده هذا النظر الذي أبداه (¬3) (¬4). * * * 1820 - (3353) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، ¬

_ (¬1) نص البخاري: "بِذِيخٍ". (¬2) في "ع": "المستشبعة". (¬3) "الذي أبداه" ليست في "ع". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 731).

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثنَي سَعِيدُ بْنُ أَبي سَعِيدٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أكرَمُ الناسِ؟ قَالَ: "أتقَاهُمْ"، فَقَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نسأَلُكَ، قَالَ: "فَيُوسُفُ نبَيُّ اللهِ ابْنُ نبِيِّ اللهِ ابْنِ نبَيِّ اللَّهِ ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ"، قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نسألكَ، قَالَ: "فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْألونَ؟ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيةِ خِيَارُهُمْ فِي الإسْلاَمِ إِذَا فَقُهُوا". (إذا فَقُهوا): قال أبو البقاء: الجيدُ هنا ضمُ القاف؛ من فَقُهَ يَفْقُهُ: إذا صارَ فقيهًا؛ كَظَرُفَ، وأما فَقِه -بالكسر- يفقَه -بالفتح-، فهو بمعنى: فَهِمَ الشيءَ، فهو متعدِّ، والمضمومُ القافِ لازمٌ (¬1) (¬2). * * * 1821 - (3355) - حَدثَنِي بَيَانُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا النَّضْرُ، أَخْبَرَناَ ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، وَذَكَرُوا لَهُ الدَّجَّالَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ كَافِرٌ، أَوْ ك ف ر، قَالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: "أَمَّا إِبْرَاهِيمُ، فَانْظُرُوا إِلَى صَاحِبِكُمْ، وَأَمَّا مُوسَى، فَجَعْدٌ آدَمُ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ مَخْطُومٍ بِخُلْبَةٍ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ انْحَدَرَ فِي الْوَادِي". (مخطوم بخُلْبة): أي: جُعل خطامُه من خُلْبَةٍ، وهي (¬3) بضم الخاء: الخُصْلَةُ من اللِّيف. ¬

_ (¬1) "لازم" ليست في "ع". (¬2) انظر: "إعراب الحديث" (ص: 339). وانظر: "التنقيح" (2/ 731). (¬3) في "ع": "وهو".

1822 - (3356) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- وَهْوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً بِالْقَدُومِ". حَدَّثَنَا أبو الْيَمَانِ، أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أبو الزِّناَدِ: "بِالْقَدُومِ" -مُخَفَّفَةً-. تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبي الزِّناَدِ. تَابَعَهُ عَجْلاَنُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ. (بالقَدوم): -بفتح القاف وتخفيف الدال-: قريةٌ بالشام، وقيل: هي آلةُ النجَّار، وحكى الباجيُّ التشديد، قال: وهو موضع (¬1) (¬2). (وتابعه عجلان عن أبي هريرة): قال الزركشي: من قال: تابعه ابن عجلان، فقد وهم؛ فإن محمدًا لم يلق أبا هريرة، وإنما أبوه هو الذي أدركه، فروى عنه. قال المنذري فيما استدركه عليُّ بنُ طاهر المقدسي في كتابه عند ذكر عجلان: فإنه ذكره في "أفراد مسلم"، قال: قد استشهد البخاري بعجلان في بدء الخلق في ذكر إبراهيم الخليل - صلى الله عليه وسلم - (¬3). * * * 1823 - (3358) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، ¬

_ (¬1) في "ع": "وهو تشديد موضع". (¬2) انظر: "التوضيح" (19/ 377). (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 731).

عَنْ أيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- إِلَّا ثَلَاثَ كذَبَاتٍ: ثِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ فِي ذَاتِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: قَوْلُهُ: {إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: 89]، وَقَوْلُهُ: {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} [الأنبياء: 63] وَقَالَ بَيْنَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ وَسَارَةُ، إِذْ أتى عَلَى جَبَّارٍ مِنَ الْجَبَابِرَةِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ هَاهُنَا رَجُلًا مَعَهُ امْرَأة مِنْ أَحْسَنِ الناسِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَسَأَلَهُ عَنْهَا، فَقَالَ: مَنْ هَذِه؟ قَالَ: أُخْتِي، فَأتى سَارَةَ، قَالَ: يَا سَارَةُ! لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مُؤْمِن غَيْرِي وَغَيْرُكِ، وَإِنَّ هَذَا سَأَلَنِي، فَأَخْبَرتُهُ أَنكِ أُختِي، فَلَا تُكَذبِينِي. فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا، فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ، ذَهَبَ يَتَنَاوَلُهَا بِيَدِه، فَأُخِذَ، فَقَالَ: ادْعِي اللَّهَ لِي، وَلَا أَضُرُّكِ. فَدَعَتِ اللَّهَ، فَأُطْلِقَ، ثُمَّ تَنَاوَلَهَا الثَّانِيَةَ، فَأخذَ مِثْلَهَا، أَوْ أَشَدَّ، فَقَالَ: ادْعِي اللَّهَ لِي، وَلَا أَضُرُّكِ. فَدَعَتْ، فَأُطْلِقَ. فَدَعَا بَعْضَ حَجَبَتِهِ، فَقَالَ: إِنَكمْ لَمْ تَأْتُوني بِإِنْسَانٍ، إِنَّمَا أتيْتُمُوني بِشَيْطَانٍ. فَأَخْدَمَهَا هَاجَرَ، فَأَتتهُ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ: مَهْيَم؟ قَالَتْ: رَدَّ اللَّهُ كَيْدَ الْكَافِرِ -أَوِ الْفَاجِرِ- فِي نَحْرِهِ، وَأَخْدَمَ هَاجَرَ. قَالَ أبو هُرَيْرَةَ: تِلْكَ أُمُّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءَ. (إلا ثلاث كذَبات): -بفتح الذال-؛ لأن واحده كَذْبَة -بسكون الذال-، وهو اسمٌ لا صفة، فهو كجَفْنَة، وقَصْعَة، والمرادُ ظاهر بالكذبات: المعاريض. قال ابن الأنباري: تأويلُ (¬1) كذب: قال قولًا يشبه الكذبَ في ظاهر الأمر، وهو صدق عند البحث والتفتيش (¬2). ¬

_ (¬1) "تأويل" ليست في "ع". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 732).

(إذ أتى على جبار من الجبابرة): حكى السهيلي في اسمه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه ملكُ الأُرْدُن، وهو صادوق. وقيل: إن الملك سنانُ بنُ علوان، وكان -في أحد الأقوال- أخا الضحاك الذي ملك الأقاليم. وقيل: هو عمرُو بن امرئ القيس بن سبأ بن يشجب (¬1) بن يَعْرُب، وكان على مصر إذ ذاك (¬2). (فأومأ بيده: مهيم): كذا لأكثرهم، وعند ابن السكن، وابن القابسي: "مهين" -بالنون بدلًا من الميم-، قيل: وأولُ من تكلَّمَ بها إبراهيم (¬3). (يا بني ماء السماء): يعني: العرب؛ لأنهم يعيشون بماء المطر، ويتتبعون مساقِطَ الغيث. قال الخطابي: وقيل: إنما أراد زمزمَ أنبعَها الله تعالى لهاجرَ، فعاشوا بها، فصاروا كلُّهم أولادَها (¬4). وذكر ابن حبان في "صحيحه": أن كل مَنْ كان من ولد هاجر يقال له: وَلَدُ ماءِ السماء؛ لأن إسماعيلَ مِنْ هاجر، وقد رُبِّي من ماء زمزمَ، وهي ماءُ السماء الذي أكرم به إسماعيل حين ولدته أمه هاجر، فأولادها أولادُ ماء السماء (¬5). ¬

_ (¬1) "ابن يشجب" ليست في "ع". (¬2) انظر: "الروض الأنف" (1/ 41). (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 732). (¬4) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 1538). (¬5) ذكره ابن حبان في "صحيحه" (13/ 45).

وقيل: ماءُ السماء هو عامرٌ أبو عمرو بن مزيقياء، وهو من الأزد، والأزدُ من اليمن، والأنصارُ من اليمن، سمي بذلك؛ لأنه إذا قحط الناس، أقام لهم مالَه مُقامَ المطر (¬1). * * * 1824 - (3362) - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا وَهْبُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أيوب، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أبيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ، لَوْلَا أَنَّهَا عَجِلَتْ، لَكَانَ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا" (عينًا معينًا): المَعِينُ: الظاهر على وجه الأرض، وهل وزنُه مَفْعَلٌ من عانه: إذا رآه بعينه، وأصله مَعْيُونٌ، فبقي كمَبيع، أو فَعِيلٌ من أَمْعَنْتُ في الشيء: إذا بالغتُ فيه؟ وجهان (¬2). * * * 1825 - (3363) - قَالَ الأَنْصَارِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ: أَمَّا كَثِيرُ بْنُ كَثِيرٍ، فَحَدَّثَنِي، قَالَ: إِنِّي وَعُثْمَانَ بْنَ أَبي سُلَيْمَانَ جُلُوسٌ مَعَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَقَالَ: مَا هَكَذَا حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَقْبَلَ إِبْرَاهِيمُ بِإِسْمَاعِيلَ وَأُمِّهِ -عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- وَهْيَ تُرْضِعُهُ، مَعَهَا شَنَّةٌ -لَمْ يَرْفَعْهُ-، ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 732). (¬2) المرجع السابق، الموضع نفسه.

(معها (¬1) شَنَّة): -بشين معجمة مفتوحة-: قِرْبَةٌ (¬2) خَلَقَةٌ، وهو (¬3) أشد تبريدًا للماء من الجليد (¬4). * * * 1826 - (3364) - وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنْ أيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، وَكثِيرِ بْنِ كثِيرِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبي وَداعَةَ، يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: قَالَ ابْنُ عَبَّاس: أَوَّلَ مَا اتَّخَذَ النِّسَاءُ الْمِنْطَقَ مِنْ قِبَلِ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ، اتَّخَذَتْ مِنْطَقًا لتُعَفِّيَ أثرَهَا عَلَى سَارَةَ، ثمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ، وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهْيَ تُرْضِعُهُ حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ الْبَيْتِ عِنْدَ دَوْحَةٍ فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أَعْلَى الْمَسْجِدِ، وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَد، وَلَيْسَ بِهَا مَاء، فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ، وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ، وَسِقَاءً فِيهِ مَاء، ثمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا، فتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ، فَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ! أَيْنَ تَذْهَبُ وَتترُكنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْس وَلَا شَيْء؟ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَجَعَلَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ لَهُ: آللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نعمْ، قَالَتْ إِذًا لَا يُضَيِّعُنَا. ثمَّ رَجَعَتْ، فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لَا يَرَوْنَهُ، اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ، ثمَّ دَعَا بِهَؤُلَاءَ الْكَلِمَاتِ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ ¬

_ (¬1) في "ع": "معنا". (¬2) في "ع": "قوية". (¬3) في "ج": "وهي". (¬4) المرجع السابق، الموضع نفسه.

غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} حتى بلغ: {يَشْكُرُونَ} [إبراهيم: 37]. وَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تُرْضعُ إِسمَاعِيلَ، وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ، حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ، عَطِشَتْ، وَعَطِشَ ابْنُهَا، وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى -أَوْ قَالَ: يَتَلَبَّطُ-، فَانْطَلَقَتْ كرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَوَجَدَتِ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ فِي الأَرْضِ يَلِيهَا، فَقَامَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَتِ الْوَادِيَ تَنْظُرُ هَلْ ترَى أَحَدًا؟ فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَهَبَطَتْ مِنَ الصَّفَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْوَادِيَ، رَفَعَتْ طَرَفَ دِرْعِهَا، ثُمَّ سَعَتْ سَعْيَ الإنْسَانِ الْمَجْهُودِ، حَتَى جَاوَزَتِ الْوَادِيَ، ثُمَّ أتتِ الْمَرْوَةَ، فَقَامَتْ عَلَيْهَا، وَنظرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا؟ فَلَمْ ترَ أَحَدا، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبعَ مَرَّاتٍ -قَالَ ابْنُ عبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَذَلِكَ سَعْيُ النَّاسِ بَيْنَهُمَا". -فَلَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَرْوَةِ، سَمِعَتْ صَوْتًا، فَقَالَتْ: صَهٍ. تُرِيدُ نَفْسَهَا، ثُمَ تَسَمَّعَتْ، فَسَمِعَتْ أَيْضًا، فَقَالَتْ: قَدْ أَسْمَعْتَ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ غَوَاثٌ، فَإِذَا هِيَ بِالْمَلَكِ عِنْدَ مَوْضعِ زَمْزَمَ، فَبَحَثَ بِعَقِبِهِ -أَوْ قَالَ: بِجَنَاحِهِ- حَتَّى ظَهَرَ الْمَاءُ، فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ، وَتَقُولُ بِيَدِهَا هَكَذَا، وَجَعَلَتْ تَغْرِفُ مِنَ الْمَاءِ فِي سِقَائِهَا، وَهْوَ يَفُورُ بَعْدَما تَغْرِفُ -قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ، لَوْ تَرَكتْ زَمْزَمَ، أَوْ قَالَ: لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنَ الْمَاءِ، لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا". -قَالَ: فَشَرِبَتْ، وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا، فَقَالَ لها الْمَلَكُ: لَا تَخَافُوا الضَّيْعَةَ؛ فَإِنَّ هَاهُنَا بَيْتَ اللَّهِ، يَبْنِي هَذَا الْغُلَام، وَأَبُوهُ، وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَهْلَهُ. وَكَانَ الْبَيتُ مُرْتَفِعًا مِنَ الأَرْضِ كَالرَّابِيَةِ، تَأْتيه السُّيُولُ فَتَأْخُذُ عَنْ يَمِينهِ وَشِمَالِهِ، فَكَانَتْ كَذَلِكَ، حَتَّى مَرَّتْ بِهِمْ رُفْقَةٌ منْ جُرْهُمَ -أَوْ: أَهْلُ بَيْتٍ مِنْ جُرْهُمَ- مُقْبِلِينَ مِنْ طَرِيقِ كَدَاءٍ، فَنَزَلُوا في

أَسْفَلِ مَكَّةَ، فَرَأَوْا طَائِرًا عَائِفًا. فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا الطَّائِرَ لَيَدُورُ عَلَى مَاءٍ، لَعَهْدُنَا بِهَذَا الْوَادِي وَمَا فِيهِ مَاءٌ، فَأَرْسَلُوا جَرِيًّا أَوْ جَرِيَّيْنِ، فَإِذَا هُمْ بِالْمَاء، فَرَجَعُوا فَأَخْبَرُوهُمْ بِالْمَاء، فَأَقْبَلُوا، قَالَ: وَأُمُّ إِسْمَاعِيلَ عِنْدَ الْمَاء، فَقَالُوا: أتأذَنِينَ لَنَا أَنْ ننزِلَ عِنْدَكِ؟ فَقَالَتْ: نعمْ، وَلَكِنْ لَا حَقَّ لَكُمْ فِي الْمَاء، قَالُوا: نعمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَأَلْفَى ذَلِكَ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ، وَهْيَ تُحِبُّ الإنْسَ"، فَنَزَلُوا، وَأَرْسَلُوا إِلَى أَهْلِيهِمْ، فَنَزَلُوا مَعَهُمْ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِهَا أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْهُمْ، وَشَبَّ الْغُلَامُ، وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّة مِنْهُمْ، وَأَنْفَسَهُمْ وَأَعْجَبَهُمْ حِينَ شَبَّ، فَلَمَّا أَدْرَكَ، زَوَّجُوهُ امْرَأَةً مِنْهُمْ، وَمَاتَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ، فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَ مَا تَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ يُطَالِعُ تَرِكتهُ، فَلَمْ يَجدْ إِسْمَاعِيلَ، فَسَأَلَ امْرَأتهُ عَنْهُ، فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا. ثُمَّ سَألَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ، فَقَالَتْ: نَحْنُ بِشَرٍّ، نَحْنُ فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ. فَشَكَتْ إِلَيْهِ. قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ، فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلَامَ، وَقُولي لَهُ يُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ. فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ، كَأَنَّهُ آنس شَيْئًا، فَقَالَ: هَلْ جَاءكمْ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ: نعمْ، جَاءَنَا شيخٌ كَذَا وَكَذَا، فَسَألنَا عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ، وَسَأَلَنِي: كَيْفَ عَيْشُنَا؟ فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا فِي جَهْدٍ وَشِدَّةٍ. قَالَ: فَهَلْ أَوْصَاكِ بِشَيْءَ؟ قَالَتْ: نعَمْ، أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَيَقُولُ: غَيِّرْ عَتَبةَ بَابِكَ. قَالَ: ذَاكِ أَبي، وَقَدْ أَمَرَنِي أَنْ أفُارِقَكِ، الْحَقِي بأَهْلِكِ. فَطَلَّقَهَا، وَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ أُخْرَى، فَلَبِثَ عَنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ مَا شاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أتاهُمْ بَعْدُ، فَلَمْ يجِدْهُ، فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ، فَسَأَلَهَا عَنْهُ. فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا. قَالَ: كيْفَ أَنتمْ؟ وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ، وَهَيْئتَهِمْ، فَقَالَتْ: نَحْن بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ، وَأثنَتْ عَلَى اللَّهِ. فَقَالَ: مَا طَعَامُكُمْ؟

قَالَتِ: اللَّحْمُ، قَالَ: فَمَا شَرَابُكُمْ؟ قَالَتِ: الْمَاءُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي اللَّحْم وَالْمَاءِ. قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ حَبٌّ، وَلَوْ كَانَ لَهُمْ، دَعَا لَهُمْ فِيهِ". قَالَ: فَهُمَا لَا يَخْلُو عَلَيْهِمَا أَحَدٌ بِغَيْرِ مَكَّةَ إِلَّا لَمْ يُوَافِقَاهُ. قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ، فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلَامَ، وَمُرِيهِ يُثْبِتُ عَتَبةَ بَابِهِ، فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: هَلْ أتاكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ: نعَمْ، أَتَانَا شَيْخٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ، وَأَثْنَتْ عَلَيْهِ، فَسَأَلَنِي عَنْكَ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَسَأَلَنِي: كَيْفَ عَيْشُنَا؟ فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا بِخَيْرٍ. قَالَ: فَأَوْصَاكِ بِشَيْءٍ؟ قَالَتْ: نعمْ، هُوَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَيَأْمُرُكَ أَنْ تُثْبِتَ عَتَبَةَ بَابِكَ. قَالَ: ذَاكِ أَبي، وَأَنْتِ الْعَتَبَةُ، أَمَرَنِي أَنْ أُمسِكَكِ. ثُمَّ لَبِثَ عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِسْمَاعِيلُ يَبْرِي نبلًا لَهُ تَحْتَ دَوْحَةٍ قَرِيبًا مِنْ زَمْزَمَ، فَلَمَّا رَآهُ، قَامَ إِلَيْهِ، فَصَنَعَا كَمَا يَصْنعُ الْوَالِدُ بِالوَلَدِ وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ، ثُمَّ قَالَ: يَا إِسْمَاعِيلُ! إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِأَمْرٍ، قَالَ: فَاصْنع مَا أَمَرَكَ رَبُّكَ. قَالَ: وَتُعِينُنِي؟ قَالَ: وَأُعِينُكَ. قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبني هَاهُنَا بَيْتًا، وَأَشَارَ إِلَى أكمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ عَلَى مَا حَوْلَهَا. قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَا الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ، فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ، وَإِبْرَاهِيمُ يَبْنِي، حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ، جَاءَ بِهَذَا الْحَجَرِ، فَوَضَعَهُ لَهُ، فَقَامَ عَلَيْهِ وَهْوَ يَبْنِي، وَإِسْمَاعِيلُ ينَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ، وَهُمَا يَقُولَانِ: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127]. قَالَ: فَجَعَلَا يَبْنِيَانِ حَتَّى يَدُورَا حَوْلَ الْبَيْتِ، وَهُمَا يَقُولَانِ: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}. (المِنْطَق): -بميم مكسورة وطاء مفتوحة-: النِّطاقُ تشدُّه المرأةُ على الوسط عند الشُّغل؛ لئلا تَعْثُرَ في ذَيْلِها.

(لتعفِّيَ أثرَها): لتُخفيه وتمحُوَه؛ لأجل غَيْرَةِ سارةَ. (عندَ دَوْحَةٍ): هي شجرة عظيمة. (ثم قفَّى): وَلَّاها قَفاهُ، وهي بتشديد الفاء. (واستقبلَ بوجهه البيتَ): أي: موضعَ البيت؛ لأنه لم يكن حينئذٍ قد بُني. (عطِشت): بكسر الطاء. (يتلوَّى): يتقلبُ (¬1) ظَهْرًا لبطنٍ. (أو قال: يتلبط): أي: يُصرع، وقيل: معناهما واحد، وقيل: اللَّبط والخَبْطُ بمعنى. وقال ابن دريد: اللَّبط باليد، والخَبْطُ بالرِّجْل (¬2). (قالت: صَهٍ): قال الزركشي: بالتنوين. قلت: والذي رأيتُه في بعض النسخ: بسكون الهاء من غير تنوين، فينبغي تحريرُ الرواية فيه. أمرتْ نفسَها بالسكوت؛ لتسمعَ ما فيه فَرَجٌ (¬3). (غَواث): -بفتح الغين المعجمة- قيده ابنُ الخشاب وغيرُه من أئمة اللغة، قيل: وليس في الأصوات ما يقال بفتح الفاء غيره. قال السفاقسي: ويجوز ضم الغين (¬4). ¬

_ (¬1) في "ع": "تقلب". (¬2) انظر: "جمهرة اللغة" (1/ 360). (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 734). (¬4) المرجع السابق، الموضع نفسه.

(فإذا هي بالملَكِ): هو جبريل -عليه السلام-. (فبحث (¬1) بعَقِبِه): أي: حفرَ بمؤخر رِجْلِه. قال السهيلي: وفي تفجيره إياها بالعَقِبِ دون أن يفجرها باليد أو غيرها إشارةٌ إلى أنها لعقبه وراثة، وهو محمدٌ وأمته؛ كما قال سبحانه: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} [الزخرف: 28]؛ أي: في أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - (¬2). (فجعلت تُحَوِّضُه): -بالحاء المهملة والضاد المعجمة-؛ أي: تُصَيِّرُه كالحوض؛ لئلا يذهب الماء، وفي رواية: "تُحَوِّطُه" (¬3). (وهو يفور): أي: ينبعُ؛ كقوله: {وَفَارَ التَّنُّورُ} [هود: 40]. (من طريق كَدَاء): -بالفتح والمد-: أعلى (¬4) مكة، كذا نقله القاضي عن رواية الجمهور (¬5). (فرأوا طائرًا عائِفًا): العائف -بالفاء-: هو الذي يتردَّدُ حول الماء ويحوم. (فأرسلوا جَرِيًّا): -بالياء المشددة-: الرسولُ المسرعُ؛ لأنه يجري؛ أو لأنك تُجريه في حوائجك. (وهي تحبُّ الإنس): بضم الهمزة وكسرها. (وأنفَسَهم): -بفتح الفاء-؛ أي: صار نفَيسًا (¬6) فيهم رفيعًا يتنافس ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: "يحت"، والتصويب من نص البخاري. (¬2) انظر: "الروض الأنف" (1/ 257). (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 734). (¬4) في "ع": "على". (¬5) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 350). (¬6) في "ع": "نفسها"، وفي "م": "نفيسها".

في (¬1) الوصول إليه. (ويقول غيِّرْ عَتَبَةَ بابك): كنى بالعتبة عن المرأة، وأشار عليه (¬2) بفراقها. قال ابن سعد في "الطبقات": عن الكلبي، قال: كانت لإسماعيل امرأة من العماليق (¬3) ابنةُ صُدَيِّ قَبْلَ الجُرْهُمية، وهي التي جاءها إبراهيم، فجَفَتْه في القول، ففارقها إسماعيل، ولم تلدْ له شيئًا، وقال ابنُ سعد -بعد ذكر أولاد إسماعيل-: وأُمهم في رواية محمد بن إسحاق: رِعْلَةُ بنتُ مُضاضِ ابنِ عمرٍو الجرهمي. وفي رواية الكلبي: رِعْلَةُ بنتُ (¬4) يَشْجُبَ بق يَعْرُبَ بنِ لوذانَ (¬5) بنِ جُرْهُمٍ (¬6). وذكر السهيلي في "الروض الأنف" في أولاد إسماعيل: أن ابن هشام قال: وأمهم بنتُ مُضاض، قال: ولم يذكر اسمها، واسمها السيِّدة، ذكره الدارقطني، وقد كان له امرأة سواها من جُرهم، وهي التي أمره أبوه بتطليقها، قيل: اسمُها جَداء بنتُ سعد، ثم تزوج أخرى، وهي التي قال لها إبراهيم في الزورة الثانية: "قولي لزوجِك فليثبتْ عتبةَ بيته"، وقال: اسمُ هذه الأخيرة سامَةُ بنتُ مُهَلْهِلٍ، ذكر ذلك الواقدي، وذكرهما المسعودي ¬

_ (¬1) "في" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "إليه". (¬3) في"ع": "مرأة من العمالقة". (¬4) "بنت" ليست في "ع". (¬5) في "ع": "دلوان". (¬6) انظر: "الطبقات الكبرى" (1/ 51).

أيضًا، وقد قيل: الثانية عاتكة (¬1). (قال: فهما لا يخلو عليهما أحدٌ شيئًا (¬2)): أي: لا يخلط عليهما أحد (¬3) شيئًا. (يَبْري): بفتح أوله. * * * 1827 - (3365) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ ابْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ كثِيرِ بْنِ كثِيرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: لَمَّا كَانَ بَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَبَيْنَ أَهْلِهِ مَا كانَ، خَرَجَ بِإِسْمَاعِيلَ وَأُمِّ إِسْمَاعِيلَ، وَمَعَهُمْ شَنَّة فِيهَا مَاء، فَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تَشْرَبُ مِنَ الشَّنَّةِ، فَيَدِرُّ لَبَنُهَا عَلَى صَبِيِّهَا، حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَوَضَعَهَا تَحْتَ دَوْحَةٍ، ثُمَّ رَجَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى أَهْلِهِ، فَاتَّبَعَتْهُ أُم إِسْمَاعِيلَ، حَتَّى لَمَّا بَلَغُوا كَدَاء، نَادَتْهُ مِنْ وَرَائِهِ: يَا إِبْرَاهِيمُ! إِلَى مَن تترُكنَا؟ قَالَ: إِلَى اللَّهِ، قَالَتْ: رَضِيتُ بِاللَّهِ. قَالَ: فَرَجَعَتْ، فَجَعَلَتْ تَشْرَبُ مِنَ الشَّنَّةِ وَيَدِرُّ لَبَنُهَا عَلَى صَبِيِّهَا، حَتَى لَمَّا فَنِيَ الْمَاءُ، قَالَتْ: لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ لَعَلي أُحسُّ أَحَدًا. قَالَ: فَذَهَبَتْ، فَصَعِدَتِ الصَّفَا، فَنَظَرَتْ وَنَظَرَتْ: هَلْ تُحِسُّ أَحَدًا؟ فَلَمْ تُحِسَّ أَحَدًا، فَلَمَّا بَلَغَتِ الْوَادِيَ، سَعَتْ، وَأتتِ الْمَرْوَةَ، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ أَشْوَاطًا، ثُمَ قَالَتْ: لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ مَا فَعَلَ ¬

_ (¬1) انظر: "الروض الأنف" (1/ 42). (¬2) "شيئا" ليست في نص البخاري. (¬3) في "ع": "أشد".

-تَعْنِي: الصَّبِيَّ-، فَذَهَبَتْ فَنَظَرَتْ، فَإِذَا هُوَ عَلَى حَالِهِ؛ كأَنَّهُ يَنْشَغُ لِلْمَوْتِ، فَلَمْ تُقِرَّهَا نَفْسُهَا، فَقَالَتْ: لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ؛ لَعَلِّي أُحِسُّ أَحَدًا، فَذَهَبَتْ فَصَعِدَتِ الصَّفَا، فَنَظَرَتْ وَنَظَرَتْ، فَلَمْ تُحِسَّ أَحَدًا، حَتَّى أتمَّتْ سَبْعًا، ثُمَّ قَالَتْ: لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ مَا فَعَلَ، فَإِذَا هِيَ بِصَوْتٍ، فَقَالَتْ: أَغِثْ إِنْ كَانَ عنْدَكَ خَيْر، فَإِذَا جِبْرِيلُ. قَالَ: فَقَالَ بِعَقِبِهِ هَكَذَا، وَغَمَزَ عَقِبَهُ عَلَى الأَرْضِ، قَالَ: فَانْبَثَقَ الْمَاءُ، فَدَهشَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ، فَجَعَلَتْ تَحْفِزُ. قَالَ: فَقَالَ أَبُو الْقَاسِم - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ تَرَكَتْهُ، كَانَ الْمَاءُ ظَاهِرًا". قَالَ: فَجَعَلَتْ تَشْرَبُ مِنَ الْمَاءَ، وَيَدِرُّ لَبَنُهَا عَلَى صَبِيِّهَا. قَالَ: فَمَرَّ نَاس مِنْ جُرْهُمَ بِبَطْنِ الْوَادِي، فَإِذَا هُمْ بِطَيْرٍ، كأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا ذَاكَ، وَقالُوا: مَا يَكُونُ الطَّيْرُ إِلَّا عَلَى مَاءٍ، فَبَعَثُوا رَسُولَهُمْ، فَنَظَرَ، فَإِذَا هُمْ بِالْمَاءِ، فَأَتَاهُمْ فَأَخْبَرَهُمْ، فَأَتَوْا إِلَيْهَا، فَقَالُوا: يَا أُمَّ إِسْمَاعِيلَ، أتأْذَنِينَ لَنَا أَنْ نَكُونَ مَعَكِ، أَوْ نسكُنَ مَعَكِ؟ فَبَلَغَ ابْنُهَا، فَنَكَحَ فِيهِمُ امْرَأَةً. قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا لإبْرَاهِيمَ، فَقَالَ لأَهْلِهِ إِنِّي مُطَّلِعٌ ترِكَتِي. قَالَ: فَجَاءَ فَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَيْنَ إِسْمَاعِيلُ؟ فَقَالَتِ امْرَأتهُ: ذَهَبَ يَصِيدُ. قَالَ: قُولي لَهُ إِذَا جَاءَ غَيِّرْ عَتَبةَ بَابِكَ. فَلَمَّا جَاءَ، أَخْبَرَتهُ، قَالَ: أَنْتِ ذَاكِ، فَاذْهَبِي إِلَى أَهْلِكِ. قالَ: ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا لإبْرَاهِيمَ، فَقَالَ لأَهْلِهِ: إِنِّي مُطَّلِع تَرِكَتي. قَالَ: فَجَاءَ فَقَالَ: أَيْنَ إِسْمَاعِيلُ؟ فَقَالَتِ امْرَأتهُ. ذَهَبَ يَصِيدُ، فَقَالَتْ: أَلَا تَنْزِلُ فتَطْعَمَ وَتَشْرَبَ؟ فَقَالَ: وَمَا طَعَامُكُمْ وَمَا شَرَابُكُمْ؟ قَالَتْ: طَعَامُنَا اللَّحْمُ، وَشَرابُنَا الْمَاءُ. قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي طَعَامِهِمْ وَشَرابِهِمْ. قَالَ: فَقَالَ أَبُو الْقَاسِم - صلى الله عليه وسلم -: "بَرَكَة بِدَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ". قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا لإبْرَاهِيمَ، فَقَالَ لأَهْلِهِ: إِنِّي مُطَّلِعٌ تَرِكَتِي. فَجَاءَ فَوَافَقَ إِسْمَاعِيلَ مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ، يُصْلِحُ نَبلًا لَهُ، فَقَالَ:

يَا إِسْمَاعِيلُ! إِنَّ رَبَّكَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ لَهُ بَيْتًا. قَالَ: أَطِعْ رَبَّكَ. قَالَ: إِنَّهُ قَدْ أَمَرَنِي أَنْ تُعِينَنِي عَلَيْهِ. قَالَ: إِذًا أَفعَلَ. أَوْ كَمَا قَالَ. قَالَ: فَقَامَا، فَجَعَلَ إِبْرَاهِيمُ يَبْنِي، وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ، وَيَقُولَانِ: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127]. قَالَ: حَتَّى ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ، وَضَعُفَ الشَّيْخُ عَلَى نقلِ الْحِجَارة، فَقَامَ عَلَى حَجَرِ الْمَقَامِ، فَجَعَلَ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارة، وَيَقُولَانِ: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}. (يُنْشَغُ للموت): -بشين معجمة مفتوحة وغين معجمة-: يَشْهَقُ ويَضيق نفسُه. (فلم تُقِرَّها (¬1)): بضم أوله وكسر ثانيه. * * * 1828 - (3366) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ التَيْمِيُّ عَنْ أَبيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ - رضي الله عنه -، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّ مَسْجدٍ وُضعَ بالأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ: "الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ". قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "الْمَسْجِدُ الأَقْصَى"، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: "أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْركَتْكَ الصَّلَاةُ بَعْدُ، فَصَلِّهْ؛ فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ". (أَيُّ مسجدٍ وُضع بالأرض أَوَّلُ): قال أبو البقاء: الوجهُ أن يُضَمَّ "أَوَّلُ" ضمةَ بناء، كما يقال (¬2): ابدأ بهذا أولُ، وإنما بني؛ لقطعِه عن ¬

_ (¬1) في "ع": "يقرها". (¬2) في "ع": "قال".

باب: قوله: {ونبئهم عن ضيف إبراهيم} [الحجر: 51]

الإضافة كما بُنيت قَبْلُ وبَعْدُ، والتقدير: أولَ كلِّ شيء (¬1). * * * 1829 - (3371) - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ، وَيَقُولُ: "إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ". (أعوذ بكلمات الله التامَّة): أي: المبارَكَة، وقيل: القرآن. (من كل شيطان وهامَّة): قال الخطابي: واحدةُ الهوام (¬2) ذواتِ السموم (¬3). (ومن كل عين لامَّة): أي: ذاتِ اللَّمَم؛ وهو كلُّ داء يُلِمُّ بالإنسان من خَبَلٍ أو جُنونٍ أو نحوِهما (¬4). * * * باب: قوله: {وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ} [الحجر: 51] 1830 - (3372) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالح، حَدثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 735). (¬2) في "ع": "الهموم". (¬3) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 1544). (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 736).

أَخْبَرَنِي يُونُس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسَعِيدِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أِبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "نَحْنُ أَحَقُّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260]، وَيَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا، لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ، وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ طُولَ مَا لبثَ يُوسُفُ، لأَجَبْتُ الدَّاعِيَ". (نحن أَحَقُّ من إبراهيمَ إذ قال: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} [البقرة: 260]): أي: نحن أشدُّ اشتياقًا لرؤية ذلكَ من إبراهيم. وعند ابن السكن: "نحن أَحَقُّ بالشَّكِّ"؛ أي: نحن أحوجُ إلى العِيان منه. قال الزركشي: وذكر صاحب "الأمثال السائرة": أن أَفْعَل يأتي في اللغة لنفي المعنى عن الشيئين (¬1)؛ نحوَ: الشيطانُ خيرٌ من زيد؛ أي: لا خيرَ فيهما، وكقوله تعالى: {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} [الدخان: 37]. قال: وهو من أحسن ما يتخرج عليه هذا الحديث (¬2). قلت: ولكنه غير معروف عند المحققين. (لقد كان يأوي إلى ركن شديد): ظاهرُه أنه كان يأوي عند الشدائد إلى الله تعالى، [وقال مجاهد: يعني: العشيرة، ولعله يريد: لو أراد، لأوى ¬

_ (¬1) في "ع": "السببين". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 736).

باب: {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه} إلى قوله {ونحن له مسلمون} [البقرة: 133]

إليها، ولكنه أوى إلى الله تعالى] (¬1). (ولو لبثتُ (¬2) في السجن ما لبثَ يوسفُ، لأجبت الداعيَ): يريد: حين دُعي إلى الخروج من السجن بعد مكثه فيه بضعَ سنين، فلم يخرج، وقال: {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ} [يوسف: 50]، وصفه بالصبر والثبات؛ أي: لو كنتُ مكانَه، لخرجتُ، وهذا كله من حُسْنِ تواضعِ نبينا - صلى الله عليه وسلم - وإعظام من ذكره؛ كقوله: "لا تُفَضِّلُوني (¬3) عَلَى يُونُسَ" (¬4). * * * باب: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ} إلى قوله {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 133] 1831 - (3374) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، سَمِعَ الْمُعْتَمِرَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سعَيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: مَنْ أكرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: "أكرَمُهُمْ أتقَاهُمْ"، قَالُوا: يَا نبَي اللَّهِ! لَيْسَ عَنْ هَذَا نسألكَ. قَالَ: "فَأكرَمُ النَّاسِ يُوسُفُ نبَيُّ اللَّهِ ابْنُ نبَيِّ اللَّهِ ابْنِ نبَيِّ اللَّهِ ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ". قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نسألكَ. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬2) في "ع" و "ج": "لبث". (¬3) في "ع": "تفعلوني". (¬4) قال الزيلعي في "تخريج أحاديث الكشاف" (1/ 264): غريب جدًا. وقد رواه البخاري (3215)، ومسلم (2377)، عن ابن عباس مرفوعًا بلفظ: "ما ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى". وانظر: "التنقيح" (2/ 736).

باب: قول الله -عز وجل-: {وإلى ثمود أخاهم صالحا} [هود: 61]

قَالَ: "فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْألوني؟ "، قَالُوا: نعَمْ. قَالَ: "فَخِيَارُكم فِي الْجَاهِلِيةِ خِيَارُكُمْ فِي الإسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا". (فأكرمُ الناسِ يوسفُ): يريد: أكرمَهم أصلًا، فإنهم سلسلةُ أنبياء (¬1). (فعن معادن العرب تسألوني؟): فيه: أن أصحابه أطيبُ أصلًا في الجاهلية. وفيه: فضل الفقه، وأنه يرفع صاحبه على مَنْ نسبهُ أعلى منه. * * * باب: قول الله -عز وجل-: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} [هود: 61] 1832 - (3377) - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن زَمْعَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -. وَذَكرَ الَّذِي عَقَرَ النَّاقَةَ، قَالَ: "انتدَبَ لَهَا رَجُل ذُو عزٍّ وَمَنَعَةٍ فِي قَوْمِهِ؛ كأبِي زَمْعَةَ". (ومَنَعَة): بفتح الميم والنون، وبإسكان النون أيضًا. (كأبي زَمْعَة): بفتح الزاي وإسكان الميم وفتحها. وعاقر الناقة هو قُدَارُ بنُ سالِف. * * * 1833 - (3378) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن مسكِينٍ أَبُو الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "الأنبياء".

يَحْيىَ بْنُ حَسَّانَ بْنِ حَيَّانَ أَبُو زكرِيَّاءَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ عبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا نزلَ الحِجْرَ في غَزْوَةِ تبوكَ، أَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَشْربُوا مِنْ بِئْرِهَا، وَلَا يَسْتَقُوا مِنْهَا، فَقَالُوا: قَدْ عَجَنَّا مِنْهَا، وَاسْتَقَيْنَا. فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَطْرَحُوا ذَلِكَ الْعَجِينَ، وَيُهَرِيقُوا ذَلِكَ الْمَاءَ. وَيُرْوَى عَنْ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ، وَأَبِي الشُّمُوسِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ بِإِلْقَاء الطَّعَامِ. وَقَالَ أبو ذَرٍّ عَنِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنِ اعْتَجَنَ بِمَائِهِ". (عن سَبْرَة): بفتح السين المهملة وإسكان الباء الموحدة. (وأبي الشَّموس): بفتح الشين المعجمة وآخره سين مهملة. * * * 1834 - (3380) - حَدَّثَنِي مُحَمَّد، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم-: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا مَرَّ بِالْحِجْرِ، قَالَ. "لَا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ؛ أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ". ثُمَّ تَقَنَّعَ بِرِدائِهِ، وَهْوَ عَلَى الرَّحلِ. (إلا أن تكونوا (¬1) باكين؛ أن يصيبكم (¬2)): أي: مخافةَ أن يُصيبكم، أو لئلا يُصيبكم، على الرأيين المعروفين في مثله. ¬

_ (¬1) في "ع": "يكونوا". (¬2) "أن يصيبكم" ليست في "ع".

باب: قول الله -عز وجل-: {لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين} [يوسف: 7]

باب: قول الله -عز وجل-: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} [يوسف: 7] 1835 - (3388) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أُمَّ رُومَانَ، وَهْيَ أُمُّ عَائِشَةَ، عَمَّا قِيلَ فِيهَا مَا قِيلَ، قَالَتْ: بَيْنَمَا أَنَا مَعَ عَائِشَةَ جَالِسَتَانِ، إِذْ وَلَجَتْ عَلَيْنَا امْرَأة مِنَ الأَنْصَارِ، وَهْيَ تَقُولُ: فَعَلَ اللَّهُ بِفُلَانٍ وَفَعَلَ. قَالَتْ: فَقُلْتُ: لِمَ؟ قَالَتْ: إِنَّهُ نَمَا ذِكْرَ الْحَدِيثِ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَيُّ حَدِيثٍ؟ فَأَخْبَرَتهَا. قَالَتْ: فَسَمِعَهُ أبو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَتْ: نعمْ. فَخَرَّتْ مَغْشِيًّا عَلَيْهَا، فَمَا أفاقَتْ إِلَّا وَعَلَيْهَا حُمَّى بِنَافِضٍ، فَجَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "مَا لِهَذِهِ؟ "، قُلْتُ: حُمَّى أَخَذَتْهَا مِنْ أَجْلِ حَدِيثٍ تُحُدِّثَ بِهِ، فَقَعَدَتْ فَقَالَتْ: وَاللَّهِ! لَئِنْ حَلَفْتُ، لَا تُصَدِّقُوني، وَلَئِنِ اعْتَذَرْتُ، لَا تَعْذِرُوني، فَمَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كمَثَلِ يَعْقُوبَ وَبَنِيهِ، فَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ. فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَنْزَلَ اللَّهُ مَا أَنْزَلَ، فَأَخْبَرَهَا، فَقَالَتْ: بِحَمْدِ اللَّهِ لَا بِحَمْدِ أحدٍ. (فقالت: بحمد الله لا بحمد أحدٍ): قال بعض أصحابِ ابنِ المبارَكِ له (¬1): أنا (¬2) أستعظِم (¬3) هذا القولَ، فقال (¬4): وَلَّتِ الحمْدَ أَهلَه. ¬

_ (¬1) "له" ليست في "ع". (¬2) في "ج": "فأنا". (¬3) في "ع": "فإنا نستعظمكم". (¬4) في "ع" و"ج": "فقالت".

1836 - (3389) - حَدَّثَنَا يَحْيىَ بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ: أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَرَأَيْتِ قَولهُ: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} [يوسف: 110] أَوْ كُذِّبُوا؟ قَالَتْ: بَلْ كَذَّبَهُمْ قَوْمُهُمْ. فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَيْقَنُوا أَنَّ قَوْمَهُمْ كَذَّبُوهُمْ، وَمَا هُوَ بِالظَّنِّ. فَقَالَتْ: يَا عُرَيَّةُ! لَقَدِ اسْتَيْقَنُوا بِذَلِكَ. قُلْتُ: فَلَعَلَّهَا أَوْ كُذِبُوا؟ قَالَتْ: مَعَاذَ اللَّهِ، لَمْ تَكُنِ الرُّسُلُ تَظُنُّ ذَلِكَ بِرَبِّهَا، وَأَمَّا هَذِهِ الآيَةُ، قَالَتْ: هُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ الَّذِينَ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَصَدَّقُوهُمْ، وَطَالَ عَلَيْهِمُ الْبَلَاءُ، وَاسْتَأْخَرَ عَنْهُمُ النَّصْرُ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَتْ مِمَّنْ كَذَّبَهُمْ مِنْ قَوْمِهِمْ، وَظَنُّوا أَنَّ أتبَاعَهُمْ كَذَّبُوهُمْ، جَاءَهُمْ نَصْرُ اللَّهِ. (فقالت: بل كَذَّبهم قومُهم): تريد أن الظن في قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} [يوسف: 110] بمعنى اليقين، وهو شائع في اللغة؛ كقوله تعالى: {وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ} [التوبة: 118]. وعُرْوَةُ حملَ الظنَّ على بابه، فاستشكل، فأجابته عائشة بما تقدم، وبوجه آخر، وهو: أن الظن على بابه، ولكنه لما (¬1) طال (¬2) على المؤمنين البلاء، واستأخر عنهم النصر، ظن الرسلُ أن أتباعهم كَذَّبوهم، قيل: وهو أحسن (¬3). (قالت: يا عُريَّة!): هو تصغير عُرْوَة، وأصلُه: يا عُرَيْوَةُ، اجتمعت الياء ¬

_ (¬1) "لما" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "أطال". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 738).

باب: قول الله -جل ذكره-: {واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا (51) وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا} [مريم: 51 - 52]

والواو، وسبق (¬1) الأول بالسكون، فقلبوا الواوَ ياء، وأُدغم الأولُ في الثاني. * * * باب: قَوْلُ اللَّهِ -جَلَّ ذِكْرُهُ-: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (51) وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} [مريم: 51 - 52] كَلَّمَهُ. {وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا} [مريم: 53]، يُقَالُ لِلْوَاحِدِ وَلِلاِثْنَيْنِ وَالْجَمِيعِ: نجيٌّ. وَيُقَالُ {خَلَصُوا نَجِيًّا} [يوسف: 80]: اعْتَزَلُوا نجِيًّا، وَالْجَمِيعُ أَنجيةٌ يَتَنَاجَوْنَ. {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} إلى قوله {مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ} [غافر: 28]. ({وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ}): اسمه شمعان. قال الدارقطني: لا يعرف شمعان (¬2): -بالشين المعجمة- إلا من آل فرعون. وقال السهيلي: هذا أصحُّ ما قيل فيه (¬3). * * * باب: قَولِ اللَّهِ -عزَّ وجَلَّ-: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} [طه: 9] 1837 - (3394) - حَدثَنَا إِبْراهِيمُ بْن مُوسَى، أَخبَرنَا هِشَامُ بْن يُوسُفَ، ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "وسيق". (¬2) في "ع": "اسمه شمعان". (¬3) انظر: "فتح الباري" (6/ 428).

أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ أُسرِيَ بِهِ: "رَأَيْتُ مُوسَى، وإذَا رَجُل ضَرْبٌ رَجِلٌ، كَأَنه مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَرَأَيْتُ عِيسَى، فَإِذَا هُوَ رَجُل رَبْعَةٌ أَحْمَرُ كأنما خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ، وَأَنَا أَشْبَهُ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ - صلى الله عليه وسلم - بِهِ، ثُمَّ أُتِيتُ بِإِنَاءَيْنِ، فِي أَحَدِهِمَا لَبَنٌ، وَفِي الآخَرِ خَمْرٌ، فَقَالَ: اشرَبْ أيهُمَا شِئْتَ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ فَشَرِبْتُهُ، فَقِيلَ: أَخَذْتَ الْفِطْرَةَ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْر، غَوَتْ أُمَّتُكَ". (رجل ضَرْبٌ): أي: نحيفٌ، وهو مدحٌ. (من رجال شَنوءَةَ): يريد: في الطول. وقال القزاز: ما أدري ما أراد البخاري بهذا؟ على أنه روي في صفته بعدُ خلاف هذا فقال: "وأَمَّا مُوسَى، فآدَمُ جَسيمٌ كأنَّهُ مِنْ رِجَالِ الزُّطِّ" (¬1) (¬2). (رجل رَبْعَة): -بفتح الباء وإسكانها-، و (¬3) مربوع: بين (¬4) الطويلِ والقصير. (من ديماس): هو الحمَّامُ بلغة الحبشة، أرادَ إشراقَ لونه ونضارتَه. وقال الخطابي: الديماس: السَّرَب، يقال: دَمَسْتُ الرجلَ: إذا قبرتُه، وأرادَ: أنه في نضرة وجهِه وحُسنه كأنه خرجَ من كِنٍّ (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3438) عن ابن عمر -رضي الله عنهما-. (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 739). (¬3) الواو ليست في "ع". (¬4) في "ج": "ما بين". (¬5) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 1551). وانظر: "التنقيح" (2/ 739).

باب: حديث الخضر مع موسى -عليهما السلام-

بابِ: حَدِيثِ الخَضِرِ مَعَ مُوسَى -عَلَيهما السَّلَامُ- 1838 - (3402) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الأَصْبَهَانِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "إِنَّمَا سُمِّيَ الْخَضِرُ؛ أَنَّهُ جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ، فَإِذَا هِيَ تَهْتَزُّ مِنْ خَلْفِهِ خَضْرَاءَ". (على فروةٍ بيضاءِ): قال الخطابي: هي وجهُ الأرض اخضرَّتْ (¬1) بعد أن كانت جَرْداء (¬2). * * * باب 1839 - (3404) - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، وَمُحَمَّدٍ، وَخِلَاسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلًا حَيِيًّا سِتِّيرًا، لَا يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْء، اسْتِحْياءً مِنْهُ، فآذَاهُ مَنْ آذَاهُ مِنْ بني إِسْرائِيلَ، فَقَالُوا: مَا يَسْتَترُ هَذَا التَّسَتُّرَ إِلَّا مِنْ عَيْبٍ بِجِلْدِهِ، إِمَّا بَرَص، وَإِمَّا أُدْرَةٌ، وَإِمَّا آفَة. وَإِنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَهُ مِمَّا قَالُوا لِمُوسَى، فخلَا يَوْمًا وَحْدَهُ، فَوَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى الْحَجَرِ، ثُمَّ اغْتَسَلَ، فَلَمَّا فَرَغَ، أَقْبَلَ إِلَى ثِيَابِهِ لِيَأْخُذَهَا، وَإِنَّ الْحَجَرَ عَدَا بِثَوْبِهِ، فَأَخَذَ مُوسَى عَصَاهُ، وَطَلَبَ الْحَجَرَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: ثَوْبِي حَجَرُ! ثَوْبِي حَجَرُ! حَتى انتهَى إِلَى مَلإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَرَأَوْهُ عُرْيَانًا أَحْسَنَ ¬

_ (¬1) في "ع": "خضرت". (¬2) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 1553).

باب: {يعكفون على أصنام لهم} [الأعراف: 138]

مَا خَلَقَ اللَّهُ، وَأَبْرَأهُ مِمَّا يَقُولُونَ، وَقَامَ الْحَجَرُ، فَأَخَذَ ثَوْبَهُ فَلَبِسهُ، وَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرْبًا بِعَصَاهُ، فَوَاللَّهِ! إِنَّ بِالْحَجَرِ لندَبًا مِنْ أثَرِ ضَرْبِهِ؛ ثَلَاثًا، أَوْ أَرْبعًا، أَوْ خَمْسًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} [الأحزاب: 69] ". (عن الحسن ومحمد وخلاس عن أبي هريرة): إنما جمع بينهم؛ لأنه يقال: إن الحسن لم يسمع من أبي هريرة، وممن جزم به الترمذي (¬1). * * * باب: {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف: 138] 1840 - (3406) - حَدَّثَنَا يَحْيىَ بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ الله عَنْهُمَا-، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَجْنِي الْكَبَاثَ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "عَلَيْكُمْ بِالأَسْوَدِ مِنْهُ؛ فَإِنَّهُ أَطْيَبُهُ". قَالُوا: أكُنْتَ تَرْعَى الْغَنَمَ؟ قَالَ: "وَهَلْ مِنْ نبِيِّ إِلَّا وَقَدْ رَعَاهَا؟ ". (الكَباث): -بكاف مفتوحة فباء موحدة فالف فثاء مثلثة-: هو النضيج من ثمر الأَراك. * * * باب: وَفَاةِ مُوسَى، وذِكْرِهِ بَعْدُ 1841 - (3407) - حَدَّثَنَا يَحْيىَ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 739).

مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: أُرْسِلَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى -عَلَيْهِمَا السَّلَامُ-، فَلَمَّا جَاءَهُ، صَكَّهُ، فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ، فَقَالَ: أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ. قَالَ: ارْجعْ إِلَيْهِ، فَقُلْ لَهُ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ، فَلَهُ بِمَا غَطَّتْ يَدُهُ بِكُلِّ شَعَرَةٍ سَنَة. قَالَ: أَيْ رَبِّ! ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: ثُمَّ الْمَوْتُ، قَالَ: فَالآنَ. قَالَ: فَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنَ الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيةً بِحَجَرٍ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ كُنْتُ ثَمَّ، لأَريتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ تَحْتَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ". (فلما جاءه صَكَّهُ): أي: لَطَمَه في عينه ففقأَها، وإنما فعل ذلك؛ لأنه لم يُخبره. (على مَتْن ثَوْر): المتن: مُكْتَنَفُ الصُّلْب من العصب واللحم. * * * 1842 - (3408) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْب، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أبو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: اسْتَبَّ رَجُل مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَرَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ الْمُسْلِمُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْعَالَمِينَ! فِي قَسَم يُقْسِمُ بِهِ. فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْعَالَمِينَ فَرَفَعَ الْمُسْلِمُ عِنْدَ ذَلِكَ يَدَهُ، فَلَطَمَ الْيَهُودِيَّ، فَذَهَبَ الْيَهُودِيُّ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخْبَرَهُ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِ الْمُسْلِم، فَقَالَ: "لَا تُخَيِّرُوني عَلَى مُوسَى؛ فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ، فَأكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ بِجَانِبِ الْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أكانَ فِيمَنْ صَعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي، أَوْ كانَ مِمَّنِ اسْتَثنَى اللَّهُ". (لا تُخيروني على موسى): أدبًا مع موسى، ولئلَّا يتوهم الجاهلُ نقصًا

لموسى من حيث إنه مَفْضولٌ مُعَيَّنٌ. * * * 1843 - (3409) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسىَ، فَقَالَ لَهُ مُوسىَ: أَنْتَ آدَمُ الَّذِي أَخْرجَتْكَ خَطِيئتكَ مِنَ الْجَنَّةِ. فَقَالَ لَهُ آدَمُ: أَنْتَ مُوسىَ الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسالَاتِهِ وَبِكَلَامِهِ، ثُمَ تَلُومُنِي علَى أَمْرٍ قُدِّرَ علَي قَبلَ أَنْ أُخلَقَ". فَقَالَ رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فَحَجَّ آدَمُ مُوسىَ" مَرَّتَيْنِ. (فحج آدمُ موسى): -برفع- آدم؛ غلبه بالحجة. ووجهه: أن موسى قد أعلمه الله في (¬1) التوراة بقضية آدم، وبأن الله تاب عليه منها، ورفع عنه المعاتبة والمؤاخذة، وأنه قد رده إلى أحسن ما كان عليه، فكأنه (¬2) يقول: أتعاتبُني وتؤاخذُني وقد علمتَ أن الله أسقطَ عني ذلك؟ وقال الخطابي: إنما حَجَّه آدمُ في اللوم؛ إذ ليس لآدميٍّ أن يلوم أحدًا، وقد جاء في الحديث: "انْظُرُوا إِلَى الناس كَأنكمْ عَبِيدٌ، وَلا تَنْظُروا إِلَيْهِمْ كَأَنَكمْ أَربابٌ" (¬3) (¬4). ¬

_ (¬1) "في" ليست في "ع". (¬2) في "ع" و"ج": "وكأنه". (¬3) رواه مالك في "الموطأ" (2/ 986)، أنه بلغه أن عيسى ابن مريم كان يقول: لا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب، وانظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد. (¬4) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 1555). وانظر: "التنقيح" (2/ 741).

باب: قول الله -عز وجل-: {وضرب الله مثلا} إلى قوله: {وكانت من القانتين} [التحريم:11 - 12]

باب: قول الله -عز وجل-: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا} إلى قوله: {وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم:11 - 12] 1844 - (3411) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا وَكيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِير، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا آسِيَةُ امْرَأة فِرْعَوْنَ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ". (وفضلُ عائشةَ على النساء كفضل الثريد على سائر (¬1) الطعام): قيل: يحتملُ العموم، وقيل: يحتمل نساءَ عصرها، ويحتمل أزواجَه -عليه السلام-، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ، وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ" (¬2). وقال (¬3) لفاطمة -رضي الله عنها-: "أَلا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُوني سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنةِ؟ " (¬4)، ولا يُنكر إطلاقُ العام (¬5) وإرادةُ الخاص، والله أعلم بمراده من ذلك. وقال أبو الفرج: العرب (¬6) تفضل الثريد؛ لأنه أسهلُ في التناول، ¬

_ (¬1) "سائر" ليست في "ع". (¬2) رواه البخاري (3432)، ومسلم (2430) عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -. (¬3) في "ع": "وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال". (¬4) رواه البخاري (3623 و 3624)، ومسلم (2450) عن عائشة -رضي الله عنها-. (¬5) "العام" ليست في "ج". (¬6) "العرب" ليست في "ع" و"ج".

باب: قول الله -عز وجل-: {وإن يونس لمن المرسلين} إلى: {وهو مليم} [الصافات: 139 - 142]

ولأنه يأخذ جوهرَ (¬1) المَرَقِ. قال الزركشي: الثريد: اللحم، كذا قال معمر عن قتادةَ وأبان مرفوعًا. وفي خبر آخر: "سَيِّدُ إِدَامِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ اللَّحْمُ" (¬2). * * * باب: قَولِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} إلى: {وَهُوَ مُلِيمٌ} [الصافات: 139 - 142] 1845 - (3416) - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَليدِ، حَدَّثَنَا شُعْبة، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، سَمِعْتُ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "ما يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى". (ما ينبغي لأحد (¬3) أن يقول: أنا خير من يونسَ بنِ مَتَّى): -بتشديد التاء-، واختلف في الضمير من قوله: "أنا" هل يعود إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو إلى القائل؟ قال الزركشي: ورواية الطبراني تشهد للثاني؛ فإنه أخرج حديثَ ابنِ عباس هذا من طريق عبد الله بن رجاء، أنبأنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد، عن ابن عباس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: ¬

_ (¬1) في "ج": "يأخذ جواهر الطعام". (¬2) رواه ابن قتيبة في "تأويل مختلف الحديث" (ص: 244)، ومن طريقه: ابن الجوزي في "التحقيق في أحاديث الخلاف" (2/ 378)، من حديث بريدة - رضي الله عنه -. وانظر: "التنقيح" (2/ 741). (¬3) نص البخاري: "لعبدٍ".

أَنا عِنْدَ (¬1) اللهِ خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى" (¬2). قلت: الاحتمالُ في هذا كالاحتمال في الأول، وليس نصًا (¬3) في أن المراد بـ "أنا" هو القائل حتى يكون شاهدًا للقول الثاني، ثم لا معنى لاستشهاده بما في الطبراني؛ فإن في هذا الباب نفسِه حديثًا أسنده البخاري مرفوعًا: "لا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ: أَنا خَيْرٌ مِنْ يُونُس بْنِ مَتى" (¬4)، وهذا كحديث الطبراني، إلا أنه ليس فيه قوله: "عِنْدَ الله"، وهي زيادة لا توجب النصَّ على الغرض (¬5) المطلوب له، فتأمله. وقال الطحاوي: قد جاءت (¬6) في الحديث زيادةٌ تبين المعنى في ذلك، وهي قوله: "قَدْ سَبح اللهَ في الظُّلُمَاتِ" (¬7) (¬8). ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "عبد". (¬2) رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (11122) بلفظ: "لا ينبغي"، وفيه أبو يحيى القتات، وهو ضعيف، وقد وثق، كما قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (8/ 209). وانظر: "التنقيح" (2/ 742). (¬3) في "ع": "ونصًا". (¬4) رواه البخاري (3395) عن ابن عباس -رضي الله عنهما-. (¬5) في "ع": "العوض". (¬6) في "ج": "جاء". (¬7) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (31863)، وتمام في "فوائده" (2/ 238)، عن علي - رضي الله عنه -. (¬8) انظر: "التنقيح" (2/ 742).

باب: قول الله -جل ذكره-: {وآتينا داوود زبورا} [النساء: 163]

باب: قَوْلِ اللَّهِ -جَلَّ ذِكرُهُ-: {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} [النساء: 163] {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} [النساء: 163] الزُّبُرُ: الْكُتُبُ، وَاحِدُهَا زَبُورٌ، زَبَرْتُ: كتبْتُ. {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ} [سبأ: 10]: قَالَ مُجَاهِد: سَبِّحِي مَعَهُ، {وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} [سبأ: 10 - 11]: الدُّرُوعَ، {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} [سبأ: 11]: الْمَسَامِيرِ وَالْحَلَقِ، وَلَا يُدِقَّ الْمِسْمَارَ فَيتسَلْسَلَ، وَلَا يُعَظِّمْ فَيَفْصِمَ، {وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [سبأ: 11]. (لا يُدِقَّ المسمارَ فيتسلسل): قال الزركشي: قيل صوابه (¬1): "فيَسْلَسَ (¬2) " (¬3). 1846 - (3417) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "خُفِّفَ عَلَى داوُدَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- الْقُرْآنُ، فَكَانَ يَأْمُرُ بِدَوَابِّهِ فتُسْرَجُ، فَيقْرَأُ الْقُرْآنَ قَبْلَ أَنْ تُسْرَجَ دَوَابُّهُ، وَلَا يَأكُلُ إِلَّا مِنْ عَمَلِ يَده". (خُفِّف على داودَ القرآنُ): أي: القراءةُ. (فكان يأمر بدوابه فتُسْرَجَ، فيقرأُ القرآنَ): أي (¬4): الزبورَ، وهو الذي قال الله تعالى: {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} [الإسراء: 55]. ¬

_ (¬1) في "ج": "الزركشي وصوابه". (¬2) في "ع": "فليسلسل". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 742). (¬4) في "ع": "هي أي".

باب: قول الله تعالى: {ووهبنا لداوود سليمان نعم العبد إنه أواب} [ص: 30]

باب: قَولِ اللَّهِ تَعَالى: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 30] 1847 - (3423) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الْجنِّ تَفَلَّتَ الْبَارِحَةَ لِتقْطَعَ عَلَيَّ صَلَاتِي، فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ، فَأَخَذْتُهُ، فَأرَدْتُ أَنْ أَرْبُطَهُ عَلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجدِ حَتَّى تَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ، فَذَكَرْتُ دَعْوَةَ أَخِي سُلَيْمَانَ: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص: 35] فَرَدَدْتُهُ خَاسِئًا". عِفْرِيت: مُتَمَرِّد مِنْ إِنْسٍ أَوْ جَان، مِثْلُ زِبْنِيَةٍ جَمَاعَتُهَا الزَّبَانِيَةُ. (مثل زِبْنِيَة): بزاي مكسورة فموحدة ساكنة فنون مكسورة فياء تحتية مفتوحة (¬1) مخففة فهاء تأنيث. (جماعته زَبانية): وهي عند العرب الشُرَط، وسمي بذلك بعضُ الملائكة لزجِّهم (¬2) أهلَ النار إليها. قال الأخفش: وقال بعضهم: واحدها (¬3) زَبانِيٌّ، وقيل: زابِنٌ، وقال: زِبْنية على مثال عِفْرِيَة، قال: والعربُ لا تكاد تعرف هذا، و (¬4) تجعله من الجمع الذي لا واحدَ له؛ كأبابيل، وعباديد، والزَّبْنُ: الدفع (¬5). ¬

_ (¬1) "مفتوحة" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "لرفعهم". (¬3) "واحدها" ليست في "ج". (¬4) الواو ليست في "ع". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 742).

باب: {وإذ قالت الملائكة يامريم إن الله اصطفاك} إلى قوله: {أيهم يكفل مريم} آل عمران:42 - 44]

باب: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ} إلى قوله: {أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} آل عمران:42 - 44] 1848 - (3432) - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبي، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا - رضي الله عنه - يَقُولُ: سَمِعْتُ النَبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ، وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ". (خير نسائها مريم): الضميرُ للدنيا، وإن لم يَجْرِ لها ذكرٌ يفسره الحال (¬1) والمشاهدة. قيل: ومعنى ذلك: أن كلَّ واحدة منها خيرُ نساء عالَمِها في وقتها (¬2). * * * باب: قَولِ اللَّه تَعَالَى: {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ} [آل عمران: 45] 1849 - (3434) - وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَني يُونس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "نِسَاءُ قُرَيْشٍ خَيْرُ نِسَاءٍ ركِبْنَ الإبِلَ، أَحْنَاهُ عَلَى طِفْلٍ، وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ". يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى إِثْرِ ذَلِكَ: وَلَمْ تَرْكَبْ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرانَ بَعِيرًا قَطُّ. ¬

_ (¬1) "الحال" ليست في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 743).

باب: قول الله -عز وجل-: {واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها} [مريم: 16]

(أحناه على طفل): أي: أَحْنى هذا الجنسِ. * * * باب: قول الله -عز وجل-: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا} [مريم: 16] 1850 - (3436) - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ: عِيسَى، وَكَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: جُرَيْجٌ، كَانَ يُصَلِّي، فَجَاءَتْهُ أُمُّهُ، فَدَعَتْهُ، فَقَالَ: أُجِيبُهَا أو أُصَلِّي؟ فَقَالَتِ: اللَّهمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ وُجُوهَ الْمُومِسَاتِ. وَكَانَ جُرَيْجٌ فِي صَوْمَعَتِهِ، فَتَعَرَّضَتْ لَهُ امْرَأة، وَكلَّمَتْهُ فَأَبَى، فَأَتَتْ رَاعِيًا، فَأَمْكَنتهُ مِنْ نفسِهَا، فَوَلَدَتْ غُلَامًا، فَقَالَتْ: مِنْ جُرَيْج. فَأَتَوهُ فَكَسَرُوا صَوْمَعَتَهُ، وَأَنْزَلُوهُ وَسَبُّوهُ، فتوَضَّأَ وَصَلَّى، ثُمَّ أتَى الْغُلَامَ فَقَالَ: مَنْ أَبُوكَ يَا غُلَامُ؟ قَالَ: الرَّاعِي. قَالُوا: نَبْنِي صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: لَا، إِلَّا مِنْ طِينٍ. وَكَانَتِ امْرَأة تُرْضعُ ابْنًا لَهَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ رَاكِبٌ ذُو شَارَةٍ، فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهُ، فترَكَ ثَدْيَهَا، وَأَقْبَلَ عَلَى الرَّاكبِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثدْيِهَا يَمَصُّهُ -قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَمَصُّ إِصْبَعَهُ-، ثُمَّ مُرَّ بِأمَةٍ، فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَ هَذِهِ. فترَكَ ثَدْيَهَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا. فَقَالَتْ: لِمَ ذَاكَ؟ فَقَالَ: الرَّاكِبُ جَبَّارٌ مِنَ الْجَبَابِرَةِ، وَهَذِهِ الأَمَةُ يَقُولُونَ: سَرَقْتِ، زَنيتِ، وَلَمْ تَفْعَلْ". (لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة): فذكر عيسى -عليه السلام-، وصاحبَ

جُريج، وابنَ المرضعة التي تمنت أن يكون ابنُها مثلَ الجبار، فيحتمل أن يكون لم يتكلم في بني إسرائيل، حتى يجتمع ما رواه مسلم في قصة الأخدود: "لما أُتي بالمرأةِ لتُلْقى في النار مع صَبِيٍّ مُرضَع، فقال لها: يا أُمَّه! لا تجزعي؛ فإنك على الحق" (¬1). وأسند الطبري إلى ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تَكَلَّمَ في المهدِ أربعة (¬2)، [فذكر الثلاثة، وصاحب يوسف" (¬3). وذكر الطبراني عن ابن عباس: أن ابنَ ماشطةِ فرعونَ تكلَّم في المهد] (¬4) (¬5)، واتفق ذلك لنبينا - صلى الله عليه وسلم - في خبر شاصونة، وذكره الدارقطني وغيره، فهم على هذا (¬6) سبعة (¬7). * * * 1851 - (3438) - حَدَثَنَا مُحَمَدُ بْنُ كثِير، أَخْبَرنَا إِسْرَائِيلُ، أَخْبَرنَا عُثْمَانُ بْنُ الْمُغِيرةِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عنْهُمَا-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "رأَيتُ عيسَى وَمُوسَى وَإِبرَاهِيمَ، فَأَمَّا عِيسَى، فَأَحْمَر جَعدٌ عَرِيضُ الصَّدْرِ، وَأَمَّا مُوسَى، فآدَمُ جَسِيمٌ سَبْطٌ كَأَنَّهُ مِنْ رجَالِ الزُّطِّ". ¬

_ (¬1) رواه مسلم (3005) عن صهيب - رضي الله عنه -. (¬2) "أربعة" ليست في "ج". (¬3) رواه الطبري في "تفسيره" (12/ 193). (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬5) رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (12279). (¬6) في "ع": "هذه". (¬7) انظر: "التنقيح" (2/ 744).

(وأما موسى، فآدمُ جسيم (¬1) سبطٌ كأنه من رجال الزُّطِّ): الزُّطُّ: جنسٌ من السودان، كذا رواه البخاري عن محمد بن كثير في حديث مجاهد عن ابن عمر. قال الحافظ أبو ذر: كذا في سائر الروايات المسموعة عن الفربري، فلا أدري أهكذا حدث به البخاري، أو غلط (¬2) فيه الفربري؛ لأني رأيته في سائر الروايات عن ابن كثير وغيره عن مجاهد، عن ابن عباس، وهو الصواب. وقال غيره: المحفوظُ عن ابن عمر ما سيذكره البخاري بعدُ من رواية سالم عنه: أن هذا الوصف -أعني: الجسيم- في صفة الرجال (¬3). * * * 1852 - (3439) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ، حَدثَنَا مُوسَى، عَنْ نَافِعٍ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: ذَكَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا بَيْنَ ظَهْرَيِ النَّاسِ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ، فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، أَلَا إِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبة طَافِيَةٌ". (كأن عينه عنبةٌ طافية): -بالياء-؛ أي: بارزة، وهي التي خرجت عن نظائرها (¬4) في النتوء، ومن همزها جعلَها فاعلةً من طَفِئَت كما يَطْفَأُ ¬

_ (¬1) في "ع": "جسم". (¬2) في "ع" و"ج": "وغلط". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 744). (¬4) في "ج": "عن نظيرها".

السراج؛ أي: ذهب نورُها (¬1). * * * 1853 - (3440) - "وَأَرَانِي اللَّيْلَةَ عِنْدَ الْكَعْبةِ فِي الْمَنَامِ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ كَأَحْسَنِ مَا يُرَى مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ، تَضْرِبُ لِمَّتُهُ بَيْنَ مَنْكِبَيْهِ، رَجِلُ الشَّعَرِ، يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً، وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلَيْنِ، وَهْوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: هَذَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ. ثُمَّ رَأَيْتُ رَجُلًا وَرَاءَهُ جَعْدًا قَطَطًا أَعْوَرَ عَيْنِ الْيُمْنَى كَأَشْبَهِ مَنْ رَأَيْتُ بِابْنِ قَطَنٍ، وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلٍ، يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ". (من أُدْم الرجال): -بضم الهمزة وسكون الدال-؛ أي: سُمْرِهم، وهذا يخالف الرواية السابقةَ في عيسى أنه أحمر. (تضرب (¬2) لِمَّتُه): -بكسر اللام وتشديد الميم-: الشعر (¬3) إذا جاوز شحم الأذنين، سميت بذلك؛ لأنها لَمَّتْ بالمَنْكِبين، فإذا بلغت شحمةَ الأُذنين، فهي وَفْرَةٌ، والجعدُ: خِلافُ السَّبْط. (قطَطًا): -بفتح الطاء-؛ أي: شديد جعودة الشعر (¬4). ¬

_ (¬1) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬2) في "ع": "يضرب". (¬3) "الشعر" ليست في "ع". (¬4) المرجع السابق، (2/ 745).

1854 - (3441) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ، قَالَ: سَمِعتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أبيهِ، قَالَ: لَا وَاللَّهِ! مَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِعِيسَى أَحْمَرُ، وَلَكِنْ قَالَ: "بَيْنَمَا أَنَا نَائِم أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، فَإِذَا رَجُل آدَمُ سَبطُ الشَّعَرِ، يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً، أَوْ يُهَرَاقُ رَأْسُهُ مَاءً، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: ابْنُ مَرْيَمَ، فَذَهبتُ أَلْتَفِتُ، فَإِذَا رَجُل أَحْمَرُ جَسِيم، جَعْدُ الرَّأْسِ، أَعْوَرُ عَيْنهِ الْيُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَه عِنَبة طَافِية. قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا الدَّجَّالُ. وأَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا ابْنُ قطَنٍ". قَالَ الزُّهْرِيُّ: رَجُل مِن خُزَاعَةَ هَلَكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. (ينطُف): بضم الطاء وكسرها. (أو يُهراق ماء): نصب على التمييز عن (¬1) النسبة؛ أي (¬2): يهراق ماؤه. قال الزركشي: ويأتي فيه ما في تَهْراق الدماء (¬3). [قلت: هذا ليس بشيء، وذلك الهمز إنما احتاجوا في تهراق الدماء] (¬4) إلى أن قال ابن مالك: الدماء مفعول به على أن الأصل تهريق، ثم قُلبت الكسرة فتحة، والياء ألفًا؛ كجاراة، وناصاة. وقال ابن الحاجب: هو منصوب على التشبيه بالمفعول به، أو مفعول بفعل آخر محذوف؛ أي: تريق؛ من جهة أنهم توقفوا عن دعوى التمييز؛ ¬

_ (¬1) في "ع": "على". (¬2) في "ع": "أو". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 745). (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ج".

لحصول التعريف، ولذا ادعى بعضهم زيادة ال؛ وقال: هو تمييز، [ولو [كان] الدماء منكرًا، لم يتكلفوا شيئًا مما قالوه، ولجزموا بأنه تمييز] (¬1) من غير تردد، فكيف يتأتى (¬2) أن يقال: يأتي في يُهَراق ماءً ما في تَهْراق الدماء؟ (أعورُ عينه اليمنى): اعلم أن الزجَّاج ومتأخري المغاربة ذهبوا إلى أنه لا يُتبع معمولُ الصفة المشبهة بصفة، مستندين فيه إلى عدم السماع من العرب، فلا يقال: زيدٌ حسنُ الوجهِ المشرقِ -بجر المشرقِ على أنه صفة للوجه-، وعلل بعضهم المنعَ بأن معمول (¬3) الصفة لما كان سببًا غيرَ أجنبي أشبهَ الضميرَ؛ لكونه أبدًا مُحالًا على الأول، و (¬4) راجعًا إليه، والضميرُ لا يُنعت، فكذا ما أشبهه (¬5). قال ابن هشام في "المغني": ويشكل عليهم الحديثُ في صفة الدجال: "أعورُ عينه اليمنى" (¬6). قلت: خرجه بعضهم على أن اليمنى خبر مبتدأ محذوف، لا صفةٌ لعينه، وكأنه لما قيل: أعور عينه (¬7)، قيل: أي عينيه؟ (¬8)، فقيل: اليمنى؛ ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) من قوله: "لحصول التعريف" إلى هنا ليس في "ج". (¬3) في "ع": "شمول". (¬4) الواو ليست في "ع". (¬5) في "ع" و"ج": "أشبه". (¬6) انظر: "مغني اللبيب" (ص: 599). (¬7) في "ج": "عينه اليمنى". (¬8) "قيل: أي عينيه" ليست في "ج".

أي: هي اليمنى (¬1). (كأن عينه طافية): -بالياء والنون- واحدة العيون. ويروى: "كَأنَّ عِنَبَةً طافيةً" -بالنون والباء الموحدة-، وبالنصب على أنها اسم كأَن، والخبر محذوف؛ أي: كأنَّ وجهُه عنبةً طافيةً، كقوله: إنَّ مَحَلًّا وإنَّ مُرْتَحَلًا (¬2) قلت: وقد لاح لي الآن أن يجعل قوله: "اليمنى" مبتدأ، وقوله: "كأن عنبة (¬3) طافية" خبره، والعائد محذوف؛ أي: كأن فيها، ويكون بهذا وجهًا آخر في دفع ما قاله ابن هشام. فإن قلت: فماذا (¬4) تصنع بالرواية الأخرى: "كأن عينه طافية"؟ قلت: أجعله خبرًا أيضًا، وأجعله مما أُقيم فيه الظاهرُ مقامَ المضمَر، فحصل الربط، وقد أجازه الأخفش، والتقدير: اليمنى كأنها طافية، فتأمله. (وأقربُ الناس شبهًا به ابنُ قَطَن. قال الزهري: رجلٌ من خُزاعة هلكَ في الجاهلية): هو عبدُ العزى بنُ قَطَنِ بنِ عمرِو بنِ حبيب، أمه هالةُ بنتُ خويلد أختُ خديجة. قال ابن سعد في "الطبقات": أكثمُ بنُ أبي الجون عبد العزى بن منقذ، قال فيه -عليه السلام-: "أشبهُ من رأيت به -يعني: الدجال- أكثمُ ¬

_ (¬1) في "ج": "هي عينه اليمنى". (¬2) انظر: "الكتاب" لسيبويه (2/ 141). وانظر: "التنقيح" (2/ 745). (¬3) في "ع": "عينه". (¬4) في "ج": "فما".

ابنُ الجون"، فقال أكثم: يا رسول الله! هل يَضُرُّني شبهي إياه؟ فقال: "لا، أنت مُسْلِمٌ، وَهُوَ كافِرٌ" (¬1). وقال ابن منده في أكثم: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - شبهه بعمرو (¬2) بن لُحَيٍّ (¬3). * * * 1855 - (3443) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا هِلَالُ بْنُ عَلِي، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي عَمْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَالأَنْبِيَاءُ إِخْوَة لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِد". (الأنبياء إخوة لعَلَّات، أمهاتهم شتى، ودينهم واحد): العَلَّات: الضرائر، فبالضرورة تكون أولادُهن من أب واحد، والأمهات شتى، يريد: أن الأنبياء أصلُ دينهم واحد، وهو التوحيد، وشرائعُهم في الفروع مختلفة. * * * 1856 - (3444) - وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "رَأَى عِيسَى ابنُ مَريَمَ رَجُلًا يَسْرِقُ، فَقَالَ لَهُ: أَسَرَقْتَ؟ قَالَ: كَلَّا وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، فَقَالَ عِيسَى: آمَنْتُ بِاللَّهِ، وَكَذَّبْتُ عَيْني". ¬

_ (¬1) انظر: "الطبقات الكبرى" (4/ 292). (¬2) في "ع": "بعمر". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 746).

باب: نزول عيسى ابن مريم -عليه السلام-

(آمنت بالله وكذبت عيني): -بتخفيف الذال- للمستملي، و-تشديدها- للحموي، وأبي الهيثم، وهو الظاهر (¬1)؛ لما روي في "الصحيح": "وكَذَّبْتُ نفسِي" (¬2) ذكره الحميدي في "جمعه" (¬3)، ثم هو على المبالغة في تصديق الحالف؛ لأنه (¬4) كذب عينه حقيقةً. * * * 1857 - (3445) - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، سَمِعَ عُمَرَ - رضي الله عنه - يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: سَمِعْتُ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَا تُطْرُوني كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ؛ فَإِنَّمَا أَنَا عَبدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ". (لا تُطروني): الإطراء: المدحُ بالباطل. * * * باب: نُزُولِ عِيْسَى ابنِ مَرْيَمَ -عَلَيهِ السَّلَامُ- 1858 - (3448) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَثَنَا أَبِي، عَنْ صَالح، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَالَّذِي نفسِي بِيَدِهِ! ¬

_ (¬1) في "ج": "ظاهر". (¬2) رواه مسلم (2368). (¬3) انظر: "الجمع بين الصحيحين" (3/ 202). (¬4) في "م": "لا أنه".

لَيُوشِكنَّ أَنْ يَنزِلَ فِيكُمُ ابْن مَريَمَ حَكَمًا عَدْلًا، فَيَكْسِر الصَّلِيبَ، وَيقْتُلَ الْخِنْزيرَ، وَيَضَعَ الْجزيَةَ، وَيفيض الْمَالُ حَتَى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ، حَتَى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيرًا مِنَ الدنيَا وَمَا فِيهَا". ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُريْرَةَ: وَاقْرَؤوا إِنْ شِئتمْ: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} [النساء: 159]. (ليوشكن): -بكسر الشين المعجمة-؛ أي: ليقربَنَّ؛ يعني: أنه لابد من ذلك سريعًا. (ويضع الجزية): أي: يضربها على مَنْ لم يؤمن. وقيل: لا يأخذها؛ لعدم احتياج الناس إليها لما تخرج الأرض من بركاتها، ولما تلقيه من الأموال، وإليه أشار بقوله: "ويَفِيضَ المالُ". (واقرؤوا إن شئتم: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ})؛ أي: لا يبقى أحد من اليهود والنصارى إلا من يؤمن؛ يعني: عند نزولِه، وقتلِ الخنزير، ووضعِه (¬1) الجزية، وهذا وجه حسن ظاهر (¬2). ومن المفسرين من يُجريه على العموم، فيقول: المعنى: وما من اليهود والنصارى أحد إلا ليؤمنن قبلَ موته بعيسى، وأنه عبدُ الله ورسولُه؛ يعني (¬3): إذا عاينَ قبل أنْ تزهقَ روحُه حين لا ينفعُه إيمانه؛ لانقطاع وقت التكليف. ¬

_ (¬1) في "ج": "ووضع". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 747 - 748). (¬3) "يعني" ليست في "ج".

باب: ما ذكر عن بني إسرائيل

1859 - (3449) - حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كيْفَ أَنتمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ؟ ". (وإمامُكم منكم): أي: رجلٌ منكم؛ يعني (¬1)؛ أنه لا يتأمر عليكم، ولا يؤمكم كما قد جاء في "مسلم": أنه يقال له: "صَلِّ، فَيَقُولُ: لا، إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةً لِهَذه الأُمَّةِ" (¬2). ويحتج به من يرى عدمَ خلو العصرِ من قائمٍ لله بالحجة. وحكى الجوزقي عن بعضهم: أن معناه: يحكم بينكم بالقرآن، لا بالإنجيل (¬3). * * * باب: مَا ذُكِرَ عَنْ بَني إَسْرَائِيلَ 1860 - (3451) - قَالَ حُذَيْفَةُ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "إِنَّ رَجُلًا كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أتاهُ الْمَلَكُ لِيقْبِضَ رُوحَهُ، فَقِيلَ لَهُ: هَلْ عَمِلْتَ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: مَا أَعْلَمُ، قِيلَ لَهُ: انْظُرْ، قَالَ: مَا أَعْلَمُ شَيْئًا، غَيْرَ أَني كنْتُ أُبَايع النَّاسَ فِي الدُّنْيَا، وَأُجَازِيهِمْ، فَأُنْظِرُ الْمُوسِرَ، وَأتَجَاوَزُ عَنِ الْمُعْسِرِ. فَأَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنةَ". ¬

_ (¬1) "يعني" ليست في "ع". (¬2) رواه مسلم (156) عن جابر -رضي الله عنهما-. (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 748).

(وأُجازيهم): قيل: معناه: أُعاوضهم (¬1)، آخذُ منهم، وأعطيهم. قيل: وصوابه أَتجازاهم؛ أي: أَتقاضاهم، يقال: تجازيتُ ديوني: إذا تقاضيتها (¬2). * * * 1861 - (3452) - فَقَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "إِنَّ رَجُلًا حَضَرَهُ الْمَوْتُ، فَلَمَّا يئس مِنَ الْحَيَاةِ، أَوْصَى أَهْلَهُ: إِذَا أَنَا مُتُّ، فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا كَثِيرًا، وَأَوْقِدُوا فِيهِ نَارًا، حَتَّى إِذَا أكلَتْ لَحْمِي، وَخَلَصَتْ إِلَى عَظْمِي، فَامْتَحَشْتُ، فَخُذُوهَا فَاطْحَنُوهَا، ثُمَّ انْظُروا يَوْمًا رَاحًا، فَاذْرُوهُ فِي الْيَمِّ. فَفَعَلُوا، فَجَمَعَهُ، فَقَالَ لَهُ: لِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ: مِنْ خَشْيتكَ. فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ". (فامتُحشت): -بفتح التاء وضمها، على البناء للفاعل والمفعول-؛ أي: احترقت. (يومًا راحًا): أي: كثير الرياح، كقولهم: كبشٌ (¬3) صافٍ؛ أي: كثير الصوف. (فاذروه في اليم): -بوصل الألف-، يقال: ذَرَيْتُ الشيء: وأَذْهَبْتُه، ويقال بقطعها، رباعي (¬4). ¬

_ (¬1) في "ع": "وأعاوضهم". (¬2) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬3) "كبش" ليست في "ع" و"ج". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 748).

1862 - (3453 و 3454) - حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عبدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنِي مَعْمَر، ويونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبدِ اللَّهِ: أَنَّ عَائِشَةَ، وَابْنَ عَبَّاس -رضِيَ اللهُ عَنْهُم-، قَالَا: لَمَّا نَزَلَ بِرسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ، كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ وَهْوَ كَذَلِكَ: "لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنبيَائِهِمْ مَسَاجِدَ"؛ يُحَذِّر مَا صَنَعُوا. (لما نزل برسولِ (¬1) الله - صلى الله عليه وسلم -): ضبطه أبو ذر في أصله: بفتح النون والزاي. قال الزركشي: وهو الصواب؛ لأن القاضي ذكر في "المشارق" قال: فما (¬2) نزلت برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يعني: منية. ويروى: "نُزِل": -بضم النون وكسر الزاي، على البناء للمفعول-؛ أي: نزل به الملكُ (¬3)؛ ليقبض روحه (¬4). قلت: كلتا الروايتين صواب، والوجه لكل منهما ظاهر. * * * 1863 - (3456) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، ¬

_ (¬1) في "م": "رسول". (¬2) في "ج": "لما". (¬3) في "ع": "نزل بك الملك"، وفي "م": "نزل الملك". (¬4) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 9). وانظر: "التنقيح" (2/ 748).

قَالَ: حَدَّثَنِي زيدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَتتَبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ، لَسَلَكْتُمُوه". قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: "فَمَنْ". (سَنن من قبلكم): -بفتح السين-: السبيل والمنهاج. (حتى لو سلكوا جحرَ ضَب، لسلكتموه): قال الخليل (¬1) في كتاب "العين": كنيةُ الضب أبو حُسَيْل، وهو دُوَيبَّة تشبه الورَل تأكله الأعراب، والأنثى [ضَبَّة]، وتقول العرب: هو قاضي الطير والبهائم، يقولون: اجتمعت إليه أولَ ما خُلق الإنسان (¬2)، فوصفوه له، فقال الضب: تصفون خلقًا يُنْزِلُ الطيرَ من السماء، وُيخرج الحوتَ من الماء، فمن كان له جناح، فليطرْ، ومن كان ذا مخلب، فليحتفرْ، قيل: ومن ثم خَصَّه بالذكر (¬3). * * * 1864 - (3461) - حَدَّثَنَا أبو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّة، عَنْ أَبي كَبْشَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَهِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيتبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ". (بلغوا عني ولو آيةٍ): قال ابن حِبَّانَ في "صحيحه": فيه دليل على أن ¬

_ (¬1) في "ع": "الخليلي". (¬2) في "ج": "خلق الله الإنسان". (¬3) انظر: "العين" (3/ 139)، وانظر: "التوضيح" (19/ 612).

السنن يقال لها: آي (¬1). وفيه نظر؛ إذ لم ينحصر التبليغُ عنه في السنن (¬2)؛ فإن القرآن مما بلغ عنه، قاله (¬3) الزركشي (¬4). (وحَدِّثوا عن بني إسرائيلَ ولا حرجَ): قال الشافعي معناه: وإن استحالَ مثلُه في هذه الأمة؛ مثل: نزولِ النار من السماء تأكل القربانَ، ونحوِه، وليس المراد أن يحدَّثَ عنهم بالكذب (¬5). * * * 1865 - (3463) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا جُنْدُبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِي هَذَا الْمَسْجدِ، وَمَا نسينَا مُنْذُ حَدثَنَا، وَمَا نخشَى أَنْ يَكُونَ جُنْدُبٌ كَذَبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ، فَجَزِعَ، فَأَخَذَ سِكِّينًا، فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ، فَمَا رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: بَادَرَني عَبْدِي بِنَفْسِهِ، حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ". (فجزِع): بكسر الزاي، والجزعُ: نقَيضُ الصبر. (قال الله -عز وجل-: بادَرَني عبدي بنفسه، حَرَّمْتُ عليه الجنةَ): ¬

_ (¬1) ذكره ابن حبان في "صحيحه" (14/ 149). (¬2) من قوله: "يقال لها" إلى هنا: ليس في "ج"، وإلى قوله: "القرآن" ليس في "ع". (¬3) في "ع": "قال". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 749). (¬5) المرجع السابق، الموضع نفسه.

قال ابن دقيق العيد: فيه إشكالان أصوليان: أحدهما: قوله: بادَرَني بنفسه، وهي مسألة تتعلق بالآجال، وأجلُ كلِّ شيء وقتهُ، يقال: بلغَ أجلَه: إذا تم أمرُه، وجاء حينُه، ولا يموت أحدٌ بأي سبب كان إلا بأجله، وقد علم الله أنه يموت بالسبب المذكور، وما عَلِمَه فلا يتغير، فعلى هذا يبقى قوله (¬1): بادرني (¬2) بنفسه (¬3) محتاجًا إلى التأويل، فإنه قد يوهم أن الأجل كان متأخرًا عن ذلك الوقت، فقدم عليه. والثاني: قوله: "حرمت عليه (¬4) الجنة"، فيتعلق به (¬5) من يرى بوعيد الأبد، وهو مؤول عند غيرهم على تحريم الجنة بحالة مخصوصة؛ كالتخصيص بزمن؛ كما يقال: إنه لا يدخلها مع السابقين، أو (¬6) يجعلونه على مَنْ فعلَ ذلك مستحلًا، فيكفر به، ويكون مخلدًا بكفره، لا (¬7) بقتله نفسه. [والحديث أصل كبير في تعظيم قتل النفس، سواء كانت نفس الإنسان، أو غيره؛ لأن نفسه] (¬8) ليست ملكه أيضًا، فيتصرف فيها على حسب اختياره (¬9). ¬

_ (¬1) في "ع": "قبله". (¬2) في "م": "بادر". (¬3) "بنفسه" ليست في "ع" و"ج". (¬4) "عليه" ليست في "ع". (¬5) في "ع" و "ج": "بهن". (¬6) في "ج": "و". (¬7) في "م": "ولا". (¬8) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬9) انظر: "شرح عمدة الأحكام" (4/ 105 - 106).

باب: حديث أبرص وأعمى وأقرع في بني إسرائيل

باب: حَدِيثِ أَبرَصَ وأَعْمَى وأَقْرعَ في بني إسْرائيلَ 1866 - (3464) - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِم، حَدَّثَنَا هَمَّام، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ أَبي عَمْرَةَ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -. (ح) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، أَخْبَرَنَا هَمَّام، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي عَمْرَةَ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - حَدَّثَهُ: أَنهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ ثَلَاثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ: أَبْرَصَ، وَأَقْرَعَ، وَأَعْمَى، بَدَا لِلَّهِ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا، فَأَتَى الأَبْرَصَ، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: لَوْن حَسَن، وَجِلد حَسَن، قَدْ قَذِرَني النَّاسُ. قَالَ: فَمَسَحَهُ، فَذَهَبَ عَنْهُ، فَأُعْطِيَ لَونًا حَسَنًا وَجِلدًا حَسَنًا. فَقَالَ: أَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الإبِلُ -أَوْ قَالَ: الْبقَرُ، هُوَ شَكَّ فِي ذَلِكَ، أنَّ الأَبْرَصَ وَالأَقْرع، قَالَ أَحَدُهُمَا: الإبِلُ، وَقَالَ الآخَرُ: الْبَقَرُ-، فَأُعْطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ. فَقَالَ: يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا. وَأَتَى الأَقْرَعَ، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: شعَر حَسَن، وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا، قَدْ قَذِرَني النَّاسُ. قَالَ: فَمَسَحَهُ، فَذَهَبَ، وَأُعْطِيَ شعرًا حَسَنًا. قَالَ: فَأَيُ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْبقَرُ. قَالَ: فَأَعْطَاهُ بَقَرةً حَامِلًا، وَقَالَ: يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا. وَأَتَى الأَعْمَى، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: يَرُدُّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي، فَأبصِرُ بِهِ النَّاسَ. قَالَ: فَمَسَحَهُ، فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَه. قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْغَنَمُ. فَأَعْطَاهُ شَاةً وَالِدًا، فَأُنْتِجَ هذَانِ، وَوَلَّدَ هَذَا، فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنْ إبلٍ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ بقر، وَلِهَذَا وَادٍ مِنَ الْغَنَم. نُمَّ إِنَّهُ أتى الأَبْرَصَ فِي صورَتهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ: رَجُل مِسْكِين، تَقَطَّعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي

سَفَرِي، فَلَا بَلَاغ الْيَوْمَ إِلَّا بِاللهِ، ثُمَّ بِكَ، أَسأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ، وَالْجِلْدَ الْحَسَن، وَالْمَالَ، بَعِيرًا أتبَلَّغُ عَلَيْهِ فِي سَفَري. فَقَالَ لَهُ: إِنَّ الْحُقُوقَ كثِيرَة. فَقَالَ لَهُ: كأنِّي أَعْرفك، أَلَمْ تكُن أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ، فَقِيرًا، فَأَعْطَاكَ اللَّهُ؟ فَقَالَ: لَقَدْ وَرِثْتُ لِكَابِرٍ عَنْ كابِرٍ. فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كاذِبًا، فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ، وَأَتَى الأَقْرَعَ فِي صُورتهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا، فَردَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَيْهِ هَذَا، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كاذِبًا، فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ. وَأتى الأَعْمَى فِي صُورتهِ، فَقَالَ: رَجُل مِسْكِين وَابْنُ سَبِيلٍ، وَتَقَطَّعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَري، فَلَا بَلَاغ الْيَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ بِكَ، أَسألكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ شاةً أتبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَري. فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَعْمَى، فَردَّ اللَّهُ بَصَرِي، وَفَقِيرًا فَقَدْ أَغْنَانِي، فَخُذْ مَا شِئْتَ، فَوَاللَّهِ! لَا أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ بِشَيْءٍ أَخَذْتَهُ لِلَّهِ. فَقَالَ: أَمْسِكْ مَالَكَ؛ فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ، فَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنْكَ، وَسَخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ". (وحدثني محمد، قال: ثنا (¬1) عبد الله بنُ رجاءٍ): قال الحافظ أبو ذر: هذا مما يشبه أن يكون محمدًا الذهلي، والبخاري قد روى عن عبد الله بن رجاء، ولكن هذا (¬2) الحديث عنده عن محمد، عن عبد الله بن رجاء (¬3). (بدا لله أن يبتليهم): قال ابن قرقول: ضبطناه عن متقني شيوخنا: "بدأ" -بالهمز-، ورواه كثير من الشيوخ بغير همز، وهو خطأ؛ لما فيه من ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "أنبأ". (¬2) في "م": "هذه". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 749).

معنى البداء، وهو ظهور شيء بعد أن لم يكن (¬1) قبلُ، وهو محال في حق الله تعالى، إلا أن يتأوَّل: أراد. و (¬2) في "صحيح مسلم": "أراد الله" (¬3). وقيل: معنى بدأ -بغير همز-: سَبقَ في علم الله تعالى، فأراد فعلَه وإظهاره (¬4). (قذِرني الناس (¬5)): -بكسر الذال-؛ أي: عَدُّوني مستَقْذَرًا، وكرهوني. (ناقة عُشَراء): أي: أتى على حملها عشرةُ أشهر، وهي من أَنْفَسِ (¬6) الإبل. (فأعطاه شاةً والدًا): أي: ذاتَ ولد. (فأُنتج هذان): قال السفاقسي: كذا وقع، والذي ذكره أهل اللغة: نُتجَتِ الناقةُ: -بضم النون- ونَتَجَها أهلُها، وقال: أَنْتَجَتِ الفرسُ: حملت، فهي نَتوجٌ، ولا يقال (¬7): مُنْتِجٌ (¬8). ¬

_ (¬1) "لم يكن" ليست في "ع". (¬2) الواو ليست في "ج". (¬3) رواه مسلم (2964). (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 749 - 750). (¬5) في "ع": "الله". (¬6) في "ع": "نفس". (¬7) "ولا يقال" ليست في "ع". (¬8) انظر: "التنقيح" (2/ 750)، و"التوضيح" (19/ 620).

باب: حديث الغار

(وولّد هذا): بتشديد اللام. (تقطَّعت بي (¬1) الحبالُ): -بحاء مهملة وباء موحدة-؛ أي: الأسبابُ التي (¬2) يقطعها في طلب الرزق، ويروى: بالجيم، لكن بضم التاء من "تُقُطِّعت"، "وفيَّ" مكان "بي" (¬3). (أتبَلَّغ): هو (¬4) من البُلْغَة، وهي الكفاية. (لا أحمدك (¬5) اليومَ): -بالحاء والميم- بلا خلاف بين رواة البخاري، ومعناه: لا أحمدُك لترك شيء تأخذُه من مالي (¬6)؛ كما قيل: ليس على طولِ الحياةِ ندم؛ أي: على فوتِ طولِ الحياة. وأشكلَ على بعضهم المعنى، فقال: بإسقاط الميم: لا أَحُدُّك؛ أي: لا أمنعك، فَساءَ فَهمًا، وتكلَّف، وغير الرواية (¬7). وأنا أرى مثلَ هذا جرأة عظيمة لا يقدمُ عليها مَنْ يتقي الله. * * * باب: حَدِيثِ الغَارِ 1867 - (3465) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، ¬

_ (¬1) في "ع": "في". (¬2) في "م": "الذي". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 750). (¬4) "هو" ليست في "ع" و"ج". (¬5) كذا في رواية أبي ذر الهروي، وفي نسخة: "لا أجهدك". (¬6) في "ع" و"ج": "ماله". (¬7) المرجع السابق، الموضع نفسه.

عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "بَيْنَمَا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ مِمن كانَ يَمْشونَ، إِذْ أَصَابَهُم مَطَرٌ، فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ، فَانْطَبَقَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّهُ -وَاللَّهِ يَا هَؤُلَاءَ- لَا يُنْجيكُمْ إِلَّا الصِّدْقُ، فَلْيَدْعُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ صَدَقَ فِيهِ. فَقَالَ وَاحِدٌ مِنهُمُ: اللَّهُمَّ إِنْ كنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كانَ لِي أَجِيرٌ عَمِلَ لِي عَلَى فَرَقٍ مِنْ أَرُزٍّ، فَذَهَبَ وَتَرَكَهُ، وَأَني عَمَدْتُ إِلَى ذَلِكَ الْفَرَقِ فَزَرَعْتُهُ، فَصَارَ مِن أَمْرِهِ أَني اشْتَريْتُ مِنْهُ بَقَرًا، وَأَنَّهُ أَتَانِي يَطْلُبُ أَجْرَهُ، فَقُلْتُ: اعْمِدْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَر، فَسُقْهَا، فَقَالَ لِي: إِنَّمَا لِي عِنْدَكَ فَرَق مِنْ أَرُزٍّ، فَقُلْتُ لَهُ: اعْمِدْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ؛ فَإِنَّهَا مِنْ ذَلِكَ الفَرَقِ، فَسَاقَهَا، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَني فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشيتكَ، فَفَرِّجْ عَنَّا. فَانْسَاحَتْ عنهم الصَّخْرَة. فَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنْ كنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كانَ لِي أَبَوَانِ شَيخَانِ كبِيرانِ، فَكُنْتُ آتِيهِمَا كُلَّ لَيْلَةٍ بِلَبَنِ غَنَمِ لِي، فَأَبْطَأْتُ عَلَيهِمَا لَيْلَةً، وَقَدْ رَقَدَا، وَأَهْلِي وَعِيَالِي يَتَضَاغوْنَ مِنَ الجُوعِ، فَكُنْنت لَا أسقِيهِمْ حَتَّى يشرب أَبَوَايَ، فَكَرِهت أَنْ أُوقِظَهُمَا، وَكَرِهْتُ أَنْ أَدَعَهُمَا، فَيَسْتَكِنَّا، فَلَمْ أَزَلْ أَنتظِرُ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَإِنْ كُنتَ تعلَمُ أَنيَ فَعَلتُ ذَلِكَ من خشيتك، فَفَرِّجْ عَنا. فَانْسَاحَتْ عَنْهُمُ الصَخْرة، حَتَى نَظَروا إِلَى السماء فَقَالَ الآخَرُ: اللهم إِن كنتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي ابْنَةُ عَمٍّ مِنْ أَحَبِّ النَّاس إِليَ، وَأَنَي رَاوَدْتُهَا عَنْ نفسِهَا، فَأبَتْ إِلَّا أَنْ آتِيَهَا بِمِئَةِ دِينَارٍ، فَطَلَبتُهَا حَتَّى قَدَرْتُ، فَأَتيتهَا، فَدَفَعتُهَا إِلَيْهَا، فَأَفكَنتنِي مِنْ نَفْسِهَا، فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا، فَقَالَتِ: اتَقِ اللَّهَ، وَلَا تَفُض الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ، فَقُمْتُ وَتَرَكتُ المِئَةَ دِينَارٍ، فَإِنْ كنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ، فَفَرِّجْ عَنَّا. فَفَرجَ اللَّهُ عنهم، فَخَرَجُوا".

باب

(وتركت المئة دينارًا): تقدم نظير هذا في قوله: بالألف دينار، وتقدم ما لابن مالك فيه من الوجوه، وما عليه من المناقشة في بعضها، فراجعه. * * * باب 1868 - (3466) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَن، حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "بَيْنَمَا امْرَأةٌ تُرْضعُ ابْنَهَا، إِذْ مَرَّ بِهَا رَاكِبٌ وَهْيَ تُرْضِعُهُ، فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ لَا تُمِتِ ابْنِي حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ هَذَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِئْلَهُ، ثُمَّ رَجَعَ فِي الثَّدْيِ، وَمُرَّ بِامْرَأَةٍ تُجَرَّرُ وَيُلْعَبُ بِهَا، فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا. فَقَالَ: أَمَّا الرَّاكِبُ، فَإِنَّهُ كَافِرٌ، وَأَمَّا الْمَرْأة، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ لَهَا: تَزْنِي. وَتَقُولُ: حَسْبِيَ اللَّهُ، وَيَقُولُونَ: تَسْرِقُ، وَتَقُولُ: حَسْبِيَ اللَّهُ". (وأما المرأة، فيقولون لها: تزني): يحتمل أن تكون "اللام" فيه بمعنى "عن"، كما قاله ابنُ الحاجب في قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} [الأحقاف: 11]، ويحتمل أن تجعل لام التبليغ، كما قيل به في الآية ردًا (¬1) على ابن الحاجب، والتفت عن الخطاب إلى الغيبة، فقال: سبقونا، ولم يقل: سبقتمونا، وكذا في الحديث التفت عن الخطاب، فلم يقل: تزنين (¬2)، وسلك طريق الغيبة، فقال: تزني؛ أي: هي تزني. ¬

_ (¬1) في "ع": "رد". (¬2) في "ع": "تتزين".

1869 - (3467) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ أيوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "بَيْنَمَا كلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيةٍ كاد يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ، إِذْ رَأتهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا، فَسَقَتْهُ، فَغُفِرَ لَهَا بِهِ". (مُوقَها): هو الخُفُّ، فارسيٌّ مُعَرَّب. * * * 1870 - (3468) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبي سُفْيَانَ، عَامَ حَجَّ عَلَى الْمِنْبَرِ، فتنَاوَلَ قُصَّةً مِنْ شَعَرٍ، وَكانَتْ فِي يَدَيْ حَرَسِيِّ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ! أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟ سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ينْهَى عَنْ مِثْلِ هَذِهِ، وَيَقُولُ: "إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَهَا نِسَاؤُهُمْ". (قُصَّة): -بضم القاف-: هو شعرُ الناصِية. * * * 1871 - (3469) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "إِنَّهُ قَدْ كانَ فِيمَا مَضَى قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَم مُحَدَّثُونَ، وَإِنَّهُ إِنْ كانَ فِي أُمَّتِي هَذِهِ مِنْهُمْ، فَإِنَّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ".

(محدَّثون): -بفتح الدال المشددة-؛ أي: مُلْهَمون؛ والملهَم: هو (¬1) الذي يُلْقى في نفسه الشيء، فيخبر حَدْسًا وفراسةً، وهو نوع يختصُّ الله به مَنْ يشاء (¬2). * * * 1872 - (3470) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبةَ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَبي الصِّدِّيقِ النَّاجِيِّ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "كَانَ فِي بَنِي إسرَائِيلَ رَجُل قتلَ تِسْعَةً وَتسعِينَ إِنْسَانًا، ثُمَّ خَرَجَ يَسْأَلُ، فَأَتَى رَاهِبًا فَسَأَلَهُ، فَقَالَ لَهُ: هَلْ مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: لَا، فَقَتَلَهُ، فَجَعَلَ يَسْأَلُ، فَفَالَ لَهُ رَجُل: ائْثِ قَرْيَةَ كذَا وَكَذَا. فَأَدْركَهُ الْمَوْتُ، فَنَاءَ بِصَدْرِه نحوَهَا، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَقَرَّبِي، وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي. وَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَهُمَا. فَوُجِدَ إِلَى هَذِهِ أَقْرَبَ بِشِبْرٍ، فَغُفِرَ لَهُ". (فناءَ بصدره): -بمد الألف-: أصلُه نَأَى (¬3)، إلا أنه حصل فيه قلب بين العين واللام؛ أي: تباعَدَ. * * * 1873 - (3475) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ ¬

_ (¬1) "هو" ليست في "ع". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 751). (¬3) "أصله نأى" ليست في "ع".

شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهَا-: أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِية الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالَ: وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أتشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟ ". ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ! لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ ابْنَةَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ، لَقَطَعْتُ يَدَهَا". (المخزومية التي سرقت): هي فاطمةُ بنتُ الأسود، وكان ذلك في غزوة الفتح. (حِبُّ رسول الله): -بكسر الحاء-؛ أي: محبوبُه. * * * 1874 - (3478) - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَليدِ، حَدَّثَنَا أبو عَوَانة، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَبْدِ الْغَافِرِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَّ رَجُلًا كَانَ قَبْلَكُمْ رَغَسَهُ اللَّهُ مَالًا، فَقَالَ لِبَنِيهِ لَمَّا حُضِرَ: أَيَّ أَبٍ كنْتُ لَكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرَ أَبٍ. قَالَ: فَإِنِّي لَمْ أَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، فَإِذَا مُتُّ، فَأَحْرِقُوني، ثُمَّ اسْحَقُوني، ثُمَّ ذَرُّوني فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ. فَفَعَلُوا، فَجَمَعَهُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ؟ قَالَ: مَخَافتكَ. فَلَقاهُ بِرَحْمَتِهِ". (رَغَسَه الله مالًا): -بتخفيف الغين المعجمة بعدها سين مهملة-؛ أي: أعطاه مالًا، ووَسَّعَ له فيه، وفي بعض النسخ: "راسَهُ الله". قال الخطابي:

هو غلط (¬1). (فلقاه): بالقاف. وأشار السفاقسي إلى أنه بالفاء، قال: ولا أعلم له وجهًا إلا أن يكون أصله: فَلَفَّفَتْهُ رحمتُه؛ أي: غشيته، فلما اجتمعت ثلاث فاءات، أُبدلت الأخيرة ألفًا؛ نحو: {دَسَّاهَا} [الشمس: 10]، وروي: "فتلافاها" (¬2). * * * 1875 - (3479) - حَدَّثَنَا مُسَدد، حَدثَنَا أَبُو عَوَانة، عَن عبدِ الْمَلِكِ ابْنِ عمير، عَنْ رِبعِيِّ بْن حِرَاش، قَالَ: قَالَ عقبةَ لحذيفة: أَلَا تُحَدِّثُنَا مَا سَمِعتَ مِنَ النبِي - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: سمعته يَقُولُ: "إِنَّ رَجُلًا حَضَرهُ الْمَوْتُ، لَمَّا أَيِس من الحياة أوصى أهله: إذا مت، فَاجمعوا لي حطبًا كثِيرًا، ثمَ أَوْرُوا نَارًا، حَتَى إِذا أكلتْ لحمي، وخلصت إلى عظمي، فخذوها فاطحنوها، فذروني في اليم فى يوم حار، أو راح. فجمعه الله، فقال: لم فعلت؟ قال خشيتك. فغفر له". (في يوم حازٍّ): قال القاضي: بحاء مهملة وزاي مشددة، للمروزي (¬3)، وكذا قيده الأصيلي عنه، وكذا لأبي ذر (¬4). وعند أبي الهيثم: "حار" بالراء (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 1573). وانظر: "التنقيح" (2/ 752). (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 752). (¬3) في "ع": "للمروي"، وفي "ج": "مروزي". (¬4) في "ع": "لأبي يوسف ذر". (¬5) في "ج": "أي بالراء".

وجاء في بعض الروايات عن القابسي: "في يومٍ حانٍ" -بالنون (¬1) -، وللنسفي: "حاز، أو حار" (¬2). قلت: وعلى رواية: حانّ -بالنون، فهي مشددة-؛ لأنهم (¬3) قالوا: أَسَرَتْه (¬4) ريح تحن كحنينِ الإبل. * * * 1876 - (3481) - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَام، أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "كَانَ رَجُل يُسْرِفُ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ، قَالَ لِبَنِيهِ: إِذَا أَنَا مُتُّ، فَأَحْرِقُوني، ثُمَّ اطْحَنُوني، ثُمَّ ذَرُّوني فِي الرِّيح، فَوَاللَّهِ! لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي، لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا. فَلَمَّا مَاتَ، فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ، فَأَمَرَ اللَّهُ الأَرْضَ، فَقَالَ: اجْمَعِي مَا فِيكِ مِنْهُ، فَفَعَلَتْ، فَإِذَا هُوَ قَائِم، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: يَا رَبِّ! خَشْيَتكَ. فَغَفَرَ لَهُ". (لئن قَدَرَ عليَّ ربي): قيل: معناه ضَيَّقَ، وقيل: هو مسلم جهلَ بعضَ الصفات، فغفر له. ¬

_ (¬1) "بالنون" ليست في "ج". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 191). وانظر: "التنقيح" (2/ 752). (¬3) في "ع": "لأنه". (¬4) في "ج": "أشربة".

1877 - (3484) - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رِبْعِيَّ بْنَ حِرَاشٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُبُوَّةِ: إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ، فَاصْنَع مَا شِئْتَ". (إذا لم تَسْتَحْيِ): -بإسكان الحاء وكسر الياء (¬1) مخففة-، وعلامة جزمه حذفُ الياء التي هي (¬2) لام الفعل، يقال: استحيا يستحيي، [ويروى: "إذا لم تَسْتَحِ" -بحاء- ليس بعدَها ياء؛ من استَحَى يستَحِي] (¬3). (فاصنعْ ما شئت): قيل: أمرٌ ومعناه الخبر، وقيل: على بابه؛ ومعناه (¬4): إذا لم ترتكب شيئًا منهيًا يُستحيا (¬5) منه، فاصنع ما شئت (¬6). * * * 1878 - (3485) - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبّرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونس، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبرَنِي سَالِمٌ: أَنَّ ابْنَ عُمَر حَدَّثَهُ: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "بَيْنمَا رَجُل يَجُرُّ إِزَارّهُ مِنَ الْخُيَلَاءِ خُسِفَ بِهِ، فَهْوَ يَتَجلْجَل فِي الأَرْضِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". (فهو يتجلجل): -بجيمين-؛ أي: يَسوخ في الأرض مع حركةٍ واضطراب. ¬

_ (¬1) "الياء" ليست في "ع". (¬2) "هي" ليست في "م". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬4) في "ج": "وقيل: معناه" (¬5) في "ع" و"ج": "تستحي". (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 753).

وقال بعضهم: بالخاء المعجمة، واستُبعد، إلا أن يكون من قولهم: خلخلتُ (¬1) العظمَ: إذا أخذتُ ما عليه من اللحم (¬2)، أو من التخلُّل والتداخُل خلال الأرض، قال القاضي: ورويناه في غير "الصحيح" بحاءين مهملتين (¬3). * * * 1879 - (3486) - حَدَثنَا مُوسى بْنُ إِسمَاعِيلَ، حَدَثَنَا وُهَيْب، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ طَاوُسٍ، عَن أَبِيهِ، عَنْ أَبي هرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "نَحْنُ الآخِرونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بَيدَ كُلُّ أُمَّةٍ أُوتوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِنَا، وَأُوتِينَا مِنْ بَعْدِهِمْ، فَهَذَا اليوم الَّذِي اختَلَفُوا، فَغَدًا لِلْيَهُودِ، وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى". (بَيدَ كلُّ أمة أوتوا (¬4) الكتابَ من قبلنا): المشهور استعمالُ بَيْدَ (¬5) متلوَّةً بأنَّ؛ كقوله -عليه الصلاة والسلام-: "نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ، بَيْدَ أَنهمْ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا" (¬6)، وقد استُعملت على خلاف ذلك كما في هذا الحديث. وخرجه ابن مالك على أن الأصل: بيد أن كلَّ أمة، فحذفت "أَنَّ" ¬

_ (¬1) في "ع": "جلجلت". (¬2) في "ع": "العظم". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 151). وانظر: "التنقيح" (2/ 753). (¬4) في "ع": "أتوا". (¬5) "بيد" ليست في "ج". (¬6) رواه البخاري (876)، ومسلم (855).

وبطل عملُها، وأضيفت (¬1) بَيْدَ إلى المبتدأ والخبر اللذين كانا معمولين لأنّ، وهذا (¬2) الحذف (¬3) في "أَنَّ" نادر، لكنه غير مستبعد في القياس على حذف أَنْ، فإنهما أُختان في المصدرية، وشبيهتان (¬4) في اللفظ. وقد حمل (¬5) بعضُ النحويين على حذف "أَنَّ" قولَ الزبير (¬6) - رضي الله عنه -: وَلَوْلا بَنُوهَا حَوْلَهَا لَخَطَبْتُها (¬7) (¬8). ¬

_ (¬1) في "ع": "وأضيف". (¬2) "وهذا" ليست في "ع". (¬3) في "ع": "الخلاف". (¬4) في "ع" و"ج": "وشبهتان". (¬5) في "م": "حمله". (¬6) في "ج": "قول ابن الزبير". (¬7) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 154). (¬8) جاء في "م" قوله: "تم المجلد الثاني، ويتلوه المجلد الثالث، من قوله: كتاب المناقب من تجزئة ثلاثة بعون الله تعالى وحسن توفيقه، نحمد الله، ونُصلِّي على محمد وآله، ونُسلِّمُ تسليمًا كثيرًا".

كتاب المناقب

كتاب المناقب

باب: قول الله -عز وجل-: {ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى} [الحجرات: 13]، وقوله: {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} [النساء: 1] وما ينهى من دعوى الجاهلية

كتاب المناقب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وبه نستعين (¬1) باب: قول الله -عز وجل-: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} [الحجرات: 13]، وقوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء: 1] وما ينهى من دعوى الجاهلية 1880 - (3492) - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا عبدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا كُلَيب، حَدَّثتنِي رَبِيبَةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَظُنُّهَا زينَبَ، قَالَتْ: نهى رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عَن الدُّبَّاءَ وَالْحَنتم وَالْمُقَيَّرِ وَالمُزَفَّتِ. وَقُلْتُ لَهَا: أَخْبِرِيني، النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِمَّنْ كَانَ؟ مِنْ مُضَرَ كَانَ؟ قَالَتْ: فَمِمَّنْ كَانَ إِلَّا مِنْ مُضَرَ؟ كَانَ مِن وَلَدِ النَّضر بْنِ كنَانة. (كتاب: المناقب). (كان من ولد النَّضرِ بنِ كِنانةَ). أي: ابنِ مُدْركَة (¬2) بنِ إلياسَ بنِ مضرَ ابنِ نزارِ بنِ مَعَدِّ بنِ عدنانَ. ¬

_ (¬1) "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وبه نستعين" ليس في "ع" و"ج". (¬2) في "ع": "ابن أبي مدركة".

باب: مناقب قريش

1881 - (3495) - حَدَّثَنَا قُتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "النَّاسُ تَبَع لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ، مُسْلِمُهُمْ تَبَع لِمُسْلِمِهِمْ، وَكَافِرُهُمْ تَبَع لِكَافِرِهِمْ". (الناس تبعٌ لقريش في هذا الشّأن): يعني: الخلافة. * * * باب: مَنَاقِبُ قُرَيْشٍ 1882 - (3500) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيب، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَلَغَ مُعَاوِيَةَ وَهْوَ عِنْدَهُ فِي وَفْدٍ مِنْ قُرَيْشٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يُحَدِّثُ: أَنَّهُ سَيَكُونُ مَلِك مِنْ قَحْطَانَ، فَغَضِبَ مُعَاوِيَةُ، فَقَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالًا مِنْكُمْ يَتَحَدَّثُونَ أَحَادِيثَ لَيْسَتْ فِي كتَابِ اللَّهِ، وَلَا تُؤْثَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأُولَئِكَ جُهَّالُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَالأَمَانِيَّ الَّتِي تُضِلُّ أَهْلَهَا؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ هَذَا الأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ، لَا يُعَادِيهِمْ أَحَد إِلَّا كبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ، مَا أقامُوا الدِّينَ". (سيكون مَلِك من قحطانَ): هو أبو (¬1) اليمن. (ولا يؤثر): أي: لا (¬2) يُذْكَر. ¬

_ (¬1) "أبو" ليست في "ع". (¬2) "لا" ليست في "م".

(إلا كبّه الله): هذا الفعل من النوادر، فإنه ثلاثي متعدٍّ، فإذا جاءت الهمزة، صار لازمًا، على عكس المعهود في الأصل. واعلم أنه ليس في حديث (¬1) معاوية ما يردُّ حديثَ عبد الله، وإنما أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن قريشًا أحقُّ بهذا الأمر، ولم يُرد أنه لا يوجد في غيرهم (¬2) أصلًا. وقال صاحب "المفهم": هذا الذي أنكره معاوية على عبد الله بن عمرو (¬3)، وقد صح من حديث غيره على ما رواه البخاري، يريد: ما سيأتي له من حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال (¬4): "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ قَحْطَان يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاه" (¬5)، ولا تناقض بين الحديثين؛ لأنَّ خروجَ هذا القحطاني إنما يكون إذا لم تُقِمْ قريش الدينَ، فيُدالُ عليهم في آخر الزمان، ولعله هو الملِكُ الذي يخرج عليه الدجَّال (¬6). * * * 1883 - (3504) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعيْمِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَعْدٍ. (ح) قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أبيه، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ هُرْمُزَ الأَعْرَجُ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قُرَيْش وَالأَنْصَارُ وَجُهَيْنَةُ وَمُزَيْنَةُ وَأَسْلَمُ وَأَشْجَعُ وَغِفَارُ مَوَالِيَّ، لَيْسَ لَهُمْ ¬

_ (¬1) في "ع": "في هذا حديث". (¬2) في "ع" و"ج": "غيره". (¬3) في "ع": "عمر". (¬4) "قال" ليست في "ع"، وفي "ج": "قال لا مفهوم له". (¬5) رواه البخاري (3517)، ومسلم (2910) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -. (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 754).

مَوْلى دُونَ اللَّهِ وَرَسُولهِ". (قريش والأنصار وجهينة ومزينة وأسلَمُ وأشجع وغِفار مواليَّ، ليس لهم مولى دون الله ورسوله): قيل: أراد: من أشرافهم، لم يجر عليهم رِقّ. وقيل (¬1): لا (¬2) يقال لهم مَوالٍ؛ لأنهم ممن بادر إلى الإسلام، ولم يُسْبَوا فيُرقوا. ثم قيل: موالي -بتخفيف الياء-، ورويت بالتشديد أضافهم إلى نفسه (¬3) الشريفة. * * * 1884 - 3503 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي أَبُو الأَسْوَدِ مُحَمَّدٌ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: ذَهَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ مَعَ أُنَاسٍ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ إِلَى عَائِشَةَ، وَكَانَتْ أَرَقَّ شَيْءٍ لِقَرَابَتِهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. (من بني زهرة): هم (¬4) قرابة النبي - صلى الله عليه وسلم - من جهتين: هم أخوالُه، وهم من قريش. * * * 1885 - (3505) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ أَحَبَّ ¬

_ (¬1) "وقيل" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "ولا". (¬3) في الأصول: "أنفسهم"، والصواب ما أثبت. (¬4) في "ع": "هي".

الْبَشَرِ إِلَى عَائِشَةَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ أَبَرَّ النَّاسِ بِهَا، وَكَانَتْ لَا تُمْسِكُ شَيْئًا مِمَّا جَاءَهَا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ إِلا تَصَدَّقَتْ. فَقَالَ ابْن الزُّبَيْرِ: يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ عَلَى يَدَيْهَا، فَقَالَتْ: أيؤْخَذُ عَلَى يَدَيَّ؟! عَلَيَّ نَذْرٌ إِنْ كَلَّمْتُهُ. فَاسْتَشْفَعَ إِلَيْهَا بِرِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَبِأَخْوَالِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَاصَّةً، فَامْتَنَعَتْ، فَقَالَ لَهُ الزُّهْرِيُّونَ أَخْوَالُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ، وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ: إِذَا اسْتَأذَنَّا، فَاقْتَحِم الْحِجَابَ. فَفَعَلَ، فَأرْسَلَ إلَيْهَا بِعَشْرِ رِقَابٍ، فَأَعْتَقتْهُمْ، ثُمَّ لَمْ تَزَلْ تُعْتِقُهُمْ حَتَّى بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ. فَقَالَتْ: وَدِدْتُ أَني جَعَلْتُ حِينَ حَلَفْتُ عَمَلًا أَعمَلُهُ فَأَفْرُغَ مِنْهُ. (وددتُ أني جعلت حين حلفت عملًا أعملُه فأفرغ منه): الظاهر أن "أفرغ": مرفوع بالعطف على الفعل المرفوع قبله، كذا رأيته في بعض النسخ. وقال الزركشي: هو بالنَّصب، وله وجه. ومراد عائشة -رضي الله عنها-: [أن النذرَ المبهَمَ يحتمل إطلاقُه على أكثرَ ممَّا (¬1) فعلَتْ، فلو كان شيئًا معلومًا، تحققَّت البراءة منه بعمله (¬2). قلت: وهذا منها -رضي الله عنها] (¬3) - مبالغةٌ في كمال (¬4) الاحتياط والاجتهاد في براءة الذمة على جهة اليقين، وإلا، فالنذرُ المبهم يكفي في التخلُّص من عهدته إعتاقُ رقبة واحدة مثلًا. ¬

_ (¬1) في "ج": "م". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 755). (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬4) في "ع": "الكمال".

باب: نزول القرآن بلسان قريش

باب: نُزُولِ القُرْآنِ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ 1886 - (3506) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنسٍ: أَنَّ عُثْمَانَ دَعَا زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ، وَعَبْدَ الرحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، فَنَسَخُوهَا فِي الْمَصَاحِفِ، وَقَالَ عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلَاثَةِ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنتمْ وَزيدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ، فَاكْتبوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ؛ فَإِنَّمَا نزَلَ بِلِسَانِهِمْ. فَفَعَلُوا ذَلِكَ. (وقال عثمان: للرَّهْط القرشيين الثلاثة): قيل: إنهم سعيدُ بنُ العاص، وعبدُالله بنُ [الزبير، وعبدُ الرحمن بنُ الحارثِ] (¬1) بنِ هشامٍ. (إذا اختلفتم أنتم وزيدُ بن ثابت في شيءٍ من القرآن): قال الداودي: يعني (¬2): الهجاء، لا الإعراب؛ كالتابوت: هل بالتاء أو بالهاء. وقال الشيخ (¬3) أبو الحسن (¬4): يريد: الإعراب. وقال السفاقسي: ولا يبعد أن يريد الوجهين: {مَا هَذَا بَشَرًا} [يوسف: 31] بالنَّصب على لغة الحجازيين، وبالرَّفع على لغة التميميين (¬5). ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) "يعني" ليست في "ع". (¬3) "الشيخ" ليست في "ع" و"ج". (¬4) في "ع": "الحسين". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 755)، و"التوضيح" (20/ 50).

باب

باب 1887 - (3508) - حَدَّثَنَا أبو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيى بْنُ يَعْمَرَ: أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ الدِّيلِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ أَبي ذَرِّ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أبيهِ، وَهْوَ يَعْلَمُهُ، إِلَّا كَفَرَ، وَمَنِ ادَّعَى قَوْمًا لَيْسَ لَهُ فِيهِمْ، فَلْيتبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ". (يحيى بن يَعْمَر): بفتح الياء التحتية والميم جميعًا. (ادعى لغير أبيه، وهو يعلمه (¬1)، إلا كفر): أي: حقيقةً إن استحلَّ ذلك، أو كفرَ الحقَّ؛ أي: سترَه بما ارتكبَ من الباطل إن لم يستحلَّ ذلك (¬2). * * * 1888 - (3509) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا حَرِيز، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّصْرِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ وَاثِلَةَ بْنَ الأَسْقَعِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ مِنْ أَعْظَم الْفِرَى أَنْ يَدَّعِيَ الرَّجُلُ إِلَى غَيْرِ أَبيهِ، أَوْ يُرِيَ عَيْنَهُ مَا لَمْ تَرَهُ، أَوْ يَقُولَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا لَمْ يَقُلْ". (حَرِيز): -بحاء مهملة مفتوحة فراءٌ مكسورة فياء تحتية فزاي-، وهو ابن عمران الرحبي الحمصي. (إنَّ من أعظم الفِراء): -بكسر الفاء مع القصر والمد-؛ أي: إن (¬3) ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "يعلم". (¬2) انظر: "التوضيح" (20/ 55). (¬3) "إن" ليست في "ع" و"ج".

باب: ذكر أسلم وغفار ومزينة وجهينة وأشجع

من أعظم الكذب والبهتان. (أو يُرِيَ عينَه ما لم تره): أي: يزعم أنه رأى في المنام كذا، ولا يكون قد رآه، يتعمَّد الكذب، فهذا في الحقيقة كذبٌ على الله؛ فإنَّه هو الذي يرسل مَلَكَ (¬1) الرؤيا ليريَه المنامَ. * * * باب: ذِكْرِ أَسلَمَ وَغِفَارَ ومُزَينَةَ وجُهَيْنَة وأَشْجَعَ 1889 - (3513) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ غُرَيْرٍ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ صَالح، حَدَّثَنَا نَافِع: أَن عَبْدَ اللَّهِ أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ عَلَى الْمِنْبَرِ: "غِفَارُ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا، وَأَسْلَمُ سالَمَهَا اللَّهُ، وَعُصَيَّةُ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ". (محمَّد بن غُرير (¬2)): بضم الغين المعجمة، وقد مرَّ. (غِفارُ غفرَ الله لها، وأسلَمُ سالمها الله، وعصيَّةُ عصتِ الله ورسوله): انظر ما أحسنَ هذا الجناس، وأعلقَه في القلب، وأبعدَه عن التكلف، وإنما دعا للأوَّلَيْنِ؛ لدخولهما (¬3) في الإسلام سلمًا من غير حرب، وعُصية: هم الذين قتلوا القُرَّاء ببئر معونةَ. ¬

_ (¬1) في "ع": "الملك". (¬2) في "ع": "غزير". (¬3) في "ع": "بدخولهما"، وفي "ج": "لدخولها".

باب: ما ينهى من دعوة الجاهلية

1890 - (3516) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشار، حَدَّثَنَا غُنْدَر، حَدَّثَنَا شُعبةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبي يَعْقوبَ، قَالَ. سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبي بَكْرَةَ، عَنْ أَبيهِ: أَنَّ الأَقْرع بْنَ حَابِسٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّمَا بَايَعَكَ سُرَّاقُ الْحَحِيج مِنْ أَسْلَمَ وَغِفَارَ وَمُزَيْنَةَ -وَأَحْسِبُهُ: وَجُهَيْنَةَ، ابْنُ أَبي يَعْقُوبَ شَكَّ-، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ أَسلَمُ وَغِفَارُ وَمُزَيْنَةُ -وَأَحْسِبُهُ: وَجُهَيْنَةُ- خَيْرًا مِنْ بَنِي تَمِيمِ، وَبني عَامِرٍ، وَأَسدٍ، وَغَطَفَانَ، خَابُوا وَخَسِرُوا"، قَالَ: نعمْ، قَالَ: "وَالَّذِي نفسِي بِيَدِهِ! إِنهمْ لَخَيْر مِنْهمْ". (إنهم لخير منهم): ويروى: "لأَخْيَرُ" -بإثبات الهمزة- على الأصل (¬1)، وهو قليل في أَخْيَرَ وأَشرَّ، والكثير: خَيْرٌ وشرٌّ. * * * باب: مَا يُنْهَى مِنْ دَعْوَة الجَاهِلِيةِ 1891 - (3518) - حَدَّثَنَا مُحَمَّد، أَخْبَرَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا - رضي الله عنه - يَقُولُ: غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَدْ ثَابَ مَعَهُ نَاس مِنَ الْمُهَاجِرِينَ حَتَّى كثُرُوا، وَكَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجل لَعَّاب، فَكَسَعَ أَنْصَارِيًّا، فَغَضِبَ الأَنْصَارِيُّ غَضَبًا شَدِيدًا، حَتَّى تَدَاعَوْا، وَقَالَ الأَنصارِيُّ. يَا لَلأَنْصَارِ! وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ! فَخَرَج النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "مَا بَالُ دَعْوَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ؟! ". ثُمَّ قَالَ: "مَا شَأْنهمْ؟ "، فَأُخْبِرَ بِكَسْعَةِ الْمُهَاجِرِيِّ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 756).

باب: قصة خزاعة

الأنْصَارِيَّ، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "دَعُوهَا؛ فَإِنَّهَا خَبِيثة". وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ: أَقَدْ تَدَاعَوْا عَلَيْنَا؟ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ، لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ. فَقَالَ عُمَرُ: أَلَا نقتُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْخَبِيثَ؟ لِعَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّهُ كَانَ يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ". (وقد ثابَ معه ناسٌ): يقال: ثاب الناس: جاؤوا متتالين بعضُهم بإثرِ بعضٍ، وهو بالثاء المثلثة، وسبق في الصلاة. (فكسعَ أنصاريًا): أي: ضربَ دُبُرَهُ بيدِه أو رجلِه. (حتى تداعَوْا): أي: بالقبائل على عادة الجاهلية. * * * 1892 - (3519) - حَدَّثَنِي ثَابِتُ بْنُ مُحَمدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَعَنْ سُفْيانَ، عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّة". (عن زُبَيْد): بزاي مضمومة وباء موحدة، مصغَّر. * * * باب: قِصَّةِ خُزَاعَةَ 1893 - (3520) - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبي حَصِينٍ، عَنْ أَبي صَالحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ -رضي الله

عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "عَمْرُو بْنُ لُحَيِّ بْنِ قَمَعَةَ بْنِ خِنْدِفَ أَبُو خُزَاعَة". (عمرُو بنُ لُحَيّ): -بضم اللام وفتح الحاء المهملة- بوزن لُؤَيّ. (ابن قَمْعة): قال القاضي: بفتح القاف وتسكين (¬1) الميم ضبطناه في "صحيح البخاري"، وفي رواية الباجي عن أبي ماهان: بكسر القاف وتشديد الميم وكسرها، ومنهم من يفتح القاف والميم (¬2). (ابن خِندِف): بخاءٍ معجمةٍ ودالٍ مهملة مكسورتين (¬3). قال الزبير بن بكار: وخزاعةُ تقول: عمرُو بنُ لحيِّ بنِ حارثةَ بنِ عمرو بنِ عامرٍ، ويأبون هذه النّسبة، والله [أعلم] إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[قال ما رُوي، فرسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬4) أعلمُ، وما قال فهو الحق (¬5). قلت: قد ثبت بهذه الروايات الصحيحة أنه قال ذلك، فلا ينبغي التوقفُ في قوله، ولا الإتيان بحرف الشرط الذي من شأنِ شرطِه أن يكون مشكوكًا فيه، ولا يلتفت بعد ذلك إلى قول خُزاعة، ولا ينعمون هم ولا مَنْ وافقهم عينًا. ¬

_ (¬1) في "ج": "وسكون". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 199). (¬3) في "ع": "مكسورة". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 757).

باب: قصة زمزم

1894 - (3521) - حَدَّثنَا أبو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْب، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ، قَالَ: الْبَحِيرَةُ: الَّتِي يُمْنعُ دَرُّهَا لِلطَّوَاغِيتِ، وَلَا يَحْلُبُهَا أَحَد مِنَ النَّاسِ، وَالسَّائِبةُ: الَّتِي كَانُوا يُسَيبونها لآلِهَتِهِمْ، فَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا شَيْء. قَالَ: وَقَالَ أبو هُرَيْرَةَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرِ بْنِ لُحَيٍّ الْخُزَاعِيَّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ". (يجرُّ قُصْبه): -بضم القاف وإسكان الصاد-: المعاء، وجمعه أَقْصاب. (وكان أولَ من سَيَّبَ السوائبَ): أي: أول من ابتدعَ هذا الرأي الخبيث، وجعله دينا. * * * قِصَّة إِسلامِ أَبي ذَرٍّ باب: قِصَّةِ زَمْزَمَ 1895 - (3522) - حَدَّثَنَا زَيْد -هُوَ ابْنُ أَخْزَمَ-، قَالَ أَبُو قُتَيْبَةَ سَلْمُ ابْنُ قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنِي مُثنَّى بْنُ سَعِيدٍ القَصِيرُ، قَالَ: حَدَّثنِي أَبُو جَمْرَةَ، قَالَ لَنَا ابْنُ عَباسِ: أَلَا أخبِرُكمْ بِإِسْلَامِ أَبِي ذَرٍّ؟ قَالَ: قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: كنْتُ رَجُلًا مِنْ غِفَارٍ، فَبَلَغنَا أَنَّ رَجُلًا قَدْ خَرَجَ بِمَكَّةَ، يَزْعُمُ أَنَّهُ نبَي، فَقُلْتُ لأَخِي: انْطَلِقْ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ، كلِّمْهُ، وَأْتِنِي بِخَبَرِهِ. فَانطَلَقَ، فَلَقِيَهُ، ثُمَّ رَجَعَ، فَقُلْتُ: مَا عِنْدَكَ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ! لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَأْمُرُ بِالْخَيْرِ، وَيَنْهَى عَنِ الشَّرِّ. فَقُلْتُ لَهُ: لَمْ تَشْفِنِي مِنَ الْخَبَرِ. فَأَخَذْتُ جِرَابًا وَعَصًا، ثُمَّ أَقْبَلْتُ إِلَى مَكَةَ، فَجَعَلْتُ لَا أَعْرفُهُ، وَأكرَهُ أَنْ أَسْأَلَ عَنْه، وَأَشْرَبُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، وَأكَونُ فِي الْمَسْجدِ. قَالَ: فَمَرَّ بِي عَلِيٌّ، فَقَالَ:

كَأَنَّ الرَّجُلَ غَرِيبٌ؟ قَالَ: قُلْتُ: نعمْ. قَالَ: فَانْطَلِقْ إِلَى الْمَنْزِلِ. قَالَ: فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، لَا يَسْألنِي عَنْ شَيْءٍ، وَلَا أخبِرُهُ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ، غَدَوْتُ إِلَى الْمَسْجدِ لأَسْأَلَ عَنْهُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُخْبِرُنِي عَنْهُ بِشَيْءٍ. قَالَ: فَمَرَّ بِي عَلِيٌّ، فَقَالَ: أَمَا نَالَ لِلرَّجُلِ يَعْرفُ مَنْزِلَهُ بعْدُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا. قَالَ: انْطَلِقْ مَعِي. قَالَ: فَقَالَ: مَا أَمْرُكَ؟ وَمَا أَقْدَمَكَ هَذِهِ الْبَلْدَةَ؟ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: إِنْ كتمْتَ عَلَيَّ، أَخْبَرْتُكَ. قَالَ: فَإِنِّي أَفْعَلُ. قَالَ: قُلْتُ لَهُ: بَلَغَنَا أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ هَاهُنَا رَجُلٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ نبِيٌّ، فَأَرْسَلْتُ أَخِي لِيُكَلِّمَهُ، فَرجَعَ وَلَمْ يَشفِنِي مِن الْخَبَرِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَلْقَاهُ. فَقَالَ لَهُ: أَمَا إِنَّكَ قَدْ رَشَدْتَ، هَذَا وَجْهِي إِلَيْهِ، فَاتَّيِعْنِي، ادْخُلْ حَيْثُ أَدْخُلُ؛ فَإِنِّي إِن رَأَيْتُ أَحَدًا أَخَاُفهُ عَلَيكَ، قُمْتُ إِلَى الْحَائِطِ، كأَني أصلِحُ نَعلِي، وَامضِ أَنتَ، فَمَضَى وَمَضَيْتُ مَعَهُ، حَتَّى دَخَلَ وَدَخَلْتُ مَعَهُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ لَهُ: اعْرِضْ عَلَيَّ الإسْلَامَ. فَعَرَضَهُ، فَأَسْلَمْتُ مَكَانِي، فَقَالَ لِي: "يَا أَبَا ذَرٍّ! اكتُمْ هَذَا الأَمْرَ، وَارْجِعْ إِلَى بَلَدِكَ، فَإِذَا بَلَغَكَ ظُهورُنَا، فَأَقْبِلْ". فَقُلتُ: وَالذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ! لأَصْرخَن بِهَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ. فَجَاءَ إِلَى الْمَسْجدِ، وَقُريْش فِيهِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُريش إِنَي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَا اللَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَ مُحَمَدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. فَقَالُوا: قُومُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئ. فَقَامُوا، فَضُرِبْتُ لأَمُوتَ، فَأَدْركنِي الْعَبَّاسُ، فَأكبَّ عَلَيَّ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: وَيْلَكُمْ! تَقْتُلُونَ رَجُلًا مِن غِفَارَ، وَمَتْجَرُكُمْ وَمَمَرُّكُمْ عَلَى غِفَارَ؟! فَأَقْلَعُوا عَنِّي، فَلَمَّا أَنْ أَصْبَحْتُ الْغَدَ، رَجَعْتُ، فَقُلْتُ مِثْلَ مَا قُلْتُ بِالأَمْسِ، فَقَالُوا: قُومُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئ. فَصُنِعَ بِي مِثْلُ مَا صُنِعَ بِالأَمْسِ، وَأَدْركنِي الْعَبَّاسُ، فَأكبَّ عَلَيَّ، وَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ بِالأَمْسِ. قَالَ: فَكَانَ هَذَا أَوَّلَ

باب: قصة الحبشي، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا بني أرفدة"

إِسْلَامِ أَبي ذَرِّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-. (زيد بنُ أخزمَ): على وزن أَفْعَل، بخاءٍ معجمة وزاي. (سَلْم (¬1) بنُ قتيبة): بفتح السين المهملة وسكون اللام. (أما نالَ للرجل؟): أي: أما حان (¬2) ودنا؟ ويروى: "أما آنَ". ويروى: "أما أنى" -بتخفيف النون-، يقال: أَنى يأني، وآنَ يَئينُ؛ أي: حان (¬3). (قد رشَدْتَ): بفتح الشين المعجمة وكسرها. * * * باب: قِصَّةِ الحَبَشِي، وقَولِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا بني أَرْفَدَةَ" 1896 - (3530) - وَقَالَتْ عَائِشَةُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتُرُنِي، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ، وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجدِ، فَزَجَرَهُمْ عُمَرُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "دَعْهُمْ، أَمْنًا بَنِي أَرْفَدَةَ"؛ يَعْنِي: مِنَ الأَمْنِ. (دعهم، أَمْنًا): -بفتح الهمزة وسكون الميم- منصوبٌ على المصدر؛ أي: أَمِنتم أَمْنًا، كذا قيده الأصيلي والهروي. ¬

_ (¬1) في "ع": "أسلم". (¬2) في "ع": "ما حال". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 757).

باب: من أحب أن لا يسب نسبه

ولغيرهما: "آمنًا"، أو "بلدا (¬1) آمِنًا"، ونحو هذا. (بني أَرفِدة): بفتح الهمزة وكسر الفاء لأبي ذر. وعند غيره: بفتح (¬2) الفاء (¬3) كالهمزة (¬4). * * * باب: مَنْ أَحَبَّ أَنْ لَا يُسَبَّ نسبُهُ (باب: من أحبَّ أن لا يُسَبَّ نسبه): يسب: بالبناء للمفعول، فنسبُه: مرفوع، وبالبناء للفاعل (¬5)، فنسبَه: منصوب. 1897 - (3531) - حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شيبة، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتِ: اسْتَأْذَنَ حَسَّانُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي هِجَاءِ الْمُشْرِكينَ، قَالَ: "كيْفَ بِنَسَبِي؟ "، فَقَالَ حَسَّانُ: لأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعَرَةُ مِنَ الْعَجينِ. وَعَنْ أَبِيهِ قَالَ: ذَهَبْتُ أَسُبُّ حَسَّانَ عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: لَا تَسُبُّهُ؛ فَإِنَّهُ كَانَ يُنَافح عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (ينافح): -بالحاء المهملة-؛ أي: يرامي ويدافع. ¬

_ (¬1) في "ع": "بلد". (¬2) في "ج": "بكسر". (¬3) "الفاء" ليست في "ع". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 758). (¬5) في "ج": "مرفوع ولأن الفاعل".

باب: كنية النبي - صلى الله عليه وسلم -

باب: كُنْيةِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - 1898 - (3537) - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنس - رضي الله عنه -، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي السُّوق، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا الْقَاسِم! فَالْتَفَتَ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "سَمُّوا بِاسْمِي، وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنيتي". (ولا تَكْنُوا): -بفتح التاء الفوقية وضم النون مخففة-؛ من كنى يكني -بالتخفيف-، ويروى: "تَكْتَنُوا" (¬1) -بتاءٍ فوقية بعد الكاف ونون (¬2) -؛ من اكْتَنَى، على صيغة افْتَعَلَ (¬3)، وإنما كُني -عليه (¬4) السلام- بأبي القاسم؛ لأن اسمَ ولده كان القاسم. * * * باب: خَاتَم النُّبُوةِ 1899 - (3541) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، عَنِ الجُعَيدِ بْنِ عبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ، قَالَ. ذَهَبَتْ بِي خَالَتِي إِلَى رَسولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: يَا رَسولَ اللَّهِ! إِنَّ ابْنَ أختِي وَقِعٌ، فَمَسَحَ رَأْسِي، وَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ، وَتَوَضَّأَ، فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئهِ، ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ، فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِ بَيْنَ كتِفَيْهِ. قَالَ ابْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ: الْحُجْلَةُ مِنْ ¬

_ (¬1) "تكتنوا" ليست في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 759). (¬3) في "ج": "أفعل". (¬4) "عليه" ليست في "ج".

حُجَلِ الْفَرَسِ الَّذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ. قَالَ إِبْراهِيم بن حمزة: مِثْلَ زرِّ الحجلة. (وَقِع): -بكسر القاف-، ويروى: "وجع"، وهو بمعناه (¬1). (قال ابن عبيد الله: الحُجْلة من حُجَل الفرس الذي بين عينيه): -بضم الحاء وفتح الجيم، وبفتحهما أيضًا-، أراد: أنها بيضاء، قيل: ولم يصبْ في هذا التفسير؛ لأنَ الزرَّ (¬2) إنما هو للحَجَلة التي هي السترُ، ومع ذلك؛ فإنّ التَّحجيل في الفرس إنما هو في قوائمه، لا بين عينيه، [ولا يقال فيه: حجل، ولا حجلة، والتي بين عينيه] (¬3) إنما هو الغُرَّة، ومنه قوله: "غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثارِ الوُضُوءِ" (¬4). وأولى ما قيل فيها: أنها واحدةُ الحِجال، وهي السُّتور. والزِّرُّ: واحدُ الأزرار التي تدخل في العُرا كأزرار القميص، ومن فسر الزرَّ بالبَيْض، نظر إلى ما وردَ في بعض الطرق: "مثل بَيْضَةِ الحمَامة"، فجعلَ الزرَّ كالبيضة، والحَجَلة: الطائر الذي يسمى القَبْج: -بقافٍ مفتوحة فموحدة ساكنة فجيم-، وهو فارسيٌّ مُعَرَّب. وقال الخطابي (¬5): هو من الجراد، وهو بيضُها، واستعاره (¬6) للطائر (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 759). (¬2) في "ج": "لأن الزاد". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬4) رواه البخاري (136)، ومسلم (246) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -. (¬5) في "ج": "وقال الطحاوي". (¬6) في "ع": "واستعارها". (¬7) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 1591). وانظر: "التنقيح" (2/ 759 - 760).

باب: صفة النبي - صلى الله عليه وسلم -

(وقال إبراهيم بن حمزة: مثل زِرِّ الحَجَلَة): قيل: إنّه خالف بتقديم الزاي على الراء، وقيل: إنّه خالف في ضمّ الحاء، فرواه بفتح الحاء والجيم، وهي: الكَلَّة التي تكون على السرير (¬1). * * * باب: صِفَةِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - 1900 - (3544) - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبي خَالِدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وَكانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ -عَلَيْهِمَا السَّلَامُ- يُشْبِهُهُ، قُلْتُ لأَبي جُحَيْفَةَ: صِفْهُ لِي. قَالَ: كَانَ أَبْيَضَ قَدْ شَمِطَ. وَأَمَرَ لنا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِثَلَاثَ عَشْرَة قَلُوصًا، قَالَ: فَقُبِضَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَبْلَ أَنْ نقبِضَهَا. (قد شَمِط): -بفتح الشين المعجمة وكسر الميم-: بياضٌ في شعر يخالط سوادَهُ. (بثلاث (¬2) عشر قلوصًا): كذا في الأصول، والقَلوصُ: الأنثى من الإبل، فمن ثَمَّ قال السّفاقسيُّ وغيره: المعهودُ في مثله: ثلاثَ (¬3) عَشْرَ [ةَ] قلوصًا (¬4). ¬

_ (¬1) المرجع السابق، (2/ 760). (¬2) في "ج": "ثلاثة". (¬3) "ثلاث" ليست في "ج". (¬4) انظر: "التوضيح" (20/ 132).

قلت: ولا يبعد التذكيرُ على إرادة التّأويل. 1901 - (3545) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءِ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبي إِسْحَاقَ، عَنْ وَهْبٍ أَبِي جُحَيْفَةَ السُّوَائِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وَرَأَيْتُ بَيَاضًا مِنْ تَحْتِ شَفَتِهِ السُّفْلَى الْعَنْفَقَةَ. (العنفقة): هو العُثْنُون (¬1)، وهو ما (¬2) بين الشفة السفلى والذَّقَن. * * * 1902 - (3547) - حَدَّثَنِي ابْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنس بْنَ مَالِكٍ يَصِفُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: كَانَ رَبْعَةً مِن الْقَوْمِ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ، أَزْهَرَ اللَّوْنِ، لَيْسَ بِأَبْيَضَ أَمْهَقَ، وَلَا آدَمَ، لَيْسَ بِجَعْدٍ قَطَطٍ، وَلَا سَبْطٍ رَجِلٍ، أنزِلَ عَلَيْهِ وَهْوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ، فَلَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيتهِ عِشْرُونَ شَعَرَةً بَيْضَاءَ. قَالَ رَبِيعَةُ: فَرَأَيْتُ شَعَرًا مِنْ شَعَرِهِ، فَإِذَا هُوَ أحْمَرُ، فَسَأَلْتُ، فَقِيلَ: احْمَرَّ مِنَ الطِّيبِ. (رَبْعة): -بسكون الباء وفتحها-، وقد فسره في الحديث بقوله: "ليس بالطَّويل (¬3) ولا بالقصير (¬4) ". ¬

_ (¬1) في "ع" و "ج": "العيون". (¬2) في "ج": "وما". (¬3) في "ج": "بطويل". (¬4) في "م": "بقصير".

(أزهر اللون): هو البياض المَشُوبُ بالحمرة، وقيل: هو الأبيضُ. (ليس بأبيضَ): يريد: أنه ليس بأبيضَ أَمْهَقَ. [وقال القاضي: وقع في البخاري من رواية المروزي: "أزهرَ اللونِ أمهقَ"]، (¬1)، وهو خطأ (¬2). (ليس بجَعْدٍ قَطَطٍ): -بفتح الطاء وكسرها-؛ أي: ليس بجعدٍ شديدِ الجعودة كشعر السودان. (ولا سَبط): -بسكون الباء وكسرها-؛ أي: ولا مسترسِلِ الشعر. قال الهروي: الشعرُ الجعدُ غيرُ السبط محمودٌ؛ لأنّ السبوطةَ أكثرُها في شعور العجم (¬3). (رَجِلٌ): أي مُسَرَّحُ الشعرِ مسترسلُه، وهو بالرفع على القطع، وعند الأصيلي بالرّفع والخفض، [فوجه الرفع ما تقدم، ووجه الجرّ: الخفضُ على] (¬4) الجِوار على بعده؛ إذ لا يصح أن يكون وصفًا للسبطِ المنفيِّ (¬5) عن صفة شعره -عليه الصّلاة والسّلام- (¬6). (أُنزل عليه وهو ابنُ أَربعين): هو قول الأكثرين. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 318). (¬3) انظر: "التوضيح" (20/ 136). (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬5) في "ع": "النفي". (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 761).

وقيل: أُنزل عليه بعدَ أربعين (¬1) وعشرةِ أيام. وقيل: وشهرين، وذلك يوم (¬2) الاثنين لسبعَ عشرةَ خلت من شهر رمضانَ. وقيل: لسبع (¬3). وقيل: لأربع وعشرين ليلة، فيما ذكره ابن عساكر (¬4). (فلبث بمكةَ عشر سنين): قال الزّركشي: هذا على قول أَنس، والصحيحُ: أنه أقام بمكة ثلاثَ عشرةَ؛ لأنّه تُوفي وعمرُه ثلاثٌ وستون (¬5)، ويلزم من قولِ أنسِ: أنّه (¬6) تُوفي وهو ابن ستين؛ إذ لا خلاف أنّ (¬7) إقامته بالمدينة كانت عشرًا (¬8). قلت: الجرأة على تخطئة الصّحابي (¬9) صعبٌ شديد، لاسيّما ولكلامه محملٌ صحيح، وييانه: أنّ أنسًا - رضي الله عنه - لم يقل: فلبث بمكة عشر سنين، واقتصر على هذا، حتّى نعترض عليه بذلك الاعتراض؛ وإنّما قال: فلبث بمكة عشر سنين ينزل عليه، فلا ينافي أن يكون أقامَ بها أكثرَ من ¬

_ (¬1) في "ج": "الأربعين". (¬2) في "ع": "ليوم". (¬3) "وقيل: لسبع" ليست في "ع". (¬4) انظر: "التوضيح" (20/ 136). (¬5) في "ج": زيادة "سنة". (¬6) في "ج": "وأنه". (¬7) في "ع" و"ج": "في أن". (¬8) انظر: "التنقيح" (2/ 761). (¬9) في "ع": "البخاري".

هذه المدّة، ولكنه لم ينزل عليه إلا في العشر، ولا يخفى أنّ الوحي فَتَرَ في ابتداء الأمر (¬1) سنتين ونصفًا (¬2)، على ما قدمناه أوّلَ (¬3) الكتاب، وأنَّه أقام ستةَ أشهر في ابتداء الوحي يرى الرؤيا الصالحة، فهذه ثلاثُ سنينَ لم يوحَ إليه في بعضها [أصلًا، وأوحي إليه في بعضها] (¬4) في المنام، فيُحمل قولُ أنسٍ على أنّه لبث بمكة ينزل إليه الوحيُ في اليقظة عشرَ سنين، واستقامَ الكلام، ولم يتجه اعتراضٌ (¬5) بأنه يلزم وفاته ابنَ ستين، وقد أسلفنا هذا في بدء الوحي، فراجعه. وقد وقفت بعد هذا في متن البخاري قبل كتاب الأدب بأوراقٍ يسيرة على ما يقدح في هذا التوجيه، وقد ذكرته في هذا التعليق بعد باب قص الشارب بسطور، فانظره ثمة. * * * 1903 - (3548) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنس، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلَا بِالْقَصِيرِ، وَلَا بِالأَبْيَضِ الأَمْهَقِ، وَلَيْسَ بِالآدَمِ، وَلَيْسَ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلَا بِالسَّبْطِ، ¬

_ (¬1) في "ج": "ابتداء الوحي". (¬2) وهذا التأويل مأخوذ عن السهيلي، وهو مبني على صحة الخبر المنقول في هذا. وانظر: "فتح الباري" (8/ 150). (¬3) في "ع": "من أول". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬5) في "ع": "إعراض".

بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، فتوَفَّاهُ اللَّهُ، وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيته عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ. (ليس بالطويل البائن): أي: المفرط في طوله (¬1)، فهو اسم فاعل من بان؛ أي: ظهر، أو من بان؛ أي: فارق سواه بإفراط طوله (¬2). (ولا بالأبيض (¬3) الأمهق): قال الهروي: الأمهق الشديد البياض إلى زرقة كلون الجص، وفي هذا أنه يقال (¬4): [أبيض، بخلاف ما يقول بعض الناس: أنه لا يقال] (¬5) إلا في الأرض، وقد قال أبو طالب: وأبيضَ يستسقى الغمامُ بوجهه ... ثَِمالُ اليتامى عصمةٌ للأرامل (¬6) * * * 1904 - (355) - حَدَّثَنَا يَحْيىَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْج قَالَ: أَخْبَرَبي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيْهَا مَسْرُورًا تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ، فَقَالَ: "ألمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ الْمُدْلِجِيُّ لِزَيْدٍ وَأسُامَةَ -وَرَأَى أَقْدَامَهُمَا-: إِنَّ بَعْضَ هَذِهِ الأَقْدَامِ مِنْ بَعْضٍ". ¬

_ (¬1) "في طوله" ليست في "ع". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 761). (¬3) في "ع": "الأبيض". (¬4) في "ع": "لا يقال". (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 761).

(تبرق أسارير وجهه): يعني خطوط وجهه وتكسُّرها، واحدها سِر، بكسر السين، وجمعه أسرار؛ فأسارير جمع الجمع. (إن بعض هذه الأقدام من بعض): استدل بهذا الحديث فقهاء الحجاز ومن تبعهم على أصل من أصولهم؛ وهو العمل بالقيافة، حيث يشتبه إلحاق الولد بأحد الواطئين في طهر واحد، لا في كل الصور، بل في بعضها، ووجه الاستدلال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سُرَّ بذلك. قال الشافعي -رحمه الله-: ولا يُسرُّ بباطل، وخالف أبو حنيفة وأصحابه، واعتذارهم عن الحديث أنه لم يقع منه إلحاق متنازع فيه، ولا هو وارد في محل النزاع؛ فإن أسامة كان لاحقًا بفراش زيد من غير منازع له فيه (¬1)، وإنما كان الكفار يطعنون في نسبه؛ لتباينٍ بين لونه ولون (¬2) أبيه في السواد والبياض، فلما غطيا رءوسهما وبدت أقدامهما وألحق محرز أسامة بزيد، كان ذلك إبطالًا لطعن الكفار بسبب اعترافهم بحكم القيافة، وإبطال طعنهم حق، فلم يسر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا بحق. والأولون يجيبون: بأنه وإن كان ذلك واردًا في صورة خاصة، إلا أن له جهة عامة، وهي دلالة الاشتباه على الأنساب، فتأخذ هذه الجهة من الحديث ويعمل بها (¬3). ¬

_ (¬1) "فيه" ليست في "ع". (¬2) في "ع" و"ج": "وبين لون". (¬3) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 72).

1905 - (3556) - حَدَّثَنَا يَحْيى بْنُ بُكَيْر، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْن شهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كعْبٍ: أَن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ تَبُوكَ قَالَ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ، وَكانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ، حَتَّى كأنه قِطعَةُ قَمَرٍ، وَكنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ. (حتى كأنه قطعةُ قمر): يُسأل عن وجه عدوله عن تشبيه وجهه بالقمر إلى تشبيهه بقطعة قمر، وكنت أسمع عن شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني -رحمه الله-: أنه كان يقول: وجهُ العدول: هو أن القمر فيه قطعة يظهر فيها سواد، وهو المسمَّى - صلى الله عليه وسلم - بالكَلَف، فلو شبه (¬1) بالمجموع؛ لدخلت هذه القطعةُ في المشبه به، وغرضُه إنما هو (¬2) التشبيه (¬3) على أكمل الوجوه، فلذلك قال: كأنه قطعة قمر، يريد: القطعةَ (¬4) الساطعةَ الإشراق، الخاليةَ من شوائب الكدر. * * * 1906 - (3558) - حَدَّثَنَا يَحيى بْنُ بُكَيْر، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُس، عَنِ ابْنِ شهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ ¬

_ (¬1) في "ج": "شيء". (¬2) "هو" ليست في "ج". (¬3) في "ع": "التشبه". (¬4) "يريد القطعة" ليست في "ع".

-رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَسْدِلُ شَعَرَهُ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُؤُوسَهُمْ، فَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ رُؤُوسَهُمْ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ، ثُمَّ فَرَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأْسَهُ. (يسدُل شعره): -بضم الدال وكسرها-؛ أي: يرسل شعرَ ناصيته على جبهته. (يفرقون): بكسر الراء وضمها. (ثم فرَق): -بالتخفيف-؛ أي: شعرَ رأسه كله، فألقاه إلى جانبي الرأس، ولم يبق منه على جبهته. (وكان يحب موافقة أهل الكتاب فيما (¬1) لم يؤمر فيه بشيء): أي: لأنهم كانوا على بقية في دين الرسل، فأحبَّ موافقتهم فيما لم يحرفوه؛ عملا بقوله تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90]، ويحتمل أن يكون فرق (¬2) بعدما أسدل لأمرٍ أُمر به؛ لأنه كان لا ينطق عن الهوى. * * * 1907 - (3559) - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِل، عَنْ مَسْرُوق، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ الله عَنْهُما-، قَالَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَاحِشًا، وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَكَانَ يَقُولُ: "إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلَاقًا". ¬

_ (¬1) في "ع": "فيها". (¬2) في "ع" و"ج": "فوق".

(عن أبي حمزة): بحاء مهملة وزاي. * * * 1908 - (3561) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّاد، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: مَا مَسِسْتُ حَرِيرًا وَلَا دِيبَاجًا أليَنَ مِنْ كَفِّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَا شَمِمْتُ رِيحًا قَطُّ أَوْ عَرْفًا قَطُّ، أَطْيَبَ مِنْ رِيح أَوْ عَرْفِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (ما مسِست): بكسر السين. (ولا شمِمت): بكسر الميم. (أو عَرْفًا): هو (¬1) الرائحة الطيبة. * * * 1909 - (3564) - حَدَّثَنَا قُتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ الأَسْدِيِّ، قَالَ: كانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا سَجَدَ، فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى نرى إِبْطَيْهِ. قَالَ: وَقَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنَا بَكْرٌ: بَيَاضَ إِبْطَيْهِ. (ابن بحينة الأَسْدي): -بتسكين السين-، وأصله: الأَزْدي؛ لأنه من أَزْد شنوءةَ، فأبدلت الزاي سينا. قال الزركشي: وقد وهم البخاري حيث ظنه الأسَدي -بفتح السين- (¬2) ". ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "وهو". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 763).

1910 - (3565) - حَدَّثَنَا عبدُ الأَعْلَى بْن حَمادٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْن زُريع، حَدَّثَنَا سعيد، عَن قَتَادَةَ: أَنَّ أَنسًا - رضي الله عنه - حَدَّثَهُم: أَن رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَان لَا يَرفَع يَدَيهِ في شَيْءٍ مِن دُعَائِهِ، إِلا فِي الاِستِسْقَاء؛ فَإِنَّهُ كَانَ يَرفَعُ يَديْهِ حَتَى يرى بَيَاض إِبْطَيْهِ. (حتى نرى): بالنون في بعض النسخ، مبني للفاعل، وبالياء المضمومة في (¬1) بعضها، على البناء للمفعول. (بياض إبطيه). بالنصب والرفع، على حسب الروايتين المتقدمتين. * * * 1911 - (3568) - وَقَالَ اللَّيْث: حَدَّثَنِي يُونس، عن ابْن شهَاب: أَنهُ قَالَ: أَخبَرَنِي عُرْوَةُ بْن الزبَيْرِ، عَن عَائِشةَ: أَنَّها قَالت: أَلَا يعجِبُكَ أبو فُلَانٍ؟ جَاءَ فَجَلَس إِلَى جَانِبِ حُجْرتِي يُحَدِّث عَن رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُسمِعُنِي ذَلِكَ، وَكنتُ أُسَبِّحُ، فَقَامَ قَبْلَ أَن أَقضي سبحتي، وَلَوْ أَدْركْتُهُ، لَرددت عَلَيهِ، إِن رسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لم يَكن يَسرد الْحَدِيثَ كَسَردكم. (ألا يُعْجِبُك): بضم الياء وسكون العين وكسر الجيم خفيفة. ويروى: بفتح العين وكسر الجيم مشددة (¬2). (أبو فلان، جاء فجلس إلى جانب حجرتي يحدث): هو أبو هريرة - رضي الله عنه -. ¬

_ (¬1) في "ع": "وفي". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 763).

باب: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - تنام عينه ولا ينام قلبه

باب: كانَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - تَنَامُ عَينُهُ ولَا يَنَامُ قَلْبُهُ 1912 - (3570) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ شَريكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِر، سَمِعْتُ أَنس بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُنَا عَنْ لَيْلَةِ أُسْريَ بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ مَسْجِدِ الْكَعْبة: جَاءَه ثَلَاثَةُ نَفَر قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ، وَهُوَ نَائِم فِي مَسْجدِ الْحَرَامِ، فَقَالَ أَوَّلُهُمْ: أيهُمْ هُوَ؟ فَقَالَ أَوْسَطُهُمْ: هُوَ خَيْرُهُمْ، وَقَالَ آخِرُهُمْ: خُذُوا خَيْرَهُمْ. فَكَانَتْ تِلْكَ، فَلَمْ يَرَهُمْ حَتَّى جَاؤُوا لَيْلَةً أُخْرَى، فِيمَا يَرَى قَلْبُهُ، وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - نَائِمَة عَينَاهُ، وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ، وَكَذَلِكَ الأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ، وَلَا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ، فتوَلَاهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءَ. (جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه): قال الزركشي: قد أُنكرت هذه الرواية، وقيل: ليست بمحفوظة؛ وإن صحت، فلم يأتوه في عقب تلك الليلة، بل بعدها بسنين (¬1)؛ لأنه إنما أُسري (¬2) به قبل الهجرة بثلاث سنين، وقيل: بسنتين (¬3)، وقيل: بسنة (¬4). ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "سنين". (¬2) في "ع": "سري". (¬3) في "ع" و"ج": "بسنين". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 764).

باب: علامات النبوة في الإسلام

باب: عَلَامَاتِ النُّبوَّةِ في الإسْلَامِ 1913 - (3571) - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَليدِ، حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ زَرِير، سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَسِيرٍ، فَأَدْلَجُوا لَيْلَتَهُمْ، حَتَّى إِذَا كَانَ وَجْهُ الصُّبْح، عَرَّسُوا، فَغَلَبَتْهُمْ أَعْيُنُهُمْ حَتَّى ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ مِنْ مَنَامِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ لَا يُوقَظُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ مَنَامِهِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، فَاسْتَيْقَظَ عُمَرُ، فَقَعَدَ أبَو بَكْرٍ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَجَعَلَ يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ، حَتَّى اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَنَزَلَ وَصَلَّى بِنَا الْغَدَاةَ، فَاعْتَزَلَ رَجُلٌ مِنَ الْقوْمِ لَمْ يُصَلِّ مَعَنَا، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قالَ: "يَا فُلَانُ! مَا يَمنَعُكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَنَا؟ ". قَالَ: أَصَابتنِي جَنَابَةٌ. فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ بِالصَّعِيدِ، ثُمَّ صَلَّى، وَجَعَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - في ركُوبٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَدْ عَطِشْنَا عَطَشًا شَدِيدًا، فَبَيْنَمَا نَحْنُ نسِيرُ، إِذَا نحنُ بِامْرَأَةٍ سَادِلَةٍ رِجْلَيْهَا بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ، فَقُلْنَا لَهَا: أَيْنَ الْمَاءُ؟ فَقَالَتْ: إِنَّهُ لَا مَاءَ. فَقُلْنَا: كَمْ بَيْنَ أَهْلِكِ وَبَيْنَ الْمَاءِ؟ قَالَتْ: يَوْم وَلَيْلَة. فَقُلْنَا: انْطَلِقِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَتْ: وَمَا رَسُولُ اللَّهِ؟ فَلَمْ نُمَلِّكْهَا مِنْ أَمْرِهَا حَتَّى اسْتَقْبَلْنَا بِهَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَحَدَّثتهُ بِمِثْلِ الَّذِي حَدَّثتنَا، غَيْرَ أَنَّهَا حَدَّثتهُ أَنَّهَا مُؤْتمَة، فَأمَرَ بِمَزَادَتَيْهَا، فَمَسَحَ فِي الْعَزْلَاوَيْنِ، فَشَرِبْنَا عِطَاشًا أَرْبَعِينَ رَجُلًا حَتَّى رَوِينَا، فَمَلأْنَا كُلَّ قِرْبَةٍ مَعَنَا وَإِداوَةٍ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ نسقِ بَعِيرًا، وَهْيَ تَكَادُ تَنِضُّ مِنَ الْمِاءِ، ثمَّ قَالَ: "هَاتُوا مَا عِنْدكمْ"، فَجُمِعَ لَهَا مِنَ الْكِسَرِ وَالتَّمْرِ، حَتَّى أتتْ أَهْلَهَا، قَالَتْ: لَقِيتُ أَسْحَرَ النَّاسِ، أَوْ هُوَ نبَيٌّ كَمَا زَعَمُوا، فَهَدَى اللَّهُ ذَاكَ الصِّرْمَ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ، فَأَسْلَمَتْ وَأَسْلَمُوا.

(وكان لا يوقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من منامه): إنما ذلك؛ لما عسى أن يحدث (¬1) له فيه من (¬2) الوحي. (فقعد أبو بكر عند رأسه، فجعل يكبر ويرفع صوته): ظاهره أن المكبر الرافع صوته هو (¬3) أبو بكر، لكن رواه مسلم، وفيه: أن الذي كبر ورفع صوته عمر، لا أبو بكر، وكذلك (¬4) رواه البخاري في التيمم (¬5). (وجعلني النبي - صلى الله عليه وسلم - في ركوب بين يديه): كذا وقع: وجعلني؛ من الجعل، قيل: وصوابه: "عَجَّلَني"؛ أي: أمرني بالعَجلة، وكذا رواه مسلم (¬6): "ثم عجلني في ركب (¬7) بين يديه نطلبُ الماءَ وقد عَطِشْنا" (¬8). والركوب: -بفتح الراء-: هو تذكير رَكوبة؛ وهو ما يُركب من الدواب، فعول بمعنى مفعول. وقيل: صوابه بضم الراء، جمع راكب؛ كشاهد وشُهود (¬9). قلت: لا وجه للتخطئة في الموضعين، فتأمله. ¬

_ (¬1) "يحدث" ليست في "ج". (¬2) في "ع": "سنين". (¬3) في "ع": "وهو". (¬4) في "ج": "وكذا". (¬5) رواه البخاري (344)، ومسلم (682) عن عمران بن حصين - رضي الله عنه -. (¬6) في "ج": "رواه البخاري". (¬7) في "ج": "في ركوب". (¬8) رواه مسلم (682) عن عمران بن حصين - رضي الله عنه -. (¬9) انظر: "التنقيح" (2/ 765).

(مؤتمة): أي: ذاتُ أيتام. (غير أنه لم يَسْقِ (¬1) بعيرًا): وذلك لأن الإبل تصبر (¬2) عن (¬3) الماء. (وهي تكاد تنض): أي: تنشق فيخرج منها الماء؛ لشدة امتلائها، يقال: نَضَّ الماءُ من العين -بنون وضاد معجمة-: إذا نبعَ، وكذلك العَرَقُ، كذلك فسره الخطابي (¬4). ويروى: "تبض" -بموحدة وضاد معجمة-؛ أي: تَقْطُر وتسيلُ قليلًا (¬5). وذكروا فيه روايات (¬6) كثيرة لم أتحقق كونها في البخاري، فلذلك أضربتُ عنها (¬7). * * * 1914 - (3572) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنس - رضي الله عنه -، قَالَ: أتيَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - بِإِنَاءٍ وَهْوَ بالزَّوْرَاءِ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الإنَاءِ، فَجَعَلَ الْمَاءُ يَنْبع مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، فتَوَضَّأَ الْقَوْمُ. قَالَ قتادَةُ: قُلْتُ لأَنس: كَمْ كنْتُمْ؟ قَالَ: ثَلَاثَ مِئَةٍ، أَوْ زُهَاءَ ثَلاثِ مِئَةٍ. ¬

_ (¬1) نص البخاري: "نَسْقِ". (¬2) في "ع" و"ج": "تسير". (¬3) في "ج": "على". (¬4) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 1595). (¬5) انظر: "التوضيح" (20/ 170). (¬6) في "ع": "الروايات". (¬7) انظر: "التنقيح" (2/ 765).

(وهو بالزوراء): موضع بالمدينة. (ينبع): بضم الباء وفتحها. (أو زُهاء): -بضم الزاي والمد-؛ أي: قَدْرَ. * * * 1915 - (3576) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبدُ العَزِيز بْنُ مُسلِم، حَدثَنَا حُصَيْن، عَن سالِم بْن أَبِي الْجَعدِ، عَن جَابِر بْنِ عبد الله -رَضِيَ الله عنهما-، قَآلَ: عَطِشَ الناسُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَالنَّبي - صلى الله عليه وسلم - بين يَدَيْهِ ركوَة، فَتوَضَّأَ، فَجَهَشَ الناسُ نَحْوَهُ، فَقَالَ: "مَا لكم؟ "، قَالُوا: لَيْس عِنْدَنَا مَاء نَتَوَضَّأُ وَلَا نشرب إِلَّا مَا بَيْنَ يَدَيْكَ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الركوَةِ، فَجَعَلَ الْمَاءُ يَثُورُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ كأَمْثَالِ الْعُيُونِ، فَشَرِبْنَا وَتَوَضأْنَا. قُلْتُ: كم كنْتُم؟ قَالَ: لَو كنَا مِئَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا، كنَا خَمْس عَشرة مِئَةً. (فجهش الناس): -بفتح الجيم والهاء-؛ أي: أسرعوا إلى الماء متهيئين لأخذه. (كنا خمسَ عشرةَ مئة): قال الزركشي: ذُكر هذا لابن المسيب، فقال: وَهِمَ -رحمه الله-، حدثني أنهم كانوا أربعَ عشرةَ مئة، وعلى هذا مالكٌ، وأكثرُ الرواة، وقيل: كانوا ثلاث عشرة مئة، وكان عام الحديبية سنة ستٍّ (¬1). * * * 1916 - (3578) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْن يُوسفَ، أَخبَرنَا مَالِك، عَن إِسْحَاقَ بن عَبْدِ اللَّهِ بنِ أَبِي: أَنه سمعَ أَنس بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ أَبُو ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 766).

طَلْحَةَ لأُمِّ سُلَيْمٍ: لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ضَعِيفًا، أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ، فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ، ثُمَّ أَخْرَجَتْ خِمَارًا لَهَا، فَلَفَّتِ الْخُبْزَ بِبَعْضِهِ، ثُمَّ دَسَّتْهُ تَحْتَ يَدِي، وَلَاثَتْنِي بِبَعْضِهِ، ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَ: فَذَهَبْتُ بِهِ، فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَسْجدِ، وَمَعَهُ النَّاسُ، فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ لِي رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "آرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ؟ "، فَقُلْتُ: نعمْ. قَالَ: "بِطَعَامٍ". فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِمَنْ مَعَهُ: "قُومُوا". فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ، فَأَخْبَرْتُهُ. فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ! قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالنَّاسِ، وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نُطْعِمُهُمْ. فَقَالَت: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو طَلْحَةَ مَعَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هَلُمِّي يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا عِنْدَكِ". فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَفُتَّ، وَعَصَرَتْ أُمُّ سُلَيْمِ عُكَّةً فَأَدَمَتْهُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيهِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ قَالَ: "ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ". فَأَذِنَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: "ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ". فَأَذِنَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: "ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ". فَأَذِنَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: "ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ". فَأَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا، وَالْقَوْمُ سَبْعُونَ -أَوْ ثَمَانُونَ- رَجُلًا. (ولاثتني ببعضه): أي: لفَّتني ببعض خمارها الذي لَفَّتِ الخبزَ ببعضه. (آرسلك أبو طلحة؟): بهمزة ممدودة على الاستفهام. (هلمَّ يا أُمَّ سُليم): هَلُمَّ: -بميم مفتوحة مشددة- مع أن الخطاب لمؤنث،

وهذه لغة أهل الحجاز، يستوي فيها المذكر والمؤنث، والمفرد وغيره. تقول: هلمَّ يا زيدُ، ويا هندُ، ويا زيدانِ، ويا هندانِ، ويا رجالُ، ويا نساء. ولغة غيرهم إجراؤه على حسب حالِ المخاطب، فتقول: هلمي يا هندُ، وكذا رواه أبو ذر هنا: "هَلُمِّي يا أم سليم": بإثبات الياء (¬1). (عُكَّة): -بضم العين-: وعاء السمن. (فَأدَمتَهْ): أي: أصلحته بالإدام. * * * 1917 - (3579) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُنَّا نَعُدُّ الآيَاتِ بَرَكَةً، وَأَنْتُمْ تَعُدُّونها تَخْوِيفًا، كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، فَقَلَّ الْمَاءُ، فَقَالَ: "اطْلُبُوا فَضْلَةً مِنْ مَاءٍ". فَجَاؤُوا بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ، ثُمَّ قَالَ: "حَيَّ عَلَى الطَّهُورِ الْمُبَارَكِ، وَالْبَرَكَةُ مِنَ اللَّهِ"، فَلَقَدْ رَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَقَدْ كنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَهْوَ يُؤْكَلُ. (حَيَّ على الطَّهور المباركِ): أي: أقبلوا؛ مثل: حَيَّ على الصلاة، والطَّهور: بفتح الطاء. وفيه: استعمالُ الطهور للطاهر غير المطهر، والمبارك: الذي أمدَّه الله ببركة نبيه. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 767).

1918 - (3581) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ: أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ -رَضِي الله عَنْهُما-: أَنَّ أَصحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا أُنَاسًا فُقَرَاءَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ مَرَّةً: "مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ، فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ أَرْبَعَةٍ، فَلْيَذْهَبْ بِخَامِسٍ أَوْ سَادِسٍ". أَوْ كَمَا قَالَ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ بِثَلَاثَةٍ، وَانْطَلَقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بعَشَرَةٍ، وَأَبُو بَكْرٍ وَثَلَاثَةً، قَالَ: فَهْوَ أَنَا وَأَبي وَأُمِّي -وَلَا أَدْرِي هَلْ قَالَ: امْرَأَتِي وَخَادِمِي- بَيْنَ بَيْتِنَا وَبَيْنَ بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ تَعَشَّى عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ لَبِثَ حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ، ثُمَّ رَجَعَ فَلَبِثَ حَتَّى تَعَشَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَاءَ بَعْدَ مَا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ، قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: مَا حَبَسَكَ عَنْ أَضْيَافِكَ، أَوْ ضَيْفِكَ؟ قَالَ: أَوَ عَشَّيْتِهِمْ؟ قَالَتْ: أَبَوْا حَتَّى تَجِيءَ، قَدْ عَرَضُوا عَلَيْهِمْ، فَغَلَبُوهُمْ، فَذَهَبْتُ فَاخْتَبَأْتُ، فَقَالَ: يَا غُنثَرُ! فَجَدَّعَ وَسَبَّ، وَقَالَ: كُلُوا، وَقَالَ: لَا أَطْعَمُهُ أَبَدًا. قَالَ: وَايْمُ اللَّهِ! مَا كنَّا نَأْخُذُ مِنَ اللُّقْمَةِ إِلَّا رَبَا مِنْ أَسْفَلِهَا أَكْثَرُ مِنْهَا حَتَّى شَبِعُوا، وَصَارَتْ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَتْ قَبْل، فَنَظَرَ أَبُو بَكْرٍ، فَإِذَا شَيْءٌ أَوْ أَكْثَرُ، قَالَ لاِمْرَأَتِهِ: يَا أُخْتَ بَنِي فِرَاسٍ! قَالَتْ: لَا وَقُرَّةِ عَيْنِي، لَهْيَ الآنَ أَكْثَرُ مِمَّا قَبْلُ بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ. فَأَكَلَ مِنْهَا أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ الشَّيْطَانُ -يَعْنِي: يَمِينَهُ-، ثُمَّ أَكَلَ مِنْهَا لُقْمَةً، ثُمَّ حَمَلَهَا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ. وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ، فَمَضَى الأَجَلُ، فَتَفَرَّقْنَا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنهُمْ أُنَاسٌ. اللَّهُ أَعْلَمُ كَمْ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ، غَيْرَ أَنَّهُ بَعَثَ مَعَهُمْ، قَالَ: أَكَلُوا مِنْهَا أَجْمَعُونَ. أَوْ كَمَا قَالَ.

(فتفرقنا): من التفرُّق، ويروى: "فتعَرَّفْنا" من العِرافَة (¬1). * * * 1919 - (3584) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى شَجَرَةٍ أَوْ نَخْلَةٍ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ -أَوْ رَجُلٌ-: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَلَا نَجْعَلُ لَكَ مِنْبَرًا؟ قَالَ: "إِنْ شِئْتُمْ". فَجَعَلُوا لَهُ مِنْبَرًا، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، دُفِعَ إِلَى الْمِنْبَرِ، فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ صِيَاحَ الصَّبِيِّ، ثُمَّ نَزَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَضَمَّهُ إِلَيْهِ، تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيَّ يُسَكَّنُ، قَالَ: "كَانَتْ تَبْكِي عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ عِنْدَهَا". (ألا نجعل لك منبرًا؟): تقدم الخلافُ فيمن عَمِلَه. وقيل: إن اتخاذه كان في سنة سبع، وقيل: سنة ثمان (¬2). * * * 1920 - (3586) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ. حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيمَانَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ يُحَدِّثُ عَنْ حُذَيْفَةَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْفِتنَةِ؟ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَنَا أَحْفَظُ كَمَا قَالَ. قَالَ: هَاتِ إِنَّكَ لَجَرِيءٌ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 767). (¬2) المرجع السابق، الموضع نفسه.

أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ". قَالَ: لَيْسَتْ هَذِهِ، وَلَكِنِ الَّتِي تَمُوجُ كمَوْجِ الْبَحْرِ. قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! لَا بَأْسَ عَلَيْكَ مِنْهَا، إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا. قَالَ: يُفْتَحُ الْبَابُ أَوْ يُكْسَرُ؟ قَالَ: لَا بَلْ يُكْسَرُ. قَالَ: ذَاكَ أَحْرَى أَنْ لَا يُغْلَقَ. قُلْنَا: عَلِمَ الْبَابَ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَمَا أَنَّ دُونَ غَدٍ اللَّيْلَةَ، إِنَّي حَدَّثْتُهُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ. فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَهُ، وَأَمَرْنَا مَسْرُوقًا، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: مَنِ الْبَابُ؟ قَالَ: عُمَرُ. (فقال (¬1): من الباب (¬2)؟ قال: عمر): قال الزركشي: في تفسير حذيفةَ البابَ بعمرَ إشكال؛ فإن الواقع في الوجود يشهد أن الأَوْلى بذلك الباب أن يكون عثمانَ؛ لأن قتلَه هو السببُ الذي فَرَّقَ كلمةَ الناس، وأوقع (¬3) بينهم تلك الحروبَ العظيمة، والفتنَ الهائلة (¬4). قلت: لا خفاء أن مبدأ الفتنة هو قتلُ عمر [- رضي الله عنه - جهرةً بين ظهراني المسلمين, ثم ازداد الأمرُ بقتل عثمان - رضي الله عنه -] (¬5)، ولا معنى لمنازعة حذيفةَ صاحبِ سِرٍّ (¬6) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أن الباب هو عمر، ولعل ذلك من جملة الأسرار التي ألقاها إليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي قوله: "إني حَدَّثته حديثًا ليس بالأغاليط" إيماءٌ إلى ذلك، فينبغي تلقِّي قوله بالقبول، وإنما ¬

_ (¬1) "فقال" ليست في "ج"، وفي "ع": "قال". (¬2) في "ع": "بالباب". (¬3) في "ج": "ووافق". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 768). (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬6) في "ع" و"ج": "سنة".

يَحْمِلُ على الاعتراض على مثل هؤلاء السادة الجلة إعجابُ المعترض (¬1) برأيه، ورضاه (¬2) عن نفسه، فظنه أنه تَأَهَّلَ للاعتراض حتى على الصحابة، وهو دون ذلك كلِّه. * * * 1921 - (3587) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ، وَحَتَّى تُقَاتِلُوا التُّرْكَ، صِغَارَ الأَعْيُنِ، حُمْرَ الْوُجُوهِ، ذُلْفَ الأُنُوفِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ". (نعالهم الشَّعَر): يعني -والله أعلم-: أنهم يصنعون حِبالًا من الشعر، ثم يصنعون منها نعالًا، وثيابًا يلبسونها (¬3)؛ كما قد (¬4) جاء في رواية مسلم: "يلبسون الشعر" (¬5). * * * 1922 - (3590) - حَدَّثَنِي يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا تَقُومُ ¬

_ (¬1) في "ع": "المعرض". (¬2) "رضاه" ليست في "م". (¬3) في "م": "يلبسون بها". (¬4) "كما قد" ليست في "ج" و"قد" ليست في "ع". (¬5) رواه مسلم (2912) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.

السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا خُوزًا وَكَرْمَانَ مِنَ الأَعَاجِم، حُمْرَ الْوُجُوهِ، فُطْسَ الأُنُوفِ، صِغَارَ الأَعْيُنِ، وُجُوهُهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ، نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ". (حتى تقاتلوا خُوزًا وكرمان): خوزًا (¬1): -بضم الخاء المعجمة (¬2) وبالزاي-، وكِرمان: -بكسر الكاف- معطوف على خوز، وهما بلدان معروفان بالشرق (¬3). قال ابن دحية: قيدنا خوزًا (¬4) في البخاري بالزاي. وقيده الجرجاني: خور كرمان -بالراء المهملة- مضافًا إلى كرمان، وصوبه الدارقطني بالراء مع الإضافة، وحكاه عن الإمام أحمد بن حنبل، ونسب بعضهم هذا إلى التصحيف، وقيل: إذا أضيف، فبالمهملة لا غير، وإذا عطفته، بالزاي لا غير (¬5). قال مغلطاي: وهما جيشان من الترك، وكان أوَّل خروج هذا الجيش متغلبًا في جمادى الأولى (¬6) سنة سبع عشرة وست مئة، فعاثوا في البلاد، وأظهروا في الأرض الفساد، وخرّبوا جميع المدائن حتّى بغداد، وربطوا خيولهم إلى سواري الجامع كما في الحديث، وعبروا الفرات، وملكوا أرض الشَّام في مدَّة يسيرة، وعزموا على دخولهم مصر، فخرج إليهم ¬

_ (¬1) "خوزًا" ليست في "ع" و"ج". (¬2) "المعجمة" ليست في "ع". (¬3) في "ع": "بالمشرق". (¬4) في "ع": "خوازًا". (¬5) انظر: "التوضيح" (20/ 179 - 180). (¬6) في "ع" و"ج": "الأول".

ملكها قُطُز المظفّر، فالتقوا بعين جالوت، فكان له عليهم من النصر والظفر كما كان لطالوت (¬1)، فانجلوا عن الشام منهزمين، ورأوا (¬2) ما لم يشاهدوا (¬3) منذ زمان ولا حين، وراحوا خائبين خاسرين، أذلاءَ صاغرين، والحمد لله رب العالمين. ثم إنهم في سنة ثمان وتسعين ملكَ عليهم رجلٌ يسمى محمود غازان (¬4)، يزعم أنه من أهل الإيمان، ملكَ جملةً من بلاد الشام، وعاثَ جيشُه فيها عيثَ عُبَّادِ الأصنام، فخرج إليهم الملكُ الناصرُ محمد، فكسرهم كسرًا ليس معه انجبار، وتفلل (¬5) جيش التتار (¬6)، وذهب معظمهم إلى النار وبئسَ القرار. * * * 1923 - (3591) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: قَالَ إِسْمَاعِيلُ: أَخْبَرَنِي قَيْسٌ، قَالَ: أَتَيْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، فَقَالَ: صحبت رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَلَاثَ سِنِينَ، لَمْ أَكُنْ فِي سِنِيَّ أَحْرَصَ عَلَى أَنْ أَعِيَ الْحَدِيثَ مِنِّي فِيهِنَّ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ، وَقَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ: "بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ، وَهُوَ هَذَا الْبَارِزُ". وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: ¬

_ (¬1) في "ع": "لجالوت". (¬2) في "ع": "وراء". (¬3) في "ج": "ورأوا ما شاهدوا". (¬4) في "ع": "غادان". (¬5) في "ع" و"ج": "وتقلقل". (¬6) في "ع" و"ج": "التناد".

وَهُمْ أَهْلُ الْبَازَرِ. (وهو هذا البارز، وقال سفيان مرة: وهم أهل (¬1) البازَر): قيده الأصيلي بتقديم الزاي وفتحها في الموضعين، ووافقه ابنُ السكن وغيرُه، إلا أنهم ضبطوه بكسر الراء. قال القابسي: يعني: البارزين لقتال أهل الإسلام؛ أي: الظاهرين في بَراز من الأرض. وقيده أبو ذر في اللفظ: بتقديم الزاي على الراء وفتحها (¬2). * * * 1924 - (3593) - حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "تُقَاتِلُكُمُ الْيَهُودُ، فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ حتَّى يَقُول الْحَجَرُ: يَا مُسْلِمُ! هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ". (حتى يقول الحجر: يا مسلم! هذا يهودي ورائي فاقتله): هذا في زمان عيسى -عليه الصلاة والسلام-. * * * 1925 - (3595) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ، أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، أَخْبَرَنَا سَعْدٌ الطَّائِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ¬

_ (¬1) في "ع": "من أهل". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 768 - 769).

حَاتِمٍ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ، فَشَكَا إِلَيْهِ الْفَاقةَ، ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ، فَشَكَا قَطْعَ السَّبِيلِ. فَقَالَ: "يَا عَدِيُّ! هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ؟ "، قُلْتُ: لَمْ أَرَهَا، وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا. قَالَ: "فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ، لتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ، حَتَى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ، لَا تَخَافُ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ" -قُلْتُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي: فَأَيْنَ دُعَّارُ طَيِّئٍ الَّذِينَ قَدْ سَعَّرُوا الْبِلَادَ؟ "وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ، لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى". قُلْتُ: كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ؟ قَالَ: "كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ، لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مِلْءَ كفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ، فَلَا يَجدُ أَحَدًا يَقْبَلُهُ مِنْهُ، وَلَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ يَلْقَاهُ، وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ. فَيَقُولَنَّ: أَلَمْ أَبْعَثْ إِلَيْكَ رَسُولًا فَيُبَلِّغَكَ؟ فَيَقُولُ: بَلَى، فَيَقُولُ: أَلَمْ أُعْطِكَ مَالًا، وَأُفْضِلْ عَلَيْكَ؟ فَيَقُولُ: بَلَى. فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا جَهَنَّمَ، وَيَنْظُرُ عَنْ يَسَارِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا جَهَنَّمَ". قَالَ عَدِيٌّ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقَةِ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجدْ شِقَّةَ تَمْرَةٍ، فَبِكَلِمَةٍ طَيَّبَةٍ". قَالَ عَدِيٌّ: فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ، لَا تَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، وَكُنْتُ فِيمَنِ افْتَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكُمْ حَيَاةٌ، لَتَرَوُنَّ مَا قَالَ النَّبِيُّ أَبُو الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -: "يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ". (لترَيَن الظعينة): أي: المرأة؛ استعارة من اسم هَوْدَجها. (ترتحل من الحِيرة): -بكسر الحاء المهملة-: مدينة النُّعمان، معروفة من بلاد العراق. (فأين دُعَّار طَيِّئٍ): -بالدال والعين المهملتين- جمع داعِر، وهم قطاع الطريق؛ من قولهم: عودٌ داعِرٌ: إذا كان كثيرَ الدخان.

قال الجواليقي: والعامة تقوله بالذّال المعجمة، وإنما هو بالمهملة (¬1). (الذين قد سَعَّروا البلادَ): أي: ملؤوها شرًا وفسادًا، وهو مستعار من استعارِ النار، وهو توقُّدُها والتهابُها. * * * 1926 - (3595) - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، أَخْبَرَنَا سَعْدَانُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُجَاهِدٍ، حَدَّثَنَا مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ: سَمِعْتُ عَدِيًّا: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (مُحِلُّ بنُ خليفة): بميم مضمومة وحاء مهملة مكسورة، وقد مر. * * * 1927 - (3596) - حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ شُرَحْبِيلَ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ أَبي الْخَيْر، عَنْ عُقبَةَ بْنِ عَامِرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ يَوْمًا، فَصلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: "إِنَّي فَرَطُكُمْ، وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ، إِنَّي وَاللَّهِ! لأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الآنَ، وَإِنَّي قَدْ أُعْطِيتُ خَزَائِنَ مَفَاتِيحِ الأَرْضِ، وَإِنَّي وَاللَّهِ! مَا أَخَافُ بَعْدِي أَنْ تُشْرِكُوا، وَلَكِنْ أَخَافُ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا". (ابن شُرَحْبِيل): بشين معجمة مضمومة فراء مفتوحة (¬2) فحاء (¬3) مهملة ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 769). (¬2) "مضمومة فراء مفتوحة" ليست في "ع"، و"فراء مفتوحة" ليست في "ج". (¬3) في "ع" و"ج": "وحاء".

ساكنة فموحدة (¬1) مكسورة فياء تحتية فلام. * * * 1928 - (3598) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ: أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبي سُفْيَانَ حَدَّثَتْهَا، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذَا" -وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ وَبِالَّتِي تَلِيهَا- فَقَالَتْ زَيْنَبُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: "نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ". (قال: نعم إذا كثر الخبث): قال ابن عبد البر: أي: أولاد الزّنا (¬2). وقال غيره (¬3): الزنا نفسه، وإسناد هذا الحديث من سباعيات البخاري (¬4). * * * 1929 - (3600) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِي - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ لِي: إِنَّي أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ، وَتَتَّخِذُهَا، فَأَصْلِحْهَا، وَأَصْلِحْ رُغَامَهَا؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: ¬

_ (¬1) "ساكنة فموحدة" ليست في "ع" و"ج". (¬2) انظر: "التمهيد" (9/ 106). (¬3) في "ع": "غير". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 770).

"يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ تَكُونُ الْغَنَمُ فِيهِ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ، يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ -أَوْ سَعَفَ الْجِبَالِ- فِي مَوَاقِعِ الْقَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ". (وأصلحْ رُغامَها): -براء مضمومة وغين معجمة-: ما يسيل من أُنوفها. (شَعَف الجبال): -بشين معجمة وعين مهملة مفتوحتين-: أعالي الجبال. (أو سعف الجبال): -بسين مهملة- والسَّعَف: جرائدُ النخل، ولا معنى له هنا (¬1). * * * 1930 - (3601) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الأُويْسِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، وَأَبي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "سَتَكُونُ فِتَنٌ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، وَمَنْ يُشْرِفْ لَهَا، تَسْتَشْرِفْهُ، وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا، فَلْيَعُذْ بِهِ". (من يُشرِف): -بضم الياء وكسر (¬2) الراء- فعل مضارع من الإشراف. ويروى: "تَشَرَّفَ (¬3) " -بمثناة فوقية وتشديد الراء- فعلٌ ماض من التشرُّف (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 770). (¬2) في "ج": "وكسرها". (¬3) في "ع": "شرف"، وانظر: "التنقيح" (2/ 770). (¬4) في "ع": "التشوف".

(لها تستشرفْه): أي: من رفعَ لها (¬1) رأسَه، وتطلَّعَ إليها، طالعتْه بشرِّها. * * * 1931 - (3603) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "سَتَكُونُ أَثَرَةٌ، وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: "تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ". (ستكون أُثْرَة): -بضم الهمزة وسكون الثاء المثلثة-؛ أي: شِدَّة. * * * 1932 - (3605) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأُمَوِيُّ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: كنْتُ مَعَ مَرْوَانَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، فَسَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ يَقُولُ: "هَلَاكُ أُمَّتِي عَلَى يَدَيْ غِلْمَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ". فَقَالَ مَرْوَانُ: غِلْمَةٌ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنْ شِئْتَ أَنْ أُسَمِّيَهُمْ: بَنِي فُلَانٍ، وَبَنِي فُلَانٍ. (على يدي غِلْمة): -بكسر الغين المعجمة وسكون اللام-: جمعُ غلام. * * * 1933 - (3606) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا الْوَليدُ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ جَابِرٍ, قَالَ: حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي ¬

_ (¬1) "لها" ليست في "ع" و"ج".

أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ: أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ؛ مَخَافَةَ أَن يُدْرِكَنِي. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شرٍّ؟ قَالَ: "نَعَمْ". قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: "نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ". قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: "قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ". قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرّ؟ قَالَ: "نَعَمْ، دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا، قَذَفُوهُ فِيهَا". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! صِفْهُمْ لَنَا، فَقَالَ: "هُمْ مِن جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا". قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: "تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ". قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلا إِمَامٌ؟ قَالَ: "فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ". (بُسر بن عبيد الله) بموحدة مضمومة وسين مهملة (¬1). (وفيه دَخَن): -بفتحتين-؛ أي: كَدَر، فهو (¬2) غيرُ (¬3) صافٍ، ولا خالصٍ، وأصلُه من الدخان. (من (¬4) جِلدتنا): -بكسر الجيم-: من أنفسنا، والجلد: غشاء البدن، وإنما أراد به العربَ. ¬

_ (¬1) "مهملة" ليست في "ع". (¬2) "فهو" ليست في "ع". (¬3) "فهو غير" ليست في "ج". (¬4) "من" ليست في "ع" و"ج".

(إن لم يكن لهم جماعة ولا إمام): أي: إن لم يكن لهم إمام يجتمعون على طاعته. (فاعتزل تلك الفرق كلها): ولهذا (¬1) لم يبايع ابنُ عمر حين مات عثمان حتى سلم (¬2) الأمر إلى معاوية، ثم لما مات يزيد، تخلف عن البيعة حتى انفرد عبدُ الملك بالأمر. (ولو أن تعَض): بفتح العين، وتضم في لغة. * * * 1934 - (3610) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ, عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ - رضي الله عنه - قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ يَقْسِمُ قَسْمًا، أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ -وَهْوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ-، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! اعْدِلْ. فَقَالَ: "وَيْلَكَ! وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ؟ قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ". فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ائْذَنْ لِي فِيهِ، فَأَضْربَ عُنُقَهُ. فَقَالَ. "دَعْهُ؛ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا، يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدَّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ، فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ، فَمَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى نضِيَّهِ -وَهْوَ قِدْحُهُ-، فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى قُذَذِهِ، فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ، آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ ¬

_ (¬1) في "ج": "وهذا". (¬2) في "ج": "أسلم".

إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ، أَوْ مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ، وَيَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَشْهَدُ أَني سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبي طَالِبٍ قَاتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ، فَأَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ، فَالْتُمِسَ، فَأُتِيَ بِهِ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهِ عَلَى نَعْتِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الَّذِي نَعَتَهُ. (لا يجاوز تَراقيهم): أي: لا يُرفع إلى الله منه شيءٌ؛ لعلمه باعتقادهم، والتراقي: جمع تَرْقُوَة على زنة فَعْلُوَة، وهي عظمٌ واصل ما بين ثغرة النحر والعاتق. (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرَّمِيَّة): المروق: سرعةُ نفوذِ السهم من الرمية حتى تخرج من الطرف الآخر، والدِّين هنا: طاعةُ الأئمة، أو (¬1) الإيمان، والرميَّة: ما يُرمى من الصيد. (ثم ينظر إلى رِصافه): -براء مكسورة-، حكى فيها السفاقسي: الضم وصاد مهملة: هي العقب التي (¬2) تكون فوق مدخل النصل في السهم (¬3)، واحدها رَصَفَة (¬4). (ثم ينظر إلى نَضِيِّه): -بفتح النون-، وحكى السفاقسي أيضًا: الضم بعدها ضاد معجمة: عودُ السهم قبل أن يُرَيَّشَ ويُنَصَّل، سُمي به؛ لكثرة البَرْي والنحت، كأنه جُعل نِضْوًا؛ أي: هزيلًا (¬5). ¬

_ (¬1) في "ع": "و". (¬2) في "م": "الذي". (¬3) في "ج": "مدخل السهم في النصل". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 771). (¬5) المرجع السابق، (2/ 772).

(ثم ينظر إلى قُذَذِه): -بذالين معجمتين-: جمع قُذَّة، وهي الريش الذي على السهم. (قد سبق الفرثَ والدمَ): الفرث: ما يجتمع في الكرش؛ أي: مر سريعًا في الرمية، وخرج منها، لم يتعلق منها بشيء من فرثها ودمها؛ لسرعته، شبه بذلك خروجهم من الدين، ولم يحصلوا منه على (¬1) شيء (¬2) أَلبتة (¬3). (آيتهم رجل أسودُ إحدى عضديه مثلُ ثدي المرأة): اسمُ المخدَج (¬4) هذا: نافع، قاله النووي في "مبهماته" عن الخطيب في حديثٍ عن علي - رضي الله عنه -. وفي "مرآة الزمان": اسمه: بُلْبُول، قال: وقال هشام (¬5): هو ذو الخُوَيْصِرَة. (أو مثلُ البَضْعَة تَدَرْدَرُ): البَضعَة: -بفتح الباء (¬6) -: القطعة من اللحم، وتَدَرْدَرُ: -بفتح أوله وثانيه ودالاه مهملتان-: أصله تتدردر؛ أي: تتحرك وتجيء وتذهب، فحذفت إحدى التاءين تخفيفًا، والتَّدَرْدُرُ: حكاية صوتِ الماء في بطون الأودية إذا اندفع (¬7). ¬

_ (¬1) "على" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "بشيء". (¬3) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬4) في "ع" و"ج": "المخدع". (¬5) في "ج": "وقال ابن هشام". (¬6) في "ع": "الباء الموحدة". (¬7) انظر: "التنقيح" (2/ 772).

1935 - (3611) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ - رضي الله عنه -: إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكْذِبَ عَلَيْهِ، وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، فَإِنَّ الْحَرْبَ خَدْعَةٌ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ، فَاقْتُلُوهُمْ؛ فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". (عن سُويد بن غَفَلَة، قال: قال عليٌّ): حكي عن (¬1) الدارقطني أنه قال: ليس لسويد بن غفلةَ عن علي صحيحٌ مرفوعٌ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - غيرُ هذا (¬2). (يقولون من خير قول البرية): أي: يحسنون القول ويسيئون العمل. (لا يجاوز إيمانهم حناجرَهم): دليل على أنهم غير مؤمنين؛ لأن الإيمان محلُّه القلب. * * * 1936 - (3612) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ، عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ، قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا؟ أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ قَالَ: "كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ ¬

_ (¬1) "عن" ليست في "ع". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 772).

فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ، فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ! لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعجِلُونَ". (فيجاء بالمنشار): -بالنون وبالهمزة-، تقول: نَشَرْتُ الخشبة، وأَشَرْتُها. * * * 1937 - (3613) - حَدَّثَنَا عَلِي بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَنْبَأَنِي مُوسَى بْنُ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - افْتَقَدَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَنَا أَعْلَمُ لَكَ عِلْمَهُ. فَأَتَاهُ فَوَجَدَهُ جَالِسًا فِي بَيْتِهِ مُنَكِّسًا رَأْسَهُ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: شَرٌّ، كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -، فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ، وَهْوَ مِن أَهْلِ النَّارِ. فَأَتَى الرَّجُلُ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ مُوسىَ بْنُ أَنَسٍ: فَرَجَعَ الْمَرَّةَ الآخِرَةَ بِبِشَارَةٍ عَظِيمَةٍ، فَقَالَ: "اذْهَبْ إِلَيهِ فَقُلْ لَهُ: إِنَّكَ لَسْتَ مِن أَهْلِ النَّارِ، وَلَكِنْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ". (فقال رجل: يا رسول الله): الرجل هو سعدُ بنُ معاذ، ذكره القاضي إسماعيل في "أحكامه". وقيل: عاصم بن عدي (¬1) العجلاني، ذكره الطبري. ¬

_ (¬1) في "ج": "ابن علي".

وقيل: أبو مسعود البدري (¬1)، ذكره الواقدي، قال ذلك كلَّه ابنُ بشكوال (¬2). وما حكاه عن القاضي إسماعيل هو في "صحيح مسلم" في أثناء كتاب: الإيمان، عن أنس بن مالك، ولفظه: لما نزلت هذه الآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: 2]، جلس ثابتٌ في بيته، فقال: أنا من أهل النار، واحتبسَ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - سعدَ بنَ مُعاذ، فقال: "يا أبا عمر! ما شَأْنُ ثابِتٍ؟ أَشْتَكَى؟ "، قال سعدٌ: إنه لجاري، وما علمتُ له شكوى، الحديث (¬3). واعتُرض على ذلك بأن في البخاري: عن ابن (¬4) أبي مليكة، عن الزبير: أن الآية نازلةٌ في وفد (¬5) تميم، لما اختلف أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- في تأمير [الأقرع بنِ حابسٍ، أو القعقاعِ بنِ معبدٍ، وقدومُ وفدِ تميم] (¬6) في سنة تسع، وموتُ سعدِ بنِ معاذ في سنة خمس بعدَ قريظةَ، وهذا موضع مشكل، ووجه الجمع أن يقال: تبين من رواية ابن جريج عن ابن أبي مليكة: أن النازل (¬7) في وفد بني تميم إنما هو أول السورة: [{يَاأَيُّهَا ¬

_ (¬1) في "ج": "أبو مسعود الترمذي". (¬2) انظر: "غوامض الأسماء المبهمة" (2/ 669). (¬3) رواه مسلم (119). (¬4) "ابن" ليست في "م" و"ع". (¬5) "وفد" ليست في "ع" و"ج". (¬6) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬7) في "ع": "النازلة".

الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: 1]. وأما آية: {لَا تَرْفَعُوا} [الحجرات: 2]، فنزلت مقدمًا على ذلك قبلَ موت سعدِ بنِ معاذ، وتؤوَّلُ رواية نافع بن عمر (¬1) الجمحي، عن ابن أبي مليكة (¬2) على معنى: نزل أولُ السورة التي فيها (¬3)]: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: 2]، وفي هذه السورة ما نزل قبل إسلام عبد الله بن أُبي، وهو قوله (¬4) تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9]؛ فإن الاقتتال كان بسبب تفضيل حمار النبي - صلى الله عليه وسلم - على عبد الله بن أُبي، وقد ذكر البخاري ذلك فى الصلح، في ضمن حديث أنس، وفي آخره: فبلغنا (¬5) أنها أنزلت: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9]، وهو في "مسلم"، في المغازي (¬6). * * * 1938 - (3614) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبي إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: قَرَأَ رَجُلٌ الْكَهْفَ، وَفِي الدَّارِ الدَّابَّةُ، فَجَعَلَتْ تَنْفِرُ، فَسَلَّمَ، فَإِذَا ضَبَابَةٌ -أَوْ سَحَابَةٌ- غَشِيَتْهُ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "اقْرَأْ فُلَانُ؛ فَإِنَّهَا السَّكِينَةُ ¬

_ (¬1) في "ع": "عن ابن عمر". (¬2) رواه البخاري (4564). (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬4) في "ع": "وقوله". (¬5) في "ج": "بلغنا". (¬6) رواه مسلم (1799) عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -.

نَزَلَتْ لِلْقُرْآنِ، أَوْ تَنَزَّلَتْ لِلْقُرْآنِ". (قرأ رجل الكهف): هو أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ. (فإذا ضبابة): هي قريب (¬1) من السحابة، وهو الغمام الذي لا مطر فيه. (فإنها السكينة): قيل: هي ريح هَفَّافة، ولها وجه، وقيل: يريد الملائكةَ وعليهم السكينةُ (¬2). * * * 1939 - (3615) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَزِيدَ ابْنِ إِبْرَاهِيمَ أَبُو الْحَسَنِ الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ: جَاءَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - إِلَى أَبِي فِي مَنْزِلِهِ، فَاشْتَرَى مِنْهُ رَحْلًا، فَقَالَ لِعَازِبٍ: ابْعَثِ ابْنَكَ يَحْمِلْهُ مَعِي. قَالَ فَحَمَلْتُهُ مَعَهُ، وَخَرَجَ أَبِي يَنْتَقِدُ ثَمَنَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: يَا أَبَا بَكْرٍ! حَدِّثْنِي كَيْفَ صَنَعْتُمَا حِينَ سَرَيْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: نَعَمْ، أَسْرَيْنَا لَيْلَتَنَا، وَمِنَ الْغَدِ حَتَّى قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، وَخَلَا الطَّرِيقُ لَا يَمُرُّ فِيهِ أَحَدٌ، فَرُفِعَتْ لَنَا صَخْرَةٌ طَوِيلَةٌ، لَهَا ظِلٌّ لَمْ تَأْتِ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، فَنَزَلْنَا عِنْدَهُ، وَسَوَّيْتُ لِلنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مَكَانًا بيَدِي يَنَامُ عَلَيْهِ، وَبَسَطْتُ فِيهِ فَرْوَةً، وَقُلْتُ: نَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَنَا أَنْفُضُ لَكَ مَا حَوْلَكَ. فَنَامَ، وَخَرَجْتُ أَنْفُضُ مَا حَوْلَهُ، فَإِذَا أَنَا بِرَاعٍ مُقْبِلٍ بِغَنَمِهِ إِلَى الصَّخْرَةِ يُرِيدُ مِنْهَا مِثْلَ الَّذِي أَرَدْنَا، فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلَامُ؟ فَقَالَ: لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ. قُلْتُ: ¬

_ (¬1) في "ع": "قريبة". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 773).

أَفِي غَنَمِكَ لَبَنٌ؟ قَالَ: نَعَمُ. قُلْتُ: أَفَتَحْلُبُ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَخَذَ شَاةً، فَقُلْتُ: انْفُضِ الضَّرْعَ مِنَ التُّرَابِ وَالشَّعَرِ وَالْقَذَى. قَالَ: فَرَأَيْتُ الْبَرَاءَ يَضْرِبُ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الأُخْرَى يَنْفُضُ، فَحَلَبَ فِي قَعْبٍ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، وَمَعِي إِدَاوَةٌ حَمَلْتُهَا لِلنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَرْتَوِي مِنْهَا، يَشْرَبُ وَيَتَوَضَّأُ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُ، فَوَافَقْتُهُ حِينَ اسْتَيْقَظَ، فَصَبَبْتُ مِنَ الْمَاءِ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَشَرِبَ، حَتَّى رَضِيتُ، ثُمَّ قَالَ: "أَلَمْ يَأْنِ لِلرَّحِيلِ؟ "، قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: فَارْتَحَلْنَا بَعْدَ مَا مَالَتِ الشَّمْسُ، وَاتَّبَعَنَا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ، فَقُلْتُ: أُتِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: "لَا تَحْزَنْ، إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا". فَدَعَا عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَارْتَطَمَتْ بِهِ فَرَسُهُ إِلَى بَطنِهَا -أُرَى فِي جَلَدٍ مِنَ الأَرْضِ، شَكَّ زُهَيْرٌ- فَقَالَ: إِنِّي أُرَاكُمَا قَدْ دَعَوْتُمَا عَلَيَّ، فَادْعُوَا لِي، فَاللَّهُ لَكُمَا أَنْ أَرُدَّ عَنْكُمَا الطَّلَبَ. فَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَنَجَا, فَجَعَلَ لَا يَلقَى أَحَدًا إِلَّا قَالَ: كَفَيْتُكمْ مَا هُنَا. فَلَا يَلْقَى أَحَدًا إِلَّا رَدَّهُ. قَالَ: وَوَفَى لَنَا. (كيف صنعتما حين سريت؟): يقال: سَرَيْتُ وأَسْرَيْتُ، وقد جمع (¬1) بين اللغتين في قول عازب: سَرَيْتُ، وقول الصدِّيق: أَسْرَيْنا. (قائم الظهيرة): شدةُ حرِّها. (فرُفعت لنا صخرةٌ): بانت وظهرت. (وأنا أنفضُ لك ما حولك): أي: أحرسُ وأنظرُ هل أرى عدوًا، يقال: نَفَضْتُ المكان، واستَنْفَضْتُهُ: إذا نظرتُ جميعَ ما فيه. ¬

_ (¬1) في "ع": "اجتمع".

(فقال رجل (¬1) من أهل المدينة أو مكة): قال الزركشي: هذا شك، وقد ثبت في موضع آخر: المدينة، والمراد بها: مكة، وكل بلد تسمى مدينةً، وحينئذ فالمراد: الشكُّ (¬2) في هذا اللفظ، والمراد: مكةُ على كل تقدير. وفي "مسند أحمد": فسماه، فعرفته (¬3)، وهي زيادة حسنة توضح أنه كان صَدِيقًا أو قرابةً له، فلهذا أقدَما على شربِ لبنه، وفيه أقوالٌ أُخر (¬4). قلت: لا يلزم من كونه سماه معرفةُ أن يكون صديقًا ولا قريبًا، فكم من شخصٍ يعرفه الإنسان ولا صداقةَ بينهما، ولا قرابةَ. (والقذى): أصلُه ما يقع في العين. قال الجوهري: أو في الشراب (¬5)، وكأنه شبه (¬6) ما يعلق بالضَّرع من الأوساخ بالقَذَى الذي يسقط في العين أو الشراب، وفي نسخة: "والقَذَر" (¬7)، والذال معجمة فيها. (في قَعْب): هو القدحُ الضخمُ. (كُثْبة): -بضم الكاف وبثاء مثلثة-: هي (¬8) الشيء القليل. ¬

_ (¬1) نص البخاري: "لرجلٍ". (¬2) في "ع": "هنا الشك". (¬3) رواه الإمام أحمد في "المسند" (1/ 2). (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 773). (¬5) انظر: "الصحاح" (6/ 2460)، (مادة: قذى). (¬6) "شبه" ليست في "ع". (¬7) انظر: "التنقيح" (2/ 774). (¬8) "هي" ليست في "ج".

(حتى رضيتُ): أي: طابت نفسي؛ لكثرة ما شربَ. (فارتطمتْ): غاصتْ قوائمُها إلى بطنها. (في جَلَد): -بفتح الجيم واللام-: هو الأرض الصلبةُ المستويةُ المتن، الغليظةُ. (فاللهَ لكما): هو بالنصب، على إسقاط حرف القسم؛ أي: أقسم بالله لكما (¬1)، أو على معنى: فخذا عهدَ الله لكما، فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه. * * * 1940 - (3617) - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ نَصْرَانِيًّا، فَأَسْلَمَ وَقَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، فَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَعَادَ نصرَانِيًّا، فَكَانَ يَقُولُ: مَا يَدْرِي مُحَمَّدٌ إِلَّا مَا كَتَبْتُ لَهُ، فَأَمَاتَهُ اللَّهُ، فَدَفَنُوهُ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ، فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ، نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا. فَأَلْقَوهُ، فَحَفَرُوا لَهُ فَأَعْمَقُوا، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ، فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ. فَأَلْقَوْهُ، فَحَفَرُوا لَهُ، وَأَعْمَقُوا لَهُ فِي الأَرْضِ مَا اسْتَطَاعُوا، فَأَصْبَحَ قَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ، فَأَلْقَوْهُ. (كان رجل نصرانيًا): رواه مسلم في ذكر المنافقين بلفظ: "كَانَ مِنَّا رجلٌ قد قرأَ البقرةَ وآلَ عمرانَ، وكان يكتب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (¬2). ¬

_ (¬1) "لكما" ليست في "ع". (¬2) رواه مسلم (2781) عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -.

[(وقد لفظته الأرض): قال السفاقسي: هو بكسر الفاء؛ أي: طَرَحَتْه ورَمَتْه. وقيل: بفتحها] (¬1)، واختلفت (¬2) الرواية أيضًا في ضبطه هنا. وإنما فعل به ذلك؛ لتقوم الحجة على من رآه، ويدل على صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3). * * * 1941 - (3620) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ أَبي حُسَيْنٍ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَعَلَ يَقُولُ: إِنْ جَعَلَ لِي مُحَمَّدٌ الأَمْرَ مِن بَعْدِهِ، تَبِعْتُهُ. وَقَدِمَهَا فِي بَشَرٍ كثِيرٍ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَمَعَة ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَفِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قِطْعَةُ جَرِيدٍ، حَتَّى وَقَفَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: "لَوْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ، مَا أَعْطَيْتُكَهَا، وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ، وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ، لَيَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ، وَإِنَّي لأَرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيكَ مَا رَأَيتُ". (قدم مسيلمةُ الكذاب): هو صاحبُ اليمامة، قتله خالدُ بنُ الوليد في خلافة أبي بكر، وافتتحَ اليمامةَ بصلح، واستُشهد بها من المسلمين ألف ومئة، وقيل: ألف وأربع مئة. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) في "ع" و"ج": "واختلف". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 774).

(ابن شَمَّاس): بفتح الشين المعجمة وتشديد الميم. (ليَعقِرنَّكَ اللهُ): بفتح الياء التحتية وكسر القاف؛ أي: ليهلكَنَّكَ، وأصلُه: عَقَرْتُ الفَرَسَ بالسيف: إذا ضربتُ قوائمَه فعرقَبْتُه، وكذلك عَقَرْتُ النخلةَ: إذا قطعتُ رأسَها فيبسَتْ (¬1). * * * 1942 - (3621) - فَأَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ فِي يَدَيَّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، فَأَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا، فَأُوحِيَ إِلَيَّ فِي الْمَنَامِ أَنِ انْفُخْهُمَا، فَنَفَختُهُمَا، فَطَارَا، فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخرُجَانِ بَعْدِي". فَكَانَ أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيَّ، وَالآخَرُ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ صَاحِبَ الْيَمَامَةِ. (رأيت في يديَّ سِوارين من ذهب): -بكسر السين وضمها-، و"من ذهب" صفةٌ كاشفة؛ لأن السوار لا يكون إلا من ذهب، فإن كان من فضة، فهو قُلْبٌ. (فنفختهما، فطارا، فأولتهما كذابين يخرجان بعدي): وتأويلُ نفخِهما: أنهما قُتلا بريحه؛ لأنه لم يغزُهما بنفسه، والذهبُ زخرف يدل على زُخرفهما، وأن ما يقولانه لا أصلَ له، وإنما هو زخرفٌ من القول وغرور، والسواران دلَّا بلفظيهما (¬2) على مَلِكين؛ لأن الأساورةَ هم الملوكُ، وبمعناهما: على التضيق؛ لأن السوار مضيِّقٌ على الذراع. ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (20/ 203). (¬2) في "ع": "بلفظهما".

(العَنْسي): -بعين مهملة فنون ساكنة فسين مهملة فياء نسب-، واسمه عَبْهَلَةُ بنُ كعبٍ، وكان يقال له: ذو الخمار، يزعم أن الذي يأتيه ذو خمار (¬1). * * * 1943 - (3622) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبي بُرْدَةَ، عَنْ جَدِّهِ أَبي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى -أُرَاهُ- عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنَّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ، أَوْ هَجَرُ، فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ، وَرَأَيْتُ فِي رُؤْيَايَ هَذِهِ أَنَّي هَزَزْتُ سَيْفًا، فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ، فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمَّ هَزَزْتُهُ بِأُخْرَى، فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ، فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْفَتْح وَاجْتِمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ، وَرَأَيْتُ فِيهَا بَقَرًا، وَاللَّهُ خَيْرٌ، فَإِذَا هُمُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللَّهُ مِنَ الْخَيْرِ، وَثَوَابِ الصِّدْقِ الَّذِي آتَانَا اللَّهُ بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ". (فذهب وَهَلي إلى أنها اليمامةُ): -بفتح الهاء وسكونها- , يقال: وَهَلْتُ إلى الشيء: ذَهَبَ وَهْمي إليه (¬2). (أو هَجَرَ): -بفتح الهاء والجيم، غير منصرف-: اسم مدينة باليمن، وهي قاعدة البحر، وفي نسخة: "الهجر" بالألف واللام (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 775). (¬2) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬3) المرجع السابق، الموضع نفسه.

(فإذا هي المدينةُ يثربُ): يشبه أن يكون هذا قبل نهيه عن تسمية المدينة يثربَ. (ورأيت فيها بقرًا، واللهُ خيرٌ): قال القاضي: رواية أكثرهم: برفع الهاء من اسم الله؛ قيل: وهو الصواب؛ أي: وثوابُ الله خيرٌ؛ وعندَ بعضهم: بالكسر على القسم؛ لتحقيق الرؤيا, ومعنى خير بعد ذلك؛ أي: أو ذلك خيرٌ (¬1) , على التفاؤل في تأويل الرؤيا (¬2). (فإذا هم المؤمنون يومَ أُحد): فيه أن البقر تُعَبَّر بالرجل، وعُبَّرَتْ في القرآن بالسنين، فهي تدل على أشياء تُعطى كلُّ نازلة عند وقوعها ما يليق بها من التعبير. * * * 1944 - (3623) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: أَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي، كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مَشْيُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَرْحَبًا بِابْنَتِي". ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا، فَبَكَتْ، فَقُلْتُ لَهَا: لِمَ تَبْكِينَ؟ ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا، فَضَحِكَتْ، فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ فَرَحًا أَقْرَبَ مِنْ حُزْنٍ، فَسَأَلْتُهَا عَمَّا قَالَ. (كأن مِشيتها): -بكسر الميم (¬3) -؛ لأن المراد الهيئة. ¬

_ (¬1) "خير" ليست في "ع" و"ج". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 356). (¬3) "بكسر الميم" ليست في "ع".

1945 - (3624) - فَقَالَتْ: مَا كُنْتُ لأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَأَلْتُهَا، فَقَالَتْ: أَسَرَّ إِلَيَّ: "إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِي الْقُرْآنَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ عَارَضَنِي الْعَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلَا أُرَاهُ إِلَّا حَضَرَ أَجَلِي، وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِي لَحَاقًا بِي"، فَبَكَيْتُ، فَقَالَ: "أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ -أَوْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ؟ "، فَضَحِكْتُ لِذَلِكَ. (أما ترضين أن تكوني سيدةَ نساء أهل الجنة): فيه دلالة على تفضيل فاطمة -رضي الله عنها-، ودخل في هذا العموم أُمها وأخواتها. قيل: وإنما سادَتْهُنَّ؛ لأنهن مُتْنَ في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكُنَّ في صحيفته، [ومات أبوها وهو سيد العالمين، فكان رُزْؤه في صحيفتها] (¬1) وميزانها. وقد روى البزار من طريق عائشة: أنه -عليه السلام- قال لفاطمة: "خَيْرُ بَنَاتي، إِنَّها (¬2) أُصِيبَتْ بي"، فحق لمن كانت (¬3) هذه (¬4) حالها أن تسودَ نساءَ أهل الجنة. ويذكر عن أبي بكر بن داود: أنه سئل: مَنْ أفضلُ، أخديجةُ (¬5) أم ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) في "ج": "فإنها". (¬3) في "ع" و"ج": "كان". (¬4) في "ج": "هذا". (¬5) في "ع": "خديجة".

فاطمةُ؟ فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ فَاطِمَةَ بَضْعَةٌ مِنَّي"، فلا أعدلُ ببضعةٍ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحدًا. قال السهيلي: وهذا استقراء حسن، ويشهد لصحته: أن أبا لبابة حين ارتبطَ نفسَه، وحلف أن لا يحلَّه إلا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، [جاءت فاطمة لتحله، فأبى من أجل قَسَمه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬1): "إِنَّما فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنَّي" (¬2)، فحَلَّتْه (¬3). * * * 1946 - (3628) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ ابْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ الْغَسِيلِ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ بِمِلْحَفَةٍ قَدْ عَصَّبَ بِعِصَابَةٍ دَسْمَاءَ، حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ: فَإِن النَّاسَ يَكْثُرُونَ وَيَقِلُّ الأَنْصَارُ، حَتَّى يَكُونُوا فِي النَّاسِ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ، فَمَنْ وَلِيَ مِنْكُمْ شَيْئًا يَضُرُّ فِيهِ قَوْمًا، وَيَنْفَعُ فِيهِ آخَرِينَ، فَلْيَقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَيَتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيئِهِمْ". فَكَانَ آخِرَ مَجلِسٍ جَلَسَ بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. (بمِلحَفة): بكسر الميم وفتح الحاء. (قد عَصَبَ): بالبناء للفاعل، والصاد مخففة، وفي بعض النسخ: بالبناء ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) رواه البخاري (3714)، ومسلم (2449) عن المسور بن مخرمة - رضي الله عنه -. (¬3) انظر: "الروض الأنف" (1/ 418).

للمفعول، وفي بعضها بتشديد الصاد. (دَسْماء): أي: سوداء. * * * 1947 - (3631) - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِي، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ لَكُمْ مِنْ أَنْمَاطٍ؟ ". قُلْتُ: وَأَنَّى يَكُونُ لَنَا الأَنْمَاطُ؟! قَالَ: "أَمَا إِنَّهُ سَيَكُونُ لَكُمُ الأَنْمَاطُ". فَأَنَا أَقُولُ لَهَا -يَعْنِي: امْرَأَتَهُ- أَخِّرِي عَنِّي أَنْمَاطَكِ. فَتَقُولُ: أَلَمْ يَقُلِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّهَا سَتَكُونُ لَكُمُ الأَنْمَاطُ"؟ فَأَدَعُهَا. (عمرو بن عباس): بباء موحدة (¬1) وسين مهملة. (هل لكم من أنماط؟): ضَرْبٌ من البُسط له خَمَلٌ رقيق، واحدُه نَمَط. أخبرهم أنها ستكون لهم، ودلهم على ترك السرف، وابتغاء القصد من الأنماط؛ لتظهر نعمةُ الله عليهم، لا ليفعلوا ذلك رياء وسمعة؛ كذا في السفاقسي (¬2). ولا يظهر لي (¬3) تنزيلُه على ما في الحديث؛ فإنه ليس فيه أكثر من قوله: "أَما إِنَّها ستكونُ لكم (¬4) الأنماط". ¬

_ (¬1) "موحدة" ليست في "ع". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 776). (¬3) "لي" ليست في "ج". (¬4) في "ع": "لهم".

1948 - (3632) - حدَّثني أَحْمَدُ بنُ إِسْحاقَ، حَدَّثَنا عبيدُ اللهِ بنُ موسَى، حَدَّثَنا إسْرَائيلُ، عَنْ أَبي إِسْحاقَ، عن عمروِ بنِ مَيمونٍ، عَنْ عبدِ اللهِ بن مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: انْطَلَقَ سعدُ بنُ مُعَاذٍ مُعْتَمِرًا، قَال: فَنَزلَ عَلَى أُمَيَّةَ بنِ خَلَفٍ أَبي صَفْوَانَ، وكانَ أُمَيَّةُ إِذا انْطَلَقَ إلى الشَّامِ فَمَرَّ بالمدينةِ نَزَلَ على سَعْدٍ. فَقَالَ أميةُ لِسَعْدٍ: أَلَا انْتَظَرَ حتَّى إِذَا انْتَصَفَ النَّهارُ وغَفَلَ النَّاسُ انْطَلَقْتَ فطفت؟ فَبَيْنَا سَعْدٌ يَطُوفُ إِذَا أَبو جَهْل، فَقَالَ: مَنْ هَذَا الذي يَطُوفُ بالكَعْبةِ؟ فَقَالَ سَعْدٌ: أَنَا سَعْد، فَقَالَ أبُو جَهْلٍ: تطوفُ بالكَعْبةِ آمِنًا وقَدْ آويتُم محمَّدًا وأصحابَهُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَتَلاحَيَا بينهما. فقال أميةُ لِسَعْدٍ: لا ترفعْ صوتَك عَلَى أبي الحَكَم، فإنَّه سيِّدُ أَهْلِ الوَادِي. ثمَّ قَالَ سعْد: واللهِ، لَئِنْ مَنَعْتَنِي أَنْ أَطُوفَ بالبَيتِ، لأَقْطَعَنَّ مَتْجركَ بالشَّامِ. قال: فجعلَ أميةُ يقولُ لسعد: لا ترفعْ صوتَكَ -وجَعَلَ يُمْسِكُه-، فَغَضِبَ سَعْد فَقَالَ: دَعْنَا عَنْكَ، فإِنَّي سمعتُ محمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - يَزْعُم أَنَّه قَاتِلُكَ. قال: إيَّاي؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: واللهِ مَا يَكْذِبُ محمَّدٌ إذَا حدَّثَ. فَرَجَعَ إلى امرأَتِهِ فَقَالَ: أَمَا تَعْلَمِينَ مَا قَالَ لي أَخِي اليَثْرَبيُّ؟ قَالَتْ: ومَا قَالَ؟ قَال: زَعَمَ أنَّه سَمِعَ محمَّدًا يزعُمُ أنَّهُ قاتِلي. قالَتْ: فواللهِ مَا يكْذِب محمَّدٌ قَالَ: فلمَّا خَرجُوا إِلَى بَدْرٍ وَجَاءَ الصَّريخُ، قَالَتْ لَهُ امرأَتُهُ: أَمَا ذَكَرتَ مَا قَالَ لَكَ أخُوكَ اليَثْرِبيُّ؟ قَالَ: فأرادَ أَنْ لا يَخْرجَ فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: إِنَّكَ مِنْ أَشْرَافِ الوَادِي، فَسِرْ يَوْمًا أَوْ يومينِ، فَسَارَ مَعَهُمْ يَومينِ، فَقَتَلَهُ اللهُ. (فلما خرجوا إلى بدر (¬1)، وجاءهم الصريخ). ¬

_ (¬1) "إلى بدر" ليست في "ع" و"ج".

قال الزركشي تبعًا للسفاقسي: فيه تقديمٌ وتأخير؛ لأن الصَّريخ جاءهم، فخرجوا إلى بدر (¬1). قلت: هذا بناء على أنَّ الواو للترتيب، وهو خلاف مذهب الجمهور، ولو سُلِّم (¬2)، فلا نسلِّمُ أنَّ الواو للعطف، وإنما هي للحال، و"قد" مقدّرة؛ أي: فلما خرجوا في (¬3) حال مجيء الصريخ لهم. فلا تقديم ولا تأخير. * * * 1949 - (3633) - حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ، شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِم بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "رَأَيْتُ النَّاسَ مُجْتَمِعِينَ فِي صَعِيدٍ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ، وَفِي بَعْضِ نَزْعِهِ ضَعْفٌ، وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا عُمَرُ، فَاسْتَحَالَتْ بِيَدِهِ غَرْبًا، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا فِي النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ، حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ". وَقَالَ هَمَّامٌ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَنَزَعَ أَبُو بَكْرٍ ذَنُوبَيْنِ". (رأيت النَّاس): أي: في النوم. (فقام أبو بكرٍ): - رضي الله عنه -. (فنزع ذَنوبًا أو ذنوبين): الذنوب -بفتح الذَّال المعجمة-: الدَّلْوُ العظيمةُ. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 776). (¬2) "ولو سلم" ليست في "ع". (¬3) "في" ليست في "ع".

(وفي نزعه ضَعفٌ): بفتح الضاد المعجمة وضمِّها. قيل: يريد: ما ناله المسلمون في خلافة أبي بكر من أموال المشركين. وقيل: إنما أراد: قِصَرَ مدته، كيف وقد قاتل أهل الرِّدَّة، فلم يتفرَّغْ لافتتاح الأمصار وجباية الأموال (¬1). (فاستحالت بيده غَرْبًا): أي: انقلبت عن الصغر إلى الكبر، والغَرْب (¬2): -بسكون الرَّاء- الدَّلْو العظيمةُ، وهذا تمثيل أُشير به إلى عِظَم الفتوح التي كانت في زمن عمر - رضي الله عنه -، وكثرتها. (فلم أر عبقريًا): أي: سيدًا كبيرًا. قيل: وأصله: أنَّ عبقر قريةٌ يسكنها الجن، فكلما أرادوا شيئًا فاتنًا غريبًا مما يصعب عمله ويدقُّ، أو شيئًا عظيمًا في نفسه، نسبوه إليها، فقالوا: عبقريّ، ثم اتُّسِعَ فيه حتى سُمي به السيدُ الكبير (¬3). (يفري فَرْيَهُ): بفتح الفاء وإسكان الراء وتخفيف الياء التحتيّة. ويروى: بكسر الرَّاء وتشديد الياء؛ معناه: يعملُ عملَه، وَيقْوى قُوَّتَه. (حتى ضرب النَّاس بعَطَن): "النَّاس" مرفوع (¬4) على أنه فاعل ضرب، والعَطَن (¬5): مُناخُ الإبل إذا صدرَتْ عن الماء. قال السَّفاقسي: يقول: حتى رَوَّى الإبلَ الماءُ الذي تشربه في مَبارِكِها ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 776). (¬2) "والغرب" ليست في "ع". (¬3) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬4) "مرفوع" ليست في "ع" و"ج". (¬5) في "ع": "والمعطن".

باب: قول الله تعالى: {يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} [البقرة: 146]

من غير أن تُساق إليه؛ لكثرته. وقال ابن الأنباري: معناه: حتى رَوُوا، وأَوردوا إبلَهم وأبركوها، وضربوا لها عَطَنًا (¬1). * * * باب: قَولِ اللهِ تَعَالى: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة: 146] 1950 - (3635) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ الْيَهُودَ جَاؤُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ؟ "، فَقَالُوا نَفْضَحُهُمْ، وَيُجْلَدُونَ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: كَذَبْتُمْ، إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ. فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا، فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ، فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: ارْفَعْ يَدَكَ، فَرَفَعَ يَدَهُ، فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْم. فَقَالُوا: صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ، فِيهَا آيَةُ الرَّجْم. فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَرُجِمَا. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَجْنَي عَلَى الْمَرْأَةِ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ. (فذكروا له أنَّ رجلًا منهم (¬2) وامرأة زنيا): اسم المرأة بُسرة، قاله السُّهيلي في "مبهمات القرآن". ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 777). (¬2) "منهم" ليست في "ع".

(إنَّ فيها الرَّجْمَ): ويروى: "لَلرَّجْمَ" بلام الابتداء. (فوضع أحدهم يده على آية الرَّجم): هو عبد الله بن صوريا الأعور، ذكره ابن إسحاق، وهو في النسائي أيضًا (¬1)، ذكر ذلك ابنُ بشكوال وغيره. (فرأيت الرَّجل يحني): -بالحاء المهملة-؛ من: حَنَيْتُ الشيءَ: عَطَفْتُه، كذا فسَّره الخطابي (¬2)، قال: والمحفوظ: "يَجْنَأُ" -بالجيم والهمز-؛ أي: يُكِبُّ عليها، وفيها رواياتٌ (¬3) كثيرة. * * * 1951 - (3639) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَا مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، وَمَعَهُمَا مِثْلُ الْمِصْبَاحَيْنِ، يُضِيئَانِ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا، فَلَمَّا افْتَرَقَا، صَارَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاحِدٌ حَتَّى أَتَى أَهْلَهُ. (خرجا من عند النبي - صلى الله عليه وسلم - في ليلةٍ مظلمة): هما أُسَيْدُ بنُ الحضير، وعَبَّادُ بنُ بِشْر. ¬

_ (¬1) رواه النسائي في "الكبرى" (7334) لكن ليس فيه ذكر لابن صوريا. (¬2) انظر: "غريب الحديث" (2/ 434). (¬3) في "ج": "وفيها آفات".

باب

باب 1952 - (3641) - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ جَابِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ: أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ". قَالَ عُمَيْرٌ: فَقَالَ مَالِكُ بْنُ يُخَامِرَ: قَالَ مُعَاذٌ: وَهُمْ بِالشَّأْمِ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: هَذَا مَالِكٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاذًا يَقُولُ: وَهُمْ بِالشَّأمِ. (حتى يأتي (¬1) أمر الله): قيل: المراد: حتى تقوم القيامة. (يُخامر): بياء تحتية مضمومة وخاءٍ معجمة. (قال معاذ: وهم بالشام): قال البخاري في موضع آخر: هُمْ أَهل العِلْم (¬2). ووقع في بعض الطرق: "لا تَزالُ طائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِريِنَ وَهُمْ أَهْلُ الغَرْبِ" (¬3). قال ابن المديني: الغَرْبُ هنا: الدلو، وأراد: العرب؛ لأنَّهم أصحابُها، والمسْتَقُون (¬4) بها، ليست (¬5) لأحدٍ إلا لهم ولأتباعهم. ¬

_ (¬1) نص البخاري: "يأتيهم". (¬2) انظر: "صحيح البخاري" (6/ 2667). (¬3) رواه مسلم (1925) من حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - بلفظ: "لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة". (¬4) في "ع": "والمشتقون". (¬5) "ليست" ليست في "ع".

وقيل: هم أهل الشام وما وراءه. وقيل: المراد به: أهل الحدة والجهاد؛ لنصر دين الله -عز وجل-، والغرب: الحِدَّة. قال الزركشي: وقيل: هو على (¬1) ظاهره، والمراد: غربُ الأرض (¬2). * * * 1953 - (3642) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا شَبِيبُ بْنُ غَرْقَدَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَيَّ يُحَدِّثُونَ عَنْ عُرْوَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي بِهِ شَاةً، فَاشْتَرَى لَهُ بِهِ شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، وَجَاءَهُ بِدِينَارٍ وَشَاةٍ، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ، وَكانَ لَوِ اشْتَرَى التُّرابَ، لَرَبِحَ فِيهِ. قَالَ سُفْيَانُ كانَ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ جَاءَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعَهُ شَبِيبٌ مِنْ عُرْوَةَ، فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ شَبِيبٌ: إِنَّي لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ عُرْوَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَيَّ يُخْبِرُونَهُ عَنْهُ. (قال: سمعت الحيّ يخبرونه عنه): أي: عن عُروةَ البارِقيَّ، وصدرُ هذا الحديث ليس من شرط البخاري؛ لجهالة الحيِّ، وإنما قصدَ البخاريُّ الحديثَ الذي (¬3) بعده، ولكنه لما سمع الكل، أورده (¬4) كما سمع (¬5). ¬

_ (¬1) "على" ليست في "ع". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 777). (¬3) "الحديث الذي" ليست في "ع". (¬4) في "ج": "ورده". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 778).

1954 - (3647) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - يَقُولُ: صَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ بُكْرَةً، وَقَدْ خَرَجُوا بِالْمَسَاحِي، فَلَمَّا رَأَوْهُ، قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ. وَأَحَالُوا إِلَى الْحِصْنِ يَسْعَوْنَ، فَرَفَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَدَيْهِ، وَقَالَ: "اللَّهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ". (وأحالوا إلى الحصن): أحالوا -بالحاء المهملة-: أقبلوا إلى الحصن هاربين، يقال: أَحالَ الرجُلُ إلى مكان كذا: إذا تحوَّلَ إليه. و (¬1) عن أبي ذرٍّ: "أجالوا"، بالجيم. قال القاضي: وليس بشيء، إلا أن يكون من أجالَ بالشيء: أطاف به، وجالَ به أيضًا (¬2)، وهو بعيد (¬3). ¬

_ (¬1) الواو ليست في "ع". (¬2) في "ج": "وأجاله أيضًا". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 216).

كتاب فضائل الصحابة

كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ

باب: فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن صحب النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو رآه من المسلمين، فهو من أصحابه

كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ باب: فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - وَمَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، أَوْ رَآهُ مِنَ المُسْلِمِينَ، فَهْوَ مِنْ أَصْحَابِهِ (فضائل أصحاب (¬1) النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن صحب النّبي - صلى الله عليه وسلم -، أَو رآه (¬2) من المسلمين، فهو من أصحابه (¬3)): الضمير المستتر في: "رآه" (¬4) يعود على النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه يلزم عليه أن يكون مَنْ وقعَ عليه بصرُه -عليه الصلاة والسلام- صحابيًا؛ وإن لم يكن هو قد وقع بصرُه على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا قائل به، وابن (¬5) أم مكتوم ونحوه ممن كان من الصَّحابة أعمى، وإن لم يدخل في قوله: "أو رآه من المسلمين"، فهو داخل في قوله: "ومن صحبَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -"، وقيدُ (¬6) "من المسلمين" لابدَّ منه؛ فإن من اجتمع كافرًا ¬

_ (¬1) "أصحاب" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "أراه". (¬3) في "ع" و"ج": "فهو صحابيًا". (¬4) في "ع": "أراه". (¬5) في "ج": "وهو ابن". (¬6) في "ع": "وقيل".

بالنبي (¬1) - صلى الله عليه وسلم -[لا تثبت له صحبةٌ قطعًا. والحاصل: أنَّ من اجتمع مؤمنًا بمحمد - صلى الله عليه وسلم -] (¬2)، فهو صحابي، هذا هو الصحيح، وبعضهم يشترط الرواية عنه، وطولَ الصحبة له، [وقيل: تُشترط الصحبةُ الطويلةُ] (¬3) دون الرواية. * * * 1955 - (3649) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - "يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيَقُولُونَ: فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ، ثُمَّ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ، ثُمَّ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ مَنْ صَاحَبَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ". (يغزو فِئامٌ): -بكسر الفاء وبهمزة بعدها-؛ أي: جماعاتٌ، لا واحدَ له من لفظه. ¬

_ (¬1) في "ج": "من اجتمع على النبي". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع".

باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر"

قال في "الصحاح": والعامَّة تقول: "فيام"، بلا همز (¬1). قلت: لا حرجَ عليهم في ذلك، ولا يُعدون به لاحنين؛ فإن تخفيف الهمزة في مثله بقلبِ (¬2) حركتها حرفًا مجانسًا لحركة (¬3) ما قبلها عربيٌّ فصيح، وهو قياس، وغايةُ الأمر أنهم التزموا التخفيف فيه، وهو غير ممتنع. * * * 1956 - (3651) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ". قَالَ إِبْرَاهِيمُ: وَكَانُوا يَضْرِبُونَا عَلَى الشَّهَادَةِ وَالْعَهْدِ وَنَحْنُ صِغَارٌ. (يضربوننا (¬4) على الشهادة والعهد ونحن صغار): أي: لم نبلغ حدَّ التفقه؛ وإن كانوا قد بلغوا الحلم. * * * باب: قولِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "سُدُّوا الأَبْوابَ إِلَّا بَابَ أبي بَكْرٍ" 1957 - (3654) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عُبَيْدٍ -يَعْنِي: ابْنَ حُنَيْنٍ-، عَنْ ¬

_ (¬1) انظر: "الصحاح" (5/ 2000)، (مادة: فأم). (¬2) في "ج": "تقلب"، وفي "م": "نقلت". (¬3) في "م": "كحركة". (¬4) كذا في رواية أبي ذر الهروي، وفي اليونينية: "يضربونا"، وهي المعتمدة في النص.

أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: "إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا مَا شَاءَ، وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ". فَبَكَى أَبُو بَكرٍ، وَقَالَ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأمُّهَاتِنَا. فَعَجِبْنَا لَهُ، وَقَالَ النَّاسُ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخِ، يُخْبِرُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ عَبْدٍ خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا، وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، وَهْوَ يَقُولُ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا! فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - هُوَ الْمُخَيَّرَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ هُوَ أَعْلَمَنَا بِهِ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنْ أُمَّتِي، لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكرٍ، إِلَّا خُلَّةَ الإِسْلَامِ، لَا يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلَّا خَوْخَةُ أَبي بَكْرٍ". (إنَّ من أمن النَّاس عليَّ (¬1) في صحبته وماله أبو بكر): المرادُ بـ "أمن": أَسْمَحُ، وأَبْذَلُ، وليس المراد معنى الامتنان؛ لأن المنَّة تفسد الصَّنيعة (¬2)، ولا مِنَّةَ لأحدٍ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ويروى: "أبا بكر" بالنَّصب، على أنَّه اسم إنَّ، وهو واضح. وأمَّا "أبو بكر" بالرَّفع؛ قال ابن برِّي: هو خبر "إنَّ"، واسمها محذوف، و"من أمن (¬3) النَّاس" صفته، والمعنى: أن رجلًا أو إنسانًا من أمنِّ النَّاس عليَّ، و"من" زائدة على رأي الكسائي (¬4). ¬

_ (¬1) "علي" ليست في "ع" و"ج". (¬2) في "ع" و"ج": "الصيغة". (¬3) في "ع": "أن". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 779).

باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو كنت متخذا خليلا"

وهو ضعيف، وحملُه على حذف ضمير الشأن حملٌ على الشذوذ، ولو قيل: بأنَّ "إنّ" بمعنى: نعم، و"أبو بكر" مبتدأ، وما قبله (¬1) خبره، لاستقام من غير شذوذ ولا ضعف. (لو كنت متخذًا خليلًا): أي: من النَّاس. (لاتخذته (¬2) خليلًا): أي: إنَّ (¬3) أبا بكر - رضي الله عنه - أهلٌ لأن أتخذه خليلًا لولا المانعُ؛ فإن خلة الرَّحمن -عزَّ وجَلَّ- لا تسعُ مخالَّةَ شيءٍ غيره أصلًا. * * * باب: قَولِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو كُنتُ مُتَّخِذًا خَلِيْلًا" 1958 - (3657) - حَدَّثَنَا مُعَلَّى، وَمُوسَى، قَالَا: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ، وَقَالَ: "لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا، لَاتَّخَذْتُهُ خَلِيلًا، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلَامِ أَفْضَلُ". (ولكن أخوة الإسلام أفضل): قال الداودي فيما حكاه السَّفاقسي عنه: ما أرى هذا محفوظًا (¬4)، وإن يكن محفوظًا، فمعناه: إنَّ أخوة الإسلام [دون المخالة، أفضلُ من المخالة] (¬5) دون أخوة الإسلام، وإن يكن قوله: "لَوْ كُنْتُ ¬

_ (¬1) في "ج": "وما بعده". (¬2) نص البخاري: "لاتخذت أبا بكر". (¬3) "إن" ليست في "ع". (¬4) في "م": "محفوظ". (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ع".

مُتَّخِذًا غَيْرَ رَبِّي"، لم يجهز أن يقول: أخوَّة الإسلام أفضل (¬1). * * * 1959 - (3660) - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الطَّيِّبِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ مُجَالِدٍ، حَدَّثَنَا بَيَانُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ وَبَرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ هَمَّامٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّارًا يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَا مَعَهُ إِلَّا خَمْسَةُ أَعْبُدٍ وَامْرَأَتَانِ وَأَبُو بَكْرٍ. (وبَرة بن عبد الرحمن): -بفتح الباء الموحدة- على زنة شَجَرَة. (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2) وما معه إلا خمسة أَعْبُدٍ وامرأتان وأبو بكر): من الأعبد: بلالٌ، وزيدُ بنُ حارثةَ، والمرأتان: خديجةُ، وأُمَّ الفضل. ففي "أسد الغابة" في ترجمة أم الفضل لبابة: يقال: إنَّها أوَّل امرأة أسلمت بعد خديجة (¬3). ومن الأعبُد أبو رافع إبراهيمُ، وقيل: أسلَمُ، وقيل: هُرْمُز. قال ابن الأثير: كان للعباس، فوهبه للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان إسلامه بمكة مع إسلام أم الفضل (¬4). ويجوز أن يُعد عامرُ بنُ فُهَيْرَةَ منهم؛ فإنَّه قيل: إنَّه أسلم قبل دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - دارَ الأرقم (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 779). (¬2) في "ع": "النبي - صلى الله عليه وسلم -". (¬3) انظر: "أسد الغابة" (7/ 274). (¬4) انظر: "أسد الغابة" (1/ 66). (¬5) المرجع السابق، (3/ 133).

ومنهم: أبو فُكَيْهَة (¬1)، قال ابن إسحاق والطبري: هو مولى صفوانَ ابن أميةَ بنِ خلف، أسلمَ حين أسلم بلالٌ، فعذَّبه أُميَّة، فمرَّ به أبو بكر، فاشتراه فأعتقه، ذكره ابن الأثير (¬2). * * * 1960 - (3661) - حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زيدُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَائِذِ اللَّهِ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ أِبي الدَّرْدَاءِ - رضي الله عنه -، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ آخِذًا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ حَتَّى أَبْدَى عَنْ رُكْبَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَّا صَاحِبُكُمْ، فَقَدْ غَامَرَ". فَسَلَّمَ، وَقَالَ: إِنَّي كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ الْخَطَّابِ شَيْءٌ، فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ، ثُمَّ نَدِمْتُ، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَغْفِرَ لِي، فَأَبَى عَلَيَّ، فَأَقْبَلْتُ إِلَيْكَ، فَقَالَ: "يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ"، ثَلَاثًا، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ نَدِمَ، فَأَتَى مَنْزِلَ أَبِي بَكْرٍ، فَسَأَلَ: أَثَمَّ أَبُو بَكْرٍ؟ فَقَالُوا: لَا. فَأَتَى إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَلَّمَ، فَجَعَلَ وَجْهُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَمَعَّرُ، حَتَّى أَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ، فَجَثَا عَلَى رُكبَتَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَاللَّهِ! أَنَا كنْتُ أَظْلَمَ مَرَّتَيْنِ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ، فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقَ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي؟ "، مَرَّتَيْنِ. فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا. (عن عائذ الله): بذال معجمة. ¬

_ (¬1) في "ج": "أبو عكرمة". (¬2) المرجع السابق، (6/ 261).

(غامرَ): -بغين معجمة-؛ أي: دخل في غَمْرَةِ الخصومة، ومنه: غمرةُ الحرب. (يتمعَّر): [-بعين مهملة-؛ أي: يتغيَّر، وأصله: من امْتَعَرَ المكانُ: أَجْدَبَ. (فجثا) بجيم وثاء مثلثة. (فهل أنتم تاركو] (¬1) لي صاحبي؟): إمَّا أن يكون أصله: تاركون (¬2)؛ فاستطال الكلمة، فحذف النون كما تحذف (¬3) من الموصول للطول؛ نحو: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} [التوبة: 69] على رأي، وإمَّا أنَّ "تاركو" مضافًا (¬4) إلى "صاحبي"، وفصل بين المضاف والمضاف إليه بالجار والمجرور؛ عناية بتقديم لفظ الإضافة، وفي ذلك الجمعُ بين إضافتين إلى نفسه؛ تعظيمًا (¬5) للصدَّيق - رضي الله عنه - (¬6). * * * 1961 - (3662) - حَدَّثَنا مُعَلَّى بنُ أَسَدٍ، حدَّثَنا عبدُ العَزيزِ بنُ المُختَارِ قالَ: خَالِدٌ الحذَّاءُ حدَّثَنَا، عَنْ أَبي عُثْمانَ قال: حدَّثني عَمْرو بنُ ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) في "ج": "تاركو". (¬3) في "ج": "حذف". (¬4) "مضافًا" ليست في "ع". (¬5) في "ع": "تعظيمه". (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 780).

العَاصِ - رضي الله عنه -: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَهُ عَلَى جَيشِ ذَاتِ السَّلاسِلِ. فَأَتيتُهُ فقلتُ: أيُّ النَّاس أحبُّ إِليكَ؟ قال "عَائِشَةُ" فقلتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ فَقَالَ "أَبُوها". قلتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُم عمرُ بنُ الخطَّابِ". فَعدَّ رِجالًا. (على جيش ذات السَّلاسل): وذلك في سنة سبع، وقيَّده البكري وغيره بفتح السَّين المهملة، وذكر (¬1) ابن الأثير فيه الضَّم (¬2). * * * 1962 - (3663) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "بَيْنَمَا رَاعٍ فِي غَنَمِهِ، عَدَا عَلَيْهِ الذِّئْبُ، فَأَخَذَ مِنْهَا شَاةً، فَطَلَبَهُ الرَّاعِي، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الذِّئْبُ فَقَالَ: مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ، يَوْمَ لَيْسَ لَهَا رَاعٍ غَيْرِي؟ وَبَيْنَا رَجُل يَسُوقُ بَقَرَةً قَدْ حَمَلَ عَلَيْهَا، فَالْتَفَتَتْ إِلَيْهِ فَكَلَّمَتْهُ، فَقَالَتْ: إِنَّي لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا، وَلَكِنِّي خُلِقْتُ لِلْحَرْثِ". قَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ! قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَإِنَّي أُومِنُ بِذَلِكَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ"، -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-. (بينما راعٍ في غنمه، عدا عليه الذِّئب): مكلّم (¬3) الذئب في هذه الواقعة يجوز أن يفسر بأُهبانَ بنِ أَوسْ؛ فإنَّ (¬4) ابن الأثير في "أسد الغابة" ¬

_ (¬1) في "ع": "وذكره". (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 389)، وانظر: "التنقيح" (2/ 781). (¬3) في "ع": "يكلم". (¬4) في "ج": "قال".

ساق حديثه، فقال: روى أُنيس بنُ عمرٍو عنه: أنَّه قال: كنتُ في غنمٍ لي، فشدَّ الذئب على (¬1) شاة منها، فصاح عليه، فأقعى الذئب على ذَنَبِه يخاطبني؛ وقال (¬2): مَنْ لها يومَ تشتغل عنها؟، وساق حديثًا في أعلام النُّبوة (¬3). وقيل: إنَّ مكلم (¬4) الذئب أُهبانُ بنُ عِياذ، بعين مهملة مكسورة وياء تحتية وذالٍ معجمة. [وقيل: ابن الأكوع، واسمه: سنان عمُّ سلمةَ بنِ عمرِو بنِ الأكوع] (¬5). وقيل: هو ابن كعب. قال شيخنا قاضي القضاة شيخ الإسلام (¬6) جلال الدين البلقيني -أمتع الله بعلومه-: والثلاثة واحد؛ لأنَّه أهبانُ بنُ سنانَ بنِ عياذِ (¬7) بنِ ربيعةَ بنِ كعبٍ. * * * 1963 - (3667) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَن هِشَامِ بْنِ عُرْوَة، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ ¬

_ (¬1) في "ج": "في". (¬2) "وقال" ليست في "ع" و"ج". (¬3) انظر: "أسد الغابة" (1/ 206). (¬4) في "ع": "أن يكلم". (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬6) "شيخ الإسلام" ليست في "ج". (¬7) في "ع": "عباد".

عَنْهَا- زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَاتَ وَأَبُو بَكْرٍ بِالسُّنْحِ -قَالَ إِسْمَاعِيلُ: يَعْنِي: بِالْعَالِيَةِ-، فَقَامَ عُمَرُ يَقُولُ: وَاللَّهِ! مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَتْ: وَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ! مَا كَانَ يَقَعُ فِي نَفْسِي إِلَّا ذَاكَ، وَلَيَبْعَثَنَّهُ اللَّهُ، فَلَيَقْطَعَنَّ أَيْدِيَ رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ. فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ، فَكَشَفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَبَّلَهُ، قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَا يُذِيقُكَ اللَّهُ الْمَوْتَتَيْنِ أَبَدًا. ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: أَيُّهَا الْحَالِفُ! عَلَى رِسْلِكَ. فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، جَلَسَ عُمَرُ. (وأبو بكر بالسُّنُح): [بسين مهملة مضمومة فنون مضمومة -، حكى القاضي عن أبي ذر: إسكانها فحاء مهملة (¬1)] (¬2): منازل (¬3) بني الحارث بن الخزرج بعوالي المدينة، بينها وبين منزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميل، وبالسنح ولدُ عبد الله بن الزبير، وكان أبو بكر نازلًا هناك، قاله البكري (¬4). (فقام عمر يقول: والله! ما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قالت: وقال عمر: وما كان يقع في نفسي إلا ذاك، وليبعثنّه (¬5) الله): في "سيرة ابن إسحاق" من طريق ابن عباس: قال: "فوالله! إنِّي لأمشي مع عمر في خلافته، وهو عامدًا إلى (¬6) حاجة له، وفي يده الدرة, قال: وهو يحدث نفسه، ويضرب وَحْشَ ¬

_ (¬1) في "ج": "مهملتين". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬3) في "ج": "نازل". (¬4) انظر: "معجم ما استعجم" (2/ 760). (¬5) في "ع": "وليبعثه". (¬6) في "ع" و"ج": "له إلى".

قدميه بدرَّته، قال (¬1): إذ التفت إلي، فقال: يا بن عباس! هل ترى ما حملني على مقالتي التي (¬2) قلتُ حين تُوفي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: قلت: لا، قال: فوالله! إنْ كان الذي حملني على ذلك إلا أنِّي كنت أقرأ هذه الآية: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]، فوالله! إنِّي كنت لأظن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيبقى في أمَّته حتى يشهد عليها في آخر أعمالها، فإنَّه الذي حملني (¬3) على أن قلتُ ما قلتُ، انتهى (¬4). وهذا نصٌّ صريح في (¬5) السبب الباعث له على ذلك القول؛ يعني (¬6) قول القائل: قد يكون صدرَ منه هذيٌ لشدة ما دهمه من الأمر المهول في سماع موت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعُظْمِ المصابِ (¬7) به (¬8). * * * 1964 - (3668) - فَحَمِدَ اللَّهَ أَبُو بَكْرٍ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: أَلَا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم -، فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، فَإِنَّ اللَّهَ ¬

_ (¬1) في "ع": "فقال". (¬2) "التي" ليست في "ج". (¬3) "حملني" ليست في "ع". (¬4) نقله الزركشي في "التنقيح" (2/ 781)، وعنه نقل المؤلف -رحمه الله-. (¬5) في "ج": "في أن". (¬6) "عن" ليست في "ج". (¬7) في "ع": "المصائب". (¬8) "به" ليست في "ع".

حَيٌّ لَا يَمُوتُ، وَقَالَ: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30]، وَقَالَ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144]. قَالَ: فَنشَجَ النَّاسُ يَبْكُونَ. قَالَ: وَاجْتَمَعَتِ الأَنْصَارُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَقَالُوا: مِنَّا أَمِيرٌ، وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، فَذَهَبَ إِلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، فَذَهَبَ عُمَرُ يَتَكَلَّمُ، فَأَسْكَتَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ. وَاللَّهِ! مَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ إِلَّا أَنَّي قَدْ هَيَّأْتُ كَلَامًا قَدْ أَعْجَبَنِي خَشِيتُ أَنْ لَا يَبْلُغَهُ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، فتكَلَّمَ أَبْلَغَ النَّاسِ، فَقَالَ فِي كلَامِهِ: نَحْنُ الأُمَرَاءُ، وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ. فَقَالَ حُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ: لَا وَاللَّهِ! لَا نَفْعَلُ، مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا، وَلَكِنَّا الأُمَرَاءُ، وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ، هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ دَارًا، وَأَعْرَبُهُمْ أَحْسَابًا، فَبَايِعُوا عُمَرَ أَوْ أَبَا عُبَيْدَةَ، فَقَالَ عُمَرُ: بَلْ نُبَايِعُكَ أَنْتَ، فَأَنْتَ سَيِّدُنَا وَخَيْرُنَا، وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَبَايَعَهُ، وَبَايَعَهُ النَّاسُ، فَقَالَ قَائِلٌ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ. فَقَالَ عُمَرُ: قَتَلَهُ اللَّهُ. (فنَشَج الناس يبكون): بنون وشين معجمة مفتوحتين. قال الجوهري: نَشَجَ الباكي: إذا غصَّ بالبكاء في حلقه من غير انتحاب (¬1). (ثم تكلم أبو بكر، فتكلم أبلغَ الناس): بالنصب على الحال. ¬

_ (¬1) انظر: "الصحاح" (1/ 344)، (مادة: نشج).

قال القاضي: ضبطناه بالنَّصب، ويصح فيه الرفع على الفاعلية؛ أي: تكلَّم منهم (¬1) رجلٌ بهذه الصَّفة (¬2). (هم أوسطُ العرب دارًا): قيل: يعني: مكة. وقال الخطابي: أراد به سِطَةَ النسب، ومعنى الدار: القبيلة (¬3). (وأعربهم أحسابًا): الحسب: فعلُ ما يُحمد الإنسان عليه، وُيعَدَّ منقبةً له، وأعربُ؛ أي: أَدْخَلُ في طريقة العرب، وأعلَقُ بها، يريد: أنّ مناقبهم ومآثرهم أمسُّ بطريقة العرب. وفي بعض النّسخ: "وأَعْرَقُهُمْ"، بالقاف (¬4). * * * 1965 - (3669) - وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ: أَنَّ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: شَخَصَ بَصَرُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَالَ: "فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى"، ثَلَاثًا، وَقَصَّ الْحَدِيثَ. قَالَتْ: فَمَا كَانَتْ مِنْ خُطْبَتِهِمَا مِنْ خُطْبَةٍ إِلَّا نَفَعَ اللَّهُ بِهَا، لَقَدْ خَوَّفَ عُمَرُ النَّاسَ، وَإِنَّ فِيهِمْ لَنِفَاقًا، فَرَدَّهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ. (وشخص بصرُه): -بفتح الخاء-؛ أي: فتحَ عينيه، وجعلَ لا يَطْرِفُ. (وإن فيهم لنفاقًا فردهم الله بذلك): كذا ثبت في النسخ، ووقع في ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "من هو". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 363). (¬3) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 1629). (¬4) انظر: "التوضيح" (20/ 267).

"الجمع بين الصحيحين" للحميدي: "وإنَّ فيهم لتفرقًا، فردَّهُمُ الله". قال القاضي: فلا أدري أهو إصلاح منه، أو من غيره، أو رواية؟ وكأنه أنكرَ النفاقَ عليهم حينئذ، ولا يُنكر في زمنه -عليه السَّلام-، وبعدَ موته ذلك، وقد ظهر في أهل الردة وغيرهم، لاسيما عند الحادث العظيم من موته الذي أذهلَ عقولَ الأكابر، فكيف ضعفاء الإيمان؟ قال: والصَّواب عندي ما في النسخ (¬1). * * * 1966 - (3673) - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: سَمِعْتُ ذَكوَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلَا نَصِيفَهُ". (ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نَصيفه): النَّصيفُ: بمعنى النَّصْف؛ كالثَّمين والثَّمْن. ومعناه: أن المدَّ ونصفَه من نفقةِ أحدهم أفضلُ من الكثير ينفقهُ أحدُنا، وفيه دلالة على فضلهم. قال الزركشي: ويروى: "مَدَّ" -بفتح الميم-؛ أي: الفضلَ والطَّوْلَ، حكاه الخطابي (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 317). (¬2) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 1631). وانظر: "التنقيح" (2/ 783).

قلت: لا أدري هل أراد بها روايةً في (¬1) البخاري، أو روايةً في الحديث في الجملة؟ فينبغي تحريره (¬2). * * * 1967 - (3674) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِسْكِينٍ أَبُو الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ سَعِيدِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ: أَنَّهُ تَوَضَّأَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ خَرَجَ، فَقُلْتُ: لأَلْزَمَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلأَكُونَنَّ مَعَهُ يَوْمِي هَذَا. قَالَ: فَجَاءَ الْمَسْجِدَ، فَسَأَلَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالُوا: خَرَجَ وَوَجَّهَ هَاهُنَا، فَخَرَجْتُ عَلَى إِثْرِهِ أَسْأَلُ عَنْهُ، حَتَّى دَخَلَ بِئْرَ أَرِيسٍ، فَجَلَسْتُ عِنْدَ الْبَابِ، وَبَابُهَا مِن جَرِيدٍ، حَتَّى قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَاجَتَهُ، فَتَوَضَّأَ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى بِئْرِ أَرِيسٍ، وَتَوَسَّطَ قُفَّهَا، وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ، وَدَلَّاهُمَا فِي الْبِئْرِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ انْصَرَفْتُ، فَجَلَسْتُ عِنْدَ الْبَابِ، فَقُلْتُ: لأَكُونَنَّ بَوَّابَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْيَوْمَ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ، فَدَفَعَ الْبَابَ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، فَقُلْتُ: عَلَى رِسْلِكَ. ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَذَا أَبُو بَكْرٍ، يَسْتَأْذِنُ. فَقَالَ: "ائْذَنْ لَهُ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ". فَأَقْبَلْتُ حَتَى قُلْتُ لأَبِي بَكْرٍ: ادْخُلْ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُبَشَّرُكَ بِالْجَنَّةِ. فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ، فَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعَهُ فِي الْقُفِّ، وَدَلَّى ¬

_ (¬1) "في" ليست في "ع". (¬2) حكى الحافظ في "الفتح" (7/ 42) هذه الرواية عن الخطابي، ولم يذكر أنها رواية في البخاري، والظاهر أنها ليست رواية فيه، والله أعلم.

رِجْلَيْهِ فِي الْبِئْرِ، كَمَا صَنَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَجَلَسْتُ، وَقَدْ تَرَكْتُ أَخِي يَتَوَضَّأُ وَيَلْحَقُنِي، فَقُلْتُ: إِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِفُلَانٍ خَيْرًا -يُرِيدُ: أَخَاهُ-، يَأْتِ بِهِ. فَإِذَا إِنْسَانٌ يُحَرِّكُ الْبَابَ. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. فَقُلْتُ: عَلَى رِسْلِكَ. ثُمَّ جِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسْتَأْذِنُ. فَقَالَ: "ائْذَنْ لَهُ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ". فَجئْتُ فَقُلْتُ: ادْخُلْ، وَبَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْجَنَّةِ. فَدَخَلَ، فَجَلَسَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْقُفِّ عَنْ يَسَارِهِ، وَدَلَّى رِجْلَيْهِ فِي الْبِئْرِ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَجَلَسْتُ، فَقُلْتُ: إِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِفُلَانٍ خَيْرًا، يَأْتِ بِهِ. فَجَاءَ إِنْسَانٌ يُحَرِّكُ الْبَابَ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. فَقُلْتُ: عَلَى رِسْلِكَ. فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْتُهُ. فَقَالَ: "ائْذَنْ لَهُ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ"، فَجِئْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ: ادْخُلْ، وَبَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُكَ. فَدَخَلَ، فَوَجَدَ الْقُفَّ قَدْ مُلِئَ، فَجَلَسَ وُجَاهَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ. قَالَ شَرِيكٌ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: فَأَوَّلْتُهَا قُبُورَهُمْ. (على (¬1) بئر أريسٍ): بستانٌ بالمدينة، قال ابن مالك: وهو مصروف (¬2). (فقلت: لأكونن اليومَ بوابًا للنبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3)): ظن الداودي أن هذا مخالف لما ذكره في مناقب عثمان - رضي الله عنه -: وأمرني النبي - صلى الله عليه وسلم - بحفظ باب ¬

_ (¬1) "على" ليست في "ع". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 783). (¬3) كذا في رواية أبي ذر الهروي، وفي اليونينية: "لأكونن بَوَّابَ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -"، وهي المعتمدة في النص.

الحائط (¬1)، ولا مخالفةَ فيه (¬2)؛ فإن كونه بوابًا ناشئ عن أمره -عليه الصلاة والسلام- (¬3)، والمعنى: لأكونَنَّ اليومَ بوابَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأمرني، فكنت بَوَّابه. (وتوسَّطَ قُفَّها): القُفُّ -بضم القاف-: البناء المجعول حول البئر، ويجمع على قِفاف، وأصل القُفِّ: ما غَلُظَ من الأرض. (وقد تركت أخي يتوضأ): لأبي موسى أخوان: أبو بردة، وأبو رهم، فالله أعلم أيهما كان. (وُجاهَهُ): بضم الواو وكسرها. * * * 1968 - (3675) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - حَدَّثَهُمْ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَعِدَ أُحُدًا، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، فَرَجَفَ بِهِمْ، فَقَالَ: "اثْبُتْ أُحُدُ؛ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ". (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صَعِد أُحدًا، وأبو بكر وعمر وعثمان): رفع "أبو بكر" إما بالعطف على الضمير المستكن في "صَعِدَ"؛ لوجود الفاصل، وإما بالابتداء, وما بعده عطفٌ عليه؛ أي: وأبو بكر وعمر وعثمان صَعِدوا معه, والأولُ أولى. ¬

_ (¬1) "الحائط" ليست في "ع". (¬2) "فيه" ليست في "ج". (¬3) المرجع السابق، (2/ 784).

1969 - (3676) - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا صَخْرٌ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "بَيْنَمَا أَنَا عَلَى بِئْرٍ أَنْزِعُ مِنْهَا، جَاءَنِي أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ الدَّلْوَ، فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ، وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ، وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ الْخَطَّابِ مِنْ يَدِ أَبِي بَكْرٍ، فَاسْتَحَالَتْ فِي يَدِهِ غَرْبًا، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ، فَنَزَعَ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ". قَالَ وَهْبٌ: الْعَطَنُ: مَبْرَكُ الإبِلِ، يَقُولُ: حَتَّى رَوِيَتِ الإبِلُ فَأَنَاخَتْ. (قال وهب: العطن: مبرك الإبل، يقول (¬1): حتى رَوِيَت الإبل فأناخَتْ): قيل: حق الكلام: فأُنيخت؛ أي: بَرَكَتْ (¬2). * * * 1970 - (3678) - حَدَّثني محمدُ بنُ يزيدَ الكُوفيُّ، حدَّثنا الوَليدُ، عَنِ الأَوْزَاعيِّ، عَنْ يَحيى بنِ أَبي كَثيرٍ، عَنْ مُحمدِ بنِ إبراهيمَ، عَنْ عُروةَ بنِ الزُّبيرِ قَالَ: سألتُ عبدَ الله بِنَ عمرٍو عَنْ أَشدَّ مَا صَنَع المشركونَ برسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. قالَ: رأيتُ عقبةَ بنَ أبي مُعَيطٍ جَاءَ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وهو يُصلِّي، فوضعَ رِدَاءَهُ في عُنُقِهِ، فَخَنَقهُ به خنْقًا شَديدًا، فَجاءَ أبو بكر حتَّى دَفَعَه عَنْهُ، فقَالَ: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} [غافر: 28]. ¬

_ (¬1) "يقول" ليست في "ع". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 784).

باب: مناقب عمر بن الخطاب أبي حفص القرشي العدوي - رضي الله عنه -

(فخَنَقَه بها خَنَقًا): الفعل الماضي بفتح النون، والمصدر بسكون النون وكسرها. * * * باب: مَنَاقِبِ عُمَر بنِ الخَطَّابِ أَبي حَفصٍ القُرَشِيِّ العَدَويِّ - رضي الله عنه - 1971 - (3679) - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ ابنُ الْمَاجِشُونِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "رَأَيْتُنِي دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، فَإِذَا أَنَا بِالرُّمَيْصَاءِ امْرَأَةِ أَبي طَلْحَةَ، وَسَمِعْتُ خَشَفَةً، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: هَذَا بِلَالٌ. وَرَأَيْتُ قَصْرًا بِفِنَائِهِ جَارِيَةٌ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: لِعُمَرَ. فَأَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَهُ فَأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَكَ". فَقَالَ عُمَرُ: بِأُمَّي وَأَبِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعَلَيْكَ أَغَارُ؟! (بالرميصاء): بضم (¬1) الراء والمد، مصغَّر. (وسمعت خَشفة): قال القاضي: بفتح الخاء وسكون الشين (¬2): هو الصوت (¬3) [ليس بالشديد، قاله أبو عبيد. ¬

_ (¬1) في "ع": "بفتح". (¬2) في "ع": "السين". (¬3) في "ع": "الصواب".

وقال الفراء: هو الصَّوت الواحد] (¬1)، وبتحريك الشين (¬2): هو الحركة (¬3). * * * 1972 - (3683) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سَعْدٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُكَلِّمْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ، عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ عَلَى صَوْتِهِ، فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قُمْنَ، فَبَادَرْنَ الْحِجَابَ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَدَخَلَ عُمَرُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَضْحَكُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلَاءِ اللَّاتِي كُنَّ عِنْدِي، فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ، ابْتَدَرْنَ الْحِجَابِ". فَقَالَ عُمَرُ: فَأَنْتَ أَحَقُّ أَنْ يَهَبْنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: يَا عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ! أَتَهَبْنَنِي وَلَا تَهَبْنَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟! فَقُلْنَ: نَعَمْ، أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِيهًا يَا بْنَ الْخَطَّابِ! وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا قَطُّ، إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ". ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) في "ع": "السين". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 247).

(إيه يا بنَ الخطَّاب): في نسخة: بكسره بغير تنوين، وفي بعضها: بالكسر مع التنوين؛ فعلى الأول: أمره أن يحدِّثه بحديثه الذي يعرفُه منه قبلُ. وعلى الثاني: أمره أن يحدثه بحديثٍ ما، فكأنَّه (¬1) يقول: أقبلْ على حديثٍ تعهده منك، أو على أَيِّ (¬2) حديثٍ كان، وأعرضْ عن الإنكار عليهنَّ (¬3). فإن قلت: قد صرَّحوا بأن ما نُوِّنَ من أسماء الأفعال نكرةٌ، وما لم ينون منها معرفةٌ، فعلى كونها معرفةً، من أي (¬4) أقسام المعارف هي؟ قلت: صرَّح ابن الحاجب في "إيضاحه على المفصَّل" بأنَّه ينبغي إذا حُكم بالتعريف، أن يكون أعلى مسمياتها الفعل الذي هي بمعناه، فيكون علمًا لمفعوليَّته، وإذا (¬5) حُكم بالتنكير، أن يكون لواحد من آحاد الفعل الذي يتعدد اللفظ به (¬6). واختلف حينئذٍ المعنى بالاعتبارين، فصَهْ -بدون تنوين- كأُسامَة، وصَهٍ -بالتنوين- كأسدٍ. ¬

_ (¬1) في "ع": "وكأنه". (¬2) "أي" ليست في "ع". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 785)، و"التوضيح" (20/ 284). (¬4) في "ج": "معرفة أي من". (¬5) في "ع": "واحدًا". (¬6) "به" ليست في "ع".

1973 - (3685) - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُليكَةَ: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: وُضِعَ عُمَرُ عَلَى سَرِيرِهِ، فتكَنَّفَهُ النَّاسُ يَدْعُونَ وَيُصَلُّونَ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ، وَأَنَا فِيهِمْ، فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا رَجُلٌ آخِذٌ مَنْكِبِي، فَإِذَا عَلِيٌّ، فترَحَّمَ عَلَى عُمَرَ، وَقَالَ: مَا خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ، وَايْمُ اللَّهِ! إِنْ كُنْتُ لأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ، وَحَسِبْتُ أَنَّي كُنْتُ كَثِيرًا أَسْمَعُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "ذَهَبْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَر". (فتكَنَّفَه النَّاس): أي: أحاطوا به من جانبيه (¬1). * * * 1974 - (3686) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ. وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ، وَكَهْمَسُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَا: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنسَ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: صَعِدَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى أُحُدٍ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، فَرَجَفَ بِهِمْ، فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ، قَالَ: "اثْبُتْ أُحُدُ، فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نبَيٌّ، أَوْ صِدِّيقٌ، أَوْ شَهِيدَانِ". (كَهْمَس): بكاف مفتوحة فهاء ساكنة فميم مفتوحة فسين مهملة. (فما عليك إلا نبيٌّ أو صِدِّيق أو شهيد (¬2)): "أو" بمعنى الواو؛ لما ¬

_ (¬1) في "ع": "جانبه". (¬2) كذا في رواية أبي ذر الهروي، وفي اليونينية: "شهيدان"، وهي المعتمدة في النص.

سبق: "فَإِنَّما عَلَيْكَ نَبِيٌّ وصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ". * * * 1975 - (3687) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ -هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ-: أَنَّ زيدَ بْنَ أَسْلَمَ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَأَلَنِي ابْنُ عُمَرَ عَنْ بَعْضِ شَأْنِهِ -يَعْنِي: عُمَرَ-، فَأَخْبَرْتُهُ. فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا قَطُّ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ حِينَ قُبِضَ كَانَ أَجَدَّ وَأَجْوَدَ حَتَّى انْتَهَى مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. (من حينَ قبض): بفتح نون "حينَ" على البناء؛ لإضافته إلى مبني، وليس البناء هنا متحتمًا، وإنما (¬1) هو أَوْلى من الإعراب. * * * 1976 - (3689) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَقَدْ كَانَ فِيمَا قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، فَإنْ يَكُ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ، فَإِنَّهُ عُمَرُ". زَادَ زَكَرِيَّاءُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَقَدْ كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ رِجَالٌ يُكَلَّمُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ، فَإِنْ يَكُنْ مِنْ أُمَّتِي مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَعُمَرُ". ¬

_ (¬1) "إنما" ليست في "ع".

(مُحَدَّثون): [بتشديد الدّال المفتوحة: مُلْهَمون، وقوله (¬1): مكلمون (¬2)؛ أي: بالفِراسة، وقيل: تكلِّمهم الملائكة] (¬3) حقيقةً. * * * 1977 - (3692) - حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ أَبي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ، جَعَلَ يَأْلَمُ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ -وَكَأَنَّهُ يُجَزِّعُهُ-: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! وَلَئِنْ كَانَ ذَاكَ، لَقَدْ صَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ، ثُمَّ فَارَقْتَهُ وَهْوَ عَنْكَ رَاضٍ، ثُمَّ صَحِبْتَ أَبَا بَكْرٍ، فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ، ثُمَّ فَارَقْتَهُ وَهْوَ عَنْكَ رَاضٍ، ثُمَّ صَحِبْتَ صَحَبَتَهُمْ، فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُمْ، وَلَئِنْ فَارَقْتَهُمْ، لَتُفَارِقَنَّهُمْ وَهُمْ عَنْكَ رَاضُونَ. قَالَ: أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَرِضَاهُ، فَإِنَّمَا ذَاكَ مَنٌّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى مَنَّ بِهِ عَلَيَّ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صُحْبَةِ أَبي بَكْرٍ وَرِضَاهُ، فَإِنَّمَا ذَاكَ مَنٌّ مِنَ اللَّهِ -جَلَّ ذِكْرُهُ- مَنَّ بِهِ عَلَيَّ، وَأَمَّا مَا تَرَى مِنْ جَزَعِي، فَهْوَ مِنْ أَجْلِكَ، وَأَجْلِ أَصْحَابِكَ، وَاللَّهِ! لَوْ أَنَّ لِي طِلَاعَ الأَرْضِ ذَهَبًا، لَافْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- قَبْلَ أَنْ أَرَاهُ. (وكأنه يجزِّعه): -بضم الياء التحتية وتشديد الزاي-؛ أي: يزيل جَزَعَه. ¬

_ (¬1) في "ع": "وفي قوله". (¬2) نص البخاري: "يُكَلَّمون". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ج".

ورواه الجرجاني: "وكأنَّه (¬1) جزع"، وهذا يرجع إلى حال عمر (¬2). (ثمّ صحبت أبا بكر، فأحسنت صحبته، ثم فارقته وهو عنك راضٍ، ثمَّ صحبت صحبتهم (¬3)، فأحسنتَ صُحْبتهم): يعني: المسلمين، كذا للمروزي والجرجاني: بضم الصَّاد وإسكان الحاء. وعند غيرهما (¬4): "ثمَّ صحبت صَحَبتهم" -بفتح الصَّاد والحاء- يعني: أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال القاضي: والوجهُ الروايةُ الأولى (¬5) (¬6). (لو أنَّ لي طِلاع الأرض): -بكسر الطاء-: ما تطلع عليه الشمس من الأرض؛ يعني: وَجْهها، يريد بذلك (¬7) الخوفَ من التقصير فيما يجبُ عليه (¬8) من حقوقهم، أو (¬9) من الفتنة بمدحهم (¬10). ¬

_ (¬1) "وكأنه" ليست في "ع" و"ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 786). (¬3) "صحبتهم" ليست في "ع". (¬4) في "ج": "وعند بعضهم". (¬5) في "ع": "أولى". (¬6) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 39). (¬7) في "ج": "ذلك". (¬8) "عليه" ليست في "ع" و"ج". (¬9) في "ع" و"ج": "و". (¬10) انظر: "التنقيح" (2/ 786).

باب: مناقب عثمان بن عفان أبي عمرو القرشي - رضي الله عنه -

باب: مَنَاقِبِ عُثْمانَ بنِ عَفَّانَ أبي عمرٍو القُرشِيِّ - رضي الله عنه - 1978 - (3695) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبي مُوسَى - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ حَائِطًا، وَأَمَرَنِي بِحِفْظِ بَابِ الْحَائِطِ، فَجَاءَ رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ، فَقَالَ: "ائْذَنْ لَهُ، وَبَشَّرْهُ بِالْجَنَّةِ". فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ يَسْتَأْذِنُ، فَقَالَ: "ائْذَنْ لَهُ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ". فَإِذَا عُمَرُ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ يَسْتَأْذِنُ، فَسَكَتَ هُنَيْهَةً، ثُمَّ قَالَ: "ائْذَنْ لَهُ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، عَلَى بَلْوَى سَتُصِيبُهُ". فَإِذَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. قَالَ حَمَّادٌ: وَحَدَّثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، وَعَلِيُّ بْنُ الْحَكَمِ: سَمِعَا أَبَا عُثْمَانَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي مُوسَى، بِنَحْوِهِ، وَزَادَ فِيهِ عَاصِمٌ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ قَاعِدًا فِي مَكَانٍ فِيهِ مَاءٌ، قَدِ انْكَشَفَتْ عَنْ رُكْبَتَيْهِ، أَوْ رُكْبَتِهِ، فَلَمَّا دَخَلَ عُثْمَانُ، غَطَّاهَا. (وزاد فيه عاصم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قاعدًا في مكان فيه ماء قد انكشف عن ركبتيه (¬1) أو ركبته، فلما دخل عثمان، غطاها): قيل: هذه الزيادة هنا وَهْم (¬2)؛ وإنما تلك الواقعة كانت في بيته - صلى الله عليه وسلم - (¬3). ¬

_ (¬1) في "ع": "ركبته". (¬2) "وهم" ليست في "ع". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 786).

1979 - (3696) - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبي، عَنْ يُونُسَ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ: أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَخْبَرَهُ: أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ قَالا: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُكَلِّمَ عُثْمَانَ لأَخِيهِ الْوَليدِ؛ فَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِيهِ. فَقَصَدْتُ لِعُثْمَانَ حَتَّى خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ، قُلْتُ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، وَهِيَ نَصِيحَةٌ لَكَ. قَالَ: يَا أَيُّهَا الْمَرْءُ -قَالَ مَعْمَرٌ: أُرَاهُ قَالَ-: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ. فَانْصَرَفْتُ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِمْ إِذْ جَاءَ رَسُولُ عُثْمَانَ، فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ: مَا نصِيحَتُكَ؟ فَقُلْتُ: إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - بِالْحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، وَكُنْتَ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَهَاجَرْتَ الْهِجْرَتَيْنِ، وَصَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَرَأَيْتَ هَدْيَهُ، وَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِي شَأْنِ الْوَليدِ. قَالَ: أَدْرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قُلْتُ: لَا، وَلَكِنْ خَلَصَ إِلَيَّ مِنْ عِلْمِهِ مَا يَخْلُصُ إِلَى الْعَذْرَاءِ فِي سِتْرِهَا. قَالَ: أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - بالْحَقِّ، فَكُنْتُ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَلِرَسُولهِ، وَآمَنْتُ بِمَا بُعِثَ بِهِ، وَهَاجَرْتُ الْهِجْرَتَيْنِ كمَا قُلْتَ، وَصَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَبَايَعْتُهُ، فَوَاللَّهِ! مَا عَصَيْتُهُ، وَلَا غَشَشْتُهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ مِثْلُه، ثُمَّ عُمَرُ مِثْلُهُ، ثُمَّ اسْتُخْلِفْتُ، أَفَلَيْسَ لِي مِنَ الْحَقِّ مِثْلُ الَّذِي لَهُمْ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: فَمَا هَذِهِ الأَحَادِيثُ الَّتِي تَبْلُغُنِي عَنْكُمْ؟ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ شَأْنِ الْوَلِيدِ، فَسَنَأْخُذُ فِيهِ بِالْحَقِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ دَعَا عَلِيًّا، فَأَمَرَهُ أَنْ يَجْلِدَهُ، فَجَلَدَهُ ثَمَانِينَ. (ثم دعا عليًا، فأمره أن يجلده (¬1)، فجلده ثمانين): هذا مخالفٌ لرواية ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "يجلد".

باب: قصة البيعة، والاتفاق على عثمان بن عفان

مسلم: أنه جلده عبدُ الله بنُ جعفرٍ وعليٌّ يَعُدُّ، فلما بلغ أربعينَ، قال عليٌّ: أَمْسِكْ، جلدَ النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وعمرُ ثمانين، وكلٌّ سُنَّة (¬1)، وقد أعاده البخاري في هجرة الحبشة، مصرِّحًا فيه بأن الجلد كان أربعين (¬2). * * * 1980 - (3699) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قتَادَةَ: أَنَّ أَنسًا - رضي الله عنه - حَدَّثَهُمْ، قَالَ: صَعِدَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أُحُدًا، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، فَرَجَفَ، وَقَالَ: "اسْكُنْ أُحُدُ -أَظُنُّهُ ضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ-، فَلَيْسَ عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ". (اسكن أُحُدُ): بالبناء على الضم على القاعدة المقررة، وحرفُ النداء محذوف. * * * باب: قِصَّةِ البَيْعَةِ، والاتِّفَاقِ عَلَى عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ 1981 - (3700) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَبْلَ أَنْ يُصَابَ بِأَيَّامٍ بِالْمَدِينَةِ وَقَفَ عَلَى حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَعُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ، قَالَ: كَيْفَ فَعَلْتُمَا؟ أَتَخَافَانِ أَنْ تَكُونَا قَدْ حَمَّلْتُمَا الأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ؟ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1707). (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 787).

قَالَا: حَمَّلْنَاهَا أَمْرًا هِيَ لَهُ مُطِيقَةٌ، مَا فِيهَا كَبِيرُ فَضْلٍ. قَالَ: انْظُرَا أَنْ تَكُونَا حَمَّلْتُمَا الأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ، قَالَ: قَالَا: لَا. فَقَالَ عُمَرُ: لَئِنْ سَلَّمَنِي اللَّهُ، لأَدَعَنَّ أَرَامِلَ أَهْلِ الْعِرَاقِ لَا يَحْتَجْنَ إِلَى رَجُلٍ بَعْدِي أَبَدًا. قَالَ: فَمَا أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا رَابِعَةٌ حَتَّى أُصِيبَ. قَالَ: إني لَقَائِمٌ مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ غَدَاةَ أُصِيبَ، وَكَانَ إِذَا مَرَّ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، قَالَ: اسْتَوُوا. حَتَّى إِذَا لَمْ يَرَ فِيهِن خَلَلًا، تَقَدَّمَ، فَكَبَّرَ، وَرُبَّمَا قَرَأَ سُورَةَ يُوسُفَ، أَوِ النَّحْلَ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ، فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ كَبَّرَ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَتَلَنِي -أَوْ أَكَلَنِي- الْكَلْبُ. حِينَ طَعَنَهُ، فَطَارَ الْعِلْجُ بِسِكِّينٍ ذَاتِ طَرَفَيْنِ، لَا يَمُرُّ عَلَى أَحَدٍ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا إِلَّا طَعَنَهُ، حَتَّى طَعَنَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا، مَاتَ مِنْهُمْ سَبْعَةٌ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، طَرَحَ عَلَيْهِ بُرْنُسًا، فَلَمَّا ظَنَّ الْعِلْجُ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ، نَحَرَ نَفْسَهُ، وَتَنَاوَلَ عُمَرُ يَدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَقَدَّمَهُ، فَمَنْ يَلِي عُمَرَ فَقَدْ رَأَى الَّذِي أَرَى، وَأَمَّا نَوَاحِي الْمَسْجدِ، فَإِنَّهُمْ لَا يَدْرُونَ، غَيْرَ أَنَّهُمْ قَدْ فَقَدُوا صَوْتَ عُمَرَ وَهُمْ يَقُولُونَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ. فَصَلَّى بِهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ صَلَاةً خَفِيفَةً، فَلَمَّا انْصَرَفُوا. قَالَ: يَا بْنَ عَبَّاسٍ! انْظُرْ مَنْ قَتَلَنِي. فَجَالَ سَاعَةً، ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: غُلَامُ الْمُغِيرَةِ. قَالَ: الصَّنَعُ؟ قَالَ: نعَمْ. قَالَ: قَاتَلَهُ اللَّهُ! لَقَدْ أَمَرْتُ بِهِ مَعْرُوفًا، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ مَيتَتِي بِيَدِ رَجُلٍ يَدَّعِي الإِسْلَامَ، قَدْ كُنْتَ أَنْتَ وَأَبُوكَ تُحِبَّانِ أَنْ تَكْثُرَ الْعُلُوجُ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ رَقِيقًا. فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ فَعَلْتُ. أَيْ إِنْ شِئْتَ قَتَلْنَا. قَالَ: كَذَبْتَ، بَعْدَمَا تَكَلَّمُوا بِلِسَانِكُمْ، وَصَلَّوْا قِبْلَتَكُمْ، وَحَجُّوا حَجَّكُمْ؟ فَاحْتُمِلَ إِلَى

بَيْتِهِ، فَانْطَلَقْنَا مَعَهُ، وَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ تُصِبْهُمْ مُصِيبَةٌ قَبْلَ يَوْمَئِذٍ، فَقَائِلٌ يَقُولُ: لَا بَأْسَ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: أَخَافُ عَلَيْهِ، فَأُتِيَ بِنَبِيذٍ فَشَرِبَهُ، فَخَرَجَ مِنْ جَوْفِهِ، ثُمَّ أُتُيَ بِلَبَنٍ فَشَرِبَهُ، فَخَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ مَيِّتٌ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، وَجَاءَ النَّاسُ يُثْنُونَ عَلَيْهِ، وَجَاءَ رَجُلٌ شَابٌّ، فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِبُشْرَى اللَّهِ لَكَ مِنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَدَمٍ فِي الإسْلَامِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، ثُمَّ وَلِيتَ فَعَدَلْتَ، ثُمَّ شَهَادَةٌ. قَالَ: وَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ كفَافٌ لَا عَلَيَّ وَلَا لِي. فَلَمَّا أَدْبَرَ، إِذَا إِزَارُهُ يَمَسُّ الأَرْضَ. قَالَ: رُدُّوا عَلَيَّ الْغُلَامَ، قَالَ: ابْنَ أَخِي! ارْفَعْ ثَوْبَكَ؛ فَإِنَّهُ أَبْقَى لِثَوْبِكَ، وَأَتْقَى لِرَبِّكَ، يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ! انْظُرْ مَا عَلَيَّ مِنَ الدَّيْنِ. فَحَسَبُوهُ فَوَجَدُوهُ سِتَّةً وَثَمَانِينَ أَلْفًا أَوْ نَحْوَهُ، قَالَ: إِنْ وَفَى لَهُ مَالُ آلِ عُمَرَ، فَأَدِّهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَإِلَّا، فَسَلْ فِي بَنِي عَدِيِّ بْنِ كعْبٍ، فَإِنْ لَمْ تَفِ أَمْوَالُهُمْ، فَسَلْ فِي قُرَيْشٍ، وَلَا تَعْدُهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ، فَأَدِّ عَنِّي هَذَا الْمَالَ، انْطَلِقْ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، فَقُلْ: يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ السَّلَامَ. وَلَا تَقُلْ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؛ فَإِنَّي لَسْتُ الْيَوْمَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَمِيرًا، وَقُلْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ. فَسَلَّمَ وَاسْتَأْذَنَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهَا، فَوَجَدَهَا قَاعِدَةً تَبْكِي، فَقَالَ: يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ السَّلَامَ، وَيَسْتَأْذِنُ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ. فَقَالَتْ: كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي، وَلأُوثِرَنَّ بِهِ الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي. فَلَمَّا أَقْبَلَ، قِيلَ: هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَدْ جَاءَ. قَالَ: ارْفَعُونِي، فَأَسْنَدَهُ رَجُلٌ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا لَدَيْكَ؟ قَالَ: الَّذِي تُحِبُّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَذِنَتْ. قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، مَا كانَ مِنْ شَيْءٍ أَهَمُّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ، فَإِذَا أَنَا قَضَيْتُ، فَاحْمِلُونِي، ثُمَّ

سَلِّمْ، فَقُلْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَإِنْ أَذِنَتْ لِي، فَأَدْخِلُونِي، وَإِنْ رَدَّتْنِي، رُدُّوني إِلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ. وَجَاءَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ حَفْصَةُ وَالنِّسَاءُ تَسِيرُ مَعَهَا، فَلَمَّا رَأَيْنَاهَا، قُمْنَا، فَوَلَجَتْ عَلَيْهِ، فَبَكَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، وَاسْتَأْذَنَ الرِّجَالُ، فَوَلَجَتْ دَاخِلًا لَهُمْ، فَسَمِعْنَا بُكَاءَهَا مِنَ الدَّاخِلِ. فَقَالُوا: أَوْصِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اسْتَخْلِفْ. قَالَ: مَا أَجِدُ أَحَقَّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنْ هَؤُلَاءَ النَّفَرِ أَوِ الرَّهْطِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ عَنْهُمْ رَاضٍ. فَسَمَّى عَلِيًّا، وَعُثْمَانَ، وَالزُّبَيْر، وَطَلْحَةَ، وَسَعْدًا، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَقَالَ: يَشْهَدُكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَلَيْسَ لَهُ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ -كَهَيْئَةِ التَّعْزِيَةِ لَهُ-، فَإِنْ أَصَابَتِ الإِمْرَةُ سَعْدًا، فَهْوَ ذَاكَ، وَإلَّا، فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ أَيُّكُمْ مَا أُمِّرَ؛ فَإِنَّي لَمْ أَعْزِلْهُ عَنْ عَجْزٍ وَلَا خِيَانَةٍ. وَقَالَ: أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِالْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ؛ أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ، وَيَحْفَظَ لَهُمْ حُرْمَتَهُمْ، وَأُوصِيهِ بِالأَنْصَارِ خَيْرًا، الَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ؛ أَنْ يُقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَأَنْ يُعْفَى عَنْ مُسِيئِهِمْ، وَأُوصِيهِ بِأَهْلِ الأَمْصَارِ خَيْرًا؛ فَإِنَّهُمْ رِدْءُ الإِسْلَامِ، وَجُبَاةُ الْمَالِ، وَغَيْظُ الْعَدُوِّ، وَأَنْ لَا يُؤْخَذَ مِنْهُمْ إِلَّا فَضْلُهُمْ عَنْ رِضَاهُمْ، وَأُوصِيهِ بِالأَعْرَابِ خَيْرًا؛ فَإِنَّهُمْ أَصْلُ الْعَرَبِ، وَمَادَّةُ الإِسْلَامِ؛ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ، وَتُرَدَّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -؛ أَنْ يُوفَى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَأَنْ يُقَاتَلَ مِنْ وَرَائِهِمْ، وَلَا يُكَلَّفُوا إِلَّا طَاقَتَهُمْ. فَلَمَّا قُبِضَ، خَرَجْنَا بِهِ، فَانْطَلَقْنَا نَمْشِي، فَسَلَّمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. قَالَتْ: أَدْخِلُوهُ. فَأُدْخِلَ، فَوُضعَ هُنَالِكَ مَعَ صَاحِبَيْهِ، فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ دَفْنِهِ، اجْتَمَعَ هَؤُلَاءَ الرَّهْطُ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: اجْعَلُوا أَمْرَكُمْ إِلَى ثَلَاثَةٍ مِنْكُمْ. فَقَالَ الزُّبَيْرُ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عَلِيٍّ.

فَقَالَ طَلْحَةُ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عُثْمَانَ. وَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَيُّكُمَا تَبَرَّأَ مِنْ هَذَا الأَمْرِ، فَنَجْعَلُهُ إِلَيْهِ، وَاللَّهُ عَلَيْهِ وَالإسْلَامُ لَيَنْظُرَنَّ أَفْضَلَهُمْ فِي نَفْسِهِ. فَأُسْكِتَ الشَيْخَانِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَفَتَجْعَلُونَهُ إِلَيَّ، وَاللَّهُ عَلَيَّ أَنْ لَا آلُوَ عَنْ أَفْضَلِكُمْ؟ قَالَا: نَعَمْ، فَأَخَذَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا، فَقَالَ: لَكَ قَرَابَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَالْقَدَم فِي الإِسْلَامِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، فَاللَّهُ عَلَيْكَ لَئِنْ أَمَّرْتُكَ لَتَعْدِلَنَّ، وَلَئِنْ أَمَّرْتُ عُثْمَانَ لَتَسْمَعَنَّ وَلَتُطِيعَنَّ. ثُمَّ خَلَا بِالآخَرِ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا أَخَذَ الْمِيثَاقَ، قَالَ: ارْفَعْ يَدَكَ يَا عُثْمَانُ. فَبَايَعَهُ، فَبَايَعَ لَهُ عَلِيٌّ، وَوَلَجَ أَهْلُ الدَّارِ فَبَايَعُوهُ. (حملناها أمرًا هي له مطيقة): أي: حَمَّلْنا أرضَ الخراج من الخراج ما تَحتمله وتُطيقه. (قتلني، أو (¬1) أكلني الكلبُ): قيل: ظن أن كلبًا عضَّه لما جُرح (¬2)، وكان يقول: ما أظنه إلا كلبًا حتى طُعن الثالثة. (فطار العلجُ): أي: أسرع في مشيه، والعلجُ: الرجل الشديد. (الصَّنعَ): -بفتح الصاد المهملة والنون-: هو الصانعُ الحاذقُ في صناعته (¬3)، يقال: رجلٌ صَنَعٌ، وامرأة صَنَاعٌ، وكان حدادًا نقاشًا نجارًا (¬4). ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "و". (¬2) في "ع" و"ج": "خرج". (¬3) في "م": "صناعة". (¬4) في "ع" و"ج": "نجارًا نقاشًا".

(طَرح عليه بُرنُسًا): -بضم الباء الموحدة والنون-: كساء. وجاء أن الرجل الذي طرح عليه (¬1) عبدُ الرحمن بن عوف، وهو الذي احتزَّ رأسَه بعد قتل نفسه. (الحمد لله الذي لم يجعل مِيتتي (¬2)): بكسر الميم وبمثناتين من فوق. ويروى: "منيتي" -بنون بعد الميم-: واحدة المنايا. (على يد رجل مسلم): وذلك لأن قاتله هو فيروز (¬3) أبو (¬4) لؤلؤة، [غلامُ المغيرةِ بنِ شُعبةَ، وكان -أعني: أبا لؤلؤة] (¬5) - رجلًا مجوسيًّا. (وجاء رجلٌ شابٌّ): هو عبد الله بن عبَّاس. (فإنَّه أنقى لثوبك): بالنون، ويروى بالباء الموحدة. (ثمَّ سلِّمْ فقلْ: يستأذن عمر): إنَّما أمره بإعادة الاستئذان بعدَ موته وَرَعًا، ومخافَة أن تكون أذنتْ له في حياته حياء ومحاباةً، وقد مر فيه كلام. (فولجت داخلًا لهم): أي: لما استأذن الرِّجال، قامت حفصةُ من عند أبيها، وولجت؛ لأجل الرَّجال في داخل البيت، بحيث لا يرونها. (وردءُ الإسلام): أي: عَوْنُه. (وغيظُ العدوِّ): أي: إنهم يغيظون العدو بكثرتهم. ¬

_ (¬1) في "ع": "إليه". (¬2) في "ع": "منيتي". (¬3) "هو فيروز" ليست في "ع". (¬4) في "ع": "أبا". (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ع".

باب: مناقب علي بن أبي طالب أبي الحسن القرشي الهاشمي - رضي الله عنه -

(فأُسكِت الشّيخان): بضم الهمزة وكسر الكاف، على البناء للمفعول. ويروى بفتحها، على البناء للفاعل، وصوّبه أبو ذر، يقال: أسكتَ الرجلُ؛ أي: صارَ ساكتًا (¬1). * * * باب: مَنَاقِبِ عَليِّ بنِ أبي طَالِبٍ أبي الحَسَنِ القُرشيِّ الهَاشِمِّي - رضي الله عنه - 1982 - (3701) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ". قَالَ: فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا؟ فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ، غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، كُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَاهَا، فَقَالَ: "أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟ "، فَقَالُوا: يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "فَأَرْسِلُوا إِلَيْهِ فَأْتُونِي بِهِ". فَلَمَّا جَاءَ، بَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ، وَدَعَا لَهُ، فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ، فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ. فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا؟ فَقَالَ: "انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإسْلَامِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِيهِ، فَوَاللَّهِ! لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ". (فبات النّاس يدوكون): أي: يخوضون، يقال: بات القوم يدوكون: ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 787 - 788).

إذا وقعوا في اختلاط (¬1). * * * 1983 - (3704) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عُمَرَ، فَسَأَلَهُ عَنْ عُثْمَانَ، فَذَكَرَ عَنْ مَحَاسِنِ عَمَلِهِ، قَالَ: لَعَلَّ ذَاكَ يَسُوكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَرْغَمَ اللَّهُ بِأَنْفِكَ. ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ عَلِيٍّ، فَذَكَرَ مَحَاسِنَ عَمَلِهِ، قَالَ: هُوَ ذَاكَ، بَيْتُهُ أَوْسَطُ بُيُوتِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. ثُمَّ قَالَ: لَعَلَّ ذَاكَ يَسُوكَ؟ قَالَ: أَجَلْ. قَالَ: فَأَرْغَمَ اللَّهُ بِأَنْفِكَ، انْطَلِقْ فَاجْهَدْ عَلَيَّ جَهْدَكَ. (رغِم الله بأنفك): -بكسر الغين المعجمة وفتحها-؛ أي: ألصقه بالرَّغام؛ أي: التراب ويروى: "فأرغم" (¬2). (فاجهدْ عليَّ جَهْدَكَ): أي: افعلْ في حقي ما تقدرُ عليه. * * * 1984 - (3706) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ، عَنْ أَبيهِ، قَالَ: قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِعَلِيٍّ: "أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى؟ ". (أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى؟): يريد بذلك استخلافَه على ذُرِّيته وأهله، لا الخلافةَ بعدَ الموت كما ظنَّ الرَّوافض؛ فإن ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 788). (¬2) المرجع السابق، الموضع نفسه.

باب: مناقب جعفر بن أبي طالب الهاشمي - رضي الله عنه -

وفاةَ هارون كانت قبل وفاةِ موسى -عليه السّلام-. * * * باب: مَنَاقِبِ جَعْفَر بنِ أَبي طَالِبٍ الهَاشِمِّي - رضي الله عنه - 1985 - (3708) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دِينَارٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيُّ، عَنِ ابْنِ أبي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَقُولُونَ: أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ. وَإِنَي كُنْتُ أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِشِبَعِ بَطْنِي، حَتَّى لَا آكُلُ الْخَمِيرَ، وَلا أَلْبَسُ الحَبِيرَ، وَلا يَخدُمُنِي فُلَانٌ وَلا فُلَانَةُ، وَكُنْتُ أُلْصِقُ بَطْنِي بِالْحَصْبَاءِ مِنَ الْجُوعِ، وَإِنْ كُنْتُ لأَسْتَقْرِئُ الرَّجُلَ الآيَةَ هِيَ مَعِي كَيْ يَنْقَلِبَ بِي فَيُطْعِمَنِي، وَكَانَ أَخْيَرَ النَّاسِ لِلْمِسْكِينِ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، كَانَ يَنْقَلِبُ بِنَا، فَيُطْعِمُنَا مَا كَانَ فِي بَيْتِهِ، حَتَّى إِنْ كَانَ لَيُخْرِجُ إِلَيْنَا الْعُكَّةَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ، فَنَشُقُّهَا، فَنَلْعَقُ مَا فِيهَا. (لا آكلُ الخميرَ): -بالميم-؛ أي: الذي (¬1) جُعل في عجينه الخمير. ويروى: "الخبيز" -بالموحدة والزَّاي-؛ أي: الخبز المأدوم (¬2). (ولا ألبسُ الحبيرَ): -بالحاء المهملة والباء الموحدة-: المحبر؛ كالبرودِ اليمانية، ونحوها ويروى: "الحرير" (¬3). (وإن كنتُ لأستقرئ الرجلَ الآيَة): قال الزركشي: هذا معنى ما في ¬

_ (¬1) "الذي" ليست في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 789). (¬3) المرجع السابق، الموضع نفسه.

باب: مناقب الزبير بن العوام - رضي الله عنه -

"الحلية": "أنَّه وجد عمر، فقال: أقريني" (¬1)، فظنَّ أنه من القراءة، وإنما أردتُ القِرى (¬2). قلت: إذا كان مراده قرى الضيف، فكيف يكون هذا معنى (¬3) قوله: "وإن كنت لأستقرئ الرجلَ الآيةَ"؟! * * * باب: مَنَاقِب الزُّبَيرِ بنِ العَوَّامِ - رضي الله عنه - 1986 - (3720) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أبَيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: كُنْتُ يَوْمَ الأَحْزَابِ جُعِلْتُ أَنَا وَعُمَرُ ابْنُ أبي سَلَمَةَ فِي النِّسَاءَ، فَنَظَرْتُ، فَإِذَا أَنَا بِالزُّبَيْرِ عَلَى فَرَسِهِ، يَخْتَلِفُ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَلَمَّا رَجَعْتُ، قُلْتُ: يَا أَبَتِ! رَأَيْتُكَ تَخْتَلِفُ. قَالَ: أَوَ هَلْ رَأَيْتَنِي يَا بُنَيَّ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ يَأْتِ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَيَأْتِينِي بِخَبَرِهِمْ؟ "، فَانْطَلَقْتُ، فَلَمَّا رَجَعْتُ، جَمَعَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبَويهِ، فَقَالَ: "فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي". (عن عبد الله بن الزّبير، قال: كنت يوم الأحزاب): وهو يوم الخندق، كان في سنة أربع، وعند انصرافهم كانت قريظة، فيكون سنُّ عبدِ الله سنتين وأشهرًا؛ فإنه ولد في السّنة الثانية من الهجرة. ¬

_ (¬1) رواه أبو نعيم في "الحلية" (1/ 377 - 378). (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 789). (¬3) في "ج": "هذا على معنى".

باب: مناقب سعد بن أبي وقاص الزهري - رضي الله عنه -

وقيل: كانت الأحزاب سنةَ خمس، فعلى هذا يكون سنُّه (¬1) ثلاثَ سنين وأشهرًا، ولم يذكر أن أحدًا من الصحابة عَقَلَ دونَ هذا السنِّ، وغايةُ ما ذُكر: محمودُ بنُ الربيع في خمس (¬2). * * * 1987 - (3721) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالُوا لِلزُّبَيْرِ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ: أَلَا تَشُدُّ فَنَشُدَّ مَعَكَ؟ فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ، فَضَرَبُوهُ ضَرْبَتَيْنِ عَلَى عَاتِقِهِ، بَيْنَهُمَا ضَرْبَةٌ ضُرِبَهَا يَوْمَ بَدْرٍ. قَالَ عُرْوَةُ: فَكُنْتُ أُدْخِلُ أَصَابِعِي فِي تِلْكَ الضَّرَبَاتِ ألعَبُ وَأَنَا صَغِيرٌ. (يوم اليَرْموك): -بإسكان الراء (¬3) - كان (¬4) في خلافة عمر. * * * باب: مَنَاقِبِ سَعْدِ بنِ أَبي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيِّ - رضي الله عنه - 1988 - (3728) - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدًا - رضي الله عنه - يَقُولُ: إِنِّي لأَوَّلُ الْعَرَبِ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَكُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ¬

_ (¬1) "سنه" ليست في "ع" و"ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 789). (¬3) في "ع": "الياء"، و"بإسكان الراء" ليست في "ج". (¬4) "كان" ليست في "ع".

باب: ذكر أصهار النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم أبو العاص بن الربيع

ومَا لَنَا طَعَامٌ إِلَّا وَرَقُ الشَّجَرِ، حَتَّى إنَّ أَحَدَنَا لَيَضَعُ كَمَا يَضَعُ الْبَعِيرُ أَوِ الشَّاةُ، مَا لَهُ خِلْطٌ، ثُمَّ أَصْبَحَتْ بَنُو أَسَدٍ تُعَزِّرُنِي عَلَى الإِسلَامِ؟! لَقَدْ خِبْتُ إِذًا وَضَلَّ عَمَلِي. وَكَانُوا وَشَوْا بِهِ إلَى عُمَرَ، قَالُوا: لَا يُحْسِنُ يُصَلِّي. (تُعَزِّرني على الإسلام): أي: تُؤَدبني؛ من التّعزير الذي هو التأديب، [أي:] تعلَّمني الصلاة، وتقول: لا أحسنُها. * * * باب: ذِكْرِ أَصْهَارِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - منهم أَبو العَاص بنِ الرَّبِيعِ 1989 - (3729) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ: أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ قَالَ: إِنَّ عَلِيًّا خَطَبَ بِنْتَ أَبِى جَهْلٍ، فَسَمِعَتْ بِذَلِكَ فَاطِمَةُ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: يَزْعُمُ قَوْمُكَ أَنَّكَ لَا تَغْضَبُ لِبَنَاتِكَ، هَذَا عَلِيٌّ نَاكِحٌ بِنْتَ أَبي جَهْلٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَمِعْتُهُ حِينَ تَشَهَّدَ يَقُولُ: "أَمَّا بَعْدُ: أَنْكَحْتُ أَبَا الْعَاصِ ابْنَ الرَّبِيعِ، فَحَدَّثَنِي وَصَدَقَنِي، وَإِنَّ فَاطِمَةَ بَضْعَةٌ مِنِّي، وَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَسُوءَهَا، وَاللَّهِ! لَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ عِنْدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ". فَتَرَكَ عَلِيٌّ الْخِطْبَةَ. (فترك عليٌّ الخِطبة): بكسر الخاء.

باب: مناقب زيد بن حارثة مولى النبي - صلى الله عليه وسلم -

باب: مَنَاقِب زَيدِ بِن حَارِثَةَ مَولَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - 1990 - (3730) - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَعْثًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فطَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِمَارَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إن تَطْعُنُوا فِي إِمَارَتِهِ، فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعُنُونَ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَايْمُ اللَّهِ! إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلإمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ". (فطعن بعضُ الناس في إمارته): ذكر ابن عساكر في "تاريخ دمشق" حديثًا في هذه القصة، فقال رجلٌ من المهاجرين -وكان أشدَّ الناس في ذلك قولًا عياشُ بنُ أبي ربيعة-: يستعمل هذا الغلامَ على المهاجرين؟! فكثرت المقالة في ذلك، فسمع عمرُ بنُ الخطاب بعض (¬1) ذلك القول، فردَّه على مَنْ تكلم، وجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأخبره بقول من قال، فغضب (¬2) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غضبًا شديدًا، وساق الحديث (¬3). * * * باب: مَنَاقِب عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَر بنِ الخَطَّابِ - رضي الله عنه - 1991 - (3738) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نصرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِم، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: ¬

_ (¬1) في "ج": "بعد". (¬2) في "ع": "غضب". (¬3) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (2/ 55).

كَانَ الرَّجُلُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا رَأَى رُؤْيَا، قَصَّهَا عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا أَقُصُّهَا عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَكُنْتُ غُلَامًا أَعْزَبَ، وَكُنْتُ أَنَامُ فِي الْمَسْجدِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي، فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كطَيِّ الْبِئْرِ، وإِذَا لَهَا قَرْنَانِ كَقَرْنَي الْبِئْرِ، وَإِذَا فِيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ. فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ آخَرُ، فَقَالَ لِي: لَنْ تُرَاعَ. فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ. (شابًّا (¬1) عزبًا (¬2)): قال الزركشي: كذا، والصحيح أعزب (¬3). قلت: هذا عجيب، فإنّ الذي ذكره القاضي والجوهري وغيرهما: عَزَب، بدون همزة. [وحكى السفاقسي في هذه الكلمة روايتين: إحداهما: أعزب -بالهمزة-، والثانية: عَزَب -بدون همزة-] (¬4) , وهي رواية أبي ذر. قال السفاقسي: وهو الذي ذكر أهل اللغة (¬5). (لن تُراعَ): كذا للجمهور هنا، وعند القابسي: "لَنْ تُرَعْ" -بالجزم-، وهي لغة لبعض العرب, وقد سبق الكلام عليه. ¬

_ (¬1) كذا في رواية أبي ذر الهروي، وفي اليونينية: "غلامًا"، وهي المعتمدة في النص. (¬2) كذا في رواية أبي ذر الهروي عن الكشميهني، وفي اليونينية: "أعزب". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 790)، وعنده: "والفصيح أعزب". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬5) انظر: "التوضيح" (20/ 343).

باب: مناقب عمار وحذيفة -رضي الله عنهما-

باب: مَنَاقِبِ عَمَّارٍ وحُذَيفَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- 1992 - (3742) - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: قَدِمْتُ الشَّأْمَ، فَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قُلْتُ: اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا، فَأَتَيْتُ قَوْمًا، فَجَلَسْتُ إِلَيْهِمْ، فَإِذَا شَيْخٌ قَدْ جَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِي، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: أَبُو الدَّرْدَاءِ. فَقُلْتُ: إِني دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُيَسِّرَ لِي جَلِيسًا صَالِحًا، فَيَسَّرَكَ لِي، قَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ. قَالَ: أَوَ ليسَ عِنْدَكُمُ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ صَاحِبُ النَّعْلَيْنِ وَالْوِسَادِ وَالْمِطْهَرَةِ، وَفِيكُمُ الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم -، أَوَ لَيْسَ فِيكُمْ صَاحِبُ سِرِّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الَّذِي لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ غَيْرُهُ؟ ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ يَقْرَأُ عَبْدُ اللَّهِ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1]، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} [الليل: 1 - 3]. قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ فِيهِ إِلَى فِيَّ. (أو ليسَ عندَكم ابنُ أم عبد (¬1)): يعني: ابنَ مسعود. (صاحب النّعلين، والوسادة، والمِطهرة): بكسر الميم، ويروى: "والمطهر" -بدون هاء-. قال الداودي: لم يكن له في الجهاد إلا ذلك؛ لتخليه من الدنيا، وقد أنكر عليه ذلك. قالوا: وإنما المراد: الثناءُ عليه بخدمة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهو الفخر، وكان ابنُ مسعودٍ يمشي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث ينصرف، ويخدمه، ويحمل مطهرته، ¬

_ (¬1) في "ع": "ابن آدم".

وسواكه، ونعليه، وما يحتاج إليه. وقوله: والوسادة، كذا ذكره البخاري هنا، وفي باب الوضوء. وقيل: صوابه: السواد؛ أي (¬1): صاحبُ السواد كما سنذكره بعدُ: "إِذْنُكَ عَلَيَّ أَنْ تَرْفَعَ الحِجَابَ وَتَسْمَعَ سَوادِي حَتَّى أَنْهاكَ" رواه (¬2) مسلم عن ابن مسعود، قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬3). وهذه خصوصيّة لابن مسعود - رضي الله عنه - (¬4). (وفيكم الذي أجاره الله): يعني: عمار بن ياسر. (وفيكم صاحبُ سر (¬5) النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬6) الذي لا يعلمه أحدٌ غيرُه): يريد: حُذيفة، والسرُّ هو: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أعلمَه أسماءَ المنافقين. وقيل: أعلمَه أسماء المنافقين الذين نَخَسوا بعيره ليلةَ العقبة، وكانوا اثني عشر رجلًا. وروى الطبراني في "الكبير" عن الزبير (¬7) بن (¬8) بكار في تسمية المنافقين ¬

_ (¬1) في "ع": "كذا". (¬2) في "ع": "رواية". (¬3) رواه مسلم (2169). (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 790). (¬5) "سر" ليست في "ع". (¬6) في "ع": "رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". (¬7) في "ج": "عن ابن الزبير". (¬8) في "ج": "عن ابن".

أصحاب العقبة: مُعَتِّبُ بنُ قُشير، وهو الذي قال: {لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} [آل عمران: 154]، شهد الزبيرُ عليه بذلك. ومنهم: وديعةُ بنُ ثابت، وهو الذي قال: {إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} [التوبة: 65]. وجدّ بن عبد الله. والحارثُ بنُ يزيد. وأوس بن قيظي (¬1)، وهو الذي قال: {إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} [الأحزاب: 13]. والجلاس بن سويد بن الصامت، ويلغنا أنَّه تاب بعد ذلك. وسعد بن زرارة. وسويد وداعس وقيس بن عمرو (¬2) بن فهد. وزيد بن اللصيت (¬3). وسلالة بن الحمام (¬4). وأمّا قراءة عبد الله: {والذكر والأنثى}، فقيل: إنها أُنزلت كذلك، ثم أنزل: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} [الليل: 3]، فلم يسمعه عبدُ الله، ولا أبو الدرداء، وسمعه سائرُ الناس، وأثبت في المصاحف، وهذا كظن عبد الله أنَّ المعوذتين ليستا من القرآن (¬5). ¬

_ (¬1) في "ع": "قطني". (¬2) في "ع" و"ج": "عمر". (¬3) في "ع" و"ج": "الصليب". (¬4) رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (3017). (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 791).

باب: مناقب الحسن والحسين -رضي الله عنهما-

باب: مَنَاقِبِ الحَسَنِ والحُسَينِ -رضيَ اللهُ عَنْهُما- 1993 - (3748) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أُتِيَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، فَجُعِلَ فِي طَسْتٍ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ، وَقَالَ فِي حُسْنِهِ شَيْئًا. فَقَالَ أَنَسٌ: كَانَ أَشْبَهَهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكانَ مَخْضُوبًا بِالْوَسْمَةِ. (بالوسمة): بكسر السّين المهملة وتسكينها. قال الجوهري: والوَسِمة -بكسر السّين-: العِظْلِمُ يُختضَب به (¬1)، وتسكينُها لغة، ولا تقل: "وُسمة"، بضم الواو (¬2). * * * 1994 - (3750) - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ - رضي الله عنه -، وَحَمَلَ الْحَسَنَ وَهْوَ يَقُولُ: بِأَبِي شَبِيهٌ بِالنَّبِيِّ، لَيْسَ شَبِيهٌ بِعَلِيٍّ، وَعَلِيٌّ يَضْحَكُ. (بأبي شبيهٌ بالنبي ليس شبيهٌ بعلي): قال ابن مالك: كذا ثبت في "صحيح البخاري" "شبيهٌ": -بالرفع- بناءً على أنَّ "ليس" حرف عطف، كما يقول (¬3) الكوفيون؛ أي: بأبي شبيهٌ بالنبيِّ لا شبيهٌ بعليًّ، ويجوز أن ¬

_ (¬1) في "ع": "بها". (¬2) انظر: "الصحاح" (5/ 2051)، (مادة: وسم). (¬3) في "ج": "يقال".

باب: مناقب بلال بن رباح مولى أبي بكر -رضي الله عنهما-

يكون "شبيه": اسم ليس، وخبرها ضمير متصل حُذف استغناءً بنيَّتِهِ (¬1) عن (¬2) لفظه (¬3). * * * باب: مَنَاقِبِ بِلالِ بنِ رَبَاح مَولَى أبي بَكْرٍ -رَضي اللهُ عَنْهُما- 1995 - (3754) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، أَخْبَرَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَقُولُ: أَبُو بَكْرٍ سَيِّدُنَا، وَأَعْتَقَ سَيِّدَنَا. يَعْنِي: بِلَالًا. (وأعتق سيدَنا): ليس المراد من قول عمر هذا أنَّ بلالًا أفضلُ، وإنَّما أراد أنَّه (¬4) من سادة هذه الأمَّة. * * * باب: مَنَاقِبِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ 1996 - (3761) - حَدَّثَنَا مُوسَى، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ: دَخَلْتُ الشَّأْمَ، فَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا، فَرَأَيْتُ شَيْخًا مُقْبِلًا، فَلَمَّا دَنَا، قُلْتُ: أَرْجُو أَنْ يَكُونَ اسْتَجَابَ، قَالَ: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ. قَالَ: أَفَلَمْ يَكُنْ ¬

_ (¬1) في "ع": "ببينته". (¬2) في "ج": "على". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 791). (¬4) "أنه" ليست في "ع" و"ج".

فِيكُمْ صَاحِبُ النَّعْلَيْنِ وَالْوِسَادِ وَالْمِطْهَرَةِ؟ أَوَ لَمْ يَكُنْ فِيكُمُ الَّذِي أُجِيرَ مِنَ الشَّيْطَانِ؟ أَوَ لَمْ يَكُنْ فِيكُمْ صَاحِبُ السَّرِّ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ؟ كَيْفَ قَرَأَ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ {وَاللَّيْلِ}، فَقَرَأْتُ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} [الليل: 1 - 3]، قَالَ: أَقْرَأَنِيهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَاهُ إِلَى فِيَّ، فَمَا زَالَ هَؤُلَاءِ حَتَّى كادُوا يَرُدُّونِي. (أقرأنيها (¬1) النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2) فاه إلى فاي): قال الزركشي: هذا من إحدى (¬3) اللغات، وهي القصر؛ كعصا، فإعرابه مقدّر في آخره (¬4). قلت: يريد: إلى (¬5) فاي (¬6) -بالألف- مع أنه مجرور، و (¬7) في نسخة: "إلى فِيَّ" -بالياء- مدغمة على المعروف. وأما نصب "فاه"، فالمنقولُ في مثله ثلاثة أقوال: أحدها: أن يكون "فاه" حالًا، وصرح ابن مالك في "التسهيل" بأنَّه الأَوْلى. فإن قلت: قوله: إلى فيَّ ما موقعه؟ ¬

_ (¬1) في "ع": "أقرأنيهما". (¬2) في "ج": "رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". (¬3) في "ع": "أحد". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 791). (¬5) في "ج": "أي". (¬6) في "ع": "أن". (¬7) الواو ليست في "ع".

قلت: هو عند سيبويه تبيين؛ مثل: لك بعد (¬1) سقيا. الثاني: أن يكون "فاه" منصوبًا بمحذوف هو الحال، والتقدير: جاعلًا فاه (¬2) إلى فيَّ. الثالث: الأصل: من فيه إلى فيَّ، فحذف (¬3) الجار، فانتصب ما كان مجرورًا به. * * * 1997 - (3762) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: سَأَلْنَا حُذَيْفَةَ عَنْ رَجُلٍ قَرِيبِ السَّمْتِ وَالْهَدْيِ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى نَأْخُذَ عَنْهُ، فَقَالَ: مَا أَعْرِفُ أَحَدًا أَقْرَبَ سَمْتًا وَهَدْيًا وَدَلًّا بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ. (ما أعلم (¬4) أحدًا أقربَ سَمْتًا): -بفتح السين المهملة وسكون الميم-؛ أي: طريقًا. (وهَدْيًا): مثل الأول وزنًا ومعنى. (ودَلًّا): -بفتح الدَّال المهملة-: الشكل والحالة التي يكون عليها الإنسان؛ من السكينة والوقار، وحسن السيرة (¬5)، والمنظر والهيئة. ¬

_ (¬1) "بعد" ليست في "ع". (¬2) في "ع" و"ج": "جاء فاعلًا فاه". (¬3) في "ج": "محذوف". (¬4) كذا في رواية أبي ذر الهروي، وفي اليونينية: "أعرف"، وهي المعتمدة في النص. (¬5) في "ج": "السير".

باب: فضل عائشة -رضي الله عنها-

باب: فَضْلِ عَائِشَةَ -رضي اللهُ عَنْها- 1998 - (3768) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ أبُو سَلَمَةَ: إِنَّ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا: "يَا عَائِشَ! هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلَامَ". فَقُلْتُ: وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، تَرَى مَا لَا أَرَى. تُرِيدُ: رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. (يا عائشَ!): -بالفتح على الترخيم- على لغة من نوى. * * * 1999 - (3769) - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَآسِيةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ". (كمَل): بفتح الميم. * * * 2000 - (3771) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجيدِ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: أَنَّ عَائِشَةَ اشْتَكَتْ، فَجَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ! تَقْدَمِينَ عَلَى فَرَطِ صِدْقٍ، عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ. (على فَرَط صدق): -بفتح الفاء والرّاء-؛ أي: متقدّم صدق.

باب: مناقب الأنصار

باب: مَنَاقِبِ الأَنْصَارِ 2001 - (3777) - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: كَانَ يَوْمُ بُعَاثَ يَوْمًا قَدَّمَهُ اللَّهُ لِرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدِ افْتَرَقَ مَلَؤُهُمْ، وَقُتِلَتْ سَرَوَاتُهُمْ، وَجُرِّحُوا، فَقَدَّمَهُ اللَّهُ لِرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي دُخُولِهِمْ فِي الإِسْلَامِ. (وقُتلت سَرَوَاتهم): -بفتحات (¬1) -؛ أي: خيارهم، وتقدَّم عن السهيلي فيه كلام. (وجُرحوا (¬2)): بجيم وحاء مهملة (¬3)، على البناء للمفعول. ويروى: "وخرجوا" (¬4)، بخاء معجمة وجيم، على البناء للفاعل. * * * 2002 - (3778) - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا - رضي الله عنه - يَقُولُ: قَالَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ -وَأَعْطَى قُرَيْشًا-: وَاللَّهِ! إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْعَجَبُ، إِنَّ سُيُوفَنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَاءِ قُرَيْشٍ، وَغَنَائِمُنَا تُرَدُّ عَلَيْهِمْ! فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَدَعَا الأَنْصَارَ. قَالَ: فَقَالَ: "مَا الَّذِي بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟ ". وَكَانُوا لَا يَكْذِبُونَ. ¬

_ (¬1) "بفتحات" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "وخرجوا". (¬3) "مهملة" ليست في "ج". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 792).

باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للأنصار: "أنتم أحب الناس إلي"

فَقَالُوا: هُوَ الَّذِي بَلَغَكَ. قَالَ: "أَوَ لَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بِالْغَنَائِمِ إِلَى بُيُوتِهِمْ، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى بُيُوتِكُمْ؟ لَوْ سَلَكَتِ الأَنْصَارُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ أَوْ شِعْبَهُمْ". (قالت الأنصار يومَ فتح مكة -وأعطى قريشًا-): يعني: من غنائم حنين بعد فتح مكة؛ لأنَّ أهل مكة (¬1) لم تقسم أموالهم (¬2). فانظر كيف يكون هذا القول يوم الفتح، والفرض أنّه ناشئ عن أمرٍ كان بعد الفتح؟ * * * باب: قَولِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - للأَنْصَار: "أَنْتُم أحبُّ النَاسِ إِليَّ" 2003 - (3785) - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: رَأَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ مُقْبِلِينَ -قَالَ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: مِنْ عُرُسٍ-، فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُمْثِلًا، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ أَنْتُمْ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ". قَالَهَا ثَلَاثَ مِرَارٍ. (فقام مُمْثِلًا): -بضم الميم الأولى وإسكان الثانية وكسر الثاء المثلثة وفتحها-؛ أي: منتصبًا قائمًا، كذا ضبطوه هنا. وقال السَّفاقسي: كذا وقع رباعيًا، والمعروف أنَّه ثلاثي؛ مَثَلَ الرجلُ مُثولًا: إذا انتصب قائمًا. انتهى. ويروى: "ممثَّلًا" -بتشديد المثلثة-؛ أي: مكلِّفًا نفسَه ذلك، ¬

_ (¬1) "لأن أهل مكة" ليست في "ج". (¬2) المرجع السابق، الموضع نفسه.

باب: أتباع الأنصار

وطالبًا ذلك منها (¬1). * * * باب: أَتْباعِ الأَنْصَارِ 2004 - (3787) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو: سَمِعْتُ أَبَا حَمْزَةَ، عَنْ زيدِ بْنِ أَرْقَمَ: قَالَتِ الأَنْصَارُ: لِكُلِّ نَبِيٍّ أَتْبَاعٌ، وَإِنَّا قَدِ اتَّبَعْنَاكَ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ أَتْبَاعَنَا مِنَّا. فَدَعَا بِهِ. فَنَمَيْتُ ذَلِكَ إِلَى ابْنِ أَبِي لَيْلَى. قَالَ: قَدْ زَعَمَ ذَلِكَ زَيْدٌ. (فنمَيت): -بتخفيف الميم-؛ أي: أسندت (¬2) ذلك، وأما بالتشديد: فإبلاغه على جهة الفساد (¬3). * * * باب: فَضْلِ دُورِ الأَنْصَارِ 2005 - (3789) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبي أُسَيْدٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "خَيْرُ دُورِ الأَنْصَارِ بَنُو النَّجَّارِ، ثُمَّ بَنُو عَبْدِ الأَشْهَلِ، ثُمَّ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ خَزْرَجٍ، ثُمَّ بَنُو سَاعِدَةَ، وَفِي كُلِّ دُورِ الأَنْصَارِ خَيْرٌ". فَقَالَ سَعْدٌ: مَا أَرَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَّا قَدْ فَضَّلَ عَلَيْنَا؟ فَقِيلَ: قَدْ فَضَّلَكُمْ عَلَى كَثِيرٍ. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 793). (¬2) في "ع": "أسدت". (¬3) في "ج": "جهة البلاغ".

باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للأنصار: "اصبروا حتى تلقوني على الحوض"

(عن أبي أُسَيد): -بضم (¬1) الهمزة وفتح السِّين-، وبعضهم قاله بفتح الهمزة وكسر السين. (خيرُ دور الأنصار): يعني: قبائلهم، والدار: القبيلة، قاله ابن فارس (¬2). * * * باب: قَولِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - للأَنْصَارِ: "اصْبِرُوا حتَّى تَلْقَوْني عَلَى الحَوْضِ" 2006 - (3794) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - حِينَ خَرَجَ مَعَهُ إِلَى الْوَلِيدِ، قَالَ: دَعَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الأَنْصَارَ إِلَى أَنْ يُقْطِعَ لَهُمُ الْبَحْرَيْنِ. فَقَالُوا: لَا، إِلَّا أَنْ تُقْطِعَ لإخْوَانِنَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِثْلَهَا. قَالَ: "إِمَّا لَا، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي؛ فَإِنَّهُ سَيُصِيبُكُمْ بَعْدِي أُثْرَةٌ". (أن يُقطع لهم البحرين): أي: يجعلها لهم على جهة الإقطاع (¬3). * * * باب: دُعَاءِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَصْلحِ الأَنْصَارَ والمُهَاجِرة" 2007 - (3797) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبي حَازِمٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ سَهْلٍ، قَالَ: جَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ونَحْنُ نَحْفِرُ ¬

_ (¬1) في "ع": "بفتح". (¬2) انظر: "المجمل" (ص: 343). (¬3) في "ع": "الانقطاع".

باب: قول الله -عز وجل-: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} [الحشر: 9]

الْخَنْدَقَ وَنَنْقُلُ التُّرَابَ عَلَى أَكْبادِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الآخِرَة، فَاغْفِرْ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ". (على أكبادنا): -بالموحدة-؛ أي: من الظهر مما يلي الكبد، ورواه أبو ذر بالتاء (¬1) الفوقية، جمع كَتَد -بفتح الكاف والتاء معًا-، وهو مغرز العنق في الصُّلب، وقيل: من أصل العنق إلى أسفل الكتفين (¬2). * * * باب: قَولِ اللهِ -عَزَّ وَجلَّ-: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] 2008 - (3798) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ فُضَيْلِ ابْنِ غَزْوَانَ، عَنْ أَبي حَازِمٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ، فَقُلْنَ: مَا مَعَنَا إِلَّا الْمَاءُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ يَضُمُّ، أَوْ يُضِيفُ هَذَا؟ "، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: أَنَا. فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: مَا عِنْدَنَا إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي، فَقَالَ: هَيِّئِي طَعَامَكِ، وَأَصْبِحِي سِرَاجَكِ، وَنَوَّمِي صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا عَشَاءً. فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا، وَأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا، وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا، ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا، فَأَطْفَأَتْهُ، فَجَعَلَا يُرِيَانِهِ أَنَّهُمَا يَأْكُلَانِ، فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ، غَدَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، ¬

_ (¬1) في "ج": "بالمثناة". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 793).

فَقَالَ: "ضَحِكَ اللَّهُ اللَّيْلَةَ -أَوْ عَجِبَ- مِنْ فَعَالِكُمَا". فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9]. (فقال رجلٌ من الأنصار: أنا): قال الزركشي: هو أبو طلحةَ زيدُ بنُ سهلٍ زوجُ أُمِّ سُليم (¬1). قلت: كذا ذكره ابن بشكوال، والذي وقع في مسلم: أنه أبو طلحة (¬2). وقال الخطيب فيما حكاه عنه مغلطاي: لا أراه زيد بن سهل، ووُجِّه: أن هذا الرجل المضيف ظهر من حاله أنه كان قليل ذات اليد، فإنّه لم يجد ما يضيف به إلا قوت أولاده، وأبو طلحة زيدُ بنُ سهل كان أكثر (¬3) أنصاري بالمدينة مالًا. (ونوِّمي صبيانك إذا أرادوا عَشاء): فيه نفوذُ فعل الأب على الابن، وإن كان منطويًا على ضرر، إذا كان ذلك من طريق النظر، وأنَّ القول فيه قولُ الأب، والفعلَ فعلُه؛ لأنهم نوَّموا الصِّبيان جياعًا؛ إيثارًا لقضاء حق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إجابة دعوته، والقيام بحقَّ ضيفه. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 793). (¬2) رواه مسلم (2054). (¬3) في "ج": "أكبر".

باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم"

باب: قَولِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "اقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهم، وتَجاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ" 2009 - (3799) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى أَبُو عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا شَاذَانُ أَخُو عَبْدَانَ، حَدَّثَنَا أَبي، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: مَرَّ أَبُو بَكْرٍ وَالْعَبَّاسُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- بِمَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الأَنْصَارِ وَهُمْ يَبْكُونَ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكُمْ؟ قَالُوا: ذَكَرْنَا مَجْلِسَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَّا. فَدَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ. قَالَ: فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ عَصَبَ عَلَى رَأْسِهِ حَاشِيَةَ بُرْدٍ. قَالَ: فَصَعِدَ الْمِنْبَرِ، وَلَمْ يَصْعَدْهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "أُوصِيكُمْ بِالأَنْصَارِ؛ فَإِنَّهُمْ كَرِشِي وَعَيْبَتِي، وَقَدْ قَضَوُا الَّذِي عَلَيْهِمْ، وَبَقِيَ الَّذِي لَهُمْ، فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ". (فإنهم كَرِشي): بفتح الكاف وكسر الراء. (وعَيْبتي): -بعين مهملة مفتوحة وياءٍ تحتية ساكنة وباء موحدة وتاء تأنيث-؛ أي: بطانتي وخاصتي، والعَيْبَة: موضعُ السر، استعار الكَرِشَ والعيبةَ لذلك؛ لأنَّ المجترَّ يجمع علفه (¬1) في كرشه، والرجل يجعل ثيابه في عَيبته، وقيل: أراد بالكرش: الجماعة؛ أي: جماعتي وصحابتي (¬2). * * * 2010 - (3800) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْغَسِيلِ، ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "عليه". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 795).

باب: مناقب سعد بن معاذ - رضي الله عنه -

سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وعَلَيْهِ مِلْحَفَةٌ، مُتَعَطِّفًا بِهَا عَلَى مَنْكِبَيْهِ، وَعَلَيْهِ عِصَابَةٌ دَسْمَاءُ حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ! فَإِنَّ النَّاسَ يَكْثُرُونَ، وَتَقِلُّ الأَنْصَارُ، حَتَّى يَكُونُوا كَالْمِلْح فِي الطَّعَامِ، فَمَنْ وَلِيَ مِنْكُمْ أَمْرًا يَضُرُّ فِيهِ أَحَدًا أَوْ يَنْفَعُهُ، فَلْيَقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَيَتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيئهِمْ". (مُتَعطفًا): -بميم مضمومة وتاء فوقية مفتوحة-؛ أي: متردِّيًا. * * * باب: مَنَاقِبِ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ - رضي الله عنه - 2011 - (3803) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا فَضْلُ بْنُ مُسَاوِرٍ خَتَنُ أَبِي عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه -: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "اهْتَزَّ الْعَرْشُ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ". (اهتز العرش لموت سعد): قيل: المراد: السرير، والصَّحيح عرشُ الله -عز وجل- كما وقع مبينًا (¬1) فى الحديث الذي بعده: "اهتزَّ عرشُ الرحمن"، والمراد: حَمَلَةُ العرش، ومعنى الاهتزاز: السرور والاستبشار، وإلَّا، فأي فخرٍ في اهتزاز سريره هو، وكلُّ سريرٍ يهتز إذا تجاذبته أيدي الرِّجال (¬2)؟! ¬

_ (¬1) في "م": "مبنيًا". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 794).

وقيل: معنى اهتزاز العرش لسعد: أنَّه ارتاح لروحه، واستبشر بصعوده لكرامته، وكل من خف لأمرٍ (¬1) واستبشر به، فقد اهتزَّ له. وقيل: قد يكون اهتزازُ العرش حقيقةً، جعله الله علامةً نصبَها لموتِ (¬2) وليٍّ من أوليائه يُنَبِه له ملائكتَه، ويشعرهم بفضله (¬3). * * * 2012 - (3804) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ ابْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -: أَنَّ أُنَاسًا نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَجَاءَ عَلَى حِمَارٍ، فَلَمَّا بَلَغَ قَرِيبًا مِنَ الْمَسْجدِ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "قُومُوا إِلَى خَيْرِكُمْ، أَوْ سَيِّدِكُمْ". فَقَالَ: "يَا سَعْدُ! إِنَّ هَؤُلَاءَ نزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ". قَالَ: فَإِني أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ، وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ. قَالَ: "حَكَمْتَ بِحُكْم اللَّهِ، أَوْ بِحُكْم الْمَلِكِ". (فلمّا بلغ قريبًا من المسجد): قيل: ذكرُ المسجد هنا وَهْم؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان مجاهدًا لبني قريظة، ولا مسجد هناك، وسعدٌ إنَّما جاء من المسجد، والأشبهُ أن المسجدَ تصحيف، وصوابه: فلما دنا من النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما رواه مسلم، وأبو داود (¬4). ¬

_ (¬1) في "ج": "الأمر". (¬2) في "ع": "للموت". (¬3) انظر: "التوضيح" (20/ 405). (¬4) رواه مسلم (1768)، وأبو داود (5216) لكن بمثل لفظ البخاري. وانظر: =

قلت: هذا من (¬1) نمط ما تقدم من الإقدام على تخطئة الرواية (¬2) الثابتة (¬3) الصحيحة بمجرد خيالٍ يقوم في النفس، إذ لا مانع أن يكون هناك مسجدٌ اختطه النبي - صلى الله عليه وسلم -. سلَّمنا أنَّه لم يكن هناك مسجد أصلًا (¬4)، لكنَّا لا نسلِّم أنَّ قوله: في المسجد متعلِّق بـ: قريبًا (¬5)، وإنَّما هو متعلِّق بمحذوف؛ أي: فلمَّا بلغ قريبًا من مكان النبي - صلى الله عليه وسلم - في حالة كونه جائيًا من المسجد، وذلك أنَّه لمَّا أصيب، أقام بمسجد المدينة، فلما طُلب، جاء منه، واستقام الكلام (¬6)، والحمد لله. (بحكم الملِك): يروى (¬7) بكسر اللام؛ والمراد به: اللهُ تعالى، ويروى بفتحها، على أنَّ المراد: المَلكُ النازلُ بالوحي (¬8). ¬

_ = "التنقيح" (2/ 794). (¬1) "من" ليست في "ع". (¬2) في "م": "الرواة". (¬3) في "ع": "الثانية". (¬4) بل كان هناك مسجد أعده النبي - صلى الله عليه وسلم - أيام محاصرته لبني قريظة للصلاة فيه، كما قال الحافظ في "الفتح" (7/ 156). (¬5) في "ع": "تقريبًا". (¬6) قلت: وهذا توجيه متكلف، والصواب ما تقدم عن الحافظ ابن حجر، والله أعلم. (¬7) في "ج": "ويروى". (¬8) انظر: "التنقيح" (2/ 794).

باب: منقبة سعد بن عبادة - رضي الله عنه -

باب: مَنْقَبةِ سَعْدِ بنِ عُبَادَةَ - رضي الله عنه - 2013 - (3807) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنس بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ أَبُو أُسَيْدٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "خَيْرُ دُورِ الأَنْصَارِ بَنُو النَّجَّارِ، ثُمَّ بَنُو عَبْدِ الأَشْهَلِ، ثُمَّ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرجَ، ثُمَّ بَنُو سَاعِدَةَ، وَفِي كُلِّ دُورِ الأَنْصَارِ خَيْرٌ". فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ -وَكَانَ ذَا قِدَمٍ فِي الإِسْلَامِ-: أَرَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قدْ فَضَّلَ عَلَيْنَا. فَقِيلَ لَهُ: قَدْ فَضَّلَكُمْ عَلَى نَاسٍ كَثِيرٍ. (وكان ذا قَدَم في الإسلام): يروى بفتح القاف والدال، كذا ضبطه القابسي. ويروى بكسر القاف، ولكليهما وجهٌ صحيح (¬1). * * * باب: مَنَاقِبِ أَبي طَلْحَةَ - رضي الله عنه - 2014 - (3811) - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، انْهَزَمَ النَّاسُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَبُو طَلْحَةَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُجَوِّبٌ بِهِ عَلَيْهِ بِحَجَفَةٍ لَهُ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ رَجُلًا رَامِيًا شَدِيدَ الْقِدِّ، يَكْسِرُ يَوْمَئِذٍ قَوْسَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، وَكَانَ الرَّجُلُ يَمُرُّ مَعَهُ الْجَعْبَةُ مِنَ النَّبْلِ، فَيَقُولُ: انْشُرْهَا لأَبِي طَلْحَةَ. فَأَشْرَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَنْظُرُ إِلَى الْقَوْمِ، فَيَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ: يَا نبَيَّ اللَّهِ! بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، لَا تُشْرِفْ يُصِيبُكَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْقَوْمِ، نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ. ¬

_ (¬1) المرجع السابق، (2/ 795).

وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبي بَكْرٍ وَأُمَّ سُلَيْمٍ وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرتَانِ، أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا، تُنْقِزَانِ الْقِرَبَ عَلَى مُتُونِهِمَا، تُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ، ثُمَّ تَرْجِعَانِ فَتَمْلآنِهَا، ثُمَّ تَجيئَانِ فَتُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ، وَلَقَدْ وَقَعَ السَّيْفُ مِنْ يَدَيْ أَبِي طَلْحَةَ إِمَّا مَرَّتَيْنِ، وَإِمَّا ثَلَاثًا. (مجَوِّب): بفتح الجيم وكسر الواو المشددة، ويقال للترس: جوبة. (بحَجَفَة): -بحاء مهملة وجيم مفتوحتين-: هي الترس. (شديدَ القِدِّ): يروى بإضافة شديد إلى القِدِّ -بكسر القاف وتشديد الدال-، [يريد: وتر القوس، والقِدُّ شيءٌ لا يُقَدُّ من جلدٍ غيرِ مدبوغٍ] (¬1). ويروى: بنصب "شديدًا" (¬2)، وتنوينه، و"لَقَدْ" لام تأكيد داخلة به (¬3) على قَد الحرفية، فالقاف مفتوحة والدال ساكنة (¬4). (فكسرَ يومئذ قوسين أو ثلاثةً): هذا على رواية: "شديدَ القِدِّ"، بالإضافة وكسر القاف وتشديد الدال، ويروى: "تَكَسَّرَ يومئذٍ قوسانِ أو ثلاثةٌ"، وهذا يلتئم على شديدًا، بالتنوين وفتح قاف لَقَد. (ومعه الجَعْبة): -بفتح الجيم وإسكان العين المهملة-: الكِنانة التي تُجعل فيها السهام. (انثرْها): بنون فثاء مثلثة، ويروى بشين معجمة بدل المثلثة. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬2) في "ج": "شديد". (¬3) "به" ليست في "ج". (¬4) وهذا الذي وقع لأكثر الرواة. انظر: "الفتح" (7/ 160).

باب: مناقب عبد الله بن سلام - رضي الله عنه -

(لا تشرفْ يصيبُك سهم): أكثر الرّواية على رفع يصيبك، ورواه الأصيلي: "يصبْك"، بالجزم. قال القاضي: والأولُ هو الصواب، والثاني خطأ، وقلبٌ للمعنى (¬1). قلت: بل الثاني صواب، على رأي الكسائي المشهور أجاز: لا تكفرْ تدخلِ النَّار، [ولا تدنُ من الأسد يأكلْك -بالجزم-؛ إذ من الواضح البين أنَّ معنى الأول: لا تكفرْ؛ فإنك إن تكفرْ تدخلِ النَّار] (¬2)، وأنَّ معنى الثاني (¬3): لا (¬4) تدنُ من الأسد؛ فإنك إن تدنُ منه (¬5) يأكلْك، والجماعة إنَّما يقدِّرون فعلَ الشرط منفيًّا، فلذلك لا يصح عندهم التركيبُ المذكور، لكن لم يصل الأمرُ فيه إلى حدّ إذا وجدنا روايةً صحيحة تتخرجُ على رأي إمامٍ من أئمة (¬6) العربية، جليلِ المكانة، نطرحُ الروايةَ، ونقطعُ بخطئها، اعتمادًا على مذهب المخالفين، هذا أمرٌ لا يقتضيه الإنصاف. * * * باب: مَنَاقِبِ عَبْدِ اللهِ بنِ سَلَامٍ - رضي الله عنه - 2015 - (3812) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 362). وانظر: "التنقيح" (2/ 795). (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬3) "وأن معنى الثاني" ليست في "ج". (¬4) في "ع" و"ج": "ولا". (¬5) "فإنك إن تدن منه" ليس في "ج". (¬6) في "ج": "من الأئمة".

يُحَدِّثُ عَنْ أَبي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ لأَحَدٍ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ: إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، إِلَّا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ. قَالَ: وَفِيهِ نزَلَتْ هَذه الآيَةُ: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ} [الأحقاف:10]. قَالَ: لَا أَدْرِي قَالَ مَالِكٌ: الآيَةَ، أَوْ فِي الْحَدِيثِ. (وفيه نزلت: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ} [الأحقاف: 10]): أنكر مسروقٌ والشعبي هذا؛ بناءً على أنَّ السورة مكيَّة، وأُجيب بأنَّ الآية كانت تنزل، فيقول: "أَلْحِقُوها في سُورَةِ كَذا" (¬1). (قال: لا أدري قال مالك: الآية، أو في الحديث). أي: قال عبد الله بن يوسف القعنبي راوي الحديث عن مالك: لا أدري؛ هل هذا الفصل، وهو قوله: وفيه نزلت {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ} [الأحقاف: 10] قولُ مالكٍ نفسِه، أو هو مرويٌّ في متن الحديث (¬2)؟ * * * 2016 - (3813) - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَزْهَرُ السَّمَّانُ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، فَدَخَلَ رَجُل عَلَى وَجْهِهِ أَثَرُ الْخُشُوعِ، فَقَالُوا: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَجَوَّزَ فِيهِمَا، ثُمَّ خَرَجَ، وَتَبِعْتُهُ، فَقُلْتُ: إِنَّكَ حِينَ دَخَلْتَ الْمَسْجِدَ، قَالُوا: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. قَالَ: وَاللَّهِ! ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (20/ 434). (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 796).

باب: تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - خديجة وفضلها

مَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ مَا لَا يَعْلَمُ، وَسَأُحَدِّثُكَ لِمَ ذَاكَ: رَأَيْتُ رُؤْيَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ، وَرَأَيْتُ كَأَنِّي فِي رَوْضَةٍ -ذَكَرَ مِنْ سَعَتِهَا وَخُضْرَتِهَا- وَسْطَهَا عَمُودٌ مِنْ حَدِيدٍ، أَسْفَلُهُ فِي الأَرْضِ، وَأَعْلَاهُ فِي السَّمَاءَ، فِي أَعْلَاهُ عُرْوَةٌ، فَقِيلَ لَهُ: ارْقَهْ. قُلْتُ: لَا أَسْتَطِيعُ. فَأَتَانِي مِنْصَفٌ، فَرَفَعَ ثِيَابِي مِنْ خَلْفِي، فَرَقِيتُ حَتَّى كُنْتُ فِي أَعْلَاهَا، فَأَخَذْتُ بِالْعُرْوَةِ، فَقِيلَ لَهُ: اسْتَمْسِكْ. فَاسْتَيْقَظْتُ وَإِنَّهَا لَفِي يَدِي، فَقَصَصْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "تِلْكَ الرَّوْضَةُ الإسْلَامُ، وَذَلِكَ الْعَمُودُ عَمُودُ الإسْلَامِ، وَتلْكَ الْعُرْوَةُ عُرْوَةُ الْوُثْقَى، فَأَنْتَ عَلَى الإِسْلَامِ حَتَّى تَمُوتَ". وَذَاكَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ. (عن قيس بن عُباد): بضم العين المهملة وتخفيف الباء الموحدة. (فأتاني مِنصَف): -بميم مكسورة وصاد مهملة مفتوحة-: الخادم. وحكى السَّفاقسي فتح الميم (¬1). (فرقِيت): بكسر القاف. * * * باب: تَزْوِيج النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - خَدِيْجَة وفَضْلِهَا 2017 - (3815) - حَدَّثَنِي مُحَمَّد، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا - رضي الله عنه - يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ. وحَدَّثَنِي صَدَقَةُ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 796).

عَبْدَاللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ، عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ، وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ". (خير نسائها): الضمير عائد إلى الدنيا، كذا جاء مفسرًا في حديث أبي كريب، وأشار وكيع إلى السماء والأرض (¬1). * * * 2018 - (3816) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ هِشَامٌ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي؛ لِمَا كُنْتُ أَسْمَعُهُ يَذْكُرُهَا، وَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ، وَإِنْ كَانَ لَيَذْبَحُ الشَّاةَ، فَيُهْدِي فِي خَلَائِلِهَا مِنْهَا مَا يَسَعُهُنَّ. (في خلائلها): -بالخاء المعجمة-: جمعُ خليلة (¬2): وهي الصَّدِيقة. * * * 2019 - (3821) - وَقَالَ إِسمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أبَيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتِ: اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُويلِدٍ أُخْتُ خَدِيجَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ، فَارْتَاعَ لِذَلِكَ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ هَالَةَ". قَالَتْ: فَغِرْتُ، فَقُلْتُ: مَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ، حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ، هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا؟! ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 796). (¬2) في "ج": "خلية".

(حمراء الشدقين): تأنيث أحمر، وَصَفَتهَا بالدَّرَد، وهو سقوطُ الأسنان من الكِبَر، فلم يبق إلا حمرةُ اللِّثاتِ. قال السفاقسي: ويروى جمزا -بالجيم والزَّاي-، ولم (¬1) يفسِّر معناه، ولا وقفتُ على معنى ما يصلح أن يفسَّر به؛ فينبغي الكشفُ عنه (¬2). (أبدلك الله خيرًا منها): قال السفاقسي: في سكوت النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك دليلٌ على فضل عائشة، إلا أن تريد (¬3) أحسنَ صورةً، وأصغرَ سنًا (¬4). قلت: أو (¬5) يكون ذلك؛ كما قاله الطبري وغيره، من باب غيرة النساء الحاملةِ لهنّ على التجوُّزِ في القول، فيكون سكوت النبي - صلى الله عليه وسلم - لأجل أنه عذرَها، وسامحها في إطلاق مثلِ هذا القول، ولم يَزْجُرها عنه، فلا يكون في ذلك تقديرٌ منه لأفضلية عائشة على خديجة. قال القاضي: ويحتمل عندي أن ذلك جرى من عائشة لصغر سنها، وأول شبتها (¬6)، ولعلها لم تبلُغْ حينئذ (¬7). ¬

_ (¬1) في "ع": "لم". (¬2) قال الحافظ في "الفتح" (7/ 174): وهو تصحيف. (¬3) في "ج": "يريد". (¬4) انظر: "التوضيح" (20/ 433). (¬5) في "ع": "و". (¬6) في "ج": "شبهتها"، وفي المطبوع من "الإكمال": "وأول حالها، وسورة تشبيهها". (¬7) انظر: "إكمال المعلم" (7/ 444).

باب: ذكر حذيفة بن اليمان العبسي - رضي الله عنه -

باب: ذِكْرِ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ الْعَبْسِيِّ - رضي الله عنه - (حذيفة بن اليمان العبسي): بالباء الموحدة. 2020 - (3824) - حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ، أَخْبَرَنَا سَلَمَةُ بْنُ رَجَاءٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: لَمَّا كانَ يَوْمُ أُحُدٍ، هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ هَزِيمَةً بَيِّنَةً، فَصَاحَ إِبْلِيسُ: أَيْ عِبَادَ اللَّهِ! أُخْرَاكُمْ، فَرَجَعَتْ أُولَاهُمْ عَلَى أُخْرَاهُمْ، فَاجْتَلَدَتْ أُخْرَاهُمْ، فَنَظَرَ حُذَيْفَةُ، فَإِذَا هُوَ بِأَبِيهِ، فَنَادَى: أَيْ عِبَادَ اللَّهِ! أَبِي أَبِي! فَقَالَتْ: فَوَاللَّهِ! مَا احْتَجَزُوا حَتَّى قتلُوهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ. قَالَ أَبي: فَوَاللَّهِ مَا زَالَتْ فِي حُذَيْفَةَ مِنْهَا بَقِيَّةُ خَيْرٍ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ-. (فاجتلدت أُخراهم): قال الزركشي: وجهُ الكلام: فاجتلدت (¬1) هي وأُخراهم. قلت: يريد: لأن الاجتلاد (¬2) كالتجالد، يستدعي تشاركَ أمرين فصاعدًا في أصله، لكن التقدير الذي جعله وجهَ الكلام مشتملٌ على حذف المعطوف عليه، وحذف العاطف [وحده، والظاهر عدمُه أو عزته، والأَولى: أن يجعل من حذف العاطف] (¬3) والمعطوف؛ مثل: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81]. أي: والبرد، ومثله كثير، فيكون التقدير: فاجتلد أخراهم وأولاهم. ¬

_ (¬1) في "ع": "فأخلدت". (¬2) في "ع" و"خ": "اجتلاد". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ج".

باب: ذكر هند بنت عتبة بن ربيعة -رضي الله عنها-

ويروى: "فاجتلدت مع أخراهم" (¬1). (فقال أبي): القائل هو هشام بن عروة. * * * باب: ذِكْرِ هِنْدٍ بنتِ عُتْبَةَ بنِ رَبِيعةَ -رَضي اللهُ عَنْها- 2021 - (3825) - وَقَالَ عَبْدَانُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. حَدَّثَنِي عُرْوَةُ: أَنَّ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَت: جَاءَتْ هِنْدٌ بِنْتُ عُتْبَة، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ مِنْ أَهْلِ خِبَاءٍ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَذِلُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ، ثُمَّ مَا أَصْبَحَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يَعِزُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ، قَالَ: "وَأَيْضًا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! ". قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ، فَهَلْ عَلَيَّ حَرَجٌ أَنْ أُطْعِمَ مِنَ الَّذِي لَهُ عِيَالَنَا؟ قَالَ: "لَا أُرَاهُ إِلَّا بِالْمَعْرُوفِ". (مِسّيك): -بكسر الميم وتشديد السين-؛ أي: كثيرُ الإمساك، وسبق الكلام فيه قبل باب: الشهادات. * * * باب: حَديثِ زَيدِ بنِ عُمرِو بنِ نُفَيل 2022 - (3826) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 797).

-رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَقِيَ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ بِأَسْفَلِ بَلْدَحَ، قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى النَبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الْوَحْيُ، فَقُدِّمَتْ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - سُفْرَةٌ، فَأَبَى أَنْ يَأْكَلَ مِنْهَا، ثُمَّ قَالَ زَيْدٌ: إِنِّي لَسْتُ آكُلُ مِمَّا تَذْبَحُونَ عَلَى أَنْصَابِكُمْ، وَلَا آكُلُ إِلَّا مَا ذُكرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ. وَأَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرٍو كَانَ يَعِيبُ عَلَى قُرَيْشٍ ذَبَائِحَهُمْ، وَيَقُولُ: الشَّاةُ خَلَقَهَا اللهُ، وَأَنْزَلَ لَهَا مِنَ السَّمَاءِ الْمَاءَ، وَأَنْبَتَ لَهَا مِنَ الأَرْضِ، ثُمَّ تَذْبَحُونهَا عَلَى غَيْرِ اسْم اللَّهِ؟! إِنْكَارًا لِذَلِكَ، وَإِعْظَامًا لَهُ. (بأسفلِ بَلْدَح): -بموحدة مفتوحة [فلام ساكنة فدالٌ مهملة مفتوحة] (¬1) فحاء مهملة-: وادٍ قبل مكة من جهة الغرب، فيه الصرفُ وعدمُه (¬2). (فقُدِّمت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - سُفرة، فأبى أن يأكل منها): الضمير في قوله: "فأبى" عائد إلى زيد بن عمرو (¬3) بن نفيل، وليس في الحديث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكل من السفرة. وقال السهيلي: إنما قال زيدٌ ذلك برأي منه، لا بشرع متقدم، وفي شرع إبراهيم تحريمُ الميتة، لا تحريمُ ما ذُبح لغير الله، وإنما نزل تحريم ذلك في الإسلام (¬4). ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 797). (¬3) في "م": "عمر". (¬4) انظر: "الروض الأنف" (1/ 383).

باب: بنيان الكعبة

واستُضعف هذا الذي قاله؛ بأن (¬1) الظاهر أنه كان في شرع إبراهيم -عليه السلام- تحريمُ ما ذُبح لغير الله، وقد كان عدوَّ الأصنام، واللهُ تعالى يقول: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: 123] (¬2). * * * باب: بُنْيَانِ الكَعْبَةِ 2023 - (3829) - حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: لَمَّا بُنِيَتِ الْكَعْبَةُ، ذَهَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَعَبَّاسٌ يَنْقُلَانِ الْحِجَارَةَ، فَقَالَ عَبَّاسٌ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: اجْعَلْ إِزَارَكَ عَلَى رَقَبَتِكَ يَقِيكَ مِنَ الْحِجَارَةِ، فَخَرَّ إِلَى الأَرْضِ، وَطَمَحَتْ عَيْنَاهُ إِلَى السَّمَاءَ، ثُمَّ أفاقَ فَقَالَ: "إِزَارِي إِزَارِي"، فَشَدَّ عَلَيْهِ إِزَارَهُ. (اجعل إزارك على رقبتك يقيك): برفع يقيك، ويروى:"يَقِك"، بالجزم (¬3). ¬

_ (¬1) "بأن" ليست في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 797). (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 798).

باب: أيام الجاهلية

باب: أَيَّامِ الجَاهِلِيَّةِ 2024 - (3834) - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانة، عَنْ بَيَانٍ أَبي بِشْرٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ أَحْمَسَ يُقَالُ لَهَا: زَيْنَبُ، فَرَآهَا لا تَكَلَّمُ، فَقَالَ: مَا لَهَا لَا تَكَلَّمُ؟ قَالُوا: حَجَّتْ مُصْمِتَةً، قَالَ لَهَا: تَكَلَّمِي؛ فَإِنَّ هَذَا لَا يَحِلُّ، هَذَا مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَتَكَلَّمَتْ، فَقَالَتْ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: امْرُؤٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، قَالَتْ: أَيُّ الْمُهَاجِرِينَ؟ قَالَ: مِنْ قُرَيْشٍ، قَالَتْ: مِنْ أَيِّ قُرَيْشٍ أَنْتَ؟ قَالَ: إِنَّكِ لَسَؤُلٌ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَتْ: مَا بَقَاؤُنَا عَلَى هَذَا الأَمْرِ الصَّالِحُ الَّذِي جَاءَ اللَّهُ بِهِ بَعْدَ الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ: بَقَاؤُكُمْ عَلَيْهِ مَا اسْتَقَامَتْ بِكُمْ أَئِمَّتُكُمْ، قَالَتْ: وَمَا الأَئِمَّةُ؟ قَالَ: أَمَا كَانَ لِقَوْمِكِ رُؤوُسٌ وَأَشْرَافٌ، يَأْمُرُونهمْ فَيُطِيعُونهمْ؟ قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: فَهُمْ أُولَئِكَ عَلَى النَّاسِ. (حجت مُصْمِتَةً): اسم فاعل من أَصْمَتَ، رباعيًا، يقال: أَصْمَتَ إِصْماتًا، وصَمَتَ صُمُوتًا وصَمْتًا وصُماتًا. * * * 2025 - (3838) - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه -: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا لَا يُفِيضُونَ مِنْ جَمْعٍ حَتَّى تَشْرُقَ الشَمْسُ عَلَى ثَبِيرٍ، فَخَالَفَهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَفَاضَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ. (حتى تَشرُق الشمس): ضبط بفتح التاء الفوقية وضم الراء؛ بمعنى:

تطلع (¬1)، وبضم التاء وكسر الراء، من الإشراق (¬2). * * * 2026 - (3839) - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي أُسَامَةَ: حَدَّثَكُمْ يَحْيَى بْنُ الْمُهَلَّبِ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ: {وَكَأْسًا دِهَاقًا} [النبأ: 34]. قَالَ: مَلأَى مُتَتَابِعَةً. (حدّثني إسحاق بن إبراهيم، قال: قلت لأبي أسامة: حدثكم يحيى ابن المهلّب): يحيى هذا يكنى: أبا كُدَيْنة، وليس له في "الجامع" غيرُ هذا، وهو من أهل الكوفة (¬3). * * * 2027 - (3842) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِم، عَنِ الْقَاسِم بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: كَانَ لأَبي بَكْرٍ غُلَامٌ يُخْرِجُ لَهُ الْخَرَاجَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ، فَجَاءَ يَوْمًا بِشَيْءٍ، فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ الْغُلَامُ: تَدْرِي مَا هَذَا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لإنْسَانٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَا أُحْسِنُ الْكِهَانَةَ، إِلَّا أَنِّي خَدَعْتُهُ، فَلَقِيَنِي فَأَعْطَانِي بِذَلِكَ، فَهَذَا الَّذِي أَكَلْتَ مِنْهُ، فَأَدْخَلَ أبُو بَكْرٍ يَدَهُ، فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ. ¬

_ (¬1) في "ع": "طلع". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 799). (¬3) انظر: "فتح الباري" (7/ 187).

باب: القسامة في الجاهلية

(وما أحسنُ الكِهانة): بكسر الكاف؛ أي: ما أحسنُ أن أَتَكَهَّن (¬1)، وبفتحها، من كَهُنَ -بالضم- كَهانة -بالفتح-: إذا صار كاهنًا، قاله الجوهري (¬2). * * * باب: القَسَامةِ في الجَاهلِيَّةِ 2028 - (3845) - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا قَطَنٌ أَبُو الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْمَدَنِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ قَسَامَةٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَفِينَا بَنِي هَاشِمٍ، كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمِ، اسْتَأْجَرَهُ رَجُل مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ فَخِذٍ أُخرَى، فَانْطَلَقَ مَعَهُ فِي إِبلِهِ، فَمَرَّ رَجُل بِهِ مِنْ بَنِي هَاشِم، قَدِ انْقَطَعَتْ عُرْوَةُ جُوَالِقِهِ، فَقَالَ: أَغِثْنِي بِعِقَالٍ أَشُدُّ بِهِ عُرْوَةَ جُوَالِقِي، لَا تَنْفِرُ الإبِلُ، فَأَعْطَاهُ عِقَالًا، فَشَدَّ بِهِ عُرْوَةَ جُوَالِقِهِ، فَلَمَّا نزَلُوا، عُقِلَتِ الإبِلُ إِلَّا بَعِيرًا وَاحِدًا، فَقَالَ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ: مَا شَأْنُ هَذَا الْبَعِيرِ لَمْ يُعْقَلْ مِنْ بَيْنِ الإبِلِ؟ قَالَ: لَيْسَ لَهُ عِقَالٌ، قَالَ: فَأَيْنَ عِقَالُهُ؟ قَالَ: فَحَذَفَهُ بِعَصًا كَانَ فِيهَا أَجَلُهُ، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، فَقَالَ: أَتَشْهَدُ الْمَوْسِمَ؟ قَالَ: مَا أَشْهَدُ، وَرُبَّمَا شَهِدْتُهُ، قَالَ: هَلْ أَنْتَ مُبْلِغٌ عَنِّي رِسَالَةً مَرَّةً مِنَ الدَّهْرِ؟ قَالَ: نعَمْ، قَالَ: فَكُنْتَ إِذَا أَنْتَ شَهِدْتَ الْمَوْسِمَ فَنَادِ: يَا آلَ قُرَيْشٍ! فَإِذَا أَجَابُوكَ، فَنَادِ: يا آلَ بَنِي هَاشِمِ! فَإِنْ أَجَابُوكَ، فَسَلْ عَنْ أَبِي طَالِبٍ، فَأَخْبِرْهُ: أَنَّ فُلَانًا قتَلَنِي فِي عِقَالٍ، وَمَاتَ الْمُسْتَأْجَرُ، فَلَمَّا قَدِمَ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ، أتاهُ أَبُو طَالِبٍ، ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "يكهن". (¬2) انظر: "الصحاح" (6/ 2191)، (مادة: كهن).

فَقَالَ: مَا فَعَلَ صَاحِبُنَا! قَالَ: مَرِضَ، فَأَحْسَنْتُ الْقِيَامَ عَلَيْهِ، فَوَلِيتُ دَفْنَهُ، قَالَ: قَدْ كَانَ أَهْلَ ذَاكَ مِنْكَ، فَمَكُثَ حِينًا، ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي أَوْصَى إِلَيْهِ أَنْ يُبْلِغَ عَنْهُ وَافَى الْمَوْسِمَ، فَقَالَ: يَا آلَ قُرَيْشٍ! قَالُوا: هَذِهِ قُرَيْشٌ، قَالَ: يَا آلَ بَنِي هَاشِم! قَالُوا: هَذِهِ بَنُو هَاشِمٍ، قَالَ: أَيْنَ أبُو طَالِبٍ؟ قَالُوا: هَذَا أَبَو طَالِبٍ، قَالَ: أَمَرَنِي فُلَان أَنْ أُبْلِغَكَ رِسَالَة: أَنَّ فُلَانًا قتَلَهُ فِي عِقَالٍ، فَأَتَاهُ أَبُو طَالِبٍ، فَقَالَ لَهُ: اخْتَرْ مِنَّا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِنْ شِئْتَ أَنْ تُؤَدِّيَ مِئَةً مِنَ الإبِلِ؛ فَإِنَّكَ قتَلْتَ صَاحِبَنَا، وَإِنْ شِئْتَ حَلَفَ خَمْسُونَ مِنْ قَوْمِكَ أَنَّكَ لَمْ تَقْتُلْهُ، فَإِنْ أَبَيْتَ، قَتَلْنَاكَ بِهِ، فَأَتَى قَوْمَهُ، فَقَالُوا: نَحْلِفُ، فَأَتَتْهُ امْرَأةٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، كَانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْهُمْ، قَدْ وَلَدَتْ لَهُ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا طَالِبٍ! أُحِبُّ أَنْ تُجِيزَ ابْنِي هَذَا بِرَجُلٍ مِنَ الْخَمْسِينَ، وَلَا تَصْبُرْ يَمِينَهُ حَيْثُ تُصْبَرُ الأَيْمَانُ، فَفَعَلَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ: يَا أَبَا طَالِبٍ! أَرَدْتَ خَمْسِينَ رَجُلًا أَنْ يَحْلِفُوا مَكَانَ مِئَةٍ مِنَ الإِبِلِ، يُصِيبُ كُلَّ رَجُلٍ بَعِيرَانِ، هَذَانِ بَعِيرَانِ، فَاقْبَلْهُمَا عَنِّي، وَلَا تَصْبِرْ يَمِينِي حَيْثُ تُصْبِرُ الأَيْمَانُ، فَقَبِلَهُمَا، وَجَاءَ ثَمَانِيةٌ وَأَرْبَعُونَ فَحَلَفُوا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَوَالَّذِي نفسِي بِيَدِهِ! مَا حَالَ الْحَوْلُ، وَمِنَ الثَّمَانِيَةِ وَأَرْبَعِينَ عَيْنٌ تَطْرِفُ. (أبو يزيد المدني): -بياء تحتية فزاي-، وليس يعرف بالمدينة (¬1)، وأهلُ البصرة يروون عنه، انفرد به البخاري، وليس عنده سوى هذا الحديث، وقيل: لا يعرف اسمه (¬2). ¬

_ (¬1) في "ع": "بأهل المدينة". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 799).

(إن أول قسامة كانت في الجاهلية لفينا بني هاشم): استشكله بعضهم بأن هذه القسامة إنما كانت في بني المطلب حقيقة. وأجاب الدمياطي: بأن بني هاشم وبني (¬1) المطلب كانوا كشيء واحد في الجاهلية والإسلام (¬2). (جُوالقه): -بضم الجيم-: وعاء، والجمعُ: الجَوالق، بفتحها. (قال: فكتب إذا شهدت الموسم): كتب: بتاء فوقية وباء موحدة؛ من الكتابة. وعند الحموي والمستملي: "فكُنْتَ" (¬3)، "كان" واسمُها تاءٌ للمخاطب. (أحبُّ أن تجيز ابني): -بجيم وزاي-؛ أي: تُسقط عنه اليمين، وتعفو عنه (¬4). (ولا تُصبَر): بضم التاء الفوقية وفتح الباء الموحدة، على البناء للمفعول. ويروى بكسر الموحدة، على البناء للفاعل، والصبر في اللغة: الحبسُ، والمراد هنا: أن لا يُحْبَس لليمين، ويُلزم بها، بحيث (¬5) لا يسعُه إلا الحلف، بل يُعفى (¬6) من ذلك. ¬

_ (¬1) في "ع": "وبنوا". (¬2) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬3) المرجع السابق. (¬4) في "ع": "ويعفوه". (¬5) في "ع": "حيث". (¬6) في "ج": "يعفو".

(حيث تُصبر الأيمان): وذلك بين الركن والمقام. وفي الحديث مبهمات: القاتل، والمقتول (¬1)، والرجلان اللذان (¬2) افتديا أيمانهما، [فأما القاتل، فاسمه خِراشُ بنُ عمرو، وأما المقتول، فاسمه عمرُ ابنُ علقمة، واسمُ أحد الرجلين اللذين افتديا أيمانهما] (¬3): حُوَيْطِب بنُ عبدِ العُزَّى، وهو ابنُ المرأة المذكورة في الحديث، ذكرَ ذلك كلَّه الزبير بن بكار في "الأنساب"، ولم يُسم أمه هنا. وفي "طبقات ابن سعد": أن اسمها زينبُ بنتُ علقمةَ بنِ غزوانَ بنِ يربوعِ بنِ الحارثِ، وهي من بني عامرِ بنِ لُؤي (¬4). * * * 2029 - (3849) - حَدَّثَنَا نُعيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قِرْدَةً اجْتَمَعَ عَلَيْهَا قِرَدَةٌ، قَدْ زَنَتْ، فَرَجَمُوهَا، فَرَجَمْتُهَا مَعَهُمْ. (رأيت في الجاهلية قِرْدَةٌ اجتمع عليها قِرَدَةٌ قد زنتْ، فرجموها): قال السفاقسي: فيه: أن القرْدة تعقل، إلا أنَّها لم تكلَّف، ويحتمل أن يكون هذا من نسل الذين مُسخوا، فبقيت فيهم تلك الغيرة، ولعلها شِرْعة نبي، وقيل: الممسوخ لا يُنسل، هذا كلامه (¬5). ¬

_ (¬1) "والمقتول" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "اللذين". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬4) انظر: "الطبقات الكبرى" (5/ 454). (¬5) انظر: "التوضيح" (20/ 472). قال الحافظ في "الفتح" (7/ 196): وهذا =

باب: مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم -

2030 - (3850) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: خِلَالٌ مِنْ خِلَالِ الْجَاهِلِيَّةِ: الطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ، وَالنِّيَاحَةُ، وَنَسِيَ الثَّالِثَةَ، قَالَ سُفْيَانُ: وَيَقُولُونَ: إِنَّهَا الاِسْتِسْقَاءُ بِالأَنْوَاءِ. (ويقولون: إنها الاستسقاء بالأنواء): جمع نَوء، وهو من قولهم: مُطِرْنا بِنَوْءِ كذا، والله الموفق للصَّواب. * * * باب: مَبْعَثِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِم بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كنَانة ابْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ. (باب: مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - محمد بن عبد الله بن عبد المطلب): هذا لقب، واسمه شَيْبَةُ على الصحيح، قيل: وسُمي (¬1) شيبة؛ لأنه ولد وفي رأسه شَيبة. (ابن هاشم): لأنه هَشَمَ الثريدَ لقومه في زمن المجاعة، واسمه: عَمْرٌو. (ابن عبد مناف): اسمه المغيرة. ¬

_ = هو المعتمد؛ يعني: أن الممسوخ لا ينسل. قال: لما ثبت في "صحيح مسلم": "أن الممسوخ لا نسل له". (¬1) في "ج": "واسمه".

(ابن قُصَيٍّ): -بضم القاف-، تصغير قَصِيٍّ؛ أي: بعيد؛ لأنه بَعُدَ عن (¬1) عشيرته في بلاد قُضاعة، حين احتملته أمه مع رابِّهِ ربيعةَ بنِ حَرام، وصُغّر على فُعَيْل؛ [لأنهم كرهوا اجتماع ياءات، فحذفوا إحداهن، وهي الثانية (¬2) التي تكون في فُعَيِّل، نحو قُضَيِّب، فبقي على وزن فُعَيل، مثل] (¬3): فُلَيْس، ويجوز أن يكون المحذوف لام الفعل، فيكون وزنه: فُعَيًّا، وتكون ياء التصغير هي الباقية مع الزائدة، فقد جاء ما هو أبلغ في الحذف من هذا، وهي قراءة قنبل: {يَابَنِي} [البقرة: 40]، ببقاء (¬4) ياء التصغير وحدها، واسمُ قصيٍّ زيدٌ. (ابن كِلاب): -بكسر الكاف وتخفيف اللام-، قيل: اسمه حكيم، وقيل: الحكيم، ويقال: عُروة، ويقال: المهذب (¬5)، ولقب كلابًا؛ لمحبته الصيد، وكان أكثرُ صيده بالكلاب. (ابن مرة بن كعب بن لؤي): بالهمز في الأكثر. (ابن غالب بن فهر): قيل: إنه لقب، والفِهْرُ من الحجارة: الطويل، واسمه: قُريش، وقيل: بل اسمه فهر، وقريشٌ لقب له. (ابن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس): قال ابن الأنباري: هو بكسر الهمزة، وجعله موافقًا لاسم إلياس النبي - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) "عن" ليست في "ع". (¬2) في "م": "الثمانية". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬4) في "ج": "يبقي". (¬5) في "ع" و"ج": "المهلب".

وحكى السهيلي: أن قاسم بن ثابت قال في "الدلائل": إن الياس ضد الرجاء، واللام فيه للتعريف، والهمزة همزة وصل، قال السهيلي: وهذا أصح (¬1). (ابن مضر): ويقال له: مضر الحمراء، ولأخيه ابن ربيعة: الفَرَس؛ لأن أباهما كان أوصى لمضر بقبة حمراء، ولربيعة (¬2) بفَرَس. ومضر: أولُ من سنَّ الحداء للإبل، وكان أحسنَ الناس صوتًا. (ابن نِزار): -بكسر النون- من النَّزْر، وهو القليل، وكان أبوه حين ولد له (¬3)، ونظر إلى النور الذي بين عينيه -وهو نور النبوة الذي كان ينتقل في الأصلاب إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - فرح فرحًا شديدًا، ونحر وأطعم، وقال: إن هذا كله نَزْرٌ لحق هذا المولود، فسمي نزارًا لذلك. (ابن معد بن عدنان): قال القتيبي: وما بعدَ عدنانَ من الأسماء مضطَرَبٌ فيه، فالذي صحَّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه انتسب إلى عدنان لم يتجاوزه. قلت: وكأنَّ البخاري اقتصر في رفع النسب على ما ذكره لذلك، وقد رُوي من طريق ابن عباس لما بلغ عدنان، قال: كذب النسابون، مرتين، أو ثلاثًا. قال السهيلي: والأصح في هذا الحديث: أنه من قول ابن مسعود، وروي عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: إنما ننسُبُ إلى عدنان، وما فوق ذلك لا ندري ما هو. ¬

_ (¬1) انظر: "الروض الأنف" (1/ 29). (¬2) في "ج": "ولمضر لربيعة". (¬3) "له" ليست في "ع".

باب: ما لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من المشركين بمكة

وأصحُّ شيء يُروى فيما بعدَ عدنانَ ما (¬1) ذكره الدولابي أبو بشر من طريق موسى بن يعقوبَ بنِ عبد الله بنِ وَهْبِ بنِ زمعةَ الزَّمْعِيِّ عن عمته، عن أم سلمة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "مَعَدُّ بْنُ عدنانَ بنِ أَدَدِ بنِ زنْدٍ اليرى ابنِ أعراقِ (¬2) الثرى". قالت أم سلمة: فزند (¬3) هو الهميسع (¬4)، واليرى (¬5): هو نَبْتٌ، وأعراقُ الثرى هو إسماعيل؛ لأنه ابن إبراهيم، وإبراهيمُ لم تأكله النار كما أن النار لا تأكل الثرى. قال السهيلي: وقوله: ابن الثرى ابن إسماعيل؛ من الانتساب إلى الجد البعيد، لا أنه ابنه لصُلبه؛ لأنه لا خلاف في بعد المدة بين عدنان وإبراهيم، ويستحيل أن يكون بينهما أربعة آباء أو سبعة (¬6). * * * باب: مَا لَقِي النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأَصْحَابُهُ مِنَ المُشْرِكينَ بمكَّةَ 2031 - (3852) - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا بَيَانٌ وَإِسْمَاعِيلُ، قَالَا: سَمِعْنَا قَيْسًا يَقُولُ: سَمِعْتُ خَبَّابًا يَقُولُ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) في "ج": "كما". (¬2) في "ع": "عراق". (¬3) في "ع" و"ج": "يريد". (¬4) في "ع": "أن ذلك هو الهميع". (¬5) في "ج": "البر". (¬6) انظر: "الروض الأنف" (1/ 29 - 33).

وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً وَهْوَ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، وَقَدْ لَقِينَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ شِدَّةً، فَقُلْتُ: أَلَا تَدْعُو اللَّهَ؟ فَقَعَدَ وَهْوَ مُحْمَرٌّ وَجْهُهُ، فَقَالَ: "لَقَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ لَيُمْشَطُ بِمِشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ عِظَامِهِ مِنْ لَحْمٍ أَوْ عَصَبٍ، مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِيِنهِ، ويُوضَعُ الْمِنْشَارُ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ، فَيُشَقُّ بِاثْنَيْنِ، مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَلَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ مَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ". زَادَ بَيَانٌ: "وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ". (بمشاط الحديد): جمع مُشْط؛ كرِماح جمع رُمْح، قاله الصاغاني في "شوارد اللغات"، ولم يذكر الجوهري إلا (¬1) الأمشاط (¬2). (ويوضع المنشار): بنون، وبياء (¬3) تحتية. (على مَفرِق رأسه): بفتح الميم وكسر الراء من "مَفْرِق". * * * 2032 - (3854) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَاجِدٌ، وَحَوْلَهُ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ، جَاءَ عُقْبَةُ بْنُ أَبي مُعَيْطٍ بِسَلَى جَزُورٍ، فَقَذَفَهُ عَلَى ظَهْرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ، فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ -عَلَيْهَا السَّلَامُ-، فَأَخَذَتْهُ مِنْ ظَهْرِهِ، وَدَعَتْ عَلَى مَنْ صَنَعَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ عَلَيْكَ الْمَلأَ مِنْ قُرَيْشٍ: أَبَا جَهْلِ بْنَ ¬

_ (¬1) "إلا" ليست في "ع". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 803). (¬3) في "ع" و"ج": "وياء".

هِشَامٍ، وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، أَوْ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ". -شُعْبَةُ الشَّاكُّ- فَرَأَيْتُهُمْ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ، فَأُلْقُوا فِي بِئْرٍ غَيْرَ أُمُيَّةَ أَوْ أُبَيٍّ، تَقَطَّعَتْ أَوْصَالُهُ، فَلَمْ يُلْقَ فِي الْبِئْرِ. (عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله، قال: بينا النبي - صلى الله عليه وسلم - ساجد): عبد الله هذا هو ابن مسعود؛ كما صرح به البخاري في كتاب: الصلاة. وتشكُّكُ الداوديِّ بعد ذلك في أنه عبد الله بن عمر لا معنى له. (وأمية بن خلف، أو أبي بن خلف (¬1)، شعبةُ الشاكُّ): في كتاب: الصلاة: أميةُ بنُ خلف (¬2)، وهو الصحيح؛ لأن أبيًّا قتله النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أُحد (¬3). * * * 2033 - (3855) - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ -أَوْ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَكَمُ-، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: أَمَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزَى، قَالَ: سَلِ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ مَا أَمْرُهُمَا: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ}، {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} [النساء: 93]. فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: لَمَّا أُنْزِلَتِ الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ، قَالَ مُشْرِكُو أَهْلِ مَكَّةَ: فَقَدْ قتلْنَا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ، وَدَعَوْنَا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، وَقَدْ أَتَيْنَا الْفَوَاحِشَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {إِلَّا مَنْ تَابَ ¬

_ (¬1) "أو أبي بن خلف" ليس في "ع". (¬2) رواه البخاري (520). (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 803).

باب: إسلام أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -

وَآمَنَ} [الفرقان: 70]، فَهَذِهِ لأُولَئِكَ، وَأَمَّا الَّتِي فِي النِّسَاءِ: الرَّجُلُ إِذَا عَرَفَ الإِسْلَامَ وَشَرَائِعَهُ، ثُمَّ قَتَلَ، فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ. فَذَكَرْتُهُ لِمُجَاهِدٍ، فَقَالَ: إِلَّا مَنْ نَدِمَ. {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ}: هكذا وقعت الرواية، والتلاوة إنما هي: {وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الفرقان: 68] (¬1). * * * باب: إِسْلَامِ أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رضي الله عنه - 2034 - (3857) - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَمَّادٍ الآمُلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُجَالِدٍ، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ وَبَرَةَ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: قَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَا مَعَهُ إِلَّا خَمْسَةُ أَعْبُدٍ وَامْرَأتانِ، وَأَبُو بَكْرٍ. (عن وَبَرَةَ): -بفتحات- كشجرة. (إلا خمسةَ أعبُد وامرأتان وأبو بكر): تقدم أن المرأتين (¬2) خديجةُ ولُبابة الكبرى، وأن من الأعبد بلالًا، وزيدَ بنَ حارثة، وأبا رافع، وعامر ابنَ فهيرةَ. ¬

_ (¬1) المرجع السابق, الموضع نفسه. (¬2) في "ع": "المرأة".

باب: إسلام أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه -

باب: إِسْلَامِ أَبي ذَرِّ الغِفَارِيِّ - رضي الله عنه - 2035 - (3861) - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، عَنْ أَبي جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُما-، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ أَبَا ذَرٍّ مَبْعَثُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ لأَخِيهِ: ارْكَبْ إَلَى هَذَا الْوَادَي, فَاعْلَمْ لِي عِلْمَ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ يَأْتِيهِ الْخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ، وَاسْمَعْ مِنْ قَوْلهِ، ثُمَ ائْتِنِي، فَانْطَلَقَ الأَخُ حَتَى قَدِمَهُ، وَسَمِعَ مِنْ قَوْلهِ، ثُمَ رَجَعَ إَلَى أَبِي ذَرٍّ، فَقَالَ لَهُ: رَأَيْتُهُ يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الأَخْلَاقِ، وَكَلَامًا مَا هُوَ بِالشِّعْرِ، فَقَالَ: مَا شَفَيْتَنِي مِمَّا أَرَدْتُ، فتزَوَّدَ، وَحَمَلَ شَنَّةً لَهُ فِيهَا مَاءٌ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَأَتَى الْمَسْجدَ، فَالْتَمَسَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَلَا يَعْرِفُهُ، وَكَرِهَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ حَتَّى أَدْرَكَهُ بَعْضُ اللَّيْلِ، فَرَآهُ عَلِيٌّ، فَعَرَفَ أَنَّهُ غَرِيبٌ، فَلَمَّا رَآهُ، تَبِعَهُ، فَلَمْ يَسْأَلْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أَصْبَحَ، ثُمَّ احْتَمَلَ قِرْبَتَهُ وَزَادَهُ إِلَى الْمَسْجدِ، وَظَلَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَلَا يَرَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَى أَمْسَى، فَعَادَ إِلَى مَضْجَعِهِ، فَمَرَّ بِهِ عَلِيٌّ، فَقَالَ: أَمَا نَالَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَعْلَمَ مَنْزِلَهُ؟ فَأَقَامَهُ، فَذَهَبَ بِهِ مَعَهُ، لَا يَسْأَلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ شيءٍ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمَ الثَّالِثِ، فَعَادَ عَلِيٌّ مِثْلَ ذَلِكَ، فَأَقَامَ مَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا تُحَدِّثُنِي مَا الَّذِي أَقْدَمَكَ؟ قَالَ: إِنْ أَعْطَيتَنِي عَهْدًا وَمِيثَاقًا لَتُرْشِدَنَّنِي، فَعَلْتُ، فَفَعَلَ، فَأَخْبَرَهُ، قَالَ: فَإِنَّهُ حَقٌّ، وَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَإِذَا أَصبَحْتَ، فَاتْبَعْنِي، فَإِنِّي إِنْ رَأَيْتُ شَيْئًا أَخَافُ عَلَيكَ، قُمْتُ كَأَنِّي أُرُيقُ الْمَاءَ، فَإِنْ مَضَيْتُ، فَاتْبَعْنِي حَتَّى تَدْخُلَ مَدْخَلِي، فَفَعَلَ، فَانْطَلَقَ يَقْفُوهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَدَخَلَ مَعَهُ، فَسَمِعَ مِنْ قَوْلهِ، وَأَسْلَمَ مَكَانَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ فَأَخْبِرْهُمْ حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي". قَالَ: وَالَّذِي

باب: إسلام سعيد بن زيد - رضي الله عنه -

نَفْسِي بِيَدِهِ! لأَصْرُخَنَّ بِهَا بَيْنَ ظَهْرَانيهِمْ، فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى الْمَسْجدَ، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتهِ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قَامَ الْقَوْمُ فَضَرَبُوهُ حَتَّى أَضْجَعُوهُ، وَأتَى الْعَبَّاسُ فَأَكَبَّ عَلَيْهِ، قَالَ: وَيْلَكُمْ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ مِنْ غِفَارٍ، وَأَنَّ طَرِيقَ تِجَارِكُمْ إِلَى الشَّأْمِ؟! فَأَنْقَذَهُ مِنْهُمْ، ثُمَّ عَادَ مِنَ الْغَدِ لِمِثْلِهَا، فَضَرَبُوهُ وَثَارُوا إِلَيْهِ، فَأَكَبَّ الْعَبَّاسُ عَلَيْهِ. (عمرو بن عباس): بباء موحدة. * * * باب: إِسْلَامِ سَعِيْدِ بنِ زَيدٍ - رضي الله عنه - 2036 - (3862) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ فِي مَسْجدِ الْكُوفَةِ يَقُولُ: وَاللَّهِ! لَقَدْ رَأَيْتُنِي، وَإِنَّ عُمَرَ لَمُوثِقِي عَلَى الإِسْلَامِ، قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عُمَرُ، وَلَوْ أَنَّ أُحُدًا ارْفَضَّ لِلَّذِي صَنَعْتُمْ بِعُثْمَانَ، لَكَانَ. (ارفضّ): -بالفاء وتشديد الضاد المعجمة-؛ أي: زال من مكانه. * * * باب: إِسْلَامِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ - رضي الله عنه - 2037 - (3864) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: فَأَخْبَرَنِي جَدِّي زَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبيهِ، قَالَ: بَيْنَمَا هُوَ فِي الدَّارِ خَائِفًا، إِذْ جَاءَهُ الْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ أَبُو

عَمْرٍو، عَلَيْهِ حُلَّةُ حِبَرَةٍ وَقَمِيصٌ مَكْفُوفٌ بِحَرِيرٍ، وَهُوَ مِنْ بَنِي سَهْمٍ، وَهُمْ حُلَفَاؤُنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ لَهُ: مَا بَالُكَ؟ قَالَ: زَعَمَ قَوْمُكَ أَنَّهُمْ سَيَقْتُلُونِي إِنْ أَسْلَمْتُ، قَالَ: لَا سَبِيلَ إِلَيْكَ، بَعْدَ أَنْ قَالَهَا أَمِنْتُ، فَخَرَجَ الْعَاصِ، فَلَقِيَ النَّاسَ قَدْ سَالَ بِهِمُ الْوَادِي، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُونَ؟ فَقَالُوا: نُرِيدُ هَذَا ابْنَ الْخَطَّابِ الَّذِي صَبَا، قَالَ: لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ، فَكَرَّ النَّاسُ. (حِبَرة): -بكسر الحاء المهملة وفتح الموحدة-: نوع من البرود. (فكرَّ الناسُ): أي: رجعوا. * * * 2038 - (3866) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ: أَنَّ سَالِمًا حَدَّثَهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: مَا سَمِعْتُ عُمَرَ لِشَيْءٍ قَطُّ يَقُولُ: إِنِّي لأَظُنُّهُ كَذَا، إِلَّا كَانَ كَمَا يَظُنُّ، بَيْنَمَا عُمَرُ جَالِسٌ، إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ جَمِيلٌ، فَقَالَ: لَقَدْ أَخْطَأَ ظَنِّي، أَوْ: إِنَّ هَذَا عَلَى دِينِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، أَوْ: لَقَدْ كَانَ كَاهِنَهُمْ، عَلَيَّ الرَّجُلَ، فَدُعِيَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ اسْتُقْبِلَ بِهِ رَجُلٌ مُسْلِمٌ، قَالَ: فَإِنِّي أَعْزِمُ عَلَيْكَ إِلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي، قَالَ: كُنْتُ كاهِنَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، قَالَ: فَمَا أَعْجَبُ مَا جَاءَتْكَ بِهِ جِنِّيَّتُكَ؟ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا يَوْمًا فِي السُّوقِ، جَاءَتْنِي أَعْرِفُ فِيهَا الْفَزَعَ، فَقَالَتْ: أَلَمْ تَرَ الْجِنَّ وَإِبْلَاسَهَا، وَيَأْسَهَا مِنْ بَعْدِ إِنْكَاسِهَا، وَلُحُوقَهَا بِالْقِلَاصِ وَأَحْلَاسِهَا. قَالَ عُمَرُ: صَدَقَ، بَيْنَمَا أَنَا عِنْدَ آلِهَتِهِمْ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ بِعِجْلٍ فَذَبَحَهُ، فَصَرَخَ بِهِ صَارِخٌ، لَمْ أَسْمَعْ صَارِخًا قَطُّ أَشَدَّ صَوْتًا مِنْهُ يَقُولُ: يَا جَلِيحْ! أَمْرٌ نَجِيحْ، رَجُلٌ فَصِيحْ، يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، فَوَثَبَ الْقَوْمُ،

قُلْتُ: لَا أبرَحُ حَتَّى أَعْلَمَ مَا وَرَاءَ هَذَا، ثُمَّ نَادَى: يَا جَلِيحْ! أَمْرٌ نَجِيحْ، رَجُلٌ فَصِيحْ، يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهَ، فَقُمْتُ، فَمَا نشَبْنَا أَنْ قِيلَ: هَذَا نبَيٌّ. (إذ مر به رجل جميل): هو سَوادُ بنُ قارِبٍ الذي (¬1) أتاه رِئِيُّهُ ثلاث ليال يُعْلِمه فيها بظهور (¬2) سيدِ الأولين والآخرين. (أخطأ ظني (¬3)، أوْ: إن هذا): -بإسكان الواو- أَوْ (¬4) على أنها حرفُ العطف الموضوع لأحد الشيئين أو الأشياء. (عليَّ الرَّجُلَ): -بالنصب-؛ أي: أحضروه. (وإبلاسها): الإبلاس: اليأس والإبعاد. (ويأسها من بعد إمساكها): يعني: أنها يئست من السمع بعد أن كانت ألفته. وقيل: الصواب: "ويأسها من بعد إنكاسها"، وهي رواية ابن السكن. وعند أبي ذر: "إنساكها". وقيل: "من بعد إيناسها"، يعني: أنها كانت تأنس إلى ما تسمع (¬5). (ولحوقها بالقلاص وأحلاسها): -بالحاء المهملة- جمع حِلْس -بكسرها-، وهو كساءٌ أو لبدٌ يُجعل على ظهر البعير تحتَ القَتَبِ ¬

_ (¬1) في "ج": "التي". (¬2) في "ج": "ظهور". (¬3) في "ع": "أخطأني". (¬4) "أو" ليست في "ع" و"ج". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 805).

يلازمه (¬1)، ومنه (¬2) قيل: فلانٌ حِلْسُ بيته؛ أي: ملازمُه. يعني: تفرَّقَهم ونِفارَهُم كراهةَ (¬3) الإسلام (¬4). (يا جَليحُ!): أوله جيم وآخره حاء مهملة، اسمُ رجل ناداه. (رجل فصيح): من الفصاحة، ويروى: "يصيح"؛ من الصياح (¬5). * * * 2039 - (3867) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ زيدٍ يَقُولُ لِلْقَوْمِ: لَوْ رَأَيْتُنِي مُوثِقِي عُمَرُ عَلَى الإِسْلَامِ، أَنَا وَأُخْتُهُ، وَمَا أَسْلَمَ، وَلَوْ أَنَّ أُحُدًا انْقَضَّ لِمَا صَنَعْتُمْ بِعُثْمَانَ، لَكَانَ مَحْقُوقًا أَنْ يَنْقَضَّ. (رأيتني موثقي عمرُ على الإسلام أنا وأخته): هي فاطمةُ بنتُ الخطَّاب، -رضي الله عنها-. (لكان محقوقًا أن ينقضَّ): -بالقاف- مثل قوله (¬6): لو أن أُحدًا انْقَضَّ [؛ أي: لكان واجبًا أن يقع وينكسر. ويروى بالفاء، مثل قوله: لو أن أُحدًا انفض] (¬7). يقول: لو تحركت ¬

_ (¬1) في "ع": "ملازمه". (¬2) "ومنه" ليست في "ج". (¬3) في "ع" و"ج": "كراهية". (¬4) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬5) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬6) "مثل قوله" ليست في "ع". (¬7) ما بين معكوفتين ليس في "ع".

باب: انشقاق القمر

القبائل لطلب ثأر عثمان، لفعلوا واجبًا (¬1). * * * باب: انْشِقَاقِ القَمَرِ 2040 - (3868) - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنسَ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً، فَأَرَاهُمُ الْقَمَرَ شِقَّتَيْنِ، حَتَّى رَأَوْا حِرَاءً بَيْنَهُمَا. (شِقتين): -بكسر الشين المعجمة-؛ أي: نصفين. * * * 2041 - (3869) - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ وَنحنُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بمِنًى، فَقَالَ: "اشْهَدُوا". وَذَهَبَتْ فِرْقَةٌ نَحْوَ الْجَبَلِ. وَقَالَ أَبُو الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: انْشَقَّ بِمَكَّةَ. (عن عبد الله: انشق بمكة): قال الداودي: هذا يضاد الرواية قبلَه: ونحن معه بمنى (¬2). وإذا تأملت، لم تجد ثَمَّ تضادًا. ¬

_ (¬1) المرجع السابق، (2/ 805). (¬2) المرجع السابق، الموضع نفسه.

باب: هجرة الحبشة

باب: هِجْرَةِ الحَبَشَةِ 2042 - (3872) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِي، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنَا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيِّ ابْنِ الْخِيَارِ أَخْبَرَهُ: أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ قَالَا لَهُ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُكَلِّمَ خَالَكَ عُثْمَانَ فِي أَخِيهِ الْوَليدِ بْنِ عُقْبَةَ، وَكَانَ أَكْثَرَ النَّاسُ فِيمَا فَعَلَ بِهِ، قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَانتُصَبْتُ لِعُثْمَانَ حِينَ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، وَهْيَ نَصِيحَةٌ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَرْءُ! أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، فَانْصَرَفْتُ، فَلَمَّا قَضَيْتُ الصَّلَاةَ، جَلَسْتُ إِلَى الْمِسْوَرِ، وَإِلَى ابْنِ عَبْدِ يَغُوثَ، فَحَدَّثْتُهُمَا بِالَّذِي قُلْتُ لِعُثْمَانَ وَقَالَ لِي، فَقَالَا: قَدْ قَضَيْتَ الَّذِي كانَ عَلَيْكَ، فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ مَعَهُمَا، إِذْ جَاءَنِي رَسُولُ عُثْمَانَ، فَقَالَا لِي: قَدِ ابْتَلَاكَ اللَّهُ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا نصِيحَتُكَ الَّتِي ذَكَرْتَ آنِفًا؟ قَالَ: فتشَهَّدْتُ، ثُمَّ قُلْتُ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم -، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، وَكُنْتَ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَآمَنْتَ بِهِ، وَهَاجَرْتَ الْهِجْرَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ، وَصَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَرَأَيْتَ هَدْيَهُ، وَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِي شَأْنِ الْوَليدِ بْنِ عُقْبَةَ، فَحَقٌّ عَلَيْكَ أَنْ تُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدَّ، فَقَالَ لِي: يَا بْنَ أَخِي! آدْرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا، وَلَكِنْ قَدْ خَلَصَ إِلَيَّ مِنْ عِلْمِهِ مَا خَلَصَ إِلَى الْعَذْرَاءِ فِي سِتْرِهَا، قَالَ: فتشَهَّدَ عُثْمَانُ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - بِالْحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، وَكُنْتُ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَرَسُولهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَآمَنْتُ بِمَا بُعِثَ بِهِ مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم -، وَهَاجَرْتُ الْهِجْرَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ، كمَا قُلْتَ، وَصَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَبَايَعْتُهُ، وَاللَّهِ! مَا عَصَيْتُهُ، وَلَا غَشَشْتُهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اسْتَخْلَفَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ، فَوَاللَّهِ!

مَا عَصَيْتُهُ وَلَا غَشَشْتُهُ، ثُمَّ اسْتُخْلِفَ عُمَرُ، فَوَاللَّهِ! مَا عَصَيْتُهُ وَلَا غَشَشْتُهُ، ثُمَّ اسْتُخْلِفْتُ، أَفَلَيْسَ لِي عَلَيْكُمْ مِثْلُ الَّذِي كَانَ لَهُمْ عَلَيَّ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَمَا هَذِهِ الأَحَادِيثُ الَّتِي تَبْلُغُنِي عَنْكُمْ؟ فَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ شَأْنِ الْوَليدِ بْنِ عُقْبَةَ، فَسَنأْخُذُ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِالْحَقِّ، قَالَ: فَجَلَدَ الْوَلِيدَ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً، وَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَجْلِدَهُ، وَكانَ هُوَ يَجْلِدُهُ. (ما يمنعك أن تكلِّم خالَك عثمانَ): المخاطَب بهذا هو عبدُ الله بنُ عديٍّ بنِ الخيار، وليست أُمُّه أختًا لعثمان، ولكنها من رهط بني أمية، أو عبد شمس (¬1)، [فلهذا قالا له: فما منعك أن تكلم خالك؟ وأُمه أُم قَتَّال بن أَسيد بن أبي العيص بن أمية] (¬2) أختُ عَتَّاب (¬3) بن أَسيد (¬4). * * * 2043 - (3876) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أسامَةَ، حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبي مُوسَى - رضي الله عنه -: بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ، فَرَكبْنَا سَفِينَةً، فَأَلْقَتْنَا سَفِينَتُنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ بِالْحَبَشَةِ، فَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبي طَالِبٍ، فَأَقَمْنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا، فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَكُمْ أَنْتُمْ يَا أَهْلَ السَّفِينَةِ هِجْرَتَانِ". ¬

_ (¬1) في "ع": "عبد القيس". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬3) في "ج": "عثمان". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 805).

باب: قصة أبي طالب

(إلى النَّجاشي): بفتح النون وحكى ابن دحية كسرَها أيضًا، والحبشة يقولونه بالخاء المعجمة، وهو لقب. وقيل: اسمه عطية. وذكر مقاتل في "نوادر التفسير": أن اسمه مكحول بن صعصعة (¬1). * * * باب: قِصَّةِ أَبي طَالِبٍ 2044 - (3883) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَارِثِ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ - رضي الله عنه -: قَالَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: مَا أَغْنَيْتَ عَنْ عَمِّكَ؛ فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ، وَيَغْضَبُ لَكَ؟ قَالَ: "هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، وَلَوْلَا أَنَا، لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ". (يحوطك): أي: يرعاك ويذبُّ عنك. (في ضَحْضاح من نارٍ): الضحضاح: ما يبلغ الكَعْب. * * * باب: حَديثِ الإسْراءِ 2045 - (3886) - حَدَّثَنَا يحيى بنُ بُكَيرٍ، حَدَّثَنا اللَّيثُ، عَنْ عُقَيلٍ، عَن ابنِ شِهَابٍ، حَدَّثني أبو سَلَمَة بنُ عبدِ الرَّحْمن، سمعتُ جَابِرَ بن ¬

_ (¬1) المرجع السابق، الموضع نفسه.

باب: المعراج

عبدِ اللهِ -رضي الله عنهما-: أَنَّه سَمِعَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: "لَمَّا كَذَّبني قُريشٌ قُمتُ في الحِجْرِ، فَجَلَّا اللهُ لي بيتَ المَقْدِسِ، فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُم عَن آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيهِ". (فجلّى الله لي بيت المقدس): -بتشديد اللام-؛ أي: أظهره؛ من قوله تعالى: {لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} [الأعراف: 187]. * * * باب: المِعْرَاجِ 2046 - (3887) - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ نبَيَّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَة أُسْرِيَ بِهِ: "بَيْنَمَا أَنَا فِي الْحَطِيم -وَرُبَّمَا قَالَ: فِي الْحِجْرِ- مُضْطَجِعًا، إِذْ أَتَانِي آتٍ، فَقَدَّ -قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: فَشَقَّ مَا بَيْنَ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ-، فَقُلْتُ لِلْجَارُودِ وَهْوَ إِلَى جَنْبِي: مَا يَعْنِي بِهِ؟ قَالَ: مِنْ ثُغْرَةِ نَحْرِهِ إِلَى شِعْرَتِهِ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: مِن قَصِّهِ إِلَى شِعْرَتِهِ، فَاسْتَخْرَجَ قَلْبِي، ثُمَّ أُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٍ إِيمَانًا، فَغُسِلَ قَلْبِي، ثُمَّ حُشِيَ، ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ دُونَ الْبَغْلِ وَفَوْقَ الْحِمَارِ، أَبْيَضَ" -فَقَالَ لَهُ الْجَارُودُ: هُوَ الْبُرَاقُ يَا أَبَا حَمْزَةَ؟ قَالَ أَنَسٌ: نعمْ- "يَضَعُ خَطْوَهُ عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ، فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ، فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا، فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّد، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجيءُ جَاءَ، فَفَتَحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ، فَإِذَا فِيهَا آدَمُ، فَقَالَ: هَذَا أَبُوكَ آدَمُ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ،

فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلَامَ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالاِبْنِ الصَّالِحُ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحُ، ثُمَّ صَعِدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجيءُ جَاءَ، فَفَتَحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ، إِذَا يَحْيَى وَعِيسَى، وَهُمَا ابْنَا الْخَالَةِ، قَالَ: هَذَا يَحْيَى وَعِيسَى، فَسَلِّمْ عَلَيْهِمَا، فَسَلَّمْتُ، فَرَدَّا، ثُمَّ قَالَا: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحُ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحُ، ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نعمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجيءُ جَاءَ، فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ، إذا يُوسُفُ، قَالَ: هَذَا يُوسُفُ، فَسَلِّمْ عَليه، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخَ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: أَوَ قَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجيءُ جَاءَ، فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِلَى إِدْرِيسَ، قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي، حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم -، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجيءُ جَاءَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ، فَإِذَا هَارُونُ، قَالَ: هَذَا هَارُونُ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخَ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ السَّادِسَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نعمْ،

قَالَ مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجيءُ جَاءَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ، فَإِذَا مُوسَى، قَالَ: هَذَا مُوسَى، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحُ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحُ، فَلَمَّا تَجَاوَزْتُ، بَكَى، قِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: أَبْكِي لأَنَّ غُلَامًا بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَكْثَرُ مَنْ يَدْخُلُهَا مِنْ أُمَّتِي، ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ، فَإِذَا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: هَذَا أَبُوكَ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، قَالَ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلَامَ، قَالَ: مَرْحَبًا بِالاِبْنِ الصَّالِحُ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحُ، ثُمَّ رُفِعَتْ لِي سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى، فَإِذَا نَبِقُهَا مِثْلُ قِلَالِ هَجَرَ، وَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ، قَالَ: هَذِهِ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى، وَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ: نَهْرَانِ بَاطِنَانِ، وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَانِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: أَمَّا الْبَاطِنَانِ، فَنَهَرَانِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ، فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ، ثُمَّ رُفِعَ لِي الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، ثُمَّ أُتِيتُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ عَسَلٍ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ: هِيَ الْفِطْرَةُ أَنْتَ عَلَيْهَا وَأمُّتُكَ، ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ الصَّلَوَاتُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ فَمَرَرْتُ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَا أُمِرْتَ؟ قَالَ: أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنَيِّ -وَاللَّهِ- قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ، فَرَجَعْتُ، فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ، فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ، فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ،

فَأُمِرْتُ بِعَشْرِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ، فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَا أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: أُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ خَمْسَ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ، قَالَ: سَأَلْتُ رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ، وَلَكِنْ أَرْضَى وَأُسَلِّمُ، قَالَ: فَلَمَّا جَاوَزْتُ نَادَى مُنَادٍ: أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي، وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي". (في الحطيم): -بالحاء المهملة- حجر مكّة؛ لأن البيت رفع، ترك ذلك الموضع محظورًا، وسمي حطيمًا؛ لازدحام الناس فيه، وحطم بعضِهم بعضًا. (فقَدَّ): قطعَ طولًا، والقَطُّ: هو القطعُ عرضًا. (من (¬1) ثُغْرة نحرهِ): -بمثلثة مضمومة وغين معجمةٍ ساكنة- وتجمع على ثُغَر، هي (¬2) ما بين الترقوَّتين. (إلى شِعرته): -بكسر الشين المعجمة (¬3) -: ما تنبت عليه العانة (¬4). (من قَصِّه): -بفتح القاف-؛ أي: من صَدْره، أو سُرَّته. (بطَسْت من ذهب مملوءة): بالجر على الصفة، وبالنصب على الحال، ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "بين". (¬2) في "ج": "وهي". (¬3) "المعجمة" ليست في "ع". (¬4) "العانة" ليست في "ع".

إما من طست؛ لأنه وُصف، وإما من الضمير المستكن في "من ذهب"، والأولُ أولى. (و (¬1) يضع خَطْوَه): بفتح الخاء، والإضافةِ إلى ضمير الغيبة. (عند منتهى (¬2) طرْفه): -بإسكان الراء-؛ أي: العين، والمعنى: أنه يضع حافره عند منتهى ما يراه بطرفه. (فلما خلصت، فإذا موسى): الظاهر أن الفاء فيه، وفي: "فإذا إبراهيم (¬3) " زائدة. (فإذا نبِقها): -بكسر الموحدة-: ثمرُ السِّدْر. (مثل قِلال هجر): أي: الجِرار التي تصنع (¬4) فيها، وهَجَر: اسمُ بلد لا ينصرف للعلمية والتأنيث. قال الزركشي: وكانت القِلال معلومةَ عندهم؛ إذ (¬5) التشبيه (¬6) لا يقوم بالمجهول (¬7). قلت: يكفي العلم بوجهٍ ما؛ ككونها عظيمة، ولا يلزمُ العلمُ بكونها تَسَعُ كذا وكذا من الماء؛ كما تذكره الشافعية في حديث القلتين. ¬

_ (¬1) الواو ليست في "ج". (¬2) نص البخاري: "أقصى". (¬3) في "ع": "فإذا أخوه إبراهيم". (¬4) في "ع": "يضع". (¬5) في "ع": "إذا". (¬6) في "ج": "التشبيه عندهم". (¬7) انظر: "التنقيح" (2/ 807).

باب: وفود الأنصار إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة، وبيعة العقبة

(الفِيَلة): -بكسر الفاء وفتح الياء التحتية-: جمعُ فيل. وفي الزركشي بفتح الفاء والياء (¬1). والظاهر أنه سهو. * * * باب: وُفُودِ الأَنْصَارِ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِمكَّةَ، وبَيْعَةِ العَقَبَةِ 2047 - (3889) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ، وَكَانَ قَائِدَ كعْبٍ حِينَ عَمِيَ، قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، بِطُولهِ. قَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ فِي حَدِيثهِ: وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ، حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الإِسْلَامِ، وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ أَذْكَرَ فِي النَّاسِ مِنْهَا. (وما أحب أن (¬2) لي بها مشهد بدر): الباء للبدلية؛ أي: وما أحب أن (¬3) لي بدلها مشهدَ بدرٍ، وإنما قال ذلك؛ لأنها أولُ عقدٍ أُجيب فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الخروج والنصرة. ¬

_ (¬1) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬2) في "ع": "إلي أن". (¬3) في "ع": "لي أن".

2048 - (3890) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: كَانَ عَمْرٌو يَقُولُ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- يَقُولُ: شَهِدَ بِي خَالَايَ الْعَقَبَةَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: أَحَدُهُمَا الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ. (سمعت جابر بن عبد الله يقول: شهد بي خالاي (¬1) العقبة، قال عبد الله بن محمد (¬2): قال ابن عيينة: أحدُهمُا البراء بن معرور): قال الحافظ الدمياطي: خالا جابر هما: ثعلبة، وعمرو ابنا غنمة بن عدي، أختهما أُنيسة بنتُ غنمة أُمُّ جابرِ بنِ عبد الله، وليس البراء بن معرور خالًا لجابر؛ خلافًا لابن عيينة (¬3). قال شيخنا قاضي القضاة شيخ الإسلام جلال الدين البلقيني -أمتع الله بعلومه الشريفة-: ورأيت في "المنتقى" في "تاريخ دمشق" لابن عساكر في ترجمة جابر، قال: حملني خالي جد بن قيس في السبعين راكبًا الذين وفدوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[من الأنصار، فخرج إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬4) معه عمُّه العباس، فقال: يا عم! خذ لي على أخوالك (¬5)، وساق حديث بيعة العقبة الثانية، وهذا يعين أحد الخالين المبهمين (¬6) في البخاري، ويكون ¬

_ (¬1) في "ع": "خالًا". (¬2) كذا في رواية أبي ذر الهروي، وهو عبد الله بن محمد الجعفي، ولغير أبي ذر: قال أبو عبد الله؛ يعني: البخاري. انظر: "فتح الباري" (7/ 262). (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 808). (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬5) رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (11/ 219). (¬6) في "ع": "المتهمين".

تسمية البراء بن معرور [خالًا له، وكذلك جد بن قيس؛ لأنهما قريبان لأمه، ولا يُوهم ابن عيينة فيما قاله. وفي "مستخرج الإسماعيلي" قال ابن عيينة: هما البراء بن معرور، وأخوه. وفي "أسد الغابة": أن جد بن قيس: هو ابن عم البراء بن معرور] (¬1)؛ لأنه البراء بن معرور بن صخرِ بنِ خنساءَ بنِ سنان، وجدُّ بنُ قيسِ (¬2) بنِ صخرِ بنِ خنساءَ بنِ سنان بنِ عديِّ بنِ غنمِ بنِ كعبِ بنِ سلمة (¬3). وفيها في ترجمة جابر: أن أمه نُسيبة بنتُ عقبةَ بنِ عديِّ بنِ سنان بنِ نابي بنِ زيدِ بن حرامِ بنِ كعبِ بنِ غنمِ (¬4) بنِ كعبِ بنِ سلمةَ (¬5). فعلى هذا قربُهما لأمه أنها تجتمع معهما في غنم بن كعب بن سلمة، والعرب (¬6) تسمي قريبَ الأم خالًا. * * * 2049 - (3891) - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ: أَنَّ ابْنَ جُرَيْجِ أَخْبَرَهُمْ: قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ جَابِرٌ: أَنَا وَأَبي وَخَالِي مِنْ أَصْحَابِ الْعَقَبةِ. (قال جابر: أنا وأبي وخالَيَّ من أصحاب العقبة): قال السفاقسي: ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) في "ج": "قيس هو ابن عم البراء". (¬3) انظر: "أسد الغابة" (1/ 402). (¬4) "ابن غنم" ليست في "ج". (¬5) انظر: "أسد الغابة" (1/ 377). (¬6) في "ع": "والغريب".

كذا وقع؛ كأنه نصب "خالَيَّ" بواو مع؛ مثل: استوى الماء والخشبةَ (¬1). قلت: يلزم عليه تقدمُ المفعول معه على العامل، وهو باطل، وقد يوجَّه على بُعدٍ بأمرين: أحدهما: أن يكون قوله: "من أصحاب العقبة" خبرًا عن قوله: "أنا وأبي"، وأما (¬2) "خالَيَّ"، فمفعول بفعلٍ محذوف؛ أي: وأزيدُ خالَيَّ. الثّاني: أن يكون الأصل: وخالاي، على أن إعرابه بالحركة المقدرة على لغة من ألزم المثنّى الألف، ثم قلبت ياءً عند الإضافة مثل فَتَيَّ، وعَصيَّ على لغة هذيل، لكن يرد عليه أن لزوم الألف لغة حارثية، وهم لا يقلبونها ياءً عند الإضافة، فليتأمل. * * * 2050 - (3893) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبي الْخَيْرِ، عَنِ الصُّنَابِحِيِّ، عَن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ قَالَ: إِنِّي مِنَ النُّقَبَاءَ الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَالَ: بَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ لَا نُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا نسرِقَ، وَلَا نَزْنِيَ، وَلَا نَقْتُلَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ، وَلَا نَنْتَهِبَ، وَلَا نَعْصِيَ، بِالْجَنَّةِ إِنْ فَعَلْنَا ذَلِكَ، فَإِنْ غَشِينَا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، كَانَ قَضَاءُ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ. (ولا ننتهبَ ولا نعصيَ): من العصيان، كذا عند أبي ذر، وهو ظاهر؛ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 808). (¬2) في "ع": "وما".

باب: تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - عائشة، وقدومها المدينة، وبنائه بها

لأن من لا يعصي له الجنة، وروي: "نقضي" -بالقاف والضاد المعجمة-؛ من القضاء؛ لأن الأمر موكول إلى الله (¬1). * * * باب: تَزْويج النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَائِشَةَ، وقُدُومِهَا المَدِينَةَ، وَبِنَائهِ بِهَا 2051 - (3894) - حَدَّثَنِي فَرْوَةُ بْنُ أَبي الْمَغْرَاءِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا بِنْتُ سِتِّ سنِينَ، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَنَزَلْنَا فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ خَزْرجَ، فَوُعِكْتُ، فَتَمَرَّقَ شَعَرِي، فَوَفَى جُمَيْمَةً، فَأَتَتْنِي أُمِّي أُمُّ رُومَانَ، وَإِنِّي لَفِي أُرْجُوحَةٍ، وَمَعِي صَوَاحِبُ لِي، فَصَرَخَتْ بِي، فَأَتَيْتُهَا، لَا أَدْرِي مَا تُرِيدُ بِي، فَأَخَذَتْ بِيَدِي حَتَّى أَوْقَفَتْنِي عَلَى بَابِ الدَّارِ، وَإِنِّي لأَنْهَجُ حَتَّى سَكَنَ بَعْضُ نَفَسِي، ثُمَّ أَخَذَتْ شَيْئًا مِنْ مَاءٍ، فَمَسَحَتْ بِهِ وَجْهِي وَرَأْسِي، ثُمَّ أَدْخَلَتْنِي الدَّارَ، فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فِي الْبَيْتِ، فَقُلْنَ: عَلَى الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ، فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِنَّ، فَأَصْلَحْنَ مِنْ شَأْنِي، فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ضُحًى، فَأَسْلَمْنَنِي إِلَيْهِ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ. (فتمزق شعري): -بالزاي- تقطَّع وتساقطَ وعند أبي ذر بالراء، وهو بمعناه (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 808). (¬2) المرجع السابق، الموضع نفسه.

(جُمَيمة): -بضم الجيم وفتح الميم-: تصغير جُمَّة، وهي من الإنسان مجتَمَعُ شعر ناصيته. (وإني لفي أُرجوحة): بضم الهمزة، قيل: هي أن يؤخذ خشبة فيوضع وسطها على شيءٍ ثم جلس غلام على أحد طرفيها، وغلام الطرف الآخر، فترجح الخشبة بهما، وتتحرك بميل أحدهما بالآخر، ولا يقال: مرجوحة -بالميم-، وعن الخليل بالميم (¬1). (حتى أوقفتني): كذا وقع بالألف، والمشهور: "وَقَفَتْني" -بدون ألف-. (لأَنْهَج): -بفتح الهمزة والهاء، وبضم الهمزة وكسر الهاء-؛ أي: أربو وأتنفس من الإعياء. (على خير طائر): أي: حظٍّ ونصيب. (فلم يَرُعني): أي: لم يفاجئني، ويقال ذلك في الشيء غيرِ المتوقع يهجمُ عليك في غير حينه. * * * 2052 - (3895) - حَدَّثَنَا مُعَلًّى، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهَا: "أُرِيتُكِ فِي الْمَنَامِ مَرَّتَيْنِ، أَرَى أَنَّكِ فِي سَرَقَةٍ مِن حَرِيرٍ، وَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأتكَ، فَاكْشِفْ، فَإِذَا هِيَ أَنْتِ، فَأَقُولُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ". ¬

_ (¬1) انظر: "العين" (3/ 78). وانظر: "التنقيح" (2/ 809).

(في سَرَقَةَ): -بفتحات-؛ أي: قطعة من جيد الحرير. وعن الأصمعي: السَّرَقُ من كلام الفرس دخيلٌ في كلام العرب، وأصلُه في كلامهم: سَرَهْ؛ أي: جيد (¬1). (إن يك هذا من عند الله، يمضه): ليس شكًا في حقيقة الرؤيا؛ لأنها وحي، بل لأن الرؤيا تكون على ظاهرها، فلا تردُّد في أيهما يقع. * * * 2053 - (3896) - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَ مَخْرَجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْمَدِينَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ، فَلَبِثَ سَنَتَيْنِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، وَنَكَحَ عَائِشَةَ وَهْيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، ثُمَّ بَنَى بِهَا وَهْيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ. (توفيت خديجة قبل مخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة بثلاث سنين، أو قريبًا من ذلك، ونكح عائشة): قال الدمياطي: الصوابُ أن خديجة ماتت في رمضان سنة عشر، وتزوج سَوْدَةَ بعدها في رمضان المذكور، ثم تزوج عائشةَ في شوال سنة عشر (¬2). قلت: ليس ما ذكره البخاري مخالفًا لهذا حتى يكون خطأ، وغايةُ الأمر أن الدمياطي تعرَّضَ إلى تفصيلِ كلامٍ البخاريُّ ساكتٌ عنه، ومثلُه لا يُعد خطأ. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 809). (¬2) المرجع السابق، الموضع نفسه.

باب: هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلى المدينة

و"قريبًا": صفة ظرف محذوف، والتقدير: أو توفيت زمنًا قريبًا من ثلاث سنين قبل مخرجه -عليه السلام-؛ أي: في زمنٍ يقارب ذلك. * * * باب: هِجْرَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْلَا الْهِجْرَةُ، لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ". وَقَالَ أَبُو مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ، فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ". (فذهب وهَلي): بفتح الهاء. قال السهيلي: يقال: وَهَلَ: إذا أراد شيئًا، فذهب وَهْمُه إلى غيره، ووَهِمَ: غَلِطَ، وأَوْهَمَ: أَسْقَط (¬1). (فإذا هي المدينة يثربُ): خاطبهم بما يعرفون، وقد نهى بعدُ عن تسميتها بذلك. * * * 2054 - (3901) - حَدَّثَنِي زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، قَالَ هِشَامٌ: فَأَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: أَنَّ سَعْدًا قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أجُاهِدَهُمْ فِيكَ مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا ¬

_ (¬1) انظر: "الروض الأنف" (1/ 159).

رَسُولَكَ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَخْرَجُوهُ، اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّكَ قَدْ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ. وَقَالَ أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ: أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ: مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا نبِيَّكَ، وَأَخْرَجُوهُ مِنْ قُرَيْشٍ. (من قومٍ كذَّبوا رسولك، وأخرجوه): قال الداودي: يعني: بني قريظة، وليس كذلك، وإنما المراد: قريش؛ لأنهم الذين جمعوا بين هذين الوصفين القبيحين: تكذيبه، وإخراجه من مكةَ وطنهِ (¬1). * * * 2055 - (3904) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عُبَيْدٍ -يَعْنِي: ابْنَ حُنَيْنٍ-، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: "إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا مَا شَاءَ، وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ". فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا. فَعَجبْنَا لَهُ، وَقَالَ النَّاسُ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخ، يُخْبِرُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ عَبْدٍ خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، وَهْوَ يَقُولُ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا! فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - هُوَ الْمُخَيَّرَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ هُوَ أَعْلَمَنَا بِهِ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنْ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 810).

أمُّتِي، لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، إِلَّا خُلَّةَ الإسْلَامِ، لَا يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجدِ خَوْخَةٌ إِلَّا خَوْخَةُ أَبِي بَكْرٍ". (لا يبقين في المسجد خوخة): هي الباب الصغير. * * * 2056 - (3905) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - طَرَفَيِ النَّهَارِ، بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونُ، خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا نَحْوَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، حَتَّى بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ، وَهْوَ سَيِّدُ الْقَارَةِ، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي، فَأُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الأَرْضِ، وَأَعْبُدَ رَبِّي. قَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ: فَإِنَّ مِثْلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ وَلَا يُخْرَجُ، إِنَّكَ تَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، فَأَنَا لَكَ جَارٌ، ارْجِعْ وَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبَلَدِكَ. فَرَجَعَ وَارْتَحَلَ مَعَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ، فَطَافَ ابْنُ الدَّغِنَةِ عَشِيَّةً فِي أَشْرَافِ قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلَا يُخْرَجُ، أتخْرِجُونَ رَجُلًا يَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ؟! فَلَمْ تُكَذِّبْ قُرَيْشٌ بِجوَارِ ابْنِ الدَّغِنَةِ، وَقَالُوا لاِبْنِ الدَّغِنَةِ: مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَلْيُصَلِّ فِيهَا، وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ، وَلَا يُؤْذِينَا بِذَلِكَ، وَلَا يَسْتَعْلِنْ بِهِ، فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا. فَقَالَ ذَلِكَ ابْنُ الدَّغِنَةِ لأَبِي بَكْرٍ، فَلَبِثَ

أَبُو بَكْرٍ بِذَلِكَ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَلَا يَسْتَعْلِنُ بِصَلَاتِهِ، وَلَا يَقْرَأُ فِي غَيْرِ دَارِهِ، ثُمَّ بَدَا لأَبِي بَكْرٍ، فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ، وَيَقْرَأُ الْقُرآنَ، فَيَنْقَذِفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِين وَأَبْنَاؤُهُمْ، وَهُمْ يَعْجَبُونَ مِنْهُ، وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً، لَا يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذَا قَرَأَ الْقُرآنَ، وَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَةِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: إِنَّا كنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ بِجِوَارِكَ، عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَقَدْ جَاوَزَ ذَلِكَ، فَابْتَنَى مَسْحِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، فَأَعْلَنَ بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ فِيهِ، وَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا، فَانْهَهُ، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَعَلَ، وَإِنْ أَبَى إِلَّا أَنْ يُعْلِنَ بِذَلِكَ، أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ، فَإِنَّا قَدْ كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ، وَلَسْنَا مُقرِّينَ لأَبي بَكْرٍ الاِسْتِعْلَانَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَةِ إِلَى أَبِي بَكرٍ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَاقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ، فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيَّ ذِمَّتِي؛ فَإِنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنِّي أُخْفِرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْت لَهُ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنِّي أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ، وَأَرْضَى بِجوَارِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِلْمُسْلِمِينَ: "إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ، ذَاتَ نَخلٍ بَيْنَ لَابَتَينِ" -وَهُمَا الْحَرَّتَانِ-، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ، وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكرٍ قِبَلَ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَهِ - صلى الله عليه وسلم -: "عَلَى رِسْلِكَ؛ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي". فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ؟ قَالَ: "نعَمْ". فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِيَصْحَبَهُ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ -وَهْوَ الْخَبَطُ- أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ.

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: فَبَيْنَمَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أبي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، قَالَ قَائِلٌ لأَبِي بَكْرٍ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مُتَقَنِّعًا، فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي، وَاللَّهِ! مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ. قَالَتْ: فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَاسْتَأْذَنَ، فَأُذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأَبِي بَكْرٍ: "أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ". فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ، بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "فَإِنيِّ قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ". فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الصَّحَابَةُ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "نعمْ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَخُذْ -بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ- إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "بِالثَّمَنِ". قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجَهَّزنَاهُمَا أَحَثَّ الْجَهَازِ، وَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبي بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا، فَرَبَطَتْ بِهِ عَلَى فَم الْجرَابِ، فَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقِ. قَالَتْ: ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ، فَكَمَنَا فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبي بَكْرٍ، وَهْوَ غُلَامٌ شَابٌّ، ثَقِفٌ لَقِنٌ، فَيُدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ، فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ، فَلَا يَسْمَعُ أَمْرًا يُكْتَادَانِ بِهِ إِلَّا وَعَاهُ، حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلَامُ، وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبي بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَم، فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ يَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنَ الْعِشَاءِ، فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلٍ، وَهْوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا، حَتَّى يَنْعِقَ بِهَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ، يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثِ، وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي

الدِّيلِ، وَهْوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ، هَادِيًا خِرِّيتًا، وَالْخِرِّيتُ الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ، قَدْ غَمَسَ حِلْفًا فِي آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ، وَهْوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَأَمِنَاهُ، فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلَاثٍ، وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، وَالدَّلِيلُ، فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلِ. (بَرك الغماد): -بفتح الموحدة-، ومنهم من كسرها، والغينُ المعجمة من الغِماد: مكسورة، وقد تضم: هو وادٍ في أقاصي هجر (¬1)، وقد تقدم الكلام فيه، وفي ابن الدغنة. (فيَنْقَذِف عليه نساء المشركين): بياء تحتية مفتوحة فنون ساكنة فقاف مفتوحة فدال معجمة مكسورة ففاء، كذا (¬2) للمروزي والمستملي، وعند غيرهما في شيوخ أبي ذر: بتاء فوقية عوض النون والذال المعجمة المشددة مفتوحة، وعند الجرجاني: "فيتقصف". قال القاضي: وهو المعروف (¬3)، قال الخطابي: "يتقذف" تصحيف (¬4)، والمحفوظ يتقصف؛ أي: يَزْدَحِمْن، ويسقط بعضُهن (¬5) ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 810). (¬2) من قوله: "هذيل، لكن يرد عليه أن لزوم الألف لغة حارثية. . . ." (ص: 360) إلى هنا ليس في "ع" و"ج". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 175). (¬4) في "ع" و"ج": "يتصحف". (¬5) في "ج": "وسقط بعضهم".

على بعض (¬1) (¬2). (فلم تكذب قريش بجِوار ابن الدغنة): -بكسر الجيم-، يعني: لم تردَّ جواره، وكل من كذب بشيء فقد ردَّه. (أن نُخفرك): -بضم النون- رباعي؛ من الأخفار، وهو نقض العهد. (فكمَنا): -بفتح الميم- على لغة الفصحى، ويقال بكسرها. (ثَقِف): -بمثلثة مفتوحة فقاف مكسورة ففاء-؛ أي: فَطِن، وقيل بفتح الفاء والقاف معًا؛ كقولهم: صَنَعُ اليدين. (لَقِنٌ): على زنة حَذِرٍ؛ كاللفظ المتقدم؛ أي: حَسَنُ التلقي لما يسمع، وقيل: السريعُ الفهم. (يُكادان به): ويروى: "يُكتادان به": يفتعلان؛ من الكيد، مبني للمفعول. (مِنحة): -بكسر الميم-، ويروى: "مَنيحة": بفتح الميم وزيادة الياء، وهي الشاة، أو الناقةُ اللَّبون يمنحها الرجلُ صاحبَه، فيشرب لبنها، ثم يردها (¬3). (فيبيتان في رِسل): بكسر الراء. ¬

_ (¬1) "على بعض" ليس في "ع". (¬2) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 1690). وانظر: "التنقيح" (2/ 810). (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 811).

(وهو لبن مِنْحَتهما ورَضيفِهما): -بالضاد المعجمة- هو اللبن يُغْلى بالرضف، وهي الحجارة المحمَّاة، وقيل: أن تحمى الحجارة، فتلقى في اللبن الحليب، فتذهب وخامته (¬1). (حتى ينعق بها عامر): أي: يصيح بها، ويزجرها. (بغَلَسٍ): هو ظلام آخر الليل. * * * 2057 - (3906) - قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَالِكٍ الْمُدْلِجيُّ، وَهْوَ ابْنُ أَخِي سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ: أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ: أنَهُ سَمِعَ سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمِ يَقُولُ: جَاءَنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأِبي بَكْرٍ دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، مَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَسَرَهُ، فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلِجِ، أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ جُلُوسٌ، فَقَالَ: يَا سُرَاقَةُ! إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوِدَةً بِالسَّاحِلِ، أُرَاهَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، قَالَ سُرَاقَةُ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ، وَلَكِنَّكَ رَأَيتَ فُلَانًا وَفُلَانًا، انْطَلَقُوا بِأَعْيُينَا، ثُمَّ لَبِثْتُ فِي الْمَجْلِسِ سَاعَةً، ثُمَّ قُمْتُ فَدَخَلْتُ، فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي وَهْيَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ، فَتَحْبِسَهَا عَلَيَّ، وَأَخَذْتُ رُمْحِي، فَخَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ، فَحَطَطْتُ بِزُجِّهِ الأَرْضَ، وَخَفَضْتُ عَالِيَهُ، حَتَّى أَتَيْتُ فَرَسِي فَرَكبْتُهَا، فَرَفَعْتُهَا تُقَرِّبُ بِي، حَتَّى دَنوتُ مِنْهُمْ، فَعَثَرَتْ بِي فَرَسِي، فَخَرَرْتُ عَنْهَا، ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 812).

فَقُمْتُ فَأَهْوَيْتُ يَدِي إِلَى كِنَانتِي، فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الأَزْلَامَ فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا، أَضُرُّهُمْ أَمْ لَا؟ فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ، فَرَكبْتُ فَرَسِي، وَعَصَيْتُ الأَزْلَامَ، تُقَرِّبُ بِي حَتَّى إِذَا سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ لَا يَلْتَفِتُ، وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الاِلْتِفَاتَ، سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الأَرْضِ، حَتَّى بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ، فَخَرَرْتُ عَنْهَا، ثُمَّ زَجَرْتُهَا فَنَهَضَتْ، فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا، فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً، إِذَا لأَثَرِ يَدَيْهَا عُثَانٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلُ الدُّخَانِ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِالأَزْلَامِ، فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ، فَنَادَيْتُهُمْ بِالأَمَانِ، فَوَقَفُوا، فَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى جِئْتُهُمْ، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ مِنَ الْحَبْسِ عَنْهُمْ، أَنْ سَيَظْهَرُ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَعَلُوا فِيكَ الدِّيَةَ، وَأَخْبَرْتُهُمْ أَخْبَارَ مَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِم الزَّادَ وَالْمَتَاعَ، فَلَمْ يَرْزآنِي، وَلَمْ يَسْأَلَانِي، إِلأَ أَنْ قَالَ: "أَخْفِ عَنَّا"، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ أَمْنٍ، فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ، فَكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ مِنْ أَدِيمِ، ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَقِيَ الزُّبَيْرَ فِي رَكْبٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، كَانوُا تِجَارًا قَافِلِينَ مِنَ الشَّأْمِ، فَكَسَا الزُّبَيْرُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبَا بَكْرٍ ثِيَابَ بَيَاضٍ، وَسَمِعَ الْمُسْلِمُونَ بِالْمَدِينَةِ مَخْرَجَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - منْ مَكَّةَ، فَكَانُوا يَغْدُونَ كُلَّ غَدَاةٍ إِلَى الْحَرَّةِ، فَيَنْتَظِرُونَهُ حَتَّى يَرُدَّهُمْ حَرُّ الظَّهِيرَةِ، فَانْقَلَبُوا يَوْمًا بَعْدَ مَا أَطَالُوا انْتِظَارَهُمْ، فَلَمَّا أَوَوْا إِلَى بُيُوتهِمْ، أَوْفَى رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِهِمْ؛ لأَمْرٍ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَبَصُرَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابِهِ مُبَيَّضِينَ يَزُولُ بِهِمُ السَّرَابُ، فَلَمْ يَمْلِكِ الْيَهُودِيُّ أَنْ قَالَ بِأَعْلَى صَوْتهِ: يَا مَعَاشِرَ الْعَرَبِ! هَذَا جَدُّكُمُ الَّذِي

تَنْتَظِرُونَ، فَثَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى السِّلَاحِ، فتلَقَّوْا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِظَهْرِ الْحَرَّةِ، فَعَدَلَ بِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ، حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَذَلِكَ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّاسِ، وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَامِتًا، فَطَفِقَ مَنْ جَاءَ مِنَ الأَنْصَارِ -مِمَّنْ لَمْ يَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُحَيِّي أَبَا بَكْرٍ، حَتَّى أَصَابَتِ الشَّمْسُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى ظَلَّلَ عَلَيْهِ بِرِدَائِهِ، فَعَرَفَ النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ ذَلِكَ، فَلَبِثَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَأُسِّسَ الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، وَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَسَارَ يَمْشِي مَعَهُ النَّاسُ حَتَّى بَرَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْمَدِينَةِ، وَهْوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ مِرْبَدًا لِلتَّمْرِ، لِسُهَيْلٍ وَسَهْلٍ غُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي حَجْرِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ: "هَذَا إِنْ شَاءَ اللهُ الْمَنْزِلُ". ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْغُلَامَيْنِ، فَسَاوَمَهُمَا بِالْمِرْبَدِ لِيتَّخِذَهُ مَسْجدًا، فَقَالَا: لَا، بَلْ نهبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ بَنَاهُ مَسْجدًا، وَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْقُلُ مَعَهُمُ اللَّبِنَ فِي بُنْيَانِهِ، وَيَقُولُ وَهُوَ يَنْقُلُ اللَّبِنَ: "هَذَا الْحِمَالُ لَا حِمَالَ خَيْبَرْ، هَذَا أَبَرُّ -رَبَّنَا- وَأَطْهَرْ". وَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنَّ الأَجْرَ أَجْرُ الآخِرَهْ، فَارْحَم الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ". فَتَمَثَّلَ بِشِعْرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُسَمَّ لِي. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَمْ يَبْلُغْنَا فِي الأَحَادِيثِ: أَن رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَمَثَّلَ بِبَيْتِ شِعْرٍ تَامِّ غَيْرِ هَذَا الْبَيْتِ. (فحططت): رواه الأصيلي بحاء مهملة؛ أي: أمكنت أسفله وخفضت

أعلاه؛ لئلا يظهر بريقه لمن بَعُدَ عنه فينذرَ به، وينكشف أمره (¬1). ورواه الجمهور: بالخاء المعجمة؛ أي: خفض أعلاه فأمسكه بيده، وجَرَّ زُجَّهُ على الأرض خَطَّها به غيرَ قاصد بخطها؛ لئلا يظهر أن الرمح أُمسك زُجُّه ونُصب (¬2). (عُثان): -بعين مهملة (¬3) ومثلثة (¬4) -؛ مثل: الدخان وزنًا ومعنى، وجمعُه عواثِنُ، على غير قياس، ويروى: "غُبار"، بغين معجمة وموحدة وراء (¬5). (فاستقسمتُ بالأزلام): جمع زَلَم -بفتح الزاي واللام وبضم الزاي فقط-: هي أقلام كانوا يكتبون على بعضها: نعم، وعلى بعضها: لا، وكانوا (¬6) إذا أرادوا أمرًا، استقسموا بها، فإذا خرج السهم الذي عليه نعم، خرجوا، وإذا خرج الآخر، لم يخرجوا، ومعنى الاستقسام (¬7): معرفة قسم الخير والشر. (فلم يرزآني): -براء بعدها زاي-؛ أي: لم يأخذا (¬8) من مالي شيئًا. (قال ابن شهاب: فأخبرني عروة بن الزبير: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقي الزبيرَ في ركب من المسلمين كانوا تِجارًا قافلين من الشام، فكسا الزبيرُ ¬

_ (¬1) في "ج": "اسمه". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 812). (¬3) في "ج": "معجمة". (¬4) "ومثلثة" ليست في "ع". (¬5) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬6) في "ع": "وكان". (¬7) "الاستقسام" ليست في "ع". (¬8) في "ع" و"ج": "يأخذوا".

النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر ثيابَ بياض): قال الدمياطي: لم يذكر الزبير بن بكار، ولا أهل السير أن الزبير لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - في طريق الهجرة قادمًا من الشام [وكساهم، وإنما هو طلحةُ بنُ عُبيدِ الله. قال ابن سعد: لما ارتحل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هجرته إلى المدينة، لقي طلحةَ بن عبيد الله جائيًا من الشام] (¬1) في عير، فكسا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر من ثياب الشام، وأخبرَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أن مَنْ بالمدينة (¬2) من المسلمين قد استبطؤوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فعجَّل (¬3) (¬4). (أوفى رجل من اليهود على أُطُم): أوفى عليه؛ أي: قام في أعلاه، والأطم -بضم الهمزة والطاء-: الحصن، وقيل: هو بناء معمول من حجارة (¬5) كالقصر. (مبيِّضين): -بتشديد الياء التحتية مكسورة وتخفيف الضاد المعجمة-؛ أي: مبيضةً ثيابُهم. قال السفاقسي: ويحتمل أن يريد: متعجلين. قال ابن فارس: (¬6) بائض؛ أي: مستعجل، ويدل عليه قوله: "يزولُ بهم السرابُ"، وقد ضُبط في بعض ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬2) في "ع" و"ج": "المدينة". (¬3) في "ع": "فجعل". (¬4) انظر: "الطبقات الكبرى" (3/ 215). وانظر: "التنقيح" (2/ 813). (¬5) في "ع" و"ج": "الحجارة". (¬6) في "م" و"ع" زيادة "خمس".

النسخ: بتشديد الضاد، والسراب: أن ترى في شدة الحر شيئًا كالماء، فإذا جئته، لم تجده (¬1) شيئًا، كما قال الله تعالى (¬2). (هذا جدكم) -بفتح الجيم-؛ أي: حظكم ودولتكم الذي يتوقعون السعادة بمجيئه. (وأَسَّس المسجدَ الذي أُسِّس على التقوى): ظاهره أنه مسجدُ بني عمرو بن عوف، وقيل: بل مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -. قلت: وسياق الحديث يدفعه دفعًا ظاهرًا. (هذا الحِمال لا حِمالُ خيبر): -بحاء مهملة مكسورة-؛ أي: هذا الحمل أو المحمول من اللبن أَبَرُّ عند الله وأطهر، لا حمال خيبر الذي يغتبط به حاملوه؛ مما يُجلب منها من تمر وزبيب وطعام، والحِمالُ والحمل بمعنى (¬3). ورواه السهيلي (¬4) بالجيم المفتوحة، وله وجه، و (¬5) الأول أظهر (¬6) (¬7). (قال ابن شهاب: ولم يبلغنا في الأحاديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تمثل ببيت شعر [تام] غير هذه الأبيات (¬8)): يريد قوله: ¬

_ (¬1) في "ع": "تجد". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 813). (¬3) في "ج": "بمعنى واحد". (¬4) كذا في الأصول، والصواب: "المستملي"؛ كما في "الفتح" (7/ 290). (¬5) الواو ليست في "ع". (¬6) "أظهر" ليست في "ع". (¬7) انظر: "التنقيح" (2/ 814). (¬8) في اليونينية: "تامٍّ غير هذا البيت"، وهي المعتمدة في النص. ووقع في رواية أبي ذر: "تام غير هذه الأبيات".

هَذَا الْحِمَالُ لا حِمَالُ خَيْبَرْ ... هَذَا أَبَرُّ رَبَّنا وَأَطْهَرْ وقوله: إِنَّ الأَجْرَ أَجْرُ الآخِرَهْ ... فَارْحَمِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ قال الزركشي: قد أنكر ذلك عليه من وجهين: أحدهما: أنه رَجَز، وليس بشعر، ولهذا يقال لصاحبه: راجز، لا شاعر. وثانيهما: أنه ليس بموزون (¬1). قلت: بين الوجهين تنافٍ؛ فإن الأول يقتضي تسليمَ كون الكل موزونًا؛ ضرورة أنه جعله رجزًا، ولابدَّ فيه من وزن خاص، سواء قلنا (¬2): هو شعر، أو لا. والثاني: مصرِّحٌ بنفي الوزن. ولقائل أن يمنع كونَ الرجز غيرَ شعر، [وكون قائله ليس شاعرًا, وهو الصحيح عند العروضيين، سلمنا أن الرجز ليس شعرًا] (¬3)، لكن لا نسلم أن قوله: هَذَا الْحِمَالُ لا حِمَالُ خَيْبَرْ ... هَذَا أَبَرُّ رَبَّنا وَأَطْهَرْ من بحر الرجز، وإنما هو من مشطور السريع، دخله الكسف والخَبْن، وأما قوله: ليس بموزون فإنما يتم في قوله: ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 814). (¬2) في "ج": "إن قلنا". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع".

اللَّهُمَّ إِنَّ الأَجْرَ أَجْرُ الآخِرَهْ ... فَارْحَمِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ * * * 2058 - (3909) - حَدَّثَنِي زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: أَنَّهَا حَمَلَتْ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَتْ: فَخَرَجْتُ وَأَنَا مُتِمٌّ، فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ، فَنَزَلْتُ بِقُبَاءٍ، فَوَلَدْتُهُ بِقُبَاءٍ، ثُمَّ أتيْتُ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَوَضَعْتُهُ فِي حَجْرِهِ، ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ، فَمَضَغَهَا، ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيءِ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ حَنَكَهُ بِتَمْرَةٍ، ثُمَّ دَعَا لَهُ، وَبَرَّكَ عَلَيْهِ، وَكانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الإسْلَامِ. (تَفَلَ): -بتاء فوقية-؛ أي: رَمَى من ريقه في فيه. (وبرّك عليه): -بتشديد الراء-؛ أي: دعا له بالثبات على الخير، والدوامِ عليه (¬1). (وكان أولَ مولود وُلد في الإسلام): أي: بالمدينة من المهاجرين (¬2). * * * 2059 - (3910) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ أَبي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: أَوَّلُ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الإسْلَامِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، أتوْا بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخَذَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - تَمْرَةً، فَلَاكَهَا، ثُمَّ أَدْخَلَهَا فِي فِيهِ، فَأَوَّلُ مَا دَخَلَ بَطْنَهُ رِيقُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) "عليه" ليست في "ج". (¬2) "من المهاجرين" ليس في "ع".

(فلاكها، ثم أدخلها في فيه): الضمير المستتر في "لاكَها، وأدخلَها" عائد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، والضمير المجرور من قوله: "في فيه" عائدٌ على عبد الله ابن الزبير. * * * 2060 - (3911) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا أَبي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: أَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْمَدِينَةِ، وَهْوَ مُرْدِفٌ أَبَا بَكْرٍ، وَأَبُو بَكرٍ شَيخٌ يُعْرَفُ، وَنبَيُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - شَابٌّ لَا يُعْرَفُ، قَالَ: فَيَلْقَى الرَّجُلُ أَبَا بَكْرٍ، فَيَقُولُ: يَا أَبَا بَكْرٍ! مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْكَ؟ فَيَقُولُ: هَذَا الرَّجُلُ يَهْدِينِي السَّبِيلَ. قَالَ: فَيَحْسِبُ الْحَاسِبُ أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْنِي الطَّرِيقَ، وَإِنَّمَا يَعْنِي سَبِيلَ الْخَيْرِ، فَالْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ، فَإِذَا هُوَ بِفَارِسٍ قَدْ لَحِقَهُمْ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَذَا فَارِسٌ قَدْ لَحِقَ بِنَا. فَالْتَفَتَ نبِيُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اصْرَعْهُ"، فَصَرَعَهُ الْفَرَسُ، ثُمَّ قَامَتْ تُحَمْحِمُ، فَقَالَ: يَا نبَيَّ اللَّهِ! مُرْنِي بِمَ شِئْتَ، قَالَ: "فَقِفْ مَكَانَكَ، لَا تَتْرُكَنَّ أَحَدًا يَلْحَقُ بِنَا". قَالَ: فَكَانَ أَوَّلَ النَّهَارِ جَاهِدًا عَلَى نبِيِّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَ آخِرَ النَّهَارِ مَسْلَحَةً لَهُ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جانِبَ الْحَرَّةِ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَى الأَنْصَارِ، فَجَاؤُوا إِلَى نبَيِّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِمَا، وَقَالُوا: ارْكَبَا آمِنَيْنِ مُطَاعَيْنِ. فَرَكِبَ نَبِيُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَبُو بَكْرٍ، وَحَفُّوا دُونَهُمَا بِالسِّلَاحِ، فَقِيلَ فِي الْمَدِينَةِ: جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ، جَاءَ نبِيُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَشْرَفُوا يَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ: جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ، جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ، فَأَقْبَلَ يَسِيرُ حَتَّى نَزَلَ جَانِبَ دَارِ أَبي أَيُّوبَ، فَإِنَّهُ لَيُحَدِّثُ أَهْلَهُ إِذْ سَمِعَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ، وَهْوَ فِي

نَخْلٍ لأَهْلِهِ يَخْتَرِفُ لَهُمْ، فَعَجِلَ أَنْ يَضَعَ الَّذِي يَخْتَرِفُ لَهُمْ فِيهَا، فَجَاءَ وَهْيَ مَعَهُ، فَسَمِعَ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ. فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّ بُيُوتِ أَهْلِنَا أَقْرَبُ؟ "، فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: أَنَا يَا نبَيَّ اللَّهِ، هَذِهِ دَارِي، وَهَذَا بَابِي، قَالَ: "فَانْطَلِقْ فَهَيِّئْ لَنَا مَقِيلًا". قَالَ: قُومَا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ، فَلَمَّا جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ سَلَامٍ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّكَ جِئْتَ بِحَقٍّ، وَقَدْ عَلِمَتْ يَهُودُ أَنِّي سَيِّدُهُمْ وَابْنُ سَيِّدِهِمْ، وَأَعْلَمُهُمْ وَابْنُ أَعْلَمِهِمْ، فَادْعُهُمْ فَاسْأَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ؛ فَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، قَالُوا فِيَّ مَا لَيْسَ فِيَّ. فَأَرْسَلَ نَبِيُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَقْبَلُوا، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ! وَيْلَكُمُ! اتَّقُوا اللَّهَ، فَوَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ! إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا، وَأَنِّي جِئْتُكُمْ بِحَقِّ، فَأَسْلِمُوا". قَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ، قَالُوا لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَهَا ثَلَاثَ مِرَارٍ، قَالَ: "فَأَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ؟ "، قَالُوا: ذَاكَ سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا، وَأَعْلَمُنَا وَابْنُ أَعْلَمِنَا. قَالَ: "أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ؟ "، قَالُوا: حَاشَى لِلَّهِ مَا كانَ لِيُسْلِمَ، قَالَ: "أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ؟ ". قَالُوا: حَاشَى لِلَّهِ مَا كانَ لِيُسْلِمَ، قَالَ: "أَفَرَأَيْتُمْ إنْ أَسْلَمَ؟ ". قَالُوا: حَاشَى لِلَّهِ مَا كانَ ليسْلِمَ. قَالَ: "يَا ابْنَ سَلَامٍ! اخْرُجْ عَلَيْهِمْ". فَخَرَجَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ! اتَّقُوا اللَّهَ، فَوَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ! إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّهُ جَاءَ بِحَقٍّ. فَقَالُوا: كَذَبْتَ، فَأَخْرَجَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. (وهو مردف أبا بكر): قال الداودي: بحتمل أنهما كانا على بعير واحد، ويحتمل أنهما على بعيرين، لكن أحدهما يتلو الآخر. قال السفافسي: والتأويل هو الأول، ولا يصح الثاني؛ لأن المردَف

على قول الداودي يكون خلف المردِف, ولا يصح أن يكون أبو (¬1) بكر يمشي بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذلك أنه قال في الحديث: "فيلتقي الرجلُ أبا بكر، فيقولُ له: من هذا؟ " (¬2). قلت: لم يتضح لي ما قال السفاقسي في رد الاحتمال الثاني بوجه، وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو المردِفُ لأبي بكر؛ كما في الحديث؛ أي: جاعلُه رِدْفًا له، فأبو بكر خلفَه قطعًا، وكونُ الرجل يلقى أبا بكر، فيسأله: من هذا؟ لا يقتضي تقدمَ أبي بكر؛ إذ يجوز سؤاله عنه وهو تابع له ورديف؛ من حيث إن أبا بكر كان معروفًا للسائل دون النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإذا لقيه -عليه الصلاة والسلام- رجلٌ لم يعرفه، ورأى أبا (¬3) بكر بعدَه، وهو يعرفه، سأله عنه، هذا لا مانع منه (¬4) أصلًا. ثم أشار السفاقسي إلى إشكال منقدح، وذلك أن (¬5) إردافه -عليه الصلاة والسلام- لأبي بكر كان بعد قدومه بالمدينة بعد انتقاله من بني عمرو بن عوف بعد قدوم المدينة، بل تكون هذه الحالة ثابتة لهما في حال مجيئهما من مكة إلى المدينة. قلت: وقد يجاب بمنع اختصاص الإرداف بحالة الانتقال من بني عمرو بن عوف بعد قدوم المدينة، بل تكون هذه الحالة ثابتة لهما في حال ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "أبا". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 815). (¬3) في "ع": "أبو". (¬4) في "ج": "له". (¬5) في "ع": "لأن".

مجيئهما من مكة إلى المدينة، وليس في الحديث ما يأباه أصلًا، ويُحمل (¬1) الإرداف على جعل أبي بكر تابعًا ورديفًا وتاليًا على بعير مختص به؛ إذ الظاهر أن هذه حالتهما في السفر، وقوله: "يهديني السبيل": يشير إليه؛ إذ الهادي إلى الطريق يكون متقدمًا على المهدي (¬2)، فتأمله. (وأبو بكر شيخ يُعرف، والنبي - صلى الله عليه وسلم - شابٌّ لا يُعرف): قال الزركشي: يريد (¬3): دخولَ الشيب في لحيته دونه، ليس السن، هكذا رواه البيهقي في "دلائل النبوة" (¬4)، وبه يزول الإشكال في قدر عمريهما. وقيل: إنما كان كذلك؛ لأن أبا بكر أسرعَ إليه الشيبُ، بخلاف النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه مات وليس في لحيته -عليه الصلاة والسلام- ورأسه عشرون شعرة بيضاء، وكان أسنَّ من أبي بكر؛ [لأنَّ أبا بكر] بقي بعده سنتين وثلاثة أشهر وعشرين يومًا، وماتا وعمرهما واحد، ومعنى قوله: يُعرف؛ لأنه كان يتردَّدُ إليهم في التجارة، بخلاف النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬5). (مَسْلَحَة له): -بفتح الميم (¬6) -؛ أي: يدفع عنه الأذى بمثابة سلاحه. (يخترف): -بالخاء المعجمة-؛ أي: يجتني الثمار. ¬

_ (¬1) في "ع": "ويحتمل". (¬2) في "ع": "الهدي". (¬3) في "ع": "يؤيد". (¬4) رواه البيهقي في "دلائل النبوة" (2/ 526). (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 816). (¬6) "بفتح الميم" ليست في "ع".

(فهيئ لنا مَقيلًا): -بفتح الميم (¬1) -؛ أي: مكانًا نَقيل فيه، والمقيل: النومُ نصفَ النهار. وقال الأزهري: القيلولة (¬2) والمقيل: الاستراحة نصفَ النهار، معها نومٌ أو لا، قال: بدليل قوله: {وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان: 24]، والجنة لا نوم لها (¬3). * * * 2061 - (3912) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ -يَعْنِي:- عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه -، قَالَ: كَانَ فَرَضَ لِلْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ أَرْبَعَةَ آلَافٍ فِي أَرْبَعَةٍ، وَفَرَضَ لاِبْنِ عُمَرَ ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَخَمْسَ مِئَةٍ، فَقِيلَ لَهُ: هُوَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، فَلِمَ نَقَصْتَهُ مِنْ أَرْبَعَةِ آلَافٍ؟ فَقَالَ: إَنَّمَا هَاجَرَ بِهِ أَبَوَاهُ، يَقولُ: لَيْسَ هُوَ كَمَن هَاجَرَ بِنَفْسِهِ. (كان فرضَ للمهاجرين أربعة آلاف في أربعة): قيل: معناه: أربعة آلاف في أربعة آلاف، وقيل: معناه: في أربعة أعوام. * * * 2062 - (3915) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، ¬

_ (¬1) "بفتح الميم" ليست في "ج". (¬2) في "ج": "القيولة". (¬3) انظر: "تهذيب اللغة" (9/ 233). وانظر: "التوضيح" (20/ 550).

عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبي مُوسَى الأَشْعَرِيُّ، قَالَ: قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: هَلْ تَدْرِي مَا قَالَ أَبي لأَبِيكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَإِنَّ أَبي قَالَ لأَبيكَ: يَا أَبَا مُوسَى! هَلْ يَسُرُّكَ إِسْلَامُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَهِجْرَتُنَا مَعَهُ، وَجِهَادُنَا مَعَهُ، وَعَمَلُنَا كُلُّهُ مَعَهُ، بَرَدَ لَنَا، وَأَنَّ كُلَّ عَمَلٍ عَمِلْنَاهُ بَعْدَهُ نَجَوْنَا مِنْهُ كَفَافًا رَأْسًا بِرَأْسٍ؟ فَقَالَ أَبي: لَا وَاللَّهِ! قَدْ جَاهَدْنَا بَعْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَصَلَّيْنَا، وَصُمْنَا، وَعَمِلْنَا خَيْرًا كَثِيرًا، وَأَسْلَمَ عَلَى أَيْدِينَا بَشَرٌ كَثِيرٌ، وَإِنَّا لَنَرْجُو ذَلِكَ. فَقَالَ أَبي: لَكِنِّي أَنَا، وَالَّذِي نفسُ عُمَرَ بِيَدِهِ! لَوَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ بَرَدَ لَنَا، وَأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ عَمِلْنَاهُ بَعْدُ نَجَوْنَا مِنْهُ كَفَافًا رَأْسًا بِرَأْسٍ. فَقُلْتُ: إِنَّ أَبَاكَ -وَاللَّهِ- خَيْرٌ مِنْ أَبي. (بَرَدَ لَنَا): -بفتحات-؛ أي: ثبت. (فقال أبي: لا والله): الظاهر أن يقال: فقال (¬1) أبوك؛ لأنه يخاطب أبا بردة، ويعلمه أن أباه قال هذا الكلام. * * * 2063 - (3916) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَبَّاحٍ، أَوْ بَلَغَنِي عَنْهُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- إِذَا قِيلَ لَهُ: هَاجَرَ قَبْلَ أَبِيهِ، يَغْضَبُ. قَالَ: وَقَدِمْتُ أَنَا وَعُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَوَجَدْنَاهُ قَائِلًا، فَرَجَعْنَا إِلَى الْمَنْزِلِ، فَأَرْسَلَنِي عُمَرُ وَقَالَ: اذْهَبْ فَانْظُرْ هَلِ اسْتَيْقَظَ؟ فَأَتَيْتُهُ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَبَايَعْتُهُ، ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى عُمَرَ، فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّهُ قَدِ اسْتَيْقَظَ، فَانْطَلَقْنَا إِلَيْهِ نُهَرْوِلُ هَرْوَلَةً، حَتَّى دَخَلَ ¬

_ (¬1) في "ع": "قال".

عَلَيْهِ، فَبَايَعَهُ، ثُمَّ بَايَعْتُهُ. (فوجدناه قائلًا): أي: نائمًا في القائلة نصفَ النهار، وذلك حين قدم (¬1) النبي - صلى الله عليه وسلم -. * * * 2064 - (3917) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يُحَدِّثُ، قَالَ: ابْتَاعَ أَبُو بَكْرٍ مِنْ عَازِبٍ رَحْلًا، فَحَمَلْتُهُ مَعَهُ، قَالَ: فَسَأَلَهُ عَازِبٌ عَنْ مَسِيرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: أُخِذَ عَلَيْنَا بِالرَّصَدِ، فَخَرَجْنَا لَيْلًا، فَأَحْثَثْنَا لَيْلَتَنَا وَيَوْمَنَا حَتَّى قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، ثُمَّ رُفِعَتْ لَنَا صَخْرَة، فَأتيْنَاهَا وَلَهَا شَيْءٌ مِنْ ظِلٍّ، قَالَ: فَفَرَشْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرْوَةً مَعِي، ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَانْطَلَقْتُ أَنْفُضُ مَا حَوْلَهُ، فَإِذَا أَنَا بِرَاعٍ قَدْ أَقْبَلَ فِي غُنَيْمَةٍ يُرِيدُ مِنَ الصَّخْرَةِ مِثْلَ الَّذِي أَرَدْنَا، فَسَأَلْتُهُ: لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلَامُ؟ فَقَالَ: أَنَا لِفُلَانٍ، فَقُلْتُ لَهُ: هَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ لَهُ: هَلْ أَنْتَ حَالِبٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَخَذَ شَاةً مِنْ غَنَمِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: انْفُضِ الضَّرْعَ، قَالَ: فَحَلَبَ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، وَمَعِي إِدَاوَةٌ مِنْ مَاءٍ عَلَيْهَا خِرْقَةٌ، قَدْ رَوَّأْتُهَا لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، ثُمَّ أتيْتُ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَشَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى رَضِيتُ، ثُمَّ ارْتَحَلْنَا، وَالطَّلَبُ فِي إِثْرِنَا. (فأَحيينا ليلَتَنا ويومَنا): من الإحياء ضد الإماتة، ويروى: "فاحتثثنا (¬2) ": ¬

_ (¬1) في "ع": "قدوم". (¬2) في "ع" و"ج": "فأحيينا".

افتعلنا من الحَثِّ، فهو بتاء فوقية ثم ثاءين مثلثتين (¬1). (فحلب كُثْبَة): -بالباء الموحدة- كما مر، وفي بعض النسخ: "كنفة" -بالفاء-، قال الخطابي: وهو غلط (¬2). (قد رَوَّأْتُها): -بالهمز-، يقال: رَوَّأْتَ الأمر تَرْوِية: إذا نظرتَ فيه، ولم تعجلْ بالجواب (¬3). قال القاضي: كذا لجميعهم في البخاري مهموز، وصوابه: رَوَّيتُها، غيرَ مهموز (¬4). * * * 2065 - (3919) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حِمْيَرَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبي عَبْلَةَ: أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ وَسَّاجٍ حَدَّثَهُ، عَنْ أَنَسٍ خَادِمِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَيْسَ فِي أَصْحَابِهِ أَشْمَطُ غَيرَ أَبِي بَكْرٍ، فَغَلَفَهَا بِالْحِنَّاءَ وَالْكَتَم. (أن عقبة بن وَساج): بسين مهملة وجيم. (فغلفها): بغين معجمة، قال الزركشي: ولام مخففة (¬5). ¬

_ (¬1) في "ع": "مثلثين". (¬2) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 1696). (¬3) انظر: "التوضيح" (20/ 553). (¬4) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 303). (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 817).

قلت: في "المشارق": الرواية: تشديد (¬1) اللام. وقال ابن قتيبة: غلفَ لحيتَه -بالتخفيف-، ولا يقال بالتشديد (¬2). فأعرض الزركشي عن الرواية، واعتمد قول ابن قتيبة. وضمير النصب من قوله: "فغلفها" عائد إلى لحيته؛ لتقدم الدالِّ عليها، وهو قوله: "ليسَ في أصحابه أشمطُ (¬3) غيرَ أبي بكر". * * * 2066 - (3920) - وَقَالَ دُحَيْمٌ، حَدَّثَنَا الْوَليدُ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَثَنِي أَبُو عُبَيْدٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ وَسَّاجٍ، حَدَثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ، فَكَانَ أَسَنَّ أَصْحَابِهِ أَبُو بَكْرٍ، فَغَلَفَهَا بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَم حَتَى قَنَأ لَوْنُهَا. (حتى قَنَأَ لونها): -بقاف ونون وهمزة مفتوحات-؛ أي: اشتدت (¬4) حمرتها. * * * 2067 - (3921) - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ, عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَن عَائِشَةَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رضي الله عنه - ¬

_ (¬1) في "ج": "بتشديد". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 134). (¬3) في "ع": "شمط". (¬4) في "ج": "أشبه".

تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ كَلْبٍ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ بَكْرٍ، فَلَمَّا هَاجَرَ أَبُو بَكْرٍ، طَلَّقَهَا، فَتَزَوَّجَهَا ابْنُ عَمِّهَا هَذَا الشَّاعِرُ، الَّذِي قَالَ هَذِهِ الْقَصِيدَةَ، رَثَى كُفَّارَ قُرَيْشٍ: وَمَاذَا بِالْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ ... مِنَ الشِّيزَى تُزَيَّنُ بِالسَّنَامِ وَمَاذَا بِالْقَلِيبِ، قَلِيبِ بَدْرٍ ... مِنَ الْقَيْنَاتِ وَالشَّرْبِ الْكِرَامِ تُحَيِّي بِالسَّلَامَةِ أُمُّ بَكْرٍ ... وَهَلْ لِي بَعْدَ قَوْمِي مِنْ سَلَامِ يُحَدِّثُنَا الرَّسُولُ بِأَنْ سَنَحْيَا ... وَكيْفَ حَيَاةُ أَصْدَاءٍ وَهَامِ (فتزوجها ابن عمها هذا الشاعرُ): هو أبو بكر بنُ شعوب، واسمه شدادُ بنُ الأسود. قال ابن هشام: قال ابن إسحاق: وقال أبو بكر بنُ الأسود بنِ شعوب الليثيُّ، وهو شدَّاد بن الأسود، والقصيدة في "السيرة" أزيدُ مما (¬1) في البخاري بخمسة أبيات، قال ابن هشام: وكان أسلم، ثم ارتد (¬2). (من الشِّيزى): -مقصور بشين معجمة مكسورة وزاي-: شجر تُعمل منه الجِفان، والمعنى: ماذا بقليبِ بدرٍ من أصحابِ الجفانِ التي تُعمل من الشيزى، وماذا به من أصحاب القينات؛ أي: المغنيات؟ (والشَّرْب (¬3)): -بفتح الشين المعجمة وسكون الراء-: الندامى، والواحد: شارب؛ كصَحْبٍ و (¬4) صاحب. ¬

_ (¬1) في "ع": "ما". (¬2) انظر: "سيرة ابن هشام" (3/ 296). (¬3) في "ع": "والشراب". (¬4) الواو ليست في "ع".

باب: مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه المدينة

(وكيف حياة أَصداءٍ): جمع صَدًى (¬1)، وهو ما كانت الجاهلية يزعمونه من (¬2) أن روح الإنسان تصير طائرًا يقال له: الصَّدَى، وذلك من زعماتهم الكاذبة، وأباطيلهم، وإنكارهم البعث (¬3). * * * باب: مَقْدَمِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وأَصْحَابِهِ المَدِيْنَةَ 2068 - (3928) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، وَأَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ وَهْوَ بِمِنًى، فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا عُمَرُ، فَوَجَدَنِي، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! إِنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ، وَإِنيِّ أَرَى أَنْ تُمْهِلَ حَتَّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ؛ فَإِنَّهَا دَارُ الْهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ، وَتَخْلُصَ لأَهْلِ الْفِقْهِ وَأَشْرَافِ النَّاسِ وَذَوِي رَأْيِهِمْ. قَالَ عُمَرُ: لأَقُومَنَّ فِي أَوَّلِ مَقَامٍ أقومُهُ بِالْمَدِينَةِ. (يجمع رَعاع الناس): -بفتح الراء: سَفِلَتُهم. * * * 2069 - (3929) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: أَنَّ أُمَّ الْعَلَاءَ -امْرَأةً ¬

_ (¬1) "جمع صَدًى" ليس في "ع" و"ج". (¬2) "من" ليست في "ع". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 817).

مِنْ نِسَائِهِمْ- بَايَعَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ طَارَ لَهُمْ فِي السُّكْنَى، حِينَ اقْتَرَعَتِ الأَنْصَارُ عَلَى سُكْنَى الْمُهَاجِرِينَ، قَالَتْ أُمُّ الْعلَاءَ: فَاشْتَكَى عُثْمَانُ عِنْدَنَا، فَمَرَّضْتُهُ، حَتَّى تُوُفِّيَ، وَجَعَلْنَاهُ فِي أَثْوَابِهِ، فَدَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ، شَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ أَكْرَمَهُ؟ "، قَالَتْ: قُلْتُ: لَا أَدْرِي، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَنْ؟ قَالَ: "أَمَّا هُوَ، فَقَدْ جَاءَهُ -وَاللَّهِ- الْيَقِينُ، وَاللَّهِ! إِنِّي لأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ، وَمَا أَدْرِي -وَاللَّهِ- وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي"، قَالَتْ: فَوَاللَّهِ! لَا أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ. قَالَتْ: فَأَحْزَننَي ذَلِكَ، فَنِمْتُ، فَأُرِيتُ لِعُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ عَيْنًا تَجْرِي، فَجِئْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: "ذَلِكَ عَمَلُهُ". (حين قرعت (¬1) الأنصار): كذا وقع ثلاثيًا، والمعروف: أقرعت. * * * 2070 - (3931) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَيْهَا -وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَهَا- يَوْمَ فِطرٍ، أَوْ أَضْحًى، وَعِنْدَهَا قَيْنَتَانِ بِمَا تَقَاذَفَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مِزْمَارُ الشَّيْطَانِ؟! مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَإِنَّ عِيدَنَا هَذَا الْيَوْمُ". (بما (¬2) تعازفت الأنصار): -بعين مهملة وزاي- يحتمل أن يكون من ¬

_ (¬1) كذا في رواية أبي ذر الهروي، وفي اليونينية: "اقترعت"، وهي المعتمدة في النص. (¬2) في "ع": "مما".

عزف اللهو؛ أي: بما ضربوا عليه المعازفَ من الأشعار التي قالوها في ذلك اليوم. ويروى بالراء، وهو بيِّن؛ أي: بما تراموا به مما جرى بينهم. ويروى: "تقاذفت": -بالقاف وبالذال المعجمة-؛ أي: بما ترامَوْا به يومَ بُعاث (¬1). * * * 2071 - (3932) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ. وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ: حَدَّثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ يَزِيدُ بْنُ حُمَيْدٍ الضُّبَعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ، نَزَلَ فِي عُلْوِ الْمَدِينَةِ، فِي حَيٍّ يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: فَأَقَامَ فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى مَلإِ بَنِي النَّجَّارِ، قَالَ: فَجَاؤُوا مُتَقَلِّدِي سُيُوفِهِمْ، قَالَ: وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَأَبُو بَكْرٍ رِدْفَهُ، وَمَلأُ بَنِي النَجَّارِ حَوْلَهُ، حَتَّى ألقَى بِفِنَاءِ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: فَكَانَ يُصَلِّي حَيْثُ أَدْركَتْهُ الصَّلَاةُ، وَيُصَلِّي فِي مَرَابِض الْغَنَمِ، قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ أَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسْجدِ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَلإِ بَنِي النَّجَّارِ، فَجَاؤُوا، فَقَالَ: "يَا بَنِي النَّجَّارِ! ثَامِنُونِي حَائِطَكُم هَذَا". فَقَالُوا: لَا وَاللَّهِ! لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ. قَالَ: فَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ لَكُمْ، كَانَتْ فِيهِ قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَتْ فِيهِ خِرَبٌ، وَكانَ فِيهِ نَخْلٌ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بقُبُورِ الْمُشْرِكينَ فَنُبِشَتْ، وَبِالْخِرَبِ فَسُوِّيَتْ، وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ، قَالَ: فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ الْمَسْجدِ، قَالَ: وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ حِجَارَةً، ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (20/ 566).

باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم أمض لأصحابي هجرتهم"

قَالَ: قَالَ: جَعَلُوا يَنْقُلُونَ ذَاكَ الصَّخْرَ وَهُمْ يَرْتَجزُونَ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعَهُمْ، يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الآخِرَهْ، فَانْصُرِ الأَنْصارَ وَالْمُهَاجِرَهْ. (فجاؤوا متقلدي سيوفهم): -بحذف النون-؛ أي: متقلدين، [ولذلك نصب سيوفهم، وقد روي: "متقلدين"] (¬1) على الأصل. * * * باب: قَولِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهمَّ أَمْضِ لأَصْحابي هِجْرَتَهُمْ" 2072 - (3936) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أبِيهِ، قَالَ: عَادَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ مَرَضٍ أَشْفَيْتُ مِنْهُ عَلَى الْمَوْتِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! بَلَغَ بِي مِنَ الْوَجَعِ مَا تَرَى، وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنةٌ لِي وَاحِدَةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: "لَا". قَالَ: فَأَتَصَدَّقُ بِشَطْرِهِ؟ قَالَ: "الثُّلُثُ يَا سَعْدُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ ذُرَّيَّتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ". قَالَ أَحْمَدُ بْنُ يُونُس، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: "أَنْ تَذَرَ ذُرَّيَّتَكَ، وَلَسْتَ بِنَافِقٍ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا آجَرَكَ اللَّهُ بِهَا، حَتَّى اللُّقْمَةَ تَجْعَلُهَا فِي فِيّ امْرَأَتِكَ". قُلْتَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي؟ قَالَ: "إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ، فَتَعْمَلَ عَمَلًا تَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ، إِلَّا ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً، وَلَعَلَّكَ تُخَلَّفُ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ، وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ، اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ، وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ، لَكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ". يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج".

أَنْ تُوُفي بِمَكَّةَ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ يُونُس وَمُوسَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: "أَنْ تَذَرَ وَرَثتَكَ". (يحيى بن قزعة): بإسكان الزاي وفتحها. (ولا يرثني (¬1) إلا ابنةٌ لي واحدة): ظاهره أنه لا وراثَ له سوى الابنة المذكورة، وقيل: كان له ورثة سواها؛ فإنه مات عن ثلاثة من الذكور، وأحدهم عامرٌ الذي روى هذا الحديث عنه. قلت: لا يلزم من موته عن ثلاث أبناء ذكور أنهم كانوا موجودين حين قوله للنبي - صلى الله عليه وسلم -: "ولا ترثني إلا ابنة واحدة"؛ لجواز أن يكون قد حدثوا بعد ذلك، نعم إِنْ بيَّنَ أنهم كانوا أحياء في ذلك الوقت، ورد. وتأوله بعضهم على أن مراده: لا يرثه من النساء إلا ابنة واحدة، أو أنه لا يرثه بالسهم إلا واحدة. (أن تذر ورثتك): هذه رواية الجمهور، ورواه القابسي: "ذريتك". (ولست بنافق): كذا وقع، والقياس بمنفق؛ لأنه من أنفق. (ولعلك تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون): وكذا كان؛ فإنه صحَّ من مرضه، ولم يقم بمكة، وأبقاه الله تعالى حتى عاش نيفًا وأربعين عامًا، وولي العراق، وفتحها الله على يده، فأسلم على يديه خلق كثير، فنفعهم الله به، وقيل: وأَسَر من الكفار كثيرًا، فاستضروا به، وذلك من جملة أعلام نبوته -عليه الصلاة والسلام- (¬2). ¬

_ (¬1) في "ع": "يرثي". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 820).

باب

باب 2073 - (3938) - حَدَّثَنِي حَامِدُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ بَلَغَهُ مَقْدَمُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ، فَأَتَاهُ يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ، فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نبَيٌّ: مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ؟ وَمَا بَالُ الْوَلَدِ يَنْزِعُ إِلَى أَبِيهِ، أَوْ إِلَى أُمِّهِ؟ قَالَ: "أَخْبَرَنِي بِهِ جِبْرِيلُ آنِفًا". قَالَ ابْنُ سَلَامٍ: ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، قَالَ: "أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، فَنَارٌ تَحْشُرُهُمْ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ، وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأَكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ، فَزِيَادَةُ كَبِدِ الْحُوتِ، وَأَمَّا الْوَلَدُ: فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ، نزَعَ الْوَلَدَ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ نزَعَتِ الْوَلَدَ". قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ الْيَهُودَ قَوْم بُهُتٌ، فَاسْأَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي، فَجَاءَتِ الْيَهُودُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ فِيكُمْ؟ ". قَالُوا: خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا، وَأَفْضَلُنَا وَابْنُ أَفْضَلِنَا. فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ؟ ". قَالُوا: أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، فَأَعَادَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ، فَخَرَجَ إِليْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، قَالُوا: شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا، وَتَنَقَّصُوهُ، قَالَ: هَذَا كُنْتُ أَخَافُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. (إن اليهود قوم بُهت): -بضم الهاء- كأنه جمع بهيت؛ كقَضيب وقُضُب: الذي يبهت المقول فيه فيما يفتريه عليه ويختلقه (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 821).

باب: إتيان اليهود النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قدم المدينة

باب: إِتْيَانِ اليَهُودِ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - حينَ قَدِمَ المدِيَنةَ 2074 - (3941) - حَدَّثَنَاْ مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَوْ آمَنَ بِي عَشَرَةٌ مِنَ الْيَهُودِ، لآمَنَ بِي الْيَهُودُ". (لو آمن بي عشرة من اليهود): قيل: يريد عشرة من اليهود معينين، وكأنهم كانوا رؤساء اليهود (¬1) وزعماءهم، وإلا، فقد أسلم منهم أكثرُ من عشرة، وفي ذلك تنبيه على اتباعهم التقليد لأحبارهم، وعدم اتباعهم الدليل؛ لقوله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} [البقرة: 78] (¬2). * * * 2075 - (3942) - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ، أَوْ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْغُدَانِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَيْسٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبي مُوسَى - رضي الله عنه -، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ، وَإِذَا أُنَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ يُعَظِّمُونَ عَاشُورَاءَ، وَيَصُومُونَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "نَحْنُ أَحَقُّ بِصَوْمِهِ". فَأَمَرَ بِصَوْمِهِ. (الغُداني) (¬3): بغين معجمة مضمومة ودال مهملة ونون بعد ألف (¬4) ¬

_ (¬1) "كأنهم كانوا رؤساء اليهود" ليس في "ج". (¬2) المرجع السابق، والموضع نفسه. (¬3) من قوله: "قلت: لا يلزم. . . ." إلى هنا سقط من "م"، وهذا السقط بمقدار ورقة من النسخة الخطية. (¬4) في "ج": "الألف".

باب: إسلام سلمان الفارسي

وآخره ياء نسب. * * * باب: إِسْلَامِ سَلْمَانَ الفَارِسيِّ 2076 - (3947) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَلْمَانَ - رضي الله عنه - يَقُولُ: أَنَا مِنْ رَامَ هُرْمُزَ. (أنا من رامَ هُرْمُز): -بفتح الميم الأولى وضم الهاء والميم الثانية وسكون الراء وآخره زاي-: مدينة مشهورة بأرض فارس, فرُكِّبت (¬1) تركيبَ مزج (¬2)؛ كمَعْدِ يكَرِبَ، فينبغي كتابة رام منفصلة عما بعده, وبعضهم يكتبه متصلًا (¬3). ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "مركبة". (¬2) "مزج" ليس في "ج". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 821).

كتاب المغازي

كِتابُ المَغَازِي

باب: غزوة العشيرة أو العسيرة

كِتابُ المَغَازِي باب: غَزْوَةِ الْعُشَيرَةِ أَوِ الْعُسَيرَةِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: أَوَّلُ مَا غَزَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الأَبْوَاءَ، ثُمَّ بُوَاطَ، ثُمَّ الْعُشَيْرَةَ. (كتاب المغازي). (غزوة العشيرة): قال القاضي: وقع في البخاري: العشيرة؛ يعني (¬1): بهاء التأنيث والشين المعجمة مع التصغير، والعَسِير (¬2): بفتح العين وكسر السين المهملة وحذف الهاء، قال: والمعروف تصغيرها وكسر الشين المعجمة. وحكى الحاكم ضم العين وفتح السين المهملة بغير هاء، وهو موضع بقرب البقيع سكن بني مدلج، بينه (¬3) وبين المدينة سبع بُرُد (¬4). قال القرطبي في "اختصاره للبخاري": وقال القاضي: هو بالمهملة: ¬

_ (¬1) "يعني" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "والعشير"، وفي "ج": "العشر". (¬3) في "ج": "وسميت العشيرة بينه". (¬4) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 276).

غزوة تبوك، وبالمعجمة: غزوة بني مدلج، وسميت العسيرة (¬1)؛ لمشقة السير إليها، وعسره على الناس؛ لأنها كانت زمن الحر، ووقتَ طيبِ الثمار ومفارقة الظلال، وكانت في مفاوزَ صعبةٍ، ومشقةٍ كثيرة، وعدوٍّ كثير (¬2). (بُواط): بضم الباء الموحدة، وآخره طاء مهملة (¬3). * * * 2077 - (3949) - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَهْبٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: كُنْتُ إِلَى جَنْبِ زيدِ بْنِ أَرْقَمَ، فَقِيلَ لَهُ: كَمْ غَزَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ غَزْوَةٍ؟ قَالَ: تِسْعَ عَشْرَةَ، قِيلَ: كَمْ غَزَوْتَ أَنْتَ مَعَهُ؟ قَالَ: سَبْعَ عَشْرَةَ، قُلْتُ: فَأَيُّهُمْ كَانَتْ أَوَّلَ؟ قَالَ: الْعُسَيْرَةُ، أَوِ الْعُشَيْرُ، فَذَكَرْتُ لِقَتَادَةَ، فَقَالَ: الْعُشَيْرُ. (فأيهم (¬4) كانت أول؟ قال: العشيرة (¬5)): بشين معجمة وهاء تأنيث. (أو العسيرة): كالأولى، إلا أن السين مهملة، وكان حق العبارة أن يقال: فأيهن (¬6)، أو فأَيُّها (¬7). ¬

_ (¬1) في "ع": "العشرة". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 276). وانظر: "التنقيح" (2/ 822). (¬3) ذُكِرت هذه الجملة؛ أعني: (بواط). . . . إلخ، في الأصول الخطية بعد قوله: "فذكرت ذلك لقتادة، فقال: العشير"، وحقها أن تذكر هنا. (¬4) في "ع": "فإنها". (¬5) كذا في رواية أبي ذر الهروي، وفي اليونينية: "العسيرة"، وهي المعتمدة في النص. (¬6) في "ع": "فإنهن". (¬7) في "ج": "يقال: فأيهن أوفى بها".

باب: ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - من يقتل ببدر

وهذا خلاف ما حكاه البخاري عن ابن إسحاق في ترتيب الغزوات الثلاث، واستصوب القرطبي قولَ ابن إسحاق، وجمعَ السفاقسي بينه وبين الأول بأن زيدًا أراد: أول ما غزوتُ أنا معه، ويضعفه رواية مسلم: "فما أولُ (¬1) غزوة غزاها؟ قال: ذاتُ العسيرة، أو العسرة (¬2) " (¬3). (فذكرت ذلك لقتادة، فقال: العشير): بشين معجمة بغير هاء. * * * باب: ذِكْرِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَنْ يُقْتَلُ بِبَدْرٍ 2078 - (3950) - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو ابْنُ مَيْمُونٍ: أَنَّهُ سَمعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه -: حَدَّثَ عَنْ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ: أَنَّهُ قَالَ: كَانَ صَدِيقًا لأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَكَانَ أُمَيَّهُ إِذَا مَرَّ بِالْمَدِينَةِ، نَزَلَ عَلَى سَعْدٍ، وَكَانَ سَعْدٌ إِذَا مَرَّ بِمَكَّةَ، نزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ، انْطَلَقَ سَعْدٌ مُعْتَمِرًا، فَنَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ بِمَكَّةَ، فَقَالَ لأُمَيَّةَ: انْظُرْ لِي سَاعَةَ خَلْوَةٍ؛ لَعَلِّي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ، فَخَرَجَ بِهِ قَرِيبًا مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ، فَلَقِيَهُمَا أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا صَفْوَانَ! مَنْ هَذَا مَعَكَ؟ فَقَالَ: هَذَا سَعْدٌ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: أَلَا أَرَاكَ تَطُوفُ بِمَكَّةَ آمِنًا وَقَدْ أَوَيْتُمُ الصُّبَاةَ، وَزَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ تَنْصُرُونَهُمْ وَتُعِينُونهمْ، أَمَا وَاللَّهِ! لَوْلَا أَنَّكَ مَعَ أبي ¬

_ (¬1) في "ج": "مسلم فالأول". (¬2) في "ع": "ذات العشيرة أو العشيرة". (¬3) رواه مسلم (1254). وانظر: "التنقيح" (2/ 822).

صَفوَانَ، مَا رَجَعْتَ إِلَى أَهْلِكَ سَالِمًا. فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ، وَرَفَعَ صَوْتَهُ عَلَيْهِ: أَمَا وَاللَّهِ! لَئِنْ مَنَعْتَنِي هَذَا، لأَمْنَعَنَّكَ مَا هُوَ أَشَدُّ عليك مِنْهُ، طَرِيقَكَ عَلَى الْمَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ أُمُيَّةُ: لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ يَا سَعْدُ عَلَى أَبي الْحَكَم سَيِّدِ أَهْلِ الْوَادِي، فَقَالَ سَعْدٌ: دَعْنَا عَنْكَ يَا أُمَيَّة، فَوَاللَّهِ! لقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: إِنَّهُمْ قَاتِلُوكَ. قَالَ: بِمَكَّةَ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، فَفَزِعَ لِذَلِكَ أُمَيَّةُ فَزَعًا شَدِيدًا، فَلَمَّا رَجَعَ أُمُيَّةُ إِلَى أَهْلِهِ، قَالَ: يَا أُمَّ صَفْوَانَ! أَلَمْ تَرَيْ مَا قَالَ لِي سَعْدٌ؟ قَالَتْ: وَمَا قَالَ لَكَ؟ قَالَ: زَعَمَ أَن مُحَمَّدًا أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ قَاتِلِيَّ، فَقُلْتُ لَهُ: بِمَكَّةَ، قَالَ: لَا أَدْرِي، فَقَالَ أمُيَّةُ: وَاللَّهِ! لَا أَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ، فَلَمَّا كانَ يَوْمَ بَدْرٍ، اسْتَنْفَرَ أَبُو جَهْلٍ النَّاسَ، قَالَ: أَدْرِكُوا عِيرَكمْ، فَكَرِهَ أُمَيَّةُ أَنْ يَخْرُجَ، فَأَتَاهُ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ: يَا أَبَا صَفْوَانَ! إِنَّكَ مَتَى مَا يَرَاكَ النَّاسُ قَدْ تَخَلَّفْتَ، وَأَنْتَ سَيِّدُ أَهْلِ الْوَادِي، تَخَلَّفُوا مَعَكَ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ أَبُو جَهْلٍ حَتَّى قَالَ: أَمَّا إِذْ غَلَبْتَنِي، فَوَاللَّهِ! لأَشْتَرِيَنَّ أَجْوَدَ بَعِيرٍ بِمَكَّةَ، ثُمَّ قَالَ أُمَيَّةُ: يَا أُمَّ صَفْوَانَ! جَهِّزِينِي، فَقَالَتْ لَهُ: يَا أَبَا صَفْوَانَ! وَقَدْ نَسَيتَ مَا قَالَ لَكَ أَخُوكَ الْيَثْرِبِيُّ؟ قَالَ: لَا، مَا أُرِيدُ أَنْ أَجُوزَ مَعَهُمْ إِلَّا قَرِيبًا، فَلَمَّا خَرَجَ أُمَيَّةُ، أَخَذَ لَا يَنْزِلُ مَنْزِلًا إلَّا عَقَلَ بَعِيرَهُ، فَلَمْ يَزَلْ بِذَلِكَ، حَتَّى قَتَلَهُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بِبَدْرٍ. (وقد أويتم الصُّباة): -بهمزة مقصورة وتمد أيضًا- تقول: أَوَيْتُهُ أنا إليَّ، وآوَيْتُهُ، فَعَلْتُ وأَفْعَلْتُ، بمعنى، والصباة جمعُ صابٍ، وهو الخارجُ من دينه. (أما والله!): -بتخفيف الميم- ليس إلا حرفَ استفتاح، وحكايةُ الزركشي

باب: قصة غزوة بدر

فيها: تشديد الميم (¬1)، غلطٌ. * * * باب: قِصَّةِ غَزْوَةِ بَدْرٍ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} إلى قوله {فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ} [آل عمران: 123 - 127]. وَقَالَ وَحْشِيٌّ: قَتَلَ حَمْزَةُ طُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ يَوْمَ بَدْرٍ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ} [الأنفال: 7]. (وقال وحشي: قتل حمزةُ طعيمةَ بنَ عديِّ بنِ الخِيار): قال القاضي: كذا في جميع النسخ، وصوابه: طُعيمةَ بنَ عديِّ بنِ نوفلِ بنِ عبدِ منافٍ، وإنما (¬2) طعيمةُ بنُ عدي بن الخيار ابنُ أُخته (¬3) (¬4). * * * باب: قوله تعالى {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} إلى قوله {شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 9 - 13] 2079 - (3952) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مُخَارِقٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: شَهِدْتُ مِنَ الْمِقْدَادِ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 823). (¬2) في "ع" و"ج": "وأما". (¬3) في "ع": "ابن أخيه". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 823).

ابْنِ الأَسْوَدِ مَشْهَدًا، لأَنْ أَكُونَ صَاحِبَهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ، أَتَى النَبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ يَدْعُو عَلَى الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: لَا نَقُولُ كمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا} [االمائدة: 24]، وَلَكِنَّا نُقَاتِلُ عَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ، وَبَيْنَ يَدَيْكَ وَخَلْفَكَ. فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَشْرَقَ وَجْهُهُ، وَسَرَّهُ. يَعْنِي: قَوْلَهُ. (شهدت من المقدادِ بنِ الأسود): قال الزركشي: يكتبُ "ابن" هنا بالألف؛ لأنه المقداد بن عمرو (¬1) بن ثعلبة، كما صرح به البخاري فيما سيأتي قريبًا، ونسب للأسود؛ لأنه (¬2) كان تبناه في الجاهلية، فليس "ابن" هاهنا واقعًا (¬3) بين عَلَمَين (¬4). قلت: إذا وصف العلم بابن (¬5) متصل مضاف إلى علم، كفى ذلك في إيجاب حذف الألف من "ابن" خطًا، سواء كان العلم الذي أُضيف إليه "ابن" عَلَمًا لأبي الأول حقيقة، أو لا. وهذا ظاهر كلامهم، وكون الأبوة حقيقة لم أرهم تعرضوا لاشتراطه، فما أدري من أين أخذ الزركشي هذا الكلام. وقد يقال الأب حقيقة في أب الولادة، فيُحمل إطلاقُهم عليه؛ لأنه الأصل، ثم لأعجب من ترتيبه نفيَ وقوعِ الابن هنا (¬6) بين علمين على كون ¬

_ (¬1) في "م": "عمر". (¬2) في "ع": "أنه". (¬3) في "ع": "واقعين". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 823). (¬5) في "ع" و"ج": "هاهنا بأن". (¬6) في "ع": "هشام".

الأسود كان تبناه في الجاهلية؛ فإن تبنيه (¬1) لا يدفع صورةَ الواقع من كون الابن قد وقع بين علمين، فتأمله. * * * 2080 - (3953) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ بَدْرٍ: "اللَّهُمَّ أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ". فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ: حَسْبُكَ، فَخَرَجَ وَهْوَ يَقُولُ: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [القمر: 45]. (فأخذ أبو بكر بيده، فقال: حَسْبُك): قال ابن العربي فيما حكاه تلميذه السهيلي عنه: كان - صلى الله عليه وسلم - في مقام الخوف، وكان أبو بكر في مقام الرجاء. وهذا كما تراه. وقال بعضهم: لما رأى -عليه الصلاة والسلام- الملائكةَ في القتال، وكذا أصحابه، والجهاد على ضربين: بالسيف، وبالدعاء، ومن سُنَّة الإمام أن يكون وراء الجيش لا يقاتل معهم (¬2)، فلم يكن -عليه السلام- ليريحَ نفسه من أحد الجهادين (¬3). ¬

_ (¬1) في "ع": "بينه". (¬2) في "ع": "عليهم". (¬3) انظر: "التوضيح" (21/ 27).

باب: عدة أصحاب بدر

باب: عِدَّةِ أَصْحَابِ بَدْرٍ 2081 - (3956) - حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا وَهْبٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: اسْتُصْغِرْتُ أَنَا وَابْنُ عُمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَوْمَ بَدْرٍ نَيِّفًا عَلَى سِتِّينَ، وَالأَنْصَارُ نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ وَمِئتَيْنِ. (عن البراء: استُصغرت أنا وابنُ عمرَ يومَ بدر): قيل: كان كل منهما أربع عشرة سنة. (والأنصار نيفًا (¬1) وأربعون ومائتان): وفي بعض النسخ: "نيفٌ" -بالرفع- وأربعين ومئتين (¬2) -[بالنصب- فخرجه السفاقسي على أن الواو بمعنى مع، وفي بعض النسخ: "نيفًا وأربعين ومئتين"] (¬3)، بنصب الجميع على أنه معطوف على ما تقدم من قوله: "وكان المهاجرون يوم بدر نيفًا على ستين": أي (¬4): وكان الأنصار نيفًا وأربعين ومئتين (¬5). * * * باب: دُعَاءِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - على كُفَّارِ قُرَيشٍ 2082 - (3960) - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه -، ¬

_ (¬1) في "ع": "نيف". (¬2) في "ج": "مئتين وأربعين". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬4) "أي" ليست في "ج". (¬5) وانظر: "التنقيح" (2/ 824).

باب: قتل أبي جهل

قَالَ: اسْتَقْبَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْكَعْبَةَ، فَدَعَا عَلَى نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ؛ عَلَى شَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَعُتْبهَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَليدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأَبي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، فَأَشْهَدُ بِاللَّهِ! لَقَد رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى، قَدْ غَيَّرَتْهُمُ الشَّمسُ، وَكَانَ يَوْمًا حَارًّا. (والوليد بن عتبة): بالتاء الفوقية، ووقع في مسلم: بالقاف (¬1) (¬2)، ثم نبه على صوابه هو أو راويه (¬3) [إبراهيم] الفقيهُ؛ إذ الوليدُ بنُ عقبةَ بنِ أبي مُعَيْطٍ لم يكن في هذا الوقت بهذه المثابة، وكان طفلًا مسح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برأسه يوم الفتح (¬4). * * * باب: قَتْلِ أَبي جَهْلٍ 2083 - (3961) - حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل، أَخْبَرَنَا قَيْسٌ، عَنْ عَبْدِ اللَهِ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ أَتَى أَبَا جَهْلٍ وَبِهِ رَمَقٌ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَلْ أَعْمَدُ مِنْ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ. (فقال أبو جهل: هل أعمدُ من رجل قتلتموه؟). أي: ليس هذا بعارٍ، وعميدُ القوم: سيدُهم، فكأنه يقول: هل أشرفُ من رجلٍ قتلتموه؟ ويروى: ¬

_ (¬1) "بالقاف" ليست في "ع". (¬2) رواه مسلم (1794). (¬3) في "ع" و"ج": "رواية". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 824).

"هل أعذر؟ " (¬1)؛ ببسطه (¬2) بذلك عذرَ نفسِه فيما اتفق من قتله بيد قومه. * * * 2084 - (3962) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ: أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. وحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ يَنْظُرُ مَا صَنَعَ أَبُو جَهْلٍ؟ ", فَانْطَلَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ، فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ حَتَّى بَرَدَ. قَالَ: آأَنْتَ أَبُو جَهْلٍ؟ قَالَ: فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ، قَالَ: وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ، أَوْ رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ؟ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ: أَنْتَ أَبُو جَهْلٍ. (قد (¬3) ضربه ابنا عفراء): تقدم في كتاب: الجهاد، وكانا (¬4) معاذَ بنَ عفراءَ، ومعاذَ بَن عمرِو بنِ الجموح. (حتى برَد): -بفتح الراء-؛ أي: سقط، ولم يبق إلا خروجُ نَفْسِه. * * * 2085 - (3965) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيُّ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبي يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَبُو مِجْلَزٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، عَنْ عَلِيِّ ¬

_ (¬1) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬2) في "ع": "ببسط". (¬3) في "ع" و"ج": "وقد". (¬4) في "ج": "وكان".

ابْنِ أَبي طَالِبٍ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ قَالَ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَجْثُو بَيْنَ يَدَيِ الرَّحْمَنِ لِلْخُصُومَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ قَيْسُ بْنُ عُبَادٍ: وَفِيهِمْ أُنْزِلَتْ: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19]. قَالَ: هُمُ الَّذِينَ تَبَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ: حَمْزَةُ وَعَلِيٌّ وَعُبَيْدَةُ، أَوْ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْحَارِثِ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَعُتْبَهُ وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ. (من يجثو): بجيم (¬1)، والجاثي هو البارِكُ على الرُّكَب، وهي جِلْسَةُ المجادل والمخاصم. * * * 2086 - (3966) - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبي هَاشِمٍ، عَنْ أَبي مِجْلَزٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، عَنْ أَبي ذَرٍّ - رضي الله عنه -، قَالَ: نزَلَتْ: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19] فِي سِتَّةٍ مِنْ قُرَيْشٍ: عَلِيٍّ وَحَمْزَةَ وَعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَالْوَليدِ ابْنِ عُتْبَةَ. (عن أبي مِجْلَز): بميم مكسورة فجيم ساكنة فلام مفتوحة فزاي. * * * 2087 - (3973) - أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: كَانَ فِي الزُّبَيْرِ ثَلَاثُ ضَرَبَاتٍ بِالسَّيْفِ، إِحْدَاهُنَّ فِي عَاتِقِهِ، قَالَ: إِنْ كُنْتُ لأُدْخِلُ أَصَابِعِي فِيهَا. ¬

_ (¬1) "بجيم" ليست في "ع".

قَالَ: ضُرِبَ ثِنْتَيْنِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَوَاحِدَةً يَوْمَ الْيَرْمُوكِ. قَالَ عُرْوَةُ: وَقَالَ لِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ، حِينَ قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: يَا عُرْوَةُ! هَلْ تَعْرِفُ سَيْفَ الزُّبَيْرِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا فِيهِ؟ قُلْتُ: فِيهِ فَلَّةٌ فُلَّهَا يَومَ بَدْرٍ، قَالَ: صَدَقْتَ، (بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاع الْكَتَائِبِ). ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى عُرْوَةَ. قَالَ هِشَامٌ: فَأَقَمْنَاهُ بَيْنَنَا ثَلَاثَةَ آلَافٍ، وَأَخَذَهُ بَعْضُنَا، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ أَخَذْتُهُ. (ضُرب ثنتين يوم بدر، وواحدةً يوم اليرموك): وهذا مخالف لما روي في الحديث الثاني: "ضربوه ضربتين يوم اليرموك على عاتقه، بينهما ضربةٌ ضُربها يومَ بدر" (¬1). (فأقمناه): أي: قَوَّمناه بيننا؛ بأن نظرنا ما يساوي قيمته (¬2). * * * 2088 - (3976) - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، سَمِعَ رَوْحَ بْنَ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذَكَرَ لَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ: أَنَّ نبَيَّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ، فَقُذِفُوا فِي طَوِيٍّ مِنْ أَطوَاءِ بَدْرٍ خَبِيثٍ مُخْبِثٍ، وَكَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ، أَقَامَ بِالْعَرْصَةِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، فَلَمَّا كَانَ بِبَدْرٍ الْيَوْمَ الثَّالِثَ، أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ، فَشُدَّ عَلَيْهَا رَحْلُهَا، ثُمَّ مَشَى، وَاتَبَعَهُ أَصْحَابُهُ، وَقَالُوا: مَا نُرَى يَنْطَلِقُ إِلَّا لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، حَتَى قَامَ عَلَى شَفَةِ الرَّكِيِّ، فَجَعَلَ يُنَادِيهِمْ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3975) عن عروة بن الزبير. (¬2) في "ع": "قيمة".

باب: فضل من شهد بدرا

بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ: "يَا فُلَانُ بْنَ فُلَانٍ! وَيَا فُلَانُ بْنَ فُلَانٍ! أَيَسُرُّكُمْ أَنَكُمْ أَطَعْتُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟ فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا، فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبكُّمْ حَقًّا؟ ". قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ لَا أَرْوَاحَ لَهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! مَا أَنْتُمْ بِأَسمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ". قَالَ قَتَادَةُ: أَحْيَاهُمُ اللَّهُ حَتَّى أَسْمَعَهُمْ قَوْلَهُ؛ تَوْبِيخًا وَتَصْغِيرًا، وَنَقِيمَةً وَحَسْرَةً وَنَدَمًا. (في طَوِيٍّ): -بطاء مهملة مفتوحة فواو مكسورة فياء مشددة-، وهي البئر المطوِيَّة بالحجارة، وجمعها: "أَطْواءٌ". (على شَفَة الرَّكِيِّ): مثل الطَّوِيِّ وزنًا، وهي البئر، وفي بعض النسخ: "شفير (¬1) ". (قال قتادة: أحياهم الله حتى أسمعَهم): قال الخطابي: هذا أحسنُ من ادعاء عائشة على ابن عمرَ الغلطَ، ويؤيده حديث طلحة: "ما أنتمْ بأسمعَ لما أقولُ منهم" (¬2). * * * باب: فَضْلِ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا 2089 - (3982) - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ محَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا - رضي الله عنه - ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "شقين". (¬2) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 1708).

يَقُولُ: أُصِيبَ حَارِثَةُ يَوْمَ بَدْرٍ وَهْوَ غُلَامٌ، فَجَاءَتْ أُمُّهُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَدْ عَرَفْتَ مَنْزِلَةَ حَارِثَةَ مِنِّي، فَإِنْ يَكُنْ فِي الْجَنَّةِ، أَصْبِرْ وَأَحْتَسِبْ، وَإِنْ تَكُ الأُخْرَى، تَرَى مَا أَصْنَعُ، فَقَالَ: "وَيْحَكِ، أَوَ هَبِلْتِ، أَوَ جَنَّةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ؟! إِنَّهَا جِنَانٌ كثِيرَةٌ، وَإِنَّهُ فِي جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ". (ويحك، أو هَبِلت): -بفتح الهاء وكسر الباء الموحدة-، قال السفاقسي: أي: أجهلت؟ وقال ابن فارس: الهبل: الثُّكْل (¬1)، والظاهر أنه أراد: أبكِ جنونٌ؟ أما لكِ عقل؟ قال القاضي: ومعناه عندي هنا ليس على أصل الكلمة، وإنما مفهومه: أفقدتِ عقلَكِ مما أصابك من الثُّكل بابنك (¬2) حتى جهلتِ صفةَ الجنة (¬3)؟ * * * 2090 - (3983) - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ حُصَيْنَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه -، قَالَ: بَعَثنَي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبَا مَرْثَدٍ وَالزُّبَيْرَ، وَكُلُّنَا فَارِسٌ، قَالَ: "انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ؛ فَإِنَّ بِهَا امْرَأَةً مِنَ الْمُشْرِكينَ، مَعَهَا كتَابٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ ¬

_ (¬1) انظر: "مجمل اللغة" (ص: 175). (¬2) في "ع": "بأبيك". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 264). وانظر: "التنقيح" (2/ 826)، و"التوضيح" (20/ 49 - 50).

أَبي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ"، فَأَدْركْنَاهَا تَسِيرُ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْنَا: الْكِتَابُ، فَقَالَتْ: مَا مَعَنَا كِتَابٌ، فَأَنَخْنَاهَا، فَالْتَمَسْنَا فَلَمْ نَرَ كتَابًا، فَقُلْنَا: مَا كَذَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ، أَوْ لَنُجَرِّدَنَّكِ، فَلَمَّا رَأَتِ الْجِدَّ، أَهْوَتْ إِلَى حُجْزَتِهَا، وَهْيَ مُحْتجِزَةٌ بِكِسَاءٍ، فَأَخْرَجَتْهُ، فَانْطَلَقْنَا بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، فَدَعْنِي فَلأَضْرِبْ عُنُقَهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا حَمَلَكَ عَلَى مَاصَنَعْتَ؟ ". قَالَ حَاطِبٌ: وَاللَّهِ! مَا بِي أَنْ لَا أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَرَسُولهِ - صلى الله عليه وسلم -، أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ إِلَّا لَهُ هُنَاكَ مِنْ عَشِيرَتِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "صَدَقَ، وَلَا تَقُولُوا لَهُ إِلَّا خَيْرًا". فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، فَدَعْنِي فَلأَضْرِبَ عُنُقَهُ. فَقَالَ: "أليْسَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ؟ ". فَقَالَ: "لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمُ الْجَنَّةُ، أَوْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ". فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ، وَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. (فقال: صدق، فلا تقولوا له إلا خيرًا، فقال عمر: إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين، فدعني فلأضربْ عنقه): هذا مما أَستشكِلُه جدًا، وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد شهدَ له بالصدق، ونهى أن يقال له إلا الخير، فكيف يُنسب بعد ذلك إلى خيانة الله ورسوله والمؤمنين (¬1)، وهو منافٍ للإخبار ¬

_ (¬1) في "ع": "والمؤمنون".

باب

بصدقه، والنهي عن إذايته؟ ولعل الله يوفق للجواب عن ذلك (¬1). * * * باب 2091 - (3984) - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْغَسِيلِ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ، وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْمُنْذِرِ بنِ أَبِي أُسَيْدٍ، عَنْ أَبي أُسَيْدٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ بَدْرٍ: "إِذَا أَكْثَبُوكُمْ، فَارْمُوهُمْ، وَاسْتَبْقُوا نَبْلَكُمْ". (عن أبي أُسَيد): -بضم الهمزة وفتح السين- عند (¬2) الجمهور، وقال عبد الرحمن بن مهدي: بفتح الهمزة وكسر السين، وقد مر، واسمه مالكُ ابنُ ربيعةَ (¬3). (إذا أكثبوكم): فسره البخاري قريبًا بأن قال: يعني: أكثروكم. قيل: وهذا التفسير غير معروف في اللغة، والكثب: القرب، فمعنى ¬

_ (¬1) قلت: لا تخفى حِدَّة عمر - رضىِ الله عنه - وسَوْرتُه في أمثال هذه المحال؛ حميةً لله -عز وجل- ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ ولعله بقيت في نفسه - رضي الله عنه - بقيَّةٌ مما فعله حاطب - رضي الله عنه -، فجاء كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - الثاني مؤكدًا للكلام الأول؛ "أليس من أهل بدر"، "لعل الله اطلع إلى أهل بدر. . . ."، ثم انظر حال عمر - رضي الله عنه - ومقاله بعد ذلك: "الله ورسوله أعلم"؛ كالمستعتب لما ظهر منه، وهو الوقَّاف عند حدود الله، - رضي الله عنه -. والله أعلم. (¬2) "عند" ليست في "ع". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 826).

أكثبوكم: قاربوكم (¬1)، والهمزة للتعدية، هذا المعروف، يريد: إذا دَنَوا منكم، فارموهم، وأما إذا [كانوا على بعد، فلا ترموهم (¬2)، وهو معنى: "استبقوا نبلكم"، فإنه إذا] (¬3) رُمي عن البعد، سقط في الأرض أو البحر، فلا يحصل الغرضُ من نكاية العدو، وإذا صانها (¬4) عن هذا، استبقاها لوقت حاجته إليها عند القُرْب (¬5). * * * 2092 - (3989) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ أَسِيدِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِيُّ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَشَرَةً عَيْنًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ جَدَّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْهَدَةِ بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ، ذُكِرُوا لِحَيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو لِحْيَانَ، فَنَفَرُوا لَهُمْ بِقَرِيبٍ مِنْ مِئَةِ رَجُلٍ رَامٍ، فَاقْتَصُوا آثَارَهُمْ حَتَى وَجَدُوا مَأْكَلَهُمُ التَّمْرَ فِي مَنْزِلٍ نَزَلُوهُ، فَقَالُوا: تَمْرُ يَثْرِبَ، فَاتَّبَعُوا آثَارَهُمْ، فَلَمَّا حَسَّ بِهِمْ عَاصِمٌ وَأَصْحَابُهُ، لَجَؤُوا إِلَى مَوْضعٍ، فَأَحَاطَ بِهِمُ الْقَوْمُ، فَقَالُوا لَهُمْ: انْزِلُوا فَأَعْطُوا بِأَيْدِيكُمْ، وَلَكُمُ ¬

_ (¬1) في "ع": "فأريكم". (¬2) في "ع": "رمونهم". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬4) في "ع": "أصابها". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 826).

الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ: أَنْ لَا نقتُلَ مِنْكُمْ أَحَدًا. فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ: أَيُّهَا الْقَوْمُ! أَمَّا أَنَا، فَلَا أَنْزِلُ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نبِيَّكَ - صلى الله عليه وسلم -، فَرَمَوْهُمْ بِالنَّبْلِ، فَقَتَلُوا عَاصِمًا، وَنزَلَ إِلَيْهِمْ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ عَلَى الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ، مِنْهُمْ خُبَيْبٌ، وَزيدُ بْنُ الدَّثِنَةِ، وَرَجُلٌ آخَرُ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ، أَطْلَقُوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ، فَرَبَطُوهُمْ بِهَا. قَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ: هَذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ، وَاللَّهِ! لَا أَصْحَبُكُمْ، إِنَّ لِي بِهَؤُلَاءِ أُسْوَةً، يُرِيدُ: الْقَتْلَى، فَجَرَّرُوهُ وَعَالَجُوهُ، فَأَبَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ، فَانْطُلِقَ بِخُبَيْبٍ وَزيدِ بْنِ الدَّثِنَةِ حَتَّى بَاعُوهُمَا بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، فَابْتَاعَ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوفَلٍ خُبَيْبًا، وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ قَتَلَ الْحَارِثَ بْنَ عَامِرٍ يَوْمَ بَدْرٍ، فَلَبِثَ خُبَيْبٌ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا حَتَّى أَجْمَعُوا قَتْلَهُ، فَاسْتَعَارَ مِنْ بَعْضِ بَنَاتِ الْحَارِثِ مُوسَى يَسْتَحِدُّ بِهَا، فَأَعَارَتْهُ، فَدَرَجَ بُنَيٌّ لَهَا وَهْيَ غَافِلَةٌ حَتَّى أتاهُ، فَوَجَدَتْهُ مُجْلِسَهُ عَلَى فَخِذِهِ، وَالْمُوسَى بِيَدِهِ، قَالَتْ: فَفَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَهَا خُبَيْبٌ، فَقَالَ: أتخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ مَا كُنْتُ لأَفْعَلَ ذَلِكَ، قَالَتْ: وَاللَّهِ! مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ، وَاللَّهِ! لَقَدْ وَجَدْتُهُ يَوْمًا يَأْكُلُ قِطْفًا مِنْ عِنَبٍ فِي يَدِهِ، وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ بِالْحَدِيدِ، وَمَا بِمَكَّةَ مِنْ ثَمَرَةٍ، وَكَانَتْ تَقُولُ: إِنَّهُ لَرِزْقٌ رَزَقَهُ اللَّهُ خُبَيْبًا، فَلَمَّا خَرَجُوا بِهِ مِنَ الْحَرَمِ؛ لِيَقْتُلُوهُ فِي الْحِلِّ، قَالَ لَهُمْ خُبَيْبٌ: دَعُونِي أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَتَرَكُوهُ، فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَوْلَا أَنْ تَحْسِبُوا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ، لَزِدْتُ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا، وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا، وَلَا تُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ: فَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا ... عَلَى أَيَّ جَنْبٍ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإلَهِ وَإنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ

ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ أَبُو سِرْوَعَةَ عُقْبَهُ بْنُ الْحَارِثِ، فَقَتَلَهُ، وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ سَنَّ لِكُلِّ مُسْلِمِ قُتِلَ صَبْرًا الصَّلَاةَ، وَأَخْبَرَ أَصْحَابَهُ يَوْمَ أُصِيبُوا خَبَرَهُمْ، وَبَعَثَ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى عَاصِم بْنِ ثَابِتٍ -حِينَ حُدِّثُوا أَنَّهُ قُتِلَ- أَنْ يُؤْتَوْا بِشَيءٍ مِنْهُ يُعْرَفُ، وَكَانَ قتَلَ رَجُلًا عَظِيمًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ، فَبَعَثَ اللَّهُ لِعَاصِمٍ مِثْلَ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْرِ، فَحَمَتْهُ مِنْ رُسُلِهِمْ، فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَقْطَعُوا مِنْهُ شيْئًا. وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: ذَكَرُوا مُرَارَةَ بْنَ الرَّبِيعِ الْعَمْرِيَّ، وَهِلَالَ ابْنَ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِي، رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ، قَدْ شَهِدَا بَدْرًا. (عَمْرو بن أَسِيد): -بفتح العين وسكون الميم-، فيكتب بواو، ومنهم من يقول: عُمَر -بضم العين وفتح الميم-، فلا واو، قال (¬1) البخاري في "تاريخه": والأولُ أصح (¬2). وأَسيد: بفتح الهمزة وكسر السين. (ابن جارية): بالجيم. (عشرة عينًا): قيل: هذه الغزوة تسمى: غزوة الرجيع، سنة ثلاث. (فلما حَسَّ بهم عاصم): قال السفاقسي: صوابه أَحَسَّ (¬3)؛ أي: عَلِمَ، قال الله تعالى: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ} [مريم:98] وكذلك هو في بعض الروايات (¬4). ¬

_ (¬1) في "ع": "وقال". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 827). (¬3) في "ع": "أحسن". (¬4) المرجع السابق، الموضع نفسه.

(وزيد بن الدَّثِنَة): بفتح الدال المهملة وكسر المثلثة وفتح النون، ويقال: بسكون المثلثة، وقد مر. (فجرروه (¬1) وعالجوه): لم يبين هنا ما فعلوا به، وفي باب غزوة الرجيع: أنهم قتلوه. (وكان خبيبٌ هو قتلَ الحارثَ بنَ عامرٍ يومَ بدر): انتقده الدمياطي (¬2)، بأن خبيبًا هذا هو ابن عدي، ولم يشهد بدرًا، وإنما الذي شهدها وقتل (¬3) الحارث هو خبيبُ بنُ يَساف. ووقع في "الاستيعاب": أن خبيبَ بنَ عديٍّ شهدَ بدرًا، وذكر عن الزبير بسنده عن الزهري: أن عتبة بن الحارث اشترى خبيبَ بنَ عدي، وكان قد قتل أباه يوم بدر (¬4)، وذكر في ترجمة خبيب بن يساف: أنه شهد بدرًا، قتل أميةَ بنَ خلف يوم بدر فيما ذُكر (¬5) (¬6). (واقتلْهم بَددًا): -بفتح الموحدة-، ويروى: بكسرها: جمع بدَّة، وهو القطعة، وهو نصب على الحال من المدعو عليهم، أما على الثاني، فواضح؛ أي: متفرقين، وأما على الأول، فعلى أن يكون التقدير ذَوِي بَدَدٍ، قاله السهيلي. ¬

_ (¬1) في "ع": "فجروه". (¬2) في "ع": "الدارمي". (¬3) في "ع": "وقيل". (¬4) "يوم بدر" ليست في "ع" و"ج". (¬5) في "ع": "ذكره". (¬6) انظر: "الاستيعاب"، (2/ 440، 443). وانظر: "التنقيح" (2/ 827).

ويجري فيه وجهان آخران: أن يكون بددًا نفسه حالًا على جهة المبالغة، أو على تأويله باسم (¬1) الفاعل. قال السهيلي ما (¬2) معناه: أن الدعوة أُجيبت فيمن مات كافرًا، ومن قتل منهم بعد هذه الدعوة، فإنما قتلوا بددًا غيرَ معسكِرين، ولا مجتمعين (¬3). (ذكروا مُرارةَ بنَ الربيع العَمْريَّ): [بفتح العين المهملة وسكون الميم. (وهلال بن أمية الواقفيَّ)] (¬4): بقاف وفاء. (رجلين صالحين قد شهدا بدرًا): قيل (¬5): لم يذكر أحد من أهل السير أن مرارة (¬6) وهلالًا شهدا بدرًا إلا ما جاء في حديث كعب هذا، وإنما ذُكرا (¬7) في الطبقة الثانية ممن لم يشهد بدرًا، وشهد أُحُدًا (¬8). * * * 2093 - (3990) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ نَافِعٍ: ¬

_ (¬1) في "ع": "فاسم". (¬2) "ما" ليست في "ع". (¬3) انظر: "الروض الأنف" (3/ 374). (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬5) في "ج": "قيل لهم". (¬6) في "م": "مرة". (¬7) في "ع": "ذكر". (¬8) انظر: "التنقيح" (2/ 828).

أَنَّا ابْنَ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- ذُكِرَ لَهُ: أَنَّ سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ -وَكَانَ بَدْرِيًّا- مَرِضَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ، فَرَكِبَ إِلَيْهِ بَعْدَ أَنْ تَعَالَى النَّهَارُ، وَاقْتَرَبَتِ الْجُمُعَةُ، وَتَرَكَ الْجُمُعَةَ. (أن ابن عمر ذُكر له: أن (¬1) سعيدَ بنَ زيد بن عمرو بن نفيل -وكان بدريًا-): انتقد هذا أيضًا بأن سعيدًا وطلحةَ بنَ عبيد الله بعثهما النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2) إلى طريق الشام يتجسسان (¬3) أخبار العِير، ففاتتهما بدر، فضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - بسهمهما، وقيل: بل خرج سعيدٌ يريد (¬4) لقاء النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬5)، فوجده منصرفًا من المدينة. * * * 2094 - (3991) - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ: أنَّ أَبَاهُ كتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ الأَرْقَم الزُّهْرِيِّ: يَأْمُرُهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى سُبَيْعَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ الأَسْلَمِيَّةِ، فَيَسْأَلَهَا عَنْ حَدِيثهَا، وَعَمَّا قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ اسْتَفْتَتْهُ، فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَرْقَمِ، إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ يُخْبِرُهُ: أَنَّ سُبَيْعَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ سَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ، وَهْوَ مِنْ ¬

_ (¬1) "أن" ليست في "ع" و"ج". (¬2) في "ع": "إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -". (¬3) في "ع": "يتجسسا". (¬4) قوله: "فضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - بسهمهما، وقيل: بل خرج سعيد يريد" ليس في "ع". (¬5) قوله: "بسهمهما، وقيل: بل خرج سعيد يريد لقاء النبي - صلى الله عليه وسلم -" ليس في "ج".

باب

بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا، فتُوُفِّيَ عَنْهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهْيَ حَامِلٌ، فَلَمْ تَنْشَبْ أَنْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَلَمَّا تَعَلَّتْ مِنْ نِفَاسِهَا، تَجَمَّلَتْ لِلْخُطَّابِ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ -رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ- فَقَالَ لَهَا: مَا لِي أَرَاكِ تَجَمَّلْتِ لِلْخُطَّابِ؟ تُرَجِّينَ النكِّاحَ؟ فَإِنَّكِ وَاللَّهِ! مَا أَنْتِ بِنَاكِحِ حَتَّى تَمُرَّ عَلَيْكِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ. قَالَتْ سُبَيْعَةُ: فَلَمَّا قَالَ لِي ذَلِكَ، جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي حِينَ أَمْسَيْتُ، وَأتيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَأَفْتَانِي بِأَنِّي قَدْ حَلَلْتُ حِينَ وَضَعْتُ حَمْلِي، وَأَمَرَنِي بِالتَّزَوُّجِ إِنْ بَدَا لِي. (أنها كانت تحت سعد (¬1) بن خولة، وهو من بني عامر بن لؤي، وكان ممن شهد بدرًا): فيه رد على قول من زعم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما رثا له (¬2)؛ لكونه لم (¬3) يهاجر (¬4). * * * باب 2095 - (3998) - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ الزُّبَيْرُ: لَقِيتُ يَوْمَ بَدْرٍ عُبَيْدَةَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَهْوَ مُدَجَّجٌ، لَا يُرَى مِنْهُ إِلَّا عَيْنَاهُ، وَهْوَ يُكْنَى أَبَا ذَاتِ ¬

_ (¬1) في "م": "سعيد". (¬2) "له" ليست في "ع". (¬3) في "ع": "لما". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 829).

الْكَرِشِ، فَقَالَ: أَنَا أَبُو ذَاتِ الْكَرِشِ، فَحَمَلْتُ عَلَيهِ بِالْعَنَزَةِ، فَطَعَنْتُهُ فِي عَيْنِهِ، فَمَاتَ. قَالَ هِشَامٌ: فَأُخْبِرْتُ أَنَّ الزُّبَيْرَ قَالَ: لَقَدْ وَضَعْتُ رِجْلِي عَلَيْهِ، ثُمَّ تَمَطَّأْتُ، فَكَانَ الْجَهْدَ أَنْ نَزَعْتُهَا وَقَدِ انْثَنَى طَرَفَاهَا. قَالَ عُرْوَةُ: فَسَأَلَهُ إِيَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَعْطَاهُ، فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، أَخَذَهَا، ثُمَّ طَلَبَهَا أَبُو بَكْرٍ، فَأَعْطَاهُ، فَلَمَّا قُبِضَ أَبُو بَكرٍ، سَأَلَهَا إِيَّاهُ عُمَرُ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا، فَلَمَّا قُبِضَ عُمَرُ، أَخَذَهَا، ثُمَّ طَلَبَهَا عُثْمَانُ مِنْهُ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا، فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ، وَقَعَتْ عِنْدَ آلِ عَلِيِّ، فَطَلَبَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، فَكَانَتْ عِنْدَهُ حَتَّى قُتِلَ. (وهو مدجِّج): -بجيم مشددة مكسورة، وتفتح أيضًا، بعدها جيم أخرى-؛ أي: شاكٍ. (ثم تَمَطَّأْت): -بالهمزة-، والمعروف: تَمَطَّيْتُ، بالياء. * * * 2096 - (4000) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ -وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَبَنَّى سَالِمًا، وَأَنْكَحَهُ بِنْتَ أَخِيهِ هِنْدَ بِنتَ الْوَليدِ بْنِ عُتْمَةَ، وَهْوَ مَوْلًى لاِمْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ، كَمَا تَبَنَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - زَيْدًا، وَكَانَ مَنْ تَبَنَّى رَجُلًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، دَعَاهُ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَوَرِثَ مِنْ مِيرَاثِهِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5]، فَجَاءَتْ سَهْلَةُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

[(وأنكحه بنتَ أخيه هندَ بنتَ الوليد بن عتبة (¬1)): كذلك (¬2) رواه أبو داود (¬3)، والنسائي (¬4). وقال في "الموطأ"] (¬5): فاطمة بنت الوليد (¬6)، ولم يذكر ابن سعد، وابن عبد البر في الصحابة: هندَ بنتَ الوليد، وذكر ابنُ سعد فاطمةَ بنتَ عتبةَ، تزوج بها سالم (¬7). قال (¬8) الدمياطي: ولا أظنه صحيحًا (¬9). * * * 2097 - (4002) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبهَ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو طَلْحَةَ - رضي الله عنه - صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ ¬

_ (¬1) في "م": "عُيينة". (¬2) في "ج": "كذا". (¬3) رواه أبو داود (2061). (¬4) رواه النسائي (3223). (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬6) رواه مالك في "الموطأ" (2/ 605). (¬7) انظر: "الطبقات الكبرى" (8/ 238). (¬8) في "ع": "وقال". (¬9) انظر: "التنقيح" (2/ 830).

رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ قَالَ: "لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ". يُرِيدُ: التَّمَاثِيلَ الَّتِي فِيهَا الأَرْوَاحُ. (يريد: صورة التماثيل التي فيها الأرواح): قائل هذا القول ابنُ عباس، قاله الحافظ أبو ذر (¬1). * * * 2098 - (4003) - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ ابْنُ حُسَيْنٍ: أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ -عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: كَانَتْ لِي شَارِفٌ مِنْ نَصيبِي مِنَ الْمَغْنَم يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَعْطَانِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الْخُمُسِ يَوْمَئِذٍ، فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَبْتَنِيَ بِفَاطِمَةَ -عَلَيْهَا السَّلَامُ- بِنْتِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَاعَدْتُ رَجُلًا صَوَّاغًا فِي بَنِي قَيْنُقَاعَ أَنْ يَرْتَحِلَ مَعِي، فَنأْتِيَ بِإِذْخِرٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَبيعَهُ مِنَ الصَّوَّاغِينَ، فَنَسْتَعِينَ بِهِ فِي وَلِيمَةِ عُرْسِي، فَبَيْنَا أَنَا أَجمَعُ لِشَارِفَيَّ مِنَ الأَقْتَابِ وَالْغَرَائِرِ وَالْحِبَالِ، وَشَارِفَايَ مُنَاخَانِ إِلَى جَنْبِ حُجْرَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، حَتَّى جَمَعْتُ مَا جَمَعْتُ، فَإِذَا أَنَا بِشَارِفَيَّ قَدْ أجُبَّتْ أَسْنِمَتُهُما، وَبُقِرَتْ خَوَاصِرُهُمَا، وَأُخِذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا، فَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنَيَّ حِينَ رَأَيْتُ الْمَنْظَرَ، قُلْتُ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ قَالُوا: فَعَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَهْوَ فِي هَذَا الْبَيْتِ فِي شَرْبٍ مِنَ الأَنْصَارِ، عِنْدَهُ قَيْنَةٌ وَأَصْحَابُهُ، فَقَالَتْ فِي غِنَائِهَا: (أَلَا يَا حَمْزَ لِلشُّرُفِ النِّوَاءِ)، فَوَثَبَ حَمْزَةُ إِلَى السَّيْفِ، فَأَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا، وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا، وَأَخَذَ مِنْ أَكبَادِهِمَا، ¬

_ (¬1) المرجع السابق، الموضع نفسه.

قَالَ عَلِيٌّ: فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَعَرَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الَّذِي لَقِيتُ، فَقَالَ: "مَا لَكَ؟ "، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ، عَدَا حَمْزَةُ عَلَى نَاقتَيَّ، فَأَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا، وَبَقَر خَوَاصِرَهُمَا، وَهَا هُوَ ذَا فِي بَيْتٍ مَعَهُ شَرْبٌ، فَدَعَا النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِرِدَائِهِ فَارْتَدَى، ثُمَّ انْطَلَقَ يَمْشِي، وَاتَّبَعْتُهُ أَنَا وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، حَتَّى جَاءَ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ حَمْزَةُ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ، فَأُذِنَ لَهُ، فَطَفِقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يلُومُ حَمْزَةَ فِيمَا فَعَلَ، فَإِذَا حَمْزَةُ ثَمِلٌ، مُحْمَرَّةٌ عَيْنَاهُ، فَنَظَرَ حَمْزَةُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ، فَنَظَرَ إِلَى رُكبَتِهِ، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ، فَنَظَرَ إِلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ حَمْزَةُ: وَهَلْ أَنْتُمْ إِلَّا عَبِيدٌ لأَبِي؟ فَعَرَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ ثَمِلٌ، فَنَكَصَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى عَقِبَيْهِ الْقَهْقَرَى، فَخَرَجَ، وَخَرَجْنَا مَعَهُ. (قد أُجِبَّت أسنمتُهما): تقدم في أثناء البيوع بلفظ: "فجُبَّت" (¬1)، قيل: وهو الصواب. * * * 2099 - (4004) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: أَنْفَذَهُ لَنَا ابْنُ الأَصْبَهَانِيِّ: سَمِعَهُ مِنِ ابْنِ مَعْقِلٍ: أَنَّ عَلِيًّا - رضي الله عنه - كَبَّرَ عَلَى سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، فَقَالَ: إِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا. (أن عليًا كبر على سهل بن حنيف، فقال: إنه شهد بدرًا): قال الحميدي: قال أبو بكر البرقاني: لم يبين البخاري عددَ التكبير، وهو عند ابن عيينة بإسناده، وفيه: أنه كبر ستًا، وقيل: كبر خمسًا، [وروى سعد بن ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2375).

منصور الوجهين (¬1). * * * 2100 - (4012 و 4013) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، حَدَّتنَا جُويرِيَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ، قَالَ: أَخْبَرَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ: أَنَّ عَمَّيْهِ، وَكَانَا شَهِدَا بدْرًا، أَخْبَرَاهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نهى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارعِ. قُلْتُ لِسَالِمِ: فَتُكْرِيهَا أَنْتَ؟ قَالَ: نعمْ، إِنَّ رَافِعًا أَكْثَرَ عَلَى نَفْسِهِ. (أن عميه، وكانا شهدا بدرًا): هما ظُهير ومظهر، ولدا (¬2)] (¬3) رافعِ (¬4) ابنِ عدي، أَنصاريان أَوْسِيّان. * * * 2101 - (4019) - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيٍّ، عن الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ. حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابِ، عَنْ عَمِّه، قَالَ: أَخْبَرنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ ثُمُّ الْجُنْدَعِيُّ: أَنَّ عُبَيْدَ الَلَّهِ ابْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَخْبَرَهُ: أَنَّ الْمِقْدَادَ بْنَ عَمْرٍو الْكِنْدِيَّ، وَكَانَ حَلِيفًا لِبَنِي زُهْرَةَ، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أخبَرَهُ: أَنَّهُ قَالَ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 830). (¬2) في "ع": "وكذا". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬4) في "ج": "ورافع".

لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَرَأَيْتَ إِن لَقِيتُ رَجُلًا مِنَ الْكُفَّارِ، فَاقْتَتَلْنَا، فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ، فَقَطَعَهَا، ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ، فَقَالَ: أَسْلَمْتُ لِلَّهِ، آأَقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَعْدَ أَنْ قَالهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَقْتُلْهُ". فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّهُ قَطَعَ إِحْدَى يَدَيَّ، ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا قَطَعَهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَقْتُلْهُ، فَإِنْ قَتَلْتَهُ، فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ، وَإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ". (لاذَ مني بشجرة): أي: تَحَيَّلَ في الفرار مني لها. (فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله): من حيثُ إنه مسلمٌ معصومُ الدم قد جَبَّ الإسلامُ عنه ما كان منه من قطع يدك. (وإنك بمنزلته (¬1) قبل أن يقول كلمته): قيل: باعتبار أن دمك صار مباحًا بالقصاص، كما أن دم الكافر مباح (¬2) لحق الدين، فوجهُ الشبه إباحةُ الدم، وإن كان الموجبُ مختلفًا. قاله الخطابي (¬3). وقيل: باعتبار الإثم، وإن كان سبب (¬4) الإثم مختلفًا. وقيل: المعنى: أنت عنده مباح الدم قبل أن يُسلم، كما أنه عندك مباح الدم (¬5). ¬

_ (¬1) في "ج": "بمنزلتك". (¬2) "مباح" ليست في "ع". (¬3) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 1713). (¬4) في "ع": "بسبب". (¬5) قوله: "أنت عنده مباح الدم قبل أن يسلم كما أنه عندك مباح الدم" ليس في "ع".

وقيل: المعنى (¬1): إن قَتَلَه مستحلًّا (¬2). قلت: وفيه نظر، فإن استحلاله للقتل إنما هو بتأويل كونه أسلمَ خوفًا من القتل، ولم يُرِدْ بإسلامه [وجهَ الله، والاستحلالُ على هذا التأويل لا يوجب كفرًا، ويشهد له قصةُ أسامة (¬3)] (¬4). قال القاضي تاج الدين السبكي في كتاب "الأشباه والنظائر": قال إمام الحرمين في "الطلاق" بعدما ذكر أن الحربي إذا أُكره على الإسلام، فنطق بالشهادتين تحت السيف، نحكم بكونه مسلمًا: فإن هذا إكراه بحق، فلم يغير الحكم، اتفقت الطرق على هذا، مع ما فيه من الغموض من طريق المعنى، فإن كلمتي الشهادة نازلتان في الإعراب عن الضمير منزلةَ الإقرار، والظاهر من المحمول عليهما (¬5) أنه كاذب في إخباره. انتهى. وقد حكاه عنه (¬6) الرافعي، إلا أنه أسقط قوله: في إخباره، وليس بجيد؛ لأن الكذب عدمُ المطابقة لما في نفس الأمر، وقائلُ الشهادتين قولُه مطابق، فلا يقال: إنه كاذب، نعم (¬7) هو كاذب في إخباره أن [ضميره (¬8) ¬

_ (¬1) قوله: "قبل أن يسلم كما أنه عندك مباح الدم. وقيل: المعنى" ليس في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 831). (¬3) في "ع": "إسلامه". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬5) في "ع" و"ج": "عليها". (¬6) في "ج": "عن". (¬7) في "ع": "يعم". (¬8) في "ع": "أنه ضمير".

مشتمل على الاعتقاد، فقد تبين أن قول الإمام: في إخباره (¬1)] (¬2)، قيدٌ لابدَّ منه، حذفه الرافعي ظنًا منه أنه لا حاجة إليه، فوردَ ما لا قِبَلَ له به. واعترضه ابنُ الرفعة: بأن هذه نزغة أسامة بن زيد، وقد أجاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عنها، وكيف لا ونحن نؤاخذ المقرَّ للعباد بما يغلب على الظن كذبُه فيه إذا احتملَ الصدقَ على بعد، وحقُّ الله أولى بذلك. نعم، هو إذا كان في نفس الأمر بخلاف ذلك، لا يحصل له الفوز في الآخرة. انتهى. ثم (¬3) قال القاضي تاج الدين (¬4): والإمام لا تخفى عليه نزغة أسامة، ولم يرد التشكيك على قبول إسلامه، بل ذكر أن قبول أسامة شرعًا غامض من جهة المعنى، ولذلك قال: من حيث المعنى، ولم يقل: من حيث الحكم (¬5). والحاصل: أن هذا مما حُكم فيه بخلاف الظاهر، وأنه (¬6) أمر تعبديٌّ غير معقول. وطريق جوابه: أن يبين (¬7) أن هذا جارِ على وَفْق (¬8) الأقيسة الواضحة ¬

_ (¬1) "في إخباره" ليست في "ع". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬3) في "ع" و"ج": "نعم". (¬4) في "ج": "الدين السبكي". (¬5) في "ع": "المعنى". (¬6) "وأنه" ليست في "ع". (¬7) "أن يبين" ليست في "ج". (¬8) في "ع": "وقف".

المعاني، لا أن يقال: هذه نزغة أسامة؛ فإنه لا يتكرر ذلك، بل نقول: ومن ثم لم يوجب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أسامة (¬1) قَوَدًا، ولا دية، وإنما ذلك -والله أعلم- حيث كان أقدم عن اجتهاد (¬2) ساعده المعنى، ولكن بين رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أن من قالها، فقد عصم دمه وماله، وقال: "هَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ"؛ إشارة إلى نكتة الجواب. والمعنى -والله أعلم بجواب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أن هذا الظاهر مضمحلٌّ بالنسبة إلى أن القلب لا يطلع على ما فيه إلا خالقُه. ولعلَّ هذا أسلمَ حقيقةً، وإن كان تحت السيف، ولا يمكن دفعُ هذا الاحتمال. وفي الحديث الصحيح: "عَجِبَ رَبُّنَا مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ فِي السَّلَاسِلِ" (¬3)، وفي لفظ: "يُقَادُونَ إِلَى الجَنَّةِ في السَّلاسِلِ (¬4) " (¬5). قيل: أراد بالجنة: الإسلام، [وبالقوم (¬6): الأسرى يُكْرَهون على الإسلام، فجُعلت الشهادتان مناطًا يُدار الحكمُ] (¬7) عليهما (¬8)، فحيثُ وُجدا، ¬

_ (¬1) "على أسامة" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "جهاد". (¬3) رواه البخاري (3010) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -. (¬4) "في السلاسل" ليست في "ع". (¬5) رواه أبو داود (2677). (¬6) "وبالقوم" ليست في "ج". (¬7) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬8) في "ع" و"ج": "عليها".

حُكم (¬1) بمضمونهما بالنسبة إلى الظاهر، وأمرُ الباطن إلى الله تعالى، ومن هنا يؤخذ جوابٌ عن كلام الإمام في استغماضه من حيث المعنى، فنقول (¬2): إسلام المكرَه؛ لكونه حكمًا بخلاف الظاهر، يوضحه أن الإقدام على قتله (¬3) مع تلفظه بالشهادتين، واحتمال أنه صادق فيما أخبر عن ضميره فيه، وارتكاب ما لعله يكون ظلمًا له، فالكف عن القتل (¬4) أولى من الإقدام عليه، ويوضح هذا: أن الشارع لا مقصدَ له في إزهاق الأرواح، [وإنما المقصدُ الهدايةُ والإرشاد، فإن تعذرت بكل سبيل، تعين إزهاقُ الأرواح] (¬5)؛ لزوال مفسدة الكفر من الوجود، ومع التلفُّظ بكلمة الحق، لم تتعذر الهدايةُ [بكل طريق، بل حصل الإسلامُ بانقياد المتلفِّظ بها ظاهرًا، ويرجى (¬6) مع ذلك أن تكون الهداية] (¬7) حصلت، أو تحصل في المستقبل، فمادةُ الفساد الناشئ عن كلمة الكفر قد زالت بانقياده ظاهرًا، ولم يبق إلا الباطن، وهو مشكوك، أو مرجو مآلًا إن لم يكن حاصلًا (¬8) في الحال (¬9)، فقد لاح من حيث المعنى وجهُ قبول الإسلام، وأنه على وَفْق الأقيسة، ¬

_ (¬1) في "ج": "حكما". (¬2) في "ع": "فيقول". (¬3) في "ع": "صلة". (¬4) في "ع": "الفعل". (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬6) في "ع": "يروى". (¬7) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬8) في "ج": "حالًا". (¬9) في "ع": "حالًا في الحلال".

ولله الحمد. انتهى كلامه. * * * 2102 - (4020) - حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُليَّةَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ بَدْرٍ: "مَنْ يَنْظُرُ مَا صَنع أبو جَهْلٍ؟ "، فَانْطَلَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ، فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ حَتَّى بَرَدَ، فَقَالَ: آنْتَ أَبَا جَهْلٍ؟ قَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ: قَالَ سُلَيْمَانُ: هَكَذَا قَالَهَا أَنَسٌ، قَالَ: أَنْتَ أَبَا جَهْلٍ؟ قَالَ: وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ؟ قَالَ سُلَيْمَانُ: أَوْ قَالَ: قتلَهُ قَوْمُهُ. قَالَ: وَقَالَ أَبو مِجْلَزٍ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: فَلَوْ غَيْرُ أَكَّارٍ قَتَلَنِي. (آنت أبا جهل): كذا الرواية في البخاري من رواية زهير، وخرجه القاضي على أنه منادى؛ أي: أنت المقتول الذليل يا أبا جهل؛ على جهة التوبيخ والتقريع. قال الداودي: يحتمل معنيين: أن يكون استعمل اللحن؛ ليغيظ أبا جهل؛ كالمصغِّر له، أو يريد: أعني: أبا جهل. وردهما السفاقسي بأن تغييظه (¬1) في مثل هذه الحالة لا معنى له، ثم النصب بإضمار؛ أَعني إنما (¬2) يكون إذا تكررت النعوت. ¬

_ (¬1) في"ع" و"ج": "تعتبطه". (¬2) في "ع": "وإنما".

ونازعه الزركشي في الأول: بأنه (¬1) أبلغُ في التهكم، وفي الثاني: بأن التكرار ليس شرطًا في القطع عند الجمهور، وإن أوهمته عبارةُ ابن مالك (¬2). قلت: كلامهما (¬3) معًا في الوجه الثاني غلط، فإن ما نحن فيه ليس من قطع النعمة في شيء، لا مع التكرار، ولا مع حذفه؛ ضرورة أنه ليس عندنا غيرُ ضمير الخطاب، وهو لا يُنعت إجماعًا. قال القاضي: ورواه الحميدي: "آنت أبو جهل"، وكذا رواه البخاري (¬4) من طريق يونس. قلت: وعلى هذا فتخريجه أنه استعمل على لغة القصر، أو من النداء وغيره. (لو غيرُ أَكَّارٍ قتلني): مثل: لو ذاتُ سِوارٍ لَطَمَتْني، فيكون المرفوع بعد "لو" فاعلًا بمحذوف يفسره الظاهر. ثم يحتمل أن تكون شرطية، فالجواب محذوف؛ أي: لتسَلَّيت. ويحتمل أن تكون للتمني، فلا جواب. والأَكَّار: الزرَّاع (¬5)، أراد احتقاره وانتقاصه عن أن يقتل مثلَه أكارٌ؛ لأن قاتليه، وهما ابنا عفراء من الأنصار، وهم عمالُ أنفسِهم في أرضهم ونخلهم (¬6). ¬

_ (¬1) في "ع": "أنه". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 832). (¬3) في "ع": "كلاهما". (¬4) رواه البخاري (3962). (¬5) في "ع": "للزراع". (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 832).

فإن قلت: أين هذا من قوله: وهل أعمدُ من رجلٍ قتلَه قومُه (¬1)؟ قلت: أراد هنا انتقاص المباشِرِ لقتلِه، وأراد هناك تسليةَ نفسه بأن الشريفَ إذا قتله قومُه، لم يكن ذلك عارًا عليه، فجوز قومَه قاتلين له مجازًا باعتبار تسببهم (¬2) في قتله، وسعيهم فيه، وإن لم يباشروه، فمحلُّ الانتقاص غير محل التعظيم، فلا تناقض. * * * 2103 - (4024) - وَقَالَ اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ الأُولَى -يَعْنِي: مَقتَلَ عُثْمَانَ-، فَلَمْ تُبْقِ مِن أَصْحَابِ بَدْرٍ أَحَدًا، ثُمَّ وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ الثَّانِيةُ -يَعْنِي: الْحَرَّةَ-، فَلَمْ تُبْقِ مِنْ أَصْحَابِ الْحُدَيْبِيَةِ أَحَدًا، ثُمَّ وَقَعَتِ الثَّالِثَةُ، فَلَمْ تَرتَفِعْ وَلِلنَّاسِ طَبَاخٌ. (فلم تُبقِ من أصحاب بَدْر أَحَدًا): الضمير في قوله: "فلم تبق" عائد على الفتنة (¬3) الأولى التي هي مقتل عثمان - رضي الله عنه -. قال الداودي: هذا وهمٌ بلا شك؛ لأن عليًا والزبير وطلحة وسعدًا وسعيدًا وغيرَهم عاشوا بعد ذلك، ولعلَّ ابنَ المسيب عنى بالفتنة [الأولى]: مقتلَ الحسين، وبالثانية: الحَرَّة، وبالثالثة: الفِتن (¬4) التي كانت بالعراق مع الأزارقة (¬5). ¬

_ (¬1) في "ج": "قوله". (¬2) في "ع": "نسبتهم". (¬3) في "ع": "الغيبة". (¬4) في "ع": "العين". (¬5) المرجع السابق، (2/ 833).

(فلم ترتفع وللناس طَباخ): بفتح الطاء المهملة وتخفيف الموحدة. قال السفاقسي: [أصل الطباخ: القوة، ثم استُعمل في العقل والخير، فقيل: فلانٌ لا طَباخَ له؛ أي: لا عقلَ له ولا خير (¬1). * * * 2104 - (4026) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحِ ابْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: هَذِهِ مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ يُلْقِيهِمْ: "هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُّمْ حَقًّا؟ ". قَالَ مُوسَى: قَالَ نَافِعٌ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قَالَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِه: يَا رَسُولَ اللَّهِ! تُنَادِي نَاسًا أَمْوَاتًا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا قُلْتُ مِنْهُمْ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ قرَيْشٍ، مِمَّنْ ضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِهِ، أَحَد وَثَمَانُونَ رَجُلًا، وَكَانَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: قَالَ الزُّبَيْرُ: قُسِمَتْ سُهْمَانُهُمْ، فَكَانُوا مِئَةً، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (قال الزبير (¬2): قُسمت سُهمانهم (¬3)، فكانت مئة، والله أعلم): قال السفاقسي] (¬4) نقلًا عن الداودي: "الله أعلم" هل هو من كلام الزبير، فيدخله بعض الشك؛ لطول الزمان، أو يكون من قول المحدِّثِ عنه؟ ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (21/ 100). (¬2) في "ع": "قلت للزبير". (¬3) في "ع": "قسمت لهم سهمًا لهم". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ج".

باب: تسمية من سمي من أهل بدر في الجامع الذي وضعه أبو عبد الله على حروف المعجم

قال: وإنما كانوا أربعة وثمانين، وكانت ثلاثة أفراس (¬1)، فأسهم لها سهمين سهمين، وضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - لرجال كان بعثهم في بعض أمره بسهامهم من أهل بدر، وبَشَّرهم بمثل أجورهم، فكانوا في أعدادهم، ولعل قولَ الزبير يصحُّ على أن من غاب عن شهود بدر، وضرب له بسهم؛ مثل عثمان بن عفان، هم (¬2) تمام المئة لمن شهدها (¬3). * * * باب: تَسْمِيةِ مَنْ سُمِّيَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ فِي الْجَامِعِ الَّذِي وَضَعَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ النَّبِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَاشِمِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، إِيَاسُ بْنُ الْبُكَيْرِ، بِلَالُ بْنُ رَبَاحٍ مَوْلَى أَبي بَكْرٍ الْقُرَشِيِّ، حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْهَاشِمِيُّ، حَاطِبُ بْنُ أَبي بَلْتَعَةَ حَلِيفٌ لِقُرَيْشٍ، أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ الْقُرَشِيُّ، حَارِثَةُ بْنُ الرُّبَيعِ الأَنْصَارِيُّ، قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَهْوَ حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ، كَانَ فِي النَّظَّارَةِ، خُبَيْبُ ابْنُ عَدِيِّ الأَنْصَارِيُّ، خُنَيْسُ بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ، رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ الأَنْصَارِيُّ، رِفَاعَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ أَبُو لُبَابَةَ الأَنْصَارِيُّ، الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ الْقُرَشِيُّ، زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ أَبُو طَلْحَةَ الأَنْصَارِيُّ -أَبُو زَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ-، سَعْدُ ابْنُ مَالِكٍ الزُّهْرِيُّ، سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ الْقُرَشِيُّ، سَعِيدُ بْنُ زيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ الْقُرَشِيُّ، سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ الأَنْصَارِيُّ، ظُهَيْرُ بْنُ رَافِعٍ الأَنْصَارِيُّ وَأَخُوهُ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ أبو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ الْقُرَشِيُّ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ ¬

_ (¬1) في "ع": "أفرس". (¬2) "هم" ليست في "ع" و"ج". (¬3) انظر: "التوضيح" (21/ 102).

الْهُذَلِيُّ، عُتْبَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الْهُذَلِيُّ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ، عُبَيْدَةُ ابْنُ الْحَارِثِ الْقُرَشِيُّ، عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ الأَنْصَارِيُّ، عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْعَدَوِيُّ، عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ الْقُرَشِيُّ، خَلَّفَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ابْنَتِهِ، وَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ، عَلِيُّ بْنُ أَبي طَالِبٍ الْهَاشمِيُّ، عَمْرُو بْنُ عَوْفٍ حَلِيفُ بَنِي عَامِرِ ابْنِ لُؤَيِّ، عُقْبةُ بْنُ عَمْرٍو الأَنْصَارِيُّ، عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ الْعَنَزِيُّ، عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيُّ، عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ الأَنْصَارِيُّ، عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ الأَنْصَارِيُّ، قُدَامَةُ بْنُ مَظْعُونٍ، قتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ الأَنْصَارِيُّ، مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، مُعَوِّذُ بْنُ عَفْرَاءَ وَأَخُوهُ، مَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ أَبُو أُسَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيُّ، مَعْنُ بْنُ عَدِيٍّ الأَنْصَارِيُّ، مِسْطَحُ ابْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، مِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو الْكِنْدِيُّ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ، هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ الأَنْصَارِيُّ، -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-. [(سعيد بن زيد): تقدم أن هذا منتقَد عليه، وكذلك خُبيب بن عَدِي] (¬1). (ظُهير بنُ رافع الأنصاريُّ، وأخوه): اسمه مُظهر بنُ رافِع عمُّ رافعٍ ابنِ خَديج، قُتل مظهرٌ بخيبر في خلافة عمر , قتله غلامان له، فأجلى عمر أهلَ خيبرَ من أجل ذلك؛ لأنه كان بأمرهم، قيل: ولم يشهد مُظهر ولا ظُهير (¬2) بدرًا، ولكن شهدا (¬3) أحدًا (¬4). ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس "ج". (¬2) في "ع": "ظهر". (¬3) في "ع" و"ج": "شهد". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 834).

باب: حديث بني النضير، ومخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دية الرجلين، وما أرادوا من الغدر برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقول الله تعالى: {هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر} [الحشر: 2]

(عقبة بن عمرو الأنصاري): هو أبو (¬1) مسعود، قيل: ولم يشهد بدرًا، وشهد العقبة، وكان أصغرَهم، ويعرف بالبدريِّ؛ لنزوله بها، وموته فيها. (مُرارة بن الربيع الأنصاري، معن (¬2) بن عَدي الأنصاري): نوزع أيضًا في هذين شهدا بدرًا، وقد سبق الكلام عليهما، قيل: وهما بلويان حليفان للأنصار، وليسا من الأنصار نسبًا (¬3). * * * باب: حَدِيثِ بَنِي النَّضِيرِ، وَمَخْرَجِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي دِيَةِ الرَّجُلَيْنِ، وَمَا أَرَادُوا مِنَ الْغَدْرِ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وقول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ} [الحشر: 2] (حديث بني النضير، ومخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم في دية الرجلين، وما أرادوا من الغدر (¬4) بالنبي - صلى الله عليه وسلم -): أتى بالترجمة هكذا غير مسندة؛ لشهرة الأمر فيها عند أهل السير، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى بني النضير؛ ليستعينهم (¬5) في دية القتيلين العامريين (¬6) اللذين (¬7) قتلهما عمرو بن أمية للجوار الذي كان ¬

_ (¬1) في "ج": "ابن". (¬2) "معن" ليست في "ع" و"ج". (¬3) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬4) في "ع": "بالغدر". (¬5) في "ع": "يستعينهم". (¬6) في "ع": "العامرين". (¬7) في "ع": "للذين".

النبي - صلى الله عليه وسلم - عقده لبني عامر، فخلا بنو قينقاع بأنفسهم، وأجمعوا على اغتيال النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يلقوا عليه رحى، فأخبره جبريل -عليه السلام-، فانصرف، فنادوه، فلم يلتفت إليهم، ثم آذنهم بالخروج. وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الحشر: 2] يريد به: يهود بني النضير حين أجلاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وحشرهم إلى الشام، وهو أول الحشر، والثاني: حشرهم ليوم القيامة (¬1). * * * 2105 - (4029) - حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: سُورَةُ الْحَشْرِ، قَالَ: قُلْ: سُورَةُ النَّضِيرِ. (قلت لابن عباس (¬2) [سورة] الحشر، قال: قل: سورة النضير): قال الداودي: إنما اتقى (¬3) أن يكون الحشر يوم القيامة، أو غيره، فكره النسبة إلى غير معلوم (¬4). * * * 2106 - (4031) - حَدَثَّنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا اللَّيثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 835). (¬2) في "ع": "لابن عبد الرحمن". (¬3) في "ج": "بقي". (¬4) انظر: "التوضيح" (21/ 122).

عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: حَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نخلَ بَنِي النَّضِيرِ، وَقَطَعَ، وَهْيَ الْبُوَيْرَةُ، فَنَزَلَتْ: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} [الحشر: 5]. (من لِينَةٍ): أي: من نَخْلَة. * * * 2107 - (4032) - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا حَبَّانُ، أَخْبَرَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ، قَالَ: وَلَهَا يَقُولُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ: وَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيِّ ... حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ قَالَ: فَأَجَابَهُ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ: أَدامَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعٍ ... وَحَرَّقَ فِي نَوَاحِيهَا السَّعِيرُ سَتَعْلَمُ أَيُّنَا مِنْهَا بِنُزْهٍ ... وَتَعْلَمُ أَيَّ أَرْضَيْنَا تَضِيرُ (هان على سراة بني لؤي): من بحر الوافر، دخل الجزءَ الأولَ منه العضب (¬1)، فهو على (¬2) زنة: مفتعلن (¬3). (حريقٌ بالبُويرة مستطيرُ): البُويرة -بالموحدة المضمومة، على التصغير-: موضع بلادهم، ومستطير؛ أي: منتشر. ¬

_ (¬1) في "ع": "العطيب". (¬2) "على" ليست في "ع". (¬3) في "ع": "مفعلين"، وفي "ج": "مفتعلين".

باب: قتل كعب بن الأشرف

(ستعلم أينا منها بنَزه (¬1)): -بفتح النون-؛ أي: ببعد. قال السفاقسي: وضبط في بعض النسخ بضمها (¬2). * * * باب: قَتْلِ كَعْبِ بنِ الأَشْرَفِ 2108 - (4037) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ"، فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ قَالَ: "نَعَمْ". قَالَ: فَأْذَنْ لِي أَنْ أقولَ شَيْئًا، قَالَ: "قُلْ". فَأتاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ سَأَلَنَا صَدَقَةً، وَإِنَّهُ قَدْ عَنَّانَا، وَإِنِّي قَدْ أتيْتُكَ أَسْتَسْلِفُكَ، قَالَ: وَأَيْضًا وَاللَّهِ لَتَمَلُّنَّهُ، قَالَ: إِنَّا قَدِ اتَّبَعْنَاهُ، فَلَا نُحِبُّ أَنْ نَدَعَهُ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى أَيِّ شَيْءٍ يَصِيرُ شَأْنُهُ، وَقَدْ أَرَدْنَا أَنْ تُسْلِفَنَا وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ-، وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو غَيْرَ مَرَّةٍ، فَلَمْ يَذْكُرْ وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ، فَقُلْتُ لَهُ: فِيهِ وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ؟ فَقَالَ: أُرَى فِيهِ وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ- فَقَالَ: نَعَمِ، ارْهَنُونِي، قَالُوا: أَيَّ شَيْءٍ تُرِيدُ؟ قَالَ: ارْهَنُوني نِسَاءَكُمْ، قَالُوا: كيْفَ نرْهَنُكَ نِسَاءَنَا وَأَنْتَ أَجْمَلُ الْعَرَبِ، قَالَ: فَارْهَنُونِي أَبْنَاءكُمْ، قَالُوا: كيْفَ نَرْهَنُكَ أَبْنَاءَنَا، فَيُسَبُّ أَحَدُهُمْ، فَيُقَالُ: رُهِنَ بِوَسْقٍ أَوْ وَسْقَيْنِ، هَذَا عَارٌ عَلَيْنَا، وَلَكِنَّا نَرْهَنُكَ اللأْمَةَ -قَالَ سُفْيَانُ: يَعْنِي: السِّلَاحَ-، فَوَاعَدَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ، فَجَاءَهُ لَيْلًا ¬

_ (¬1) في "ع": "ننزه". (¬2) انظر: "التوضيح" (21/ 125).

وَمَعَهُ أَبُو نَائِلَةَ، وَهْوَ أَخُو كَعْبٍ مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَدَعَاهُمْ إِلَى الْحِصْنِ، فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأتهُ: أَيْنَ تَخْرُجُ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَأَخِي أَبُو نَائِلَةَ، وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو: قَالَتْ: أَسْمَعُ صَوْتًا كَأَنَّهُ يَقْطُرُ مِنْهُ الدَّمُ، قَالَ: إِنَّمَا هُوَ أَخِي مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَرَضِيعِي أَبُو نَائِلَةَ، إِنَّ الْكَرِيمَ لَوْ دُعِيَ إِلَى طَعْنَةٍ بِلَيْلٍ لأَجَابَ. قَالَ: وَيُدْخِلُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مَعَهُ رَجُلَيْنِ -قِيلَ لِسُفْيَانَ: سَمَّاهُمْ عَمْرٌو؟ قَالَ: سَمَّى بَعْضَهُمْ- قَالَ عَمْرٌو: جَاءَ مَعَهُ بِرَجُلَيْنِ، وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو: أَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ، وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ. قَالَ عَمْرٌو: وَجَاءَ مَعَهُ بِرَجُلَيْنِ، فَقَالَ: إِذَا مَا جَاءَ، فَإِنِّي قَائِلٌ بِشَعَرِهِ فَأَشَمُّهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمُونِي اسْتَمْكَنْتُ مِنْ رَأْسِهِ، فَدُونكُمْ فَاضْرِبُوهُ. وَقَالَ مَرَّةً: ثُمَّ أُشِمُّكُمْ، فَنَزَلَ إِليْهِمْ مُتَوَشِّحًا، وَهْوَ يَنْفَحُ مِنْهُ رِيحُ الطِّيبِ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ رِيحًا، أَيْ أَطْيَبَ، وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو: قَالَ: عِنْدِي أَعْطَرُ نِسَاءِ الْعَرَبِ، وَأَكْمَلُ الْعَرَبِ، قَالَ عَمْرٌو: فَقَالَ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَشَمَّ رَأْسَكَ؟ قَالَ: نعمْ، فَشَمَّهُ، ثُمَّ أَشَمَّ أَصْحَابَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَتَأْذَنُ لِي؟ قَالَ: نعَمْ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنَ مِنْهُ، قَالَ: دُونكُمْ، فَقَتَلُوهُ، ثُمَّ أَتَوُا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرُوهُ. [(قال: قل، فأتاه محمد بن مسلمة (¬1)): قال الدمياطي: أكثر رواة الحديث من أهل السير] (¬2) وغيرهم: أن الذي هتف به وتحدث معه إنما هو أبو نائلة أخوه من الرضاعة، فركن إليه، ونزل من الحصن، وكان معه محمدُ بنُ مَسْلَمة (¬3). ¬

_ (¬1) في "ع": "سلمة". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 836).

قلت: إن سلم هذا، فلا يرد؛ لأن مجيء محمد بن مسلمة وكلامه معه كان أولًا عند المفاوضة في حديث الاستسلاف، وركونه لرضيعه أبي نائلة إنما هو في ثاني حال عند نزوله إليهم من الحصن. (قد عنّانا): -بتشديد النون-؛ أي: كَلَّفَنا المشقَّةَ. (كيف نَرهنك): -بفتح حرف المضارعة-؛ لأن ماضيه رهن (¬1) ثلاثي، قيل: وفيه لغة أَرْهَنَ. (اللأْمة (¬2)): بالهمز. قال سفيان: يعني: السلاح، والذي قاله أهل اللغة: أنها الدرع (¬3)، ويجوز تسهيل الهمزة بإبدالها ألفًا على القاعدة، ويقال بجمعها (¬4): لام. وقد قلت من قديم على سبيل التوجيه لهذه الكلمة، وهي طريقة عربية (¬5) أُولع بها بعضُ أصحابنا العصريين: بِرُوحِي غَزَالٌ قَدْ كَسَا الحُسْنُ خَدَّهُ ... بِلامِ عِذَارٍ شَفَّني بِغَرَامِهِ (¬6) وَيبْدَؤُني إِنْ شَنَّ (¬7) غَارَاتِ عِشْقِهِ ... بِإِعْرَاضِهِ في الحَرْبِ لابِسَ لَامِهِ ¬

_ (¬1) في"ع": "وهن". (¬2) في "ع" و"ج": "باللأمة". (¬3) في "ج": "الدروع". (¬4) في "ع": "لجمعها". (¬5) في "ع": "غريبة". (¬6) في "ع": "سفني بعذاره", وفي "ج": "شفتي بعذاره". (¬7) في "ج": "منّ".

باب: قتل أبي رافع عبد الله بن أبي الحقيق

فإن شئت جعلت (¬1) "لا" حرفَ عطف، و"بسلامه" (¬2) معطوفًا (¬3) على "بإعراضه"، وإن شئت جعلت "لابسَ" اسم فاعل من لبس مضافًا إلى "لامِه" يُشار بها إلى العِذار المشبَّه بالدرع (¬4) من حيث انتظامُه؛ أي: على ذلك التسلسل البديع، ومن حيث هو جُنَّة تقي (¬5) محاسَنه رشقاتِ (¬6) العيون، واللفظُ قابلٌ للمعنيين على حدِّ السواء، وقْد رُشِّحَ لكلٍّ منهما بما يناسبه، وأصحابُنا يسمونه: التورية بالتركيب. (فإنى قائل): -بالقاف-، وروي: "مائل": -بالميم-: اسمُ فاعل من مالَ يميل. (فأشَمُّه): -بفتح الشين المعجمة- على الأفصح (¬7). * * * باب: قَتْلِ أَبي رَافعٍ عَبدِ اللهِ بنِ أَبي الحُقَيقِ 2109 - (4038) - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبي زَائِدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَهْطًا إِلَى أَبِي رَافِعٍ، ¬

_ (¬1) "جعلت" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "وسلامه". (¬3) في "ج": "معطوف". (¬4) في "ج": "بالزرع". (¬5) في "ع": "تفي". (¬6) في "ع": "رشفات". (¬7) انظر: "التنقيح" (2/ 836).

فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِيكٍ بَيْتَهُ لَيْلًا وَهْوَ نَائِمٌ، فَقَتَلَهُ. (بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رهطًا إلى أبي رافع): تقدم أنهم خمسة من الخزرج: عبدُ الله بنُ عَتيك، وعبدُ الله بن أُنيس، ومسعودُ بنُ سنان، وأبو قتادةَ، والحارثُ بنُ رِبْعِي، وخزاعِيُّ بنُ أسودَ. * * * 2110 - (4039) - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى أَبِي رَافِعٍ الْيَهُودِيِّ رِجَالًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَتِيكٍ، وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وُيعِينُ عَلَيْهِ، وَكَانَ فِي حِصْنٍ لَهُ بِأَرْضِ الْحِجَازِ، فَلَمَّا دَنَوْا مِنْهُ، وَقَدْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَرَاحَ النَّاسُ بِسَرْحِهِمْ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لأَصْحَابِهِ: اجْلِسُوا مَكَانكُمْ، فَإِنِّي مُنْطَلِقٌ، وَمُتَلَطِّفٌ لِلْبَوَّابِ، لَعَلِّي أَنْ أَدْخُلَ، فَأَقْبَلَ حَتَّى دَنَا مِنَ الْبَابِ، ثُمَّ تَقَنَّعَ بِثَوْبِهِ كَأَنَّهُ يَقْضِي حَاجَةً، وَقَدْ دَخَلَ النَّاسُ، فَهَتَفَ بِهِ الْبَوَّابُ، يَا عَبْدَ اللَّهِ! إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تَدْخُلَ، فَادْخُلْ؛ فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُغْلِقَ الْبَابَ، فَدَخَلْتُ، فَكَمَنْتُ، فَلَمَّا دَخَلَ النَّاسُ، أَغْلَقَ الْبَابَ، ثُمَّ عَلَّقَ الأَغَالِيقَ عَلَى وَتدٍ، قَالَ: فَقُمْتُ إِلَى الأَقَالِيدِ فَأَخَذْتُهَا، فَفَتَحْتُ الْبَابَ، وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ يُسْمَرُ عِنْدَهُ، وَكَانَ فِي عَلَالِيَّ لَهُ، فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْهُ أَهْلُ سَمَرِهِ، صَعِدْتُ إِلَيْهِ، فَجَعَلْتُ كلَّمَا فَتَحْتُ بَابًا، أَغْلَقْتُ عَلَيَّ مِنْ دَاخِلٍ، قُلْتُ: إِنِ الْقَوْمُ نَذِرُوا بِي، لَمْ يَخْلُصُوا إِلَيَّ حَتَّى أَقْتُلَهُ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ وَسْطَ عِيَالِهِ، لَا أَدْرِي أَيْنَ هُوَ

مِنَ الْبَيْتِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا رَافِعٍ! قَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَأَهْويتُ نَحْوَ الصَّوْتِ، فَأَضْرِبُهُ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ وَأَنَا دَهِشٌ، فَمَا أَغْنَيْتُ شَيْئًا، وَصَاحَ، فَخَرَجْتُ مِنَ الْبَيْتِ، فَأَمْكُثُ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ دَخَلْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: مَا هَذا الصَّوْتُ يَا أَبَا رَافِعٍ؟ فَقَالَ: لأُمِّكَ الْوَيْلُ، إِنَّ رَجُلًا فِي الْبَيْتِ ضَرَبَنِي قَبْلُ بِالسَّيْفِ، قَالَ: فَأضْرِبُهُ ضَرْبَةً أَثْخَنتهُ وَلَمْ أَقْتُلْهُ، ثُمَّ وَضَعْتُ ظُبَةَ السَّيْفِ فِي بَطْنِهِ حَتَّى أَخَذَ فِي ظَهْرِهِ، فَعَرَفْتُ أَنِّي قَتَلْتُهُ، فَجَعَلْتُ أَفْتَحُ الأَبْوَابَ بَابًا بَابًا، حَتَّى انتهَيْتُ إِلَى دَرَجَةٍ لَهُ، فَوَضَعْتُ رِجْلِي، وَأَنَا أُرَى أَنِّي قَدِ انتهَيْتُ إِلَى الأَرْضِ، فَوَقَعْتُ فِي لَيْلَةٍ مُقمِرَةٍ، فَانكَسَرَتْ سَاقِي، فَعَصَبْتُهَا بِعِمَامَةٍ، ثُمَّ انْطَلَقْتُ حَتَّى جَلَسْتُ عَلَى الْبَابِ، فَقُلْتُ: لَا أَخْرُجُ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَعْلَمَ، أَقَتَلْتُهُ؟ فَلَمَّا صَاحَ الدِّيكُ، قَامَ النَّاعِي عَلَى السُّورِ، فَقَالَ: أَنْعَى أَبَا رَافِعٍ تَاجِرَ أَهْلِ الْحِجَازِ، فَانْطَلَقْتُ إِلَى أَصْحَابِي، فَقُلْتُ: النَّجَاءَ، فَقَدْ قَتَلَ اللَّهُ أَبَا رَافِعٍ، فَانتهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَحَدَّثْتُهُ، فَقَالَ: "ابْسُطْ رِجْلَكَ"، فَبَسَطتُ رِجْلِي فَمَسَحَهَا، فَكَأَنَّهَا لَمْ أَشْتَكِهَا قَطُّ. (ثم عَلَّق الأغاليق): الأول: بالعين المهملة وتشديد اللام، والثاني: بالغين المعجمة. وعند الأصيلي: بدل اللفظ الأول: "أعلق"، بالهمزة والعين المهملة؛ بمعنى (¬1) عَلَّقَ، بالتشديد (¬2). (على وَدٍّ): -بدال مشددة- لغة في الوتد، وهي لغة بني تميم، ويروى: ¬

_ (¬1) "بمعنى" ليست في "ع". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 836).

"على وَتِد" -بمثناه فوقية مكسورة قبل الدال- على اللغة المشهورة. (يُسْمَرُ عنده): ببناء الفعل للمفعول؛ من السَّمَر، هو الحديث بالليل. (في عَلالِيَّ): -بفتح الياء المشددة- جمع عُلِّيَّةٍ -بتشديد الياء أيضًا- وهي الغرفة العالية. (إنِ القومُ نَذِروا بي (¬1)): هي "إن" الشرطية دخلت على فعل محذوف يفسره ما بعده، مثل: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} [التوبة: 6] , ونَذِروا -بكسر الذال المعجمة-؛ أي (¬2): عَلِموا (¬3). (ضبيبَ السيف): هكذا وقع، بضاد معجمة وموحدتين (¬4) بينهما مثناة تحتية. قال الخطابي: وما أراه محفوظًا، وإنما هو ظُبَةُ السيف؛ أي: حَدُّه (¬5). وقال القاضي: صبيب -بصاد مهملة- لأبي ذر، وكذا (¬6) ذكره الحربي، وقال: أظن (¬7) أنه طرفه. وعند أبي زيد والنسفي: -بضاد معجمة- وهي حرفُ طرفِه. ¬

_ (¬1) في "ع": "نذر". (¬2) "أي" ليست في "ع". (¬3) في "ع": "اعلموا". (¬4) في "ع": "وبموحدتين". (¬5) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 1715). (¬6) في "ع" و"ج": "وهكذا". (¬7) في "ج": "أظنه".

وعند غيرهم فيه اختلاف لا يتجه له وجه (¬1). قال الزركشي: وما حكاه عن الحربي خلاف ما حكاه عنه ابن الأثير؛ فإنه ذكره عنه ظبيب -بالمشالة-، وأنه هكذا روي، وإنما هو ظُبَة، وأما الضَّبيب -بالضاد المعجمة-: فسيلانُ الدم من الفم وغيره (¬2) (¬3). (فقلت: النَّجاءَ): -بفتح النون والمد والقصر-؛ يعني: السلامة، والمد أشهر (¬4). * * * 2111 - (4040) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا شُرَيْحٌ -هُوَ ابْنُ مَسْلَمَةَ-: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ أَبي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ - رضي الله عنه -، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى أَبي رَافِعٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَتِيكٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُتْبةَ، فِي نَاسٍ مَعَهُمْ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى دَنوا مِنَ الْحِصْنِ، فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِيكٍ: امْكُثُوا أَنْتُمْ حَتَّى أَنْطَلِقَ أَنَا فَأَنْظُرَ، قَالَ: فتلَطَّفْتُ أَنْ أَدْخُلَ الْحِصْنَ، فَفَقَدُوا حِمَارًا لَهُمْ، قَالَ: فَخَرَجُوا بِقَبَسٍ يَطْلُبُونَهُ، قَالَ: فَخَشِيتُ أَنْ أُعْرَفَ، قَالَ: فَغَطَّيْتُ رَأْسِي كَأَنِّي أَقْضِي حَاجَةً، ثُمَّ نَادَى صَاحِبُ الْبَابِ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ، فَلْيَدْخُلْ قَبْلَ أَنْ أُغْلِقَهُ، فَدَخَلْتُ، ثُمَّ اخْتَبَأْتُ فِي مَرْبِطِ حِمَارٍ عِنْدَ بَابِ الْحِصْنِ، فَتَعَشَّوْا عِنْدَ أَبي ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 38). (¬2) "وغيره" ليست في "ع". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 837). (¬4) فى "ع": "والمد والقصر؛ يعني: السلامة، والمد أشهر".

رَافِعٍ، وَتَحَدَّثُوا حَتَّى ذَهَبَتْ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى بُيُوتهِمْ، فَلَمَّا هَدَأَتِ الأَصْوَاتُ، وَلَا أَسْمَعُ حَرَكَةً، خَرَجْتُ، قَالَ: وَرَأَيْتُ صَاحِبَ الْبَابِ، حَيْثُ وَضَعَ مِفْتَاحَ الْحِصْنِ فِي كَوَّةٍ، فَأَخَذْتُهُ، فَفَتَحْتُ بِهِ بَابَ الْحِصْنِ، قَالَ: قُلْتُ: إِنْ نَذِرَ بِي الْقَوْمُ، انْطَلَقْتُ عَلَى مَهَلٍ، ثُمَّ عَمَدْتُ إِلَى أَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ، فَغَلَّقْتُهَا عَلَيْهِمْ مِنْ ظَاهِرٍ، ثُمَّ صَعِدْتُ إِلَى أَبِي رَافِعٍ فِي سُلَّمِ، فَإِذَا الْبَيْتُ مُظْلِمٌ قَدْ طَفِئَ سِرَاجُهُ، فَلَمْ أَدْرِ أَيْنَ الرَّجُلُ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا رَافِعٍ؟ قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: فَعَمَدْتُ نَحْوَ الصَّوْتِ فَأَضْرِبُهُ، وَصَاحَ، فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا، قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ كَأَنِّي أُغِيثُهُ، فَقُلْتُ: مَا لَكَ يَا أَبَا رَافِعِ؟ وَغَيَّرْتُ صَوْتِي، فَقَالَ: أَلَا أُعْجِبُكَ لأُمِّكَ الْوَيْلُ، دَخَلَ عَلَيَّ رَجُلٌ فَضَرَبَنِي بِالسَّيْفِ؟ قَالَ: فَعَمَدْتُ لَهُ أَيْضًا، فَأَضْرِبُهُ أُخرَى، فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا، فَصَاحَ، وَقَامَ أَهْلُهُ، قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ وَغَيَّرْتُ صَوْتِي كهَيْئَةِ الْمُغِيثِ، فَإِذَا هُوَ مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ، فَأَضَعُ السَّيْفَ فِي بَطْنِهِ، ثُمَّ أَنْكَفِئُ عَلَيْهِ حَتَّى سَمِعْتُ صَوْتَ الْعَظْم، ثُمَّ خَرَجْتُ دَهِشًا حَتَّى أَتَيْتُ السُّلَّمَ، أُرِيدُ أَنْ أَنْزِلَ، فَأَسْقُطُ مِنْهُ، فَانْخَلَعَتْ رِجْلِي، فَعَصَبْتُهَا، ثُمَّ أتيْتُ أَصْحَابِي أَحْجُلُ، فَقُلْتُ: انْطَلِقُوا فَبَشِّرُوا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَإِنِّي لَا أَبْرحُ حَتَّى أَسْمَعَ النَّاعِيَةَ، فَلَمَّا كَانَ فِي وَجْهِ الصُّبْح، صَعِدَ النَّاعِيةُ، فَقَالَ: أَنْعَى أَبَا رَافِعٍ، قَالَ: فَقُمْتُ أَمْشِي مَا بِي قَلَبَةٌ، فَأَدْرَكْتُ أَصْحَابِي قَبْلَ أَنْ يَأْتُوا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَبَشَّرْتُه. (بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي رافع عبدَ الله بن عَتيك، وعبدَ الله بن عُتبة، في ناس معهم): تقدم تسميةُ المبعوثين، وأنهم خمسة، لم يذكر فيهم عبد الله بن عُتبة.

وفي "مبهمات" شيخنا قاضي القضاة شيخ الإسلام جلال الدين البلقيني -ذكره الله بالصالحات (¬1) - المسمى بـ: "الأفهام لما في البخاري من الإبهام (¬2) " ما نصه: وفي الصحابة (¬3) عبدُ الله بن عتبة اثنان: أحدهما: مُهاجِرِي، وهو عبدُ الله بنُ عتبةَ بنِ مسعودٍ. والآخر: عبدُ الله بنُ عتبةَ (¬4) أبو قيس الذكوانيُّ، والأولُ غيرُ مراد قطعًا؛ لأن من أثبت صحبته ذكر أنه كان خماسيَّ السنِّ أو سُداسِيَّه، فتعين الثاني، وهذه القصة من مفردات الخزرج، فليتأمل. وزاد الذهبي ثالثًا: وهو عبدُ الله بنُ عتبةَ أحدُ بني نوفل، له ذكرٌ في زمن الردَّة، نقلهُ وثيمة، عن ابن إسحاق، وقال في الذكواني: قيل: له صحبة. (ولما هَدَتِ الأصواتُ): سَكَنَت، قيل: وصوابُه هدأت (¬5) -بهمز-. قلت: لعل وجهه أنه خفيف الهمزة المفتوحة بإبدالها ألفًا، مثل منسأة، فالتقت هي والتاء الساكنة، فحذفت الألف؛ لالتقاء الساكنين، وهذا وإن كان غير قياس، لكنه يُستأنس به؛ لئلا يُحمل اللفظُ على الخطأ البَحْت. (فغلقتها): -بالغين المعجمة- ويروى بتشديد اللام وتخفيفها ¬

_ (¬1) "ذكره الله بالصالحات" ليست في "ج". (¬2) في "م" و"ج": "الإيهام". (¬3) في "ع" و"ج": "الصحابي". (¬4) "ابن عتبة" ليست في "ع". (¬5) في "ع": "هذا".

وبالألف، وهي لغات، وفي التنزيل: {وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ} [يوسف: 23] (¬1). (ثم أَنكفِئُ عليه): أي: أَنقلبُ عليه. (أحجل): -بحاء فجيم-؛ أي: أرفعُ رجلًا، وأقفز (¬2) على أخرى من العرج. (ما بي قَلَبَة): -بفتحات-؛ أي: علة أُقلب لها حتى يُنظر إليها. وقد علمت أن بين (¬3) حديثي هذه القصة الأولى وهذا اختلافًا من وجوه: ففي الأول: أنه ضرب أبا رافع ضربتين (¬4)، وفي الثاني: ثلاثًا، وفي الأول: انكسرت رجلي، وفي الثاني: انخلعت، وفي الأول: بَسَقَ عليها النبي - صلى الله عليه وسلم -، [وفي الثاني: فقمت أمشي ما بي قَلَبَة، فأدركت أصحابي قبل أن يأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم -] (¬5)، وفي الأول: علق الأغاليق على وَدٍّ، وفي الثاني: وضعَ مفتاح الحصن في كَوَّة، وفي الأول: أنه بعد سماعه الناعيةَ انطلق إلى أصحابه، فقال: النَّجاءَ، وفي الثاني: قال لهم: انطلقوا فبشروا؛ فإني لا أبرحُ حتى أسمعَ الناعيَة (¬6). ويمكن دفعُ الاختلاف بين هذه الوجوه (¬7) غالبًا إذا تأملت. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 838). (¬2) في "ع": "وأقصر". (¬3) "بين" ليست في "ج". (¬4) في "ع": "ضربين". (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 838). (¬7) في "م" و"ج" زيادة: "أو".

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مَصَابِيحُ الجَامِعِ [8]

جَمِيعُ الحُقُوقِ مَحْفُوظَة الطَّبْعَةُ الأُولَى 1430 هـ - 2009 م ردمك: 0 - 12 - 418 - 9933 - 978 ISBN قَامَت بعمليات التنضيد الضوئي والإخراج الفني والطباعة دَار النَّوَادِر لصَاحِبهَا ومديرها نور الدّين طَالب سوريا - دمشق - ص. ب: 34306 لبنان - بيروت - ص. ب: 5180/ 14 هَاتِف: 00963112227001 - فاكس: 00963112227011 www.daralnawader.com

باب: غزوة أحد

تابع كتاب المغازي باب: غَزْوَةِ أُحُدٍ 2112 - (4042) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِيٍّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَيْوَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ بَعْدَ ثَمَانِي سِنِينَ، كالْمُوَدِّع لِلأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ، ثُمَّ طَلَعَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: "إِنيِّ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ فَرَطٌ، وَأَنَا عَلَيْكُمْ شَهِيدٌ، وَإِنَّ مَوْعِدكُمُ الْحَوْضُ، وَإِنِّي لأَنْظُرُ إِلَيْهِ مِنْ مَقَامِي هَذَا، وَإِنِّي لَسْتُ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا، وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا أَنْ تنافَسُوهَا". قَالَ: فَكَانَتْ آخِرَ نظرَةٍ نَظَرْتُهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. (ثم طلَع المنبر): -بفتح اللام-، هكذا هو في بعض النسخ، وضبطه الزركشي بكسرها أيضًا، بناء على قول الجوهري: طَلِعْتُ الجبلَ -بالكسر (¬1) -. والشأن في الرواية، فينبغي (¬2) تحريرها. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 839). وانظر: "الصحاح" (3/ 1253)، (مادة: طلع). (¬2) "فينبغي" ليست في "ج".

2113 - (4043) - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ - رضي الله عنه -، قَالَ: لَقِينَا الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ، وَأَجْلَسَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - جَيْشًا مِنَ الرُّمَاةِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ، وَقَالَ: "لَا تَبْرَحُوا، إِنْ رَأَيتُمُونَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ، فَلَا تَبْرَحُوا، وَإِنْ رَأَيْتُمُوهُمْ ظَهَرُوا عَلَيْنَا، فَلَا تُعِينُونَا". فَلَمَّا لَقِينَا، هَرَبُوا، حَتَّى رَأَيْتُ النِّسَاءَ يَشْتَدِدْنَ فِي الْجَبَلِ، رَفَعْنَ عَنْ سُوقِهِنَّ، قَدْ بَدَتْ خَلَاخِلُهُنَّ، فَأَخَذُوا يَقُولُونَ: الْغَنِيمَةَ الْغَنِيمَةَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: عَهِدَ إِلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ لَا تَبْرَحُوا، فَأَبَوْا، فَلَمَّا أَبَوْا، صُرِفَ وُجُوهُهُمْ، فَأُصِيبَ سَبْعُونَ قَتِيلًا، وَأَشْرَفَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ فَقَالَ: "لَا تُجِيبُوهُ". فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ قَالَ: "لَا تُجيبُوهُ". فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ؟ فَقَالَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ قُتِلُوا، فَلَوْ كَانُوا أَحْيَاءً، لأَجَابُوا، فَلَمْ يَمْلِكْ عُمَرُ نفسَهُ، فَقَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، أَبْقَى اللَّهُ عَلَيْكَ مَا يُخْزِيكَ. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: اُعْلُ هُبَلْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَجِيبُوهُ". قَالُوا: مَا نَقُولُ؟ قَالَ: "قُولُوا: اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ". قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَنَا الْعُزَّى وَلَا عُزَّى لَكُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَجِيبُوهُ". قَالُوا: مَا نقُولُ؟ قَالَ: "قُولُوا: اللَّهُ مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ". قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، وَالْحَرْبُ سِجَالٌ، وَتَجدُونَ مُثْلَةً، لَمْ آمُرْ بِهَا، وَلَمْ تَسُؤْنِي. (وأمَّر عليهم عبد الله): هو بنُ جُبير أخو بني عمرِو بنِ عوف، قاله ابن إسحاق في "السيرة"، ورواه أبو داود والنسائي (¬1). (يُسْنِدْنَ): -بضم المثناة التحتية وكسر النون-؛ من أسندَ: إذا صار ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2662)، والنسائي في "السنن الكبرى" (8635).

في سَنَدِ الجبل. ويروى: "يَشْتَددن" -بشين معجمة-: يفتعلْنَ، من الاشتداد. (وتجدون مَثُلة): -بفتح الميم وضم الثاء-: واحدة المثلات؛ من مَثُلَ بالقتيل: إذا جَدَعه، كذا حكاه السفاقسي عن ابن فارس (¬1). وروي بضم الميم وإسكان الثاء، على زنة غُرْفة. وروي أيضًا: بفتح الميم وسكون الثاء. * * * 2114 - (4044) - أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: اصْطَبَحَ الْخَمْرَ يَوْمَ أُحُدٍ نَاسٌ، ثُمَّ قُتِلُوا شُهَدَاءَ. (اصطبح الخمرَ يومَ أُحد أناسٌ): أي: قبل تحريم الخمر. * * * 2115 - (4046) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو: سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ أُحُدٍ: أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ، فَأَيْنَ أَنَا؟ قَالَ: "فِي الْجَنَّةِ"، فَأَلْقَى تَمَرَاتٍ فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. (قال رجل للنبي - صلى الله عليه وسلم - يومَ أُحد: أرأيت إن قُتِلت (¬2)، فأين أنا (¬3)؟ قال: ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 839)، و"التوضيح" (21/ 152). (¬2) في "م": "فقلت". (¬3) "أنا" ليست في "ع".

في (¬1) الجنة، فألقى تمرات في يده): فسر ابن بشكوال هذا الرجل بعُمَير (¬2) ابنِ الحُمام، وانتُقد بأن عميرًا (¬3) قُتل ببدر، وهو أول قتيل من الأنصار في الإسلام في حرب، قاله في "أسد الغابة" (¬4). * * * 2116 - (4048) - أَخْبَرَنَا حَسَّانُ بنُ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ، حَدَّثَنَا حُمَيدٌ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ عَمَّهُ غَابَ عَنْ بَدْرٍ، فَقَالَ: غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، لَئِنْ أَشْهَدَنِي اللَّهُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أُجِدُّ، فَلَقِيَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَهُزِمَ النَّاسُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ -يَعْنِي: الْمُسْلِمِينَ-، وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ، فَتَقَدَّمَ بِسَيْفِهِ، فَلَقِيَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، فَقَال: أَيْنَ يَا سَعْدُ؟ إِنِّي أَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ دُونَ أُحُدٍ، فَمَضَى فَقُتِلَ، فَمَا عُرِفَ حَتَّى عَرَفَتْهُ أُخْتُهُ بِشَامَةٍ، أَوْ بِبَنَانِهِ، وَبِهِ بِضْع وَثَمَانُونَ: مِنْ طَعْنَةٍ، وَضَرْبَةٍ، وَرَمْيَةٍ بِسَهْمٍ. (ليرين الله ما أَجِدُّ): روي بفتح الهمزة وكسر الجيم وتشديد الدال، مضارع جَدَّ: إذا اجتهدَ في الأمر، وبالغَ فيه. وروي: بتخفيف الدال مضارع وَجَدَ؛ أي: ليرين اللهُ ما أجده أنا في نفسي من المشقة وارتكاب الخطر. ¬

_ (¬1) في "ع": "أنا في". (¬2) في "ع": "بعمر". (¬3) في "ع": "عويمرًا". (¬4) انظر: "أسد الغابة" (4/ 309).

وقال السفاقسي: وضبط في بعض الروايات، بضم الهمزة وتشديد الدال، ولم يجعله صوابًا (¬1). قلت: بل هو صواب، وله وجه ظاهر، تقول: أَجَدَّ فلانٌ هذا الشيءَ: إذا جعلَه جديدًا، فالمعنى (¬2): ليرينَّ اللهُ ما أُجَدِّدُ في الإسلام؛ من شدة القتل بالكفار، واقتحام الأهوال في قتالهم، فتأمله. (حتى عرفته أخته): هي الرُّبَيِّعُ بنتُ النَّضْرِ بنِ ضَمْضَمٍ. * * * 2117 - (4050) - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَليد، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ، يُحَدِّثُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى أُحُدٍ، رَجَعَ نَاسٌ مِمَّنْ خَرَجَ مَعَهُ، وَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِرْقَتَيْنِ: فِرْقَةً تَقُولُ: نُقَاتِلُهُمْ، وَفِرْقَةً تَقُولُ: لَا نُقَاتِلُهُمْ، فَنَزَلَتْ: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا} [النساء: 88]، وَقَالَ: "إِنَّهَا طَيْبَةُ، تَنْفِي الذُّنوُبَ؛ كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْفِضَّةِ". (لما خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أُحد، رجع (¬3) ناس ممن خرجوا (¬4) معه): قال ابن هشام في "السيرة": قال ابن إسحاق: فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ألف ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (21/ 153). (¬2) "فالمعنى" ليست في "ع". (¬3) في "ع": "خرج". (¬4) نص البخاري: "خرج".

باب: {إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا} [آل عمران: 122]

من أصحابه، حتى إذا كانوا بالشوط بين المدينة وأُحد، انخذل (¬1) عبدُ الله بنُ أُبي بثلث الناس، وقال: أَطاعَهم وعصاني، علامَ نقتل أنفسنا (¬2)؟ * * * باب: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا} [آل عمران: 122] 2118 - (4054) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يوْمَ أُحُدٍ، وَمَعَهُ رَجُلَانِ يُقَاتِلَانِ عَنْهُ، عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ، كَأَشَدِّ الْقِتَالِ، مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ. (رأيت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أُحد ومعه رجلان يقاتلان عنه، عليهما ثياب بيض): قال الزركشي: هما من الملائكة (¬3). قلت: هذا قُصور، فقد جاءت تسميتُهما (¬4) في "صحيح مسلم"، فقال: يعني: جبريل، وميكائيل، رواه من طريقين (¬5) في: الفضائل (¬6). ¬

_ (¬1) في "ع": "تحرك". (¬2) انظر: "السيرة النبوية" (4/ 9). (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 840). وقد نقله عن ابن التين، كما عزاه ابن الملقن في "التوضيح" (21/ 161). (¬4) في "ع": "تسميتها". (¬5) في "ع": "الطريقين". (¬6) رواه مسلم (2306) عن سعد - رضي الله عنه -.

2119 - (4059) - حَدَّثَنَا يَسَرَةُ بْنُ صَفْوَانَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ أبَيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ عَلِي - رضي الله عنه - قَالَ: مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - جَمَعَ أَبَوَيْهِ لأَحَدٍ إِلَّا لِسَعْدِ بْنِ مَالِكٍ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ أُحُدٍ: "يَا سَعْدُ! ارْمِ، فِدَاكَ أَبي وَأمُّي". (يَسَرَة بن صفوان): بمثناة تحتية وسين مهملة وراء مفتوحات (¬1) بعدها هاء تأنيث. * * * 2120 - (4064) - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِث، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ، انْهَزَمَ النَّاسُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَبُو طَلْحَةَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُجَوِّبٌ عَلَيْهِ بِحَجَفَةٍ لَهُ، وَكانَ أَبُو طَلْحَةَ رَجُلًا رَامِيًا شَدِيدَ النَّزْعِ، كَسَرَ يَوْمَئِذٍ قَوْسَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، وَكَانَ الرَّجُلُ يَمُرُّ مَعَهُ بِجَعْبَةٍ مِنَ النَّبْلِ، فَيَقُولُ: "انْثُرْهَا لأَبي طَلْحَةَ". قَالَ: وَيُشْرِفُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَنْظُرُ إِلَى الْقَوْمِ، فَيَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، لَا تُشْرِفْ، يُصِيبُكَ سَهْم مِنْ سِهَامِ الْقَوْمِ، نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ. وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبي بَكْرٍ وَأُمَّ سُلَيْمٍ، وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرَتَانِ، أَرَى خَدَمَ سُوقهِمَا، تَنْقُزَانِ الْقِرَبَ عَلَى مُتُونِهِمَا، تُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ، ثُمَّ تَرْجِعَانِ فتمْلآنِهَا، ثُمَّ تجِيئَانِ فَتُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ، وَلَقَدْ وَقَعَ السَّيْفُ مِنْ يَدَيْ أَبي طَلْحَةَ، إِمَّا مَرَّتَيْنِ، وَإِمَّا ثَلَاثًا. (لا تشرفْ يصيبُكَ سهم): قال الزركشي: هو بالرفع، كذا لهم، وهو ¬

_ (¬1) في "ع": "مفتوحتان".

الصواب (¬1)، وعند الأصيلي: "يُصِبْك"، وهو خطأ وقلبٌ للمعنى (¬2). قلت: تقدم توجيهه (¬3) على رأي الكسائي، وأن التقدير: فإن تشرفْ، يصبْكَ سهم، وهذا صواب لا خطأ فيه، ولا قلب للمعنى. نعم غيرُ الكسائي إنما يقدّرُ فعلَ الشرط منفيًا، فمن ثم يجيء انقلابُ المعنى في مثل هذا التركيب. (أرى خَدَمَ سوقهما): أي: خلاخيلهما، وهو محمول إما على نظر الفجأة، أو كونِ أَنسٍ إذ ذاك صغيرًا. * * * 2121 - (4065) - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، حدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: لَمَّا كان يَوْمَ أُحُدٍ، هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ، فَصَرَخَ إِبْلِيسُ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ: أَيْ عِبَادَ اللَّهِ! أُخْرَاكُمْ، فَرَجَعَتْ أُولَاهُمْ فَاجْتَلَدَتْ هِيَ وَأُخْرَاهُمْ، فَبَصُرَ حُذَيْفَةُ، فَإِذَا هُوَ بِأَبِيهِ الْيَمَانِ، فَقَالَ: أَيْ عِبَادَ اللَّهِ! أَبِي أَبِي، قَالَ: قَالَتْ: فَوَاللَّهِ! مَا احْتَجَزُوا حَتَّى قَتَلُوهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ. قَالَ عُرْوَةُ: فَوَاللَّهِ! مَا زَالَتْ فِي حُذَيْفَةَ بَقِيّهُ خَيْرٍ، حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ. (فوالله ما زالت في حذيفة بقيةُ خير): قيل: المراد: بقيةُ حزنٍ على أبيه من قَتْلِ المسلمين أباه. ¬

_ (¬1) في "ج": "كذا لهم، والصواب". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 841). (¬3) في "ع": "بوجهيه".

باب: {إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان} إلى قوله: {إن الله غفور حليم} [آل عمران: 155]

وفي "تفسير ابن عباس": أن الذي قتله من المسلمين خطأ هو عقبةُ ابنُ مسعود أخو عبد الله بن مسعود، ذكره عبد (¬1) بن حُميد في "التفسير"، كذا في "الإفهام". قلت: لكن ظاهر ما تكرر (¬2) في أحاديث البخاري: أن جماعةً من المسلمين قتلوه. * * * باب: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [آل عمران: 155] 2122 - (4066) - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا أبُو حَمْزَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَوْهَبٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ حَجَّ الْبَيْتَ، فَرَأَى قَوْمًا جُلُوسًا، فَقَالَ: مَنْ هَؤُلَاءَ الْقُعُودُ؟ قَالُوا: هَؤُلَاءَ قُرَيْشٌ. قَالَ: مَنِ الشَّيْخُ؟ قَالُوا: ابْنُ عُمَرَ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ شَيْءٍ أتحَدِّثُنِي؟ قَالَ: أَنْشُدُكَ بِحُرْمَةِ هَذَا الْبَيْتِ، أتعْلَمُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَرَّ يَوْمَ أُحُدٍ؟ قَالَ: نعمْ. قَالَ: فَتَعْلَمُهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَدْرٍ فَلَمْ يَشْهَدْهَا؟ قَالَ: نعمْ. قَالَ: فتعْلَمُ أَنَّهُ تَخَلَّفَ عَنْ بَيْعَةِ الرُّضْوَانِ فَلَمْ يَشْهَدْهَا؟ قَالَ: نعمْ. قَالَ: فَكَبَّرَ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: تَعَالَ لأُخْبِرَكَ وَلأُبيِّنَ لَكَ عَمَّا سَأَلْتَنِي عَنْهُ، أَمَّا فِرَارُهُ يَوْمَ أُحُدٍ، فَأَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَفَا عَنْهُ، وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَدْرٍ، فَإِنَّهُ كَانَ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَتْ مَرِيضَةً، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ". وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ ¬

_ (¬1) "عبد" ليست في "ع" و"ج". (¬2) في "ع" و"ج": "يكرره".

باب: ذكر أم سليط

عَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ أَعَزَّ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، لَبَعَثَهُ مَكَانَهُ، فَبَعَثَ عُثْمَانَ، وَكَانَ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ عُثْمَانُ إِلَى مَكَّةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ الْيُمْنَى: "هَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ -فَضَرَبَ بِهَا عَلَى يَدِهِ، فَقَالَ:- هَذِهِ لِعُثْمَانَ". اذْهَبْ بِهَذَا الآنَ مَعَكَ. (تغيب عن بدر): قال الداودي: هذا خطأ في اللفظ، إنما يقال: تغيب لمن تعمَّدَ التخلّف، فأما من (¬1) تخلف لعذر، فلا (¬2). قلت: يحتاج إلى نقل عن أئمة اللغة، ويعزُّ وجوده ومراده لمن تعمد التخلُّف بلا عذر، وإلا لم يلتئم كلامُه. * * * باب: ذِكْرِ أُمِّ سَلِيطٍ 2123 - (4071) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَقَالَ ثَعْلَبَةُ بْنُ أِبي مَالِكٍ: إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَسَمَ مُرُوطًا بَيْنَ نِسَاءٍ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَبَقِيَ مِنْهَا مِرْطٌ جَيِّدٌ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ عِنْدَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! أَعْطِ هَذَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الَّتِي عِنْدَكَ، يُرِيدُونَ: أُمَّ كلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيٍّ، فَقَالَ عُمَرُ: أُمُّ سَلِيطٍ أَحَقُّ بِهِ. وَأُمُّ سَلِيطٍ مِنْ نِسَاءِ الأَنْصَارِ، مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - , قَالَ عُمَرُ: فَإِنَّهَا كَانَتْ تُزْفِرُ لَنَا الْقِرَبَ يَوْمَ أُحُدٍ. ¬

_ (¬1) "مَنْ" ليست في "م". (¬2) انظر: "التوضيح" (21/ 169).

باب: قتل حمزة - رضي الله عنه -

(أم سَليط أحقُّ): -بفتح السين-، وزوجها أبو سَليط، مات عنها، فتزوجها مالكُ بنُ سنان فولدت له أبا سعيدٍ الخدريَّ. * * * باب: قَتْلِ حَمْزَةَ - رضي الله عنه - 2124 - (4072) - حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا حُجَيْنُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ، فَلَمَّا قَدِمْنَا حِمْصَ، قَالَ لِي عُبَيْدُ اللَّهِ: هَلْ لَكَ فِي وَحْشِيٍّ، نَسْأَلُهُ عَنْ قَتْلِ حَمْزَةَ؟ قُلْتُ: نعمْ، وَكَانَ وَحْشِيٌّ يَسْكُنُ حِمْصَ، فَسَأَلْنَا عَنْهُ، فَقِيلَ لَنَا: هُوَ ذَاكَ فِي ظِلِّ قَصْرِهِ، كَأَنَّهُ حَمِيتٌ، قَالَ: فجِئْنَا حَتَّى وَقَفْنَا عَلَيْهِ بِيَسِيرٍ، فَسَلَّمْنَا، فَرَدَّ السَّلَامَ، قَالَ: وَعُبَيْدُ اللَّهِ مُعْتَجِرٌ بِعِمَامَتِهِ، مَا يَرَى وَحْشِيٌّ إِلَّا عَيْنَيْهِ وَرِجْلَيْهِ. فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: يَا وَحْشِيُّ! أتعْرِفُنِي؟ قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: لَا وَاللَّهِ! إِلَّا أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ عَدِيَّ بْنَ الْخِيَارِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا: أُمُّ قِتَالٍ بِنْتُ أَبِي الْعِيصِ، فَوَلَدَتْ لَهُ غُلَامًا بِمَكَّةَ، فَكُنْتُ أَسْتَرْضعُ لَهُ، فَحَمَلْتُ ذَلِكَ الْغُلَامَ مَعَ أُمِّهِ، فَنَاوَلْتُهَا إِيَّاهُ، فَلَكَأَني نَظَرْتُ إِلَى قَدَمَيْكَ، قَالَ: فَكَشَفَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا تُخْبِرُنَا بِقَتْلِ حَمْزَةَ؟ قَالَ: نعمْ، إِنَّ حَمْزَةَ قَتَلَ طُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ بِبَدْرٍ، فَقَالَ لِي مَوْلَايَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ: إِنْ قتلْتَ حَمْزَةَ بعَمِّي، فَأَنْتَ حُرٌّ، قَالَ: فَلَمَّا أَنْ خَرَجَ النَّاسُ عَامَ عَيْنَيْنِ، وَعَيْنَيْنِ جَبَلٌ بِحِيَالِ أُحُدٍ، بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَادٍ، خَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ

إِلَى الْقِتَالِ، فَلَمَّا اصْطَفُّوا لِلْقِتَالِ، خَرَجَ سِبَاعٌ فَقَالَ: هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ؟ قَالَ: فَخَرَجَ إِلَيْهِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ: يَا سِبَاعُ! يَا بْنَ أُمِّ أَنْمَارٍ مُقَطّعَةِ الْبُظُورِ، أَتُحَادُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهِ، فَكَانَ كَأَمْسِ الذَّاهِبِ، قَالَ: وَكمَنْتُ لِحَمْزَةَ تَحْتَ صَخْرَةٍ، فَلَمَّا دَنَا مِنِّي، رَمَيْتُهُ بِحَرْبَتِي، فَأَضَعُهَا فِي ثُنَّتِهِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِ وَرِكَيْهِ، قَالَ: فَكَانَ ذَاكَ الْعَهْدَ بِهِ، فَلَمَّا رَجَعَ النَّاسُ، رَجَعْتُ مَعَهُمْ، فَأَقَمْتُ بِمَكَّةَ حَتَّى فَشَا فِيهَا الإِسْلَامُ، ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى الطَّائِفِ، فَأَرْسَلُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَسُولًا، فَقِيلَ لِي: إِنَّهُ لَا يَهِيجُ الرُّسُلَ، قَالَ: فَخَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا رَآنِي، قَالَ: "آنْتَ وَحْشِيٌّ؟ "، قُلْتُ: نعَمْ، قَالَ: "أَنْتَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ؟ ". قُلْتُ: قَدْ كَانَ مِنَ الأَمْرِ مَا بَلَغَكَ، قَالَ: "فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُغَيِّبَ وَجْهَكَ عَنِّي؟ ". قَالَ: فَخَرَجْتُ، فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَخَرَجَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ، قُلْتُ: لأَخْرُجَنَّ إِلَى مُسَيْلِمَةَ، لَعَلِّي أَقْتُلُهُ فَأُكَافِئَ بِهِ حَمْزَةَ، قَالَ: فَخَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ، فَكَانَ مِنْ أمرِهِ مَا كَانَ، قَالَ: فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي ثَلْمَةِ جِدَارٍ، كَأَنَّهُ جَمَلٌ أَوْرَقُ ثَائِرُ الرَّأْسِ، قَالَ: فَرَمَيْتُهُ بِحَرْبَتِي، فَأَضَعُهَا بَيْنَ ثَدْيَيْهِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ، قَالَ: وَوَثَبَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلَى هَامَتِهِ. قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ: فَأَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ: أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: فَقَالَتْ جَارِيَةٌ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ: وَاأَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! قَتَلَهُ الْعَبْدُ الأَسْوَدُ. (كأنه حَمِيتٌ): -بحاء مهملة فميم فمثناة تحتية ففوقية (¬1)، على زنة ¬

_ (¬1) في "ع": "فوقية".

رغيف-؛ أي: زِقٌّ. (معتَجِر بعمامته): أي: لفَّها على رأسه من غير أن يُدير منها شيئًا تحت لحيته. (أم قتال بنتُ أبي العيص): قال الزركشي: إنما (¬1) هي ابنة أسيدِ بن أبي العيصِ بنِ أميةِ بنِ عبدِ شمسٍ أختُ غياث (¬2). قلت: لا بدع في نسبة الإنسان إلى جده الأدنى أو الأعلى. (إن حمزة قتل طُعيمة بنَ عديِّ بنِ الخيار): قيل: إنما هو طُعيمة بنُ عديِّ بنِ نوفلِ بنِ عبدِ منافٍ، [وأمّا عديُّ بن الخيار، فهو ابن أخي طعيمة؛ لأنه عديُّ بنُ الخيارِ بنِ عديِّ بنِ نوفلِ بنِ عبد مناف] (¬3)، وقد سبق التنبيه عليه قريبًا. (عام عَينينِ): -تثنية عين-، وهو اسمٌ لعام أحد. (بحِيال أحد): بحاء مهملة مكسورة ومثناة تحتية. (مقطِّعة البظور): بكسر الطاء المهملة من مقطعة (¬4)، والبُظور: جمع بَظْر، وهو ما تقطعه الخاتنةُ من فروج النساء، وكانت أمه (¬5) خاتنةً تختن النساء، وتسمَّى: الخافِضة، فعَيَّرَه بذلك، قيل: وبعضهم يقوله: بفتح الطاء ¬

_ (¬1) في "ع": "إنها". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 843). (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬4) في "ع" و"ج": "تقطعه". (¬5) في "ع": "أم".

من مقطعة، وهو خطأ (¬1). (أَتُحادُّ الله ورسوله؟): أي: أَتُعانِدُهما وتُعاديهما (¬2)؟ وأصل المحادَّة (¬3): أن يكون هذا في حَدٍّ، وهذا في حَدٍّ آخرَ. (كمَنْتُ): -بفتح الميم-: اختفيت. (في ثُنَّته (¬4)): -بضم المثلثة وفتح النون المشددة-: هي ما بين السُّرَّةِ والعانَةِ. (لا يَهيج الرُّسُل): -بفتح حرف المضارعة-؛ أي: لا يَنالهم منه مكروه. (في ثَلْمَة جدار): بفتح المثلثة. (جمل أورق): أسمر، لونُه كالرماد. (ووثب إليه رجل من الأنصار، فضربه بالسيف على هامته): هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني (¬5)، قاله الحنظلي، ورواه الحاكم في "المستدرك" (¬6). وقيل: شاركه عديُّ بن سهل، وقيل: أبو دجانة، ذكرهما السهيلي (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 843). (¬2) "وتعاديهما" ليست في "ع". (¬3) في "ع": "المحاذاة". (¬4) في "ع": "ثنيته". (¬5) في "ع": "هو عبد الله وزيد بن عاصم". (¬6) رواه الحاكم (6213). (¬7) انظر: "الروض الأنف" (3/ 256).

باب: {الذين استجابوا لله والرسول} [آل عمران: 172]

باب: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [آل عمران: 172] 2125 - (4077) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 172]، قَالَتْ لِعُرْوَةَ: يَا بْنَ أُخْتِي! كَانَ أَبُوكَ مِنْهُمُ: الزُّبَيْرُ، وَأَبُو بَكْرٍ، لَمَّا أَصَابَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا أَصَابَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَانْصَرَفَ عَنْهُ الْمُشْرِكُونَ، خَافَ أَنْ يَرْجِعُوا، قَالَ: "مَنْ يَذْهَبُ فِي إِثْرِهِمْ؟ ". فَانتدَبَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا، قَالَ: كَانَ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَالزُّبَيْرُ. (فانتدب منهم سبعون رجلًا، قال: كان فيهم أبو بكر، والزبير): سمي من السبعين رجلًا غير المذكورين في المتن: عمرُ، وعثمان، وعلي، وطلحة، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة بن الجراح، هؤلاء (¬1) من العشرة المشهود لهم بالجنة، ومن غيرهم: عبد الله بن مسعود، وحذيفة بن اليمان، ذكر ذلك (¬2) الطبري في "تفسيره" عن ابن عباس (¬3). * * * باب: مَنْ قُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ: مِنْهُمْ: حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَالْيَمَانُ، وَأَنسُ بْنُ النَّضْرِ، وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ (من قتل من المسلمين يوم أحد، منهم: حمزة، واليمان): قال ¬

_ (¬1) في "ع": "وهؤلاء". (¬2) "ذلك" ليست في "ع". (¬3) انظر: "تفسير الطبري" (3/ 518).

الزركشي: كلام البخاري يوهم أن اليمان قتيلُ الكفار، وإنما قتله المسلمون خطأ، فتصدَّقَ ابنُه بديته على (¬1) المسلمين (¬2). قلت: لا نسلم أن في كلام البخاري ما يوهم ذلك بوجه، وكيف (¬3) وقد تقدم غير ما مرة أن المسلمين قتلوه، يعني: خطأ. (والنضر بن أنس): كذا عند أبي ذر، والصواب: أنسُ بنُ النضر، كما في بعض النسخ وهو عم أنسِ بنِ مالكِ بنِ النضر، وكذا ذكره الحفاظ (¬4). * * * 2126 - (4078) - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيِّ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حدّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: مَا نَعْلَمُ حَيًّا مِنْ أَحْيَاء الْعَرَبِ، أَكْثَرَ شَهِيدًا، أَعَزَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الأَنْصَارِ. (شهيدًا أغر): بغين معجمة وراء مهملة، يروى بعين مهملة وزاي (¬5). * * * 2127 - (4080) - وَقَالَ أَبُو الْوَليدِ: عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا، قَالَ: لَمَّا قُتِلَ أَبي، جَعَلْتُ أَبْكِي، وَأَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ ¬

_ (¬1) في "م" و"ع": "عن". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 845). (¬3) "وكيف" ليست في "ج". (¬4) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬5) المرجع السابق، الموضع نفسه.

باب: غزوة الرجيع، ورعل وذكوان، وبئر معونة وحديث عضل والقارة وعاصم بن ثابت، وخبيب وأصحابه

وَجْهِهِ، فَجَعَلَ أصحَابُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَوْنِي، وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَنْهَ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَبْكِيهِ -أَوْ: مَا تَبْكِيهِ- مَا زَالَتِ الْمَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَى رُفِعَ". (وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تبكه، أو ما تبكيه): ظاهره أنه قال لجابر، وتقدم في الجنائز: وجعلتْ فاطمةُ عمتي تبكيه، فقال -عليه السلام-: "تَبْكِيه أو لا تَبْكِيهِ" (¬1). * * * باب: غَزْوَةُ الرَّجِيعِ، وَرِعْلٍ وَذَكْوَانَ، وَبِئْرِ مَعُونَةَ وَحَدِيث عَضَلٍ وَالْقَارَةِ وَعَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ، وَخُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ: أَنَّهَا بَعْدَ أُحُدٍ. (غزوة الرجيع ورعل وذكوان): الرجيع (¬2): نقل الزركشي عن الحافظ الدمياطي: أن الوجه تقديم عَضَل وما بعده على الرجيع، وتأخيرُ رِعْلٍ وذكوانَ مع بئر معونة (¬3). قلت: ليس في عبارة البخاري ما يقتضي الترتيب بين الغزوات حتى يكون ذكره لها على هذا النمط ليس الوجه. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1244) بلفظ: "تَبْكِينَ أَوْ لَا تَبْكِينَ". (¬2) "الرجيع" ليست في "ع" و"ج". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 846).

2128 - (4086) - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزّهْرِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَرِيَّةً عَيْنًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ، وَهْوَ جَدُّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَانْطَلَقُوا، حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ، ذُكِرُوا لَحِيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو لَحْيَانَ، فَتَبِعُوهُمْ بِقَرِيبٍ مِنْ مِئَةِ رَامٍ، فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ حَتَّى أَتَوْا مَنْزِلًا نَزَلُوهُ، فَوَجَدُوا فِيهِ نَوَى تَمْرٍ تَزَوَّدُوهُ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَقَالُوا: هَذَا تَمْرُ يَثْربَ، فَتَبِعُوا آثَارَهُمْ حَتَّى لَحِقُوهُمْ، فَلَمَّا انتهَى عَاصِمٌ وَأَصْحَاُبهُ لَجَؤُوا إِلَى فَدْفَدٍ، وَجَاءَ الْقَوْمُ، فَأَحَاطُوا بِهِمْ، فَقَالُوا: لَكُمُ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ إِنْ نزَلْتُمْ إِلَيْنَا أَنْ لَا نَقْتُلَ مِنْكُم رَجُلًا، فَقَالَ عَاصِم: أَمَّا أَنَا، فَلَا أَنْزِلُ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ، اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ، فَقَاتَلُوهُمْ حَتَّى قَتَلُوا عَاصِمًا فِي سَبْعَةِ نفًرٍ بِالنَّبْلِ، وَبَقِيَ خُبَيْبٌ، وَزَيْدٌ، وَرَجُلٌ آخَرُ، فَأَعْطَوْهُمُ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ، فَلَمَّا أَعْطَوْهُمُ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ، نزَلُوا إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ، حَلُّوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ، فَرَبَطُوهُمْ بِهَا، فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ الَّذِي مَعَهُمَا: هَذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ، فَأَبَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ، فَجَرَّرُوهُ وَعَالَجُوهُ عَلَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ، فَلَمْ يَفْعَلْ، فَقَتَلُوهُ، وَانْطَلَقُوا بِخُبَيْبٍ وَزَيْدٍ حَتَّى بَاعُوهُمَا بِمَكَّةَ، فَاشْتَرى خُبَيْبًا بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نوفَلٍ، وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ قَتَلَ الْحَارِثَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَمَكَثَ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا، حَتَّى إِذَا أَجْمَعُوا قَتْلَهُ، اسْتَعَارَ مُوسَى مِنْ بَعْضِ بَنَاتِ الْحَارِثِ لَيْستَحِدَّ بِهَا، فَأَعَارَتْهُ، قَالَتْ: فَغَفَلْتُ عَنْ صَبِيٍّ لِي، فَدَرَجَ إِلَيْهِ حَتَى أتاهُ، فَوَضَعَهُ عَلَى فَخِذِهِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ، فَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَ ذَاكَ مِنِّي، وَفِي يَدِهِ الْمُوسَى، فَقَالَ: أتخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ مَا كُنْتُ لأَفْعَلَ ذَاكِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَكَانَتْ تَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ

خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ، لَقَدْ رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ مِنْ قِطْفِ عِنَبٍ، وَمَا بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ ثَمَرَةٌ، وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ فِي الْحَدِيدِ، وَمَا كَانَ إِلَّا رِزْقٌ رَزَقَهُ اللَّهُ، فَخَرَجُوا بِهِ مِنَ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ، فَقَالَ: دَعُونِي أُصَلِّي ركْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: لَوْلَا أَنْ تَرَوْا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ مِنَ الْمَوْتِ، لَزِدْتُ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْقَتْلِ هُوَ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا، ثُمَّ قَالَ: ما أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا ... عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ عُقْبة بْنُ الْحَارِثِ، فَقَتَلَهُ، وَبَعَثَت قُرَيْشٌ إِلَى عَاصِمٍ لِيُؤْتَوْا بِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ يَعْرِفُونَهُ، وَكَانَ عَاصِمٌ قَتَلَ عَظِيمًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِثْلَ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْرِ، فحَمَتْهُ مِنْ رُسُلِهِمْ، فَلَمْ يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ. (وهو جدُّ عاصم بنِ عمرَ بنِ الخطاب): تقدم ما فيه من الانتقاد. (إلى فَدْفَدٍ): قال ابن فارس، والجوهري: هي الأرض المستوية. قال الزركشي: وظاهرُ الحديث أنه مكانٌ مشرِفٌ تحصَّنوا به (¬1). قلت: هو كذلك. وفي "المشارق" حكاية قول في الفدفد: أنه الجَلَدُ من الأرض في ارتفاع (¬2)، فهذا يوافق ظاهر الحديث. (وكان عاصمٌ قتل عظيمًا من عظمائهم): قيل: هو عُقبة بنُ أبي مُعيط، قتله بالصفراء صبرًا. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 846). (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 149).

2129 - (4090) - حَدَّثَنِي عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رِعْلًا وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ، اسْتَمَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى عَدُوٍّ، فَأَمَدَّهُمْ بِسَبْعِينَ مِنَ الأَنْصَارِ، كُنَّا نُسَمِّيهِمُ: الْقُرَّاءَ فِي زَمَانِهِمْ، كانُوا يَحْتَطِبُونَ بِالنَّهَارِ، وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ، حَتَّى كانُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ، قَتَلُوهُمْ، وَغَدَرُوا بِهِمْ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو فِي الصُّبْح عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، عَلَى رِعلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ، قَالَ أَنسٌ: فَقَرَأْنَا فِيهِمْ قُرْآنًا، ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ رُفِعَ: بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا، فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا. (عن أنس بن مالك: أن (¬1) رعلًا وذكوانَ وعُصية وبني لَحْيان استمدُوا (¬2) رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - على عدوِّهم): ويروى: "على عدوٍّ" -منكَّرًا (¬3) -. وانتقد الحافظ الدمياطي هذا الموضع، بأن عامرَ بنَ الطُّفيل هو الذي استمدَّهم (¬4) على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقتلوهم، قال: ولم يكن بنو لحيان مع بني سليم، وإنما بنو لحيان من هذيل، فقتلوا أصحاب الرجيع، وأخذوا خُبيبًا وباعوه بمكة (¬5). قلت: وهذا في الحقيقة انتقاد على أنس بن مالك - رضي الله عنه -؛ ¬

_ (¬1) "أن" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "شهدوا". (¬3) في "ع": "ومنكرًا". (¬4) في "ع": "أشهدهم". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 846).

فإن طريق الرواية إليه بذلك صحيحة لا مقال فيها، والله أعلم بحقيقة الحال. * * * 2130 - (4091) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبي طَلْحَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنسٌ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ خَالَهُ -أخٌ لأُمِّ سُلَيْمٍ- فِي سَبْعِينَ رَاكبًا، وَكَانَ رَئِيسَ الْمُشْرِكِينَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ خَيَّرَ بَيْنَ ثَلَاثِ خِصَالٍ، فَقَالَ: يَكُونُ لَكَ أَهْلُ السَّهْلِ، وَلِي أَهْلُ الْمَدَرِ، أَوْ أَكُونُ خَلِيفَتَكَ، أَوْ أَغْزُوكَ بِأَهْلِ غَطَفَانَ بِأَلْفٍ وَألفٍ؟ فَطُعِنَ عَامِرٌ فِي بَيْتِ أُمِّ فُلَانٍ، فَقَالَ: غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبَكْرِ، فِي بَيتِ امْرَأَةٍ مِنْ آلِ فُلَانٍ، ائْتُوني بِفَرَسِي. فَمَاتَ عَلَى ظَهْرِ فَرَسِهِ، فَانْطَلَقَ حَرَامٌ أَخُو أُمِّ سُلَيْمٍ، وهُوَ رَجُلٌ أَعْرَجُ، وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي فُلَانٍ، قَالَ: كُونَا قَرِيبًا حَتَّى آتِيَهُمْ، فَإِنْ آمَنُونِي كُنْتُمْ، وَإِنْ قتلُونِي أتيْتُمْ أَصْحَابَكُمْ، فَقَالَ: أَتُؤْمِنُونِي أُبَلِّغْ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُمْ، وَأَوْمَؤُوا إِلَى رَجُلٍ، فَأتاهُ مِنْ خَلْفِهِ فَطَعَنَهُ -قَالَ هَمَّامٌ: أَحْسِبُهُ- حَتَّى أَنْفَذَهُ بِالرُّمْح، قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، فَلُحِقَ الرَّجُلُ، فَقُتِلُوا كُلُّهُمْ غَيْرَ الأَعْرَجِ، كَانَ فِي رَأْسِ جَبَلٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْنَا، ثُمَّ كَانَ مِنَ الْمَنْسُوخِ: إِنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا، فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا. فَدَعَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - علَيْهِمْ ثَلَاثِينَ صَبَاحًا، عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِي لَحْيَانَ وَعُصَيَّةَ، الَّذِينَ عَصَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم -. (خَيَّر بين ثلاثِ خصالٍ): خَيَّرَ: هو بفتح الخاء المعجمة والياء المشددة، مبني للفاعل، وفيه ضمير عائدٌ على عامر؛ أي: إن عامرًا خير هو النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -.

(غدة كغدة البكر (¬1)): يروى بالرفع والنصب، وعندي: أن المعنى على الرفع: أتقتلُني غدةٌ، أو أتصيبني غدةٌ كغدة البَكْر، والنصب على معنى: أأقاسي غدةً، أو أأغد غدةً، فالمعنى على وَجْهَي (¬2) الرفع والنصب: إنكارُ وقوعِ هذا الأمر به؛ حمقًا (¬3) منه، والغدةُ من أدواء الإبل، وهو طاعونها (¬4). (في ببت أم فلانٍ): كانت امرأة من بني سلول، قال الداودي: وكانت هذه من حماقات عامر، فأماته الله بذلك؛ ليصغِّر إليه نفسَه (¬5). (فانطلق حَرامٌ أخو أم سليم، وهو رجل أعرجُ): قيل: صوابه (¬6): "وهو ورجل أعرج"، وكذا ثبت في بعض النسخ (¬7). * * * 2131 - (4093) - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَت: اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَبُو بَكْرٍ فِي الْخُرُوجِ حِينَ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الأَذَى، فَقَالَ لَهُ: "أَقِمْ"، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَتَطْمَعُ أَنْ يُؤْذَنَ لَكَ؟ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنِّي ¬

_ (¬1) في جميع النسخ: "البعير"، والصواب ما أثبت. (¬2) في "ج": "وجه". (¬3) في "ع": "جميعًا". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 847). (¬5) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬6) في "ج": "وصوابه". (¬7) المرجع السابق، الموضع نفسه.

لأَرْجُو ذَلِكَ". قَالَتْ: فَانْتَظَرَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ ظُهْرًا، فَنَاداه فَقَالَ: "أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ". فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمَا ابْنَتَايَ، فَقَالَ: "أَشَعَرْتَ أَنَّهُ قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ؟ "، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! الصُّحْبَةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الصُّحْبَةُ". قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! عِنْدِي نَاقتانِ، قَدْ كنْتُ أَعْدَدْتُهُمَا لِلْخُرُوجِ، فَأَعْطَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - إِحْدَاهُمَا -وَهْيَ الْجَدْعَاءُ- فَرَكِبَا، فَانْطَلَقَا حَتَّى أَتَيَا الْغَارَ -وَهْوَ بِثَوْرٍ-، فتوَارَيَا فِيهِ، فَكَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ غُلَامًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الطُّفَيْلِ بْنِ سَخْبَرَةَ أَخُو عَائِشَةَ لأُمِّهَا، وَكَانَتْ لأَبِي بَكْرٍ مِنْحَة، فَكَانَ يَرُوحُ بِهَا وَيَغْدُو عَلَيْهِمْ، وَيُصْبحُ، فَيَدَّلِجُ إِلَيْهِمَا ثُمَّ يَسْرَحُ، فَلَا يَفْطُنُ بِهِ أَحَد مِنَ الرِّعَاءِ، فَلَمَّا خَرَجَ، خَرَجَ مَعَهُمَا يُعْقِبَانِهِ حَتَّى قَدِمَا الْمَدِينَةَ، فَقُتِلَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ. (وكان غلامًا لعبد الله بن الطفيل): قيل: صوابه: للطفيلِ بنِ عبدِ الله ابنِ الحارثِ بنِ سخبرة، وكان عبد الله بنُ الحارث قدمَ هو وزوجتُه أُمُّ رومان، وقد ولدت له الطفيل، فخلف عليها أبو بكر، فولدت له عبدَ الرحمن وعائشةَ، فهما أخوا الطفيل لأمه، وكان عامر بن فُهيرة مملوكًا للطفيل، فأسلم وهو مملوك، فاشتراه أبو بكر من الطفيل، فأعتقه (¬1). * * * 2132 - (4093) / م - وَعَنْ أَبي أُسَامَةَ قَالَ: قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: فَأَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ: لَمَّا قُتِلَ الَّذِينَ بِبِئْرِ مَعُونَةَ، وَأُسِرَ عَمْرُو بْنُ أمُيَّةَ الضَّمْرِيُّ، قَالَ لَهُ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ: مَنْ هَذَا؟ فَأَشَارَ إِلَى قَتِيلٍ، فَقَالَ لَهُ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 847).

عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ: هَذَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدَ مَا قُتِلَ رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ، حَتَّى إِنِّي لأَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الأَرْضِ، ثُمَّ وُضعَ، فَأَتَى النَبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَبَرُهُمْ فَنَعَاهُمْ، فَقَالَ: "إِنَّ أَصْحَابَكُمْ قَدْ أُصِيبُوا، وَإِنَّهُمْ قَدْ سَألوا رَبَّهُمْ، فَقَالُوا: رَبَّنَا أَخْبِرْ عَنَّا إِخْوَانَنَا بِمَا رَضِينَا عَنْكَ وَرَضِيتَ عَنَّا، فَأَخْبَرَهُمْ عَنْهُمْ". وَأُصِيبَ يَوْمَئِذٍ فِيهِمْ عُرْوَةُ بْنُ أَسْمَاءَ بْنِ الصَّلْتِ فَسُمِّيَ عُرْوَةُ بِهِ، وَمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو سُمِّيَ بِهِ مُنْذِرًا. (وأُصيب فيهم يومئذ عروةُ بنُ أسماءَ بنِ الصَّلت، فسُمِّي عروةُ به، ومنذر بن عمرو، سمي به منذرًا): قيل: معناه: أن الزبير بن العوام سمى ابنه عروةَ باسم عروة بن (¬1) أسماء، وسمى ابنَه المنذرَ باسم المنذرِ (¬2) بنِ عمرو، لكن يبقى الكلام (¬3) في نصب "منذر" مع تعينه؛ لأنه (¬4) يقام مقام الفاعل، فيتخرج على مذهب الكوفيين في جواز إقامة الجار والمجرور مع وجود المفعول به المدح (¬5). ووقع في "الصحيحين": أنه -عليه الصلاة والسلام- أُتي بمولودٍ لأبي أسيدٍ، فقال له (¬6): "ما اسمه؟ "، فقال: فلان، فقال -عليه السلام-: ¬

_ (¬1) في "ع": "أن". (¬2) "باسم المنذر" ليست في "ج". (¬3) في "ج": "كلام". (¬4) في "ع" و"ج": "لأن". (¬5) كذا في الأصول، وفي "التنقيح" (2/ 848) وعنه ينقل المؤلف -رحمه الله- هنا: ويمكن أن يوجه على مذهب الكوفيين في إقامة الجار والمجرور في قوله: "وسمى به" مقام الفاعل، كما قُرئ: {لِيُجْزى قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}. (¬6) "له" ليست في "ع".

"لا، وَلكِنِ اسْمُهُ المُنْذِرُ" (¬1). قال النووي في "شرح مسلم": قالوا: إن سبب تسميته -عليه السلام- بالمنذر أن عمَّ أبيه المنذرَ بنَ عمرو كان قد استُشهد ببئر معونة، فتفاءل (¬2) بكونه خَلَفًا منه (¬3). * * * 2133 - (4096) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنسً بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - عَنِ الْقُنُوتِ فِي الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقُلْتُ: كانَ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: قَبْلَهُ، قُلْتُ: فَإِنَّ فُلَانًا أَخْبَرَني عَنْكَ أَنَّكَ قُلْتَ: بَعْدَهُ، قَالَ: كَذَبَ، إِنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا: أَنَّهُ كَانَ بَعَثَ نَاسًا يُقَالُ لَهُمُ: الْقُرَّاءُ، وَهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا، إِلَى نَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَبَينَهُئم وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَهْدٌ قِبَلَهُمْ، فَظَهَرَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَهْدٌ، فَقَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا يَدْعُو عَلَيْهِمْ. (عهدٌ قِبَلهم): بكسر القاف وفتح الباء الموحدة. ويروى بفتح القاف وسكون الياء. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6191)، ومسلم (2149) عن سهل بن سعد - رضي الله عنه -. (¬2) في "ج": "فيقال". (¬3) انظر: "شرح مسلم" (14/ 128).

باب: غزوة الخندق

باب: غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ وَهيَ الأَحْزَابُ قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: كَانَتْ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ. (غزوة الخندق): قال موسى بن عقبة: كانت في شوال سنة أربع. 2134 - (4097) - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَهْوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، فَلَمْ يُجزهُ، وَعَرَضَهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَهْوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ، فَأَجَازَهُ. (عرضه (¬1) يومَ أُحُد وهو ابنُ أربعَ عشرةَ، فلم يجزه، وعرضه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة، فأجازه): احتج به البخاري لموسى بن عقبة على أن أُحدًا كانت في السنة الثالثة. وقال ابن إسحاق، وابن سعد، وغيرهما: إن الخندق كانت في السنة (¬2) الخامسة، واعتذروا (¬3) عن هذا الحديث؛ بأنه (¬4) محمول على أنه كان يوم أُحد ابنَ ثلاث عشرة، وأشهر، فعبر (¬5) [عن ذلك بأربع عشرة، وكان في الخندق ابنَ خمس عشرة وأشهر، فعبر (¬6)] (¬7) عنه بالخمس عشرة، ¬

_ (¬1) "عرضه" ليست في "ع". (¬2) "في السنة" ليست في "ج". (¬3) في "ج": "واعتذر". (¬4) في "ع": "فإنه". (¬5) في "ع" و"ج": "فعبروا". (¬6) في "ج": "فعبروا". (¬7) ما بين معكوفتين ليس في "ع".

وفي الحقيقة كان في ستَّ عشرةَ (¬1). * * * 2135 - (4100) - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَر، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: جَعَلَ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ الْخَنْدَقَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ، وَيَنْقُلُونَ التُّرَابَ عَلَى مُتُونهِمْ، وَهُمْ يَقُولُونَ: نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا ... عَلَى الإسْلَامِ مَا بَقِينَا أَبَدَا قَالَ: يَقُولُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَهْوَ يُجيبُهُمُ: "اللَّهُمَّ إِنَّهُ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الآخِرَهْ. فَبَارِكْ فِي الأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ". قَالَ: يُؤْتَوْنَ بِمِلْءِ كَفَّي مِنَ الشَّعِيرِ، فَيُصْنعُ لَهُمْ بِإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ، تُوضَعُ بَيْنَ يَدَيِ الْقَوْمِ، وَالْقَوْمُ جِيَاعٌ، وَهْيَ بَشِعَة فِي الْحَلْقِ، وَلَهَا رِيحٌ مُنْتِنٌ. (ولها ريح منتن): قال الزركشي: صوابه: مُنْتِنَة؛ لأن الريح مؤنثة (¬2)، إلا أنه يجوز في المؤنث غير الحقيقي أن يُعَبَّرَ عنه بالمذكر (¬3). قلت: ليس بمستقيم من وجهين: الأول: أنه جزم بأن الصواب منتنة، ومقتضاه: أن التعبير بمنتن خطأ، ثم قطع بأن المؤنث غيرَ الحقيقي يجوز التعبيرُ عنه بالمذكر، فيكون التعبير ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 848). (¬2) "لأن الريح مؤنثة" ليست في "ج". (¬3) المرجع السابق، (2/ 849).

بمنتن صوابًا لا خطأ، ولا يكون صواب (¬1) الكلمة منحصرًا في التعبير عنها بالتأنيث. والحاصل: أن آخر كلامه ينقض أوله. الثاني: أن جعلَ التعبيرَ عن المؤنث غيرِ الحقيقي بالمذكر على جهة الجواز ضابطًا كليًا مقطوعًا ببطلانه. فإن قلت: فما وجه ما في المتن؟ قلت: حمل الريح على العَرْف، فعاملها (¬2) معاملته؛ [كما حملت الأرض على المكان، فعوملت معاملته (¬3)] في قول الشاعر: ولا أَرْضٌ ابْقَلَ إِبْقَالَهَا (¬4) وفي "الصحاح": العَرْف: الريحُ طَيِّبَةً كانَتْ أو مُنْتِنَةً (¬5). * * * 2136 - (4101) - حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أتيْتُ جَابِرًا - رضي الله عنه -، فَقَالَ: إِنَّا يَوْمَ الْخَنْدَقِ نحفِرُ، فَعَرَضَتْ كُدْيَةٌ شَدِيدَةٌ، فَجَاؤُوا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالُوا: هَذِهِ كُدْيَةٌ عَرَضَتْ فِي الْخَنْدَقِ، فَقَالَ: "أَنَا نَازِلٌ". ثُمَّ قَامَ وَبَطْنُهُ مَعْصُوبٌ ¬

_ (¬1) في "ع": "صوابه". (¬2) في "ج": "فمعاملتها". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬4) في "ع": "أنفل لها". (¬5) انظر: "الصحاح" (4/ 1400)، (مادة: عرف).

بِحَجَرٍ، وَلَبِثْنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا نَذُوقُ ذَوَاقًا، فَأَخَذَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمِعْوَلَ، فَضَرَبَ، فَعَادَ كثِيبًا أَهْيَلَ، أَوْ أَهْيَمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ائْذَنْ لِي إِلَى الْبَيْتِ، فَقُلْتُ لاِمْرَأَتِي: رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - شَيْئًا مَا كَانَ فِي ذَلِكَ صَبْرٌ، فَعِنْدَكِ شَيْءٌ؟ قَالَتْ: عِنْدِي شَعِيرٌ وَعَنَاقٌ، فَذَبَحْتُ الْعَنَاقَ، وَطَحَنَتِ الشَّعِيرَ حَتَّى جَعَلْنَا اللَّحْمَ فِي الْبُرْمَةِ، ثُمَّ جِئْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - والْعَجينُ قَدِ انْكَسَرَ، وَالْبُرْمَةُ بَيْنَ الأَثَافِي قَدْ كَادَتْ أَنْ تَنْضَجَ، فَقُلْتُ: طُعَيِّمٌ لِي، فَقُمْ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَرَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ، قَالَ: "كمْ هُوَ؟ "، فَذَكَرتُ لَهُ، قَالَ: "كثِيرٌ طَيِّبٌ"، قَالَ: "قُلْ لَهَا: لَا تَنْزِعُ الْبُرْمَةَ، وَلَا الْخُبْزَ مِنَ التَّنُّورِ حَتَّى آتِي"، فَقَالَ: "قُومُوا". فَقَامَ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ، قَالَ: وَيْحَكِ جَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَمَنْ مَعَهُمْ، قَالَتْ: هَلْ سَأَلَكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: "ادْخُلُوا وَلَا تَضَاغَطُوا". فَجَعَلَ يَكْسِرُ الْخُبْزَ، وَيَجْعَلُ عَلَيْهِ اللَّحْمَ، وَيُخَمِّرُ الْبُرْمَةَ وَالتَّنُّورَ إِذَا أَخَذَ مِنْهُ، وَيُقَرِّبُ إِلَى أَصْحَابِهِ، ثُمَّ يَنْزِعُ، فَلَمْ يَزَلْ يَكْسِرُ الْخُبْزَ، وَيَغْرِفُ حَتَّى شَبِعُوا، وَبَقِيَ بَقِيَّةٌ، قَالَ: "كُلِي هَذَا وَأَهْدِي؛ فَإِنَّ النَّاسَ أَصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ". (فعرضت كبدة): قال الخطابي (¬1): قيدناها في البخاري بباء موحدة مكسورة من طريق الأصيلي والقابسي عن المروزي؛ أي: قطعة من الأرض صلبة يَشُقُّ كسرُها، والكَبَدُ: الشدَّةُ والمشقة، وقيده الأصيلي عن الجرجاني بنون مكسورة، وقيده ابن السكن بمثناة فوقية مفتوحة. ¬

_ (¬1) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 1720).

قال القاضي: ولا أعرف لهاتين الروايتين معنى هنا، وقيده أبو ذر من رواية المستملي والحموي بمثناة تحتية ساكنة. كأن الكَيْد الذي هو إعمالُ الحيل أعجزَهم حتى لجؤوا فيها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فضربها. قال مغلطاي: وفي رواية: "كَذَّانَة": -بذال معجمة ونون-، وهي القطعة من الجبل (¬1). (ثم قام وبطنُه معصوبٌ بحجر): قال الزركشي: زاد أحمد في "مسنده": "من الجوع" (¬2)، وأنكره ابن حبان في "صحيحه"، وقال: هذا (¬3) باطل، وإنما هو الحجز -يعني: بالزاي-؛ أي (¬4): طرف الإزار؛ إذ الله -عز وجل- كان يُطعم رسوله - صلى الله عليه وسلم - ويسقيه إذا واصل (¬5)، فكيف يتركه جائعًا مع عدم الوصال حتى يحتاج إلى شدِّ الحجر على بطنه (¬6)؟ وقيل: بل كانت تلك عادة (¬7) العرب إذا خلت أجوافهم، وغارت بطونهم، يشدون عليها حجرًا (¬8)، ففعلَ النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك ليعلم أصحابه أن ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (21/ 223). (¬2) رواه أحمد (3/ 301). (¬3) في "ع": "وهذا". (¬4) "أي" ليست في "ع". (¬5) في "ع" و"ج": "وصل". (¬6) انظر: "صحيح ابن حبان" (8/ 344). (¬7) "تلك عادة" ليست في "ج". (¬8) في "ج": "عليها الحجر".

ليس عنده ما يستأثر به عليهم، وإن كان هو محمولًا في ذلك بما يَرِدُ عليه من ربه بما يغنيه عن الطعام والشراب (¬1). (فعاد كثيبًا أَهْيَلَ): -بمثناة تحتية بعد الهاء-؛ أي: منهالًا (¬2) لا يتماسك سيلانًا وانصبابًا. (أو أَهْثَمَ): -بمثلثة-؛ أي: صار كثيبًا مثلَ الرمل. وقيده بعضهم: -بمثناة تحتية-، وهو الذي ينهال ولا يتماسك. (ولا تَضاغَطوا): أي: لا تزدحموا. * * * 2137 - (4102) - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبي سُفْيَانَ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: لَمَّا حُفِرَ الْخَنْدَقُ، رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - خَمَصًا شَدِيدًا، فَانْكَفَأْتُ إِلَى امْرَأَتِي، فَقُلْتُ: هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ؟ فَإِنِّي رَأَيْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَمَصًا شَدِيدًا، فَأَخْرَجَتْ إِلَيَّ جِرَابًا فِيهِ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، وَلَنَا بُهَيْمَةٌ دَاجِنٌ، فَذَبَحْتُهَا، وَطَحَنَتِ الشَّعِيرَ، فَفَرَغَتْ إِلَى فَرَاغِي، وَقَطَّعْتُهَا فِي بُرْمَتِهَا، ثُمَّ وَلَّيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: لَا تَفْضَحْنِي بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَبِمَنْ مَعَهُ، فَجِئتهُ فَسَارَرْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لَنَا، وَطَحَنَّا صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ كَانَ عِنْدَنَا، فَتَعَالَ أَنْتَ وَنَفَرٌ مَعَكَ، ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 850). (¬2) في "م": "منها".

فَصَاحَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "يَا أَهْلَ الْخَنْدَقِ! إِنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ سُورًا، فَحَيَّ هَلًا بِكُمْ". فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تُنْزِلُنَّ بُرْمَتكُمْ، وَلَا تَخْبِزُنَّ عَجينَكُمْ حَتَّى أَجِيءَ". فَجئْتُ، وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْدُمُ النَّاسَ حَتَّى جِئْتُ امْرَأَتِي، فَقَالَتْ: بِكَ وَبِكَ، فَقُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ الَّذِي قُلْتِ، فَأَخْرَجَتْ لَهُ عَجينًا، فَبَصَقَ فِيهِ، وَبَارَكَ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى بُرْمَتِنَا، فَبَصَقَ وَبَارَكَ، ثُمَّ قَالَ: "ادْعُ خَابِزَة فَلْتَخْبِزْ مَعِي، وَاقْدَحِي مِنْ بُرْمَتِكُمْ، وَلَا تُنْزِلُوهَا". وَهُمْ أَلْفٌ، فَأُقْسِمُ بِاللَّهِ! لَقَدْ أَكَلوُا حَتَى تَرَكُوهُ وَانْحَرَفُوا، وَإِنَّ بُرْمَتَنَا لَتَغِطُّ كَمَا هِيَ، وَإِنَّ عَجينَنَا لَيُخْبَزُ كَمَا هُوَ. (خَمَصًا): -بفتح الخاء المعجمة والميم-: ضمورُ البطن من الجوع. (فانكفأتُ): أي: انقلبتُ. قال الزركشي: وأصلُه الهمز؛ من كَفَأْتُ الإناءَ، وتُسَهَّل (¬1). قلت: لكن ليس القياسُ في تسهيل مثله إبدالَ الهمزة ياء. (فبسق): -بالسين المهملة-، كذا الرواية، ويقال بالصاد وبالزاي. (واقدحي من برمتك): أي: اغرفي منها، والمغرفةُ تسمى: المِقْدَحَة. (وانحرفوا): أي: مالوا وخرجوا من عندنا. (وإن برمتنا لتغِطُّ): -بكسر الغين المعجمة وتشديد الطاء المهملة-؛ أي: ممتلئة تفور بحيث يُسمع لها غَطيط. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 851).

2138 - (4104) - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبي إسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ - رضي الله عنه -، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَنْقُلُ التُّرَابَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، حَتَّى أَغْمَرَ بَطْنَهُ، أَوِ اغْبَرَّ بَطْنُهُ، يَقُولُ: وَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا فَأنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا إنَّ الأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا ... إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ: (أَبَيْنَا أَبَيْنَا). (حتى أغمرَ بطنَه): أي: وارى الترابُ بطنَه. (أو اغبرَّ بطنُه): هذا من الغبار، وهو واضح، وبطنُه هنا مرفوع على الفاعلية، وفي الأول منصوب على المفعولية، ويروى: "اعْفَرَّ بَطْنُه": -بالعين المهملة والفاء- من العَفَر -بالتحريك-، وهو التراب (¬1). * * * 2139 - (4105) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَكَمُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "نُصِرْتُ بِالصَّبَا، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ". (نُصرت بالصَّبا): هي الريح الشرقية، ووجهُ إدخال البخاري هذا الحديث في هذا الكتاب: وجودُ الريح التي كانت في عام الأحزاب، وهي (¬2) ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 851). (¬2) في "م": "وهو".

المذكورة في قوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب: 9] (¬1). * * * 2140 - (4108) - حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ وَنَسْوَاتُهَا تنطُفُ، قُلْتُ: قَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ مَا تَرَيْنَ، فَلَمْ يُجْعَلْ لِي مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ. فَقَالَت: الْحَقْ فَإِنَّهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ، وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ فِي احْتِبَاسِكَ عَنْهُمْ فُرْقَةٌ. فَلَمْ تَدَعْهُ حَتَّى ذَهَبَ، فَلَمَّا تَفَرَّقَ النَّاسُ، خَطَبَ مُعَاوِيَةُ، قَالَ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَتكَلَّمَ فِي هَذَا الأَمْرِ، فَلْيُطْلِعْ لَنَا قَرْنه، فَلَنَحْنُ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُ وَمِنْ أَبِيهِ. قَالَ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ: فَهَلَّا أَجَبْتَهُ؟ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَحَلَلْتُ حُبْوَتِي، وَهَمَمْتُ أَنْ أَقُولَ: أَحَقُّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنْكَ مَنْ قَاتَلَكَ وَأَبَاكَ عَلَى الإِسْلَامِ، فَخَشِيتُ أَنْ أَقُولَ كَلِمَةً تُفَرِّقُ بَيْنَ الْجَمْعِ، وَتَسْفِكُ الدَّمَ، ويحْمَلُ عَنِّي غيْرُ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُ مَا أَعَدَّ اللَّهُ فِي الْجنَانِ. قَالَ حَبِيبٌ: حُفِظْتَ وَعُصِمْتَ. قَالَ مَحْمُودٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَاقِ: وَنَوْسَاتُهَا. (ونَسْواتها): -بفتح النون وسكون السين-؛ أي: ظفائر شعرها. قال القاضي: كذا لهم، وعند ابن السكن: "نَوْساتها" -بتقديم الواو على السين-، وهو أشبه بالصحة. ¬

_ (¬1) المرجع السابق، (2/ 852).

باب: مرجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة، ومحاصرته إياهم

وقال الوقَّشي: إنه الصواب؛ من ناسَ ينوسُ: إذا تحرك، وتسمى الذوائبُ نوسات؛ لأنها تتحرك كثيرًا. قال المازري: ونَوساتها: بفتح الواو وسكونها (¬1). (تنطُف) -بضم الطاء وكسرها-؛ أي: تقطف. (فليطلع لنا قَرْنهَ): -بفتح القاف وسكون الراء وفتح النون-؛ أي: فلْيُبْدِ لنا صفحةَ وجهه، والقرنان في الوجه. (فحللت حُبوتي): -بضم الحاء-، وهو ضم الساقين إلى البطن بثوب يديره من وراء ظهره (¬2). * * * باب: مَرْجِعِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الأَحْزَابِ ومَخْرَجِهِ إلى بَني قُريْظَةَ، ومُحَاصَرَتهِ إِيَّاهُم 2141 - (4119) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الأَحْزَابِ: "لَا يُصَلِّيَن أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بني قُرَيْظَةَ". فَأَدْرَكَ بَعْضُهُمُ الْعَصْرَ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نُصَلِّي، لَمْ يُرِدْ مِنَّا ذَلِكَ. فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 852). (¬2) المرجع السابق، الموضع نفسه.

(لا يصلين أحدٌ العصرَ إلا في بني قريظة): كذا هنا، وفي صلاة الخوف، وقاله موسى بن عقبة، وابن إسحاق، وغيرهما من أهل (¬1) المغازي، ورواه مسلم بإسناد البخاري، وقال: "الظهرَ" (¬2)، ووجهُ الجمع أن يكون -عليه السلام- قال لأهل القوة، أو لمن كان منزله قريبًا (¬3): "لا يصلين (¬4) أحدٌ الظهرَ"، وقال لغير أهل (¬5) القوة، أو لمن كان منزله بعيدًا: "لا يصلينَّ أحدٌ العصرَ" (¬6). * * * 2142 - (4120) - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ. وَحَدَّثَنِي خَلِيفَةُ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَجْعَلُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - النَّخَلَاتِ، حَتَّى افْتَتَحَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ، وَإِنَّ أَهْلِي أَمَرُونِي أَنْ آتِيَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَسْأَلَهُ الَّذِينَ كَانُوا أَعْطَوْهُ أَوْ بَعْضَهُ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أَعْطَاهُ أُمَّ أَيْمَنَ، فَجَاءَتْ أُمُّ أَيْمَنَ، فَجَعَلَتِ الثَّوْبَ فِي عُنُقِي تَقُولُ: كَلَّا وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ! لَا يُعْطِيكَهُمْ وَقَدْ أَعْطَانِيهَا، أَوْ كَمَا قَالَتْ، وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَكِ كَذَا". وَتَقُولُ: كَلَّا وَاللَّهِ! حَتَى أَعْطَاهَا -حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ:- عَشَرَةَ أَمْثَالِهِ، أَوْ كَمَا قَالَ. ¬

_ (¬1) "أهل" ليست في "ع". (¬2) رواه مسلم (1770). (¬3) في "ع" "قريبة". (¬4) "لا يصلين" ليست في "ع". (¬5) في "ج": "وقال لأهل غير". (¬6) انظر "التنقيح" (2/ 853).

(كان (¬1) الرجل يجعل للنبي - صلى الله عليه وسلم - النخلات): أي: على جهة الهدية، أو (¬2) الهبة؛ فإن الصدقة محرمةٌ عليه، أو يكون معنى جعله له: أن جعل له (¬3) تفرقتها (¬4) على المهاجرين. * * * 2143 - (4121) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ - رضي الله عنه - يَقُولُ: نزَلَ أَهْلُ قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى سَعْدٍ، فَأَتَى عَلَى حِمَارٍ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْمَسْجدِ، قَالَ لِلأَنْصَارِ: "قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ، أَوْ خَيْرِكُمْ". فَقَالَ: "هَؤُلَاءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ". فَقَالَ: تَقْتُلُ مُقَاتِلَتَهُمْ، وَتَسْبِي ذَرَارِّيهُمْ، قَالَ: "قَضَيْتَ بِحُكْم اللَّهِ". وَرُبَّمَا قَالَ: "بِحُكْم الْمَلِكِ". (فلما دنا من المسجد): قال الزركشي: سبق أن هذا وهم؛ إذ لا مسجدَ هناك (¬5). قلت: وسبق لنا أنه وهم بناء على أن قوله: من المسجد متعلق بمحذوف؛ أي: فلما دنا آتيًا من المسجد؛ فإن مجيئه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج" "فإن". (¬2) في "ع" "و". (¬3) "أن جعل له" ليست في "ع" و"ج". (¬4) في "ع" "لغيرتها". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 853).

كان من مسجد المدينة (¬1). * * * 2144 - (4122) - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: أُصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، يُقَالُ لَهُ: حِبَّانُ بْنُ الْعَرِقَةِ، رَمَاهُ فِي الأَكْحَلِ، فَضَرَبَ النَبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَيْمَةً فِي الْمَسْجدِ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ، فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْخَنْدَقِ، وَضَعَ السِّلَاحَ، وَاغْتَسَلَ، فَأتاهُ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَهْوَ يَنْفُضُ رَأْسَهُ مِنَ الْغُبَارِ، فَقَالَ: قَدْ وَضَعْتَ السِّلَاحَ؟ وَاللَّهِ مَا وَضَعْتُهُ، اخْرُجْ إِلَيْهِمْ. قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَأَيْنَ؟ "، فَأَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ، فَرَدَّ الْحُكْمَ إِلَى سَعْدٍ، قَالَ: فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ: أَنْ تُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ، وَأَنْ تُسْبَى النِّسَاءُ وَالذُّرِّيَّةُ، وَأَنْ تُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ. قَالَ هِشَامٌ: فَأَخْبَرَنِي أَبي، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ سَعْدًا قَالَ: اللَّهُمَّ إنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إلَيَّ أَنْ أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ، مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا رَسُولَكَ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَخْرَجُوهُ، اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّكَ قَدْ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، فَإِنْ كَانَ بَقِيَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْءٌ، فَأَبْقِنِي لَهُ حَتَّى أُجَاهِدَهُم فِيكَ، وَإِنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الْحَرْبَ، فَافْجُرْهَا، وَاجْعَلْ مَوْتَتِي فِيهَا، فَانْفجَرَتْ مِنْ لَبَّتِهِ، فَلَمْ يَرُعْهُمْ، وَفِي الْمَسْجِدِ خَيْمَةٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ، إِلَّا الدَّمُ يَسِيلُ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا أَهْلَ الْخَيْمَةِ! مَا هَذَا الَّذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ؟ فَإِذَا سَعْدٌ يَغْذُو جُرْحُهُ دَمًا، فَمَاتَ مِنْهَا، - رضي الله عنه -. ¬

_ (¬1) قلت: وتقدم ذكر تعقب الحافظ ابن حجر على هذا الموضع.

(حِبان): بحاء مهملة مكسورة وموحدة (¬1). (ابن العَرِقة): -بعين مهملة مفتوحة فراء مكسورة فقاف فهاء تأنيث-. قال أبو عبيدة: هو اسم أمه، سميت به؛ لطيب ريحها (¬2). قلت: ذكر الزبير بن بكار في "الأنساب" أن اسمها قلابة بنت أسعد، فعلى هذا يكون العرقة وصفًا لها، أو لقبًا. وحبان هو ابن (¬3) عبد مناف أخو هالة بنت عبد مناف جدةِ خديجة لأمها. (فضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - خيمة في المسجد): ذكر ابن سعد في "الطبقات": أنه -عليه الصلاة والسلام- أمر أن يجعل في خيمة رُفَيْدَةَ الأَسلَميةِ (¬4). وفي "الروض الأنف": وذكر رفيدة، وهي امرأة من أسلمَ، كان سعد يُمَرَّض في خيمتها (¬5). (فافجُرها): بوصل الهمزة وضم الجيم. (من لَبَّتِه): بفتح اللام وتشديد الموحدة: موضع القلادة من الصدر، ويروى: "من ليلته". (يغْذو): -بغين معجمة ساكنة وذال معجمة (¬6) -؛ أي: يسيل. ويروى: "يُغِذُّ" -بضم حرف المضارعة وكسر الغين وتشديد (¬7) ¬

_ (¬1) في "ع": "موحدة". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 854). (¬3) في "ع": "أبو". (¬4) انظر: "الطبقات الكبرى" (3/ 427 - 428). (¬5) انظر: "الروض الأنف" (3/ 445). (¬6) "معجمة" ليست في "ع". (¬7) في "م": "وكسر".

باب: غزوة ذات الرقاع

الذال-؛ أي: يسرع؛ من الإغذاذ في (¬1) السير (¬2). * * * باب: غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ وَهيَ غَزْوَةُ مُحَارِبِ خَصَفَةَ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ مِنْ غَطَفَانَ، فَنَزَلَ نَخْلًا، وَهيَ بَعْدَ خَيْبَرَ؛ لأَنَّ أَبَا مُوسَى جَاءَ بَعْدَ خَيْبَرَ. (غزوة ذات الرقاع): وهل تسميتها بذلك (¬3) باسم جبل هناك فيه بُقَعٌ حمرٌ وسودٌ وبيضٌ، [أو أرضٌ فيها بقع سود وبيض] (¬4) كأنها مرقَّعَة، أو لأنهم لَفُّوا على أرجلهم الخِرَقَ، أو لأنهم رفعوا فيها راياتهم، أو لترقيع صلاةِ الخوف فيها، أو لأن خيلها كان فيها سواد وبياض؟ أقوال. (وهي غزوة محارب بن (¬5) خصفة): -بفتح الخاء المعجمة والصاد المهملة (¬6) والفاء وهاء التأنيث (¬7) - أضيف محارب إليه لقصد التميز (¬8)؛ لأن محاربًا في العرب جماعة، وهذا ابنُ خَصَفَة. ¬

_ (¬1) في "ع" "من". (¬2) انظر "التنقيح" (2/ 854). (¬3) "بذلك" ليست في "ج". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬5) "ابن" ليست في نص البخاري. (¬6) "المهملة" ليست في "ج". (¬7) في "ع": "تأنيث". (¬8) في "ع": "القصد لتميز".

(من بني ثعلبة): قيل: الصواب: وبني ثعلبة بالعطف، نبه عليه أبو علي الغساني في "أوهام الصحيحين" (¬1). (وهي بعد خيبر؛ لأن أبا موسى جاء بعد خيبر): هو استشهاد ظاهر، لكن قال الدمياطي: حديث أبي موسى مُشكل مع صحته، وما ذهب أحد من أهل السير إلى أنها بعد خيبر (¬2). قلت: وقع في "شرح الحافظ مغلطاي": أن أبا معشر قال: إنها كانت بعد الخندق وقريظة. قال مغلطاي: وهو من المعتمدين في السير، وقوله موافق لما ذكره أبو موسى. * * * 2145 - (4125) - وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ: أَخْبَرَنَا عِمْرَانُ الْعطَّارُ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبي كثِيرٍ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى بِأَصْحَابِهِ فِي الْخَوْفِ فِي غَزْوَةِ السَّابِعَةِ، غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: صَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْخَوْفَ بِذِي قَرَدٍ. (بذي قَرَد): بفتح القاف والراء. ¬

_ (¬1) انظر: "تقييد المهمل" (2/ 673). وانظر "التوضيح" (21/ 254). (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 855).

2146 - (4127) - وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ وَهْبَ بْنَ كَيْسَانَ، سَمِعْتُ جَابِرًا: خَرَجَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى ذَاتِ الرِّقَاعِ مِنْ نَخْلٍ، فَلَقِيَ جَمْعًا مِنْ غَطَفَانَ، فَلَمْ يَكُنْ قِتَالٌ، وَأَخَافَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَصَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَكعَتَيِ الْخَوْفِ. (إلى ذات الرقاع من نخل): قال الزركشي: اشتهر على الألسنة صرفه. قال أبو عبيد البكري: نخل على لفظ جمع نخلة، لا يجري (¬1). قلت: يعني: لا ينصرف، وهي عبارة الكوفيين، فإن أراد تَحَتُّمَ منع الصرف فيه، فليس كذلك؛ ضرورة أنه ثلاثي ساكن الوسط، وإن أراد أنه لا ينصرف جوازًا، فمسلَّم، وعلى كل تقدير فلا يرد على ما اشتهر على الألسنة من صرفه. * * * 2147 - (4128) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه -، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزَاةٍ، وَنَحْنُ سِتَّةُ نَفَرٍ، بَيْنَنَا بَعِيرٌ نَعْتَقِبُهُ، فَنَقِبَتْ أَقْدَامُنَا، وَنقِبَتْ قَدَمَايَ، وَسَقَطَتْ أَظْفَارِي، وَكُنَّا نلُفُّ عَلَى أَرْجُلِنَا الْخِرَقَ، فَسُمِّيَتْ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ؛ لِمَا كُنَّا نَعْصِبُ مِنَ الْخِرَقِ عَلَى أَرْجُلِنَا. وَحَدَّثَ ابُو مُوسَى بِهَذَا، ثُمَّ كَرِهَ ذَاكَ، قَالَ: مَا كنْتُ أَصْنعُ بِأَنْ أَذْكُرَهُ؟ كَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ عَمَلِهِ أَفْشَاهُ. ¬

_ (¬1) انظر: "معجم ما استعجم" (2/ 1303). وانظر: "التنقيح" (2/ 855).

باب: حديث الإفك

(فنَقِبت أقدامنا): -بفتح النون وكسر القاف-؛ أي: تَقَرَّحت وقطَّعتِ الأرضُ (¬1) جلودَها. * * * 2148 - (4129) - حَدَّثَنَا قُتيْبةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَمَّنْ شَهِدَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ: أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ، وَطَائِفَةٌ وُجَاهَ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِالَّتِي مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا، وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ انْصَرَفُوا، فَصَفُّوا وُجَاهَ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى، فَصَلَّى بِهِم الرَّكعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ مِنْ صَلَاتِهِ، ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا، وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ. (عَمَّنْ شهدَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يومَ ذاتِ الرقاع): قيل: هو سَهْلُ بنُ أبي حَثمةَ، وقيل: خَوَّات بنُ جُبير. (وُجاه العدو): -بضم الواو وكسرها-؛ أي: جعلوا وجوههم تلقاءَ وجوههم. * * * باب: حَدِيثِ الإِفْكِ 2149 - (4141) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، ¬

_ (¬1) "الأرض" ليست في "ع".

وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإفْكِ مَا قَالُوا، وَكُلُّهُمْ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنْ حَدِيثِهَا، وَبَعْضُهُمْ كَانَ أَوْعَى لِحَدِيثهَا مِنْ بَعْضٍ، وَأَثْبَتَ لَهُ اقْتِصَاصًا، وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمُ الْحَدِيثَ الَّذِي حَدَّثَنِي عَنْ عَائِشَةَ، وَبَعْضُ حَدِيثهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ. قَالُوا: قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَرَادَ سَفَرًا، أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ، فَأَيُّهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا، خَرَجَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعَهُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا، فَخَرَجَ فِيهَا سَهْمِي، فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ مَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ، فَكُنْتُ أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي، وَأُنزَلُ فِيهِ، فَسِرْنَا، حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ غَزْوَتِهِ تِلْكَ، وَقَفَلَ، دَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ قَافِلِينَ، آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ، فَمَشَيْتُ حَتَى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي، أَقْبَلْتُ إِلَى رَحْلِي، فَلَمَسْتُ صَدْرِي، فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ ظَفَارِ قَدِ انْقَطَعَ، فَرَجَعْتُ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي، فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ. قَالَتْ: وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يُرَحِّلُوني، فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي، فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كنْتُ أَرْكَبُ عَلَيْهِ، وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ، وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يَهْبُلْنَ، وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ، إِنَّمَا يَأْكُلْنَ الْعُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ الْقَوْمُ خِفَّةَ الْهَوْدجِ حِينَ رَفعُوهُ وَحَمَلُوهُ، وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَبَعَثُوا الْجَمَلَ، فَسَارُوا، وَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَ مَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ، فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ، وَلَيْسَ بِهَا مِنْهُمْ دَاعٍ وَلَا مُجِيبٌ، فَتَيَمَّمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كنْتُ بِهِ، وَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ فِي

مَنْزِلي، غَلَبَتْنِي عَيْنِي، فَنِمْتُ، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ، فَأصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ، فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي، وَكَانَ رَآنِي قَبْلَ الْحِجَابِ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي، فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجلْبَابِي، وَاللَّهِ! مَا تَكَلَّمْنَا بِكَلِمَةٍ، وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ، وَهَوَى حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ، فَوَطِئَ عَلَى يَدِهَا، فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَرَكبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ وَهُمْ نُزُولٌ، قَالَتْ: فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كبْرَ الإفْكِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أبُيٍّ ابنَ سَلُولَ. قَالَ عُرْوَةُ: أخبِرْتُ أَنَّهُ كَانَ يُشَاعُ وَيُتَحَدَّثُ بِهِ عِنْدَهُ، فَيُقِرُّهُ وَيَسْتَمِعُهُ وَيَسْتَوْشِيهِ. وَقَالَ عُرْوَةُ أَيْضًا: لَمْ يُسَمَّ مِنْ أَهْلِ الإفْكِ أَيْضًا إِلَّا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، وَمِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ، وَحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ، فِي نَاسٍ آخَرِينَ لَا عِلْمَ لِي بِهِمْ، غَيْرَ أَنَّهُمْ عُصْبَةٌ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنَّ كُبْرَ ذَلِكَ يُقَالُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابنُ سَلُولَ. قَالَ عُرْوَةُ: كَانَتْ عَائِشَةُ تَكْرَهُ أَنْ يُسَبَّ عِنْدَهَا حَسَّانُ، وَتَقُولُ: إِنَّهُ الَّذِي قَالَ: فَإِنَّ أَبي وَوَالِدَهُ وعِرضي ... لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْتُ شَهْرًا، وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَصْحَابِ الإفْكِ، لَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَهْوَ يَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لَا أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي، إِنَّمَا يَدْخُلُ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُولُ: "كَيْفَ تِيكُمْ؟ "، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَذَلِكَ يَرِيبُنِي، وَلَا أَشْعُرُ بِالشَّرِّ، حَتَّى خَرَجْتُ حِينَ

نَقَهْتُ، فَخَرَجْتُ مَعَ أُمِّ مِسْطَحٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ، وكَانَ مُتَبَرَّزَنَا، وَكنَّا لَا نَخْرُجُ إِلَّا لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الْكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتنَا، قَالَتْ: وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الأُوَلِ فِي الْبَرِّيَّةِ قِبَلَ الْغَائِطِ، وَكنَّا نَتَأَذَّى بِالْكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوتنَا، قَالَتْ: فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ، وَهْيَ ابْنَةُ أَبي رُهْمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَأُمُّهَا بِنْتُ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطلِبِ، فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ بَيْتِي حِينَ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَع فِي مِرْطِهَا، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ لَهَا: بِئْسَ مَا قُلْتِ، أَتَسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا؟ فَقَالَتْ: أَيْ هَنْتَاهْ! وَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ؟ قَالَتْ: وَقُلْتُ: مَا قَالَ؟ فَأَخْبَرتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الإفْكِ، قَالَتْ: فَازْدَدْتُ مَرَضًا عَلَى مَرَضِي، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي، دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: "كَيْفَ تِيكُمْ؟ "، فَقُلْتُ لَهُ: أتأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ؟ قَالَتْ: وَأُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا، قَالَتْ: فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ لأُمِّي: يَا أُمَّتَاهُ! مَاذَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ قَالَت: يَا بُنَيَّةُ! هَوِّنِي عَلَيْكِ، فَوَاللَّهِ! لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأةٌ قَطُّ وَضِيئَةً عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا، لَهَا ضَرَائِرُ، إِلَّا كَثَّرْنَ عَلَيْهَا. قَالَتْ: فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ! أَوَ لَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا؟ قَالَتْ: فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، ثُمَّ أَصْبَحْتُ أَبْكِي، قَالَتْ: وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَأُسَامَةَ بْنَ زيدٍ، حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ، يَسْألهُمَا وَيَسْتَشَيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ، قَالَتْ: فَأَمَّا أُسَامَةُ، فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ، وَبِالَّذِي يَعْلَمُ لَهُمْ فِي نفسِهِ، فَقَالَ أُسَامَةُ: أَهْلَكَ، وَلَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا. وَأَمَّا عَلِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ، وَالنِّسَاءُ

سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَسَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ. قَالَتْ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَرِيرَةَ، فَقَالَ: "أَيْ بَرِيرَةُ! هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ؟ "، قَالَتْ لَهُ بَرِيرَةُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ! مَا رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا قَطُّ أَغْمِصُهُ، غَيْرَ أَنَّهَا جَارِيَة حَدِيثَةٌ السِّنِّ، تَنَامُ عَنْ عَجينِ أَهْلِهَا، فتأْتِي الدَّاجِنُ فتأْكُلُهُ، قَالَتْ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ يَوْمِهِ، فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، وَهْوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ! مَنْ يَعْذِرُني مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي عَنْهُ أَذَاهُ فِي أَهْلِي؟ وَاللَّهِ! مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا، وَمَا يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي". قَالَتْ: فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ، فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْذِرُكَ، فَإِنْ كَانَ مِنَ الأَوْسِ، ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الْخَزْرَجِ، أَمَرْتَنَا، فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ. قَالَتْ: فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْخَزْرجَ، وَكَانَتْ أُمُّ حَسَّانَ بِنْتَ عَمِّهِ مِنْ فَخِذِهِ، وَهْوَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَهْوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ، قَالَتْ: وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا، وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّهُ، فَقَالَ لِسَعْدٍ: كَذَبْتَ، لَعَمْرُ اللَّهِ! لَا تَقْتُلُهُ، وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ رَهْطِكَ، مَا أَحْبَبْتَ أَنْ يُقْتَلَ. فَقَامَ أُسَيْدُ ابْنُ حُضَيْرٍ، وَهْوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدٍ، فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: كَذَبْتَ، لَعَمْرُ اللَّهِ! لَنَقْتُلَنَّهُ؛ فَإِنَّكَ مُنَافِق تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ. قَالَتْ: فَثَارَ الْحَيَّانِ الأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ، حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا، وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ، قَالَتْ: فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُخَفِّضُهُمْ، حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ، قَالَتْ: فَبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ كُلَّهُ، لَا يَرْقأُ لِي دَمْعٌ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، قَالَتْ: وَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي، وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا، لَا يَرْقأ لي دَمْعٌ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، حَتَّى إِني لأَظُنُّ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي، فَبَيْنَا أَبَوَايَ جَالِسَانِ عِنْدِي

وَأَنَا أَبْكِي، فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَأَذِنْتُ لَهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي، قَالَتْ: فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ، دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْنَا، فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ، قَالَتْ: وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ مَا قِيلَ قَبْلَهَا، وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لَا يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي بِشَيْءٍ، قَالَتْ: فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ جَلَسَ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ: يَا عَائِشَةُ! إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً، فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وَإِنْ كُنْتِ ألمَمْتِ بِذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ، وَتُوبِي إِلَيْهِ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ، ثُمَّ تَابَ، تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ". قَالَتْ: فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَقَالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً، فَقُلْتُ لأَبِي: أَجِبْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِّي فِيمَا قَالَ، فَقَالَ أَبِي: وَاللَّهِ! مَا أَدْرِي مَا أقولُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ لأُمِّي: أَجِيبِي رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا قَالَ، قَالَتْ أُمِّي: وَاللَّهِ! مَا أَدْرِي مَا أقولُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ، وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثة السِّنِّ لَا أَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ كَثِيرًا: إِني وَاللَّهِ! لَقَدْ عَلِمْتُ: لَقَدْ سَمِعْتُمْ هَذَا الْحَدِيثَ حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكُمْ، وَصَدَّقْتُمْ بِهِ، فَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ: إِني بَرِيئَةٌ، لَا تُصَدِّقُونِي، وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي مِنْهُ بَرِيئَةٌ، لتصَدِّقُنِّي، فَوَاللَّهِ! لَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا إِلَّا أَبَا يُوسُفَ حِينَ قَالَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18]، ثُمَّ تَحَوَّلْتُ وَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي حِينَئِذٍ بَرِيئةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي، وَلَكِنْ وَاللَّهِ! مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَن اللَّهَ مُنْزِلٌ فِي شَأْنِي وَحْيًا يُتْلَى، لَشَأْنِي فِي نفسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ بِأَمْرٍ، وَلَكِنْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا، فَوَاللَّهِ! مَا رَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَجْلِسَهُ، وَلَا خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ البَيْتِ، حَتَّى أُنْزِلَ عَلَيْهِ،

فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِنَ الْعَرَقِ مِثْلُ الْجُمَانِ، وَهْوَ فِي يَوْمٍ شَاتٍ؛ مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ، قَالَتْ: فَسُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ يَضْحَكُ، فَكَانَتْ أَوَّلَ كلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ: "يَا عَائِشَةُ! أَمَّا اللَّهُ، فَقَدْ بَرَّأَك". قَالَتْ: فَقَالَتْ لِي أُمِّي: قُومِي إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ! لَا أَقُومُ إِلَيْهِ، فَإِنِّي لَا أحمَدُ إِلَّا اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ-. قَالَتْ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ} [النور: 11] الْعَشْرَ الآيَاتِ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ هَذَا فِي بَرَاءَتِي، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَح بْنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ: وَاللَّهِ! لَا أُنفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا، بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ مَا قَالَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ} إِلَى قَوْلِهِ {غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 22]. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: بَلَى وَاللَّهِ! إِنِّي لأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: وَاللَّهِ! لَا أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا. قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَأَلَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ عَنْ أَمْرِي، فَقَالَ لِزَيْنَبَ: "مَاذَا عَلِمْتِ؟ أَوْ رَأَيْتِ"، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي، وَاللَّهِ! مَا عَلِمْتُ إِلَّا خَيْرًا، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَهْيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِالْوَرعِ. قَالَتْ: وَطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ تُحَارِبُ لَهَا، فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَهَذَا الَّذِي بَلَغَنِي مِنْ حَدِيثِ هَؤُلَاءِ الرَّهْطِ. ثُمَّ قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: وَاللَّهِ! إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي قِيلَ لَهُ ما قِيلَ لَيقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ! فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! مَا كَشَفْتُ مِنْ كنَفِ أُنْثَى قَطُّ. قَالَتْ: ثُمَّ قُتِلَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

(فأيهن): قال الزركشي: كذا لهم، وللأصيلي: "فأيتهن (¬1) " وهو أصوب (¬2). قلت: هذا اعتراف منه بأن كلًّا صواب، وهو خلافُ ما يُفهمه قولُه فيما تقدم في حديث الإفك (¬3): إن "أيتهن" -بالتاء- هو الوجه، وقد أسلفنا الكلام عليه هناك. (في غزوة غزاها): هي غزوة بني المصطلق. * * * 2150 - (4143) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَسْرُوقُ بْنُ الأَجْدَع قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ رُومَانَ، وَهْيَ أُمُّ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: بَيْنَا أنَا قَاعِدَةٌ أَنَا وَعَائِشَةُ، إِذْ وَلَجَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَتْ: فَعَلَ اللَّهُ بِفُلَانٍ وَفَعَلَ، فَقَالَتْ أُمُّ رُومَانَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَتْ: ابْنِي فِيمَنْ حَدَّثَ الْحَدِيثَ، قَالَتْ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَتْ: كَذَا وَكَذَا، قَالَتْ عَائِشَةُ: سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَتْ: نعمْ، قَالَتْ: وَأَبُو بَكْرٍ؟ قَالَتْ: نعمْ، فَخَرَّتْ مَغْشِيًّا عَلَيْهَا، فَمَا أَفَاقَتْ إِلَّا وَعَلَيْهَا حُمَّى بِنَافِضٍ، فَطَرَحْتُ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا فَغَطَّيْتُهَا، فَجَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "مَا شَأْنُ هَذِهِ؟ "، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَخَذَتْهَا الْحُمَّى بِنَافِضٍ، قَالَ: "فَلَعَلَّ فِي حَدِيثٍ تُحُدِّثَ بِهِ؟ "، قَالَتْ: نعمْ، فَقَعَدَتْ عَائِشَةُ فَقَالَتْ: وَاللَّهِ! لَئِنْ ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "فانتهي". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 857). (¬3) "الإفك" ليست في "ج".

حَلَفْتُ، لَا تُصَدِّقُونِي، وَلَئِنْ قُلْتُ، لَا تَعْذِرُوني، مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَيَعْقُوبَ وَبَنِيهِ: {وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18]. قَالَتْ: وَانْصَرَف وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عُذْرَهَا، قَالَتْ: بِحَمْدِ اللَّهِ، لَا بِحَمْدِ أَحَدٍ، وَلَا بِحَمْدِكَ. (حدثني مسروق بن الأجدع، قال: حدثتني أم رومان): انتقد هذا بأن مسروقًا لم يدرك أم رومان. قال الواقدي: والزبير مات سنة ستٍّ، ومسروقٌ ولد باليمن، ولم يقدم المدينة إلا بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إما في خلافة أبي بكر، أو بعدها. وقال عبد الغني: قد روي الحديث عن مسروق، عن ابن مسعود، وهو أشبه بالصواب (¬1). * * * 2151 - (4146) - حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبهَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، وَعِنْدَهَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يُنْشِدُهَا شِعْرًا، يُشَبِّبُ بِأَبْيَاتٍ لَهُ، وَقَالَ: حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ... وَتُصْبحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: لَكِنَّكَ لَسْتَ كَذَلِكَ. قَالَ مَسْرُوقٌ: فَقُلْتُ لَهَا: لِمَ تَأْذَنِي لَهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْكِ؟ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 858). و"التوضيح" (21/ 282).

عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 11 - 14]. فَقَالَتْ: وَأَيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ مِنَ الْعَمَى؟ قَالَتْ لَهُ: إِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ، أَوْ يُهَاجِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. (حَصان): -بفتح الحاء-؛ أي: عفيفة. (رَزان): على زنة حَصان؛ أي: ثابتةُ العقل؛ أي: مثبتة في أمورها. (ما تُزَنُّ بريبةٍ): -بفتح الزاي وتشديد النون على البناء للمفعول-؛ أي: ما تُتَّهَم، ولا تُرمى بشيء مما يُرتاب به. (وتصبح غرثى): من الغَرَث، وهو الجوع، يريد: أنها لا تُغتاب (¬1). (من لحوم الغوافل): أي: عما يُرْمَيْنَ به من الشر؛ لأنهن لم يُتهمن قَطُّ، ولا خطر على قلوبهن، فهنَّ (¬2) في غفلة عنه، وهذا أبلغُ ما يكون من الوصف بالعفاف. (فقلت لها: لم تأذنين له أن يدخل عليكِ، وقد قال الله -عز وجل-: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 11 - 14]): قال الزركشي: أُنكر ذلك عليه، وإنما الذي تولى (¬3) كِبْرَه عبدُالله بنُ أُبي [ابنُ] سلولَ، وإنما كان حسان من الجملة (¬4). قلت: هذا في الحقيقة إنكار على عائشة -رضي الله عنها-؛ فإنها سلَّمت لمسروقٍ ما قال بقولها: وأيُّ عذاب أشدُّ من العمى؟ وحذف نون (¬5) ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "تغتابه". (¬2) في "م": "فهم". (¬3) "تولى" ليست في "ج". (¬4) انظر "التنقيح" (2/ 859). (¬5) في "ج": "وحذف بوزن".

باب: غزوة الحديبية

الرفع من قوله: "تأذني" لمجرد التخفيف. قال ابن مالك: وهو (¬1) ثابت في الكلام الفصيح؛ نثره ونظمِه (¬2) (ينافح): -بالحاء المهملة-: يخاصم ويكافح. * * * باب: غَزْوَةِ الحُدَيْبِيَةِ (غزوة الحُدَيْبِية): وفي نسخة: "عمرة (¬3) الحديبية"، وهي بتخفيف المثناة التحتية التي قبل هاء التأنيث على الأفصح (¬4). 2152 - (4156) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عِيسَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ: أَنَّهُ سَمِعَ مِرْداسًا الأَسْلَمِيَّ يَقُولُ -وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ-: يُقْبَضُ الصَّالِحُونَ، الأَوَّلُ فَالأَوَّلُ، وَتَبْقَى حُفَالَهٌ كَحُفَالَةِ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ، لَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِمْ شَيْئًا. (يقبض الصالحون الأولُ فالأولُ): قال الزركشي: يجوز رفعه على الصفة. قلت: المنصوص أن عطف الصفات المعرَّفة (¬5) مع اجتماع منعوتها ¬

_ (¬1) في "ج": "وما هو". (¬2) في "ج": "نثرًا ونظمًا". (¬3) "عمرة" ليست في "ج". (¬4) انظر "التنقيح" (2/ 859). (¬5) في "ج": "على المعرفة".

من خصائص الواو، والعاطف هنا الفاء لا الواو. ثم (¬1) قال: ويجوز نصبُه على الحال؛ أي: مترتبين، [وجاز وإن كان فيه الألف واللام؛ لأن الحال ما يتخلص من التكرر؛ أي: مترتبين] (¬2)، قاله أبو البقاء. وهل الحال الأول أو الثاني، أو المعنى المجموع منهما؟ فيه خلاف كالخلاف في: هذا حلو حامض (¬3)؛ لأن الحال أصلُها الخبر (¬4). قلت: نقلُ قولٍ بأن الخبر في نحو (¬5): هذا حلو حامض، هو الثاني، لا الأول، غريب، ولم أقف عليه، فحرره. (وتبقى حُفالة): -بحاء مهملة مضمومة وفاء-؛ أي: شيء رديء، وكذا الحثالة بالمثلثة. (لا يعبأ الله بهم): أي: ليست لهم عند الله منزلةٌ، وهذا الحديث مما انفرد به (¬6) البخاري عن الأئمة الخمسة، وليس لراويه مرداس (¬7) الأسلمي (¬8) سواه (¬9). ¬

_ (¬1) في "ج": "وثم". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬3) في "ع": "حامض هو الثاني لا الأول". (¬4) انظر "التنقيح" (2/ 859). (¬5) "في نحو" ليست في "ج". (¬6) في "ع": "به بعضهم". (¬7) "مرداس" ليست في "ج". (¬8) في "ع": "وليس الرواية الأسلمي". (¬9) انظر "التنقيح" (2/ 860).

2153 - (4160 و 4161) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبيهِ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - إِلَى السُّوقِ، فَلَحِقَتْ عُمَرَ امْرَأَةٌ شَابَّهٌ، فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! هَلَكَ زَوْجِي، وَتَرَكَ صِبْيَةً صِغَارًا، وَاللَّهِ! مَا يُنْضِجُونَ كُرَاعًا، وَلَا لَهُمْ زَرْعٌ وَلَا ضَرْعٌ، وَخَشِيتُ أَنْ تَأْكُلَهُمُ الضَّبُعُ، وَأَنَا بِنْتُ خُفَافِ بْنِ إِيمَاءَ الْغِفَارِيِّ، وَقَدْ شَهِدَ أَبي الْحُدَيْبِيةَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. فَوَقَفَ مَعَهَا عُمَرُ، وَلَمْ يَمْضِ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِنَسَبٍ قَرِيبٍ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى بَعِيرٍ ظَهِيرٍ كَانَ مَرْبُوطًا فِي الدَّارِ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ غِرَارتَيْنِ مَلأَهُمَا طَعَامًا، وَحَمَلَ بَيْنَهُمَا نَفَقَةً وَثِيَابًا، ثُمَّ نَاوَلَهَا بِخِطَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: اقْتَادِيهِ، فَلَنْ يَفْنَى حَتَّى يَأْتِيَكُمُ اللَّهُ بِخَيْرٍ، فَقَالَ رَجُل: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! أَكْثَرْتَ لَهَا، قَالَ عُمَرُ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَاللَّهِ! إِنِّي لأَرَى أَبَا هَذِهِ وَأَخَاهَا، قَدْ حَاصَرَا حِصْنًا زَمَانًا، فَافْتَتَحَاهُ، ثُمَّ أَصْبَحْنَا نستَفِيءُ سُهْمَانَهُمَا فِيهِ. (ما يُنضجون كُراعًا): أي: ما يجدون كُراعًا يطبخونه (¬1)، والكُراع: ما دون الكَعْب. (ولا ضرع): أي: ليس لهم ما يحلبونه. (خشيت (¬2) أن تأكلهم الضبع): أي: السنة الجدبة الشديدة. (وأنا بنت خُفاف): بضم الخاء المعجمة وفاءين مخففتين بينهما ألف، وإيماء: بكسر الهمزة وفتحها. ¬

_ (¬1) في "ج": "ما يجدون ما يطبخونه". (¬2) في "ع" و"ج": "حسبت".

(إلى بعيرٍ ظَهيرٍ): -بفتح الظاء المعجمة-؛ أي: قويِّ الظهر. (نستفيء سهمانهما): نستفعل (¬1)؛ من الفيء. قال السفاقسي: ويروى: "نستقي" بالقاف (¬2). * * * 2154 - (4170) - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِشْكَابٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَقِيتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، فَقُلْتُ: طُوبَى لَكَ، صَحِبْتَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وَبَايَعْتَهُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فَقَالَ: يَا بْنَ أَخِي! إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثْنَا بَعْدَهُ. (ابن إِشكاب): بكسر الهمزة. * * * 2155 - (4174) - وَعَنْ مَجْزَأَةَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ، اسْمُهُ أُهْبَانُ بْنُ أَوْسٍ، وَكَانَ اشْتَكَى رُكبَتَهُ، وَكَانَ إِذَا سَجَدَ، جَعَلَ تَحْتَ رُكبَتِهِ وِسَادَةً. (مَجْزَاة): بفتح الميم، وكسرها بعضهم، وسكون الجيم وفتح الزاي وسكون الألف غير مهموز، كذا يقوله المحدثون. وقال الجياني: مفتوح الميم والهمزة (¬3). ¬

_ (¬1) في "ع": "استفعل". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 860). (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 861).

(أُهبان بن أَوس): بضم همزة أهبان (¬1)، وهو مكلِّم (¬2) الذئب. * * * 2156 - (4175) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبي عَدِيِّ، عَنْ شُعْبهَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سُويْدِ بْنِ النُّعْمَانِ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ أُتُوا بِسَوِيقٍ، فَلَاكُوهُ. (بشير بن يسار): الأول بموحدة وشين معجمة، مصغَّر، والثاني بمثناة تحتية مفتوحة وسين مهملة. * * * 2157 - (4176) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَاتِمِ بْنِ بَزِيعٍ: حَدَّثَنَا شَاذَانُ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِذ بْنَ عَمْرٍو - رضي الله عنه -، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ: هَلْ يُنْقَضُ الْوِتْرُ؟ قَالَ: إِذَا أَوْتَرْتَ مِنْ أَوَّلِهِ، فَلَا تُوتِرْ مِنْ آخِرِهِ. (عن شعبة عن أبي جمرة): قال القاضي: غلط أبو القاسم فيه هنا، فرواه: بالحاء والزاي، وإنما هو بالجيم (¬3). ¬

_ (¬1) في "ج": "من أهبان". (¬2) في "ع": "يكلم". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 170).

2158 - (4177) - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَسِيرُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسِيرُ مَعَهُ لَيْلًا، فَسَألهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ شَيْءٍ، فَلَمْ يُجبْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ سَأَلَهُ، فَلَمْ يُجبْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ، فَلَمْ يُجبْهُ، وَقَالَ عُمَرُ ابْنُ الْخَطَّابِ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا عُمَرُ، نزَرْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، كُلُّ ذَلِكَ لَا يُجيبُكَ، قالَ عُمَرُ: فَحَرَّكْتُ بَعِيرِي، ثُمَّ تَقَدَّمْتُ أَمَامَ الْمُسْلِمِينَ، وَخَشِيتُ أَنْ يَنْزِلَ فِيَّ قُرْآن، فَمَا نَشِبْتُ أَنْ سَمِعْتُ صَارِخًا يَصْرُخُ بِى، قَالَ: فَقُلْتُ: لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ فِيَّ قُرْآنٌ، وَجئْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: "لَقَدْ أنزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ، لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ"، ثُمَّ قَرَأَ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: 1]. (نزَرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -): -بتخفيف الزاي وتشديدها، والتخفيف هو المعروف، والتشديد للمبالغة-؛ أي: ألححت. * * * 2159 - (4178 و 4179) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ حِينَ حَدَّثَ هَذَا الْحَدِيثَ، حَفِظْتُ بَعْضَهُ، وَثَبَّتَنِي مَعْمَرٌ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، قَالَا: خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِئَةً مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا أتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ، قَلَّدَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ، وَأَحْرَمَ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ، وَبَعَثَ عَيْنًا لَهُ مِنْ خُزَاعَةَ، وَسَارَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى كَانَ بِغَدِيرِ الأَشْطَاطِ أتاهُ عَيْنُهُ، قَالَ: إِنَّ قُرَيْشًا جَمَعُوا لَكَ جُمُوعًا، وَقَدْ جَمَعُوا

لَكَ الأَحَابِيشَ، وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ، وَصَادُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ، وَمَانِعُوكَ. فَقَالَ: "أَشِيرُوا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيَّ، أَتَرَوْنَ أَنْ أَمِيلَ إِلَى عِيَالِهِمْ وَذَرَارِيِّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَصُدُّونَا عَنِ الْبَيْتِ، فَإِنْ يَأْتُونَا كَانَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ قَطَعَ عَيْنًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَإِلَّا تَرَكْنَاهُمْ مَحْرُوبِينَ". قَالَ أبو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اخَرَجْتَ عَامِدًا لِهَذَا الْبَيْتِ، لَا تُرِيدُ قَتْلَ أَحَدٍ، وَلَا حَرْبَ أَحَدٍ، فتوَجَّهْ لَهُ، فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ، قَاتَلْنَاهُ. قَالَ: "امْضُوا عَلَى اسْم اللَّهِ". (وبعث عينًا له من خُزاعة): هو بُسْر بن سُفيان -بباء موحدة مضمومة وسين مهملة ساكنة-، قاله في "مختصر الاستيعاب"، والعين الرَّبيئة الذي ينظر القوم (¬1). (بغدير الأَشْطاط): -بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وطاءين مهملتين بينهما (¬2) ألف-، كذا في "المشارق" (¬3)، و"المطالع". وقاله أبو عبيدة البكري. وعن أبي ذر بالطاء المهملة وبالظاء المعجمة. وكذا في "الروض الأنف" (¬4). (وقد جمعوا لك الأحابيش): قال ابن فارس: جماعات مجتمعين من قبائل شتى (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 861). (¬2) "بينهما" ليست في "ع". (¬3) انظر: (1/ 58). (¬4) انظر: "الروض الأنف" (4/ 40)، وانظر: " التنقيح" (2/ 861). (¬5) انظر: "مجمل اللغة" (ص: 261).

وقال الخليل: إنهم أحياء من القارة أفضوا إلى بني ليث في محاربتهم (¬1) قريشًا قبل الإسلام (¬2). وقال ابن دريد: هم حلفاء قريش، تحالفوا تحت جبل يسمى حبشًا، فسُمُّوا الأحابيش (¬3). (محروبين): أي: مسلوبين أهلَهم ومالهم. * * * 2160 - (4180 و 4181) - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمِّهِ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ سَمِعَ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَم، وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ: يُخْبِرَانِ خَبَرًا مِنْ خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ، فَكَانَ فِيمَا أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْهُمَا: أَنَّهُ لَمَّا كَاتَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى قَضِيَّةِ الْمُدَّةِ، وَكَانَ فِيمَا اشْتَرَطَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ: لَا يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا، وَخَلَّيْتَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ. وَأَبَى سُهَيْلٌ أَنْ يُقَاضِيَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَّا عَلَى ذَلِكَ، فَكَرِهَ الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ، وَامَّعَضُوا، فَتَكَلَّمُوا فِيهِ، فَلَمَّا أَبَى سُهَيْل أَنْ يُقَاضِيَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَّا عَلَى ذَلِكَ، كَاتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبَا جَنْدَلِ بْنَ سُهَيْلٍ يَوْمَئِذٍ إِلَى أَبيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَلَمْ يَأْتِ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحَدٌ مِنَ الرِّجَالِ إِلَّا رَدَّهُ فِي تِلْكَ ¬

_ (¬1) في "ع": "محارباتهم". (¬2) انظر: "العين" (3/ 98). (¬3) انظر: "جمهرة اللغة" (1/ 278). وانظر: "التنقيح" (2/ 861).

الْمُدَّةِ، وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا، وَجَاءَتِ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ، فَكَانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أبي مُعَيْطٍ مِمَّنْ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَهْيَ عَاتِقٌ، فَجَاءَ أَهْلُهَا يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَرْجِعَهَا إِلَيْهِمْ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُؤْمِنَاتِ مَا أَنْزَلَ. (وامَّعَضوا): -بتشديد الميم-، وأصله: "انْمَعَضوا"، فقُلبت النون ميمًا، وأُدغمت في الميم، ويروى: "امتعضوا" على زنة افتعلوا؛ أي: شَقَّ عليهم (¬1). * * * 2161 - (4186) - حَدَّثَنِي شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ، سَمِعَ النَّضْرَ بْنَ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا صَخْرٌ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: إِنَّ النَّاسَ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَسْلَمَ قَبْلَ عُمَرَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ عُمَرُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَرْسَلَ عَبْدَ اللَّهِ إِلَى فَرَسٍ لَهُ عِنْدَ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، يَأْتِي بِهِ لِيُقَاتِلَ عَلَيْهِ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُبَايِعُ عِنْدَ الشَّجَرَةِ، وَعُمَرُ لَا يَدْرِي بِذَلِكَ، فَبَايَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ، ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى الْفَرَسِ، فَجَاءَ بِهِ إِلَى عُمَرَ، وَعُمَرُ يَسْتَلْئِمُ لِلْقِتَالِ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُبَايِعُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، قَالَ: فَانْطَلَقَ، فَذهَبَ مَعَهُ حَتَّى بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَهِيَ الَّتِي يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَسْلَمَ قَبْلَ عُمَرَ. (يستلئم للقتال): أي (¬2): يلبس اللأْمة، وهي الدرع. ¬

_ (¬1) انظر "التنقيح" (2/ 862). (¬2) "أي" ليست في "ع" و"ج".

باب: غزوة خيبر

2162 - (4189) - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَصِين، قَالَ: قَالَ أَبُو وَائِلٍ: لَمَّا قَدِمَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ مِنْ صِفِّينَ، أَتَيْنَاهُ نَسْتَخْبِرُهُ، فَقَالَ: اتَّهِمُوا الرَّأْيَ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ، وَلَوْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أرُدَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمْرَهُ، لَرَدَدْتُ، وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، وَمَا وَضَعْنَا أَسْيَافَنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا لأَمْرٍ يُفْظِعُنَا إِلَّا أَسْهَلْنَ بِنَا إِلَى أَمْرٍ نَعْرِفُهُ قَبْلَ هَذَا الأَمْرِ، مَا نسُدُّ مِنْهَا خُصْمًا، إِلَّا انْفَجَرَ عَلَيْنَا خُصْمٌ مَا نَدْرِي كَيْفَ نَأْتِي لَهُ. (ما نسدُّ منها خُصْمًا إلا انفجر علينا خُصْم): -بضم الخاء المعجمة وسكون الصاد المهملة-: الناحية والطَّرَف، وأصله: خصمُ القِرْبة، وهو طرفها، واستعمله هنا على جهة الاستعارة، وحسَّنه ترشيحُ ذلك بالانفجار، وقد مر الكلام على الحديث. * * * باب: غَزْوَةِ خَيْبَرَ 2163 - (4196) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ - رضي الله عنه -، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى خَيْبَرَ، فَسِرْنَا لَيْلًا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ لِعَامِرٍ: يَا عَامِرُ! أَلَا تُسْمِعُنَا مِنْ هُنَيْهَاتِكَ؟ وَكَانَ عَامِرٌ رَجُلًا شَاعِرًا، فَنَزَلَ يَحْدُو بِالْقَوْمِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا

فَاغْفِرْ فِدَاءً لَكَ مَا أَبْقَيْنَا ... وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا وَألقِيَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... إِنَّا إِذَا صِيحَ بِنَا أَبَيْنَا وَبِالصِّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَيْنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ هَذَا السَّائِقُ؟ "، قَالُوا: عَامِرُ بْنُ الأَكْوَعِ، قَالَ: "يَرْحَمُهُ اللَّهُ". قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: وَجَبَتْ يَا نبِيَّ اللَّهِ، لَوْلَا أَمْتَعْتَنَا بِهِ؟ فَأَتَيْنَا خَيْبَرَ، فَحَاصَرْنَاهُمْ حَتَّى أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَتَحَهَا عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا أَمْسَى النَّاسُ مَسَاءَ الْيَوْمِ الَّذِي فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ، أَوْقَدُوا نِيرَانًا كثِيرَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا هَذِهِ النِّيرَانُ؟ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُوقِدُونَ؟ "، قَالُوا: عَلَى لَحْمٍ، قَالَ: "عَلَى أَيِّ لَحْمٍ؟ "، قَالُوا: لَحْمِ حُمُرِ الإنْسِيَّةِ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَهْرِيقُوهَا، وَاكْسِرُوهَا". فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَوْ نُهَرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا؟ قَالَ: "أَوْ ذَاكَ". فَلَمَّا تَصَافَّ الْقَوْمُ، كَانَ سَيْفُ عَامِرٍ قَصِيرًا، فَتَنَاوَلَ بِهِ سَاقَ يَهُودِيٍّ لِيَضْرِبَهُ، وَيَرْجِعُ ذُبَابُ سَيْفِهِ، فَأَصَابَ عَيْنَ رُكْبَةِ عَامِرٍ، فَمَاتَ مِنْهُ، قَالَ: فَلَمَّا قَفَلُوا، قَالَ سَلَمَةُ: رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ آخِذٌ بِيَدِي، قَالَ: "مَا لَكَ؟ "، قُلْتُ لَهُ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ؟ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "كَذَبَ مَنْ قَالَهُ، إِنَّ لَهُ لأَجْرَيْنِ -وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ- إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ، قَلَّ عَرَبِيٌّ مَشَى بِهَا مِثْلَهُ". حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، قَالَ: "نَشَأَ بِهَا". (غزوة خيبر).

(ألا تسمعنا من هَناتك): أي (¬1): من أخبارك وأشعارك، فكنى بها عن ذلك. ويروى: "هُنَيَّاتك": بالتصغير والياء مشددة. ويروى: "هنيهاتك" -بهاءين (¬2) - تصغير هنة، على لغة مَنْ أصلُها عنده هُنَيَّة؛ كسُنَيْهة في سَنَة (¬3). (فاغفر فداء لك): قيل: الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ أي: اغفر لنا تقصيرَنا في حقك وطاعتك (¬4)؛ إذ لا يتصور أن يقال مثلُ هذا الكلام للباري سبحانه وتعالى. (وبالصياح عولوا علينا): قال الخطابي: هو من عويل؛ أي: أجلبوا علينا بأصواتهم (¬5)، قيل: والأشبه أنه من التعويل؛ أي: استعانوا علينا بالصياح (¬6). (قال رجل من القوم: وجبت يا نبي الله، لولا أمتعتنا به): القائل ذلك هو عمرُ بنُ الخطاب - رضي الله عنه -، كذا في "أسد الغابة" (¬7). ¬

_ (¬1) "أي" ليست في "ع" و"ج". (¬2) "بهاءين" ليست في "ع". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 864). (¬4) "وطاعتك" ليست في "ع" و"ج". (¬5) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 1737). (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 864). (¬7) انظر: "أسد الغابة" (3/ 121).

ووقع في "طبقات ابن سعد": أن عمر قال: وجبت، وأن رجلًا قال: لو متعتنا به (¬1). ومعنى وجبت: ثبتت (¬2) الشهادة له في سبيل الله بسبب دعوة (¬3) النبي - صلى الله عليه وسلم - له (¬4) بالرحمة؛ فإنه كان لا يستغفر لإنسان يخصه بذلك إلا استُشهد (¬5). (فتناول به ساقَ يهودي): اسمُ اليهودي مَرْحَبٌ، كما ذكره ابن سعد في "الطبقات" (¬6). (ويرجعُ ذُباب سيفه): أي: طَرَفُه. (فأصاب عينَ ركبته (¬7)): هو رأسُ الرُّكْبَة. (إنه لجاهدٌ مجاهدٌ): الجاهدُ: من يرتكب المشقةَ، والمجاهدُ: من يجاهد في سبيل الله، وهو مشتق منه (¬8). وعند أبي ذر: "لجاهدَ مُجاهدًا" بجعل الأول فعلًا ماضيًا، والثاني اسمًا منصوبًا بذلك الفعل، جمعًا لمجتهد (¬9). (قلَّ عربيٌّ نشأَ بها مثله): نشأ: فعل ماض مهموز الآخر؛ أي: ¬

_ (¬1) انظر: "الطبقات الكبرى" (4/ 303). (¬2) في "م": "ثبت". (¬3) في "ج": "سبيل الله بدعوة". (¬4) "له" ليست في "ج". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 865). (¬6) انظر: (2/ 110 - 111). (¬7) نص البخاري: "ركبة". (¬8) "منه" ليست في "ع". وانظر "التوضيح" (21/ 355). (¬9) كذا في جميع النسخ.

ثبت وكَبِرَ، والباء من "بها" ظرفية، والضمير عائد إلى الحرب، أو إلى (¬1) هذه الأرض. وروي: "عربيًا": بالنصب -فخرَّجه السهيلي على أن "مثلُه" فاعل "قَلَّ" (¬2)، و"عربيًا": منصوب على التمييز؛ لأن في الكلام معنى المدح؛ نحو عَظُمَ زيدٌ رجلًا، وقَلَّ ذا أدبًا. وروي: "مشى": -بميم- من المشي. قال القاضي: وأكثر رواة البخاري عليه (¬3)، وعند بعضهم "مشابهًا" اسم فاعلٍ (¬4) من شابَهَهُ: إذا ماثَلَهُ؛ أي: ليس عربي مشابهًا مثلَه في صفات القتال (¬5). وإنما فسرناه بذلك؛ لما في (¬6) قَلَّ من معنى النفي، فتأمله. * * * 2164 - (4197) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَتَى خَيْبَرَ لَيْلًا، وَكَانَ إِذَا أَتَى قَوْمًا بِلَيْلٍ، لَمْ يُغِرْ بِهِمْ حَتَّى يُصْبحَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ، خَرَجَتِ الْيَهُودُ بِمَسَاحِيهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْهُ، قَالُوا: مُحَمَّد وَاللَّهِ! مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ ¬

_ (¬1) في "ج": "الحرب وإلى". (¬2) "قل" ليست في "ع". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 388). (¬4) "اسم فاعل" ليست في "ج". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 865 - 866). (¬6) "في" ليست في "ج".

فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ". (لم يُغْرِ بهم): بضم (¬1) المثناة [التحتية وإسكان الغين المعجمة وتخفيف الراء مكسورة. ويروى: "يَقْرَبُهم": بفتح المثناة] (¬2) وبالقاف وفتح الراء (¬3). * * * 2165 - (4205) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ - رضي الله عنه -، قَالَ: لَمَّا غَزَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ، أَوْ قَالَ: لَمَّا تَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، أَشْرَفَ النَّاسُ عَلَى وَادٍ، فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، إِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، إِنَّكمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا، وَهْوَ مَعَكُمْ". وَأَنَا خَلْفَ دَابَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَمِعَنِي وَأَنَا أَقُولُ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، فَقَالَ لِي: "يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ! "، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى كلِمَةٍ مِنْ كنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ؟ "، قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، قَالَ: "لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ". (ارْبَعوا): -بهمزة وصل وراء ساكنة وموحدة مفتوحة-؛ أي: ارفُقوا (¬4). ¬

_ (¬1) في "ع": "ضم". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬3) المرجع السابق، (2/ 866). (¬4) في "ع" و"ج": "ارفعوا".

2166 - (4204) - وَقَالَ شَبِيبٌ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي ابْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: شَهِدْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ. (أن أبا هريرة قال: شهدنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - خيبر): -بالخاء المعجمة- وهو الصواب، ووقع لبعضهم: "حُنين": بالحاء المهملة والنون، وهو وهم (¬1). * * * 2167 - (4208) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْخُزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا زِيادُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ: نَظَرَ أَنَسٌ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَرَأَى طَيَالِسَةً، فَقَالَ: كَأَنَّهُمُ السَّاعَةَ يَهُودُ خَيْبَرَ. (فرأى طيالسة، فقال: كأنهم الساعةَ يهودُ خبير): قال القاضي: يقال: طَيْلَسان -بفتح اللام وكسرها-، ولم يعرف الأصمعي الكسر (¬2). انتهى. * * * 2168 - (4221 و 4222) - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم-: أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَصَابُوا حُمُرًا فَطَبَخُوهَا، فَنَادَى مُنَادِي ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 867). (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 324).

النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَكْفِئوُا الْقُدُورَ". (فاطَّبَخُوها (¬1)): افْتَعَلوها؛ من الطبخ، إلا أن تاء الافتعال قُلبت طاء، وأُدغمت في الطاء. (أَكْفِئوا): بقطع الهمزة وكسر الفاء، ووصلِها وفتح الفاء. * * * 2169 - (4226) - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ، عَنْ عَامِرٍ، عَنِ الْبَرَاءَ بْنِ عَازِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: أَمَرَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ: أَنْ نُلْقِيَ الْحُمُرَ الأَهْلِيَّةَ نِيئَةً وَنضيجَةً، ثُمَّ لَمْ يَأْمُرْنَا بِأَكلِهِ بَعْدُ. (نِيئة): -بكسر النون وبهمزة-؛ أي: لم تُطبخ. * * * 2170 - (4230) - وَدَخَلَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، وَهيَ مِمَّنْ قَدِمَ مَعَنَا، عَلَى حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - زَائِرَةً، وَقَدْ كَانَتْ هَاجَرَتْ إِلَى النَّجَاشِيِّ فِيمَنْ هَاجَرَ، فَدَخَلَ عُمَرُ عَلَى حَفْصَةَ، وَأَسْمَاءُ عِنْدَهَا، فَقَالَ عُمَرُ حِينَ رَأَى أَسْمَاءَ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالَتْ: أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، قَالَ عُمَرُ: آلْحَبَشِيَّةُ هَذِهِ؟ آلْبَحْرِيَّةُ هَذِهِ؟ قَالَتْ أَسْمَاءُ: نَعَمْ، قَالَ: سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ، فَنَحْنُ أَحَقُّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْكُمْ، فَغَضِبَتْ وَقَالَتْ: كَلَّا وَاللَّهِ! كُنْتُمْ ¬

_ (¬1) كذا في رواية أبي ذر الهروي، وفي اليونينية: "فطبخوها"، وهي المعتمدة في النص.

مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُطْعِمُ جَائِعَكُمْ، وَيَعِظُ جَاهِلَكُمْ، وَكُنَّا فِي دارِ -أَوْ فِي أَرْضِ- الْبُعَدَاءِ الْبُغَضَاءِ بِالْحَبَشَةِ، وَذَلِكَ فِي اللَّهِ وَفِي رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَايْمُ اللَّهِ! لَا أَطْعَمُ طَعَامًا، وَلَا أَشْرَبُ شَرَابًا، حَتَّى أَذْكُرَ مَا قُلْتَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَنَحْنُ كُنَّا نُؤْذَى وَنُخَافُ، وَسَأَذْكُرُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَسْألهُ، وَاللَّهِ! لَا أَكْذِبُ، وَلَا أَزِيغُ، وَلَا أَزِيدُ عَلَيْهِ. (آلحبشية هذه؟ آلبحرية هذه؟): -بمد الهمزة فيها على الاستفهام-؛ أي: أهي التي كانت في الحبشة؟ أهي التي جاءت من البحر (¬1)؟ (البُعداء البُغضاء): جمع بَعيد (¬2) وبَغيض. * * * 2171 - (4231) - فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَتْ: يَا نبَيَّ اللَّهِ! إِنَّ عُمَرَ قَالَ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: "فَمَا قُلْتِ لَهُ؟ "، قَالَتْ: قُلْتُ لَهُ: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: "لَيْسَ بِأَحَقَّ بِي مِنْكُمْ، وَلَهُ وَلأَصْحَابِهِ هِجْرَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَكُمْ أَنْتُمْ -أَهْلَ السَّفِينَةِ- هِجْرَتَانِ". قَالَتْ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَى وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ يَأْتُونِي أَرْسَالًا، يَسْأَلُونِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، مَا مِنَ الدُّنْيَا شَيْءٌ هُمْ بِهِ أَفْرَحُ وَلَا أَعْظَمُ فِي أَنْفُسِهِمْ مِمَّا قَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَى وَإِنَّهُ لَيَسْتَعِيدُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنِّي. ¬

_ (¬1) في "ج": "التي كانت في الحبشة تبحر". (¬2) في "ج": "بعض".

(ولكم أنتم -أهلَ السفينة- هجرتان): أنتم: تأكيد لضمير الخفض، وأهلَ السفينة: نصب على الاختصاص. (يأتونني (¬1) أرسالًا): أي: متتابعين. وفي رواية أبي الهيثم: "يأتون أسماءَ" (¬2). * * * 2172 - (4232) - قَالَ أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي لأَعْرِفُ أَصْوَاتَ رُفْقَةِ الأَشْعَرِيِّينَ بِالْقُرْآنِ حِينَ يَدْخُلُونَ بِاللَّيْلِ، وَأَعْرِفُ مَنَازِلَهُمْ مِنْ أَصْوَاتِهِمْ بِالْقُرْآنِ بِاللَّيْلِ، وَإِنْ كنْتُ لَمْ أَرَ مَنَازِلَهُمْ حِينَ نزَلُوا بِالنَّهَارِ، وَمِنْهُمْ حَكِيمٌ، إِذَا لَقِيَ الْخَيْلَ، أَوْ قَالَ: الْعَدُوّ، قَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَصْحَابِي يَأْمُرُونَكُمْ أَنْ تَنْظُرُوهُمْ". (حين يدخلون بالليل): قال الزركشي: قيل صوابه: "حين يرحلون" -بالراء والحاء المهملة- (¬3). قلت: لا أعرف وجهًا للقدح في الرواية الثانية في البخاري: "يدخلون" -بالدال (¬4) المهملة والخاء المعجمة-؛ فإن المعنى بها مستقيم؛ أي: إني لأعرف أصواتَ رفقة الأشعريين حين يدخُلون بالليل؛ أي: إلى منازلهم، ¬

_ (¬1) كذا في رواية أبي ذر الهروي عن الحموي والمستملي، وفي اليونينية: "يأتوني"، وهي المعتمدة في النص. (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 869). (¬3) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬4) في "ج": "الخاء بالدال".

فما الموجب لطرح هذه الرواية مع استقامتها؟! هذا شيء عجيب. * * * 2173 - (4234) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ثَوْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ مَوْلَى بْنِ مُطِيعٍ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يَقُولُ: افْتَتَحْنَا خَيْبَرَ، وَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً، إِنَّمَا غَنِمْنَا الْبَقَرَ وَالإبِلَ وَالْمَتَاعَ وَالْحَوَائِطَ، ثُمَّ انْصَرَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى وَادِي الْقُرَى، وَمَعَهُ عَبْدٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ: مِدْعَمٌ، أَهْدَاهُ لَهُ أَحَدُ بَنِي الضِّبَابِ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؛ إِذْ جَاءَهُ سَهْمٌ عَائِرٌ، حَتَّى أَصَابَ ذَلِكَ الْعَبْدَ، فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "بَلَى، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَصَابَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ الْمَغَانِمِ، لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ، لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا". فَجَاءَ رَجُلٌ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِشِرَاكٍ، أَوْ بِشِرَاكَيْنِ، فَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ كُنْتُ أَصَبْتُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "شِرَاكٌ -أَوْ شِرَاكَانِ- مِنْ نَارٍ". (ومعه عبد يقال له: مِدعَم): -بكسر الميم وفتح العين المهملة-، وقيل: اسمه كركرة -بفتح الكافين (¬1)، وقيل بكسرهما-، واختلف هل أعتقه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو مات عبدًا (¬2)؟ ¬

_ (¬1) "بفتح الكافين" ليست في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 869).

(أهداه له أحدُ بني الضِّباب): قيل (¬1): صوابه الضُّبيب -بضم الضاد المعجمة على التصغير-، وهو رفاعة بن زيد بن وهب الجذامي، كذا رواه مسلم في "صحيحه" (¬2). وقال المنذري: كذا يقوله بعض أهل (¬3) الحديث، وأما أهل النسب، فيقولون فيه: "الضَّبَني" -بفتح الضاد والباء وبعدها نون- منسوب إلى ضَبينَةَ: بطنٍ من جُذام (¬4)، ورفاعةُ هذا قدمَ على النبي - صلى الله عليه وسلم -[في مقدم الحديبية في قوم أسلموا، وعقد له رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬5) على قومه (¬6). (سهم عائر): -بعين مهملة- هو الذي لا يُعرف راميه. * * * 2174 - (4235) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَني زَيْدٌ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - يَقُولُ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَوْلَا أَنْ أترُكَ آخِرَ النَّاسِ بَبَّانًا لَيْسَ لَهُمْ شَيْءٌ، مَا فُتِحَتْ عَلَيَّ قَرْيَةٌ إِلَّا قَسَمْتُهَا، كمَا قَسَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ، وَلكِنِّي أَتْرُكُهَا خِزَانَةً لَهُمْ يَقْتَسِمُونَهَا. ¬

_ (¬1) في "م" و"ع": "وقيل". (¬2) رواه مسلم (115). (¬3) في "ج": "بقوله أهل بعض". (¬4) في "ع": "أحد". (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 869).

(بَبَّانًا): -بموحدة مفتوحة (¬1) فموحدة مشددة فألف فنون- يعني: شيئًا واحدًا في الأرض المغنومة. قال أَبو عبيد: ولا أحسبها عربية، وقال غيره: هي حبشية. قال أَبو سعيد الضرير: ليس في كلام العرب ببابًا (¬2)، والصحيح بيانًا واحدًا، والعرب تقول إذا ذكرت من لا يُعرف: هَيَّان بنُ بَيَّان (¬3). والمعنى: لأسوين بينهم في العطاء، لا أفضل أحدًا على غيره. وقال الأزهري: ليس كما ظن، وكأنها (¬4) لغة يمانية (¬5). * * * 2175 - (4240 و 4241) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ فَاطِمَةَ -عَلَيْهَا السَّلَامُ- ابْنةَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أَرْسَلَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ وَفَدَكَ، وَمَا بَقِيَ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا نُورَثُ، مَا تَرَكنَا صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - فِي هَذَا الْمَالِ". وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ صَدَقَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ¬

_ (¬1) "مفتوحة" ليست في "ع". (¬2) في "ج": "بيانًا". (¬3) في "ع": "هبان". (¬4) في "ع": "ظن ركابها". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 869).

حَالِهَا الَّتِي كانَ عَلَيْهَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلأَعْمَلَنَّ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى فَاطِمَةَ مِنْهَا شَيْئًا، فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ، فَهَجَرَتْهُ، فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ، وَعَاشَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ، دَفَنَهَا زَوْجُهَا عَلِيٌّ لَيْلًا، وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أَبَا بَكْرٍ، وَصَلَّى عَلَيْهَا، وَكانَ لِعَلِيِّ مِنَ النَّاسِ وَجْةٌ حَيَاةَ فَاطِمَةَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتِ، اسْتَنْكَرَ عَلِيٌّ وُجُوهَ النَّاسِ، فَالْتَمَسَ مُصَالَحَةَ أَبِي بَكْرٍ وَمُبَايَعَتَهُ، وَلَمْ يَكُنْ يُبَايعُ تِلْكَ الأَشْهُرَ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ: أَنِ ائْتِنَا، وَلَا يَأْتِنَا أَحَدٌ مَعَكَ، كَرَاهِيةً لِمَحْضَرِ عُمَرَ، فَقَالَ عُمَرُ: لَا وَاللَّهِ! لَا تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ وَحْدَكَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَا عَسَيْتَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا بِي؟ وَاللَّهِ! لآتِيَنَّهُمْ، فَدَخَلَ عَلَيْهِم أَبُو بَكْرٍ، فَتَشَهَّدَ عَلِىٌّ، فَقَالَ: إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا فَضْلَكَ، وَمَا أَعْطَاكَ اللَّهُ، وَلَمْ نَنْفَسْ عَلَيْكَ خَيْرًا سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْكَ، وَلَكِنَّكَ اسْتَبْدَدْتَ عَلَيْنَا بِالأَمْرِ، وَكُنَّا نَرَى لِقَرَابَتِنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَصِيبًا، حَتَّى فَاضَتْ عَيْنَا أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: وَالَّذِي نفسِي بِيَدِهِ! لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي، وَأَمَّا الَّذِي شَجَرَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنْ هَذِهِ الأَمْوَالِ، فَلَمْ آلُ فِيهَا عَنِ الْخَيْرِ، وَلَمْ أَترُكْ أَمْرًا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصْنَعُهُ فِيهَا إِلَّا صَنَعْتُهُ. فَقَالَ عَلِيٌّ لأَبِي بَكْرٍ: مَوْعِدُكَ الْعَشِيَّهُ لِلْبَيْعَةِ. فَلَمَّا صَلَّى أَبُو بَكْرٍ الظُّهْرَ، رَقِيَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَتَشَهَّدَ، وَذَكَرَ شَأْنَ عَلِيٍّ وَتَخَلُّفَهُ عَنِ الْبَيْعَةِ، وَعُذْرَهُ بِالَّذِي اعْتَذَرَ إِلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَتَشَهَّدَ عَلِي، فَعَظَّمَ حَقَّ أَبِي بَكْرٍ، وَحَدَّثَ: أَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى الَّذِي صَنَعَ نَفَاسَةً عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وَلَا إِنْكَارًا لِلَّذِي فَضَّلَهُ اللَّهُ بِهِ، وَلَكِنَّا نَرَى لَنَا فِي هَذَا الأَمْرِ نَصِيبًا، فَاسْتبَدَّ عَلَيْنَا، فَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا. فَسُرَّ بِذَلِكَ

باب: الشاة التي سمت للنبي - صلى الله عليه وسلم - بخيبر

الْمُسْلِمُونَ، وَقَالُوا: أَصَبْتَ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى عَلِيٍّ قَرِيبًا، حِينَ رَاجَعَ الأَمْرَ الْمَعْرُوفَ. (وما عسَيتهم (¬1) أن يفعلوا بي): بفتح السين وكسرها. قال ابن مالك: وفيه شاهد على صحة تضمين فعل معنى فعل (¬2) آخر، وإجرائه مجراه (¬3) في التعدية؛ فإن "عسى" في هذا الكلام قد ضُمِّنَت معنى "حسب"، وأُجريت مجراها، فنصبت (¬4) ضمير الغائبين على أنه مفعول أول، ونصبت "أن يفعلوا" تقديرًا على أنه مفعول ثان، وكان حقه أن يكون عاريًا من "أن" كما لو كان بعد حسب، ولكن جيء بأن؛ لئلا تخرج عسى بالكلية عن مقتضاها، ولأن "أن" قد تسدُّ بصلتها مسدَّ مفعولي حسب، فلا يستبعد مجيئها بعد المفعول الأول بدلًا منه، وسادَّةً مسدَّ ثاني (¬5) مفعوليهما. * * * باب: الشَّاةِ التي سُمَّتْ للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِخَيْبَرَ 2176 - (4249) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي سَعِيدٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ، أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ. ¬

_ (¬1) في "ع": "عسيتم". (¬2) "فعل" ليست في "ع". (¬3) في "ع": "وإجراؤه مجرى". (¬4) في "ج": "فنصب". (¬5) "ثاني" ليست في "ع".

باب: غزوة مؤتة من أرض الشأم

(أهديت للنبي - صلى الله عليه وسلم - شاة فيها سُم): التي سَمَّتِ الشاةَ هي زينبُ بنتُ الحارثِ أختُ مرحبٍ زوجةُ سلامِ بنِ مِشْكَم، وقيل: بنتُ أخي مرحب. وروي أنه عفا عنها، وروي أنه قتلها، وجمع بينهما بأن العفو كان في حق نفسه، فلما مات البراءُ بنُ معرورٍ بأكله من تلك الشاة، قتلَها قصاصًا به. قال الزركشي: وروى معمر في "جامعه" عن الزهري: أنها أسلمت، فتركها، وأشار إلى تفرده به (¬1) (¬2). * * * باب: غَزْوَةِ مُؤتَةَ مِنْ أَرْضِ الشَّأمِ (غزوة مُؤْتة): -بميم مضمومة فهمزة ساكنة فمثناة فوقية فهاء تأنيت-، وهي قرية من البلقاء. وقال الدمياطي: مؤتة بإزاء البلقاء، والبلقاءُ دون دمشق، وكانت في جمادى الأولى سنة ثمان من الهجرة، التقوا مع هرقل (¬3). 2177 - (4262) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ وَاقِدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَعَى زيدًا وَجَعْفَرًا وَابْنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ خَبَرُهُمْ، فَقَالَ: "أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ ابْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ"، ¬

_ (¬1) "به" ليست في "ع". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 871). (¬3) المرجع السابق، (2/ 872).

باب: بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - أسامة بن زيد إلى الحرقات من جهينة

وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ، "حَتَّى أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ، حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ". (نعى (¬1) زيدًا وجعفرًا وابن رواحة للناس): أي: أخبرهم بموتهم (¬2). * * * باب: بَعْثِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أُسَامَةَ بنَ زيدٍ إِلَى الحُرَقَاتِ مِنْ جُهَينَةَ 2178 - (4269) - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو ظَبْيَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أُسَامَةَ بْنَ زيدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- يَقُولُ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْحُرَقَةِ، فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ، وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ رَجُلًا مِنْهُمْ، فَلَمَّا غَشِينَاهُ، قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَكَفَّ الأَنْصَارِيُّ، فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا، بَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "يَا أُسَامَةُ! أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟! "، قُلْتُ: كَانَ مُتَعَوِّذًا. فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا، حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ. (يا أسامة! أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله؟! قلت: كان متعوذًا، فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم): قد أسلفنا قريبًا الكلام على حديث أسامة. وقوله "تمنيت أني لم أكن ¬

_ (¬1) في "ع": "فنعى". (¬2) في "ع": "بموته".

أسلمت" إنما قاله على جهة (¬1) المبالغة، لا الحقيقة، وفيه أن الكافر يعصم دمه إذا أتى بالشهادتين. قيل: وإنما تأول أسامة قوله تعالى: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} [غافر: 85]. ولم ينقل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألزم أسامةَ ديةً ولا غيرها. لكن نقل القرطبي في "تفسيره": أنه أمره بالدية، فينبغي تحريره (¬2). * * * 2179 - (4273) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - سَبْعَ غَزَوَاتٍ، فَذَكَرَ: خَيْبَرَ، وَالْحُدَيْبِيَةَ، وَيَوْمَ حُنَيْنٍ، وَيَوْمَ الْقَرَدِ، قَالَ يَزِيدُ: وَنسَيتُ بَقِيَّتَهُمْ. (ونسيت بقيتهم): الضمير عائد على الغزوات، فكان من حقه: "بَقِيَّتهِنَّ"، كما ثبت في بعض النسخ، أو "بَقِيَّتهَا (¬3) ". ¬

_ (¬1) "جهة" ليست في "ع". (¬2) ذكره القرطبي في "تفسيره" (5/ 324) عند قوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [النساء: 92]. وانظر: "التنقيح" (2/ 873). (¬3) "أو بقيتها" ليست في "ع".

باب: غزوة الفتح في رمضان

باب: غَزْوَةِ الفتحِ في رمَضَانَ 2180 - (4277) - حَدَّثَنِي عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي رَمَضَانَ إِلَى حُنَيْنٍ، وَالنَّاسُ مُخْتَلِفُونَ، فَصَائِمٌ وَمُفْطِرٌ، فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ، دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ أَوْ مَاءٍ، فَوَضَعَهُ عَلَى رَاحَتِهِ، أَوْ: عَلَى رَاحِلَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى النَّاسِ، فَقَالَ الْمُفْطِرُونَ لِلصُّوَّامِ: أَفْطِرُوا. (قال: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - في رمضان إلى حُنين): قيل: المحفوظ أن خروجه إليها كان في شوال لا في رمضان؛ فإن مكة فُتحت في تاسع عشر [رمضان، وسيحكي بعدُ عن ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقام بمكة سبع عشرة] (¬1) يومًا يصلي ركعتين (¬2) (¬3). * * * باب: أَينَ رَكَزَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الرَّايةَ يَوْمَ الفَتْحِ؟ 2181 - (4280) - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبيهِ، قَالَ: لَمَّا سَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ الْفَتْحِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا، خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، وَبُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ، يَلْتَمِسُونَ الْخَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَقْبَلُوا يَسِيرُونَ حَتَّى أَتَوْا مَرَّ الظَّهْرَانِ، ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬2) "ركعتين" ليست في "ج". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 873).

فَإِذَا هُمْ بِنِيرَانٍ كَأَنَّهَا نِيرَانُ عَرَفَةَ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا هَذِهِ؟ لَكَأَنَّهَا نِيرَانُ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ: نِيرَانُ بَنِي عَمْرٍو، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: عَمْرٌو أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ، فَرَآهُمْ نَاسٌ مِنْ حَرَسِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَدْرَكُوهُمْ فَأَخَذُوهُمْ، فَأَتَوْا بِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَسْلَمَ أَبُو سُفْيَانَ، فَلَمَّا سَارَ، قَالَ لِلْعَبَّاسِ: "احْبِسْ أَبَا سُفْيَانَ عِنْدَ حَطْمِ الْخَيْلِ، حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ"، فَحَبَسَهُ الْعَبَّاسُ، فَجَعَلَتِ الْقَبَائِلُ تَمُرُّ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، تَمُرُّ كَتِيبَةً كَتِيبَةً عَلَى أَبِي سُفْيَانَ، فَمَرَّتْ كَتِيبَةٌ، قَالَ: يَا عَبَّاسُ! مَنْ هَذِهِ؟ قَالَ: هَذِهِ غِفَارُ قَالَ: مَا لِي وَلِغِفَارَ؟، ثُمَّ مَرَّتْ جُهَيْنَةُ، قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ مَرَّتْ سَعْدُ بْنُ هُذَيْمٍ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَمَرَّتْ سُلَيْمُ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى أَقْبَلَتْ كَتِيبَةٌ لَمْ يَرَ مِثْلَهَا، قَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الأَنْصَارُ، عَلَيْهِمْ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ مَعَهُ الرَّايَةُ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: يَا أَبَا سُفْيَانَ! الْيَوْمُ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ، الْيَوْمَ تُسْتَحَلُّ الْكَعْبَةُ. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا عَبَّاسُ! حَبَّذَا يَوْمُ الذِّمَارِ. ثُمَّ جَاءَتْ كَتِيبَةٌ، وَهْيَ أَقَلُّ الْكَتَائِبِ، فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ، وَرَايَةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، فَلَمَّا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِأَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: أَلَمْ تَعْلَمْ مَا قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ؟ قَالَ: "مَا قَالَ؟ "، قَالَ: كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: "كَذَبَ سَعْدٌ، وَلَكِنْ هَذَا يَوْمٌ يُعَظِّمُ اللَّهُ فِيهِ الْكَعْبَةَ، وَيَوْمٌ تُكْسَى فِيهِ الْكَعْبَةُ". قَالَ: وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُرْكَزَ رَايَتُهُ بِالْحَجُونِ. قَالَ عُرْوَةُ: وَأَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ يَقُولُ لِلزُّبَيرِ بْنِ الْعَوَّامِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ! هَاهُنَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تَرْكُزَ الرَّايَةَ؟

قَالَ: وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَئِذٍ خَالِدَ بْنَ الْوَليدِ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ، وَدَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ كُدَا، فَقُتِلَ مِنْ خَيْلِ خَالِدٍ يَوْمَئِذٍ رَجُلَانِ: حُبَيْشُ بْنُ الأَشْعَرِ، وَكُرْزُ بْنُ جَابِرٍ الْفِهْرِيُّ. (عند خَطْم الجبل): خَطْم: بخاء معجمة مفتوحة وطاء مهملة ساكنة، والجبل: بجيم فباء موحدة، ويعني بها: أنفَ الجبل، [وهو طرفه السائل منه المسمى بالكراع. ويروى: "حَطْم": بحاء مهملة] (¬1) -، "والخَيْل": بخاء معجمة (¬2) ومثناة تحتية، ويعني به: مجتمع الخيل الذي ينحطم فيه؛ أي: يتضايق حتى كان بعضها يكسر بعضًا. والأول رواية النسفي والقابسي، والثاني رواية الجمهور (¬3). (كتيبة): -بمثناة فوقية بعد الكاف-: هي القطعة من العسكر، مأخوذ من الكَتْب، وهو الجمع. (حَبَّذا يومُ الذِّمار): -بذال معجمة مكسورة فميم فألف فراء-؛ أي: حين الغضب للحرم والأهل؛ يعني: الانتصار لمن (¬4) بمكة، قاله أَبو سفيان غلبةً وعجزًا. وقيل: أرادَ: حبذا يومٌ يلزمك (¬5) فيه حفظي وحمايتي (¬6) عن المكروه. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬2) "والخيل بخاء معجمة" ليست في "ج". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 874). (¬4) "لمن" ليست في "ج". (¬5) في "ع": "فيلزمك". (¬6) في "ع": "وجماعتي".

وقال الخطابي: يومُ الذمار: يوم القتل؛ بمعنى: أن يكون له يدٌ فيحمي قومَه (¬1). (وهي أقل الكتائب، فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه): قال القاضي: كذا لجميعهم، ورواه الحميدي في "مختصره": "أَجَلُّ" -بالجيم واللام-؛ من الجلالة، وهي أظهر، وقد يتجه لـ"أقل" وجهٌ، وهي أنها كتيبة المهاجرين، وهم كانوا أقلَّ عددًا من الأنصار (¬2). قلت: لا شك في أن المراد قلةُ العدد، لا الاحتقار، هذا ما (¬3) لا يُظن بمسلم (¬4) اعتقادُه، ولا توهمُه، فهذا وجهٌ لا محيدَ (¬5) عنه، ولا ضَيْرَ فيه بهذا الاعتبار، والتصريح بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في هذه الكتيبة التي هي أقلُّ عددًا مما سواها من الكتائب قاضٍ بجلالة قدرها، وعظم شأنها ورجحانها على كل شيء سواها، ولو كان ملء الأرض، بل وأضعاف ذلك، فما هذا الذي يُشَمُّ من نفس القاضي في هذا المحل؟ [(قال كذا وكذا): يريد قوله: اليومَ يومُ الملحمة؛ أي: يوم حرب لا تجد فيها مخلصًا؛ إذ يُقال في يوم القتال: لحم فلانٌ فلانًا: إذا قتله] (¬6). (بالحَجون): -بفتح الحاء-: موضع بمكة بقرب الصفا. ¬

_ (¬1) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 1751). (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 151). (¬3) "ما" ليست في "ع". (¬4) في "ج": "مسلم". (¬5) في "ع": "وحيد". (¬6) ما بين معكوفتين ليس في "ع".

باب: دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - من أعلى مكة

(من أعلى مكة من كَداء): -بفتح الكاف والمد-، والتي دخل منها النبي - صلى الله عليه وسلم - كُدَى: -بالضم والقصر-، هذا أصحُّ ما قيل. (فقتل من خيل خالد يومئذ رجلين): كذا في بعض النسخ: بنصب رجلين، وهو يتخرج على رأي الكوفيين في إقامة غيرِ المفعول به مقامَ الفاعل مع وجود المفعول به. وفي بعضها: "رجلان" على الجادة. (حُبيش): بحاء مهملة مضمومة فباء موحدة (¬1) فياء تصغير فشين معجمة. وقال ابن إسحاق: بضم الخاء المعجمة وبنون وسين مهملة، والأول أصح (¬2). * * * باب: دُخُولِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ 2182 - (4290) - حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَامَ الْفَتْحِ مِنْ كَدَاءٍ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ. (أن عائشة أخبرته: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عام الفتح من كداء): قال القاضي: هو (¬3) هنا بضم الكاف مقصور، وتابعه على ذلك وهيب، وأبو أسامة. ¬

_ (¬1) "فباء موحدة" ليست في "ع". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 875). (¬3) في "ع": "هذا".

باب

وقال عُبيد (¬1) بن إسماعيل: دخل عام الفتح من أعلى مكة من كداء بالمد (¬2). * * * باب 2183 - (4300) - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ مَسَحَ وَجْهَهُ عَامَ الْفَتْحِ. (ابن صُعَيْر): بصاد مهملة مضمومة فعين مهملة (¬3) فياء تصغير فراء. * * * 2184 - (4302) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو قِلَابَةَ: أَلَا تَلْقَاهُ فَتَسْأَلَهُ؟ قَالَ: فَلَقِيتُهُ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: كُنَّا بِمَاءٍ مَمَرَّ النَّاسِ، وَكَانَ يَمُرُّ بِنَا الرُّكْبَانُ فَنَسْأَلُهُمْ: مَا لِلنَّاسِ؟ مَا لِلنَّاسِ؟ مَا هَذَا الرَّجُلُ؟ فَيَقُولُونَ: يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ، أَوْحَى إِلَيْهِ. أَوْ: أَوْحَى اللَّهُ بِكَذَا، فَكُنْتُ أَحْفَظُ ذَلِكَ الْكَلَامَ، وَكَأَنَّمَا يُغْرَى فِي صَدْرِي، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَلَوَّمُ بِإِسْلَامِهِمِ الْفَتْحَ، فَيَقُولُونَ: اتْرُكُوهُ وَقَوْمَهُ، فَإِنَّهُ إِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ، فَهْوَ نَبِيٌّ صَادِقٌ، ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "عبد الله"، وفي "م": "عبد"، والصواب ما أثبت. (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 350). (¬3) في "ع": "مهملة مضمومة".

فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ أَهْلِ الْفَتْحِ، بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلَامِهِمْ، وَبَدَرَ أَبِي قَوْمِي بِإِسْلَامِهِمْ، فَلَمَّا قَدِمَ، قَالَ: جِئْتُكُمْ -وَاللَّهِ- مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَقًا، فَقَالَ: "صَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، وَصَلُّوا كَذَا فِي حِينِ كَذَا، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أكْثَرُكُمْ قُرْآنًا". فَنَظَرُوا، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي؛ لِمَا كُنْتُ أَتَلَقَّى مِنَ الرُّكْبَانِ، فَقَدَّمُونِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَأَنَا ابْنُ سِتٍّ أَوْ سَبع سِنِينَ، وَكَانَتْ عَلَيَّ بُرْدَةٌ، كُنْتُ إِذَا سَجَدْتُ، تَقَلَّصَتْ عَنِّي، فقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْحَيِّ: أَلَا تُغَطُّوا عَنَّا اسْتَ قَارِئِكُمْ؟ فَاشْتَرَوْا، فَقَطَعُوا لِي قَمِيصًا، فَمَا فَرِحْتُ بِشَيْءٍ فَرَحِي بِذَلِكَ الْقَمِيصِ. (عن عمرو بن سلِمة): بكسر اللام. (فكأنما يقرأ في صدري): يقرأ: بالهمزة لأكثرهم، وعند أبي الهيثم: بدون همز؛ من قَرَيْتُ (¬1) الماء في الحوض: جمعتُه فيه. ويروى: "يُقَرُّ"، بتشديد الراء. ويروى: "تَغَرَّى" -بغين معجمة وراء مشددة-؛ أي: يلصق بالغراء. وقال القاضي: إنه الوجه (¬2). (وكانت العرب تَلَوَّم): أصله: "تتَلَوَّم" -بتاءين-، فحذفت إحداهما (¬3) تخفيفًا، والتلَوُّم: التربُّصُ والانتظار (¬4). ¬

_ (¬1) في "ع": "قريه"، وفي "ج": "قرت". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 132 - 133). وانظر "التنقيح" (2/ 875). (¬3) في "ج": "إحديهما". (¬4) في "ع": "الانتظام".

(ألا تغطُّوا عنا): من التغطية، وحذفت منه النون في حالة الرفع، وقد مر قولُ ابن مالك أنه ثابت في الكلام الفصيح؛ نثرِه ونظمِه. * * * 2185 - (4304) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ امْرَأَةً سَرَقَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ، فَفَزِعَ قَوْمُهَا إِلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ يَسْتَشْفِعُونَهُ. قَالَ عُرْوَةُ: فَلَمَّا كَلَّمَهُ أُسَامَةُ فِيهَا، تَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "أَتُكَلِّمُنِي فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟! ". قَالَ أُسَامَةُ: اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ، قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَطِيبًا، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّمَا أَهْلَكَ النَّاسَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ، تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمِ الضَّعِيفُ، أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ، لَقَطَعْتُ يَدَهَا". ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ، فَقُطِعَتْ يَدُهَا، فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَتَزَوَّجَتْ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَكَانَتْ تَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. (أن امرأة سرقت): هي فاطمةُ بنتُ الأسودِ بنِ هلال، وأبوها الأسودُ قتله حمزةُ يومَ بدر أولَ من قتل (¬1). (فلجأ (¬2) قومها إلى أسامة): أي: فزعوا إليه، وسألوه أن يشفع فيها. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 876). (¬2) نص البخاري: "ففزع".

باب: قول الله -عز وجل-: {ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم} إلى قوله: {والله غفور رحيم} [التوبة: 25 - 27]

باب: قول الله -عز وجل-: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} إلى قوله: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 25 - 27] 2186 - (4322) - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَرَ ابْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ: أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ، نَظَرْتُ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، يُقَاتِلُ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَآخَرُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَخْتِلُهُ مِنْ وَرَائِهِ لِيَقْتُلَهُ، فَأَسْرَعْتُ إِلَى الَّذِي يَخْتِلُهُ، فَرَفَعَ يَدَهُ، لِيَضْرِبَنِي، وَأَضْرِبُ يَدَهُ فَقَطَعْتُهَا، ثُمَّ أَخَذَنِي فَضَمَّنِي ضَمًّا شَدِيدًا حَتَّى تَخَوَّفْتُ، ثُمَّ تَرَكَ، فَتَحَلَّلَ، وَدَفَعْتُهُ ثُمَّ قَتَلْتُهُ، وَانْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ وَانْهَزَمْتُ مَعَهُمْ، فَإِذَا بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي النَّاسِ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَمْرُ اللَّهِ، ثُمَّ تَرَاجَعَ النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى قَتِيلٍ قَتَلَهُ، فَلَهُ سَلَبُهُ". فَقُمْتُ لأَلْتَمِسَ بَيِّنَةً عَلَى قَتِيلِي، فَلَمْ أَرَ أَحَدًا يَشْهَدُ لِي، فَجَلَسْتُ، ثُمَّ بَدَا لِي، فَذَكَرْتُ أَمْرَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ: سِلَاحُ هَذَا الْقَتِيلِ الَّذِي يَذْكُرُ عِنْدِي، فَأَرْضِهِ مِنْهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَلَّا، لَا يُعْطِهِ أُصَيْبع مِنْ قُرَيْشٍ، وَيَدَعَ أَسَدًا مِنْ أُسْدِ اللَّهِ، يُقَاتِلُ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَدَّاهُ إِلَيَّ، فَاشْتَرَيْتُ مِنْهُ خِرَافًا، فَكَانَ أَوَّلَ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الإسْلَامِ. (يختِله): -بخاء معجمة ومثناة (¬1) فوقية (¬2) مكسورة-؛ أي: يخدعه. ¬

_ (¬1) في "ج": "معجمة مشددة". (¬2) في "ج": "وفوقية".

(أُضَيْبع): رواه أَبو ذر: بضادٍ معجمة وعين مهملة، [تصغير ضَبُع (¬1)؛ يحقره بذلك، قيل: وهو مناسب لسياق الكلام؛ حيث (¬2) قال: ويدع أسدًا، واعترض بأن] (¬3) تصغير ضَبُع ضُبَيِّع، لا أُضيبع (¬4). وقال ابن مالك: هو تصغير أَضْبَع (¬5)، وهو القصيرُ (¬6) الضَّبعْ؛ أي: العَضُد، ويكني به عن الضعيف، وإذا قُصدت المبالغة، صُغِّر. ورواه أَبو زيد (¬7) بصاد مهملة وغين معجمة، قيل: معناه: أسود؛ أي: أسودُ الجلد، وقيل: سمي بذلك؛ لشامة كانت له فيصبغها. وروي: "أصيبع (¬8) ": بصاد وعين مهملتين (¬9). (فاشتريت به (¬10) خرافًا): ويروى: "فاشتريت منه". قال السفاقسي: والخَراف: اسمُ ما يُخْتَرَفُ من التمر، أقام (¬11) التمرةَ مقامَ الأصل. ¬

_ (¬1) "ضبع" ليست في "ع". (¬2) "حيث" ليست في "ع". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬4) في "ع": "تصغير ضبيع ضبع لا أضيبع". (¬5) في "ع": "أضيبع". (¬6) في "ع": "القصر". (¬7) في "ج": "أَبو داود". (¬8) في "ع" و"ج": "أصبع". (¬9) انظر: "التنقيح" (2/ 876). (¬10) في "ع" و"ج": "منه". (¬11) في "ع": "أمام".

باب: غزوة أوطاس

وقيل: الخَراف والمَخْرَف (¬1) لا يكون جنى النخل، وإنما هي النخلُ (¬2) نفسُها، والتمرُ يسمَّى مَخْرَفًا (¬3). وقيل بفتح الخَراف، على الأصل وعلى الثمر. والمراد في هذا الحديث: البستان (¬4) (¬5). * * * باب: غَزْوَةِ أَوْطَاسٍ 2187 - (4323) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه -، قَالَ: لَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ حُنَيْنٍ، بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ عَلَى جَيْشٍ إِلَى أَوْطَاسٍ، فَلَقِيَ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ، فَقُتِلَ دُرَيْدٌ، وَهَزَمَ اللَّهُ أَصْحَابَهُ، قَالَ أَبُو مُوسَى: وَبَعَثَنِي مَعَ أَبِي عَامِرٍ، فَرُمِيَ أَبُو عَامِرٍ فِي رُكْبَتِهِ، رَمَاهُ جُشَمِيٌّ بِسَهْمٍ، فَأَثْبَتَهُ فِي رُكْبَتِهِ، فَانُتهَيْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا عَمِّ! مَنْ رَمَاكَ؟ فَأَشَارَ إِلَى أَبِي مُوسَى فَقَالَ: ذَاكَ قَاتِلِي الَّذِي رَمَانِي، فَقَصَدْتُ لَهُ فَلَحِقْتُهُ، فَلَمَّا رَآنِي وَلَّى، فَاتَّبَعْتُهُ وَجَعَلْتُ أقولُ لَهُ: أَلَا تَسْتَحِي؟ أَلَا تَثْبُتُ؟ فَكَفَّ، فَاخْتَلَفْنَا ¬

_ (¬1) في "ج": "والخرف". (¬2) "وإنما هي النخل" ليست في "ع". (¬3) في "ج": "مخروفًا". (¬4) في "ج": "اللسان". (¬5) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 233).

ضَرْبَتَيْنِ بِالسَّيْفِ، فَقَتَلْتُهُ، ثُمَّ قُلْتُ لأَبِي عَامِرٍ: قَتَلَ اللَّهُ صَاحِبَكَ، قَالَ: فَانْزِعْ هَذَا السَّهْمَ، فَنَزَعْتُهُ، فَنَزَا مِنْهُ الْمَاءُ، قَالَ: يَا بْنَ أَخِي! أَقْرِئِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: اسْتَغْفِرْ لِي. وَاسْتَخْلَفَنِي أَبُو عَامِرٍ عَلَى النَّاسِ، فَمَكَثَ يَسِيرًا ثُمَّ مَاتَ، فَرَجَعْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَيْتِهِ عَلَى سَرِيرٍ مُرْمَلٍ وَعَلَيْهِ فِرَاشٌ، قَدْ أَثَّرَ رِمَالُ السَّرِيرِ بِظَهْرِهِ وَجَنْبَيْهِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِنَا وَخَبَرِ أَبِي عَامِرٍ، وَقَالَ: قُلْ لَهُ: اسْتَغْفِرْ لِي، فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ". وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ مِنَ النَّاسِ". فَقُلْتُ: وَلِي فَاسْتَغْفِرْ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ، وَأَدْخِلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُدْخَلًا كَرِيمًا". قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: إِحْدَاهُمَا لأَبِي عَامِرٍ، وَالأُخْرَى لأَبِي مُوسَى. (رماه جُشَمِيٌّ): بجيم مضمومة فشين معجمة مفتوحة فميم (¬1) فياء نسب. (على سرير مُرْمَل): أي: منسوجٍ بحبل ونحوه. (وعليه فراش): قال السفاقسي: قال الشيخ أَبو الحسن: الذي أحفظ في هذا: ما عليه فراشٌ، قال: وأرى "ما" سقطت هنا (¬2). ¬

_ (¬1) "فميم" ليست في "ج". (¬2) انظر: "التوضيح" (21/ 470).

باب: غزوة الطائف في شوال سنة ثمان

باب: غَزْوَةِ الطَّائِفِ في شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ 2188 - (4324) - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، سَمِعَ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ بنتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمُّهَا أُمِّ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَعِنْدِي مُخَنَّثٌ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُمَيَّةَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ! أَرَأَيْتَ إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الطَّائِفَ غَدًا، فَعَلَيْكَ بِابْنَةِ غَيْلَانَ؛ فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ، وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَدْخُلَنَّ هَؤُلَاءِ عَلَيْكُنَّ". قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: الْمُخَنَّثُ: هِيتٌ. (وعندي مخنث): قال الزركشي: بكسر (¬1) النون وفتحها (¬2): الذي يتشبه بالنساء (¬3). زاد (¬4) ابن الملقن: كسر النون أفصح، وإن كان الأشهر الفتح (¬5). (فعليك بابنة غَيْلانَ): اسمها بادية -بمثناة تحتية قبل هاء التأنيث-، ووقع بخط مغلطاي: بادنة -بالنون-، وكتب عليه: معًا؛ يعني: أنه يقال: بالنون، والياء آخر الحروف (¬6). وفي "تجريد الذهبي": أن عبد الرحمن بن عوف تزوجها. (فإنها تُقبل بأربع، وتُدبر بثمان): قال الزركشي: أطرافُ العُكَن ¬

_ (¬1) في "ج": بفتح. (¬2) في "ج": وكسرها. (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 877). (¬4) في "ج": "أراد". (¬5) انظر: "التوضيح" (21/ 479). (¬6) في "م": "الحرف".

الأربع التي في بطنها تظهر ثمانيةً في جنبيها (¬1)، وقال: ثمان، ولم يقل: ثمانية، والأطراف مذكرة؛ لأنه لم يذكُرْها كما يقال: هذا الثوب سبع (¬2) في ثمان؛ أي: سبع أذرع في ثمانية أشياء، فلما لم يذكر الأشياء، أنث (¬3)؛ لتأنيث الأذرُع التي قبلها (¬4). قلت: أحسنُ من هذا أنه جعل كلًّا من الأطراف عكنة؛ تسميةٌ (¬5) للجزء باسم الكل، فأنث بهذا الاعتبار. (قال ابن جريج: المخنثُ: هِيت (¬6)): -بهاء مكسورة فمثناة تحتية (¬7) فمثناة فوقية- هذا هو المشهور. وقال ابن درستويه (¬8): -بالهاء المكسورة فنون ساكنة فباء موحدة-، وزعم أن ما سواه تصحيف. وقيل: هيت لقبٌ له، واسمه ماتعٌ، بمثناة فوقية وعين مهملة (¬9). ¬

_ (¬1) في "ج": "جنبها". (¬2) "سبع" ليست في "ج". (¬3) "أنث" ليست في "ع". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 877). (¬5) في "ج": "سميت". (¬6) "هيت" ليست في "ع". (¬7) "فمثناة تحتية" ليست في "ج". (¬8) في "م": "دستويه". (¬9) انظر: "التنقيح" (2/ 877).

2189 - (4325) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الشَّاعِرِ الأَعْمَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَمَّا حَاصَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الطَّائِفَ، فَلَمْ يَنَلْ مِنْهُمْ شَيْئًا، قَالَ: "إِنَّا قَافِلُونَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ". فَثَقُلَ عَلَيْهِمْ، وَقَالُوا: نَذْهَبُ وَلَا نَفْتَحُهُ؟! وَقَالَ مَرَّةً: (نَقْفُلُ). فَقَالَ: "اغْدُوا عَلَى الْقِتَالِ". فَغَدَوْا، فَأَصَابَهُمْ جِرَاحٌ، فَقَالَ: "إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ". فَأَعْجَبَهُمْ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: فَتَبَسَّمَ. قَالَ: قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الْخَبَرَ كُلَّهُ. (عن أبي العباس الشاعر الأعمى، عن عبد الله بن عُمَر): -بضم العين وفتح الميم- هذا هو الصحيح، ومنهم من (¬1) [يقول]: عمرو -بعين مفتوحة وميم ساكنة-، وغُلِّط (¬2) قائلُه. (حدثنا (¬3) سفيانُ (¬4) الخبرَ كلَّه): -بالنصب (¬5) -، ويروى: "بالخبرِ (¬6) كلِّه". * * * 2190 - (4326 و 4327) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَاصِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدًا، ¬

_ (¬1) في "ع": "ابن". (¬2) في "ج": "وهو غلط". (¬3) "حدثنا" ليست في "م". (¬4) "حدثنا" ليست في "م". (¬5) "بالنصب" ليست في "ع". (¬6) في "ع" و"ج": "بالخير".

وَهْوَ أَوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَبَا بَكْرَةَ، وَكَانَ تَسَوَّرَ حِصْنَ الطَّائِفِ فِي أُنَاسٍ، فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَا: سَمِعْنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، وَهْوَ يَعْلَمُ، فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ". (تسوَّرَ حصَن الطائف): أي: صَعِدَ من أعلاه. * * * 2191 - (4328) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه -، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ نَازِلٌ بِالْجِعْرَانةِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَمَعَهُ بِلَالٌ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: أَلَا تُنْجِزُ لِي مَا وَعَدْتَنِي؟ فَقَالَ لَهُ: "أَبْشِرْ". فَقَالَ: قَدْ أَكْثَرْتَ عَلَيَّ مِنْ أَبْشِرْ، فَأَقْبَلَ عَلَى أَبِي مُوسَى وَبِلَالٍ كَهَيْئَةِ الْغَضْبَانِ، فَقَالَ: "رَدَّ الْبُشْرَى، فَاقْبَلَا أَنْتُمَا". قَالَا: قَبِلْنَا، ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ فِيهِ، وَمَجَّ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: "اشْرَبَا مِنْهُ، وَأَفْرِغَا عَلَى وُجُوهِكُمَا وَنُحُورِكُمَا، وَأَبْشِرَا". فَأَخَذَا الْقَدَحَ، فَفَعَلَا، فَنَادَتْ أُمُّ سَلَمَةَ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ: أَنْ أَفْضِلَا لأُمِّكُمَا، فَأَفْضَلَا لَهَا مِنْهُ طَائِفَةً. (بالجعرانة بين مكة والمدينة): قيل: إنه وَهْم، والصواب: بين مكةَ والطائف (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 878).

2192 - (4330) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ، قَالَ: لَمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ حُنَيْنٍ، قَسَمَ فِي النَّاسِ فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا، فَكَأَنَّهُمْ وَجَدُوا إِذْ لَمْ يُصِبْهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسَ، فَخَطَبَهُمْ، فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ! أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي؟ وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللَّهُ بِي؟ وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي؟ ". كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا، قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ، قَالَ: "مَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تُجِيبُوا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ ". قَالَ: كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ، قَالَ: "لَوْ شِئْتُمْ قُلْتُمْ: جِئْتَنَا كَذَا وَكَذَا، أَتَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ والْبَعِيرِ، وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى رِحَالِكُمْ؟ لَوْلَا الْهِجْرَةُ، لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَشِعْبًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ وَشِعْبَهَا، الأَنْصَارُ شِعَارٌ، وَالنَّاسُ دِثَارٌ، إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ". (الأنصار شِعار): هو ما يلي الجسدَ، وهو تشبيهٌ بَليغ. (والناسُ دِثار): و (¬1) هو ما فوقَ الشِّعار، يريد: أن الأنصار أقربُ الناس إليه. * * * 2193 - (4333) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَزْهَرُ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ: أَنْبَأَنَا هِشَامُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَنَس، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: لَمَّا ¬

_ (¬1) الواو ليست في "ج".

كَانَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، الْتَقَى هَوَازِنُ، وَمَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عشَرَةُ آلَافٍ، وَالطُّلَقَاءُ، فَأَدْبَرُوا، قَالَ: "يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ! "، قَالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، لَبَّيْكَ نَحْنُ بَيْنَ يَدَيْكَ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ"، فَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ، فَأَعْطَى الطُّلَقَاءَ وَالْمُهَاجِرِينَ، وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا، فَقَالُوا، فَدَعَاهُمْ فَأَدْخَلَهُمْ فِي قُبَّةٍ، فَقَالَ: "أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ، وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ "، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا، وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ شِعْبًا، لَاخْتَرْتُ شِعْبَ الأَنْصَارِ". (ومع النبي - صلى الله عليه وسلم - عشرة آلاف): أي: من المهاجرين، وفي الرواية الثانية: "عشرة آلاف من الطُّلَقاء": -بضم الطاء وفتح اللام (¬1) والمد-: جمع طليق، وهم الذين مَنَّ (¬2) عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة، ولم يقتلهم، فمنهم: أَبو سفيانَ بنُ حَرْب، وابنه معاوية، وحَكيمُ بنُ حِزام، وبُدَيْل (¬3) ابنُ وَرْقاء، وغيرهم، سُمُّوا بذلك؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - مَنَّ عليهم وأطلقهم (¬4). * * * 2194 - (4334) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: جَمَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: "إِنَّ قُرَيْشًا حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ ¬

_ (¬1) في "ج": "وفتح القاف اللام". (¬2) "مَنَّ" ليست في "ج". (¬3) في "ج": "ويزيد". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 878).

وَمُصِيبَةٍ، وَإِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَجْبُرَهُمْ وَأَتَأَلَّفَهُمْ، أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى بُيُوتِكُمْ؟ "، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: "لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا، وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ، أَوْ شِعْبَ الأَنْصَارِ". (إن قريشًا حديثُ عهدٍ بجاهلية): قال الزركشي: صوابُه "حديثو عهدٍ" (¬1). قلت: قد مر هذا، ومرَّ ردُّه وتخريجه على وجه صواب (¬2). (أردت أن أُجيزهم): من الإجازة، بالزاي. ويروى بالجيم والموحدة والراء؛ من الجَبْر ضد الكَسْر (¬3). * * * 2195 - (4337) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَنَس بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ، أَقْبَلَتْ هَوَازِنُ وَغَطَفَانُ وَغَيْرُهُمْ بِنَعَمِهِمْ وَذَرَارِّيهِمْ، وَمَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَشَرَةُ آلَافٍ، وَمِنَ الطُّلَقَاءِ، فَأَدْبَرُوا عَنْهُ حَتَّى بَقِيَ وَحْدَهُ، فَنَادَى يَوْمَئِذٍ نِدَاءَيْنِ لَمْ يَخْلِطْ بَيْنَهُمَا، الْتَفَتَ عَنْ يَمِينِهِ فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ! "، قَالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَبْشِرْ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 878). (¬2) في "ع": "جواب". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 139).

باب: بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد إلى بني جذيمة

نَحْنُ مَعَكَ، ثُمَّ الْتَفَتَ عَنْ يَسَارِهِ فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ! "، قَالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَبْشِرْ نَحْنُ مَعَكَ، وَهْوَ عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ، فَنَزَلَ فَقَالَ: "أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ"، فَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ، فَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ غَنَائِمَ كثِيرَةً، فَقَسَمَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالطُّلَقَاءِ، وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا، فَقَالَتِ الأَنْصَارُ: إِذَا كَانَتْ شَدِيدَةٌ، فَنَحْنُ نُدْعَى، وُيعْطَى الْغَنِيمَةَ غَيْرُنَا. فَبَلَغَهُ ذَلِكَ، فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ، فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ! مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟ "، فَسَكَتُوا، فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ! أَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا، وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَحُوزُونَهُ إِلَى بُيُوتِكُمْ؟ "، قَالُوا: بَلَى، فَقَالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا، وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ شِعْبًا، لأَخَذْتُ شِعْبَ الأَنْصَارِ". فَقَالَ هِشَامٌ: يَا أَبَا حَمْزَةَ! وَأَنْتَ شَاهِدٌ ذَاكَ؟ قَالَ: وَأَيْنَ أَغِيبُ عَنْهُ؟ (فنادى يومئذ نداءين): -تثنية نداء بالمد-، ويروى: "ناديين" تثنية نادٍ، وهم أهل المجلس (¬1). * * * باب: بَعْثِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - خَالِدَ بنَ الوَليدِ إِلَى بَني جَذِيْمَةَ 2196 - (4339) - حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. وَحَدَّثَنِي نُعَيْمٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خالِدَ بْنَ الْوَليدِ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ، فدَعَاهُمْ إِلَى الإِسْلَامِ، فَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا: أَسْلَمْنَا، فَجَعَلُوا ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 878).

يَقُولُونَ: صَبَأْنَا صَبَأْنَا، فَجَعَلَ خَالِدٌ يَقْتُلُ مِنْهُمْ وَيَأْسِرُ، وَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمٌ أَمَرَ خَالِدٌ أَنْ يَقْتُلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ! لَا أَقْتُلُ أَسِيرِي، وَلَا يَقْتُلُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِي أَسِيرَهُ، حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرْنَاهُ، فَرَفَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ فَقَالَ: "اللَّمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ"، مَرَّتَيْنِ. (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد): يحتمل "ما" فيه (¬1) أن تكون مصدرية، وأن تكون موصولة. قال الخطابي: إنما نَقِمَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على خالد في استعجاله في شأنهم، وترك التثبت في أمرهم إلى أن يستبرئ المراد من قولهم: صبأنا، وتأولَ خالدٌ أنه كان مأمورًا بقتالهم إلى أن (¬2) يُسلموا، ولم يوجد منهم لفظ صريح يقتضي الدخولَ في الإسلام، فنفذ خالدٌ قتلهم لانتفاء شرط حقن الدم، وعذرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - خالدًا؛ لأنه متأوِّل، فلم ير (¬3) عليه قَوَدًا، ولم يذكر فيه دية ولا كفارة (¬4). وروى ابن سعد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث عليًا، فودَى لهم (¬5) قتلاهم (¬6). ¬

_ (¬1) "فيه" ليست في "ج". (¬2) "أن" ليست في "م". (¬3) في "ج": "يرد". (¬4) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 1765). (¬5) "لهم" ليست في "ع". (¬6) انظر: "الطبقات الكبرى" (2/ 147). وانظر: "التوضيح" (21/ 498).

باب: سرية عبد الله بن حذافة السهمي، وعلقمة بن مجزز المدلجي، ويقال: إنها سرية الأنصاري

باب: سَرِيَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ، وُيقَالُ: إِنَّهَا سَرِيَّةُ الأَنْصَارِي (سرية عبد الله بن حُذافة السهمي، وعلقمة بن مُجَزِّزٍ المدلجيِّ): قيده كافة الرواة على ما حكاه القاضي: بحاء مهملة فراء فزاي، على صيغة اسم الفاعل من أحرز. وقيده بعضهم عن القابسي على الصواب: مُجَزِّز -بجيم وزايين أولاهما مشددة مكسورة-، وحكي فتحها. قال عبد الغني: والصوابُ الكسر (¬1)؛ لأنه جزَّ نواصيَ أُسارى (¬2) العرب (¬3). 2197 - (4340) - حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه -، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَرِيَّةً، فَاسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، فَغَضِبَ، فَقَالَ: أَلَيْسَ أَمَرَكُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُطِيعُونِي؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا، فَجَمَعُوا، فَقَالَ: أَوْقِدُوا نَارًا، فَأَوْقَدُوهَا، فَقَالَ: ادْخُلُوهَا، فَهَمُّوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُمْسِكُ بَعْضًا، وَيَقُولُونَ: فَرَرْنَا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ النَّارِ، فَمَا زَالُوا حَتَّى خَمَدَتِ النَّارُ، فَسَكَنَ غَضَبُهُ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "لَوْ دَخَلُوهَا، مَا خَرَجُوا مِنْهَا ¬

_ (¬1) "والصواب بالكسر" ليست في "ع". (¬2) "أسارى" ليست في "ع" و"ج". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 396).

باب: بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع

إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ". (واستعمل رجلًا من الأنصار): قال ابن سعد: هو عبدُ الله بنُ حُذافةَ السَّهْمِيُّ، وكانت فيه دَعابةٌ. وقيل: هو علقمةُ بن مُجَزِّزٍ (¬1)، ولكن تعجل علقمة، فأمَّر عليهم عبدَ الله (¬2). (فما زالوا حتى خمَدت النار): -بفتح الميم-: انطفأ لَهَبُها. * * * باب: بَعْثِ أَبِي مُوسَى ومُعَاذٍ إلى اليَمَنِ قَبْلَ حَجَّةِ الوَدَاعِ 2198 - (4341 و 4342) - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانة، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبَا مُوسَى، وَمُعَاذَ ابْنَ جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ، قَالَ: وَبَعَثَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مِخْلَافٍ، قَالَ: وَالْيَمَنُ مِخْلَافَانِ، ثُمَّ قَالَ: "يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا". فَانْطَلَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى عَمَلِهِ، وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِذَا سَارَ فِي أَرْضِهِ، كَانَ قَرِيبًا مِنْ صَاحِبِهِ أَحْدَثَ بِهِ عَهْدًا، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَسَارَ مُعَاذٌ فِي أَرْضِهِ قَرِيبًا مِنْ صَاحِبِهِ أَبِي مُوسَى، فَجَاءَ يَسِيرُ عَلَى بَغْلَتِهِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِ، وَإِذَا هُوَ جَالِسٌ، وَقَدِ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ، وَإِذَا رَجُلٌ عِنْدَهُ قَدْ جُمِعَتْ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ، فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ! أيمَ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا رَجُلٌ كَفَرَ ¬

_ (¬1) في "ع": "محريز". (¬2) انظر: "الطبقات الكبرى" (2/ 163).

بَعْدَ إِسْلَامِهِ، قَالَ: لَا أَنْزِلُ حَتَّى يُقْتَلَ، قَالَ: إِنَّمَا جِيءَ بِهِ لِذَلِكَ، فَانْزِلْ، قَالَ: مَا أَنْزِلُ حَتَّى يُقْتَلَ، فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ، ثُمَّ نزَلَ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَهِ! كَيْفَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: أَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقًا، قَالَ: فَكَيْفَ تَقْرَأُ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟ قَالَ: أَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ، فَأَقُومُ وَقَدْ قَضَيْتُ جُزْئِي مِنَ النَّوْمِ، فَأَقْرَأُ مَا كَتَبَ اللَّهُ لِي، فَأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي. (على مخلاف): هو في لسان أهل اليمن كالرستاق (¬1)، وقيل: الإقليم (¬2). (أَيُّمَ هذا): أي: أَيُّ شيءٍ هذا؟ وأصلُه أَيُّما، و"أَيُّ" استفهامية، و"ما" بمعنى شيء (¬3)، إلا أنه حذف الألف تخفيفًا. (أتفوَّقُه تفوقًا): أي أقرؤه شيئًا بعد شيء في آناء الليل والنهار، يريد لا أقرؤه (¬4) مرة واحدة، بل أفرق (¬5) قراءته على أوقات، مأخوذٌ من فُواق الناقة؛ أي: تُحْلَب ثم تُتْرَك ساعة حتى تدرَّ، ثم تُحلب. (فأقوم وقد قضيت جزئي من النوم): قال الزركشي: قيل: الوجه: قضيت أَربي (¬6). ¬

_ (¬1) في "ج": "كالبرستاق". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 879). (¬3) في "ج": "شيء واحد". (¬4) في "ع": "يريد: لإقراءه". (¬5) في "ج": "بلا فرق". (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 880). وقد نقله الزركشي عن الدمياطي، كما في "التوضيح" لابن الملقن (21/ 508).

قلت: وهذا من التحكُّمات العارية من الدليل (¬1). * * * 2199 - (4346) - حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَائِذٍ، حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ طَارِقَ بْنَ شِهَابٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ - رضي الله عنه -، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى أَرْضِ قَوْمِي، فَجِئْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مُنِيخٌ بِالأَبْطَحِ، فَقَالَ: "أَحَجَجْتَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ؟ "، قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "كَيْفَ قُلْتَ؟ "، قَالَ: قُلْتُ: لَبَّيْكَ إِهْلَالًا كَإِهْلَالِكَ، قَالَ: "فَهَلْ سُقْتَ مَعَكَ هَدْيًا؟ "، قُلْتُ: لَمْ أَسُقْ، قَالَ: "فَطُفْ بِالْبَيْتِ، وَاسْعَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ حِلَّ"، فَفَعَلْتُ حَتَّى مَشَطَتْ لِي امْرَأَةٌ مِنْ نِسَاءِ بَنِي قَيْسٍ، وَمَكُثْنَا بِذَلِكَ حَتَّى اسْتُخْلِفَ عُمَرُ. (عباس بن الوليد): -بموحدة وسين مهملة-، وهو النَّرْسِيُّ. وقيده الدمياطي بمثناة تحتية وشين معجمة، وهو الرقاشي، وكلاهما من شيوخ البخاري (¬2). ¬

_ (¬1) قال الحافظ في "الفتح" (8/ 62): وهو كما قال -يعني: الدمياطي-، لو جاءت به الرواية، ولكن الذي جاء في الرواية صحيح، والمراد به: أنه جزء الليل أجزاء؛ جزءًا للنوم، وجزءًا للقراءة والقيام، فلا يلتفت إلى تخطئة الرواية الصحيحة الموجهة بمجرد التخيل. (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 880).

باب: بعث علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد إلى اليمن قبل حجة الوداع

باب: بَعْثِ عَليِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ وخالدِ بنِ الوَليدِ إِلَى اليَمَنِ قَبْلَ حَجَّةِ الوَدَاعِ 2200 - (4349) - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانُ، حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ الْبَرَاءَ - رضي الله عنه -: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إِلَى الْيَمَنِ، قَالَ: ثُمَّ بَعَثَ عَلِيًّا بَعْدَ ذَلِكَ مَكَانَهُ، فَقَالَ: "مُرْ أَصْحَابَ خَالِدٍ، مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ أَنْ يُعَقِّبَ مَعَكَ، فَلْيُعَقِّبْ، وَمَنْ شَاءَ، فَلْيُقْبِلْ". فَكُنْتُ فِيمَنْ عَقَّبَ مَعَهُ، قَالَ: فَغَنِمْتُ أَوَاقٍ ذَوَاتِ عَدَدٍ. (من شاء منهم أن يعقِّبَ): التعقيب (¬1): أن يعود الجيش بعد القُفول ليصيبوا غِرَّةً من العدوِّ. قاله الخطابي (¬2). * * * 2201 - (4350) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ مَنْجُوفٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلِيًّا إِلَى خَالِدٍ لِتَقْبِضَ الْخُمُسَ، وَكُنْتُ أُبْغِضُ عَلِيًّا، وَقَدِ اغْتَسَلَ، فَقُلْتُ لِخَالِدٍ: أَلَا تَرَى إِلَى هَذَا؟ فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: "يَا بُرَيْدَةُ! أَتُبْغِضُ ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "التعقب". (¬2) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 1770).

عَلِيًّا؟ "، فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: "لَا تُبْغِضْهُ؛ فَإِنَّ لَهُ فِي الْخُمُسِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ". (أتبغض عليًا؟ قلت: نعم): قال الحافظ أَبو ذر (¬1): إنما أبغَضَه؛ لأنه رآه أخذَ من المغنم، فظنَّ أنه غَلَّ، فلما أعلمَه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنه أخذ أقلَّ من حقه، أَحَبَّه، -رضي الله عنهم- أجمعين (¬2). * * * 2202 - (4351) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، عَنْ عُمَارَةَ ابْنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ شُبْرُمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي نُعْمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْيَمَنِ بِذُهَيْبَةٍ فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ، لَمْ تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا، قَالَ: فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: بَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ، وَأَقْرَعَ بْنِ حَابِسٍ، وَزَيْدِ الْخَيْلِ، وَالرَّابِعُ: إِمَّا عَلْقَمَةُ، وَإِمَّا عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِهَذَا مِنْ هَؤُلَاءِ، قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "أَلَا تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ، يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً؟! ". قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ، مُشْرِفُ الْوَجْنتَيْنِ، نَاشِزُ الْجَبْهَةِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، مُشَمَّرُ الإِزَارِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! اتَّقِ اللَّهَ، قَالَ: "وَيْلَكَ! أَوَ لَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الأَرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ؟! ". قَالَ: ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ. قَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَلَا أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ ¬

_ (¬1) "أَبو ذر" ليست في "ع". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 880).

قَالَ: "لَا، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي". فَقَالَ خَالِدٌ: وَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ! قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ قُلُوبَ النَّاسِ، وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ". قَالَ: ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهِ وَهْوَ مُقَفٍّ، فَقَالَ: "إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ رَطْبًا، لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ -وَأَظُنُّهُ قَالَ:- لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ، لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ". (بذُهَيبةٍ): تصغير ذَهَبَةٍ، وهي القطعةُ من الذهب. (في أديم مقروظٍ): أي: مدبوغ بالقَرَظ. (لم تُحَصَّلْ من ترابها): أي: لم تحصَّلْ من تراب المعدِن بالسَّبك. (والرابعُ إما علقمة، وإما عامر بنُ الطفيل): قيل: الشك في عامر هنا وَهم؛ لأنه لم يُسلم، ولا عُدَّ في المؤلفة، ولا أدركَ هذا، بل مات كافرًا. قيل: والصحيحُ علقمةُ، من غير شك (¬1). (ناشز الجبهة): -بالزاي- في أكثر النسخ؛ أي: مرتفعها، ووقع في بعض أصول البخاري بالراء (¬2). (أن أَنْقُب): رواه ابن ماهان بسكون النون وضم القاف [مع فتح (¬3) الهمزة، وعند غيره بضم الهمزة وفتح النون وتشديد القاف] (¬4) المكسورة، ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 881). (¬2) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬3) في "ج": "فتحه". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ع".

فالأولُ بمعنى: أَشُق، والثاني بمعنى: أُفتش وأَبحث (¬1). (وهو مُقَفٍّ (¬2)): أي: مُوَلِّ قَفاه. وفي بعض النسح: "وهو مُقَفِّي" بإثبات الياء بناء على الوقف في مثله بالياء، وهو وجه صحيح قرأ به ابن كثير في: {هَادٍ} [الرعد: 7]، و [وَالٍ} [الرعد: 11]؛ و {وَاقٍ} [الرعد: 34]، و {بَاقٍ} [النحل: 96]، لكن الوقف بحذفها أقيسُ وأكثر، ولا يجوز في الوصل إلا الحذفُ، ومن أثبتها وقفًا، أثبتها (¬3) خَطًّا؛ رعاية لحال الوقف، وعليه تتخرج هذه النسخة (¬4). (يتلون كتاب الله رَطْبًا): قيل: يعني (¬5) أنه يواظب على القراءة، فلا يزال لسانه رطبًا بها. وقيل: هو من تحسين الصوت في القرآن. قال السفاقسي: ويكون -أيضًا- من الحِذْق بالقراءة، فيمر لسانه عليها مَرًّا لا يتغير ولا ينكس. وقيل: يريد: الذي لا شدة في صوت قارئه، فهو لَيِّنٌ رَطْبٌ (¬6). ¬

_ (¬1) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬2) في "ج": "وهو يقف". (¬3) "وقفًا أثبتها" ليست في "ج". (¬4) "النسخة" ليست في "ع". (¬5) "يعني" ليست في "ج". (¬6) انظر: "التوضيح" (21/ 522).

باب: غزوة ذي الخلصة

باب: غَزْوَةِ ذِي الْخَلَصَةِ (غزوة ذي الخَلَصَة): تقدم ضبطه. 2203 - (4355) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، حَدَّثَنَا بَيَانٌ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: كَانَ بَيْتٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُقَالُ لَهُ: ذُو الْخَلَصَةِ، وَالْكَعْبَةُ الْيَمَانِيةُ، وَالْكَعْبَةُ الشَّأْمِيَّةُ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَلَا تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ؟ "، فَنَفَرْتُ فِي مِئَةٍ وَخَمْسِينَ رَاكِبًا، فَكَسَرْنَاهُ، وَقتلْنَا مَنْ وَجَدْنَا عِنْدَهُ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْتُهُ، فَدَعَا لَنَا وَلأحْمَسَ. (كان بيتٌ في الجاهلية يقال له: ذو الخلصة، والكعبة اليمانية (¬1)، والكعبة الشأمية): قال الزركشي: هذا وهم، وصوابه: والتي بمكةَ الكعبةُ الشامية، فالكعبةُ الشامية (¬2) رفعٌ بالابتداء غير معطوف (¬3). قلت: جرى على عادته في الجرأة على التوهيم من غير تثبت. وقد تكفل السهيلي برفع هذا الإشكال، فقال: اللام من قوله: "يقال له" لام العِلَّة؛ أي: إن وجود هذا البيت الحادث كان يُقال لأجله: الكعبة اليمانية (¬4)، والكعبة الشامية، يريد: أن السبب الحامل على وصف الكعبة الحرام بالشامية قصدُ تمييزها من هذا البيت الخبيث الذي سموه بالكعبة اليمانية، وأما (¬5) قبل وجوده، فكانت الكعبة لا تحتاج ¬

_ (¬1) "والكعبة اليمانية" ليست في "ج". (¬2) "فالكعبة الشامية" ليست في "ج". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 882). (¬4) "الكعبة اليمانية" ليست في "ج". (¬5) "وأما" ليست في "ج".

باب: غزوة ذات السلاسل، وهي غزوة لخم وجذام

إلى وصف، وإذا (¬1) أُطلقت، فلا يراد بها إلا البيتُ الحرام؛ لعدم المزاحم. فقد زال الإشكال، واضمحل التوهيم (¬2)، ولله الحمد. * * * باب: غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، وَهْيَ غَزْوَةُ لَخْمٍ وَجُذَامَ (غزوة ذات السلاسل): مما يلي طريقَ الشام، كانت سنة (¬3) سبع، وقيل: ثمان، وسميت بذلك (¬4)؛ لأن المشركين ارتبطَ بعضُهم إلى بعض لئلا يَفروا. 2204 - (4358) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ: أَن رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: "عَائِشَةُ". قُلْتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: "أَبُوهَا". قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "عُمَرُ". فَعَدَّ رِجَالًا، فَسَكَتُّ مَخَافَةَ أَنْ يَجْعَلَنِي فِي آخِرِهِمْ. (ثنا (¬5) خالد بن عبد الله، عن خالد الحذاء): الأول: هو (¬6) الطحان، ¬

_ (¬1) في "ج": "فإذا". (¬2) في "ج": "التوهم". (¬3) في "ع": "في سنة". (¬4) في "ع": "وبذلك". (¬5) كذا في رواية أبي ذر الهروي، وفي اليونينية: "أخبرنا"، وهي المعتمدة في النص. (¬6) في "ج": "وهو".

باب: وفد عبد القيس

وأما الثاني: فقيل له: الحذاء؛ لأنه (¬1) كان يجلس إلى حَذَّاء، فَنُسب إليه، ويقال: إنه ما حذا قَطُّ. * * * باب: وَفْدِ عَبْدِ القَيْسِ 2205 - (4371) - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ -هُوَ ابْنُ طَهْمَانَ-، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: أَوَّلُ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ، بَعْدَ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ فِي مَسْجدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فِي مَسْجدِ عَبْدِ الْقَيْسِ بِجُوَاثَى. يَعْنِي: قَرْيَةً مِنَ الْبَحْرَيْنِ. (بجُواثَى من البحرين): بجيم مضمومة فواو مخففة فألف فمثلثة فألف، ومنهم من يهمز الواو. * * * باب: وَفْدِ بني حَنِيفَةَ، وحَدِيثِ ثُمَامَةَ بنِ أُثَالٍ 2206 - (4376) - حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مَهْدِيَّ ابْنَ مَيْمُونٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيَّ يَقُولُ: كنَّا نَعْبُدُ الْحَجَرَ، فَإِذَا وَجَدْنَا حَجَرًا هُوَ أَخْيَرُ مِنْهُ، أَلْقَيْنَاهُ، وَأَخَذْنَا الآخَرَ، فَإِذَا لَمْ نَجدْ حَجَرًا، جَمَعْنَا جُثْوَةً مِنْ تُرَابٍ، ثُمَّ جِئْنَا بِالشَّاةِ، فَحَلَبْنَاهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُفْنَا بِهِ، فَإِذَا ¬

_ (¬1) في "ع": "إلا أنه".

دَخَلَ شَهْرُ رَجَبٍ، قُلْنَا: مُنَصِّلُ الأَسِنَّةِ، فَلَا نَدَعُ رُمْحًا فِيهِ حَدِيدَةٌ، وَلَا سَهْمًا فِيهِ حَدِيدَةٌ إِلَّا نَزَعْنَاهُ، وَأَلْقَيْنَاهُ شَهْرَ رَجَبٍ. (جثْوَة من تراب): -بجيم تحرك بكل من الحركات الثلاث بعدها ثاء مثلثة-: هي القطعة من التراب. (مُنصل الأَسِنَّة): مُنَصِّل مثلُ مُخَرِّج وزنًا ومعنى، وإنما سموه بذلك؛ لأنهم كانوا ينزعون الأسنة فيه، ولا يغزون (¬1)، ولا يُغير بعضُهم على بعض (¬2). * * * قِصَّةُ الأَسْوَدِ العَنْسِيِّ 2207 - (4379) - قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، عَنْ رُؤْيَا رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الَّتِي ذَكَرَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ذُكِرَ لِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، أُرِيتُ أَنَّهُ وُضعَ فِي يَدَيَّ سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَفُظِعْتُهُمَا وَكَرِهْتُهُمَا، فَأُذِنَ لِي، فَنَفَخْتُهُمَا، فَطَارَا، فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ". فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيُّ الَّذِي قَتَلَهُ فَيْرُوزُ بِالْيَمَنِ، وَالآخَرُ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ. (ففظِعتهما): -بفاء فظاء معجمة مكسورة فعين-؛ من قولك: شيءٌ فَظيع؛ أي: شديد. قال ابن الأثير: هكذا رُوي متعديًا، والمعروف: فُظِعْتُ به، أو منه، ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "يقرون". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 884).

باب: قصة عمان والبحرين

والتعدية من باب الحمل على المعنى؛ لأنه بمعنى: أكبرتُهما، وخفتُهما (¬1). * * * قِصَّةُ أَهْلِ نَجْرانَ 2208 - (4380) - حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: جَاءَ الْعَاقِبُ وَالسَّيِّدُ، صَاحِبَا نَجْرَانَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُرِيدَانِ أَنْ يُلَاعِنَاهُ، قَالَ: فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: لَا تَفْعَلْ، فَوَاللَّهِ! لَئِنْ كَانَ نبِيًّا، فَلَاعَنَّا، لَا نُفْلِحُ نَحْنُ وَلَا عَقِبُنَا مِنْ بَعْدِنَا. قَالَا: إِنَّا نُعْطِيكَ مَا سَأَلْتَنَا، وَابْعَثْ مَعَنَا رَجُلًا أَمِينًا، وَلَا تَبْعَثْ مَعَنَا إِلَّا أَمِينًا. فَقَالَ: "لأَبْعَثَنَّ مَعَكُمْ رَجُلًا أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ". فَاسْتَشْرَفَ لَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "قُمْ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ". فَلَمَّا قَامَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هَذَا أَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ". (عباس بن الحسين): بموحدة وسين مهملة. * * * باب: قِصَّةِ عُمَانَ وَالْبَحْرَيْنِ (عُمان): بضم العين المهملة وتخفيف الميم. * * * باب: قُدُومِ الأَشْعَريينَ وأهْلِ اليَمَنِ 2209 - (4385) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ، عَنْ ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (3/ 459). وانظر: "التنقيح" (2/ 884).

أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ زَهْدَمٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ أَبُو مُوسَى، أَكْرَمَ هَذَا الْحَيَّ مِنْ جَرْمٍ، وَإِنَّا لَجُلُوسٌ عِنْدَهُ، وَهْوَ يَتَغَدَّى دَجَاجًا، وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ جَالِسٌ، فَدَعَاهُ إِلَى الْغَدَاءِ، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ شَيْئًا، فَقَذِرْتُهُ، فَقَالَ: هَلُمَّ؛ فَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَأْكُلُهُ، فَقَالَ: إِنِّي حَلَفْتُ لَا آكُلُهُ، فَقَالَ: هَلُمَّ أُخْبِرْكَ عَنْ يَمِيِنكَ: إِنَّا أَتَيْنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَفَرٌ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ، فَاسْتَحْمَلْنَاهُ، فَأَبَى أَنْ يَحْمِلَنَا، فَاسْتَحْمَلْنَاهُ، فَحَلَفَ أَنْ لَا يَحْمِلَنَا، ثُمَّ لَمْ يَلْبَثِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أُتِيَ بِنَهْبِ إِبِلٍ، فَأَمَرَ لَنَا بِخَمْسِ ذَوْدٍ، فَلَمَّا قَبَضْنَاهَا، قُلْنَا: تَغَفَّلْنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَمِينَهُ، لَا نُفْلِحُ بَعْدَهَا أَبَدًا، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّكَ حَلَفْتَ أَنْ لَا تَحْمِلَنَا، وَقَدْ حَمَلْتَنَا؟ قَالَ: "أَجَلْ، وَلَكِنْ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ مِنْهَا". (فقذِرته): -بكسر الذال المعجمة-؛ أي: كرهتُه. * * * قِصَّةُ دَوْسٍ والطُّفَيلِ بنِ عَمْرٍو الدَّوْسِيِّ 2210 - (4392) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ ذَكْوَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: جَاءَ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: إِنَّ دَوْسًا قَدْ هَلَكَتْ، عَصَتْ وَأَبَتْ، فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ. فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا، وَأْتِ بِهِمْ". (إن دوسًا قد هلكَتْ، عصتْ وأَبَتْ): [قال السفاقسي: أنكر الداودي

باب: حجة الوداع

قوله: هَلَكَتْ، وقال: ليس هو بمحفوظ، إنما قال: أَبَتْ وعَصَتْ] (¬1) (¬2). * * * 2211 - (4393) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قُلْتُ فِي الطَّرِيقِ: يَا لَيْلَةً مِنْ طُولِهَا وَعَنَائِهَا ... عَلَى أَنَّهَا مِنْ دَارَةِ الْكُفْرِ نَجَّتِ وَأَبَقَ غُلَامٌ لِي فِي الطَّرِيقِ، فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَبَايَعْتُهُ، فَبَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ إِذْ طَلَعَ الْغُلَامُ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! هَذَا غُلَامُكَ". فَقُلْتُ: هُوَ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَعْتَقْتُهُ. (وأَبَقَ لي غلام في الطريق) (¬3): قال السفاقسي: وهم، إنما ضَلَّ كلُّ واحد منهما من صاحبه (¬4). * * * باب: حَجَّةِ الوَدَاعِ 2212 - (4400) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 885). (¬3) ما بين قوسين ليس في "ج". (¬4) المرجع السابق، (2/ 886).

فُلَيْحٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: أَقْبَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ الْفَتْحِ، وَهْوَ مُرْدِفٌ أُسَامَةَ عَلَى الْقَصْوَاءَ، وَمَعَهُ بِلَالٌ، وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، حَتَّى أَنَاخَ عِنْدَ الْبَيْتِ، ثُمَّ قَالَ لِعُثْمَانَ: "ائْتِنَا بِالْمِفْتَاحِ"، فَجَاءَهُ بِالْمِفْتَاحِ، فَفَتَحَ لَهُ الْبَابَ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأُسَامَةُ وَبِلَالٌ وَعُثْمَانُ، ثُمَّ أَغْلَقُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ، فَمَكَثَ نهَارًا طَوِيلًا، ثُمَّ خَرَجَ وَابْتَدَرَ النَّاسُ الدُّخُولَ، فَسَبَقْتُهُمْ، فَوَجَدْتُ بِلَالًا قَائِمًا مِنْ وَرَاءَ الْبَابِ، فَقُلْتُ لَهُ: أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالَ: صَلَّى بَيْنَ ذَيْنِكَ الْعَمُودَيْنِ الْمُقَدَّمَيْنِ، وَكَانَ الْبَيْتُ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ، سَطْرَيْنِ، صَلَّى بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ مِنَ السَّطْرِ الْمُقَدَّمِ، وَجَعَلَ بَابَ الْبَيْتِ خَلْفَ ظَهْرِهِ، وَاسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الَّذِي يَسْتَقْبِلُكَ حِينَ تَلِجُ الْبَيْتَ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجدَارِ. قَالَ: وَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ: كَمْ صَلَّى؟ وَعِنْدَ الْمَكَانِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَرْمَرَةٌ حَمْرَاءُ. (وكان البيت على ستة أعمدة، سطرين): كذا للجماعة، بسين مهملة، وعند الأصيلي بالمعجمة، قال القاضي: وهو تصحيف (¬1). * * * 2213 - (4406) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "الزَّمَانُ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَةِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَة حُرُمٌ: ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 215).

باب: غزوة تبوك، وهي غزوة العسرة

وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ، الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ. أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ "، قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: "أليسَ ذُو الْحِجَّةِ؟ "، قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: "فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ "، قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: "أَلَيْسَ الْبَلْدَةَ؟ "، قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: "فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ "، قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: "أليْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ "، قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ -قَالَ مُحَمَّد: وَأَحْسِبُهُ قَالَ:- وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُّمْ، فَسَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، أَلَا فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلَّالًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلَا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يُبَلَّغُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ". فَكَانَ مُحَمَّدٌ إِذَا ذَكَرَهُ يَقُولُ: صَدَقَ مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَالَ: "أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ "، مَرَّتَيْنِ. (ورجب مضر): أضيف إليهم؛ لأنهم كانوا يبالغون (¬1) في حرمته، وأفادت هذه الإضافة تخليصَ رجبٍ الحقيقيِّ من رجبٍ الذي كانوا ينقلون إليه. * * * باب: غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَهْيَ غَزْوَةُ الْعُسْرَةِ (غزوة تبوك، وهي غزوة العسيرة (¬2)): -بالسين المهملة-، وقد تقدم ¬

_ (¬1) في "ع": "يتغالون". (¬2) نص البخاري: "العسرة".

سبب تسميتها بذلك في أول المغازي. * * * 2214 - (4415) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسُامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه -، قَالَ: أَرْسَلَنِي أَصْحَابِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَسْأَلُهُ الْحُمْلَانَ لَهُمْ؛ إِذْ هُمْ مَعَهُ فِي جَيْشِ الْعُسْرَةِ، وَهْيَ عَزْوَةُ تَبُوكَ، فَقُلْتُ: يَا نبَيَّ اللَّهِ! إِنَّ أَصْحَابِي أَرْسَلُونِي إِلَيْكَ لِتَحْمِلَهُمْ، فَقَالَ: "وَاللَّهِ! لَا أَحْمِلُكُمْ عَلَى شَيْءٍ". وَوَافَقْتُهُ وَهْوَ غَضْبَانُ وَلَا أَشْعُرُ، وَرَجَعْتُ حَزِينًا مِنْ مَنْعِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَمِنْ مَخَافَةِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وجَدَ فِي نَفْسِهِ عَلَيَّ، فَرَجَعْتُ إِلَى أَصْحَابِي، فَأَخْبَرْتُهُمُ الَّذِي قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ أَلْبَثْ إِلَّا سُوَيْعَةً إِذْ سَمِعْتُ بِلَالًا يُنَادِي: أَيْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ! فَأَجَبْتُهُ، فَقَالَ: أَجِبْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْعُوكَ، فَلَمَّا أَتَيْتُهُ، قَالَ: "خُذْ هَذَيْنِ الْقَرِينَيْنِ، وَهَذَيْنِ الْقَرِينَيْنِ -لِسِتَّةِ أَبْعِرَةٍ ابْتَاعَهُنَّ حِينَئِذٍ مِنْ سَعْدٍ-، فَانْطَلِقْ بِهِنَّ إِلَى أَصْحَابِكَ، فَقُلْ: إِنَّ اللَّهَ، أَوْ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَحْمِلُكُمْ عَلَى هَؤُلَاءِ، فَارْكبُوهُنَّ". فَانْطَلَقْتُ إِلَيْهِمْ بِهِنَّ، فَقُلْتُ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَحْمِلُكُمْ عَلَى هَؤُلَاءِ، وَلَكِنِّي -وَاللَّهِ- لَا أَدَعُكُمْ حَتَّى يَنْطَلِقَ مَعِي بَعْضُكُمْ إِلَى مَنْ سَمِعَ مَقَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، لَا تَظُنُّوا أَنِّي حَدَّثْتُكُمْ شَيْئًا لَمْ يَقُلْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالُوا لِي: إِنَّكَ عِنْدَنَا لَمُصَدَّقٌ، وَلَنَفْعَلَنَّ مَا أَحْبَبْتَ، فَانْطَلَقَ أَبُو مُوسَى بِنَفَرٍ مِنْهُمْ، حَتَّى أتَوُا الَّذِينَ سَمِعُوا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَنْعَهُ إِيَّاهُمْ، ثُمَّ إِعْطَاءَهُمْ بَعْدُ، فَحَدَّثُوهُمْ بِمِثْلِ مَا حَدَّثَهُمْ بِهِ أَبُو مُوسَى.

(هذين القرينين): أي: الجَمَلَين المشدودِ أحدُهما إلى الآخر، ويروى: "هاتين القرينتين"، بالتأنيث. (لستة أبعرة ابتاعهم من سعد): حق الكلام أن يؤتى بضمير المؤنث، فيقال: ابتاعَهُنَّ، أو: ابتاعَها (¬1). * * * حَدِيْثُ كَعْبِ بِنِ مَالِكٍ 2215 - (4418) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ، قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ قِصَّةِ تَبُوكَ، قَالَ كَعْبٌ: لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا إِلَّا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ تَخَلَّفْتُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَلَمْ يُعَاتِبْ أَحَدًا تَخَلَّفَ عَنْهَا، إِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ، حَتَّى جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ، وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ، حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الإسْلَامِ، وَمَا أُحُبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ أَذْكَرَ فِي النَّاسِ مِنْهَا، كَانَ مِنْ خَبَرِي: أَنِّي لَمْ أكنْ قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْهُ فِي تِلْكَ الْغَزْاةِ، وَاللَّهِ! مَا اجْتَمَعَتْ عِنْدِي قَبْلَهُ رَاحِلَتَانِ قَطُّ، حَتَّى جَمَعْتُهُمَا فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ، وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُرِيدُ غَزْوَةً إِلَّا وَرَّى بِغَيْرِهَا، ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 887).

حَتَّى كانَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ، غَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَرِّ شَدِيدٍ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا، وَمَفَازًا وَعَدُوًّا كثِيرًا، فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ؛ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ، فَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ، وَالْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَثِيرٌ، وَلَا يَجْمَعُهُمْ كِتَابٌ حَافِظٌ -يُرِيدُ: الدِّيوَانَ-. قَالَ كَعْبٌ: فَمَا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَتَغَيَّبَ إِلَّا ظَنَّ أَنْ سَيَخْفَى لَهُ، مَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْيُ اللَّهِ، وَغَزَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تِلْكَ الْغَزْوَةَ حِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ وَالظِّلَالُ، وَتَجَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ، فَطَفِقْتُ أَغْدُو لِكَيْ أَتَجَهَّزَ مَعَهُمْ، فَأَرْجِعُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، فَأَقُولُ فِي نَفْسِي: أَنَا قَادِرٌ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ يَتَمَادَى بِي حَتَّى اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الْجِدُّ، فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ، وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جَهَازِي شَيْئًا، فَقُلْتُ: أَتَجَهَّزُ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ، فَغَدَوْتُ بَعْدَ أَنْ فَصَلُوا لأَتَجَهَّزَ، فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، ثُمَّ غَدَوْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، فَلَمْ يَزَلْ بِي حَتَّى أَسْرَعُوا، وَتَفَارَطَ الْغَزْوُ، وَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ فَأُدْرِكَهُمْ، وَلَيْتَنِي فَعَلْتُ، فَلَمْ يُقَدَّرْ لِي ذَلِكَ، فَكُنْتُ إِذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَطُفْتُ فِيهِمْ، أَحْزَنني أَني لَا أَرَى إِلَّا رَجُلًا مَغْمُوصًا عَلَيْهِ النِّفَاقُ، أَوْ رَجُلًا مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ، فَقَالَ وَهْوَ جَالِسٌ فِي الْقَوْمِ بِتَبُوكَ: "مَا فَعَلَ كَعْبٌ؟ "، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! حَبَسَهُ بُرْدَاهُ، وَنَظَرُهُ فِي عِطْفِهِ. فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: بِئْسَ مَا قُلْتَ، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا. فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنَّهُ تَوَجَّهَ قَافِلًا، حَضَرَنِي هَمِّي، وَطَفِقْتُ أَتَذَكَّرُ الْكَذِبَ، وَأقولُ:

بِمَاذَا أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَدًا؟ وَاسْتَعَنْتُ عَلَى ذَلِكَ بِكُلِّ ذِي رَأْيٍ مِنْ أَهْلِي، فَلَمَّا قِيلَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أَظَلَّ قَادِمًا، زَاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ، وَعَرَفْتُ أَنّيَ لَنْ أَخْرُجَ مِنْهُ أَبَدًا بِشَيْءٍ فِيهِ كَذِبٌ، فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ، وَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَادِمًا، وَكَانَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ، بَدَأَ بِالْمَسْجدِ، فَيَرْكَعُ فِيهِ رَكعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ، جَاءَهُ الْمُخَلَّفُونَ، فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ، وَيَحْلِفُونَ لَهُ، وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا، فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَانِيَتَهُمْ، وَبَايَعَهُمْ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ، فَجِئْتُهُ، فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ، تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ، ثُمَّ قَالَ: "تَعَالَ"، فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لِي: "مَا خَلَّفَكَ؟ أَلَمْ تَكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ؟ "، فَقُلْتُ: بَلَى، إِنِّي وَاللَّهِ! لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، لَرَأَيْتُ أَنْ سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ، وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلًا، وَلَكِنِّي وَاللَّهِ! لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي، لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ، وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ، إِنِّي لأَرْجُو فِيهِ عَفْوَ اللَّهِ، لَا وَاللَّهِ امَا كَانَ لِي مِنْ عُذْرٍ، وَاللَّهِ! مَا كنْتُ قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَّا هَذَا، فَقَدْ صَدَقَ، فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ". فَقُمْتُ، وَثَارَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَاتَّبَعُوني، فَقَالُوا لِي: وَاللَّهِ! مَا عَلِمْنَاكَ كُنْتَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هَذَا، وَلَقَدْ عَجَزْتَ أَنْ لَا تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَا اعْتَذَرَ إِلَيْهِ الْمُتَخَلِّفُونَ، قَدْ كَانَ كَافِيَكَ ذَنْبَكَ استِغْفَارُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَكَ. فَوَاللَّهِ! مَا زَالُوا يُؤَنِّبُونِي حَتَّى أَرَدْتُ أَنْ أَرْجِعَ، فَأُكُذِّبُ نَفْسِي، ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ: هَلْ

لَقِيَ هَذَا مَعِي أَحَدُ؟ قَالُوا: نعَمْ، رَجُلَانِ قَالَا مِثْلَ مَا قُلْتَ، فَقِيلَ لَهُمَا مِثْلُ مَا قِيلَ لَكَ، فَقُلْتُ: مَنْ هُمَا؟ قَالُوا: مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ الْعَمْرِيُّ، وَهِلَالُ ابْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِي، فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ، قَدْ شَهِدَا بَدْرًا، فِيهِمَا إِسْوَةٌ، فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُمَا لِي، وَنهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلَامِنَا -أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ- مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ، فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ، وَتَغَيَّرُوا لَنَا، حَتَّى تَنَكَّرَتْ فِي نَفْسِي الأَرْضُ، فَمَا هِيَ الَّتِي أَعْرِفُ، فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، فَأَمَّا صَاحِبَايَ، فَاسْتَكَانَا، وَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا يَبْكِيَانِ، وَأَمَّا أَنَا، فَكُنْتُ أَشَبَّ الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ، فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصَّلَاةَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَطُوفُ فِي الأَسْوَاقِ، وَلَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ، وَآتِي رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَهْوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَأَقُولُ فِي نَفْسِي: هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَامِ عَلَيَّ أَمْ لَا؟ ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ، فَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ، فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلَاتِي، أَقْبَلَ إِلَيَّ، وَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ، أَعْرَضَ عَنِّي، حَتَّى إِذَا طَالَ عَلَيَّ ذَلِكَ مِنْ جَفْوَةِ النَّاسِ، مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ، وَهْوَ ابْنُ عَمِّي، وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَوَاللَّهِ! مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا قَتَادَةَ! أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ! هَلْ تَعْلَمُنِي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟ فَسَكَتَ، فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ، فَسَكَتَ، فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ، فَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَفَاضَتْ عَيْنَايَ، وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الْجدَارَ. قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي بِسُوقِ الْمَدِينَةِ، إِذَا نَبَطِيٌّ مِنْ أَنْبَاطِ أَهْلِ الشَّأْمِ، مِمَّنْ قَدِمَ بِالطَّعَامِ يَبِيعُهُ بِالْمَدِينَةِ، يَقُولُ: مَنْ يَدُلُّ عَلَى كعْبِ بْنِ مَالِكٍ؟ فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ، حَتَّى إِذَا جَاءَنِي، دَفَعَ إِلَيَّ كِتَابًا مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ،

فَإِذَا فِيهِ: أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ، وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللَّهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلَا مَضْيَعَةٍ، فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ. فَقُلْتُ لَمَّا قَرَأْتُهَا: وَهَذَا أَيْضًا مِنَ الْبَلَاءَ، فَتَيَمَّمْتُ بِهَا التَّنُّورَ، فَسَجَرْتُهُ بِهَا، حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً مِنَ الْخَمْسِينَ، إِذَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْتِينِي، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأتكَ، فَقُلْتُ: أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ؟ قَالَ: لَا، بَلِ اعْتَزِلْهَا وَلَا تَقْرَبْهَا. وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبَيَّ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقُلْتُ لاِمْرَأَتِي: الْحَقِي بِأَهْلِكِ، فَتَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِي هَذَا الأَمْرِ. قَالَ كَعْبٌ: فَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ ضَائِعٌ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ؟ فَهَلْ تَكْرَهُ أَنْ أَخْدُمَهُ؟ قَالَ: "لَا، وَلَكِنْ لَا يَقْرَبْكِ". قَالَتْ: إِنَّهُ وَاللَّهِ! مَا بِهِ حَرَكَةٌ إِلَى شَيْءٍ، وَاللَّهِ! مَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ إِلَى يَوْمِهِ هَذَا. فَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِي: لَوِ اسْتَأْذَنْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي امْرَأَتِكَ، كمَا أَذِنَ لاِمْرَأَةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ أَنْ تَخْدُمَهُ؟ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ! لَا أَسْتَأْذِنُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَمَا يُدْرِينِي مَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا اسْتَأْذَنْتُهُ فِيهَا، وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ؟ فَلَبِثْتُ بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ، حَتَّى كَمَلَتْ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينِ نَهَى رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عَنْ كَلَامِنَا، فَلَمَّا صَلَّيْتُ صَلَاةَ الْفَجْرِ صُبْحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، وَأَنَا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتنَا، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ، قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي، وَضَاقَتْ عَلَيَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ! أَبْشِرْ، قَالَ: فَخَرَرْتُ سَاجِدًا، وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ، وآذَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -

بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلَاةَ الْفَجْرِ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا، وَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ، وَرَكَضَ إِلَيَّ رَجُلٌ فَرَسًا، وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ، فَأَوْفَى عَلَى الْجَبَلِ، وَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنَ الْفَرَسِ، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي، نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ، فَكَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا بِبُشْرَاهُ، وَاللَّهِ! مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ، وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا، وَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَيَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا، يُهَنُّونِي بِالتَّوْبَةِ، يَقُولُونَ: لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ، قَالَ كَعْبٌ: حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجدَ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَالِس حَوْلَهُ النَّاسُ، فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّانِي، وَاللَّهِ! مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ، وَلَا أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ. قَالَ كَعْبٌ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَهْوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ: "أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ". قَالَ: قُلْتُ: أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ؟ قَالَ:"لَا، بَلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ". وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا سُرَّ، اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ، فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِ اللَّهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ؛ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ". قُلْتُ: فَإِنِّي أُمسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا نَجَّانِي بِالصِّدْقِ، وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لَا أُحَدِّثَ إِلَّا صِدْقًا مَا لَقِيتُ، فَوَاللَّهِ! مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَبْلَاهُ اللَّهُ فِي صِدْقِ الْحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلَانِي، مَا تَعَمَّدْتُ

مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى يَوْمِي هَذَا كَذِبًا، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِي اللَّهُ فِيمَا بَقِيتُ. وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولهِ - صلى الله عليه وسلم -: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119]. فَواللَّهِ! مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ، بَعْدَ أَنْ هَدَانِي لِلإسْلَامِ، أَعْظَمَ فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِي لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، أَنْ لَا أَكُونَ كَذَبْتُهُ؛ فَأَهْلِكَ كمَا هَلَكَ الذِينَ كَذَبُوا؛ فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ لِلَّذِينَ كَذَبُوا -حِينَ أَنْزَلَ الْوَحْيَ- شَرَّ مَا قَالَ لأَحَدٍ، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ} إِلَى قَوْلهِ: {فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 95 - 96]. قالَ كَعْبٌ: وَكُنَّا تَخَلَّفْنَا -أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ- عَنْ أَمْرِ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ حَلَفُوا لَهُ، فَبَايَعَهُمْ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وَأَرْجَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمْرَنَا حَتَّى قَضَى اللَّهُ فِيهِ، فَبِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوية: 118]، وَلَيْسَ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ مِمَّا خُلِّفْنَا عَنِ الْغَزْوِ، إِنَّمَا هُوَ تَخْلِيفُهُ إِيَّانَا، وَإِرْجَاؤُهُ أَمْرَنَا، عَمَّنْ حَلَفَ لَهُ وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ، فَقَبِلَ مِنْهُ. (ولم يُعاتب أحد تخلف عنها): قال الزركشي: كذا هنا، وقد تقدم في غزوة بدر بهذا السند نفسه: "ولم يعاتبِ اللهُ أحدًا تخلَّفَ عنها" (¬1) (¬2). قلت: هذا لفظ مما روي هناك، وثَمَّ لفظ آخرُ هناك موافقٌ لما هنا، على أن الأول ليس بمعارض لما هناك من اللفظ الآخر، ولا لما هنا. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3951). (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 887).

(حتى إذا (¬1) اشتدَّ الناسُ (¬2) الجِدَّ): -بكسر الجيم- لجمهور (¬3) الرواة، وهو الاجتهادُ في الشيء، والمبالغةُ فيه، و"الناسُ" فاعل اشتد، والجدَّ مصدرٌ نوعي؛ أي: اشتداد الجدِّ، وجُوز أن يكون منصوبًا على إسقاط الخافض؛ أي: في الجد، لكن هذا غيرُ مَقيس، وعند ابن السَّكن: "للناس"، فيكون "الجدُّ" مرفوعًا على أنه فاعل "اشتدَّ"، وهو ظاهر (¬4). (وتفارَطَ الغزو): أي: سبقَ وفاتَ. (أحزنني أني لا أرى إلا رجلًا مغموصًا عليه النفاقُ): قال الزركشي: بفتح أَنَّ على التعليل (¬5). قلت: ليس بصحيح، إنما هي وصِلَتُها فاعلُ أَحزنني. ومغموصًا: بغين معجمة وصاد مهملة؛ أي: يُظن به النفاقُ، ويُتهم به. (فقال رجل من بني سلمة: يا رسول الله! حبسه برداه: الرجل القائل: هو عبد الله بن أُنيس، قاله الواقدي في "المغازي". (مُرارَةُ بنُ الربيع، وهلالُ بنُ أميةَ الواقفي، فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرًا): استُغْرِب هذا؛ فإن أهل السير لم يذكروا واحدًا منهما ¬

_ (¬1) "إذا" ليست في نص البخاري. (¬2) كذا في رواية أبي ذر الهروي عن الحموي والمستملي، وفي اليونينية: "بالناس الجد"، وهي المعتمدة في النص. (¬3) في "ع" و"ج": "الجمهور". (¬4) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬5) المرجع السابق، الموضع نفسه.

فيمن شهد بدرًا، ولا يعرف ذلك في غير هذا الحديث (¬1). (فلما قرأتها): إنما تقدم لفظُ كتاب، لكنه أنث على إرادة الصحيفة، وكذا: (فتيممت به التنور، فسجرتُه بها): أي: أوقدته. (فقال لي بعض أهلي: لو استأذنتَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - في امرأتك) (¬2): قال السفاقسي: انظر كيف كلَّمه بعضُ أهله، وقد نهى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن يُكَلَّم هو والاثنان معه. قال ابن الملقن: ولعله عبر عن الإشارة بالقول (¬3)؛ يعني (¬4): فلم يقع الكلام اللساني (¬5)، وهو المنهيُّ عنه. قلت: هذا بناء منه على الوقوف عند اللفظ واطِّراح جانب المعنى، وإلا، فليس المقصودُ بعدم المكالمة عدمَ النطق باللسان فقط، بل المراد: هو و (¬6) ما كان بمثابته من الإشارة المفهِمَة لما يُفهمه القولُ باللسان. وقد يجاب: بأن النهي كان خاصًا بمن عدا [زوجته، ومن جرت عادته بخدمته إياه من أهله، ألا ترى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما حظر على] (¬7) زوجة هلالٍ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 888)، و"التوضيح". (21/ 596). (¬2) من قوله: "حبسه برداه" إلى هنا ليس في "ع". (¬3) انظر: "التوضيح" (21/ 597). (¬4) في "ع": "معنى". (¬5) في "ج": "الكلام الثاني". (¬6) الواو ليست في "ج". (¬7) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج".

غشيانَه إياها، وأذنَ لها في خدمته، ومعلومٌ أنه لابدَّ في ذلك من مخالطةٍ وكلام، [فلم يكن النهي شاملًا لكل أحد، وإنما هو شاملٌ لمن لا تدعو حاجةُ هؤلاء إلى مخالطته وكلامه] (¬1) من زوجة، وخادم، ونحو ذلك، والله أعلم، فلعل الذي كَلَّمَ كعبًا من أهله هو ممن (¬2) لم يشملْه النهيُ، فتأمله. (أوفى على جبل): أي: أشرفَ عليه. (والله! ما أملك غيرَهما يومئذ): يريد: من الثياب المعدَّة للباسه، وإلا، فقد كان له مال، ولهذا قال: إن من توبتي أن أنخلعَ من مالي. (ليهنِك): قيده بعضهم بكسر النون، وبعضهم بفتحها، قال السفاقسي: والفتح الصواب (¬3)؛ لأن أصله: "يَهْنَا" -بفتح النون- (¬4). (فقام إليَّ طلحة): وكانا أخوين آخى بينهما (¬5) النبي - صلى الله عليه وسلم -. (أن أنخلع من مالي صدقة): قال الزركشي: هي مصدر، فيجوز انتصابُه بـ"أنخلع"؛ لأن معنى أنخلع: أَتصدَّقَ (¬6)، ويجوز أن يكون مصدرًا في موضع الحال؛ أي: متصدقًا (¬7). قلت: لا نسلم أن الصدقة مصدر، وإنما هي اسمٌ لما يتصدَّقُ به، ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬2) في "ج": "من". (¬3) في "ج": "والكسر أصوب". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 890) وقال: وفيه نظر. (¬5) في "م": "بينهم". (¬6) في "ع": "لأن الخلع الصدق". (¬7) انظر: "التنقيح" (2/ 890).

باب: كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى كسرى وقيصر

ومنه قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103]. وفي "الصحاح": الصدقةُ: ما تُصُدِّقَ به على الفقراء (¬1). فعلى هذا يكون نصبُها على الحال من مالي. (أن لا كون كَذَبْتُه): قال القاضي: كذا في "الصحيحين"، والمعنى: أن أكون كذبته، و"لا" زائدة؛ كقوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ} [ص: 75] (¬2). * * * باب: كِتَابِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلى كِسْرَى وَقَيْصَرَ 2216 - (4424) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إَبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَى كِسْرَى، مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيم الْبَحْرَيْنِ، فَدَفَعَهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إِلَى كِسْرَى، فَلَمَّا قَرَأَهُ، مَزَّقَهُ، فَحَسِبْتُ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ. (فدعا عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يمزقوا كلَّ ممزَّق): قيل: هلك منهم عند ذلك أربعةَ عشرَ ملكًا من ملوكهم في سنة واحدة (¬3)، حتى مَلَّكوا أمرَهم امرأة. ¬

_ (¬1) انظر: "الصحاح" (4/ 1506)، (مادة: صدق). (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 33). (¬3) "في سنة واحدة" ليست في "ج".

باب: مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - ووفاته

باب: مَرَضِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَوَفَاتِهِ 2217 - (4428) - وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: "يَا عَائِشَةُ! مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ، فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِي مِنْ ذَلِكَ السَّمِّ". (فهذا أوان وجدتُ انقطاعَ أبهري): أوانُ -بالرفع- على الخبرية، وهو واضح، وبالفتح لإضافته إلى مبني، وهو مع ذلك في محل رفع على أنه خبر المبتدأ. والأبهر: عرقٌ مستبطن القلب، إذا انقطعَ، ماتَ صاحبه. * * * 2218 - (4431) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَوْمُ الْخَمِيسِ، وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ؟! اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَجَعُهُ، فَقَالَ: "ائْتُونِي أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا". فَتَنَازَعُوا، وَلَا يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ، فَقَالُوا: مَا شَأْنُهُ؟ أَهَجَرَ، اسْتَفْهِمُوهُ؟ فَذَهَبُوا يَرُدُّونَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: "دَعُوني، فَالَّذِي أَنا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِي إِلَيْهِ". وَأَوْصَاهُمْ بِثَلَاثٍ، قَالَ: "أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ". وَسَكَتَ عَنِ الثَّالِثَةِ، أَوْ قَالَ: فَنَسِيتُهَا. (فذهبوا يَرُدُّوا): بحذف نون الرفع، وقد سبق الكلام فيها قريبًا.

2219 - (4435) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُنْتُ أَسْمَعُ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ نبِيٌّ حَتَّى يُخَيَّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَأَخَذَتْهُ بُحَّةٌ، يَقُولُ: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [النساء: 69]. الآيَةَ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ خُيِّرَ. (وأخذته بُحَّة): -بضم الباء الموحدة-، وهي غلظٌ وخشونةٌ تمنع من جَهارة الصوت (¬1). * * * 2220 - (4438) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، عَنْ صَخْرِ بْنِ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيه، عَنْ عَائِشَةَ: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا مُسْنِدَتُهُ إِلَى صَدْرِي، وَمَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سِوَاكٌ رَطْبٌ يَسْتَنُّ بِهِ، فَأَبَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَصَرَهُ، فَأَخَذْتُ السِّوَاكَ، فَقَصَمْتُهُ، وَنَفَضْتُهُ، وَطَيَّبْتُهُ، ثُمَّ دَفَعْتُهُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَاسْتَنَّ بِهِ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَنَّ اسْتِنَانًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ، فَمَا عَدَا أَنْ فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَفَعَ يَدَهُ أَوْ إِصْبَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: "فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى". ثَلَاثًا، ثُمَّ قَضَى، وَكَانَتْ تَقُولُ: مَاتَ بَيْنَ حَاقِنَتِي وَذَاقِنَتِي. (فأبَدَّه): -بتخفيف الموحدة وتشديد الدال-؛ أي: مَدَّ نظرَه إليه، كما قال في الرواية الأخرى: "فرأيتُه ينظر إليه"، ويروى: "فأمَدَّه" -بالميم-؛ من الإمداد (¬2). ¬

_ (¬1) "الصوت" ليست في "ع" و"ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 892).

(فقضِمته): -بكسر الضاد (¬1) -؛ أي: مضغته. ورواية الأكثرين: "فقصَمته" -بصاد مهملة مفتوحة- بمعنى: الكسر والقطع (¬2). (في الرفيق الأعلى): يريد به: الملائكة. والله أعلم. (مات بين حاقِنَتي وذاقِنَتي): قال ابن فارس (¬3): الحاقِنَة: ما سفل عن البطن (¬4). قال (¬5) غيره: والذاقنة (¬6) -بالذال المعجمة-: ما يناله الذَّقَنُ من الصَّدْر (¬7). * * * 2221 - (4445) - أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ: أَن عَائِشَةَ قَالَتْ: لَقَدْ رَاجَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي ذَلِكَ، وَمَا حَمَلَنِي عَلَى كَثْرَةِ مُرَاجَعَتِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي قَلْبِي: أَنْ يُحِبَّ النَّاسُ بَعْدَهُ رَجُلًا قَامَ مَقَامَهُ أَبَدًا، وَلَا كُنْتُ أُرَى أَنَّهُ لَنْ يَقُومَ أَحَدٌ مَقَامَهُ إِلَّا تَشَاءَمَ النَّاسُ بِهِ، فَأَرَدْتُ أَنْ يَعْدِلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عنْ أَبِي بَكْرٍ. ¬

_ (¬1) في "م" زيادة: "المهملة". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 892). (¬3) "قال ابن فارس" ليست في "ج". (¬4) انظر: "مجمل اللغة" (ص: 245). (¬5) في "ج": "وقال". (¬6) "والذاقنة" ليست في "ع" و"ج". (¬7) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 1791). وانظر: "التوضيح" (21/ 626).

(ولا كنت أرى أنه [لن] يقوم أحد مقامه إلا تشاءم الناس به): هذا ظاهر في كونه باعثًا لها على إرادة العدول بذلك عن أبي بكر - رضي الله عنه -؛ لمكان أبوته منها، وشرفِ منزلته عندها، وإنه لحقيق (¬1) بذلك. لكن في بعض الطرق المتقدمة ما يقتضي أنها أرادت أن يكون عمرُ هو الذي يصلي، فانظر هذا، مع علمها بما يلحقه من تشاؤم الناس، والله أعلم بحقيقة الحال في ذلك (¬2). * * * 2222 - (4447) - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَيي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كعْبِ ابْنِ مَالِكٍ الأَنْصَارِيُّ، وَكَانَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَحَدَ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تِيبَ عَلَيْهِمْ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - خَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَقَالَ النَّاسُ: يَا أَبَا حَسَنٍ! كيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالَ: أَصْبَحَ بِحَمْدِ اللَّهِ بَارِئًا، فَأَخَذَ بِيَدِهِ عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ -وَاللَّهِ- بَعْدَ ثَلَاثٍ عَبْدُ الْعَصَا، وَإِنِّي -وَاللَّهِ- لأُرَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَوْفَ يُتَوَفَّى مِنْ وَجَعِهِ هَذَا، إِنِّي لأَعْرِفُ وُجُوهَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عِنْدَ الْمَوْتِ، اذْهَبْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلْنَسْأَلْهُ فِيمَنْ هَذَا الأَمْرُ؟ إِنْ كَانَ فِينَا، عَلِمْنَا ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِنَا، عَلِمْنَاهُ، فَأَوْصَى بِنَا. ¬

_ (¬1) في "ج": "تحقيق". (¬2) "في ذلك" ليست في "ج".

فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنَّا -وَاللَّهِ- لَئِنْ سَأَلْنَاهَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَمَنَعَنَاهَا، لَا يُعْطِينَاهَا النَّاسُ بَعْدَهُ، وَإِنِّي -وَاللَّهِ- لَا أَسْأَلُهَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. (حدثني إسحاق، أنا بشر بن شعيب بن أبي حمزة، قال: حدثني أبي، عن الزهري: [قال]: أخبرني عبد الله بن كعب بن مالك): قال الدمياطي: انفرد البخاري عن الأئمة بهذا الإسناد، وعندي في سماع الزهري من عبد الله ابن كعب بن مالك نظر (¬1). (بارئًا): -بالهمز-: اسم فاعل من بَرَأَ المريضُ (¬2): إذا أفاق. (أنت -والله- بعد ثلاث عبدُ العصا): يريد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يموت، ويلي غيرُه، فيكون عليٌّ وغيرُه مأمورين (¬3). * * * 2223 - (4449) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَنَّ أَبَا عَمْرٍو ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَائِشَةَ كانَتْ تَقُولُ: إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيَّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تُوُفِّيَ فِي بَيْتِي، وَفِي يَوْمِي، وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، وَأَنَّ اللَّهَ جَمَعَ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ عِنْدَ مَوْتهِ: دَخَلَ عَلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَبِيَدِهِ السِّوَاكُ، وَأَنَا مُسْنِدَةٌ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ، فَقُلْتُ: آخُذُهُ لَكَ؟ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ: "أَنْ نَعَمْ"، فَتَنَاوَلْتُهُ، ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 893). (¬2) "المريض" ليست في "ج". (¬3) المرجع السابق، الموضع نفسه.

فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، وَقُلْتُ: أُلَيِّنُهُ لَكَ؟ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ: "أَنْ نَعَمْ". فَلَيَّنْتُهُ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ أَوْ عُلْبَةٌ -يَشُكُّ عُمَرُ- فِيهَا مَاءٌ، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ، فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ، يَقُولُ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ"، ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ، فَجَعَلَ يَقُولُ: "فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى"، حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ. (رَكْوَة): أي: من أَدَم. (أو عُلبة): أي: قَدَحٌ ضخم من خَشَب يُحْلَب فيه. * * * 2224 - (4450) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَسْأَلُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، يَقُولَ: "أَيْنَ أَنَا غَدًا؟ أَيْنَ أَنَا غَدًا؟ "، يُرِيدُ: يَوْمَ عَائِشَةَ، فَأَذِنَ لَهُ أَزْوَاجُهُ يَكُونُ حَيْثُ شَاءَ، فَكَانَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ حَتَّى مَاتَ عِنْدَهَا، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَاتَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي كَانَ يَدُورُ عَلَيَّ فِيهِ فِي بَيْتِي، فَقَبَضَهُ اللَّهُ، وَإِنَّ رَأْسَهُ لَبَيْنَ نَحْرِي وَسَحْرِي، وَخَالَطَ رِيقُهُ رِيقِي. ثُمَّ قَالَتْ: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أِبي بَكْرٍ، وَمَعَهُ سِوَاكٌ يَسْتَنُّ بِهِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ لَهُ: أَعْطِنِي هَذَا السِّوَاكَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَأَعْطَانِيهِ، فَقَضِمْتُهُ، ثُمَّ مَضَغْتُهُ، فَأَعْطَيْتُهُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَاسْتَنَّ بِهِ، وَهْوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى صَدْرِي. (لبين نحري وسحري): النَّحْر معلوم، وهو مجمع (¬1) التراقي في ¬

_ (¬1) في "ع": "مجموع".

أعلى الصدر، والسَّحْر: الرئة. (وهو مستند): وروي: "مُتَسَنِّد" (¬1). * * * 2225 - (4452 و 4453) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ: أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رضي الله عنه - أَقْبَلَ عَلَى فَرَسٍ مِنْ مَسْكَنِهِ بِالسُّنْحِ، حَتَّى نَزَلَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَلَمْ يُكَلِّمِ النَّاسَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ، فَتَيَمَّمَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وهْوَ مُغَشًّى بِثَوْبِ حِبَرَةٍ، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ، فَقَبَّلَهُ وَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأمُّي، وَاللَّهِ! لَا يَجْمَعُ اللَّهُ عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ، أَمَّا الْمَوْتَةُ الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْكَ، فَقَدْ مُتَّهَا. (لا يجمع الله عليك موتتين): قال الداودي: لا يموت في قبره موتةً أخرى كما يتفق لمن يُسأل عند ردِّ روحه (¬2) إليه، ثم يُقبض. وقيل: أراد بذلك ردَّ قولِ مَنْ قال: لم يمت النبيُّ، فأخبر أنه مات، وليس بحيٍّ يَحْيا، ثم يموت (¬3)، فيكون له موتتان (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 894) وعنده: "مستسند". (¬2) في "ع": "يسأل عن روحه". (¬3) "ثم يموت" ليست في "ع". (¬4) انظر: "التوضيح" (21/ 632).

2226 - (4454) - قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَحَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ خَرَجَ وَعُمَرُ يُكَلِّمُ النَّاسَ، فَقَالَ: اجْلِسْ يَا عُمَرُ، فَأَبَى عُمَرُ أَنْ يَجْلِسَ، فَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَتَرَكُوا عُمَرَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَّا بَعْدُ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم -، فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ اللَّهَ، فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ. قَالَ اللَّهُ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} إلى قوله: {الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144]. وَقَالَ: وَاللَّهِ! لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ هَذ الآيَةَ حَتَّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ، فَتَلَقَّاهَا مِنْهُ النَّاسُ كلُّهُمْ، فَمَا أَسْمَعُ بَشَرًا مِنَ النَّاسِ إِلَّا يَتْلُوهَا. فَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ عُمَرَ قَالَ: وَاللَّهِ! مَا هُوَ إِلَّا أَنْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ تَلَاهَا، فَعَقِرْتُ، حَتَّى مَا تُقِلُّنِي رِجْلَايَ، وَحَتَّى أَهْوَيْتُ إِلَى الأَرْضِ حِينَ سَمِعْتُهُ تَلَاهَا، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ مَاتَ. (فعَقِرت): -بفتح (¬1) العين المهملة وكسر القاف-؛ أي: تحيرت ودهشت، وروي بضم العين على البناء للمفعول، ومعناه كما تقدم. (حتى ما تُقِلُّني رجلاي): أي: تحملني، قال تعالى: {حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا} [الأعراف: 57]. (وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد مات): هكذا عند جميع الرواة بجعل "أن" وما بعدها بدلًا من ضمير المؤنث في قوله: تلاها، وعند ابن السكن: فعلمت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد مات (¬2). ¬

_ (¬1) في "ج": "بكسر بفتح". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 894).

2227 - (4458) - حَدَّثَنَا عَلِىٌّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، وَزَادَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: لَدَدْنَاهُ فِي مَرَضِهِ، فَجَعَلَ يُشِيرُ إِلَيْنَا: أَنْ لَا تَلُدُّونِي، فَقُلْنَا: كَرَاهِيَةُ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ، فَلَمَّا أَفَاقَ، قَالَ: "أَلَمْ أَنْهَكُمْ أَنْ تَلُدُّوني؟ "، قُلْنَا: كرَاهِيَةَ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ. (لددناه في مرضه): اللَّدُود: هو الدواء يُجعل في أحد جانبي الفم، [والوَجُور: هو الدواء يجعل في وسط الفم] (¬1)، قيل: وكان الذي لُدَّ به العود الهندي والزيت (¬2). (فقلنا (¬3): كراهيةُ المريض للدواء (¬4)): قال القاضي: ضبطناه بالرفع؛ أي: هذه منه كراهيةُ، وهو أوجَهُ (¬5) من النصب على المصدر (¬6). * * * 2228 - (4462) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ -عَلَيْهَا السَّلَامُ-: وَاكَرْبَ أَبَاهُ! فَقَالَ لَهَا: "لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ". فَلَمَّا مَاتَ، قَالَتْ: يَا أَبَتَاهْ! أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ، يَا أَبَتَاهْ! مَنْ جَنَّةُ ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬2) "والزيت" ليست في "ع". (¬3) في "ج": "فعلمنا". (¬4) في "م" و"ج": "الدواء". (¬5) في "ج": "وجه". (¬6) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 362).

الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهُ، يَا أَبَتَاهْ! إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهْ. فَلَمَّا دُفِنَ، قَالَتْ فَاطِمَةُ -عَلَيْهَا السَّلَامُ-: يَا أَنَسُ! أَطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - التُّرَابَ؟! (فقالت فاطمة: واكرب أباه!): قال الزركشي: في هذا (¬1) نظر، وقد رواه مبارك بن فضالة: "واكرباه! " (¬2). قلت: لا ندفع رواية البخاري -مع صحتها- بمثل هذه، لاسيما وقوله -عليه الصلاة والسلام-: "لا كَرْبَ على أبيكِ بعدَ اليوم" يدل على أنها قالت: واكربَ أباه! (إلى جبريل ننعاه): حكى الزركشي عن صاحب "مرآة الزمان" أنه قال: وقع في الأصل: "أنعاه" -بالألف-، وهو غلط من الرواة، والصحيح بغير ألف (¬3). ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "هذه". (¬2) رواه الإمام أحمد في "المسند" (3/ 141)، وابن حبان في "صحيحه" (6613)، وغيرهما. وانظر: "التنقيح" (2/ 895). (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 895).

كتاب التفسير

كتابُ التَّفسِير

كِتابُ التَّفسِير " الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ": اسْمَانِ مِنَ الرَّحْمَةِ، الرَّحِيمُ وَالرَّاحِمُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، كَالْعَلِيمِ وَالْعَالِم. (كتاب: تفسير القرآن). (الرحمنُ الرحيمُ: اسمان من الرحمة): لكن في الرحمن من المبالغة ما ليس في الرحيم، وهذا معنى قولهم في كتب اللغة: إن الرحمن أدقُّ من الرحيم. والحاصل: أن معنى الرحيم: ذو الرحمة، ومعنى الرحمن: كثيرُ الرحمة جدًا، واستدل على ذلك بالاستعمال حيث [يقال: رحمن الدنيا والآخرة (¬1)، ورحيم الدنيا (¬2). وبالقياس من] (¬3) حيث وقع في الرحمن زيادة على الحروف الأُصول فوقَ ما وقع في الرحيم، وأهل العربية يقولون: إن الزيادة في البناء تفيد (¬4) ¬

_ (¬1) "والآخرة" ليست في "ج". (¬2) في "ج": "ورحيم الآخرة". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬4) "تفيد" ليست في "ع".

الزيادة (¬1) في المعنى، والنقض بحَذِر بالنسبة إلى حاذر، يندفع بأن هذا الحكم أكثريٌّ لا كليٌّ، وبأن ما ذكر لا ينافي أن يقع في البناء الأنقص زيادة معنى بسبب آخرَ؛ كالإلحاق بالأمور الجبلِّيَّة؛ مثل: شَرِه، ونَهِم، وبأن ذلك فيما (¬2) إذا كان اللفظان المتلاقيان (¬3) في الاشتقاق متَّحِدَي النوع في المعنى؛ كغرث وغرثان، وصَدٍ وصديان، لا كحَذرٍ وحاذرٍ؛ للاختلاف في المعنى. قلت: وهنا فائدة حسنة، وهي أن بعض المتأخرين كان يقول: إن صفات الله تعالى التي هي على صفة المبالغة؛ كغفار، ورحيم، وغفور، كلها مجازًا؛ إذ هي موضوعة للمبالغة، ولا مبالغةَ فيها؛ لأن المبالغة هي أن تُثبت للشيء (¬4) أكثرَ مما له، وصفات الله تعالى [متناهيةٌ في الكمال، لا يمكن المبالغة فيها، وأيضًا فالمبالغةُ إنما تكون في صفاتٍ تقبلُ الزيادةَ والنقصَ، وصفاتُ الله تعالى] (¬5) متنزهة عن ذلك (¬6). (الرحيمُ والراحمُ بمعنًى واحد (¬7)؛ كالعليم والعالم): قد يقال عليه: إن الراحم اسمُ فاعل، والرحيم إما صفة مشبهة، أو صيغة مبالغة، وكذا ¬

_ (¬1) في "ع": "زيادة". (¬2) في "ع" و"ج": "وبأن فيما". (¬3) في "ع": "إذا كان الملاقيان". (¬4) "للشيء" ليست في "ع" و"ج". (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬6) نقله السيوطي في "الإتقان" (2/ 254) عن البرهان الرشيدي. (¬7) "بمعنى واحد" ليست في "ع" و"ج".

فاتحة الكتاب

القول في العليم والعالم، فبينهما فرق، فليسا بمعنى واحد، وقد يجاب بما أسلفته آنفًا إذا تأملت. * * * باب: مَا جَاءَ فِي فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُمِّيَتْ أُمَّ الْكِتَابِ؛ أَنَّهُ يُبْدَأُ بِكِتَابَتِهَا فِي الْمَصَاحِفِ، وَيُبْدَأُ بِقِرَاءَتِهَا فِي الصَّلَاةِ. وَالدِّينُ: الْجَزَاءُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، كمَا تَدِينُ تُدَانُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {بِالدِّينِ} [الماعون: 1]: بِالْحِسَابِ. {مَدِينِينَ} [الواقعة: 86]: مُحَاسَبِينَ. (وسميت أُمَّ الكتاب؛ أنه يُبدأ بكتابتها في المصاحف، ويبدأ بقراءتها في الصلاة): قال السفاقسي: هذا التعليل مناسبٌ لتسميتها بفاتحة الكتاب، لا بأم الكتاب (¬1) (¬2). وقد ذكر بعض المحققين: أن السبب في تسميتها أمَّ الكتاب اشتمالُها على كليات المعاني التي في القرآن من الثناء على الله تعالى، وهو ظاهر، و (¬3) من التعبُّد بالأمر والنهي، وهو في {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5]؛ لأن معنى العبادة: قيامُ العبد بما تُعُبِّدَ به وكُلِّفَه من امتثالِ الأوامر والنواهي. وفي {الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6]-أيضًا-، و (¬4) من الوعد والوعيد، ¬

_ (¬1) في "ج": "بأم القرآن". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 896). (¬3) الواو ليست في "ع" و"ج". (¬4) الواو ليست في "ع" و"ج".

وهو في {الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7]، وفي {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7]، وفي {يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4]؛ أي: الجزاء أيضًا. وإنما كانت الثلاثة أصولَ مقاصد القرآن؛ لأن الغرض الأصلي منه الإرشاد (¬1) إلى المعارف الإلهية، وما به نظامُ المعاش (¬2)، ونجاة العباد (¬3). والاعتراضُ بأن كثيرًا من السور كذلك، يندفع بعدم المساواة؛ لأنها فاتحة الكتاب، وسابقة السور، وقد اقتصر مضمونها على كليات المعاني الثلاثة بالترتيب على (¬4) وجه إجمالي؛ لأن أولها ثناء، وأوسطها تعبُّد، وآخرها وعد ووعيد، ثم يصير ذلك مفصلًا في سائر السور، فكانت منها بمنزلة مكةَ من سائر القرى على ما روي: من أنها مُهِّدَت أرضُها، ثم دحيت الأرض من تحتها (¬5)، فتستأهل أن تسمَّى أُمَّ القرآن؛ كما سميت مكةُ أُمَّ القرى، على أن وجه التسمية لا يلزم أن يَطَّرد. ¬

_ (¬1) في "ع": "الأصيلي الإرشاد". (¬2) في "ع": "لمعاش". (¬3) في "م" و"ع": "المعاد". (¬4) "على" ليست في "ع". (¬5) انظر: "تفسير البغوي" (1/ 37).

سورة البقرة

سورة البقرة باب: قَوْلِ اللَّهِ: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة: 31] ({وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا}): قال الزمخشري (¬1): أي: أسماءَ المسمَّيات، فحذف المضاف إليه؛ لكونه معلومًا مدلولًا عليه بذكرِ الاسم؛ لأنَّ الاسم (¬2) لابدَّ له من مسمًّى، وعُوِّضَ عنه اللام؛ كقوله تعالى: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ} [مريم: 4] (¬3). وظاهر كلامه: أن اللام عوضٌ عن المضاف إليه كما هو رأي الكوفيين، ولم يَجعل المحذوفَ مضافًا إلى الأسماء؛ أي: مسمَّيات الأسماء؛ لينتظم تعليق الإنباء بالأسماء فيما (¬4) ذكر بعد التعليم، وهو وإن تعذر المضاف إليه، وجعل الأسماء غير المسميات، لا تقول (¬5): إن ما علمه آدم وعلمه، وعجز عنه الملائكة هو مجردُ الألفاظ واللغات من غير علمٍ بحقائق المسميات وأحوالها ومنافعها؛ لظهور أن الفضيلة والكمال إنما هي في ذلك، وإلى هذا ذهب من جعلَ الاسمَ نفسَ المسمَّى، أو حمل الكلام على حذف المضاف؛ أي: مسميات الأسماء. ¬

_ (¬1) في "ع": "الزركشي". (¬2) "الاسم" ليست في "م". (¬3) انظر: "الكشاف" (1/ 154). (¬4) في "ع": "فبينما". (¬5) في "م": "لا بتقول".

لكن يرد عليه: أنه لا دلالة في الكلام على هذا التقدير. وجوابه: أن الأحوال والمنافع -أيضًا- من جملة (¬1) المسميات التي عُلِّمَ أسماءها، ولا يتم ذلك بدون معرفتها على وجه تمتاز به عما عداها، وهذا كافٍ. * * * 2229 - (4476) - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "يَجْتَمِعُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ أَبُو النَّاسِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، فَاشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا. فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ ذَنْبَهُ فَيَسْتَحِي، ائْتُوا نُوحًا؛ فَإِنَّهُ أَوَّلُ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ. فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ سُؤَالَهُ رَبَّهُ مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ، فَيَسْتَحِي، فَيَقُولُ: ائْتُوا خَلِيلَ الرَّحْمَنِ. فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، ائْتُوا مُوسَى، عَبْدًا كَلَّمَهُ اللَّهُ، وَأَعْطَاهُ التَّوْرَاةَ. فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ قَتْلَ النَّفْسِ بِغَيْرِ نَفْسٍ، فَيَسْتَحِي مِنْ رَبِّهِ، فَيَقُولُ: ائْتُوا عِيسَى عَبْدَ اللَّهِ وَرَسُولَهُ، وَكَلِمَةَ اللَّهِ وَرُوحَهُ. فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، ائْتُوا مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم -، عَبْدًا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ. فَيَأْتُونِي، فَأَنْطَلِقُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ ¬

_ (¬1) "من جملة" ليست في "ج".

باب: {وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى} [البقرة: 57]

عَلَى رَبِّي، فَيُؤْذَنُ، فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي، وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يُقَالُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ. فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَحْمَدُهُ بِتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ، ثُمَّ أَشْفَعُ، فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ أَعُودُ إِلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي، مِثْلَهُ، ثُمَّ أَشْفَعُ، فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ أَعُودُ الرَّابِعَةَ، فَأَقُولُ: مَا بَقِيَ فِي النَّارِ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: "إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ"، يَعْنِي: قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {خَالِدِينَ فِيهَا} [البقرة: 162]. (فيؤذن لي): بالرفع عطفا على "أَنطلقُ"، وبالنصب عطفًا على المنصوب في (¬1) قوله: "حتى أستأذنَ". * * * باب: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى} [البقرة: 57] 2230 - (4478) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زيدٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ، وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ". (الكَمْأَة من المَنِّ): اعترض الخطابي وغيرُه إدخالَه هذا هنا؛ فإنه ليس المراد في الحديث أنها نوع من المن المنزل على بني إسرائيل؛ فإن ¬

_ (¬1) "في" ليست في "ج".

باب: {وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم} الآية [البقرة: 58]

ذلك شيء كالتَّرَنْجَبِينِ، وإنما معناه: أنها تنبُت بنفسِها من غير استنبات ولا مؤنة تَكَلُّفٍ له (¬1). (وماؤها شفاء للعين): أي: يرتب به الكحل؛ كالتوتياء (¬2). * * * باب: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ} الآية [البقرة: 58] 2231 - (4479) - حَدَّثَنِي مُحَمَّد، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "قِيلَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ} [البقرة: 58]، فَدَخَلُوا يَزْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاهِهِمْ، فَبَدَّلُوا، وَقَالُوا: حِطَّةٌ، حَبَّةٌ فِي شَعَرَةٍ". (فبدلوا وقالوا: حنطة، حبة في شعرة): أي: قيل لهم: قولوا: حُطَّ عنا ذنوبنا، فبدلوا ذلك وقالوا: حنطة حبة في شعرة (¬3)، ويروى: "في شعيرة" (¬4). ورواه المروزي: "حِطَّة" بدلًا من "حنطة". قال الزركشي: وبالنون أصوبُ؛ لأنهم بدلوا اللفظ بزيادة النون (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 1799). (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 897). (¬3) في "ع": "شعيرة". (¬4) "ويروى في شعيرة" ليست في "ج". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 897).

باب قوله تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها} [البقرة: 106]

قلت: وإذا حملوا (¬1) القول الذي أُمروا به على غير المراد منه، وعَنوا به ما يحملهم عليه استهزاؤهم وجرأتهم، وزادوا مع ذلك لفظًا (¬2) آخر من تلقاء نفوسهم يُبين ما زادوه من المعنى المخترع صِدْق التبديل، ولا شك أن قولهم (¬3): حِطَّة حَبَّة في شعرة، هو غير القول الذي أُمروا به، فقد بدَّلوا، وبذلك يظهر أن ليس لفظ حنطة -بالنون- أصوبَ من حِطَّة، بدونها. * * * باب قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} [البقرة: 106] 2232 - (4481) - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيىَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه -: أَقْرَؤُنَا أُبَيٌّ، وَأَقْضَانَا عَلِيٌّ، وَإِنَّا لَنَدَعُ مِنْ قَوْلِ أُبَيٍّ، وَذَاكَ أَنَّ أُبَيًّا يَقُولُ: لَا أَدَعُ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} [البقرة: 106]. (وذاك أن أبيًا يقول: لا أدع شيئًا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -): قيل: لعله لا يُخبر بالنسخ إلا واحد، فلا يدع ما سمعه بخبر الواحد. (وقد قال الله -عز وجل-: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا}) كذا بضم النون، والمعروف: أن عمر - رضي الله عنه - كان يقرأ: "أو نَنْسَأْها"، ¬

_ (¬1) في "ع": "حمل". (¬2) في "ع" و"ج": "لفظ". (¬3) في "ع" و"ج": "قولوا".

باب: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} [البقرة: 125]

وكذا وقع بعد هذا في: فضائل القرآن، بالإسناد المذكور (¬1). * * * باب: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] 2233 - (4483) - حَدَّثَنَا مُسَدَّد، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنسٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: وَافَقْتُ اللَّهَ فِي ثَلَاثٍ، أَوْ وَافَقَنِي رَبِّي فِي ثَلَاثٍ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَوِ اتَّخَذْتَ مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى، وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! يَدْخُلُ عَلَيْكَ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَلَوْ أَمَرْتَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْحِجَابِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الْحِجَابِ، قَالَ: وَبَلَغَنِي مُعَاتَبَةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بَعْضَ نِسَائِهِ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِنَّ، قُلْتُ: إِنِ انْتَهَيْتُنَّ أَوْ لَيُبَدِّلَنَّ اللَّهُ رَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم - خَيْرًا مِنْكُنَّ، حَتَّى أَتَيْتُ إِحْدَى نِسَائِهِ، قَالَتْ: يَا عُمَرُ! أَمَا فِي رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا يَعِظُ نِسَاءَهُ، حَتَّى تَعِظَهُنَّ أَنْتَ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ} [التحريم: 5]. (وبلغني معاتبةُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بعضَ نسائه): البعضُ المعاتَب حَفْصَةُ وعائشةُ اللتان نزل فيهما قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1]. (حتى أتيت إحدى نسائه): هي زينبُ بنتُ جحشٍ، كذا قاله الخطيب، وتبعه النووي، ولأم سلمة مخاطبة مع عمر - رضي الله عنه - أخرجها البخاري في تفسير سورة التحريم، وهي (¬2): "فقالت أم سلمة: واعجبَا لك ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 897). (¬2) "وهي" ليست في "ع".

باب: قوله تعالى {سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم} الآية [البقرة: 142]

يا ابن الخطاب! دخلْتَ في كل شيء (¬1) حتى تبغيَ أن تدخلَ بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه! " (¬2)، فيحتمل أن تفسر هذه القصة بها، وعلى ذلك (¬3) اقتصر الزركشي (¬4). * * * باب: قَولِهِ تَعَالى {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ} الآية [البقرة: 142] 2234 - (4486) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، سَمِعَ زُهَيْرًا، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَإِنَّهُ صَلَّى، أَوْ صَلَّاهَا، صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ كانَ صَلَّى مَعَهُ، فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجدِ وَهُمْ رَاكعُونَ، قَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ! لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قِبَلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَكَانَ الَّذِي مَاتَ عَلَى الْقِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ قِبَلَ الْبَيْتِ رِجَالٌ قُتِلُوا، لَمْ نَدْرِ مَا نقُولُ فِيهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 143]. ¬

_ (¬1) "شيء" ليست في "م". (¬2) رواه البخاري (4629). (¬3) في "ج": "وعلى هذا". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 897).

باب: قوله تعالى: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها} الآية [البقرة: 143]

(وكان الذي مات على القبلة قبل أن تُحول رجالٌ قُتلوا لم ندرِ ما نقولُ فيهم): "كان" شأنية، و"رجال" خبر "الذي"، إما على (¬1) إرادة: الذين، فحذفت النون تخفيفًا لأجل الطول، و [إما] على أن "الذي" صفة لمفردٍ لفظًا دالٍّ على الجماعة؛ أي: الفريق الذي مات. وعدَّ المفسرون من هؤلاء الذين ماتوا قبل تحويل القبلة: البراءَ بنَ معرور، وأسعدَ بنَ زُرارةَ، كذا ذكره الواحدي في "أسباب النزول"، ومات أسعدُ في السنة الأولى من الهجرة، والبراءُ بنُ معرورٍ في صفرٍ قبلَ قدوم النبي - صلى الله عليه وسلم - بشهر. لكن قال بعض الحفاظ: تحويلُ القبلة كان قبلَ بدر، ولم يُقتل قبلها أحدٌ من الصحابة (¬2). * * * باب: قولهِ تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا} الآية [البقرة: 143] 2235 - (4488) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: بَيْنَا النَّاسُ يُصَلُّونَ الصُّبْحَ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ، إِذْ جَاءَ جَاءٍ فَقَالَ: أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قُرْآنًا: أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ، فَاسْتَقْبِلُوهَا، فَتَوَجَّهُوا إِلَى الْكَعْبَةِ. ¬

_ (¬1) "على" ليست في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 898)، و"التوضيح" (22/ 47).

باب: قوله: {قد نرى تقلب وجهك في السماء} [البقرة: 145]

(فاستقبلوها): بفتح الباء الموحدة على الخبر، وبكسرها على الأمر. * * * باب: قوله: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة: 145] 2236 - (4489) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِر، عَنْ أبَيهِ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: لَمْ يَبْقَ مِمَّنْ صَلَّى الْقِبْلَتَيْنِ غَيْرِي. (لم يبق ممن صلَّى القبلتين غيري): هذا قاله أنس في آخر عمره، والذين صلوا القبلتين هم المهاجرون الأَوَّلون. * * * باب: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 15] شَعَائِرُ: عَلَامَاتٌ، وَاحِدَتُهَا شَعِيرَةٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الصَّفْوَانُ: الْحَجَرُ، وَيُقَالُ: الْحِجَارَةُ الْمُلْسُ الَّتِي لَا تُنْبِتُ شَيْئًا، وَالْوَاحِدَةُ صَفْوَانَةٌ، بِمَعْنَى الصَّفَا، وَالصَّفَا لِلْجَمِيعِ. (والواحدة صفوانة): يريد: واحدةَ الصفوان، فأما واحدةُ الصَّفا، فصَفاةٌ، وقيل: الصفا: اسمُ جنس (¬1) جمعي (¬2)، يفرق بينه وبين مفرده ¬

_ (¬1) في "ج": "جمع". (¬2) "جمعي" ليست في "ج".

باب: {ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى} إلى قوله: {عذاب أليم} [البقرة: 178]

بالتاء، وقيل: مفرده يجمع على فُعول وأفعال؛ كقُفِيٍّ وأَقْفاء (¬1). * * * باب: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} إلى قوله: {عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 178] 2237 - (4499) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ: أَنَّ أَنسًا حَدَّثَهُمْ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ". (كتابَ الله القصاصَ): بنصب الجزأين ورفعهما، ونصب الأول ورفع الثاني. * * * باب: قولِهِ: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} إلى {تَعْلَمُونَ} [البقرة:184] 2238 - (4505) - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءٍ: سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184]. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ، هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ، وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ، لَا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا، فَلْيُطْعِمَانٍ كَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا. (سمع ابن عباس يقرأ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ}: -بضم المثناة التحتية وفتح الطاء المخففة وتشديد الواو-؛ أي: يتحمَّلونه، كذا فسرها مجاهد (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 898). (¬2) في "ع": "ابن مجاهد"، وانظر المرجع السابق، (2/ 899).

باب: قوله تعالى: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} الآية [البقرة: 187]

باب: قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} الآية [البقرة: 187] 2239 - (4509) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيٍّ، قَالَ: أَخَذَ عَدِيٌّ عِقَالًا أَبْيَضَ، وَعِقَالًا أَسْوَدَ، حَتَّى كَانَ بَعْضُ اللَّيْلِ نَظَرَ، فَلَمْ يَسْتَبِينَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! جَعَلْتُ تَحْتَ وِسَادَتِي، قَالَ: "إِنَّ وِسَادَكَ إِذًا لَعَرِيضٌ أَنْ كَانَ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ وَالأَسْوَدُ تَحْتَ وِسَادَتِكَ". (عقالًا): هو عِقالُ البعير، وهوْ ما يُشَدُّ به من (¬1) حبلٍ ونحوه. (إنَّ وِسادَك إذًا لعريض): تمسك عديٌّ بمطلق اللفظ، ولم يعتبر ما قُيِّدَ به، وهو قوله: {مِنَ الْفَجْرِ}، وقد وقع في الرواية الثانية: أنه لم يكن نزلَ قولُه: {مِنَ الْفَجْرِ}، فهذا (¬2) مما يبسط عذره. وقال الخطابي: كنى بالوِساد عن النوم؛ أي: نومُك إذًا لطويل (¬3)، ومعنى العريض هنا: الواسعُ الكثير، لا خلافُ الطويل، وما في الحديث (¬4) يدفعه؛ فإن نصه (¬5): "إِنَّ وِسادَكَ إِذَنْ لعريض أَنْ كان الخيطُ الأبيضُ والأسودُ تحتَ وِسادِكَ"؛ لأن المشرق والمغرب إذا كانا تحت الوِساد، لزم عَرضه قطعًا. ¬

_ (¬1) "من" ليست في "ج". (¬2) في "ج": "وهذا". (¬3) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 1807). (¬4) في "ج": "وما في هذا الطويل حديث". (¬5) في "ع": "فإنه نص".

باب: قوله تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين} [البقرة: 193]

وقوله في الرواية الثانية: "إنَّكَ لَعَرِيضُ القَفَا" فسره الخطابي بالبلادة والغفلة (¬1)، وإنما يرجع إلى (¬2) ما تقدَّم، أو لأنه إذا كان وسادُه عريضًا (¬3)، فقفاه [يكون] عريضًا (¬4). * * * باب: قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} [البقرة: 193] 2240 - (4513) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّه، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أتاهُ رَجُلَانِ فِي فِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَا: إِنَّ النَّاسَ صَنَعُوا، وَأَنْتَ ابْنُ عُمَرَ، وَصَاحِبُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَخْرُجَ؟ فَقَالَ: يَمْنَعُنِي أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ دَمَ أَخِي، فَقَالَا: ألمْ يَقُلِ اللَّهُ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193]؟ فَقَالَ: قَاتَلْنَا حَتَّى لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ، وَكَانَ الدِّينُ لِلَّهِ، وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنة، وَيَكُونَ الدِّينُ لِغَيْرِ اللَّهِ. (إن الناس قد صَنَعوا (¬5)): بصاد مهملة ونون مفتوحتين، ويروى: ¬

_ (¬1) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 1808). (¬2) في "ج": "على". (¬3) "عريضًا" ليست في "ع". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 900). (¬5) في "ع": "ضيعوا".

"ضُيِّعوا": بضاد معجمة مضمومة ومثناه تحتية مشددة مكسورة (¬1). * * * 2241 - (4514) - وَزَادَ عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي فُلَانٌ، وَحَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحِ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو الْمَعَافِرِيِّ: أَنَّ بُكَيْرَ ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَهُ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى ابْنَ عُمَرَ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ تَحُجَّ عَامًا وَتَعْتَمِرَ عَامًا، وَتَتْرُكَ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَقَدْ عَلِمْتَ مَا رَغَّبَ اللَّهُ فِيهِ؟ قَالَ: يَا بْنَ أَخِي! بُنِيَ الإسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: إِيمَانٍ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالصَّلَاةِ الْخَمْسِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ. قَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! أَلَا تَسْمَعُ مَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي كتَابِهِ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} إلى {أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9]، {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193]؟ قَالَ: فَعَلْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَ الإِسْلَامُ قَلِيلًا، فَكَانَ الرَّجُلُ يُفْتَنُ فِي دِينِهِ، إِمَّا قَتَلُوهُ، وَإِمَّا يُعَذِّبُوهُ، حَتَّى كَثُرَ الإسْلَامُ، فَلَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ. (أخبرني فلان، وحَيْوَةُ بنُ شُريح): قيل: هذا المكنى عنه بفلان هو ابنُ لَهِيْعَةَ (¬2). ¬

_ (¬1) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 900).

باب: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج} [البقرة: 196]

2242 - (4515) - قَالَ: فَمَا قَوْلُكَ فِي عَلِيِّ وَعُثْمَانَ؟ قَالَ: أَمَّا عُثْمَانُ، فَكَأَنَّ اللَّهَ عَفَا عَنْهُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ، فَكَرِهْتُمْ أَنْ تَعْفُوا عَنْهُ. وَأَمَّا عَلِيٌّ، فَابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَخَتَنُهُ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ، فَقَالَ: هَذَا بَيْتُهُ حَيْثُ تَرَوْنَ. (أما عثمان، فكأن الله عفا عنه): يروى برفع الاسم الشريف على اسم كان، و"عفا عنه" خبرها، وبنصبه على أنه اسمُ كأَنَّ التشبيهية أختِ إِنَّ. (وخَتَنُه): -بفتح الخاء المعجمة والمثناة الفوقية-، وفيه إطلاق الخَتَنِ على زوجِ البنت، وقال ابن فارس: الختن: أَبو الزوجة (¬1). (وهذا بيته حيث ترون): يريد بين أبيات النبي - صلى الله عليه وسلم -. وكان هذا الرجل السائل لابن عمر هو العلاء بن عرار، رواه النسائي في "خصائص علي" في ترجمة (¬2) علي وقربه من النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3). * * * باب: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] 2243 - (4518) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عِمْرَانَ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَينٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: أُنْزِلَتْ آيَةُ الْمُتْعَةِ فِي كتَابِ اللَّهِ، فَفَعَلْنَاهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَمْ يُنْزَلْ ¬

_ (¬1) انظر: "مجمل اللغة" (ص: 313). (¬2) في "م" زيادة: "منزل". (¬3) رواه النَّسائي في "السنن الكبرى" (8490) عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-.

قُرْآنٌ يُحَرِّمُهُ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا حَتَّى مَاتَ، قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ. (قالَ رجلٌ برأيه ما شاء): وفي الزركشي عقيب هذا مكتوبٌ بالحمرة: قال البخاري: يقال: إنه عمر، ثم كتب بالسواد ما نصه: استشكله الشارح: بأن عمر إنما كان ينهى عن فسخ الحج إلى العمرة، ولم يخالف كتابًا ولا سنة (¬1). قلت: وقع في "الإفهام" بعد قول البخاري: "قالَ رجل برأيه ما شاء" ما مثاله: قال ابنُ بشكوال: الرجلُ هو عمرُ بنُ الخطاب، سماه البخاري بعقبِ الحديثِ المتقدم، ولم أرَ ذلك في "البخاري"، ولم يقع هذا -أيضًا- في "مسلم" بإثر هذه الرواية؛ فإن (¬2) البخاري هنا أخرجها عن عمران بن مسلم القصير، عن عمران بن ملحان أبي (¬3) [رجاء، عن عمران بن حُصين، ووقعت هذه الرواية في "مسلم"، وليس إثرَها تفسيرُ] (¬4) الرجل المذكور، وإنما أخرجه مسلم قبل هذه الرواية في رواية مُطَرِّفٍ، عن عمرانَ، وقال ابن حاتم: -يعني: محمدَ بنَ حاتم- في روايته: "ارتأى رجلٌ برأيه ما شاء" يعني: عمر (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 900). (¬2) في "ج": "قال". (¬3) في "ع" و"ج": "له لي". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬5) رواه مسلم (1226).

باب: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} الآية [البقرة: 199]

باب: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} الآية [البقرة: 199] 2244 - (4520) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ، حَدَّثَنَا هِشَام، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: كانَتْ قُرَيْش وَمَنْ دانَ دِينَهَا يَقِفُونَ بِالْمُزْدلِفَةِ، وَكانُوا يُسَمَّوْنَ الْحُمْسَ، وَكَانَ سَائِرُ الْعَرَبِ يَقِفُونَ بِعَرَفَاتٍ، فَلَمَّا جَاءَ الإسْلَامُ، أَمَرَ اللَّهُ نبَيَّهُ - صلى الله عليه وسلم - أن يَأْتِيَ عَرَفَاتٍ، ثُمَّ يَقِفَ بِهَا، ثم يُفِيضَ مِنْهَا، فذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 199]. (وكانوا يسمَّوْنَ الحُمْس): وهو جمعُ أَحْمَسَ، وهو شديدُ الصُّلْب، سميت قريشٌ وكنانةُ بذلك؛ لتصلُّبهم فيما كانوا عليه، وكانوا لا يخرجون من الحرم إذا وقفوا، ويقولون: نحن أهلُ الله، فلا نخرج من حرم الله. * * * 2245 - (4521) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، أَخْبَرَنِي كرَيْب، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: يَطَوَّفُ الرَّجُلُ بالْبَيْتِ مَا كانَ حَلَالًا حَتَّى يُهِلَّ بِالْحَجِّ، فَإِذَا ركبَ إِلَى عَرَفةَ، فَمَنْ تَيَسَّرَ لَهُ هَدِيَّة مِنَ الإبِلِ أَوِ الْبَقَرِ أَوِ الْغَنَم، مَا تَيَسَّرَ لَهُ مِن ذَلِكَ، أَيَّ ذَلِكَ شَاءَ، غَيْرَ إِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ، فَعَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أيامٍ فِي الْحَجِّ، وَذَلِكَ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ، فَإِنْ كانَ آخِرُ يَوْمٍ مِنَ الأيامِ الثَّلَاثَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيَنْطَلِقْ حَتَّى يَقِفَ بِعَرَفاتٍ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ يَكُونَ الظَّلَامُ، ثمَّ لِيَدْفَعُوا مِنْ عَرَفَاتٍ إِذَا أَفَاضُوا مِنْهَا حَتَّى يَبْلُغُوا جَمْعًا الَّذِي يَبِيتُونَ بِهِ، ثمَّ

باب: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم} [البقرة: 223]

لِيَذْكُرِ اللَّهَ كَثِيرًا، وأكثِرُوا التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا، ثُمَّ أَفِيضُوا؛ فَإِن الناسَ كانُوا يُفِيضُونَ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 199]. حَتَّى تَرْمُوا الْجَمْرَةَ. (حتى يبلغوا جمعًا الذي يبيتون به (¬1)): من البيات. ويروى: "يُتَبَرَّرُ به" -براءين-؛ من البِر، ويروى: "يُبْتَرَزُ به" -براء فزاي- (¬2)، والفعل في كلتا هاتين (¬3) الروايتين مبني للمفعول. * * * باب: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ} [البقرة: 223] ({نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ}): قال الزمخشري: مواضع {حَرْثٌ لَكُمْ} هذا مجاز، شبهت بالمحارث (¬4)؛ تشبيهًا لما يُلقى في أرحامهن من النُّطَف التي منها النسلُ بالبذور (¬5). وقوله: هذا مجاز، قيل: باعتبار إطلاق الحرثِ على موضع (¬6) الحرث. ¬

_ (¬1) في "ع": "فيه". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 901). (¬3) في "ج": "في كلتاهما بين". (¬4) في "ع": "بالمجاز"، و"شبهت بالمحارث" ليست في "ج". (¬5) انظر: "الكشاف" (1/ 294). (¬6) في "ج": "مواضع".

وقيل: باعتبار تغيرِ حكم الكلمة في الإعراب من جهة حذفِ المضاف؛ كما في: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82]. وقيل: باعتبار حمل المشبَّه به على المشبه بعد حذف الأداة؛ كما في: زيدٌ أسدٌ، فكثيرًا ما يقال له: المجاز، وإن لم تكن له استعارة، وكان التجوز في ظاهر الحكم بأنه هو، ثم أشار إلى أن (¬1) هذا التشبيه متفرع على تشبيه النطف (¬2) الملقاة في أرحامهن بالبذور؛ إذ لولا اعتبارُ ذلك، لم يكن بهذا الحسن. وقيل: المراد بالمجاز: الاستعارة بالكناية؛ لأن (¬3) في جعل النساء محارثَ دلالةً على أن النطف بذورٌ على ما أشار إليه بقوله: تشبيهًا لما يُلقى. . . . إلى آخره؛ كما تقول: إن هذا الموضع لمفترشُ الشجعان. قال التفتازاني: ولا أرى ذلك جاريًا (¬4) على القانون إلا أن يقال: التقدير: نساؤكم حرث لنطفكم؛ ليكون المشبَّه مصرحًا، والمشبه به مكنيًا. * * * 2246 - (4527) - وَعَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنِي أيوبُ، عَنْ ¬

_ (¬1) "أن" ليست في "ج". (¬2) في "ع": "على شبه العطف". (¬3) في "ج": "لأنه". (¬4) في "ج": "جار".

نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223]. قَالَ: يَأْتِيهَا فِي. رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّه، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. (عن ابن عمر: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}، قال: يأتيها في): كذا الرواية؛ أي: في الدبر، وكأنه (¬1) أسقط هذا اللفظ؛ لاستنكاره، وقد اختلف النقلُ عن ابن عمر في ذلك، فروي عنه مرة هذا، وروي عنه أنه ذُكر له هذا مرة، فقال ابن عمر: أو يَفعلُ ذلك مؤمنٌ؟ قال الزركشي: ونسب -يعني: القولُ بجواز إتيان المرأة في دبرها- إلى مالك (¬2). قلت: لكن ناقله عنه كاذب مُفْتَرٍ، وقد قال ابن وهب: سألت مالكًا، فقلت له: حَكَوا عنك أنك (¬3) تراه؟ قال: معاذَ اللهِ، وتلا: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} [البقرة: 223]، وقال: لا يكون الحرثُ إلا في موضع الزرع، وإنما نُسب هذا إليه في كتاب "السر"، وهو كتاب مجهول، لا يجوز اعتمادُ النقلِ منه أصلًا. * * * 2247 - (4528) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ: سَمِعْتُ جَابِرًا - رضي الله عنه -، قَالَ: كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ: إِذَا ¬

_ (¬1) في "ج": "وكأن". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 901). (¬3) في "ع": "أنك رأيت".

باب: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} إلى {بما تعملون خبير} [البقرة: 234]

جَامَعَهَا مِنْ وَرَائِهَا، جَاءَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ، فَنَزَلَتْ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223]. (إذا جامعها من ورائها): أي: في (¬1) فَرْجِها. (جاء الولد أحولَ، فنزلت: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}): أي (¬2): فأتوهن (¬3) كما تأتون أرضَكم التي تريدون أن تحرثوها، من أي (¬4) جهة شئتم، لا تُحْظَر عليكم جهة دون جهة، والمعنى: جامعوهن من أي شق أردتم بعد أن يكون المأتي واحدًا، وهو موضع الحرث، وهذا من الكنايات اللطيفة، فحيث أمركم الله كناية عن القُبُل قصدًا إلى كونه على وَفْق المأمور، وترغيبًا فيه عن الدبر، وإتيانُ الحرث كنايةٌ عن مجامعتهن بحيث يحصُل الولد؛ قصدًا إلى أن هذا ينبغي أن يكون الغرضَ الأصلي لا قضاء الشهوة، ثم في هذه تعريض للراغبين في إتيان القبل. * * * باب: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} إلى {بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [البقرة: 234] 2248 - (4530) - حَدَّثَنِي أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، ¬

_ (¬1) "في" ليست في "ع". (¬2) "أي" ليست في "ع". (¬3) في "ع": "فأتوهم". (¬4) "أي" ليست في "ع".

عَنْ حَبِيبٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة: 240]؟ قَالَ: قَدْ نَسَخَتْهَا الآيَةُ الأُخْرَى، فَلِمَ تَكْتُبُهَا؟ أَوْ: تَدَعُهَا؟ قَالَ: يَا بْنَ أَخِي! لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْهُ مِنْ مَكَانِهِ. (فلم تكتبها أو تدعها؟): المعنى فلم تكتبها؟ أو فلم لا (¬1) تدعها، فحذف حرف النفي اعتمادًا على فهم المعنى، وقد جاء بعد هذا: قال (¬2): "تدعها يا بن أخي لا أغير شيئًا منه من مكانه". * * * 2249 - (4531) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا شِبْل، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا}. قَالَ: كَانَتْ هَذِهِ الْعِدَّةُ، تَعْتَدُّ عِنْدَ أَهْلِ زَوْجِهَا وَاجِبٌ، فَأنْزَلَ اللَّهُ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ} [البقرة: 240]. قَالَ: جَعَلَ اللَّهُ لَهَا تَمَامَ السَّنَةِ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَصِيَّةً، إِنْ شَاءَتْ سَكَنَتْ فِي وَصِيَّتِهَا، وَإِنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ، وَهْوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [البقرة: 240]. فَالْعِدَّةُ كَمَا هِيَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا. زَعَمَ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ. ¬

_ (¬1) "لا" ليست في "ع". (¬2) في "ع" و"ج": "وقال".

(زعم ذلك عن مجاهد): أي: ما قدمه، ومنه: أن تمام السنة وصيَّةٌ، واستُشكل بأنه يذهب إلى أن هذا في الأزواج كلِّهن، وإنما هو للزوجة التي لا ترثُ تجوز لها الوصيةُ. * * * 2250 - (4532) - حَدَّثَنَا حِبَّانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى مَجْلِسٍ فِيهِ عُظْمٌ مِنَ الأَنْصَارِ، وَفِيهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي لَيْلَى، فَذَكَرْتُ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبة فِي شَأْنِ سُبَيْعَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: وَلَكِنَّ عَمَّهُ كَانَ لَا يَقُولُ ذَلِكَ، فَقُلْتُ: إِنِّي لَجَرِيء إِنْ كَذَبْتُ عَلَى رَجُلٍ فِي جَانِبِ الْكُوفَةِ، وَرَفَعَ صَوْتَهُ، قَالَ: ثُمَّ خَرَجْتُ، فَلَقِيتُ مَالِكَ بْنَ عَامِرٍ، أَوْ مَالِكَ ابْنَ عَوْفٍ، قُلْتُ: كَيْفَ كَانَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَهْيَ حَامِلٌ؟ فَقَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أتجْعَلُونَ عَلَيْهَا التَّغْلِيظَ، وَلَا تَجْعَلُونَ لَهَا الرُّخْصَةَ؟ لَنَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءَ الْقُصْرَى بَعْدَ الطُّولَى. (ثنا (¬1) حِبان): بحاء مكسورة وباء موحدة. (فيه عُظْمٌ من الأنصار): -بضم العين-؛ أي: عظماء. (أتجعلون عليها التغليظ (¬2)): وهو طولُ الزمن إذا زادت مدة الحمل على أربعة أشهر وعشر. ¬

_ (¬1) في "ج": "حدثنا". (¬2) في "ع" و"ج": "الغليط".

باب: {وقوموا لله قانتين} [البقرة: 238]، أي: مطيعين

[(ولا تجعلون لها الرخصةَ): وهي خروجُها من العدة إذا وضعتْ لأقلَّ من أربعةِ أشهرٍ وعشر] (¬1). (لنزلت سورةُ النساء القصرى بعدَ الطُّولى): يريد بالقصرى (¬2): سورة الطلاق. يشير (¬3) إلى قوله تعالى في هذه السورة: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]؛ فإنها نزلت بعد قوله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234]، ومفهوم كلام ابن مسعود: أنها نسختها، والجمهورُ على التخصيص. * * * باب: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]، أي: مُطِيعِينَ ({وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}): أي: مطيعين. اختُلف في المراد بالقانت في الآية (¬4)، هل هو العابدُ، أو (¬5) الذاكِرُ، أو (¬6) مطيلُ القيام، أو الداعي في حال القيام، أو الصامتُ، أو المقرُّ بالعبودية، أو المطيع كما ذكره؟ أقوال (¬7). ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) في "ع": "بالقصر". (¬3) في "ج": "ويشير". (¬4) في "ج": "في الآية"، وفي "م": "في القانت بالآية". (¬5) في "ج": "و". (¬6) في "ج": "و". (¬7) انظر "التوضيح" (22/ 113).

باب: {وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى} [البقرة: 260]

2251 - (4534) - حَدَّثَنَا مُسَدَّد، حَدَّثَنَا يَحْيى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ شُبَيْلٍ، عَنْ أَبِي عَمْرو الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ زيدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: كُنَّا نَتَكَلمُ فِي الصَّلَاةِ، يُكَلِّمُ أَحَدُنَا أَخَاهُ فِي حَاجَتِهِ، حَتَّى نزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]، فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ. (ابن شُبيل): بضم الشين المعجمة، تصغير شِبْل. * * * باب: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} [البقرة: 260] ({فَصُرْهُنَّ}: قَطِّعهن (¬1)): قال القاضي: هذا غريبٌ، والمعروف: أَمِلْهُنَّ (¬2)، يقال: صارَ يَصير ويصور: أَمالَ. وقال السفاقسي: الذي ذكره المفسرون أن صُرْهن -بضم الصاد- معناه: ضُمَّهن، وبكسرها معناه: قَطِّعهن (¬3)، فعلى ما قاله السفاقسي أن ما رُوي في البخاري: بكسر الصاد؛ كقراءة حمزة وغيره، اتجه أن يكون بمعنى (¬4): قَطِّعهن كما ذكره، ولا يكون فيه غرابة. ¬

_ (¬1) كذا في رواية أبي ذر، ولم تثبت في "اليونينية". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 318). (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 902). (¬4) "بمعنى" ليست في "ع".

2252 - (4537) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالح، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَسَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إبْرَاهِيمَ إِذ قَالَ: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260] ". (نحن أحقُّ بالشك من إبراهيم إذ قال (¬1): {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}): قال القاضي في "الشِّفا": قوله -عليه السلام-: "نحن أحقُّ بالشك من إبراهيم" نفيٌ لأن يكون إبراهيمُ شكَّ، وإبعادٌ للخواطر الضعيفة أن يُظَنَّ هذا بإبراهيم؛ أي: نحن موقنون بالبعث وإحياء الله (¬2) الموتى، فلو شكَّ إبراهيم، لكنا أولى بالشك منه، إما على طريق الأدب، أو أن يريد أُمَّتَه الذين يجوز عليهم الشك، أو على طريق التواضع والإشفاق إن حملت قصة إبراهيم على اختبار (¬3) حاله، أو زيادة يقينه. انتهى (¬4). على أن سؤال إبراهيم -عليه السلام- ليس عن شك في القدرة على الإحياء، ولكن عن معرفة كيفيتها، ومعرفةُ (¬5) الكيفية لا تُشترط في ¬

_ (¬1) في "ع": "قال إبراهيم". (¬2) لفظ الجلالة "الله" ليس في "ع". (¬3) في "ع": "إخبار". (¬4) انظر: "الشفا" (2/ 98). (¬5) "كيفيتها ومعرفة" ليست في "ع".

الإيمان، و (¬1) السؤال بصيغة "كيف" للدلالة على الحال، وهو كما لو علمت أن زيدًا يحكم في الناس، فسألتَ عن تفاصيل حكمه، فقلت (¬2): كيف يحكم؟ فسؤالك لم (¬3) يقع عن كونه حاكمًا، بل وقع عن (¬4) كيفية الحكم، وهو مشعر بالتصديق بالحكم. وأما قوله: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ} [البقرة: 260]، [فاعلم أن هذه الصيغة -وهي الاستفهام بـ"كيف"- قد تستعمل -أيضًا- عند الشك في القدرة؛ كما تقول لمن يدعي أمرًا تستعجزه عنه: أرني كيف تصنع، فجاء قوله: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ}] (¬5) والردُّ بـ"بلى" ليزول الاحتمال اللفظي، ويندفع الشك الذي يُتوهم، ويحصل النص الذي لا يرتاب فيه. وأما ما يُتخيل من أن قوله: {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260] مشعرٌ بفقد الطمأنينة عند السؤال، فيندفع بأن معناه: ليزول عن قلبي الفكرُ في كيفية الحياة بتصورها مشاهدةً، فتزول الكيفيات (¬6) المحتملة، وللعيان لطيفُ معنى، فبالمشاهدة يحصُل اطمئنانٌ لا يكون مع العلم اليقيني؛ لما فيه من الإحساس الذي قَلَّما يقع فيه شك (¬7)، ومن تظاهر الأدلة، ومن العلم ¬

_ (¬1) الواو ليست في "ج". (¬2) "قلت" ليست في "ع". (¬3) في "ج": "أن". (¬4) في "ج": "عن وقع". (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬6) في "ع": "بالكيفيات". (¬7) في "ج": "الشك".

باب قوله: {أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب} إلى قوله: {لعلكم تتفكرون} [البقرة: 266]

التفصيلي الذي هو أبعدُ عن التشبيه، وإن كان الإجمالي كافيًا في الإيمان. * * * باب قوله: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} إلى قوله: {لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة: 266] 2253 - (4538) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبي مُلَيْكَةَ يُحَدِّثُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَسَمِعْتُ أَخَاهُ أَبَا بَكْرِ بْنَ أبِي مُلَيْكَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه - يَوْمًا لأَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: فِيمَ تَرَوْنَ هَذِهِ الآيَةَ نزَلَتْ: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ} [البقرة: 266]؟ قَالُوا: اللَّهُ أَعْلَمُ، فَغَضِبَ عُمَرُ، فَقَالَ: قُولُوا: نَعْلَمُ، أَوْ لَا نَعْلَمُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي نَفْسِي مِنْهَا شَيْءٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ عُمَرُ: يَا بْنَ أَخِي! قُلْ، وَلَا تَحْقِرْ نَفْسَكَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ضُرِبَتْ مَثَلًا لِعَمَلٍ، قَالَ عُمَرُ: أَيُّ عَمَلٍ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لِعَمَلٍ، قَالَ عُمَرُ: لِرَجُلٍ غَنِيٍّ يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ لَهُ الشَّيْطَانَ، فَعَمِلَ بِالْمَعَاصِي حَتَّى أَغْرَقَ أَعْمَالَهُ. {فَصُرْهُنَّ} [البقرة: 260]: قَطِّعْهُنَّ. (فيمن (¬1) تُرون هذه الآية نزلت؟): بضم التاء من تُرَوْنَ على أنها بمعنى: تَظُنون، وبفتحها على أنها بمعنى: تعلمون. (قالوا: الله أعلم، فغضب عمر، فقال: قولوا: نعلم، أو لا نعلم): ¬

_ (¬1) نص البخاري: "فيم".

باب: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه} [البقرة: 285]

وجهُ غضبه مع كونهم وَكَلوا العلمَ إلى الله: أنه سألهم (¬1) عن تعيين ما عندهم في نزول الآية ظنًا أو علمًا على اختلاف الروايتين، فأجابوا بجواب يصلُح صدوره من العالم (¬2) بالشيء، والجاهلِ به (¬3)، فلم يحصل المقصودُ، فلذلك قال: قولوا: نعلم أو لا نعلم؛ ليُعرف ما عندكم. * * * باب: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ} [البقرة: 285] 2254 - (4546) - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا رَوْحٌ، أَخْبَرَنَا شُعْبةُ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاء، عَنْ مَرْوَانَ الأَصْفَرِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: أَحْسِبُهُ ابْنَ عُمَرَ: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ} [البقرة: 284]، قَالَ: نسَخَتْهَا الآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا. ({وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ}، قال: نسختها الآية التي بعدها): قال الخطابي: جرى على أن النسخ يدخل في الخبر المستقبَل دون الماضي، وعليه جماعة من الأصوليين؛ فإن دخوله في الماضي يؤدي إلى الخُلف، بخلاف المستقبل؛ لجواز تعليقه بشرط (¬4). وقال البيهقي: النسخ هنا بمعنى التخصيص، أو التبيين؛ فإن الآية ¬

_ (¬1) في "ع": "سأله". (¬2) في "ع": "المعالم". (¬3) "به" ليست في "ج". (¬4) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 1822).

الأولى وردت موردَ العموم، فبينت التي بعدها أن مما يخفي شيئًا، فلا يؤاخَذ به، وهو حديث النفس الذي لا يُستطاع دفعه (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: "شعب الإيمان" (1/ 297). وانظر: "التنقيح" (2/ 904). وعنده: "أن ما يخفى، لا يؤاخذ به". وفي نسخة: "أن مما لا يخفى، لا يؤاخذ به".

سورة آل عمران

سورة آلِ عِمْرَانَ باب: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} [آل عمران: 7] وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ. {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7]: يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا؛ كقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} [البقرة: 26]. وَكقَوْلهِ -جَلَّ ذِكْرُهُ-: {وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} [يونس: 100]. وَكقوله: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى} [محمد: 17]. {زَيْغٌ} [آل عمران: 7] شَكٌّ. {ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} [آل عمران: 7]: الْمُشْتَبِهَاتِ. {وَالرَّاسِخُونَ} [آل عمران: 7] يَعْلَمُونَ {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران: 7]. (سورة آل عمران). ({مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ}، وقال مجاهد: الحلال والحرام): وأشبهُ من هذا قولُ من قال: المُحْكَم: ما وضحَ معناه، فيدخل فيه النص، والظاهر. والمتشابه: ما تردَّدَتْ فيه الاحتمالات، فيدخل فيه المجمل والمؤول. قال الزركشي: والأولى في "الراسخون" رفعُه بالابتداء، و (¬1) "يقولون": خبره؛ لاستحالة مساواة (¬2) علمِهم بالمتشابه لعلم الله تعالى؛ فإنه يعلمه من كل وجه، ولأن جميع الراسخين يقولون: آمنا به، والعالمُ بالمتشابهات بعضُهم، فكان الأولى (¬3). قلت: فيه نظر: ¬

_ (¬1) في "ج": "أو". (¬2) "مساواة" ليست في "ع". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 904).

أما أولًا: فلا نسلم أن العطف مقتضٍ لتساوي (¬1) المعطوف عليه في الاتصاف بالفعل من جميع الوجوه؛ إذ لا نزاعَ في صحة قولك: فضل زيدٌ وعمرٌو علماءَ بلدهما، مع أن زيدًا قد يكون أفضلَ (¬2) من عمرو، وأرجحَ منه في فضله لعلماء البلد. وأما ثانيًا: فإنه لا فائدة حينئذٍ في قيد الرسوخ، بل هذا حكمُ العالمين كلِّهم، والحقُّ أنه إن (¬3) أريد [بالمتشابه: ما لا سبيل لمخلوق إليه، فالحقُّ الوقفُ على {إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 7]، وإن أريد] (¬4) ما لا يتضح بحيث يتناول [المجمل] والمؤول، فالحقُّ العطف. * * * 2255 - (4547) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْقَاسِم بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: تَلَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - هذِهِ الآيَةَ: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ} إِلَى قوله: {أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 7]، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ، فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ، فَاحْذَرُوهُمْ". ¬

_ (¬1) في "ع": "بتساوي". (¬2) في "ع": "فضل". (¬3) "إن" ليست في "ع". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ج".

باب: {وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم} [آل عمران: 36]

(فإذا رأيتِ الذي (¬1) يتبعون ما تشابه منه): بكسر التاء من رَأَيْتِ، على أن الخطاب لعائشة، وفتحها، على أنه لكل واحد، وعليهما كسر الكاف وفتحها من قوله: "فأولئكِ الذين سمى الله -عز وجل-"، قال ابن عباس: هم الخوارج (¬2). * * * باب: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران: 36] 2256 - (4548) - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَّا وَالشَّيْطَانُ يَمَسُّهُ حِينَ يُولَدُ، فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ إيَّاهُ، إِلَّا مَرْيَمَ وَابْنَهَا". ثُمَّ يَقُولُ أبو هُرَيْرَةَ: وَاقْرَؤُوا إِنْ شِئتمْ: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران: 36]. (ما من مولود يولد إلا والشيطانُ يمسُّه حين يولَد، فيستهلُّ صارخًا من مسِّ الشيطان إياه، إلا مريم وابنها): قال الزمخشري: الله أعلم بصحة هذا، وإن صح، فمعناه: أن كل مولود يطمع الشيطان في إغوائه، إلا مريمَ وابنَها؛ فإنهما كانا معصومَيْن، وكذلك كلُّ من كان في صفتهما؛ كقوله: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [الحجر: 39 - 40]. ¬

_ (¬1) نص البخاري: "الذين". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 905).

واستهلالُه صارخًا من مَسِّه تخييلٌ وتصوير؛ لطمعه فيه؛ كأنه يمسُّه ويضربُ بيده عليه، ويقول: هذا ممن أُغويه، ونحوه من التخييل قولُ ابن الرومي: لِمَا تُؤْذِنُ الدُّنْيَا بِهِ مِنْ صُرُوفِهَا ... يَكُونُ بُكَاءُ الطفْلِ سَاعَةَ يُولَدُ وأما (¬1) حقيقة المسِّ والنخس كما يتوهم أهل الحشو، فكلَّا، ولو سُلِّط إبليسُ على الناس ينخَسُهم، لامتلأت الدنيا صُراخًا وعِياطًا (¬2). قال الشيخ سعدُ الدين التفتازاني -رحمه الله-: طعنَ أولًا في الحديث بمجرد أنه لم يوافق هواه، وإلَّا، فأيُّ امتناع في أن يمس الشيطانُ المولودَ حين يولد (¬3)، بحيث يصرُخ كما نرى ونسمع، ولا يكون ذلك في جميع الأوقات حتى يلزم امتلاء الدنيا بالصراخ، ولا تلك المسة للإغواء ليدفع بأنه لا يُتصور في حق المولود حين يولَد، وكفى بصحة هذا الحديث روايةُ الثقاتِ له، وتصحيحُ مثلِ البخاريِّ ومسلمٍ من غير قدحٍ من غيرهما، ثم أَوَّلَه -على تقدير الصحة- بأن المراد بالمس (¬4): الطمعُ في إغوائه، واستثنى مريمَ وابنهَا؛ لعصمتهما، ولمَّا لم يخص هذا المعنى بهما، عَمَّمَ (¬5) الاستثناء لكل من يكون على صفتهما (¬6)، وهذا إما تكذيبٌ للحديث بعد ¬

_ (¬1) في "ع": "وإنما". (¬2) انظر: "الكشاف" (1/ 385). (¬3) "حين يولد" ليست في "ع". (¬4) في "ع": "بالسمع". (¬5) في "ع": "عم"، وفي "ج": "بما عم". (¬6) في "ج": "على صفتها".

تسليم صحته، وإما قولٌ بتعليل الاستثناء والقياس. وليت شعري من أين ثبت تحقق طمعِ الشيطانِ ورجائِه وصدقه في أن هذا المولود محلّ لإغوائه؛ ليلزمنا إخراجُ كلِّ من لا (¬1) سبيل له (¬2) إلى إغوائه، فلعله يطمع في إغواء مَنْ سوى مريم وابنها، ولا يتمكن منه. ولما ورد عليه أن الاستهلال صارخًا من المس إنما يصح ترتُّبه على حقيقة المس دون مجازه المذكور؟ أجاب: أنه تخييل وتصوير لطمعه (¬3) بأن يوقع ذلك المعنى في الخيال بصورة محسوسة، وإلا، فلا استهلال، ولا صراخ. وتحقيقه أنه استعارة تمثيلية، [شبه حال الشيطان في قصد الإغواء بحال من يمس الشيء باليد، ويعينه (¬4) لما يريد على ما ذكر (¬5)] (¬6) في مثل: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67]. وكذلك قول ابن الرومي تخييلٌ وتصوير لانتقال الطفل إلى دار الحوادث والآفات، وتمثيلٌ بحالِ مَنْ تؤذيه (¬7) الدنيا بذلك، ويبكي لأجل ذلك، وإلا، فلا إيذانَ من الدنيا، ولا بكاءَ من الطفل، لأجل العلم بذلك. ¬

_ (¬1) "لا" ليست في "ع". (¬2) "له" ليست في "ج". (¬3) "لطمعه" ليست في "ع". (¬4) في "ع": "وتعيينه". (¬5) في "ع": "ذكره". (¬6) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬7) في "ع": "ترديه".

باب: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا} [آل عمران: 77]

باب: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: 77] 2257 - (4552) - حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ نصرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَنَّ امْرَأتيْنِ كَانَتَا تَخْرِزَانِ فِي بَيْتٍ، أَوْ فِي الْحُجْرَةِ، فَخَرَجَتْ إِحْدَاهُمَا وَقَدْ أُنفِذَ بِإِشْفىً فِي كَفِّهَا، فَادعَتْ عَلَى الأُخْرَى، فَرُفِعَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لَذَهَبَ دِمَاءُ قَوْمٍ وَأَمْوَالُهُمْ". ذَكِّرُوهَا بِاللَّهِ، وَاقْرَؤُوا عَلَيْهَا: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ} [آل عمران: 77]، فَذَكَّرُوهَا، فَاعْتَرَفَتْ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ". (فخرجَتْ إحداهما): من (¬1) الخروج خلاف الدخول عند جمهور الرواة (¬2)، وبالجيم والحاء المهملة، وبناء الفعل للمفعول عند الأصيلي. (وقد أنفذ بإشْفًى في كفها): بالذال المعجمة من "أنفذ"، و"إشفى" -بهمزة مكسورة، وهو مقصور-، وهو المِثْقَبُ الذي يُخْرَزُ به. ووقع لبعضهم: "بالشِّفا" بإسقاط الهمزة وكسر الشين وإدخال أداة التعريف على الكلمة، كذا للقابسي. وقال القاضي: وبعض الرواة فتحَ الهمزة ومدَّه (¬3)، وهو خطأ (¬4). ¬

_ (¬1) "من" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "الرواية". (¬3) "ومده" ليست في "ع". (¬4) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 49). وانظر: "التنقيح" (2/ 905).

باب: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} [آل عمران: 110]

باب: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] 2258 - (4557) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَيْسَرَةَ، عَنْ أَبي حَازِمٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}، قَالَ: خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ، تَأْتُونَ بِهِمْ فِي السَّلَاسِلِ فِي أَعْنَاقِهِمْ، حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الإسْلَامِ. ({كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}) قال أبو هريرة: "خير الناس للناس"، قال الزركشي: قيل: ليس هذا التفسير بصحيح، ولا معنى لإدخاله في المسند؛ لأنه لم يرفعه. قلت: في مقابلة قول أبي هريرة: بأنه ليس بصحيح، إساءةٌ لا ينبغي ارتكابُ مثلِها. قال: وقيل: "كان" زائدة، ومعنى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ}؛ أي: أنتم خيرُ أمةٍ، والخطاب للصحابة. قلت: دعوى الزيادة على خلاف الأصل، ولا داعي إلى ارتكابها هنا، وذلك لأن "كان" الناقصة لا دلالة فيها على عَدَمٍ سابق، ولا على الدوام، وهذا معنى الإيهام الذي يثبتونه لها، فلذلك يستعمل فيما هو حادث؛ مثل: كان زيد راكبًا، وفيما هو دائم؛ مثل: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفتح: 14]، فقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} لا يدل على أنهم لم يكونوا خيرًا، فصاروا خيرًا، وانقطع ذلك عنهم. وقيل: الخطاب لجميع الأمة، والمعنى: كنتم في علمِ الله أو اللوح المحفوظ (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 906).

باب: {والرسول يدعوكم في أخراكم} [آل عمران: 153]، وهو تأنيث آخركم

باب: {وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ} [آل عمران: 153]، وَهْوَ تَأْنِيثُ آخِرِكُمْ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} [التوبة: 52]: فَتْحًا أَوْ شَهَادَةً. ({وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ} وهو تأنيث آخِرِكم (¬1)): قال الزركشي: كذا ثبت في النسخ: بكسر الخاء، وإنما هو تأنيث آخَر -بفتح الخاء- أَفْعَلُ (¬2) تفضيل؛ كفُضْلَى وأَفْضَل (¬3). قلت: نظرُ البخاريِّ أدقُّ من هذا، وذلك لأنه (¬4) لو جعل أخرى هنا تأنيثًا لآخَر -بفتح الخاء-، لم يكن فيه دلالةٌ على التأخُّر الوجودي، وذلك لأنه أُميتت دلالتُه على هذا المعنى بحسب العُرف، وصار إنما يدل على الوصف (¬5) بالمغايرة فقط، تقول: مررتُ برجلٍ حَسَنٍ، ورجلٍ آخَر؛ أي: مغايرٍ للأول، وليس المرادُ تأخُّرَه في الوجود عن السابق، وكذا مررت بامرأة جميلة، وامرأة أخرى. والمراد في الآية: الدلالةُ على التأخر، فلذلك (¬6) قال: تأنيث آخِرِكم -بكسر الخاء-؛ لتصير أُخرى دالة (¬7) على التأخر؛ كما في: {وَقَالَتْ أُولَاهُمْ ¬

_ (¬1) في "ع": "أخراكم". (¬2) "أفعل" ليست في "ج". (¬3) المرجع السابق، (2/ 906 - 907). (¬4) في "ع": "أنه". (¬5) في "ع" و"ج": "الوجهين". (¬6) "فلذلك" ليست في "ع". (¬7) في "ع" و"ج": "دلالة".

لِأُخْرَاهُمْ} [الأعراف: 39]؛ أي: المتقدمة للمتأخرة، واستعماله بهذا المعنى موجود في كلامهم، بل هو الأصل. * * * 2259 - (4561) - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْر، حَدَّثَنَا أبو إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: جَعَلَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الرَّجَّالَةِ يَوْمَ أُحُدٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ، وَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ، فَذَاكَ إِذْ يَدْعُوهُمُ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ، وَلَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - غيْرُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا. (ولم يبق مع النبي - صلى الله عليه وسلم - غيرُ اثني عشر رجلًا): ذكر ابن سعد في "الطبقات" أن منهم: محمدَ بنَ مسلمةَ، وعاصمَ بنَ ثابتِ بنِ أبي (¬1) الأفلح، وسهلَ بنَ حُنيف، وأبا دجانةَ سِماكَ بنَ خَرَشَةَ، والحُبابُ [بنُ] المنذر، وأُسَيْدُ بنُ حُضَيْر، ذكر ذلك مفرقًا في تراجمهم. وفي "مغازي الواقدي": وثبت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعةَ عشرَ رجلًا: سبعةٌ من المهاجرين: أبو بكرٍ الصدِّيقُ، وعليُّ بنُ أبي طالب، وعبدُ الرحمنِ ابنُ عوفٍ، وسَعْدُ (¬2) بنُ أبي وقاص، وطلحةُ بنُ عُبيد الله، وأبو عبيدةَ بنُ الجراح، والزبيرُ بنُ العوام. ومن الأنصار سبعة: الحُبابُ بنُ المنذر، وأبو دُجانة، وعاصمُ بنُ ثابتِ بنِ أَبي الأفلح، والحارثُ بنُ الصِّمَّة، وسَهْلُ بنُ حُنيف، وأُسيدُ بنُ حُضير، وسعدُ بنُ معاذ. ¬

_ (¬1) "أبي" ليست في "ع" و"ج". (¬2) في "م": "وسعيد".

باب: {ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا} [آل عمران: 186]

ويقال: ثبت سعدُ بنُ عُبادةَ، ومحمدُ بنُ مَسْلَمَةَ، يجعلونهما مكانَ أُسيد بن حضير، وسعد بن معاذ. وفي الزركشي: قيل: هم العشرة، وجابر بن عبد الله، وعمار، وابن مسعود (¬1). قلت: هذا إنما رأيته مذكورًا في قضية العير الواردة إلى المدينة في يوم الجمعة والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يخطب، فانفضوا إليها حتى ما بقي معه (¬2) -عليه السلام- إلا اثنا عشر رجلًا. قال السفاقسي: روي أنه بقي (¬3) معه طلحةُ، واثنا عشر رجلًا (¬4) من الأنصار، فاستأذنه طلحةُ، فلم يأذن له، ولم يزل الاثنا (¬5) عشر يستأذنونه (¬6) في المقاتلة حتى قُتلوا، ولحق النبي - صلى الله عليه وسلم - وطلحةُ بالجبل (¬7). * * * باب: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا} [آل عمران: 186] 2260 - (4566) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْب، عَنِ الزُّهْرِيِّ، ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 907). (¬2) "معه" ليست في "ع". (¬3) في "ج": "أنه ما بقي". (¬4) "رجلًا" ليست في "م". (¬5) في "ع" و"ج": "إلا اثني". (¬6) في "ج": "يستأذنوه". (¬7) المرجع السابق، الموضع نفسه.

قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زيدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ركبَ عَلَى حِمَارٍ، عَلَى قَطِيفَةٍ فَدكيَّة، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ بْنَ زيدٍ وَرَاءَهُ، يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَج، قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ. قَالَ: حَتَّى مَرَّ بِمَجْلِسٍ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبُيِّ ابْنُ سَلُولَ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، فَإِذَا فِي الْمَجْلِسِ أَخْلَاطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكينَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ، وَالْيَهُودِ وَالْمُسْلِمِينَ، وَفِي الْمَجْلِسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَلَمَّا غَشِيَتِ الْمَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَّة، خَمَّرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ أَنْفَهُ بِرِدائِهِ، ثُمَّ قَالَ: لَا تُغَبِّرُوا عَلَيْنَا، فَسَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِمْ، ثُمَّ وَقَفَ، فَنَزَلَ، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ، وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ: أيهَا الْمَرْءُ! إِنَّهُ لَا أَحْسَنَ مِمَّا تَقُولُ إِنْ كَانَ حَقًّا، فَلَا تُؤْذِينَا بهِ فِي مَجْلِسِنَا، ارْجِعْ إِلَى رَحْلِكَ، فَمَنْ جَاءَكَ فَاقْصُصْ عَلَيْهِ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ ابْنُ رَوَاحَةَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَاغْشَنَا بِهِ فِي مَجَالِسِنَا؛ فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ. فَاسْتَبَّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ حَتَّى كَادُوا يَتَثَاوَرُونَ، فَلَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَنُوا، ثُمَّ ركبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - دابَتهُ، فَسَارَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا سَعْدُ! ألمْ تَسْمَعْ مَا قَالَ أبو حُبَابٍ -يُرِيدُ: عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ-؟ قَالَ: كَذَا وَكَذَا"، قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! اعْفُ عَنْهُ، وَاصْفَحْ عَنْهُ، فَوَالَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ! لَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالْحَقِّ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ، لَقَدِ اصْطَلَحَ أَهْلُ هَذِهِ الْبُحَيْرَةِ عَلَى أَنْ يُتَوِّجُوهُ فَيُعَصِّبُونه بِالْعِصَابَةِ، فَلَمَّا أَبَى اللَّهُ ذَلِكَ بِالْحَقِّ الَّذِي أَعْطَاكَ اللهُ، شَرِقَ بِذَلِكَ، فَذلِكَ فَعَلَ بِهِ ما رَأَيْتَ. فَعَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ يَعْفُونَ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ

باب: {لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا} [آل عمران: 188]

الْكِتَابِ كَمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ، وَيَصْبِرُونَ عَلَى الأَذَى، قَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا} [آل عمران: 186]، الآيةَ، وَقَالَ اللَّهُ: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} [البقرة: 109]، إلَى آخِرِ الآيَةِ، وَكانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَأَوَّلُ الْعَفْوَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ، حَتَّى أَذِنَ اللَّهُ فِيهِمْ، فَلَمَّا غَزَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَدْرًا، فَقَتَلَ اللَّهُ بِهِ صَنَادِيدَ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، قَالَ ابْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَعَبَدَةِ الأَوْثَانِ: هَذَا أَمْرٌ قَدْ تَوَجَّهَ، فَبَايَعُوا الرَّسُولَ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الإسْلَامِ، فَأسْلَمُوا. (على أن يتوِّجوه فيعَصِّبونه): فيه الجمعُ بين إعمال "أن" وإهمالها في كلام واحد، كما وقع في قوله: [البسيط]. أَنْ تَقْرَآنِ عَلَى أَسْمَاءَ وَيحَكُمَا ... مِنّي السَّلامَ وَأَنْ لا تُشْعِرَا أَحَدَا (¬1) * * * باب: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} [آل عمران: 188] 2261 - (4568) - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ: أَنَّ ابْنَ جُرَيْج أَخْبَرَهُمْ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَنَّ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ مَرْوَانَ قَالَ لِبَوَّابِهِ: اذْهَبْ يَا رَافِعُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقُلْ: لَئِنْ كانَ كُلُّ امْرِئٍ فَرِحَ بِمَا أُوتيَ، وَأَحَبَّ أَنْ يُحْمَدَ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ، مُعَذَّبًا، لنُعَذَّبَنَّ أَجْمَعُونَ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَمَا لَكُمْ وَلِهَذِهِ؟! إِنَّمَا دَعَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَهُودَ، فَسَأَلَهُمْ عَنْ ¬

_ (¬1) انظر: "مغني اللبيب" (ص: 46).

شَيْءٍ، فَكَتَمُوهُ إِيَّاهُ، وَأَخْبَرُوهُ بِغَيْرِه، فَأَرَوْهُ أَنْ قَدِ اسْتَحْمَدُوا إِلَيْهِ بِمَا أَخْبَرُوهُ عَنْهُ فِيمَا سَأَلَهُمْ، وَفَرِحُوا بِمَا أُوتُوا مِنْ كِتْمَانِهِمْ، ثُمَّ قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} -كَذَلِكَ، حَتَّى قَوْلهِ- {يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} [آل عمران: 187 - 188]. (لئن كان كلُّ امرئ فرحَ بما أُوتي): كذا في البخاري، ورواه مسلم من طريق ابن جريج: "بما أتى" (¬1)، وهذا هو (¬2) الوجه؛ لموافقة التلاوة ومرسومِ المصحف والمعنى؛ فإنه من الإتيان، وهو المجيء، والذي هنا من الإيتاء، وهو الإعطاء (¬3). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2778). (¬2) "هو" ليست في "ج". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 908).

سورة النساء

سورة النِّسَاءِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {يَسْتَنْكِفَ} [النساء: 172]: يَسْتَكْبِرُ. (قِوامًا): قِوَامُكُمْ مِنْ مَعَايِشِكُمْ. {لَهُنَّ سَبِيلًا} [النساء: 15]: يَعْنِي: الرَّجْمَ لِلثَّيِّبِ، وَالْجَلْدَ لِلْبِكْرِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: {مَثْنَى وَثُلَاثَ} [النساء: 3]: يَعْنِى: اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثًا وَأَرْبَعًا، وَلَا تتجَاوِزُ الْعَرَبُ رُبَاعَ. (سورة النساء). (قِوَامًا: قِوامُكُم من معايِشِكم): التلاوة إنما هي {قِيَامًا} [النساء: 5]، لكن قد يقال: لم يقصد بقوله: قِوامًا التلاوةَ حتى يردَ الاعتراض، بل حذفَ الكلمةَ القرآنية، وأشارَ إلى تفسيرها بقوله: قِوامًا. وأعقب ذلك بقوله: قوامكم من معايشكم؛ تنبيهًا على المراد (¬1)، وقد قال أبو عبيدة: قِيامًا وقِوامًا بمنزلة واحدة، تقول: هذا قِوامُ أَمْرِكَ وقِيامُه؛ أي: ما يقومُ به أمرُك (¬2). ({مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] يعني: اثنتين وثلاثًا وأربعًا، ولا تتجاوز العربُ رباع): هذه الألفاظ المعدولة عندهم معدولة عن أعداد مكررة، تقول: جاء القوم مثنى؛ أي: اثنين اثنين، وأما أن العرب لا تتجاوز رباع، فلا تقول: خُماس ولا سُداس مثلًا، فهذا هو المشهور عندهم. ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "أن المراد". (¬2) المرجع السابق، (2/ 909).

باب: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى} [النساء: 3]

باب: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} [النساء: 3] 2262 - (4573) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ لَهُ يَتِيمَةٌ، فَنَكَحَهَا، وَكَانَ لَهَا عَذْقٌ، وَكَانَ يُمْسِكُهَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْ نفسِهِ شَيْءٌ، فَنَزَلَتْ فِيهِ: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} [النساء: 3]. أَحْسِبُهُ قَالَ: كَانَتْ شَرِيكَتَهُ فِي ذَلِكَ الْعَذْقِ، وَفِي مَالِهِ. (وكان لها عَذْق): -بفتح العين المهملة وإسكان الذال المعجمة-؛ أي: حائط، كذا قال الداودي. والمعروف عند أهل اللغة: أن (¬1) العَذْق -بفتح العين-: النخلة، وبكسرها: الكباسَة (¬2). * * * باب: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6] 2263 - (4575) - حَدثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- فِي قَوْلهِ تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6]: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي مَالِ الْيتيم إِذَا كَانَ فَقِيرًا: أَنَّهُ يأكلُ مِنْهُ مَكَانَ قِيَامِهِ عَلَيْهِ بِمَعْرُوفٍ. (عن عائشة في قوله: {فمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ}): التلاوة: {وَمَنْ كَانَ} بالواو، وكذا هو في بعض النسخ. ¬

_ (¬1) "أن" ليست في "ع" و"ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 910).

باب: {يوصيكم الله} [النساء: 11]

باب: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ} [النساء: 11] (باب: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11]): فيه حديث جابر، وفي آخره: فقلت: "ما تأمرُني أَنْ أصنعَ في مالي يا رسول الله؟ فنزلت: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} ". قال الدمياطي: وهمَ ابنُ جريج في هذا الحديث، والذي نزل في جابر هو الآيةُ الأخرى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: 176]، كذا رواه شعبة، والثوري، وابن عيسى عن محمد بن المنكدر. ويؤيده ما ورد في بعض الطرق من قول جابر: "إنما يرثُني كَلالة" (¬1) والكلالةُ: من لا والدَ له ولا ولدَ، ولم يكن لجابر حينئذ والد ولا ولد (¬2)، وأما قوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ}؛ فإنها نزلت في ورثة سعد بن الربيع، قتل يوم أحد، وخلف ابنين (¬3) وأُمهما وأخاه (¬4)، فأراد الأخ المال (¬5). * * * باب: {لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} [النساء: 19] وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} [النساء: 19]: لَا تَقْهَرُوهُنَّ. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (194)، ومسلم (1616). (¬2) في "ع" و"ج": "ولد ولا والد". (¬3) في "ع" و"ج": "اثنين". (¬4) في "ج": "وأخوه". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 911).

{حُوبًا} [النساء: 2]: إِثْمًا. {تَعُولُوا} [النساء: 3]: تَمِيلُوا. {نِحْلَةً} [النساء: 4]: النِّحْلَةُ: الْمَهْرُ. (ويذكر عن ابن عباس: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} [النساء: 19]: لا تنهروهن): قال القاضي: كذا لأكثر الرواة بالنون؛ من الانتهار، وعند المستملي: "تقهروهن" -بالقاف- (¬1). ({تَعُولُوا}: تميلوا): وقال الشافعي -رحمه الله-: تعولوا: تكثر (¬2) عيالُكم (¬3). قال ابن العربي: وقد أعجب أصحاب الشافعي بهذا منه، وقالوا: هو حجة في اللغة، ومنزلتُه في الفصاحة ما هي، حتى لقد قال الجويني: هو أفصحُ مَنْ نطق بالضاد، واعتقدوا أن معنى الآية: فانكحوا واحدة إن خفتم أن تكثر عيالكم، فذلك أقرب إلى أن ينتفي عندكم (¬4) كثرةُ العيال. قالوا: ولو كان المراد: الميل، لم تكن فيه فائدة؛ لأن الميل لا يختلف بكثرة النساء وقلتهن، وإنما يختلف القيامُ بحقوقهن. قال ابن العربي: وكلُّ ما وُصِف به الشافعي، فهو جزء من مالك، ونَغْبةٌ من بحره، والمعنى واللفظ يشهد لما (¬5) قاله مالك من أن المراد: الميل كما قاله ابن عباس. ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 318). (¬2) في "ع" و"ج": "بكثرة". (¬3) انظر: "تفسير البغوي" (1/ 392)، و"الكشاف" للزمخشري (1/ 499). (¬4) في "ع" و"ج": "منكم". (¬5) في "ع" و"ج": "لما كما".

باب قوله تعالى: {إن الله لا يظلم مثقال ذرة} [النساء: 40]

أما اللفظ، فلأن الفعل ثلاثي يستعمل في الميل الذي (¬1) ترجع إليه معاني "ع ول" كلُّها، والفعل في كثرة العيال رباعي، لا مدخل له في الآية. وأما المعنى، فلأن الله تعالى قال: {ذَلِكَ أَدْنَى} [المائدة: 108]؛ أي (¬2): أقرب إلى أن ينتفي العَوْل (¬3)، يريد: الميل، فإنه إذا كانت واحدة، عُدِمَ الميل، وإذا كن ثلاثًا، فالميلُ أقلُّ، وهكذا اثنتين، فأرشد الله الخلقَ إذا خافوا عدمَ القسط بالوقوع في الميل (¬4) مع اليتامى [أن يأخذوا من الأجانب أربعًا إلى واحدة، فذلك أقربُ إلى أن يقلَّ الميلُ في اليتامى] (¬5)، وفي الأعداد المأذون فيها، أو ينتفي، وذلك هو المراد، وأما كثرةُ العيال، فلا يصح أن يقال: ذلك أقربُ إلى (¬6) أن لا تكثرَ عيالُكم (¬7). * * * باب قولِهِ تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء: 40] 2264 - (4581) - حَدَّثنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي ¬

_ (¬1) في "ع": "التي". (¬2) "أي" ليست في "ج". (¬3) في "ع" و"ج": "القول". (¬4) "في الميل" ليست في "ج". (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬6) "إلى" ليست في "ع"، وفي "ج": "إلى آخره". (¬7) انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي (1/ 410) وما بعدها.

سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -: أَنَّ أُنَاسًا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلْ نرَى رَبنا يَوْمَ الْقِيامَةِ؟ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "نعمْ، هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمسِ بِالظَّهِيرَةِ، ضَوْءٌ لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ؟ "، قَالُوا: لَا، قَالَ: "وَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، ضَوْءٌ لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ؟ "، قَالُوا: لَا، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا، إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ: تتبَعُ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ، فَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ مِنَ الأَصْنَامِ وَالأَنصَابِ إِلَّا يَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، بَرٌّ أَوْ فَاجِرٌ، وَغُبَّرَاتُ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَيُدْعَى الْيَهُودُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَنْ كنتمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللَّهِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: كَذَبْتُمْ، مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ، فَمَاذَا تَبْغُونَ؟ فَقَالُوا: عَطِشْنَا رَبَّنَا فَاسْقِنَا، فَيُشَارُ: أَلَا تَرِدُونَ؟ فَيُحْشَرُونَ إِلَى النَّارِ، كَأَنَّها سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَيتسَاقَطُونَ فِي النَّارِ. ثُمَّ يُدْعَى النَّصَارَى، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَنْ كنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ اللَّهِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: كَذَبْتُمْ، مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ صَاحِبةٍ وَلَا وَلَدٍ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَاذَا تَبْغُونَ؟ فَكَذَلِكَ مِثْلَ الأَوَّلِ. حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ، أتاهُمْ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي أَدْنىَ صُورَةٍ مِنَ التِي رَأَوْهُ فِيهَا، فَيُقَالُ: مَاذَا تَنْتَظِرُونَ؟ تَتْبَعُ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كانَتْ تَعْبُدُ، قَالُوا: فَارَقْنَا النَّاسَ فِي الدُّنْيَا عَلَى أَفْقَرِ مَا كُنَّا إِلَيْهِمْ، وَلَمْ نُصَاحِبْهُمْ، وَنَحْنُ نَنْتَظِرُ رَبَّنَا الَّذِي كُنَّا نَعْبُدُ، فَتقُولُ: أَنَا رَبكُّمْ، فَيَقُولُونَ: لَا نشرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا". (وغُبَّرات أهل الكتاب): -بضم الغين المعجمة وتشديد الباء الموحدة

باب: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} [النساء: 41]

المفتوحة-؛ أي: بقايا أهل الكتاب، وغَبَرَ الشيء يَغْبُرُ غُبورًا (¬1): مَكَثَ وبَقِيَ، وقيل: أصلُه غابِرٌ وغُبَّرٌ؛ كراكع ورُكَّعٍ، وجُمع غُبُر على غُبُرات؛ كطُرق وطُرُقات (¬2). (يحطم بعضُها بعضًا): أي: يكسر بعضها، ولذلك سميت النارُ: الحُطَمَةَ (¬3). * * * باب: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} [النساء: 41] الْمُخْتَالُ وَالْخَتَّالُ وَاحِد. {نَطْمِسَ} [النساء: 47]: نُسوِّيَهَا حَتَّى تَعُودَ كَأَقْفَائِهِمْ، طَمَسَ الْكِتَابَ: مَحَاهُ، {سَعِيرًا} [النساء: 10]: وُقُودًا. (المختالُ والخَتَّالُ واحد): هكذا وقفت عليه في بعض النسخ، والخَتَّال -بخاء معجمة مفتوحة ومثناة فوقية مشددة-، ولا ينتظم هذا مع المختال؛ لأن المراد به: ذو الخيلاء والكبر، فهو مُفْتَعل من الخيلاء، وأما خَتَّال: فهو فَعَّال من الخَتْل، وهو (¬4) الخديعة، فلا يمكن أن يكون بمعنى المختالِ المرادِ (¬5) به المتكَبِّر. ¬

_ (¬1) في "ج": "غبور". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 912). (¬3) في "م": "الحطيمة". (¬4) في "ع": "وهي". (¬5) "المراد" ليست في "ع".

قال الزركشي: قال القاضي في باب: الخاء مع التاء [-يعني: المثناة الفوقية- في تفسير سورة النساء: كذا (¬1) لهم، وعند الأصيلي: "والخالُ"، وكلُّه صحيح من الخيلاء (¬2)، وقال في باب: الخاء مع الياء] (¬3) -يعني: المثناة التحتية-: قوله: "المختالُ والخالُ" كذا وقع للأصيلي، ولغيره: والختال (¬4)، وليس بشيء هنا، والصواب الأول (¬5). هذا آخر كلامه، وهو مناقض لقوله أولًا: وكله صحيح، ثم يقول في الآخر: وليس بشيء. انتهى كلام الزركشي (¬6). قلت: واعتراضه مندفع؛ فإن القاضي قدم أولًا ثلاثة ألفاظ، وهي: المختال على صيغة مُفْتَعل، والخَتَّال على صيغة فَعّال، والخال على صيغة فَعَل متحرك العين بحسب الأصل، ثم قال: وكله صحيح [من الخيلاء، ولم يسكت على (¬7) قوله: صحيح] (¬8)، فإنما شمل ما يمكن اشتقاقه، وهو المختال والخال. وأما الخَتَّال -بالمثناة المشددة-، فمن الختل؛ بمعنى: الخديعة كما قدمناه، فلم يدخل تحت قوله: و (¬9) كلُّه صحيح من الخيلاء، وقوله: ¬

_ (¬1) في "ع": "هكذا". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 230). (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬4) في "ع" و"ج": "والخيال". (¬5) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 250). (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 913). (¬7) في "ج": "عليه من". (¬8) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬9) الواو ليست في "ج".

باب: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} [النساء: 59]

ولغيره: الخَتَّال، وليس بشيء هنا، فهو إنكار (¬1) لإدخال هذه اللفظة في هذا المحل الذي لا يليق به، ولم يصدر منه ما يناقض هذا الإنكار بوجه، فالاعتراض عليه ساقط. وما أحسنَ قولَه هنا؛ فإنه إشارة (¬2) إلى ثبوت اللفظ في الجملة، وإنما انصب الإنكار إلى الإتيان بها في غير محلها. * * * 2265 - (4582) - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ يَحْيى: بَعْضُ الْحَدِيثِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: قَالَ لِي النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "اقْرَأْ عَلَيَّ". قُلْتُ: آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: "فَإِنِّي أحُبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي". فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ سُورَةَ النِّسَاءَ، حتى بَلَغْتُ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} [النساء: 41]، قَالَ: "أَمْسِكْ"، فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ. (عن عَبيدة): بفتح العين. * * * باب: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] 2266 - (4584) - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]. ¬

_ (¬1) في "ج": "إنكاره". (¬2) في "ع": "أشار".

باب: {فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا} [النساء: 99]

قَالَ: نزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيِّ، إِذْ بَعَثَهُ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فِي سَرِيَةٍ. (ابن عباس: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} قال: نزلت في عبد الله بن حذافةَ بنِ قيسِ بنِ عديٍّ إذ بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - في سرية): قال الداودي: هذا وهم على ابن عباس؛ فإن عبد الله خرج على جيش، فغضب فأوقد نارًا، فقال: اقتحموها، فنظر بعضهم إلى بعض، وقالوا: من النار فررنا، وهمَّ بعضهم أن يقتحمها، فذُكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، [فقال: "لَوْ دَخَلُوهَا، مَا خَرَجُوا مِنْهَا، إِنَّمَا الطَّاعَةُ في المَعْرُوفِ" (¬1). قال: والذي هنا خلافُ قولِ النبي - صلى الله عليه وسلم -] (¬2) إن كانت الآيةُ بعدُ، فإنما قيل لهم: لمَ لم تطيعوهم؟ وقد تقدم الحديث في المغازي في سرية عبد الله بن حُذافَةَ (¬3). * * * باب: {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: 99] (فأُولئكَ عسى اللهُ أن يعفوَ عنهُمْ وكانَ اللهُ غفورًا رحيمًا)، التلاوة: {عَفُوًّا غَفُورًا}. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4340)، ومسلم (1840) عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -. (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 914).

سورة المائدة

سورة المائِدَةِ باب: {حُرُمٌ} [المائدة: 1]: وَاحِدُهَا حَرَامٌ. {فَبِمَا نَقْضِهِمْ} [المائدة: 13]: بِنَقضِهِمْ. {الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ} [المائدة: 21]: جَعَلَ اللَّهُ. {تَبُوءَ} [المائدة: 29]: تَحْمِلُ. {دَائِرَةٌ} [المائدة: 52]: دَوْلة. وَقَالَ غَيْرُهُ: الإغْرَاءُ: التَّسْلِيطُ. {أُجُورَهُنَّ} [المائدة: 5]: مُهُورَهُنَّ. الْمُهَيْمِنُ: الأَمِينُ، الْقُرْآنُ أَمِينٌ عَلَى كُلِّ كِتَابٍ قَبْلَهُ. (سورة المائدة). ({فَبِمَا نَقْضِهِمْ}: بنقضهم (¬1)): يريد أن "ما" صلةٌ؛ نحو: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ} [آل عمران: 159]، وهو القول المشهور. وقيل: "ما" اسم نكرة أبدل منها النقضُ على إبدال المعرفة من النكرة، والمعنى فبفعلٍ هو نقضُهم الميثاق (¬2). * * * باب: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] {فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَاءً}: التلاوة: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً}. * * * باب: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33] 2267 - (4610) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ¬

_ (¬1) في "ع": "ميثاقهم". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 916).

الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَلْمَانُ أَبُو رَجَاءٍ مَوْلَى أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبي قِلَابَةَ: أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا خَلْفَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَذَكَرُوا وَذَكَرُوا، فَقَالُوا وَقَالُوا: قَدْ أقادَتْ بِهَا الْخُلَفَاءُ، فَالْتَفَتَ إِلَى أَبِي قِلَابَةَ، وَهْوَ خَلْفَ ظَهْرِهِ، فَقَالَ: مَا تَقُولُ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زيدٍ؟ أَوْ قَالَ: مَا تَقُولُ يَا أَبَا قِلَابَةَ؟ قُلْتُ: مَا عَلِمْتُ نَفْسًا حَل قَتْلُهَا فِي الإسْلَامِ، إِلَّا رَجُل زَنَى بَعْدَ إِحْصَانٍ، أَوْ قَتَلَ نفسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ، أَوْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم -. فَقَالَ عَنْبَسَةُ: حَدَّثَنَا أَنس بِكَذَا وَكَذَا؟ قُلْتُ: إِيَّايَ حَدَّثَ أَنسٌ، قَالَ: قَدِمَ قَوْمٌ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَكَلَّمُوهُ، فَقَالُوا: قَدِ اسْتَوْخَمْنَا هَذِهِ الأَرْضَ، فَقَالَ: "هَذِهِ نعَمٌ لَنَا تَخْرُجُ، فَاخْرُجُوا فِيهَا، فَاشْرَبُوا مِنْ ألبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا". فَخَرَجُوا فِيهَا، فَشَرِبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَألبَانِهَا، وَاسْتَصَحُّوا، وَمَالُوا عَلَى الراعِي فَقَتَلُوهُ، وَاطَّرَدُوا النعَمَ، فَمَا يُسْتَبْطَأُ مِنْ هَؤُلَاءِ؟ قتَلُوا النَّفْسَ، وَحَارَبوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَخَوَّفُوا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! فَقُلْتُ: تَتَهِمُنِي؟ قَالَ: حَدَّثَنَا بِهَذَا أَنسٌ. قَالَ: وَقَالَ: يَا أَهْلَ كَذَا! إِنَكمْ لَنْ تَزَالُوا بِخَيْرٍ مَا أُبْقِيَ هَذَا فِيكُمْ، وْمِثْلُ هَذَا. (قال: حدثني سَلْمان أبو رجاء): -بفتح السين وسكون اللام مكبرًا-، كذا ذكره الحفاظ، وعند أبي الهيثم (¬1) أحدِ مشايخ أبي ذر: "سُلَيْمان" بضم السين وفتح اللام بعدها ياء ساكنة (¬2). (فقال: هذه نَعَم لنا): كذا بالإضافة، وقد سبق: "وَاخْرُجُوا إِلَى إبلِ ¬

_ (¬1) في "م" و"ع": "أبي إبراهيم". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 917).

باب قوله تعالى: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان} [المائدة: 90]

الصَّدَقَةِ"، قال الزركشي: فلابد من تأويل هذا اللفظ (¬1). قلت: ولم يذكر وجه التأويل، إما لعدم ذكراه (¬2) له، أو لقصد تشحيذ الأذهان، والأمرُ أيسرُ من ذلك كله، هي نَعَم الصدقة، وإضافتها (¬3) إليه باعتبار أنه الناظرُ فيها وفي قسمتها بين الفقراء، ولم ينحصر سببُ الإضافة في الملك، بل يكون بأدنى ملابسة. (فما يُستبطأ): روي: "فما يُسْتَبقَى" (¬4). * * * باب قوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [المائدة: 90] 2268 - (4619) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، أَخْبَرَنَا عِيسَى وَابْنُ إِدْرِيس، عَنْ أَبي حَيَّانَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ - رضي الله عنه - عَلَى مِنْبَرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: أَمَّا بَعْدُ: أيُّهَا النَّاسُ! إِنَّهُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، وَهْيَ مِنْ خَمْسَةٍ: مِنَ الْعِنَبِ، وَالتَّمْرِ، وَالْعَسَلِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ. (عن عمر: نزلَ تحريمُ الخمر، وهي من خمسة: من العنب): قال الزركشي: هذا خلاف ما رواه أولًا عن ابن عمر: "ما فيها ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 917). (¬2) في "م" و"ع": "ذكره". (¬3) في "ج": "الصدقة من إضافتها". (¬4) المرجع السابق، الموضع نفسه.

باب: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} [المائدة: 93]

شراب العنب" (¬1). [قلت: الذي رواه عن ابن عمر أولًا: "نزل تحريمُ الخمر، وإن بالمدينة يومئذ لخمسةَ أَشْرِبة، ما فيها شراب العنب"] (¬2)، فالذي يفيده هذا الكلام: أن تحريم الخمر نزل في حالة لم يكن شرابُ العنب فيها بالمدينة، وأن الأشربة الموجودة بها حين نزل التحريم خمسةُ أشربة، ليس فيها شيء من العنب. وقول عمر: "نزل (¬3) تحريم الخمر، وهي من خمسة: من العنب" إلى آخره، لا يقتضي أن شراب العنب كان في المدينة إذ ذاك بوجه، فما وجهُ التعارض؟ وأيُّ خلاف يظهر بالنسبة إلى شراب العنب؟ فتأمله. * * * باب: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93] 2269 - (4620) - حَدَّثَنَا أبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ الْخَمْرَ الَّتِي أُهْرِيقَتِ الْفَضِيخُ. وَزَادَنِي مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ، قَالَ: كُنْتُ سَاقِيَ الْقَوْمِ فِي مَنْزِلِ أَبي طَلْحَةَ، فَنَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، فَأَمَرَ منَادِيًا فَنَادَى، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: اخْرُجْ فَانْظُرْ مَا هَذَا الصَّوْتُ؟ قَالَ: فَخَرَجْتُ فَقُلْتُ: هَذَا مُنَادٍ يُنَادِي: أَلَا إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ، فَقَالَ لِي: اذْهَبْ فَأَهْرِقْهَا، قَالَ: فَجَرَتْ فِي سِكَكِ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4340). وانظر: "التنقيح" (2/ 918). (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬3) "نزل" ليست في "ج".

باب قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} الآية [المائدة: 101]

الْمَدِينَةِ. قَالَ: وَكَانَتْ خَمْرُهُمْ يَوْمَئِذٍ الْفَضِيخَ، فَقَالَ بَعْض الْقَوْمِ: قُتِلَ قَوْم وَهْيَ فِي بُطُونهِمْ، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93]. (أن الخمر التي أُهَرِيقت): -بتحريك الهاء-، قال السفاقسي: صوابه: "هُرِيقَتْ، أو أُريقَتْ"، وأما الجمعُ بين الهاء والهمزة، فليس بجيد؛ لأن الهاء بدل من الهمزة، فلا يجمع بينهما (¬1). قلت: قد جمعوا بينهما كما في "الصحاح" وغيره، وقد صرح به سيبويه. (وزادني محمد): القائل: "زادني" هو الفِرَبْري، ومحمد هو البُخاري (¬2). * * * باب قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} الآية [المائدة: 101] 2270 - (4621) - حَدَّثَنَا مُنْذِرُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَارُودِيُّ، حَدَّثَنَا أَبي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَنسٍ، عَنْ أَنسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خُطْبةً مَا سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطُّ، قَالَ: "لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ، لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلَبَكَيْتُمْ كثِيرًا". قَالَ فَغَطَّى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وجُوهَهُمْ، لَهُمْ خَنِينٌ، فَقَالَ رَجُلٌ: مَنْ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 918). (¬2) المرجع السابق، الموضع نفسه.

باب: {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام} [المائدة: 103]

أَبِي؟ قَالَ: "فُلَان"، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101]. (لهم حنين): -بالحاء المهملة-؛ أي: بكاءٌ دونَ الانْتِحاب. قال الخطابي: وروي بالخاء المعجمة؛ لأنه بالمهملة من الصدر (¬1)، وبالمعجمة من الأنف (¬2). * * * باب: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ} [المائدة: 103] {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ} [المائدة: 116] يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ، وَ"إِذْ" هاهنا صِلَةٌ. الْمَائِدَةُ: أَصْلُهَا مَفْعُولة؛ كَعِيشَةٍ رَاضِيَةٍ، وَتَطْلِيقَةٍ بَائِنَةٍ، وَالْمَعْنَى: مِيدَ بِهَا صَاحِبُهَا مِنْ خَيْرٍ، يُقَالُ: مَادَنِي يَمِيدُنِي. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {مُتَوَفِّيكَ} [آل عمران: 55]: مُمِيتُكَ. (المائدة أصلُها مفعولة؛ كعيشة راضية، وتطليقة بائنة، والمعنى: ميد بها صاحبها): قال أبو حاتم: المائدة: الطعامُ نفسُه، والناسُ يظنونها الخِوانَ، كذا في الزركشي (¬3). قلت: وقع في "الصحاح": المائدة: خوان عليه طعام، فإذا لم يكن عليه طعام، فليس بمائدة، وإنما هو خوان، ثم حكى معنى ما في البخاري عن أبي عبيدة (¬4). ¬

_ (¬1) في "ع": "الصدور". (¬2) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 1840). (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 918). (¬4) انظر: "الصحاح" (2/ 541)، (مادة: م ي د).

2271 - (4623) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالح بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، قَالَ: الْبَحِيرَةُ: الَّتِي يُمْنَعُ دَرُّهَا لِلطَّوَاغِيتِ، فَلَا يَحْلُبُهَا أَحَد مِنَ النَّاسِ، وَالسَّائِبَةُ: كَانُوا يُسَيبونها لآلِهَتِهِمْ، لَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا شَيءٌ. قَالَ: وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ الْخُزَاعِيَّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ، كَانَ أَولَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ". (رأيت عَمْرَو بنَ عامرٍ الخزاعيَّ): قال الزركشي: إنما هو عمرُو (¬1) ابنُ لُحَيٍّ، واسمُ لُحَي: ربيعةُ بنُ حارثةَ بنِ عمرِو مُزَيْقِيا بنِ عامرِ بنِ ماء السَّماء (¬2). قلت: هذا لا يقدح فيما رواه البخاري بوجه؛ إذ غايته أنه نسبه إلى جده الأعلى، ومثلُ ذلك غير مستَنْكَر، ولا ينهض اعتراضًا. * * * 2272 - (4624) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبي يَعْقُوبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكَرْمَانِيُّ، حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ: أَنَّ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَرَأَيْتُ عَمْرًا يَجُرُّ قُصْبَهُ، وَهْوَ أَوَّلُ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ". (يجر قُصْبه): -بضم القاف وسكون الصاد المهملة-: المِعَاء. ¬

_ (¬1) في "ع": "عمر". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 919).

باب: {وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم} الآية [المائدة: 117]

(كان (¬1) أول من سَيَّبَ السوائبَ): وهي النَّعَمُ التي يُسَيِّبونها لآلهتهم، فيحمونها، ويتركونها ترعى، لا تمنع من ماء ولا كلأ. * * * باب: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ} الآية [المائدة: 117] 2273 - (4625) - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ ابْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "يَا أيُّهَا النَّاسُ! إِنكمْ مَحْشُورُونَ إِلَى اللَّهِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا"، ثُمَّ قَالَ: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104] إِلى آخِرِ الآيَةِ، ثمَّ قالَ: "أَلَا وَإِن أَوَّلَ الْخَلَائِقِ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ، أَلَا وَإِنَّهُ يُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي، فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ! أُصَيْحَابِي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالح: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} [المائدة: 117]، فَيُقَالُ: إِنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَزَالُوا مُرْتدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ". (يا رب! أُصَيْحابي): تصغيرُ الأصحاب، وفيه إشارة إلى قِلَّةِ عددهم، وإنما ذلك لقومٍ من جُفاة العرب؛ ممن لا بصيرةَ له بالدين، وذلك لا يوجب قدحًا فيمن ليس (¬2) بهذه الصفة من الصحابة. ¬

_ (¬1) نص البخاري: "وهو". (¬2) في "ج": "ليس له".

سورة الأنعام

سورة الأنعَامَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {فِتْنَتُهُمْ} [الأنعام: 23]: مَعْذِرتهُمْ. {مَعْرُوشَاتٍ} [الأنعام: 141]: مَا يُعْرَشُ مِنَ الْكَرْمِ وَغيرِ ذَلِكَ. {حَمُولَةً} [الأنعام: 142]: مَا يُحْمَلُ عَلَيْها. {وَلَلَبَسْنَا} [الأنعام: 9]: لَشَبَّهْنَا. {وَيَنْأَوْنَ} [الأنعام: 26]: يَتَبَاعَدُونَ. {تُبْسَلَ} [الأنعام: 70]: تُفْضَحَ. {أُبْسِلُوا} [الأنعام: 70]: أُفْضِحُوا. {بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ} [الأنعام: 93]: الْبَسْطُ: الضَّرْبُ. {اسْتَكْثَرْتُمْ} [الأنعام: 128]: أَضْلَلْتُمْ كَثِيرًا. {ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ} [الأنعام: 136]: جَعَلُوا لِلَّهِ مِنْ ثَمَراتِهِمْ وَمَالِهِمْ نصيبًا، وَلِلشَّيْطَانِ وَالأَوْثَانِ نَصِيبًا. {أَمَّا اشْتَمَلَتْ} [الأنعام: 143]: يَعْنِي: هَلْ تَشْتَمِلُ إِلَّا عَلَى ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى؟ فَلِمَ تُحَرِّمُونَ بَعْضًا، وَتُحِلُّونَ بَعْضًا؟ {مَسْفُوحًا} [الأنعام: 145]: مُهْرَاقًا. {صَدَفَ}: أَعْرَضَ. {أُبْسِلُوا} [الأنعام: 70]: أُويِسُوا، وَ {أُبْسِلُوا}: أُسْلِمُوا. {سَرْمَدًا} [القصص: 71]: دائِمًا. {اسْتَهْوَتْهُ} [الأنعام: 71]: أَضَلَّتْهُ. {يَمْتَرُونَ} [الحجر: 63]: يَشُكُّونَ. {وَقْرٌ} [فصلت: 5]: صَمَم. وَأَمَّا الْوِقْرُ: الْحِمْلُ. {أَسَاطِيرُ} [الأنعام: 25]: وَاحِدُهَا أُسْطُورَة وَإِسْطَارَة، وَهِيَ التُّرَّهَاتُ. {الْبَأْسَاءِ} [البقرة: 177]: مِنَ الْبَأْسِ، وَيَكُونُ مِنَ الْبُؤْسِ. {جَهْرَةً} [الأنعام: 47]: مُعَايَنَةً. الصُّوَرُ: جَمَاعَةُ صُورَةٍ؛ كقَوْلهِ: سُورَة وَسُوَر. {مَلَكُوتَ} [الأنعام: 75]: مُلكٌ، مِثْلُ: رَهَبُوتٍ خَيْر مِنْ رَحَمُوتٍ، وَيَقُولُ: تُرْهَبُ خَيْر مِنْ أَنْ تُرْحَمَ. {جَنَّ} [الأنعام: 76]: أَظْلَمَ. يُقَالُ: عَلَى اللَّهِ حُسْبَانه؛ أَيْ: حِسَابُهُ، وَيُقَالُ: {حُسْبَانًا} [الأنعام: 96]: مَرَامِيَ، وَ {رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} [الملك: 5]. {مُسْتَقَرٌّ} [الأنعام: 67]: فِي الصُّلْبِ، {وَمُسْتَوْدَعٌ} [الأنعام: 98]: فِي الرَّحِم.

باب: قوله: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن} [الأنعام: 151]

الْقِنْوُ: الْعِذْقُ، وَالاِثْنَانِ قِنْوَانِ، وَالْجَمَاعَةُ أَيْضًا قِنْوَان؛ مِثْلُ: صِنْوٍ وَ {صِنْوَانٍ} [الرعد: 4]. (سورة الأنعام). ({أَسَاطِيرُ}: واحدها أُسْطُورَةٌ): بضم الهمزة. (وِإسْطارَة): بكسر الهمزة. (مستَقَرٌّ في الرَّحِم، ومستودع في الصُّلْب): كذا في العُزَيري، والمفسرون يقولون عكس ذلك: "مستقَر في الصُّلب، ومستودع في الرحم"، وكذا هو (¬1) في بعض نسخ البخاري. وقوى (¬2) الزركشي قولَ المفسرين بقول ابن عباس لسعيد بن جبير: هل تزوجت؟ فقال له (¬3): لا، فقال ابن عباس: إن الله سيخرج من ظهركَ ما استودَعَه فيه (¬4). قلت: هذا يؤيد الأولَ، لا الثاني، فتأمله. * * * باب: قوله: {وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام: 151] 2274 - (4634) - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: "لَا أَحَدَ أَغْيَرُ ¬

_ (¬1) في "ع": "هو هنا". (¬2) في "ع" و"ج": "وقول". (¬3) "له" ليست في "ع" و"ج". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 920).

باب: {لا ينفع نفسا إيمانها} [الأنعام: 158]

مِنَ اللَّهِ، وَلِذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلَا شَيْءَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللَّهِ، لِذَلِكَ مَدح نَفْسَهُ". قُلْتُ: سَمِعْتَهُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ؟ قَالَ: نعَمْ، قُلْتُ: وَرَفَعَهُ؟ قَالَ: نعَمْ. (ولا شيء (¬1) أَحَبُّ إليه المدحُ من الله): قال الزركشي: استنبط منه عبد اللطيف البغدادي جواز قول (¬2): مدحتُ الله، وليس صريحًا؛ لاحتمال أن يكون المراد (¬3): إن الله يحب أن يمدحه (¬4) غيرُه؛ [ترغيبًا للعبد في الازدياد مما يقتضي المدح، ولذلك يمدح نفسه؛ لأن المراد: يحب أن يمدحه غيره] (¬5) (¬6). قلت: الظاهرُ الأولُ، ولذلك مدح نفسه [شاهدُ صدق على صحته، وما اعترضَ به على عدم الصراحة بإبداء الاحتمالِ المذكورِ ليس من قِبَلِ نفسه] (¬7)، بل ذكره الشيخ بهاءُ الدين السبكي في "أول شرح التلخيص". * * * باب: {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} [الأنعام: 158] ({لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا}): قال ابن الحاجب وغيره من المحققين: ¬

_ (¬1) "شيء" ليست في "ج". (¬2) في "م" و"ع": "قولك". (¬3) "أن يكون المراد" ليست في "ج". (¬4) في "ج": "يمدح". (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 921). (¬7) ما بين معكوفتين ليس في "ع".

[أي: وكَسْبُها، والمعنى: أن النفس التي لم تكن آمنت من قبلُ، أو كسبت في إيمانها خيرًا، لا ينفعها إيمانُها] (¬1) وكسبُها، والآية من اللَّفِّ والنَّشْر، وبهذا (¬2) التقدير تندفع شبهةُ المعتزلة؛ الزمخشريِّ وغيرِه؛ إذ قالوا: سَوَّى الله بينَ عدم الإيمان وبينَ الإيمان الذي لم يقترن بالعمل الصالح في عدم الانتفاع به. قال التفتازاني (¬3): والاعتراضُ بأن "أو" لأحد الأمرين، ففي سياق النفي يفيد العموم كالنكرة؛ على ما ذُكِرَ في قوله تعالى: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24]، فعدمُ النّفع يكون للنفس التي لم يكن فيها الإيمانُ ولا كسبُ الخير مدفوعٌ بأن هذا لا يستقيم هنا؛ لأنه إذا انتفى الإيمان، انتفى كسبُ الخير في الإيمان بالضرورة، فيكون ذكره لغوًا من الكلام، فوجب حملُ "أو" على المعنى الذي ذكره الزمخشري، وهو التسوية بين النفس التي لم تؤمن قبل ذلك اليوم، والتي آمنت ولم تكسب خيرًا. والحاصل (¬4): أن العموم إنما يلزم إذا عُطف أحدُ الأمرين على الآخر بأو، ثم سُلّط النفيُ عليه؛ مثل: لم تكن آمنتْ أو عملَتْ، لا إذا عُطف بأو نفيٌ (¬5) على نفي أمرٍ؛ كما تقول: لم تكن آمنت، أو لم تكن كسبت (¬6)، ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) في "ع": "وهذا". (¬3) في "ع": "الزمخشري التفتازاني". (¬4) في "ع": "حاصلًا". (¬5) "نفي" ليست في "ع". (¬6) "أو لم تكن كسبت" ليست في "ع".

وهاهنا قد تعذر الأول؛ للزوم التكرار، فتعين الثاني. قال: وأجيب عن التمسك بأن الآية من باب اللف التقديري (¬1)؛ أي: لا ينفع نفسًا إيمانها، ولا كسبُها في الإيمان لم تكن آمنت من قبلُ، أو كسبت فيه، فتوافق (¬2) الآيات والأحاديث الشاهدة بأن مجرد الإيمان ينفع، ويورث النجاةَ من العذاب، ولو بعد حين، ويلائم مقصود الآية حيث وردت بخبر الذين أَخْلَفوا ما وَعَدوا من الرسوخ في الهداية عندَ إنزال الكتاب؛ حيثُ كَذَّبوا وصدفوا عنه؛ أي: يوم تأتي الآيات لا ينفعهم تلهُّفُهم على ترك الإيمان بالكتاب، ولا على ترك العمل بما فيه، وقريبٌ من ذلك ما قال ابن الحاجب: إن المعنى لا ينفعُ نفسًا إيمانهُا ولا كسبُها، وهو العمل الصالح، لم تكن آمنت من قبلُ، ولم تعمل العملَ الصالح، فاختُصر؛ للعلم به. ¬

_ (¬1) في "ع": "التقدير". (¬2) في "ع": "يوافق".

سورة الأعراف

سورة الأعْرَافِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَرِيشًا} [الأعراف: 26]: الْمَالُ. {الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55]: فِي الدُّعَاءِ، وَفِي غَيْرِه. {عَفَوْا} [الأعراف: 95]: كَثُرُوا، وَكَثُرَتْ أَمْوَالُهُمْ. {الْفَتَّاحُ} [سبأ: 26]: الْقَاضِي. {افْتَحْ بَيْنَنَا} [الأعراف: 89]: اقْضِ بَيْنَنَا. {نَتَقْنَا} [الأعراف: 171]: رَفَعْنَا. {فَانْبَجَسَتْ} [الأعراف: 160]: انْفَجَرَتْ. {مُتَبَّرٌ} [الأعراف: 139]: خُسْرَانٌ. {آسَى} [الأعراف: 93]: أَحْزَنُ. {تَأْسَ} [المائدة: 26]: تَحْزَنْ. وَقَالَ غَيْرُهُ: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ} [ص: 75]: يَقُولُ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ. {يَخْصِفَانِ} [الأعراف: 22]: أَخَذَا الْخِصَاف مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ، يُؤَلِّفَانِ الْوَرَقَ، يَخْصِفَانِ الْوَرَقَ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ. {سَوْآتِهِمَا} [الأعراف: 20]: كِنَايَةٌ عَنْ فَرْجَيْهِمَا. {وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [الأعراف: 24]: هَاهُنَا إِلَى الْقِيَامَةِ، وَالْحِينُ عِنْدَ الْعَرَبِ مِنْ سَاعَةٍ إِلَى مَا لَا يُحْصَى عَدَدُهَا. الرِّيَاشُ وَالرِّيشُ وَاحِدٌ، وَهْوَ مَا ظَهَرَ مِنَ اللِّبَاسِ. {وَالْقُمَّلَ} [الأعراف: 133]: الْحَمْنَانُ، يُشْبِهُ صِغَارَ الْحَلَم. (سورة الأعراف، وقال ابن عباس: ورياشًا: المال): وفي نسخة: "وريشًا". وقال في باب: خلق آدم وذريته: والرياش والريش واحد، وهو ما ظهر من اللباس (¬1). ({الْقُمَّلَ}: الحَمنان): بفتح الحاء. ¬

_ (¬1) قلت: وقد ذكره البخاري في هذا الباب أيضًا. وانظر: "التنقيح" (2/ 922).

باب: {ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه} الآية [الأعراف: 143]

باب: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} الآية [الأعراف: 143] 2275 - (4638) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنيِّ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -، قَالَ: جَاءَ رَجُل مِنَ الْيَهُودِ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ لُطِمَ وَجْهُهُ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِكَ مِنَ الأَنْصَارِ لَطَمَ في وَجْهِي، قَالَ: "ادْعُوهُ"، فَدَعَوْهُ، قَالَ: "لِمَ لَطَمْتَ وَجْهَهُ؟ "، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي مَرَرْتُ بِالْيَهُودِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ! فَقُلْتُ: وَعَلَى مُحَمَّدٍ؟! وَأَخَذَتْنِي غَضْبَة فَلَطَمْتُهُ، قَالَ: "لَا تُخَيِّرُوني مِنْ بَيْنِ الأَنْبِيَاءِ؛ فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِم الْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أفاقَ قَبْلِي، أَمْ جُزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ؟ ". (فأكونُ أولَ من يُفيق): قال الداودي: ليس بمحفوظ، والصحيح: "أولَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ". قال القاضي: الصعق: الموتُ والهلاكُ، والغَشْيُ -أيضًا- (¬1)، فيجوز أن تكون الصعقةُ صعقةَ فزع بعد النشر حتى تنشق السموات والأرض جميعًا، وأما قوله: "فلا أَدري أفاقَ قبلي"، فيحتمل أن يكون قبلَ أن يعلم أنه أولُ من تنشقُّ عنه الأرض إن حملْنا اللفظَ (¬2) على ظاهره، وانفرادَه بذلك، وتخصصه (¬3) به، وإن حُمل على أنه من الزمرة ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 48). (¬2) في "ج": "الأمر". (¬3) في "ع": "تخصيصه".

باب: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} [الأعراف: 199]

الذين (¬1) هم أول (¬2) من تنشق عنهم (¬3) الأرض، لاسيما على رواية من روى: "أَوْ في أَوَّلِ مَنْ بُعِثَ"، فيكون موسى -أيضًا- من تلك الزمرة، وهي زمرة الأنبياء -عليهم السلام- (¬4). * * * باب: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] 2276 - (4642) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبةَ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- قَالَ: قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ، فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الْحُرِّ بْنِ قَيْسٍ، وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ، وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجَالِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرتهِ، كُهُولًا كَانُوا أَوْ شُبَّانًا، فَقَالَ عُيَيْنَةُ لابْنِ أَخِيهِ: يَا بْنَ أَخِي! لَكَ وَجْه عِنْدَ هَذَا الأَمِيرِ، فَاسْتَأْذِنْ لِي عَلَيْهِ، قَالَ: سَأَسْتَأْذِنُ لَكَ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَاسْتَأْذَنَ الْحُرُّ لِعُيَيْنَةَ، فَأَذِنَ لَهُ عُمَرُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ، قَالَ: هِيْ يَا بْنَ الْخَطَّابِ! فَوَاللَّهِ! مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ، وَلَا تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ. فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ بِهِ، فَقَالَ لَهُ الْحُرُّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم -: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ¬

_ (¬1) في "م": "الذي". (¬2) في "ع": "الذين أول". (¬3) في "م": "عنه". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 923).

الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]، وَإِنَّ هَذَا مِنَ الْجَاهِلِينَ. وَاللَّهِ! مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلَاهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ. (هي يا بن الخطاب!): كلمةُ جفوةٍ تُؤذِن بتهديد.

سورة الأنفال

سورة الأنفَال {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} الآية [الأنفال: 24] 2277 - (4647) - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا رَوْح، حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، سَمِعْتُ حَفْصَ بْنَ عَاصِمِ يُحَدثُ، عَنْ أَبي سَعِيدِ ابْنِ الْمُعَلى - رضي الله عنه -، قَالَ: كنْتُ أُصَلِّي، فَمَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَدَعَانِي، فَلَمْ آتِهِ حَتَّى صَلَّيْتُ، ثمَّ أتيْتُهُ، فَقَالَ: "مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَ؟ ألمْ يَقُلِ اللَّهُ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} [الأنفال: 24]؟ ". ثُمَّ قَالَ: "لأُعَلِّمَنَّكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ". فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِيَخْرُجَ، فَذَكَرْتُ لَهُ. (سورة الأنفال). (لأعلمنك أعظم سورة في القرآن): كذا لأبي ذر، وسقطت كلمة "أعظم" عند غيره (¬1). * * * باب: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: 32] قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: مَا سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى مَطَرًا فِي الْقُرْآنِ إِلَّا عَذَابًا، وَتُسَمِّيهِ الْعَرَبُ: الْغَيْثَ، وَهْوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا} [الشورى: 28]. (قال ابن عيينة: ما سَمَّى اللهُ تعالى مطرًا في القرآن إلا عَذابًا): أوردوا ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 924).

عليه قوله تعالى: {إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ} [النساء: 102]، وهو (¬1) وإن نسب إليه الأذى، لا يخرج عن كونه غيثًا (¬2)، وفيه نظر. * * * 2278 - (4648) - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ، هُوَ ابْنُ كُرْدِيدٍ، صَاحِبُ الزِّيادِيِّ: سَمِعَ أَنس بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ، فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ، أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيم}. فَنَزَلتْ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الأنفال: 33 - 34]. (قال أبو جهل: {اللهمَّ إن كان هذا هو الحقَّ من عندك، فأمطرْ علينا حجارةً من السماء، أو ائتنا بعذابٍ أليم}): أورد ابن المنير في "تفسيره (¬3) " هنا سؤالًا، فقال: قد حكى الله عنهم هذا الكلام في هذه الآية، وهو من جنس نظم القرآن، فقد وجد منه (¬4) التكلم ببعض القرآن، فكيف يتمُّ نفيُ المعارضة بالكلية، وقد وُجد بعضُها، ومنها حكاية الله عنهم في سورة بني إسرائيل: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا} [الإسراء: 90]؟ ¬

_ (¬1) "وهو" ليست في "ع". (¬2) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬3) في "ج": "تفسير". (¬4) في "ج": "فيه".

باب: {وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام} [الأنفال: 34]

وأجاب: بأن الإتيان بمثل هذا القدر من الكلام لا يكفي في حصول المعارضة؛ لأن هذا المقدارَ قليل، لا تظهر فيه وجوهُ الفصاحة والبلاغة. وهذا الجواب إنما يتمشى على القول بأن التحدي إنما وقع بالسورة الطويلة التي تظهر فيها قوة الكلام. * * * باب: {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الأنفال: 34] 2279 - (4650) - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيى، حَدَّثَنَا حَيْوَةُ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ رَجُلًا جَاءَهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! أَلَا تَسْمَعُ مَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي كتَابِهِ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: 9]، إِلَى آخِرِ الآيَةِ، فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ لَا تُقَاتِلَ كَمَا ذَكرَ اللَّهُ فِي كتَابِهِ؟ فَقَالَ: يَا بْنَ أَخِي! أَغْتَرُّ بِهَذِهِ الآيَةِ وَلَا أُقَاتِلُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِن أَنْ أَغتَرَّ بِهَذِهِ الآيَةِ الَّتِي يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} [النساء: 93]، إِلَى آخِرِهَا. قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193]. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَدْ فَعَلْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ كَانَ الإسْلَامُ قَلِيلًا، فَكَانَ الرَّجُلُ يُفْتَنُ فِي دِينهِ؛ إِمَّا يَقْتُلُوهُ، وَإِمَّا يُوثقُوهُ، حَتَى كَثُرَ الإسْلَامُ، فَلَمْ تَكُنْ فِتْنةٌ. فَلَمَّا رَأَى أَنهُ لَا يُوَافِقُهُ فِيمَا يُرِيدُ، قَالَ: فَمَا قَوْلُكَ فِي عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ؟ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا قَوْلي فِي عَلِيِّ وَعُثْمَانَ؟ أَمَّا عُثْمَانُ: فَكَانَ اللهُ قَدْ عَفَا عَنْهُ، فَكَرِهْتُمْ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ. وَأَمَّا عَلِيٌّ: فَابْنُ عَمِّ

رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَخَتَنُهُ، وَأَشَارَ بِيَده: وَهَذه ابْنتهُ -أَوْ بِنتهُ- حَيْثُ تَرَوْنَ. (أحب إلي من أن أغترَّ بهذه الآية): من الاغترار، ويروى بمثناة تحتية، من التعيير. (إما يقتلوه، وإما يوثقوه): بحذف نون الرفع، وقد تقدم عن ابن مالك أنه موجود في الكلام الفصيح نثرِه ونظمِه. قال الزركشي: كذا وقع، وصوابه: "يقتلونه، ويوثقونه"؛ لأن "إِمَّا" هاهنا عاطفة مكررة، وإنما تجزم إذا كانت شرطًا (¬1). قلت: لا فائدة في قوله: مكررة، وعبارتُه موهمة؛ لأن "إما" العاطفة تجزم إذا كانت شرطًا (¬2)، ولم يخلق الله "إما" عاطفة شرطية، وإنما (¬3) مراده أن الذي يجزم هو "أَمَّا" -المفتوحة الهمزة الشرطية-، وعبارته لا توفي بذلك، على أن "إما" (¬4) الشرطية لا يقع بعدها فعل مجزوم ملفوظ به أصلًا. (وهذه ابنته أو بَيْتُه (¬5) حيث تَرَوْنَ): قال الزركشي: هذا الشك لا معنى له أصلًا، والصواب: "بَيْتُه (¬6) " (¬7). قلت: بل له معنى، وهو المحافظة على نقل اللفظ على وجهه كما ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 924). (¬2) "كانت شرطا" ليست في "ج". (¬3) في "ع": "وإما". (¬4) في "ع": "ما". (¬5) كذا في رواية الكشميهني، وفي اليونينية: "بنته". (¬6) في "ج": "بنته". (¬7) انظر: "التنقيح" (2/ 924).

باب: {الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا} الآية [الأنفال: 66]

سُمع، فالراوي شكَّ هل قال ابنُ عمر: وهذه ابنته؛ أي: ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث ترونَ منزلها بين منازل أبيها، وهي زوجةُ عليٍّ كما لا يخفى، أو قال: وهذا بيته؛ يريد: واحد البيوت؛ حيث ترون، فأتى الراوي باللفظين مع حرف الشك تحرُّجًا من أن يجزم بلفظ هو فيه شاكّ، ويروى: "هذه أبنيته (¬1)، أو بيته"؛ الأولُ جمع بِناء، والثاني واحدُ البيوت. * * * باب: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} الآية [الأنفال: 66] 2280 - (4653) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السُّلَمِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ خِرِّيتٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: لَمَّا نزَلَتْ: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 65]. شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، حِينَ فُرِضَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَفِرَّ وَاحِد مِنْ عَشَرَةٍ، فَجَاءَ التَّخْفِيفُ، فَقَالَ: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 66]. قَالَ: فَلَمَّا خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنَ الْعِدَّةِ، نقصَ مِنَ الصَّبْرِ بِقَدرِ مَا خُفِّفَ عَنْهُمْ. (الزبير بن خِرِّيْت): بخاء معجمة وراء مشددة مكسورتين فمثناة تحتية ساكنة فمثناة فوقية. ¬

_ (¬1) في "ع": "ابنته".

سورة براءة

سورة بَرَاءَةَ {وَلِيجَةً} [التوبة: 16]: كُلُّ شَيْءٍ أَدْخَلْتَهُ فِي شَيْءٍ. {الشُّقَّةُ} [التوبة: 42]: السَّفَرُ. الْخَبَالُ: الْفَسَادُ، وَالْخَبَالُ: الْمَوْتُ. {وَلَا تَفْتِنِّي} [التوبة: 49]: لَا تُوَبِّخْنِي. {كَرْهًا} [التوبة: 53] وَ {كُرْهًا}: وَاحِد. {مُدَّخَلًا} [التوبة: 57]: يُدْخَلُونَ فِيهِ. {يَجْمَحُونَ} [التوبة: 57]: يُسْرِعُونَ. {وَالْمُؤْتَفِكَاتِ} [التوبة: 70]: ائتفَكَتْ: انْقَلَبَتْ بِهَا الأَرْضُ. {أَهْوَى} [النجم: 53]: ألقَاهُ فِي هُوَّةٍ. {عَدْنٍ} [التوبة: 72]: خُلْدٍ، عَدَنْتُ بِأَرْضٍ؛ أَيْ: أقمْتُ، وَمِنْهُ: مَعْدِن، وَيُقَالُ: فِي مَعْدِنِ صِدْقٍ: فِي مَنْبِتِ صِدْقٍ. {الْخَوَالِفِ} [التوبة: 87]: الْخَالِفُ: الَّذِي خَلَفَنِي فَقَعَدَ بَعْدِي، وَمِنْهُ: يَخْلُفُهُ فِي الْغَابِرِينَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النِّسَاءُ مِنَ الْخَالِفَةِ، وَإِنْ كَانَ جَمْعَ الذُّكورِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ عَلَى تَقْدِيرِ جَمْعِهِ إِلَّا حَرْفَانِ: فَارِس وَفَوَارِسُ، وَهَالك وَهَوَالِكُ. {الْخَيْرَاتُ} [التوبة: 88]: وَاحِدُهَا خَيْرَة، وَهْيَ الْفَوَاضِلُ. {مُرْجَوْنَ} [التوبة: 106]: مُؤَخَّرُونَ. الشَّفَا: شَفِير، وَهْوَ حَدُّهُ، وَالْجُرُفُ: مَا تَجَرَّفَ مِنَ السُّيُولِ وَالأَوْدِيَةِ. {هَارٍ} [التوبة: 109]: هَائِرٍ. {لَأَوَّاهٌ} [التوبة: 114]: شَفَقًا وَفَرَقًا. وَقَالَ: إِذَا مَا قُمْتُ أَرْحَلهَا بِلَيْلٍ ... تَأَوَّهُ آهَةَ الرَّجُلِ الْحَزِينِ [(سورة براءة). (والخبال: الموتُ): كذا وقع، والصواب: "الموتة"؛ يعني: الجنون] (¬1) (¬2). ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 925).

باب قوله تعالى: {براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين} [التوبة: 1]

({هَارٍ}: هائرٍ) يريد أنه مقلوب؛ مثل: شاكٍ في شائِكِ. قال الزركشي: وقيل: حذفت عينه اعتباطًا؛ أي: لغير موجب، وقيل: لا قلبَ فيه، ولا حذف، وهو أعدلُ الأقوال؛ لسلامته من ادعاء القلب والحذف اللذين هما (¬1) على خلاف الأصل (¬2). قلت: يؤيد (¬3) القولَ بالقلب ويردُّ كلا من القولين اللذين حكاهما قولُهم في حالة الرفع: هذا جرفٌ هارٍ -بكسر الراء-، [ولو حُذفت عينه اعتباطًا، أو لم يكن فيه حذف ولا قلب، لقيل: هارٌ، بضم الراء] (¬4)، فتأمله. * * * باب قولِهِ تعالى: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 1] 2281 - (4654) - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَليدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ - رضي الله عنه - يَقُولُ: آخِرُ آيَةٍ نزَلَتْ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: 176]. وَآخِرُ سُورَةٍ نزَلَتْ: بَرَاءَةٌ. (سمعت البراء يقول: آخرُ آيةٍ نزلَتْ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ}، وآخر سورة نزلَتْ: براءة (¬5)): أسلف البخاري في آخر تفسير ¬

_ (¬1) في "ج": "حكاه". (¬2) المرجع السابق، (2/ 926). (¬3) في "ع" و"ج": "يريد". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬5) "براءة" ليست في "ع" و"ج".

باب: قوله تعالى: {فسيحوا في الأرض أربعة أشهر} [التوبة: 2]

سورة البقرة عن ابن عباس: أن آخر آية نزلت: آيةُ الربا، ولا شك أن أوائل براءة نزلت في سنة تسع، وهو العام الذي حج الصدِّيقُ فيه بالناس، فلعل مراد البراء: معظمُ براءة، أو بعضها، والله أعلم (¬1). * * * باب: قوله تعالى: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة: 2] 2282 - (4655) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. وَأَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: بَعَثَني أبو بَكْرٍ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ، فِي مُؤَذِّنِينَ بَعَثَهُمْ يَوْمَ النحْرِ، يُؤَذِّنُونَ بِمِنًى: أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ. (أن أبا هريرة قال: بعثني أبو بكر في تلك الحجة في مؤذنين بعثهم يومَ النحر يؤذنون بمنى): قيل: هذا يدل على أن حج الصديق وقعَ في ذي الحجة، لا في ذي القعدة (¬2). * * * باب قوله تعالى: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ} الآية [التوبة: 12] 2283 - (4658) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا يَحْيَى: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ: حَدَّثَنَا زيدُ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: كنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ، فَقَالَ: مَا بَقِيَ مِنْ ¬

_ (¬1) في "ع": "أعلم بالصواب". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 926).

باب: قوله تعالى: {ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} [التوبة: 40]

أَصْحَابِ هَذه الآيَةِ إِلَّا ثَلَاثة، وَلَا مِنَ الْمُنَافِقِينَ إِلَّا أَرْبَعَةٌ. فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: إِنَّكمْ -أَصحَابَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -- تُخْبِرُونَا فَلَا نَدْرِي، فَمَا بَالُ هَؤُلَاء الَّذِينَ يَبْقُرُونَ بُيُوتَنَا، وَيَسْرِقُونَ أَعْلَاقَنَا؟ قَالَ: أُولَئِكَ الْفُسَّاقُ، أَجَلْ، لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا أَرْبَعَةٌ، أَحَدُهُمْ شَيْخٌ كَبِيرٌ، لَوْ شَرِبَ الْمَاءَ الْبَارِدَ، لَمَا وَجَدَ بَرْدَهُ. (فما بال هؤلاء الذين يَبْقُرون بيوتَنا): يبقرون (¬1): بمثناة تحتية مفتوحة فموحدة ساكنة فقاف مضمومة. ويروى بضم أوله وفتح ثانيه وكسر ثالثه مع التشديد؛ أي: "يفتحونها ويوسِّعونها". قال الخطابي: والبقْرُ أكثرُ في الخشب والصخور (¬2). (ويسرقون أعلاقَنا): -بعين مهملة-: جمعُ علق، وهو النفيس من المال، سمي بذلك؛ لتعلُّق القلب به. قال السفاقسي: وضبطه بعضهم بالغين المعجمة، ولا أعلم له وجهًا (¬3). * * * باب: قوله تعالى: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40] 2284 - (4664) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّهُ ¬

_ (¬1) "يبقرون" ليست في "ع". (¬2) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 1844). (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 926).

قَالَ حِينَ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ الزُّبَيْرِ: قُلْتُ: أَبُوهُ الزُّبَيْرُ، وَأُمُّهُ أَسْمَاءُ، وَخَالتهُ عَائِشَةُ، وَجَدُّهُ أَبو بَكْرٍ، وَجَدَّتُهُ صَفِيَّةُ. (حين وقع بينه وبين ابن الزبير): قيل: بسبب (¬1) اختلاف في بعض قراءات القرآن. * * * 2285 - (4665) - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى ابْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاج، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ ابْنُ أَبي مُلَيْكَةَ: وَكَانَ بَيْنَهُمَا شَيْء، فَغَدَوْتُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقُلْتُ: أترِيدُ أَنْ تُقَاتِلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ، فتُحِلُّ حَرَمَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ! إِنَّ اللَّهَ كَتبَ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَبني أُمَيَّة مُحِلِّينَ، وَإِنِّي -وَاللَّهِ- لَا أحُلُّهُ أَبَدًا. قَالَ: قَالَ النَّاسُ: بَايع لاِبْنِ الزُّبَيْرِ، فَقُلْتُ: وَأَيْنَ بِهَذَا الأَمْرِ عَنْهُ؟ أَمَّا أَبُوهُ: فَحَوَارِيُّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، يُرِيدُ: الزُّبَيْرَ، وَأَمَّا جَدُّهُ: فَصَاحِبُ الْغَارِ، يُرِيدُ: أَبَا بَكْرٍ، وَأُمُّهُ: فَذَاتُ النِّطَاقِ، يُرِيدُ: أَسْمَاءَ، وَأَمَّا خَالَتُهُ: فَأُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، يُرِيدُ: عَائِشَةَ، وَأَمَّا عَمَّتُهُ: فَزَوْجُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، يُرِيدُ: خَدِيجَةَ، وَأَمَّا عَمَّةُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: فَجَدَّتُهُ، يُرِيدُ: صَفِيَّة، ثُمَّ عَفِيفٌ فِي الإسْلَامِ، قَارِئٌ لِلْقُرْآنِ، وَاللَّهِ! إِنْ وَصَلُوني، وَصَلُوني مِنْ قَرِيبٍ، وَإِنْ رَبُّونِي، رَبني أكفَاءٌ كِرَامٌ، فآثَرَ التُّويتَاتِ وَالأُسَامَاتِ وَالْحُمَيْدَاتِ، يُرِيدُ: أَبْطُنًا مِنْ بَنِي أَسَدٍ: بَنِي تُويتٍ، وَبني أُسَامَةَ، وَبَنِي أَسَدٍ، إِنَّ ابْنَ أَبي الْعَاصِ بَرَزَ يَمْشِي الْقُدَمِيةَ، يَعْنِي: عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ، وَإِنَّهُ لَوَّى ذَنَبَهُ، يَعْنِي: ابْنَ الزُّبَيْرِ. (قارئ للقرآن، والله! إن وصلوني، وصلوني من قريب): هذا من ¬

_ (¬1) في "ج": "سبب".

كلام ابن عباس في حق (¬1) عبد الله بن الزبير. قيل: وسقط من ذلك: "وتركتُ بني عمي، إن وصلوني" الحديث، يريد: بني أمية؛ لكونهم من عبد مناف، ويبينه الحديثُ بعدَه. (وإن ربُّوني): -بضم المشددة-؛ أي: كانوا عليَّ أُمراء. (ربَّني أكفاء كرام): -بفتح الموحدة المشددة-؛ يعني: بني أمية؛ فإنهم في النسب إلى ابن عباس أقربُ من ابن الزبير، والأكفاء: الأمثال. (برز يمشي القُدَمية (¬2)): -بضم القاف وفتح الدال المهملة وتشديد المثناة التحتية-، هذه الرواية الصحيحة. ويروى بضم الدال أيضًا؛ يعني: أنه تقدم في الشرف والفضيلة على أصحابه، وأصله التَّبَخْتُر. قال أبو عبيدة: إنما هو مَثَلٌ ضربه؛ يريد: أنه ركب معالي الأمور، وعمل بها (¬3). (وإنه لوَّى ذنبه): -بتشديد الواو وتخفيفها-؛ يريد: ابن الزبير، كنى به عن إيثار الدَّعَة (¬4) والراحة، كما تفعل السباعُ بأذنابها إذا أرادت النوم. * * * 2286 - (4666) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ ¬

_ (¬1) "حق" ليست في "ج". (¬2) في "ع": "القديمية". (¬3) انظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد (4/ 223). وانظر: "التنقيح" (2/ 928). (¬4) في "ج": "الدعوة".

باب: قوله تعالى: {والمؤلفة قلوبهم} [التوبة: 60]

يُونُسَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أِبي مُلَيْكَةَ: دَخَلْنَا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَلَا تَعْجَبُونَ لاِبْنِ الزُّبَيْرِ، قَامَ فِي أَمْرِهِ هَذَا؟ فَقُلْتُ: لأُحَاسِبَنَّ نَفْسِي لَهُ مَا حَاسَبْتُهَا لأَبي بَكْرٍ وَلَا لِعُمَرَ، وَلَهُمَا كَانَا أَوْلَى بِكُلِّ خَيْرٍ مِنْهُ، وَقُلْتُ: ابْنُ عَمَّةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَابْنُ أَبي بَكْرٍ، وَابْنُ أَخِي خَدِيجَةَ، وَابْنُ أختِ عَائِشَةَ، فَإِذَا هُوَ يتعَلَّى عَنِّي، وَلَا يُرِيدُ ذَلِكَ، فَقُلْتُ: مَا كُنْتُ أَظُنُّ أني أَعْرِضُ هَذَا مِنْ نفسِي فَيَدَعُهُ، وَمَا أُرَاهُ يُرِيدُ خَيْرًا، وَإِنْ كَانَ لَابُدَّ، لأَنْ يَرُبنيِ بَنُو عَمِّي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَرُبنيِ غَيْرُهُمْ. (فإذا هو يتعلَّى عني): أي: يترفَّع مُعْرِضًا عني، أو منحبسًا عني. * * * باب: قوله تعالى: {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} [التوبة: 60] 2287 - (4667) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيانُ، عَنْ أبيهِ، عَنِ ابنِ أبي نُعْم، عَنْ أَبي سَعِيدٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: بُعِثَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِشَيْءٍ، فَقَسَمَهُ بَيْنَ أَرْبَعَةٍ، وَقَالَ: "أتألَّفُهُمْ"، فَقَالَ رَجُل: مَا عَدَلْتَ، فَقَالَ: "يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْم يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ". (فقسمه بين أربعة، وقال: أتألفهم، فقال رجل: ما عدلت، فقال: يخرج من ضئضئ هذا): -بهمزة ساكنة بين ضادين معجمتين وآخره همزة-؛ أي: من أصل هذا. قال السفاقسي: وروي (¬1) بالصاد المهملة، ويحتمل أن يريد النبي - صلى الله عليه وسلم -: ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "ويروى".

باب: قوله تعالى: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم} [التوبة: 80]

من ينتهي إلى ذلك الرجل نسبًا، ويحتمل (¬1) مذهبًا، وهذا القائل يظهر أن يكون ذا الخُوَيْصِرَة. قال الزركشي: واعلم أن البخاري ترجم هذا الحديث بقوله تعالى: {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} [التوبة: 60]. وكان ينبغي أن يترجمه بقوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ} [التوبة: 58] (¬2). [قلت: ووجهُ ما فعله البخاري ظاهرٌ -أيضًا-؛ فإن الحديث اشتمل على إعطاء المؤلفة قلوبهم صريحًا، واشتمل على لمزه في الصدقات] (¬3)، فإن ترجم على الأول، صَحَّ، وإن ترجم على الثاني، صح، ولا نسلِّم أولويةَ أحدِهما بالنسبة إلى الآخر، فلا وجه للاعتراض. * * * باب: قوله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80] 2288 - (4670) - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبي أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ، جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ يُكَفِّنُ فِيهِ أَبَاهُ، فَأَعْطَاهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) "ويحتمل" ليست في "ع". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 929). (¬3) ما بين قوسين ليس في "ع".

لِيُصَلِّيَ، فَقَامَ عُمَرُ، فَأَخَذَ بِثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! تُصَلِّي عَلَيْهِ، وَقَدْ نهاكَ رَبُّكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيهِ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا خَيَّرَني اللهُ، فَقَالَ: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} [التوبة: 80]، وَسَأَزِيدُهُ عَلَى السَّبْعِينَ". قَالَ: إِنَّهُ مُنَافِق، قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84]. (عن ابن عمر، قال: لمّا تُوُفِّيَ عبدُ الله بنُ أُبي (¬1)): قال الزركشي: في هذه الرواية وَهْمٌ، وهو أن عمر قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أتصَلِّي عليه، وقد نهاكَ ربُّك أن تُصلِّيَ عليه؟! "، ثم أخبر بعد انفصال القضية: أن الله تعالى أنزل: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ} [التوبة: 84] (¬2). قلت: لا (¬3) وهمَ -إن شاء الله- في الرواية، والكلامُ شديد منتظم، وذلك بأن تقول: لعل عمر - رضي الله عنه - فهم نهيَ الله تعالى عن الصلاة على هذا المنافق من قوله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [التوبة: 80]؛ من حيث سوى بين الاستغفار وعدمه في عدم النفع، وعلل ذلك بكفرهم، وقد ثبت من جهة الشرع امتناعُ المغفرة لمن مات كافرًا، والدعاءُ بوقوع ما عُلم انتفاءُ وقوعه شرعًا أو عقلًا ممتنعٌ، ولا شك أن الصلاة على المشرك الميت استغفارٌ له ودعاء، وقد نُهي عنه، فتكون الصلاة عليه منهيًا عنها (¬4). ¬

_ (¬1) كذا في رواية أبي ذر الهروي، وليست في اليونينية. (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 930). (¬3) في "ج": "ولا". (¬4) في "ج": "عنه".

ويؤيده قوله في الرواية الأخرى بعد هذا: "أتصلِّي عليه [وهو منافق، وقد نهاك الله أن تستغفر لهم؟! "، وحينئذ فلا منافاة بين قوله: وقد نهاك ربك أن تصلي عليه] (¬1)، وبين إخباره بأن آية النهي عن الصلاة على كل مشرك، والقيام على قبره، فنزلت بعد ذلك. (إنما خيّرني الله، فقال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً}، وسأزيد (¬2) على السبعين): قال الزمخشري: لم يخْفَ على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الذي يفهم من ذكر هذا العدد كثرةُ الاستغفار، ولكنه خيل بما قال؛ إظهارًا لغاية رحمته ورأفته على من بعث إليه؛ كقول إبراهيم: {وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم: 36]، وفي إظهار النبي الرحمة والرأفة (¬3) لطفٌ لأمته، ودعاءٌ لهم إلى ترحُّم بعضِهم على بعض (¬4). قال ابن المنير: وقد أنكر القاضي حديثَ الاستغفار، ولم يصححه، وتعالى قوم فجعلوه عمدة مفهوم المخالفة. قلت: وقد تبع القاضيَ أبا بكر على إنكار الحديث إمامُ الحرمين، والغزاليُّ، وهذا من هؤلاء الأئمة الأكابر عجيب، كيف (¬5) باحوا بذلك، والحديثُ ثابتٌ صحيح مدوَّن في (¬6) البخاري ومسلم؟! ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) نص البخاري: "وسأزيده". (¬3) في "ج": "الرأفة والرحمة". (¬4) انظر: "الكشاف" (2/ 281). (¬5) في "ع": "فكيف". (¬6) في "ج": "صحيح بدون".

باب: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا} الآية [التوبة: 118]

باب: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} الآية [التوبة: 118] 2289 - (4677) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ: أَنَّ الزُّهْرِيَّ حَدَّثَهُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ، وَهْوَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تِيبَ عَلَيْهِمْ: أَنَّهُ لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا قَطُّ غَيْرَ غَزْوَتَيْنِ: غَزْوَةِ الْعُسْرَةِ، وَغَزْوَةِ بَدْرٍ، قَالَ: فَأَجْمَعْتُ صِدْقَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ضُحًى، وَكَانَ قَلَّمَا يَقْدَمُ مِنْ سَفَرٍ سَافَرَهُ إِلَّا ضُحًى، وَكَانَ يَبْدَأُ بِالْمَسْجدِ، فَيَرْكَعُ ركعَتَيْنِ، وَنهى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ كَلَامِي وَكَلَامِ صَاحِبَيَّ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْ كَلَامِ أَحَدٍ مِنَ الْمُتَخَلِّفِينَ غَيْرِنَا، فَاجْتَنَبَ النَّاسُ كَلَامَنَا، فَلَبِثْتُ كذَلِكَ حَتَّى طَالَ عَلَيَّ الأَمْرُ، وَمَا مِنْ شَيْءٍ أَهَمُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَمُوتَ فَلَا يُصَلِّي عَلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، أَوْ يَمُوتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأكُونَ مِنَ النَّاسِ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ، فَلَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَلَا يُصَلِّي عَلَيَّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَوْبَتَنَا عَلَى نبَيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ بَقِيَ الثُّلُثُ الآخِرُ مِنَ اللَّيْلِ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ، وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ مُحْسِنَةً فِي شَأْنِي، مَعْنِيّةً فِي أَمْرِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أُمَّ سَلَمَةَ! تِيبَ عَلَى كعْبٍ". قَالَتْ: أَفَلَا أُرْسِلُ إِلَيْهِ فَأُبَشِّرَهُ، قَالَ: "إِذًا يَحْطِمَكُمُ النَّاسُ فَيَمْنَعُونكُمُ النَّوْمَ سَائِرَ اللَّيْلَةِ". حَتَّى إِذَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَاةَ الْفَجْرِ، آذَنَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا، وَكَانَ إِذَا اسْتَبْشَرَ، اسْتَنَارَ وَجْهُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةٌ مِنَ الْقَمَرِ، وَكُنَّا -أيهَا الثَّلَاثَةُ- الَّذِينَ خُلِّفُوا عَنِ الأَمْرِ الَّذِي قُبِلَ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اعْتَذَرُوا، حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ لَنَا التَّوْبَةَ، فَلَمَّا ذُكِرَ الَّذِينَ كَذَبُوا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْمُتَخَلِّفِينَ، وَاعْتَذَرُوا بِالْبَاطِلِ،

باب: قوله تعالى: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} الآية [التوبة: 128]

ذُكرُوا بِشَرِّ مَا ذُكرَ بِهِ أَحَد، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانه: {يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 94]. (فلا يكلمني أحد منهم، ولا يُسَلِّمُني (¬1)): كذا لبعضهم، وسقطت اللفظة الثانية عند الأصيلي. والمعروف: أن فعل السلام إنما يتعدى بـ"على"، وقد يكون إتباعًا ليكلِّمُني. قال القاضي: أو يرجع إلى قول من فَسَّرَ السلَام بأنه معناه: إنك مُسَلَّم مني (¬2). * * * باب: قوله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} الآية [التوبة: 128] 2290 - (4679) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ السَّبَّاقِ: أَنَّ زيدَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ - رضي الله عنه -، وَكانَ مِمَّنْ يَكْتُبُ الْوَحْيَ، قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، وَعِنْدَهُ عُمَرُ، فَقَالَ أبُو بَكْرٍ: إِنَّ عُمَرَ أتانِي فَقَالَ: إِنَّ الْقَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِالنَّاسِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ فِي الْمَوَاطِنِ، فَيَذْهَبَ كثِيرٌ مِنَ الْقُرآنِ، إِلَّا أَنْ تَجْمَعُوهُ، وَإِنِّي لأَرَى أَنْ تَجْمَعَ الْقُرآنَ. قَالَ أَبُو ¬

_ (¬1) نص البخاري: "ولا يصلي". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 219). وانظر: "التنقيح" (2/ 930).

بَكْرٍ: قُلْتُ لِعُمَرَ: كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالَ عُمَرُ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي فِيهِ حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ لِذَلِكَ صَدْرِي، وَرَأَيْتُ الَّذِي رَأَى عُمَرُ، قَالَ زيدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَعُمَرُ عِنْدَهُ جَالِسٌ لَا يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّكَ رَجُل شَابٌّ عَاقِل، وَلَا نتَّهِمُكَ، كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فتتَبَّعِ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ. فَوَاللَّهِ! لَوْ كلَّفَنِي نقلَ جَبَلٍ مِنَ الْحِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ. قُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلَانِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْر، فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُهُ حَتَّى شَرح اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرح اللَّهُ لَهُ صَدْرَ أَبي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقُمْتُ، فتتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الرِّقَاعِ وَالأكتَافِ وَالْعُسُبِ، وَصُدُورِ الرِّجَالِ، حَتَّى وَجَدْتُ مِنْ سُورَةِ التَّوْبَةِ آيَتَيْنِ مَعَ خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهُمَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} [التوبة: 128]، إِلَى آخِرِهِمَا. وَكَانَتِ الصُّحُفُ التِي جُمِعَ فِيهَا الْقُرْآنُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ. (إن القتل قد استَحَرَّ): أي: كَثُرَ، استفْعَلَ من الحَرِّ، والأمورُ المكروهةُ تُضاف أبدًا إلى الحر، والمحبوبةُ إلى البَرْدِ، وكانت اليمامةُ سنة إحدى عشرةَ، وقُتل بها من المسلمين ألف ومئة، وقيل: ألف وأربع مئة، وفيهم سبعون من القُرَّاء (¬1). (أجمعه من الرقاع والأكتافِ والعُسُب): الرقاع: جمعُ رُقْعَة، ¬

_ (¬1) "من القراء" ليست في "ع".

والأكتاف: جمعُ كَتِف، وهما معروفان، والعُسُب: جمعُ عَسيب، وهو سَعَفُ النخل، وكانوا يكتبون فيها. (حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصاري لم أجدهما مع غيره): قال الخطابي: هذا مما يخفى معناه على كثير يتوهمون أن بعض القرآن إنما أخذ من الآحاد، فليعلَمْ أن القرآن كان محفوظًا في الصدور أيامَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومؤلفًا هذا التأليف الذي عندنا، إلا سورة براءة، كانت في آخر ما نزل، فلم (¬1) يبين لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موضعها من التأليف حتى خرجَ من الدنيا، فقرنها الصحابةُ بالأنفال (¬2). قلت: حكى القرطبي في أوائل "تفسيره" عن ابن الطيب: أن السلف اختلفوا في ترتيب السور، فمنهم من كتب أولها الفاتحة، ومنهم من كتب السور على تاريخ نزولها، وقدم المكيَّ على المدني، ومنهم من جعل أول المصحف: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1]. قال القاضي أبو بكر: فيحتمل أن يكون ترتيبُ السور على ما هي عليه اليوم، كان على وجه الاجتهاد من الصحابة. ثم قال القرطبي: وذكر أبو بكر الأنباري أن اتِّساقَ السور كاتساق الآيات والحروف، كلُّه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3). ¬

_ (¬1) في "ع": "فلهم". (¬2) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 1851). وانظر: "التنقيح" (2/ 931). (¬3) انظر: "تفسير القرطبي" (1/ 59).

سورة يونس

سورة يونس باب: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {فَاخْتَلَطَ} [يونس: 24]: فَنَبَتَ بِالْمَاءَ مِنْ كُلِّ لَوْنٍ. وَ {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ} [يونس: 68] وَقَالَ زيدُ بْنُ أَسْلَمَ: {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ} [يونس: 2]: مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم -، وَقَالَ مُجَاهِد: خَيْر. يُقَالُ: {تِلْكَ آيَاتُ} [يونس: 1]: يَعْنِي: هَذه أَعْلَامُ الْقُرْآنِ، وَمِثْلُهُ: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} [يونس: 22]: الْمَعْنَى: بِكُمْ. {دَعْوَاهُمْ} [يونس: 10]: دُعَاؤُهُمْ. {أُحِيطَ بِهِمْ} [يونس: 22]: دنوا مِنَ الْهَلَكَةِ. {وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} [البقرة: 81]. {فَأَتْبَعَهُمْ} [يونس: 90]، وَأتبَعَهُمْ وَاحِد. {عَدُوًّا} [البقرة: 97]: مِنَ الْعُدْوَانِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ} [يونس: 11]: قَوْلُ الإنْسَانِ لِوَلَدِهِ وَمَالِهِ إِذَا غَضِبَ: اللَّهُمَّ لَا تُبَارِكْ فِيهِ، وَالْعَنْهُ {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} [يونس: 11]: لأُهْلِكُ مَنْ دُعي عَلَيْهِ وَلأَمَاتَهُ. {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى} [يونس: 26]: مِثْلُهَا حُسْنَى، {وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26]: مَغْفِرَة. {الْكِبْرِيَاءُ} [يونس: 78]: الْمُلْكُ. (سورة يونس). ({فَأَتْبَعَهُمْ} واتبعهم واحد): هذا أحد القولين. ومنهم من قال (¬1): "اتَّبَعَه" -بتشديد التاء-: إذا اقتدى به، و"أتبَعَه" -بقطع الهمزة-: إذا تلاه. ({وَزِيَادَةٌ}: مغفرة) ورضوان. ¬

_ (¬1) "من قال" ليست في "ع".

وقال غيره: النظرُ إلى وجهه، يتأيد هذا القول بما رواه الترمذي مرفوعا: "الزيادة: النظَرُ إِلَى وَجْهِ اللهِ في الجَنَّةِ" (¬1). ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2552) عن صهيب - رضي الله عنه -. وانظر: "التنقيح" (2/ 931).

سورة هود

سورة هود باب: {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ} [هود: 5] 2291 - (4681) - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاج، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ: {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ}. قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْهَا. فَقَالَ: أُنَاس كَانُوا يَسْتَحْيُونَ أَنْ يَتَخَلَّوْا فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاءِ، وَأَنْ يُجَامِعُوا نِسَاءَهُمْ فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاءَ، فَنَزَلَ ذَلِكَ فِيهِمْ. (سورة هود). (سمع ابن عباس يقرأ: {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ}): -بمثناة فوقية مفتوحة فثاء مثلثة ساكنة فنون مفتوحة فواو ساكنة فنون (¬1) مكسورة فمثناة تحتية على وزن: تَفْعَوْعِلُ- وهو بناءُ مبالغة؛ كاعْشَوْشَبَ يَعْشَوْشِبُ. * * * باب: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} [هود: 84]: إِلَى أَهْلِ مَدْيَنَ؛ لأَنَّ مَدْيَنَ بَلد، وَمِثْلُهُ: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82]، وَاسْألِ الْعِيرَ؛ يَعْنِي: أَهْلَ الْقَرْيَةِ وَالْعِيرِ {وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا} [هود: 92]: يَقُولُ: لَمْ تَلْتَفِتُوا إِلَيْهِ، وُيقَالُ إِذَا لَمْ يَقْضِ الرَّجُلُ حَاجَتَهُ: ظَهَرْتَ بِحَاجَتِي، وَجَعَلْتَنِي ظِهْرِيًّا، وَالظِّهْرِيُّ هَاهُنَا: أَنْ تَأْخُذَ مَعَكَ دابَّةً أَوْ وِعَاءً تَسْتَظْهِرُ بِهِ. {أَرَاذِلُنَا} [هود: 27]: ¬

_ (¬1) "فواو ساكنة فنون" ليست في "ع".

سُقَاطُنَا. {إِجْرَامِي} [هود: 35]: هُوَ مَصْدَر مِنْ أَجْرَمْت، وَبَعْضُهُمْ يَقولُ: جَرَمْتُ. {الْفُلْكَ} [هود: 37]، وَالْفَلَكُ وَاحِد، وَهْيَ السَّفِينَةُ وَالسُّفُنُ. {مَجْرَاهَا} [هود: 41]: مَدْفَعُهَا، وَهْوَ مَصْدَرُ أَجْرَيْتُ، وَأَرْسَيْتُ: حَبَسْت، ويقْرَأُ: {مُرْسَاهَا} [هود: 41] مِنْ رَسَتْ هِيَ، وَ {مَجْرَاهَا} مِنْ جَرَتْ هِيَ. ومُجريها ومُرسيها: مِنْ فُعِلَ بِهَا. الراسيات: ثَابِتَاتٌ. (الفُلْك والفُلَك واحد): ضبط بضم الفاء فيهما وإسكان اللام في الأول (¬1) وفتحها في الثاني، قيل: وصوابه: الفَلَك واحد -بفتحتين-، والفُلْك جمع، بضم الفاء وإسكان اللام. قال القاضي: كذا لبعض الرواة، ولآخرين (¬2): الفلك والفلك يعني -بضم الفاء وإسكان اللام-، وهو الصواب في أن الواحدَ والجمعَ بلفظ واحد، وهو مراد البخاري (¬3). واللفظ وإن كان واحدًا، لكنه مختلف بحسب التقدير، فضمة فُلك للواحد كضمة قُفْل، وضمة فُلك الجمع كضمة أُسْد (¬4). (مُجْراها: موقعها): قال الزركشي: كذا لبعضهم، والصواب: "مُجْراها: مَسيرُها، ومُرْسَاها: مَوْقِفُها"، وهو مصدر (¬5). قلت: الذي رأيته في نسخة: "مَدْفَعُها"؛ من الدَّفْع، لا موقِفُها من ¬

_ (¬1) في "م": "الأولى". (¬2) في "ع": "والآخرين". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 159). (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 933). (¬5) المرجع السابق، (2/ 934).

الوقوف، وهو حسن، ورأيت في هذه النسخة أيضًا: "مجراها: مسيرها"، وكتب عليها: نسخة، ثم النظر بعد ذلك في شيء آخر، وهو أنه (¬1) يحتمل أن يكون قوله تعالى: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} [هود: 41] جملة واحدة، ويحتمل أن يكون جملتين، والأولى انتهت عند قوله تعالى: {فِيهَا}. قال بعضهم: وكونُ الكلام جملةً واحدة على تأويل: اركبوا قائلين: بسم الله، أَوْلى؛ لأنه يكون قد أمرهم بهذا القول، ولهذا كان (¬2) سُنَّة في كل مَنْ ركب السفينة أن يقول: {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} [هود: 41]. بقي في الآية بحث، وهو أن يقال: العادةُ في سنة التسمية أن يكون في الأول، فيقول الآكل أولَ أكلِه: باسم الله خاصة، إلا أن تفوته التسميةُ أولًا، فيقول في أثنائه: بِاسْمِ اللهِ أَوَّلَ الطَّعَامِ وَآخِرَهُ؛ كما (¬3) جاء في الحديث: أن أعرابيًا جاء والنبيُّ (¬4) - صلى الله عليه وسلم - يأكل في قصعة مع أصحابه، فأكل الأعرابي ولم يُسَمِّ، فلما فرغ قال: باسم اللهِ أولَ الطعام وآخرَه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ هَذَا الأَعْرَابِى لَمَّا أكلَ وَلَمْ يُسَمِّ، رَأَيْتُ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ مَعَنَا، فَلَمَّا قَالَ: بِاسْمِ اللهِ أَوَّلَ الطَّعَامِ وَآخِرَهُ، رَأَيْتُ الشَّيْطَانَ قَاءَ مَا أكلَ" (¬5)، ¬

_ (¬1) "أنه" ليست في "ج". (¬2) "كان" ليست في "ع". (¬3) "كما" ليست في "ع" و"ج". (¬4) في "ج": "إلى النبي". (¬5) رواه أبو داود (3768)، والإمام أحمد في "المسند" (4/ 336) وغيرهما من حديث أمية بن مخشي - رضي الله عنه -، بلفظ نحوه.

فما وجهُ كونِ السنَّةِ في (¬1) السفينة أن يقول: "بسم الله مجراها ومرساها" يذكر المبدأ (¬2) والمنتهى؟ قال ابن المنير في "تفسيره": الحكمة فيه -والله أعلم-: أن السفينة لا يحصل الغرضُ منها إلا بالبلاغ، فلو سافرت ما شاء الله تعالى، ثم عطبتْ (¬3) في آخر السفر، لم يحصُل شيء من (¬4) الغرض، قَلَّ ولا جَلَّ، ولا كذلك الطعامُ ونحوُه من الأفعال التي يحصُل بكل جزء منها جزءٌ (¬5) من الغرض، فتوقفُ أولِ السفر على آخره في حصول الغرض أوجبَ أن تكون التسمية إلى آخره (¬6) جامعة للأول والآخر؛ لئلا يكون حيثُ لا غرض (¬7) ألبتة، ففي ذلك تنبيه على المشهور (¬8) من المذهب، وهو أن أُجرة السفن على البلاغ، فلو عطبتْ -ولو في الآخر-، فلا أجرة لصاحبها ألبتة، كما أنه لم يحصل لصاحبه غرض ألبتة، وتحقُّقُ أن الغرض موقوف على الآخر (¬9): أن السنَّةَ أن يسمِّي في ركوبها لأول السفر وآخره من أول الأمر. ¬

_ (¬1) "في" ليست في "ع" و"ج". (¬2) في "ع": "المبتدأ". (¬3) في "ج": "عطلت". (¬4) "شيء من" ليست في "ج". (¬5) "جزء" ليست في "ج". (¬6) "إلى آخره" ليست في "ج". (¬7) في "ج": "حيث لاعتراض". (¬8) في "ج": "المذكور". (¬9) في "ع": "أن الآخر".

باب: {وكان عرشه على الماء} [هود: 7]

باب: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7] 2292 - (4684) - حَدَّثَنَا أبو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ، وَقَالَ: يَدُ اللَّهِ مَلأَى، لَا تَغِيضُهَا نَفَقَة، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ. وَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءَ، وَبِيَدِهِ الْمِيزَانُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ". (لا تغيضها نفقة): لا تَنْقُصُها (¬1). (سَحَّاء): فَعْلاء -بالمد- من السَّحِّ -بالسين المهملة-، وهو العطاء. (الليلَ والنهارَ): بالنصب على الظرفية. (بيده الميزانُ): أي: العدلُ بينَ الخلق. (يخفض ويرفع): من باب مراعاة النظير؛ أي: يخفض من يشاء، ويرفع من يشاء، ويوسِّع على من يشاء، وُيقَتِّر عمن يشاء. * * * باب: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102] {الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ} [هود: 99]: الْعَوْنُ الْمُعِينُ، رَفَدْتُهُ: أَعَنْتُهُ. ({الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ}: العون المعين): جعلَ المرفودَ بمعنى: المعين، وهو محلُّ نظر. ¬

_ (¬1) في "ج": "يتقاصها".

باب: قوله تعالى: {وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل} الآية [هود: 114]

باب: قوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} الآية [هود: 114] 2293 - (4687) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ -هُوَ ابْنُ زُرَيْعٍ-، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ مِنَ امْرَأَةٍ قُبْلَةً، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114]. قَالَ الرَّجُلُ: أَلِيَ هَذِهِ؟ قَالَ: "لِمَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ أُمَّتِي". (أن رجلًا أصابَ من امرأة قُبلة): تقدم أنه أبو اليَسَرِ كعبُ بنُ مالك، وقيل: نبَهان التمَّارُ، وقيل: عمرُو بنُ غزية (¬1)، وتقدم بسطُ الخلاف في ذلك. ¬

_ (¬1) في "ع": "عزيز".

سورة يوسف

سورة يُوسُفَ وَقَالَ فُضَيْلٌ: عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {مُتَّكَأً} [يوسف: 31]: الأُتْرُجُّ، قَالَ فُضَيْل: الأُتْرُجُّ بِالْحَبَشِيةِ مُتْكًا. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: مُتْكًا: كُلُّ شَيْءٍ قُطِعَ بِالسِّكِّينِ. وَقَالَ قتادَةُ: {لَذُو عِلْمٍ} [يوسف: 68]: عَامِلٌ بِمَا عَلِمَ. وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: {صُوَاعَ} [يوسف: 72]: مَكُّوكُ الْفَارِسِيِّ الَّذِي يَلْتَقِي طَرَفَاهُ، كَانَتْ تَشْرَبُ بِهِ الأَعَاجِمُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاس: {تُفَنِّدُونِ} [يوسف: 94]: تُجَهِّلُونِ. وَقَالَ غيْرُهُ: {غَيَابَةٌ}: كُلُّ شَيْءٍ غَيَّبَ عَنْكَ شَيْئًا فَهْوَ غَيَابَةٌ. وَالْجُبُّ: الرَّكِيَّةُ الَّتِي لَمْ تُطْوَ. {بِمُؤْمِنٍ لَنَا} [يوسف: 17]: بِمُصَدِّقٍ. {أَشُدَّهُ} [يوسف: 22]: قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي النُّقْصَانِ، يُقَالُ: بَلَغَ أَشُدَّهُ، وَبَلَغُوا أَشُدَّهُمْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَاحِدُهَا شَدٌّ. وَالْمُتَّكَأُ: مَا اتَّكَأْتَ عَلَيْهِ لِشَرَابٍ أَوْ لِحَدِيثٍ أَوْ لِطَعَامٍ، وَأَبْطَلَ الَّذِي قَالَ: الأُتْرُجُّ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الأُتْرُجُّ، فَلَمَّا احْتُجَّ عَلَيْهِمْ بِأنَّهُ الْمُتَّكَأ مِنْ نَمَارِق، فَرُّوا إِلَى شَرٍّ مِنْهُ، فَقَالُوا: إِنَّمَا هُوَ الْمُتْكُ -سَاكِنَةَ التَّاءِ-، وَإِنَّمَا الْمُتْكُ: طَرَفُ الْبَظْرِ، وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لَهَا: مَتْكَاءُ، وَابْنُ الْمَتْكَاءَ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ أُترُجٌّ، فَإِنَّهُ بَعْدَ الْمُتَّكَإِ. {شَغَفَهَا} [يوسف: 30]: يُقَالُ: بَلَغَ إِلَى شِغَافِهَا، وَهْوَ غِلَافُ قَلْبِهَا، وَأَمَّا شَعَفَهَا، فَمِنَ الْمَشْعُوفِ. {أَصْبُ} [يوسف: 33]: أَمِيلُ. {أَضْغَاثُ

أَحْلَامٍ} [يوسف: 44]: مَا لَا تأْوِيلَ لَهُ، وَالضِّغْثُ: مِلْءُ الْيَدِ مِنْ حَشِيشٍ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَمِنْهُ: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا} [ص: 44]، لَا مِنْ قَوْلهِ: أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ، وَاحِدُهَا ضِغث. {وَنَمِيرُ} [يوسف: 65]: مِنَ الْمِيرَةِ. {وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ} [يوسف: 65]: مَا يَحْمِلُ بَعِير. {آوَى إِلَيْهِ} [يوسف: 69]: ضَمَّ إِلَيْهِ. {السِّقَايَةَ} [يوسف: 70]: مِكْيَال. {تَفْتَأُ} [يوسف: 85]: لَا تَزَالُ. {حَرَضًا} [يوسف: 85]: مُحْرَضًا، يُذِيبُكَ الْهَمُّ. {فَتَحَسَّسُوا} [يوسف: 87]: تَخَبَّرُوا. {مُزْجَاةٍ} [يوسف: 88]: قَلِيلَةٍ. {غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ} [يوسف: 107]: عَامة مُجَلِّلَة. (سورة يوسف). (عن مجاهد: مُتْكًا: الأترجُّ بالحبشية): هو بضم الميم وإسكان التاء وتنوين الكاف، وقد خالف البخاري هذا، فقال بعد أسطر: المُتَّكَأ: ما اتكأتَ عليه، وأبطل الذي قال: الأترج، [وليس في كلام العرب الأترج] (¬1)، فلما احتج عليهم بأنه المتكأ من نمارق، فروا إلى شر منه، وقالوا: إنما هو المُتْك -ساكنة التاء-، وإنما المتك طرفُ البَظْر فإن كان ثم أترج، فإنه بعد المتكأ. وهذا أخذه من كلام أبي عبيد؛ فإنه قال: المتكأ: النُّمْرُقة التي يتكَأ عليها، وزعم قوم أنه الترنج، وهذا أبطلُ باطلِ في الأرض، ولكن عسى أن يكون مع المتكَأ ترنجٌ يأكلونه. وقال ابن عطية: ما يُتكَأ عليه من فُرُش ووسائدَ، ومعلوم أن هذا ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع".

النوعَ من الكرامات لا يخلو من الطعام والشراب، فلذلك فسر (¬1) مجاهدٌ وعكرمة المتكأ (¬2) بالطعام (¬3). وقال الزمخشري: هو (¬4) من قولك: اتَّكَأنا عندَ فلان: طَعِمْنا، على سبيل الكناية؛ لأن من دعوته ليطْعَمَ عندك، اتخذت له تُكَأَةً يتكئ عليها (¬5). (شغفها يقال: بَلَغَ إلى شغافها): قال السفاقسي: في كتب اللغة: بفتح الشين، وضبطه المحدثون بكسرها (¬6). (كيلَ بعير: ما يحملُه بعير): قال مجاهد: أرادَ كيلَ حمار، قال: وبعضُ (¬7) العرب تقول (¬8) للحمار: بعير، وهذا شاذ. قال ابن خالويه: وذلك أن يعقوبَ وإخوة يوسف كانوا بأرض كنعان، ولم يكن هناك إبل، قال: وكذلك ذكره مُقاتلُ بنُ سليمان، وفي زَبور داود: البعيرُ كلُّ ما يحمل، ويقال لكل ما يحمل بالعبرانية: بعيرٌ، قال ابن خالويه: وهذا حرف نادر ألقيته على المتنبي بين يدي سيف الدولة، فكسرت قرنه. ¬

_ (¬1) في "ج": "وكذلك فسره". (¬2) في "م": "من المتكأ". (¬3) انظر: "المحرر الوجيز" (3/ 238). (¬4) في "ج": "وهو". (¬5) انظر: "الكشاف" (2/ 437). وانظر: "التنقيح" (2/ 936). (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 937). (¬7) في "ج": "وقال بعض". (¬8) في "ج": "يقال".

باب: قوله تعالى: {بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل} [يوسف: 18]

قال الزركشي: و (¬1) لم يأت في ذلك بحجة (¬2). قلت: طريقُ إثباته النقلُ عن الأئمة، وقد نقل عن مجاهد ومقاتلٍ صحة ما ذكره. * * * باب: قوله تعالى: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} [يوسف: 18] 2294 - (4691) - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَسْرُوقُ بْنُ الأَجْدع، قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ رُومَانَ، وَهْيَ أُمُّ عَائِشَةَ، قَالَتْ: بَيْنَا أَنَا وَعَائِشَةُ، أَخَذَتْهَا الْحُمَّى، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَعَل فِي حَدِيثٍ تُحُدِّثَ؟ "، قَالَتْ: نَعَمْ، وَقَعَدَتْ عَائِشَةُ، قَالَتْ: مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كيَعْقُوبَ وَبَنِيهِ: {وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18]. (مسروق قال: حدثتني أم رُومان، وهي أم عائشة): تقدم ما فيه من الانتقاد باعتبار أن مسروقًا لم يسمع من أم رُومان. * * * باب: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} [يوسف: 23] وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هَيْتَ لَكَ: بِالْحَوْرَانِيَّةِ: هَلُمَّ. وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: تَعَالَهْ. ¬

_ (¬1) الواو ليست في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 937).

باب: {فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة} الآية [يوسف: 50]

(قال عكرمة: هيت [لك] بالحورانية: هلم): هذا على رأي من قال: إنها معربة، والجمهور على أنها عربية. * * * باب: {فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ} الآية [يوسف: 50] 2295 - (4694) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِم، عَنْ بَكْرِ بْنِ مُضَرَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ يُونُس بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيبِ وَأَبي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا، لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ، وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ، لأَجَبْتُ الدَّاعِيَ، وَنَحْنُ أَحَقُّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لَهُ: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260] ". (ثنا عبد الرحمن بن القاسم): هذا صاحبُ الإمام مالكٍ، وليس له (¬1) في البخاري غيرُ هذا الحديث. (ولو لبثتُ في السجن ما لبثَ يوسفُ، لأجبتُ الدّاعي): وصفَه (¬2) بالصبر والتثبُّت؛ أي: لو كنتُ مكانَه، لخرجتُ ولم ألبثْ، وهذا من تواضعه -عليه السلام- (¬3). ¬

_ (¬1) "له" ليست في "ع" و"ج". (¬2) في "ج": "وصف". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 939).

سورة الرعد

سُورَةُ الرَّعْدِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ} [الرعد: 14]: مَثَلُ الْمُشْرِكِ الَّذِي عَبَدَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا غيْرَهُ، كمَثَلِ الْعَطْشَانِ الَّذِي يَنْظُرُ إِلَى خَيَالِهِ فِي الْمَاءَ مِنْ بَعِيدٍ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ وَلَا يَقْدِرُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: {سَخَّرَ} [النحل: 14]: ذَلَّلَ. {مُتَجَاوِرَاتٌ} [الرعد: 4]: مُتَدَانِيَات. {الْمَثُلَاتُ} [الرعد: 6]: وَاحِدُهَا مَثُلَة، وَهْيَ الأَشْبَاهُ وَالأَمْثَالُ، وَقَالَ: {إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا} [يونس: 102]. {بِمِقْدَارٍ} [الرعد: 8]: بِقَدَرٍ. {مُعَقِّبَاتٌ} [الرعد: 11]: مَلَائِكَة حَفَظَة، تُعَقِّبُ الأُولَى مِنْهَا الأُخْرَى، وَمِنْهُ قِيلَ: الْعَقِيبُ، يُقَالُ: عَقَّبْتُ فِي إِثْرِهِ. {الْمِحَالِ} [الرعد: 13]: الْعُقُوبَةُ. {كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ} [الرعد: 14]: لِيقْبِضَ عَلَى الْمَاءَ. {رَابِيًا} [الرعد: 17]: مِنْ رَبَا يَرْبُو. {أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ} [الرعد: 17]: الْمَتَاعُ: مَا تَمَتَّعْتَ بِهِ. {جُفَاءً} [الرعد: 17]: أَجْفَأتِ الْقِدْرُ: إِذَا غَلَتْ فَعَلَاهَا الزَّبَدُ، ثُمَّ تَسْكُنُ فَيَذْهَبُ الزَّبَدُ بِلَا مَنْفَعَةٍ، فَكَذَلِكَ يُمَيِّزُ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ. {الْمِهَادُ} [الرعد: 18]: الْفِرَاشُ. {وَيَدْرَءُونَ} [الرعد: 22]: يَدْفَعُونَ، دَرَأْتُهُ دَفَعْتُهُ. {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} [الرعد: 24]: أَيْ: يَقُولُونَ: سَلام عَلَيْكُمْ. {وَإِلَيْهِ مَتَابِ} [الرعد: 30]: تَوْبَتِي. {أَفَلَمْ يَيْأَسِ} [الرعد: 31]: لَمْ يَتَبَيَّنْ. {قَارِعَةٌ} [الرعد: 31]: داهِيَة. {فَأَمْلَيْتُ} [الرعد: 32]: أَطَلْتُ، مِنَ الْمَلِيِّ وَالْمُلَاوَةُ، وَمِنْهُ {مَلِيًّا} [مريم: 46]، وَيُقَالُ لِلْوَاسِعِ الطَّوِيلِ مِنَ الأَرْضِ: مَلًى مِنَ الأَرْضِ. {أَشَقُّ} [الرعد: 34]: أَشَدُّ؛ مِنَ الْمَشَقَّةِ. {مُعَقِّبَ} [الرعد: 41]: مُغَيِّرٌ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {مُتَجَاوِرَاتٌ} [الرعد: 4]: طَيِّبُهَا، وَخَبِيثُهَا السِّبَاخُ. {صِنْوَانٌ} [الرعد: 4] النَّخْلَتَانِ أَوْ أكثَرُ فِي أَصْلٍ وَاحِدٍ، {وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} [الرعد: 4]: وَحْدَهَا. {بِمَاءٍ وَاحِدٍ} [الرعد: 4]: كصَالح بَنِي آدَمَ وَخَبِيثهِمْ، أبوهُمْ وَاحِدٌ. {السَّحَابَ الثِّقَالَ} [الرعد: 12]: الَّذِي فِيهِ الْمَاءُ. {كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ} [الرعد: 14]: يَدْعُو الْمَاءَ بِلِسَانِهِ، وَيُشِيرُ إِلَيْهِ بيده، فَلَا يَأْتِيهِ أَبَدًا. {فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} [الرعد: 17]: تَمْلأُ بَطْنَ وَادٍ. {زَبَدًا رَابِيًا} [الرعد: 17]: زَبَدُ السَّيْلِ، خَبَثُ الْحَدِيدِ وَالْحِلْيَةِ. (سورة الرعد). ({الْمَثُلَاتُ} واحدها مَثُلَة): أي: كسَمُرَة وسَمُرَات، وهي العقوبة الواضحة. ({جُفَاءً} يقال: (أجفأَتِ القدرُ: إذا غَلَتْ، فعلاها الزبدُ): قيل: المشهور في اللغة جَفَأتِ [القدرُ: إذا ألقَتْ بزبدها عندَ الغليان، وأجفأ لغةٌ فيه، وجفأتُ] (¬1) أنا القدرَ: إذا أَمَلْتُها فصببتُ ما فيها (¬2)، ولا يقال: أَجْفَأْتُها (¬3). {أَفَلَمْ يَيْأَسِ}: لم يَتَبينْ): كذا قال أبو عبيد: ألم يعلمْ ويتبينْ. وقال الفراء: لم يُسمع يئستُ بمعنى: علمْتُ، ورُدَّ بأنه نافٍ، وأبا عُبيد مُثْبِت (¬4). ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬2) في "ج": "قضيت ما فيها". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 940). (¬4) المرجع السابق، (2/ 941).

باب: قوله تعالى: {الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام} [الرعد: 8]

({سَلَامٌ عَلَيْكُمْ}؛ أي: يقولون: سلامٌ عليكم): قال الزركشي: الأحسنُ تقدير: يدخلون قائلين سلامٌ عليكم، فالجملة محكية بقول مضمر، والقولُ (¬1) المضمَرُ حالٌ من فاعل يدخلون (¬2). [قلت: وعبارة البخاري لا تأبى ما قاله؛ لجواز جعل "يقولون" جملة حالية من فاعل "يدخلون"؛ أي: يدخلون] (¬3) في حالة كونهم يقولون، وليس الخلاف بين (¬4) التقديرين إلا بجعل الحال مفردة في الأول دون الثاني، فإن كانت الأحسنية من حيث إن الأصل في الحال أن تكون مفردة؛ لعراقةِ (¬5) المفردة من الإعراب، وتطفُّل الجملة عليه بموقعها موقعَه، فيمكن، والأمرُ في ذلك قريب، ويحتمل أن يجعل "يقولون" خبرًا ثانيًا عن الملائكة، لا حالًا. * * * باب: قوله تعالى: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ} [الرعد: 8] 2296 - (4697) - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ، لَا يَعْلَمُ ¬

_ (¬1) في "ج": "يقول مضمن القول". (¬2) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬4) "الخلاف بين" ليست في "ع". (¬5) في "ج": "كعرافة".

مَا فِي غَدٍ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا يَعْلَمُ مَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا يَعْلَمُ مَتَى يَأْتِي الْمَطَرُ أَحَد إِلَّا اللَّهُ، وَلَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ، وَلَا يَعْلَم مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا اللَّهُ". ({مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} [الأنعام: 59]): أي: خَزائِنُه.

سورة إبراهيم

سورة إِبْرَاهِيمَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {هَادٍ} [الرعد: 7]: داعٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {صَدِيدٍ} [إبراهيم: 16]: قَيْحٌ وَدَمٌ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: {اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} [إبراهيم: 6]: أَيَادِيَ اللَّهِ عِنْدكُمْ وَأيَّامَهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} [إبراهيم: 34]: رَغِبْتُمْ إِلَيْهِ فِيهِ. {وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا} [إبراهيم: 3]: يَلْتَمِسُونَ لَهَا عِوَجًا. {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ} [إبراهيم: 7]: أَعْلَمَكُمْ، آذَنكُمْ. {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} [إبراهيم: 9]: هَذَا مَثَلٌ، كَفُّوا عَمَّا أُمِرُوا بِهِ. {مَقَامِي} [إبراهيم: 14]: حَيْثُ يُقِيمُهُ اللَّهُ بَيْنَ يَدَيْهِ. {مِنْ وَرَائِهِ} [إبراهيم: 16]: قُدَّامِهِ. {لَكُمْ تَبَعًا} [إبراهيم: 21]: وَاحِدُهَا تَابِعٌ، مِثْلُ غَيَبٍ وَغَائِبٍ. {بِمُصْرِخِكُمْ} [إبراهيم: 22]: اسْتَصرَخَنِي: اسْتَغَاثَنِي. {يَسْتَصْرِخُهُ} [القصص: 18]: مِنَ الصُّراخِ. {وَلَا خِلَالٌ} [إبراهيم: 31]: مَصْدَرُ خَالَلْتُهُ خِلَالًا، وَيَجُوزُ -أَيضًا- جَمعُ خُلَّةٍ وَخِلَالٍ. {اجْتُثَّتْ} [إبراهيم: 26]: اسْتُؤْصِلَتْ. (سورة إبراهيم). ({مِنْ وَرَائِهِ}: قدامه): هذا قول أبي عبيدة، ويراه من الأضداد، وأنكره ابن عرفة. وقال الأزهري في قوله: {مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ} [إبراهيم: 16] معناه: ما توارى عنه، واستتر (¬1)، ومنه قولُ النابغة: ¬

_ (¬1) في "ع": "استتروا".

باب: {ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا} الآية [إبراهيم: 28]

وَلَيْسَ وَرَاءَ اللهِ لِلْمَرْءِ (¬1) مذهبُ أي: بعدَ الله تعالى (¬2). ({اجْتُثَّتْ} استُؤْصِلت): أي: قُطعت جُثَّتُها بكمالها. * * * باب: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا} الآية [إبراهيم: 28] 2297 - (4700) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ: سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا} [إبراهيم: 28]، قَالَ: هُمْ كفَّارُ أَهْلِ مَكَّةَ. (سمع ابن عباس: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا}، قال: هم كفارُ مكة): وروي (¬3) عنه (¬4) في المغازي: هم والله كفارُ قريش، قال عمر: وهم قريشٌ، ونعْمَةَ الله: هو محمد -عليه الصلاة والسلام- (¬5). ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "للعبد". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 943). (¬3) "وروي" ليست في "ع". (¬4) في "ع": "عنهم". (¬5) رواه البخاري (3977).

سورة الحجر

سورة الحِجْرِ وَقَالَ مُجَاهِد: {صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ} [الحجر: 41]: الْحَقُّ يَرْجِعُ إِلَى اللَّهِ، وَعَلَيْهِ طَرِيقُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَعَمْرُكَ} [الحجر: 72]: لَعَيْشُكَ. {قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} [الحجر: 62]: أَنْكَرَهُمْ لُوطٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ: {كِتَابٌ مَعْلُومٌ} [الحجر: 4]: أَجَل. {لَوْ مَا تَأْتِينَا} [الحجر: 7]: هَلا تأتِينَا. {شِيَعِ} [الحجر: 10]: أُمَمٌ، وَللأَوْلياءَ أَيْضًا شِيعٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {يُهْرَعُونَ} [هود: 78]: مُسْرِعِينِ. {لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر: 75]: لِلنَّاظِرِينَ. {سُكِّرَتْ} [الحجر: 15]: غُشِّيَتْ. {بُرُوجًا} [الحجر: 16]: مَنَازِلَ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ. {لَوَاقِحَ} [الحجر: 22]: مَلَاقح مُلْقَحَةً. {حَمَإٍ} [الحجر: 26]: جَمَاعَةُ حَمْأَةٍ، وَهْوَ الطِّينُ الْمُتغَيِّرُ، وَالْمَسْنُونُ الْمَصْبُوب. {تَوْجَلْ} [الحجر: 53]: تَخَفْ. {دَابِرَ} [الحجر: 66]: آخِرَ. {لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ} [الحجر: 79]: الإمَام: كُلُّ مَا ائتمَمْتَ وَاهْتَدَيْتَ بِهِ. {الصَّيْحَةُ} [الحجر: 83]: الْهَلَكَةُ. (سورة الحجر). (وقال عن مجاهد): ويقع في بعض الأصول: "وقال مجاهد". ({سُكِّرَتْ}: غُشِّيَتْ): هذا قول أبي عبيدة، وهو مأخوذ من السُّكْر بالشراب (¬1). قلت: أو من قولهم: سَكَرْتُ النهرَ أَسْكُرُهُ سَكْرًا: إذا سَدَدْتُهُ. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 945).

باب قوله تعالى: {إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين} [الحجر: 18]

باب قوله تعالى: {إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ} [الحجر: 18] 2298 - (4701) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "إِذَا قَضَى اللَّهُ الأَمْرَ فِي السَّمَاءَ، ضَرَبَتِ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلهِ، كَالسِّلْسِلَةِ عَلَى صَفْوَانٍ -قَالَ عَلِي: وَقَالَ غَيْرُهُ: صَفْوَانٍ يَنْفُذُهُمْ ذَلِكَ-، فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ، قَالُوا: مَاذَا قَالَ رَبكُّمْ؟ قَالُوا لِلَّذِي قَالَ: الْحَقَّ، وَهْوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ. فَيَسْمَعُهَا مُسْتَرِقُو السَّمْعِ، وَمُسْتَرِقُو السَّمْعِ هَكَذَا وَاحِدٌ فَوْقَ آخَرَ -وَوَصَفَ سُفْيَانُ بِيَدِهِ، وَفَرَّجَ بَيْنَ أَصَابع يَدِهِ الْيُمْنَى، نصبَهَا بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضٍ-، فَرُبَّمَا أَدْرَكَ الشِّهَابُ الْمُسْتَمِعَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ بِهَا إِلَى صَاحِبِهِ، فَيُحْرِقَهُ، وَرُبَّمَا لَمْ يُدْرِكْهُ حَتَّى يَرْمِيَ بِهَا إِلَى الَّذِي يَلِيهِ، إِلَى الَّذِي هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُ، حَتَّى يُلْقُوهَا إِلَى الأَرْضِ -وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى الأَرْضِ-، فتُلْقَى عَلَى فَم السَّاحِرِ، فَيَكْذِبُ مَعَهَا مِئَةَ كذْبَةٍ، فَيَصْدُقُ، فَتقُولُونَ: أَلَمْ يُخْبِرْنَا يَوْمَ كذَا وَكَذَا، يَكُونُ كَذَا وَكَذَا، فَوَجَدْنَاهُ حَقًّا؟ لِلْكَلِمَةِ الَّتِي سُمِعَتْ مِنَ السَّمَاءَ". (خُضعان): -بضم الخاء المعجمة-: مصدر خَضَعَ، كالغُفْران، والحُسْبان. قال الزركشي: إلا أنه لم يصرفه، وهو منصرفٌ (¬1). قلت: لعله كتبه بدون ألف على لغة من يقف على المنصوب المنون بتسكين آخره؛ مثل: ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 945).

باب: قوله: {الذين جعلوا القرآن عضين} [الحجر: 91]

جَعَلَ القَيْنُ عَلَى الدُّفِّ إِبَرْ وقد رأيته كذلك في بعض النسخ بدون ألف، وكَتب على النون فتحتين إشارة إلى ما قلناه، وفي بعضها: "خُضْعانًا"، بالألف. (فإذا فُزِّعَ عن قلوبهم): أي: سُلِبَ الفَزَعُ منها، فالتضعيفُ فيه للسَّلْبِ؛ مثل: قَرَّدْتُ (¬1) البعيرَ: إذا أزلتُ قُرادَهُ. * * * باب: قوله: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} [الحجر: 91] {الْمُقْتَسِمِينَ} [الحجر: 90]: الَّذِينَ حَلَفُوا، وَمِنْهُ {لَا أُقْسِمُ} [القيامة: 1]: أَيْ: أُقْسِمُ، وَتُقْرَأُ: "لأُقْسِمُ". {وَقَاسَمَهُمَا} [الأعراف: 21]: حَلَفَ لَهُمَا، وَلَمْ يَحْلِفَا لَهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {تَقَاسَمُوا} [النمل: 49]: تَحَالَفُوا. (ومنه: {لَا أُقْسِمُ}: أي: أقسم): يريد أن "لا" زائدة، وهو قول ابن عباس وغيرِه. (وتقرأ: لأقسم): هي قراءةٌ لابن (¬2) كثير من السبعة. قال الزركشي: والجمهورُ ضعّفوها؛ لأن اللام يصحبها النون في القسم (¬3). قلت: هذا على إطلاقه غيرُ صحيح، بل قد توجد اللام وتمتنع ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "قردة". (¬2) في "ع" و"ج": "ابن". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 946).

باب: {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} [الحجر: 99]

النون، وذلك مع التنفيس؛ نحو: {لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا} [مريم: 66]، ومع تقديم المعمول بين اللام والفعل؛ نحو (¬1): {وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} [آل عمران: 158]. ومع كون الفعل للحال؛ نحو: لأقسم (¬2)؛ كقراءة ابن كثير هذه، وإنما قدر البصريون هنا مبتدأ؛ لأنهم لا يجيزون لمن قصدَ الحال أن يقسم إلا على الجملة الاسمية، فإذن قراءة ابن كثير صحيحة، إما على أن تُجعل اللام داخلة على الفعل الحالي، فتمتنع النون، أو تجعلها داخلة على مبتدأ محذوف، فتمتنع النون أيضًا، فعلى كل تقدير لا إشكالَ فيها أَلبتة. * * * باب: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99] قَالَ سَالِمٌ: الْيقِينُ: الْمَوْتُ. (قال سالم: اليقينُ: الموتُ): قيل: ليس اليقين من أسماء الموت، وإنما العلمُ به يقينٌ لا يُمترى فيه، فسُمِّيَ يقينًا تجوُّزًا (¬3). ¬

_ (¬1) "نحو" ليست في "ج". (¬2) في "ج": "لا أقسم". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 946).

سورة النحل

سورة النَّحْلِ {رُوحُ الْقُدُسِ} [النحل: 102]: جِبْرِيلُ، {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} [الشعراء: 193]. {فِي ضَيْقٍ} [النحل: 127]: يُقَالُ: أَمْر ضَيْق وَضَيِّق، مِئْلُ هَيْنٍ وَهَيِّنٍ، وَلَيْنٍ وَلَيِّنٍ، وَمَيْتٍ وَمَيِّتٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {فِي تَقَلُّبِهِمْ} [النحل: 46]: اخْتِلَافِهِمْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {تَمِيدَ} [النحل: 15]: تَكَفَّأُ. {مُفْرَطُونَ} [النحل: 62]: مَنْسِيونَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل: 98]: هَذَا مُقَدَّمٌ وَمُؤَخَّر، وَذَلِكَ أَنَّ الاِسْتِعَاذَةَ قَبْلَ الْقِراءَةِ، وَمَعْنَاهَا: الاِعْتِصَامُ بِاللَّهِ. {قَصْدُ السَّبِيلِ} [النحل: 9]: الْبَيَانُ. الدِّفْءُ: مَا اسْتَدْفَأْتَ. {تُرِيحُونَ} [النحل: 6]: بِالْعَشِيِّ، وَ {تَسْرَحُونَ} [النحل: 6]: بِالْغَدَاةِ. {بِشِقِّ} [النحل: 7]: يَعْنِي: الْمَشَقَّةَ. {عَلَى تَخَوُّفٍ} [النحل: 47]: تَنَقُّصٍ. {الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً} [النحل: 66]: وَهيَ تُؤَنَّثُ وَتُذَكَّرُ، كَذَلِكَ: النَّعَمُ لِلأَنْعَامِ جَمَاعَةُ النَّعَم. {سَرَابِيلَ} [النحل: 81]: قُمُص {تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ} [النحل: 81]: فَإِنَّهَا الدُّرُوعُ. {دَخَلًا بَيْنَكُمْ} [النحل: 92]: كُلُّ شَيْءٍ لَمْ يَصِحَّ فَهْوَ دَخَل. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَحَفَدَةً} [النحل: 72]: مَنْ وَلَدَ الرَّجُلُ. السَّكَرُ مَا حُرِّمَ مِنْ ثَمَرتهَا، وَالرِّزْق الْحَسَنُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ صَدَقَةَ: {أَنْكَاثًا} [النحل: 92]: هِيَ خَرْقَاءُ، كَانَتْ إِذَا أَبْرَمَتْ غَزْلَهَا، نَقَضَتْهُ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الأُمَّةُ مُعَلِّمُ الْخَيْرِ.

(سورة النحل). ({تَمِيدَ}: تكفَأ): ضبطه بعضهم بضم المثناة الفوقية وفتح الفاء، وضبطه آخرون بفتح المثناة والكاف وتشديد الفاء بعدها همزة. قال السفاقسي: وهو أشبه. وقيل: تميد: تتحرك (¬1). ({فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل: 98] هذا مقدَّم ومؤخَّر، وذلك أن الاستعاذة قبل القراءة): [فالمعنى حينئذ: فإذا استعذت بالله، فاقرأ القرآن. وفيه نظر؛ لأنه يلزم أن يكون] (¬2) الإنسان مأمورًا بقراءة القرآن عند الاستعاذة، والمشهور في الآية أن المعنى: فإذا أردت القراءة، فاستعذ. قال الشيخ بهاءُ الدين السبكيُّ في "شرح التلخيص": وعليه (¬3) سؤال، وهو أن الإرادة إن أُخذت مطلقا، لزم استحبابُ الاستعاذة بمجرد إرادة القراءة، حتى لو أراد، ثم عَنَّ له أن لا يقرأ، يُستحب له الاستعاذةُ، وليس كذلك (¬4)، وإن أُخذت الإرادة بشرط اتصالها بالقراءة، استحال تحققُ العلم بوقوعها، ومُنع (¬5) حينئذ استحبابُ الاستعاذة قبل القراءة. قلت: بقي عليه قسم آخر باختياره يزول الإشكال، وذلك أنَّا ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 946). (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬3) في "ع": "وهو". (¬4) في "ج": "بمجرد ذلك". (¬5) في "ع" و"ج": "ويمتنع".

لا نأخذ الإرادة مطلقًا، ولا نشترط اتصالها بالقراءة، وإنما نأخذها مقيدةً بأن لا يَعِنَّ له صارف عن القراءة، فلا يلزم حينئذ استحبابُ الاستعاذة بعد طروِّ العزم على عدم القراءة، ولا يلزم أيضًا استحالةُ تحققِ العلم بوقوعها، فزال الإشكال، ولله الحمد. (قال ابن عباس: {وَحَفَدَةً} [النحل: 72]: مَنْ ولدَ الرجلَ): وقال ابن قتيبة: الحفَدَةُ: الخَدَمُ والأَعوانُ (¬1)، ويقال: الحفَدَةُ: الأصهار (¬2). (السَّكَرُ: ما حُرِّمَ من ثمرتها): وفي نسخة: "من شربها". (والرزقُ الحسنُ: ما أحلَّ الله): قال النحاس: هذه الرواية معناها الإخبار بأنهم يفعلون ذلك؛ لأنهم أُذن لهم فيه، قال: وهي رواية ضعيفة؛ لأن راويها عمرو بن سفيان. وقال ابن قتيبة: سَكَرًا؛ أي: خَمْرًا، ونزل هذا قبلَ تحريم الخمر؛ لأن النحلَ مكيةٌ، وتحريم الخمر كان بالمدينة (¬3). (وقال ابن عيينة عن صدقة: {أَنْكَاثًا}: هي خرقاء، كانت إذا أبرمَتْ غَزْلَها، نقضته): قيل: هي رَيْطَةُ بنتُ سعدِ بنِ تميمٍ، وكانت خرقاءَ، اتخذت مِغْزلًا قدرَ (¬4) ذِراع، وصنارة مثلَ أصبع، وفلكة عظيمة على قدرها، وكانت تغزل هي وجواريها من الغداة إلى الظهر، ثم تأمرهن فينقضن ما غزلن. وقال مقاتل: هذه قرشية، اسمها ريطَةُ بنتُ عَمْرِو بنِ كَعْبٍ. ¬

_ (¬1) انظر: "غريب الحديث" (1/ 484). (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 947). (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 947). (¬4) في "ع": "وقدر".

باب: قوله تعالى: {ومنكم من يرد إلى أرذل العمر} [النحل: 70]

وذكر السهيلي أنها بنتُ سعدِ بنِ زيدِ مناةَ، وجزم به ابن التين، وزعم غيره أنها ريطة بنتُ عمر بنِ سعدٍ. روى ابن مردويه في "تفسيره": عن ابن عباس: أنها نزلت في التي كانت تُصْرَع، وخَيَّرَها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بين الصبر، والدعاء لها، فاختارت الصبر والجنة (¬1). باب: قوله تعالى: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} [النحل: 70] 2299 - (4707) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مُوسَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الأَعْوَرُ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَدْعُو: "أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ وَالْكَسَلِ، وَأَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَفِتْنَةِ الدَّجَّالِ، وَفِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ". (وأرذل العمر): هو أن يهرم حتى ينقصَ عقلُه. ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (22/ 524).

سورة بني إسرائيل

سورة بَنِي إِسْرَائِيلَ 2300 - (4708) - حَدَّثَنَا آدَمُ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه -، قَالَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْكَهْفِ وَمَرْيَمَ: إِنَّهُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ الأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {فَسَيُنْغِضُونَ} [الإسراء: 51]: يَهُزُّونَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: نَغَضَتْ سِنُّكَ؛ أَيْ: تَحَرَّكَتْ. (سورة بني إسرائيل). (وقال في بني إسرائيل والكهف ومريم: إنهن من العتاق الأول): زاد في فضائل القرآن: وطه، والأنبياء. والعتاق: جمع عَتيق، وهو كلُّ ما بلغ الغاية في الجودة، وأراد: أن نزولهن متقدم بمكة، وأنهن من أول ما تُعلَّم من القرآن (¬1). (وهن (¬2) من تلادي): أي: ما حفظته من القرآن قديمًا، والتِّلادُ ما كان قديمَ المِلْك، والطارف: ما كان حديثَ الملك. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 948). (¬2) في "ع" و"ج": "وإنهن".

باب: {وقضينا إلى بني إسرائيل} [الإسراء: 4]

باب: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الإسراء: 4]: أَخْبَرْنَاهُمْ أَنَّهُمْ سَيُفْسِدُونَ، وَالْقَضَاءُ عَلَى وُجُوهٍ؛ {وَقَضَى رَبُّكَ} [الإسراء: 23]: أَمَرَ رَبُّكَ. وَمِنْهُ: الْحُكْمُ {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ} [يونس: 93]. وَمِنْهُ: الْخَلْقُ: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [فصلت: 12] {نَفِيرًا} [الإسراء: 6]: مَنْ يَنْفِرُ مَعَهُ. {وَلِيُتَبِّرُوا} [الإسراء: 7]: يُدَمِّرُوا {مَا عَلَوْا} [الإسراء: 7]. {حَصِيرًا} [الإسراء: 8]: مَحْبِسًا، مَحْصَرًا. {حَقَّ} [البقرة: 121]: وَجَبَ. {مَيْسُورًا} [الإسراء: 28]: لَيِّنًا. {خِطْئًا} [الإسراء: 31]: إِثْمًا، وَهْوَ اسْمٌ مِنْ خَطِئْتُ، وَالْخَطَأُ -مَفْتُوحٌ- مَصْدَرُهُ مِنَ الإثْمِ، خَطِئْتُ بِمَعْنَى: أَخْطَأْتُ. {تَخْرِقَ} [الإسراء: 37]: تَقْطَعَ. {وَإِذْ هُمْ نَجْوَى} [الإسراء: 47]: مَصْدَرٌ مِنْ نَاجَيْتُ، فَوَصَفَهُمْ بِهَا، وَالْمَعْنَى: يتَنَاجَوْنَ. {وَرُفَاتًا} [الإسراء:49]: حُطَامًا. {وَاسْتَفْزِزْ} [الإسراء: 64]: اسْتَخِفَّ. {بِخَيْلِكَ} [الإسراء: 64]: الْفُرْسَانِ، وَالرَّجْلُ: الرَّجَّالَةُ، وَاحِدُهَا رَاجِلٌ، مِثْلُ صَاحِبٍ وَصَحْبٍ، وَتَاجِرٍ وَتَجْرٍ. {حَاصِبًا} [الإسراء: 68]: الرِّيحُ الْعَاصِفُ، وَالْحَاصِبُ أَيْضًا: مَا تَرْمِي بِهِ الرِّيحُ، وَمِنْهُ: {حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98]: يُرْمَى بِهِ فِي جَهَنَّمَ، وَهْوَ حَصَبُهَا، وَيُقَالُ: حَصَبَ فِي الأَرْضِ: ذَهَبَ، وَالْحَصَبُ: مُشْتَقٌّ مِنَ الْحَصْبَاءَ وَالْحِجَارَةِ. {تَارَةً} [الإسراء: 69]: مَرَّةً، وَجَمَاعَتُهُ: تِيَرَةٌ، وَتَارَاتٌ. {لَأَحْتَنِكَنَّ} [الإسراء: 62]: لأَسْتَأْصِلَنَّهُمْ، يُقَالُ: احْتَنَكَ فُلَانٌ مَا عِنْدَ فُلَانٍ مِنْ عِلْمٍ: اسْتَقْصَاهُ. {طَائِرَهُ} [الإسراء: 13]: حَظُّهُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كلُّ سُلْطَانٍ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ حُجَّةٌ. ({نَفِيًرا}: من ينفر معه): قيل: هو بمعنى نافِر؛ كقدير وقادِر، وقيل: جمع نَفْر؛ كعَبْد وعَبيد.

باب: قوله: {أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام} [الإسراء:1]

({خِطْئًا}: إثمًا، وهو اسمٌ من خَطِئْتُ، والخَطَأُ -مفتوح- مصدرُه من الإثم، خَطِئْت بمعنى: أخطأت (¬1)): نوزع البخاري في جعله خِطْئًا -بكسر الخاء- اسمَ مصدر؛ وقيل: بل هو مصدر؛ كأثِمَ يأثَمُ إِثْمًا: إذا تعمَّدَ الذنبَ، ونوزع -أيضًا- في ادعائه أن المفتوح الخاء مصدرٌ بمعنى: الإثم، وقيل: بل هو اسمُ مصدر من أخطأ: إذا لم يصب، والفتح قراءةُ ابن ذكوان، والمعنى فيها (¬2): أن قتلهم كان غيرَ صواب، واستبعادها بأن الخِطء: ما لم يتعمد مندفعٌ بأن الخِطء: قد (¬3) يكون بمعنى: عدم الصواب، وهو المراد هنا (¬4). ({حَصِيًرا}: مَحْبِسًا): بفتح الميم وكسر الباء الموحدة. باب: قوله: {أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الإسراء:1] 2301 - (4709) - حَدَّثَنَا عَبْدَان، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ. (ح) وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ بِإِيلِيَاءَ بِقَدَحَيْنِ مِنْ خَمْرٍ وَلَبَنٍ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا، فَأَخَذَ اللَّبَنَ، قَالَ جِبْرِيلُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ، لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ، غَوَتْ أُمَّتُكَ. ¬

_ (¬1) في "ع": "خطأت". (¬2) "فيها" ليست في "ج". (¬3) "قد" ليست في "ج". (¬4) انظر: التنقيح (2/ 949).

باب: قوله -عز وجل- {ولقد كرمنا بني آدم} [الإسراء: 70]

(لو أخذتَ الخمرَ، غوتْ أمتك): قال ابن مالك: يظن بعضُ النحويين أن لام جواب لو في نحو: لو فعلت، لفعلت، لازمةٌ، والصحيحُ جوازُ حذفِها في أفصح الكلام؛ نحو: {لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ} [الأعراف: 155]، {أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ} [يس: 47] (¬1). * * * باب: قوله -عز وجل- {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70] كَرَّمْنَا وَأَكرَمْنَا وَاحِدٌ. {ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} [الإسراء: 75]: عَذَابَ الْحَيَاةِ، وَعَذَابَ الْمَمَاتِ. {خِلَافَكَ} [الإسراء: 76]: وَ {خَلْفَكَ} [يونس: 92]: سَوَاءٌ. {وَنَأَى} [الإسراء: 83]: تَبَاعَدَ. {شَاكِلَتِهِ} [الإسراء: 84]: نَاحِيَتِهِ، وَهيَ مِنْ شَكْلِهِ. {صَرَّفْنَا} [الإسراء: 89]: وَجَّهْنَا. {قَبِيلًا} [الإسراء: 92]: مُعَايَنَةً وَمُقَابَلَةً، وَقِيلَ: الْقَابِلَةُ؛ لأَنَّهَا مُقَابِلتهَا، وَتَقْبَلُ وَلَدَهَا. {خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ} [الإسراء: 100]: أَنْفَقَ الرَّجُلُ: أَمْلَقَ، وَنفِقَ الشَّيْءُ: ذَهَبَ. {قَتُورًا} [الإسراء: 100]: مُقَتِّرًا. {لِلْأَذْقَانِ} [الإسراء: 107]: مُجْتَمَعُ اللَّحْيَيْنِ، وَالْوَاحِدُ ذَقَنٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {مَوْفُورًا} [الإسراء: 63]: وَافِرًا. {تَبِيعًا} [الإسراء: 69]: ثَائِرًا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَصِيرًا. {خَبَتْ} [الإسراء: 97]: طَفِئَتْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَلَا تُبَذِّرْ} [الإسراء: 26]: لَا تُنْفِقْ فِي الْبَاطِلِ. {ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ} [الإسراء: 28]: رِزْقٍ. {مَثْبُورًا} [الإسراء: 102]: مَلْعُونًا. {وَلَا تَقْفُ} [الإسراء: 36]: لَا تَقُلْ. {فَجَاسُوا} [الإسراء: 5]: تَيَمَّمُوا. يُزْجِي الْفُلْكَ: ¬

_ (¬1) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 179).

باب: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها} الآية [الإسراء: 16]

يُجْرِي الْفُلْكَ. {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ} [الإسراء: 107]: لِلْوُجُوه. (نفَق الشيء: ذهب): بفتح الفاء في اللغة الفصحى، ويقال بكسرها. ({لِلْأَذْقَانِ}: مُجتمَع اللَّحْيين): مُجتمَع: اسم مكان -بضم الميم الأولى وفتح الثانية-؛ أي: محلّ اجتماعِ اللَّحْيين -بفتح اللام وكسرها-. (والواحدُ ذقَن): بفتح القاف. * * * باب: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} الآية [الإسراء: 16] 2302 - (4711) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُنَّا نقُولُ لِلْحَيِّ إِذَا كَثُرُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ: أَمِرَ بَنُو فُلَانٍ. حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، وَقَالَ: أَمِرَ. (كنا نقول للحَيِّ إذا كثُروا في الجاهلية: أَمر (¬1) بنو فلان): -بكسر الميم-، فإذا أريد تعديته بالهمزة، قيل: آمرنا -بالمد-، لكن القراءة إنما هي بفتح الميم وهمزة لا مدَّ معها. قال السفاقسي: لكن حكى أبو حاتم عن أبي زيد: أنه يقال: أَمَرَ الله مالَهُ، وأَمِرَهُ -بفتح الميم [وكسرها-: إذا كَثَّرَهُ (¬2). فعلى هذا تتخرج هذه القراءة بهذا المعنى. ¬

_ (¬1) في "ع": "إذا أمر". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 950).

باب: {ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا} [الإسراء: 3]

(ثنا سفيان، وقال: أَمرَ): ضبط -بفتح الميم] (¬1) -، واستشكله السفاقسي؛ لأنه لا يقال بالفتح؛ بمعنى كَثُر، وليس الأمرُ كما قال (¬2). * * * باب: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [الإسراء: 3] 2303 - (4712) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِلَحْمِ، فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ، وَكَانَتْ تُعْجبُهُ، فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً، ثُمَّ قَالَ: "أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذَلِكَ؟ يُجْمَعُ النَّاسُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَيَنْفُذهُمُ الْبَصَرُ، وَتَدْنوُ الشَّمْسُ، فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لَا يُطِيقُونَ وَلَا يَحْتَمِلُونَ، فَيَقُولُ النَّاسُ: أَلَا تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ؟ أَلَا تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ؟ فَئقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: عَلَيْكُمْ بِآدَمَ، فَيَأْتُونَ -آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَيَقُولُونَ لَهُ: أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ آدَمُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ نهانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ، نَفْسِي نَفْسِي نفسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى نوُحٍ. فَيَأْتُونَ نوُحًا، فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ! إِنَّكَ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬2) المرجع السابق، والموضع نفسه.

أَهْلِ الأَرْضِ، وَقَدْ سَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّي -عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُهَا عَلَى قَوْمِي، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ. فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُونَ: يَا إِبْرَاهِيمُ! أَنْتَ نبَيُّ اللَّهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي قَدْ كُنْتُ كَذَبْتُ ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ -فَذَكَرَهُنَّ أَبُو حَيَّانَ فِي الْحَدِيثِ- نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى، فَيَأْتُونَ مُوسَى، فَيَقُولُونَ: يَا مُوسَى! أَنْتَ رَسُولُ اللهِ، فَضلَكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلَامِهِ عَلَى النَّاسِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي قَدْ قتلْتُ نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا، نَفْسِي نَفْسِي نفسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى. فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ: يَا عِيسَى! أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، وَكَلِمَتُهُ ألقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، وَرُوحٌ مِنْهُ، وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا، اشْفَعْ لنا، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ عِيسَى: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ -وَلَمْ يَذْكُرْ ذَنْبًا- نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -. فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم -، فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ! أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، وَخَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ، فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي -عَزَّ وَجَلَّ-، ثُمَّ

باب: قوله تعالى: {وآتينا داوود زبورا} [الإسراء: 55]

يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ! ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ: أُمَّتِي يَا رَبِّ، أمُّتِي يَا رَبِّ، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ! أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْبَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأَبْوَابِ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَحِمْيَرَ، أَوْ: كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى". (كما بين مكة وحمير): قيل: يريد: صَنْعاءَ؛ لأنها بلدُ حِمْير. * * * باب: قوله تعالى: {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} [الإسراء: 55] 2304 - (4713) - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نصرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "خُفِّفَ عَلَى دَاوُدَ الْقِرَاءَةُ، فَكَانَ يَأْمُرُ بِدَابَّتِهِ لِتُسْرَجَ، فَكَانَ يَقْرَأُ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ" يَعْنِي: الْقُرْآنَ. (فكان يقرأ قبل أن يفرغ؛ يعني: القرآن): والمراد: الزَّبور الذي أُوتيه داودُ. * * * باب: قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ} الآية [الإسراء: 56] 2305 - (4714) - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا

باب: قوله تعالى: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس} [الإسراء: 60]

سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: {إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} [الإسراء: 57]، قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنَ الإنْسِ يَعْبُدُونَ نَاسًا مِنَ الْجِنِّ، فَأَسْلَمَ الْجنُّ، وَتَمَسَّكَ هَؤُلَاءِ بِدِينِهِمْ. زَادَ الأَشْجَعِيُّ: عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ} [الإسراء: 56]. (وكان ناس من الإنس يعبدون ناسًا من الجن): قال الزركشي: استشكله السفاقسي؛ لأن الجنَّ لا يسمَّون ناسًا، وأقر كلامه (¬1). قلت: في "الصحاح": والناس قد يكون من الإنس والجن (¬2)، فهذا نصٌّ صريح في خلاف ما قاله، ولو سلم أن الجن لا يسمون ناسًا، فهذا من المشاكلة؛ نحو: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116] على ما تقرر في فن البديع. * * * باب: قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60] 2306 - (4716) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه -: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60]، قَالَ: هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ، أُرِيَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ أسري به. {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ} [الإسراء: 60]: شَجَرَةُ الزَّقُّومِ. {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً} [الإسراء: 60]، قال ابن عباس: ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 951). (¬2) انظر: "الصحاح" (3/ 987)، (مادة: نوس).

باب: قوله تعالى: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [الإسراء: 79]

(هي رؤيا عَيْن): فيه ردٌّ صريح على من أنكرَ مجيءَ المصدر من رَأَى البصرية على رؤيا؛ كالحريري، وغيره، وقالوا: إنما يقال في البصرية: رُؤْيَة، وفي الحُلمية: رؤيا. * * * باب: قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] 2307 - (4718) - حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ آدَمَ بْنِ عَلِي، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- يَقُولُ: إِنَّ النَّاسَ يَصِيرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جُثًا، كُلُّ أُمَّةٍ تَتْبَعُ نبَيَّهَا، يَقُولُونَ: يَا فُلَانُ! اشْفَعْ، حَتَّى تَنْتَهِيَ الشَّفَاعَةُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَلِكَ يَوْمَ يَبْعَثُهُ اللَّهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ. (جُثًا): -بجيم مضمومة وثاء مثلثة مخففة-: جمع جُثْوَة؛ كخُطوة وخُطًا، وأصلُه كلُّ شيء يجتمع. قال ابن الأثير: وتروى هذه اللفظة: "جُثًّى" بتشديد المثلثة، جمع جاثٍ، وهو الذي يجلس على ركبتيه (¬1). * * * 2308 - (4719) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: ¬

_ (¬1) انظر "النهاية في غريب الحديث" (1/ 239).

باب: قوله تعالى {وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا} [الإسراء: 81]

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ". (وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته): "الذي" إما بدلٌ مما (¬1) تقدم (¬2) على طريقة إبدال المعرفة من النكرة، أو صفة للنكرة؛ لأنها وصفت كما هو رأي الأخفش. (حلت له شفاعتي): أي: غَشِيَتْه، ونزلَتْ به؛ من الحُلُول، وقيل: وَجَبَتْ له، وحَقَّتْ (¬3). * * * باب: قوله تعالى {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81] 2309 - (4720) - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبي نَجيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ، وَحَوْلَ الْبَيْتِ سِتُّونَ وَثَلَاثُ مِئَةِ نُصُبٍ، فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ وَيَقُولُ: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81]. {جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} [سبأ: 49]. (وحول البيت ستون وثلاثُ مئة نصب): قال الزركشي: كذا وقع في ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "ما". (¬2) في "ج": "تقدم نظر فيه". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 951).

باب: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي} [الإسراء: 85]

الأصل بغير ألف، والوجه: نُصُبًا، وهو منصوب على التمييز. قلت: عندنا عددان كُلٌّ منهما يحتاج إلى مميز، فالأولُ مميِّرُه منصوب، والثاني مميزه مجرور، [فإن عنى أنه مميز لكلا العددين، فخطأ، والظاهر أنه مجرور] (¬1)؛ كما وقع في بعض النسخ تمييز لثلاث مئة، ومميزُ "ستون" محذوف؛ لوجود الدالِّ عليه. ثم قال: ولا وجهَ للرفع؛ إذ لو (¬2) رُفع، لكان صفة، والواحدُ لا يقع صفةً للجمع (¬3). قلت: لم ينحصر وجهُ الرفع (¬4) فيما ذكر حتى يتعين فيه الخطأ؛ لجواز أن يكون "نُصُب" خبر مبتدأ محذوف؛ أي: كلٌّ منها نُصُب، وهو بضم النون والصاد، وقد تسكن الصاد، وقد تفتح النون مع سكون الصاد. * * * باب: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: 85] 2310 - (4721) - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غَيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: بَيْنَا أَنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَرْثٍ، وَهْوَ مُتَّكِئٌ عَلَى عَسِيبٍ، إِذْ مَرَّ الْيَهُودُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ؟ فَقَالَ: مَا رَابَكُمْ إِلَيْهِ؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَسْتَقْبِلُكُمْ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ، فَقَالُوا: سَلُوهُ، فَسَأَلُوهُ عَنِ ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬2) في "ع": "لا". (¬3) المرجع السابق، والموضع نفسه. (¬4) في "ع": "عدد الرفع".

الرُّوحِ، فَأَمْسَكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ شَيْئًا، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ، فَقُمْتُ مَقَامِي، فَلَمَّا نَزَلَ الْوَحْيُ، قَالَ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85]. (فسألوه عن الروح، فأمسك النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فلم يردَّ عليهم شيئًا، فعلمتُ أنه يُوحى إليه، فقمت مقامي، فلما نزل الوحي، قال: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ}): التلاوة: {وَيَسْأَلُونَكَ} بإثبات الواو، وظاهر هذا السياق أن الوحي لم يتأخر. وفي "مغازي ابن إسحاق": أنه تأخر خمسَ عشرةَ ليلةً. قيل: ولهذا قال القاضي: قوله: فلما نزل الوحي، كذا ثبت في "صحيح مسلم" (¬1) -أيضًا-، وهو وهمٌ بَيِّنٌ؛ لأنه إنما جاء هذا القول عند انكشاف الوحي، وفي "البخاري" في كتاب: الاعتصام: فلما صعد الوحي، وهو صحيح (¬2). قلت: هذه الإطلاقاتُ صعبةٌ في الأحاديث الصحيحة، لاسيما ما اجتمع على (¬3) تخريجه الشيخان، ولا أدري ما هذا الوهم، ولا كيف هو، ولما: حرف وجود لوجود؛ أي: إن مضمون الجملة الثانية وُجد لأجل وجود (¬4) مضمون الأولى؛ كما تقول (¬5): لما جاءني زيد، أكرمته، فالإكرام وجد لوجود المجيء، كذلك تلاوته -عليه السلام- لقوله تعالى: ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2794). (¬2) رواه البخاري (7297) عن ابن مسعود - رضي الله عنه -. وانظر "مشارق الأنوار" (1/ 17). (¬3) في "ج": "في". (¬4) "وجود" ليست في "ع" و"ج". (¬5) في "ع": "كما يقال".

{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} [الإسراء: 85] الآية كانت لأجل وجود (¬1) إنزالها، ولا يضر في ذلك كونُ الإنزال تأخر عن وقت السؤال. وأما قوله: إن هذا القول إنما كان بعد انكشاف الوحي، فمسلَّم؛ إذ هو لا يتكلم بالمنزل عليه في نفس وقت الإنزال، وإنما يتكلم به بعد انقضاء زمن الوحي. واتحاد زمني (¬2) الفعلين الواقعين في جملتي "لما" غير شرط؛ كما إذا قلت: لما جاءني زيد (¬3)، أكرمته، فلا يشترط في صحة هذا الكلام أن يكون الإكرام والمجيء واقعين في زمن واحد لا يتقدم أحدُهما على الآخر، ولا يتأخر، بل هذا التركيب صحيح إذا كان الإكرام متعقبًا للمجيء (¬4). فإن قلت: لعله بناه على رأي الفارسي ومن تبعه في أن "لما" ظرف بمعنى حين، فيلزم أن يكون الفعل الثاني واقعًا في حين (¬5) الفعل الأول. قلت: ليس مراد الفارسي ولا غيرِه من كونها بمعنى "حين" ما فهمته (¬6) من اتحاد الزمنين باعتبار الابتداء والانتهاء، ألا ترى أنك يصح أن تقول: جئتُ حينَ جاءَ زيدٌ، وإن كان ابتداءُ مجيئك في آخرِ زمنِ (¬7) مجيء زيدٍ، ¬

_ (¬1) في "ع": "كانت لوجود". (¬2) في "ع": "زمن". (¬3) "زيد" ليست في "ع". (¬4) في "ج": "الإكرام والمجيء واقعين متعلقًا بالمجيء". (¬5) في "ع": "خبر". (¬6) في "ع": "فهمه". (¬7) "زمن" ليست في "ج".

ومنتهاه بعد ذلك، والمساحة (¬1) في مثل هذا والمضايقةُ فيه مما لم تُبْنَ لغةُ العرب عليه. ثم تحتمل الآية أن تكون جوابًا لهم عن (¬2) الروح بأنه من أمر الله، ويحتمل أن لا يكون جوابًا لهم عن مقصودهم، وإنما بين لهم (¬3) أن هذا من الأمور التي اختص الله تعالى بها، فلا سؤال لأحد فيها. ¬

_ (¬1) في "ع": "والمساجد". (¬2) في "م": "من". (¬3) "وإنما بين لهم" ليست في "ع".

سورة الكهف

سورة الْكَهْفِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {تَقْرِضُهُمْ} [الكهف: 17] تَتْرُكهُمْ. {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ} [الكهف: 34]: ذَهَبٌ وَفِضَّة، وَقَالَ غَيْرُهُ: جَمَاعَةُ الثَّمَرِ. (سورة الكهف). (قال مجاهد: {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ}: ذهبٌ وفضة): يريد: بضم الثاء (¬1) المثلثة والميم. (وقال غيره: جماعةُ الثمر): يريد: أن جمع ثَمَر على ثِمار، ثم (¬2) جُمع ثِمار (¬3) على ثُمُر، فثُمُر جمعُ الجمع. * * * باب: قوله تعالى: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} [الكهف: 54] 2311 - (4724) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ: أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيِّ أَخْبَرَهُ، عَنْ عَلِيِّ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ، قَالَ: "أَلَا تُصَلِّيَانِ؟ ". {رَجْمًا بِالْغَيْبِ} [الكهف: 22]: لَمْ يَسْتَبِنْ. {فُرُطًا} [الكهف: 28]: ندمًا. {سُرَادِقُهَا} [الكهف: 29]: مِثْلُ السُّرَادِقِ، وَالْحُجْرَةِ الَّتِي تُطِيفُ بِالْفَسَاطِيطِ. {يُحَاوِرُهُ} [الكهف: 34]: مِنَ الْمُحَاوَرَةِ. {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} [الكهف:38]: ¬

_ (¬1) "الثاء" ليست في "ع". (¬2) "ثم" ليست في "ج". (¬3) "ثم جمع ثمار" ليست في "ع".

أَيْ: لَكِنْ أَنَا هُوَ اللَّهُ رَبِّي، ثُمَّ حَذَفَ الأَلِفَ، وَأَدْغَمَ إِحْدَى النُّونينِ فِي الأُخْرى. {زَلَقًا} [الكهف: 40]: لَا يثْببُتُ فِيهِ قَدَم. {هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ} [الكهف: 44]: مَصْدَرُ الْوَليِّ. {عُقْبًا} [الكهف: 44]: عَاقِبةٌ، وَعُقْبَى، وَعُقْبَةٌ وَاحِدٌ، وَهيَ الآخِرةُ. {قُبُلًا} [الكهف: 55]: وَقَبلًا: اسْتِئْنَافًا: {لِيُدْحِضُوا} [الكهف: 56]: لِيُزِيلُوا، الدَّحْضُ: الزَّلَقُ. (طرقه (¬1) وفاطمةَ، قال: ألا تصليان؟): [أشار بطرف الحديث إلى بقيته، وهو: فقال عليٌّ: أنفسُنا بيد الله، إن شاء أطلقها، فخرج النبي] (¬2) - صلى الله عليه وسلم - يقول: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} [الكهف: 54]، واحتج بهذا من قال: إن الآية عامة على من قال: إن المراد بالإنسان (¬3) هنا: الكافرُ. (قِبلًا وقُبُلًا وقَبَلًا (¬4): استئنافًا): قال السفاقسي: لا أعرف هذا التفسير، إنما هو استقبالًا، وهو يعود على الأخيرة؛ يعني: بفتح القاف والباء. وقرأ عاصم والكسائي: "قُبُلَا"، بضمتين. قال الكسائي: عيانًا. وقرأ الباقون بكسر القاف وفتح الباء (¬5). ({لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي}) أي: لكن أنا هو الله ربي، ثم حذف الألف، ¬

_ (¬1) في "ع": "على طرقه". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬3) في "م" و"ج": "الإنسان". (¬4) "وقبلًا" ليست في "ج". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 953).

باب: {وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا} [الكهف: 60]

وأدغم إحدى النونين في الأخرى، لكن حذف الهمزة من أنا حذف اعتباطي؛ أي: لغير علة. وقول بعضهم: نُقلت حركةُ الهمزة إلى النون، ثم حذفت على القياس في التخفيف بالنقل (¬1)، ثم سُكِّنت النون وأُدغمت؛ مردود؛ لأن المحذوف لعلة بمنزلة الثابت، ولهذا تقول: هذا قاضٍ، بالكسر لا بالرفع؛ لأن حذف الياء للساكنين، فهي مقدرة الثبوت، فيمتنع الإدغام؛ لأن الهمزة فاصلة في التقدير (¬2). * * * باب: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} [الكهف: 60] 2312 - (4725) - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو ابْنُ دِينَارٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ نَوْفًا الْبَكَالِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى صَاحِبَ الْخَضِرِ لَيْسَ هُوَ مُوسَى صَاحِبَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ، حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ كعْبٍ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ مُوسَى قَامَ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَسُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا، فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: إِنَّ لِي عَبْدًا بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ، قَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ! فَكَيْفَ لِي بِهِ؟ قَالَ: تَأْخُذُ مَعَكَ حُوتًا، فَتَجْعَلُهُ فِي مِكْتَلٍ، فَحَيْثُمَا ¬

_ (¬1) "بالنقل" ليست في "ع" و"ج". (¬2) المرجع السابق، (2/ 954).

فَقَدْتَ الْحُوتَ، فَهْوَ ثَمَّ، فَأَخَذَ حُوتًا، فَجَعَلَهُ فِي مِكْتَلٍ، ثُمَّ انْطَلَقَ، وَانْطَلَقَ مَعَهُ بِفَتَاهُ يُوشَعَ بْنِ نونٍ، حَتَّى إِذَا أتيَا الصَّخْرَةَ، وَضَعَا رُؤُوسَهُمَا فَنَامَا، وَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فِي الْمِكْتَلِ، فَخَرَجَ مِنْهُ، فَسَقَطَ فِي الْبَحْرِ، فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا، وَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنِ الْحُوتِ جِرْيَةَ الْمَاءَ، فَصَارَ عَلَيْهِ مِثْلَ الطَّاقِ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ، نسيَ صَاحِبُهُ أَنْ يُخْبِرَهُ بِالْحُوتِ، فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتَهُمَا، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ، قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ: {آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} [الكهف: 62]، قَالَ: وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى النَّصَبَ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، فَقَالَ لَهُ فتاهُ: {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا} [الكهف: 63]، قَالَ: فَكَانَ لِلْحُوتِ سَرَبًا، وَلِمُوسَى وَلِفَتَاهُ عَجَبًا، فَقَالَ مُوسَى: {قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} [الكهف: 64]، قَالَ: رَجَعَا يَقُصَّانِ آثَارَهُمَا حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ، فَإِذَا رَجُل مُسَجًّى ثَوْبًا، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى، فَقَالَ الْخَضِرُ: وَأنَّى بِأَرْضِكَ السَّلَامُ؟ قَالَ: أَنَا مُوسَى، قَالَ: مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نعمْ، أَتَيْتُكَ لِتُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا، قَالَ: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} [الكهف: 67]، يَا مُوسَى! إِنِّي عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْم اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ لَا تَعْلمُهُ أَنْتَ، وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَكَ اللَّهُ لَا أَعْلَمُهُ، فَقَالَ مُوسَى: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} [الكهف: 69]، فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ: {قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} [الكهف: 70]، فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، فَمَرَّتْ سَفِينةٌ، فَكَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمْ، فَعَرَفُوا الْخَضِرَ، فَحَمَلُوهُ بِغَيْرِ نولٍ، فَلَمَّا ركِبَا فِي السَّفِينَةِ، لَمْ يَفْجَأْ إِلَّا وَالْخَضِرُ قَدْ قَلَعَ لَوْحًا مِنْ ألوَاحِ السَّفِينَةِ

بِالْقَدُومِ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نولٍ، عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا {لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا} [الكهف: 71 - 73] قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَتِ الأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا، قَالَ: وَجَاءَ عُصْفُورٌ فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ، فَنَقَرَ فِي الْبَحْرِ نقرَةً، فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ: مَا عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْم اللَّهِ، إِلَّا مِثْلُ مَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنْ هَذَا الْبَحْرِ، ثُمَّ خَرَجَا مِنَ السَّفِينَةِ، فَبَيْنَا هُمَا يَمْشِيَانِ عَلَى السَّاحِلِ، إِذْ أَبْصَرَ الْخَضِرُ غُلَامًا يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَ الْخَضِرُ رَأْسَهُ بِيَدِهِ فَاقْتَلَعَهُ بِيَدِهِ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} [الكهف: 74 - 75] قَالَ: وَهَذَا أَشَدُّ مِنَ الأُولَى، قَالَ: {قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف: 76 - 77]، قَالَ: مَائِلٌ، فَقَامَ الْخَضِرُ فَأَقَامَهُ بِيَدِهِ، فَقَالَ مُوسَى: قَوْمٌ أتيْنَاهُمْ فَلَمْ يُطْعِمُونَا وَلَمْ يُضَيِّفُونَا، {لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الكهف: 77]، قَالَ: {قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} إلَى قَوْلِهِ {ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} [الكهف: 78 - 82]. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: وَدِدْنَا أَنَّ مُوسَى كَانَ صَبَرَ حَتَّى يَقُصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ خَبَرِهِمَا". قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ: وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا. وَكَانَ يَقْرَأُ: وَأَمَّا الْغُلَامُ، فَكَانَ كَافِرًا، وَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ. (مجمع البحرين): قال قتادة: بحر الروم، وبحر فارس.

باب: قوله تعالى: {فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا} [الكهف: 61]

وقال غيره: هو الموضعُ الذي وعد الله تعالى أن يلقى الخضر فيه. قيل: وفي جمعهما (¬1) بمجمع البحرين تنبيهٌ على حكمة الله تعالى، وذلك أنهما بحران في العلم، أحدُهما أعلم بالظاهر (¬2)، وهو علم الشرائع، وهذا هو موسى -عليه السلام-، والآخر أعلمُ بالباطن وأسرار الملكوت، وهو الخضر. (فكان (¬3) ابن عباس يقرأ: وكان أمامهم ملكٌ): إلى آخر هذه القراءة كالتفسير، لا أنها (¬4) تثبت في المصحف (¬5) (¬6). * * * باب: قوله تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا} [الكهف: 61] 2313 - (4726) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ: أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، وَغَيْرَهُمَا قَدْ سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُهُ عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ: إِنَّا لَعِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي بَيْتِهِ، إِذْ قَالَ: سَلُونِي، قُلْتُ: أَيْ أَبَا عَبَّاسٍ! جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ، بِالْكُوفَةِ رَجُل قَاصٌّ يُقَالُ لَهُ نَوْفٌ، ¬

_ (¬1) في "ع": "جميعها". (¬2) في "ج": "الظاهر". (¬3) في "ع": "وكان". (¬4) في "ع": "كالتفسير لأنها"، وفي "ج": "كالتفسير إلا أنها". (¬5) في "ج": "في الصحف". (¬6) انظر "التنقيح" (2/ 954 - 955).

يَزْعُمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَمَّا عَمْرو، فَقَالَ لِي: قَالَ: قَدْ كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ، وَأَمَّا يَعْلَى، فَقَالَ لِي: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ كعْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مُوسَى رَسُولُ اللَّهِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، قَالَ: ذَكرَ النَّاسَ يَوْمًا، حَتَّى إِذَا فَاضَتِ الْعُيُونُ، وَرَقَّتِ الْقُلُوبُ، وَلَّى، فَأَدْركَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ! هَلْ فِي الأَرْضِ أَحَدٌ أَعْلَمُ مِنْكَ؟ قَالَ: لَا، فَعَتَبَ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَى اللَّهِ، قِيلَ: بَلَى، قَالَ: أَيْ رَبِّ! فَأَيْنَ؟ قَالَ: بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، قَالَ: أَيْ رَبِّ! اجْعَلْ لِي عَلَمًا أَعْلَمُ ذَلِكَ بِهِ، فَقَالَ لِي عَمْرو: قَالَ: حَيْثُ يُفَارِقُكَ الْحُوتُ، وَقَالَ لِي يَعْلَى: قَالَ: خُذْ نونًا مَيِّتًا، حَيْثُ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ، فَأَخَذَ حُوتًا، فَجَعَلَهُ فِي مِكْتَلٍ، فَقَالَ لِفَتَاهُ: لَا اُكَلِّفُكَ إِلَّا أَنْ تُخْبِرَنِي بِحَيْثُ يُفَارِقُكَ الْحُوتُ، قَالَ: مَا كلَّفْتَ كَثِيرًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ -جَلَّ ذِكْرُهُ-: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ} [الكهف: 60]. يُوشع بْنِ نونٍ -لَيْسَتْ عَنْ سَعِيدٍ-، قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ فِي ظِلِّ صَخْرَةٍ فِي مَكَانٍ ثَرْيَانَ، إِذْ تَضَرَّبَ الْحُوتُ وَمُوسَى نَائِمٌ، فَقَالَ فتاهُ: لَا أُوقِظُهُ، حَتَّى إِذَا اسْتَيْقَظَ، نسيَ أَنْ يُخْبِرَهُ، وَتَضَرَّبَ الْحُوتُ حَتَّى دَخَلَ الْبَحْرَ، فَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنْهُ جِرْيَةَ الْبَحْرِ، حَتَّى كَأَنَّ أثَرَهُ فِي حَجَرٍ. قَالَ لِي عَمْرٌو: هَكَذَا كَأنَّ أثَرَهُ فِي حَجَرٍ -وَحَلَّقَ بَيْنَ إِبْهَامَيْهِ وَاللَّتَيْنِ تَلِيانِهِمَا- {لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} [الكهف: 62] سَفَرِنَا هَذَا نصبًا، قَالَ: قَدْ قَطَعَ اللَّهُ عَنْكَ النَّصَبَ -لَيْسَتْ هَذِهِ عَنْ سَعِيدٍ- أَخْبَرَهُ، فَرَجَعَا، فَوَجَدَا خَضِرًا. قَالَ لِي عُثْمَانُ بْنُ أَبي سُلَيْمَانَ: عَلَى طِنْفِسَةٍ خَضْرَاءَ عَلَى كبِدِ الْبَحْرِ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مُسَجًّى بِثَوْبِهِ، قَدْ جَعَلَ طَرَفَهُ تَحْتَ رِجْلَيْهِ، وَطَرَفَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، وَقَالَ: هَلْ بِأَرْضِي مِنْ سَلَامٍ؟ مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا مُوسَى،

قَالَ: مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نعمْ. قَالَ: فَمَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: جِئْتُ لِتُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا، قَالَ: أَمَا يَكْفِيكَ أَنَّ التَّوْرَاةَ بِيَدَيْكَ، وَأَنَّ الْوَحْيَ يَأْتِيكَ؟ يَا مُوسَى! إِن لِي عِلْمًا لَا يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَعْلَمَهُ، وَإِنَّ لَكَ عِلْمًا لَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَعْلَمَهُ، فَأَخَذَ طَائِرٌ بِمِنْقَارِهِ مِنَ الْبَحْرِ، وَقَالَ: وَاللَّهِ! مَا عِلْمِي وَمَا عِلْمُكَ فِي جَنْبِ عِلْم اللَّهِ، إِلَّا كَمَا أَخَذَ هَذَا الطَّائِرُ بِمِنْقَارِهِ مِنَ الْبَحْرِ، حَتَّى إِذَا ركِبَا فِي السَّفِينَةِ، وَجَدَا مَعَابِرَ صِغَارًا، تَحْمِلُ أَهْلَ هَذَا السَّاحِلِ إِلَى أَهْلِ هَذَا السَّاحِلِ الآخَرِ، عَرَفُوهُ، فَقَالُوا: عَبْدُ اللَّهِ الصَّالِحُ -قَالَ: قُلْنَا لِسَعِيدٍ: خَضِرٌ؟ قَالَ: نعمْ-، لَا نَحْمِلُهُ بِأَجْرٍ، فَخَرَقَهَا، وَوَتَدَ فِيهَا وَتدًا، قَالَ مُوسَى {أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} [الكهف: 71]-قَالَ مُجَاهِدٌ: مُنْكَرًا-، {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} [الكهف: 72]، كانَتِ الأُولَى نِسْيانًا، وَالْوُسْطَى شَرْطًا، وَالثَّالِثة عَمْدًا، {قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا} [الكهف: 73]، لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ. قَالَ يَعْلَى: قَالَ سَعِيدٌ: وَجَدَ غِلْمَانًا يَلْعَبُونَ، فَأَخَذَ غُلَامًا كَافِرًا ظَرِيفًا، فَأَضْجَعَهُ، ثُمَّ ذَبَحَهُ بِالسِّكِّينِ، قَالَ: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ} [الكهف: 74]-لَمْ تَعْمَلْ بِالْحِنْثِ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَرَأَهَا: زَكِيَّةً زَاكيَةً مُسْلِمَةً؛ كَقَوْلكَ غُلَامًا زَكيًّا-، فَانْطَلَقَا، فَوَجَدَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ، فَأَقَامَهُ-. قَالَ سَعِيدٌ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَرَفَعَ يَدَهُ -فَاسْتَقَامَ-. قَالَ يَعْلَى: حَسِبْتُ أَنَّ سَعِيدًا قَالَ: فَمَسَحَهُ بِيَدِهِ فَاسْتَقَامَ - {لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الكهف: 77]- قَالَ سَعِيدٌ: أَجْرًا نَأْكلُهُ {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ} [الكهف: 79]: وكَانَ أَمَامَهُمْ، قَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَامَهُمْ مَلِكٌ. يَزْعُمُونَ: عَنْ غيْرِ سَعِيدٍ: أَنَّهُ هُدَدُ بْنُ بُدَدٍ، وَالْغُلَامُ الْمَقْتُولُ اسْمُهُ -يَزْعُمُونَ-: جَيْسُورٌ، {مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [الكهف: 79]، فَأَرَدْتُ إِذَا هِيَ مَرَّتْ بِهِ

أَنْ يَدَعَهَا لِعَيْبِهَا، فَإِذَا جَاوَزُوا، أَصْلَحُوهَا، فَانْتَفَعُوا بِهَا -وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: سَدُّوهَا بِقَارُورَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بِالْقَارِ- كَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ وَكَانَ كَافِرًا، {فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا} [الكهف: 80]، أَنْ يَحْمِلَهُمَا حُبُّهُ عَلَى أَنْ يُتَابِعَاهُ عَلَى دِينِهِ، {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً} [الكهف: 81]؛ لِقَوْلِهِ {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً} [الكهف: 74]، {وَأَقْرَبَ رُحْمًا} [الكهف: 81]: هُمَا بِهِ أَرْحَمُ مِنْهُمَا بِالأَوَّلِ الَّذِي قَتَلَ خَضِرٌ". وَزَعَمَ غَيْرُ سَعِيدٍ: أَنَّهُمَا أُبْدِلَا جَارِيَةً، وَأَمَّا دَاوُدُ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ، فَقَالَ: عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ: إِنَّهَا جَارِيَةٌ. (في مكان ثَرْيانَ): أي: فيه بَلَلٌ ونَدًى. (إذ تضرَّبَ الحوتُ): إما بمعنى: اضطرب، أو سار؛ من قولهم: ضرب (¬1) في الأرض. (على طِنِفَسة): -بكسر الطاء والفاء، وبضمهما، وبكسر الطاء وفتح الفاء، وهو الأفصح-: هي النُّمْرُقَة، وهي بساط صغير. (على كَبِد البحر): أي: بوسطِه. (هل بأرضي من سلام؟): معناه معنى: وأَنَّي بأرضك السلام؟ يعني: بأرضك التي أنت بها في الحال. (وجد معابرَ): -جمع مَعْبَر-، وهي السفينة، وهو لا ينصرف، ووقع في بعض النسخ: مصروفًا. (اسمه يزعمون جَيْسُور): بالجيم والراء آخره. وقال أبو الفرج: في أصل الحميدي: بحاء مهملة فياء فشين معجمة فنون (¬2). ¬

_ (¬1) في "ج": "ضربت". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 956).

باب: {فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} [الكهف: 62] إلى قوله: {عجبا} [الكهف: 63]

(سدّوها بقارورة): قيل: لعلها فَعْلُولة (¬1)؛ من القار، وإلا، فالقارورةُ واحدةُ القوارير من الزجاج، ولا معنى له هنا (¬2). * * * باب: {فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} [الكهف: 62] إِلَى قَوْلهِ: {عَجَبًا} [الكهف: 63] {صُنْعًا} [الكهف: 104]: عَمَلًا. {حِوَلًا} [الكهف: 108]: تَحَوُّلًا. {قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} [الكهف: 64]. {إِمْرًا} [الكهف: 71]، وَ {نُكْرًا} [الكهف: 74]: داهِيَةً. {يَنْقَضَّ} [الكهف: 77]: يَنْقَاضُ كمَا تنقَاضُ السِّنُّ. {لَاتَّخَذْتَ} [الكهف: 77]، وَاتَّخَذْتَ وَاحِدٌ. {رُحْمًا} [الكهف: 81]: مِنَ الرُّحْمِ، وَهْيَ أَشَدُّ مُبَالَغَةً مِنَ الرَّحْمَةِ، وَنظُنُّ أَنَّهُ مِنَ الرَّحِيمِ، وَتُدْعَى مَكَّةُ: أُمَّ رُحْمٍ؛ أَيِ: الرَّحْمَةُ تَنْزِلُ بِهَا. ({يَنقَضَّ}: [ينقاض] كما ينقاض الشيء): قيل: ينقاض: بتخفيف الضاد المعجمة. وعند أبي ذر: بالتشديد والتخفيف. وعند غيره (¬3): "السن" بدل "الشيء". ومعنى ينقض: ينكسر (¬4)، وينهدم، وينقاض: يقلع من أصله (¬5). ¬

_ (¬1) في "ع": "فعولة". (¬2) المرجع السابق، والموضع نفسه. (¬3) في "ج": "غيرهم". (¬4) في "ع": "بكسر". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 956).

2314 - (4727) - حَدَّثَنِي قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ نوفًا الْبَكَالِيَّ يَزْعُمُ: أَنَّ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ لَيْسَ بِمُوسَى الْخَضِرِ، فَقَالَ: كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "قَامَ مُوسَى خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقِيلَ لَهُ: أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ قَالَ: أَنَا، فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ، إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ، وَأَوْحَى إِلَيْهِ: بَلَى، عَبْدٌ مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَع الْبَحْرَيْنِ، هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ. قَالَ: أَيْ رَبِّ! كَيْفَ السَّبِيلُ إِلَيْهِ؟ قَالَ: تَأْخُذُ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ، فَحَيْثُمَا فَقَدْتَ الْحُوتَ، فَاتَّبِعْهُ، قَالَ: فَخَرَجَ مُوسَى وَمَعَهُ فتاهُ يُوشعُ بْنُ نُونٍ، وَمَعَهُمَا الْحُوتُ، حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ، فَنَزَلَا عِنْدَهَا، قَالَ: فَوَضَعَ مُوسَى رَأْسَهُ فَنَامَ. قَالَ سُفْيَانُ: وَفِي حَدِيثِ غَيْرِ عَمْرٍو قَالَ: وَفِي أَصْلِ الصَّخْرَةِ عَيْنٌ يُقَالُ لَهَا: الْحَيَاةُ، لَا يُصِيبُ مِنْ مَائِهَا شَيْءٌ إِلَّا حَيِيَ، فَأَصَابَ الْحُوتَ مِنْ مَاءِ تِلْكَ الْعَيْنِ، قَالَ: فتحَرَّكَ وَانْسَلَّ مِنَ الْمِكْتَلِ فَدَخَلَ الْبَحْرَ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ مُوسَى، {قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا} [الكهف: 62]، قَالَ: وَلَمْ يَجدِ النَّصَبَ حَتَّى جَاوَزَ مَا أُمِرَ بِهِ، قَالَ لَهُ فتاهُ يُوشعُ بْنُ نُونٍ: {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ} [الكهف: 63]، قَالَ: فَرَجَعَا يَقُصَّانِ فِي آثَارِهِمَا، فَوَجَدَا فِي الْبَحْرِ كَالطَّاقِ مَمَرَّ الْحُوتِ، فَكَانَ لِفَتَاهُ عَجَبًا، وَلِلْحُوتِ سَرَبًا، قَالَ: فَلَمَّا انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ، إِذْ هُمَا بِرَجُلٍ مُسَجًّى بِثَوْبٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى، قَالَ: وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلَامُ؟ فَقَالَ: أَنَا مُوسَى، قَالَ: مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ، {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف: 66]، قَالَ لَهُ الْخَضِرُ: يَا مُوسَى! إِنَّكَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْم اللَّهِ عَلَّمَكَهُ اللَّهُ لَا أَعْلَمُهُ، وَأَنَا عَلَى عِلْمِ مِنْ عِلْم اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ اللَّهُ

لَا تَعْلَمُهُ. قَالَ: بَلْ أَتَّبِعُكَ، {قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} [الكهف: 70]. فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى السَّاحِلِ، فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينةٌ، فَعُرِفَ الْخَضِرُ، فَحَمَلُوهُمْ فِي سَفِينَتِهِمْ بِغَيْرِ نَوْلٍ، يَقُولُ: بِغَيْرِ أَجْرٍ، فَرَكِبَا السَّفِينَةَ. قَالَ: وَوَقَعَ عُصْفُورٌ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ، فَغَمَسَ مِنْقَارَهُ الْبَحْرَ، فَقَالَ الْخَضِرُ لِمُوسَى: مَا عِلْمُكَ وَعِلْمِي وَعِلْمُ الْخَلَائِقِ فِي عِلْمِ اللَّهِ، إِلَّا مِقْدَارُ مَا غَمَسَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنْقَارَهُ، قَالَ: فَلَمْ يَفْجَأْ مُوسَى إِذْ عَمَدَ الْخَضِرُ إلَى قَدُومٍ فَخَرَقَ السَّفِينَةَ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نولٍ، عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا، {لَقَدْ جِئْتَ} [الكهف: 71]، الآيَةَ، فَانْطَلَقَا إِذَا هُمَا بِغُلَامٍ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَ الْخَضِرُ بِرَأْسِهِ فَقَطَعَهُ، قَالَ لَهُ مُوسَى: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا} [الكهف: 74]، قَالَ: {أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} إِلَى قَوْلهِ: {فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف: 75 - 77]، فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا، فَأَقَامَهُ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: إِنَّا دَخَلْنَا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَلَمْ يُضَيِّفُونَا وَلَمْ يُطْعِمُونَا، {لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الكهف: 77]، قَالَ: {قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} [الكهف: 78]. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَدِدْنَا أَنَّ مُوسَى صَبَرَ حَتَى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا". قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ: وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا، وَأَمَّا الْغُلَامُ، فَكَانَ كَافِرًا. (فحيثما فقدت الحوت فاتَّبِعْه): -بتشديد المثناة الفوقية وبالعين المهملة- من الاتِّباع، ويروى: "فابْتَغِه" -بموحدة فمثناة فوقية فغين (¬1) معجمة-؛ من الابتغاء. ¬

_ (¬1) "فغين" ليست في "ع".

(وفي أصل الصخرة عينٌ يقال لها: الحيا (¬1)): قال أبو الفرج: كذا روي بغير هاء، والمشهور المتعارف: "عين الحياة". قال السفاقسي: وقال الداودي: لا أرى هذا يثبت، وإن كان محفوظًا، فذلك كله من خلق الله وقدرته (¬2)، وإذا أراد الله إحياء ميت، أنشره. قال: وفي دخول الحوت في العين دليل على أنه حَيَّ قبل دخوله في العين، لو كان كما كان في هذا، فلا يحتاج إلى العين، والله قادر على أنه يحييه بلا عين (¬3). قلت: هذا إنكار لا معنى له، وأي مانع يمنع عقلًا أو شرعًا من أن يكون الله تعالى يخلق الحياة في الميت عند مس ماء (¬4) هذه العين له، ولا يلزم من ذلك أن لا يكون حياة إلا بمس هذا الماء (¬5)، وقوله: وفي دخول الحوت في العين دليل على أنه حَيَّ قبل دخوله فيها، خلافُ ما يدل عليه الحديث؛ فإن فيه: "فأصابَ الحوتُ من ماء تلك العين، قال: فتحرك وانسلَّ من المِكْتَل فدخل البحر". (إلى قَدوم): -بتخفيف الدال-: آلة النجار. ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "ماء الحيا". (¬2) "وقدرته" ليست في "ع" و"ج". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 957). (¬4) "ماء" ليست في "ج". (¬5) في "ج": "إلا نفس عند الماء".

باب: قوله تعالى: {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا} [الكهف: 103]

باب: قوله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} [الكهف: 103] 2315 - (4728) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مُصْعَبٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبِي: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} [الكهف: 103]، هُمُ الْحَرُورَّيةُ؟ قَالَ: لَا، هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، أَمَّا الْيَهُودُ: فَكَذبُوا مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم -، وَأَمَّا النصَارَى: كفَرُوا بِالْجَنَّةِ، وَقَالُوا: لَا طَعَامَ فِيهَا وَلَا شَرَابَ، وَالْحَرُورَّيةُ: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ} [البقرة: 27]. وَكَانَ سَعْدٍ يُسَمِّيهِمُ: الْفَاسِقِينَ. (عن مصعب، قال: سألت أبي): هو سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -.

سورة {كهيعص}

سورة {كهيعص} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (أَبْصِرْ بِهِمْ وَأَسْمِعْ) اللَّهُ يَقُولُهُ، وَهُمُ الْيَوْمَ لَا يَسْمَعُونَ وَلَا يُبْصِرُونَ. {فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [مريم: 38]: يَعْنِي قَوْلَهُ: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} [مريم: 38]: الْكُفَّارُ يَوْمَئِذٍ أَسْمَعُ شَيءٍ وَأَبْصَرُهُ. {لَأَرْجُمَنَّكَ} [مريم: 46]: لأَشْتِمَنَّكَ. {وَرِئْيًا} [مريم: 74]: مَنْظَرًا. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: {تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} [مريم: 83]: تُزْعِجُهُمْ إِلَى الْمَعَاصِي إِزْعَاجًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {إِدًّا} [مريم: 89]: عِوَجًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وِرْدَا} [مريم: 86]: عِطَاشًا. {أَثَاثًا} [مريم: 74]: مَالًا. {إِدًّا} [مريم: 89]: قَوْلًا عَظِيمًا. {رِكْزًا} [مريم: 98]: صَوْتًا. {غَيًّا} [مريم: 59]: خُسْرَانًا. {وَبُكِيًّا} [مريم: 58]: جَمَاعَةُ بَاكٍ. {صِلِيًّا} [مريم: 70]: صَلِيَ يَصْلَى. {نَدِيًّا} [مريم: 73]، وَالنَّادِي: مَجْلِسًا. (سورة كهيعص). (قال ابن عباس: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} اللهُ يقوله، وهم اليوم لا يسمعون ولا يبصرون): قال الزركشي: يريد أنه أَمْرٌ بمعنى الخبر؛ كما (¬1) قال الله تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} [البقرة: 18] (¬2). قلت: أظنه لم يفهم كلام ابن عباس، ولذلك ساقه على هذا الوجه، وكونه أمرًا بمعنى الخبر [لا يقتضي انتفاءَ سماعهم وإبصارهم، بل يقتضي ¬

_ (¬1) "كما" ليست في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 958).

ثبوتَه، ثم ليس هو أمرًا بمعنى الخبر] (¬1)، بل هو لإنشاء التعجب؛ أي: ما أسمعَهُم وما (¬2) أبصرَهُم! والأمر (¬3) المفهوم منه بحسب الظاهر غيرُ مراد، بل انمحى معنى الأمر فيه، وصار متمحضًا لإنشاء التعجب، ومراد ابن عباس: أن المعنى: ما أسمعَ الكفارَ وأبصرَهم في الدار الآخرة، وإن كانوا في دار الدنيا لا يسمعون ولا يبصرون! ولذلك قال: الكفارُ يومئذٍ أسمعُ شيء وأبصرُهُ (¬4). ({رِكْزًا}: صوتًا): المشهورُ أنه (¬5) الصوتُ الخفيُّ، لا مُطلق الصوت الذي لا يُفهم. ({وَبُكيًّا}: جماعةُ باكٍ): ووزنه فُعول، وأصلُه بُكُوْي، فاجتمعت الواو والياء، وسُبقت إحداهما بالسكون، فقُلبت الواو ياء، وأدغمت في الياء، فصار بُكُيًّا هكذا، ثم كُسرت الكاف لمجانسة الياء بعدها، وهذا مثل جالِس وجُلوس، لكنه في المعتل اللام غيرُ مقيس، وقياسه بُكاةٌ مثل قُضاة، وغُزاة، ورُماة، وقيل: ليس بجمعٍ، وإنما هو مصدرٌ على فُعول؛ كجَلَسَ جُلوسًا. ({نَدِيًّا}، والنادي واحدٌ: مجلسًا): ويطلق النادي -أيضًا- على أهل المجلس. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) في "ع": "ولا". (¬3) في "ع": "أو الأمر". (¬4) في "م": "وأبصر". (¬5) في "ج": "أن".

باب: قوله: {وأنذرهم يوم الحسرة} [مريم: 39]

باب: قوله: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} [مريم: 39] 2316 - (4730) - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ، فَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ! فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا الْمَوْتُ، وَكلُّهُمْ قَدْ رَآهُ. ثُمَّ يُنَادِي: يَا أَهْلَ النَّارِ! فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذا الْمَوْتُ، وَكلُّهُمْ قَدْ رَآهُ، فَيُذْبَحُ. ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ! خُلود فَلَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ! خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ. ثُمَّ قَرَأَ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ} [مريم: 39] وَهَؤُلَاءَ فِي غَفْلَةٍ أَهْلُ الدُّنْيَا {وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [مريم: 39] ". (يؤتى بالموت كهيئةِ كبشٍ أَمْلَحَ) (¬1): فيه بياضٌ وسواد، والبياضُ أكثر. قال القرطبي: والحكمة في كونه أبيضَ وأسودَ؛ لأن البياض من جهة الجنة، والسواد من جهة النار (¬2). قلت: وعليه: فالحكمةُ في كون البياض أكثر الإشارةُ (¬3) إلى سَعَة الرحمة وغَلَبَتِها بالنسبة إلى الغَضَب، والله تعالى أعلم. (فيشرئِبُّون): -بهمزة بعد الراء وبعد الهمزة موحدة مشددة-؛ أي: يرفعون رؤوسهم للمنادي لينظروا ما الخبر. ¬

_ (¬1) من قوله: "ويطلق الناوي" إلى هنا ليس في "ع". (¬2) انظر: "المفهم" (7/ 190). (¬3) في "ج": "للإشارة".

باب: قوله: {أفرأيت الذي كفر بآياتنا} الآية [مريم: 77]

باب: قوله: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا} الآية [مريم: 77] 2317 - (4732) - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: سَمِعْتُ خَبَّابًا، قَالَ: جِئْتُ الْعَاصِيَ ابْنَ وَائِلٍ السَّهْمِيَّ أتقَاضَاهُ حَقًّا لِي عِنْدَهُ، فَقَالَ: لَا أُعْطِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ، فَقُلْتُ: لَا، حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ، قَالَ: وَإِنِّي لَمَيِّت ثُمَّ مَبْعُوثٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَال: إِنَّ لِي هُنَاكَ مَالًا وَوَلَدًا فَأَقْضِيكَهُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيةُ: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} [مريم: 77]. (جئت العاصيَ): -بإثبات الياء-، سمي بذلك من عصا يعصو: إذا ضرب بالعصا، وقيل: لأنه تقلَّدَ العَصا بدلًا من السيف. * * * باب: {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} [مريم: 78] 2318 - (4733) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ خَبَّابٍ، قَالَ: كنْتُ قَيْنًا بِمَكَّةَ، فَعَمِلْتُ لِلْعَاصِي بْنِ وَائِلِ السَّهْمِيِّ سَيْفًا، فَجئْتُ أتقَاضَاهُ، فَقَالَ: لَا أُعْطِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ، قُلْتُ: لَا أَكْفُرُ بِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى يُمِيتَكَ اللَّهُ ثُمَّ يُحْيِيَكَ، قَالَ: إِذَا أَمَاتَنِي اللَّهُ ثُمَّ بَعَثَنِي، وَلِي مَالٌ وَوَلَدٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} [مريم: 77 - 78] قَالَ: مَوْثِقًا. (كنت قَيْنًا): هو الحَدَّاد (¬1)، وجمعه قُيونٌ. ¬

_ (¬1) في "ج": "الحدادة".

سورة طه

سورة طه قَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: بِالنَّبَطِيَّهِ {طه} [طه:1]: يَا رَجُلُ. يُقَالُ: كُلُّ مَا لَمْ يَنْطِقْ بِحَرْفٍ، أَوْ فِيهِ تَمْتَمَة، أَوْ فَأْفَأةٌ، فَهيَ عُقْدَةٌ. {أَزْرِي} [طه: 31]: ظَهْرِي. {فَيُسْحِتَكُمْ} [طه: 61]: يُهْلِكَكُمْ. {الْمُثْلَى} [طه: 63]: تأْنِيثُ الأَمْثَلِ، يَقُولُ: بِدِينِكُمْ، يُقَالُ: خُذِ الْمُثْلَى: خُذِ الأَمْثَلَ. {ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا} [طه: 64]: يُقَالُ: هَلْ أتيْتَ الصَّفَّ الْيَوْمَ؟ يَعْنِي: الْمُصَلَّى الَّذِي يُصَلَّى فِيهِ. {فَأَوْجَسَ} [طه: 67]: أَضْمَرَ خَوْفًا، فَذهَبَتِ الْوَاوُ مِنْ {خِيفَةً} [طه: 67]، لِكَسْرَةِ الْخَاءِ. {فِي جُذُوعِ} [طه: 71]: أَيْ: عَلَى جُذُوعِ. {خَطْبُكَ} [طه: 95]: بَالُكَ. {مِسَاسَ} [طه: 97]: مَصْدَرُ مَاسَّهُ مِسَاسًا. {لَنَنْسِفَنَّهُ} [طه: 97]: لَنَذْرِيَنَّهُ، {قَاعًا} [طه: 106]: يَعْلُوهُ الْمَاءُ، وَالصَّفْصَفُ: الْمُسْتَوِي مِنَ الأَرْضِ. (سورة طه): أي: طه يا رجل، وهو بحرفين من الهجاء، وصححه بعضهم. وقال الخليل (¬1): من قرأ طه موقوفًا، فهو يا رجل، ومن قرأ: طه (¬2) بحرفين من الهجاء، فقيل: معناه: اطمئن. وقيل: طَأِ الأرضَ، والهاء كناية عنها. وبلغنا أن موسى -عليه السلام- لما سمع كلام الله، استفزَّه الخوفُ حتى قامَ على أطراف أصابع قدميه، فقال تعالى: {طه}؛ أي: اطمئن (¬3). ¬

_ (¬1) في "ع": "الجبلي". (¬2) "طه" ليست في "ج". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 959).

باب: قوله تعالى: {واصطنعتك لنفسي} الآية [طه: 41]

({فِي جُذُوعِ} (¬1)؛ أي: على جذوع): هذا مذهب الكوفيين، وأما البصريون، فيقولون: ليست "في" بمعنى "على" (¬2)، ولكن شبه (¬3) المصلوب؛ لتمكنه في الجذع بالحالِّ في الشيء، فهو من الاستعارة التبعية. * * * باب: قوله تعالى: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} الآية [طه: 41] 2319 - (4736) - حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سيرِينَ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "الْتَقَى آدَمُ وَمُوسَى، فَقَالَ مُوسَى لآدَمَ: أَنْتَ الَّذِي أَشْقَيْتَ النَّاسَ، وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ؟ قَالَ لَهُ آدَمُ: أَنْتَ الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ، وَاصْطَفَاكَ لِنَفْسِهِ، وَأَنْزَلَ عَلَيْكَ التَّوْرَاةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَوَجَدْتَهَا كتِبَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي؟ قَالَ: نَعَمْ، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى". (فحج آدمُ موسى): أي: غَلَبَه بالحجة. قيل: إنما احتج في خروجه من الجنة بأن الله خلقه ليجعله خليفةً في الأرض، ولم ينف عن نفسه الأكلَ من الشجرة التي نُهِيَ عنها. وقيل: إنما احتج بأن التائب لا يُلام بعد توبته (¬4) على ما كان منه (¬5)، وقد سبق القول فيه. ¬

_ (¬1) في "ع": "جذوع النخل". (¬2) "على" ليست في "ع". (¬3) في "ع": "شبيه". (¬4) في "ع": "موته". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 960).

باب: {وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم} الآية [طه: 77 - 79]

باب: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ} الآية [طه: 77 - 79] ({وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى}): التلاوة: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا}.

سورة الأنبياء

سورة الأنبيَاءِ 2320 - (4739) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْكَهْفُ وَمَرْيَمُ وَطَهَ وَالأَنْبِيَاءُ: هُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ الأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي. وَقَالَ قتادَةُ: {جُذَاذًا} [الأنبياء: 58]: قَطَّعَهُنَّ. وَقَالَ الْحَسَنُ: {فِي فَلَكٍ} [الأنبياء: 33]: مِثْلِ فَلْكَةِ الْمِغْزَلِ. {يَسْبَحُونَ} [الأنبياء: 33]، يَدُورُونَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {نَفَشَتْ} [الأنبياء: 78]: رَعَتْ. {يُصْحَبُونَ} [الأنبياء: 43]: يُمْنَعُونَ. {أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [الأنبياء: 92]: قَالَ: دِينُكُمْ دِين وَاحِدٌ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: {حَصَبُ} [الأنبياء: 98] حَطَبُ بِالْحَبَشِيَّةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: {أَحَسُّوا} [الأنبياء: 12]: تَوَقَّعُوهُ، مِنْ أَحْسَسْتُ. {خَامِدِينَ} [الأنبياء: 15]: هَامِدِينَ. {حَصِيدًا} [الأنبياء: 15]: مُسْتَأْصَلٌ، يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالاِثْنَيْنِ وَالْجَمِيعِ. {وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ} [الأنبياء: 19]: لَا يُعْيُونَ، وَمِنْهُ: {حَسِيرٌ} [الملك: 4]، وَحَسَرْتُ بَعِيرِي. {عَمِيقٍ} [الحج: 27]: بَعِيدٌ. {نُكِسُوا} [الأنبياء: 65]: رُدُّوا. {صَنْعَةَ لَبُوسٍ} [الأنبياء: 80]: الدُّرُوعُ. {وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ} [الأنبياء: 93]: اخْتَلَفُوا. الْحَسِيسُ وَالْحِسُّ وَالْجَرْسُ وَالْهَمْسُ وَاحِدٌ، وَهْوَ مِنَ الصَّوْتِ الْخَفِيِّ. {آذَنَّاكَ} [فصلت:47]: أَعْلَمْنَاكَ. {آذَنْتُكُمْ} [الأنبياء: 109]: إِذَا أَعْلَمْتَهُ، فَأنْتَ وَهوَ {عَلَى سَوَاءٍ} [الأنبياء: 109]: لَمْ تَغْدِرْ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 13]: تُفْهَمُونَ. {ارْتَضَى} [الأنبياء:28]: رَضِيَ. {التَّمَاثِيلُ} [الأنبياء: 52]:الأَصْنَامُ. {السِّجِلِّ} [الأنبياء: 104]: الصَّحِيفَةُ. (سورة الأنبياء). (عن عبد الله، قال: بني إسرائيل): قال الزركشي: كذا وقع، وصوابه: "بنو إسرائيل" (¬1). قلت: قد (¬2) يوجَّه بأن الأصل: "سورةُ بني إسرائيل"، فحذف المضاف، وأبقى المضاف إليه على حاله؛ مثل: {وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [الأنفال: 67]-بالكسر-؛ أي: ثوابَ الآخرةِ، وهذا وإن لم يكن مقيسًا، فهي وجه في الجملة يمكن حملُ الكلام عليه، وله نظائر. ({فِى فَلَكٍ}: مثل فَلْكَة المِغْزَل): قال الجوهري: فَلْكَةُ المغزل سُميت لاستدارتها (¬3). وقال ابن عطية: تكلموا فيما هو الفلك، فقال بعضهم: كحديدة الرحى (¬4). وقال بعضهم: كالطاحونة، وغير هذا مما لا ينبغي التسوُّرُ عليه، غير أنا نعرف أن الفلك جسمٌ مستدير (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 960). (¬2) "قد" ليست في "ع". (¬3) انظر: "الصحاح" (4/ 1604)، (مادة: فلك). (¬4) انظر: "المحرر الوجيز" (4/ 80). (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 960).

({وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ}: لا يُعْيُون): قال السفاقسي: هو (¬1) من أَعْيَا (¬2) يُعْيي. وضُبط في رواية أبي ذر: "يَعْيَوْن" -بفتح الياء-، وليس بِبَيِّنٍ (¬3). (السّجِل): الصحيفة): هذا قول مجاهد؛ أي: نطوي ليُكْتب فيها. وعن ابن عباس: هو رجل كان يكتب للنبي - صلى الله عليه وسلم -. رواه أبو داود في "سننه" (¬4). وأنكره الثعلبي، وقال: ليس في كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - سِجِلٌّ، وإنما المراد: الصحيفة، [وحكاه عن ابن عباس -أيضًا-، قال: واللام في "الكتاب" بمعنى: على؛ أي: كطي الصحيفة] (¬5) على الكتاب؛ أي: على الشيء المكتوب فيها، قال: هو (¬6) اسم مَلَك يكتب أعمال العباد (¬7). ¬

_ (¬1) في "ج": "وهو". (¬2) في "ع": "أعني". (¬3) المرجع السابق، (2/ 961). (¬4) رواه أبو داود (786). (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬6) في "ع": "وقال وهو". (¬7) انظر: "المرجع السابق" (2/ 962).

سورة الحج

سورة الحَجِّ وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: {الْمُخْبِتِينَ} [الحج: 34]: الْمُطْمَئِنِّينَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {فِي أُمْنِيَّتِهِ} [الحج: 52]: إِذَا حَدَّثَ، أَلقَى الشَّيْطَانُ فِي حَدِيثهِ، فَيُبْطِلُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ، وَيُحْكِمُ آيَاتِهِ، وَيُقَالُ: أمنِيَّتُهُ: قِرَاءَتُهُ، {إِلَّا أَمَانِيَّ} [البقرة: 78]: يَقْرَؤُونَ وَلَا يَكْتُبُونَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {مَشِيدٍ} [الحج: 45] بِالْقَصَّةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: {يَسْطُونَ} [الحج: 72]: يَفْرُطُونَ؛ مِنَ السَّطْوَةِ، وَيُقَالُ: {يَسْطُونَ}: يَبْطُشُونَ. {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ} [الحج: 24]: أُلْهِمُوا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {بِسَبَبٍ} [الحج: 15]: بِحَبْلٍ إِلَى سَقفِ الْبَيْتِ. {تَذْهَلُ} [الحج: 2]: تُشْغَلُ. (سورة الحج). ({الْمُخْبِتِينَ}: المطمئنين): أي: بذكر الله تعالى، وقيل: المتواضعين، وقيل: الخاشعين. (قال ابن عباس: {إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} [الحج: 52]: إذا حَدَّثَ، ألقى الشيطانُ في حديثه، فيُبْطِل اللهُ ما يلقي الشيطان، ويُحْكِمُ الله آياته): يعني: أن النبي إذا تلا شيئًا من الآيات المنزلة عليه (¬1) من ربه، فقد يوقع الشيطان في مسامع أهلِ الشرك ما يوافق آراءهم الباطلة، فيتوهمون أنه مما تلاه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو مُبَرَّأٌ (¬2) عن ذلك، ومُنَزَّهٌ عنه، لا يخلِطُ حقًا بباطل، ¬

_ (¬1) في "ج": "عليهم". (¬2) في "ع": "غير مبرأ".

باب: قوله: {وترى الناس سكارى وما هم بسكارى} [الحج: 2]

حاشاه من ذلك، ولأنه يحكي عن الله تعالى ما أنزله عليه من غير زيادة ولا نقص. وأما حديثُ البزار في قصة الغرانيق العلا، فهو حديثٌ باطلٌ لا أصلَ له، وإن كَثَّرَ الطبريُّ (¬1) طُرَقَه (¬2)، وقد أتى القاضي عياض في "الشفا" (¬3) بما فيه الشفاء من ذلك. وقال ابن قتيبة: الأُمْنِيَّةُ: التلاوة، وقال تعالى: {لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} [البقرة: 78] أي: لا يعرفونه إلا تلاوة (¬4). (مشيد بالقَصَّة): -بفتح القاف-. وقال ابن قتيبة: المشيد: المبنيُّ بالشِّيد (¬5)، وهو الجِصُّ (¬6). * * * باب: قوله: {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} [الحج: 2] 2321 - (4741) - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَقُولُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا آدَمُ! يَقُولُ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، فَيُنَادَى ¬

_ (¬1) في "ج": "الطبراني". (¬2) "طرقه" ليست في "ج". وانظر "تفسير الطبري" (17/ 186). (¬3) انظر: (2/ 124). (¬4) انظر: "غريب الحديث" (2/ 73). (¬5) في "ع": "بالشد". (¬6) انظر: "غريب الحديث" (2/ 277). وانظر: "التنقيح" (2/ 962 - 963).

باب: {ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة} [الحج: 11] إلى قوله: {ذلك هو الضلال البعيد} [الحج: 12]

بِصَوْتٍ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ، قَالَ: يَا رَبِّ! وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ ألفٍ -أُرَاهُ قَالَ- تِسْعَ مِئَةٍ وَتسْعَةً وَتِسْعِينَ، فَحِينَئِذٍ تَضَعُ الْحَامِلُ حَمْلَهَا، وَيشِيبُ الْوَلِيدُ، وَ {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج: 2]. فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ حَتَّى تَغَيَّرَتْ وُجُوهُهُمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ تِسْعَ مِئَةٍ وَتسْعَةً وَتِسْعِينَ، وَمِنْكُمْ وَاحِدٌ، ثُمَّ أَنْتُمْ فِي النَّاسِ كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جَنْبِ الثَّوْرِ الأَبْيَضِ، أَوْ كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جَنْبِ الثَّوْرِ الأَسْوَدِ، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ"، فَكَبَّرْنَا، ثُمَّ قَالَ: "ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ"، فَكَبَّرْنَا، ثُمَّ قَالَ: "شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ"، فَكَبَّرْنَا. (فينادَى بصوت): بفتح الدال، على البناء للمفعول، وروي بكسرها، على البناء للفاعل. (إن الله يأمرك أن تُخرج من ذريتك بعثًا إلى النار): أي: نصيبًا، والبعثُ: الجيش، والجمعُ: البُعُوث. * * * باب: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ} [الحج: 11] إَلَى قَوْلِهِ: {ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ} [الحج: 12] {وَأَتْرَفْنَاهُمْ} [المؤمنون: 33]: وَسَّعْنَاهُمْ. ({وَأَتْرَفْنَاهُمْ}: وَسَّعْناهم): ذكرُ هذا في سورة الحج لا محلَّ له، وإنما محلُّه سورةُ المؤمنين (¬1). ¬

_ (¬1) في "ج": "المؤمنون".

باب: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} الآية [الحج: 19]

2322 - (4742) - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا يَحْيىَ بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبي حَصِينٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} [الحج: 11]، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَقْدَمُ الْمَدِينَةَ، فَإِنْ وَلَدَتِ امْرَأَتُهُ غُلَامًا، وَنُتِجَتْ خَيْلُهُ، قَالَ: هَذَا دِينٌ صَالِحٌ، وَإِنْ لَمْ تَلِدِ امْرَأتُهُ، وَلَمْ تُنْتَجْ خَيْلُهُ، قَالَ: هَذَا دِينُ سُوءٍ. (ونُتجت خيلُه): بضم النون، فهي منتوجة؛ مثل: نُفِسَتْ فهي منفوسة: إذا وَلَدَتْ. * * * باب: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} الآية [الحج: 19] 2323 - (4743) - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو هَاشِمٍ، عَنْ أَبي مِجْلَزٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ كانَ يُقْسمُ فِيهَا: إِنَّ هَذِهِ الآيَةَ. {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19] نَزَلَتْ فِي: حَمْزَةَ وَصَاحِبَيْهِ، وَعُتْبَةَ وَصَاحِبَيْهِ، يَوْمَ بَرَزُوا فِي يَوْمِ بَدْرٍ. (نزلت في حمزةَ وصاحِبَيْه): وهما عليٌّ، وعبيدةُ بنُ الحارث، وهم الفريق المؤمنون (¬1). (وعتبةَ وصاحبيه): يعني: عتبةَ وشيبةَ ابني ربيعة، والوليدَ بنَ عتبةَ، وهم الفريق الآخر، فعتبةُ وشيبةُ قتلهما عليٌّ وحمزةُ، وقطع الوليدُ رجلَ عبيدةَ بنِ الحارث، فمات منها بالصفراء، ومال عليٌّ وحمزةُ على الوليد فقتلاه. ¬

_ (¬1) في "ع": "المؤمنين".

(يوم برزوا في بدرٍ): واستُشكل هذا بكون السورة مكية، يندفع بما قالوه من أنها مكية إلا ثلاثَ آيات، وهي: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا} [الحج: 19] إلى آخره، فإطلاقُ المكية عليها باعتبار أكثرِها.

سورة المؤمنين

سورة المُؤْمِنِينَ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: {سَبْعَ طَرَائِقَ} [المؤمنون: 17]: سَبع سَمَوَاتٍ. {لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 61]: سَبَقتْ لَهُمُ السَّعَادَةُ. {وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون:60]: خَائِفِينَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ} [المؤمنون: 36]: بَعِيدٌ بَعِيدٌ. {فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ} [المؤمنون: 113]: الْمَلَائِكَةَ. {لَنَاكِبُونَ} [المؤمنون: 74]: لَعَادِلُونَ. {كَالِحُونَ} [المؤمنون: 104]: عَابِسُونَ. {مِنْ سُلَالَةٍ} [المؤمنون: 12]: الْوَلَدُ، وَالنُّطْفَةُ: السُّلَالةُ. وَالْجِنَّةُ وَالْجُنُونُ وَاحِدٌ. وَالْغُثَاءُ: الزَّبَدُ، وَمَا ارْتَفَعَ عَنِ الْمَاءِ ومَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ. (سورة المؤمنين). ({هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ} بعيدٌ بعيدٌ (¬1)): المعروف عند النحاة: أنها اسمُ فعل؛ أي: سُمِّي (¬2) بها (¬3) الفعلُ الذي هو بَعُدَ، وهذا تحقيق لكونه اسمًا، مع أن مدلوله وقوعُ البعدِ في الزمن الماضي. والمعنى: أن دلالته على معنى بَعُدَ ليست من حيث إنه موضوع (¬4) لذلك المعنى ليكون فعلًا، بل من حيث إنه موضوع لفعل دالًّ (¬5) على بُعْدٍ ¬

_ (¬1) "بعيد بعيد" ليست في "ج". (¬2) في "ع": "يسمى". (¬3) "بها" ليست في "ج". (¬4) في "ع": "موضع". (¬5) في "ع": "ذاك".

مقترن (¬1) بالزمان الماضي، وهو بَعُدَ؛ كوضع سائر الأسماء لمدلولاتها، وقد مرّ لنا تحقيقُ ذلك حيث (¬2) تكلمنا على "آمين" في كتاب: الصلاة. (الولد والنطفة: السُّلالة (¬3)): أي: لأنه استُلَّ من أبيه، وهو مثل البُرَادة والنُّحَاتَةِ، لما يتساقط (¬4) من الشيء بالبَرْد والنَّحْت (¬5). ¬

_ (¬1) في "م": "مقرن". (¬2) "حيث" ليست في "ج". (¬3) "الولد والنطفة: السلالة" ليست في "ع". (¬4) في "ع" و"ج": "تساقط". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 964).

سورة النور

سورة النُّورِ {مِنْ خِلَالِهِ} [النور: 43]: مِنْ بَيْنِ أَضْعَافِ السَّحَابِ. {سَنَا بَرْقِهِ} [النور: 43]: الضِيَاءُ. {مُذْعِنِينَ} [النور: 49] يُقَالُ لِلْمُسْتَخْذِي: مُذْعِنٌ. {أَشْتَاتًا} [النور: 61]: وَشَتَّى وَشَتَاتٌ وَشَتٌّ وَاحِدٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا} [النور:1]: بيَّنَّاهَا. وَقَالَ غَيْرُهُ: سُمِّيَ الْقُرْآنُ لِجَمَاعَةِ السُّوَرِ، وَسُمِّيَتِ السُّورَةُ؛ لأَنَّهَا مَقْطُوعَةٌ مِنَ الأُخْرَى، فَلَمَّا قُرِنَ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، سُمِّيَ قُرْآنًا. وَقَالَ سَعْدُ بْنُ عِيَاضٍ الثُّمَالِيُّ: الْمِشْكَاةُ: الْكُوَّةُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة: 17]: تَأْلِيفَ بَعْضِهِ إِلَى بَعْضٍ، {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: 18]: فَإِذَا جَمَعْنَاهُ وَألَفْنَاهُ، فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ؛ أَيْ: مَا جُمِعَ فِيهِ، فَاعْمَلْ بِمَا أَمَرَكَ، وَانْتَهِ عَمَّا نَهَاكَ اللَّهُ. وُيقَالُ: لَيْسَ لِشِعْرِهِ قُرْآن؛ أَيْ: تَأْلِيفٌ. وَسُمِّيَ الْفُرْقَانَ؛ لأَنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ. وَيُقَالُ لِلْمَرْأَةِ: مَا قَرَأَتْ بِسَلًا قَطُّ؛ أَيْ: لَمْ تَجْمَعْ فِي بَطْنِهَا وَلَدًا. وَقَالَ: {وَفَرَضْنَاهَا} [النور: 1]: أَنْزَلْنَا فِيهَا فَرَائِضَ مُخْتَلِفَةً، وَمَنْ قَرَأَ: {وَفَرَضْنَاهَا} يَقُولُ: فَرَضْنَا عَلَيْكُمْ وَعَلَى مَنْ بَعْدكُمْ. قَالَ مُجَاهِدٌ: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا} [النور: 31]: لَمْ يَدْرُوا؛ لِمَا بِهِمْ مِنَ الصِّغَرِ. (سورة النور). (وقال ابن عباس: {أَنْزَلْنَاهَا}: بيَنَّاها): قال الزركشي: كذا في النسخ،

باب: قوله تعالى: {والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم} الآية [النور: 6]

والصواب: "أنزلناها وفرضناها: بيناها (¬1) "، فبيناها تفسير فرضناها، لا أنزلناها (¬2). قلت: يا عجبًا لهذا الرجل! وتقويلِه لابن عباس ما لم يقلْه، فالبخاري نقلَ (¬3) عن ابن عباس تفسيرَ أنزلنا: بيناها، وهو نقل صحيح، ذكره الحافظ مغلطاي من طريق ابن المنذر بسنده إلى ابن عباس، فما هذا الاعتراض البارد؟ (المشكاة: الكُوَّة بلسان الحبشة): مرادُه: أن أصلها كلمة حبشية، فصارت مُعَرَّبة باستعمال العربِ لها، وقد مرّ أن الكوَّة -بضم الكاف وفتحها-. * * * باب: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} الآية [النور: 6] 2324 - (4745) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: أَنَّ عُويمِرًا أَتَى عَاصِمَ بْنَ عَدِيٍّ، وَكَانَ سَيِّدَ بَنِي عَجْلَانَ، فَقَالَ: كَيْفَ تَقُولُونَ فِي رَجُلٍ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ، أَمْ كَيْفَ يَصْنعُ؟ سَلْ لِي رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ. فَأَتَى عَاصِمٌ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَسَائِلَ، فَسَألهُ عُويمِرٌ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَرِهَ الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا، قَالَ عُويمِرٌ: وَاللَّهِ! لَا أَنتُهِي حَتى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) في "م": "بينا". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 964). (¬3) "نقل" ليست في "ج".

عَنْ ذَلِكَ، فَجَاءَ عُويمِرٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! رَجُل وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، أَيَقْتُلُهُ فتقْتُلُونَهُ، أَمْ كيْفَ يَصْنَعُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ". فَأَمَرَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْمُلَاعَنَةِ بِمَا سَمَّى اللَّهُ فِي كتَابِهِ، فَلَاعَنَهَا، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنْ حَبَسْتُهَا، فَقَدْ ظَلَمْتُهَا، فَطَلَّقَهَا، فَكَانَتْ سُنَّةً لِمَنْ كَانَ بَعْدَهُمَا فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "انْظُرُوا، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أسحَمَ، أَدْعَجَ الْعَيْنَيْنِ، عَظِيمَ الأَلْيَتَيْنِ، خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ، فَلَا أَحْسِبُ عُويمِرًا إِلَّا قَدْ صَدَقَ عَلَيْهَا. وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أحُيْمِرَ، كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ، فَلَا أَحْسِبُ عُوَيْمِرًا إِلَّا قَدْ كَذَبَ عَلَيْهَا". فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الَّذِي نعَتَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - منْ تَصْدِيقِ عُوَيْمِرٍ، فَكَانَ بَعْدُ يُنْسَبُ إِلَى أُمِّهِ. (فجاء عُويمر، فقال: يا رسول الله! رجلٌ وجد مع امرأته رجلًا): في "الإفهام" لم يُسَمَّ في رواية عُويمر المرميُّ به، وفي قصة هلالِ بنِ أمية سُمي المرميُّ به شَريكَ بنَ سَحْماء. [ووقع في "تهذيب الأسماء واللغات" للنووي في ترجمة عويمر العجلاني: أنه رمى زوجته بشَريكِ بن سَحْماء] (¬1) (¬2)، وهذا قد سبقه إليه ابن الأثير في "أسد الغابة" (¬3)، وفيه نظر، فشريكٌ لم تُرْمَ به صريحًا إلا زوجةُ هلالِ بنِ أميةَ، لا زوجةُ عويمرٍ العجلاني. ووقع في "تهذيب الأسماء واللغات" -أيضًا- في قسم المبهمات: ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) انظر: "تهذيب الأسماء واللغات" (2/ 355). (¬3) انظر: "أسد الغابة" (4/ 338).

واختلفوا في الذي وجدَ مع امرأته رجلًا، وتلاعنا، على ثلاثة أقوال: أحدها: هلال بن أمية، والثاني: عاصمُ بنُ عدي، والثالث: عُويمر العجلاني. قال الإمام أبو الحسن الواحدي: أظهرُ هذا الأقوال أنه عويمرٌ؛ لكثرة هذه الأحاديث، قال (¬1): واتفقوا على أن الموجود زانيًا شريكُ بن السَّحْماء (¬2). انتهى. وفيه تعقُّبات: أحدها: قوله: اختلفوا في الملاعِنِ، فقد ثبت قصةُ ملاعنة هلالِ بنِ أمية، وقصةُ ملاعَنَةِ عُويمرٍ العجلاني، فكيف يُختلف في ذلك؟ وإنما لعله نقص شيء، وهو أن يقال: اختلفوا في الآية على أيِّ سبب نزلت؟ وهذا ممكن، والجمعُ بينهما أن القصتين قريبتا (¬3) الوقوع، فجاز أن ينزل بسببها التعقب (¬4). الثاني: قوله: والثاني عاصمُ بنُ عدي، هذا (¬5) باطلٌ، فعاصمٌ قَطُّ لم (¬6) يلاعِن، إنما سأل لعويمرٍ (¬7) العجلاني. ¬

_ (¬1) "قال" ليست في "ع" و"ج". (¬2) انظر: "تهذيب الأسماء واللغات" (2/ 576). (¬3) في "ج": "قريبان". (¬4) في "ع" و"ج": "التعقيب". (¬5) في "ج": "فهذا". (¬6) في "ع": "لا". (¬7) في "م": "العويمر".

التعقُّب الثالث: قوله: و (¬1) اتفقوا أن الموجود زانيًا شريكٌ، ممنوع، فهو لم يوجد زانيًا، وإنما هم اعتقدوه كذلك، ولم يثبت ذلك في حقه في (¬2) ظاهر الحكم، فكأن صواب العبارة أن يقال: واتفقوا على أن المرميَّ به شريكُ بنُ سَحْماء، وهذا الاتفاق متعقَّب كما سبق؛ فإنه لم يُصرَّحْ به إلا في قصة هلال، لا في غيرها، ويَبعد كلَّ البعد أن يكون مَرْميًا به في الواقعتين. ووقع في "سيرة الدمياطي" في تفاصيل سني الهجرة في السنة التاسعة فيها: "لاعَنَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بينَ عُويمرٍ العجلاني وبين امرأته في مسجده بعدَ العصرِ في شعبانَ"، وكان عويمرٌ قدمَ من تبوكَ، فوجدَها حبلى، وكان قبل ذلك قال: إن غزوة تبوك في رجب، وقدم منها في رمضان، [وحيئذٍ فإذا كان القدوم من تبوكَ في رمضان] (¬3)، فكيف تكون الملاعنةُ في شعبان في المسجد؟ وقد وجدت ذلك أيضًا في بعض شروح (¬4) البخاري، فقال: وكانت الملاعَنَةُ في شعبانَ في سنة تسع، وكان عويمرٌ قدمَ من تبوك، فوجدها حبلى، وعاش ذلك المولود سنتين، ثم مات، وعاشت أمه بعده يسيرًا، ذكره (¬5) بعضُهم، لكن في "كتاب أبي داود": أنه كان -يعني: الغلامَ- أميرًا على مصر، وما يُدعى لأبٍ (¬6). انتهى. ¬

_ (¬1) الواو ليست في "ج". (¬2) "في" ليست في "ع". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬4) في "ع" و"ج": "نسخ". (¬5) في "ج": "ذكر". (¬6) رواه أبو داود (2256).

ورأيت بخط الحافظ مغلطاي على "حواشي أسد الغابة": خولةُ بنتُ قيسٍ الأنصاريةُ زوجُ عُويمرٍ العجلاني التي لاعَنَها، ذكرها مقاتل في "تفسيره"، وهذا غريب. انتهى ما في "الإفهام". (فإن جاءت به أَسْحَمَ): أي: أسودَ، والسُّحْمَةُ: السوادُ. (أدعجَ العينين): أي: شديدَ سوادِهما (¬1) في شدَّةِ البياض. (خَدَلَّج الساقين): -بخاء معجمة ودال مهملة مفتوحتين فلام مشددة مفتوحة فجيم-؛ أي: عظيمَ الساقين. (وإن جاءت به أُحَيْمِرَ): قال الزركشي: كذا وقع غيرَ مصروف (¬2)، والصوابُ صرفُه، تصغير (¬3) أحمر، وهو الأبيض (¬4). قلت: عدمُ الصرف -كما في المتن- هو الصواب، وما ادَّعى هو أنه عينُ الصواب هو عينُ الخطأ، وبالله التوفيق. (كأنه وَحَرَة): -بفتحات وحاء مهملة-، وهي دُوَيبة حمراء كالقَطاةِ تلزق (¬5) بالأرض، وجمعها وَحَرٌ (¬6)، شبهه بها؛ لحمرتها وقصرِها (¬7). قال السفاقسي: وفيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتبر الشبهَ بالولد، ثم لم يحكم ¬

_ (¬1) في "ج": "سوادها". (¬2) في "ج": "غير منصرف". (¬3) في "ع": "تصغيره". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 966). (¬5) في "ج": "تلصق". (¬6) في "ع" و"ج": "وحرة". (¬7) في "ج": "شبهه بها لقصرها وحمرتها".

باب: {ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين} [النور: 8]

به، وذلك من أجل ما هو أقوى من الشبه (¬1)، وهو الفراش، وكذلك صنعَ في ابنِ وليدةِ زَمْعَةَ، وإنما يُحكم بالشبه، وهو حُكم القافة: إذا استوت العلائق؛ كسيدين وَطِئا في طُهْر (¬2). * * * باب: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور: 8] 2325 - (4747) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبي عَدِيٍّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمُيَّةَ قَذَفَ امْرَأتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْبَيِّنَةَ، أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ"، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِذَا رَأَى أَحَدُنَا عَلَى امْرَأَتِهِ رَجُلًا يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ؟! فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الْبَيِّنَةَ، وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ"، فَقَالَ هِلَالٌ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ! إِنِّي لَصَادِقٌ، فَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنَ الْحَدِّ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} -فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ:- {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 6 - 9]. فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا، فَجَاءَ هِلَالٌ، فَشَهِدَ، وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟ ". ثُمَّ قَامَتْ فَشَهِدَتْ، فَلَمَّا كَانَتْ عِنْدَ الْخَامِسَةِ، وَقَّفُوهَا، وَقَالُوا: إنَّهَا مُوجِبَةٌ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ¬

_ (¬1) في "ع": "السنة". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 966).

فَتَلَكَّأَتْ وَنَكَصَتْ، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهَا تَرْجِعُ، ثُمَّ قَالَتْ: لَا أَفْضَحُ قَوْمِي سَائِرَ الْيَوْمِ، فَمَضَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَبْصِرُوهَا، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكحَلَ الْعَيْنَيْنِ، سَابغَ الأليَتَيْنِ، خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ، فَهْوَ لِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ". فَجَاءَتْ بِهِ كَذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ". (عن هشام بن حسان، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن هلال بن أمية قذف امرأته): قال الزركشي: قيل: لم يذكر هلالًا في هذا إلا هشامُ ابنُ حسانَ، وهو غلط. والدليل عليه: أن القاسمَ بنَ محمد روى هذا الحديث عن ابن عباس، فذكر فيه (¬1) العجلاني، وكذلك ذكر ابنُ عمرَ العجلانيَّ [في اللعان (¬2)، كما ذكره سهل بن سعد (¬3)، فاتفقت الطرق على العجلاني] (¬4)، وهو عويمر، فصح بذلك غلطُ هشام (¬5). قلت: في انتهاض هذا دليلًا على غلطه (¬6) نظر. ¬

_ (¬1) "فيه" ليست في "ع". (¬2) في "ج": "في حديث اللعان". (¬3) في "ج": "سعد بن سهل". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬5) في "م": "ابن هشام"، وانظر: "التنقيح" (2/ 966). (¬6) في "ج": "غلط".

باب: {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا} إلى: {هم الكاذبون} [النور: 12 - 13]

باب: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} إلى: {هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: 12 - 13] 2326 - (4750) - حَدَّثَنَا يَحْيىَ بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإفْكِ مَا قَالُوا، فَبَرَّأَهَا اللَّهُ مِمَّا قَالُوا، وَكُلٌّ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنَ الْحَدِيثِ، وَبَعْضُ حَدِيثهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ، الَّذِي حَدَّثَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: أَنَّ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا، خَرَجَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعَهُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَقْرعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا، فَخَرَجَ سَهْمِي، فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ مَا نَزَلَ الْحِجَابُ، فَأَنَا أُحمَلُ فِي هَوْدَجِي وَأُنْزَلُ فِيهِ، فَسِرْنَا، حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ غَزْوَتهِ تِلْكَ، وَقَفَلَ، وَدَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ قَافِلِينَ، آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ، فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي، أَقْبَلْتُ إِلَى رَحْلِي، فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ ظَفَارِ قَدِ انْقَطَعَ، فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي، وَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ، وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يَرْحَلُونَ لِي، فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي، فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كنْتُ رَكِبْتُ، وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ، وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يُثْقِلْهُنَّ اللَّحْمُ، إِنَّمَا تَأْكُلُ الْعُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ الْقَوْمُ خِفَّةَ الْهَوْدجَ حِينَ رَفَعُوهُ، وَكنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَبَعَثُوا الْجَمَلَ وَسَارُوا، فَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَ مَا اسْتَمَرَّ

الْجَيْشُ، فَجئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا دَاعٍ وَلَا مُجيبٌ، فَأَمَمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كنْتُ بِهِ، وَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُوني فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي، غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءَ الْجَيْشِ، فَأَدْلَجَ، فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمِ، فَأتانِي، فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي، وَكَانَ يَرَانِي قَبْلَ الْحِجَابِ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي، فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجلْبَابِي، وَاللَّهِ! مَا كلَّمَنِي كلِمَةً، وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ، حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ، فَوَطِئَ عَلَى يَدَيْهَا، فَرَكبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ، حَتَّى أتيْنَا الْجَيْشَ بَعْدَ مَا نَزَلُوا مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى الإفْكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ ابْنَ سَلُولَ، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْتُ شَهْرًا، وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَصْحَابِ الإفْكِ، لَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَهْوَ يَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لَا أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - اللَّطَفَ الَّذِي كنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتكِي، إِنَّمَا يَدْخُلُ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُولُ: "كيْفَ تِيكُمْ؟ "، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَذَاكَ الَّذِي يَرِيبُنِي وَلَا أَشْعُرُ، حَتَّى خَرَجْتُ بَعْدَ مَا نَقَهْتُ، فخَرَجَتْ مَعِي أُمُّ مِسْطَحِ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ، وَهْوَ مُتَبَرَّزُنَا، وَكُنَّا لَا نَخْرُجُ إِلَّا لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الْكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتنَا، وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الأُوَلِ فِي التَّبَرُّزِ قِبَلَ الْغَائِطِ، فَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالْكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوتنَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ، وَهْيَ ابْنَةُ أَبي رُهْم بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَأُمُّهَا بِنْتُ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ خَالَةُ أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ، فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ بَيْتِي قَدْ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحِ فِي مِرْطِهَا، فَقَالَتْ: تعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ لَهَا:

بِئْسَ مَا قُلْتِ، أتسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا؟! قَالَتْ: أَيْ هَنتاهُ! أَوَ لَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: وَمَا قَالَ؟ فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الإفْكِ، فَازْدَدْتُ مَرَضًا عَلَى مَرَضِي، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي، وَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - -تَعْنِي:- سَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: "كيْفَ تِيكُمْ؟ "، فَقُلْتُ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ؟ قَالَتْ: وَأَنَا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا، قَالَتْ: فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَجئْتُ أَبَوَيَّ، فَقُلْتُ لأُمِّي: يَا أُمَّتَاهْ! مَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ قَالَتْ: يَا بُنَيَّةُ! هَوِّنِي عَلَيْكَ، فَوَاللَّهِ! لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأةٌ قَطُّ وَضِيئَةً عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا، وَلَهَا ضَرَائِرُ، إِلَّا كَثَّرْنَ عَلَيْهَا. قَالَتْ: فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ! وَلَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا؟ قَالَتْ: فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَى أَصْبَحْتُ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلَا أكتَحِلُ بِنَوْمٍ حَتَّى أَصْبَحْتُ أَبْكِي، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلِيَّ بْنَ أَبي طَالِبٍ، وَأُسُامَةَ بْنَ زيدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ، يَسْتَأْمِرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ، قَالَتْ: فَأَمَّا أُسَامَةُ بْنُ زيدٍ، فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ، وَبِالَّذِي يَعْلَمُ لَهُمْ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْوُدِّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَهْلَكَ، وَمَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا. وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبي طَالِبٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَإِنْ تَسْأَلِ الْجَارِيةَ، تَصْدُقْكَ، قَالَتْ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَرِيرَةَ، فَقَالَ: "أَيْ بَرِيرَةُ! هَلْ رَأَيْتِ عَلَيْهَا مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ؟ "، قَالَتْ بَرِيرَةُ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ! إِنْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا أَغْمِصُهُ عَلَيْهَا أَكثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، تَنَامُ عَنْ عَجينِ أَهْلِهَا، فتأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَاسْتَعْذَرَ يَوْمَئِذٍ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: "يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ! مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي أَذَاهُ

فِي أَهْلِ بَيْتِي؟ فَوَاللَّهِ! مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إلَّا خَيْرًا، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي". فَقَامَ سَعْدُ ابْنُ مُعَاذٍ الأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَنَا أَعْذِرُكَ مِنْهُ، إِنْ كَانَ مِنَ الأَوْسِ، ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الْخَزْرجَ، أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ. قَالَتْ: فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَهْوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا، وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ، فَقَالَ لِسَعْدٍ: كَذَبْتَ، لَعَمْرُ اللَّهِ! لَا تَقْتُلُهُ، وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ. فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وَهْوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدٍ، فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: كَذَبْتَ، لَعَمْرُ اللَّهِ! لَنَقْتُلَنَّهُ، فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ. فتثَاوَرَ الْحَيَّانِ الأَوْسُ وَالْخَزْرجُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا، وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ. قَالَتْ: فَمَكُثْتُ يَوْمِي ذَلِكَ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْع، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، قَالَتْ: فَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي، وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا، لَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، وَلَا يَرْقَأُ لِي دَمْع، يَظُنَّانِ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كبِدِي، قَالَتْ: فَبَيْنَمَا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي، فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأةٌ مِنَ الأَنْصَار، فَأَذِنْتُ لَهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي، قَالَتْ: فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ، دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَلَّمَ، ثُمَّ جَلَسَ، قَالَتْ: وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ مَا قِيلَ قَبْلَهَا، وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لَا يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي. قَالَتْ: فتَشَهَّدَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ جَلَسَ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ: يَا عَائِشَةُ! فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً، فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ، وَتُوبِي إِلَيْهِ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ، ثُمَّ تَابَ إِلَى اللَّهِ، تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ". قَالَتْ: فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَقَالتَهُ، قَلَصَ

دَمْعِي، حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً، فَقُلْتُ لأَبِي: أَجِبْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فيمَا قَالَ، قَالَ: وَاللَّهِ! مَا أَدْرِي مَا أقولُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ لأُمِّي: أَجِيبِي رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَتْ: مَا أَدْرِي مَا أقولُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَتْ: فَقُلْتُ، وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لَا أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنَ الْقُرآنِ: إِنِّي وَاللَّهِ! لَقَدْ عَلِمْتُ: لَقَدْ سَمِعْتُمْ هَذَا الْحَدِيثَ حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكُمْ، وَصَدَّقْتُمْ بِهِ، فَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّي بَرِيئَةٌ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ، لَا تُصَدِّقُوني بِذَلِكَ، وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأمْرٍ، وَاللهُ يَعْلمُ أَنِّي مِنْهُ بَرِيئَةٌ، لتصَدَقُنِّي، وَاللهِ! مَا أجِدُ لكمْ مَثلًا إِلا قَوْل أَبِي يُوسُفَ، قَالَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18]. قَالَتْ: ثُمَّ تَحَوَّلْتُ، فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي، قَالَتْ: وَأَنَا حِينَئِذٍ أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي، وَلَكِنْ وَاللَّهِ! مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ مُنْزِلٌ فِي شَأْنِي وَحْيًا يُتْلَى، وَلَشَأْنِي فِي نَفْسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى، وَلَكِنْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا. قَالَتْ: فَوَاللَّهِ! مَا رَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَا خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، حَتَّى أُنْزِلَ عَلَيْهِ، فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ مِنَ الْعَرَقِ، وَهْوَ فِي يَوْم شَاتٍ؛ مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ الَّذِي يُنْزَلُ عَلَيْهِ. قَالَتْ: فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، سُرِّيَ عَنْهُ وَهْوَ يَضْحَكُ، فَكَانَتْ أَوَّلُ كلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا: "يَا عَائِشَةُ! أَمَّا اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-، فَقَدْ بَرَّأَكِ". فَقَالَتْ أُمِّي: قُومِي إِلَيْهِ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ! لَا أَقُومُ إِلَيْهِ، وَلَا أَحْمَدُ إِلَّا اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَأَنْزَلَ اللَّهُ: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ} [النور: 11]، الْعَشْرَ الآيَاتِ كلَّهَا، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ هَذَا فِي بَرَاءَتِي، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رضي الله عنه -، وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ؛ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ: وَاللَّهِ!

لَا أُنفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا، بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ مَا قَالَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 22]. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى وَاللَّهِ! إِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لِي، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: وَاللَّهِ! لَا أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يسْأَلُ زيْنَبَ بْنَةَ جَحْشٍ عَنْ أَمْرِي، فَقَالَ: "يَا زَيْنَبُ! مَاذَا عَلِمْتِ، أَوْ رَأَيْتِ؟ "، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أحمِي سَمْعِي وَبَصَرِي، مَا عَلِمْتُ إِلَّا خَيْرًا، قَالَتْ: وَهيِ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِيِني مِنْ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِالْوَرعَ، وَطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ تُحَارِبُ لَهَا، فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ مِنْ أَصْحَابِ الإفْكِ. (وأن الله يبرئني ببراءتي): كذا في بعض النسخ "يُبَرِّئني" على أنه فعل مضارع. وفي أكثر النسخ: "مُبَرِّئُني" -بميم في أوله على أنه اسم فاعل-، واستشكله السفاقسي بأن نون الوقاية إنما تدخل في الأفعال لتسلمَ من الكسر، والأسماءُ تُكسر، فلا يُحتاج إليها (¬1). قلت: دعوى الحصر باطلة بصور من الأسماء والحروف: فالأول: كلَدُنِّي، وقَدْني، وقَطْني (¬2). والثاني: نحو: مِنِّي وعَنِّي وإنَّني وكأَنَّني، ونحوها، وقد تدخل في ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 967). (¬2) "وقطني" ليست في "ج".

باب: قوله: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم في ما أفضتم فيه} الآية [النور: 14]

بعض الأسماء قليلًا كقوله: أَمُسْلِمُني إِلَى قَوْمِي شَرَاحِي وفي الحديث: "غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ" (¬1). * * * باب: قوله: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ} الآية [النور: 14] 2327 - (4751) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ أُمِّ رُومَانَ أُمِّ عَائِشَةَ: أَنَّهَا قَالَت: لَمَّا رُمِيَتْ عَائِشَةُ، خَرَّتْ مَغْشِيًّا عَلَيْهَا. (خَرَّت مَغْشِيًّا عليها): وفي بعض النسخ: "مغشيًا" لا غير. قال السفاقسي: صوابه "مَغْشِيَّةً". وردَّه الزركشي بأنه على تقدير الحذف؛ أي: عليها، فلا معنى للتأنيث (¬2). قلت: لكن يلزمُ على تقديره حذفُ النائب عن الفاعل، وهو ممتنع عند البصريين، وإنما ينسب القول به للكسائي من الكوفيين. وأما على ما استصوبه السفاقسي، فإنما يلزم حذفُ الجار، وجعلُ المجرور مفعولًا على سبيل الاتساع، وهو موجود في كلامهم. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2937) عن النواس بن سمعان - رضي الله عنه -. وانظر: "مغني اللبيب" (ص: 450). (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 968).

باب: قوله: {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة} إلى: {رءوف رحيم} [النور: 19 - 20]

باب: قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ} إلى: {رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [النور: 19 - 20] 2328 - (4757) - وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ: عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبي، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا ذُكِرَ مِنْ شَأْنِي الَّذِي ذُكِرَ، وَمَا عَلِمْتُ بِهِ، قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيَّ خَطِيبًا، فتشَهَّدَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ: أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي أُنَاسٍ أَبَنُوا أَهْلِي، وَايْمُ اللَّهِ! مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي مِنْ سُوءٍ، وَأَبَنُوهُمْ بِمَنْ وَاللَّهِ! مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَطُّ، وَلَا يَدْخُلُ بَيْتِي قَطُّ إِلَّا وَأَنَا حَاضِرٌ، وَلَا غِبْتُ فِي سَفَرٍ إِلَّا غَابَ مَعِي". فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ: ائْذَنْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ نَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، وَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي الْخَزْرجِ، وَكَانَتْ أُمُّ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ مِنْ رَهْطِ ذَلِكَ الرَّجُلِ، فَقَالَ: كَذَبْتَ، أَمَا وَاللَّهِ! أَنْ لَوْ كَانوُا مِنَ الأَوْسِ، مَا أَحْبَبْتَ أَنْ تُضْرَبَ أَعْنَاقُهُمْ. حَتَّى كَادَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الأَوْسِ وَالْخَزْرجَ شَرٌّ فِي الْمَسْجدِ، وَمَا عَلِمْتُ. فَلَمَّا كَانَ مَسَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ، خَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي، وَمَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ، فَعَثَرَتْ وَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ: أَيْ أُمِّ! تَسُبِّينَ ابْنَكِ؟! وَسَكَتَتْ، ثُمَّ عَثَرَتِ الثَّانِيَهَ، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ لَهَا: تَسُبِّينَ ابْنَكِ؟! ثُمَّ عَثَرَتِ الثَّالِثة، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَانتهَرْتُهَا، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ! مَا أَسُبُّهُ إِلَّا فِيكِ، فَقُلْتُ: فِي أَيِّ شَأْنِي؟ قَالَتْ: فَبَقَرَتْ لِي الْحَدِيثَ، فَقُلْتُ: وَقَدْ كَانَ هَذَا؟ قَالَتْ: نعمْ وَاللَّهِ! فَرَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي، كَأَنَّ الَّذِي خَرَجْتُ لَهُ لَا أَجِدُ مِنْهُ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا. وَوُعِكْتُ، فَقُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَرْسِلْنِي إِلَى بَيْتِ أَبي، فَأَرْسَلَ مَعِي الْغُلَامَ، فَدَخَلْتُ الدَّارَ، فَوَجَدْتُ أُمَّ رُومَانَ فِي السُّفْلِ، وَأَبَا بَكْرٍ فَوْقَ الْبَيْتِ يَقْرَأُ، فَقَالَتْ أُمِّي: مَا جَاءَ بِكِ يَا بُنَيَّةُ؟

فَأَخْبَرْتُهَا، وَذَكَرْتُ لَهَا الْحَدِيثَ، وَإِذَا هُوَ لَمْ يَبْلُغْ مِنْهَا مِثْلَ مَا بَلَغَ مِنِّي، فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّةُ! خَفِّضِي عَلَيْكِ الشَّأْنَ، فَإِنَّهُ -وَاللَّهِ- لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأةٌ حَسْنَاءُ، عِنْدَ رَجُل يُحِبُّهَا، لَهَا ضَرَائِرُ، إِلَّا حَسَدْنها، وَقِيلَ فِيهَا، وَإِذَا هُوَ لَمْ يَبْلُغْ مِنْهَا مَا بَلَغَ مِنِّي، قُلْتُ: وَقَدْ عَلِمَ بِهِ أَبِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قُلْتُ: وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَتْ: نَعَمْ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَاسْتَعْبَرْتُ وَبَكَيْتُ، فَسَمِعَ أَبُو بَكْرٍ صَوْتِي وَهْوَ فَوْقَ الْبَيْتِ يَقْرَأُ، فَنَزَلَ، فَقَالَ لأُمِّي: مَا شَأْنها؟ قَالَتْ: بَلَغَهَا الَّذِي ذُكِرَ مِنْ شَأْنِهَا، فَفَاضَتْ عَيْنَاه، قَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكِ -أَيْ بُنَيَّة- إِلَّا رَجَعْتِ إِلَى بَيْتِكِ، فَرَجَعْتُ. وَلَقَد جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْتِي، فَسَأَلَ عَنِّي خَادِمَتِي، فَقَالَتْ: لَا وَاللَّهِ! مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا عَيْبًا، إِلَّا أَنَّهَا كَانَتْ تَرْقُدُ حَتَّى تَدْخُلَ الشَّاةُ فَتَأْكُلَ خَمِيرَهَا، أَوْ عَجِينَهَا، وَانْتَهَرَهَا بَعْضُ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: اصْدُقِي رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، حَتَّى أَسقَطُوا لَهَا بِهِ، فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ! وَاللَّهِ! مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا إِلَّا مَا يَعْلَمُ الصَّائِغُ عَلَى تِبْرِ الذَّهَبِ الأَحْمَرِ، وَبَلَغَ الأَمْرُ إِلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي قِيلَ لَهُ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! وَاللَّهِ! مَا كَشَفْتُ كنَفَ أُنْثَى قَطُّ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُتِلَ شَهِيدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. قَالَتْ: وَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي، فَلَمْ يَزَالَا حَتَّى دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ صَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ دَخَلَ وَقَدِ اكْتَنَفَنِي أَبَوَايَ عَنْ يَمِيني وَعَنْ شِمَالِي، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ: يَا عَائِشَةُ! إِنْ كنْتِ قَارَفْتِ سُوءًا، أَوْ ظَلَمْتِ، فَتُوبِي إِلَى اللَّهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ مِنْ عِبَادِهِ". قَالَتْ: وَقَدْ جَاءَتِ امْرَأةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَفيَ جَالِسَةٌ بِالْبَابِ، فَقُلْتُ: أَلَا تَسْتَحِي مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ أَنْ تَذْكُرَ شَيْئًا، فَوَعَظَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَالْتَفَتُّ إِلَى أَبِي، فَقُلْتُ: أَجِبْهُ، قَالَ: فَمَاذَا أقولُ؟

فَالْتَفَتُّ إِلَى أمُّي، فَقُلْتُ: أَجِيبِيهِ، فَقَالَتْ: أَقُولُ مَاذَا؟ فَلَمَّا لَمْ يُجيبَاهُ، تَشَهَّدْتُ، فَحَمِدْتُ اللَّهَ وَأثنَيْتُ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قُلْتُ: أَمَّا بَعْدُ: فَوَاللَّهِ! لَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّي لَمْ أَفْعَلْ، وَاللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- يَشْهَدُ إِنِّي لَصَادِقَةٌ، مَا ذَاكَ بِنَافِعِي عِنْدَكُمْ، لَقَدْ تَكَلَّمْتُمْ بِهِ، وَأُشرِبَتْهُ قُلُوبُكُمْ، وَاِنْ قُلْتُ: إِنِّي فَعَلْتُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَفْعَلْ، لَتَقُولُنَّ: قَدْ بَاءَتْ بِهِ عَلَى نفسِهَا، وَإِنِّي وَاللَّهِ! مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا، وَالْتَمَسْتُ اسْمَ يَعْقُوبَ، فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهِ، إِلَّا أَبَا يُوسُفَ حِينَ قَالَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18]. وَأُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ سَاعَتِهِ، فَسَكَتْنَا، فَرُفِعَ عَنْهُ، وَإِنِّي لأَتَبَيَّنُ السُّرُورَ فِي وَجْهِهِ، وَهْوَ يَمْسَحُ جَبِينَهُ وَيَقُولُ: "أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ، فَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ بَرَاءَتَكِ". قَالَتْ: وَكُنْتُ أَشَدَّ مَا كُنْتُ غَضَبًا، فَقَالَ لِي أَبَوَايَ: قُومِي إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ! لَا أقومُ إِلَيْهِ، وَلَا أَحْمَدُهُ، وَلَا أَحْمَدُكُمَا، وَلَكِنْ أَحْمَدُ اللَّهَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي، لَقَدْ سَمِعْتُمُوهُ، فَمَا أَنْكَرْتُمُوهُ، وَلَا غَيَّرْتُمُوهُ. وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: أَمَّا زينَبُ بْنَةُ جَحْشٍ، فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِدِينِهَا، فَلَمْ تَقُلْ إِلَّا خَيْرًا، وَأَمَّا أختُهَا حَمْنَةُ، فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ، وَكَانَ الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيهِ مِسْطَحٌ، وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، وَالْمُنَافِقُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، وَهْوَ الَّذِي كانَ يَسْتَوْشِيهِ وَيَجْمَعُهُ، وَهْوَ الَّذِي تَوَلَّى كبْرَهُ مِنْهُمْ هُوَ وَحَمْنَةُ، قَالَتْ: فَحَلَفَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ لَا يَنْفَعَ مِسْطَحًا بِنَافِعَةٍ أَبَدًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ} -إِلَى آخِرِ الآيَةِ، يَعْنِي: أَبَا بَكْرٍ- {وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ} -يَعْنِي: مِسْطَحًا، إِلَى قَوْلهِ-: {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 22]. حَتَّى قَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى -وَاللَّهِ- يَا رَبَّنَا، إِنَّا لنحِبُّ أَنْ تَغْفِرَ لَنَا، وَعَادَ لَهُ بِمَا كَانَ يَصْنعُ.

(أبَنوا أهلي): -بباء موحدة مفتوحة مخففة ومشددة، والتخفيف أشهر-؛ أي: اتهموهم، وذكروهم بسوء، ويروى: "أنَّبوهم"، بتقديم النون وتشديدها. قال القاضي: وهو تصحيف؛ فإن التأنيبَ: اللومُ، وليس هذا موضعه (¬1). (فقام سعد بن عُبادة، فقال: ائذنْ لي): قيل: هذا وهمٌ من أبي أسامة، أو هشام، والمحفوظ: سعدُ بنُ معاذ، والذي عارضه سعدُ بنُ عبادة، وقد تقدم في البخاري قريبًا. (فبقَّرَتْ لي الحديث): -بالباء الموحدة وتشديد القاف-؛ أي: قَصَّته. (وانتهرها بعضُ أصحابه، فقال: اصْدُقي رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أسقطوا لها به): أي: حتى أتوا في حقها بسَقَطٍ من القول بسبب ذلك الأمر، فـ "لها" جار ومجرور، وكذا "به"، وضمير "لها" عائد على [الجارية، وضمير "به" عائد على] (¬2) الأمر الذي يُفيضون فيه، أو على الانتهار الصادر من بعض الصحابة. قال القاضي: كذا أثبتناه وحفظناه، وإلى هذا كان يذهب الوقشي، وابن بطال. قال: وصَحَّفه بعضُهم فرواه: "حتى أَسقطوا لَهاتَها" -بالتاء المثناة من فوق-، وهي رواية ابن ماهان، قال: ولا وجهَ لهذا عند أكثرهم (¬3). (فقالت: أقول ماذا؟): قال ابن مالك: فيه شاهد على أن "ما" الاستفهامية إذا رُكبت مع "ذا" لا يجب تصديرها، فيعمل فيها ما قبلَها (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 12). (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 364). (¬4) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 206). وانظر: "التنقيح" (2/ 969).

باب: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} [النور: 31]

باب: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31] ({وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}): الخُمُر: جمع خِمار، وهو كلُّ ما غُطِّيَ به الرأسُ، وضربُ الخمارِ على الجيب: أن تُغطي المرأةُ رأسَها، وترمي الخمار من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر.

سورة الفرقان

سُورَة الْفُرْقانِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23]: مَا تَسْفِي بِهِ الرِّيحُ. {مَدَّ الظِّلَّ} [الفرقان: 45]: مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ. {سَاكِنًا} [الفرقان: 45]: دَائِمًا. {عَلَيْهِ دَلِيلًا} [الفرقان: 45]: طُلُوعُ الشَّمْسِ. {خِلْفَةً} [الفرقان: 62]: مَنْ فَاتَهُ مِنَ اللَّيْلِ عَمَلٌ، أَدْركَهُ بِالنَّهَار، أَوْ فَاتَهُ بِالنَّهَارِ، أَدْركَهُ بِاللَّيْلِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: {هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا} [الفرقان: 74]: فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَمَا شَيْءٌ أقرَّ لِعَيْنِ الْمُؤْمِنِ أَنْ يَرَى حَبِيبَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {ثُبُورًا} [الفرقان: 13]: وَيْلًا. وَقَالَ غَيْرُهُ: السَّعِيرُ مُذَكَّرٌ، وَالتَّسَعُّرُ وَالاِضْطِرَامُ: التَّوَقُّدُ الشَّدِيدُ. {تُمْلَى عَلَيْهِ} [الفرقان: 5]: تُقْرَأُ عَلَيْهِ؛ مِنْ أَمْلَيْتُ، وأَمْلَلْتُ. {الرَّسِّ} [الفرقان: 38]: الْمَعْدِنُ، جَمْعُهُ رِسَاسٌ. (سورة الفرقان). ({مَدَّ الظِّلَّ}: ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس): على هذا غالبُ المفسرين، واعترضه ابن عطية بأن ذلك في غير نهار، ولا يقال له: ظل، ثم لا خصوصية لهذا الوقت، بل من قبل مغيب الشمس مدة يسيرة لا يكون على الأرض ظل ممدود مع أنه في نهار، وفي سائر أوقات النهار ظلال منقطعة (¬1). ({الرَّسِّ}: المَعْدِن): قال الجوهري: الرسُّ: البئرُ المطوَّيةُ بالحجارة، والرسُّ: اسمُ بئر كانت لبقيَّةٍ في ثمود (¬2). وهو الذي عناه مجاهد بقوله: كانوا على بئر يقال لها: الرسُّ، فنُسبوا إليها، وقيل: قتلوا نبيهم ورَسُّوه في ¬

_ (¬1) انظر: "المحرر الوجيز" (4/ 212). (¬2) انظر: "الصحاح" (3/ 934)، (مادة: رسس).

باب: قوله: {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق} الآية [الفرقان: 68]

البئر؛ أي: دَسُّوه فيها (¬1). * * * باب: قوله: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} الآية [الفرقان: 68] 2329 - (4761) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ، وَسُلَيْمَانُ، عَنْ أِبي وَائِلٍ، عَنْ أَبي مَيْسَرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ: وَحَدَّثنِي وَاصِلٌ، عَنْ أَبي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: سَأَلْتُ، أَوْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ الذَّنْبِ عِنْدَ اللَّهِ أَكْبَرُ؟ قَالَ: "أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهْوَ خَلَقَكَ". قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ". قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ". قَالَ: وَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الفرقان: 68]. (أن تُزاني بحليلةِ جارِك): قال الزركشي: تُزاني: تُفاعِل، وهو يقتضي من الجانبين (¬2). قلت: لعله نبه به على شدة قبح الزنا إذا كان منه لا منها؛ بأن يغشاها نائمة، أو مكرهة، فإنه إذا كان زناه بها مع المشاركة منها (¬3) له، والطواعية كبيرًا، كان زناه بدون ذلك أكبرَ وأقبحَ من باب الأولى (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 971). (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 971). (¬3) في "ج": "فيها". (¬4) في "ج": "أولى".

والحليلة: المرأة؛ لأنها تحل معه، ويحل معها. * * * 2330 - (4762) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ: أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ بْنُ أَبي بَزَّةَ: أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ: هَلْ لِمَنْ قتلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ: {وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الفرقان: 68]. فَقَالَ سَعِيدٌ: قَرَأْتُهَا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا قَرَأْتَهَا عَلَيَّ، فَقَالَ: هَذه مَكِّيَّةٌ، نسًخَتْهَا آيَة مَدَنِيَّةٌ، الَّتِي فِي سُورَةِ النِّسَاء. (القاسم بن أبي بَزَّة): -بموحدة وزاي مشددة مفتوحتين-: هو جدُّ البَزِّيِّ المقرئِ. (فقرأت عليه: {وَالَّذِينَ لَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} التلاوة: {وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الفرقان:68]. قلت: أورده الشارحون على معنى الاعتراض بوقوع التلاوة على غير ما هي عليه، ويظهر لي فيه وجه (¬1) يندفع (¬2) به الاعتراض، وذلك بأن يقال: المعنى: فقرأت عليه آية: {الَّذِينَ لَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ}، فحذفَ المضاف، وأقام المضافَ إليه مقامه، وحينئذٍ لم يلزم كونُه غيرَ التلاوة؛ لأنه لم يحكها نصًا (¬3)، بل أشار إليها، فلعله تلاها على الوجه، وهو الذي ينبغي أن يُظن بالمسلم. ¬

_ (¬1) "وجه" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "ويندفع". (¬3) في "ج": "أيضًا".

باب: قوله: {فسوف يكون لزاما} [الفرقان: 77]

(فقال: هذه آية مكية نسختها (¬1) آية مدنية التي في سورة النساء): يعني قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 93]، وهذا مبني على قوله: أن لا توبةَ له، وعنه رواية أخرى وقعت في "البخاري" بعدَ هذا: إن هذه الآية نزلت في المعاصي التي تكون في زمن الشرك، ثم يقع الإسلام بعدها (¬2). وحينئذ فلا يكون من باب الناسخ والمنسوخ، [قيل: ولعله قال بالنسخ] (¬3)، ثم رجع عنه؛ لإمكان الجمع، ولهذا أخَّر البخاري الرواية الثانية (¬4). * * * باب: قوله: {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} [الفرقان: 77] 2331 - (4767) - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: خَمْسٌ قَدْ مَضَيْنَ: الدُّخَانُ، وَالْقَمَرُ، وَالرُّومُ، وَالْبَطْشَةُ، وَاللِّزَامُ. {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} [الفرقان: 77]. (قال عبد الله: خمس [قد] مضين: الدخانُ): يعني: السَّنَةَ التي أصابت أهلَ مكة بدعوته -عليه السلام- حتى أكلوا الميتةَ. ¬

_ (¬1) في "ع": "نسخها". (¬2) رواه البخاري (4766) عن ابن عباس -رضي الله عنهما-. (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 971).

(والقمر): يعني: انشقاقَه. (والروم): يعني: غلب الروم لفارس (¬1)، وهو الذي أحبه المسلمون؛ لأن الروم أهلُ كتاب، وأحبَّ المشركون غلبةَ فارس؛ لأنهم عبدةُ أوثان، فنزل قوله تعالى: {وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} [الروم: 3]، فتخاطر أبو بكر وأبو جهل، فذلك قوله تعالى: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ} [الروم: 4 - 5]، وهو نصر الروم على فارس، وأخذ المسلمون الخطار، وذلك قبل تحريم الميسر (¬2). (والبطشةُ، واللِّزامُ): فسر ابن مسعود كلا منهما بيوم بدر، فيكون المعدودُ في الحقيقة أربعًا، ويحتاج إلى بيان الخامس، وعن الحسن: أن اللزام: يومُ القيامة (¬3). قلت: هذا، وإن حصل به بيان الخامس في الجملة، لكن قد لا يحسن التفسير به في هذا المحل؛ لأنه بصدد تفسير "خمسٌ مضين"، وما يكون يوم القيامة مستقبَلٌ لا ماضٍ، وقد يجاب بأنه لتحقق وقوعه عُدَّ ماضيًا. ¬

_ (¬1) في "ع": "الفارس"، وفي "ج": "فارس". (¬2) في "ع": "التنقيح" (2/ 971). (¬3) في "ع": "التوضيح" (23/ 71).

سورة الشعراء

سُورَةُ الشُّعَراءِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} [الشعراء: 129]: كَأَنَّكمْ. الرِّيعُ: الأَيْفَاعُ مِنَ الأَرْضِ، وَجَمْعُهُ رِيعَةٌ وَأَرياعٌ، وَاحِدُ الرِّيَعَةِ. {مَصَانِعَ} [الشعراء: 129]: كُلُّ بِنَاءٍ فَهْوَ مَصْنَعَةٌ. (فَرِحِينَ): مَرِحِينَ، {فَارِهِينَ} [الشعراء: 149]: بِمَعْنَاهُ، ويُقَالُ: {فَارِهِينَ}: حَاذِقِينَ. {تَعْثَوْا} [الشعراء: 183]: أَشَدُّ الْفَسَادِ، عَاثَ يَعِيثُ عَيْثًا. {وَالْجِبِلَّةَ} [الشعراء: 184]: الْخَلْقُ، جُبِلَ: خُلِقَ، وَمِنْهُ جُبُلًّا وَجِبِلًّا وَجُبْلًا؛ يَعْنِي: الْخَلْقَ. (سورة الشعراء). (قال ابن عباس: {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ}: كأنكم): وفي "تفسير البغوي" عن الواحدي: كلُّ ما وقع في القرآن من "لعل"؛ فإنها للتعليل، إلا قولَه تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} [الشعراء: 129]، فإنها للتشبيه، وإثبات التشبيه (¬1) معنى من معاني "لعل" غريب لم يتعرض له النُّحاة (¬2). (فرحين: مرحين): الذي في التلاوة: {فرهين} بالهاء المهملة (¬3) لا بالحاء. ({مَوْزُونٍ}: معلوم): موضع هذا سورة الحجر. (وجمعه رِيَعةٌ): -بكسر الراء وفتح الياء- نحو قِرْد، وقِرَدَةٍ. ¬

_ (¬1) "وإثبات التشبيه" ليس في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 973). (¬3) "المهملة" ليست في "ع" و"ج".

سورة النمل

سُورَةُ النَّمْلِ {الْخَبْءَ} [النمل: 25]: مَا خَبَأْتَ. {لَا قِبَلَ} [النمل: 37]: لَا طَاقَةَ. {الصَّرْحَ} [النمل: 44]: كُلُّ مِلَاطٍ اتُّخِذَ مِنَ الْقَوَارِيرِ، وَالصَّرْحُ: الْقَصْرُ، وَجَمَاعَتُهُ صُرُوحٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَلَهَا عَرْشٌ} [النمل: 23]: سَرِيرٌ كَرِيمٌ، حُسْنُ الصَّنْعَةِ، وَغَلَاءُ الثَّمَنِ. {مُسْلِمِينَ} [النمل: 31]: طَائِعِينَ. {رَدِفَ} [النمل: 7]: اقْتَرَبَ. {جَامِدَةً} [النمل: 88]: قَائِمَةً. {أَوْزِعْنِي} [النمل: 19]: اجْعَلْنِي. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {نَكِّرُوا} [النمل: 41]: غَيِّرُوا. {وَأُوتِينَا الْعِلْمَ} [النمل: 42]: يَقُولُهُ سُلَيْمَانُ. الصَّرْحُ بِرْكَةُ مَاءٍ، ضَرَبَ عَلَيْهَا سُلَيْمَانُ قَوَارِيرَ، ألبَسَهَا إِيَّاهُ. (سورة النمل). (الصرح: كلُّ مِلاطٍ اتُّخِذَ من القوارير): والمِلاط -بكسر الميم-: الطين الذي يجعل بين أثناء (¬1) البناء، قاله القاضي (¬2). وقيده السفاقسي بفتح الميم، وقال: المراد به: كل بناء. ورواه ابن السكن والأصيلي: "كل بلاط" -بالباء الموحدة-، وهو كل شيء فُرشت الأرض منه من آجُرٍّ أو حجارةٍ (¬3). ({رَدِفَ لَكُمْ}: اقترب لكم (¬4)): فاللام حينئذ للتعدية؛ مثل: {اقْتَرَبَ ¬

_ (¬1) "أثناء" ليست في "ج". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 90). (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 974). (¬4) "لكم" ليست في نص البخاري.

لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} [الأنبياء: 1]، وليست زائدة كما قاله (¬1) المبرِّدُ ومَنْ وافقه (¬2). ¬

_ (¬1) في "ج": "كما في قول". (¬2) المرجع السابق، (2/ 975).

سورة القصص

سُوَرةُ الْقصص باب: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56] 2332 - (4772) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبيهِ، قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ، جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيِّةَ ابْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَالَ: "أَيْ عَمِّ! قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ". فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبي أُمَيِّةَ: أترْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ، وَيُعِيدَانِهِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ، حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كلَّمَهُمْ: عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَبَى أَنْ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَاللَّهِ! لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ". فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 113]. وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي أَبي طَالِبٍ، فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56]. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {أُولِي الْقُوَّةِ} [القصص: 76]: لَا يَرْفَعُهَا الْعُصْبَةُ مِنَ الرِّجَالِ. {لَتَنُوءُ} [القصص: 76]: لتثْقِلُ. {فَارِغًا} [القصص: 10]: إِلَّا مِنْ ذِكْرِ مُوسى. {الْفَرِحِينَ} [القصص: 76]: الْمَرِحِينَ. {قُصِّيهِ} [القصص: 11]: اتَّبِعِي أَثَرَهُ، وَقَدْ يَكُونُ: أَنْ يَقُصَّ الْكَلَامَ، {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ} [يوسف: 3]. {عَنْ جُنُبٍ} [القصص: 11]: عَنْ بُعْدٍ، عَنْ جَنَابَةٍ وَاحِدٌ، وَعَنِ اجْتِنَابٍ أَيْضًا. {يَبْطِشَ} [القصص: 19]: وَيَبْطُشُ. {يَأْتَمِرُونَ} [القصص: 20]: يَتَشَاوَرُونَ. الْعُدْوَانُ وَالْعَدَاءُ وَالتَّعَدِّي وَاحِدٌ. {آنَسَ} [القصص: 29]: أَبْصَرَ. الْجذْوَةُ: قِطْعَةٌ غَلِيظَةٌ مِنَ الْخَشَبِ لَيْسَ فِيهَا لَهَبٌ، وَالشِّهَابُ فِيهِ لَهَبٌ.

وَالْحَيَّاتُ أَجْنَاسٌ: الْجَانُّ، وَالأَفَاعِي، وَالأَسَاوِدُ. {رِدْءًا} [القصص:34]: مُعِينًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {يُصَدِّقُنِي} [القصص: 34]. وَقَالَ غَيْرُهُ: {سَنَشُدُّ} [القصص: 35]: سَنُعِينُكَ، كُلَّمَا عَزَّزْتَ شَيْئًا، فَقَدْ جَعَلْتَ لَهُ عَضُدًا. مَقْبُوحِينَ: مُهْلَكِينَ. {وَصَّلْنَا} [القصص: 51]: بَيَّنَّاهُ وَأتمَمْنَاهُ. {يُجْبَى} [القصص: 57]: يُجْلَبُ. {بَطِرَتْ} [القصص: 58]: أَشِرَتْ. {فِي أُمِّهَا رَسُولًا} [القصص: 59]: أُمُّ الْقُرَى مَكَّةُ وَمَا حَوْلَهَا. {تُكِنُّ} [القصص: 69]: تُخْفِي، أَكنَنْتُ الشَّيْءَ أَخْفَيْتُهُ، وَكَنَنْتُهُ: أَخْفَيْتُهُ وَأَظْهَرْتُهُ. {وَيْكَأَنَّ} [القصص: 82]: مِثْلُ: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الروم: 37]: يُوَسعُ عَلَيْهِ، ويُضَيِّقُ عَلَيْهِ. (سورة القصص). (قل: لا إله إلا الله كلمةٌ): بالنصب على البدل، ولو رُفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، لجاز. (ويعيدانه بتلك المقالة): قال الزركشي: صوابه (¬1): ويعيدان له تلك المقالة (¬2). قلت: ضاقَ عَطَنُه عن توجيه اللفظ على الصحة، فجزم بخطئه، ويمكن أن يكون ضمير النصب من قوله: "ويعيدانه" ليس عائدًا على أبي طالب، وإنما هو عائد على الكلام؛ أي: ويعيدان الكلام (¬3) بتلك المقالة، ويكون "بتلك المقالة" ظرفًا مستقرًا منصوبَ المحل على الحال من ضمير ¬

_ (¬1) "صوابه" ليست في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 975). (¬3) "أي: ويعيدان الكلام" ليست في "ج".

النصب العائد على الكلام، والباء للمصاحبة؛ أي: يعيدان الكلام في حالة كونه ملتبسًا بتلك المقالة، وإن بنينا على جواز إعمال ضمير المصدر؛ كما ذهب إليه بعضُهم في مثل: مروري بزيد حسنٌ، وهو بعمرو قبيحٌ، فالأمر واضح، وذلك بأن يجعل ضميرُ الغيبة عائدًا على التكلم المفهوم من السياق، والباء متعلقة بنفس الضمير العائد عليه (¬1)؛ أي: ويعيدان التكلمَ بتلك المقالة. ({فِي أُمِّهَا رَسُولًا}: أم القرى: مكةُ وما حولها): يعني أن الضمير في أمها عائد على القرى، وقوله: "مكة وما حولها" تفسير للأم، لكن في إدخال ما حولها في ذلك نظر، والإشارة بالرسول على هذا إلى نبينا محمد صلوات الله عليه وسلامه. (وكنَنْتُه: أَخْفَيتُه وأَظهرتُه): أخفيتُه من الأضداد بمعنى: سترته، وأظهرته (¬2)، وقيل: خَفِي -بكسر الفاء-: إذا استتر، وبفتحها: إذا ظهر، وظاهرُ كلام البخاري: أن كَننته -أيضًا- من الأضداد. ¬

_ (¬1) في "ع": "العائد إليه". (¬2) "وأظهرته" ليست في "ع".

سورة العنكبوت

سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ قَالَ مُجَاهِدٌ: {وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} [العنكبوت: 38]: ضَلَلَةً. {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ} [العنكبوت: 3]: عَلِمَ اللَّهُ ذَلِكَ، إِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ فَلِيَمِيزَ اللَّهُ؛ كَقَوْلهِ: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ} [الأنفال: 37]. {وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت:13]: أَوْزَارِهِمْ. (سورة العنكبوت). ({وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ}: قال مجاهد: ضَلَلَةٌ): أي: لهم بصيرةٌ في كفرهم، وإعجابٌ به، وإصرارٌ عليه، فذُمُّوا بذلك، وقيل: لهم بصيرة في أن الرسالة والآيات حَقٌّ، لكنهم كانوا مع ذلك يكفرون عنادًا، ويُصِرُّون (¬1) على ما يعتقدون بطلانه، فهو مثل: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} [النمل: 14]. (وقال غيره: {الْحَيَوَانُ} [العنكبوت: 64] والحِيُّ) (¬2): كذا وقع لأكثر الرواة "والحِيُّ"، وهو (¬3) بكسر الحاء: مصدرٌ حَيَّ؛ مثل: عِيّ: في منطقه عِياء. وعند ابن السكن والأصيلي: " {الْحَيَوَانُ}، والحياة واحد"، والمعنى (¬4) لا يختلف (¬5). ¬

_ (¬1) في "ع": "ويصدقون". (¬2) ما بين قوسين ليس في أصل اليونينة، وهي رواية أبي ذر، كما ذكر الحافظ في "الفتح" (8/ 510). (¬3) في "ع": "وهي". (¬4) في "ج": "والمعنى واحد". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 976).

({فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ}: علمَ الله ذلك): يعني أن قوله: ليعلَمَنَّ يُشعر بحدوث العلمِ في المستقبل، وعلمُ الله أزليٌّ، وهو وارد في مواضع كثيرة من الكتاب والسنة، وجوابُه من وجوه: منها: أنه على جهة التمثيل؛ أي: ليفعلَنَّ فعل ما يريد. ومنها: أن المراد علمٌ مقيدٌ بالحادث، فالحدوثُ راجعٌ إلى القيد. ومنها: أن الإسناد مجازي، والمراد إسناد العلم إلى غير الله؛ كما في إسناد بعض خواص الملك إليه؛ تنبيهًا على كرامة القرب والاختصاص.

سورة الروم

سُورَة الرَّومِ {فَلَا يَرْبُو} [الروم: 39]: مَنْ أَعْطَى يَبْتَغِي أَفْضَلَ، فَلَا أَجْرَ لَهُ فِيهَا. قَالَ مُجَاهِدٌ: {يُحْبَرُونَ} [الروم: 15]: يُنَعَّمُونَ. {يَمْهَدُونَ} [الروم: 44]: يُسَوُّونَ الْمَضَاجِعَ. {الْوَدْقَ} [الروم: 48]: الْمَطَرُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [الروم: 28]: فِي الآلِهَةِ، وَفِيهِ {تَخَافُونَهُمْ} [الروم: 28]: أَنْ يَرِثُوكُمْ كمَا يَرِثُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا. {يَصَّدَّعُونَ} [الروم: 43]: يَتَفَرَّقُونَ. {فَاصْدَعْ} [الحجر: 94]. وَقَالَ غَيْرُهُ: ضُعْفٌ وَضَعْفٌ، لُغَتَانِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {السُّوأَى} [الروم: 10]: الإسَاءَةُ جَزَاءُ الْمُسِيئينَ. (سورة الروم). (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {السُّوأَى} [الروم: 10]: الإساءة): قال السفاقسي: ضبط الأَساءة -بفتح الهمزة والمد (¬1) -، وكتبه بالألف. وفي بعض الكتب بكسر الهمزة والمد. وفي بعض الأمهات بالفتح والقصر، وكذلك (¬2) هو في اللغة (¬3). (ضُعْفٌ وضَعْفٌ: لغتان): هذا قول، وقيل: الضُّعف -بضم الضاد-: ما كان في الجسد، و-بفتحها-: ما كان في العقل (¬4). ¬

_ (¬1) في "ع": "بفتح المد". (¬2) في "ج": "وذلك". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 976). (¬4) المرجع السابق، (2/ 977).

باب: قوله: {لا تبديل لخلق الله} [الروم: 30]

باب: قوله: {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: 30] 2333 - (4775) - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟ ثُمَّ يَقُولُ: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم: 30] ". (فأبواه يُهَوِّدانه أو يُنَصِّرانه أو يُمَجِّسانه): قال القاضي أبو بكر: معناه: أنه يُلحق بهما في الأحكام؛ من تحريم الصلاة عليه، ومن ضرب الجزية عليه، إلى غير ذلك، ولولا أنه ولد على فراشهما، لمنع من ذلك كله، قال: ولم يرد أنهما يجعلانه يهوديًا أو نصرانيًا؛ إذ لا قدرة لهما على (¬1) أن يفعلا فيه الاعتقاد أصلًا (¬2). ¬

_ (¬1) "على" ليست في "ع". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 977). والقاضي أبو بكر، هو ابن الطيب.

سورة لقمان

سُورةُ لُقْمان باب: قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} الآية [لقمان: 34] 2334 - (4777) - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ أَبي حَيَّانَ، عَنْ أَبي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَوْمًا بَارِزًا لِلنَّاسِ، إِذْ أتاهُ رَجُلٌ يَمْشِي، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا الإيمَانُ؟ قَالَ: "الإيمَانُ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَلِقَائِهِ، وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ الآخِرِ". قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا الإسْلَامُ؟ قَالَ: "الإسْلَامُ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤتيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ". قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا الإحْسَانُ؟ قَالَ: "الإحْسَانُ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ". قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: "مَا الْمَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، وَلَكِنْ سَأُحَدِّثُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا: إِذَا وَلَدَتِ الْمَرْأةُ رَبَّتَهَا، فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، وَإِذَا كَانَ الْحُفَاةُ الْعُرَاةُ رُؤُوسَ النَّاسِ، فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، فِي خَمْسٍ لا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} [لقمان: 34] ". ثُمَّ انْصَرَفَ الرَّجُلُ، فَقَالَ: "رُدُّوا عَلَيَّ"، فَأَخَذُوا لِيَرُدُّوا، فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا، فَقَالَ: "هَذَا جِبْرِيلُ، جَاءَ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ دِينَهُمْ". (سورة لقمان). (ويؤتي الزكاة المفروضة): لم يذكر مثلَه في الصلاة، بل قال: "ويُقيم الصلاةَ"، ولم يقيده بصفة، مع أن الزكاة إنما تطلق على المفروضة، بخلاف الصلاة، فتأمل السر في ذلك ما هو؟

(في خمس لا يعلمُهُنَّ إلا الله): أي: هي في خمس؛ يعني: أن علم الساعة مذكور في خمس لا يعلمهن إلا الله. وروى الطبري: أن الرشيدَ رأى في نومه ملَكًا أو نبيًا، فسأله عن وقت موته، فأشار بأصابعه الخمس، فعبره بعضهم على السنين، وبعضهم على الشهور، وبعضهم على الأيام. وقال القاضي أبو يوسف: إنما هو إشارة إلى قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 34] الآية، فكأنه (¬1) قال: هذا من العلوم التي لا يعلم حقيقتها إلا الله -عز وجل-، فسري عنه. ¬

_ (¬1) "فكأنه" ليست في "ع" و"ج".

سورة تنزيل السجدة

سُوَرةُ تنْزِيلُ السَّجْدَةِ باب: قوله: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17] 2335 - (4780) - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْن رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، ذُخْرًا، بَلْهَ مَا أُطْلِعْتُمْ عَلَيْهِ"، ثُمَّ قَرَأَ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17]. (سورة تنزيل السجدة (¬1)). (من بَلْهَ (¬2) ما أُطلعتم عليه): نص ابن التين في "شرح البخاري" على أن "بَلْهِ" ضبط بالفتح وبالجر، وكلاهما مع وجود "من"، فأما الجر: فوُجِّه بأنها بمعنى غَيْر، والكسرةُ التي على الهاء حينئذ إعرابيةٌ، وأما توجيهُ الفتح، فاقول: قال الرضي (¬3): وإذا كان -يعني: بَلْهَ- بمعنى: كيف، جاز أن يدخله "من". حكى أبو زيد: أن فلانًا لا يطيق حملَ الفِهْر، فمِنْ بَلْهَ أن يأتي بالصخرة؛ أي: كيف ومن أين؟ انتهى (¬4). ¬

_ (¬1) في "ع": "سورة السجدة تنزيل". (¬2) كذا في رواية أبي ذر الهروي والأصيلي وابن عساكر وأبي الوقت، وفي اليونينية: "بَلْهَ"، دون "من"، وهي المعتمدة في النص. (¬3) في "ع" و"ج": "القاضي". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 978).

قلت: وعليه تتخرج هذه الرواية، فتكون بمعنى: كيف التي يُقصد بها الاستبعاد، و"ما" مصدرية، وهي مع صلتها (¬1) في محل رفع على (¬2) الابتداء، والخبر (¬3) "من بَلْهَ"، والضمير من "عليه" عائد (¬4) على ما ادخرتُه؛ أي: كيفَ ومن أينَ اطلاعُكم (¬5) على ما ادَّخرتُه لعبادي الصالحين؟ فإنه أمرٌ عظيم قلَّما تتسع عقولُ البشر لإدراكه، والإحاطة به، هذا أحسن ما يُقال في هذا المحل، وإذا نظرت إلى كلام الشارحين عليه، عرفت مقداره. ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "صدرها". (¬2) "على" ليست في "ع". (¬3) في "ع" و"ج": "أو الخبر". (¬4) "عائد" ليست في "ع". (¬5) في "ج": "إطلاعهما".

سورة الأحزاب

سُورَةُ الأحْزَابِ باب: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] 2336 - (4781) - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي عَمْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَة - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6]، فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ تَرَكَ مَالًا، فَلْيَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانُوا، فَإِنْ تَرَكَ دَيْنًا، أَوْ ضِيَاعًا، فَلْيَأْتِنِي، وَأَنَا مَوْلَاهُ". (سورة الأحزاب). (أو ضَياعًا): -بفتح الضاد-: العيال، وأصلُه مصدر، فإن كسرتها، كان جمعَ ضائِع؛ كجِياعٍ وجائِع. * * * باب: {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} [الأحزاب: 23] 2337 - (4783) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: نُرَى هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَنسِ بْنِ النَّضْرِ: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23]. (نُرى هذه الآية): -بضم النون-؛ أي: نظُنُّ.

باب: قوله تعالى: {وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة} الآية [الأحزاب: 29]

2338 - (4784) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زيدِ بْنِ ثَابِتٍ: أَنَّ زيدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ: لَمَّا نسخْنَا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ، فَقَدْتُ آيَةً مِنْ سُورَةِ الأَحْزَابِ، كنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَؤُهَا، لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ إِلأَ مَعَ خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ، الَّذِي جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - شَهَادَتَهُ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23]. (فُقِدَتْ آيةٌ): بضم أوله على البناء للمفعول، وآيةٌ: نائب عن الفاعل، و-بفتح أوله بالبناء للفاعل، وآيةً بالنصب على أنه مفعول به. والنَّحْبُ: الوقتُ والمدةُ، تقول: قضى فلان (¬1) نحبه؛ أي: الأجلَ الذي كتبه الله له. * * * باب: قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ} الآية [الأحزاب: 29] 2339 - (4786) - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: لَمَّا أُمِرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ، بَدَأَ بِي فَقَالَ: "إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا، فَلَا عَلَيْكِ أَنْ لَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَويْكِ". قَالَتْ: وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ، قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ -جَلَّ ثَنَاؤُهُ- قَالَ: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} إِلَى {أَجْرًا ¬

_ (¬1) في "ج": "فلان قضى".

باب: {ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء} الآية [الأحزاب: 51]

عَظِيمًا} [الأحزاب: 28 - 29] ". قَالَتْ: فَقُلْتُ: فَفِي أَيِّ هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟ فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ. قَالَتْ: ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَ مَا فَعَلْتُ. (قالت: ثم فعل أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - مثلَ ما فعلتُ): قيل: هذا بعمومه يدل على بطلان ما روي: أن (¬1) امرأة منهن اختارت الدنيا، وأنها عوقبت (¬2) (¬3). * * * باب: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} الآية [الأحزاب: 51] 2340 - (4788) - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: هِشَامٌ: حَدَّثَنَا، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: كُنْتُ أَغَارُ عَلَى اللَّاتِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَقُولُ: أَتَهَبُ الْمَرْأة نَفْسَهَا؟! فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ} [الأحزاب: 51]، قُلْتُ: مَا أُرَى رَبكَ إِلَّا يُسَارعُ فِي هَوَاكَ. (كنت أغارُ على اللاتي وهبْنَ أنفسهن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -): في الواهبة من غير الزوجات قولان: أحدهما: أُمُّ شريك العامرية، واسمها غُزَيَّةُ، وقيل: غُزَيْلَةُ. ¬

_ (¬1) "أن" ليست في "ج". (¬2) في "ع" "عوقبت بها". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 979).

باب: قوله: {لا تدخلوا بيوت النبي} الآية [الأحزاب: 53]

والثاني: خَوْلَةُ بنتُ حَكيم. ومن الزوجات قولان: أحدهما: مَيمونَةُ بنتُ الحارث، قاله ابن عباس. والثاني: زينبُ بنتُ خُزيمةَ، قاله الشعبي. وفي "أسد الغابة" في ترجمة ميمونةَ بنتِ الحارث: قال قتادة وابن شهاب: هي التي وهبت نفسها للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فأنزل الله -عز وجل-: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} [الأحزاب: 50] (¬1). والصحيح ما تقدم؛ يعني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرسل إليها جعفر بن أبي طالب، فخطبها، فجعلت (¬2) أمرَها للعباس بن عبد المطلب، فزوَّجها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقيل: إن العباس قال له: إن ميمونة قد تأيمت من أبي رهمِ بنِ عبدِ العزى، هل لك أن تتزوجها؟ فتزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. * * * باب: قوله: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} الآية [الأحزاب: 53] 2341 - (4793) - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: بُنيَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِزَيْنَبَ بْنَةِ جَحْشٍ بِخُبْزٍ وَلَحْم، فَأُرْسِلْتُ عَلَى الطَّعَامِ دَاعِيًا، فَيَجيءُ قَوْمٌ فَيَأْكلُونَ وَيَخْرُجُونَ، ثُمَّ يَجيءُ قَوْمٌ فَيَأْكلُونَ وَيَخْرُجُونَ، فَدَعَوْتُ حَتَّى ¬

_ (¬1) انظر: "أسد الغابة" (7/ 295). (¬2) "فجعلت" ليست في "ع".

مَا أَجِدُ أَحَدًا أَدْعُو، فَقُلْتُ: يَا نبَيَّ اللَّهِ! مَا أَجِدُ أَحَدًا أَدْعُوهُ، قَالَ: "ارْفَعُوا طَعَامَكُمْ". وَبَقِيَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ يَتَحَدَّثُونَ فِي الْبَيْتِ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَانْطَلَقَ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ، فَقَالَ: "السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ". فَقَالَتْ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، كيْفَ وَجَدْتَ أَهْلَكَ؟ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ. فتقَرَّى حُجَرَ نِسَائِهِ كلِّهِنَّ، يَقُولُ لَهُنَّ كَمَا يَقُولُ لِعَائِشَةَ، وَيَقُلْنَ لَهُ كمَا قَالَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ رَجَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَإِذَا ثَلَاثَةُ رَهْطٍ فِي الْبَيْتِ يَتَحَدَّثُونَ، وَكانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - شَدِيدَ الْحَيَاءِ، فَخَرَجَ مُنْطَلِقًا نحوَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، فَمَا أَدْرِي: آخْبَرْتُهُ أَوْ أخبِرَ أَنَّ الْقَوْمَ خَرَجُوا، فَرَجَعَ، حَتَّى إِذَا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي أُسْكُفَّةِ الْبَابِ دَاخِلَةً وَأُخْرَى خَارِجَةً، أَرْخَى السِّتْرَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَأنزِلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ. (فتقرَّى حُجَرَ نسائه): أي: تبعهن واحدةً بعدَ أخرى. * * * 2342 - (4795) - حَدَّثَنِي زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: خَرَجَتْ سَوْدَةُ بَعْدَ مَا ضُرِبَ الْحِجَابُ لِحَاجَتِهَا، وكَانَتِ امْرَأَةً جَسِيمَةً، لَا تَخْفَى عَلَى مَنْ يَعْرِفُهَا، فَرَآهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: يَا سَوْدَةُ! أَمَا وَاللَّهِ! مَا تَخْفَيْنَ عَلَيْنَا، فَانْظُرِي كَيْفَ تَخْرُجِينَ. قَالَتْ: فَانْكَفَأَتْ رَاجِعَةً، وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَيْتِي، وَإِنَّهُ لَيَتعَشَّى، وَفِي يَدِهِ عَرْقٌ، فَدَخَلَتْ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي خَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي، فَقَالَ لِي عُمَرُ كَذَا وَكَذَا، قَالَتْ: فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ، ثُمَّ رُفِعَ عَنْهُ، وَإِنَّ الْعَرْقَ فِي يَدِهِ مَا وَضَعَهُ، فَقَالَ: "إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ".

باب: {إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} [الأحزاب: 56]

(في يده عَرْق): -بفتح العين المهملة وسكون الراء-؛ أي: العظم (¬1) عليه بقيةُ اللحم. * * * باب: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] ({يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}): عليه سؤال مشهور، وهو أن الصلاة آكدُ من التسليم، فكيف أُكد هو بالمصدر دونها؟ وأجيب: بأنه ترك تأكيدها بالمصدر اكتفاء بما تقدم من الأخبار بأن الله وملائكته يصلون، وذلك يفيد أنها من الشرف بأعلى مكان، وهو من أقوى البواعث على تحصيلها، فجاء تأكيدُها في المعنى بهذا الطريق، وفيه نظر. 2343 - (4797) - حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنِ الْحَكَم، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كعْبِ بْنِ عُجْرَةَ - رضي الله عنه -: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَمَّا السَّلَامُ عَلَيْكَ، فَقَدْ عَرَفْنَاهُ، فَكَيْفَ الصَّلَاةُ؟ قَالَ: "قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ". (كما صليت على إبراهيم): عليه -أيضًا- سؤال مشهور للشيخ عز الدين بن عبد السلام، وهو أن الصلاة من الله الإحسانُ، وإحسانُه تعالى لمحمد -عليه الصلاة والسلام-، أعظمُ من إحسانه لإبراهيم -عليه السلام-، ¬

_ (¬1) في "ج": "العظيم".

وتشبيهُه به يقتضي خلافَ ذلك؛ لأن المشبَّه أخفضُ رتبةً من المشبه به. وكان -رحمه الله- يجيب: بأن التشبيه وقع بين مجموع المعطَى [لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولآله، ومجموعِ المعطى] (¬1) لإبراهيم وآله، وآلُ إبراهيم أنبياء، وآلُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - ليسوا أنبياء، فعطيةُ إبراهيم -عليه السلام- مع عطية (¬2) آله تقسم عليهم (¬3)، والمعطَى لمحمد -عليه السلام- ولآله يُقسم عليهم، فيفضل [أجزاء آل إبراهيم على أجزاء آل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ ضرورةَ أن أولئك أنبياء دون هؤلاء، فيفضل] (¬4) لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعظمُ ما يفضل لإبراهيم، فيندفع السؤال. وأجاب القرافي (¬5) من أصحابنا بأحسن من ذلك: وهو أن الدعاء يتعلق بالمستقبل، ولا يستحيل أن يسأل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - منزلةً (¬6)، وإن حصل له أكثر منها، فهو أفضلُ من إبراهيم، ونسأل له مثلَ منزلة إبراهيم زيادة؛ كما لو أعطى ملكٌ رجلًا ألف دينار، وآخرَ مثلَه مئةً، فيسأل أن يزيد صاحب الألف مثل تلك المئة، وذلك لا يُخِلُّ بعطية صاحبِ الألف. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬2) "عطية" ليست في "ج". (¬3) في "ع": "عليه". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬5) في "ج": "القراء". (¬6) في "ج": "نزل له".

سورة سبأ

سُوَرةُ سَبَأ يُفَالُ: {مُعَاجِزِينَ} [سبأ: 5]: مُسَابِقِينَ. {بِمُعْجِزِينَ} [الأنعام: 134]، بِفَائِتِينَ. {مُعَاجِزِينَ}: مُغَالِبِينَ. {سَبَقُوا} [الأنفال: 59]: فَاتُوا. {لَا يُعْجِزُونَ} [الأنفال: 59]: لَا يَفُوتُونَ. {يَسْبِقُونَا} [العنكبوت: 4]: يُعْجِزُونَا، قَوْلُهُ {بِمُعْجِزِينَ}: بِفَائِتِينَ، وَمَعْنَى {مُعَاجِزِينَ}: مُغَالِبِينَ، يُرِيدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُظْهِرَ عَجْزَ صَاحِبِهِ. {مِعْشَارَ} [سبأ: 45]: عُشْرٌ. الأُكُلُ: الثَّمَرُ. {بَاعِدْ)} [سبأ: 19]، وَبَعِّدْ وَاحِدٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {لَا يَعْزُبُ} [سبأ: 3]: لَا يَغِيبُ. {الْعَرِمِ} [سبأ: 16]: السُّدُّ، مَاءٌ أَحْمَرُ، أَرْسَلَهُ اللَّهُ فِي السُّدِّ، فَشَقَّهُ وَهَدَمَهُ، وَحَفَرَ الْوَادِيَ، فَارْتَفَعَتَا عَنِ الْجَنَّتَيْنِ، وَغَابَ عَنْهُمَا الْمَاءُ، فَيَبِسَتَا، وَلَمْ يَكُنِ الْمَاءُ الأَحْمَرُ مِنَ السُّدِّ، وَلَكِنْ كَانَ عَذَابًا أَرْسَلَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَيْث شَاءَ. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ: {الْعَرِمِ}: الْمُسَنَّاةُ بِلَحْنِ أَهْلِ الْيَمَنِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْعَرِمُ الْوَادِي. السَّابِغَاتُ: الدُّرُوعُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يُجَازَى: يُعَاقَبُ. {أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ} [سبأ: 46]: بِطَاعَةِ اللَّهِ. {مَثْنَى وَفُرَادَى} [سبأ: 46]: وَاحِدٌ وَاثْنَيْنِ. {التَّنَاوُشُ} [سبأ:52]: الرَّدُّ مِنَ الآخِرَةِ إِلَى الدُّنْيَا. {وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} [سبأ: 54]: مِنْ مَالٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ زَهْرَةٍ. {بِأَشْيَاعِهِمْ} [سبأ: 54]: بِأَمْثَالِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {كَالْجَوَابِ} [سبأ: 13]: كَالْجَوْبَةِ مِنَ الأَرْضِ. الْخَمْطُ: الأَرَاكُ. وَالأَثْلُ: الطَّرْفَاءُ. {الْعَرِمِ}: الشَّدِيدُ. (سورة سبأ). (فارتفعتا عن الجنَّتَيْنِ): قيل: صوابه: بغير الجنبين، كما ثبت في

باب: {حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير} [سبأ: 23]

بعض النسخ رواية عن أبي ذر (¬1). (العَرِمُ: المُسَنَّاةُ بلَحَنِ أهلِ اليمن): اللَّحَنُ هنا: بفتح الحاء، وهو اللغة (¬2)، والمسناةُ: ما بُني في عرض الوادي ليرتفع السيلُ ويفيضَ على الأرض، وضبطُه عند الأكثرين: بضم الميم وفتح السين وتشديد النون، وعند الأصيلي: بفتح الميم وسكون السين وتخفيف النون (¬3) (¬4). (وقال ابن عباس: {كَالْجَوَابِ}: كالجوبة من الأرض): قيل: أصلُه في اللغة: من الجابية، وهي الحوض الذي يجبى فيه الشيء؛ أي: يجمع، فوزن الجوابي على هذا فَواعِل، وعينُه باء موحدة، فهو مخالف للجَوْبة من حيث إن عينه واو، فلم يرد أن اشتقاقهما واحد (¬5). (مثنى وفرادى: واحدٌ واثنان): المعروفُ في تفسير مثله التكرير؛ أي: واحدًا واحدًا، واثنين اثنين. * * * باب: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ: 23] 2344 - (4800) - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: إِنَّ نبَيَّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 980). (¬2) في "ع" و"ج": "في اللغة". (¬3) "النون" ليست في "ج". (¬4) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬5) المرجع السابق، الموضع نفسه.

باب: قوله تعالى: {إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد} [سبأ: 46]

قَالَ: "إِذَا قَضَى اللَّهُ الأَمْرَ فِي السَّمَاءِ، ضَرَبَتِ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ، كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ، فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوِبهِمْ، قَالُوا: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا لِلَّذِي قَالَ: الْحَق، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ، فَيَسْمَعُهَا مُسْتَرِقُ السَّمْعِ، وَمُسْتَرِقُ السَّمْعِ هَكَذَا بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ -وَوَصَفَ سُفْيَانُ بِكَفِّهِ فَحَرَفَهَا، وَبَدَّدَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ-، فَيَسْمَعُ الْكَلِمَةَ فَيُلْقِيهَا إِلَى مَنْ تَحْتَهُ، ثُمَّ يُلْقِيهَا الآخَرُ إِلَى مَنْ تَحْتَهُ، حَتَّى يُلْقِيَهَا عَلَى لِسَانِ السَّاحِرِ أَوِ الْكَاهِنِ، فَرُبَّمَا أَدْرَكَ الشِّهَابُ قَبْلَ أَنْ يُلْقِيَهَا، وَرُبَّمَا ألقَاهَا قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُ، فَيَكْذِبُ مَعَهَا مِئَةَ كَذْبَةٍ، فَيُقَالُ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ لنا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا: كَذَا وَكَذَا؟ فَيُصدَّقُ بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ الَّتِي سَمِعَ مِنَ السَّمَاءِ". (مسترقُ السمع): قال الزركشي: صوابه: "مسترقو السمع" في الموضعين (¬1). قلت: يمكن جعلُه لمفردٍ لفظًا، دالًّ على الجماعة معنى؛ أي: فيسمعها فريقُ مسترقِ السمع؛ كما مر مرات، ولا إشكال حينئذٍ. * * * باب: قوله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [سبأ: 46] 2345 - (4801) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: صَعِدَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الصَّفَا ذَاتَ يَوْمٍ، فَقَالَ: ¬

_ (¬1) المرجع السابق، (2/ 981).

"يَا صَبَاحَاهْ! "، فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ، قَالُوا: مَا لَكَ؟ قَالَ: "أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ الْعَدُوَّ يُصَبِّحُكُمْ أَوْ يُمَسِّيكُمْ، أَمَا كنْتُمْ تُصَدِّقُونِي؟ "، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: "فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ"، فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1]. (محمد بن خازم): بالخاء المعجمة والزاي.

سورة الملائكة

سُورَةُ الْمَلَائِكَةِ قَالَ مُجَاهِدٌ: الْقِطْمِيرُ: لِفَافَةُ النَّوَاةِ. {مُثْقَلَةٌ} [فاطر: 18]: مُثَقَّلَةٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ: {الْحَرُورُ} [فاطر: 21]: بِالنَّهَارِ مَعَ الشَّمْسِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْحَرُورُ: بِاللَّيْلِ، وَالسَّمُومُ: بِالنَّهَارِ. {وَغَرَابِيبُ} [فاطر: 27]: أَشَدُّ سَوَادٍ، الْغِرْبِيبُ: الشَّدِيدُ السَّوَادِ. (سورة الملائكة). (وقال ابن عباس: {وَغَرَابِيبُ}: أشدُّ سوادٍ الغربيبُ): قال الزركشي: وهذا على قول أبي عبيد أنه على التقديم والتأخير، يقال: أسودُ غربيب (¬1). قلت: في "الصحاح": ويقول: هذا أسودُ غربيب؛ أي: شديدُ السواد، وإذا قلتَ: غرابيب سود، يجعل السودُ بدلًا من غرابيب؛ لأن توكيد الألوان لا يتقدم (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 981). (¬2) انظر: "الصحاح" (1/ 192)، (مادة: غرب).

سورة يس

سورة يس وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {فَعَزَّزْنَا} [يس: 14]: شَدَّدْنَا. {يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ} [يس: 30]: كَانَ حَسْرَةً عَلَيْهِمُ اسْتِهْزَاؤُهُمْ بِالرُّسُلِ. {أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ} [يس: 40]: لَا يَسْتُرُ ضَوْءُ أَحَدِهِمَا ضَوْءَ الآخَرِ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُمَا ذَلِكَ. {سَابِقُ النَّهَارِ} [يس: 40]: يَتَطَالَبَانِ حَثِيثِيْنِ. {نَسْلَخُ} [يس: 37]: نُخْرِجُ أَحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ، وَيَجْرِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. {مِنْ مِثْلِهِ} [يس: 42]: مِنَ الأَنْعَامِ. (فكهون): مُعْجَبُونَ. {جُنْدٌ مُحْضَرُونَ} [يس: 75]: عِنْدَ الْحِسَابِ. وَيُذْكَرُ عَنْ عِكْرِمَةَ: {الْمَشْحُونِ} [يس: 41]: الْمُوقَرُ. وَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: {طَائِرُكُمْ} [يس: 19]: مَصَائِبُكُمْ. {يَنْسِلُونَ} [يس: 51]: يَخْرُجُونَ. {مَرْقَدِنَا} [يس: 52]. مَخْرَجِنَا. {أَحْصَيْنَاهُ} [يس: 12]: حَفِظْنَاهُ. {مَكَانَتِهِمْ} [يس: 67]، وَمَكَانُهُمْ وَاحِدٌ. (سورة يس). ({مِنْ مِثْلِهِ}: من الأنعام): هو (¬1) قول مجاهد. وقال ابن عباس: هو السفن. قيل: وهو أشبه بقوله: {وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ} [يس: 43]، وإنما الغرق في الماء. (فكهون: معجَبون): كذا لأبي ذر. وعند القابسي: "فاكهون". ¬

_ (¬1) "هو" ليست في "ع".

باب: قوله تعالى: {والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم} [يس: 38]

وقال الفراء: بل (¬1) هما بمعنى واحد؛ كحَذِرٍ وحاذِرٍ (¬2). قلت: بل بينهما فرق ظاهر بالمبالغة وعدمِها، إلا أن يكون الكوفيون لا يفرقون بين صيغة المبالغة واسم الفاعل، فيتمشى ما قال، والله أعلم. * * * باب: قوله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [يس: 38] 2346 - (4803) - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي ذَرِّ، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس: 38]، قَالَ: "مُسْتَقَرُّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ". (مستقرُّها تحتَ العرش): نقل السفاقسي وغيرُه عن الخطابي: أنه قال: يحتمل أن يكون (¬3) على ظاهره من الاستقرار تحت العرش؛ [بحيث لا نحيط به نحن، ويحتمل أن يكون المعنى: إن عِلْمَ ما سألت عنه من مستقرها تحت العرش] (¬4) في كتاب كُتبت فيه مبادئ أمور العالم ونهايتها، وهو اللوح المحفوظ (¬5). ¬

_ (¬1) "بل" ليست في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 981). (¬3) "أن يكون" ليست في "ع". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬5) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 1893). وانظر: "التنقيح" (2/ 982).

سورة الصافات

سُورَةُ الصَّافَّاتِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [سبأ: 53]: مِنْ كُلِّ مَكَانٍ. {وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ} [الصافات: 8]: يُرْمَوْنَ. {وَاصِبٌ} [الصافات: 9]: دَائِمٌ. {لَازِبٍ} [الصافات: 11]: لَازِمٌ. {تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} [الصافات: 28]: يَعْنِي: الْحَقَّ، الْكُفَّارُ تَقُولُهُ لِلشَّيْطَانِ. (سورة والصافات). (وقال مجاهد: {تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ}): أي: إن الكفار يقولون للشيطان هذا الكلام بمعنى: إنكم كنتم تصدوننا عن سبيل الخير وطريق الجنة.

سورة ص

سُورَةُ ص {عُجَابٌ} [ص:5]: عَجيبٌ. الْقِطُّ: الصَّحِيفَةُ، هُوَ هَاهُنَا صَحِيفَةُ الْحَسَنَاتِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {فِي عِزَّةٍ} [ص: 2]: مُعَازِّينَ. {الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ} [ص: 7]: مِلَّةُ قُرَيْشٍ. الاِخْتِلَاقُ: الْكَذِبُ. {الْأَسْبَابِ} [ص: 10]: طُرُقُ السَّمَاءِ فِي أَبْوَابِهَا. {جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ} [ص: 11]: يَعْنِي: قُرَيْشًا. {أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ} [ص: 13]: الْقُرُونُ الْمَاضِيَةُ. {فَوَاقٍ} [ص: 15]: رُجُوعٍ. {قِطَّنَا} [ص: 16]: عَذَابَنَا. {أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا} [ص: 63]: أَحَطْنَا بِهِمْ. {أَتْرَابٌ} [ص: 52]: أَمْثَالٌ. (سورة ص). ({عُجَابٌ}: عجيب): مثل طُوال وطويل. (القِطُّ: الصحيفةُ، وهو هاهنا: صحيفة الحساب): كذا للجمهور بكسر الحاء في أوله وبموحدة آخره، ويروى: صحيفة الحسنات، جمع حَسَنة (¬1). ({فَوَاقٍ}: رجوع): أبو عبيدة: "فَواق" -بفتح الفاء-: راحة، وبضمها: انتظار، وقيل: هما لغتان (¬2). وقال السُّدي: ما لهم بعدها إفاقةٌ ولا رجوع (¬3). ¬

_ (¬1) في "ع": "حسنات". وانظر: "التنقيح" (2/ 982). (¬2) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬3) رواه الطبري في "تفسيره" (23/ 133).

({أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا}: أحطنا بهم): كذا هو في الأصول من الإحاطة، وبخط الدمياطي لعله (¬1): "أخطأناهم"، وحذف مع ذلك القولُ الذي هذا تفسيره، وهو: {أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ} [ص: 63] (¬2). ¬

_ (¬1) "لعله" ليست في "ع". (¬2) انظر: "التوضيح" (23/ 168).

سورة الزمر

سُورَةُ الزُّمَرِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ} [الزمر: 24]: يُجَرُّ عَلَى وَجْهِهَ فِي النَّارِ، وَهْوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا} [فصلت: 40]. {ذِي عِوَجٍ} [الزمر: 28]: لَبْسٍ. {وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ} [الزمر: 29]: مَثَلٌ لآلِهَتِهِم الْبَاطِلِ، وَالإلَهِ الْحَقِّ. {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [الزمر: 36]: بِالأَوْثَانِ. خَوَّلْنَا: أَعْطَيْنَا. {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ} [الزمر: 33]: الْقُرْآنُ، {وَصَدَّقَ بِهِ} [الزمر: 33]: الْمُؤْمِنُ يَجيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ: هَذَا الَّذِي أَعْطَيْتَنِي، عَمِلْتُ بِمَا فِيهِ. {مُتَشَاكِسُونَ} [الزمر: 29]: الشَّكِسُ: الْعَسِرُ لَا يَرْضَى بِالإنْصَافِ. {وَرَجُلًا سَلَمًا} [الزمر: 29]: وَيُقَالُ: سَالِمًا: صَالِحًا. {اشْمَأَزَّتْ} [الزمر: 45]: نَفَرَتْ. {بِمَفَازَتِهِمْ} [الزمر: 61]: مِنَ الْفَوْزِ. {حَافِّينَ} [الزمر: 75]: أَطَافُوا بِهِ، مُطِيفِينَ بِحِفَافَيْهِ: بِجَوَانِبِهِ. {مُتَشَابِهًا} [الزمر: 23]: لَيْسَ مِنَ الاِشْتِبَاهِ، وَلَكِنْ يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا فِي التَّصْدِيقِ. (سورة الزمر) (¬1). ({أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ}: يُجَرُّ على وجهه في النار): الجمهور من الرواة على أن "يُجَرُّ" -بالجيم- فعل مبني للمفعول، وعند الأصيلي: "يُحَرُّ" -بالحاء المهملة-، والظاهر هو الأول (¬2). (الشَّكِس العسر): بفتح الشين المعجمة وكسر الكاف وإسكانها ¬

_ (¬1) "سورة الزمر" ليست في "ع". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 983).

باب: قوله تعالى: {وما قدروا الله حق قدره} [الزمر: 67]

وآخره سين مهملة. (مُطيفين بحِفافَيْه (¬1)): تثنية حِفاف، وهو الجانب، ويروى: "بجانبيه". * * * باب: قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الزمر: 67] 2347 - (4811) - حَدَّثنا آدَمُ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: جَاءَ حَبْرٌ مِنَ الأَحْبَارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّا نجَدُ أَنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الْخَلَائِقِ عَلَى إِصْبَعٍ، فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ؛ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الْحَبْرِ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: 67]. (جاء حَبر): -بفتح الحاء، ومنهم من كسرها-: واحدُ الأحبار، وهو العالم، وقد تكلف الخطابي وابنُ فَوْرك وغيرُهما في تأويل الإصبع، والأولى طريقة السلف (¬2)، وهي الكَفُّ عن ذلك مع اعتقادِ أنه لم يُرَدْ ظاهرُه، ونكل علمَه إلى الله تعالى (¬3). ¬

_ (¬1) في"ع": "بجانبيه". (¬2) في "م" و"ع": "للسلف". (¬3) انظر "التنقيح" (2/ 983).

باب: قوله تعالى: {ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض} الآية [الزمر: 68]

باب: قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} الآية [الزمر: 68] 2348 - (4813) - حَدَّثَنِي الْحَسَنُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحِيم، عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ أَبي زَائِدَةَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "إِنَي أَولُ مَنْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ بَعْدَ النَّفْخَةِ الآخِرَةِ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى مُتَعَلِّقٌ بِالْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَكَذَلِكَ كَانَ، أَمْ بَعْدَ النَّفْخَةِ؟ ". (فإذا أنا بموسى متعلقٌ بالعرش، فلا أدري أكذلك كان، أم بعد النفخة؟): قال السفاقسي حاكيًا عن الداودي: هذا وهم؛ لأن موسى مقبورٌ ومبعوثٌ بعدَ النفخة، فكيف يكون ذلك قبلها (¬1)؟ * * * 2349 - (4814) - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبي، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ". قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! أَرْبَعُونَ يَوْمًا؟ قَالَ: أَبَيْتُ، قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ قَالَ: أَبَيْتُ، قَالَ: أَرْبَعُونَ شَهْرًا؟ قَالَ: أَبَيْتُ، "وَيَبْلَى كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الإنْسَانِ إِلَّا عَجْبَ ذَنَبهِ، فِيهِ يُرَكبُ الْخَلْقُ". (ويبلى كلُّ شيء من الإنسان إلا عَجْبَ ذَنبِه): -بسكون الجيم-: هو: عظمٌ لطيفٌ في أصل الصُّلْب، وهو رأس العُصْعُص. وروى ابن أبي الدنيا في كتاب "البعث" من حديث أبي سعيد الخدري: ¬

_ (¬1) المرجع السابق، الموضع نفسه.

قيل: يا رسول الله! ما عَجْبُ الذَّنَب؟ قال: "مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ". ويقال له (¬1): "عَجْم" -بالميم (¬2) -؛ كلازِب، ولازِم (¬3). ¬

_ (¬1) "له" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "بالجيم". (¬3) وانظر: "التوضيح" (23/ 183).

سورة المؤمن

سورَةُ الْمُؤْمِنِ قَالَ مُجَاهِدٌ: مَجَازُهَا مَجَازُ أَوَائِلِ السُّوَرِ، وَيُقَالُ: بَلْ هُوَ اسْمٌ؛ لِقَوْلِ شُرَيْح بْنِ أَبِي أَوْفَى الْعَبْسِيِّ: يُذَكِّرُنِي حَامِيمَ وَالرُّمْحُ شَاجِرٌ ... فَهَلَّا تَلَا حَامِيمَ قَبْلَ التَّقَدُّمِ (سورة المؤمن): حم. (مجازُها مجازُ أوائلِ السور): أي: تأويلُ مجازها، وصرفُ لفظِها عن ظاهره كالكلام في غيرها من الحروف المقطَّعة في أوائل السور. (ويقال: بل هو اسمٌ (¬1)): يعني: للسورة، وهو قولٌ مشهور، وأنشد عليه (¬2) قول شُرَيْحِ (¬3) بنِ أَوْفى العبسيِّ: يُذَكِّرُني حم؛ يعني: حم (¬4) عسق؛ لما فيها من قوله تعالى (¬5): {لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23]، وقد كان من القرابة، أمره أبو طلحة يومَ الجمل أن يتقدم للقتال، فنثر درعه بين رجليه (¬6)، وكان كلما حمل عليه رجل، قال: نشدتك بحم (¬7)، حتى حمل عليه العبسيُّ فقتله، وأنشأ يقول: ¬

_ (¬1) "اسم" ليست في "ع". (¬2) "عليه" ليست في "ج". (¬3) في "ج": "جريج". (¬4) "يعني حم" ليست في "ج". (¬5) في "م": "لما فيها من قول". (¬6) في "م": "رجله". (¬7) "بحم" ليست في "ع".

وَأَشْعَثَ قَوَّامٍ بِآيَاتِ رَبِّهِ ... قَلِيلِ الأَذَى فِيمَا تَرَى العَيْنُ مُسْلِمِ شَكَكْتُ لَهُ بِالرُّمْحِ جَيْبَ قَمِيصِهِ ... فَخَرَّ صَرِيعًا لِلْيَدَيْنِ وَلِلْفَمِ عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ غَيْرَ أَنْ لَيْسَ تَابِعًا ... عَلِيًّا وَمَنْ لا يَتْبَعِ الحَقَّ يَظْلِمِ يُنَاشِدُني حم وَالرُّمْحُ شَاجِرٌ ... فَهَلَّا تَلا حم قَبْلَ التَّقَدُّمِ فلما رآه عليٌّ - رضي الله عنه -، استرجَعَ، وقال: إنْ كان لشابًّا صالحًا، ثم قعدَ كئيبًا (¬1). فقوله: "على غير شيء" متعلق بـ"شككت"؛ أي: خَرَقْتُ؛ يعني: بلا سبب من الأسباب. وقوله: "غيرَ أنْ ليس تابعًا" استثناءٌ من شيء؛ لعمومه بالنفي، أو بدل، والفتحُ للبناء. (والرمح شاجِرٌ): أي: طاعِنٌ؛ من شَجَرْتُه بالرمح: طعنتُه به. وقيل: مختلف، فعلى الأول معناه: لو ذَكَّرني حم قبل أن أطعنه (¬2) بالرمح لَسَلِمَ (¬3)، وعلى الثاني: قبلَ قيامِ الحرب وتردُّدِ الرماح. ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (23/ 186). (¬2) في "ع": "قبل الطعنة". (¬3) في "ع" و"ج": "يسلم".

سورة حم السجدة

سُورَةُ حَم السَّجْدَةِ وَقَالَ طَاوُسٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {ائْتِيَا طَوْعًا} [فصلت: 11]: أَعْطِيَا. {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11]: أَعْطَيْنَا. وَقَالَ الْمِنْهَالُ، عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: إِنِّي أَجِدُ فِي الْقُرْآنِ أَشْيَاءَ تَخْتَلِفُ عَلَيَّ؟ قَالَ: {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون: 101]، {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات: 27]، {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} [النساء: 42]، {رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23]: فَقَدْ كَتَمُوا فِي هَذِهِ الآيَةِ؟ وَقَالَ: {أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} إِلَى قَوْلهِ: {دَحَاهَا} [النازعات: 27 - 30]: فَذَكَرَ خَلْقَ السَّمَاءِ قَبْلَ خَلْقِ الأَرْضِ، ثُمَّ قَالَ: {أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} إِلَى {طَائِعِينَ} [فصلت: 9 - 11]: فَذكَرَ فِي هَذِهِ خَلْقَ الأَرْضِ قَبْلَ السَّمَاءِ؟ وَقَالَ: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 73]، {عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 56]، {سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 58] فَكَأَنَّهُ كَانَ ثُمَّ مَضَى؟ فَقَالَ: {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ} [المؤمنون: 101]: فِي النَّفْخَةِ الأُولَى، ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ: {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ} [الزمر: 68]: فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ، وَلَا يَتَسَاءَلُونَ، ثُمَّ فِي النَّفْخَةِ الآخِرَةِ: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات: 27]. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23]، {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ} [النساء: 42]: فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لأَهْلِ الإخْلَاصِ ذُنُوبَهُمْ، وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: تَعَالَوْا نَقُولُ: لَمْ نَكُنْ مُشْرِكينَ، فَخَتَمَ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ، فَتَنْطِقُ أَيْدِيهِمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ عُرِفَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُكْتَمُ حَدِيثًا، وَعِنْدَهُ: {يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 42].

وَخَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ، ثمَّ خَلَقَ السَّمَاءَ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ، فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ، ثُمَّ دَحَا الأَرْضَ، وَدَحْوُهَا: أَنْ أَخْرَجَ مِنْهَا الْمَاءَ وَالْمَرْعَى، وَخَلَقَ الْجبَالَ وَالْجمَالَ وَالآكامَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {دَحَاهَا} [النازعات: 30]، وَقَوْلُهُ: {خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 9]، فَجُعِلَتِ الأَرْضُ وَمَا فِيهَا مِنْ شَيْءٍ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَخُلِقَتِ السَّمَوَاتُ فِي يَوْمَيْنِ. {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا} [الأحزاب: 73] سَمَّى نفسَهُ ذَلِكَ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ؛ أَيْ: لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا إِلَّا أَصَابَ بِهِ الَّذِي أَرَادَ، فَلَا يَخْتَلِفْ عَلَيْكَ الْقُرْآنُ؛ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {مَمْنُونٍ} [فصلت: 8]: مَحْسُوبٍ. {أَقْوَاتَهَا} [فصلت: 10]: أَرْزَاقَهَا. {فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} [فصلت: 12]: مِمَّا أَمَرَ بِهِ. {نَحِسَاتٍ} [فصلت: 16]: مَشَائِيمَ. {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ} [فصلت: 25]: قَرَنَّاهُمْ بِهِمْ. {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ} [فصلت: 30]: عِنْدَ الْمَوْتِ. {اهْتَزَّتْ} [فصلت: 39] بِالنَّبَاتِ، {وَرَبَتْ} [فصلت: 39]: ارْتَفَعَتْ. وَقَالَ غَيْرُهُ: {مِنْ أَكْمَامِهَا} [فصلت: 47]: حِينَ تَطْلُعُ. {لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي} [فصلت: 50]: أَيْ بِعَمَلِي أَنَا مَحْقُوقٌ بِهَذَا. {سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} [فصلت: 10]: قَدَّرَهَا سَوَاءً. {فَهَدَيْنَاهُمْ} [فصلت: 17]: دَلَلْنَاهُمْ عَلَى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ؛ كقَوْلهِ: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد: 10]، وَكَقَوْلهِ: {هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} [الإنسان: 3]: وَالْهُدَى الَّذِي هُوَ الإرْشَادُ بِمَنْزِلَةِ أَصْعَدْنَاهُ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90].

(سورة حم السجدة). ({ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا}: أَعْطيا): ائتيا: من الإتيان، وهو المجيء، فكيف يُفَسَّر بالإعطاء، وهذا غير (¬1) معروف في اللغة، وإنما يفسر بالإعطاء قولُك: آتيتُ زيدًا مالًا -بمد همزة القطع-، والهمزة التي في الآية همزة وصل. وقال السفاقسي: لعل ابن عباس قرأ بالمد، فيصح تفسيره بالإعطاء (¬2). (قال رجل لابن عباس: إني لأجد في القرآن أشياء (¬3) تختلفُ عليَّ): روى الحاكم في "المستدرك" في كتاب: الأهوال: عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: سأل (¬4) نافعُ بنُ الأزرق عن قوله -عز وجل-: {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ} [المرسلات: 35]، و {فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا} [طه: 108]، {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات: 27]، و {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 19]، فقال: وَيْحَكَ! هل سألتَ عن هذا أحدًا قبلي؟ قال: لا، قال: أما إنك لو سألتَ هلكتَ، أليس قال الله تعالى: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج: 47]، قال: بلى، وإن لكل مقدار يوم من هذه الأيام لونًا من هذه الألوان. قال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه (¬5) انتهى. فعلى هذا يفسَّر المبهم هنا بنافع بن الأزرق، كذا في "الإفهام". ¬

_ (¬1) "غير" ليست في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 984). (¬3) في "ع": "أشياء بالقرآن". (¬4) في "ج": "سأله". (¬5) رواه الحاكم في "المستدرك" (8710).

(والسَّمَاء بناها): التلاوة: {أَمِ السَّمَاءُ}. (والهدى الذي هو الإرشاد بمنزلة أسعدناه (¬1)): حكى الزركشي عن السهيلي أنه قال: هو (¬2) بالصاد أقربُ إلى تفسير أرشدناه من أسعدناه -بالسين-؛ لأنه إذا كان بالسين، كان من السعادة ضد الشقاوة، وأرشدتُ الرجلَ إلى الطريق، وهديته السبيل بعيدٌ من هذا التفسير. قلت (¬3): لا أدري ما الذي أبعدَ هذا التفسير مع (¬4) قربِ ظهوره؛ فإن الهدايةَ إلى السبيل، والإرشادَ إلى الطريق إسعادٌ لذلك الشخص المهديِّ؛ إذ سلوكُه في الطريق مُفْضٍ إلى السعادة، ومجانَبَتُه لها مما يؤدِّي إلى ضلاله وهلاكه. ثم قال: فإذا قلت: "أصعدناه" -بالصاد- خرجَ اللفظُ إلى معنى الصُّعُداتِ في قوله: "إِيَّاكُمْ وَالقُعُودَ عَلَى (¬5) الصُّعُدَاتِ" (¬6)، وهي الطرق (¬7)، وكذلك أصعدَ في (¬8) الأرض: إذا سار فيها على قصد، فإن كان البخاري ¬

_ (¬1) في "ع": "أصعدناه". (¬2) "هو" ليست في "ع". (¬3) "قلت" ليست في "ع". (¬4) في "ج": "من". (¬5) في "ع" و"ج": "إلى". (¬6) رواه مسلم (2161) من حديث أبي طلحة - رضي الله عنه -، بلفظ: "ما لكم ولمجالس الصعدات. . . ." الحديث. (¬7) في "ج" "الطريق". (¬8) في "ج" "أصعدت".

باب: قوله: {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم} الآية [فصلت: 22]

قصد هذا، وكتبها في نسخته: "بالصاد" التفاتًا إلى حديث الصُّعدات، فليس يبعد، ولا ينكر (¬1). قلت: تكلُّف لا داعي إليه، وما في النسخ صحيح بدون هذا، فتأمله. * * * باب: قوله: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ} الآية [فصلت: 22] 2350 - (4816) - حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِم، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ} [فصلت: 22]: كَانَ رَجُلَانِ مِنْ قُرَيشٍ، وَخَتَنٌ لَهُمَا مِنْ ثَقِيفَ، أَوْ رَجُلَانِ مِنْ ثَقِيفَ، وَخَتَنٌ لَهُمَا مِنْ قُرَيْشٍ، فِي بَيْتٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أترَوْنَ أَنَّ اللَّهَ يَسْمَعُ حَدِيثَنَا؟ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَسْمَعُ بَعْضَهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَئِنْ كَانَ يَسْمَعُ بَعْضَهُ، لَقَدْ يَسْمَعُ كلَّهُ، فَأُنْزِلَتْ: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ} [فصلت: 22]. (رجلان من قريش وخَتَنٌ لهما من ثقيف، أو رجلان من ثقيف وخَتَنٌ لهما من قريش): ذكر الثعلبي والبغوي في "تفسيرهما": أن الثقفي اسمه عبدُ يا ليل بن عمرو بن عُمير، وختناه القرشيان: ربيعةُ، وصفوانُ بنُ أُمية (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 985). (¬2) انظر: "تفسير البغوي" (4/ 112)، و"تفسير الثعلبي" (8/ 291).

وقال ابن بشكوال: القرشيُّ: الأسودُ بنُ عبدِ يغوثَ، والثقفيُّ الواحد: الأَخْنَس بنُ شَريق، ذكره ابن عباس (¬1). وفي "تفسير ابن الجوزي": نزلت في صفوانَ بنِ أمية، وربيعةَ، وخُبيبِ بنِ عمرو الثقفيين (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: "غوامض الأسماء المبهمة" (2/ 713). (¬2) لم أقف عليه عنده، والمؤلف -رحمه الله- نَقَل كل هذا بواسطة، فليتنبه.

سورة حم عسق

سُورَةُ حم عسق وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {عَقِيمًا} [الشورى: 50]: لَا تَلِدُ. {رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} [الشورى: 52]: الْقُرْآنُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} [الشورى: 11]: نسْلٌ بَعْدَ نسْلٍ. {لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا} [الشورى: 15]: لَا خُصُومَةَ. {طَرْفٍ خَفِيٍّ} [الشورى: 45]: ذَلِيلٍ. وَقَالَ غَيْرُه: {فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ} [الشورى: 33]: يَتَحَرَّكْنَ وَلَا يَجْرِينَ فِي الْبَحْرِ. {شَرَعُوا} [الشورى: 21]: ابْتَدَعُوا. (سورة حم عسق). ({فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ} يتحركن، ولا يجرين في البحر): كأنه سقط منه لا، ولهذا فسروا رواكدَ بسواكن.

سورة حم الزخرف

سُورَةُ حم الزُّخْرُفِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف: 22]: عَلَى إِمَامٍ. {وَقِيلِهِ يَارَبِّ} [الزخرف: 88]: تَفْسِيرُهُ: أَيَحْسِبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ، وَلَا نسمَعُ قِيلَهُمْ؟ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} [الزخرف:33]: لَوْلَا أَنْ جَعَلَ النَّاسَ كلَّهُمْ كُفَّارًا، لَجَعَلْتُ لِبُيُوتِ الْكُفَّارِ {سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ} [الزخرف: 33] مِنْ فِضَّةٍ، وَهْيَ دَرَجٌ، وَسُرُرُ فِضَّةٍ. {مُقْرِنِينَ} [الزخرف: 13]: مُطِيقِينَ. {آسَفُونَا} [الزخرف: 55]: أَسْخَطُونَا. {يَعْشُ} [الزخرف: 36]: يَعْمَى. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ} [الزخرف: 5]: أَيْ: تُكَذِّبُونَ بِالْقُرْآنِ، ثُمَّ لَا تُعَاقَبُونَ عَلَيْهِ؟ {وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ} [الزخرف: 8]: سُنَّةُ الأَوَّلِينَ. {مُقْرِنِينَ} [الزخرف: 13]: يَعْنِي الإِبِلَ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ. {يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ} [الزخرف: 18]: الْجَوَارِي، جَعَلْتُمُوهُنَّ لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا، فَكَيْفَ تَحْكُمُونَ؟ {لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ} [الزخرف: 20]: يَعْنُونَ: الأَوْثَانَ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} [الزخرف: 20]: الأَوْثَانُ، إِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ. {فِي عَقِبِهِ} [الزخرف: 28]: وَلَدِهِ. {مُقْتَرِنِينَ} [الزخرف: 53]: يَمْشُونَ مَعًا. {سَلَفًا} [الزخرف: 56]: قَوْمُ فِرْعَوْنَ سَلَفًا لِكُفَّارِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -. {وَمَثَلًا} [الزخرف: 56]: عِبْرَةً. {يَصِدُّونَ} [الزخرف: 57]: يَضجُّونَ. (سورة الزخرف). ({وَقِيلِهِ يَارَبِّ} تفسيره: أيحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم

ولا نسمع قيلهم): هذا يقتضي الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بجمل كثيرة. قال الزركشي: فينبغي حملُ كلامه على أنه أراد تفسير المعنى، ويكون التقدير: ونعلم قيلَه (¬1). قلت: يرد عليه ما حكاه السفاقسي من إنكار بعضهم لهذا التفسير، وقال: إنما يصح ذلك أن لو كانت التلاوة: وقيلَهم، والمعنى: إلا من شهد بالحق، وقال: يا ربِّ إن هؤلاء قوم لا يؤمنون، على الإنكار (¬2). ({يَعْشُ}: يعمى): قال السفاقسي: يجب عليه أن تكون القراءة بفتح الشين. وهذا الذي قاله محكي عن أبي عبيدة، فإنه قال: من قرأ: يَعْشُ -بضم الشين-، فمعناه: أنه تُظْلِمُ عينهُ، ومن قرأ بفتحها، فمعناه: تعمى عينه (¬3). يبقى في الآية بحث، وهو أن يقال: فيها نكتتان: إحداهما: أن النكرة في سياق الشرط تَعُمُّ، وفيها اضطرابُ الأصوليين، وإمامُ الحرمين يختار العمومَ، وإن بعضَهم حمل كلامه على العموم البدلي، لا الاستغراقي (¬4)؛ كما مر لنا في هذا التعليق على ما أظنه، فإن كان مراده عمومَ الشمول، فالآية حجةٌ له من وجهين؛ لأنه نكر الشيطان، ولم يرد إلا ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 986). (¬2) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬3) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬4) في"ج": "الاستغراق".

الكل؛ لأن كلَّ إنسان له شيطان، فكيف بالعاشي عن ذكر الله؟ والثاني: أنه أعاد عليه الضمير مجموعًا في قوله: {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ} [الزخرف: 37]، ولولا عمومُ الشمول، لما جاز عَوْدُ ضميرِ (¬1) الجمع (¬2) على واحد، فهذه نكتة توجب للمخالفين سكتة، هكذا في "الانتصاف" لابن المنير -رحمه الله-. قلت: في كل من الوجهين اللذين أبداهما نظر: أما الأول: فلا نسلم أنه أراد كلَّ شيطان، بل المقصودُ أنه قُيِّضَ لكل فرد من العاشينَ عن ذكر الله شيطانٌ واحد، لا كل شيطان، وذلك واضح. وأما الثاني: فعودُ ضمير الجماعة [على شيء ليس بينه وبين العموم الشمولي تلازم بوجه، وعودُ الضمير في الآية بصيغة ضمير الجماعة] (¬3) إنما كان باعتبار تعدد الشياطين المفهومة (¬4) مما تقدم؛ إذ معناه -على (¬5) ما قررنا (¬6) -: أن كلَّ عاشٍ له شيطانٌ، فبهذا (¬7) الاعتبار جاء التعددُ، فعاد الضمير كما يعود على الجماعة، فما هذه النكتة التي أوجبت سكتة المخالفين؟ النكتة الثانية: أن في الآية حجةً على من زعم أن العود على معنى "مَنْ" يمنعُ من العود على لفظها، محتجًا بأنه إجمال بعدَ البيان، وقد عاد الضمير ¬

_ (¬1) في"ع" و"ج": "عود الضمير". (¬2) "الجمع" ليست في "ع" و"ج". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬4) في"ع": "الشيطان المفهوم". (¬5) "على" ليست في "ج". (¬6) في "ع" و"ج": "قررناه". (¬7) في "ع": "فهذا".

باب: قوله تعالى: {ونادوا يامالك ليقض علينا ربك} [الزخرف: 77]

في هذه الآية على لفظ "مَنْ" مرتين في قوله: [{وَمَنْ يَعْشُ}، وقوله: {نُقَيِّضْ لَهُ} [الزخرف: 36]، ثم على المعنى في قوله: {لَيَصُدُّونَهُمْ}، ثم على اللفظ في قوله] (¬1): {حَتَّى إِذَا جَاءَنَا} [الزخرف: 38]، فإن (¬2) كان [مراد (¬3) المانع المنعَ مطلقًا، وردت عليه هذه الآيةُ ونظائرُها، وإن كان] (¬4) مرادُه تقييدَ المنع بما إذا كان في جملة واحدة، فلا ترد مثلُ هذه عليه. ({يَصِدُّونَ}: يضجُّون) يريد على قراءة من قرأ: {يَصِدُّونَ} -بكسر الصاد-، وأما من قرأ: {يَصِدُّونَ} -بالضم-، فالمعنى عنده: يُعْرِضون. وقال الكسائي: هما لغتان بمعنى، وأنكر بعضهم الضم، وقال: لو لم يكن مضمومًا، لكان "عنه"، ولم يكن "منه". وأجيب: بأن "مِنْ" تعليلية، فالضمُّ صحيح (¬5). * * * باب: قوله تعالى: {وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف: 77] 2351 - (4819) - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬2) في "ج": "قال". (¬3) في "ع": "المراد". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 987).

عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ: {وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف: 77]. وَقَالَ قَتَادَةُ: {وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ} [الزخرف: 56]: عِظَةً. وَقَالَ غَيْرُهُ: {مُقْرِنِينَ} [الزخرف: 13]: ضَابِطِينَ، يُقَالُ: فُلَانٌ مُقْرِنٌ لِفُلَانٍ: ضَابِطٌ لَهُ. وَالأَكْوَابُ: الأَبَارِيقُ الَّتِي لَا خَرَاطِيمَ لَهَا. {أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} [الزخرف: 81]: أَيْ مَا كَانَ، فَأَنَا أَوَّلُ الأَنِفِينَ، وَهُمَا لُغَتَانِ: رَجُل عَابِدٌ وَعَبِدٌ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ. وَيُقَالُ: {أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} الْجَاحِدِينَ، مِنْ عَبِدَ يَعْبَدُ. وقال قَتادَةُ: {فِي أُمِّ الْكِتَابِ} [الزخرف: 4]: جُمْلَةِ الكِتابِ، أصْلِ الكِتابِ. (أول العابدين؛ أي: ما كان): يريد: أن "إن (¬1) " في قوله: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ} [الزخرف: 81] نافية، لا شرطية. [(فأنا أول الأَنِفين، وهما لغتان: رجلٌ عابِد، وعَبَدٌ): -بفتح الباء-، كذا ضبطه ابن فارس وغيره. وقال صاحب "الصحاح": العَبَدُ -بالتحريك-: الغضبُ، وعَبِدَ -بالكسر] (¬2) -: أَنِفَ (¬3). (أولُ العابدين: الجاحدين؛ من عَبد يعبُد): قال السفاقسي: ضبطوه ¬

_ (¬1) "إن" ليست في "ج". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬3) انظر: "الصحاح" (2/ 503)، (مادة: عبد).

هنا بفتح الباء في الماضي، وضمها في المستقبل، [ولم يذكر أهل اللغة عبد بمعنى: جحد. قلت: والذي رأيته في نسخة: ضبطه بكسر الباء في الماضي، وفتحها في المستقبل] (¬1)، وكذا ضبطه البَيَّاسي فيما حكاه الزركشي عنه (¬2). ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 987).

سوره الدخان

سُورَهُ الدُّخَانِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {رَهْوًا} [الدخان: 24]: طَرِيقًا يَابِسًا. {عَلَى الْعَالَمِين} [الدخان: 32]: عَلَى مَنْ بَيْنَ ظَهْرَيْهِ. {فَاعْتِلُوهُ} [الدخان: 47]: ادْفَعُوهُ. {وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ} [الدخان: 54]: أَنْكَحْنَاهُمْ حُورًا عِينًا يَحَارُ فِيهَا الطَّرْفُ. {تَرْجُمُونِ} [الدخان: 20]: الْقَتْلُ، وَرَهْوًا: سَاكنًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {كَالْمُهْلِ} [الدخان: 45]: أَسْوَدُ كَمُهْلِ الزَّيْتِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: {تُبَّعٍ} [الدخان: 37]: مُلُوكُ الْيَمَنِ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُسَمَّى تُبَّعًا؛ لأَنَّهُ يَتْبَعُ صَاحِبَهُ، وَالظِّلُّ يُسَمَّى تُبَّعًا؛ لأَنَّهُ يَتْبَعُ الشَّمْسَ. (سورة الدخان). ({كَالْمُهْلِ}: أسود كمهل الزيت): أي: كُدْردِيِّ الزيت. * * * باب: قوله: {يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الدخان: 11] 2352 - (4821) - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّمَا كَانَ هَذَا؛ لأَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا اسْتَعْصَوْا عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، دَعَا عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ، فَأَصَابَهُمْ قَحْطٌ وَجَهْدٌ حَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ، فَيَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَهَيْئَةِ الدُّخَان مِنَ الْجَهْدِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالَى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الدخان: 10 - 11].

قَالَ: فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! اسْتَسْقِ اللَّهَ لِمُضَرَ؛ فَإِنَّهَا قَدْ هَلَكَتْ. قَالَ: "لِمُضَرَ؟ إِنَّكَ لَجَرِيءٌ". فَاسْتَسْقَى، فَسُقُوا. فَنَزَلَتْ: {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} [الدخان: 15]. فَلَمَّا أَصَابَتْهُمُ الرَّفَاهِيَةُ، عَادُوا إِلَى حَالِهِمْ حِينَ أَصَابَتْهُمُ الرَّفَاهِيَةُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} [الدخان: 16]. قَالَ: يَعْنِي: يَوْمَ بَدْرٍ. (فقيل: يا رسول الله! استسق الله لمضر! فإنها قد هلكت): في "الإفهام": هذا القائل: هو كعبُ بنُ مُرَّةَ، [وقيل: مرةُ بنُ كعب البهزِيُّ السلميُّ، والأولُ أكثر. قال أبو عمر (¬1): كعبُ بنُ مرةَ] (¬2) أصحُّ. وقال ابن أبي خيثمة: هما اثنان، ذكر ذلك ابن الأثير، قال: وروى عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد: أن شرحبيل بن أبي السَّمْط قال: يا (¬3) كعب بن مرة! حدِّثنا (¬4) حديثًا (¬5) سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: "دعا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - على مضر، فأتيته فقلتُ: يا رسول الله! قد نصركَ الله وأعطاكَ واستجابَ لك، وإنَّ قومك قد هلكوا، فادعُ اللهَ لهم، فقال: "اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا طَبَقًا غَدَقًا عَجِلًا غَيْرَ رَائِثٍ، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ" (¬6). ¬

_ (¬1) في "ع": "عمرو". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬3) في "ج": "حدثنا". (¬4) في "ج": "قال حدثنا". (¬5) "حديثًا" ليست في "ج". (¬6) رواه ابن ماجه (1269). وانظر: "أسد الغابة" (4/ 516).

باب: {ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون} [الدخان: 14]

باب: {ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ} [الدخان: 14] 2353 - (4824) - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ وَمَنْصُورٍ، عَنْ أَبي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم -، وَقَالَ: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86]؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا رَأَى قُرَيْشًا اسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبعٍ كسَبع يُوسُفَ"، فَأَخَذَتْهُمُ السَّنَةُ حَتَّى حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ، حَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ وَالْجُلُودَ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: حَتَّى أَكَلُوا الْجُلُودَ وَالْمَيْتَةَ، وَجَعَلَ يَخْرُجُ مِنَ الأَرْضِ كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ، فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَانَ، فَقَالَ: أَيْ مُحَمَّدُ! إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَكْشِفَ عَنْهُمْ، فَدَعَا، ثُمَّ قَالَ: "تَعُودُوا بَعْدَ هَذَا". فِي حَدِيثِ مَنْصُورٍ: ثُمَّ قَرَأَ: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} إِلَى {عَائِدُونَ} [الدخان: 10 - 15]. أَيُكْشَفُ عَذَابُ الآخِرَةِ؟ فَقَدْ مَضَى: الدُّخَانُ، وَالْبَطْشَةُ، وَاللِّزَامُ. وَقَالَ أَحَدُهُمُ: الْقَمَرُ. وَقَالَ الآخَرُ: الرُّومُ. (ثم قال: تعودوا بعد): قال الزركشي: كذا وقع، وصوابه: "تعودون" (¬1). قلت: ليس "تعودوا" خطأ، بل هو ثابت في الكلام الفصيح نظمًا ونثرًا، ومنه قراءة عن (¬2) أبي عمرو: ساحران تَظَّاهَرا (¬3) -بتشديد الظاء-؛ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 988). (¬2) "عن" ليست في "ج". (¬3) في "ع": "تظاهران".

أي: أنتما ساحران تتظاهران، فحذف المبتدأ وهو ضمير المخاطَبين، وأدغمت التاء في الظاء، والحديث: "لا تَدْخُلُوا (¬1) الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا" (¬2). ¬

_ (¬1) في "ع": "تدخلون". (¬2) رواه مسلم (54) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.

سورة الجاثية

سُورَةُ الْجَاثِيَةِ باب قوله تعالى: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية: 24] 2354 - (4826) - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: يُؤْذِيني ابْنُ آدَمَ، يَسُبُّ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الأَمْرُ، أقُلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ". (سورة الجاثية). (يؤذيني ابنُ آدمَ): أي: يُخاطبني من القول بما يتأذى به (¬1) مَنْ يصحُّ (¬2) التأذي في حقه؛ لا أنَّ الله تعالى يتأذى (¬3)؛ إذ هو عليه مُحال، بل النفعُ كذلك في حقه، لا ينتفع بشيء، ولا يتضرر بشيء -جل وعلا-، له الكمال المطلق. (وأنا الدهر): ضبطه المحققون بالرفع؛ أي: أنا الفاعلُ لما تصفونه إلى الدهر، أو الخالق (¬4)، أو المقدر (¬5) لما (¬6) تنسبونه إليه، ولا يصح أن ¬

_ (¬1) "بما يتأذى به" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "تصحيح". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 988). (¬4) في "ج": "الدهر والخالق". (¬5) في "ج": "والمقدر". (¬6) في "ع": "كما".

يقال: هو (¬1) اسم الله تعالى. ويقال عن أبي بكر بن داود الظاهري: أنه كان يرويه بالفتح، نصبًا على الظرف؛ أي: أنا طولَ الدهرِ بيدي الأمرُ، وكان يقول: لو كان مضموم الراء؛ لكان من (¬2) أسماء الله تعالى، [وقد تبين توجيهُ الرفع مع الحكم بأنه ليس من أسماء الله تعالى] (¬3)، ولكن ظاهريته تحمله على مثل هذا الفهم، وهَبْ أن النصب (¬4) على الظرفية يأتي له في حديث البخاري، فماذا تصنع في رواية: "فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ" (¬5)؟ وإنما تأويلُه ما تقدم، وقد جوز النصبَ جماعةٌ، منهم النحاسُ (¬6). قال القاضي: نصبه بعضُهم على الاختصاص، والظرفُ أصحُّ (¬7). ¬

_ (¬1) في "ع": "لهم". (¬2) "من" ليست في "ج". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬4) في "م" و"ج": "النص". (¬5) رواه البخاري (6182)، ومسلم (2246) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -. (¬6) "النحاس" ليست في "ع". (¬7) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 262). وانظر: "التنقيح" (2/ 988).

سورة الأحقاف

سُورَةُ الأحْقَافِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {تُفِيضُونَ} [الأحقاف: 8]: تَقُولُونَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أثرَةٍ وَأُثْرَةٍ وَ {أَثَارَةٍ} [الأحقاف: 4]: بَقِيَّة عِلْمٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 9]: لَسْتُ بِأَوَّلِ الرُّسُلِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: {أَرَأَيْتُمْ} [الأحقاف: 10]: هَذِهِ الأَلِفُ إِنَّمَا هِيَ تَوَعُّدٌ، إِنْ صَحَّ مَا تَدَّعُونَ، لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ، وَلَيْسَ قَوْلُهُ: {أَرَأَيْتُمْ} بِرُؤْيةِ الْعَيْنِ، إِنَّمَا هُوَ: أتعْلَمُونَ؟ أَبَلَغَكُمْ أَنَّ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ خَلَقُوا شَيْئًا؟ (سورة الأحقاف). (قال ابن عباس: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 9]: ما كنت بأول (¬1) الرسل (¬2)): قال الزركشي: قال بعض الأئمة: هذه السورة مكية محكمة إلا آيتين: إحداهما (¬3) قوله: {مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ}، والثانية: {مَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ} [الأحقاف: 9]. قالوا: وليس في كتاب الله آية من المنسوخ ثبتَ حكمُها كهذه الآية، ثبتت ستَّ عشرةَ سنةً، وناسخها أولُ سورة الفتح. ¬

_ (¬1) كذا في رواية أبي ذر الهروي، وفي اليونينية: "لست بأول"، وهي المعتمدة في النص. (¬2) في "ع": "السور". (¬3) "إحداهما" ليست في "ج".

باب قوله تعالى: {والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني} الآية [الأحقاف: 17]

قال الزركشي: وممن نص على أن ذلك ناسخها (¬1) الشافعىُّ في "أحكام القرآن" (¬2). قلت: في كون هذا من النسخ المصطَلَح عليه (¬3) نظر؛ فإن إعلامه -عليه السلام- بأمر لم يكن أُعلمه قبل ذلك ليس من النسخ في شيء. وقال الزمخشري: أجودُ ما قيل فيه: حملُه على الدراية المفصَّلة، وإن كان يدري أن مُضِيَّه إلى النعيم، ومصيرَهم إلى العذاب (¬4) (¬5). * * * باب قوله تعالى: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي} الآية [الأحقاف: 17] 2355 - (4827) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ، قَالَ: كَانَ مَرْوَانُ عَلَى الْحِجَازِ، اسْتَعْمَلَهُ مُعَاوِيَةُ، فَخَطَبَ، فَجَعَلَ يَذْكُرُ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ؛ لِكَيْ يُبَايعَ لَهُ بَعْدَ أَبيهِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي بَكْرٍ شَيْئًا، فَقَالَ: خُذُوهُ، فَدَخَلَ بَيْتَ عَائِشَةَ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ مَرْوَانُ: إِنَّ هَذَا الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي} [الأحقاف: 17]، فَقَالَتْ عَائِشَةُ مِنْ ¬

_ (¬1) في"ع": "ناسخًا". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 989). (¬3) في "ج": "على". (¬4) في "ج": "إلى النار". (¬5) انظر: "الكشاف" (4/ 302).

وَرَاءِ الْحِجَابِ: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِينَا شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ، إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ عُذْرِي. (فقال له عبدُ الرحمن بنُ أبي بكرٍ شيئًا): قيل: إنه قال له: بيننا وبينكم ثلاثٌ سبقن، تُوُفي النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأبو بكر، وعمر، ولم يعهدوا (¬1). وقول عائشة: "ما أنزل الله فينا شيئًا من القرآن إلا عذري" تريد: في بني أبي بكر، [وإلا، فقد نزلَ في أبي بكر: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ} [التوبة: 40]. قال الزجاج: والصحيحُ في الآية، وهي قوله تعالى] (¬2): {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا} [الأحقاف: 17] أنها نزلت في الكافر العاقِّ، ولا يجوز أنها نزلت في عبدِ الرحمنِ بنِ أبي بكر؛ [لأن الله تعالى قال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ} [الأحقاف: 18]، وعبدُ الرحمنِ بنُ أبي بكرٍ] (¬3) من خيار المسلمين (¬4). ¬

_ (¬1) في "ع": "يعدوا". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 989).

سورة محمد - صلى الله عليه وسلم -

سورة مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - {أَوْزَارَهَا} [محمد: 4]: آثَامَهَا، حَتَّى لَا يَبْقَى إِلَّا مُسْلِمٌ. (سورة محمد - صلى الله عليه وسلم -). ({أَوْزَارَهَا}: آثامها): نُقل عن ابن قرقول: أنه قال: هذا تفسير يحتاج إلى تفسير، وذلك أن الحربَ لا آثامَ لها فتوضعَ، فلعله كما قال الفراء: أوزارَ أهلِها، ثم حذف المضاف، وأبقى المضاف إليه، أو كما قال النحاس: حتى يزولَ الشرك (¬1). قلت: هذا هو ظاهرُ قولِ البخاري: "أوزارَها: آثامها حتى لا يبقى إلا مسلمٌ". * * * باب قوله تعالى: {وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد: 22] 2356 - (4830) - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيةُ بْنُ أَبي مُزَرَّدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ، قَامَتِ الرَّحِمُ، فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ لَهُ: مَهْ، قَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ، قَالَ: أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَن وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَذَاكِ لَكِ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد: 22]. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 990).

(فأخذت): اقتصر على هذه في بعض النسخ، وثبت في بعضها: "فَأَخَذَتْ بِحَقْوَيِ الرَّحْمَنِ". قال القابسي: أبى أبو زيد أن يقرأ لنا هذا الحرف؛ لإشكاله، وقال غيره: هو صحيح، مع تنزيه الله عن الجوارح، ولا إشكال حينئذ. وأصل الحَقْوِ: مَعْقِدُ الإزار، ويُطلق على الإزار (¬1) -أيضًا-، وهو هنا على طريقة الاستعارة من المُلِحِّ في الطَّلبِ المتعلِّقِ بمطلوبه من المخلوقين. وقال القاضي: الحَقْوُ: من أوكدِ ما يُستجار (¬2) وُيتَحَزَّم به؛ لأنه مما يَتحامى عنه الإنسان، ويدفعُ عنه، حتى يقال: يمنعُه مما يمنع منه إزارَه، فاستعير ذلك للرحم، واستعاذتُها بالله من القطيعة (¬3). (فقال: مه): قال ابن مالك: هي هنا "ما (¬4) " الاستفهامية حُذفت ألفُها، ووُقف عليها بهاء السكت، والشائع أن لا يُفعل ذلك بها إلا وهي مجرورة، ومن استعمالها كما وقع هنا قولُ أبي ذؤيب: قدمَ المدينةَ ولأهلها ضجيجٌ كضجيجِ الحجيجِ أَهَلُّوا بالإحرام، فقلت: مه؟ فقيل لي: هَلَكَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - (¬5). ¬

_ (¬1) "ويطلق على الإزار" ليس في "ج". (¬2) في "ج": "استجار". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 394). وانظر: "التنقيح" (2/ 990). (¬4) "ما" ليست في "ع". (¬5) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 215).

سورة الفتح

سُورَةُ الْفَتْحِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {سِيمَاهُمْ} [الفتح: 29]: السَّحْنَةُ، وَقَالَ مَنْصُورٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ: التَّوَاضُعُ. (سورة الفتح). ({سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ}: السِّحْنة): قيده أبو ذر بكسر السين وسكون الحاء، وقيده الأصيلي وابن السكن بفتح السين والحاء معًا. قال القاضي: وهو الصواب عند أهل اللغة، وهو لينُ الشيء، والنعمة في النظر، وقيل: الجمال. قال: وعند القابسي، وعبدوس في تفسير {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ}: السجدة (¬1)، يريد: أثرها (¬2). قلت: في التئام هذا مع قوله: {مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح: 29]، قلقٌ لا يَخْفى. * * * باب قوله تعالى {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: 1] 2357 - (4833) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ ابْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَسِيرُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَعُمَرُ ابْنُ الْخَظَابِ يَسِيرُ مَعَهُ لَيْلًا، فَسَأَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ شَيْءٍ، فَلَمْ يُجبْهُ ¬

_ (¬1) "السجدة" ليست في "ع" و"ج". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 209).

باب قوله تعالى: {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} [الفتح: 2]

رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجبْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فُلَمْ يُجبْهُ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: ثَكِلَتْ أُمُّ عُمَرَ، نَزَرْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، كُلَّ ذَلِكَ لَا يُجِيبُكَ، قَالَ عُمَرُ: فَحَرَّكْتُ بَعِيرِي، ثُمَّ تَقَدَّمْتُ أَمَامَ النَّاسِ، وَخَشِيتُ أَنْ يُنْزَلَ فِيَّ الْقُرْآنُ، فَمَا نَشِبْتُ أَنْ سَمِعْتُ صَارِخًا يَصْرُخُ بِي، فَقُلْتُ: لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ نزَلَ فِيَّ قُرْآنٌ، فجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: "لَقَدْ أنزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ. ثُمَّ قَرَأَ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: 1] ". (عن زيد بن أسلمَ، عن أبيه: أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -): قيل: هذا يوهم انقطاعًا؛ لأن أسلمَ تابعي. قال القابسي: لكن قوله في الحديث: قال عمر: فحركت بعيري، إلى آخره، يبين أن أسلمَ رواه عن عمر (¬1). * * * باب قوله تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2] 2358 - (4837) - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيىَ، أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ، عَنْ أَبي الأَسْوَدِ: سَمِعَ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: أَنَّ نبَيَّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ تَصْنعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 991).

باب قوله تعالى: {إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا} [الفتح: 8]

وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: "أَفَلَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا؟ "، فَلَمَّا كَثُرَ لَحْمُهُ، صَلَّى جَالِسًا، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، قَامَ فَقَرَأَ، ثُمَّ رَكَعَ. (فلما كثر لحمه): نقل السفاقسي عن الداودي: أنه أنكر هذا، وقال: المحفوظ: فلما بَدُنَ، وهو محتملٌ للسِّمَن، وللكِبَر (¬1)، فكأن (¬2) راويه (¬3) تأوله (¬4) على أحد محتمليه، وفيما قاله نظر (¬5). * * * باب قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الفتح: 8] 2359 - (4838) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أبي سَلَمَةَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الأحزاب: 45]. قَالَ فِي التَّوْرَاةِ: يَا أَيُّهَا النَبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا، وَحِرْزًا لِلأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولي، سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ، وَلَا سَخَّابٍ بِالأَسْوَاقِ، وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ ¬

_ (¬1) في "ج": "والكبر". (¬2) في "ع": "وكأن". (¬3) في "م": "رواية". (¬4) في "ج": "تأويله". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 992).

باب قوله تعالى: {هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين} [الفتح: 4]

الْعَوْجَاءَ، بِأَنْ يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَيَفْتَحَ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا. (ولا سَخَّاب): قال القاضي: يقال: بالصاد وبالسين، والصاد أشهر (¬1). * * * باب قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ} [الفتح: 4] 2360 - (4839) - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ - رضي الله عنه -، قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ، وَفَرَسٌ لَهُ مَرْبُوطٌ فِي الدَّارِ، فَجَعَلَ يَنْفِرُ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ، فَنَظَرَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، وَجَعَلَ يَنْفِرُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ، ذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بِالْقُرْآنِ". (بينما رجل يقرأ): هو أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ، كما تقدم. * * * باب قوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18] 2361 - (4841) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 209).

شُعْبةُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ صُهْبَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ: إِنِّي مِمَّنْ شَهِدَ الشَّجَرَةَ، نهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْخَذْفِ. (عن الخَذْف):-بفتح الخاء المعجمة وسكون الذال المعجمة أيضًا-: هو الرميُ بالحصى بين (¬1) الأصبعين، قاله ابن فارس (¬2). * * * 2362 - (4842) - وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ صُهْبَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُغَفَّلِ الْمُزَنِيَّ فِي الْبَوْلِ فِي الْمُغْتَسَلِ. (سمعت عبدَ الله بنَ مغَفَّلٍ (¬3)): -بفتح الغين المعجمة والفاء المشددة-. (في البول في المغتسَل): -بفتح السين-: اسمٌ لمكانِ الاغتسال، كذا وقع هذا اللفظ لجمهور الرواة، وعند الأصيلي فيه زيادة: "يأخذُ منه الوسواس". قال الزركشي: وقد أخرجه أصحاب السنن الأربعة مرفوعًا، وقال الترمذي: غريب، وقال الحاكم: على شرط الشيخين (¬4)، ولم يخرجاه (¬5). ¬

_ (¬1) في "م" و"ج": "من". (¬2) انظر: "مجمل اللغة" (ص: 281). (¬3) كذا في رواية أبي ذر الهروي، وفي اليونينية: "المغفل"، وهي المعتمدة في النص. (¬4) في "ع": "الشيخان". (¬5) رواه أبو داود (27)، والنسائي (36)، والترمذي (21)، وابن ماجه (304)، والحا كم (595). وانظر: "التنقيح" (2/ 992).

سورة الحجرات

سُورَةُ الْحُجُرَاتِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {لَا تُقَدِّمُوا} [الحجرات: 1]: لَا تَفْتَاتُوا عَلَى رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ عَلَى لِسَانِهِ. {امْتَحَنَ} [الحجرات: 3]: أَخْلَصَ. {تَنَابَزُوا} [الحجرات: 11]: يُدْعَى بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإسْلَامِ. {يَلِتْكُمْ} [الحجرات: 14]: يَنْقُصْكُمْ. أَلَتْنَا: نقصْنَا. (سورة الحجرات). (وقال مجاهد: {لَا تُقَدِّمُوا} لا تَفْتاتوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يقضيَ الله على لسانه): قال الزركشي: الظاهر أن هذا التفسير على قراءة ابن عباس بفتح التاء والدال، وكذا قيده القابسي بخطه (¬1). قلت: ليس هذا بصحيح، بل هذا التفسير مُتَأَتٍّ على القراءة المشهورة -أيضًا-؛ فإنَّ قَدَّمَ بمعنى تقدَّمَ. قال الجوهريُّ: وقَدَّمَ بينَ يديه؛ أي: تَقَدَّمَ، قال الله تعالى: {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ} [الحجرات: 1] (¬2). * * * باب قوله تعالى: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: 2] 2363 - (4845) - حَدَّثَنَا يَسَرَةُ بْنُ صَفْوَانَ بْنِ جَمِيلٍ اللَّخْمِيُّ، ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 992)، ووقع عنده: "وكذا قيده البَيَّاسي بخطه". (¬2) انظر: "الصحاح" (5/ 2007)، (مادة: قدم).

حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبي مُلَيْكَةَ، قَالَ: كَادَ الْخَيِّرَانِ أَنْ يَهْلِكَا: أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-،رَفَعَا أَصْوَاتَهُمَا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ رَكبُ بَنِي تَمِيمٍ، فَأَشَارَ أَحَدُهُمَا بِالأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ أَخِي بَنِي مُجَاشِعٍ، وَأَشَارَ الآخَرُ بِرَجُلٍ آخَرَ، قَالَ نَافِعٌ: لَا أَحْفَظُ اسْمَهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: مَا أَرَدْتَ إِلَّا خِلَافِي، قَالَ: مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فِي ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} [الحجرات: 2]، الآيَةَ. قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَمَا كَانَ عُمَرُ يُسْمِعُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ عَنْ أبيهِ، يَعْنِي: أَبَا بَكْرٍ. (كاد الخيران يهلكا): قال السفاقسي: كذا وقع بغير نون، وكأنه نُصب بتقدير: أن. قال الزركشي: ورواه بعضهم: "أن يهلكا"، فالحذف على الأصل (¬1). قلت: ورأيت في بعض النسخ: "يهلكان"، و (¬2) هذا هو الأصل، لا النصبُ بأن مضمرة ولا ملفوظًا بها، ورواية: "يهلكا" -بدون نون- يمكن تخريجها على حذف نون الرفع؛ نحو: ساحران تَظَّاهرا -بتشديد الظاء-؛ كما سبق، وهذا الحديث مصرِّحٌ (¬3) بأن سبب الآية كلامُ الشيخين. وقال ابن عطية: الصحيحُ أن سببها كلامُ (¬4) جُفاة الأعراب (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 993). (¬2) الواو ليست في "ج". (¬3) في "ج": "يصرح". (¬4) "كلام" ليست في "ج". (¬5) انظر: "المحرر الوجيز" (5/ 145). وانظر: "التنقيح" (2/ 993).

(وأشار الآخرُ برجلٍ آخر): تقدم في روايات سابقة أنه القعقاعُ بنُ مَعْبَدٍ، وسيأتي بعد هذه الرواية أن الذي أشار بالأقرع بنِ حابس عمرُ بنُ الخطاب، والذي أشار بالقعقاعِ أبو بكرٍ الصديقُ (¬1) - رضي الله عنه -. * * * 2364 - (4846) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ، قَالَ: أَنْبَأَنِي مُوسَى بْنُ أَنسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - افْتَقَدَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَنَا أَعْلَمُ لَكَ عِلْمَهُ، فَأَتَاهُ، فَوَجَدَهُ جَالِسًا فِي بَيْتِهِ، مُنَكِّسًا رَأْسَهُ، فَقَالَ لَهُ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: شَرٌّ، كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ، وَهْوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. فَأتى الرَّجُلُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ مُوسَى: فَرَجَعَ إِلَيْهِ الْمَرَّةَ الآخِرَةَ بِبِشَارَةٍ عَظِيمَةٍ، فَقَالَ: "اذْهَبْ إِلَيْهِ، فَقُلْ لَهُ: إِنَّكَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَلَكِنَّكَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ". (فقال رجل: يا رسولَ الله! أنا أعلمُ (¬2) لكَ (¬3) عِلْمَه): سبق في علامات النبوة أنه سعدُ بنُ مُعاذ كما وقع في "مسلم". وقيل: عاصمُ بنُ عدي العجلانيُّ. وقيل: أبو مسعود البدري. ¬

_ (¬1) "الصديق" ليس في "ج". (¬2) في "ع" و"ج": "أعلمكم". (¬3) "لك" ليست في "ج".

سورة ق

سُورَةُ ق {رَجْعٌ بَعِيدٌ} [ق: 3]: رَدٌّ. {فُرُوجٍ} [ق: 6]: فُتُوقٍ، وَاحِدُهَا فَرْجٌ. {الْوَرِيدِ} [ق: 16]: فِي حَلْقِهِ، الْحَبْلُ: حَبْلُ الْعَاتِقِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ} [ق: 4]: مِنْ عِظَامِهِمْ. {تَبْصِرَةً} [ق: 8]: بَصِيرَةً. {وَحَبَّ الْحَصِيدِ} [ق: 9]: الْحِنْطَةُ. {بَاسِقَاتٍ} [ق: 10]: الطِّوَالُ. {أَفَعَيِينَا} [ق: 15]: أَفَأَعْيَا عَلَيْنَا؟ {وَقَالَ قَرِينُهُ} [ق: 23]: الشَّيْطَانُ الَّذِي قُيِّضَ لَهُ. {فَنَقَّبُوا} [ق: 36]: ضَرَبُوا. {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ} [ق: 37]: لَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِغَيْرِه، حِينَ أَنْشَأَكُمْ وَأَنْشَأَ خَلْقَكُمْ. {رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]: رَصَدٌ. {سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} [ق: 21]: الْمَلَكَانِ: كَاتِبٌ، وَشَهِيدٌ. {شَهِيدٌ} [ق: 37]: شَاهِدٌ بِالْقَلْبِ. {لُغُوبٍ} [ق: 38]: النَّصَبُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: {نَضِيدٌ} [ق: 10]: الْكُفُرَّى مَادَامَ فِي أَكمَامِهِ، وَمَعْنَاهُ: مَنْضُودٌ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ أَكْمَامِهِ، فَلَيْسَ بِنَضِيدٍ. فِي أَدْبَارِ النُّجُومِ، وَأَدْبَارِ السُّجُودِ: كَانَ عَاصِم يَفْتَحُ الَّتِي فِي {ق}، وَيَكْسِرُ الَّتِي فِي {الطُّورِ}، وَيُكْسَرَانِ جَمِيعًا، وَيُنْصَبَانِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {يَوْمُ الْخُرُوجِ} [ق: 42]: يَخْرُجُونَ مِنَ الْقُبُورِ. (سورة ق). ({مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ}: من عظامهم): هكذا رواه (¬1) أبو ذر، وهو الصواب. ¬

_ (¬1) في"ع": "رواية".

باب قوله تعالى {وتقول هل من مزيد} [ق: 30]

وعند القابسي: "أعظامهم"، وقيل: "من أجسامهم" (¬1). (الكُفُرَّى): -بضم الكاف والفاء وتشديد الراء، وبفتح الفاء -أيضًا-. * * * باب قوله تعالى {وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق: 30] 2365 - (4848) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا حَرَمِيٌّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "يُلْقَى فِي النَّارِ، وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ حَتَّى يَضَعَ قَدَمَهُ، فَتَقُولُ: قَطِ قَطِ". (حتى يضعَ قدمَه): لم يبين مَنْ هو الواضعِ، وبُيِّنَ في حديث أبي (¬2) سفيان: أنه الربُّ -جلَّ جلاله-، لكنه تارةً رفَعَه (¬3)، وتارة لم يرفعه، ولا شكَّ أن هذا من أحاديث الصفات، فينزه عند سماع المشكل. ثم اختلف أئمتنا: أنُؤَوِّل، أم نُفَوِّضُ منزهين؟ مع اتفاقهم على أن جهلنا بتفصيله لا يقدح، والطريقة الثانية أسلمُ، وهي طريقة السلف، وعليها: فلا كلام. والطريقةُ الأولى أَحكمُ (¬4)؛ فقد أَعملوا الأفكارَ الصحيحة في تأويلها ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 993). (¬2) "أبي" ليست في "م" و"ع". وأبو سفيان هو سعيد بن يحيى بن مهدي الحميدي، روى حديثه هذا البخاري (4568). (¬3) في "ج": "يرفعه". (¬4) قد مرَّ هذا وتكرر عند المؤلف -رحمه الله-، وأوردنا أن طريقة السلف هي الأحكم والأسلم والأعلم. وبالله التوفيق.

وردِّها إلى مجازات كلام وطرقها في المحاورة، ونَزَّلوها على ذلك، وعلى هذا فقيل: إن المراد: تذليلُ (¬1) جهنمَ عند طغيانها، وقولها بعدُ: {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق:30]. فيذللها الله تعالى تذليلَ من يُوضع تحتَ الرِّجْل، ويؤيده قوله (¬2): "فَيَضَعُ قَدَمَهُ عَلَيْهَا"، والعرب تضرب الأمثال بالأعضاء، ولا تريد أعيانها، تقول للنادم: سُقِطَ في يده، وفي الذليل: رَغِمَ أَنْفُه. وقيل: هم مَنْ قَدَّمهم الله للنار من أهلها، فيقع بهم استيفاء عددهم. ورواية أبي ذر: "حَتَّى يَضَعَ [رِجْلَهُ" يخيل أن المراد: العضوُ، وليس كذلك، فالرَّجْل بمعنى الجماعة؛ كما يقال: رِجْلٌ منْ جَراد؛ أي] (¬3): حتى يضعَ جماعتَه؛ أي: الجماعةَ الذين خلقَهم لاستيفاء العدد الذي قدر أنه يكون في النار، فتتفق هي، ورواية: "قَدَمَهُ"، إذا حُمل على الجماعة الذين قَدَّمهم الله للنار. قال الزركشي: وحُكي عن ابن عقيل: أنه قال: تعالى الله أن يكون له صفةٌ تشغلُ الأمكنةَ، هذا هو التجسيمُ بعينه، ثم كيف لا يُعمل أمرَه (¬4) وتكوينَه حتى يستعينَ بشيء من ذاته، وهو القائل للنار: {كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا} [الأنبياء: 69]، فمَنْ أمرَ نارًا أَجَّجَها غيرُه بانقلابِ طبعِها، وكانت ¬

_ (¬1) في "ج": "بدليل". (¬2) "قوله" ليست في "ع". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬4) "أمره" ليست في "ع".

كما أَمَرَ، غَنِيٌّ عن هذا (¬1) -سبحانه وتعالى-، لا إله إلا هو {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] (¬2). ¬

_ (¬1) "عن هذا" ليست في "ع". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 994).

سورة {والذاريات}

سُورَةُ {وَالذَّارِيَاتِ} قَالَ عَلِيٌّ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: الرِّيَاحُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: {تَذْرُوهُ} [الكهف: 45]: تُفَرِّقُهُ. {وَفِي أَنْفُسِكُمْ} [الذاريات: 21]: تَأْكُلُ وَتَشْرَبُ فِي مَدْخَلٍ وَاحِدٍ، وَيَخْرُجُ مِنْ مَوْضِعَيْنِ. {فَرَاغَ} [الذاريات: 26]: فَرَجَعَ. {فَصَكَّتْ} [الذاريات: 29]: فَجَمَعَتْ أَصَابِعَهَا، فضَرَبَتْ جَبْهَتَهَا. وَالرَّمِيمُ: نَبَاتُ الأَرْضِ إِذَا يَبِسَ وَدِيسَ. {لَمُوسِعُونَ} [الذاريات: 47]: أَيْ لَذُو سَعَةٍ، وَكَذَلِكَ {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236]: يَعْنِي: الْقَوِيَّ. {زَوْجَيْنِ} [الذاريات: 49]: الذَّكَرَ وَالأُنْثَى، وَاخْتِلَافُ الأَلْوَانِ: حُلْوٌ وَحَامِضٌ، فَهُمَا زَوْجَانِ. {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} [الذاريات: 50]: مِنَ اللَّهِ إِلَيْهِ. {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]: مَا خَلَقْتُ أَهْلَ السَّعَادَةِ مِنْ أَهْلِ الْفَرِيقَيْنِ إِلَّا لِيُوَحِّدُونِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: خَلَقَهُمْ لِيَفْعَلُوا، فَفَعَلَ بَعْضٌ، وَتَرَكَ بَعْضٌ، وَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ لأَهْلِ الْقَدَرِ. وَالذَّنُوبُ: الدَّلْوُ الْعَظِيمُ. (سورة والذاريات). (قال عليٌّ: {وَالذَّارِيَاتِ}: الرياح): قال الحافظ مغلطاي: رواه أبو محمد الحنظلي بسنده، وساقه إلى عليِّ بنِ ربيعةَ: أن عبدَ الله بنَ الكواء سأل عليًا: ما الذاريات؟ قال: الرياح. وفي "تفسير عبد الرزاق" عن معمر، عن وهب بن عبد الله، عن أبي الطفيل: أن ابن الكواء سأل عليًا عن ذلك، فقال: الذاريات: الرياح، {فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا} [الذاريات: 2]: السحاب، {فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا} [الذاريات: 3]:

السفن {فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرً} [الذاريات: 4]: الملائكة، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين (¬1). (والرميمُ: نبات الأرض إذا يبسَ ودِيس). بكسر الدال من الدَّوْس، وهو وَطْءُ الشيء بالأَقدام والقوائِم حتى يتفتَّتَ. ({إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} -يقول-: ما (¬2) خلقتُ أهلَ السعادةِ من أهلِ الفريقين إلا ليوحِّدُونِ): فجعل العامَّ مرادًا به الخصوصُ. وقال ابن المنير: الآيةُ سيقت لبيان عظمة الله تعالى، وأن شأنه مع عبيده لا يُقاس بغيره؛ فإن عبيدَ (¬3) الخلق مطلوبون (¬4) بالخدمةِ والتكسُّبِ للسادة، وبواسطة كسبِ العبيد تَدُرُّ أرزاق ساداتهم، والله تعالى لا يَطلب من عباده رزقًا ولا طعامًا، بل يطلب منهم العبادةَ، وزائد على ذلك: أنه هو الذي يرزقُهم، فهذا هو سياق الآية. حاصله: وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلا لآمرَهم بعبادتي. ¬

_ (¬1) رواه الحاكم في "المستدرك" (3736). وانظر: "التنقيح" (2/ 995). (¬2) في "ع": "بما". (¬3) في "ع": "عبيده". (¬4) في"ع": "المطلوبون".

سورة {والطور}

سُورَةُ {وَالطُّورِ} وَقَالَ قَتَادَةُ: {مَسْطُورٍ} [الطور: 2]: مَكْتُوبٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الطُّورُ: الْجَبَلُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ. {رَقٍّ مَنْشُورٍ} [الطور: 3]: صَحِيفَةٍ. {وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ} [الطور: 5]: سَمَاءٌ. {الْمَسْجُورِ} [الطور: 6]: الْمُوقَدِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: تُسْجَرُ حَتَّى يَذْهَبَ مَاؤُهَا، فَلَا يَبْقَى فِيهَا قَطْرَةٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {أَلَتْنَاهُمْ} [الطور: 21]: نَقَصنَا. وَقَالَ غَيْرُهُ: {تَمُورُ} [الطور: 9]: تَدُورُ. {أَحْلَامُهُمْ} [الطور: 32]: الْعُقُولُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {الْبَرُّ} [الطور: 28]: اللَّطِيفُ. {كِسْفًا} [الطور: 44]: قِطْعًا. {الْمَنُونِ} [الطور: 30]: الْمَوْتُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: {يَتَنَازَعُونَ} [الطور: 23]: يَتَعَاطَوْنَ. (سورة والطور). (وقال مجاهد: الطور: الجبلُ بالسُّريانية): يريد: أنه وافقَ لغةَ العرب، واستعملوه، فصار معرَّبًا إن قلنا: إن المعرَّبَ واقعٌ في القرآن، وقد مرت له نظائر. ({وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} [الطور: 6]: الموقَد): ضبطه جمهور الرواة بالدال. وعند الأصيلي: "الموقَر": المملوء نارًا، والقولان معروفان (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 996).

({أَحْلَامُهُمْ}: العقول): قال السفاقسي: يُكنى (¬1) عن العقل (¬2) بالحِلْم؛ لأن الحلم لا يكون إلا بعقل (¬3). ({كِسْفًا}:قطعًا): هذا على قراءة من فتحَ السين؛ كقِرْبَة وقِرَبٍ، ومن قرأه بالسكون على التوحيد، فجمعه: أَكْساف، وكُسوف. (المنون: الموت): قال الزركشي: المشهورُ في اللغة: أنه حوادث الدهر (¬4). قلت: في "الصحاح": والمنون: الدهر، قال الأعشى: أَأَنْ رَأَتْ (¬5) رَجُلًا أَعْشَى أَضَرَّ بِهِ ... رَيْبُ (¬6) المَنُونِ ودَهْرٌ مُتْبِلٌ خَبِلُ والمنون: المنية؛ لأنها تقطع المدد، وتنقص العدد. قال الفراء: والمنون مؤنثة، وتكون واحدة وجمعًا (¬7). انتهى. * * * 2366 - (4854) - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثُوني عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِم، عَنْ أَبيهِ - رضي الله عنه -، ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج":"كني". (¬2) في "ج": "العلم". (¬3) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬4) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬5) في "م": "رأيت". (¬6) في "ج": "وريب". (¬7) انظر: "الصحاح" (6/ 2207)، (مادة: منن).

قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ، فَلَمَّا بَلَغَ هَذِهِ الآيَةَ: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ} [الطور: 35 - 37]. كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ. قَالَ سُفْيَانُ: فَأَمَّا أَنَا، فَإِنَّمَا سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبيهِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ. لَمْ أَسْمَعْهُ زَادَ الَّذِي قَالُوا لِي. (كاد قلبي أن يطير): فيه وقوع خبر "كاد" مقرونًا بأن في غير الضرورة. قال ابن مالك: وقد خَفِي ذلك على أكثر (¬1) النحويين، والصحيحُ جوازُه، إلا أن وقوعه غيرَ مقرون بأن أكثرُ وأشهر من وقوعه بها (¬2). ¬

_ (¬1) "أكثر" ليست في "ج". (¬2) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 99).

سورة {والنجم}

سُورَةُ {وَالنَّجْمِ} وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {ذُو مِرَّةٍ} [النجم: 6]: ذُو قُوَّةٍ. {قَابَ قَوْسَيْنِ} [النجم: 9]: حَيْثُ الْوَتَرُ مِنَ الْقَوْسِ. {ضِيزَى} [النجم: 22]: عَوْجَاءُ. {وَأَكْدَى} [النجم: 34]: قَطَعَ عَطَاءَهُ. {رَبُّ الشِّعْرَى} [النجم: 49]: هُوَ مِرْزَمُ الْجَوْزَاءَ. {الَّذِي وَفَّى} [النجم: 37]: وَفَّى مَا فُرِضَ عَلَيْهِ. {أَزِفَتِ الْآزِفَةُ} [النجم: 57]: اقْتَرَبَتِ السَّاعَة. {سَامِدُونَ} [النجم: 61]: الْبَرْطَمَةُ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: يَتَغَنَّوْنَ، بِالْحِمْيَرِيَّةِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: {أَفَتُمَارُونَهُ} [النجم: 12]: أَفتجَادِلُونَهُ، وَمَنْ قَرَأَ: (أَفَتَمْرونَهُ): يَعْنِي: أَفَتَجْحَدُونَهُ. {مَا زَاغَ الْبَصَرُ} [النجم: 17]: بَصرُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -. {وَمَا طَغَى} [النجم: 17]: وَلَا جَاوَزَ مَا رَأَى. {فَتَمَارَوْا} [القمر: 36]: كَذَّبُوا. وَقَالَ الْحَسَنُ: {إِذَا هَوَى} [النجم: 1]: غَابَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {أَغْنَى وَأَقْنَى} [النجم: 48]: أَعْطَى فَأَرْضَى. (سورة والنجم). {ضِيزَى}: عوجاء): أصلُه ضُيْزَى (¬1) -بضم الضاد-؛ لأنه ليس في كلام العرب فِعْلَى -بكسر الفاء- صفة، وإنما كسرت الضاد محافظة على تصحيح الياء، كَبِيض (¬2)، وإلا، فلو بقيت الضمة، انقلبت الياء واوًا. ¬

_ (¬1) في "ع": "ضيز". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 997).

({وَأَكْدَى}: قطع عطاءه): قال مجاهد: هو الوليدُ بنُ المغيرة، أعطى قليلًا، ثم قطع عطاءه، كذا في السفاقسي (¬1). ({رَبُّ الشِّعْرَى}: هو مِرْزَم الجوزاء): قال الحافظ مغلطاي: وجدناه منقولًا عن مجاهد، قال: يعبدون الشعرى (¬2)، و (¬3) هو الكوكب الذي وراء الجوزاء. وقال مقاتل: كان الناس من خزاعة وغطفان يعبدون الشعرى، وهو الكوكب الذي يطلُع بعد الجوزاء، وهو كوكب مضيء، ويتبع الجوزاء اليمانية نَيَّرَةٌ (¬4) في الجنوب يُقال (¬5) لها: المِرْزَمُ والعَبُور. [وقال أبو حنيفةَ في كتاب "الأنواء الكبير": والشِّعْرَى والعَبُور] (¬6) والجوزاء في نسقٍ واحدٍ، وهي نجومٌ مشهورة (¬7). [{سَامِدُونَ}: البَرْطَمَة): هو الغناء الذي لا يُفهم، وقيل: السَّامِدُ: اللاهي، وقيل: الهائمُ، وقيل] (¬8): الساكتُ، كذا في السفاقسي (¬9). ¬

_ (¬1) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬2) "يعبدون الشعرى" ليست في "ع" و"ج". (¬3) الواو ليست في "ع" و"ج". (¬4) في "ع": "مرة". (¬5) في "ع": "ويقال". (¬6) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬7) انظر: "التوضيح" (23/ 298 - 299). (¬8) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬9) انظر: "التنقيح" (2/ 997).

2367 - (4855) - حَدَّثَنَا يَحْيىَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبي خَالِدٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: يَا أُمَّتَاهْ! هَلْ رَأَى مُحَمَّد -صلى الله عليه وسلم- رَبَّهُ؟ فَقَالَتْ: لَقَدْ قَفَّ شَعَرِي مِمَّا قُلْتَ، أَيْنَ أَنْتَ مِنْ ثَلَاثٍ، مَنْ حَدَّثَكَهُنَّ فَقَدْ كَذَبَ: مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - رَأَى رَبَّهُ، فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 103]، {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى: 51]. وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ، فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} [لقمان: 34]. وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ كَتَمَ، فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: 67]، الآيَةَ، وَلَكِنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي صُورَتِهِ مَرَّتَيْنِ. (لقد قفَّ شعري مما قلتَ): أي: اقشعرَّ جسمي حتى ثارَ ما عليه من الشعر، وليس هذا منها إنكارًا لجواز الرؤية مطلقًا كما يقوله المعتزلة، وإنما أنكرت وقوعَها في الدنيا (¬1). قال القاضي في "الشفا": ولا مرية في الجواز؛ إذ ليس في الآيات نصٌّ بالمنع، وأما وجوبُه لنبينا، والقولُ بأنه رآه بعينه، فليس فيه قاطع -أيضًا-، فإن ورد حديث نصٌّ بينٌ في الباب، اعتُقد، ووجبَ (¬2) المصيرُ إليه، ولا استحالةَ فيه، ولا مانعَ قطعي يردُّه، والله تعالى الموفق (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 998). (¬2) في "ع": "وجب". (¬3) انظر: "الشفا" (1/ 201 - 202).

باب {لقد رأى من آيات ربه الكبرى} [النجم: 18]

(ثم قرأت: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}): ليس فيها دليل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يَرَ ربَّه، وقد قيل: إن الإدراك (¬1): الإحاطةُ؛ كما في قوله تعالى: {قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء: 61]، وقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ} [يونس: 90]، فالمنفي إحاطةُ الأبصار، لا مجردُ الرؤية، بل في تخصيص الإحاطةِ بالنفي (¬2) ما يدل على الرؤية (¬3)، أو يُشْعِر بها؛ كما تقول: لا تحيطُ به الأفهام (¬4)، وأصل المعرفة حاصل. ({وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}): وهذه الآية ليست نصًا في الدلالة على نفي الرؤية مطلقًا، وإنما تدل على أن البشر لا يرى اللهَ في حال التكلم، فنفيُ الرؤيةِ مقيدٌ (¬5) بهذه الحالة دونَ غيرها. * * * باب {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم: 18] 2368 - (4858) - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنه -: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم: 18]، قَالَ: رَأَى رَفْرَفًا أَخْضَرَ قَدْ سَدَّ الأُفُقَ. (رأى رَفْرَفًا أخضرَ): قيل: الرفرفُ: فِراشٌ، وقيل: ثوبٌ كان لباسًا ¬

_ (¬1) في "ج": "إدراك". (¬2) في "ع": "بالنفس". (¬3) في"ع": "الرواية". (¬4) في "ع": "تحيط بالأفهام". (¬5) في "ع" و"ج": "الرواية مقيدة".

باب {أفرأيتم اللات والعزى} [النجم: 19]

له، وقيل: بِساط (¬1). * * * باب {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} [النجم: 19] 2369 - (4859) - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْهَبِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْجَؤزَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: كان اللَّاتُ رَجُلًا يَلُتُّ سَوِيقَ الْحَاجِّ. (كان اللات رجلًا يَلُتُّ السَّويقَ (¬2)): قال السفاقسي: قولُ ابن عباس هذا هو على قراءة من شدَّدَ الياء؛ يعني: وأما قراءة الجمهور بتخفيفها، فلا يلائمها هذا التفسير (¬3). * * * 2370 - (4865) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَلَفَ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى! فَلْيَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ، فَلْيَتَصَدَّقْ". (من حلف فقالَ في حلفه: واللاتِ والعزى! فليقل: لا إله إلا الله): ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (23/ 306). (¬2) نص البخاري: "سَوِيقَ الْحَاجِّ". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 999).

الحَلِف (¬1)، بفتح الحاء وكسر اللام، وتسكن تخفيفًا. قال السفاقسي وغيره: إنما (¬2) ألزمَه قولَ: لا إله إلا الله؛ إشفاقًا (¬3) عليه من أن يكون الكفر قد لزمه؛ لأن اليمين (¬4) إنما تكون بالمعبود الذي يُعَظَّم، فإذا حلف بهما، فقد ضاهى الكفار في ذلك، فأُمر أن يَتدارك ما وقعَ منه بكلمة التوحيد المبرئة من الشرك (¬5). (ومن قال [لصاحبه]: تعالَ أقامرْكَ، فليتصدَّق): قال الأوزاعي: يتصدَّقُ بالمال الذي كان يريد أن يقامرَ عليه، وقيل: يتصدق بصدقةٍ من ماله كفارةً لما جرى على لسانه من هذا القول. قال القرطبي: وظاهرُ الحديث وجوبُ الصدقة في حقِّ هذا، وقول: لا إله إلا الله في حقِّ الأول (¬6). وفي الحديث دلالة لمذهب الجمهور -كما حكاه القاضي-: أن العزم على المعصية إذا استقر في القلب، كان ذنبًا يُكتب عليه؛ بخلاف الخاطر الذي لا استقرارَ له (¬7). ¬

_ (¬1) "الحلف" ليست في "ج". (¬2) "إنما" ليست في "ع". (¬3) في "ع": "أسفًا"، وفي "ج": "إشفاق". (¬4) في "ج": "التميز". (¬5) انظر: "التوضيح" (23/ 310). (¬6) انظر: "المفهم" (4/ 626). (¬7) انظر: "إكمال المعلم" (5/ 404). وانظر: "التوضيح" (23/ 310 - 311).

باب {ومناة الثالثة الأخرى} [النجم: 20]

باب {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [النجم: 20] 2371 - (4861) - حَدَّثَنَا الْحُمَيدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، فَقَالَتْ: إِنَّمَا كَانَ مَنْ أَهَلَّ بِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ الَّتِي بِالْمُشَلَّلِ لَا يَطُوفُونَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158]، فَطَافَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالْمُسْلِمُونَ. (بمناةَ الطاغية): -بفتح تاء مناةَ-؛ لأنه لا ينصرف، فهو مجرور بالفتحة، والطاغيةِ: نعتٌ، فهو مجرور بالكسرة.

سورة {اقتربت الساعة}

سُورَةُ {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} قَالَ مُجَاهِدٌ: {مُسْتَمِرٌّ} [القمر: 2]: ذَاهِبٌ. {مُزْدَجَرٌ} [القمر: 4]: مُتَنَاهٍ. {وَازْدُجِرَ} [القمر: 9]: فَاسْتُطِيرَ جُنُونًا. {وَدُسُرٍ} [القمر: 13]: أَضْلَاعُ السَّفِينَةِ. {لِمَنْ كَانَ كُفِرَ} [القمر: 14]: يَقُولُ: كُفِرَ لَهُ جَزَاءً مِنَ اللَّهِ. {مُحْتَضَرٌ} [القمر: 28]: يَحْضُرُونَ الْمَاءَ. وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: {مُهْطِعِينَ} [القمر: 8]: النَّسَلَانُ: الْخَبَبُ السِّرَاعُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: {فَتَعَاطَى} [القمر: 29]: فَعَاطَهَا بِيَدِهِ فَعَقَرَهَا. {الْمُحْتَظِرِ} [القمر: 31]: كحِظَارٍ مِنَ الشَّجَرِ مُحْتَرِقٍ. {وَازْدُجِرَ} [القمر: 9]: افْتُعِلَ مِنْ زَجَرْتُ. {كُفِرَ} [القمر: 14]: فَعَلْنَا بِهِ وَبِهِمْ مَا فَعَلْنَا جَزَاءً لِمَا صُنِعَ بِنُوحٍ وَأَصْحَابِهِ. {مُسْتَقِرٌّ} [القمر: 38]: عَذَابٌ حَقٌّ. يُقَالُ: الأَشَرُ: الْمَرَحُ وَالتَّجَبُّرُ. (سورة اقتربت). ({مُهْطِعِينَ}: النَّسَلان): -بفتحتين-، وهو الإسراع. قال الزركشي: وحركةُ العين تدل على حركة العين (¬1). قلت: أحسنَ في هذه العبارة، ومرادُه بالعين (¬2): عينَ (¬3) الكلمة، وهي هنا سينُ النَّسَلان، ومرادُه بالعين الثانية: الباصرة، والمرادُ بالحركة الأولى: ما هو مصطلَحٌ عليه في عُرف أهل العربية، وبالحركة الثانية: ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 1000). (¬2) في "ج": "بالعين الثانية". (¬3) في"ع": "غير".

الاضطراب، ولم أقع له في كتابه هذا على أرشقَ من هذا اللفظ، ولا يخفى ما فيه من الحُسْن. ({فَتَعَاطَى فَعَقَر}: فعاطها بيده): قال السفاقسي: لا أعلم له وجهًا إلا أن يكون من المقلوب الذي قدمت عينه على لامه؛ لأن العَطْوَ: التناولُ، فيكون المعنى: فتناولها بيده، وأما عَوَطَ، فلا أعلمه في كلام العرب، وأما عَيَطَ، فليس معناه موافقًا لهذا، والذي قاله بعض المفسرين: فتعاطى عَقْرَ الناقة، فعقرَها. وقال ابن فارس: التعاطي: الجرأة، والمعنى على هذا: أنه تَجَرَّأَ فعقرَ (¬1). ونقل الزركشي هذا الفصل بنصه، لم يزد عليه شيئًا؛ كعادته في الاعتماد على هذا الكتاب، والاستمدادِ منه، وما كأنه (¬2) إلا مختصره. قلت: في إدعائه أنه لا يعلم مادة عَوَطَ في كلام العرب، نظرٌ، وذلك أن الجوهريَّ ذكر المادةَ، وقال فيها: يقال: عاطَتِ الناقةُ (¬3) تَعوطُ (¬4)؛ يعني: إذا حُمل عليها أولَ سنة، فلم تحمل، ثم حُمل عليها (¬5) السنة الثانية، فلم تحمل -أيضًا-، فهذه المادة (¬6) موجودة في كلام العرب، ¬

_ (¬1) انظر: "مجمل اللغة" (ص: 674). وانظر: "التنقيح" (2/ 1000). (¬2) في "ج": "كان". (¬3) في "م": "الناقط". (¬4) انظر: "الصحاح" (3/ 1145)، (مادة: عوط). (¬5) في "م": "عليه". (¬6) في "ج": "المدة".

باب: {تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر (14) ولقد تركناها آية فهل من مدكر} [القمر: 14 - 15]

والظن بالسفاقسي علمُ ذلك؛ فإنه كثيرُ النظر في "الصحاح"، ومعتمدٌ عليها في النقل. فإن قلت: لكن هذا المعنى غيرُ مناسب لما نحن فيه؟ قلت: هو لم ينكر المناسبة، وإنما أنكر وجودَ المادة فيما يعلمه، و (¬1) الظاهر أنه سهو منه. (كحِظارٍ من الشجر): بكسر الحاء وفتحها. * * * باب: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 14 - 15] قَالَ قَتَادَةُ: أَبْقَى اللَّهُ سَفِينَةَ نُوحٍ حَتَّى أَدْرَكَهَا أَوَائِلُ هَذه الأُمَّةِ. ({فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}): -بالدال المهملة- أصله: "مُذْتَكِر" -بذال معجمة-؛ لأنه مُفْتَعِلٌ من الذِّكْر، فاستُثقل الخروجُ من حرفٍ مجهور، وهو الذال (¬2)، إلى حرف مهموس، وهو التاء، فأُبدلت التاء (¬3) دالًا مهملةً؛ لتقارب مخرجيهما، ثم أُدغمت الذال المعجمة في المهملة بعد قلب المعجمة إليها للتقارب (¬4). ¬

_ (¬1) الواو ليست في "ج". (¬2) في "ج": "الدال". (¬3) في "ج": "وهو الباء فأبدلت الفاء". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 1000).

سورة الرحمن

سُورَةُ الرَّحْمَنِ {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ} [الرحمن: 9]: يُرِيدُ: لِسَانَ الْمِيزَانِ. وَالْعَصْفُ: بَقْلُ الزَّرْعِ إِذَا قُطِعَ مِنْهُ شَيْءٌ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ، فَذَلِكَ الْعَصْفُ، وَالرَّيْحَانُ: رِزْقُهُ، وَالْحَبُّ الَّذِي يُؤْكَلُ مِنْهُ، وَالرَّيْحَانُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الرِّزْقُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْعَصْفُ يُرِيدُ: الْمَأْكولَ مِنَ الْحَبِّ، وَالرَّيْحَانُ: النَّضِيجُ الَّذِي لَمْ يُؤْكَلْ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْعَصْفُ وَرَقُ الْحِنْطَةِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: الْعَصْفُ التِّبْنُ. وَقَالَ أَبُو مَالِكٍ: الْعَصْفُ أَوَّلُ مَا يَنْبُتُ، تُسَمِّيهِ النَّبَطُ: هَبُورًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْعَصْفُ وَرَقُ الْحِنْطَةِ، وَالرَّيْحَانُ: الرِّزْقُ، وَالْمَارِجُ: اللَّهَبُ الأَصْفَرُ وَالأَخْضَرُ الَّذِي يَعْلُو النَّارَ إِذَا أُوقِدَتْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَنْ مُجَاهِدٍ: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ} [الرحمن: 17]: لِلشَّمْسِ فِي الشِّتَاءِ مَشْرِقٌ، وَمَشْرِقٌ فِي الصَّيْفِ، {وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْن} [الرحمن: 17]: مَغْرِبُهَا فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ. {لَا يَبْغِيَان} [الرحمن: 20]: لَا يَخْتَلِطَانَ. {الْمُنْشَآتُ} [الرحمن: 24]: مَا رُفِعَ قِلْعُهُ مِنَ السُّفُنِ، فَأَمَّا مَا لَمْ يُرْفَعْ قَلْعُهُ، فَلَيسَ بِمُنْشَأَةٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَنُحَاسٌ} [الرحمن: 35]: الصُّفْرُ يُصَبُّ عَلَى رُؤُوسِهِمْ، يُعَذبُونَ بِهِ. {خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46]: يَهُمُّ بِالْمَعْصِيَةِ، فَيَذْكُرُ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ-، فَيَتْرُكُهَا. الشُّوَاظُ: لَهَبٌ مِنْ نَارٍ. {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن: 64]: سَوْدَاوَانِ مِنَ الرِّيِّ. {صَلْصَالٍ} [الرحمن: 14]: طِينٌ خُلِطَ بِرَمْلٍ، فَصَلْصَلَ كَمَا يُصَلْصِلُ الْفَخَّارُ، وَيُقَالُ: مُنْتِنٌ، يُرِيدُونَ بِهِ: صَلَّ، يُقَالُ: صَلْصَالٌ، كَمَا يُقَالُ: صَرَّ الْبَابُ عِنْدَ الإِغْلَاقِ، وَصَرْصَرَ، مِثْلُ: كبْكَبْتُهُ؛

يَعْنِي: كَبَبْتُهُ. {فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68]: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ الرُّمَّانُ وَالنَّخْلُ بِالْفَاكِهَةِ، وَأَمَّا الْعَرَبُ، فَإِنَّهَا تَعُدُّهَا فَاكهَةً؛ كقَوْلِهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238]: فَأَمَرَهُمْ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى كُلِّ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ أَعَادَ الْعَصْرَ تَشْدِيدًا لَهَا، كَمَا أُعِيدَ النَّخْلُ وَالرُّمَّانُ، وَمِثْلُهَا: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} [الحج: 18]: ثُمَّ قَالَ: {وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} [الحج: 18]: وَقَدْ ذَكَرَهُمْ فِي أَوَّلِ قَوْلهِ: {مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} [الحج: 18]. وَقَالَ غَيْرُهُ: {أَفْنَانٍ} [الرحمن: 48]: أَغْصَانٍ. {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} [الرحمن: 54]: مَا يُجْتَنَى قَرِيبٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ: {فَبِأَيِّ آلَاءِ} [الرحمن: 13]: نِعَمِهِ. وَقَالَ قتادَةُ: {رَبِّكُمَا} [الرحمن: 13]: يَعْنِي: الْجِنَّ وَالإِنْسَ. وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29]: يَغْفِرُ ذَنْبًا، وَيَكْشِفُ كَرْبًا، وَيَرْفَعُ قَوْمًا، وَيَضَعُ آخَرِينَ. (سورة الرحمن). (قال مجاهد: {بِحُسْبَانٍ} [الرحمن: 5]: كحُسبان الرحى) (¬1): وهو العودُ المستدير الذي باستدارته تستدير المطحنة؛ أي: يدوران في مثل قطب الرحى. ¬

_ (¬1) ثبتت هذه الجملة لأبي ذر، كما قال الحافظ في "الفتح" (8/ 621).

وقيل: جمع حِساب (¬1)؛ كشِهاب وشُهبان، وهو قول ابن عباس: بحساب ومنازلَ؛ [أي: يجريان في منازلهما بحساب لا يغادران ذلك] (¬2). (و (¬3) قال أبو (¬4) مالك: العصفُ: أولُ ما يَنبت، تسميه النَّبط هَيُّورًا): النَّبَطُ: -بفتح النون والباء الموحدة-، وهَيُّورًا: بهاء مفتوحة فمثناة تحتية مشددة مضمومة (¬5) فواو فراء (¬6). ({الْمُنْشَآتُ}: ما رفع قِلْعُه من السفن): القِلْع -بكسر (¬7) القاف-: شراع السفينة، قاله القاضي (¬8). وضبطه السفاقسي بكسر القاف وسكون اللام، وضبطه بعضهم بفتح اللام (¬9). (قال بعضهم: ليس الرمانُ والنخلُ بفاكهة): قال الزركشي: يريد به: أبا حنيفة. ¬

_ (¬1) في "م": "حسبان". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع"، وانظر: "التنقيح" (2/ 1000). (¬3) الواو ليست في "ع". (¬4) في "ج": "ابن". (¬5) "مضمومة" ليست في "ع". (¬6) ضبطه الحافظ في "الفتح" (8/ 621) بفتح الهاء، وضم الموحدة الخفيفة، وسكون الواو، بعدها راء. (¬7) في "ج": "بالكسر". (¬8) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 185). (¬9) انظر: "التنقيح" (2/ 1001).

ورُدَّ عليه بأن العرب تعدُّهما فاكهة، وأن عطفَهما (¬1) على الفاكهة من باب عطفِ الخاصِّ على العام. وقد رُدَّ (¬2) على البخاري بأن "فاكهة" نكرة في سياق الإثبات، فلا عموم إذن. قال الزركشي: وهذا الردُّ مرودٌ بأمرين: أحدهما: أنه نكرة في سياق الامتنان، وهي عامة (¬3). والثاني: أنه ليس المراد بالعام والخاص هنا: المصطلَحَ عليه في الأصول، بل كلَّ ما كان الأولُ فيه شاملًا للثاني (¬4). قلت: متى اعتُبر الشُّمولُ، جاء الاستغراقُ، وهو المرادُ فيما اصطلح عليه الأصوليون، ولعل مرادَه: كل ما كان الأولُ فيه صادقًا على الثاني، سواء كان هنا استغراقٌ، أو (¬5) لم يكن. ثم (¬6) هنا فائدة لا بأس بالتنبيه عليها، وهي (¬7) أن الشيخ أبا حيان نقل قولين في المعطوفات إذا اجتمعت، هل كلها معطوف على الأول، أو كلُّ ¬

_ (¬1) في "ع": "عطفها". (¬2) في "ج": "ورد". (¬3) في "ج": "عامة فيه". (¬4) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬5) في "ع": "و". (¬6) "ثم" ليست في "ع". (¬7) في "م": "وهو".

باب: {حور مقصورات في الخيام} [الرحمن: 72]

واحد منها (¬1) معطوف على ما قبله؟ فإن قلنا بالثاني، لم يكن عطفُ النخل على الرمان من باب عطف الخاصِّ على العام، بل من عطف أحدِ المتبايِنَيْن على الآخر، ومن هذه الفائدة يتجه لك المنازعةُ في قولهم: إن قوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ} [البقرة: 98] أن هذا من عطف الخاص على العام (¬2)، وليس كذلك. فأما إن قلنا بالقول الأول (¬3)، فجبريلُ (¬4) معطوف على لفظ الجلالة، وإن قلنا بالثاني، فهو معطوف على {رُسُلِهِ}، والظاهر أن المراد بهم: الرسلُ من بني آدم؛ لعطفهم على الملائكة، فليس منه. (وقال أبو الدرداء: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}: يغفر ذنبًا، ويكشف كَرْبًا، ويرفع قومًا، ويضع آخرين): قال غيره: يُخرج كلَّ يوم ثلاثةَ عساكرَ: عسكرٌ من الأصلاب إلى الأرحام، وآخرُ من الأرحام إلى الأرض، وآخرُ من الأرض إلى القبور، ويقبض ويبسط، لا إله إلا هو (¬5). * * * باب: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن: 72] وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {حُورٌ}: سُودُ الْحَدَقِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَقْصُورَاتٌ: ¬

_ (¬1) "منها" ليست في "ج". (¬2) من قوله: "بل من عطف" إلى هنا ليس في "ع". (¬3) في "ع": "الآخر". (¬4) من قوله: "أن هذا من عطف" إلى هنا ليس في "ج". (¬5) انظر: "التنقيح" (2/ 1001).

مَحْبُوسَاتٌ، قُصِرَ طَرْفُهُنَّ وَأَنْفُسُهُنَّ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ. {قَاصِرَاتُ} [الرحمن: 56]: لَا يَبْغِينَ غَيْرَ أَزْوَاجِهِنَّ. (وقال ابن عباس: الحور: السودُ الحَدَق): قال السفاقسي: يحتمل أن يريد: شدةَ بياضها، [وهذا قول الأكثرين إن الحَوَرَ شدةُ سوادِ العين في شدةِ بياضها] (¬1). وقال أبو عمرو: الحَوَرُ: أن تسوَدَّ العينُ كلُّها مثلَ الظِّباءِ والبقرِ، قال: ليس (¬2) في بني آدم حَوَرٌ، وإنما قيل للنساء: حورُ العين؛ لأنهن شُبِّهْن بالظباء والبقر، ويحتمل أن يريد ابن عباس هذا، وهو أشبهُ بظاهر كلامه (¬3) (¬4). * * * 2372 - (4879) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ ابْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا أَبَو عِمْرَانَ الْجَونِيُّ، عَنْ أَبي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ خَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مُجَوَّفَةٍ، عَرْضُهَا سِتُّونَ مِيلًا، فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أَهْلٌ مَا يَرَوْنَ الآخَرِينَ، يَطُوفُ عَلَيْهِمُ الْمُؤْمِنُونَ". (مجوفة): أي: واسعةُ الجَوْفِ. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬2) في "ج": "وليس". (¬3) "بظاهر كلامه" ليست في "ع". (¬4) انظر: "التوضيح" (23/ 346).

سورة الواقعة

سُورَةُ الوَاقِعَةِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {رُجَّتِ} [الواقعة: 4]: زُلْزِلَتْ. {وَبُسَّتِ} [الواقعة: 5]: فُتَّتْ لُتَّتْ كَمَا يُلَتُّ السَّوِيقُ. الْمَخْضُودُ: الْمُوقَرُ حَمْلًا، وَيُقَالُ أَيْضًا: لَا شَوْكَ لَهُ. {مَنْضُودٍ} [الواقعة: 29]: الْمَوْزُ. وَالْعُرُبُ: الْمُحَبَّبَاتُ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ. {ثُلَّةٌ} [الواقعة: 39]: أُمَّةٌ. {يَحْمُومٍ} [الواقعة: 43]: دُخَانٌ أَسْوَدُ. {يُصِرُّونَ} [الواقعة: 46]: يُدِيمُونَ. {الْهِيمِ} [الواقعة: 55]: الإبِلُ الظِّمَاءُ. {لَمُغْرَمُونَ} [الواقعة: 66]: لَمُلْزَمُونَ. {فَرَوْحٌ} [الواقعة: 89]: جَنَّةٌ وَرَخَاءٌ. {وَرَيْحَانٌ} [الواقعة: 89]: الرِّزْقُ. {وَنُنْشِئَكُمْ} [الواقعة: 61]: فِي أَيِّ خَلْقٍ نَشَاءُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: {تَفَكَّهُونَ} [الواقعة: 65]: تَعْجَبُونَ. {عُرُبًا} [الواقعة: 37]-مُثَقَّلَةً، وَاحِدُهَا عَرُوبٌ، مِثْلُ صَبُورٍ وَصُبُرٍ، يُسَمِّيهَا أَهْلُ مَكَّةَ: الْعَرِبَةَ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ: الْغَنِجَةَ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ: الشَّكِلَةَ. (سورة الواقعة). ({عُرُبًا} مثقَّلَةً): -بتشديد القاف- يريد: أن الراء ليست بساكنة، وإنما هي مضمومة، والعَرِبَة، والغَنِجَة، والشَّكِلَة، كلُّها بفتح الأول وكسر الثاني.

سورة الحديد

سُورَةُ الْحَدِيدِ قَالَ مُجَاهِدٌ: {جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ} [الحديد: 7]: مُعَمرينَ فِيهِ. {مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [الحديد: 9]: مِنَ الضَّلَالَةِ اِلَى الْهُدَى. {وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [الحديد: 25]: جُنَّةٌ وَسِلَاحٌ. {مَوْلَاكُمْ} [الحديد: 15]: أَوْلَى بِكُمْ. {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} [الحديد: 29]: لِيَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ، يُقَالُ: الظَّاهِرُ: عَلَى كُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، وَالْبَاطِنُ: عَلَى كُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا. {انْظُرُونَا} [الحديد: 13]: انْتَظِرُونَا. * * * سُورَةُ المُجَادِلَة وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {يُحَادُّونَ} [المجادلة: 5]: يُشَاقُّونَ اللَّهَ. {كُبِتُوا} [المجادلة: 5]: أُخْزِيُوا، مِنَ الْخِزْيِ. {اسْتَحْوَذَ} [المجادلة: 19]: غَلَبَ. (سورة الحديد والمجادلة). ({لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ}): [يريد أن "لا" صلةٌ، ويؤيدهُ (¬1) قراءةُ ابن عباس: ليعلمَ. ({انْظُرُونَا}: انتظرونا] (¬2)): هذا ظاهرٌ بينٌ، وقرئ بفتح الهمزة؛ أي: أَخِّرونا، وأكثرُ الناس لا يجيزه؛ لأن التأخيرَ لا معنى له في الآية. ¬

_ (¬1) في "م": "ويؤيد". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع".

قال السفاقسي: ويحتمل أن يكون أَنْظِرْني (¬1) بمعنى: اصبرْ عليَّ؛ كقوله: أَبَا هِنْدٍ فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْنَا ... وَأَنْظِرْنَا نُخَبِّرْكَ اليَقِينَا (¬2) ({كُبِتُوا}: أُخْزِيوا): من الخزي، وقيل: أُذِلُّوا، وقيل: هلكوا، وقيل: غِيظُوا. ¬

_ (¬1) في "ع": "انظروني". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 1003).

سورة الحشر

سُورَةُ الْحَشْرِ {الْجَلَاءَ} [الحشر: 3]: مِنْ أَرْضٍ إِلَى أَرْضٍ. باب 2373 - (4883) - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بشْرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: سُورَةُ الْحَشْرِ، قَالَ: قلْ: سُورَةُ النَّضِيرِ. (سورة الحشر). (قلت لابن عباس: سورة الحشر، قال: قلْ: سورة النَّضِير): قال الزركشي: والنضيرُ قبيلة كبيرة (¬1) من بني إسرائيل موازية في القَدْر والمنزلة لبني قُريظة، وكان يقال للقبيلتين: الكاهنان؛ لأنهما من ولد الكاهن من (¬2) هارون، وكانت أرضُهم وحصونهم قريبًا من المدينة، ولهم نخيل وأموال عظيمة، فلما رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من أُحُد، خرج إليهم، فحاصرهم، وأجلاهم، وإنما كره ابن عباس تسميتَها بالحشر؛ لأن الحشر يوم القيامة، قال: وقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - يومئذ: "اخرُجوا"، فقالوا: إلى أين؟ فقال: "إلى أرض المحشر" (¬3). ¬

_ (¬1) في "ع": "كثيرة". (¬2) في "ع": "ابن". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 1003).

باب {وما آتاكم الرسول فخذوه} [الحشر: 7]

باب {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] 2374 - (4886) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: "لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُوتَشِمَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ". فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ يَعْقُوبَ، فَجَاءَتْ فَقَالَتْ: إِنَّهُ بَلَغَنِي أنَّكَ لَعَنْتَ كَيْتَ وَكَيْتَ، فَقَالَ: وَمَا لِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَمَنْ هُوَ فِي كتَابِ اللَّهِ؟ فَقَالَتْ: لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ، فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ مَا تَقُولُ، قَالَ: لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ، لَقَدْ وَجَدْتِيهِ، أَمَا قَرَأْتَ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]؟ قَالَتْ: بَلَى، قَال: فَإِنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْهُ، قَالَتْ: فَإِنِّي أَرَى أَهْلَكَ يَفْعَلُونَهُ، قَالَ: فَاذْهَبِي فَانْظُرِي، فَذَهَبَتْ فَنَظَرَتْ، فَلَمْ تَرَ مِنْ حَاجَتِهَا شَيْئًا، فَقَالَ: لَوْ كانَتْ كَذَلِكَ مَا جَامَعَتْنَا. (ما جامَعَتْنا): أي: ما جُمِعْتُ أنا وهي. و (¬1) يروى: "ما جامَعْتُها"، فيحتمل أن يكون المعنى كما تقدم، ويحتمل أن يكون من الوِقاع، وهو غِشيانُ الرجلِ أهلَه (¬2). ¬

_ (¬1) الواو ليست في "م". (¬2) انظر: "التوضيح" (23/ 372).

باب: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} [الحشر: 9]

باب: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَة} [الحشر: 9] 2375 - (4889) - حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ غَزْوَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ الأَشْجَعِي، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: أَتَي رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَصَابَنِي الْجَهْدُ، فَأَرْسَلَ إلَى نِسَائِهِ، فَلَمْ يَجدْ عِنْدَهُنَّ شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:"أَلَا رَجُلٌ يُضَيِّفُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، يَرْحَمُهُ اللَّهُ؟ "، فَقَامَ رَجُل مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ لاِمْرَأَتِهِ: ضَيْفُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، لَا تَدَّخِرِيهِ شَيْئًا، قَالَتْ: وَاللَّهِ! مَا عِنْدِي إِلَّا قُوتُ الصِّبْيَةِ، قَالَ: فَإِذَا أَرَادَ الصِّبْيَهُ الْعَشَاءَ، فَنَوِّمِيهِمْ وَتَعَالَيْ، فَأَطْفِئِي السِّرَاجَ، وَنطوِي بُطُونَنَا اللَّيْلَةَ، فَفَعَلَتْ، ثُمَّ غَدَا الرَّجُلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "لَقَدْ عَجبَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-، أَوْ: ضَحِكَ مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانَةَ". فَأَنْزَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9]. (لقد عجب الله، أو ضحك): معناه: الرضا، وأن ذلك (¬1) من فعلها حَلَّ (¬2) من الرضا عند الله والقَبول مَحَلَّ العَجَبِ عندَكم من الشيء التافه إذا رُفع فوقَ قدرِه (¬3). وقد سبق (¬4) الخلافُ في تعيين هذا المبهَم. ¬

_ (¬1) في "ع": "يكون ذلك". (¬2) في "ع" و"ج": "أحل". (¬3) "قدره" ليست في "ع" و"ج". (¬4) في "ع" و"ج": "سيق".

سورة الممتحنة

سُورَةُ الْمُمْتَحِنةِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً} [الممتحنة: 5]: لَا تُعَذِّبْنَا بِأَيْدِيهِمْ، فَيَقُولُونَ: لَوْ كانَ هَؤُلَاءِ عَلَى الْحَقِّ، مَا أَصَابَهُمْ هَذَا. {بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10]: أُمِرَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِفِرَاقِ نِسَائِهِمْ، كُنَّ كَوَافِرَ بِمَكَّةَ. (سورة الممتحِنة): قال السهيلي: بكسر الحاء: المختبِرَة، أُضيف إليها الفعلُ مجازًا؛ كما سميت سورة براءة المبعثِرَة (¬1)، والفاضِحَة؛ لكشفِها عن عيوب المنافقين، ومن قال: الممتحَنة -بفتح الحاء-، فإنه أضافها إلى المرأة التي نزلت فيها، وهي أمُّ كلثومٍ بنتُ عُقبةَ بنِ أَبي مُعَيْطٍ امرأةُ عبدِ الرحمنِ بنِ عوفٍ (¬2). و (¬3) قال مقاتل: الممتحنة اسمُها سُبيعة، و (¬4) يقال: سُعيدة بنتُ الحارث الأَسلميةُ (¬5). * * * باب {لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة: 1] 2376 - (4890) - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ ¬

_ (¬1) في "ع": "المعتبرة". (¬2) في "ع": "بن عوف بن الحارث". (¬3) الواو ليست في "ج". (¬4) الواو ليست في "ج". (¬5) انظر: "التوضيح" (23/ 380).

دِينَارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ: أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَافِعٍ كَاتِبَ عَلِيٍّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيًّا - رضي الله عنه - يَقُولُ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ، فَقَالَ: "انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ؛ فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ، فَخُذُوهُ مِنْهَا". فَذَهَبْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى أتيْنَا الرَّوْضَةَ، فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ، فَقُلْنَا: أَخْرِجِي الْكِتَابَ، فَقَالَتْ: مَا مَعِي مِنْ كِتَابٍ، فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ، أَوْ لَنْلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، فَأتيْنَا بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِمَّنْ بِمَكَّةَ، يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا هَذَا يَا حَاطِبُ؟ "، قَالَ: لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مِنْ قُرَيْشٍ، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِمَكَّةَ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ، أَنْ أَصْطَنِعَ إِلَيْهِمْ يَدًا يَحْمُونَ قَرَابَتِي، وَمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ كُفْرًا، وَلَا ارْتِدَادًا عَنْ دِيني. فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ". فَقَالَ عُمَرُ: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَقَالَ: "إِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ؟ لَعَلَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ". قَالَ عَمْرٌو: وَنَزَلَتْ فِيهِ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ} [الممتحنة: 1]. قَالَ: لَا أَدْرِي الآيَةَ فِي الْحَدِيثِ، أَوْ قَوْلُ عَمْرٍو. (أو لنلقين الثياب): هكذا بنون التأكيد الشديدة في بعض النسخ، وفي نسخة الزركشي: "أو لتلقي" -بدون نون-، فاعترض بأن الصواب:

باب {إذا جاءك المؤمنات يبايعنك} [الممتحنة: 12]

"ليُلقينَّ" بنون التأكيد الشديدة (¬1). * * * باب {إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} [الممتحنة: 12] 2377 - (4892) - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَرَأَ عَلَيْنَا: {أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [الممتحنة: 12]. وَنَهَانَا عَنِ النِّيَاحَةِ، فَقَبَضَتِ امْرَأةٌ يَدَهَا، فَقَالَتْ: أَسْعَدَتْنِي فُلَانَةُ، أُرِيدُ أَنْ أَجْزِيَهَا، فَمَا قَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - شَيْئًا، فَانْطَلَقَتْ وَرَجَعَتْ، فَبَايَعَهَا. (فقبضتِ امرأةٌ يدها، قالت: أسعدَتْني فلانةُ، أُريد أن أَجزيها، فما (¬2) قال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئًا)،: قال الزركشي تابعًا للسفاقسي، ومقلدًا له على عادته، يقال: أسعدتِ المرأةُ صاحبتَها (¬3): إذا قامت في مَناحَةٍ، فقامت معها تراسلُها في نَوْحِها، والإسعادُ خاصُّ بهذا المعنى، والمساعدةُ عامةٌ في جميع الأمور (¬4). قلت: ظاهرُ كلام الجوهريِّ خلافُه؛ فإنه قال: والإسعادُ: الإعانة، والمساعدة: المعاونة (¬5)، ووقع في "مسلم": أن أمَّ عطية قالت: إلا آلَ فلان؛ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 1005). (¬2) في"ع": "كما". (¬3) في "ج": "صاحبها". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 1005). (¬5) انظر: "الصحاح" (2/ 487)، (مادة: سعد).

فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية، فلابدَّ لي (¬1) من أن أُسعدهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"إلا آل فلان" (¬2). قال النووي: هذا محمول على الترخيص لأم عطية في آل فلان خاصة (¬3)، فلا تَحِلُّ النياحة لغيرها، ولا لها في غيرِ آلِ فلان؛ كما هو صريحُ الحديث، وللشارع أن يخصَّ من العموم ما شاء (¬4)، فحينئذ يحتمل أن يتفسر بهذه الرواية المبهمُ في قولها: "فقبضَتِ امرأةٌ يدَها" بأن يقال: هي أم عطية، فكنت عن نفسِها في هذه الرواية بفلانةَ. قلت: ما قاله النووي من تخصيص الرخصة [بأم عطية في آل فلان مُشكلٌ، بل الظاهرُ عمومُ الرخصة] (¬5) لها ولآل فلان في تلك القضية الخاصة التي يقع فيها إسعاد أم عطية، ولو كانت النياحة محرمةً على آل فلانٍ في تلك الواقعة، لم يتأتَّ الإسعاد فيها من أم عطية أصلًا، فتأمله. واستضعف الزركشي كلامَ النووي في تخصيص أم عطية بالترخيص، قال: ولو حمل على أنها ساعدتهم بالبكاء الذي لا نياحةَ فيه (¬6)، لكان أقرب (¬7). قلت: سياق الحديث يأباه؛ فإن النهي إنما تعلقَ بالنياحة، وقبضُ ¬

_ (¬1) "لي" ليست في "ع". (¬2) رواه مسلم (936). (¬3) "خاصة" ليست في "ج". (¬4) انظر: "شرح مسلم" (6/ 238). (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬6) "فيه" ليست في "ع". (¬7) انظر: "التنقيح" (2/ 1006).

يدها، أو قولُها إلا آلَ فلان، يقتضي أن مرادَها الإسعادُ (¬1) بالنياحة، ولو كان المرادُ البكاءَ المجرد الذي لا نياحةَ فيه، لم يكن لقبضِ يدها عندَ النهي عن النياحة معنى، وكذا لقولها: إلا آل فلان، فتأمله. ¬

_ (¬1) في "ج": "الاستعان".

سورة الصف

سُورَةُ الصَّفِّ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} [الصف: 14]: مَنْ يَتَّبِعُنِي إِلَى اللَّهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {مَرْصُوصٌ} [الصف: 4]: مُلْصَقٌ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: بِالرَّصَاصِ. (سورة الصف). (وقال ابن عباس: {مَرْصُوصٌ}: مُلْصَق بعضُه ببعض، وقال يحيى: بالرصاص): المراد بيحيى: الفَرَّاءُ صاحبُ كتاب "معاني القرآن". وفي بعض النسخ: قيل، أو قال بعضهم. "والرصاص" بفتح الراء، وذكر القاضي في "التنبيهات (¬1) " الكسر (¬2). والآية التي أشير إلى تفسيرها هي قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 4]. قال الزمخشري: حالان متداخلتان (¬3). وقال صاحب "الانتصاف": يريد أن معنى الأولى مشتملٌ على الثانية؛ فإن هيئة التراصِّ غيرُ هيئة الاصطفاف، وهذا منتقَد؛ لأن النحاة لا يريدون بالتداخل هذا، وإنما مرادهم أن الحال الثانية وقعت جزءًا من الحال الأولى؛ لأن معنى "صفًا": مصطفين، وفيه ضمير، وقوله: {كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ} ¬

_ (¬1) في "ج": "المشبهات". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 1006). (¬3) انظر: "الكشاف" (4/ 524).

حال من الضمير المذكور، فالحال الثانية داخلة في الأولى، وهو كقوله تعالى: {إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} [الأنبياء: 2 - 3]. قال فيه الزمخشري: إنهما حالان متداخلتان على أحد الوجهين بناء على أن {لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} حالٌ من ضمير "يلعبون" (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: "الكشاف" (3/ 102).

سورة الجمعة

سُورَةُ الجُمُعَةِ باب: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} [الجمعة: 3] 2378 - (4897) - حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ أَبي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: كنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْجُمُعَةِ: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} [الجمعة: 3]. قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَلَمْ يُرَاجِعْهُ حَتَّى سَأَلَ ثَلَاثًا، وَفِينَا سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ عَلَى سَلْمَانَ، ثُمَّ قَالَ: "لَوْ كَانَ الإيمَان عِنْدَ الثُّريَا، لَنَالَهُ رِجَالٌ، أَوْ رَجُلٌ، مِنْ هَؤُلَاءِ". (سورة الجمعة). ({وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ}): قيل: إن الآخرين هم التابعون (¬1)، وقيل: العجم، وقيل: أبناؤهم، وقيل: جميعُ من أسلم إلى يوم القيامة. قال القرطبي: أحسنُ ما قيل فيهم: أنهم أبناء فارس (¬2)؛ بدليل هذا الحديث: "لنالَهُ رجالٌ من هَؤُلاء، ووضعَ يدَه على سلمان"، وقد ظهر ذلك للعيان؛ فإنه ظهر فيهم الدين، وكثر فيهم، وكان وجودُهم كذلك دليلًا من أدلة صدقه - صلى الله عليه وسلم - (¬3). (عند الثريَّا): هي النجم المعروف، وهي مؤنثة مقصورة تكتب ¬

_ (¬1) في "ع": "التابعين". (¬2) انظر: "تفسير القرطبي" (18/ 93). (¬3) انظر: "التوضيح" (23/ 393).

بالألف؛ لمكان الياء التي في آخره. قال الجوهري: والثريا: اسم امرأة من أمية الصغرى، شَبَّبَ بها عُمر (¬1) بنُ أبي ربيعةَ (¬2). قلت: ومن محاسن شعره فيها لما تزوجَتْ بسهيلٍ اليماني قولُه: أَيُّهُا المُنْكِحُ الثُّرَيَّا سُهَيْلًا ... عَمْرَكَ اللهَ كَيْفَ يَلْتَقِيَانِ هِيَ شَامِيَّةٌ إِذَا مَا اسْتَقَلَّتْ ... وَسُهَيْلٌ إِذَا اسْتَقَلَّ يَمَانِ فأوهم السامعَ أنه يريد النجمين، ويقول (¬3): كيف يجتمعان، والثريا من منازل القمر، وسهيلٌ من النجوم اليمانية؟ ومرادُه: الثريا التي كانت يتغزل فيها، وزوجها سهيل اليماني، ولبعد ما بين المنازل الشامية والتخوم اليمانية تأتَّى له الإنكارُ على مَنْ فعل ذلك بألطفِ وجه، وهذا من أحسن توريةٍ سُمعت لمتقدمٍ. ¬

_ (¬1) في "ج": "عمرو". (¬2) انظر: "الصحاح" (6/ 2292)، (مادة: ث ر ا). (¬3) "ويقول" ليست في "ج".

سورة المنافقين

سورة الْمُنَافِقِينَ باب: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: 1] 2379 - (4900) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبي إِسْحَاقَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: كُنْتُ فِي غَزَاةٍ، فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ يَقُولُ: لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِهِ، وَلَوْ رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِهِ، لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ. فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمِّي أَوْ لِعُمَرَ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَدَعَانِي، فَحَدَّثْتُهُ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ وَأَصْحَابِهِ، فَحَلَفُوا مَا قَالُوا، فَكَذَّبَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَصدَّقَهُ، فَأَصَابَنِي هَمٌّ لَمْ يُصِبْنِي مِثْلُهُ قَطُّ، فَجَلَسْتُ فِي الْبَيْتِ، فَقَالَ لِي عَمِّي: مَا أَرَدْتَ إِلَى أَنْ كَذَّبَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَقَتَكَ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} [المنافقون:1]، فَبَعَثَ إِلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَرَأَ فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ قَدْ صَدَّقَكَ يَا زَيْدُ". (سورة المنافقين). (كنت في غَزاة): هي غزوة المُرَيْسيع. وقال ابن العربي: إنها كانت غزوةَ تبوك، وانتُقِد بأن المسلمين كانوا في تبوكَ أعزاء، والمنافقين أذلة. وأيضًا: فمنهم من قال: إن ابن أُبيّ لم يُشاهدها، إنما كان في الخوالف (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (23/ 407).

(فذكرت ذلك لعمي): قيل: هو ثابتُ بنُ قيسِ بنِ زيد (¬1)، وهو أخو أرقمَ بنِ زيدٍ. قال الحافظ مغلطاي: وفي "الطبراني": قال زيد: لما سمعتُ ابنَ أُبيٍّ يقولُ ما قال، أتيتُ سعدَ بنَ عُبادةَ، فأخبرتُه، فأتى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخبره (¬2)، فيحتمل أنه أراد بعمه هذا، لأنه شيخ من شيوخ قبيلته الخزرج، ويحتمل أنه أراد عمَّه زوجَ أمه (¬3) ابنَ رواحةَ (¬4). (فذكره للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فدعاني فحدثته): قال ابن العربي: فيه أنه يجوز تبليغ (¬5) ما لا يجوز للمقول فيه، وليس من النميمة؛ لما فيه من المنفعة، وكشفِ الغطاء عن السرائر الخبيثة (¬6). وأما قول زيد بن أرقم: فسمعتُ عبدَ الله بنَ أُبي ابنَ سلولَ يقول (¬7): لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله، فهذه الزيادةُ الواقعة فيه، وهي قوله: "من حوله" موجودة في قراءة ابن مسعود، ولم تثبت في شيء من المصاحفِ المتفقِ عليها، ويمكن أن يكون ابن مسعود أدخلَها على جهة التفسيرِ وزيادةِ البيان؛ كما فعل في حروف كثيرة وقعت في مصحفه (¬8). ¬

_ (¬1) في "ج": "يزيد". (¬2) رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (5073). (¬3) "أمه" ليست في "ج". (¬4) انظر: "التوضيح" (23/ 406). (¬5) "تبليغ" ليست في "ع". (¬6) انظر: "عارضة الأحوذي" (12/ 202). (¬7) "يقول" ليست في "ج". (¬8) انظر: "التنقيح" (2/ 1006).

باب: {اتخذوا أيمانهم جنة} [المنافقون: 2]

باب: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المنافقون: 2] 2380 - (4901) - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبي إِسْحَاقَ، عَنْ زيدِ بْنِ أَرْقَمَ - رضي الله عنه -، قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَمِّي، فسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ ابْنَ سَلُولَ يَقُولُ: لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا. وَقَالَ أَيْضًا: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمِّي، فَذَكَرَ عَمِّي لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبيٍّ وَأَصْحَابِهِ، فَحَلَفُوا مَا قَالُوا، فَصَدَّقَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَذَّبَنِي، فَأَصَابَنِي هَمٌّ لَمْ يُصِبْنِي مِثْلُهُ، فَجَلَسْتُ فِي بَيْتِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} إِلَى قَوْلِهِ: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ} إِلَى قَوْلهِ: {لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} [المنافقون: 1 - 8]. فَأَرْسَلَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَرَأَهَا عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ قَدْ صَدَّقَكَ". (فأنزل الله -عز وجل-: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} إلى قوله: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ}): الحديث، قال الزمخشري: وإنما وَسَّطَ بين قولهم وتكذيبهم: [{وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} [المنافقون: 1]؛ لأنه لو لم يوسِّطْ بذلك، لكان يوهم أن قولهم هذا كذب] (¬1)، فوسط بذلك كيلا (¬2) يقعَ الوهم (¬3). قلت: واستُدل (¬4) بقوله تعالى: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) في "ع" و"ج": "لئلا". (¬3) انظر: "الكشاف" (4/ 540). (¬4) في "ج": "وقد استدل".

لَكَاذِبُونَ} [المنافقون:1] على أن الكذب هو عدمُ مطابقةِ الخبرِ [لاعتقادِ (¬1) المخبِر، ولو كان خطأ؛ فإنه تعالى جعلهم كاذبين في قولهم: إنك لرسول الله؛ لعدم مطابقته] (¬2) لاعتقادهم، وإن كان مطابقًا للواقع. ورُدَّ هذا الاستدلالُ بثلاثة أمور: [أحدُها: أن المعنى: لكاذبون في الشهادة، وفي ادعائهم المواطأة، فالتكذيبُ راجع إلى الشهادة] (¬3) باعتبار تضمُّنِها خبرًا كاذبًا غيرَ مطابق للواقع، وهو أن هذه الشهادة من صميم (¬4) القلب، وخلوصِ الاعتقاد؛ [بشهادة إن والجملة الاسمية. الثاني: أن المعنى: إنهم لكاذبون في تسمية هذا الخبر شهادةً؛ لأن الشهادة ما يكون على وَفْق الاعتقاد. والثالث: أن] (¬5) المعنى (¬6): إنهم لكاذبون في قولهم: إنك لرسولُ الله، لكن لا في الواقع، بل في زعمِهم الفاسد، واعتقادِهم الباطل؛ لأنهم يعتقدون أنه (¬7) غيرُ مطابق للواقع، فيكون كاذبًا باعتبار اعتقادهم، وإن كان صادقًا في نفس الأمر، فكأنه قيل: إنهم يزعمون أنهم كاذبون في ¬

_ (¬1) في "ج": "لاعتقاده". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬4) في "ع": "صهر". (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬6) في "ج": "والمعنى". (¬7) في "ع": "آية".

باب: {سواء عليهم أستغفرت لهم} الآية [المنافقون: 6]

هذا الخبر الصادق، وحينئذ لا يكون الكذبُ إلا بمعنى عدمِ المطابقة للواقع (¬1). * * * باب: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ} الآية [المنافقون: 6] 2381 - (4905) - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: كنَّا فِي غَزَاةٍ -قَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: فِي جَيْشٍ-، فَكَسع رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: يَا لَلأَنصَارِ! وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ! فَسَمِعَ ذَاكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "مَا بَالُ دَعْوَى جَاهِلِيَّةٍ؟! "، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَسَعَ رَجُل مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: "دَعُوهَا؛ فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ". فَسَمِعَ بِذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، فَقَالَ: فَعَلُوهَا؟! أَمَا وَاللَّهِ! لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ، لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "دَعْهُ، لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ". وَكَانَتِ الأَنْصَارُ أَكثَرَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ، ثُمَّ إِنَّ الْمُهَاجِرِينَ كثُرُوا بَعْدُ. (فكَسَعَ رجل من المهاجرين رجلًا من الأنصار): تقدَّم أن المهاجريَّ جَهْجاهُ بنُ قيسٍ، ويقال: ابنُ سعدٍ الغِفاريُّ، وأن (¬2) الأنصاريَّ ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "الواقع". (¬2) في "ع": "أن".

سِنانُ بنُ وبر، ويقال (¬1): ابنُ وبرةَ الجُهَنِيُّ. (يا لَلأنصار!): -بفتح اللام-، وهي لام الاستغاثة، وكذا: يا لَلْمهاجرين! (دعوها): أي: دعوا هذه الدعوى التي هي دعوى الجاهلية. (فإنها مُنتِنة): -بضم الميم (¬2) وكسر المثناة الفوقية-، ويجوز في اللغة كسر الميم إتباعًا. (لا يتحدَّثُ (¬3) الناس أن محمدًا يقتل أصحابه): أدخله في الأصحاب باعتبار الظاهر، وإلا، فالصحابيُّ لابدَّ من كونه مسلمًا، والإسلامُ والنفاقُ لا يجتمعان، وهذا كان في المنافقين، بل من رؤوسهم، فليس بمسلم، فليس بصحابي، لكن اعتبر ظاهرُ أمره؛ لتلفظه بالشهادتين كما قدمناه. ¬

_ (¬1) في "ع": "وكان يقال"، وفي "ج": "وبرة يقال". (¬2) في "ع": "المثناة". (¬3) في "ع" و"ج": "لا يتحدثن".

سورة التغابن

سُورَةُ التَّغَابُنِ وَقَالَ عَلْقَمَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: 11]: هُوَ الَّذِي إِذَا أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ رَضِيَ، وَعَرَفَ أَنَّهَا مِنَ اللَّهِ. * * * سُورَةُ الطَّلاقِ وقال مُجاهِدٌ: {وَبَالَ أَمْرِهِمْ} [التغابن: 5]: جَزاءَ أمْرِها. (سورة التغابن والطلاق). ({وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}: هو الذي إذا أصابته مصيبة، رضي، وعرف أنها من عند (¬1) الله): فالمعنى على هذا: يهدِ قلبَه إلى التسليم لأمر الله إذا أُصيب، وزاد غيره: وإلى الشكر إذا أنعم عليه، وإلى الغفران إذا ظُلم (¬2). وقيل: يهد قلبه إلى الاسترجاع، يريد: إذا أُصيب بمصيبة. وقال ابن عباس: يهدِ قلبَه لليقين (¬3)، فيعلم (¬4) أن ما أصابه لم يكن ¬

_ (¬1) "عند" ليست في نص البخاري. (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 1007). (¬3) "لليقين" ليست في "ج". (¬4) "فيعلم" ليست في "ع".

باب: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} [الطلاق: 4]

ليخطِئَه، وما أخطأه لم يكن ليصيبَه (¬1). * * * 2382 - (4908) - حَدَّثَنَا يَحْيىَ بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأتهُ وَهْيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فتغَيَّظَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَالَ: "لِيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ فتطْهُرَ، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا، فَلْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ كمَا أَمَرَهُ اللَّهُ". (فتغَيَّظَ فيه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -): الظاهر أن "في" سببية؛ مثل: "دَخَلَتِ امْرَأةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ" (¬2)؛ أي: فتغيظ بسبب إيقاع الطلاق في خلال الحيض. * * * باب: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] 2383 - (4909) - حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ جَالِسٌ عِنْدَهُ، فَقَالَ: أَفْتِنِي فِي امْرَأَةٍ وَلَدَتْ بَعْدَ زَوْجِهَا ¬

_ (¬1) رواه الطبري في "تفسيره" (12/ 115)، وانظر: "التوضيح" (23/ 410). (¬2) رواه البخاري (3318) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.

بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: آخِرُ الأَجَلَيْنِ، قُلْتُ أَنَا: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَا مَعَ ابْنِ أَخِي، يَعْنِي: أَبَا سَلَمَةَ، فَأَرْسَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ غُلَامَهُ كُرَيْبًا إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ يَسْأَلُهَا، فَقَالَتْ: قُتِلَ زَوْجُ سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّةِ وَهْيَ حُبْلَى، فَوَضَعَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَخُطِبَتْ، فَأَنْكَحَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَ أَبُو السَّنَابِلِ فِيمَنْ خَطَبَهَا. (قُتل زوجُ سُبيعةَ الأسلميةِ): هو سعدُ بنُ خولةَ، وقد مات (¬1) بمكة في حجة الوداع. [قال ابن الأثير: ولم يختلفوا أن سعدَ بنَ خولة مات بمكة في حجة الوداع] (¬2)، إلا ما ذكره الطبري أنه توفي سنةَ سبعٍ (¬3). ووقع في "الاستيعاب": أَنْ نقلَ عن ابن جريج: أن زوجَها الذي تُوفي عنها أبو البَدَّاحِ بنُ عاصم (¬4)، قيل: وهذا وهم (¬5). ¬

_ (¬1) في "م" و"ج": "وهو قد مات". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬3) انظر: "أسد الغابة" (2/ 409). (¬4) انظر: "الاستيعاب" (4/ 1608). (¬5) انظر: "أسد الغابة" (6/ 30).

2384 - (4910) - وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، وَأبُو النُّعْمَانِ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: كنْتُ فِي حَلْقَةٍ فِيهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي لَيْلَى، وَكَانَ أَصْحَابُهُ يُعَظِّمُونَهُ، فَذَكَرَ آخِرَ الأَجَلَيْنِ، فَحَدَّثْتُ بِحَدِيثِ سُبَيْعَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، قَالَ: فَضَمَّزَ لِي بَعْضُ أَصْحَابِهِ، قَالَ مُحَمَّد: فَفَطِنْتُ لَهُ، فَقُلْتُ: إِنِّي إِذًا لَجَرِيءٌ إِنْ كَذَبْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ وَهْوَ فِي نَاحِيَةِ الْكُوفَةِ، فَاسْتَحْيَا، وَقَالَ: لَكِنَّ عَمَّهُ لَمْ يَقُلْ ذَاكَ. فَلَقِيتُ أَبَا عَطِيَّةَ مَالِكَ بْنَ عَامِرٍ فَسَأَلْتُهُ، فَذَهَبَ يُحَدِّثُنِي حَدِيثَ سُبَيْعَةَ، فَقُلْتُ: هَلْ سَمِعْتَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فِيهَا شَيْئًا؟ فَقَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: أتجْعَلُونَ عَلَيْهَا التَّغْلِيظَ، وَلَا تَجْعَلُونَ عَلَيْهَا الرُّخْصَةَ؟ لَنَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءَ الْقُصْرَى بَعْدَ الطُّولَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]. (فضمَّنَ بعضُ أصحابه): قال الحافظ مغلطاي: هكذا في نسخة سماعنا بالنون. وقال عياض (¬1): في رواية الأصيلي: بتشديد الميم بعدها نون، وضبطها الباقون بالتخفيف والكسر، قال (¬2): وهو غير مفهوم المعنى، وأشبهُها روايةُ أبي الهيثم: "ضَمَّزَ" -بالزاي مع تشديد الميم، وزيادة ¬

_ (¬1) "عياض" ليست في "ع". (¬2) "قال" ليست في "ع" و"ج".

نون وياء بعدها-؛ أي: أَسْكَتَني، ويقال: ضَمَزَ: سَكَتَ، وضَمَّزَ غَيْرَه؛ أي: أَسْكَتَهُ (¬1). (ففطَنت): -بفتح الطاء-؛ أي: فهمْتُ مرادَه. (لكنَّ عمَّه لم يقلْ ذلك): يعني: ابن مسعود، وهذا اختلاف من قوله. (لَنَزَلت (¬2) سورةُ النساء): قال الزركشي: اللامُ جوابُ قَسَمٍ محذوف؛ أي: واللهِ لنزلَتْ (¬3). قلت: هذا مذهبُ الجمهور في الماضي المتصرف المجرد من قد، وذهب الكسائي وهشام إلى أنها لام الابتداء على إضمار قد، ويظهر (¬4) أثر الاختلاف في مثل: علمت أن زيدًا لقام (¬5)، فالجمهور يفتحون همزة أن، وعندهما يجب الكسر. (القُصرى بعد الطُّولى): القُصرى: صفة لـ: "سورةٌ" من قوله: سورة النساء، ويريد بها: سورة الطلاق، ويريد بالطُّولى: سورة البقرة، وقد تقدم ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 60). (¬2) في "ع": "أنزلت". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 1008). (¬4) في "ع": "إضمار وقد يظهر". (¬5) في "ج": "لعالم".

أنه جعل ذلك نسخًا، وأن الجمهور يرونه تخصيصًا، وخصصوا الآيةَ بحديث سُبيعة.

سورة التحريم

سورة التَّحْرِيمِ 2385 - (4911) - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ حَكِيمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- قَالَ فِي الْحَرَامِ: يُكَفِّرُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]. (سورة: لِمَ تُحَرِّمُ). (أن ابن عباس قال في الحرام (¬1): يُكَفِّرُ): وقال أبو حنيفة والشافعي -رضي الله عنهما-: إنه يُكَفِّر كفارةَ يمين فيما عدا الزوجة، واستدلا (¬2) بقوله: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1]، ثم جعل ذلك يمينًا بقوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2]. واحتج القاضي عبد الوهاب المالكي بقوله تعالى: {لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: 87]، وبقوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ} [يونس: 59]، فتوعَّدَ على فعل ذلك، ومنعَ منه، فدلَّ على أنه لا يتعلق به تكفير (¬3) (¬4). * * * 2386 - (4912) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ ¬

_ (¬1) "في الحرام" ليست في "ع" و"ج". (¬2) في "ج": "واستدلالًا". (¬3) في "ج": "تكفر". (¬4) انظر: "التوضيح" (23/ 428).

باب: {قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم} [التحريم: 2]

يُوسُفَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَشْرَبُ عَسَلًا عِنْدَ زيْنَبَ بْنَةِ جَحْشٍ، وَيَمْكُثُ عِنْدَهَا، فَوَاطَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ عَنْ أَيَّتُنَا دَخَلَ عَلَيْهَا، فَلْتَقُلْ لَهُ: أَكَلْتَ مَغَافِيرَ، إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، قَالَ: "لَا، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَشْرَبُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بْنَةِ جَحْشٍ، فَلَنْ أَعُودَ لَهُ، وَقَدْ حَلَفْتُ، لَا تُخْبِرِي بِذَلِكِ أَحَدًا". (فتواطَيْتُ أنا وحفصة): أي: فتوافقنا والمواطأة الموافقة ولامه همزة إلا أنها أبدلت هنا ياء على غير قياس. (أكلتَ مغافيرَ): هو نوعٌ من الصمغ ينجلب من بعض الشجر يُحل بالماء، وُيشرب، يقال: إنه له رائحة، وواحده مُغفور، بضم الميم (¬1). * * * باب: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] 2387 - (4913) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيىَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- يُحَدِّثُ: أَنَّهُ قَالَ: مَكَثْتُ سَنَةً أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ آيَةٍ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَسْأَلَهُ؛ هَيْبَةً لَهُ، حَتَّى خَرَجَ حَاجًّا، فَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا رَجَعْتُ، وَكُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، عَدَلَ إِلَى الأَرَاكِ لِحَاجَةٍ لَهُ، قَالَ: فَوَقَفْتُ لَهُ حَتَّى فَرَغَ، ثُمَّ سِرْتُ مَعَهُ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! مَنِ اللَّتَانِ تَظَاهَرَتَا عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَزْوَاجِهِ؟ فَقَالَ: تِلْكَ حَفْصَةُ وَعَائِشَةُ، قَالَ: ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 1009).

فَقُلْتُ: وَاللَّهِ، إِنْ كنْتُ لأُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ هَذَا مُنْذُ سَنَةٍ، فَمَا أَسْتَطِيعُ؛ هَيْبةً لَكَ، قَالَ: فَلَا تَفْعَلْ، مَا ظَنَنْتَ أَنَّ عِنْدِي مِنْ عِلْمٍ، فَاسْأَلْنِي، فَإِنْ كَانَ لِي عِلْمٌ، خَبَّرْتُكَ بِهِ، قَالَ: ثمَّ قَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ! إِنْ كنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَا نَعُدُّ لِلنِّسَاءِ أَمْرًا، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِنَّ مَا أَنْزَلَ، وَقَسَمَ لَهُنَّ مَا قَسَمَ، قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا فِي أَمْرٍ أتأَمَّرُهُ، إِذْ قَالَت امْرَأَتِي: لَوْ صَنَعْتَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَقُلْتُ لَهَا: مَا لَكِ وَلِمَا هاهنا، فِيمَا تَكَلُّفُكِ فِي أَمْرٍ أُرِيدُهُ؟ فَقَالَتْ لِي: عَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، مَا تُرِيدُ أَنْ تُرَاجَعَ أَنْتَ، وَإِنَّ ابْنَتَكَ لَتُرَاجِعُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى يَظَلَّ يَوْمَهُ غَضْبَانَ، فَقَامَ عُمَرُ، فَأخَذَ رِدَاءَهُ مَكَانَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ، فَقَالَ لَهَا: يَا بُنَيَّةُ! إِنَّكِ لَتُرَاجِعِينَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى يَظَلَّ يَوْمَهُ غَضْبَانَ؟ فَقَالَتْ حَفْصَةُ: وَاللَّهِ! إِنَّا لنرَاجِعُهُ، فَقُلْتُ: تَعْلَمِينَ أَني أُحَذِّرُكِ عُقُوبَةَ اللَّهِ، وَغَضَبَ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، يَا بُنَيَّةُ! لَا يَغُرَّنَّكِ هَذِهِ الَّتِي أَعْجَبَهَا حُسْنُهَا حُبُّ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِيَّاهَا -يُرِيدُ: عَائِشَةَ-، قَالَ: ثُمَّ خَرَجْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ لِقَرَابَتِي مِنْهَا، فَكَلَّمْتُهَا، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: عَجَبًا لَكَ يَا بْنَ الْخَطَّابِ! دَخَلْتَ فِي كلِّ شَيْءٍ، حَتَّى تَبْتَغِي أَنْ تَدْخُلَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَزْوَاجِهِ، فَأَخَذَتْنِي -وَاللَّهِ- أَخْذًا كَسَرَتْنِي عَنْ بَعْضِ مَا كنْتُ أَجِدُ، فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهَا. وَكَانَ لِي صَاحِبٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِذَا غِبْتُ، أَتَانِي بِالْخَبَرِ، وَإِذَا غَابَ، كُنْتُ أَنَا آتِيهِ بِالْخَبَرِ، وَنَحْنُ نَتَخَوَّفُ مَلِكًا مِنْ مُلُوكِ غَسَّانَ، ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَسِيرَ إِلَيْنَا، فَقَدِ امْتَلأَتْ صُدُورُنَا مِنْهُ، فَإِذَا صَاحِبِي الأَنْصَارِيُّ يَدُقُّ الْبَابَ، فَقَالَ: افْتَح افْتَحْ، فَقُلْتُ: جَاءَ الْغَسَّانِيُّ؟ فَقَالَ: بَلْ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ، اعْتَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَزْوَاجَهُ، فَقُلْتُ: رَغِمَ أَنْفُ حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ، فَأَخَذْتُ ثَوبيَ، فَأَخْرُجُ حَتَّى جِئْتُ، فَإِذَا

رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ، يَرْقَى عَلَيْهَا بِعَجَلَةٍ، وَغُلَامٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَسْوَدُ عَلَى رَأْسِ الدَّرَجَةِ، فَقُلْتُ لَهُ: قُلْ: هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَأَذِنَ لِي، قَالَ عُمَرُ: فَقَصَصْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - هذَا الْحَدِيثَ، فَلَمَّا بَلَغْتُ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ، تَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَإِنَّهُ لَعَلَى حَصِيرٍ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شَيْءٌ، وَتَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، وِإن عِنْدَ رِجْلَيْهِ قَرَظًا مَصْبُوبًا، وَعِنْدَ رَأْسِهِ أَهَبٌ مُعَلَّقَةٌ، فَرَأَيْتُ أَثَرَ الْحَصِيرِ فِي جَنْبِهِ، فَبَكَيْتُ، فَقَالَ: "مَا يُبْكِيكَ؟ "، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ كسْرَى وَقَيْصَرَ فِيمَا هُمَا فِيهِ، وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ! فَقَالَ: "أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا، وَلَنَا الآخِرَةُ؟ ". (حتى يظل يومه غضبانًا): قال الزركشي: كذا، و (¬1) صوابه: "غضبان" (¬2). قلت: يريد بمنع الصرف بناء على أن مؤنثه غَضْبى، فقد تحقق شرطُ منع الألف والنون الزائدة في الوصف، وهو وجود فَعْلَى، فيجب منعُ الصرف. لكن حكى الزركشي وغيره: أن بني أسد يقولون في مؤنث غضبان: غضبانة، فلعله اعتبر هذه اللغة في الحديث، فصرف. (لا يغرنَّكِ هذه التي أعجبها حسنُها حُبُّ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إياها): حكى الزركشي عن أبي القاسم بن الأبرش: أنه قال: حُبُّ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - معطوفٌ على "حسنُها" بغير واو؛ كقولهم: أكلتُ (¬3) تمرًا زبيبًا أَقِطًا، ¬

_ (¬1) الواو ليست في "ع" و"ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 1010). (¬3) "أكلت" ليست في "ع" و"ج".

وحذفُ حرف العطف جائز، ويؤيده روايةُ مسلم له بالواو (¬1). قلت: حذفُ (¬2) حرفِ العطف بابُه الشعر، نصَّ عليه ابنُ هشام في "المغني" (¬3)، وما استشهدوا به من النثر (¬4) محتمِلٌ للتأويل. وقال السهيلي في "نتائج الفكر": بلغني عن بعض مشايخنا الجلة: أنه جعله من باب حذف حرف (¬5) العطف؛ أي: وحُبُّ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وبلغ الاستحسان بالسامعين لذلك إلى أن علقوه في الحواشي من كتاب الصحيح، وليس كذلك، ولكنه مرتفع على البدل من الفاعل الذي في أول الكلام، وهو "لا يغرنك هذه"، فهذه فاعل، و"التي" نعتٌ بصلتِه، و"حُبُّ" بدل اشتمال؛ كما تقول: أعجبني يومُ الجمعة صومٌ فيه، وسرني زيدٌ حُبُّ الناسِ له. قلت: ولو جعل "حُبُّ رسول الله" من بدل الإضراب، والمبدَل منه "حسنُها"، لكان وجهًا. هذا كلُّه على رفع "حُبُّ"، وهو الذي حكاه القاضي عن النحاة، قال: وضبطه بعضهم بالنصب على إسقاط الخافض (¬6). قلت (¬7): يريد أنه مفعول لأجله، والأصل: لحبِّ رسولِ الله، ثم ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1986) عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-. (¬2) "حذف" ليست في "ج". (¬3) انظر: "مغني اللبيب" (ص: 831). (¬4) في "ع": "به ابن التين"، وفي "ج": "به ابن المنير". (¬5) "حرف" ليست في "ع" و"ج". (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 1010). (¬7) "قلت" ليست في "ع".

حذفت اللام، فانتصب (¬1) على أنه مفعول له، ولا نزاعَ في جوازه. (اعتزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -): هذا خلاف الرواية التي سبقت له في كتاب: العلم، وغيره: "طلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه" (¬2)، والمذكور هنا هو الصواب، وأما الأول، فيحمل على (¬3) المجاز؛ أي: فعلَ فِعْلَ (¬4) المطلِّقِ من الاجتنابِ والاعتزال، لا على أن الطلاق وقع؛ لأن هذا خلافُ الواقع، وفي هذه الرواية ما يشير إلى أن إخباره أولًا بالطلاق إنما هو على جهة المجاز. (وإنَّ عند رجليه قَرَظًا مصبورًا (¬5)): القَرَظُ -بفتح القاف والراء وبالظاء المعجمة-: وَرَقُ السَّلَم يُدبغ به الأَدَمُ، والمصبور: المجموع، مأخوذٌ من الصُّبْرَة، وهي الكَوْمُ من الطعام (¬6). (وعند رأسه أُهُبٌ): -بضم الهمزة والهاء، جمع إهاب-، وحكى السفاقسي فتحَها أيضًا، والإهابُ: الجلدُ مطلقًا، سواء دُبغ، أو لم يُدبغ، وقيل: هو الجلدُ قبل أن يُدبغ (¬7). ¬

_ (¬1) في "ع": "فانتصبت". (¬2) رواه البخاري (2468) عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-. (¬3) في "ع": "أي: على". (¬4) "فعل" ليست في "ج". (¬5) كذا في رواية أبي ذر الهروي، وفي اليونينية: "مصبوبًا"، وهي المعتمدة في النص. (¬6) انظر: "التنقيح" (2/ 1011). (¬7) المرجع السابق، الموضع نفسه.

باب: قوله: {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما} [التحريم:4]

باب: قوله: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم:4] صَغَوْتُ وَأَصْغَيْتُ: مِلْتُ. {وَلِتَصْغَى} [الأنعام: 113]: لِتَمِيلَ. {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: 4]: عَوْنٌ، تَظَاهَرُونَ: تَعَاوَنُونَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ} [التحريم: 6]: أَوْصُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّه، وَأَدِّبُوهُمْ. (وقال مجاهد: {قُوا أَنْفُسَكُمْ}: أوقفوا أهليكم بتقوى الله): قيل: صوابه "أَوْصوا"؛ من الوصية، كذا حكاه عنه ابن النحاس، وقيل: مراده: أوقفوهم عن المعصية، وعن النار. قال الزركشي: وعلى هذا، فصوابه: قفوا؛ لأن وقف ثلاثي (¬1). قلت: وقع في "الصحاح" ما نصه: وحكى أبو عبيد في "المصنف" عن الأصمعي، واليزيدي: أنهما ذكرا عن أبي عمرِو (¬2) بنِ العلاء: أنه قال: لو مررتَ برجل واقف، فقلتَ: ما أوقفك هاهنا؟ [لرأيته حسنًا، وحكى ابن السِّكِّيتِ: ما أوقفك هاهنا؟] (¬3)، انتهى (¬4). "وأوقفوا": هكذا بالهمزة والقاف والفاء، هي رواية ابن السكن، والقابسي. ¬

_ (¬1) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬2) في "ج": "عمر". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬4) انظر: "الصحاح" (4/ 1440)، (مادة: وقف).

باب: قوله: {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا} [التحريم: 5]

وعند الأصيلي: "أَوْثِقوا" بثاء مثلثة بدل القاف. قال القاضي: وصوابُه: قُوا أنفسكم، وَقُوا أهليكم (¬1) (¬2). * * * باب: قوله: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} [التحريم: 5] ({عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} [التحريم: 5] , الآية): قال الزمخشري: وأُخليتْ صفاتُ النسوة من العاطف، وأُدخلت في {وَأَبْكَارًا}؛ لأنهما (¬3) صفتان متعاقبتان لا يمكن اجتماعُهما (¬4). وذكر ابن الحاجب أن القاضيَ الفاضلَ عبدَ الرحيمِ البيسانيَّ (¬5) كاتبَ السلطان صلاحِ الدينِ يوسفَ بنِ أيوبَ كان يعتقد أن الواو في الآية واو الثمانية، وكان يتبجَّح (¬6) باستخراجها زائدة على المواضع الثلاثة: 1 - أحدها: في التوبة: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ} [التوبة: 112]. 2 - الثاني: في الكهف: {وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} [الكهف: 22]. 3 - الثالث: في الزمر: في قوله: {وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر: 73]. ¬

_ (¬1) في "ج": "أنفسكم وأهليكم". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 294). (¬3) في "م": "لأنها". (¬4) انظر: "الكشاف" (4/ 571). (¬5) في "ج": "النسائي". (¬6) في "ع": "ينجح".

قال: فذكر ذلك الفاضلُ يومًا مستحسِنًا له بحضرة أبي الجود النحويِّ المقرئ، فبين له أنه (¬1) واهم في عدِّها من هذا القسم، وذكر له نحوَ ما ذكره الزمخشري من دعاء الضرورة إليها، واستحالة المعنى بعدمها: واو الثمانية لا تُزاد إلا حيثُ لا (¬2) حاجة إليها إلا الإشعارُ بتمام عدد السبعة، فقال له الفاضل: أرشدتَنا يا أبا الجود. قال ابن هشام: ثم إن (¬3) {أَبْكَارًا} صفة تاسعة، لا ثامنة؛ إذ أولُ الصفات: {خَيْرًا مِنْكُنَّ} لا {مُسْلِمَاتٍ}. فإن أجاب: بأن مسلمات وما بعده تفصيل للصفات السابقة (¬4) لخيرًا منكن، فلهذا لم تعد قسيمة لها. قلنا: وكذلك {ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} تفصيلٌ للصفات السابقة، فلا تعدَّهما معها (¬5). ¬

_ (¬1) "أنه" ليست في "ع". (¬2) "لا" ليست في "ع". (¬3) "إن" ليست في "ج". (¬4) "تفصيل للصفات السابقة" ليست في "ع"، وقوله: "للصفات السابقة" ليست في "ج". (¬5) انظر: "مغني اللبيب" (ص: 476).

سورة {تبارك الذي بيده الملك}

سورة {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} التَّفَاوُتُ: الاِخْتِلَافُ، وَالتَّفَاوُتُ وَالتَّفَوُّتُ وَاحِدٌ. {تَمَيَّزُ} [الملك: 8]: تَقَطَّعُ. {مَنَاكِبِهَا} [الملك: 15]: جَوَانِبِهَا. {تَدَّعُونَ} [الملك: 27]، وَتَدْعُونَ، مِثْلُ: تَذَّكَّرُونَ وَتَذْكُرُونَ. {وَيَقْبِضْنَ} [الملك: 19]: يَضْرِبْنَ بِأَجْنِحَتِهِنَّ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {صَافَّاتٍ} [الملك: 19]: بَسْطُ أَجْنِحَتِهِنَّ. {وَنُفُورٍ} [الملك: 21]: الْكُفُورُ. (سورة الملك). (وتَفور: الكُفور): قال القاضي: كذا لجميعهم، وعند الأصيلي: "و {تَفُورُ}: تفور (¬1) كقدر"، وهو الأولى، وما عداه تصحيف (¬2). قلت (¬3): لا أدري وجهَ هذا التصحيف (¬4)، وتفسيرُ النُّفور من قوله: {فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ} [الملك: 21] بالكُفور صحيحٌ ظاهرُ المعنى، فما هذا الذي يقوله؟! ¬

_ (¬1) في "ع": "وكفور". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 347). (¬3) "قلت" ليست في "ج". (¬4) في "ج": "التضعيف".

سورة {ن والقلم}

سورةُ {ن وَالْقَلَمِ} وَقَالَ قَتَادَةُ: {حَرْدٍ} [القلم: 25]: جِدٍّ فِي أَنْفُسِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَضَالُّونَ} [القلم: 26]: أَضْلَلْنَا مَكَانَ جَنَّتِنَا. وَقَالَ غَيْرُهُ: {كَالصَّرِيمِ} [القلم: 20]: كَالصُّبْح انْصَرَمَ مِنَ اللَّيلِ، وَاللَّيْلِ انْصَرَمَ مِنَ النَّهَارِ، وَهْوَ أَيْضًا: كُلُّ رَمْلَةٍ انْصَرَمَتْ مِنْ مُعْظَم الرَّمْلِ، وَالصَّرِيمُ أَيْضًا: الْمَصْرُومُ، مِثْلُ: قَتِيلٍ وَمَقْتُولٍ. (سورة ن والقلم). (على (¬1) جِدٍّ في أنفسهم): -بكسر الجيم- من "جِدٍّ"، وهو الاجتهادُ والمبالغة في الأمر. قال السفاقسي: وضُبط بالفتح (¬2). (أضللنا مكانَ جَنَّتِنا): قال الحافظ الدمياطي: صوابه: "ضَلَلْنا"، تقول: ضَلَلْتُ الشيءَ: إذا جعلتَه في مكان، ولم تدرِ أين هو، وأَضْلَلْتُهُ: إذا ضَيَّعْتَه، وإذا وجدتَه (¬3) ضالًا -أيضًا-، وإذا حملته على الضلال، وأدخلته فيه أيضًا (¬4). ¬

_ (¬1) "على" ليست في نص البخاري. (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 1012). (¬3) في "ج": "وجد فيه". (¬4) المرجع السابق، الموضع نفسه.

باب: {عتل بعد ذلك زنيم} [القلم: 13]

باب: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} [القلم: 13] 2388 - (4917) - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبي حَصِينٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} [القلم: 13]، قَالَ: رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، لَهُ زَنَمَةٌ مِثْلُ زَنَمَةِ الشَّاةِ. ({عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ}): العُتُلُّ: الغليظُ العنيفُ. (قال: رجلٌ من قريش له زَنَمَة كزنمةِ الشاةِ): قيل: هو الوليدُ بنُ المغيرةِ المخزوميُّ، كانت له ستةُ أصابعَ، في كل يد أصبع زائدةٌ. وقيل: إنه الأَخْنَسُ بنُ شَريقٍ، قاله السدي. وقيل: إنه الأسود بن عبد يغوث والدُ عبدِ الرحمنِ بنِ الأسود، قاله مجاهد. وفي "تفسير البغوي" في قوله: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ} [القلم: 10]؛ أي: كثيرَ الحَلِفِ بالباطل، قال مقاتل: يعني: الوليدَ بنَ المغيرة، وقيل: الأسودَ ابنَ عبدِ يغوث، وقال عطاء: الأخنسَ (¬1) بنَ شَريق (¬2). * * * باب: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم: 42] 2389 - (4919) - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ زيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي ¬

_ (¬1) في "م": "والأخنس". (¬2) انظر: "تفسير البغوي" (4/ 377).

سَعِيدٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "يَكْشِفُ رَبُّنَا عَنْ سَاقِهِ، فَيَسْجُدُ لَهُ كُل مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ فِي الدُّنْيَا رِئَاءً وَسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ لِيَسْجُدَ، فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا". (يكشف ربنا عن ساقه): من أهل السنة المؤولين لأحاديث الصفات مَنْ قال: يحتمل أن يكون المراد: التجلِّيَ لهم، وكشفَ الحجب، حتى إذا رأوه، سجدوا، وطريقةُ السلف: التسليمُ، وتركُ الخوض، مع التنزيه عن سمات الحدوث، وهي أولى وأسلم (¬1)؛ كما قدمناه. (فيعود ظهره طبقًا واحدًا): الطَّبَقُ: فَقارُ (¬2) الظهر، واحدتها طبقة، يريد: صار فَقارُه كأنه الفَقارةُ الواحدة، فلا ينثني للسجود. قال الزركشي: وفي رواية خارج الصحيح: "كَأَنَّ فِي ظُهُورِهِمُ السَّفافِيد" (¬3). ¬

_ (¬1) قلت: وأحكم. (¬2) في "ع" و"ج": "فغار". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 1013).

سورة نوح باب: {ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا} [نوح: 23]

سورة نوحٍ باب: {وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح: 23] 2390 - (4920) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. وَقَالَ عَطَاءٌ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: صَارَتِ الأَوْثَانُ الَّتِي كَانَتْ فِي قَوْمِ نُوحٍ فِي الْعَرَبِ بَعْدُ، أَمَّا وَدٌّ: كَانَتْ لِكَلْبٍ بِدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ، وَأَمَّا سُوَاعٌ: كَانَتْ لِهُذَيْلٍ، وَأَمَّا يَغُوثُ: فَكَانَتْ لِمُرَادٍ، ثُمَّ لِبَنِي غُطَيْفٍ بِالْجوفِ عِنْدَ سَبَا، وَأَمَّا يَعُوقُ: فَكَانَتْ لِهَمْدَانَ، وَأَمَّا نَسْرٌ: فَكَانَتْ لِحِمْيَرَ، لآلِ ذِي الْكَلَاعِ، أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا، أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ: أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا، وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ، فَفَعَلُوا، فَلَمْ تُعْبَدْ، حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ، وَتَنَسَّخَ الْعِلْمُ، عُبِدَتْ. (سورة نوح). (ثم لبني غُطيف بالجُرُف (¬1)): غُطَيْف: بغين معجمة مضمومة مصغر، والجُرُف: بجيم وراء مضمومتين. ويروى بجيم مفتوحة فراء ساكنة. (لهمْدان): -بميم ساكنة ودال مهملة-: اسمُ قبيلة. (لآل ذي الكَلاع): بفتح الكاف. ¬

_ (¬1) كذا في رواية أبي ذر الهروي عن الكشميهني، وفي اليونينية: "بالجوف"، وهي المعتمدة في النص.

(ونسرًا أسماء (¬1) رجال صالحين): قيل: ولعل قوله: "ونسرًا" مُغَيَّر (¬2) عما كان في الأصل، [وكأَنَّ الذي كان في الأصل] (¬3) -فيما أرى-: وهي: "أسماءُ رجالٍ صالحين"، [ولو كانت صحيحة غير مغيرة، لم يكن له بدٌّ من إعادة بقية الأسماء الأربعة، وهي: وَدٌّ، وسواعٌ، ويغوثُ ويعوق (¬4). والحاصل قولان: فقيل: كانت الأصنام في قوم نوح، وقيل: إنها أسماء رجال صالحين] (¬5) ماتوا، فحزن عليهمِ قومهم، فجاءهم الشيطان، فقال لهم: صَوِّروا على صُوَرهم أمثلةً تنفرِجون بالنظر إليها، ففعلوا، فلما ماتوا، قال (¬6) لأبنائهم: إن آباءكم كانوا يعبدون هذه الأصنام، فعبدوها (¬7). ¬

_ (¬1) في "ع": "اسم". (¬2) في "ج": "مغيرًا". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬4) "ويعوق" ليست في "م". (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬6) في "ع" و"ج": "قالوا". (¬7) انظر: "التنقيح" (2/ 1013 - 1014).

سورة المزمل

سورة الْمُزَّملِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَتَبَتَّلْ} [المزمل: 8]: أَخْلِصْ. وَقَالَ الْحَسَنُ: {أَنْكَالًا} [المزمل: 12]: قُيُودًا. {مُنْفَطِرٌ} [المزمل: 18]: مُثْقَلَة بِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {كَثِيبًا مَهِيلًا} [المزمل: 14]: الرَّمْلُ السَّائِلُ. {وَبِيلًا} [المزمل: 16]: شَدِيدًا. (سورة المزمل). ({أَنْكَالًا}: قيودًا): قال السفاقسي: واحدُها نِكْل -بكسر النون وسكون الكاف، وبفتحهما (¬1) جميعًا- (¬2). ¬

_ (¬1) في "م": "وبفتحها". (¬2) المرجع السابق، (2/ 1014).

سورة {هل أتى على الإنسان}

سُورَةُ {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} يُقَالُ: مَعْنَاهُ: أتى عَلَى الإنْسَانِ، وَهَلْ: تَكُونُ جَحْدًا، وَتَكُونُ خَبَرًا، وَهَذَا مِنَ الْخَبَرِ، يَقُولُ: كَانَ شَيْئًا، فَلَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا، وَذَلِكَ مِنْ حِينِ خَلَقَهُ مِنْ طِينٍ إِلَى أَنْ يُنْفَخ فِيهِ الرُّوحُ. (سورة {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ}). (و"هل" تكونُ جحدًا): يعني: أنها يُراد بالاستفهام بها: النفيُ (¬1)، ولذلك دخلت على الخبر بعدها "إلا" في نحو: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن: 60]. (و"هل"، تكون خبرًا، وهذا من الخبر): يريد أنها تكون حيثُ لا استفهامَ أَلبتة، فتدخل في كلام خبري، وغرضُه أنها تكون بمنزلة "قد". قال سيبويه في باب: بيان "أَمْ" لِم دخلت على (¬2) حروف الاستفهام، ولم تدخل على الألف، ما نصه: نقول: أم من (¬3) تقول، أم هل تقول، ولا تقول: أم أَتقول، وذلك لأن "أم" بمنزلة الألف، وليست "أي"، و"من"، و"ما (¬4) "، و"متى" بمنزلة الألف، إنما (¬5) هي أسماء بمنزلة هذا، وذلك، إلا أنهم تركوا ألف الاستفهام؛ إذ (¬6) كان هذا النحو من الكلام لا يقع ¬

_ (¬1) في "ج": "يراد بها الاستفهام المنفي". (¬2) في "ع": "في". (¬3) في "ج": "هل". (¬4) في "ج": "أي ومما". (¬5) في "ج": "وإنما". (¬6) في "ع" و"ج": "إذا".

إلا في المسألة، فلما علموا أنه لا يكون إلا كذلك، استغنوا عن الألف، فكذلك "هل" إنما تكون بمنزلة "قد"، لكنهم تركوا الألف؛ إذ كانت لا تقع إلا في الاستفهام (¬1). ووقع -أيضًا- في كتاب سيبويه في بعض أبواب الاشتغال، في باب: ما يُختار فيه النصب، وليس قبله (¬2) منصوبٌ بُني على الفعل، وهو باب (¬3) الاستفهام، ما نصه: وأما الألف، فتقديم الاسم فيها قبل الفعل جائز كما جاز ذلك في هذا؛ لأنها حرف الاستفهام الذي لا يزول (¬4) إلى غيره، وليس للاستفهام في الأصل غيرُه، وإنما تركوا الألف في "من"، و"متى"، و"هل"، ونحوِهِنَّ حيث أَمِنوا الالتباسَ، ألا ترى أنك تُدخلها على "من" إذا تمت بصِلَتِها؛ كقول الله تعالى: {أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [فصلت: 40]. وتقول: أم هل، فإنما هي بمنزلة "قد"، ولكنهم تركوا الألف استغناءً؛ إذ (¬5) كان هذا الكلام لا يقع إلا في الاستفهام (¬6). فقد صرح سيبويه [بأن "هل" بمنزلة "قد"، بل أتى بإنما المفيدة للحصر. ¬

_ (¬1) انظر: "الكتاب" (3/ 189). (¬2) في "ج": "قوله قبله". (¬3) في "ج": "وهو من باب". (¬4) في "ع": "لا يؤول". (¬5) في "ج": "إذا". (¬6) انظر: "الكتاب" (1/ 98 - 100).

وإنكارُ ابنِ هشام أن يكون سيبويه] (¬1) قالَ ذلك قصورٌ، وقد أوضحناه في "حاشية المغني". وقول البخاري: وهذا من الخبر؛ يعني: أنها من قوله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} [الإنسان: 1] بمعنى "قد"، وأن (¬2) الكلام خبرٌ (¬3) عار عن الاستفهام، وبذلك فسره جماعة، منهم ابنُ عباس - رضي الله عنه -، والكسائيُّ، والفَرَّاءُ، والمبرِّدُ. قال في "المقتضب": "هل" للاستفهام؛ نحو: هل جاء زيد؟ ويكون بمنزلة "قد"؛ نحو قوله -جل اسمه-: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} (¬4). قال ابن هشام: ولعل ابن عباس إنما أراد: الاستفهامُ في (¬5) الآية للتقرُّر، وليس باستفهام حقيقي، وقد صرح بذلك جماعةٌ من المفسرين، قال بعضهم: "هل" هنا للاستفهام التقريري، والمقرَّرُ به (¬6) مَنْ أنكرَ البعث، وقد علم أنهم يقولون: نعم قد مضى دهرٌ طويل لا إنسانَ (¬7) فيه، فيقال لهم: فالذي (¬8) أحدثَ الناسَ بعدَ أن لم يكونوا كيف يمتنعُ عليه إحياؤهم بعدَ ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) في "ج": "وإن كان". (¬3) "خبر" ليست في "ع". (¬4) انظر: "المقتضب" (1/ 43). (¬5) "في" ليست في "ج". (¬6) في "ج": "والمقر به". (¬7) في "ع": "طويل لإنسان". (¬8) في "ج": "ما الذي".

موتهم، وهو معنى قوله: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ} [الواقعة: 62]، فيعلمون أنه من أنشأ شيئًا بعدَ أن لم يكن قادرٌ على إعادته بعدَ عدمِه (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: "مغني اللبيب" (ص: 461).

سورة والمرسلات

سُورَةُ وَالْمُرْسَلَاتِ باب: {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [المرسلات: 33] 2391 - (9334) - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِي، حَدَّثَنَا يَحْيىَ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَابِسٍ، سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: {تَرْمِي بِشَرَرٍ} [المرسلات: 32]: كُنَّا نَعْمِدُ إِلَى الْخَشَبَةِ ثَلَاثَةَ أَذْرُعٍ وَفَوْقَ ذَلِكَ، فَنَرْفَعُهُ لِلشِّتَاءِ، فَنُسَمِّيهِ: الْقَصَرَ. {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [المرسلات: 33]: حِبَالُ السُّفْنِ تُجْمَعُ حَتَّى تَكُونَ كَأَوْسَاطِ الرِّجَالِ. (سورة والمرسلات). (سمعت ابن عباس: {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ} [المرسلات: 32]:كنا نَعْمِد إلى الخشب. . . . إلى آخره): ثبت القصر هنا بإثبات الصاد، وإنما هو بفتحها، كذا قيده صاحب "النهاية" وغيره، فإنها قراءة مشهورة عن ابن عباس، فكأنه فسر قراءته، وهو جمع قَصَرَة -بالفتح-، وهي أعناقُ الإبلِ والنخلِ وأصولِ الشجر (¬1). قال ابن قتيبة: القَصْر: البناء، ومن فتحَ الصاد، أراد: أُصولَ النخلِ المقطوعةِ (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (4/ 68). (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 1017).

سورة {عم يتساءلون}

سُورَة {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} قَالَ مُجَاهِدٌ: {لَا يَرْجُونَ حِسَابًا} [النبأ: 27]: لَا يَخَافُونَهُ. {لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا} [النبأ: 37]: لَا يُكَلِّمُونَهُ إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَهَّاجًا} [النبأ: 13]: مُضِيئًا. وقال غيره: {وَغَسَّاقًا} [النبأ: 25]: غَسَقَتْ عَيْنُهُ {عَطَاءً حِسَابًا} [النبأ: 36]: جَزَاءً كَافِيًا، أَعْطَانِي مَا أَحْسَبَنِي؛ أَيْ: كفَانِي. (سورة عَمَّ): إلى آخر القرآن. (غَسَقَتْ عينُه): أي: دَمَعَتْ (¬1)، قاله ابنُ عطية (¬2)، أو أظلمتْ، قاله الجوهري (¬3). ¬

_ (¬1) في "ج": "دمعت عينه". (¬2) انظر: "المحرر الوجيز" (5/ 427). (¬3) انظر: "الصحاح" (4/ 1537)، (مادة: غسق).

سورة {والنازعات}

سُورَةُ {وَالنَّازِعَاتِ} باب 2394 - (4936) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ بِإِصْبَعَيْهِ هَكَذَا، بِالْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِي الإبْهَامَ: "بُعِثْتُ وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ". (بعثت والساعة): بنصب "الساعةَ"، على أنه مفعولٌ معه، ورفعها على أنه معطوف على (¬1) ضمير الرفع المتصل مع عدم الفاصل، وهو قليل، وقد مر. ¬

_ (¬1) من قوله: "الجوهري" إلى هنا ليس في "ع".

سورة {عبس}

سُورَةُ {عَبَسَ} {عَبَسَ} [عبس: 1] كَلَحَ وَأَعْرَضَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: {مُطَهَّرَةٍ} [عبس: 14]: لَا يَمَسُّهَا إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ، وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَهَذَا مِثْلُ قَوْلهِ: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} [النازعات: 5]: جَعَلَ الْمَلَائِكَةَ وَالصُّحُفَ مُطَهَّرَةً؛ لأَنَّ الصُّحُفَ يَقَعُ عَلَيْهَا التَطْهِيرُ، فَجُعِلَ التَّطْهِيرُ لِمَنْ حَمَلَهَا أَيْضًا. {سَفَرَةٍ} [عبس: 15]: الْمَلَائِكَةُ، وَاحِدُهُمْ سَافِرٌ، سَفَرْتُ: أَصْلَحْتُ بَيْنَهُمْ، وَجُعِلَتِ الْمَلَائِكَةُ -إِذَا نَزَلَتْ بِوَحْيِ اللَّهِ وَتأْدِيَتِهِ- كَالسَّفِيرِ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ الْقَوْمِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: {تَصَدَّى} [عبس: 6]: تَغَافَلَ عَنْهُ. ({تَصَدَّى}: تغافلَ عنه): قال الحافظ أبو ذر: ليس هذا بصحيح، إنما يقال: تَصَدَّى للأمر: إذا رفعَ رأسَه إليه، فأما تَلَهَّى، فتغافلَ (¬1) وتشاغلَ عنه. وقال السفاقسي: قيل: تصدَّى (¬2): تتعرَّضُ، وهذا اللائق بتفسير الآية؛ لأنه لم يتغافل عن المشرك، إنما تغافل عمن جاءه يسعى (¬3). * * * باب 2395 - (4937) - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا قَتادَةُ، قَالَ: ¬

_ (¬1) في "ج": "تغافل". (¬2) في "ع": "يتصدى". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 1018).

سَمِعْتُ زُرَارَةَ بْنَ أَوْفَى يُحَدِّثُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَهْوَ حَافِطٌ لَهُ، مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ، وَمَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهْوَ يَتَعَاهَدُهُ، وَهْوَ عَلَيْهِ شَدِيدٌ، فَلَهُ أَجْرَانِ". (مَثَل الذي يقرأ القرَان): بفتح الميم والثاء (¬1). قال الزمخشري: والمَثَلُ في أصل كلامهم بمعنى المِثْلُ، وهو النظير، يقال: مَثَلٌ، ومِثْلٌ، ومَثيلٌ (¬2)؛ كشَبَهٍ (¬3) وشَبْهٍ وشَبيهٍ، ثم قيل للقول السائر الممثل مضربه بموردِهِ: مَثَل، ولم يضربوا مثلًا، ولا رأوه أهلًا للتسيير، ولا جديرًا بالتداوُلِ والقَبول، إلا قولًا فيه غرابةٌ من بعض الوجوه، ومن ثم حوفِظَ عليه، وحُمي من التغيير. ولما رأى الزمخشري أن ما ذكره من كون المَثَل بمعنى الشبه، والقولِ السائر لا يناسب ما هو بصدده من تفسير قوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا} [البقرة: 17] سأل: ما معناه ومفهومه؟ وما الأمرُ الذي يصدق عليه في جانب المشبه والمشبه به؟ وأجاب: بأن المثل قد استُعير استعارةَ الأسدِ للمقدام للحال أو الصفة (¬4) أو القصة إذا كان لها شأن، وفيها غرابة، كأنه قيل: حالُهم العجيبةُ الشأنِ كحال الذي استوقد نارًا. انتهى (¬5). ¬

_ (¬1) "والثاء" ليست في "ع". (¬2) في "ج": "ومثل". (¬3) "كشبه" ليست في "ع" و"ج". (¬4) "أو الصفة" ليست في "ج". (¬5) انظر: "الكشاف" (1/ 109).

فإن قلت: كيف يتمشى هذا في قوله في الحديث: "مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَهْوَ حَافِظٌ لَهُ، مَعَ السَّفَرَةِ"؟ قلت: ليس خبرًا لـ"مَثَلُ" قولُه: "مع السفرة"، وإنما هو محذوف، تقديره: كونُه مع السفرة، والمعنى: أن صفته الغريبةَ العجيبةَ الشأنِ هي كونُه مع السفرةِ الكرامِ البررة. فإن قلت: وما تقدير [قوله: "وَمَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَهْوَ يَتَعَاهَدُهُ، وَهْوَ عَلَيْهِ شَدِيدٌ، فَلَهُ أَجْرَانِ"؟ قلت: التقدير] (¬1): مَثَلُ مَنْ (¬2) هو بهذه الحالة مَثَلُ مَنْ يحاول عبادةً شاقةً يقوم بأعبائها، مع شدتها وصعوبتها عليه، فله أجران؛ أي: أجرٌ على فعلِ العبادة، وأجرٌ على تحمُّل المشقة. فإن قلت: ظاهرُ الحديث: أن الأول أفضلُ من الثاني؛ بدليل الإخبارِ بأنه مع السفرة، وكيف والأجرُ على قدر المشقَّة؟ قلت: هما رأيان في المسألة، فمن الناس من ذهبَ إلى أن أجر الثاني أكثرُ، وأن المراد من ثبوت الأجرين له: ثبوتُ أجر الأولِ له مضاعَفًا؛ تمسكًا بأن الأجور بحسب ما يرتكبه المأجورُ من المشقة، ومنهم من ذهب إلى أن الأولَ أفضلُ؛ بشهادة كونِه (¬3) مع السفرة، وشهادةِ كونه ماهرًا باعتنائه بالقرآن، وإتقانه وحفظه، ولا شك أن هذه المهارة لا تحصل للإنسان بحيث تصيرُ مَلَكَةً ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) "من" ليست في "ج". (¬3) في "ع": "مع كونه".

له إلا بعدَ عناء كبير، ومشقة شديدة، فلا نسلم أن الماهر خالٍ من مشقة، ولا أن الثاني أكثرُ مشقةً منه.

سورة {إذا الشمس كورت}

سُورَةُ {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} {انْكَدَرَتْ} [التكوير: 2]: انْتَثَرَتْ. وَقَالَ الْحَسَنُ: {سُجِّرَتْ} [التكوير: 6]: ذَهَبَ مَاؤُهَا فَلَا يَبْقَى قَطْرَةٌ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {الْمَسْجُورِ} [الطور: 6]: الْمَمْلُوءُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: {سُجِّرَتْ}: أَفْضَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، فَصَارَتْ بَحْرًا وَاحِدًا. وَالْخُنَّسُ: تَخْنِسُ فِي مُجْرَاهَا: تَرْجِعُ، وَتَكْنِسُ: تَسْتَتِرُ كَمَا تَكْنِسُ الظِّبَاءُ. {تَنَفَّسَ} [التكوير: 18]: ارْتَفَعَ النَّهَارُ. وَالظَّنِينُ: الْمُتَّهَمُ، وَالضَّنِينُ: يَضَنُّ بِهِ. وَقَالَ عُمَرُ: {النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} [التكوير: 7]: يُزَوَّجُ نَظِيرَهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، ثُمَّ قَرَأَ: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات: 22]. {عَسْعَسَ} [التكوير: 17]: أَدْبَرَ. ({عَسْعَسَ}: أَدْبَرَ): قاله ابن عباس، وغيرُه. وقيل: أقبلَ، ورُجِّحَ الأولُ بقوله بعدَه: {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} [التكوير: 18] (¬1). ذكرت هنا ما نظمتُه قديمًا في تغيُّرِ حال القمر عند طلوع الفجر، حيث قلتُ: تَكَدَّرَ صَفْوُ البَدْرِ وَالفَجْرُ طالِعٌ ... بِنَهْرِ نَهارٍ لِلعُيُونِ تَبَجَّسَا وَعَادَ كَمِرْآةٍ تَغَيَّرَ صَقْلُهَا ... وَلا عَجَبٌ فَالصُّبْحُ فِيهِ تَنَفَّسَا ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 1018).

سورة الانفطار

سُورَةُ الانْفِطَارِ وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمِ: {فُجِّرَتْ} [الانفطار: 3]: فَاضَتْ. وَقَرَأَ الأَعْمَشُ، وَعَاصِمٌ: {فَعَدَلَكَ} [الانفطار: 7]: بِالتَّخْفِيفِ، وَقَرَأَهُ أَهْلُ الْحِجَازِ بِالتَّشْدِيدِ، وَأَرَادَ: مُعْتَدِلَ الْخَلْقِ، وَمَنْ خَفَّفَ يَعْنِي: {فِي أَيِّ صُورَةٍ} [الانفطار: 8]: شَاءَ: إِمَّا حَسَنٌ، وَإِمَّا قَبِيحٌ، وَطَوِيلٌ وَقَصِيرٌ. (قال الربيعُ بنُ خُثيم: {فُجِّرَتْ}: فاضتْ): قال الزركشي: ينبغي قراءته بتخفيف (¬1) الجيم؛ فإنها القراءة المنسوبةُ للربيع صاحبِ هذا التفسير (¬2). (وقرأ الأعمش وعاصم: {فَعَدَلَكَ} بالتخفيف، وقرأه أهل الحجاز بالتشديد): فالمعنى (¬3) على قراءة التثقيل: جعلَكَ متناسبَ الأطراف، فلم يجعل إحدى يديك أو رجليك أطولَ، ولا إحدى عينيك أوسعَ، فهو من (¬4) التعديل، والمعنى على قراءة التخفيف: صرفَك إلى ما شاء من الهيئات والأشباه والأشكال، فهو من العُدول، ويحتمل رجوعها إلى معنى التثقيل -أيضًا-؛ أي: عَدَّلَ بعضَ أعضائك ببعض (¬5). ¬

_ (¬1) في "ج": "بنصب". (¬2) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬3) في "ع": "بالمعنى". (¬4) في "ع": "على". (¬5) المرجع السابق، الموضع نفسه.

سورة {ويل للمطففين}

سُورَةُ {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {رَانَ} [المطففين: 14]: ثَبْتُ الْخَطَايَا. {ثُوِّبَ} [المطففين: 36]: جُوزِيَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْمُطَفِّفُ لَا يُوَفِي غَيْرَهُ. ({بَلْ رَانَ}: ثَبْتُ الخطايا): المعروف أن ران بمعنى: غَطَّى؛ من الرَّيْن، وهو الحجابُ الكثيف، والغَيْنُ: الحجابُ الرقيق (¬1). * * * باب 2396 - (4938) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 6]. حَتَّى يَغِيبَ أَحَدُهُمْ فِي رَشَحِهِ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ". (في رَشَحه): -بفتح الراء والشين المعجمة جميعًا-: هو العرق. قال الزركشي: لأنه يخرج شيئًا فشيئًا كما يرشح الإناءُ المتحللُ الأجزاءِ (¬2). قلت: حكى القاضي أبو بكر بنُ العربي: أن كلَّ أحد يقوم عرقُه معه، وهو خلافُ المعتاد في الدنيا؛ فإن الجماعة إذا وقفوا في الأرض المعتدلة (¬3)، ¬

_ (¬1) "المرجع السابق" (2/ 1019). (¬2) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬3) في "ج": "المعتادة".

أخذهم الماءُ أخذًا واحدًا، ولا يتفاوتون، وهذا من القدرة التي تخرق العادات، والإيمانُ بها من الواجبات (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (23/ 508).

سورة {إذا السماء انشقت}

سُورَةُ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} باب: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8] 2397 - (4939) - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍ، حَدَّثَنَا يَحْيىَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الأَسْوَدِ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -. (سمعت ابنَ أبي مُليكة: سمعت عائشة): هذا (¬1) صريح في أن ابنَ أبي (¬2) مليكة سمعَ من عائشة بغير واسطة، ثم قال في الإسناد الواقع بعده: * * * 2398 - (4939) / م- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ أَيَّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (عن ابن أبي مليكة، عن القاسم، عن عائشة): وهذا صريح في ثبوت الواسطة بينه وبين عائشة، فيكون ابنُ أبي مليكة تارة منها، وتارة من واحد عنها (¬3)، ولا بدع في ذلك (¬4). ¬

_ (¬1) في "ج": "وهذا". (¬2) "أبي" ليست في "ع". (¬3) في "ع": "عليها". (¬4) انظر: "التنقيح" (2/ 1019).

باب: {لتركبن طبقا عن طبق} [الانشقاق: 19]

باب: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق: 19] 2399 - (4940) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ النَّضْرِ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ جَعْفَرُ بْنُ إِيَاسٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} [الإنشقاق: 19]: حَالًا بَعْدَ حَالٍ، قَالَ: هَذَا نبِيُّكُمْ - صلى الله عليه وسلم -. ({لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} قال: هذا نبيكم): قال السفاقسي: هذا يدل على أن ابن عباس فسر لتركَبَنَّ بفتح الباء (¬1). ¬

_ (¬1) المرجع السابق، الموضع نفسه.

سورة {البروج}

سُورَةُ {الْبُرُوجِ} وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {الْأُخْدُودِ} [البروج: 4]: شَقٌّ فِي الأَرْضِ. {فَتَنُوا} [البروج: 10]: عَذَّبُوا. (قال مجاهد: {الْأُخْدُودِ}: شَقٌّ في الأرض): قال السفاقسي: زاد غيره: الشَّقُّ المستطيلُ في الأرض. قال ابن إسحاق: هم أهلُ نجران، كانوا على دين عيسى -عليه السلام-، فرحل إليهم ذو نواس بجنوده، فخيرهم بين اليهودية والقتل، فاختاروا القتل، فشقَّ لهم الأُخدودَ، وألهبَ فيه النيران (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: "سيرة ابن هشام" (1/ 151). وانظر: "التوضيح" (23/ 518).

سورة {سبح اسم ربك الأعلى}

سُورَةُ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} باب 2400 - (4941) - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ - رضي الله عنه -، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَجَعَلَا يُقْرِئَانِنَا الْقُرْآنَ، ثُمَّ جَاءَ عَمَّارٌ، وَبِلَالٌ، وَسَعْدٌ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ، ثُمَّ جَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَمَا رَأَيْتُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَرِحُوا بِشَيْءٍ فَرَحَهُمْ بِهِ، حَتَّى رَأَيْتُ الْوَلَائِدَ وَالصِّبْيَانَ يَقُولُونَ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ قَدْ جَاءَ، فَمَا جَاءَ حَتَّى قَرَأْتُ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1]، فِي سُوَرٍ مِثْلِهَا. (حتى رأيتُ الولائدَ والصبيان يقولون: هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -): قال الزركشي عن أبي ذر الحافظ: ليس هذا هو موضع الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ كان ابتداء الصلاة عليه في السنة الخامسة من الهجرة، انتهى. ومن أجل هذا سقطت في بعض النسخ، وقد أنكر ذلك عليه؛ فإنه قد ورد في حديث الإسراء ذكرُ الصلاةِ على النبي - صلى الله عليه وسلم -، والإسراء كان بمكة، فلا وجه لإنكار الصلاة عليه في هذا الموضع. انتهى كلام الزركشي (¬1). قلت: وفي كلام أبي ذر إشعارٌ بأن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - التي تقع بإثر قول الصحابي: قال رسول الله، أو سمعت رسول الله، ونحو ذلك (¬2)، هي من كلام ذلك الصحابي، وأنها ثابتةٌ في الرواية عنه، ففي ذلك ردٌّ لقول ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (2/ 1020). (¬2) في "ج": "ونحو هذا".

القاضي أبي بكر بن (¬1) العربي في "الأحوذي": لو أن الناس اليوم يتبعونه، ويقتدون به، ولا يصلون عليه عند ذكره، ولا في كل رسالة إلا حالةَ الصلاة، لكانوا على سيرة السلف؛ إذ مقتضاه: أن سيرة السلف كانت الاتباع والاقتداء، وتركَ (¬2) الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا في حال الصلاة. وأنى له الجزمُ بذلك؟ بل (¬3) الظن بهم -رضي الله عنهم- أنهم (¬4) كانوا يصلون عليه في غير الصلاة -أيضًا-، وُيكثرون من ذلك؛ لأنها عبادة شريفة، مرغَّب فيها، موعودٌ عليها بالثواب الجزيل، وهم أحرصُ الناس على الازدياد من الخير، والاستكثار منه، والسنة مشحونة بذلك. ¬

_ (¬1) "بن" ليست في "ج". (¬2) في "ج": "ونزلت". (¬3) "بل" ليست في "ج". (¬4) في "م": "أنه".

سورة {هل أتاك حديث الغاشية}

سُورَةُ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ} [الغاشية: 3]: النَّصَارَى. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {عَيْنٍ آنِيَةٍ} [الغاشية: 5]: بَلَغَ إِنَاهَا، وَحَانَ شُرْبُهَا. {حَمِيمٍ آنٍ} [الرحمن: 44]: بَلَغَ إِنَاهُ. ({عَيْنٍ آنِيَةٍ}: بلغ (¬1) إِناها) -بكسر الهمزة والقصر-: واحد (¬2) الإناء، وهو الحين. ¬

_ (¬1) في "م": "أنه بلغ". (¬2) "واحد" ليست في "ع".

سورة {والفجر}

سُورَةُ {وَالْفَجْرِ} وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَالْوَتْرِ} [الفجر: 3]: اللَّهُ. {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} [الفجر: 7]: الْقَدِيمَةِ، وَالْعِمَادُ: أَهْلُ عَمُودٍ لَا يُقِيمُونَ. {سَوْطَ عَذَابٍ} [الفجر: 13]: الَّذِي عُذِّبُوا بِهِ. {أَكْلًا لَمًّا} [الفجر: 19]: السَّفُّ. وَ {جَمًّا} [الفجر: 20]: الْكَثِيرُ. ({أَكْلًا لَمًّا}: السَّفُّ (¬1)): بالسين المهملة، ويروى بالمعجمة، يريد: الإكثارَ، والأكلَ الشديدَ. قال الزركشي: وإنما استعملوا الشَّفَّ في الشرب، ففي حديثِ أُمِّ زَرْعٍ: "وَإِذَا شَرِبَ اشْتَفَّ" (¬2). ¬

_ (¬1) في "ع": "السلف". (¬2) رواه البخاري (5189) عن عائشة -رضي الله عنها-. وانظر: "التنقيح" (2/ 1020).

سورة {والشمس وضحاها}

سُورَةُ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} باب 2401 - (4942) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أبَيهِ: أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَمْعَةَ: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ، وَذَكَرَ النَّاقَةَ، وَالَّذِي عَقَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: " {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا} [الشمس: 12]: انْبَعَثَ لَهَا رَجُلٌ عَزِيزٌ عَارِمٌ، مَنِيعٌ فِي رَهْطِهِ، مِثْلُ أَبي زَمْعَةَ". وَذَكَرَ النِّسَاءَ فَقَالَ: "يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ يَجْلِدُ امْرَأتهُ جَلْدَ الْعَبْدِ، فَلَعَلَّهُ يُضَاجِعُهَا مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ". ثُمَّ وَعَظَهُمْ فِي ضَحِكِهِمْ مِنَ الضَّرْطَةِ، وَقَالَ: "لِمَ يَضْحَكُ أَحَدُكُمْ مِمَّا يَفْعَلُ؟! ". (رجلٌ عزيزٌ): أي: شديدٌ قوي. (عارِمٌ): -بعين مهملة وراء-؛ أي: جبارٌ مفسدٌ خبيثٌ. (مثل أبي زَمَعة): بفتح الزاي والميم. قال القرطبي: يحتمل أنه الصحابي الذي بايع تحتَ الشجرة، وشبهه [به من حيث إنه كان في عزةٍ ومنعةٍ من قومه كما كان ذلك الكافر، ويحتمل أن يريد غيره ممن سُمي بأبي] (¬1) زمعة من الكفار (¬2). وقال الدمياطي: هو الأسودُ بنُ المُطَّلِبِ بنِ أسدِ بنِ عبدِ العزى [جدِّ الراوي عبدِ الله بن زمعة، وقُتل يومَ بدر كافرًا مثلَ أبي زمعةَ عمِّ الزبيرِ بنِ العوامِ. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬2) انظر: "المفهم" (7/ 429).

قال الدمياطي: إنما هو ابنُ عمِّ أبيه العوامِ بنِ خويلدِ بنِ أسد، وأبو زمعةَ: الأسودُ بنُ المطلب بنِ أسدِ بنِ عبد العزى] (¬1). ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع".

سورة {والليل إذا يغشى}

سُورَةُ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {بِالْحُسْنَى} [الليل: 6]: بِالْخَلَفِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {تَرَدَّى} [الليل: 11]: مَاتَ. وَ {تَلَظَّى} [الليل: 14]: تَوَهَّجُ، وَقَرَأَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: {تتلظّى}. (وقرأ عبيد بن عمير: تتلظى): هكذا وقع بتاءين، قيل (¬1): والمعروف عند أصحاب القراءة عن عبيد بن عمير {نَارًا تَلَظَّى} [الليل: 14]-بتثقيل التاء-؛ أي: بالإدغام، وأصلُه "تَتَلَظَّى" -بتاءين مفتوحتين-، فسُكِّنت أولاهما، وأُدغمت في الثانية في حالة الوصل فقط (¬2). * * * باب: {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} [الليل: 9] 2402 - (4948) - حَدَّثَتَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصورٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه -، قَالَ: كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فِي تقِيعِ الْغَرْقَدِ، فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ، وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ، فَنَكَّسَ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، وَمَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ، إِلَّا كُتِبَ مَكَانُها مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَإِلَّا قَدْ كتِبَتْ شَقِيَّة أَوْ سَعِيدَةً". قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَع الْعَمَلَ، فَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ، فَسَيَصِيرُ ¬

_ (¬1) "قيل" ليست في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 1021).

إِلَى أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ، فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ؟ قَالَ: "أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ، فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ، فَيُيَسرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاءَ. ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} [الليل: 5، 6] " الآيَةَ. (بمِخصَرته): -بكسر الميم وفتح الصاد-: ما اختصرَ الإنسانُ بيده فأمسكَه من عصا أو غيرها.

سورة الضحى

سُورَةُ الضُّحى باب: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: 3] 2403 - (4950) - حَدَّثَنَا أحمَدُ بْنُ يُونُس، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ ابْنُ قَيْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدُبَ بْنَ سُفْيَانَ - رضي الله عنه -، قَالَ: اشْتكَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ! إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَكُونَ شَيْطَانُكَ قَدْ تَرَكَكَ، لَمْ أَرَهُ قَرِبَكَ مُنْذُ لَيْلَتَيْنِ. أَوْ: ثَلَاثًا. فَأَنْزَلَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحي:1 - 3]. (إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك، لم أره قَرِبَكَ): -بكسر الراء-، يقال: قَرِبَهُ يَقْرَبُه، متعديًا، قال تعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43]، وأما قَرُبَ -بضم الراء-، فلازم. و (¬1) قد سبق في صلاة الليل: أن هذه المرأة هي أمُّ جميلٍ امرأةُ أبي لَهَبٍ (¬2). * * * 2404 - (4951) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدَبًا الْبَجَلِيَّ: قَالَتِ امْرَأَةٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا أُرَى صَاحِبَكَ إِلَّا أَبْطَأَكَ، فَنَزَلَتْ: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: 3]. ¬

_ (¬1) الواو ليست في "ج". (¬2) في "ج": "أبي أيوب". وانظر: "التنقيح" (2/ 1022).

(قالت امرأة: يا رسول الله! ما أُرى صاحبَك إلا قد أبطأَكَ): هذه القائلة هي خديجة -رضي الله عنها-، وقيل: عائشة، ذكرهما ابن بشكوال (¬1)، ونسب الأول إلى ما ذكره إسماعيل وأبو داود في "أعلام النبوة" له، ونسب الثاني إلى ما ذكره سُنَيْد (¬2) بنُ داودَ في "تفسيره". كذا في "الإفهام". وأُرى: بضم الهمزة. وعند أبي ذر بفتحها (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: "غوامض الأسماء المبهمة" (1/ 319). (¬2) في "ع" و"ج": "بسند". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 1022).

سورة {ألم نشرح}

سُورَةُ {أَلَمْ نَشْرَحْ} وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وِزْرَكَ} [الشرح: 2]: فِي الْجَاهِلِيَّة. {أَنْقَضَ} [الشرح: 3]: أَثْقَلَ. ({أَنْقَضَ}: أثقلَ): -بالثاء المثلثة واللام-، وفي نسخة: بمثناة فوقية ونون عوض عن (¬1) اللام، والظاهرُ الأولُ. ¬

_ (¬1) "عن" ليست في "ج".

سورة {والتين}

سورَة {وَالتِّينِ} وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ التِّينُ وَالزَّيْتُونُ الَّذِي يَأْكُلُ النَّاسُ. يُقَالُ: {فَمَا يُكَذِّبُكَ} [التين: 7]: فَمَا الَّذِي يُكَذِّبُكَ بِأَنَّ النَّاسَ يُدَانوُنَ بِأَعْمَالِهِمْ؟ كَأَنَّهُ قَالَ: وَمَنْ يَقْدِرُ عَلَى تَكْذِيبِكَ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ؟ (فما الذي يكذبك بأن (¬1) الناس يُدانون بأعمالهم؟ كأنه قال: ومن يقدر على تكذيبك بالثواب والعقاب؟): قال السفاقسي: كأنه جعل "ما" لمن يعقل، وهو بعيد، ولا بُعْدَ في ذلك، فقد تقع "ما" مرادًا بها: مَنْ يعقل في مواضع؛ منها: المبهَمُ أَمْرُه، كما قال تعالى: {رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} [آل عمران: 35] (¬2). ¬

_ (¬1) في "م": "إن". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 1023).

سورة {لم يكن الذين كفروا}

سُورَة {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} 2405 - (4961) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ أَبُو جَعْفَرٍ الْمُنَادِي، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ نبَيَّ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: "إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُقْرِئَكَ الْقُرْآنَ"، قَالَ: آللَّهُ سَمَّانِي لَكَ؟ قَالَ: "نَعَمْ". قَالَ: وَقَدْ ذُكِرْتُ عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: "نَعَمْ". فَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ. (أمرني أن أُقرئك): قيل: معناه: أن أقرأ عليك؛ لتوافقَ الروايةَ الأخرى (¬1). قلت: الشأن في تنزيل اللفظ على هذا المعنى، ولم يبينه، فتأمله. (فذرَفت عيناه): بفتح الراء. ¬

_ (¬1) المرجع السابق، الموضع نفسه.

سورة {ألم تر}

سُورَةُ {أَلَمْ تَرَ} قَالَ مُجَاهِدٌ: {أَبَابِيلَ} [الفيل: 3]: مُتَتَابِعَةً مُجْتَمِعَةً. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {مِنْ سِجِّيلٍ} [الفيل: 4]: هِيَ سِنْكِ وَكِلْ. (وقال ابن عباس: {مِنْ سِجِّيلٍ}: هي سِنْك وكِلّ): يريد: أنها مجتمعة من سِنْك -بسين مهملة مكسورة ونون ساكنة وكاف-، وهو الحجر، ومن كِلّ -بكسر الكاف وتشديد اللام-، وهو ماءٌ وطينٌ، والكِلُّ بالفارسية، لكنه عُرِّبَ، فقيل: سِجِّيل (¬1). ¬

_ (¬1) المرجع السابق، (2/ 1024).

سورة {إذا جاء نصر الله والفتح}

سُورَةُ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} باب 2406 - (4968) - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي"، يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ. (يتأول القرآنَ): يريد: قولَه تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} [النصر: 3].

سورة {قل أعوذ برب الناس}

سُورَةُ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} وُيذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {الْوَسْوَاسِ} [الناس: 4]: إِذَا وُلِدَ، خَنَسَهُ الشَّيْطَانُ، فَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-، ذَهَبَ، وَإِذَا لَمْ يُذْكَرِ اللَّهُ، ثَبَتَ عَلَى قَلْبِهِ. (إذا وُلِدَ، خَنَسَه الشيطان): قال السفاقسي: وانظر معنى قوله: خَنَسَهُ (¬1) الشيطان، والذي في اللغة: خَنَسَ: إذا رجعَ وانقبضَ. وقال القاضي: كذا الرواية في جميع النسخ، وهو تفسير وتصحيف، فإما أن يكون صوابه: "فَخَنَسَهُ الشيطان" كما جاء في غير هذا الباب في لفظ مسلم. لكن اللفظ الذي جاء به بعد من غير هذا الحديث وهو ما روي عن ابن عباس: "يولَدُ الإنسانُ والشيطانُ جاثمٌ على قلبه، فإذا ذَكَرَ اللهَ، خَنَسَ، وإذا غَفَلَ، وَسْوَسَ"، فكأنَّ (¬2) البخاريَّ إنما أراد ذِكْرَ هذا الحديث، أو الإشارةَ إلى الحديثين، والله أعلم (¬3). * * * باب 2407 - (4977) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ أَبي لُبَابَةَ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ. وَحَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنْ زِرٍّ، قَالَ: ¬

_ (¬1) في "ع": "فخنسه". (¬2) في "ع": "فكأنما"، وفي "ج": "وكأن". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 242). وانظر: "التنقيح" (2/ 1024).

سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ: قُلْتُ: يَا أَبَا الْمُنْذِرِ! إِنَّ أَخَاكَ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا؟ فَقَالَ أُبَيٌّ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ لِي: "قِيلَ لِي، فَقُلْتُ". قَالَ: فَنَحْنُ نَقُولُ كمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. (إن أخاك ابنَ مسعود يقولُ كذا وكذا): يريد: أنه لم يُدخل المعوذَتَين في مُصحفه؛ لكثرة ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ بهما، فظن أنهما من الوحي، وليسا من القرآن، كذا قيل، وقد أجمع الصحابة عليهما، وأثبتوهما في المصحف، وإنما كني عنه بكذا (¬1)؛ استعظامًا منه لهذا القول أن يتلفظ به. وقال القاضي أبو بكر الباقلاني: لم ينكر ابنُ مسعود كونَهما من القرآن، وإنما أنكر إثباتَهما في المصحف؛ لأنه كانت (¬2) السنَّة عنده أن لا يُثبت إلا ما أمرَ النبىُّ - صلى الله عليه وسلم - بإثباته وكَتْبِه، ولم يبلغه أمرُه به، وهذا تأويلٌ منه، وليس جحدًا لكونهما قرآنًا (¬3). ¬

_ (¬1) "بكذا" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "كاتب". (¬3) انظر: "التنقيح" (2/ 1024 - 1025).

كتاب فضائل القرآن

كِتابُ فَضَائِلِ القُرآنِ

باب: كيف نزول الوحي، وأول ما نزل

كِتابُ فَضَائِل القُرآنِ باب: كيفَ نُزوْلُ الوحْيِ، وأَوَّلُ مَا نَزَلَ 2408 - (4978 و 4979) - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ يَحْيىَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم-، قَالَا: لَبِثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا. (كتاب: فضائل القرآن). (أخبرتني عائشة، وابن عباس، قالا: لبث النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة عشر سنين ينزل عليه القرآن، وبالمدينة عشرًا): هذا هو قول أنس، والمشهور عن ابن عباس: أنه مكث بمكة ثلاثَ عشرةَ سنة، وقد قدمنا القولين، ووجهَ الجمع بينهما، وسيأتي فيه كلام. * * * 2409 - (4981) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أبيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ نبَيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ

وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ". (وإنما كان الذي أُوتيت وحيًا يوحى (¬1)، فأرجو أن أكونَ أكثرَهم تابعًا يوم القيامة): يريد -والله أعلم-: أن معجزته العظمى هي القرآن المنزَّلُ عليه، وهي ثابتة إلى يوم [القيامة، بيِّنَةُ الحجَّةِ لكل أمة تأتي، لا يخفى وَجْه (¬2) ذلك على من تأمله، فلا يمر عصرٌ إلا ويظهر] (¬3) [فيه صدقُه بظهور مُخْبِرَه على ما أخبر، فيتجدَّد الإيمان، ويتظاهَرُ البرهان، وليس] (¬4) الخبرُ كالعِيان، والنفسُ أشدُّ طُمأنينةً إلى عين اليقين منها إلى علمِ اليقين (¬5)، وإن كان كلٌّ عندها حقًا، وسائرُ معجزات الرسل انقرضت بانقراضهم، ومعجزةُ نبينا لا تَبيد ولا تَنقطع، وآياته تتجدد ولا (¬6) تضمحلُّ، وإلى هذا أشار -عليه السلام (¬7) - بهذا الحديث، كذا قرره القاضي (¬8) في "الشفا"، قال: وهو الظاهر والصحيحُ إن شاء الله تعالى (¬9). ¬

_ (¬1) نص البخاري: "وحيًا أوحاه الله إلي". (¬2) في "م": "وجوه". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬5) "منها إلى علم اليقين" ليست في "ع". (¬6) في "ج": "متجددة لا". (¬7) في "ع": "أشار عليهم". (¬8) "القاضي" ليست في "ع" و"ج". (¬9) انظر: "الشفا" (1/ 371).

باب: جمع القرآن

باب: جَمْعِ القُرآنِ 2410 - (4986) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ: أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ -مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ-، فَإِذَا عُمَرُ ابْنُ الْخَطَّابِ عِنْدَهُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه -: إِنَّ عُمَرَ أَتانِي فَقَالَ: إِنَّ الْقَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِقُرَّاءَ الْقُرْآنِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءَ بِالْمَوَاطِنِ، فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْقُرْآنِ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تأْمُرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ. قُلْتُ لِعُمَرَ: كيْفَ تَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ عُمَرُ: هَذَا -وَاللهِ- خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللهُ صَدْرِي لِذَلِكَ، وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الَّذِي رَأَى عُمَرُ. قَالَ زَيْدٌ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّكَ رَجُل شَابٌّ عَاقِلٌ لَا نَتَّهِمُكَ، وَقَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَتَتَبَّعِ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ. فَوَاللَّهِ! لَوْ كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ. قُلْتُ: كيْفَ تَفْعَلُونَ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: هُوَ -وَاللَّهِ- خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ أَبُو بَكْرٍ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، فتتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الْعُسُبِ وَاللِّخَافِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ، حَتَّى وَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ أَبي خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ، لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرهُ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ} [التوبة: 128] حَتَّى خَاتِمَةِ بَرَاءَةَ، فَكَانَتِ الصُّحُفُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَيَاتَهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ - رضي الله عنه -.

(واللِّخَاف): -بكسر اللام وفتح الخاء المعجمة-: صفائحُ الحجارةِ البِيضُ الرِّقاقُ، واحدُها لَخْفَةٌ. (مع خزيمةَ، أو أبي خُزيمة): هو خُزيمةُ من غير شك (¬1). * * * 2411 - (4987) - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ: أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُ: أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ، وَكَانَ يُغَازِي أَهْلَ الشَّأْمِ فِي فَتْح إِرْمِينِيَةَ وَأَذْرَبِيجَانَ مَعَ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَأَفْزَعَ حُذَيْفَةَ اخْتِلَافُهُمْ في الْقِرَاءَةِ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ لِعُثْمَانَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! أَدْرِكْ هَذِهِ الأُمَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي الْكِتَابِ اخْتِلَافَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى حَفْصَةَ: أَنْ أَرْسِلِي إِلَيْنَا بِالصُّحُفِ نَنْسَخُهَا فِي الْمَصَاحِفِ، ثُمَّ نَرُدُّهَا إِلَيْكِ، فَأَرْسَلَتْ بِهَا حَفْصَةُ إِلَى عُثْمَانَ، فَأَمَرَ زيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، فَنَسَخُوهَا فِي الْمَصَاحِفِ، وَقَالَ عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلَاثَةِ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ، فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ؛ فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ، فَفَعَلُوا، حَتَّى إِذَا نَسَخُوا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ، رَدَّ عُثْمَانُ الصُّحُفَ إِلَى حَفْصَةَ، وَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ مِمَّا نَسَخُوا، وَأَمَرَ بِمَا سِوَاهُ مِنَ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ صَحِيفَةٍ أَوْ مُصْحَفٍ أَنْ يُحْرَقَ. (أن يُحْرَقَ): بحاء مهملة للمروزي، وبمعجمة لسائرهم، والأولُ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1026).

باب: ذكر كاتب النبي - صلى الله عليه وسلم -

أعرفُ، وقد رُوي عن الأصيلي، ويمكن الجمعُ بأن يكون الإحراقُ بعدَ التمزيق (¬1) كما قاله القاضي (¬2). * * * باب: ذِكْرِ كَاتِبِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - 2412 - (4989) - حَدَّثَنَا يَحْيىَ بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ ابْنَ السَّبَّاقِ، قَالَ: إِنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: إِنَّكَ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَاتَّبعِ الْقُرْآنَ، فتتَبَّعْتُ حَتَّى وَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ آيَتَيْنِ مَعَ أَبي خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ، لَمْ أَجِدْهُمَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرهُ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ} [التوبة: 128]، إِلَى آخِرِهِ. (ابن السَّبَّاق): بسين مهملة مفتوحة وباء موحدة مشددة بعدها ألف فقاف. * * * باب: أنزِلَ القُرآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ 2413 - (4992) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْل، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ ¬

_ (¬1) في "ج": "التمييز". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 189). وانظر: "التنقيح" (3/ 1026).

باب: تأليف القرآن

الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدٍ الْقَارِيَّ حَدَّثَاهُ: أَنَّهُمَا سَمِعَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيم يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَاسْتَمَعْتُ لِقِرَاءَتِهِ، فَإِذَا هُوَ يَقْرَأُ عَلَى حُرُوفٍ كثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِي الصَّلَاةِ، فَتَصَبَّرْتُ حَتَّى سَلَّمَ، فَلَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ، فَقُلْتُ: مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ الَّتِي سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ؟ قَالَ: أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: كَذَبْتَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أَقْرَأَنِيهَا عَلَى غَيْرِ مَا قَرَأْتَ، فَانْطَلَقْتُ بِهِ أقودُهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ بِسُورَةِ الْفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَرْسِلْهُ، اقْرَأْ يَا هِشَامُ". فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ". ثُمَّ قَالَ: "اقْرَأْ يَا عُمَرُ". فَقَرَأْتُ الْقِرَاءَةَ الَّتِي أَقْرَأَنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ". (وعبدَ الرحمن بنَ عبدٍ القاريَّ): -بتشديد الياء- نسبة إلى القارَةِ، وقد مرَّ. * * * باب: تَأْلِيفِ القُرآنِ 2414 - (4993) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ: أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي يُوسُفُ بْنُ مَاهَكَ، قَالَ: إِنِّي عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- إِذْ جَاءَهَا عِرَاقِيٌّ فَقَالَ: أَيُّ الْكَفَنِ خَيْرٌ؟ قَالَتْ: وَيْحَكَ! وَمَا يَضُرُّكَ؟ قَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ! أَرِينِي

باب: القراء من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -

مُصْحَفَكِ، قَالَتْ: لِمَ؟ قَالَ: لَعَلِّي أُوَلِّفُ الْقُرْآنَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُقْرَأُ غَيْرَ مُؤَلَّفٍ، قَالَتْ: وَمَا يَضُرُّكَ أَيَّهُ قَرَأْتَ قَبْلُ؟ إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنَ الْمُفَصَّلِ، فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الإسْلَامِ، نَزَلَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ، وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيءٍ: لَا تَشْرَبُوا الْخَمْرَ، لَقَالُوا: لَا نَدَعُ الْخَمْرَ أَبَدًا، وَلَوْ نَزَلَ: لَا تَزْنُوا، لَقَالُوا: لَا نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا، لَقَدْ نَزَلَ بِمَكَّةَ عَلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ ألعَبُ: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر: 46]. وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءَ إلَّا وَأَنَا عِنْدَهُ، قَالَ: فَأَخْرَجَتْ لَهُ الْمُصْحَفَ، فَأَمْلَتْ عَلَيْهِ آيَ السُّوَرِة. (وما يَضيرُكَ): -بضاد بعدها مثناة تحتية-؛ من الضَّيْرِ. ويروى: "يَضُرُّكَ" -بضم الضاد وتشديد الراء-؛ من الضَّرَر. * * * باب: القُرَّاءِ مِنْ أَصْحابِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - 2415 - (5004) - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنِي ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، وَثُمَامَةُ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: مَاتَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يَجْمَعِ الْقُرْآنَ غَيْرُ أَرْبَعَةٍ: أَبُو الدَّرْدَاءِ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبو زَيْدٍ. قَالَ: وَنَحْنُ وَرِثْنَاهُ. (ولم يجمع القرآنَ غيرُ أربعة): يريد: مع أحكامه، والتفقُّه فيه، وإلا فقد جمعه باعتبار الحفظ خلقٌ كثيرٌ غيرُ هؤلاء الأربعة، على أن في حصر الحفظ باعتبار التلاوة ومعرفة الأحكام في هؤلاء الأربعة نظرًا.

باب: فضل فاتحة الكتاب

(أبو الدرداء): ذكر هذا بدلَ أُبَيٍّ، وهو مما انفردَ به البخاريُّ (¬1). * * * 2416 - (5005) - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا يَحْيىَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: أُبَيٌّ أَقْرَؤُنَا، وَإِنَّا لَنَدَع مِنْ لَحَنِ أُبَيٍّ، وَأُبَيٌّ يَقُولُ: أَخَذْتُهُ مِنْ فِي رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَا أَتْرُكُهُ لِشَيْءٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106]. (وإنا لندع من لحَن أُبَيٍّ): -بفتح الحاء-، يعني: لغته الفصيحة. * * * باب: فَضْلِ فَاتِحَةِ الكِتَابِ 2417 - (5006) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا يَحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ، عَنْ أَبي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى، قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي، فَدَعَانِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ أُجِبْهُ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي كُنْتُ أُصُلِّي، قَالَ: "أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} [الأنفال: 24]؟ "، ثُمَّ قَالَ: "أَلَا أُعَلِّمُكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجدِ؟ "، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَلَمَّا أَرَدْنَا أَنْ نَخْرُجَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّكَ قُلْتَ: "لأُعَلِّمَنَّكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ"، قَالَ: " {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2]، هِيَ السَّبعُ الْمَثَانِي، وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتيتُهُ". ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1027).

(قال: ألم يقل الله سبحانه: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} [الأنفال: 24]؟): فيه دليل على (¬1) أنه لم يقبل اعتذاره بأنه كان في الصلاة. وقد قال جماعة من الحذاق: بأن هذا من خواصه -عليه السلام- أن يُجيبه مَنْ هو في الصلاة، ولا تبطُل صلاتُه بذلك، وهو قولُ ابن كنانة، كذا قال السفاقسي. * * * 2418 - (5007) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا وَهْبٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ مَعْبَدٍ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: كُنَّا فِي مَسِيرٍ لَنَا، فَنَزَلْنَا، فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ، فَقَالَتْ: إِنَّ سَيِّدَ الْحَيِّ سَلِيمٌ، وَإِنَّ نَفَرَنَا غُيَّبٌ، فَهَلْ مِنْكُمْ رَاقٍ؟ فَقَامَ مَعَهَا رَجُلٌ مَا كنَّا نَأْبُنُهُ بِرُقْيَة، فَرَقَاهُ، فَبَرَأَ، فَأَمَرَ لَهُ بِثَلَاثِينَ شَاةً، وَسَقَانَا لَبَنًا، فَلَمَّا رَجَعَ، قُلْنَا لَهُ: أكُنْتَ تُحْسِنُ رُقْيَةً، أَوْ كُنْتَ تَرْقِي؟ قَالَ: لَا، مَا رَقَيْتُ إِلَّا بِأُمِّ الْكِتَابِ، قُلْنَا: لَا تُحْدِثُوا شَيْئًا حَتَّى نَأْتِيَ، أَوْ نسأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، ذَكَرْنَاهُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "وَمَا كانَ يُدْرِيهِ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟ اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ". (ثنا هشام، عن محمد، عن معبد): محمدٌ هذا هو (¬2) ابن سيرين، روى عن أخيه معبد بن سيرين، وقد بينه البخاري في آخر الباب. (وإن نفرنا غَيَب): -بفتحتين-؛ أي: إن (¬3) رجالنا غائبون، والغَيَبُ ¬

_ (¬1) "على" ليست في "م". (¬2) "هو" ليست في "ج". (¬3) "إن" ليست في "ج".

باب: فضل سورة البقرة

-بالتحريك-: جمع غائب؛ كخادِم وخَدَم. ويروى بضمة وتشديد المثناة التحتية مفتوحة؛ مثل: راكِع ورُكَّع (¬1). * * * باب: فَضْلِ سُورَةِ البَقَرَةِ 2419 - (5009) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبي مَسْعُودٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قَرَأَ بِالآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ، كَفَتَاهُ". (من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة): قال ابن التين (¬2): هما (¬3) من قوله: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ} [البقرة: 285]، إلى آخر (¬4) السورة (¬5). فإن قلت: ما هذا الباء الذي في قوله بالآيتين؟ قلت: ذهب بعضهم إلى أنها زائدة، وقيل: ضُمِّن الفعلُ معنى التبرك، [فعُدِّي بالباء، وعلى هذا تقول: قرأت بالسورة، ولا تقول: قرأتُ بكتابك؛ لفوات معنى التبرك] (¬6)، قاله السهيلي (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1028). (¬2) في "ج": "ابن المنير". (¬3) "هما" ليست في "ج". (¬4) في "م": "آخره". (¬5) انظر: "التوضيح" (24/ 69). (¬6) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬7) انظر: "مغني اللبيب" (ص: 147).

باب: فضل سورة الكهف

باب: فَضْلِ سُورَةِ الكَهْفِ 2420 - (5011) - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءَ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورة الْكَهْفِ، وَإِلَى جَانِبِهِ حِصَانٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ، فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ، فَجَعَلَتْ تَدْنوُ وَتَدْنُو، وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ، أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: "تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بِالْقُرآنِ". (كان رجل يقرأ سورة الكهف): هو أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ؛ كما مرَّ (¬1)، لكن سيأتي في رواية أنه كان يقرأ البقرة، فتكونان واقعتين له. * * * باب: فَضْل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} 2421 - (5013) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]، يُرَدِّدُهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ، جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَالَّذِي نفسِي بِيَدهِ! إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ". (إنها لتعدلُ ثلثَ القرآن): قال المازري: لأن القرآن يشتمل على ثلاثة أقسام: قصص وأحكام، وصفات لله تعالى، وهذه السورة (¬2) متمحِّضَةٌ ¬

_ (¬1) "كما مر" ليست في "ع". (¬2) "السورة" ليست في "ع".

باب: نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن

للصفات، فهي ثلث؛ أي جزءٌ من ثلاثة (¬1). وقيل: قاله لشخص معيَّنٍ رَدَّدَها، فحصل له من تردادها قدرُ تلاوة الثلث، قاله أبو عمر بن عبد البر (¬2). وقيل غير ذلك (¬3). * * * باب: نزولِ السَّكينةِ والمَلَائِكَةِ عِنْدَ قِراءَةِ القُرْآنِ 2422 - (5018) - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ، قَالَ: بَيْنَمَا هُوَ يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَفَرَسُهُ مَرْبُوطٌ عِنْدَهُ، إِذْ جَالَتِ الْفَرَسُ، فَسَكَتَ، فَسَكَتَتْ، فَقَرَأَ، فَجَالَتِ الْفَرَسُ، فَسَكَتَ، وَسَكَتَتِ الْفَرَسُ، ثُمَّ قَرَأَ، فَجَالَتِ الْفَرَسُ، فَانْصَرَفَ، وَكَانَ ابْنُهُ يَحْيىَ قَرِيبًا مِنْهَا، فَأَشْفَقَ أَنْ تُصِيبَهُ، فَلَمَّا اجْتَرَّهُ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى مَا يَرَاهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ، حَدَّثَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "اقْرَأْ يَا ابْنَ حُضَيْرٍ، اقْرَأْ يَا ابْنَ حُضَيْرٍ". قَالَ: فَأَشْفَقْتُ يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ تَطَأَ يَحْيىَ، وَكَانَ مِنْهَا قَرِيبًا، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَانْصَرَفْتُ إِلَيْهِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي إِلَى السَّمَاءَ، فَإِذَا مِثْلُ الظُّلَّةِ فِيهَا أَمْثَالُ الْمَصَابِيح، فَخَرَجَتْ حَتَّى لَا أَرَاهَا، قَالَ: "وَتَدْرِي مَا ذَاكَ؟ "، قَالَ: لَا، قَالَ: "تِلْكَ الْمَلَائِكَةُ دَنَتْ لِصَوْتِكَ، وَلَوْ قَرَأْتَ، لأَصْبَحَتْ يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْهَا، لَا تتوَارَى مِنْهُمْ". ¬

_ (¬1) انظر: "المعلم" (1/ 226). (¬2) انظر: "التمهيد" (19/ 231). (¬3) انظر: "التوضيح" (24/ 82).

باب: الوصاة بكتاب الله

(وفرسُه مربوطة): القياسُ: "مربوط" لأنه مذكر. * * * باب: الوَصَاةِ بكتَابِ اللهِ 2423 - (5022) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، حَدَّثَنَا طَلْحَةُ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبي أَوْفَى: أَوْصَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالَ: لَا، فَقُلْتُ: كَيْفَ كُتِبَ عَلَى النَّاسِ الْوَصِيَّةُ، أُمِرُوا بِهَا وَلَمْ يُوصِ؟ قَالَ: أَوْصَى بِكِتَابِ اللهِ. (الوَصاية): بفتح الواو. ويروى: "الوَصِيَّة". * * * باب: مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بالقُرَآنِ 2424 - (5023) - حَدَّثَنَا يَحْيىَ بْنُ بُكَيْر، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَني أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَمْ يَأْذَنِ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبيِّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ". وَقَالَ صَاحِبٌ لَهُ: يُرِيدُ: يَجْهَرُ بِهِ. (ما أَذِنَ الله لنبيٍّ): أي: استمع، يقول (¬1): أَذِن -بكسر الذال المعجمة- يَأْذَنُ أَذَنًا -بفتحها في المضارع والمصدر-. ¬

_ (¬1) في "ع": "بقوله".

2425 - (5024) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِلنَبِيِّ أَنْ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ". قَالَ سُفْيَانُ: تَفْسِيرُهُ: يَسْتَغْنِي بِهِ. (قال سفيان (¬1): تفسيره (¬2): يستغني): قيل: عن الناس، وقيل: عن غيره من الكتب. قال الزركشي: وتفسير سفيان له بالاستغناء خالفَه فيه الشافعيُّ، وقال: نحن أعلمُ بهذا، ولو أراد -عليه الصلاة والسلام- الاستغناءَ، لقال: لم يستغن (¬3). قلت: في صدق الملازمة نظرٌ إذا ثبتَ أن تَغَنَّى بمعنى: استغنى، وتَعَفَّفَ. وقد صرح بعضهم بصحته لغة، واستشهد بقوله -عليه الصلاة والسلام- في الخيل: "وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وتَعَفُّفًا" (¬4)، ولا خلاف في هذا أنه مصدر تَغَنَّى، [ثم لا إشكال بعدُ أن تَغَنَّى] (¬5) هنا بمعنى: استغنى، وتَعَفَّفَ. وأما قول الإسماعيلي: الاستغناءُ به لا يحتاج إلى أن يأْذَنَ له، والأَذَن هو السماع، فمردودٌ بأن الأَذَن هنا لا يجوز حملُه على الاستماع الذي هو (¬6) ¬

_ (¬1) "سفيان" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "تفسير". (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1030). (¬4) رواه البخاري (2371). (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬6) "هو" ليست في "ع" و"ج".

باب: استذكار القرآن وتعاهده

بمعنى الإصغاء؛ فإنه مستحيل على الله -عز وجل-، وإنما هو مجازٌ أُريد به: تقريبُ (¬1) القارئ، وإجزالُ ثوابه. قال ابن المنير: يفهم من ترجمة البخاري بقوله: باب: من لم يَتَغَنَّ بالقرآن: أنه يحمل التَّغَنِّيَ على الاستغناء، لا على الغناء؛ لكونه أَتبع الحديثَ في الترجمة بالآية الكريمة، وهي قولُه تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت: 51]. أن مضمونها الإنكار على مَنْ لم يستغنِ بالقرآن عن غيره من الكتب (¬2) السالفة، ومن المعجزات التي كانوا يقترحونها، وهذا موافق لتأويل سفيان، لكن سفيان حمله على الاستغناء الذي هو [ضدُّ الفقر، والبخاري يحملُه على الاستغناء الذي هو] (¬3) أعمُّ من هذا، وهو الاكتفاءُ مطلقًا (¬4). * * * باب: اسْتِذكارِ القُرآنِ وتَعَاهُدِهِ 2426 - (5032) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبة، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "بِئْسَ مَا لأَحَدِهِمْ أَنْ يَقُولَ: نسِيتُ آيَةَ كيْتَ وَكيْتَ، بَلْ نُسِّيَ، وَاسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ؛ فَإِنَّهُ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعَم". ¬

_ (¬1) في "ع": "تقرب". (¬2) في "ج": "من غيره والكتب". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬4) وانظر: "التوضيح" (24/ 106) وما بعدها.

باب: نسيان القرآن، وهل يقول: نسيت آية كذا وكذا؟

(فإنه أشدُّ تَفَصِّيًا): -بالفاء والصاد المهملة-؛ أي: انفصالًا وخروجًا، يقال: تَفَصَّيْتُ من الأمر تَفَصِّيًا: إذا خرجتُ منه، وتخلَّصت (¬1) (¬2). * * * 2427 - (5033) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبي بُرْدَةَ، عَنْ أَبي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "تَعَاهَدُوا الْقُرْآنَ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنَ الإبِلِ فِي عُقُلِهَا". (في عُقُلها): -بضم العين والقاف-: جمعُ عِقال. ويروى: "من عُقُلِها". * * * باب: نِسْيَانِ القُرآنِ، وهَلْ يَقُولُ: نسَيتُ آيةَ كذَا وَكذَا؟ 2428 - (5038) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبي رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَمِعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا يَقْرَأُ فِي سُورَةٍ بِاللَّيْلِ، فَقَالَ: "يَرْحَمُهُ اللَّهُ، لَقَدْ أَذْكَرَنِي كذَا وَكَذَا آيَةً، كنْتُ أُنْسِيتُهَا مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا". (سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلًا يقرأ، فقال: يرحمه الله، أذكرني): هو عبدُ الله بنُ يزيدَ الخطميُّ كما تقدم. ¬

_ (¬1) في "ع": "وتحصلت". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1030).

باب: الترتيل في القراءة

باب: التَّرتِيلِ في القِرَاءَةِ 2429 - (5043) - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا وَاصِلٌ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: غَدَوْنَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ رَجُلٌ: قَرَأْتُ الْمُفَصَّلَ الْبَارِحَةَ، فَقَالَ: هَذًّا كهَذِّ الشِّعْرِ؟! إِنَّا قَدْ سَمِعْنَا الْقِرَاءَةَ، وَإِنِّي لأَحْفَظُ الْقُرَنَاءَ الَّتِي كَانَ يَقْرَأُ بِهِنَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سُورَةً مِنَ الْمُفَصَّلِ، وَسُورتَيْنِ مِنْ آلِ حم. [(فقال رجل: قرأت المفصَّلَ البارحةَ): هو نهَيكُ بنُ سنانَ البَجَلِيُّ، كما مر. قال السفاقسي] (¬1): وذُكر عن ابن القاسم: أنه كان يختم في آخر عمره في رمضان مئتي ختمة، إذا صلى المغرب صلى (¬2) حتى يطلع الفجر، ثم ينام حتى ترتفع الشمس، ثم يصلي العصر، ثم ينام حتى تغرب الشمس، يرابط بالإسكندربة أربعةَ أشهر، ويحجُّ في ثلاثة، ويجلس للناس خمسة. * * * باب: حُسْنِ الصَّوتِ بالقِرَاءَةِ لِلْقُرآنِ 2430 - (5048) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيى الْحِمَّانِيُّ، حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ جَدِّهِ أَبي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ لَهُ: "يَا أَبَا مُوسَى! لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ". ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬2) "صلى" ليست في "ج".

باب: في كم يقرأ القرآن؟

(من مزامير آل داود): جمعُ المزمار. قال الخطابي: أرادَ: داودَ نفسَه؛ لأنه لم يذكر أن أحدًا أُعطي من حسن الصوت ما أُعطي داود، قال: وقال (¬1) أبو عبيدة فيمن أوصى لآل فلان: إنه يدخل معهم، واحتج بقوله تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46]، وهو أولهم دخولًا (¬2). [قال السفاقسي: ولا حجة له في ذلك؛ فإن الخطابي يقول: آلُ فلان: نفسُه، لا فلانٌ وآلُه، كما يقوله من احتج بكلامه] (¬3). * * * باب: في كَمْ يَقْرأُ القُرآنَ؟ 2431 - (5052) - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو، قَالَ: أَنْكَحَنِي أَبي امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ، فَكَانَ يَتَعَاهَدُ كَنَّتَهُ، فَيَسْألهَا عَنْ بَعْلِهَا، فتقُولُ: نِعْمَ الرَّجُلُ مِنْ رَجُلٍ، لَمْ يَطَأْ لَنَا فِرَاشًا، وَلَمْ يُفَتِّشْ لَنَا كَنَفًا مُذْ أَتَيْنَاهُ، فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "الْقَنِي بِهِ". فَلَقِيتُهُ بَعْدُ، فَقَالَ: "كيْفَ تَصُومُ؟ "، قَالَ: كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: "وَكيْفَ تَخْتِمُ؟ ". قَالَ: كُلَّ لَيْلَةٍ، قَالَ: "صُمْ فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةً، وَاقْرَإِ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ". قَالَ: قُلْتُ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: "صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْجُمُعَةِ". قُلْتُ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، ¬

_ (¬1) "وقال" ليست في "ج". (¬2) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 1951). وانظر: "التوضيح" (24/ 157). (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج".

باب: من رايا بقراءة القرآن، أو تأكل به، أو فجر به

قَالَ: "أَفْطِرْ يَوْمَيْنِ وَصُمْ يَوْمًا". قَالَ: قُلْتُ: أُطِيقُ أكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: "صُمْ أَفْضَلَ الصَّوْمِ، صَوْمِ دَاوُدَ، صِيَامَ يَوْمٍ وَإِفْطَارَ يَوْمٍ، وَاقْرَأْ فِي كُلِّ سَبعِ لَيَالٍ مَرَّةً". فَلَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَذَاكَ أَنِّي كَبِرْتُ، وَضَعُفْتُ، فَكَانَ يَقْرَأُ عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ السُّبْعَ مِنَ الْقُرْآنِ بِالنَّهَارِ، وَالَّذِي يَقْرَؤُهُ يَعْرِضُهُ مِنَ النَّهَارِ؛ لِيَكُونَ أَخَفَّ عَلَيْهِ بِاللَّيْلِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَقَوَّى، أَفْطَرَ أَيَّامًا، وَأَحْصَى، وَصَامَ مِثْلَهُنَّ؛ كَرَاهِيةَ أَنْ يَتْرُكَ شَيْئًا فَارَقَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِ. (فكان يتعاهد كَنَّتَه): -بفتح الكاف-: هي امرأةُ الابن، وتُجمع على كنائِن؛ كأنها جمعُ كَنينَة. (يُفَتِّشُ لنا كَنَفًا): -بفتحات-؛ أي: جانبًا، كنَّت بذلك عن تركه لجماعِها (¬1). * * * باب: مَنْ رَايا بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، أَوْ تَأَكَّلَ بِهِ، أَوْ فَجَرَ بِهِ (باب: مَنْ رايا بالقرآن (¬2)، أو تأكَّلَ به، أو فَجَرَ به): رايا: بمثناة تحتية بين ألفين، ويروى بهمزة بينهما. قال السفاقسي: وفجر: ضبطه في بعض النسخ بالخاء المعجمة، وفي بعضها بالجيم (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1031). (¬2) نص البخاري: "بقراءة القرآن". (¬3) انظر: "التوضيح" (24/ 172).

باب: "اقرؤوا القرآن ما ائتلفت قلوبكم"

2432 - (5059) - حَدَّثَنَا مُسَدَّد، حَدَّثَنَا يَحْيىَ، عَنْ شُعْبة، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنَسَ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَيعْمَلُ بِهِ، كَالأُتْرُجَّةِ، طَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَرِيحُهَا طَيِّبٌ. وَالْمُؤْمِنُ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَبَعْمَلُ بِهِ، كَالتَّمْرَةِ، طَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَلَا رِيحَ لَهَا. وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، كالرَّيْحَانَةِ، رِيحُهَا طَيِّب، وَطَعْمُهَا مُرٌّ. وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، كَالْحَنْظَلَةِ، طَعْمُهَا مُرٌّ، أَوْ خَبِيثٌ، وَرِيحُهَا مُرٌّ". (كالحنظلة، طعمُها وريحها مُرٌّ): كذا وقع لجميعهم هنا، قيل: والصواب: ولا ريحَ لها (¬1). * * * باب: "اقرَؤوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ قُلُوبُكُمْ" (اقرؤوا القرآنَ ما ائتلفتْ قلوبُكم): أي: ما اجتمعتْ، ولم تختلفوا فيه. قيل: ولعل هذا في حروف ومعانٍ لا يسوغ فيها الاجتهاد. قال القاضي: ويحتمل أن هذا كان في زمنه -عليه الصلاة والسلام-، فيجب عليهم سؤالُه، وكشفُ اللبس، لا غير ذلك (¬2). ¬

_ (¬1) في "ج": "فيها". وانظر: "التنقيح" (3/ 1032). (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 31). وانظر: "التنقيح" (3/ 1032).

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مَصَابِيحُ الجَامِعِ [9]

جَمِيعُ الحُقُوقِ مَحْفُوظَة الطَّبْعَةُ الأُولَى 1430 هـ - 2009 م ردمك: 0 - 12 - 418 - 9933 - 978 ISBN قَامَت بعمليات التنضيد الضوئي والإخراج الفني والطباعة دَار النَّوَادِر لصَاحِبهَا ومديرها نور الدّين طَالب سوريا - دمشق - ص. ب: 34306 لبنان - بيروت - ص. ب: 5180/ 14 هَاتِف: 00963112227001 - فاكس: 00963112227011 www.daralnawader.com

كتاب النكاح

كِتابُ النِّكَاحِ

باب: الترغيب في النكاح

كِتابُ النِّكَاحِ باب: التَّرغِيبِ في النِّكَاحِ 2433 - (5063) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ الطَّوِيلُ: أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - يَقُولُ: جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، يَسْأَلونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا أُخْبِرُوا، كَأَنَّهمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا، فَإِنِّي أُصلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ ولا أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ، فَلَا أتَزَوَجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أَمَا وَاللَّهِ! إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ، وَأتقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي، فَلَيْسَ مِنِّي". (كتاب: النكاح). (فقالوا: وأين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال أحدُهم: أما أنا، فإني أصلِّي الليلَ أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدهرَ ولا أُفطر، وقال آخر: وأنا أَعتزل النساءَ): قال ابن المنير: هؤلاء بَنوا على أن الخوف الباعثَ على العبادة

باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من استطاع الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج" وهل يتزوج من لا أرب له في النكاح؟

ينحصر في خوف العقوبة، فلما علموا أنه -عليه السلام- مغفورٌ له، ظنوا أن لا خوفَ، وحملوا قلَّة العبادة على ذلك، فرد -عليه السلام- ذلك، وبين أن خوفَ الإجلال أعظمُ من [خوف العقوبة، وأبعثُ على العبادة، وحقق لهم أن الدوامَ أعظمُ من] (¬1) الإكثار المحقَّق؛ لأن الدائم -وإن قل- أكثرُ من الكثير إذا انقطع. وفيه دليل على صحة مذهب القاضي حيث يقول: لو أوجب الله شيئًا، لوجبَ، وإن لم يتوعَّدْ بعقوبة على تركه، وهو مقامُ الرسول -عليه الصلاة والسلام- التعبدُ على الشكر، وعلى الإجلال، لا على خوف العقوبة؛ فإنه منه في عصمة، وقد تقدم فيه كلام. * * * باب: قَولِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَن اسْتَطاعَ البَاءَةَ فليتزوَّجْ فإنَّه أغضُّ للبَصَرِ وأحصنُ للفَرجِ" وهَلْ يتَزوَّجُ مَنْ لَا أرَبَ لهُ في النِّكَاحِ؟ 2434 - (5065) - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: كنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ، فَلَقِيَهُ عُثْمَانُ بِمِنًى، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، فَخَلَوَا، فَقَالَ عُثْمَانُ: هَلْ لَكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي أَنْ نُزَوِّجَكَ بِكْرًا تُذَكِّرُكَ مَا كنْتَ تَعْهَدُ؟ فَلَمَّا رَأَى عَبْدُ اللَّهِ أَنْ لَيْسَ لَهُ حَاجَة إِلَى هَذَا، أَشَارَ إِلَيَّ، فَقَالَ: يَا عَلْقَمَةُ! فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ، وَهْوَ يَقُولُ: أَمَا لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ، لَقَدْ قَالَ لَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ! مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ، فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج".

باب: كثرة النساء

لَمْ يَسْتَطِعْ، فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ". (أما لئن قلتَ ذلك، لقد قال لنا النبي - صلى الله عليه وسلم -: يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة): الحديث يخاطب به ابنُ عمرَ عثمانَ -رضي الله عنهما- حين قال له (¬1): "هل لك يا أبا عبد الرحمن في أن نزوجك بكرًا؟ "، وهذا يدل على أن ابن عمر تَبَتَّلَ في زمن الشبيبة (¬2)؛ لأن الوقت الذي قال فيه عثمانُ ما قاله كان ابنُ عمر في سنِّ الشباب، واحتجاجُه بالحديث يحتمل أن يكون [لعثمان، وعليه، أما احتماله لأن يكون له، فواضح، وأما احتماله لأن يكون] (¬3) عليه، فوجهُه أن النكاح لا يَرغب فيه (¬4) إلا من احتاج إليه للتحصين عند هيجان الشهوة، وأما من كان مغضوض البصر سجيةً وتَعَفُّفًا، فلا يحتاج إليه. * * * باب: كَثْرةِ النِّسَاءِ 2435 - (5067) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ: أَنَّ ابْنَ جُرَيْج أَخْبَرَهُمْ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ قَالَ: حَضَرْنَا مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ جَنَازَةَ مَيْمُونةَ بِسَرِفَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذه زَوْجَةُ النَبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَإِذَا رَفَعْتُمْ نَعْشَهَا، فَلَا تُزَعْزِعُوهَا، وَلَا تُزَلْزِلُوهَا، وَارْفُقُوا؛ فَإِنَّهُ كَانَ عِنْدَ ¬

_ (¬1) في "ج": "قاله". (¬2) في "ع" و"ج": "الشيبة". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬4) "فيه" ليست في "ع".

باب: تزويج المعسر الذي معه القرآن والإسلام

النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - تِسْعٌ، كَانَ يَقْسِمُ لِثَمَانٍ، وَلَا يَقْسِمُ لِوَاحِدَةٍ. (وارفقوا؛ فإنه كان عند النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - تسعٌ، كان يقسم لثمان، ولا يقسم لواحدة): هي سَوْدَةُ بنتُ زمعةَ، وهبتْ نوبَتها لعائشة، والثمان: عائشة، وحفصة، وزينب، وأم سلمة، وأم حبيبة، وميمونة، وصفية، وجويرية ابنت الحارث المصطلقية (¬1). ووجهُ تعليل ابن عباس الرفقَ بميمونة: بأنه كان يقسم لثمان، ولا يقسم لواحدة؛ التنبيهُ على مكانة ميمونةَ باعتبارين: كونها من أمهات المؤمنين، وأنها كانت عنده غيرَ مرغوب عنها؛ لأنها كانت من الثماني اللاتي (¬2) يقسم لهن. * * * باب: تَزْوِيج المُعْسِرِ الذي مَعَهُ القُرآنُ والإسْلَامُ 2436 - (5071) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسٌ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: كُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَيْسَ لَنَا نِسَاءٌ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلَا نَسْتَخْصِي؟ فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ. (ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك): قال ابن المنير: وجه (¬3) مطابقة ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (24/ 190). (¬2) في "ع" و"ج": "التي". (¬3) "وجه" ليست في "ج".

باب: ما يكره من التبتل والخصاء

الترجمة على تزويج المعسر: أنه نهاهم عن الاستِخْصاء، ووَكَلَهم إلى النكاح، فلو كان المعسرُ لا ينكح، وهو ممنوع من الاستخصاء، لَكُلِّفَ شَطَطًا (¬1). قلت: والاستخصاءُ المذكور في هذه الأحاديث ليس المرادُ به إخراجَ (¬2) الخصيتين على ما قاله العلماء؛ لأن ذلك محرمٌ من حيثُ هو غررٌ بالنفس، وتَسَبُّبٌ في قطع النسل المقصودِ بالنكاح شرعًا، قالوا: وإنما المقصود: أن يفعل الرجل بنفسه ما يزيل عنها شهوة الجماع بالمعالجة، فيصير كالمختصي. * * * باب: مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّبتُّلِ والخِصَاءِ 2437 - (5073) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُس، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ: سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبي وَقَّاصٍ يَقُولُ: رَدَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ، لَاخْتَصَيْنَا. (رَدَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - على عثمانَ بنِ مظعونٍ التبتُّلَ): قد يقال: ما هو التبتل المردودُ؟ فإن كانَ تركَ اللذاتِ، والعكوفَ على العبادات، فهذا هو التقَلُّل المرغَّبُ فيه، وإن أُريد به اعتقاد تحريم اللذات، فهذا ما لا يُظن بابن مظعون أنه يعتقدُه، وإن أريد به الاختصاء، فهذا -أيضًا- ما لا يُظن به أنه ¬

_ (¬1) انظر: "المتواري" (ص: 280). (¬2) في "ج": "الإخراج".

كان يفعله إلا بإذن، فهو إذن سائلٌ، هل يفعلُ، أو لا؟ ومن سأل فأُجيب، لم يكن الجوابُ ردًّا عليه، بل إسعافًا له. وجوابه: أن ابن مظعون سمع الترغيب في التقلل، فحمله على أشدِّ الوجوه، تزيُّدًا من الخبر، فبين له أن المطلوبَ الاعتدالُ لا الإفراط (¬1). * * * 2438 - (5076) - وَقَالَ أَصْبَغُ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُس بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي رَجُلٌ شَابٌّ، وَأَنَا أَخَافُ عَلَى نفسِي الْعَنَتَ، وَلَا أَجِدُ مَا أتَزَوَّجُ بِهِ النِّسَاءَ، فَسَكَتَ عَنِّي، ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَسَكَتَ عَنِّي، ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَسَكَتَ عَنِّي، ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا أَنْتَ لَاقٍ، فَاخْتَصِ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ ذَرْ". (فاختص على ذلك أو ذر): هو أمر من الاختصاء، فآخره صاد مكسورة مخففة، وهو الأشبه بقوله في الترجمة: باب: ما يُكره من التبتل والخصاء. قال الزركشي: لكن زيادة راء آخره أشبهُ؛ لما رُوي في غير هذا المكان: "فاقتصر"، والاقتصارُ نحو الاختصار، ثم ليس المرادُ حقيقةَ الأمر، وإنما المعنى: إن فعلت، وإن لم تفعل، فلابدَّ من نفوذ القدر (¬2). ¬

_ (¬1) جرى نقل شرح هذا الحديث إلى هذا الموضع، وهو في الأصل بعد الحديث رقم (5076). (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1034).

باب: نكاح الأبكار

باب: نِكَاحِ الأَبْكَارِ 2439 - (5077) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَرَأَيْتَ لَوْ نَزَلْتَ وَادِيًا، وَفِيهِ شَجَرَةٌ قَدْ أُكِلَ مِنْهَا، وَوَجَدْتَ شَجَرًا لَمْ يُؤْكَلْ مِنْهَا، فِي أَيِّهَا كُنْتَ تُرْتِعُ بَعِيرَكَ؟ قَالَ: "فِي الَّذِي لَمْ يُرْتَعْ مِنْهَا". تَعْنِي: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لم يتَزَوَّجْ بِكْرًا غَيْرَهَا. (تعني: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يتزوج بِكْرًا غيرَها): قال ابن المنير: وقد ذكرنا في خصائص عائشة -رضي الله عنها-: أنها وُلدت مسلمةً بإسلام أبيها قبلَ ولادتها، وهذا لازم لأهل السير والتواريخ فيما ينقلونه، ولم أر أحدًا انتزعه قبل ذلك، والحمد لله. * * * باب: الثَّيِّبَات وَقَالَتْ أُمُّ حَبِيبةَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ". (باب: تزويج الثيبات). (لا تعرضْنَ عليَّ بناتكُنَّ): خاطب -عليه السلام- بذلك أزواجَه، ونهاهن أن يعرضْنَ عليه ربائِبَه؛ لحرمتهن، وهذا تحقيق أنه -عليه السلام- تزوج الثيبَ ذاتَ البنت من غيره.

باب: اتخاذ السراري، ومن أعتق جارية ثم تزوجها

باب: اتِّخَاذِ السَّرَارِي، ومَنْ أَعْتَقَ جَارِيَةً ثُمَّ تَزوَّجَهَا 2440 - (5083) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ صَالِحُ الْهَمْدَانِيُّ، حَدَّثَنَا الشَّعْبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَتْ عِنْدَهُ وَليدَةٌ، فَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، وَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا، فَلَهُ أَجْرَانِ. وَأَيَّمَا رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، آمَنَ بِنَبِيِّهِ، وَآمَنَ بِي، فَلَهُ أَجْرَانِ. وَأَيُّمَا مَمْلُوكٍ أَدَّى حَقَّ مَوَالِيهِ وَحَقَّ رَبَّهِ، فَلَهُ أَجْرَانِ". (آمَنَ بنبيِّهِ): قال الداودي: يعني: كان على دين عيسى، قال: وأما اليهودُ وكثيرٌ من النصارى، فليسوا من ذلك؛ لأنه لا يجازى على الكفر بالخير (¬1). قلت: هذا ظاهر مكشوف من الحديث؛ فإن اليهود الذين بَقُوا على يهوديتهم بعدَ إرسال عيسى -عليه السلام- لا يصدُقُ عليهم "آمنوا بنبيهم"؛ ضرورة أن عيسى نبيهم، ولم يؤمنوا به، وكثير من النصارى الذين غَلَوْا في عيسى -عليه السلام-، ولم يعتقدوا أنه عبدُ الله ورسولُه، لا يصدُق عليهم أنهم آمنوا بنبيهم، فإذن هاتان الطائفتان خارجتان بمقتضى الحديث، فتأمله (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1036). (¬2) جرى نقل شرح هذا الحديث إلى هذا الموضع، وهو في الأصل بعد الحديث رقم (5084).

2441 - (5084) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زيدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ إِلَّا ثَلَاثَ كَذَبَات: بَيْنَمَا إِبْرَاهِيمُ مَرَّ بِجَبَّارٍ، وَمَعَهُ سَارَةُ -فَذَكَرَ الْحَدِيثَ-، فَأَعْطَاهَا هَاجَرَ، قَالَتْ: كَفَّ اللَّهُ يَدَ الْكَافِرِ، وَأَخْدَمَنِي آجَرَ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَتِلْكَ أُمُّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ. (باب: اتخاذ السراري). (مر بجبار ومعه سارية (¬1)، فذكر الحديث): ووجهُ المطابقة بين الترجمة وهذا: أن هاجر كانت أَمَةً مملوكة، ثم قد صحَّ أن إبراهيم -عليه السلام- أولدَها بعدَ أن ملَكَها، فهي سُرِّيَّته (¬2). * * * 2442 - (5085) - حَدَّثَنَا قُتَيْبةُ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْد، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: أَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ خَيْبَرَ وَالْمَدِينَةِ ثَلَاثًا يُبْنَى عَلَيْهِ بِصَفِيَّة بِنْتِ حُيَيٍّ، فَدَعَوْتُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ، فَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خُبْز وَلَا لَحْم، أُمِرَ بِالأَنْطَاعِ، فَأَلْقَي فِيهَا مِنَ التَّمْرِ وَالأَقِطِ وَالسَّمْنِ، فَكَانَتْ وَلِيمَتَهُ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، أَوْ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِيُنهُ، فَقَالُوا: إِنْ حَجَبَهَا، فَهْيَ مِنْ أمُّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنْ لَمْ ¬

_ (¬1) نص البخاري: "سارة". (¬2) انظر: "المتواري" (ص: 282).

باب: تزويج المعسر لقوله تعالى: {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله} [النور: 32]

يَحْجُبْهَا فَهْيَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ، فَلَمَّا ارْتَحَلَ، وَطَّى لَهَا خَلْفَهُ، وَمَدَّ الْحِجَابَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ. (يُبنَى عليه بصفيَّةَ): فيه ردٌّ على الجوهري حيث خَطَّأَ من قال: بَنَى الرجلُ بأهلِه (¬1). * * * باب: تَزْوِيِجِ الْمُعْسِرِ لِقَوْلهِ تَعَالَى: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 32] ({إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}: ظاهر هذا: وعدُ كلِّ فقيرٍ تزوَّجَ بالغِنَى، ووعدُ الله واجب، فإذا رأينا فقيرًا تزوج فلم يستغن، فليس ذلك لإخلاف (¬2) الوعد، حاش لله، ولكن لإخلاله هو بالقصد؛ لأن الله تعالى إنما وعدَ على حسن القصد، وهو غَيْبٌ، فمن (¬3) لم يستغنِ، فليرجع (¬4) باللوم على نفسه، أو يكون المراد: أن النكاحَ غيرُ مانع من الغنى، إلا أنه موجب (¬5) للغنى، فليتأمل. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1036). (¬2) في "م": "لاختلاف". (¬3) في "ج": "فإن". (¬4) في "ج": "فليراجع". (¬5) في "ع": "لأنه لا موجب"، وفي "ج": "لا أنه موجب".

باب: الأكفاء في الدين وقوله: {وهو الذي خلق من الماء بشرا} [الفرقان: 54]

باب: الأَكْفَاءَ في الدِّينِ وقولِهِ: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا} [الفرقان: 54] 2443 - (5088) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ ابْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، تَبَنَّى سَالِمًا، وَأَنْكَحَهُ بِنْتَ أَخِيهِ هِنْدَ بِنْتَ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَهْوَ مَوْلًى لاِمْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ، كمَا تَبَنَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - زَيْدًا، وَكانَ مَنْ تَبَنَّى رَجُلًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، دَعَاهُ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَوَرِثَ مِنْ مِيرَاثِهِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} إِلَى قَوْلِهِ {وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5]. فَرُدُّوا إِلَى آبَائِهِمْ، فَمَنْ لَمْ يُعْلَمْ لَهُ أَبٌ، كَانَ مَوْلًى وَأَخًا فِي الدِّينِ، فَجَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الْقُرَشِيِّ ثُمَّ الْعَامِرِيِّ -وَهيَ امْرَأة أَبي حُذَيْفَةَ- النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا كُنَّا نَرَى سَالِمًا وَلَدًا، وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ مَا قَدْ عَلِمْتَ .. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. (وأنكحَه ابنةَ أخيه هندًا بنتَ الوليدِ): بصرفِ هِنْدٍ، وفي بعض النسخ بمنعها من الصرف، وكلا الأمرين جائز في مثله، وأخيه: بفتح الهمزة وكسر الخاء ومثناة من تحت. قال السفاقسي: وضبط "أُخْتِه" بضم الهمزة وسكون الخاء وبمثناة فوقية، وهو غير صحيح (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1037).

باب: ما يتقى من شؤم المرأة وقوله تعالى: {إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم} [التغابن: 14]

باب: مَا يُتَّقَى مِنْ شُؤمِ المَرْأَةِ وقولهِ تَعَالَى: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ} [التغابن: 14] 2444 - (5096) - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِىِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ النَّهْدِيَّ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زيدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ". (ما تركت بعدي فتنةً أَضَرَّ على الرجال من النساءِ): وتحقيقُ كونِ الفتنة بالمرأة أشدَّ منها بالولد: أن الرجل يحبُّ الولدَ لأجل المرأة، ولهذا يحبُّ الولدَ الذي أُمُّه في عصمته، ويرجِّحه على الولد الذي فارقَ أُمَّه بطلاق، أو وفاة -غالبًا-، وحديثُ النعمانِ بنِ بشير أصدقُ شاهد على ذلك.

كتاب الرضاع

كِتَابُ الرَّضَاعِ

باب: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم} [النساء: 23]

كِتَابُ الرَّضَاعِ باب: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] 2445 - (5101) - حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أخبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ زَيْنبَ بْنَةَ أَبي سَلَمَةَ أَخْبَرَتهُ: أَنَّ أُمَّ حَبِيبةَ ابِنْتَ أَبي سُفْيَانَ أَخْبَرَتَهَا: أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! انْكِحْ أُخْتِي بِنْتَ أَبي سُفْيَانَ، فَقَالَ: "أَوَ تُحِبِّينَ ذَلِكَ؟ "، فَقُلْتُ: نَعَمْ، لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيةٍ، وَأَحَبُّ مَنْ شَارَكَنِي فِي خَيْرٍ أُخْتِي، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لِي". قلْتُ: فَإِنَّا نُحَدَّثُ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَ بِنْتَ أَبي سَلَمَةَ، قَالَ: "بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ؟ " , قلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: "لَوْ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حَجْرِي، مَا حَلَّتْ لِي، إِنَّهَا لَابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ، فَلَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ". قَالَ عُرْوَةُ: وَثُوَيْبَةُ مَوْلاةٌ لأَبِي لَهَبٍ، كَانَ أَبُو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا، فَأرْضَعَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ، أريَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بِشَرِّ حِيبَةٍ، قَالَ لَهُ: مَاذَا لَقِيتَ؟ قَالَ أَبُو لَهَبٍ: لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ بِعَتَاقَتي ثُويْبَةَ. (أرُيه بعضُ أهله): قال السهيلي: الرائي هو العباس - رضي الله عنه - (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: "الروض الأنف" (3/ 98).

باب: {وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف} [النساء: 23]

(بشرِّ حِيبَة): بكسر الحاء المهملة عند المستملي، والحموي، ولغيرهما بالخاء المعجمة، قال القاضي: وهو الهم والحزن (¬1). وقال أبو الفرج: من قاله بالمعجمة، فقد صحف. وقال السفاقسي: الذي ضبطناه بالخاء المعجمة [المفتوحة، وكذا قال القرطبي في "مختصره": يروى بالخاء المعجمة] (¬2)، قال: ووجدته في الأصل الصحيح: بكسر الحاء المهملة، وفُسر فيه بأنه سوءُ الحال، قال: وهو المعروف من كلام العرب (¬3). (غير أني سقيت في هذه): قيل: هي إشارة إلى نقرة إبهامه؛ كأنه يقلِّل ما نالَه (¬4) من الماء. * * * باب: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 23] 2446 - (5107) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ: أَن زينَبَ بْنَةَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! انْكِحْ أُخْتِي بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: "وَتُحِبِّينَ؟ "، قلْتُ: نَعَمْ، لَسْتُ بِمُخْلِيَة، وَأَحَبُّ مَنْ شَارَكنِي فِي خَيْرٍ أُخْتِي، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لِي"، قلْتُ: ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 219). (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1037). (¬4) في "ج": "ماله".

باب: الشغار

يَا رَسُولَ اللهِ! فَوَاللَّهِ! إِنَّا لَنَتَحَدَّثُ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَ دُرَّةَ بِنْتَ أَبي سَلَمَةَ، قَالَ: "بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ؟ "، فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: "فَوَاللهِ! لَوْ لَمْ تَكُنْ فِي حَجْرِي، مَا حَلَّتْ لِي، إِنَّهَا لَابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ، فَلَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ". (لو لم تكن في حَجْري، ما حلَّتْ لي، إنها لابنةُ أخي من الرضاعة): هذا مثل: "نِعْمَ العَبْدُ صُهَيْبٌ، لَوْ لَمْ يَخَفِ اللهَ لَمْ يَعْصِهِ" (¬1)؛ فإن حلها للنبي - صلى الله عليه وسلم - منتفٍ من جهتين؛ كونها ربيبته في حَجْره، وكونها ابنة أخيه من الرضاعة، كما أن معصية صهيب منتفيةٌ من جهتي المخافة (¬2) والإجلال. * * * باب: الشِّغَارِ 2447 - (5112) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نهَى عَنِ الشِّغَارِ. وَالشِّغَارُ: أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الآخَرُ ابْنَتَهُ، لَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ. ¬

_ (¬1) قال السخاوي في "المقاصد الحسنة" (ص: 701): اشتهر في كلام الأصوليين وأصحاب المعاني وأهل العربية من حديث عمر، وذكر البهاء السبكي أنه لم يظفر به في شيء من الكتب، وكذا قال جمع جم من أهل العربية، ثم رأيت بخط شيخنا: أنه ظفر به في "مشكل الحديث" لأبي محمد بن قتيبة، لكن لم يذكر له ابن قتيبة إسنادًا. (¬2) في "ع": "من جهة المخالفة"، وفي "ج": "من جهتي المخالفة".

(نهى عن الشِّغار): وهو عند مالك -رحمه الله-: صريحٌ، فيُفسخ قبلَ البناء، وبعدهُ (¬1) على الصحيح، [وهو الذي يتقابل فيه البُضعان بالإصداق، وغير صحيح (¬2) وهو الذي يدخل تسمية الصداق فيهما، أو في أحدهما، فيُفْسخ ما لم يسمَّ قبلُ وبعدُ، وما سُمي، يُفسخ بعدُ، لا قبلُ. وسأل ابن المنير فقال: الصحيح] (¬3) عند مالك حيث يدخلان على النكاح بلا صداق أن لا يفسخ بعدُ، فكيف يُفسخ صريحُ الشغار، ولا ينتهي إلى أكثر من إسقاط الصداق؟ وأجاب: بأن إسقاط الصداق لا يُتشوق إليه، فلا يحتاج إلى التغليظ، والشغارُ كانت الجاهلية تتشوق إليه من جهة غَيرتها، فكأنه يرى أن لا يقع في عار حتى يُوقع (¬4) الآخر في (¬5) مثله، هذا غرضهم منه، فلما ظهر شوقُهم إليه (¬6)، غُلِّظَ فيه، بخلاف الآخر. وسمي الشغار بهذه الهيئة القبيحة، وهي: رفعُ الكلبِ رجلَه إذا بال أولًا، أو رفع المرأة رجليها عند الجماع؛ تقبيحًا له، و (¬7) تغليظًا على فاعله. ¬

_ (¬1) في "م": "وبعد". (¬2) كذا في الأصول الخطية، ولعلها: "صريح". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬4) في "ج": "يقع". (¬5) "في" ليست في "ج". (¬6) "إليه" ليست في "ع". (¬7) في "ع" و"ج": "أو".

باب: عرض الإنسان ابنته أو أخته على أهل الخير

ثم سأل: كيف يكون (¬1) تسميته شغارًا تقبيحًا له، والعربُ الذين استحسنوه هم الذين سَمُّوه؟ وأجاب. بأن العرب كانت تسمي الشيء على (¬2) ما هو عليه لا يؤثر تحسينًا ولا تقبيحًا، لكن الشرع لما جاء بالمحاسن، كَنَّى عما يُستقبح، حتى كنى عن نفس الوطء بالغِشْيان، والإِفْضاء، وتركَ أشياءَ على قُبحها؛ لأنه حَرَّمها، فلم يناسب تحريمُه لها تحسينَه لأسمائها، فمن هنا أبقى اسم الشغار؛ تقبيحًا لمعناه. * * * باب: عَرْضِ الإنْسَانِ ابْنَتَهُ أَو أُخْتَهُ عَلَى أَهْلِ الخَيْرِ 2448 - (5122) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: أنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- يُحَدِّثُ. أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، حِين تَأَّيَّمَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ مِنْ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ، وَكانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فتُوفِّيَ بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. أتيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ، فَقَالَ: سَأَنْظُرُ فِي أَمْرِي، فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ، ثُمَّ لَقِيَنِي فَقَالَ: قَدْ بَدَا لِي أَنْ لَا أتزَوَّجَ يَوْمِي هَذَا. قَالَ عُمَرُ: فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتَ زَوَّجْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ، فَصَمَتَ أَبُو بَكْرٍ، فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا، وَكُنْتُ أَوْجَدَ عَلَيْهِ مِنِّي علَى عُثْمَانَ، فَلَبِثْتُ ¬

_ (¬1) "يكون" ليست في "ع". (¬2) في "م": "وعلى".

باب: النظر إلى المرأة قبل التزويج

لَيَالِيَ، ثُمَّ خَطَبَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَنْكَحْتُهَا إِيَّاهُ، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: لَعَلَّكَ وَجَدْتَ عَلَيَّ حِينَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أَرْجِعْ إِلَيْكَ شَيْئًا؟ قَالَ عُمَرُ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ فِيمَا عَرَضْتَ عَلَيَّ، إِلَّا أنِّي كُنْتُ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قدْ ذَكَرَهَا، فَلَمْ أكُنْ لأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَوْ تَرَكهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَبِلْتُهَا. (من (¬1) خُنَيس): -بخاء معجمة مضمومة فنون مفتوحة فياء تصغير فسين مهملة-، قال الزركشي: وأشكلَ على معمرِ بنِ راشدٍ، فقرأه بالحاء المهملة والشين المعجمة (¬2). (فصمَت): بفتح الميم. * * * باب: النَّظَرِ إِلَى المَرْأَةِ قبْلَ التَّزوِيجِ 2449 - (5125) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "رَأَيْتُكِ فِي الْمَنَامِ، يَجِيءُ بِكِ الْمَلَكُ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَقَالَ لِي: هَذِهِ امْرَأتكَ، فَكَشَفْتُ عَنْ وَجْهِكِ الثَّوْبَ، فَإِذَا أَنْتِ هِيَ، فَقُلْتُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ، يُمْضِهِ". (فكشفت عن وجهك الثوب): قال ابن المنير: الاستشهادُ بنظره -عليه ¬

_ (¬1) في "ع": "ابن". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1040).

باب: من قال: لا نكاح إلا بولي

السلام- إلى عائشة قبلَ تزوجها لا (¬1) يَستثبت لوجهين: أحدهما: أن عائشة كانت حين الخطبة ممن يُنظر إليها؛ لطفوليتها؛ إذ (¬2) كانت بنتَ خمس سنينَ وشيءٍ، ومثلُ هذا السن لا عورة (¬3) فيه أَلبتة. الآخر: أن رؤيته لها كانت (¬4) منامًا، أتاه بها جبريل في سَرَقةٍ من حرير؛ أي: بمثالها، وحكمُ المنام غيرُ حكم اليقظة. قلت: فيه نظر، فتأمله. * * * باب: مَنْ قَالَ: لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَليٍّ 2450 - (5127) - قَالَ يَحْيىَ بْنُ سُلَيْمَانَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحُ، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ النِّكَاحَ فِي الْجَاهِلِيَّة كَانَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْحَاءٍ: فَنِكَاحٌ مِنْهَا نِكَاحُ النَّاسِ الْيَوْمَ: يَخْطُبُ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ وَلِيَّتَهُ أَوِ ابْنَتَهُ، فَيُصْدِقُهَا، ثُمَّ يَنْكِحُهَا. وَنِكَاحٌ آخَرُ: كَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ لاِمْرَأَتِهِ إِذَا طَهُرَتْ مِنْ طَمْثِهَا: أَرْسِلِي إِلَى فُلَانٍ، فَاسْتَبْضِعِي مِنْهُ، وَيَعْتَزِلُهَا زَوْجُهَا، وَلَا يَمَسُّهَا أَبَدًا، حَتَّى يَتَبَيَّنَ ¬

_ (¬1) في "ع": "ألا". (¬2) في "ج": "إذا". (¬3) في "م": "عور". (¬4) في "ع": "كان".

حَمْلُهَا مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي تَسْتَبْضعُ مِنْهُ، فَإِذَا تَبَيَّنَ حَمْلُهَا، أَصَابَهَا زَوْجُهَا اذَا أَحَبَّ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ رَغْبَةً فِي نَجَابَةِ الْوَلَدِ، فَكَانَ هَذَا النِّكاحُ نِكَاحَ الاسْتِبْضَاعِ. وَنِكَاحٌ آخَرُ: يَجْتَمِعُ الرَّهْطُ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ، فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ، كُلُّهُمْ يُصِيبُهَا، فَإِذَا حَمَلَتْ وَوَضَعَتْ، وَمَرَّ عَلَيْهَا لَيَالِيَ بَعْدَ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا، أَرْسَلَتْ إِلَيْهِمْ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ رَجُل مِنْهُمْ أَنْ يَمْتَنِعَ، حَتَّى يَجْتَمِعُوا عِنْدَهَا، تَقُولُ لَهُمْ: قَدْ عَرَفْتُمُ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِكُمْ، وَقَدْ وَلَدْتُ، فَهُوَ ابْنُكَ يَا فُلَانُ، تُسَمِّي مَنْ أَحَبَّتْ بِاسْمِهِ، فَيَلْحَقُ بِهِ وَلَدُهَا، لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْتَنِعَ بِهِ الرَّجُلُ. وَنِكَاحُ الرَّابِعِ: يَجْتَمِعُ النَّاسُ الْكَثِيرُ، فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ، لَا تَمْتَنِعُ مِمَّنْ جَاءَهَا، وَهُنَّ الْبَغَايَا، كُنَّ يَنْصِبْنَ عَلَى أَبْوَابِهِنَّ رَايَاتٍ تَكُونُ عَلَمًا، فَمَنْ أَرَادَهُنَّ، دَخَلَ عَلَيْهِنَّ، فَإِذَا حَمَلَتْ إِحْدَاهُنَّ، وَوَضَعَتْ حَمْلَهَا، جُمِعُوا لَهَا، وَدَعَوْا لَهُمُ الْقَافَةَ، ثُمَّ ألحَقُوا وَلَدَهَا بِالَّذِي يَرَوْنَ، فَالْتَاطَ بِهِ، وَدُعِيَ ابْنَهُ، لَا يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - بِالْحَقِّ، هَدَمَ نِكَاحَ الْجَاهِلِيَّةِ كُلَّهُ، إِلَّا نِكَاحَ النَّاسِ الْيَوْمَ. (فاستبضعي منه): أي: اطلبي منه الجِماعَ للولد، والمباضَعَةُ: اسمٌ للجِماع (¬1). (فالتاطته (¬2)): أي: ألحقته بمن شاءت. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1040). (¬2) كذا في رواية أبى ذر الهروي عن الحموي والمستملي، وفي اليونينية: "فالتاط به"، وهي المعتمدة في النص.

باب: لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها

باب: لَا يُنْكِحُ الأَبُ وغَيرُهُ البِكْرَ والثَّيِّبَ إِلَّا بِرضَاهَا 2451 - (5136) - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَة، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبي سَلَمَةَ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُمْ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: "أَنْ تَسْكُتَ". (لا تُنكح الأَيِّم حتى تُستأمرَ، ولا تُنكح البكرُ حتى تُستأذن): فرق بينهما، فعبَّرَ في الثَّيِّبِ (¬1) بالاستئمار، وفي البِكر بالاستئذان؛ إيماءً إلى تأكُّد مشاورة الثيبِ، وجعلِ الأمر إليها، ولهذا توكِّل على العقد، وتأمر به، وأما البكر، فدون ذلك، لا تُوكِّل، ولا تأمر، ولكن ترضى خاصة. * * * باب: إِذَا زَوَّجَ ابْنَتَهُ وهي كَارِهَةٌ، فَنِكَاحُهُ مَرْدُودٌ 2452 - (5138) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِم، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُجَمِّعٍ ابْنَيْ يَزِيدَ بْنِ جَارِيَةَ، عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ الأَنْصَارِيَّةِ: أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهْيَ ثَيِّبٌ، فَكَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَرَدَّ نِكَاحَهُ. (عن خنساءَ بنتِ خِذَام): بخاء معجمة مكسورة فذال مفتوحة فألف فميم. ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "بالثيب".

باب: تفسير ترك الخطبة

باب: تَفْسِيرِ تَرْكِ الخِطْبَةِ 2453 - (5145) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْريِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبدِ اللَّهِ: أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- يُحَدِّثُ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، حِينَ تَأَيَّمَتْ حَفصَةُ، قَالَ عُمَرُ: لَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ، فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ، فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ، ثُمَّ خَطَبَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَقِيَني أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ فِيمَا عَرَضْتَ، إِلا أَنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ ذَكَرَهَا، فَلَمْ أَكُنْ لأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَوْ تَرَكَهَا، لَقَبِلْتُهَا. (ولو تركها لقبلتُها): أوردَ عليه ابنُ بطال أنه -عليه الصلاة والسلام- لم يكن أعلمَ عمرَ بالخِطبة، فضلَا عن التراكن، فكيف توقَّف أبو بكر عن الخِطبة (¬1)، أو قبولها من الولي (¬2)؟ وأجاب: بأن عمر يجيب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويرغب إلى ذلك، فكأنه قد حصل التراكُنُ بلسان الحال، فامتنع (¬3). قال ابن المنير: والظاهر عندي أنه أراد أن يحقق امتناع (¬4) الخِطبة على الخِطبة بأمتناع أبي بكر، هذا ولم ينبرم الأمرُ بين الخاطب والولي، فكيف لو تراكَنا؟ وكأنه استدلال من البخاري بالأولى (¬5). ¬

_ (¬1) في "ج": "توقف أبو بكر على الخطبة من المولى". (¬2) "من الولي" ليست في "ج". (¬3) انظر: "شرح ابن بطال" (7/ 261). (¬4) في "ج": "يحقق له امتناع". (¬5) انظر: "المتواري" (ص: 285).

باب: الخطبة

باب: الخُطْبَةِ 2454 - (5146) - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقولُ: جَاءَ رَجُلَانِ مِنَ الْمَشْرِقِ، فَخَطَبَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا". (جاء رجلان من المشرق، فخطبا): الرجلان هما عَمْرُو بنُ الأهتم، والزِّبْرِقانُ بنُ بدرٍ، والمراد بالمشرق: مشرقُ المدينة (¬1). * * * باب: ضَرْبِ الدُّفِّ في النِّكاحِ والوَليمَةِ 2455 - (5147) - حَدَّثَنَا مُسَدَّد، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ، فَالَ: قَالَتْ الرُّبَيِّعُ بِنْتُ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ: جَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَدَخَلَ حِينَ بُنِيَ عَلَيَّ، فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي، فَجَعَلَتْ جُوَيْرِيَاتٌ لَنَا يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ، وَيَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِي يَوْمَ بَدْرٍ، إِذْ قَالَتْ إِحْدَاهُنَّ: وَفِينَا نَبِىٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ، فَقَالَ: "دَعِي هَذِهِ، وَقُولي بِالَّذِي كُنْتِ تَقُولِينَ". (حين بُني عليِّ): هو موافق لقول الجوهري أنه يقال: بَنى على زوجته، لكنَّ إنكارَه لأن يُقال: بَنَى بزوجته، مردودٌ كما سبق (¬2). (من قُتل من آبائي يومَ بدر): قيل: صوابه: يومَ بُعاث. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1041). (¬2) المرجع السابق، الموضع نفسه.

باب: التزويج على القرآن وبغير صداق

وفي السفاقسي: إنما هو: من قُتل من (¬1) آبائي يوم أُحُد (¬2). * * * باب: التَّزْوِيج عَلَى القُرآنِ وبِغَيرِ صَدَاقٍ 2456 - (5149) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ: سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ يَقُولُ: إِنِّي لَفِي الْقَوْمِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، إِذْ قَامَتِ امْرَأة فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهَا قَدْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَكَ، فَرَ فِيهَا رَأْيَكَ، فَلَمْ يُجِبْهَا شَيْئًا، ثُمَّ قَامَتْ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهَا قَدْ وَهَبَتْ نفسَهَا لَكَ، فَرَ فِيهَا رَأْيَكَ، فَلَمْ يُجبْهَا شَيْئًا، ثُمَّ قَامَتِ الثَّالِثَةَ، فَقَالَتْ: إِنَّهَا قَدْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَكَ، فَرَ فِيهَا رَأْيَكَ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنْكِحْنِيهَا، قَالَ: "هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ؟ "، قَالَ: لَا، قَالَ: "اذْهَبْ فَاطْلُبْ، وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ"، فَذَهَبَ فَطَلَبَ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: مَا وَجَدْتُ شَيْئًا، وَلَا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، فَقَالَ: "هَلْ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ؟ "، قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا، وَسُورَةُ كَذَا، قَالَ: "اذْهَبْ، فَقَدْ أَنْكَحْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ". (اذهب، فقد أنكحْتُكَها بما معك من القرآن): الباء للسببية، فيكون هذا نكاحَ (¬3) تفويض. ¬

_ (¬1) "من" ليست في "ج". (¬2) انظر: "التوضيح" (24/ 451). (¬3) في "ع" و"ج": "إنكاح".

قال ابن المنير: وعندي فيه تأويلٌ حسن، وذلك أنه لما تحقق عجزه عند (¬1) الاستفسار، سأله: هل معه شيء من القرآن؛ لأن القرآن هو [الغِنَى الأكبر، وقد ورد: "مَنْ لَمْ يَغْنَ بِالقُرْآنِ، فَلَيْسَ مِنَّا" (¬2). وورد: "كَفَى بِالقُرْآنِ] (¬3) غِنىً" (¬4)، وتظاهرت الأحاديث على ذلك، فلما ثبت لهذا الرجل حظٌّ من القرآن، ثبت له حظٌّ من الغِنى (¬5)، فزوَّجَه. ووجهُ كونِ القرآنِ غِنىً: إما لأن الله وعدَ صاحبه الغِنى من فضله، وإما لأنه جدير بأن يحمل صاحبَه على (¬6) القناعة، وهي كنزٌ لا يَنْفَد، ومن قنع استغنى، وليس في الحديث إسقاطُ الصَّداقِ، فلعله زوَّجه إياها بِصَداقٍ وُجدت مَظِنَّتُه (¬7)، وإن لم توجد حقيقتُه، وإذا وُجدت مظنتُه، أوشك (¬8) أن تحصلَ بفضل الله، وإنما استفسره (¬9) عن جهده؛ نصحا للمرأة؛ لئلا يضيعها، فلما أخبره أنه يحفظ حظًا (¬10) من القرآن، علم أن الله لا يُضيعهما. ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "عن". (¬2) رواه البخاري (7527) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -. (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬4) لم أقف عليه. (¬5) في "ع" و"ج": "من النبي - صلى الله عليه وسلم -". (¬6) "على" ليست في "ج". (¬7) في "ع": "وجد بمظنته". (¬8) في "ج": "وجدت مظنته، وإن لم توجد ضيقته وشك". (¬9) في "ج": "استفسر". (¬10) في "ع" و"ج": "حفظًا".

باب: الأنماط ونحوها للنساء

ولو فرضنا امرأةً فوَّضَتْ أمرَها في التزويج (¬1) إلى رجل، فخطبها منه مَنْ لا مالَ له، ولكنه حاملٌ لكتاب الله تعالى، فزوجها منه ثقةً بوعد الله لحاملِ كتابه بالغِنى، واقتداءً بهذا الحديث؛ لكان جديرًا بالصواب، ويُجعل الصداقُ في ذمته، ويكونُ تفويضًا، ولا معنى للتفويض إلا ما وقع في الحديث. * * * باب: الأَنْمَاطِ ونَحْوِهَا للنِّسَاءِ 2457 - (5161) - حَدَّثَنَا قُتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفيَانُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هَلِ اتَّخَذْتُمْ أَنْمَاطًا؟ "، قَلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَأَنَّى لَنَا أَنْمَاطٌ؟ قَالَ: "إِنَّهَا سَتكُونُ". (هل اتخذتم أنماطًا؟): تقدم أنها ضربٌ من البُسط له خَمَلٌ رقيقٌ (¬2). * * * باب: الهَدِيَّةِ للعَرُوسِ 2458 - (5163) - وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ -وَاسْمُهُ الْجَعْدُ- عَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: مَرَّ بِنَا فِي مَسْجِدِ بَنِي رِفَاعَةَ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا مَرَّ بِجَنَبَاتِ أُمِّ سُلَيْمٍ، دَخَلَ عَلَيْهَا، فَسَلَّمَ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: ¬

_ (¬1) في "ج": "أمرها والتزويج". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1042).

كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَرُوسًا بِزَيْنَبَ، فَقَالَتْ لِي أُمُّ سُلَيْمٍ: لَوْ أَهْدَيْنَا لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - هَدِيَّةً، فَقُلْتُ لَهَا: افْعَلِي، فَعَمَدَتْ إِلَى تَمْرٍ وَسَمْنٍ وَأَقِطٍ، فَاتَّخَذَتْ حَيْسَةً في بُرْمَةٍ، فَأَرْسَلَتْ بِهَا مَعِي إِلَيْهِ، فَانْطَلَقْتُ بِهَا إِلَيْهِ، فَقَالَ لِي: "ضَعْهَا". ثُمَّ أَمَرَنِي فَقَالَ: "ادْعُ لِي رِجَالًا -سَمَّاهُمْ- وَادْعُ لِي مَنْ لَقِيتَ". قَالَ: فَفَعَلْتُ الَّذِي أَمَرَنِي، فَرَجَعْتُ، فَإِذَا الْبَيْتُ غَاصٌّ بِأَهْلِهِ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى تِلْكَ الْحَيْسَةِ، وَتَكَلَّمَ بِهَا مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ جَعَلَ يَدْعُو عَشَرَةً عَشَرَةً يأكلُونَ مِنْهُ، وَيَقُولُ لَهُمُ: "اذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَلْيَأْكلْ كُلُّ رَجُلٍ مِمَّا يَلِيهِ". قَالَ: حَتَّى تَصَدَّعُوا كلُّهُمْ عَنْهَا، فَخَرَجَ مِنْهُمْ مَنْ خَرَجَ، وَبَقِيَ نَفَرٌ يَتَحَدَّثُونَ، قَالَ: وَجَعَلْتُ أَغْتَمُّ، ثُمَّ خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَ الْحُجُرَاتِ، وَخَرَجْتُ في إِثْرِهِ، فَقُلْتُ: إِنَّهُمْ قَدْ ذَهَبُوا، فَرَجَعَ فَدَخَلَ الْبَيْتَ، وَأَرْخَى السِّتْرَ وَإِنِّي لَفِي الْحُجْرَةِ، وَهْوَ يَقُولُ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} [الأحزاب: 53]. قَالَ أَبُو عُثْمَانَ: قَالَ أَنَسٌ: إِنَّهُ خَدَمَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَشْرَ سِنِينَ. (إذا مَرَّ بجَنَبَات أم سليم): -بفتحات-؛ أي: بنواحيها (¬1). ¬

_ (¬1) في "ع": "نواحيها".

باب: الوليمة حق

باب: الوَلِيمَةُ حَقٌّ 2459 - (5166) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنسُ بْنُ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ كَانَ ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ، مَقْدَمَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ، فَكَانَ أُمَّهَاتِي يُوَاظِبْنَنِي عَلَى خِدْمَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَخَدَمْتُهُ عَشْرَ سِنِينَ، وَتُوُفِّيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً، فَكُنْتُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِشَأْنِ الْحِجَابِ حِينَ أُنْزِلَ، وَكَانَ أَوَّلَ مَا أُنْزِلَ في مُبْتَنَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِزَيْنَبَ بْنَةِ جَحْشٍ: أَصْبَحَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِهَا عَرُوسًا، فَدَعَا الْقَوْمَ، فَأَصَابُوا مِنَ الطَّعَامِ، ثُمَّ خَرَجُوا، وَبَقِيَ رَهْطٌ مِنْهُمْ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَطَالُوا الْمُكْثَ، فَقَامَ النَبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَخَرَجَ، وَخَرَجْتُ مَعَهُ لِكَيْ يَخْرُجُوا، فَمَشَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَشَيْتُ، حَتَّى جَاءَ عَتَبَةَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، ثُمَّ ظَنَّ أَنَّهُمْ خَرَجُوا، فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ، حَتَّى إِذَا دَخَلَ عَلَى زينَبَ، فَإِذَا هُمْ جُلُوسٌ لَمْ يَقُومُوا، فَرَجَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَرَجَعْتُ مَعَهُ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ عَتَبَةَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، وَظَنَّ أَنَّهُمْ خَرَجُوا، فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ، فَإِذَا هُمْ قَدْ خَرَجُوا، فَضَرَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنِي وَبَيْنَهُ بِالسِّتْرِ، وَأُنْزِلَ الْحِجَابُ. (كان أمهاتي يُواظِبْنَني (¬1)) -بظاء معجمة-؛ أي: يَحْمِلْنَني وَيبْعَثْنَني على ملازمةِ خدمتِه (¬2)، والمداومةِ عليها. ويروى بالطاء المهملة؛ من المواطأة (¬3). ¬

_ (¬1) في "ع": "أبيها يواظبني". (¬2) في "ع" و"ج": "حديثه". (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1042).

باب: من أولم بأقل من شاة

باب: مَنْ أَوْلَمَ بِأَقَلَّ مِنْ شَاةٍ 2460 - (5172) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورِ ابْنِ صَفِيَّةَ، عَنْ أُمِّهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، قَالَتْ: أَوْلَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ. (عن أُمه صفيةَ بنتِ شيبة): قال أبو الحسن: انفرد البخاريُّ بالإخراج عن صفيةَ هذه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا من الأحاديث التي تُعَدُّ فيما أخرجَه من "المراسيل"، وقد اختُلف في رؤيتها للنبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1). * * * باب: حَقِّ إِجَابَةِ الوَليمَةِ والدَّعْوَةِ 2461 - (5176) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: دَعَا أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِىُّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - في عُرْسِهِ، وَكَانَتِ امْرَأتهُ يَوْمَئِذٍ خَادِمَهُمْ، وَهْيَ الْعَرُوسُ، قَالَ سَهْلٌ: تَدْرُونَ مَا سَقَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ أَنْقَعَتْ لَهُ تَمَرَاتٍ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا أَكَلَ، سَقَتْهُ إِيَّاهُ. (دعا أبو أُسَيْدٍ): -بضم الهمزة على التصغير-: مالكُ بنُ ربيعةَ، قيل: إنه آخِرُ مَنْ مات من البدريين (¬2). ¬

_ (¬1) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬2) المرجع السابق، الموضع نفسه.

باب: من ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله

باب: مَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُوْلَهُ 2462 - (5177) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: شَرُّ الطَّعَامٍ طَعَامُ الْوَليمَةِ، يُدْعَى لَهَا الأَغْنِيَاءُ، وَيُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ، وَمَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ، فقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم -. (شرُّ الطعامِ طعامُ الوليمة، يُدعى لها الأغنياءُ): قال الزركشي: جملة "يدعى" في موضع الصفة لطعام (¬1). قلت: الظاهرُ أنها صفة للوليمة، على أن يجعل اللام جنسية مثلها في قوله: وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يَسُبُّني ويُستغنى حينئذ عن تأويل تأنيث الضمير على تقدير كونها صفةً لـ "طعام". * * * باب: ذَهَابِ النِّسَاءِ والصِّبْيَانِ إِلَى العُرسِ 2463 - (5180) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: أَبْصَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - نِسَاءً وَصِبْيَانًا مُقْبِلِينَ مِنْ عُرْسٍ، فَقَامَ مُمْتَنًا، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ أَنْتُمْ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ". ¬

_ (¬1) المرجع السابق، (3/ 1043)، وفيه: "الحال" بدل "الصفة".

باب: قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس

(فقام مُمْتنًا): -بميم مضمومة فميم ساكنة فمثناة فوقية فمثناة أخرى (¬1) مشددة-؛ أي: متطاولًا. قال القاضي: كذا ضبطه المتقنون في كتاب: النكاح، وضبطه أبو ذر بفتح التاء وتشديد النون، وفسره: متفضِّلًا، وقال: وكذا الرواية هنا، واختلف في معناه، فقال مروان بن سراج: يحتمل وجهين: أحدهما: أنه من الامتنان؛ لأن مَنْ قام النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه وأكرمَه بذلك، فلا منةَ أعظمُ من هذه، ويؤيده رواية: "أَنْتُمْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ" (¬2). وثانيهما: أنه من المُنَّة، وهي القوة؛ أي: قام إليهم مسرعًا مشتدًّا في ذلك فَرَحًا بهم. ورواه ابن السكن: يمشي؛ من المشي، قال القاضي: وهو تصحيف (¬3). * * * باب: قِيَامِ المَرْأَةِ عَلَى الرِّجَالِ في العُرسِ وخِدْمَتِهِم بالنَّفْسِ 2464 - (5182) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ، قَالَ: لَمَّا عَرَّسَ أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ، ¬

_ (¬1) "أخرى" ليست في "ع". (¬2) رواه البخاري (3785) عن أنس - رضي الله عنه -. (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 373)، وانظر: "التنقيح" (3/ 1043)، و"التوضيح" (24/ 538).

باب: الوصاة بالنساء

دَعَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابَهُ، فَمَا صَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا، وَلَا قَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ إِلَّا امْرَأتهُ أُمُّ أُسَيْدٍ، بَلَّتْ تَمَرَاتٍ في تَوْرٍ مِنْ حِجَارَةٍ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا فَرَغَ النَبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الطَّعَامِ، أَمَاثَتْهُ لَهُ، فَسَقَتْهُ، تُتْحِفُهُ بِذَلِكَ. (أماثته): -بمثلثة فمثناة (¬1) فوقية-؛ أي: عَرَكَتْه بيدها، والمعروف في اللغة: "ماثَتْه" ثلاثيًا (¬2)، لكن حكى الهروي فيه الأمرين معًا (¬3). * * * باب: الوَصَاةِ بالنِّسَاءِ 2465 - (5186) - " وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنهنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ في الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ، كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكتَهُ، لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا". (وإن أعوجَ شيءٍ في الضِّلَع أعلاه): الضِّلَع (¬4): بكسر الضاد المعجمة وفتح اللام، ويقال بإسكانها. قال الزركشي: ولم يقل: أعلاها، والضلعُ مؤنثة، وكذا قوله: "لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ"، ولم يقل عوجاءَ؛ لأن تأنيثه غيرُ حقيقي (¬5). ¬

_ (¬1) "فمثناة" ليست في "ع". (¬2) في: "ج": "ثلاثية". (¬3) انظر:"التنقيح" (3/ 1044)، وفيه: "الجوهري" بدل "الهروي". ولعله الصواب، وانظر: "الصحاح" (1/ 294)، (مادة: ميث). (¬4) في "ع" و"ج": "والضلع". (¬5) انظر: "التنقيح" (3/ 1044).

باب: حسن المعاشرة مع الأهل

قلت: وقد سبق ردُّه. * * * باب: حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ مَعَ الأَهْلِ (باب: حسن المعاشرة مع الأهل): ساق فيه حديثَ أم زرع. قال ابن المنير: نبه بهذه الترجمة على أن إيراد هذه الحكاية من النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس خليًا عن فائدة شرعية، بل هو مشتملٌ عليها، وتلك الفائدة الإحسانُ في معاشرة الأهل كما ندب الله سبحانه (¬1). قلت: هذا غلط؛ لأن هذه الحكاية (¬2) لم تصدر من النبي - صلى الله عليه وسلم -، والصحيح: أن المرفوع من حديث أم زرع: قوله -عليه السلام- لعائشة: "كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لأُمِّ زَرْعٍ"، وقد رفعه كلَّه للنبي - صلى الله عليه وسلم - سعيدُ بنُ مسلمٍ المدنيُّ، وهو وهمٌ عند أئمة الحديث (¬3)، ثم الكلام إنما هو على ما في البخاري، وليس فيه رفعُ الحكاية إليه -عليه السلام-، ما عدا اللفظَ الذي قدمناه، والحكاية إنما هي من عائشة غير مرفوعة، فكيف يستقيم ما قاله؟ 2466 - (5189) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالَا: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَلَسَ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً، ¬

_ (¬1) انظر: "المتواري" (ص: 290). (¬2) في "ج": "لأن حكايته". (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1044) وفيه: "سعيد بن سلمة المديني"، وهو الصواب.

فَتَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَنْ لَا يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئًا، قَالَتِ الأُولَى: زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٌّ، عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ، لَا سَهْلٍ فَيُرْتَقَى، وَلَا سَمِينٍ فَيُنْتَقَلُ. قَالَتِ الثَّانِيَةُ: زَوْجِي لَا أَبُثُّ خَبَرَهُ، إِنِّي أَخَافُ أَنْ لَا أَذَرَهُ، إِنْ أَذْكُرْهُ، أَذْكُرْ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ. قَالَتِ الثَّالِثَةُ: زَوْجِي الْعَشَنَّقُ، إِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ، وَإِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ. قَالَتِ الرَّابِعَةُ: زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَةَ، لَا حَرٌّ وَلَا قُرٌّ، وَلَا مَخَافَةَ وَلَا سَآمَةَ. قَالَتِ الْخَامِسَةُ: زَوْجِي إِنْ دَخَلَ فَهِدَ، وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ، وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ. قَالَتِ السَّادِسَةُ: زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَّ، وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ، وَإِنِ اضْطَجَعَ الْتَفَّ، وَلَا يُولِجُ الْكَفَّ لِيَعْلَمَ الْبَثَّ. قَالَتِ السَّابِعَةُ: زَوْجِي غَيَايَاءُ، أَوْ عَيَايَاءُ، طَبَاقَاءُ، كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَاءٌ، شَجَّكِ أَوْ فَلَّكِ أَوْ جَمَعَ كُلًّا لَكِ. قَالَتِ الثَّامِنَةُ: زَوْجِي الْمَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ، وَالرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ. قَالَتِ التَّاسِعَةُ: زَوْجِي رَفِيعُ الْعِمَادِ، طَوِيلُ النِّجَادِ، عَظِيمُ الرَّمَادِ، قَرِيبُ الْبَيْتِ مِنَ النَّادِ. قَالَتِ الْعَاشِرَةُ: زَوْجِي مَالِكٌ وَمَا مَالِكٌ: مَالِكٌ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكِ، لَهُ إِبِلٌ كَثِيرَاتُ الْمَبَارِكِ، قَلِيلَاتُ الْمَسَارِحِ، وَإِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ الْمِزْهَرِ، أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ. قَالَتِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ، فَمَا أَبُو زَرْعٍ؟! أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ، وَمَلأَ مِنْ شَحْمِ عَضُدَيَّ، وَبَجَّحَنِي، فَبَجحَتْ إِلَيَّ نَفْسِي، وَجَدَنِي فِي أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقِّ، فَجَعَلَنِي فِي أَهْلِ صَهِيلٍ وَأَطِيطٍ، وَدَائِسٍ وَمُنَقٍّ، فَعِنْدَهُ أقولُ فَلَا أُقَبَّحُ، وَأَرْقُدُ فَأَتَصبَّحُ، وَأَشْرَبُ فَأَتَقَنَّحُ. أُمُّ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا أُمُّ أَبِي زَرْعٍ؟! عُكُومُهَا رَداحٌ، وَبَيْتُهَا فَسَاحٌ. ابْنُ أَبي زَرْعٍ؟! فَمَا ابْنُ أَبِي زَرْعٍ، مَضْجعُهُ كَمَسَلِّ شَطْبةٍ، وَيُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الْجَفْرَةِ. بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا بِنْتُ أَبي زَرْعٍ؟! طَوْعُ أَبِيهَا، وَطَوْعُ أُمِّهَا، وَمِلْءُ

كسَائِهَا، وَغَيْظُ جَارَتِهَا. جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ؟! لَا تَبُثُّ حَدِيثَنَا تَبْثِيثًا، وَلَا تُنَقِّثُ مِيرَتَنَا تَنْقِيثًا، وَلَا تَمْلأُ بَيْتَنَا تَعْشِيشًا. قَالَتْ: خَرَجَ أَبُو زَرْعٍ وَالأَوْطَابُ تُمْخَضُ، فَلَقِيَ امْرَأَةً مَعَهَا وَلَدَانِ لَهَا كَالْفَهْدَيْنِ، يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْتِ خَصْرِهَا بِرُمَّانَتَيْنِ، فَطَلَّقَنِي وَنَكَحَهَا، فَنَكَحْتُ بَعْدَهُ رَجُلًا سَرَيًّا، رَكَبَ شَرِيًّا، وَأَخَذَ خَطِّيًّا، وَأَرَاحَ عَلَيَّ نَعَمًا ثَرِيًّا، وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ زَوْجًا، وَقَالَ: كُلِي أُمَّ زَرْعٍ، وَمِيرِي أَهْلَكِ، قَالَتْ: فَلَوْ جَمَعْتُ كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَانِيهِ، مَا بَلَغَ أَصْغَرَ آنِيَةِ أَبي زَرْعٍ. قَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لأُمِّ زَرْعٍ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامٍ: وَلَا تُعَشِّشُ بَيْتَنَا تَعْشِيشًا. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ بَعْضُهُمْ: فَأَتقَمَّحُ -بِالْمِيم-، وَهَذَا أَصَحُّ. (قالت الأولى: زوجي لحمُ جملٍ (¬1) غَثٌّ): أي: شديد الهزال. قال الزركشي: ويجوز في غث الرفع وصفًا [للحم، والجر وصفًا] (¬2) للجمل (¬3). قلت: لا إشكالَ في جواز الوجهين، لكن لا أدري ما المرويُّ ¬

_ (¬1) في "ع": "وجمل". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1044).

منهما، ولا هل ثبتا معًا في الرواية (¬1)؟ فينبغي تحريره. (على رأسِ جبلٍ): تصف بُعْدَ خيرِه وخُبْثَ ما عندَه، كالشيء المستقْبَح في قُلَّةِ جبلٍ صعبٍ (¬2). (لا سهل): فيه البناء على الفتح، والرفع والجر مع التنوين، وتوجيهُها ظاهر (¬3)؛ أي: لا سهلَ فيه، فحذف الخبر، أو: لا هو (¬4) سهلٌ، وعليها، فالوصف وقع بجملة، والجرُّ على النعتِ لجبلٍ بالمفرد، كذا في الزركشي (¬5). قلت: ويلزم عليه إلغاءُ "لا" مع عدم التكرير في توجيه (¬6) الرفع، ودخولُ "لا" على الصفة المفردة مع انتفاء التكرير في توجيه الجر، وكلاهما باطل. (فيُرْتَقَى): أي: يُصعد إليه؛ لصعوبة المسلك إليه. (ولا سمين فينتقل): هذا حديثٌ عن الجمل أو لحمِه، تقول: لا يرضى أحدٌ أن ينقله لهزاله. ويروى: "فينتقى"؛ أي: ليس له نِقْيٌ يُستخرج، والنِّقْيُ -بكسر النون ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "معاني الرواة". (¬2) المرجع السابق، (3/ 1045). (¬3) في "ج": "ظاهرًا". (¬4) في "ع": "وهو". (¬5) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬6) في "ع": "توجيهه".

وسكون القاف-: مُخُّ العظم. قلت: وعلى هذه (¬1) الرواية يكون بين (¬2) "يرتقى"، و"ينتقى (¬3) " جناسٌ حسن. قال الزركشي: وصفَتْه بالبخل، وسوء الخلق، والترفُّع بنفسه؛ تريد: أنه مع قلة خيره، متكبرٌ على عشيرته (¬4). قلت: لا دلالة في لفظها على أنه متكبر على العشيرة مترفعٌ على قومه، فتأمله (¬5). (قالت الثانية: زوجي لا أَبُثُّ خَبَرَه): أي: لا أُظهر حديثه. وروي بالنون في أوله، وهما بمعنى، إلا أنه بالنون أكثرُ ما يُستعمل في الشر (¬6). (إني (¬7) أخاف أن لا أَذَرَه): كأنها خافت إن شرعت في خيره وحديثه، أن لا تتركه حتى تستوعبَ عُيوبه، فسكتت من الأول؛ إبقاءً على ذكر عُيوبه مفصلة، وهذا يقتضي عودَ الضمير من قولها: "أَنْ لا أَذَرَه" على الخبر، وإليه ذهبَ ابنُ السِّكِّيت. ¬

_ (¬1) في "ع": "هذا". (¬2) "يكون بين" ليست في "ع". (¬3) "وينتقى" ليست في "ج". (¬4) انظر: "التنقيح" (3/ 1045). (¬5) "فتأمله" ليست في "ع". (¬6) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬7) في "ع": "في".

وقيل: الهاء (¬1) عائدة على الزوج؛ كأنها خشيت فراقَه إن ذكرَتْه، و"لا" زائدة، و"أذره" بمعنى: أفارقَه وأدعَه (¬2). (قالت الثالثة: زوجي العَشَنّق): بفتح العين المهملة والشين المعجمة والنون المشددة وآخره قاف. قال الأصمعي: هو الطويل، تقول: ليس عنده أكثرُ من طوله بلا نفعٍ، فإن ذكرتُ عيوبه، طلقني، وإن سكتُّ، تركني معلقةً، لا أَيِّمًا، ولا ذاتَ بَعْل (¬3). (قالت الرابعة: زوجي كليلِ تهامةَ، لا حَرٌّ ولا قُرٌ): بضم القاف. (ولا مخافةَ ولا سآمةَ): أي: ولا مَلل. ويروى: "ولا وَخامة"؛ أي: ولا وخامةَ في مرعاها، يقال: مرعًى وخيمٌ: إذا كانت الماشية لا تنجع عليه، ويجوز في لا حر، وما بعدها الفتحُ على البناء، والخبرُ محذوف، ويجوز أن يكون "لا" ملغاة للتكرير، فالرفعُ والخبرُ -أيضًا- محذوف. وصفَتْه بحسن صحبتها، وجميلِ عشرتها، واعتدالِ حاله. وتهامَةُ من بلاد الحجاز مَكَّةُ وما والاها (¬4) (¬5). ¬

_ (¬1) في "ج": "إنها". (¬2) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬3) انظر: "التوضيح" (24/ 574). (¬4) في "م": "ولاها". (¬5) انظر: "التنقيح" (3/ 1046).

(قالت الخامسة: زوجي إن دخل فَهِد): -بفتح الفاء وكسر الهاء- فعل ماض؛ أي: فَعلَ فِعلَ الفهد، تعني: أنه إذا دخل بيته، نام وغفل عن معايب البيت الذي يلزمني إصلاحه، والفَهْدُ يوصف بكثرة النوم، فهي تصفه بالكرم، وحسن الخلق، فكأنه نائم عن ذلك، أو ساهٍ، وإنما هو متناومٌ ومتغافلٌ، وهذه الخصلة من مكارم الأخلاق (¬1). (وإن خرجَ أَسِد): فعل ماض -بفتح الهمزة وكسر السين-؛ أي: فَعلَ فِعلَ الأسد، تمدحه بالشجاعة (¬2). (ولا يَسأل عما عَهِد): أي: عما له عهدٌ به في البيت من طعام وشراب، وصفَتْه بالكرم والسخاء، ولذلك لم يتطلع إلى ما فقده من بيته، ولا سألَ عنه. (قالت السادسة: زوجي إنْ أكلَ لَفَّ): أي: أكثرَ من أكلِ ما يجده، مع التخليط من صنوفه حتى لا يُبقي منه شيئًا (¬3). (وإن شربَ اشْتَفَّ): أي: استقصى ما في الإناء [لا] يُسْئِرُ فيه سُؤْرًا، وهو مأخوذ من الشُّفافَة، وهي البقيةُ تبقى في الإناء، فإذا شربها (¬4)، قيل: اشتفَّ، وهو وصفُ ذَمٍّ (¬5). ¬

_ (¬1) المرجع السابق، (3/ 1047). (¬2) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬3) انظر: "التوضيح" (24/ 576). (¬4) في "ع": "أشربها". (¬5) انظر: "التنقيح" (3/ 1047).

(ولا يولج الكَفَّ ليعلمَ البَثَّ): أي: لا يضع يدَه عليها ليعلمَ مَحَبَّتَها فيه، ووجدَها به، فشكتْ قلةَ رغبتِه في النساء، مع قلة خيره، وكثرة شرهِه (¬1) في الطعام والشراب، وهذا غايةُ الذم عند العرب: أن يستكثرَ من الطعام، ويتقلَّلَ من النساء، وإنما يتمدَّحون (¬2) بضدِّ (¬3) ذلك. (قالت السابعة: زوجي غَياياء أو عَياياء): قالوا: هو بالعين المهملة قَطْعًا، ولا وجه للشك، والعَياياء -بالمد (¬4) - من الإبل: هو الذي لا يضرب، ولا يلقح، وكذلك هو في الرجال. (طَباقاء): -بالمد-: هو الأحمق، وقيل: هو الثقيلُ (¬5) الصدر الذي يُطبق صدرُه على صدر المرأة عند المباضَعة، وهو غيرُ حسن، فيكون على هذا وصفته بعدم المعرفة بحسنِ الجماع؛ لأنه يُطبق صدرُه على صدرها، فيخفُّ عَجُزُه عنها، فلا تَستمتع به. و (¬6) قال امرؤ القيس لبعض النساء: مَالِي أُفرَّكُ مِنَ النِّسَاءِ؟ أي: يبغضنه مع محبته فيهن. فقالت: فيكَ عيوبٌ أربعة: ثقيلُ الصدر، خفيفُ العَجُز، سريعُ الإراقة، بطيءُ الإفاقَة (¬7). ¬

_ (¬1) في "ع": "مع قلة كثرة شهوة"، وفي "ج": "مع كثرة شهوته". (¬2) في "ع" و"ج": "يمدحون". (¬3) في "ع": "بصدد". (¬4) في "ع": "بالمهد". (¬5) في "ع": "الثقل". (¬6) الواو ليست في "ج". (¬7) انظر: "التوضيح" (24/ 580 - 581).

(كلُّ داءٍ له داء): أي: كلُّ (¬1) ما تَفَرَّقَ في الناس من الأدواءِ والمعايبِ اجتمعَ (¬2) فيه. (شَجَّكِ): أي: أصابكِ بشَجَّة، والكاف مكسورة؛ لأن المخاطَبَ (¬3) مؤنث، وكذا ما بعده. (أو فَلَّكِ): أي: أصابَتْ شيئًا من بَدَنِك، والشجُّ في الرأس خاصةً، والفَلُّ في سائر الجسد، تصفه بالتناهي في النقائص والعيوب، [وسوء العشرة مع الأهل. (قالت الثامنة: زوجي المسُّ مَسُّ أَرنب): أي: ناعمُ الجسد] (¬4)، ويُحتمل جعلُه من باب الكناية عن حسن (¬5) الخلق، ولين الجانب. (والريحُ ريحُ زَرْنَب). تعني أن جسده طيبُ الريح، أو أن ثناءه في الناس طيبٌ، وكل من الجملتين الاسميتين -أعني: قولها: المسُّ هو مَسُّ أرنب، والريحُ ريحُ زَرْنَب- (¬6) مشتملة على ضمير محذوف يعود على المبتدأ، وهو "زوجي"؛ لأجل الربط؛ أي: منه؛ مثل قولهم: السمنُ مَنَوانِ بدرهمٍ. (قالت التاسعة: زوجي رفيعُ العماد): قيل: هو حقيقةٌ في البيوت ¬

_ (¬1) "كل" ليست في "ع" و"ج". (¬2) في "ج": "اجتمعت". (¬3) في "ج": "الخطاب". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬5) في "ج": "عن سوء". (¬6) "والريح ريح زرنب" ليست في "ج".

والقِباب (¬1) في أبنية الأشراف (¬2) من أهل البدو، يُطيلون الأعمدة للطارق والسائل، وقيل: مجاز، تريد: الشرفَ وعُلُوَّ الذِّكْر (¬3). (طويلُ النِّجاد): كناية عن طول القامة. (عظيمُ الرَّمادِ): كناية عن كونه مِضْيافًا، وهذه الكناية عندَهم من الكنايات البعيدة (¬4)؛ لأن الانتقال (¬5) فيها من الكناية إلى المطلوب بها بواسطة، فإنه ينتقل من كثرة الرماد، إلى كثرة إحراق الحطب تحت القدر، ومن كثرة الإحراق، إلى كثرة الطبائخ، ومنها إلى كثرة الأَكَلة، ومنها إلى كثرة الضيفان. (قريبُ البيت من النَّاد): تريد: أن بيته قريبٌ من المكان الذي يجتمع فيه العرب للتشاور والحديث؛ تعني: أنه لا يبعُد عنهم؛ ليستخفيَ بين ظهراني الناس. (قالت العاشرة: زوجي مالكٌ، وما مالك؟!): "ما" استفهامية للتعظيم. (مالكٌ خيرٌ من ذلك): زيادةٌ في التعظيم، وترفيع المكانة (¬6). ¬

_ (¬1) في "ج": "في البنون والبنات". (¬2) في "ج": "أبنيته من الأشراف". (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1048 - 1049) وعنده: "أهل البلد" بدل "أهل البدو". (¬4) "البعيدة" ليست في "ع". (¬5) في "ع": "الكنايات". (¬6) في "ج": "لمكانه".

(له إِبلٌ كثيراتُ المباركِ): أي (¬1): لاستعدادِه الضيفان لا يوجِّهها للمرعى، بل يتركهن باركة بفنائه. (قليلاتُ المسارح): وهي المراعي البعيدة، جمع مَسْرَح. (إذا سمعْنَ صوتَ المِزْهَر): -بكسر الميم-: عودُ الغناء، تعني: أنه كان يتلقى أضيافه بالغناء مبالغةً في الفرح بهم، أو يأتيهم بالشراب والغناء. (أَيْقَنَّ أنهنَّ هَوالك): أي: لعقرهنَّ للضيفان. (قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زَرع، وما (¬2) أبو زرع؟!): الاستفهام للتعظيم والتهويل كما سبق. (أَناسَ): -بالسين المهملة-؛ أي: حَرَّكَ. (من حُلِيٍّ): بضم الحاء وكسر اللام. (أُذُنيَ): تثنية أُذُن، والذال مضمومة وساكنة. (وملأ من شَحْم عَضُدَيَّ): لم تردِ العضدينِ خاصة، وإنما أرادت سِمَنَ جسدِها كلِّه، لكن ذكرت العضدين لأجل السَّجع. (بجَّحَني): -بجيم مفتوحة مشددة فحاء مهملة مفتوحة-؛ أي: فَرَّحَني، وقيل: عَظَّمَني. (فَبَجَحَت إلَيَّ نفسي): -بفتحات-؛ أي: عَظُمَتْ نفسي عندي. (وجدني في أهل غُنيمة): تصغير غَنَم، وأُنث على إرادة الجماعة؛ أي: إن أهلها كانوا ذوي غنم، ليسوا أصحابَ خيلٍ ولا إبل. ¬

_ (¬1) "أي" ليست في "ع". (¬2) كذا في رواية أبي ذر الهروي، وفي اليونينية: "فما"، وهي المعتمدة في النص.

(بشِقٍّ (¬1)): -بكسر الشين المعجمة-؛ أي: في (¬2) مَشَقَّة؛ كقوله تعالى: {إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ} [النحل: 7]، وقيل: شِقِّ جبلٍ؛ أي: غنمُهم قليلة، وروي بالفتح. (فجعلني في أهل صَهيلٍ): هو صوتُ الخيل. (وأَطيطٍ): هو صوتُ الإبل. (ودائِسٍ): اسم فاعل من داس الطعامَ يدوسُه دياسة؛ لكي يخرج الحبَّ من السنبل. (ومُنَقٍّ): اسمُ فاعل من نَقَّى الطعامَ تنقيةً -بتشديد القاف-؛ أي: إذا أزالَ ما يختلط به من قشرٍ ونحوِه، ويروى بكسر النون. قال أبو عبيد (¬3): لا (¬4) أعرفه، وقيل: إن صحَّت الرواية به، فهو من النَّقيق، وهو أصوات المواشي والأنعام، تصفه بكثرةِ الأموال (¬5). (أقولُ فلا أُقَبَّح): أي: فلا يُقَبَّح عليَّ قولٌ، تشير إلى رفعة مكانتها عنده، ومحبته إياها. (وأرقدُ فأَتَصَبَّح): [أي: أنامُ الصُّبْحَةَ، وهي نومُ أول النهار. ¬

_ (¬1) في "ع": "تشق". (¬2) "في" ليست في "ج". (¬3) في "ع": "عبيدة". (¬4) في "م": "ولا". (¬5) انظر: "التنقيح" (3/ 1051).

(وأشربُ فأَتَقَنَّح)] (¬1): من التقَنُّح، وهو الشربُ فوقَ الرِّيِّ (¬2)، وقد وقع للبخاري (¬3) في آخر هذا الحديث: وقال بعضُهم: "فأتقَمَّح" -بالميم-، وهذا أصح. قيل: والبخاري في هذا متابع لأبي عُبيد، فإنه قال: لا أعرف هذا، ولا أراه محفوظًا إلا بالميم، ومعناه: أَروى حتى أدعَ الشرابَ من شدة الرِّيِّ (¬4). (عُكومُها رَداح): العكوم: الأعدالُ والغَرائر، واحدها عِكْم -بكسر العين-؛ مثل: جِلْد وجُلود. قال الزركشي: ورَداحٌ لا يجوز أن يكون خبرًا لعكومِها؛ لأنه مفرد، بل هي خبر (¬5) لمبتدأ محذوف؛ أي: كلُّ عِكْمٍ منها رداحٌ (¬6). قلت: هذا كلام القاضي بعينه في "المشارق"، وظاهرُ كلامِ غيرِ واحدٍ: أن الرداحَ صفة للعين الثقيلة، فعليه يجوز (¬7) أن يكون خبرًا للعكوم، وإن كانت جمعًا، قال: ويكون رداح مصدرًا؛ كالذهاب، والطلاق، فيكون خبرًا للعكوم، أو يكون على طريق النسبة (¬8)؛ نحو: ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) في "ع": "البري". (¬3) في "ع": "البخاري". (¬4) انظر: "التنقيح" (3/ 1052). (¬5) في "م": "خبرًا". (¬6) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬7) في "ج": "فيجوز عليه". (¬8) في "ع" و"ج": "التشبيه".

{السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} [المزمل: 18]؛ أي: ذاتُ انفطار، قال: وقد تريد بالعُكوم: كَفَلَها، شبهتها (¬1) بالعُكوم؛ لامتلائها وسِمَنِها (¬2). (وبيتُها فَساح): -بفتح الفاء-؛ أي: واسعٌ كبير. (مضجَعُه كمَسَلِّ شَطْبَة): أي: موضعُ نومِه دقيق؛ لنحافته، وهو مما يُمدح به الرجل، والشطبة: أصلُها ما شُطب من جريد النخل، وهي سَعَفُه، وذلك أنه يُشق منه قضبان دِقاقٌ تُنسج منها الحصير. وقيل: أرادَتْ سيفًا سُلَّ من غِمده، والمِسَلُّ: مصدر بمعنى السَّلِّ؛ أُريد به المفعول؛ أي: كمَسْلول (¬3) شَطْبة. (ويشبعُه ذراعُ الجَفْرَة): وصفته بقلة الأكل (¬4)، وهو مما يُمدح به الرجل، والجَفْرَة: الأنثى من وَلَدِ المَعْزِ، والذَّكَرُ جَفْرٌ. (طَوْعَ أبيها، وطوعُ أمها): وصفتها ببرِّ الوالدين. (ومِلءُ كسائِها): وصفتها بالسِّمَن. (وغيظُ جارتها): هي ضَرّتُها، أرادت: أن ضَرَّتها ترى من حسنها ما يَغيظها. قال الزركشي: وفي هذه الألفاظ دليلٌ لسيبويه في إجازته (¬5): مررتُ ¬

_ (¬1) في "ع": "أشبهتها". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 286). (¬3) في "ع" و"ج": "مسلول". (¬4) في "ع": "الكل". (¬5) في "ع" و"ج": "لسيبويه وإجازته".

برجلٍ حسنٍ وجهُه؛ خلافًا للمبرِّدِ والزجَّاج (¬1). قلت: ما أظن سيبويه -رحمه الله- يرضى بهذا الاستدلال، وذلك لأن كلًّا من طوع، وملء، وغيظ، ليس صفة مشبهةً (¬2)، ولا اسمَ فاعل، ولا مفعول [من فعل لازم حتى يجري مجرى الصفة المشبهة، وإنما كلٌّ منها مصدرٌ لفعل متعدٍّ] (¬3)، فطوعُ أبيها بمعنى (¬4) طائعة أبيها؛ أي: مطيعة ومنقادة له، ومِلءُ كسائها؛ أي: مالئةُ كسائها، وغيظُ جارتها؛ أي: غائظةُ جارتها (¬5)، وجوازُ مثلِ هذا في اسم الفاعل من الفعل المتعدِّي جائزٌ بالإجماع، لا يخالف فيه المبرِّدُ، ولا الزجَّاج (¬6)، ولا غيرهما، وبالجملة: فليس هذا من محل النزاع في شيء. (لا تبثُّ حديثنا تبثيثًا): -بالباء الموحدة وبالثاء المثلثة-؛ أي: لا تُفْشي حديثنا، ولا تُظهره، ويروى بالنون عوض الموحدة، وهو بمعناه. (ولا تنَقِّث): -بنون مفتوحة فقاف مشددة (¬7) مكسورة فثاء مثلثة-؛ أي: لا تُفسد. (مِيرتَنا): -بكسر الميم-؛ أي: طعامَنا، تصفُها بالأمانة. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1053). (¬2) في "م": "مشبه". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬4) في "ع": "يعني". (¬5) "أي: غائظة جارتها" ليست في "ج". (¬6) "ولا الزجاج" ليست في "ج". (¬7) "مفتوحة فقاف مشددة" ليس في "ج".

(ولا تملأ بيتنا تَعْشيشًا): بالعين المهملة والشين المعجمة (¬1). قال يعقوب: تريدُ: النميمةَ وما شاكلها (¬2). وقيل: تريد عفافَ فرجِها، وعدمَ فسقِها. وقيل: لا تترك القُمامة والكُناسة مفرقةً في البيت كعش الطائر، بل هي مصلِحَةٌ للبيت، معتنيةٌ بتنظيفه. وقيل: لا تسرق طعامَنا فتخبؤه في زوايا البيت (¬3). (خرج أبو زرع، والأوطابُ): زِقاقُ اللبن، واحدها وَطْب، على زنة فَلْس، فجمعُه على أفعال، مع كونه صحيحَ العين، نادرٌ، والمعروف: وِطابٌ في الكثرة، وأَوْطُبٌ في القلة. (تُمْخَض): أي: تحرَّك (¬4) حتى يخرجَ زُبْدُها (¬5). (معها ولدان كالفَهْدَين): احتاجَتْ إلى ذكرهما (¬6) هنا؛ لتنبه على أن ذلك كان أحدَ أسبابِ تزويج (¬7) أبي زرعٍ لها؛ لأن العرب كانت ترغبُ في الأولاد، وتحرِصُ على النسل، وكثرةِ العددِ، وتستعد لذلك النساء المنجبات في الخَلْق والخُلُق، هكذا قيل. ¬

_ (¬1) "والشين المعجمة" ليست في "ع" و"ج". (¬2) في "ج": "يشاكلها". (¬3) انظر: "التوضيح" (24/ 596). (¬4) في "ع": "حرك". (¬5) انظر: "التنقيح" (3/ 1054). (¬6) في "ج": "ذكرها". (¬7) في "م": "لتزويج".

وقال الحافظ مغلطاي: يُعَكِّر على هذا ما ذكره الخطيبُ من أنهما أخواها، لا ابناها (¬1)، وأنه إنما تزوَّجَها بِكرًا (¬2) (¬3). (يلعبان من تحتِ خَصرها): بفتح الخاء المعجمة. (برمانتين): يعني: أنها ذاتُ كَفَلٍ عظيم، فإذا استلقت، ناء بها الكَفَلُ من الأرض حتى يصيرَ تحتها فجوةٌ يجري فيها الرمان. وقيل: عنت بالرمانتين: نَهْدَيْها. قال أبو عبيد: وليسَ هذا موضعَه (¬4). قلت: بل هو موضعُه، وله وجهٌ ظاهر؛ فإنه كنايةٌ (¬5) عن شبابها، وأنها في السنِّ المرغوب فيه من النساء. وقال القاضي: القولُ الأول أرجحُ، لاسيما وقد روي: "مِنْ تَحْتِ ذِراعِها برُمانتين" (¬6). (فنكحتُ بعدَه سَرِيًّا): -بالسين المهملة-، أي: من (¬7) سَراة الناس وخيارِهم. ¬

_ (¬1) في "ع": "أنهما أخو أخواتها لأبنائها". (¬2) "بكرًا" ليست في "ج". (¬3) انظر: "التوضيح" (24/ 599). (¬4) انظر: "التنقيح" (3/ 1054) وعنده: "نتأ الكفل بها". (¬5) في "ج": "كنى به". (¬6) انظر: "إكمال المعلم" (7/ 468). وانظر: "التوضيح" (24/ 600). وفيهما: "درعها" بدل "ذراعها". (¬7) "من" ليست في "ع".

(رَكِبَ شَرِيًّا): -بالشين المعجمة-؛ أي (¬1): فرسًا يستشري في سيره؛ أي: يَلِجُّ ويمضي (¬2) بلا فُتور ولا انكسار. (وأَخَذَ خَطِّيًّا): أي: رُمحًا منسوبًا إلى الخَطِّ، وهو موضعٌ بناحية البحرين. (وأراحَ): أي: [أتى] بعدَ الزوال. (عَلَيَّ نَعمًا): -بفتح النون- واحدُ الأنعام. قال الجوهري: وأكثرُ ما يقع هذا الاسم على الإبل (¬3)، ويروى: بكسر النون جمع نِعْمَة. (ثَرِيًّا): أي: كثيرًا، والثروةُ: كثرةُ العدد. قال الزركشي: وحقُّه أن يقول: ثريَّةً، ولكن وجهه: أن كل ما ليس بحقيقي التأنيث لك فيه وجهان: في إظهار علامة التأنيث في الفعل واسم الفاعل والصفة، أو تركِها (¬4). قلت: هذا إنما هو بالنسبة إلى ظاهرٍ غيرِ حقيقي (¬5) التأنيث، وأما بالنسبة إلى ضميره، فالتأنيثُ قطعًا إلا في الضرورة مع التأويل، وإلا، فمثل قولك: الشمسُ طلعَ، أو طالعٌ، ممتنعٌ، وقد تكرر هذا الكلام منه، ¬

_ (¬1) "أي" ليست في "ج". (¬2) "ويمضي" ليست في "ج". (¬3) انظر: "الصحاح" (5/ 2043)، (مادة: نعم). (¬4) انظر: "التنقيح" (3/ 1055). (¬5) في "م": "الحقيقي".

وتكرر (¬1) الردُّ عليه، ونزيد هنا أن نقول: على تقدير تسليم ما ذكره من الحكم، فلا يتمشى في هذا المحل، فقد قال الفراء: إن النَّعَم مذكر لا يؤنَّث، تقول: هذا نَعَم واردٌ، حكاه عنه الجوهري (¬2)، ولم يَحك عن غيره خلافَه. (وأعطاني من كلِّ رائحةٍ): من كل شيء يأتيه من أصناف (¬3) الأموال الآتية وقت الرَّواح. (زَوْجًا): أي: اثنين، ولم يقتصر على الواحد من ذلك، بل ثَنَّاه وضَعَّفه. (قالت: فلو جمعتُ كلَّ شيء أعطانيه، ما بلغَ أصغرَ آنيةِ أبي زرع): وصفت هذا الرجل بالسؤدد والثروة والفروسية والإحسان إليها، ثم إنه -مع هذا كله- لم يقع عندها موقعَ أبي زرع، وإن كثيرَهُ دونَ قليلِ أبي زرع، فكيفَ بكثيره، مع إساءة أبي زرع لها أخيرًا في (¬4) تطليقها والاستبدال بها؟ ولكن حبها له (¬5) بَغَّضَ إليها الناسَ بعدَه، ولهذا كره أولو الرأي تزوُّجَ امرأةٍ لها زوجٌ طلقها؛ مخافة أن تميل نفسُها إليه (¬6) (¬7). ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "وتكرير". (¬2) انظر: "الصحاح" (5/ 2043)، (مادة: نعم). (¬3) في "ج": "الأصناف". (¬4) "في" ليست في "ع" و"ج". (¬5) "له" ليست في "ع". (¬6) "إليه" ليست في "ع". (¬7) انظر: "التوضيح" (24/ 603).

(كنتُ لكِ كأبي زرعٍ لأُمِّ زرعٍ (¬1)): تقدم أن "كان" لا يدل على الانقطاع، ولا على الدوام، فليس في هذا الكلام ما يقتضي انقطاعَ هذه الصفة، فلا حاجةَ إلى دعوى زيادة "كان"، وأن المعنى: أنا لك. قال -عليه الصلاة والسلام- ذلك؛ تطييبًا لقلب عائشة، ومبالغةً في حسن معاشرتها. وورد في (¬2) حديث: "غَيْرَ أَنِّي لا أُطَلِّقُكِ" (¬3) فاستثنى الحالةَ المكروهة، وهي ما وقعَ من تطليق أبي زرع. قال القاضي: وقد وردَ في رواية أبي معاوية الضرير ما يدل على أن الطلاق [لم يكن] من قبل أبي زرع واختياره، فإنه قال: "لم تَزَلْ بِهِ أُمُّ زَرْعٍ حَتَّى طَلَّقَهَا". وفي رواية: "قالت عائشة: بأبي أنتَ وأمي، بل أنتَ [خيرٌ لي من أَبي زرع" (¬4)، وهو جواب مثلها في فضلها وعلمها؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - لما أخبرها] (¬5) بكمال منزلتها عنده، أخبرته هي بأنه عندها أفضلُ وأحبُّ (¬6). ¬

_ (¬1) "لأم زرع" ليست في "ع" و"ج". (¬2) في "ج": "وورودك". (¬3) رواه بهذه الزيادة: الزبير بن بكار، والخطيب، كما قال العراقي في "المغني عن حمل الأسفار" (1/ 392). قلت: رواه الخطيب في "الفصل للوصل المدرج" (1/ 247). (¬4) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (9139). (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬6) وانظر: "التنقيح" (3/ 1056)، و"التوضيح" (24/ 603).

باب: صوم المرأة بإذن زوجها تطوعا

وفي "الإفهام": قال الخطيب في "مبهماته": لا أعلم أحدًا سَمَّى النسوةَ في حديث إلا من الطريق الذي أذكره، وهو غريب جدًّا، ثم ساقه من حديث الزبير بن بكار، قال: حدثني محمد بن الضحاك الخزامي، عن هشام، عن أبيه، وسمى الثانية: عَمْرَةَ بنتَ عمروٍ، والثالثة: حُبَّى بنتَ كعبٍ. قلت: أخبرني شيخُنا قاضي القضاة شيخُ الإسلام جلالُ الدين البلقيني -ذكره الله بالصالحات (¬1) - عند قراءتي عليه هذا المحل: أن حُبَّى هذه بالإمالة. قال: وسَمَّى الرابعة: مَهْدَدَ بنتَ أبى هزومة، والخامسةَ: كبشةَ، والسادسةَ: هندَ، والسابعة: حُبَّى بنتَ (¬2) علقمة، والثامنةَ: بنتَ أوس بن عبد، والعاشرة: كبشة بنتَ الأرقم، وأُمُّ زرع بنتَ أُكيهل بنِ ساعدةَ. ذكره النووي في "شرح مسلم" (¬3)، و"المبهمات"، وسماها ابن دريد: "عاتِكة" كما نقله القاضي عياض (¬4). * * * باب: صَوْمِ المَرْأَةِ بِإِذْنِ زَوْجِها تَطَوُّعًا 2467 - (5192) - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا ¬

_ (¬1) "ذكره الله بالصالحات" ليست في "ج". (¬2) في "ع": "بن". (¬3) انظر: "شرح مسلم" (15/ 212). (¬4) وانظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 258).

باب: لا تأذن المرأة في بيت زوجها لأحد إلا بإذنه

مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ". (لا تصومُ المرأةُ وبعلُها شاهدٌ إلا بإذنه): خبر بمعنى الإنشاء؛ مثل: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} [البقرة: 233]. فيكون المراد (¬1): النهيَ عن الصوم، وإن كان لفظُه لفظَ الخبر، فإذن سقط استشكالُ السفاقسي عدمَ الجزم، وذلك أنه فهم أن "لا" ناهية، وإنما هي نافية، والخبر مؤول بالإنشاء، كما تقدم (¬2). وفي الحديث حجةٌ لمالك ومَنْ وافقه في أن من أفطرَ في صيام التطوّع عامدًا: أن عليه القضاءَ؛ لأنه لو كان للرجل أن يُفسد عليها صومها بجماع، ما احتاجت إلى إذنه، ولو كان مباحًا، كان إذنه لا معنى له (¬3). * * * باب: لا تَأْذَنُ المَرأَةُ في بَيْتِ زَوجِهَا لِأَحَدِ إلَّا بِإِذْنِهِ 2468 - (5195) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَا تَأْذَنَ فِي بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَمَا أَنْفَقَتْ مِنْ نَفَقَةٍ عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ، فَإِنَّهُ يُؤَدَّى إِلَيْهِ شَطْرُهُ". ¬

_ (¬1) "المراد" ليست في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1057). (¬3) انظر: "التوضيح" (25/ 12).

(وما أنفقت من غير أمره، فإنه يؤدَّى إليه شطرُه): ليس المراد تنقيصَ أجر الرجل، بل أجرُه حين تتصدقُ عنه امرأتُه كأجره حيث يتصدَّقُ هو بنفسه، لكن ينضاف إلى أجره هنا أجرُ المرأة، فيكون له هاهنا شطر المجموع. وقوله: "من غيرِ أمرِه" تنبيهٌ بالأدنى على الأعلى، فإنه إذا أثيب (¬1)، وإن لم (¬2) يأمر، فلأَنْ يُثاب إذا أَمر بطريق الأولى، هكذا قال ابن المنير. وحمله الخطابي على أنها إذا أنفقت على نفسها من ماله بغير إذنه فوقَ ما يجب لها [من القوت، غرمت له شطرَه؛ أي: الزائدَ على ما يجبُ لها] (¬3). وفيه بعد، والظاهرُ ما قاله ابن المنير. لكن قوله: فيكون له هنا شطرُ المجموع، فيه نظر؛ إذ مقتضاه مشاركةُ المرأة له (¬4) في الثواب المقابل [لماله، وهو محلُّ نظر، فينبغي أن يكون الثواب المقابل] (¬5) لفواتِ ماله عليه (¬6) مختصًا به، والأجرُ المترتِّبُ على تفويته بالصدقة مقسومًا بينه وبين المرأة من حيث تعلق فِعْلِها بالمال الذي يملكه، فله في (¬7) فِعْلِها مَدْخَل، فتكون المشاركةُ بهذا الاعتبار، ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "إذا ثبت". (¬2) في "ع": "ولم". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع". وانظر: "أعلام الحديث" (3/ 2002). وانظر: "التوضيح" (25/ 20). (¬4) "له" ليست في "ع". (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬6) "عليه" ليست في "ج". (¬7) "في" ليست في "ع".

باب: قول الله تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض} إلى قوله: {إن الله كان عليا كبيرا} [النساء: 34]

فتأمل ذلك، وحَرِّرْه، فإني لم أقف فيه إلى الآن على ما يشفي الصدور، والله أعلم بالصواب. * * * باب: قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} إِلَى قوله: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء: 34] (باب قول اللَّه -عز وجل-: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ}): إنما مراده من الآية: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء: 34]، وقد هجرهن النبي - صلى الله عليه وسلم -. * * * باب: هِجْرَةِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - نِسَاءَهُ فِي غَيرِ بُيُوتهِنَّ 2469 - (5203) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو يَعْفُورٍ، قَالَ: تَذَاكَرْنَا عِنْدَ أبي الضُّحَى، فَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَصْبَحْنَا يَوْمًا وَنِسَاءُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَبْكِينَ، عِنْدَ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ أَهْلُهَا، فَخَرَجْتُ إِلَى الْمَسْجدِ، فَإِذَا هُوَ مَلآنُ مِنَ النَّاسِ، فَجَاءَ عُمَرُ ابْنُ الْخَطَّابِ، فَصَعِدَ إِلَى النَبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ في غُرْفَةٍ لَهُ، فَسَلَّمَ فَلَمْ يُجبْهُ أَحَدٌ، ثُمَّ سَلَّمَ فَلَمْ يُجبْهُ أَحَدٌ، ثُمَّ سَلَّمَ فَلَمْ يُجبْهُ أَحَدٌ، فَنَاداهُ، فَدَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟ فَقَالَ: "لَا، وَلَكِنْ آلَيْتُ مِنْهُنَّ شَهْرًا". فَمَكَثَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ.

باب: لا تطع المرأة زوجها في معصية

(فإذا هو ملآن): هذا ظاهر، وعند القابسي: "فإذا هو ملأى" -بالتأنيث-، وكأنه أراد البقعةَ (¬1). * * * باب: لَا تُطِعِ المَرْأةُ زَوْجَهَا في مَعْصِيَةٍ 2470 - (5205) - حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ، عَنِ الْحَسَنِ -هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ-، عَنْ صَفِيَّةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ زَوَّجَتِ ابْنَتَهَا، فَتَمَعَّطَ شَعَرُ رَأْسِهَا، فَجَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَتْ: إِنَّ زَوْجَهَا أَمَرَنِي أَنْ أَصِلَ فِي شَعَرِهَا، فَقَالَ: "لَا، إِنَّهُ قَدْ لُعِنَ الْمُوصِلَاتُ". (إنه لُعن الموصلات (¬2)): وفي بعض النسخ: "الموصولات" (¬3). * * * باب: المُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يَنَلْ، ومَا يُنْهَى مِنِ افْتِخَارِ الضَّرَّةِ 2471 - (5219) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَام، عَنْ فَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ، حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ، عَنْ أَسْمَاءَ: أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ لِي ضَرَّةً، فَهَلْ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1058). (¬2) في "م": "الموصولات". (¬3) المرجع السابق، الموضع نفسه.

باب: الغيرة

عَلَيَّ جُنَاحٌ إِنْ تَشَبَّعْتُ مِنْ زَوْجِي غَيْرَ الَّذِي يُعْطِيني؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الْمُتَشَبع بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ". (المتشبع بما لم يُعْطَ كلابسِ ثوبَيْ زورٍ): قيل: هو الذي يُرِي من نفسه أنه شبعان (¬1)، وليس به. وقيل: [هو المرائي يلبَسُ ثيابَ الزهَّاد؛ ليُظن أنه زاهدٌ، وليس به. وقيل] (¬2): هو أن يلبس قميصًا يصل بكمه كمًا آخر يُرِي أنه لابسٌ قميصين. وقيل: هو الرجل له هيئةٌ (¬3) وصورة حسنة، فإذا احتِيجَ إلى شهادة زور، شهد، فلا يُرَدُّ لحسنِ ثوبه (¬4). * * * باب: الْغَيْرَةِ وَقَالَ وَرَّادٌ، عَنِ الْمُغِيرَةِ: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي، لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفِحٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟ لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي". (لضربتُه بالسيف غيرَ مصْفِح (¬5)): قال القاضي: بكسر الفاء وسكون ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "شعبان". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬3) في "ج": "الرجل لهيئته". (¬4) انظر: "التنقيح" (3/ 1058). (¬5) في "ع": "مصحف".

الصاد، ورويناه بفتح الفاء؛ أي: غيرَ ضاربٍ بعَرْضه، بل بِحَدِّهِ؛ تأكيدًا لبيان ضربه لقتله، فمن فتح الفاء، جعل "غيرَ مصفح" حالًا من السيف، ومن كسرها، جعلَه حالًا من الضارب (¬1). وقال ابن الأثير: أَصْفَحَهُ بالسيف: إذا ضربه بعَرْضِه دونَ حَدِّهِ (¬2). * * * 2472 - (5220) - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ، وَمَا أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللَّهِ". (ما من أحد أغيرُ من اللَّه): يجوز أن تكون "ما" حجازية، فـ "أغيرَ" (¬3) منصوب على الخبر، وأن تكون تميمية، فـ "أغيرُ" مرفوع، و"من" زائدة على اللغتين؛ للتأكيد. ويجوز فتحُ [أغيرَ أن يكون صفةً لأَحَدٍ باعتبار اللفظ، ومَعَ رفعِه] (¬4) أن يكون صفة له باعتبار المحل، وعليهما (¬5) فالخبر محذوف. وقد أُوِّلَت الغيرةُ من اللَّه تعالى بالزجر والتحريم، ومن ثم جاء: "مِنْ ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 49). (¬2) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (3/ 34). (¬3) في "ع": "فإنه غير". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬5) في "ج": "وعليها".

باب: غيرة النساء ووجدهن

أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ" (¬1). * * * 2473 - (5225) - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتِ الَّتِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - في بَيْتِهَا يَدَ الْخَادِمِ، فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ، فَانْفَلَقَتْ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ في الصَّحْفَةِ، وَيَقُولُ: "غَارَتْ أمُّكُمْ". ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ في بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفتُهَا، وَأَمْسَكَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ. (فِلَق الصفحة): ضبط بكسر الفاء وفتح اللام. قال السفاقسي: والظاهر أنه بفتح الفاء وسكون اللام؛ كتَمْرة وتَمْر (¬2). قلت: الظاهرُ خلافُ ما قال، فقد صرح الجوهري: بأن الفِلْقَةَ -بكسر الفاء-: الكِسْرَة (¬3). وعليه فيكون الجمع: فِلَق؛ مثل: كِسْرَة وكِسَر. * * * باب: غَيْرَةِ النِّسَاءِ وَوَجْدِهِنَّ 2474 - (5228) - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: قَالَ لِي ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1059). (¬2) المرجع السابق، (3/ 1060). (¬3) "الكسرة" ليست في "ج". وانظر: "الصحاح" (4/ 1544)، (مادة: فلق).

باب: لا يخلو رجل بامرأة إلا ذو محرم. والدخول على المغيبة

رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي لأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى". قَالَتْ: فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: "أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، فَإِنكِ تَقُولِينَ: لَا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ! وَإِذَا كُنْتِ غَضْبَى، قُلْتِ: لَا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ! ". قَالَتْ: قُلْتُ: أَجَلْ، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ. (إني لأعلَمُ إذا كنتِ عَلَيَّ (¬1) (¬2) راضيةً): هذا مما ادَّعى ابنُ مالك فيه: أن "إذا" خرجت (¬3) من الظرفية، [ووقعت مفعولًا. والجمهورُ على أن "إذا" لا تخرج من الظرفية] (¬4)، فهي في الحديث ظرف لمحذوفٍ هو (¬5) مفعولُ "أعلم"، وتقديره: شأنَكِ، ونحوه. (والله يا رسول اللَّه! ما أهجرُ إلا اسمَكَ): أي: إنما أتركُ التسميةَ اللفظية، ولا يتركُ قلبُها التَّعلق بذاته -عليه السلام- مودةً ومحبةً، والكلام في أن الاسمَ هل هو نفسُ المسمى، أو غيره؟ طويلٌ آثرنا اختصاره؛ لضيق الوقت. * * * باب: لَا يَخْلُو رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا ذُو مَحْرَمٍ. والدُّخُولُ عَلَى المُغِيبَةِ 2475 - (5232) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبي حَبِيبٍ، عَنْ أَبي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ¬

_ (¬1) "علي" ليست في "ح". (¬2) نص البخاري: "عني". (¬3) في "ع": "لا يخرج". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬5) في "ع": "وهو".

باب: لا يطرق أهله ليلا إذا أطال الغيبة؛ مخافة أن يخونهم، أو يلتمس عثراتهم

"إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ". فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: "الْحَمْوُ الْمَوْتُ". (قال: الحَمْوُ الموتُ): أي: لقاؤُه مثلُ لقاء الموت، والأحماء من قبل الزوج، والأختانُ من قبل المرأة؛ أي: إن خلوةَ الحموِ أشدُّ من خلوة غيره من البعداء. وفي الحمو لغات كثيرة، منها هذه اللغة، وهي كونه على زنة دَلْو (¬1). * * * باب: لَا يَطْرُقْ أَهْلَهُ لَيْلًا إِذَا أَطَالَ الْغَيْبَةَ؛ مَخَافَةَ أَنْ يُخَوِّنَهُمْ، أَوْ يَلْتَمِسَ عَثَرَاتِهِمْ (مخافة أن يخَوِّنهم): بفتح الخاء المعجمة وكسر الواو المشددة، وذلك أنه (¬2) إذا طرقهم ليلًا، وهو وقتُ خلوة وانقطاع مراقبة الناس بعضِهم لبعض، كان ذلك سببًا لسوء ظن أهلِّه به، وكأنه إنما قصدَهم ليلًا ليجدَهم على ريبة حين توخَّى وقتَ غِرَّتهم وغَفْلَتهم (¬3). * * * 2476 - (5243) - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما-، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَكْرَهُ أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ طُرُوقًا. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1060). (¬2) "أنه" ليست في "ع". (¬3) انظر: "التوضيح" (25/ 155).

باب: طلب الولد

(أن يأتي الرجلُ أهلَه طُروقًا): -بضم الطاء-؛ أي (¬1): إتيانًا في الليل. * * * باب: طَلَبِ الوَلَدِ 2477 - (5245) - حَدَّثَنَا مُسَدَّد، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ سَيَّارٍ، عَنِ الشَعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - في غَزْوَةٍ، فَلَمَّا قَفَلْنَا، تَعَجَّلْتُ عَلَى بَعِيرٍ قَطُوفٍ، فَلَحِقَنِي رَاكبٌ مِنْ خَلْفِي، فَالْتَفَتُّ، فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "مَا يُعْجِلُكَ؟ ". قَلْتُ: إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ، قَالَ: "فَبِكْرًا تَزَوَّجْتَ أَمْ ثَيِّبًا؟ "، قَك: بَلْ ثَيِّبًا، قَالَ: "فَهَلَّا جَارِيَةً تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ؟ ". قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا، ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ، فَقَالَ: "أَمْهِلُوا، حَتَّى تَدْخُلُوا لَيْلًا -أَيْ: عِشَاءً-؛ لِكَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ، وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ". قَالَ: وَحَدَّثَنِي الثِّقَةُ: أَنَّهُ قالَ في هَذَا الْحَدِيثِ: "الْكَيْسَ الْكَيْسَ يَا جَابِرُ". يَعْنِي: الْوَلَدَ. (فبكرًا تزوجْتَ أم ثيبًا؟ قال: لا، بل ثيبًا): فيه حذف الهمزة المعادلة لأم؛ أي: أَفَبِكرًا (¬2) تزوجت؟ فإن قلت: فقول جابرٍ لا، بل ثيبًا، ما وجهُه، ولم يتقدم له شيء يُضْرَب عنه؟ قلت: معناه: لم أتزوج بكرًا، وأضرب عنه، وزاد "لا" توكيدًا؛ لتقرير ما قبلها من النفي، فقال: لا، بل ثيبًا. (المُغيبة): -بضم الميم-: التي غاب عنها زوجها. ¬

_ (¬1) "أي" ليست في "ج". (¬2) في "ع": "فبكرًا"، وفي "ج": "بكر".

باب: {ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن} الآية [النور: 31]

باب: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} الآية [النور: 31] 2478 - (5248) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: اخْتَلَفَ النَّاسُ بِأَيِّ شَيْءٍ دُووِيَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ أُحُدٍ، فَسَألوا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ، وَكَانَ مِنْ آخِرِ مَنْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ: وَمَا بَقِيَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، كَانَتْ فَاطِمَةُ -عَلَيْهَا السَّلَامُ- تَغْسِلُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ، وَعَلِيٌّ يَأْتِي بِالْمَاءَ عَلَى تُرْسِهِ، فَأُخِذَ حَصِيرٌ، فَحُرِّقَ، فَحُشِيَ بِهِ جُرْحُهُ. (فحُرِّق): بضم الحاء المهملة وكسر الراء المشددة، مبني للمفعول. * * * باب: طَعْنِ الرَّجُلِ ابْنَتَهُ في الخَاصِرَةِ عِنْدَ العِتَابِ 2479 - (5250) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِم، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: عَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ، وَجَعَلَ يَطْعُنُنِي بِيَدِهِ في خَاصِرَتِي، فَلَا يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلَّا مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِي. (يَطْعُنُني): -بضم العين (¬1) -؛ لأنه فِعلٌ باليد، وأما بفتحها، ففي القول. قال السفاقسي: حكاه ابن فارس عن بعضهم (¬2). ¬

_ (¬1) من قوله: "التي غاب عنها" إلى هنا ليس في "ع". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1061)، و"التوضيح" (25/ 166).

كتاب الطلاق

كتاب الطلاق

باب: قول الله تعالى: {ياأيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة} [الطلاق: 1]

كتاب الطلاق باب: قول اللَّه تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} [الطلاق: 1] 2480 - (5251) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما-: أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأتهُ وَهْىَ حَائِضٌ، عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ". (كتاب: الطلاق). (عن ابن عمر: أنه طلق امرأته): هي آمنةُ بنتُ غِفارٍ. * * * باب: إِذَا طُلِّقَتِ الحَائِض هَلْ تَعْتَدُّ بِذَلِكَ الطَّلاقِ؟ 2481 - (5252) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَنَسِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ وَهيَ حَائِضٌ،

باب: من طلق، وهل يواجه الرجل امرأته بالطلاق

فَذَكَرَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "لِيُراجِعْهَا". قَلْتُ: تُحْتَسَبُ؟ قَالَ: فَمَهْ؟ وَعَنْ قتادَةَ، عَنْ يُونُس بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: "مُرْهُ فَلْيُراجِعْهَا". قَلْتُ: تُحْتَسَبُ؟ قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ؟ (قال: فمه): هي "ما" الاستفهامية أُدخل عليها هاءُ السَّكت في الوقف، مع أنها غير مجرورة، وهو قليل. (قلت (¬1): يُحْتَسَبُ؟): أي: بتلك الطلقة التي أوقعها في حالة الحيض. (قال: أرأيتَ إن عجزَ واستَحْمَق؟): -بفتح التاء والميم مبنيًا للفاعل-؛ أي: طلبَ الحمقَ بما فعلَه من طلاق امرأته وهي حائض. أراد -واللَّه أعلم-: أرأيت إن عجز الزوجُ عن السنَّة، أو جهل السنَّةَ، فطلق في الحيض، أَيُعذر بحمقه (¬2)، فلا يلزم طلاق؟ استبعادًا من ابن عمر أن يُعذر أحدٌ بالجهل بالشريعة، وهو القول الأشهر أن الجاهل غيرُ معذور، وقد وقعت هذه الشبهة لبعضهم حتى قال: إن الطلاق في الحيض لا يقع. * * * باب: مَنْ طَلَّقَ، وهَلْ يُوَاجِهُ الرَّجُلُ امرأَتَهُ بالطَّلَاقِ 2482 - (5255) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَسِيلٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبي أُسَيْدٍ، عَنْ أَبي أُسَيْدٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى انْطَلَقْنَا إِلَى حَائِطٍ يُقَالُ لَهُ: الشَّوْطُ، حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى حَائِطَيْنِ، فَجَلَسْنَا بَيْنَهُمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اجْلِسُوا هَاهُنَا". وَدَخَلَ، وَقَدْ أُتِيَ بِالْجَوْنيَّةِ، ¬

_ (¬1) في "ع": "قلبت". (¬2) "أيعذر بحمقه" ليست في "ع".

باب: من قال لامرأته: أنت علي حرام

فَأُنْزِلَتْ في بَيْتٍ في نَخْلٍ في بَيْتِ أُمَيْمَةَ بِنْتِ النُّعْمَانِ بْنِ شَرَاحِيلَ، وَمَعَهَا دَايَتُهَا حَاضِنَةٌ لَهَا، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "هَبِي نفسَكِ لِي". قَالَتْ: وَهَلْ تَهَبُ الْمَلِكَةُ نَفْسَهَا لِلسُّوقَةِ؟ قَالَ: فَأَهْوَى بِيَدِهِ يَضَعُ يَدَهُ عَلَيْهَا لِتَسْكُنَ، فَقَالَتْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، فَقَالَ: "قَدْ عُذْتِ بِمَعَاذٍ"، ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: "يَا أَبَا أُسَيْدٍ! اكْسُهَا رَازِقِيَّتَيْنِ، وَأَلْحِقْهَا بِأَهْلِهَا". (يقال له: الشَّوْط): -بشين معجمة وطاء مهملة-: حائط بالمدينة. (لسوقة (¬1) (¬2)): -بضم السين-؛ أي: لواحدٍ من الرعية، لم تعرف النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - (¬3). (قد عُذْتِ بمَعاذ): -بفتح الميم-؛ أي: بالذي يُستعاذ به. (رازقيِّين): تثنية رازقيٍّ، وهو ثوبُ كَتَّان أبيضُ. * * * باب: مَنْ قَالَ لاِمْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَقَالَ الْحَسَنُ: نِيَّتُهُ. وَقَالَ أَهْلُ الْعِلْم: إِذَا طَلَّقَ ثَلَاثًا، فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ، فَسَمَّوْهُ حَرَامًا بِالطَّلَاقِ وَالْفِرَاقِ، وَلَيْسَ هَذَا كَالَّذِي يُحَرِّمُ الطَّعَامَ؛ لأَنَّهُ لَا يُقَالُ لِطَعَامِ الْحِلِّ: حَرَامٌ، وَيُقَالُ لِلْمُطَلَّقَةِ: حَرَامٌ. وَقَالَ: في الطَّلَاقِ ثَلَاثًا: لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ. ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "كسوقة". (¬2) كذا في رواية أبي ذر الهروي، وفي اليونينية: "للسوقة"، وهي المعتمدة في النص. (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1062).

(إذا طلق ثلاثًا، فقد حَرُمَتْ عليه، فسمَّوه حرامًا): يعني: فإذا كانت الثلاث تحريمًا، كان التحريم ثلاثًا، وهذا غير ظاهر؛ لجواز أن يكون بينهما عموم وخصوص؛ كالحيوان والإنسان. وحاول ابن المنير الجواب عن البخاري: بأن الشرع عبر عن الغاية القصوى بالتحريم، وإنما يُشَبَّه الشيءُ بما هو أوضحُ منه، فدل ذلك على أن الذين كانوا لا يعلمون أن الثلاث محرِّمَة، ولا أنها الغاية، يعلمون أن التحريم هو الغاية، ولهذا بيَّن لهم أن الثلاثَ تُحَرِّمُ، فالمستدلُّ به في الحقيقة إنما هو الإطلاقُ مع السياق، وما من شأن العرب أن تعبر بالخاص عن العام. ولو قال القائل لإنسانٍ بين يديه يُعَرِّفُ بشأنه، ويُنبه على قدره: هذا حيوان؛ لكان متهكِّمًا مستخِفًّا. فإذا عبر الشرع عن الثلاث بأنها محرِّمَة، فلا يُحمل على التعبير عن الخاص بالعام؛ لئلا يكون ركيكًا، والشرعُ منزَّهٌ عن ذلك، فإذن هما سواء، لا عموم بينهما، ويدلُّ هذا (¬1) على أن التحريم كان أشهرَ عندهم بالغِلَظ والشدة من الثلاث، ولهذا فسره لهم به (¬2). قال: وهذا من لطيف الكلام، وأما كونُ التحريم قد (¬3) يقصر عن الثلاث، فذلك تحريم مقيَّدٌ، وأما المطلَق منه، فللثلاث، وفرقٌ بين ما يفهم (¬4) لدى الإطلاق، وبين ما يُفهم إلا بقيد. انتهى. ¬

_ (¬1) في "ع": "على هذا". (¬2) "به" ليست في "ع". (¬3) "قد" ليست في "ج". (¬4) "ما يفهم" ليست في "ج".

قلت: قوله: "وما من شأن العرب أن تعبر عن العام بالخاص (¬1) " مشكلٌ، اللهم إلا أن يريد: في بعض المقامات الخاصة، فيمكن، وسياقُ كلامه يُفهم ذلك عند التأمل. * * * 2483 - (5265) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ ابْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: طَلَّقَ رَجُلٌ أَمْرَأَتَهُ، فَتَزَوَّجَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ فَطَلَّقَهَا، وَكَانَتْ مَعَهُ مِثْلُ الْهُدْبَةِ، فَلَمْ تَصِلْ مِنْهُ إِلَى شَيْءٍ تُرِيدُهُ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ طَلَّقَهَا، فَأَتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ زَوْجِي طَلَّقَنِي، وَإِنِّي تَزَوَّجْتُ زَوْجًا غَيرَهُ، فَدَخَلَ بِي، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلَّا مِثلُ الْهُدْبَةِ، فَلَمْ يَقْرَبني إِلَّا هَنَةً وَاحِدَةً، لَمْ يَصِلْ مِنِّي إِلَى شَيْءٍ، فَأَحِلُّ لِزَوْجِي الأَوَّلِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَحِلِّينَ لِزَوْجِكِ الأَوَّلِ حَتَّى يَذُوقَ الآخَرُ عُسَيْلَتَكِ، وَتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ". (فلم يقربني إلا هنَةً واحدةً): قال الهروي: هي (¬2) بتخفيف النون وتشديدها، يكنى بها عن الشيء لا تذكره باسمه. وقال السفاقسي: أي: لم يطأها [إلا مرة (¬3)، يقال: هَنِيَ: إذا غَشِي امرأته (¬4). ¬

_ (¬1) في "ج": "عن الخاص بالعام". (¬2) "هي" ليست في "ع". (¬3) "مرة" ليست في "ج". (¬4) انظر: "التنقيح" (3/ 1063).

باب: {لم تحرم ما أحل الله لك} [التحريم: 1]

قلت: قولها: ولم يصلْ مني إلى شيء صريحٌ في أنه لم يطأها] (¬1) أصلًا، لا مرة، ولا فوقها، فيُحمل قولها: فلم يقربني إلا هنةً واحدة على أن معناه: فلم يُرد أن يقرب مني بقصد الوطء إلا مرة واحدة. * * * باب: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] 2484 - (5267) - حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: زَعَمَ عَطَاءٌ: أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بْنَةِ جَحْشٍ، وَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلًا، فَتَوَاصَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ: أَنَّ أَيَّتنَا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلْتَقُلْ: إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا، فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: "لَا، بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بْنَةِ جَحْشٍ، وَلَنْ أَعُودَ لَهُ". فَنَزَلَتْ: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} إِلَى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} [التحريم: 4]: لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ} [التحريم: 3]؛ لِقَوْلهِ: "بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا". (قال: لا بأسَ شربتُ عسلًا): قال الزركشي: صوابُه: "لا، بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا" (¬2). قلت: وما في الأصول صواب -أيضًا-، فلا وجه لهذا الاستدلال. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) المرجع السابق، الموضع نفسه.

2485 - (5268) - حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبي الْمَغْرَاءَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ الْعَسَل وَالْحَلْوَاءَ، وَكانَ إِذَا انْصَرَفَ مِنَ الْعَصْرِ، دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ، فَيَدْنوُ مِنْ إِحْدَاهُنَّ، فَدَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ، فَاحْتبَسَ أكثَرَ مَا كَانَ يَحْتَبِسُ، فَغِرْتُ، فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ، فَقِيلَ لِي: أَهْدَتْ لَهَا امْرَأةٌ مِنْ قَوْمِهَا عُكَّةً مِنْ عَسَلٍ، فَسَقَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهُ شَرْبَةً، فَقُلْتُ: أَمَا وَاللَّهِ! لنحْتَالَنَّ لَهُ، فَقُلْتُ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ: إِنَّهُ سَيَدْنُو مِنْكِ، فَإِذَا دَنَا مِنْكِ، فَقُولِي: أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ فَإِنَّهُ سَيقُولُ لَكِ: لَا، فَقُولِي لَهُ: مَا هَذِهِ الرِّيحُ الَّتِي أَجِدُ مِنْكَ؟ فَإِنَّهُ سَيقُولُ لَكِ: سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ، فَقُولِي لَهُ: جَرَسَتْ نحلُهُ الْعُرْفُطَ، وَسَأقُولُ ذَلِكَ، وَقُولِي أَنْتِ يَا صَفِيّةُ ذَاكِ. قَالَتْ: تَقُولُ سَوْدَةُ: فَوَاللَّهِ! مَا هُوَ إِلَّا أَنْ قَامَ عَلَى الْبَابِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أُبَادِيَهُ بِمَا أَمَرْتِنِي بِهِ فَرَقًا مِنْكِ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهَا، قَالَتْ لَهُ سَوْدَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ قَالَ: "لَا"، قَالَتْ: فَمَا هَذِهِ الرِّيحُ الَّتِي أَجِدُ مِنْكَ؟ قَالَ: "سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ"، فَقَالَتْ: جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ، فَلَمَّا دَارَ إِلَيَّ، قُلْتُ لَهُ نَحْوَ ذَلِكَ، فَلَمَّا دَارَ إِلَى صَفِيَّةَ، قَالَتْ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا دَارَ إِلَى حَفْصَةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَلَا أَسْقِيكَ مِنْهُ؟ قَالَ: "لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ". قَالَتْ: تَقُولُ سَوْدَةُ: وَاللَّهِ! لَقَدْ حَرَمْنَاهُ، قَلْتُ لَهَا: اسْكُتِي. (جَرَسَتْ نحلُه): -بفتح الجيم (¬1) والراء والسين المهملة-؛ أي: رعت. (العُرْفُط): -بضم العين المهملة والفاء وآخره طاء مهملة-: هو ¬

_ (¬1) في "ع": "قلت وما في الأصول صواب أيضًا بفتح الجيم"، وفي "ج": "صواب بفتح الجيم".

باب: الطلاق في الإغلاق والكره، والسكران والمجنون وأمرهما، والغلط والنسيان في الطلاق والشرك وغيره

شجرُ الطَّلْح، وله صمغٌ كريهُ الريحِ. (فأردت أن أُباديه): بالباء الموحدة في نسخة، [وبالمثناة التحتية بعد الدال مبدلة من همزة، على قياس التسهيل في مثلها، وفي نسخة] (¬1) بالنون؛ من النداء، فالمثناة أصلٌ لا بدل (¬2). * * * باب: الطَّلَاقِ في الإغْلَاقِ وَالْكُرْهِ، وَالسَّكْرَانِ وَالْمَجْنُونِ وَأَمْرِهِمَا، وَالْغَلَطِ وَالنِّسْيَانِ في الطَّلَاقِ وَالشِّرْكِ وَغَيْرِهِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى". وَتَلَا الشَّعْبِيُّ: {لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]. وَمَا لَا يَجُوزُ مَنْ إِقْرَارِ الْمُوَسْوِسِ. (الإغلاق): هو الإكراه، كأنه يُغلَق عليه البابُ، ويُضيق عليه حتى يُطلق. (النسيان في الطلاق والشرك): ويروى: "والشك"، وهو أشبه. (الموسوِس (¬3)): بكسر الواو لا غير، قاله القاضي (¬4). * * * 2486 - (5269) - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬2) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬3) في "ع": "الوسواس". (¬4) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 296).

عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ، أَوْ تَتَكَلَّمْ". قَالَ قتادَةُ: إِذَا طَلَّقَ في نفسِهِ، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ. (ما حدثت به أنفسَها): بالفتح على المفعولية، قال المطرزي: وأهلُ اللغة يقولون: "أنفسُها" -بالضم-؛ أي: بغير اختيارها (¬1). * * * 2487 - (5270) - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وهوَ في الْمَسْجدِ، فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ زَنَى، فَأَعْوَضَ عَنْهُ، فتَنَحَّى لِشِقِّهِ الَّذِي أَعْرضَ، فَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ، فَدَعَاهُ فَقَالَ: "هَلْ بِكَ جُنُونٌ؟ هَلْ أُحصِنْتَ؟ "، قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ بِالْمُصَلَّى، فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ، جَمَزَ حَتَّى أُدْرِكَ بِالْحَرَّةِ، فَقُتِلَ. (فقال: إنه قد زنى، فأعرض عنه): هذا الرجل هو ماعِزُ بنُ مالكٍ، ويقال: إن ماعزًا لقبٌ له، واسمه عُرَيبٌ، والتي وقع عليها هي فاطمةُ فتاةُ هَزَّال. (أذلقَتْه الحجارة): -بذال معجمة-؛ أي: أصابته بحدِّها، قاله الخطابي (¬2). و (¬3) قال ابن فارس: كلُّ محدَّدٍ مُذْلِقٌ، قال (¬4): والإذلاق: سرعةُ الرمي (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1064). (¬2) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 2035). وانظر: "التوضيح" (25/ 299). (¬3) الواو ليست في "ج". (¬4) "قال" ليست في "ع". (¬5) انظر: "مجمل اللغة" (ص: 360). وانظر: "التوضيح" (25/ 299).

(جَمَزَ): أي: أسرع هاربًا من القتل. * * * 2488 - (5271) - حَدَّثنا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ في الْمَسْجِدِ، فَنَاداهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ الأَخِرَ قَدْ زَنَى -يَعْنِي: نفسَهُ-، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَتَنَحَّى لِشِقِّ وَجْهِهِ الَّذِي أَعْرَضَ قِبَلَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ الأَخِرَ قَدْ زَنَى، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فتنَحَّى لِشِقِّ وَجْهِهِ الَّذِي أَعْرَضَ قِبَلَهُ، فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فتنَحَّى لَهُ الرَّابِعَةَ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نفسِهِ أَرْبَعَ شَهَاداتٍ، دَعَاهُ فَقَالَ: "هَلْ بِكَ جُنُونٌ؟ " قَالَ: لَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوه". وَكَانَ قَدْ أُحْصِنَ. (إن الأَخِر): بقصر الهمزة [وكسر الخاء هنا، قال القاضي: كذا رويناه عن كافة شيوخنا، وبعض المشايخ بمد الهمزة] (¬1)، وكذا روي عن الأصيلي في "الموطأ"، وهو خطأ، وكذا فتح الخاء خطأ، ومعناه: الأبعدُ عن الذَّمِّ، وقيل: الأرذَلُ. قال القاضي: ومثله في الحديث الآخر: "المَسْأَلَة أَخِرُ كَسْبِ الرَّجُلِ" مقصور أيضًا؛ أي: أَرْذَلُه وأَدْناه، وإن كان الخطابي قد رواه بالمد، وحملَه على ظاهره، وإن معناه: ما كنتم تقدرون على معيشة من غيرها، فلا تسألوا (¬2). ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 21).

باب: الخلع وكيف الطلاق فيه؟

باب: الْخُلْعِ وَكَيْفَ الطَّلَاقُ فِيهِ؟ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} إِلَى قَوْلِهِ: {الظَّالِمُونَ} [البقرة: 229]. وَأَجَازَ عُمَرُ الْخُلع دُونَ السُّلْطَانِ. وَأَجَازَ عُثْمَانُ الْخُلْعَ دُونَ عِقَاصِ رَأْسِهَا. وَقَالَ طَاوُس: {إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}: فِيمَا افْتَرَضَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ فِي الْعِشْرَةِ وَالصُّحْبَةِ، وَلَمْ يَقُلْ قَوْلَ السُّفَهَاءَ: لَا يَحِلُّ حَتَّى تَقُولَ: لَا أَغْتَسِلُ لَكَ مِنْ جَنَابَةٍ. (وأجاز عثمان الخُلُع دون عِقاصِ رأسها): يعني: أن يأخذ جميعَ مالها إلى أن لا (¬1) يترك لها إلا عقاصَ الرأس؛ كالقناع وشبهِه. (في العشرة والصحبة، ولم يقل قولَ السفهاء): يعني: أن طاوسًا لم يقل قولَ السفهاء: إن الخلعَ لا يحلُّ حتى تقولَ المرأة: لا أغتسل لك من جنابة؛ أي: تمنعُه أن يطأها (¬2)، بل أجاز الخلعَ إذا لم تقم المرأة وربما افتُرض عليها لزوجها في العشرة والصحبة. * * * 2489 - (5274) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءَ، عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ أُخْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ: بِهَذَا، وَقَالَ: "تَرُدِّينَ ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "إلا أن". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1065).

حَدِيقَتَهُ؟ "، قَالَتْ: نَعَمْ، فَرَدَّتْهَا، وَأَمَرَهُ يُطَلِّقْهَا. وَقَالَ إِبْرَاهيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَطَلِّقْهَا". (أن أختَ عبدِ الله بنِ أُبَيٍّ): وقع في "مختصر الاستيعاب": جميلةُ بنتُ أُبَيِّ ابنِ سلولَ امرأةُ ثابتِ بنِ قيسِ بنِ شَمَّاسٍ التي خالعته، وردَّتْ (¬1) حديقتَه، هكذا روى البصريون. قلت: عبارته مقتضيةٌ لأن أُبَيًّا ابنٌ لسلولَ، وليس كذلك. ثم قال: وخالفهم أهل المدينة، فقالوا: إنها حبيبةُ بنتُ سَهْلٍ، وكانت قبلَ ثابتٍ تحتَ حنظلةَ بنِ أبي عامرٍ الغسيلِ، ثم تزوجها بعدَ ثابتٍ مالكُ بنُ الدُّخْشُمِ، وبعد مالكٍ خُبيب بنُ أُسافٍ (¬2). قال أبو عُمر: وجائز (¬3) أن تكون حبيبةُ وجميلةُ اختلعتا من ثابتِ بنِ قيس (¬4). * * * 2490 - (5276) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ الْمُخَرِّمِيُّ، حَدَّثَنَا قُرَادٌ أَبُو نُوحٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ¬

_ (¬1) في "ع": "ووردت". (¬2) في "م": "أسياف". (¬3) في "ع": "عامر وجابر". (¬4) انظر: "الاستيعاب" (4/ 1809).

باب: شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - في زوج بريرة

ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما-، قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا أَنْقِمُ عَلَى ثَابِتٍ فِي دِينٍ وَلَا خُلُقٍ، إِلَّا أَنِّي أَخَافُ الْكُفْرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ "، فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَوَدَّتْ عَلَيْهِ، وَأَمَرَهُ فَفَارَقَهَا. (المُخَرِّمي): بضم الميم وفتح الخاء المعجمة والراء المشددة. * * * باب: شَفَاعَةِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في زَوج بَرِيرَةَ 2491 - (5283) - حَدَّثَنا مُحَمَدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا يَبْكِي وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَقَالَ النَبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِعَبَّاسٍ: "يَا عَبَّاسُ! أَلَا تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ، وَمِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا؟ ". فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ رَاجَعْتِهِ". قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! تأمُرُنِي؟ قَالَ:"إِنَّمَا أَنَا أَشْفَعُ". قَالَتْ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ. (قالت: يا رسول اللَّه! تأمرني؟ قال: إنما [أنا] أشفع): فيه تسويغُ الشفاعة من الحاكم عند الخصم في خصمه إذا ظهر حقه، وإشارته عليه بالصلح أو (¬1) الترك إذ سلمَ له القصدُ. ¬

_ (¬1) في "ج": "و".

باب: نكاح من أسلم من المشركات وعدتهن

باب: نِكَاحِ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ المُشْرِكَاتِ وعِدَّتِهِنَّ 2492 - (5287) - وَقَالَ عَطَاءٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَتْ قُرَيبَةُ بِنْتُ أَبِي أُمُيَّةَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَطَلَّقَهَا، فَتَزَوَّجَهَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ. وَكَانَتْ أُمُّ الْحَكَم بْنَةُ أَبِي سُفْيَانَ تَحْتَ عِيَاضِ بْنِ غَنْمٍ الْفِهْرِيِّ، فَطَلَّقَهَا، فتزَوَّجَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ الثَّقَفِي. (كانت قُريبة بنتُ أبي أُمَيَّة): بالتصغير فيهما. * * * باب: الظِّهار، وقَولِ اللهِ تَعَالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} إِلَى قَوْلِهِ: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 1 - 3] وَقَالَ لِي إِسْمَاعِيلُ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ: أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ ظِهَارِ الْعَبْدِ، فَقَالَ: نَحْوَ ظِهَارِ الْحُرِّ، قَالَ مَالِكٌ: وَصِيَامُ الْعَبْدِ شَهْرَانِ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ الْحُرِّ: ظِهَارُ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، مِنَ الْحُرَّةِ وَالأَمَةِ، سَوَاءٌ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: إِنْ ظَاهَرَ مِنْ أَمَتِهِ، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، إِنَّمَا الظِّهَارُ مِنَ النِّسَاءِ. وَفِي الْعَرَبِيَّةِ {لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3]: أَيْ: فِيمَا قَالُوا، وَفِي بَعْض: مَا قَالُوا، وَهَذَا أَوْلَى؛ لأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَدُلَّ عَلَى الْمُنْكَرِ وَقَوْلِ الزُّورِ. (وفي العربية: {لِمَا قَالُوا}؛ أي: فيما قالوا (¬1)): فجعل اللام بمعنى: في، وهو أحد محاملها على ما ذكره كثيرون. ¬

_ (¬1) "أي: فيما قالوا" ليست في "ع".

باب: الإشارة في الطلاق والأمور

(وفي بعض: ما قالوا): بالباء الموحدة والعين المهملة، وفي نسخة: بالنون والقاف. * * * باب: الإِشَارَةِ في الطَّلاقِ والأُمُورِ 2493 - (5295) - وَقَالَ الأُوَيْسِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ شُعْبَةَ ابْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: عَدَا يَهُودِيٌّ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى جَارِيَةٍ، فَأَخَذَ أَوْضَاحًا كَانَتْ عَلَيْهَا، وَرَضَخَ رَأْسَهَا، فَأَتَى بِهَا أَهْلُهَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهيَ فِي آخِرِ رَمَقٍ، وَقَدْ أُصْمِتَتْ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قتلَكِ؟ فُلَانٌ" -لِغَيْرِ الَّذِي قتلَهَا-، فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا: أَنْ لَا، قَالَ: فَقَالَ لِرَجُلٍ آخَرَ غَيْرِ الَّذِي قَتَلَهَا، فَأَشَارَتْ: أَنْ لَا، فَقَالَ: "فَفُلَانٌ؟ " -لِقَاتِلِهَا-، فَأَشَارَتْ: أَنْ نَعَمْ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَرُضخَ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ. (في آخر رَمَقٍ): الرمق: باقي النفس. (وقد أَصْمَتَتْ): يقال: أَصْمَتَ العليلُ: إذا اعْتُقِلَ لسانهُ (¬1)، وهمزتُه مفتوحة على أنه مبني للفاعل. * * * باب: اللِّعانِ 2494 - (5301) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ: قَالَ أَبُو حَازِمٍ: سَمِعْتُهُ مِنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ صاحِبِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: قَالَ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1068).

رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَذه مِنْ هَذه، أَوْ: كَهَاتَيْنِ"، وَقَرَنَ بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى. (بُعثت أنا والساعةِ): قال أبو البقاء: لا يجوزُ في "الساعة" إلا النصب على أنها مفعولٌ معه، والمرادُ بالمعية: المقاربة، ولو رُفعت، لفسد المعنى؛ إذ لا يقال: بُعثت الساعةُ (¬1). وجعل القاضي هذا الوجه الذي منعه أبو البقاء جائزًا حسنًا، بل ادعى أنه الأحسن (¬2). (كهاتين): في محل نصب على الحال؛ أي: مقترنين. قال القرطبي: فعلى النصب يكون [وجهُ التشبيه انضمامَ السبابة والوسطى، وعلى الرفع يُحتمل هذا، ويحتمل أن يكون] (¬3) وجه الشبه هو التفاوتَ الذي بين الأصبعين المذكورتين (¬4) في الطول (¬5). وفيه إشارةٌ إلى أنه آخر (¬6) الأنبياء، ليس بعده نبي، ولا يَلْحَقُ شرعَه (¬7) نسخٌ (¬8). ¬

_ (¬1) انظر: "إعراب الحديث" (ص: 110). (¬2) انظر: "التنقيح" (1069). (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬4) في "ج": "المذكورين". (¬5) انظر: "المفهم" للقرطبي (7/ 305). (¬6) في "ج": "أنه خاتم". (¬7) في "ع": "بشرعه". (¬8) انظر: "التنقيح" (3/ 1069).

باب: إذا عرض بنفي الولد

باب: إِذَا عَرَّضَ بنَفْيِ الوَلَدِ 2495 - (5305) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَجُلًا أتى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ! وُلِدَ لِي غُلَامٌ أَسْوَدُ، فَقَالَ: "هَلْ لَكَ مِنْ إبِلٍ؟ "، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "مَا ألوَانُهَا؟ "، قَالَ: حُمْرٌ، قَالَ: "هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟ "، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "فَأَنَّى ذَلِكَ؟ "، قَالَ: لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ، قَالَ: "فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ". (من أورقَ): غير منصرف، والأَوْرَقُ: هو الذي لونُه شبيهٌ (¬1) بالرماد (¬2). (لعل نزعَهُ عرقٌ): اسم "لعل" ضمير نصب محذوف، ومثله عندهم قليل، بل صرح (¬3) بعضهم بضعفه. * * * باب: قَولِ الإِمَامِ: اللَّهمَّ بَيِّنْ 2496 - (5316) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ قَالَ: ذُكِرَ الْمُتَلَاعِنَانِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ ¬

_ (¬1) في "ع": "شبه"، وفي "ج": "له شبه". (¬2) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬3) في "ج": "قليل وصرح".

عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ فِي ذَلِكَ قَوْلًا، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، فَقَالَ عَاصِمٌ: مَا ابْتُلِيتُ بِهَذَا الأَمْرِ إِلَّا لِقَوْلِي، فَذَهَبَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي وَجَدَ عَلَيْهِ امْرَأتهُ، وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُصْفَرًّا قَلِيلَ اللَّحْم سَبْطَ الشَّعَرِ، وَكَانَ الَّذِي وَجَدَ عِنْدَ أَهْلِهِ آدَمَ خَدْلًا كَثِيرَ اللَّحْمِ، جَعْدًا قَطَطًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ بَيِّنْ". فَوَضَعَتْ شَبِيهًا بِالرَّجُلِ الَّذِي ذَكَرَ زَوْجُهَا أَنَّهُ وَجَدَ عِنْدَهَا، فَلَاعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَهُمَا. فَقَالَ رَجُلٌ لاِبْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمَجْلِسِ: هِيَ الَّتِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ رَجَمْتُ أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، لَرَجَمْتُ هَذِهِ"؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا، تِلْكَ امْرَأةٌ كَانَتْ تُظْهِرُ السُّوءَ فِي الإسْلَامِ. (آدم): -بهمزة ممدودة (¬1) -؛ من الأُدْمَة، وهو السُّمْرَة. (خَدْلًا): بخاء معجمة مفتوحة فدال مهملة ساكنة، كذا لأكثرهم. وعند الأصيلي بكسر الدال (¬2)، وهو الممتلئ الساق. وحكى السفاقسي تخفيف اللام وتشديدها (¬3). (جَعْدًا): -بفتح الجيم وسكون العين-: ضد البسط. (قطَطًا): بفتح الطاء الأولى وكسرها. ¬

_ (¬1) في "ع": "مضمومة". (¬2) في "ع" و"ج": "اللام". (¬3) المرجع السابق، (3/ 1070).

كتاب العدة

كتاب العدة

باب: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} [الطلاق: 4]

كتاب العدة باب: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] 2497 - (5318) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ جَعْفَرِ ابْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ الأَعْرَجِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ زَيْنَبَ بْنَةَ أَبي سَلَمَةَ أَخبَرَتْهُ، عَنْ أُمِّهَا أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَسْلَمَ، يُقَالُ لَهَا: سُبَيْعَةُ، كَانَتْ تَحْتَ زَوْجِهَا، تُوُفِّيَ عَنْهَا وَهيَ حُبْلَى، فَخَطَبَهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ، فَأَبَتْ أَنْ تَنْكِحَهُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ! مَا يَصْلُحُ أَنْ تَنْكِحِيهِ حَتَّى تَعْتَدِّي آخِرَ الأَجَلَيْنِ، فَمَكُثَتْ قَرِيبًا مِنْ عَشْرِ لَيَالٍ، ثُمَّ جَاءَتَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "انْكِحِي". (يقال لها: سُبيعة، كانت تحت زوجها): هو سعدُ بنُ خولةَ الذي تُوفي بمكة بعد أن هاجر منها (¬1). * * * 2498 - (5320) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ ¬

_ (¬1) المرجع السابق، الموضع نفسه.

باب: قول الله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} [البقرة: 228]

ابْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ: أَنَّ سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّةَ نُفِسَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ، فَجَاءَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَاسْتَأْذَنَتْهُ أَنْ تَنْكِحَ، فَأَذِنَ لَهَا، فَنَكَحَتْ. (نُفست): -بضم النون-؛ أي: وَلَدَتْ. * * * باب: قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ فِيمَنْ تَزَوَّجَ فِي الْعِدَّةِ، فَحَاضَتْ عِنْدَهُ ثَلَاثَ حِيَضٍ: بَانَتْ مِنَ الأَوَّلِ، وَلَا تَحْتَسِبُ بِهِ لِمَنْ بَعْدَهُ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: تَحْتَسِبُ. وَهَذَا أَحَبُّ إِلَى سُفْيَانَ؛ يَعْنِي: قَوْلَ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ مَعْمَرٌ: يُقَالُ: أَقْرَأَتِ الْمَرْأَةُ: إِذَا دَنَا حَيْضُهَا، وَأَقْرَأَتْ: إِذَا دَنَا طُهْرُهَا، وَيُقَالُ: مَا قَرَأَتْ بِسَلًى قَطُّ: إِذَا لَمْ تَجْمَعْ وَلَدًا فِي بَطْنِهَا. (وقال معمر: يقال: أقرأت المرأة): معمر هذا أبو عبيدة معمرُ بنُ المثَنَّى. * * * باب: وقصَّةِ فَاطِمَةَ بنت قَيسٍ 2499 - (5325 و 5326) - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِم، عَنْ أَبِيهِ: قَالَ عُرْوَةُ ابْنُ الزُّبَيْرِ لِعَائِشَةَ: أَلَمْ تَرَيْنَ إِلَى فُلَانَةَ بِنْتِ الْحَكَم، طَلَّقَهَا زَوْجُهَا الْبَتَّةَ،

باب: قول الله تعالى: {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} [البقرة: 228]

فَخَرَجَتْ؟ فَقَالَت: بِئْسَ مَا صَنَعَتْ، قَالَ: أَلَمْ تَسْمَعِي فِي قَوْلِ فَاطِمَةَ؟ قَالَتْ: أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ لَهَا خَيْرٌ فِي ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ. وَزَادَ ابْنُ أَبي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ: عَابَتْ عَائِشَةُ أَشَدَّ الْعَيْبِ، وَقَالَتْ: إِنَّ فَاطِمَةَ كَانَتْ فِي مَكَانٍ وَحْشٍ، فَخِيفَ عَلَى نَاحِيِتِهَا، فَلِذَلِكَ أَرْخَصَ لَهَا النبي - صلى الله عليه وسلم -. (قالت: أما إنه ليس لها (¬1) خير في ذكر هذا الحديث): تعني عائشة -رضي اللَّه عنها-: أنه ليس لفاطمةَ بنتِ قيسٍ خيرٌ في ذِكْرِ حديثها؛ أي: في قولها: لا سُكنى لها ولا نفقةَ، وذلك أنها كانت في لسانها بذاءة على أحمائها، فلهذا نقلها (¬2) من عندهم، لا أنه قال: لا سكنى لها (¬3). (في مكان وَحْشٍ): -بإسكان الحاء المهملة-؛ أي: خلاء لا ساكنَ فيه (¬4). * * * باب: قَولِ الله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: 228] 2500 - (5331) - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قتادَةَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ: أَنَّ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ كَانَتْ أُخْتُهُ تَحْتَ رَجُلٍ، فَطَلَّقَهَا، ثُمَّ خَلَّى عَنْهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، ثُمَّ خَطَبَهَا، فَحَمِيَ مَعْقِلٌ ¬

_ (¬1) في "ع": "له". (¬2) في "ع": "نقله". (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1071). (¬4) انظر: "التوضيح" (25/ 534).

باب: الكحل للحادة

مِنَ ذَلِكَ أَنَفًا، فَقَالَ: خَلَّى عَنْهَا وَهْوَ يَقْدِرُ عَلَيْهَا، ثُمَّ يَخْطُبُهَا؟! فَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} [البقرة: 232]. إِلَى آخِرِ الآيَةِ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَرَأَ عَلَيْهِ، فتَرَكَ الْحَمِيَّةَ، وَاسْتَقَادَ لأَمْرِ اللَّهِ. [(فحَمِي): بفتح الحاء المهملة وكسر الميم. (مَعقِل): بفتح الميم وكسر القاف] (¬1). (فترك الحَمِيَّةَ، واستقادَ): أي: رجعَ إلى الحق، ولَانَ (¬2) وانقاد لأمر اللَّه. * * * باب: الْكُحْلِ لِلْحَادَّةِ (باب: الكحل للحادَّة): قال السفاقسي: صوابه: للحادِّ؛ مثل: طالقٍ، وحائض؛ لأنه نعت للمؤنث، لا يشركُه فيه المذكر (¬3). قلت: نصَّ الزمخشري وغيره على أنه إن قُصد في هذه الصفات معنى الحدوث، فالتاء لازمة؛ كحاضَتْ فهي حائضةٌ، وطلقت فهي طالقة، وقد يلحقها التاء، وإن لم يقصد الحدوث؛ كمرضعة، وحاملة، فيمكن أن يُمَشَّى كلامُ البخاري على ذلك. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬2) "ولان" ليست في "ع" و"ج". (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1075)، و"التوضيح" (25/ 571).

باب: مهر البغي والنكاح الفاسد

باب: مَهْرِ الْبَغِيِّ وَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَقَالَ الْحَسَنُ: إِذَا تَزَوَّجَ مُحَرَّمَةً وَهْوَ لَا يَشْعُرُ، فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَلَهَا مَا أَخَذَتْ، وَلَيْسَ لَهَا غَيْرُهُ، ثُمَّ قَالَ بَعْدُ: لَهَا صَدَاقُهَا. (وقال الحسن: إذا تزوج مَحْرَمَهُ): -بفتح الميم وسكون الحاء وفتح الراء والميم والهاء مضمومة ضمير غيبة-، يريد: ذات مَحْرَمٍ منه. [ومنهم من يجعلها اسمَ مفعول، فالحاء مفتوحة والراء مشددة مفتوحة أيضًا، والهاء للتأنيث] (¬1)، وهي رواية الأصيلي عن أبي زيد (¬2) (¬3). ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬2) في "ج": "يزيد". (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1076).

كتاب النفقات

كتاب النفقات

باب: وجوب النفقة على الأهل والعيال

كتاب النفقات باب: وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى الأَهْلِ والعِيَالِ 2501 - (5355) - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا تَرَكَ غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ". تَقُولُ الْمَرْأةُ: إِمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي، وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي، وَيَقُولُ الْعَبْدُ: أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي، وَيَقُولُ الابْنُ: أَطْعِمْنِي، إِلَى مَنْ تَدَعُنِي؟ فَقَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: لَا، هَذَا مِنْ كِيسِ أبي هُرَيْرَةَ. (من كيس أبي هريرة): -بكسر الكاف- يعني: أنه من كلام أبي هريرة نفسِه، لا مما سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -. * * * باب: خِدْمَةِ الرَّجُلِ في أَهْلِهِ 2502 - (5363) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرةَ، حَدَّثنا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَم بْنِ عُتَيْبةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: مَا كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصْنعُ فِي الْبَيْتِ؟ قَالَتْ: كَانَ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ، فَإِذَا سَمِعَ الأَذَانَ، خَرَجَ.

باب: حفظ المرأة زوجها في ذات يده والنفقة

(في مِهنة أهله): -بكسر الميم، وقد تفتح-، ومعناها: الخدمة. * * * باب: حِفْظِ المَرْأَةِ زَوجَهَا فِي ذَاتِ يَدِهِ والنَّفَقَةِ 2503 - (5365) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبيهِ، وَأَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإبِلَ نِسَاءُ قُرَيْشٍ". وَقَالَ: الآخَرُ: "صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ، أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ، وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ". (أحناه): من الحُنُوِّ، وهو العطفُ والشفقةُ. فإن قلت: القياسُ: أحناهُنَّ؛ إذ الضمير عائد على النساء، فما وجه التذكير؟ قلت: أعاده (¬1) باعتبار هذا الجنس (¬2)، أو الصنف، فذُكِّر. * * * باب: الْمَرَاضعِ مِنَ الْمُوَالِيَاتِ وَغَيْرِهِنَّ (باب: المراضع من المُوالِيات): -بضم الميم (¬3) وكسر اللام- جمع مُوالية: اسم فاعل من (¬4) والَتْ تُوالي. قال ابن بطال: كان الأقرب أن يقول: المواليات، جمع مَوْلاة (¬5) (¬6). ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "إعادته". (¬2) في "ج": "هذا القياس الجنس". (¬3) "بضم الميم" ليست في "ع". (¬4) "من" ليست في "ج". (¬5) في "ج": "جمع موالية". (¬6) انظر: "شرح ابن بطال" (7/ 551). وانظر: "التنقيح" (3/ 1078)، و"التوضيح" (26/ 62).

كتاب الأطعمة

كتاب الأطعمة

كتاب الأطعمة وقولِ اللَّه تعالى: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 57، 172]، و [الأعراف: 160]، و [طه: 81]. وقوله: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة: 267]. وقوله: {كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51]. (كتاب: الأطعمة، وقوله (¬1): {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ}: التلاوة: {أَنْفِقُوا} [البقرة: 267] (¬2). 2504 - (5373) - حَدَّثَنَا مُحَمَدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبي مُوسَى الأَشعَرِيِّ - رضي الله عنه -، عَنِ ¬

_ (¬1) في "ع": "وهو قوله". (¬2) كذا ذكره المؤلف هنا؛ أعني قوله تعالى: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ}، وكذا ذكره الزركشي في "التنقيح" (3/ 1079)، وابن الملقن في "التوضيح" (26/ 66). ونص البخاري: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ}. وقوله: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ}. قال الحافظ في "الفتح" (9/ 518): كذا في أكثر الروايات في الآية الثانية {أَنْفِقُوا}، على وفق التلاوة، ووقع في رواية النسفي {كُلُوا} بدل {أَنْفِقُوا}، وهكذا في بعض الروايات عن أبي الوقت، وفي قليل من غيرها وعليها شرح ابن بطال، وأنكرها، وتبعه من بعده حتى زعم عياض أنها كذلك للجميع، ولم أرها في رواية أبي ذر إلا على وفق التلاوة كما ذكرت، وكذا في نسخة معتمدة من رواية كريمة.

النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "أَطْعِمُوا الْجَائِعَ، وَعُودُوا الْمَرِيضَ، وَفُكُّوا الْعَانِيَ". قَالَ سُفْيَانُ: وَالْعَانِي: الأَسِيرُ. (وفُكُّوا (¬1) العاني): أي: وخَلِّصوا الأسيرَ. * * * 2505 - (5375) - وَعَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَصَابَنِي جَهْدٌ شَدِيدٌ، فَلَقِيتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَاسْتَقرَأْتُهُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، فَدَخَلَ دَارَهُ، وَفتحَهَا عَلَيَّ، فَمَشَيْتُ غَيْرَ بَعِيدٍ، فَخَرَرْتُ لِوَجْهِي مِنَ الْجَهْدِ وَالْجُوعِ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَائِم عَلَى رَأْسِي، فَقَالَ: "يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! "، فَقُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَأقامَنِي، وَعَرَفَ الَّذِي بِي، فَانْطَلَقَ بِي إِلَى رَحْلِهِ، فَأَمَرَ لِي بِعُسٍّ مِنْ لَبَنٍ، فَشَرِبْتُ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: "عُدْ يَا أَبَا هِرٍّ"، فَعُدْتُ فَشَرِبْتُ، ثُمَّ قَالَ: "عُدْ"، فَعُدْتُ فَشَرِبْتُ، حَتَّى اسْتَوَى بَطْنِي، فَصَارَ كَالْقِدْحِ، قَالَ: فَلَقِيتُ عُمَرَ، وَذَكَرْتُ لَهُ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِي، وَقُلْتُ لَهُ: تَوَلَّى اللَّهُ ذَلِكَ مَنْ كَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنْكَ يَا عُمَرُ، وَاللَّهِ! لَقَدِ اسْتَقْرَأْتُكَ الآيَةَ، وَلأَنَا أَقْرَأُ لَهَا مِنْكَ. قالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ! لأَنْ أَكُونَ أَدْخَلْتُكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي مِثْلُ حُمْرِ النَّعَمِ. (بعُسٍّ): -بضم العين وتشديد السين، وكلاهما مهمل-: هو القَدَحُ الضخمُ، وجمعه عِساسٌ (¬2). (حتى استوى بطني): أي: امتلأ من اللَّبَن. ¬

_ (¬1) في "ع": "أو فكوا". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1079).

باب: التسمية على الطعام، والأكل باليمين

(فصار كالقِدْح): -بكسر القاف-: سهمٌ بلا نَصْلٍ ولا قُذَذٍ، شَبَّهَ استواءَ بطنِه من الامتلاء (¬1) باستواءِ السَّهْم إذا قُوِّمَ (¬2). * * * باب: التَّسْمِيَةِ عَلَى الطَّعَامِ، والأَكْلِ باليَمينِ 2506 - (5376) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: الْوَليدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنِي: أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبَ بْنَ كيْسَانَ: أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ يَقُولُ: كُنْتُ غُلَامًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا غُلَامُ! سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ". فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ. (تَطيشُ): تَخِفُّ وتُسْرِع (¬3). (فما زالت تلك طِعمتي): -بكسر الطاء-؛ أي: صفةَ أكلي وتَطَعُّمي. * * * باب: مَنْ أَكَل حتَّى شَبِعَ 2507 - (5382) - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبيهِ، قَالَ: وَحَدَّثَ أَبُو عُثْمَانَ أَيْضًا، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما-، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثَلَاثِينَ وَمِائَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُمْ ¬

_ (¬1) "الامتلاء" ليست في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1079). (¬3) في "ج": "تخفف وأسرع".

باب: الخبز المرقق، والأكل على الخوان والسفرة

طَعَامٌ؟ ". فَإِذَا مَعَ رَجُلٍ صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ أَوْ نَحْوُهُ، فَعُجِنَ، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ مُشْعَانٌّ طَوِيلٌ، بِغَنَمِ يَسُوقُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَبَيْعٌ أَمْ عَطِيَّةٌ أَوْ قَالَ: هِبَةٌ؟ ". قَالَ: لَا، بَلْ بَيْعٌ، قَالَ: فَاشْتَرَى مِنْهُ شَاةً، فَصُنِعَتْ، فَأَمَرَ نبَيُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِسَوَادِ الْبَطْنِ يُشْوَى، وَايْمُ اللَّهِ! مَا مِنَ الثَّلَاثِينَ وَمِئَةٍ إِلَّا قَدْ حَزَّ لَهُ حُزَّةً مِنْ سَوَادِ بَطْنِهَا، إِنْ كَانَ شَاهِدًا، أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا، خَبَأَهَا لَهُ، ثُمَّ جَعَلَ فِيهَا قَصْعَتَيْنِ، فَأكلْنَا أَجْمَعُونَ، وَشَبِعْنَا، وَفَضَلَ فِي الْقَصْعَتَيْنِ، فَحَمَلْتُهُ عَلَى الْبَعِيرِ. أَوْ كَمَا قَالَ. (بسواد البطن يُشوى): يعني: الكَبِدَ وما تعلَّق بها. (حَزَّ له حُزَّةً): أي: قطعَ له قطعةً. * * * باب: الخُبزِ المُرَقَّقِ، والأَكْلِ على الخِوَانِ والسُّفْرَةِ 2508 - (5386) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ يُونُس، -قَالَ عَلِيٌّ: هُوَ الإِسْكَافُ-، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: مَا عَلِمْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَكَلَ عَلَى سُكْرُجَةٍ قَطُّ، وَلَا خُبِزَ لَهُ مُرَقَّق قَطُّ، وَلَا أَكَلَ عَلَى خِوَانٍ. قَيلَ لِقَتَادَةَ: فَعَلَى مَا كَانُوا يَأْكُلُونَ؟ قَالَ: عَلَى السُّفَرِ. (على سُكرُجة): -بضم السين والراء-، قال القاضي: كذا قيدناه. وعن الجواليقي: بضم السين والكاف وفتح التاء. وقال ابن مكي: صوابه بفتح الراء، وهي قِصاعٌ صغارٌ يؤكل فيها، وليست عربية، وكان الفُرسُ يستعملونها في الكواميخ ونحوها من الجَوارشات

على الموائد حول الأطعمة (¬1) للتشهِّي والهضم، فأَخبر أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لم يأكل على هذه الصفة قط (¬2). (على خُوان): -بضم الخاء وكسرها-، قال القاضي: وحكي أنه يقال: إخوان أيضًا، وهي المائدة المعدة لهذا (¬3). (قال: على السُّفَر): جمع سفرة: وهو ما يوضع عليها الطعام. وفي "المجمل": السُّفْرَةُ: الطعام الذي يُتَّخَذُ للمسافر، ومنه سميت الجِلْدَةُ سُفْرَةً (¬4)؛ يعني: من باب (¬5) تسمية المحلِّ باسم الحالِّ. * * * 2509 - (5387) - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِي حُمَيْدٌ: أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا يَقُولُ: قَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَبْنِي بِصَفِيَّةَ، فَدَعَوْتُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ، أَمَرَ بِالأَنْطَاعِ فَبُسِطَتْ، فَأُلْقِيَ عَلَيْهَا التَمْرُ وَالأَقِطُ وَالسَّمْنُ. وَقَالَ عَمْرٌو، عَنْ أَنَسٍ: بَنَى بِهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ. (يَبْني بصفيةَ): فيه ردٌّ على الجوهري في تخطئته لمن قال: بنى الرجل بأهله، ومثله بنى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬6). ¬

_ (¬1) في "ج": "على الأطعمة حول الموائد". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 215). وانظر: "التنقيح" (3/ 1081) وقد نقل عنه المؤلف كلام القاضي والجواليقي. (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 248). (¬4) انظر: "مجمل اللغة" (ص: 465). وانظر: "التنقيح" (3/ 1081). (¬5) "من باب" ليست في "ج". (¬6) وقد تقدم هذا التنبيه مرارًا.

2510 - (5388) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبيهِ، وَعَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، قَالَ: كَانَ أَهْلُ الشَّأْمِ يُعَيِّرُونَ ابْنَ الزُّبَيْرِ، يَقُولُونَ: يَا بْنَ ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ! فَقَالَتْ لَهُ أَسْمَاءُ: يَا بُنَيَّ! إِنَّهُمْ يُعَيِّرُونَكَ بِالنِّطَاقَيْنِ، هَلْ تَدْرِي مَا كَانَ النِّطَاقَانِ؟ إِنَّمَا كَانَ نِطَاقِي شَقَقْتُهُ نِصْفَيْنِ، فَأَوْكيْتُ قِرْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِأَحَدِهِمَا، وَجَعَلْتُ فِي سُفْرَتِهِ آخَرَ، قَالَ: فَكَانَ أَهْلُ الشَّأْمِ إِذَا عَيَّرُوهُ بِالنِّطَاقَيْنِ، يَقُولُ: إِيهًا وَالإلَهْ! تِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُهَا. (يعيرونك بالنطاقين): قال الزركشي: الأفصحُ تعديةُ "عيّر" بنفسه (¬1). قلت: الذي في "الصحاح": وعيره كذا؛ من التعيير، والعامة تقول: عيَّره بكذا (¬2). (هل تدري ما كان النطاقين؟): قال الزركشي: صوابه: "النطاقان" وربما يقع كذلك في بعض النسخ، والنطاق: ما يُشد به الوسَط (¬3). قلت: يحتمل أن يوجه (¬4) النصب بأن يجعل "ما" موصولة، لا استفهامية، و"النطاقين" بدل من الموصول على حذف مضاف؛ أي: شأنَ النطاقين، فأبدل الثاني من الأول بدلَ الكلِّ؛ لصدق الموصول على البدل، والمرادُ منهما شيء واحد. والمعنى: هل تدري الذي كان؟ هل تدري شأنَ النطاقين؟ [فحذف ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1082). (¬2) انظر: "الصحاح" (2/ 764)، (مادة: عير). (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1082). (¬4) في "ج": "يوجه له".

المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه؛ لدلالة الحال عليه. أو نقول: "النطاقين"] (¬1) مفعول تدري، و"ما كان" جملة ذاتُ استفهام مستفاد من "ما"، والضمير المستتر في (¬2) "كان" عائد على (¬3) الشأنِ المفهومِ من سياق الكلام؛ أي: هل تدري النطاقين أَيُّ شيءٍ كان الشأنُ فيهما؟ وقدمت جملة الاستفهام على المفعول؛ اعتناءً بشأنها. أو تقول: الأصل: هل تدري ما كان في النطاقين؟ فحذف الجار. (يقول: إيهًا): كلمة تستعمل في استدعاء الشيء، وقيل: هي للتصديق؛ كأنه قال: صدقتم، والمعروفُ الأولُ. * * * 2511 - (5389) - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ أُمَّ حُفَيْدٍ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ حَزْنٍ، خَالَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَهْدَتْ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - سَمْنًا وَأَقِطًا وَأَضُبًّا، فَدَعَا بِهِنَّ، فَأُكِلْنَ عَلَى مَائِدَتِهِ، وَتَرَكهُنَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - كالْمُسْتَقْذِرِ لَهُنَّ، وَلَوْ كُنَّ حَرَامًا، مَا أُكِلْنَ عَلَى مَائِدَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَا أَمَرَ بِأَكْلِهِنَّ. (أَن أُمُّ حُفَيْد): اسمها هُذَيْلَةُ بنتُ الحارثِ. (وأَضُبًّا): جمعُ ضَبٍّ؛ كفلس وأفلس (¬4)، جمع قِلَّة. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬2) "في" ليست في "ج". (¬3) "على" ليست في "ج". (¬4) كذا في إحدى نسخ "التنقيح" للزركشي، وفي أكثرها: "ككف وأكف".

باب: ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يأكل حتى يسمى له، فيعلم ما هو

(على مائدة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -): هذا لا يخالف ما سبق من نفي الخِوان؛ لأن المائدة: ما يوضع عليها الطعام صيانةً من الأرض؛ من سفرةٍ ومنديلٍ وشبههِما، لا الموائد (¬1) المعدة لذلك (¬2) التي يسمونها خِوانًا من خشبٍ وشبهه (¬3). * * * باب: مَا كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَا يَأْكُلُ حَتَّى يُسَمَّى لَهُ، فَيَعْلَمُ مَا هُوَ (باب: ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يأكل حتى يُسَمَّى له (¬4)، فيعلم ما هو): قال الزركشي: قد يُستشكل دخولُ (¬5) النافي على النافي. وجوابه: أن النفي الثاني مؤكِّد للأول (¬6). قلت: لا نسلم أن هنا نافيًا دخل (¬7) على نافٍ، بل (¬8) "لا" زائدة، لا نافية لفهم المعنى. أو نقول: إن "ما" مصدرية، لا نافية، و"باب" مضاف إلى هذا المصدر، فالتقدير: بابُ كونِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لا يأكل حتى يُسمى له، وهذا وجه حسنٌ لا غبار عليه. ¬

_ (¬1) في "ع": "لأن الموائد". (¬2) في "ع": "وكذلك"، وفي "ج": "لذلك والموائد". (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1083). (¬4) "له" ليست في "ع". (¬5) في "ج": "دخولنا". (¬6) المرجع السابق، (3/ 1084). (¬7) في "ع": "دخول". (¬8) في "ج": "على تأويل".

2512 - (5391) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ الأَنْصَارِيُّ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، الَّذِي يُقَالُ لَهُ: سَيْفُ اللَّهِ، أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى مَيْمُونة، وَهيَ خَالَتُهُ، وَخَالَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَوَجَدَ عِنْدَهَا ضَبًّا مَحْنُوذًا، قَدِمَتْ بِهِ أُخْتُهَا حُفَيْدَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ مِنْ نجدٍ، فَقَدَّمَتِ الضَّبَّ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَ قَلَّمَا يُقَدِّمُ يَدَهُ لِطَعَامٍ حَتَّى يُحَدَّثَ بِهِ ويُسَمَّى لَهُ، فَأَهْوَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ إِلَى الضَّبِّ، فَقَالَتِ امْرَأةٌ مِنَ النِّسْوَةِ الْحُضُورِ: أَخْبِرْنَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا قَدَّمْتُنَّ لَهُ، هُوَ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ عَنِ الضَّبِّ، فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: أَحَرَامٌ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "لَا، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي، فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ". قَالَ خَالِدٌ: فَاجْتَرَرْتُهُ فَأَكَلْتُهُ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْظُرُ إِلَيَّ. (ضَبًّا محنوذًا): -بحاء مهملة ونون وذال معجمة-؛ أي: مَشْوِيًّا في حَفِير الأرض. (من النسوة الحضور): قال السفاقسي وغيره: جاء به على معنى جمع (¬1) النسوة، فنعتَ عليه؛ كقوله تعالى: {مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا} [يس: 80] (¬2). (أَعافُه): مضارع عِفْتُ الشيءَ؛ أي: كَرِهْتُه. ¬

_ (¬1) "جمع" ليست في "ع". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1084).

باب: المؤمن يأكل في معى واحد

باب: المُؤْمِنِ يَأْكُلُ في مِعًى وَاحِدٍ 2513 - (5395) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، قَالَ: كَانَ أَبُو نَهِيكٍ رَجُلًا أكُولًا، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ الْكَافِرَ يَأكلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ". فَقَالَ: فَأَنَا أُومِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ. (كان أبو نَهِيك رجلًا (¬1) أَكولًا): -بفتح النون وكسر الهاء- على زنة طَريقٍ. (فقال له ابن عمر: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن الكافر يأكل في سبعة أَمعاءٍ، قال: وأنا أؤمن بالله ورسوله): ظاهرُ كلامِ ابنِ عمر - رضي الله عنه - حملُ الحديث على العموم، والجمهورُ على أن هذا خاصٌّ برجل واحد قَدِمَ على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد اختُلف فيه، فقيل: نَضْلَةُ بنُ (¬2) عمرو الغفارِيُّ، وقيل: أبو بَصرَة حُميلُ بنُ بَصْرَةَ (¬3) -بالحاء المهملة المضمومة (¬4) - الغفاريُّ أيضًا، حكى ذلك عبدُ الغني بنُ سعيدٍ الأزديُّ في "مبهماته (¬5) ". وفي "مبهمات" ابن بشكوال: أن الأكثر على أنه جَهْجاهٌ الغِفاريُّ، وقيل: [هو ثُمامَةُ بنُ أُثالٍ، ذكره ابن إسحاق، وقيل] (¬6): هو أبو غَزْوان (¬7). قالوا: وليس (¬8) ذلك على العموم؛ لأنا قد نجد مسلمًا أكثرَ أكلًا (¬9) ¬

_ (¬1) "رجلًا" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "أبو". (¬3) "حميل بن بصرة" ليست في "ع". (¬4) "المضمومة" ليست في "ج". (¬5) "في مبهماته" ليست في "ع". (¬6) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬7) انظر: "غوامض الأسماء المبهمة" (1/ 232). (¬8) "وليس" ليست في "ج". (¬9) "أكلًا" ليست في "ج".

باب: الأكل متكئا

من الكافر (¬1). وقيل (¬2): إنما ذلك تمثيل، وأراد -عليه السلام-: أن هِمَّةَ الكافر مصروفةٌ إلى ما يدخلُ جوفَه، والمؤمن هَمُّه دينُه، وقد وهبه الله القناعةَ (¬3). * * * باب: الأَكْلِ مُتَّكِئًا 2514 - (5398) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْم، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الأَقْمَرِ: سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا آكُلُ مُتَّكِئًا". (لا آكل مُتَّكِئًا): إذا أكلتُ (¬4)، لم أقعدْ متمكِّنًا فعلَ مَنْ يريدُ الاستكثار من الأكل، ولكن آكلُ العُلْقَةَ، فأقعدُ له مُسْتَوْفِزًا. وحمل بعضُهم الاتكاءَ على ميلِه على أحدِ الشِّقَّينِ. ثم قيل: تركَه لأنه من أفعال (¬5) المتكبرين، وقيل: تركَهُ من ناحية الطِّبِّ؛ لأنه إذا فعل (¬6) ذلك، لم ينحدرِ الطعامُ في مجاريه سَهْلًا، ولا يسيغه هنيًا وربما تأذَّى به (¬7). ¬

_ (¬1) في "ع": "الكفار". (¬2) "وقيل" ليست في "ج". (¬3) انظر: "التوضيح" (26/ 139). (¬4) في "ج": "إذا كانت". (¬5) في "ج": "الأفعال". (¬6) في "م": "فعله". (¬7) انظر: "التنقيح" (3/ 1085)، و"التوضيح" (26/ 149) وعندهما: "بلغة" بدل "العلقة".

باب: الخزيرة

باب: الْخَزِيرَةِ قَالَ النَّضْرُ: الْخَزِيرَةُ مِنَ النُّخَالَةِ، وَالْحَرِيرَةُ مِنَ اللَّبَنِ. (قال النَّضْر: الخزيزةُ من النخالة): يعني: بالخاء المعجمة والزاي، وقد تقدم في كتاب: الصلاة. وقال ابن فارس: الخزيرة: دقيقٌ يخلَط بشحم (¬1). وقال الجوهري: الخزيرة: لحم يقطَّعُ صِغارًا، ويصبُّ عليه ماءٌ كثير، فإذا نَضجَ، ذُرَّ عليه الدقيقُ، فإن لم يكن فيها لحمٌ، فهي عَصيدة (¬2). * * * باب: السِّلْقِ وَالشَّعِيرِ (السِّلْق): بكسر السين، وقد مر. * * * باب: النَّهْسِ وَانْتِشَالِ اللَّحْمِ (النَّهْش): -بالشين المعجمة والمهملة- بمعنى واحد عند الأصمعي (¬3). وقال غيره: هو بالمهملة: بمقدَّمِ الفم، وبالمعجمة: بالأَضْراس. 2515 - (5404) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما-، قَالَ: ¬

_ (¬1) انظر: "مجمل اللغة" (ص: 288). (¬2) انظر: "الصحاح" (2/ 644)، (مادة: خزر). (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1085).

باب: النفخ في الشعير

تَعَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَتِفًا، نُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. (تَعَرَّقَ رسولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - كَتِفًا): أي: أكلَ ما عليها (¬1)؛ مأخوذ من العروق؛ كأنه أكله بما عليه من العروق وغيرها، والكَتِف: بفتح الكاف وكسر التاء، ويخفف باسكان التاء، ويقال فيه أيضًا: -كِتْف -بكسر الكاف وإسكان التاء- (¬2). * * * 2516 - (5405) - وَعَنْ أَيُّوبَ وَعَاصِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: انْتَشَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَرْقًا مِن قِدْرٍ، فَأَكَلَ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. (انتشل النبي - صلى الله عليه وسلم - عَرْقًا): أي: أخذه قبل نُضْجه، واسمُ ذلك اللحم: النَّشِيلُ، والعَرْق -بفتح العين وسكون الراء-: العظم عليه اللحم (¬3). * * * باب: النَّفْخِ فِي الشَعير 2517 - (5410) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ: أَنَّهُ سَأَلَ سَهْلًا: هَل رَأَيْتُمْ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - النَّقِيَّ؟ قَالَ: لَا، فَقُلْتُ: كُنْتُمْ تَنْخُلُونَ الشَّعِيرَ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ كُنَّا نَنْفُخُهُ. (النَّقِيُّ): بفتح النون وكسر القاف وتشديد المثناة التحتية. ¬

_ (¬1) في "ج": "ما عليه". (¬2) المرجع السابق، (3/ 1085). (¬3) المرجع السابق، الموضع نفسه.

باب: ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه يأكلون

باب: مَا كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأَصْحَابُهُ يَأْكُلُونَ 2518 - (5411) - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَبَّاسٍ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَسَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا بَيْنَ أَصْحَابِهِ تَمْرًا، فَأَعْطَى كُلَّ إِنْسَانٍ سَبع تَمَرَاتٍ، فَأَعْطَانِي سَبع تَمَرَاتٍ، إِحْدَاهُنَّ حَشَفَةٌ، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِنَّ تَمْرَةٌ أَعْجَبَ إِلَيَّ مِنْهَا، شَدَّتْ فِي مَضَاغِي. (فأعطاني سبعَ): قال الزركشي: ورُوي بعد هذا: "خمسَ تمرات"، فإما أن يكون أحدهما وهمًا، أو وقع مرتين (¬1). قلت: حملُه على تعدُّد الواقعة، أولى من حمله على الوهم. (إحداهن حَشَفَة): الحَشَفُ: اليابسُ من التمر، وقيل: الرديء. (شَدَّتْ في مَضاغي): يحتمل أن يكون المراد: ما يُمضَغ به، وهو الأسنان، ويحتمل أن يراد به المضغُ نفسُه، ومِضاغي: -بكسر الميم-، وعند الأصيلي بفتحها، وهو الطعام يمضغ (¬2). * * * 2519 - (5412) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: رَأَيْتُنِي سَابعَ سَبْعَةٍ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، مَا لَنَا طَعَامٌ إِلَّا وَرَقُ الْحُبْلَةِ، أَوِ الْحُبُلَةِ، حَتَّى يَضَعَ أَحَدُنَا مَا تَضَعُ الشَّاةُ، ثُمَّ أَصْبَحَتْ بَنُو أَسَدٍ تُعَزَرُنِي عَلَى الإسْلَامِ، خَسِرْتُ إِذًا وَضَلَّ سَعْيِي. ¬

_ (¬1) انظر: المرجع السابق، (3/ 1086). (¬2) المرجع السابق، الموضع نفسه.

باب: التلبينة

(إلا ورقُ الحُبْلَة أو الحُبُلة): الأول بضم الحاء (¬1) المهملة وسكون الباء، والثاني بضمهما (¬2) معًا، والمراد: ورقُ السَّمُر. (حتى يضعَ أحدُنا ما تضعُ الشاة): يريد: أن أحدهم كان إذا قضى حاجة الإنسان، ألقى شيئًا كالبَعْر الذي تُلقيه الشاة. * * * 2520 - (5414) - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ شَاةٌ مَصْلِيَّةٌ، فَدَعَوْهُ، فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الدُّنْيَا وَلَمْ يَشْبَعْ مِنَ الْخُبْزِ الشَّعِيرِ. (شاة مَصْلِيَّة): -بفتح الميم- اسمُ مفعول، وأصلها مَصْلُويَةٌ، اجتمعت واو وياء، وسُبقت إحداهما (¬3) بالسكون، فقلبت الواو ياء، وأدغمت في الياء. * * * باب: التَّلْبِينَةِ 2521 - (5417) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ مِنْ أَهْلِهَا، فَاجْتَمَعَ لِذَلِكَ النِّسَاءُ، ثُمَّ تَفَرَّقْنَ، إِلَّا أَهْلَهَا وَخَاصَّتَهَا، أَمَرَتْ بِبُرْمَةٍ مِنْ تَلْبِينَةٍ، فَطُبِخَتْ، ثُمَّ صُنِعَ ثَرِيدٌ، فَصُبَّتِ ¬

_ (¬1) في "ع": "بضم الميم الحاء". (¬2) في "ع": "والثاني بضم الحاء المهملة وسكون الباء والثاني بضمها". (¬3) في "ع": "إحداها".

باب: الشاة المسموطة والكتف والجنب

التَّلْبِينَةُ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: كُلْنَ مِنْهَا؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "التَّلْبِينَةُ مَجمَّةٌ لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ، تَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ". (التَّلْبينة): حَساء يُعمل من دقيقِ النخالة. (مَجِمة): -بفتح الميم (¬1) وكسر الجيم- مَفْعِلَة، وبضم الميم وكسر الجيم، اسمُ فاعل من أَجَمَّه؛ أي: إنها تُريحه، وتَذهب ببعض حزنه (¬2). * * * باب: الشِّاةِ المَسْمُوطَةِ والكَتِفِ والجَنْبِ 2522 - (5421) - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كُنَّا نأْتِي أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، وَخَبَّازُهُ قَائِمٌ، قَالَ: كُلُوا، فَمَا أَعْلَمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى رَغِيفًا مُرَقَّقًا حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ، وَلَا رَأَى شَاةً سَمِيطًا بِعَيْنِهِ قَطُّ. (ولا رأى شاةً سَميطًا): أي: مَسْمُوطة، وهي (¬3) الشاةُ التي يُنتف شعرُ جلدِها، ثم تُشوى، وهو مَأْكَلُ المترفِّهين (¬4)؛ وإنما كانت عادتهم أن يأخذوا جلدَ الشاة، وينتفعوا به، ثم (¬5) بعد ذلك يشوونها. ¬

_ (¬1) في "ع": "الجيم". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1087)، و"التوضيح" (26/ 176) وعندهما: "بفتح الميم والجيم" بدل "وكسر الجيم". (¬3) في "ج": "أي مسموطة، أي وهي". (¬4) في "ج": "المترفين". (¬5) في "ج": "ينتفعوا بها".

باب: الحيس

باب: الحَيْسِ 2523 - (5425) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ: أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَبِي طَلْحَةَ: "الْتَمِسْ غُلَامًا مِنْ غِلْمَانِكُمْ يَخْدُمُنِي". فَخَرَجَ بِي أَبُو طَلْحَةَ يُرْدِفُنِي وَرَاءَهُ، فَكُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كُلَّمَا نَزَلَ، فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ". فَلَمْ أَزَلْ أَخْدُمُهُ حَتَّى أَقْبَلْنَا مِنْ خَيْبَرَ، وَأَقْبَلَ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ قَدْ حَازَهَا، فَكُنْتُ أَرَاهُ يُحَوِّي وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ أَوْ بِكِسَاءِ، ثُمَّ يُرْدِفُهَا وَرَاءَهُ، حَتَّى إذَا كُنَّا بِالصَّهْبَاءَ، صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَدَعَوْتُ رِجَالًا فَأَكَلُوا، وَكَانَ ذَلِكَ بِنَاءَهُ بِهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى إِذَا بَدَا لَهُ أُحُدٌ، قَالَ: "هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ". فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ، قَالَ: "اللَّهُمَّ إنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا، مِثْلَ مَا حَرَّمَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مُدِّهِمْ وَصَاعِهِمْ". (وضَلَعِ الدين): -بفتح الضاد المعجمة واللام-: ثِقلِه. * * * باب: ذِكْرِ الطَّعَامِ 2524 - (5427) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِ

باب: الأدم

الَّذِي يَقْرأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الأُتْرُجَّةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ، وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، كَمَثَلِ التَّمْرَةِ، لَا رِيحَ لَهَا، وَطَعْمُهَا حُلْوٌ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الرَّيْحَانَةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ، وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ، لَيْسَ لَهَا رِيحٌ، وَطَعْمُهَا مُرٌّ". (كمثل الأُتْرُنْجَة): كذا وقع هنا، والمعروفُ: "أترُجَّة": -بجيم مشددة من غير نون-، قال الجوهري: وحكى أبو زيد: تُرُنْجَة (¬1). * * * 2525 - (5429) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ، يَمْنعُ أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ، فَإِذَا قَضَى نَهْمَتَهُ مِنْ وَجْهِهِ، فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ". (نَهْمَتَه): -بفتح النون وسكون الهاء-؛ أي: حاجَتَه. قال ابن التين: وضبطناه أيضًا بكسر النون (¬2) (¬3). * * * باب: الأُدْمِ 2526 - (5430) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ رَبِيعَةَ: أَنَّهُ سَمِعَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ: كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلَاثُ ¬

_ (¬1) انظر: "الصحاح" (1/ 301)، (مادة: ترج). (¬2) "النون" ليست في "م". (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1088).

باب: الحلوى والعسل

سُنَنٍ: أَرَادَتْ عَائِشَةُ أَنْ تَشْتَرِيَهَا فتُعْتِقَهَا، فَقَالَ أَهْلُهَا: وَلَنَا الْوَلَاءُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "لَوْ شِئْتِ شَرَطْتِيهِ لَهُمْ، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ". قَالَ: وَأُعْتِقَتْ، فَخُيِّرَتْ فِي أَنْ تَقِرَّ تَحْتَ زَوْجِهَا، أَوْ تُفَارِقَهُ. وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا بَيْتَ عَائِشَةَ، وَعَلَى النَّارِ بُرْمَة تَفُورُ، فَدَعَا بِالْغَدَاءَ، فَأُتِيَ بِخُبْزٍ وَأُدْمٍ مِنْ أُدْمِ الْبَيْتِ، فَقَالَ: "أَلَمْ أَرَ لَحْمًا؟ "، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَكِنَّهُ لَحْمٌ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ، فَأَهْدَتْهُ لَنَا، فَقَالَ: "هُوَ صَدَقَة عَلَيْهَا، وَهَدِيَّةٌ لَنَا". (فخُيِّرَتْ في أن تَقَرَّ تحتَ زوجها): بكسر القاف وفتحها، والراء مشددة، تقول: قَرِرْتُ بالمكان، بكسر الراء أَقَرُّ بفتح القاف، وقَرَرْتُ بفتح الراء، أَقِرُّ بكسر القاف (¬1). * * * باب: الحَلْوَى والعَسَلِ 2527 - (5431) - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، عَنْ أَبي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: أَخْبَرني أَبي، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ. (يحب الحلواءَ والعسلَ): الحلواء -بالمد والقصر-: كلُّ حُلْوٍ يؤكَل، قال الخطابي: لا يقع إلا على ما دخلَتْه الصنعةُ (¬2). ¬

_ (¬1) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬2) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 2053).

2528 - (5432) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي الْفُدَيْكِ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كُنْتُ أَلْزَمُ النَبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لِشِبْعِ بَطْنِي، حِينَ لَا آكُلُ الْخَمِيرَ، وَلَا أَلْبَسُ الْحَرِيرَ، وَلَا يَخْدُمُنِي فُلَانٌ وَلَا فُلَانَةُ، وَألصِقُ بَطْنِي بِالْحَصْبَاءَ، وَأَسْتَقْرِئُ الرَّجُلَ الآيَةَ، وَهيَ مَعِي؛ كَيْ يَنْقَلِبَ بِي فَيُطْعِمَنِي. وَخَيْرُ النَّاسِ لِلْمَسَاكِينِ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، يَنْقَلِبُ بِنَا، فَيُطْعِمُنَا مَا كَانَ فِي بَيْتِهِ، حَتَّى إِنْ كَانَ لَيُخْرِجُ إِلَيْنَا الْعُكَّةَ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ، فَنَشْتَقُّهَا، فَنَلْعَقُ مَا فِيهَا. (لشِبعْ بطني): -بكسر الشين المعجمة وإسكان الباء الموحدة-: [ما يُشبع، وأما -بفتح الموحدة] (¬1): فمصدر. (ونَشْتَفُّها): -بالشين المعجمة والفاء-، هكذا ضبطوه، ويروى بالقاف، ورجَّحه السفاقسي بأن الاشتفاف (¬2): هو أن تشرب ما في الإناء، ولا تُبقي شيئًا، وقد ذكر في الحديث: "أنه كان يخرج العكة ليس فيها شيء" فكيف يستشفونها (¬3)؟ نعم، إذا شَقُّوها، لعقوا (¬4) ما فيها (¬5). * * * باب: الدُّبَّاءَ 2529 - (5433) - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) "بأن الاشتفاف" ليست في "ج". (¬3) في "ع" و"ج": "يسفونها". (¬4) في "ج": "إذا اشتقوا ألعقوا". (¬5) انظر: "التنقيح" (3/ 1089) وعنده: "شفوها ولعقوا" بدل "شقوها لعقوا".

باب: القثاء بالرطب

ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ أَنسٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَتَى مَوْلًى لَهُ خَيَّاطًا، فَأُتِيَ بِدُبَّاءٍ، فَجَعَلَ يَأْكُلُهُ، فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّهُ مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْكُلُهُ. (فأتي بدُبَّاءٍ): -بالمد-: اليَقْطِينُ، وحُكي فيه القصر، وهل همزته أصلية، أو زائدة، أو منقلبة؟ فيه خلاف (¬1). * * * باب: القِثَّاءِ بالرُّطَبِ 2530 - (5440) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبي طَالِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما-، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَأْكُلُ الرُّطَبَ بِالْقِثَّاءِ. [(بالقِثَّاء): على زنة فِعَّال -بكسر القاف وتشديد المثلثة-، والهمزة أصلية] (¬2). * * * باب: الرُّطَبِ والتَّمْرِ 2531 - (5443) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبي رَبِيعَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما-، قَالَ: كَانَ بِالْمَدِينَةِ يَهُودِيٌّ، وَكَانَ يُسْلِفُنِي فِي تَمْرِي إِلَى الْجِدَادِ، وَكَانَتْ لِجَابِرٍ الأَرْضُ الَّتِي ¬

_ (¬1) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ج".

بِطَرِيقِ رُومَةَ، فَجَلَسَتْ، فَخَلَا عَامًا، فَجَاءَنِي الْيَهُودِيُّ عِنْدَ الْجَدَادِ، وَلَمْ أَجُدَّ مِنْهَا شَيْئًا، فَجَعَلْتُ أَسْتَنْظِرُهُ إِلَى قَابِلٍ، فَيَأْبَى، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: "امْشُوا نستَنْظِرْ لِجَابِرٍ مِنَ الْيَهُودِيِّ". فَجَاؤؤنِي فِي نَخْلِي، فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُكَلِّمُ الْيَهُودِيَّ، فَيَقُولُ: أَبَا الْقَاسِمِ! لَا أُنْظِرُهُ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، قَامَ فَطَافَ فِي النَّخْلِ، ثُمَّ جَاءَهُ فَكَلَّمَهُ، فَأَبَى، فَقُمْتُ فَجئْتُ بِقَلِيلِ رُطَبٍ، فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَكَلَ، ثُمَّ قَالَ: "أَيْنَ عَرِيشُكَ يَا جَابِرُ؟ "، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: "افْرُشْ لِي فِيهِ"، فَفَرَشْتُهُ، فَدَخَلَ فَرَقَدَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ، فَجئتهُ بِقَبْضَةٍ أخرَى، فَأَكَلَ مِنْهَا، ثُمَّ قَامَ فَكَلَّمَ الْيَهُودِيَّ، فَأَبَى عَلَيْهِ، فَقَامَ فِي الرِّطَابِ فِي النَّخْلِ الثَّانِيَةَ، ثُمَّ قَالَ: "يَا جَابِرُ! جُدَّ وَاقْضِ". فَوَقَفَ فِي الْجَدَادِ، فَجَدَدْتُ مِنْهَا مَا قَضَيْتُهُ، وَفَضَلَ مِنْهُ، فَخَرَجْتُ حَتَّى جِئْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَبَشَّرْتُهُ، فَقَالَ: "أَشْهَدُ أنِّي رَسُولُ اللَّهِ". (فجلست فخلا عامًا): أكثرُ الرواة على أن "جلست" -بالجيم- من الجلوس، "وخلا" من [الخلو. وعند أبي الهيثم: "فخاسَتْ نخلُها عامًا". وعند الأصيلي: "فحبست". وصوب القاضي رواية أبي] (¬1) الهيثم؛ أي: خالفَتْ معهودَ حملِها، يقال: خاسَ الشيءُ إذا تَغَيَّرَ؛ أي: فتغيرَ نخلُها عما كانَ عليه (¬2). ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 151). وانظر: "التنقيح" (3/ 1090).

باب: العجوة

باب: العَجْوَةِ 2532 - (5445) - حَدَّثَنَا جُمْعَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ، أَخْبَرَنَا هَاشِمُ بْنُ هَاشِمٍ: أَخْبَرَنَا عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ تَصَبَّحَ كُلَّ يَوْمٍ سَبع تَمَرَاتٍ عَجْوَةً، لَمْ يَضُرُّهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ سُمٌّ وَلَا سِحْرٌ". (من تَصَبَّحَ): أي: أَكلَ صباحًا قبل أن يَطْعَمَ شيئًا. (بسبع (¬1) تمرات عجوة): بالإضافة وتركها (¬2)، و (¬3) على تقديرِ تركِ الإضافة، فلكَ جَرُّ "عَجْوَةٍ" على أنه عطف بيان، ونصبُه على أنه تمييز. * * * باب: القِرَانِ في التَّمْرِ 2533 - (5446) - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا جَبَلَةُ بْنُ سُحَيْم، قَالَ: أَصَابَنَا عَامُ سَنَةٍ مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ رَزَقَنَا تَمْرًا، فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَمُرُّ بِنَا وَنَحْنُ نَأْكُلُ، وَيَقُولُ: لَا تُقَارِنوُا؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الْقِرَانِ، ثُمَّ يَقُولُ: إِلَّا أَنْ يَسْتَأْذِنَ الرَّجُلُ أَخَاهُ. قَالَ شُعْبَةُ: الإذْنُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ. [(أصابنا عامُ سنةٍ): برفع "عام"، وإضافته إلى "سنة"، والمراد بها: الجَدْبُ] (¬4). ¬

_ (¬1) نص البخاري: "سبع". (¬2) في "م": "وتركها جمع". (¬3) الواو ليست في "ج". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ج".

باب: من أدخل الضيفان عشرة عشرة، والجلوس على الطعام عشرة عشرة

باب: مَنْ أَدْخَلَ الضِّيفَانَ عَشَرَةً عَشَرَةً، وَالْجُلُوسِ عَلَى الطَّعَامِ عَشَرَةً عَشَرَةً (الضِّيفان): -بكسر الضاد المعجمة-: جمعُ ضَيْف. 2534 - (5450) - حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الْجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَنسٍ. وَعَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنسٍ. وَعَنْ سِنَانٍ أَبِي رَبِيعَةَ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ أُمَّهُ عَمَدَتْ إِلَى مُدٍّ مِنْ شَعِيرٍ جَشَّتْهُ، وَجَعَلَتْ مِنْهُ خَطِيفَةً، وَعَصَرَتْ عُكَّةً عِنْدَهَا، ثُمَّ بَعَثَتْنِي إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَتَيْتُهُ وَهْوَ فِي أَصْحَابِهِ، فَدَعَوْتُهُ، قَالَ: "وَمَنْ مَعِي"، فَجئْتُ فَقُلْتُ: إِنَّهُ يَقُولُ: وَمَنْ مَعِي؟ فَخَرَجَ إِلَيْهِ أَبُو طَلْحَةَ، قَالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّمَا هُوَ شَيْء صَنَعَتْهُ أُمُّ سُلَيْمٍ، فَدَخَلَ، فَجيءَ بِهِ، وَقَالَ: "أَدْخِلْ عَلَيَّ عَشَرَةً"، فَدَخَلُوا فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ قَالَ: "أَدْخِلْ عَلَيَّ عَشَرَةً"، فَدَخَلُوا فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ قَالَ: "أَدْخِلْ عَلَيَّ عَشَرَةً". حَتَّى عَدَّ أَرْبَعِينَ، ثُمَّ أَكَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَامَ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ هَلْ نَقَصَ مِنْهَا شَيْءٌ؟ (جَشَّتْه (¬1)): أي: طحنته طَحْنًا جَريشًا غيرَ دقيقٍ. (وجعلتْ منه خَطيفةً): هي لبن يُطبخ بدقيق، ويُجتذب بالملاعق بسرعة (¬2). ¬

_ (¬1) "جشته" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "يسرعه"، وفي "م": "سرعة".

باب: الكباث، وهو ورق الأراك

باب: الكَبَاثِ، وهوَ وَرَقُ الأَرَاكِ 2535 - (5453) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَرِّ الظَّهْرانِ نَجْنِي الْكَبَاثَ، فَقَالَ: "عَلَيْكُمْ بِالأَسْوَدِ مِنْهُ؛ فَإِنَّهُ أَيْطَبُ". فَقَالَ: أَكُنْتَ تَرْعَى الْغَنَمَ؟ قَالَ: "نَعَمْ، وَهَلْ مِنْ نبَيٍّ إِلَّا رَعَاهَا؟! ". (الكَباث): -بفتح الكاف وآخره مثلثة- وَرَقُ الأَراك، وقال القاضي: ثَمَرُ الأَراك قبلَ نُضْجِه (¬1). (فإنه أَيْطَب (¬2)): على القلب من أَطْيب، فوزنه على هذا: أَعْفَل. * * * باب: لَعْقِ الأَصَابِعِ ومَصِّها قَبْلَ أَنْ تُمْسَحَ بالمِنْدِيلِ 2536 - (5456) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ، فَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا أَوْ يُلْعِقَهَا". (حتى يَلْعَقَها): أي: هو بنفسِه. (أو يُلْعِقَها): أي: يجعلَ غيرَه يلعقَها، الأولُ ثلاثي، والثاني رباعي، ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 333). وانظر: "التنقيح" (3/ 1092). (¬2) في "ع": "فإنه أطيب".

باب: ما يقول إذا فرغ من طعامه

وقد جاءت علةُ هذا مبينةً في بعض الروايات: "فَإِنَّهُ لا يَدْرِي في أَيِّ طَعَامِهِ البَرَكَةُ" (¬1). قيل: وقد يُعلَّل بأن مسحَها قبلَ ذلك فيه زيادةُ تلويثٍ لما يُمسح به من (¬2) الاستغناء عنه بالريق، لكن إذا صحَّ الحديثُ بالتعليل (¬3)، لم يُعْدَلْ عنه. * * * باب: مَا يَقُولُ إِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ 2537 - (5458) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ خَالِدِ ابْنِ مَعْدَانَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ: أَنَّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ، قَالَ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلَا مُوَدَّعٍ وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ، رَبَّنَا". (غيرَ مَكْفِيٍّ): بفتح الميم وسكون الكاف وكسر الفاء وتشديد المثناة التحتية، والمراد: الطعام. ويُروى: "غَيْرَ مُكْفَأٍ"؛ أي: غيرَ مقلوب؛ لعدمه، أو الاستغناء عنه. (ولا مُوَدَّعٍ): أي (¬4): غيرَ متروكِ الطلبِ إليه، والرغبةِ له. (ربنا): بالنصب، ووجهه ظاهر. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2033). (¬2) "من" ليست في "ج". (¬3) في "ع" و"ج": بالتعديل. (¬4) "أي" ليست في "ج".

باب: الأكل مع الخادم

وعند الأصيلي بالرفع، على أنه خبر؛ أي: أنت ربُّنا. قيل: ويجوز فيه الجرُّ على البدل من اسم اللَّه في قوله أول الكلام: "الحمدُ للَّهِ". وقال السفاقسي: [بدلٌ من الضمير في "عنه"] (¬1) (¬2). * * * 2538 - (5459) - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ، وَقَالَ مَرَّةً: إِذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ، قَالَ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفَانَا وَأَرْوَانَا، غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلَا مَكْفُورٍ". وَقَالَ مَرَّةً: "الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبَّنَا، غَيْرَ مَكْفِي وَلَا مُوَدَّعٍ وَلَا مُسْتَغْنًى، رَبَّنَا". (ولا مكفورٍ): أي: بل هو مشكورٌ على نِعَمِه، وأصلُ الكُفْرِ: السَّتْرُ. * * * باب: الأَكلِ مَعَ الخَادِمِ 2539 - (5460) - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدٍ -هُوَ ابْنُ زِيَادٍ-، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ، فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ، فَلْيُنَاوِلْهُ أُكْلَةً أَوْ أُكْلَتَيْنِ، أَوْ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ؛ فَإِنَّهُ وَلِيَ حَرَّهُ وَعِلَاجَهُ". ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1093).

باب: قوله تعالى: {فإذا طعمتم فانتشروا} [الأحزاب: 53]

(أُكلة أو أُكُلتين): -بضم الهمزة- يعني: اللُّقمة، وأما بفتحها، فهو بمعنى المرة الواحدة مع الاستيفاء، وليس هذا (¬1) بمرادٍ هنا (¬2). * * * باب: قولِهِ تعالى: {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا} [الأحزاب: 53] 2540 - (5466) - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ أَنَسًا قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِالْحِجَابِ، كَانَ أُبَيُّ بْنُ كعْبٍ يَسْأَلُنِي عَنْهُ: أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَرُوسًا بِزَيْنَبَ بْنَةِ جَحْشٍ، وَكَانَ تَزَوَّجَهَا بِالْمَدِينَةِ، فَدَعَا النَّاسَ لِلطَّعَامِ بَعْدَ ارْتفَاعِ النَّهَارِ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَجَلَسَ مَعَهُ رِجَالٌ بَعْدَ مَا قَامَ الْقَوْمُ، حَتَّى قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَمَشَى وَمَشَيْتُ مَعَهُ، حَتَّى بَلَغَ بَابَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، ثُمَّ ظَنَّ أَنَّهُمْ خَرَجُوا، فَرَجَعْتُ مَعَهُ، فَإِذَا هُمْ جُلُوسٌ مَكَانَهُمْ، فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ الثَّانِيَةَ، حَتَّى بَلَغَ بَابَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ، فَإِذَا هُمْ قَامُوا، فَضَرَبَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ سِتْرًا، وَأُنْزِلَ الْحِجَابُ. [(وأصبح رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عَروسًا): العَروسُ وَصْفٌ يستوي فيه الرجلُ والمرأةُ، يقع عليها مدةَ بناءِ الرجل بها] (¬3) (¬4). ¬

_ (¬1) "هذا" ليست في "ع". (¬2) المرجع السابق، (3/ 1094). (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬4) المرجع السابق، الموضع نفسه.

كتاب العقيقة

كتاب العقيقة

باب: تسمية المولود غداة يولد لمن لم يعق، وتحنيكه

كتاب العقيقة (كتاب: العقيقة): قال شيخُنا أبو عبد الله بنُ عَرَفَةَ: هي على ما تُقُرِّبَ بذكاتِه من جَذَعِ ضَأْنٍ، وثَنِيِّ سائرِ (¬1) النَّعَمِ، سَليمينِ (¬2) من بينِ عَيْبٍ، مشروطاً بكونه في نهارِ سابعِ ولادةِ آدميًّ حيًّ عنهُ (¬3). قالوا: وهي من (¬4) العَقَّ، وهو القطعُ والشَّقُّ (¬5). باب: تَسْمِيَةِ المَولُودِ غَدَاةَ يُولَدُ لِمَنْ لَمْ يَعُقَّ، وتَحْنِيكِهِ 2541 - (5467) - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا أَبو أُسَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي بُرَيدٌ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أِبي مُوسَى - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: وُلِدَ ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "وسائر". (¬2) في "ع" و"ج": "سليمتين". (¬3) وانظر: "شرح مختصر خليل" للخرشي (3/ 46). (¬4) "من" ليست في "ع". (¬5) انظر: "التنقيح" (3/ 1095).

لِي غُلاَمٌ، فَأتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَمَّاهُ: إِبْرَاهِيمَ، فَحَنَّكَهُ بِتَمرَةٍ، وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ، وَدَفَعَهُ إِلَيَّ، وَكَانَ أَكْبَرَ وَلَدِ أَبِي مُوسَى. (فحَنَّكَه بتمرةٍ): أي: مضغَها، ودلكَ بها حَنَكَهُ. * * * 2542 - (5469) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا أبو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُروَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنها حَمَلَتْ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ، قَالَتْ: فَخَرَجْتُ وَأَناَ مُتِمٌّ، فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ، فَنَزَلْتُ قُبَاءً، فَوَلَدْتُ بِقُبَاءٍ، ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَوَضَعْتُهُ فِي حِجْرِهِ، ثُمَّ دَعَا بِتَمرَةٍ فَمَضَغَها، ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءً دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ حَنَّكَهُ بِالتَّمْرَةِ، ثُمَّ دَعَا لَهُ فَبَرَّكَ عَلَيْهِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الإِسْلاَمِ، فَفَرِحُوا بِهِ فَرَحاً شَدِيداً؛ لأَنَّهُمْ قِيلَ لَهُمْ: إِنَّ الْيَهُودَ قَدْ سَحَرَتْكُمْ فَلاَ يُولَدُ لَكُمْ. (وأنا مُتِمٌّ): اسمُ فاعل، يقال: امرأةٌ مُتِمٌّ: للحامل إذا قَرُبَ زمنُ وَضْعِها. * * * 2543 - (5470) - حَدَّثَنَا مَطَرُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَوْنٍ، عَنْ أَنسِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: كَانَ ابْنٌ لأَبِي طَلْحَةَ يَشْتَكِي، فَخَرَجَ أَبُو

طَلْحَةَ، فَقُبِضَ الصَّبِيُّ، فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو طَلْحَةَ، قَالَ: مَا فَعَلَ ابْنِي؟ قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمِ: هُوَ أَسْكَنُ مَا كَانَ، فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ الْعَشَاءَ فَتَعَشَّى، ثُمَّ أَصَابَ مِنْها، فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَتْ: وَارِ الصَّبِيَّ. فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبُو طَلْحَةَ، أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: "أَعْرَسْتُمُ اللَّيْلَةَ؟ "، قَالَ: نَعَم، قَالَ: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمَا". فَوَلَدَتْ غُلاَماً. قَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: احْفَظْهُ حَتَّى تَأْتِيَ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَرْسَلَتْ مَعَهُ بِتَمَرَاتٍ، فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "أَمَعَهُ شَيْءٌ؟ "، قَالُوا: نَعَمْ، تَمَرَاتٌ، فَأَخَذَها النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَمَضَغَها، ثُمَّ أَخَذَ مِنْ فِيهِ، فَجَعَلَها فِي فِي الصَّبِيِّ، وَحَنَّكَهُ بِهِ، وَسَمَّاهُ: عَبْدَ اللَّهِ. (هو أسكنُ ما كانَ): أسكنُ: أَفعَلُ تَفضيل من السكون، قصدت به: سكونَ الموت، وظن أبو طلحة أنها تريدُ: سكونَ العافية، وهذا الصبي المتوفَّى هو أبو عُمير صاحِبُ النُّغَيْرِ. (أَعْرَسْتُمُ الليلةَ؟): في بعض النسخ: فأخبرَه، فقالَ: "أَعرَسْتُمُ اللَّيْلَةَ"؛ يعني: أن أبا طلحة أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بما كان من خبره مع زوجته، فيكون "أعرستم" خبراً، لا استفهاماً (¬1). وفي بعضها سقوطُ "فأخبره"، فحمله بعضُ الشارحين على أنه استفهام [بهمزة محذوفة، وهو من قولهم: أعرسَ الرجلُ: إذا دخل بَامرأته، والمراد هنا: الوطءُ فسماهُ إِعراساً؛ لأنه من توابع الإعراس. ¬

_ (¬1) في "ع": "خبراً لاستفهام".

باب: إماطة الأذى عن الصبي في العقيقة

وضبطه الأصيلي: "أَعَرَّسْتُمْ"، بهمزة استفهام] (¬1) وعين مفتوحة وراء مشددة. قال القاضي: وهو غلط، إنما التعريسُ في النزولُ (¬2)، وتبعه ابنُ الأثير (¬3). وفي "التحرير": يقال: عَرَّسَ (¬4) بأهلِه؛ كأَعْرَسَ، لغةٌ فيه، والأفصحُ أَعْرَسَ (¬5). * * * باب: إِمَاطَةِ الأَذَى عَنِ الصَّبِي في العَقِيقَةِ 2544 - (5472) - وَقَالَ أصبَغُ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ أيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، حَدَّثَنَا سَلْمَانُ بْنُ عَامِرٍ الضَّبِّيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَعَ الْغُلاَمِ عَقِيقَةٌ، فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَماً، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الأَذَى". (وأَميطوا عنه الأذى): قيل: أراد حَلْقَ شعره، وقيل: الخِتان، وقيل: ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 79). (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (3/ 206). (¬4) في "ع": "أعرس". (¬5) انظر: "التنقيح" (3/ 1095).

باب: الفرع

المرادُ: لا (¬1) تُقَربوه الدمَ، كما كانت الجاهلية تفعله (¬2) (¬3). * * * باب: الفَرْعِ 2545 - (5473) - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، أَخْبَرَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "لاَ فَرَعَ وَلاَ عَتِيرَةَ". وَالْفَرَعُ: أَوَّلُ النِّتَاجِ، كَانُوا يَذْبَحُونَهُ لَطِوَاغِيتِهِمْ، وَالْعَتِيرَةُ فِي رَجَبٍ. (لا فَرَعَ): - بفاء وراء وعين مهملة (¬4) مفتوحات -: هو أولُ ما تُنْتَج الناقةُ، يذبحونه لآلهتهم وطواغيتهم، كما فسره في المتن. وقال الشافعي: هو أولُ النتاج، كانوا يذبحونه رجاءَ البركة في نسلِها ولبنها (¬5). قلت: والجمعُ بين القولين ممكن بأن يتقربوا بذلك لطواغيتهم يرجون بذلك البركةَ في النسلِ واللبنِ. ¬

_ (¬1) في "م" و"ج": "ولا". (¬2) "تفعله" ليست في "ع". (¬3) المرجع السابق، (3/ 1096). (¬4) في "ج": "مهملتين". (¬5) انظر: "شرح مسلم" (13/ 136).

(ولا عَتيرَةَ): - بعين مهملة ومثناة فوقية وراء -: هي ذبيحةٌ لهم في رجبٍ يسمونها: الرَّجَبِيَّةَ (¬1). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1096).

كتاب الذبائح والصيد

كتاب الذبائح والصيد

باب: التسمية على الصيد

كتاب الذبائح والصيد (كتاب: الذبائح والصيد (¬1)): أما الذبائحُ: فلقبٌ لما يحرم بعضُ أفراده من الحيوان؛ لعدم ذكاتِه، وما يُباح لها مقدوراً عليه. وأما الصيد: فيكون مصدراً، أو اسماً (¬2) للشيء المَصِيدِ (¬3)، فهو بالاعتبار (¬4) الأول أخذُ غيرِ مقدورٍ عليه [من وحشٍ وطيرِ بَرًّ، وحيوانِ بحرٍ بقصد، وهو بالاعتبار الثاني ما أُخذ من غيرِ مقدورٍ عليه،] (¬5) إلى آخره (¬6). باب: التَّسْمِيَةِ عَلَى الصَّيدِ 2546 - (5475) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيم، حَدَّثَنَا زكرِيَّاءُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَيْدِ الْمِعْرَاضِ، قَالَ: "مَا أَصابَ بِحَدِّهِ، فَكُلْهُ، وَمَا أَصابَ بِعَرضِهِ، فَهْوَ وَقِيذٌ". ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "كتاب الصيد والذبائح". (¬2) في "م": "واسماً". (¬3) في "م": "للمصيد". (¬4) في "ع" و"ج": "فهو باعتبار". (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬6) وانظر: "شرح مختصر خليل" للخرشي (3/ 8).

باب: صيد المعراض

وَسَأَلْتُهُ عَنْ صَيْدِ الْكَلْبِ، فَقَالَ: "مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ، فَكُلْ، فَإِنَّ أَخْذَ الْكَلْبِ ذَكَاةٌ، وَإِنْ وَجدتَ مَعَ كَلْبِكَ أَوْ كِلاَبِكَ كلْباً غَيْرَهُ، فَخَشِيتَ أَنْ يَكُونَ أَخَذَهُ مَعَهُ، وَقَد قتلَهُ، فَلاَ تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا ذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَى كلْبِكَ، وَلَمْ تَذْكُرهُ عَلَى غَيْرِهِ". (عن صيد المِعْراض):- بكسر الميم وسكون العين المهملة وبالراء قبل ألف بعدها ضاد معجمة -: عَصًا رأسُها مُحَدَّدٌ. * * * باب: صَيْدِ المِعْرَاضِ 2547 - (5476) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبي السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْمِعْرَاضِ، فَقَالَ: "إِذَا أَصَبْتَ بِحَدَّهِ، فَكُلْ، فَإِذَا أَصَابَ بِعَرضِهِ، فَقَتَلَ، فَإِنَّهُ وَقِيذٌ، فَلاَ تَأْكُلْ". فَقُلْتُ: أُرسِلُ كَلْبِي؟ قَالَ: "إِذَا أَرسَلْتَ كَلْبَكَ، وَسَمَّيْتَ، فَكُلْ". قَلْتُ: فَإِنْ أَكَلَ؟ قَالَ: "فَلاَ تَأْكُلْ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يُمْسِكْ عَلَيْكَ، إِنَّمَا أَمسَكَ عَلَى نَفْسِهِ". قَلْتُ: أُرْسِلُ كَلْبِي، فَأَجِدُ مَعَهُ كَلْباً آخَرَ؟ قَالَ: "لاَ تَأْكُلْ؛ فَإِنَّكَ إِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كلْبِكَ، وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى آخَرَ". (وأما ما (¬1) أصاب بعَرْضِه، فهو (¬2) وَقيذٌ): - بفتح العين - من "عَرْضه"، ¬

_ (¬1) نص البخاري: "فإذا". (¬2) نص البخاري: "فإنه".

باب: ما أصاب المعراض بعرضه

وقد علل في الحديث بأنه وَقيذٌ؛ لأنه ليس في معنى السَّهم، وهو في معنى الحجر وغيرِه من المُثَقَّلات (¬1). * * * باب: مَا أَصَابَ المِعْراضُ بِعَرْضِهِ 2548 - (5477) - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ همَّامِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِم - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّا نُرْسِلُ الْكِلاَبَ الْمُعَلَّمَةَ؟ قَالَ: "كُلْ مَا أَمسَكْنَ عَلَيْكَ". قَلْتُ: وَإِنْ قتَلْنَ؟ قَالَ: "وَإِنْ قتَلْنَ". قَلْتُ: وَإِنَّا نَرْمِي بِالْمِعْرَاضِ؟ قَالَ: "كُلْ مَا خَزَقَ، وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ، فَلاَ تَأْكُلْ". (خَزَقَ): - بالزاي -؛ أي: قَطَعَ وشَقَّ، كذا في "المشارق" (¬2). وقال الجوهري: والخَزْقُ: الطَّعْنُ (¬3)، والخازِقُ من السهام: المُقَرْطِسُ (¬4). وفَرَّقَ بعضُهم بين الخزقِ - بالزاي -، والخرق - بالراء -، فجعل الأولَ: الخَدْشَ مع عدمِ الثبات، وجعل الثانيَ: إنفاذَ الشيءِ المَرْمِيِّ (¬5). * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "من المتعلقات". (¬2) انظر: (1/ 234). (¬3) في "ج": "والطعن". (¬4) انظر: "الصحاح" (4/ 1469)، (مادة: خزق). (¬5) انظر: "مقاييس اللغة" لابن فارس (2/ 177).

باب: الخذف والبندقة

باب: الْخَذْفِ وَالْبُنْدُقَةِ (باب: الخَذْف والبُنْدُقَة): الخذف - بخاء معجمة مفتوحة وذال معجمة ساكنة -: هو الرمي على ظاهرِ الإصبع الوسطى وباطن الإبهام، والبندُقة: طينَةٌ تُدَوَّرُ وتُيَبَّسُ فتصيرُ كالحصا. وقال ابن فارس: خَذَفْتَ الحصا: رَمَيتها بينَ إصبعيك (¬1). 2549 - (5479) - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ رَاشِدٍ، حَذَثَنَا وَكِيعٌ، وَيَزِيدُ بْنُ هارُونَ، وَاللَّفْظُ لِيَزِيدَ، عَنْ كهْمَسِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ: أَنَّهُ رَأَى رَجُلاً يَخْذِفُ، فَقَالَ لَهُ: لاَ تَخْذِفْ؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الْخَذْفِ، أَوْ كَانَ يَكْرَهُ الْخَذْفَ، وَقَالَ: "إِنَّهُ لاَ يُصَادُ بِهِ صَيْدٌ، وَلاَ يُنْكَى بِهِ عَدُوٌّ، وَلَكِنَّهَا قَدْ تَكْسِرُ السِّنَّ، وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ". ثُمَّ رَآهُ بَعدَ ذَلِكَ يَخْذِفُ، فَقَالَ لَهُ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْخَذْفِ، أَوْ كَرِهَ الْخَذْفَ، وَأَنْتَ تَخْذِفُ؟! لاَ اُكَلِّمُكَ كَذَا وَكَذَا. (ولا يُنْكَى به عدوٌّ): قال السفاقسي: يُنْكى: غيرُ مهموز، يقال: نَكَيْتُ في العدوِّ، أَنْكِي: إذا قتلتُ وجرحتُ، ونَكَأْتُ القُرْحَةَ - بالهمز (¬2) -. [وقال القاضي في "الإكمال": "لا يَنْكَأُ العَدُوُّ": رويناه بالهمز] (¬3)، ورُوي: لا يُنْكِي: بكسر الكاف، وهو أَوْجَهُ في هذا الموضع؛ لأن (¬4) ¬

_ (¬1) انظر: "مجمل اللغة" (ص: 281). وانظر: "التوضيح" (26/ 352). (¬2) انظر: "التوضيح" (26/ 355). (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬4) في "م": "لأنه".

باب: من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد أو ماشية

المهموزَ إنما هو من نَكَأْتُ القُرْحَةَ، وليس موضعَه إلا على تَجَوُّز، وإنما هو من النَّكايَة (¬1). قال صاحب "العين": ونَكَأْتُ لغةٌ فيه (¬2). فعلى هذا تتوجَّهُ هذه الرواية. * * * باب: مَنِ اقْتَنَى كَلْبَاً لَيسَ بِكَلْبٍ صَيْدٍ أَو مَاشِيةٍ 2550 - (5480) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "مَنِ اقْتَنَى كَلْباً، لَيْسَ بِكَلْبِ مَاشِيَةٍ أَوْ ضَارِيَةٍ، نَقَصَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطَانِ". (نقص كلَّ يوم من عملِه قيراطين): "نقص" تستعمل لازماً، ومتعدياً، فنصب "قيراطين" على أنه متعدًّ، وفاعلُه ضميرٌ يعود على الاقتناء المفهوم من "اقتنى كلباً". ويُروى: "قيراطان" - بالرفع - على أنه لازم، أو على أنه متعدٍّ مبني للمفعول، وكلاهما ثابت في النسخ. * * * 2551 - (5481) - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَالِماً يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: ¬

_ (¬1) انظر: "إكمال المعلم" (6/ 393). (¬2) انظر: "العين" (5/ 412). وانظر: "التوضيح" (26/ 355).

باب: الصيد إذا غاب عنه يومين أو ثلاثة

سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنِ اقْتَنَى كَلْباً، إِلاَّ كَلْبٌ ضَارٍ لِصَيْدٍ، أَوْ كَلْبَ مَاشِيَةٍ، فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ". (إلا كلب ماشيةٍ أو ضاري): ويروى: "ضار" - بحذف الياء -، و: "ضارياً (¬1) " - بإثباتها مع النصب -، ووجه (¬2) هذه الأخيرة ظاهرٌ، وأما الروايتان الأُوليان (¬3)، فوجهُهُما: أن "ضارٍ" مجرور بالعطف على "ماشية"، والتقدير: أو كلب ضارٍ، من باب إضافة الموصوف إلى صفته؛ كماءِ البارد، وثبوتُ الياء في رواية مَنْ أثبتَها على اللغة القليلة في إثباتها في حالة الوقف على المنقوص المجرد (¬4) من الأداة (¬5)، كذا قيل. وذهب بعضهم إلى أن "ضارٍ" هنا صفة للرجلِ (¬6) الصائدِ صاحبِ الكلاب (¬7) على جهة الاستعارة (¬8). * * * باب: الصَّيدِ إِذَا غَابَ عَنْهُ يَومَينِ أَو ثَلاثَةً 2552 - (5485) - وَقَالَ عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَدِيًّ: ¬

_ (¬1) في "ج": "وضاري". (¬2) في "ج": "ووجهه". (¬3) "الأوليان" ليست في "ع". (¬4) في "ع": "المجردة". (¬5) "من الأداة" ليست في "ع". (¬6) في "ع": "لأجل". (¬7) "الكلاب" ليست في "ع". (¬8) انظر: "التنقيح" (3/ 1098).

باب: التصيد على الجبال

أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: يَرْمِي الصَّيْدَ، فَيَقْتَفِرُ أَثَرَهُ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلاَثَةَ، ثُمَّ يَجِدُهُ مَيَّتاً، وَفِيهِ سَهْمُهُ، قَالَ: "يَأْكُلُ إِنْ شَاءَ". (فَيَقْتَفِرُ): بالراء لأبي ذر، وبمثناة تحتية بدلها للأصيلي، وكلاهما بمعنى واحد، وهو الاتَّباع (¬1). * * * باب: التَّصَيُّدِ عَلَى الجِبَالِ 2553 - (5492) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرٌو: أَنَّ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَهُ، عَنْ ناَفِعٍ مَوْلَى أَبي قتادَةَ، وَأَبي صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْءَمَةِ: سَمِعْتُ أَبَا قتادَةَ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَهُمْ مُخرِمُونَ، وَأَناَ رَجُلٌ حِلٌّ عَلَى فَرَسٍ، وَكنْتُ رَقَّاءً عَلَى الْجبَالِ، فَبَيْنَا أَنَا عَلَى ذَلِكَ، إِذْ رَأَيْتُ النَّاسَ مُتَشَوّفينَ لِشَيْءٍ، فَذَهبْتُ أَنْظُرُ، فَإِذَا هُوَ حِمَارُ وحْشٍ، فَقُلْتُ لَهُم: مَا هَذَا؟ قَالُوا: لاَ نَدْرِي، قَلْتُ: هُوَ حِمَارٌ وَحْشِيٌّ، فَقَالُوا: هُوَ مَا رَأَيْتَ، وَكُنْتُ نَسِيتُ سَوْطِي، فَقُلْتُ لَهُمْ: نَاوِلُونِي سَوْطِي، فَقَالُوا: لاَ نُعِينُكَ عَلَيْهِ، فَنَزَلْتُ فأَخَذْتُهُ، ثُمَّ ضَرَبْتُ فِي أَثَرِهِ، فَلَمْ يَكُنْ إِلاَّ ذَاكَ حَتَى عَقَرْتُهُ، فَأَتَيْتُ إِلَيْهِمْ، فَقُلْتُ لَهُمْ: قُومُوا فَاحْتَمِلُوا، قَالُوا: لاَ نَمَسُّهُ، فَحَمَلْتُهُ حَتَّى جِئْتُهُمْ بِهِ، فَأَبَى بَعضُهُمْ، وَأَكَلَ بَعْضُهُمْ، فَقُلْتُ: أَنَا أَسْتَوْقِفُ لَكُمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَدْرَكْتُهُ، فَحَدَّثْتُهُ الْحَدِيثَ، فَقَالَ لِي: "أَبَقِيَ مَعَكُمْ شَيْءٌ مِنْهُ؟ "، قَلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: "كُلُوا، فَهْوَ طُعْمٌ أَطْعَمَكُمُوهَا اللَّهُ". ¬

_ (¬1) المرجع السابق، (3/ 1099).

باب: قول الله تعالى: {أحل لكم صيد البحر} [المائدة: 96]

(مولى التَّوْءَمَةِ): قال القاضي: بضم التاء وفتح الهمزة يقوله المحدثون، وصوابه بفتح التاء وإسكان الواو [وهمزة مفتوحة بعدها، كذا سمعناه من الحذَّاق، ومنهم من ينقل حركةَ الهمزة، فيفتح بها الواو] (¬1). وهي مولاةُ أبي صالحٍ بنتِ أميةَ بنِ خلفٍ، ولدت مع أخيها حميدٍ في بطن (¬2) واحد، فسُمِّيت بذلك (¬3). (رَقَّاءً على الجبال): رَقَّاء: على صيغة فَعَّال - بالتشديد -: من أبنية (¬4) المبالغة. * * * باب: قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96] وَقَالَ عُمَرُ: صَيْدُهُ مَا اصْطِيدَ، وَ {وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96]: مَا رَمَى بِهِ. وَقَالَ أبَو بَكْرٍ: الطَّافِي حَلاَلٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: طَعَامُهُ مَيْتَتُهُ، إِلاَّ مَا قَذِرْتَ مِنْهَا، وَالْجِرِّيُّ لاَ تَأْكُلُهُ الْيَهُودُ، وَنَحْنُ نَأْكُلُهُ. وَقَالَ شُرَيْحٌ صَاحِبُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْبَحْرِ مَذْبُوحٌ. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬2) في "ج": "يوم". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 127). وانظر: "التنقيح" (3/ 1099) وعندهما: "مع أخت لها" بدل "مع أخيها حميد". (¬4) "أبنية" ليست في "ع".

وَقَالَ عَطَاءٌ: أَمَّا الطَّيْرُ، فَأَرَى أَنْ يَذْبَحَهُ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: صَيْدُ الأَنْهَارِ وَقِلاَتِ السَّيْلِ، أَصَيْدُ بَحْرٍ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ تَلاَ: {هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا} [فاطر: 12]. وَرَكِبَ الْحَسَنُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - عَلَى سَرْجٍ مِنْ جُلُودِ كِلاَبِ الْمَاءِ. وَقَالَ الشَّعبِيُّ: لَوْ أَنَّ أَهْلِي أَكَلُوا الضَّفَادِعَ، لأَطْعَمْتُهُمْ. وَلَمْ يَرَ الْحَسَنُ بِالسُّلَحْفَاةِ بَأْساً. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلْ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ نَصْرَانِيٌّ أَوْ يَهُودِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ. وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فِي الْمُرِي: ذَبَحَ الْخَمْرَ النِّينَانُ وَالشَّمْسُ. (الطافي): اسمُ فاعل من طَفَا يَطْفو، وهو المرتفعُ على الماء ميتاً. (كل شيء في البحر مذبوح): أي: من دوابِّ البحر، والمراد بكونها مذبوحة: أنها حلال بمثابة المذَكَّى. (والجِرّي): - بكسر الجيم والراء وتشديد المثناة التحتية -، وحكى السفاقسي فتح الجيم: ضربٌ من السمك تشبهُ الحَيَّاتِ، قاله الخطابي (¬1). وقيل: هو نوعٌ عريضُ الوسط رقيق (¬2) الطرفين. وقيل: ما لا قشرَ له. ويروى: "والجِرِّيت"، بكسر الجيم والراء المشددة وآخره مثناة فوقية (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: "غريب الحديث" (2/ 185). (¬2) في "م": "الرقيق". (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1100).

[(بالسُّلَحْفاة): بضم السين المهملة وفتح اللام وسكون الحاء المهملة] (¬1). (وقال أبو الدرداء في المُرْيِ: ذَبَحَ الخَمْرَ النِّينانُ والشمسُ): قال السفاقسي: المُرْي: بضم الميم وسكون الراء. و (¬2) في "الصحاح": والمُرِّيُّ: الذي يُؤتَدَمُ به؛ كأنه منسوب إلى المرارة، والعامَّةُ تُخَفِّفُه، أنشدني أبو الغوث: وَأُمَّ مَثْوَايَ لَنَا حَيَّةٌ ... وَعِنْدَها المُرِّيُّ وَالكَامِخُ (¬3) والنينان: جمعُ نونٍ؛ كعودٍ وعيدانٍ. قال صاحب "النهاية": وهذه صفةُ مُرْيٍ يُعمل بالشام، يؤخَذُ الخمرُ، فيُجعل فيها الملحُ والسَّمَكُ، وتوضع في الشمس، فتُغيرُ الخمرَ إلى طعم المُرْي، فتستحيل عن هيئتها، وتنتقل من الحرمة إلى الحِلِّيَّةِ، فكأن هذه الأشياء ذبحت الخمرَ، فحلَّت، على طريق الاستعارة (¬4). وقال القاضي: يروى: ذَبَحَ: بفتح الباء والحاء، ونصب راء الخمر على المفعول. ويروى بسكون الباء ورفع الحاء، على الابتداء، وإضافةِ ما بعده إليه، يريد: إباحتُها صنعُها (¬5) مُرياً بالحوتِ (¬6) المطروحِ فيها، وطبخِها بالشمس، ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬2) الواو ليست في "ع" و"ج". (¬3) انظر: "الصحاح" (2/ 814)، (مادة: مرر). وعنده: "لُبَاخِيَّة" بدل "لناحية". (¬4) انظر: "النهاية في غريب الحديث" (2/ 153). (¬5) في "ج": "صنعاً". (¬6) في "ج": "بالحويقة".

باب: التسمية على الذبيحة، ومن ترك متعمدا

بالشمس، فيكون ذلك كالذكاة للحيوان، هذا على مذهب من يُجيز تخليلَ الخمر، وهي مسألة خلاف (¬1). * * * باب: التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ، وَمَنْ تَرَكَ مُتَعَمِّداً قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ نسَيَ، فَلاَ بَأْسَ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121]: وَالنَّاسِي لاَ يُسَمَّى فَاسِقاً. وَقَوْلُهُ: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121]. (وقال الله تعالى: {ولَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}، والناسي لا يسمَّى فاسقاً): ذكر الرازي في كتابه في "مناقب الشافعي": أن مجلساً جمعه وجماعةً من الحنفية، وأنهم زعموا أن قولَ الشافعي: "يَحِلُّ أَكْلُ (¬2) متروكِ التسمية" مردودٌ بقوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121]. قال (¬3): فقلت لهم: لا دليلَ فيها، بل هي حجة للشافعي - رضي الله عنه -، وذلك أن الواو ليست للعطف؛ لتخالُفِ الجملتين بالاسمية (¬4) ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 268). وانظر: "التنقيح" (3/ 1101). (¬2) في "ج": "كل". (¬3) "قال" ليست في "ع". (¬4) في "ع": "الاسمية".

والفعلية، و"لا" للاستثناء؛ لأن أصل (¬1) الواو: أن تربط ما بعدَها بما قبلَها، فيبقى أن تكون للحال، فتكون جملةً مقيَّدَة للنهي، والمعنى: لا تأكلوا منه في حال كونه فسقاً، ومفهومُه: جوازُ الأكل إذا لم يكن فسقاً، والفسقُ قد (¬2) فسره الله تعالى بقوله: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145]، فالمعنى: لا تأكلوا منه إذا سمي عليه غيرُ الله، ومفهومه: وكلوا منه إذا لم يُسَمَّ عليه غيرُ الله (¬3). قلت: فيه نظر من وجوه: أما أولاً: فالصحيح أن تخالُفَ الجملتين بالاسمية والفعلية لا يمنع من العطف، على ما هو مقررٌ عند النحاة (¬4). وأما ثانياً: فلا نسلِّم أن الفسقَ المذكورَ في هذه الآية مفسِّرٌ للفسق في الآية الأخرى، وإنما الضميرُ في قوله: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121]، عائد إلى عدم ذكر التسمية؛ لكونه أقربَ المذكورات، ومعلوم أن التركَ نسياناً ليس بفسق؛ لعدم التكليف والمؤاخذة، فتعَيَّنَ العمدُ. وأما ثالثاً: فلأنه لو كان المرادُ بالفسق: الإهلال (¬5) بذكر (¬6) غيرِ الله على الذبيحة، لزم الإخبارُ بالأخصِّ عن الأَعَمَّ، وهو باطل، وذلك لأن ¬

_ (¬1) في "ج": "الأصل". (¬2) في "ج": "فسقاً وقد". (¬3) انظر: "معني اللبيب" لابن هشام (ص: 631). (¬4) وهذا ما ذكره ابن هشام في "المغني" بعد حكايته كلام الرازي. (¬5) في "م": "لإهلال". (¬6) في "م": "بذلك".

باب: ذبيحة الأعراب ونحوهم

عدمَ ذكرِ اسمِ الله تعالى على الذبيحة أعمُّ من الإهلال بها لغير الله قطعاً، والإهلالُ المذكورُ أخصُّ، وقد أخبر به عن الضمير العائد على عدم ذكرِ اسم الله الذي هو أعمُّ، فلزم ما قلناه، فتأمله. * * * باب: ذَبِيحَةِ الأَعْرابِ ونَحْوِهِمْ 2554 - (5507) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بْنُ حَفْصٍ الْمَدَنِيُّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: أَنَّ قَوْماً قَالُوا لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ قَوْماً يَأْتُونَا بِاللَّحْمِ، لاَ نَدْرِي: أَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، أم لا؟ فَقَالَ: "سَمُّوا عَلَيْهِ أَنْتُمْ، وَكُلُوهُ". قَالَتْ: وَكَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِالْكُفْرِ. (فقال: سَمُّوا عليه أنتم، وكُلوه): لا يُظن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقام تسميتَهم على الأكل مقامَ التسمية الفائتة [على الذبح، ولا (¬1) السؤال فيمن تحقق أنه لم يُسَمِّ، وإنما هو فيمن شكَّ في تسميته] (¬2)، فبين لهم - عليه السلام - أن تصرُّف المسلمين محمولٌ على الصحة حتى يتبيَّنَ الفسادُ، ثم استحثَّهم على وظيفةِ أنفسِهم التي (¬3) لم تَفُتْ، وهي التسميةُ على الأكل. * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "ولأن". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬3) في "ج": "الذي".

باب: ما ند من البهائم فهو بمنزلة الوحشي

باب: مَا نَدَّ مِنَ البَهائِمِ فَهْوَ بِمَنزِلَةِ الوَحْشي 2555 - (5509) - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا لاَقُو الْعَدُوِّ غَداً، وَلَيْسَتْ مَعَنَا مُدًى، فَقَالَ: "اعْجَلْ، أَوْ أَرِنْ، مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ، فَكُلْ، لَيْسَ السَّنَّ وَالظُّفُرَ، وَسَأُحَدَّثُكَ: أَمَّا السَّنُّ، فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ، فَمُدَى الْحَبَشَةِ". وَأَصَبْنَا نَهْبَ إِبلٍ وَغَنَمٍ، فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ، فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ، فَحَبَسَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ لِهَذِهِ الإِبلِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَإِذَا غَلبَكُم مِنْهَا شَيْءٌ، فَافْعَلُوا بِهِ هكَذَا". (اعجَل): بهمزةِ وصل تُكسر في الابتداء، وجيمٍ مفتوحة. (أو أَرِنْ): مثل أَقِم، كذا لبعضهم. وعند الأصيلي: "أرِني": بهمزة قطع مفتوحة وراء مكسورة ونون وقاية بعدها ياء المتكلم (¬1). * * * باب: النَّحْرِ وَالذَّبْحِ وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ: لاَ ذَبْحَ وَلاَ مَنْحَرَ إِلاَّ فِي الْمَذْبَحِ وَالْمَنْحَرِ. قَلْتُ: أيجْزِي مَا يُذْبَحُ أَنْ أَنْحَرَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، ذَكَرَ اللَّهُ ذَبْحَ الْبقَرَةِ، فَإِنْ ذَبَحْتَ شَيْئاً يُنْحَرُ، جَازَ، وَالنَّحْرُ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَالذَّبْحُ قَطْعُ الأَوْدَاجِ. قَلْتُ: فَيُخَلَّفُ الأَوْدَاجَ حَتَّى يَقْطَعَ النَّخَاعَ؟ قَالَ: لاَ إِخَالُ. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1104).

وَأَخْبَرَنِي ناَفِعٌ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ نَهَى عَنِ النَّخْعِ، يَقُولُ: يَقْطَعُ مَا دُونَ الْعَظْمِ، ثُمَّ يَدَعُ حَتَّى تَمُوتَ. وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67]. وَقَالَ: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة: 71]. وَقَالَ سَعِيدٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الذَّكَاةُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَنَسٌ: إِذَا قَطَعَ الرَّأْسَ، فَلاَ بَأْسَ. (والذبحُ قطعُ الأوداج): قال الزركشي: هذا مما استُنكر منه؛ لأنهما (¬1) وَدَجان فقط: عرقانِ محيطان بالحلقوم. وأُجيب بأنه أضافَ كلَّ ودجين [إلى] الأنواع كلَّها (¬2). قلت: أو يُجعل هذا من باب تسمية جزءٍ باسم كل، فيقع الجمعُ فيه موقعَ واحد، أو مثناة، ومثال الثاني قوله: فَالْعَيْنُ بَعدَهُمُ كَأَنَّ حِدَاقَها ... سُمِلَتْ (¬3) بِشَوْكٍ فَهْيَ عُورٌ تَدْمَعُ (¬4) * * * وإنما هما (¬5) حدقتان. ومنه قولهم: عظيمُ المناكبِ، وعظيمُ المشافِرِ. ¬

_ (¬1) في "ج": "لأنها". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1104). (¬3) في "ج": "سكب". (¬4) البيت لأبي ذؤيب الهذلي؛ انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري (12/ 315)، و"لسان العرب" لابن منظور (4/ 614). (¬5) في "ع": "وإنما هي ما".

باب: ما يكره من المثلة، والمصبورة، والمجثمة

(النُّخاع): - بضم النون -، وحكى الكسائي فيه عن بعض العرب الكسر، وهو الخيط الأبيض الذي في فَقار (¬1) الظهر. (واللَّبَّة): - بفتح اللام والباء (¬2) الموحدة -: موضعُ القِلادة من الصدر، وهو النَّحْر (¬3). * * * باب: مَا يُكْرَهُ مِنَ الْمُثْلَةِ، وَالْمَصبُورَةِ، وَالْمُجَثَّمَةِ (والمصبورة): هي التي تُحبس بالحياة، ثم تُرمى إلى أن تموت. (والمجثَّمَة): قال الجوهري: هي المصبورةُ، إلا أنها في الطير خاصَّة (¬4) * * * باب: الدَّجَاجِ 2556 - (5518) - حَدَّثَنَا أبَو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُوبُ بْنُ أَبِي تَمِيمَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ زَهْدَمٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، وَكانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ هَذَا الْحَيِّ مِنْ جَرْمٍ إِخَاءٌ، فَأُتِيَ بِطَعَامٍ فِيهِ لَحْمُ دَجَاجٍ، وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ جَالِسٌ أَحْمَرُ، فَلَمْ يَدْنُ مِنْ طَعَامِهِ، قَالَ: ادْنُ، فَقَد رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْكُلُ مِنْهُ، قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُهُ أَكَلَ شَيْئاً فَقَذِرْتُهُ، فَحَلَفْتُ أَنْ لاَ آكُلَهُ، فَقَالَ: ادْنُ أُخْبِرْكَ، أَوْ أُحَدِّثْكَ: إِنِّي أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي نَفَرٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ، فَوَافَقْتُهُ وَهْوَ غَضْبَانُ، وَهْوَ يَقْسِمُ ¬

_ (¬1) "فقار" ليست في "ع". (¬2) "والباء" ليست في "ع". (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1105) وعنده: "بكسر اللام" بدل "بفتح اللام". (¬4) انظر: "الصحاح" (5/ 1882)، (مادة: جثم).

نَعَماً مِنْ نَعَم الصَّدَقَةِ، فَاسْتَحْمَلْنَاهُ، فَحَلَفَ أَنْ لاَ يحْمِلَنَا، قَالَ: "مَا عِنْدِي مَا أحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ". ثُمَّ أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِنَهْبٍ مِنْ إبِلٍ، فَقَالَ: "أيْنَ الأَشْعَرِيُّونَ؟ أَيْنَ الأَشْعَرِيُّونَ؟ ". قَالَ: فَأَعطَانَا خَمْسَ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَا، فَلَبِثْنَا غَيْرَ بَعِيدٍ، فَقُلْتُ لأَصْحَابِي: نَسِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمِينَهُ، فَوَاللَّهِ! لَئِنْ تَغَفَّلْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمِينَهُ، لاَ نُفْلِحُ أَبَداً، فَرَجَعنَا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّا اسْتَحمَلْنَاكَ، فَحَلَفْتَ أَنْ لاَ تَحمِلَنَا، فَظَنَنَّا أَنَّكَ نسَيتَ يَمِينَكَ، فَقَالَ: "إِنَّ الله هُوَ حَمَلَكُم، إِنَّي وَاللَّهِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَها خَيْراً مِنْهَا، إِلاَّ أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَتَحَلَّلْتُهَا". (وكان بيننا وبَيْنَهُ هذا الحيِّ من جَرْمٍ إخاءٌ): قال السفاقسي: الحيِّ: بالخفض على البدل من الضمير الذي في "بَيْنَهُ"، و"إخاءٌ": بكسر الهمزة الأولى، وهو ممدود (¬1). (فأعطانا خمسَ ذودٍ): بالإضافة قطعاً، كذا في الراوية. وقال أبو البقاء: الصوابُ تنوينُ ونصبُ ذود على البدل؛ للزوم أن يكون المعطَى مع الإضافة خمسةَ عشرَ بعيراً؛ لأن أقلَّ الذودِ ثلاثةُ (¬2) أَبْعِرَة (¬3). قلت: هذا خيالٌ فاسد يلزمُ عليه أن يكون المأخوذُ في قولك (¬4): أخذتُ خمسةَ أسياف: خمسةَ عشرَ سيفاً؛ لأن أقلَّ الأسياف ثلاثة، بعينِ ما قاله، وبطلانُه مقطوعٌ به. ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (26/ 492). (¬2) "ثلاثة" ليست في "ع". (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1105). (¬4) في "ج": "ذلك".

باب: العلم والوسم في الصورة

باب: العَلَمِ والوَسْمِ في الصُّورَةِ 2557 - (5542) - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِأَخٍ لِي يُحَنَّكُهُ، وَهْوَ فِي مِرْبَدٍ لَهُ، فَرَأَيْتُهُ يَسِمُ شَاةً - حَسِبْتُهُ قَالَ: - فِي آذَانِهَا. (يَسِمُ شاةٌ): أي: يُعَلِّمُ عليها بالكَيِّ. * * * باب: إِذَا نَدَّ بَعِيرٌ لِقَومٍ، فَرمَاهُ بَعْضُهم بِسَهْمٍ فَقَتَلهُ، فَأَرَادَ إِصْلاَحَهُمْ، فَهو جَائِزٌ 2558 - (5544) - حَدَّثَنَا ابْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، فَنَدَّ بَعِيرٌ مِنَ الإِبِلِ، قَالَ: فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ، فَحَبَسَهُ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ لَها أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا، فَاصْنَعُوا بِهِ هكَذَا". قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّا نَكُونُ فِي الْمَغَازِي وَالأَسْفَارِ، فَنُرِيدُ أَنْ نَذْبَحَ، فَلاَ تَكُونُ مُدًى، قَالَ: "أَرِنْ، مَا نَهَرَ، أَوْ أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ، فَكُلْ، غَيْرَ السَّنِّ وَالظُّفُرِ؛ فَإِنَّ السِّنَّ عَظْمٌ، وَالظُّفُرَ مُدَى الْحَبَشَةِ". (ما نَهَرَ (¬1) الدَّمَ): كذا وقع هنا للأصيلي، والمعروف: "أَنْهَرَ" - بالألف -؛ أي: أَسالَهُ، يقال: نَهَرَ: إذا جرى، وأَنْهَرْتُهُ أنا (¬2). ¬

_ (¬1) في "ج": "أنهر". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1106).

كتاب الأضاحي

كتاب الأضاحي

باب: سنة الأضحية

كتاب الأضاحي (كتاب: الأضاحِيَّ): - بتشديد المثناة التحتية -: جمعُ أُضْحِيَّة، بتشديدها أيضاً. قال شيخنا أبو عبد الله بنُ عرفةَ مُعَرِّفاً لها (¬1) على مذهب الإمام مالك - رضي الله عنه -: هي ما تُقُرِّبَ بذَكاتِه من جَذَعِ ضأنٍ، وثَنِيِّ سائِرِ النَّعَمِ، سَلِيمَيْنِ (¬2) من بَيَّنِ عَيْبٍ، مشروطاً بكونه في نهارِ عاشرِ (¬3) ذي الحجَّةِ، أو تالِيَيْهِ بعدَ صلاةِ إمامِ عِيدِه له (¬4)، وقدرِ زمنِ ذبحِهِ لغيرِه، ولو تَحَرَّياً لغيرِ حاضِرِهِ (¬5). باب: سُنَّةِ الأُضْحِيَّةِ 2559 - (5545) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا ¬

_ (¬1) "لها" ليست في "ع". (¬2) في "ع" و"ج": "سليمتين". (¬3) في "ع": "عشر". (¬4) "له" ليست في "ج". (¬5) وانظر: "شرح مختصر خليل" للخرشي (3/ 32).

باب: الأضحية للمسافر والنساء

شُعْبَةُ، عَنْ زُبَيْدٍ الإِيَامِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْبَرَاءِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَوَّلَ مَا نبدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هذَا نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرجِعَ فَنَنْحَرَ، مَنْ فَعَلَهُ، فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلُ، فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ". فَقَامَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ، وَقَد ذَبَحَ، فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي جَذَعَةً، فَقَالَ: "اذْبَحْهَا، وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ". قَالَ مُطَرِّفٌ، عَنْ عَامِرٍ، عَنِ الْبَرَاءِ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاَةِ، تَمَّ نُسُكُهُ، وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ". (ولن تَجْزِيَ عن أحدٍ بعدَكَ (¬1)): - بفتح المثناة الفوقية غير مهموز -؛ أي: لن تَقْضِيَ وتَكْفِيَ. قال الجوهري: وبنو تميم يقولون: أجزأَتْ عنكَ شاةٌ - بالهمز -، وجوزهما ابنُ الأثير في الحديث. وقال الزمخشري في "الأساس": يقول بنو تميم: البدنةُ تُجزئ عن سبعة، وأهلُ الحجاز: تَجْزي - بفتح التاء (¬2) مع عدم الهمز -، وحكى النووي أن هذا هو الراوية (¬3). * * * باب: الأُضْحِيَّةِ لِلْمُسَافِرِ وَالنِّسَاءِ (باب: الأضحيةِ للمسافرِ والنساء): ساق فيه حديث: "ضَحَّى ¬

_ (¬1) في "ع": "أحد غيرك". (¬2) في "ع": "بفتح الجيم لتاء". (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1107)، وعنه نقل المؤلف رحمه الله.

باب: من قال: الأضحى يوم النحر

رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن أزواجِه بالبَقَرِ" (¬1). قيل: وليس هذا من الأُضحية، وإنما المرادُ: ذَبَحَها ضُحًى، وبذلك سُميت الأضحية؛ لأن الحاجَّ لا أُضحيةَ عليه، وإنما منى موضعُ هدايا (¬2) (¬3). * * * باب: منْ قالَ: الأَضْحَى يَومَ النَّحرِ 2560 - (5550) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ أِبي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "الزَّمَانُ قَدِ اسْتَدَارَ كهيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً، مِنْها أَربَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعبَانَ، أَيُّ شَهْرٍ هذَا؟ "، قَلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: "أَلَيْسَ ذَا الْحِجَّةِ؟ "، قَلْنَا: بَلَى، قَالَ: "أَيُّ بَلَدٍ هذَا؟ "، قَلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: "أَلَيْسَ الْبَلْدَةَ؟ "، قَلْنَا: بَلَى، قَالَ: "فَأَيُّ يَوْمٍ هذَا؟ "، قَلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: "أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ،"، قَلْنَا: بَلَى، قَالَ: "فَإِنَّ دِمَاءكم وَأموَالَكُمْ - قَالَ مُحَمّدٌ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ - وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هذَا، فِي ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5548) عن عائشة رضي الله عنها. (¬2) في "ع": "موضع هذا". (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1108).

باب: في أضحية النبي - صلى الله عليه وسلم - بكبشين أقرنين، ويذكر سمينين

بَلَدِكُم هذَا، فِي شَهْرِكُمْ، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أعمَالِكُمْ، أَلاَ فَلاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلاَّلاً، يَضْرِبُ بَعضُكُم رِقَابَ بَعْضٍ، أَلاَ لِيُبَلَّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعض مَنْ سَمِعَهُ". وَكَانَ مُحَمَّد إِذَا ذَكَرَهُ قَالَ: صَدَقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَالَ: "أَلاَ هلْ بَلَّغْتُ؟ أَلاَ هلْ بَلَّغْتُ؟ ". (أليس يوم النحر؟): بهذا استدل من رأى أن يومَ النحر (¬1) يومٌ واحدٌ، وهو العاشر، ووجهُ الاستدلال: أنه - عليه السلام - أضاف هذا اليوم إلى جنس النحر؛ لأن اللام هنا جنسية، فتعم، فلا يبقي نحراً إلا في ذلك اليوم. والجماعةُ يجيبون بأن المراد: النحرُ الكاملُ الفضلِ، والألفُ واللام كثيراً ما تستعمل للكمال؛ نحو: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ} [البقرة: 177]، "إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ" (¬2)، ومثلُه كثير جداً، ولهذا نقول: اليومُ (¬3) الأولُ أفضلُ الأيام. * * * باب: في أُضْحيَّةِ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِكَبْشَينِ أَقْرنَينِ، ويُذْكَرُ سَمِينَينِ 2561 - (5553) - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا ¬

_ (¬1) في "م": "أن النحر". (¬2) رواه البخاري (6114)، ومسلم (2609) عن أبي هريرة رضي الله عنه. (¬3) "اليوم" ليست في "ع".

باب: من ذبح قبل الصلاة أعاد

عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهيْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ، وَأَناَ أُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ. (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يضحي بكبشين): هذا يدل على أن تلك عادته - عليه السلام -، فيكون دليلاً للمالكية على أفضلية الضأن في الضحايا؛ ضرورة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا (¬1) يواظب إلا على ما هو أفضل. * * * 2562 - (5554) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - انْكَفَأَ إِلَى كَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ. (أملحين): تثنية أَمْلَح، وهو الذي يخالط سوادَه بياضٌ (¬2). * * * باب: مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ أَعَادَ 2563 - (5561) - حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ عَبْدِ الَلَّهِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَن أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ، فَلْيُعِدْ". فَقَالَ رَجُلٌ: هذَا يَوْمٌ يُشْتَهى فِيهِ اللَّحْمُ، وَذَكَرَ مِنْ جِيرَانِهِ، فَكَأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَذَرَهُ، وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْنِ؟ فَرَخَّصَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلاَ أَدْرِي بَلَغَتِ الرُّخْصَةُ أَم لاَ، ثُمَّ انْكَفَأَ إِلَى ¬

_ (¬1) "لا" ليست في "ع". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1108).

باب: وضع القدم على صفحة الذبيحة

كَبْشَيْنِ، يَعنِي: فَذَبَحَهُمَا، ثُمَّ انْكَفَأَ النَّاسُ إِلَى غُنَيْمَةٍ فَذَبَحُوهَا. (ثم انكفأ): - بهمزة في آخره -؛ أي: رجعَ وانقلبَ. * * * باب: وَضْعِ القَدَمِ عَلَى صَفْحَةِ الذَّبِيحَةِ 2564 - (5564) - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ أملَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صَفْحَتِهِمَا، وَيَذْبَحُهُمَا بِيَدِهِ. (أقرنين): تثنية أَقْرَنَ، وهو الكبيرُ القَرْنِ. * * * باب: مَا يُؤْكَلُ مِنْ لَحُومِ الأَضَاحِي ومَا يَتَزوَّدُ مِنْهَا 2565 - (5568) - حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، عَنْ يَحيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ: أَنَّ ابْنَ خَبَّابٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ يُحَدِّثُ: أَنَّهُ كانَ غَائِباً، فَقَدِمَ، فَقُدِّمَ إِلَيْهِ لَحْمٌ، قَالَ: وَهذَا مِنْ لَحْمِ ضَحَايَانَا، فَقَالَ: أَخِّرُوهُ لاَ أَذُوقُهُ، قَالَ: ثُمَّ قُمْتُ فَخَرَجْتُ، حَتَّى آتِيَ أَخِي أبا قَتَادَةَ، وَكانَ أَخَاهُ لأُمِّهِ، وَكانَ بَدْرِيًّا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ حَدَثَ بَعْدَكَ أَمْرٌ. (حتى آتي قتادةَ): هو قَتَادُة بنُ النُّعْمانِ الظفريُّ، وفي بعض النسخ:

"أما آتي (¬1) أبا قَتادةَ" (¬2). قيل: وهو (¬3) وَهْم، وقد ذكره البخاري في غزوة بدر على الصواب، فقال: عن القاسم بن محمد، عن ابن (¬4) خباب - يعني: عبد الله -، فانطلق إلى أخيه لأمه وكان بدرياً قتادةَ بنِ النعمان (¬5). (قد حدث بعدَكَ أَمرٌ (¬6)): يعني: إباحةَ لحوم الأضاحي بعدَ ثلاثة. * * * 2566 - (5569) - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ، فَلاَ يُصْبِحَنَّ بَغدَ ثَالِثَةٍ وَفِي بَيْتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ". فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! نفعَلُ كَمَا فَعَلْنَا عَامَ الْمَاضِي؟ قَالَ: "كلُوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا؛ فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَامَ كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ، فَأَرَدتُ أَنْ تُعِينُوا فِيهَا". (فلما كان العامُ المقبلُ، قالوا: يا رسول الله (¬7)! نفعل كما فعلنا عام ¬

_ (¬1) في "م": "أتا". (¬2) كذا وقع هنا، وصوابه: "حتى آتي أخي أبا قتادة". كما في "التوضيح" (26/ 654)، و"التنقيح" (3/ 1108). (¬3) في "ع": "هو". (¬4) في "ع": "عن أبي"، وفي "ج": "ابن أبي". (¬5) رواه البخاري (3997). وانظر: "التوضيح" (26/ 654). (¬6) في "ع": "بعدك أمور". (¬7) "يا رسول الله" ليست في "ج".

الماضي؟): قد يقال: لما حَرُمَ عليهمُ الادخارُ فوقَ ثلاثة، وعملوا بمقتضى ذلك، كان الظاهرُ أنهم يستمرون عليه كلَّ عام، ولا يعاودون السؤال ثانياً. قال ابن المنير: فهموا أن ذلكَ العامَ كان على سبب خاص، وهو الدَّافَّةُ، وإذا ورد العامُّ على سبب خاصٍّ، حاكَ في النفس من عمومه وخصوصه إشكالٌ، ولهذا اضطرب العلماء فيه، فلما كان مَظِنَّةَ الاختصاص، عاودوا السؤال، فبين لهم أنه خاصٌّ بذلك السبب، ويُشبه أن يَستدل بهذا من يقول: إن العامَّ يَضعُف عمومه بالسبب، فلا يبقى على أصالته، ولا ينتهي به إلى التخصيص. ألا ترى أنهم لو (¬1) اعتقدوا بقاءَ العموم على أصالته، لما سألوا، ولو اعتقدوا الخصوصَ أيضاً، لما سألوا؟ فسؤالهم يدل على أنه ذو شائبين، وهذا اختيارُ الإمام الجويني، ويمكن أن يكون هذا حجة له (¬2). * * * ¬

_ (¬1) في "م": "لولا". (¬2) "له" ليست في "ج".

كتاب الأشربة

كتاب الأشربة

كتاب الأشربة 2567 - (5575) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا، حُرِمَهَا فِي الآخِرَةِ". (كتاب: الأشربة). (من شربَ الخمرَ [في الدنيا]، ثم لم يتبْ منها، حُرمها في الآخرة): قال القرطبي: ومع ذلك فلا يبالي بعدم شربها، ولا يَحسُدُ مَنْ شربها، ويكون حالُه كحال أهل المنازل في الخفض والرفع، فكما لا يشتهي منزلة مَنْ هو أرفَعُ (¬1) منه، كذلك لا يشتهي الخمرَ في الجنة، وليس ذلك بضارٍّ له. ثم قال: وقيل: إنه يعذَّبُ في النار، فإذا خرج منها برحمة الله، أو بالشفاعة، ودخل الجنة، لم يُحْرَمْ شيئاً، وكذا القول في لبسِ الحرير، والشربِ في آنية الذهب والفضة (¬2). ¬

_ (¬1) في "م": "رافع". (¬2) انظر: "المفهم" (5/ 270 - 271).

قلت: هذا خلافُ الظاهر من قوله - عليه الصلاة والسلام -: "حُرِمَها في الآخِرَةِ". وأيضاً: ففي "مسند أبي داود الطيالسي": قال الحافظ مغلطاي بسند صحيح عن أبي سعيد الخدري: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ لَبِسَ الحَرِيرَ في الدُّنْيا، لَمْ يَلْبَسْهُ في الآخِرَةِ، وَإِنْ دَخَلَ الجَنَّةَ، لَبِسَهُ أَهْلُ الجَنَّةِ، وَلم يَلْبَسْهُ هُوَ" (¬1). * * * 2568 - (5576) - حَدَّثَنَا أبَو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أتُيَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ بإيلِيَاءَ بِقَدَحَيْنِ مِنْ خَمْرٍ وَلَبَنٍ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا، ثُمَّ أَخَذَ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: الْحمدُ لِلَّهِ الَّذِي هدَاكَ لِلْفِطْرَةِ، وَلَوْ أَخَذْتَ الْخَفرَ، غَوَتْ أُمَّتُكَ. (ولو أخذتَ الخمرَ، غوتْ أُمتك): لا يُفهم من عدوله - عليه السلام - عن إناء الخمر حينئذ أن الخمرَ كانت حُرَّمَتْ، فإن حديثَ الإسراء بمكة، وتحريمَ الخمر بالمدينة بعدَ سنين (¬2)، وإنما تفرَّس فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها ستُحَرَّم، فتركَها من الآن، وعدلَ عنها، ولو كانت محرمة حينئذ، لم ¬

_ (¬1) رواه الطيالسي في "مسنده" (2217)، وابن حبان في "صحيحه" (5437)، والحاكم في "المستدرك" (7404). (¬2) في "ع": "بعد سنتين".

يُتصور (¬1) أن يُخير (¬2) بينَ مباحٍ وحرام. لكن قد (¬3) يقال: فإذا كانت مباحة، فهي حينئذ مساويةٌ للَّبَنِ (¬4)؛ ضرورةَ أن المباحاتِ سواءٌ لا رجحانَ فيها؛ إذ الرجحانُ منافٍ للإباحة. قال ابن المنير: لا إشكالَ في افتراق مباحين أحدُهما تستمرُّ إباحتُه، والآخرُ تنقطع. قلت: فيه نظر؛ إذ هما في حال إباحتهما (¬5) سواء، وبعد تحريم أحدهما افترقا، فافتراقُهما في حال انقطاع إباحة أحدهما لا يقتضي افتراقَهما حالَ ثبوتِ الإباحة وعدمِ انقطاعها (¬6)، فتأمله. * * * 2569 - (5577) - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثاً لاَ يُحَدِّثُكُمْ بِهِ غَيْرِي، قَالَ: "مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: أَنْ يَظْهَرَ الْجَهْلُ، وَيَقِلَّ الْعِلْمُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا، وَتُشْرَبَ الْخَمْرُ، وَيَقِلَّ الرِّجَالُ، وَيَكْثُرَ النَّسَاءُ، حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً قَيِّمُهُنَّ رَجُلٌ وَاحِدٌ". ¬

_ (¬1) في "ع": "حينئذ أن الخمر لم يتصور". (¬2) في "ج": "أن يتخير بين". (¬3) "قد" ليست في "ع". (¬4) في "ج": "لكن". (¬5) في "ع" و"ح": "حال إباحته". (¬6) في "م": "انقطاعهما".

(حتى يكون لخمسين امرأة): قيل: أراد: من الزوجات والسراري، وقيل: المراد: هما، وذواتُ المحارمِ معهما (¬1). * * * 2570 - (5578) - حَدَّثَنَا أَحمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَابْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولاَنِ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ يَزْنِي حِينَ يَزْنِي وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ". قَالَ ابْنُ شِهابٍ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُحَدِّثُهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، ثم يَقُولُ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ يُلْحِقُ مَعَهُنَّ: "وَلاَ يَنْتَهِبُ نُهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ، يَرفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ أَبْصَارَهُم فِيها حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهْوَ مُؤْمِنٌ". (ولا ينتهب نُهْبَةً ذاتَ شَرَفٍ): - بالشين المعجمة -؛ أي: ذاتَ قدرٍ، وقيل: يستشرفُ لها الناسُ. وروي بالسين المهملة، وهو أيضاً بمعنى القدر الكبير (¬2). * * * ¬

_ (¬1) "معهما" ليست في "ج". (¬2) "الكبير" ليست في "ع".

باب: الخمر من العنب وغيره

باب: الخَمْرِ مِنَ العِنَبِ وغَيرِهِ 2571 - (5579) - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، حَدَّثَنَا مالِكٌ - هُوَ ابْنُ مِغْوَلٍ -، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَ: لَقَد حُرِّمَتِ الْخَمرُ وَمَا بِالْمَدِينَةِ مِنْها شَيْءٌ. (لقد حُرِّمَتِ الخمرُ وما بالمدينة منها شيءٌ): يريد: خمرَ العنب، وكانت الأعناب بها قليلةً، فلا يُستدلُّ بهذا على أن الأنبذة ليستْ خمراً؛ لأن معنى كلامه: لقد حُرمت الخمرُ، وما بالمدينة من خمر العنب شيءٌ، لكن من خمرِ البُسْرِ ونحوِه، على أنه لم ينحصر تحريمُها في تسميتها خمراً؛ لأن مَعَنا دليلاً عاماً، وهو أن ما أسكرَ كثيرُه (¬1)، فقليلُه حرام. * * * باب: الخَمْرِ مِنَ العَسَلِ، وهوَ البِتْعُ 2572 - (5587) - وَعَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ تَنْتَبِذُوا فِي الدُّبَّاءِ، وَلاَ فِي الْمُزَفَّتِ". وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُلْحِقُ مَعَهَا الْحَنْتَمَ وَالنَّقِيرَ. (وكان أبو هريرةَ يُلحق معهما: الحَنْتَمَ والنَّقِيرَ): وقد فسرهما في كتاب: الإيمان. قال الزركشي: والعجبُ من ذكرِ البخاري لهما هنا من كلام أبي هريرة، وقد رواه هناك مرفوعاً من حديث ابن عباس في حديث وفدِ ¬

_ (¬1) في "ع": "كثير".

عبدِ القَيْسِ (¬1) (¬2). قلت: ليس مرادُ البخاري أن أبا هريرة يُلحق معهما الحنتمَ والنقيرَ من قَبيلِ نفسِه على أنه رأيٌ رآه، وإنما مرادُه (¬3): أنه يلحقهما في روايته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬4)، لكنه عَلَّقه بصيغة الجزم. قال الحافظ مغلطاي: رواه ابن سعد (¬5) عن محمد بن بشر، ومحمد ابن عبيد عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، بلفظ: نهى (¬6) رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أن يُنْبَذَ في المُزَفَّتِ وَالدُّبَّاءِ وَالحَنْتَمِ والنَّقِيرِ (¬7). وإذا ثبت ذلك، استبنْتَ أن ذكرَ الحنتمِ والنقيرِ ليس من كلام أبي هريرة [نفسِه، وإنما هو من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - من طريق أبي هريرة] (¬8)، فهو مرفوع، وغايةُ الأمر أن البخاري ذكره معلَّقاً، وليس رفعهُ للحديث أولًا من طريق ابن عباس بالذي يوجب عجباً من ذكره ثانياً بصيغة التعليق عن أبي هريرة، فتأمله. * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (53). (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1110). (¬3) في "ج": "وإنما رآه مراده". (¬4) في "ع": "عليه الصلاة والسلام". (¬5) في "ع" و"ج": "ابن أسعد". (¬6) في "ج": "النهي". (¬7) ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (5/ 70). (¬8) ما بين معكوفتين ليس في "ج".

باب: ما جاء فيمن يستحل الخمر، ويسميه بغير اسمه

باب: مَا جَاءَ فِيمَنْ يَسْتَحِلُّ الْخَمْرَ، وَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ 2573 - (5590) - وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، حَدَّثَنَا عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ الْكِلاَبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ الأَشْعَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أبَو عَامِرٍ - أَوْ أَبُو مَالِكٍ - الأَشْعَرِيُ، وَاللهِ! مَا كَذَبَنِي: سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ، وَالْخَمرَ وَالْمَعَازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ، يَرُوحُ عَلَيْهم بِسَارِحَةٍ لَهم، يَأتِيهِمْ - يَعْنِي: الْفَقِيرَ - لِحَاجَةٍ، فَيَقُولُوا: ارجِع إِلَيْنَا غَداً، فَيُبَيَّتُهُمُ اللَّهُ، وَيَضَعُ الْعَلَمَ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة". (باب: ما جاء فيمن (¬1) يستحلُّ الخمرَ، ويسمِّيه بغيرِ اسمهِ). (ليكونَنَّ أقوام (¬2) من أُمَّتي يستحلُّون الحِرَ (¬3)): - بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء -: هو الفّرْج. قال الزركشي: يريد: كثرة الزنا (¬4). قلت: اللفظ ساكت عن الكثرة والقلة، واستحلالُ الكثير والقليل من هذا سواءٌ. ¬

_ (¬1) في "ج": "ما جاء في ذكر من". (¬2) في "ع": "أقواماً". (¬3) في "ع": "الخمر". (¬4) انظر: "التنقيح" (3/ 1111).

قال القاضي: ورواه بعضهم بتشديد الراء (¬1). (والخمرَ): هذا موضع الترجمة، وهو مطابق لها، إلا قولَه فيها: "ويُسَمِّيهِ بغير اسمه"، وإن كان قد ورد مُبَيَّناً في غير هذا الطريق من رواية ابن أبي شيبة بسنده إلى أبي مالك الأشعري: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يَشْرَبُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الخَمْرَ يُسَمُّونَها بِغَيْرِ اسْمِهَا (¬2)، يُضْرَبُ عَلَى رُؤُوسِهِمْ بِالمَعَازِفِ وَالقَيْنَاتِ، يَخْسِفُ اللهُ بِهِمُ الأَرْضَ، وَيَجْعَلُ مِنْهُمُ القِرَدَةَ وَالخَنَازِيرَ" (¬3). لكنه لما (¬4) لم يوافق شرطَ البخاري تلكَ الزيادةُ، ترجمَ عليها، وقنع في الاستدلال عليها بقوله: "مِنْ أُمَّتِي"، فإن كونهم من الأمة يبعُد معه أن يستحلُّوها بغير تأويلٍ ولا تحريف؛ فإن في ذلك (¬5) مجاهرةً بالخروج عن الأمة؛ إذ تحريمُ الخمر معلومٌ ضرورةً. فإن قلت: الخمرُ مؤنثة، فكيف أعادَ البخاريُّ عليها ضميرَ المذكر من قوله: "ويسميه بغير اسمه"؟ قلت: بتأويل كونها شراباً، والعجبُ كيف غفلَ الزركشيُّ عن هذا المحل، وتخريجه على رأيه في أن المؤنثَ غيرَ الحقيقي يجوز تذكيرُه ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 187). (¬2) "اسمها" ليست في "ع". (¬3) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (5/ 68)، وابن حبان في "صحيحه" (6758)، والطبراني في "المعجم الكبير" (3/ 283). (¬4) "لما" ليست في "ع" و"ج". (¬5) في "م": "فإن ذلك".

باب: الانتباذ في الأوعية والتور

وتأنيثُه مطلقاً على ما ذكره مراتٍ، وقد بَيَّنا ما فيه. (والمعازفَ): هي الدُّفوف وغيرُها من آلات اللهو. (إلى جنب عَلَم): - بفتح العين المهملة واللام -: يريد: الجبل. (فَيُبَيَّتُهُمُ (¬1) اللهُ): من التَّبْييت (¬2)، وهو الإهلاكُ ليلاً. (ويضعُ العَلَمَ): قيل: أي: يطرح الجبلَ عليهم، فيهلِكُهم. (ويمسخُ آخرينَ قردةً وخنازيرَ إلى يوم القيامة): قال السفاقسي: الذي يصحُّ في النظر أن هذا لا يكون إلا فيمن يعتقدُ الكفر، ويتسمَّى بالإسلام؛ لأن الله لا يخسف بمن يعودُ عليه برحمته (¬3) في المعاد. قال الخطابي: فيه بيانُ أن المسخ يكون في هذه الأمة، والخسف لسائر الأمم؛ خلافاً لمن زعم أن ذلك لا يكون (¬4). * * * باب: الانْتِبَاذِ في الأَوعِيَةِ والتَّورِ 2574 - (5591) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلاً يَقُولُ: أَتَى أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ، فَدَعَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي عُرْسِهِ، فَكَانَتِ امرَأَتُهُ خَادِمَهُمْ، وَهْيَ ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "فينبئهم". (¬2) في "ج": "البينة". (¬3) في "م": "برحمة". (¬4) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 2098). وانظر: "التنقيح" (3/ 1112)، و"التوضيح" (27/ 126).

باب: ترخيص النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأوعية والظروف بعد النهي

الْعَرُوسُ، قَال: أَتَدْرُونَ مَا سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ أَنْقَعْتُ لَهُ تَمَرَاتٍ مِنَ اللَّيْلِ فِي تَوْرٍ. (أنقعت): أي: بَلَلْتُ، يقال فيه: نَقَعْتُ، وأَنْقَعْتُ. (في تَوْر): - بمثناة فوقية -: إناءٌ يُشرب فيه. وقال الزمخشري (¬1): إناء صغير (¬2)، وهو مذكَّر عند أهل اللغة (¬3). * * * باب: تَرِخيصِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الأَوعيَةِ والظُّروفِ بَعْدَ النَّهيِ 2575 - (5593) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سُلَيْمَانَ ابْنِ أَبي مُسْلِم الأَحْوَلِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي عِيَاضٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَ: لَمَّا نهى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الأَسْقِيَةِ، قِيلَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: لَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَجِدُ سِقَاءً، فَرَخَّصَ لَهُمْ فِي الْجَرِّ غَيْرِ الْمُزَفَّتِ. (لما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الأسقية): أي: عن الظُّروف، ويدلُّ على ذلك ما في الحديث؛ إذ قيل: له (¬4): ليس (¬5) كلُّ الناس يجدُ سقاءً، فرخَّص ¬

_ (¬1) في "ع": "وقال الزركشي". (¬2) في "ج": "صغيرة". (¬3) انظر: "أساس البلاغة" (ص: 65). وانظر: "التنقيح" (3/ 1112). (¬4) "له" ليست في "ج". (¬5) "له ليس" ليست في "ع".

باب: الباذق، ومن نهى عن كل مسكر من الأشربة

لهم في الجرِّ غيرِ المزفَّتِ؛ أي: غيرِ المطليِّ بالزَّفْت. وقال القاضي: ذكرُ الأسقيةِ وهمٌ في الرواية، إنما هو: الأَوْعِية؛ لأنَ الأسقيةَ يتخللها الهواء من مسامِّها، فلا يُسرع إليها الفساد (¬1). قلت: غايته (¬2) أنه عبر بالأسقية عن الأوعية؛ لقرينةٍ تُشعر بالمراد كما تقدم، فأين الوهم؟ * * * باب: البَاذَقِ، ومَنْ نَهَى عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ مِنَ الأَشْرِبَةِ 2576 - (5598) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الْجُوَيْرِيَةِ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ الْبَاذَقِ، فَقَالَ: سَبَقَ مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - الْبَاذَقَ: "فَمَا أَسْكَرَ، فَهْوَ حَرَامٌ". قَالَ: الشَّرَابُ الْحَلاَلُ الطَّيِّبُ، قَالَ: لَيْسَ بعدَ الْحَلاَلِ الطَّيِّبِ إلَّا الْحَرَامُ الْخَبِيثُ. (عن الباذَق): - بفتح الذال المعجمة - مُعَرَّبُ بَاذَه، وهو اسمُ (¬3) الخمرة بالفارسية، وقيل: كان أول من وصفه وسماه بنو أمية؛ لينقلوه عن اسم الخمر (¬4). (فقال: سبقَ محمدٌ الباذَقَ): يريد ابن عباس - رضي الله عنه -: أن ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 228). وانظر: "التنقيح" (3/ 1112). (¬2) في "ج": "غايتها". (¬3) "اسم" ليست في "ع". (¬4) انظر: "التنقيح" (3/ 1112).

باب: من رأى أن لا يخلط البسر والتمر إذا كان مسكرا، وأن لا يجعل إدامين في إدام

محمداً - صلى الله عليه وسلم - سبقَ بتحريمِ الخمرِ تسميتَهم إياها بالباذَقِ، فليس التحريمُ منوطاً بمجرَّد الاسم حتى يكونَ تغييرُه مُغَيِّراً للحكم، وإنما الاعتبارُ بالإسكار، فإن وُجِدَ، فالتحريمُ ثابتٌ، سواءٌ سُمِّي المسكرُ باسمه الذي كانَ، أو غُيِّرَ إلى اسمٍ آخرَ. * * * باب: مَنْ رَأَى أَنْ لاَ يَخْلِطَ الْبُسْرَ وَالتَّمْرَ إِذَا كَانَ مُسْكِراً، وَأَنْ لاَ يَجْعَلَ إِدَامَيْنِ فِي إِدَامٍ (باب: من رأى أن لا يَخلط البُسْرَ والتمرَ إذا كان مُسْكِراً، وأن لا يَجعلَ إدامين في إدام): قال ابن المنير: وَهَّمَ المهلبُ البخاريَّ في قوله: إذا كان مسكراً (¬1)، وقال: إن النهي عن الخليطين عامٌّ، وإن لم يُسكر كثيرُهما؛ لسرعةِ سريانِ الإسكار إليهما من حيث لا يُشعر به. ولا يلزم البخاريَّ ذلك، إما لأنه يرى جوازَ الخليطين (¬2) قبلَ الإسكار، وإما لأنه ترجمَ على ما يطابقُ الحديثَ الأول؛ أعني: حديثَ أنسٍ، ولا شك أن الذي كان يسقيه حينئذٍ لمن سماه مسكراً، ولهذا دخل عندهم في عموم تحريم الخمر، وقال أنس: وإنا لنعدُّها يومئذ الخمرَ، فدل (¬3) ذلك على أنه كان مسكراً. ¬

_ (¬1) "مسكراً" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "خليطين". (¬3) في "ع": "قال".

وأما قوله: وأن لا يجعل إدامين في إدام، فيطابق حديثَ جابر: "نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الزبيبِ والتمرِ، والبُسْرِ والرُّطَب" (¬1). وقولَ أبي قتادة: "نَهى (¬2) أن يُجْمَعَ بينَ التمرِ والزَّهْوِ، والتَّمرِ والزَّبيبِ، ولْيُنْبَذْ (¬3) كُلُّ واحدٍ منهما على حِدَةٍ" (¬4). قال ابن المنير: ويكون النهي معلَّلاً بعللٍ مستقلة: إما تحقيق [إسكار خمر (¬5) الكثير، وإما توقع] (¬6) الإسكار بالاختلاط شرعاً، وإما الإسراف، والتعليلُ بالإسرافِ مُبينٌ في حديث النهي عن قِرانِ التمر هذا؛ والتمرتان من نوع واحد، فكيف بالمتعدد؟ ووجه ثالث في الاحتجاج، وهو أن يريد: تقييدَ الخليطين المكروهين؛ بأن يكون كلُّ واحد منهما لو انفردَ، أمكنَ أن يُعدَّ من المسكر، وهذا تقييد صحيح، ولهذا لا يضر خلطُ الماء والعسل؛ لأن الماء بمجرده لا يُسكر أبداً، ولا يَضُرُّ خلطُ السكَّرِ والعسل؛ لأن السكَّر لا يُتخذ منه مُسكِرٌ (¬7) أبداً، فمعنى قوله: إذا كان مُسْكِراً: إذا كان من جنس ما يُسْكِر. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5601). (¬2) في "ع": "نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - ". (¬3) في "ج": "والنبيذ". (¬4) رواه البخاري (5602). (¬5) في "ج": "الخمر". (¬6) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬7) في "ج": "مسكراً".

باب: شرب اللبن

وأما جمعُ إدامَيْن في إدام، فقد تحرَّجَ منه عمرُ - رضي الله عنه -، رُوي: أنه كان كثيراً ما يسأل حذيفةَ: هل عَدَّهُ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في المنافقين؟ فيقول: لا، فيقول: هل رأيتَ فِيَّ (¬1) شيئاً في خِلالِ النفاق؟ فيقول: لا، ثم سأله عن ذلك مرة، فقال: لا، إلا واحدة، فقال: وما هي؟ قال: رأيتُك (¬2) جمعتَ بين إدامَيْنِ على مائدةٍ: ملحٍ، وزيتٍ، وكنا نعدُّ هذا نفاقاً، فقال عمر: لله عليَّ أن لا أجمعَ بينهما. فكان لا يأكل إلا بزيتٍ خاصَّةً، أو بملح خاصةً، فهذا - والله أعلم - إنما هو لطلب المعالي من الزُّهد والتقلُّل، وإلا، فلا خلاف بين العلماء أن الجمعَ بينهما مباحٌ بشرطه. * * * باب: شُرْبِ اللَّبَنِ وَقَوْلِ اللَّهِ تعالَى: {مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ} [النحل: 66] (باب: شرب (¬3) اللبن، وقول الله - عز وجل -: (يَخرُجُ مِن بَينِ فَرثٍ وَدَمٍ)): ليس في التلاوة: يخرج، وإنما هيْ: {نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ} [النحل: 66]. 2577 - (5605) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ ¬

_ (¬1) "فيَّ" ليست في "ج". (¬2) في "ع": "رأيت". (¬3) "شرب" ليست في "ع" و"ج".

أَبِي صَالِحٍ وَأَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: جَاءَ أبو حُمَيْدٍ بِقَدَحٍ مِنْ لَبَنٍ مِنَ النَّقِيعِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَّ خَمَّرْتَهُ، وَلَوْ أَنْ تَعْرُضَ عَلَيْهِ عُوداً". (جاء أبو حميد بقدح من لبن من النقيع): النقيع هنا بنون، وهو موضعٌ معروفٌ بقرب المدينة تُعمل فيه الآنية، كان يستنقع فيه الماء؛ أي: يجتمعُ. ورواية الشيخ أبي الحسن فيه بالباء الموحدة، وهو بقيعُ الغرقد مقبرةُ المدينة، قال الزركشي: وهذا تصحيف (¬1). قلت (¬2): لا أدري وجهَ التصحيف ما هو؛ إذ المعنى صحيحٌ على كلتا الراويتين، فتأمل ذلك. (ولو أن تَعْرُض عليه عوداً): بفتح المثناة الفوقية من "تَعْرُضَ"، وضم رائها، كذا رواية الجمهور. ورواه أبو عبيد بكسرها، ومعناه نصبُ العودِ على الإناء عَرْضاً (¬3). * * * 2578 - (5610) - وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "رُفِعْتُ إِلَى السَّدرَةِ، فَإِذَا ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1114). (¬2) "قلت" ليست في "ج". (¬3) انظر: "غريب الحديث" (1/ 97). وانظر: "التنقيح" (3/ 1114).

أرْبَعَةُ أَنْهَارٍ: نَهَرَانِ ظَاهِرَانِ، وَنَهَرَانِ بَاطِنَانِ، فَأَمَّا الظَّاهِرَانِ: النِّيلُ وَالْفُراتُ، وَأَمَّا البَاطِنَانِ: فَنَهَرَانِ فِي الْجَنَّةِ، فَأُتِيتُ بِثَلاَثَةِ أَقْدَاحٍ: قَدَحٌ فِيهِ لَبَنٌ، وَقَدحٌ فِيهِ عَسَلٌ، وَقَدَحٌ فِيهِ خَمْرٌ، فَأَخَذْتُ الَّذِي فِيهِ اللَّبَنُ، فَشَرِبْتُ، فَقِيلَ لِي: أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ أَنْتَ وَأُمَّتُكَ". (وأُتيت بثلاثة أقداح: قدحٌ فيه لبن، وقدح فيه عسل، وقدح فيه خمر، فأخذت الذي فيه اللبنُ): قال ابن المنير: الأشهرُ في الحديث أنه أُتي بإناءين: لبنٍ، وخمرٍ، وهذا أيضاً صحيح، ولكن لم يذكر السرَّ في عُدولِه عن العسل، وذكرَ السرَّ في (¬1) عُدولِه عن الخمر، فظاهرُ الحال أن السرَّ في (¬2) ذلك تفضيلُ اللبن على العسل؛ لأنه الأيسرُ (¬3) والأنفعُ، ومنه نَشَزَ العَظْمُ، ونَبَتَ اللحمُ، وهو بمجرده (¬4) قوتٌ، وليس هو أيضاً من الطيبات التي تدخل في السَّرَفِ بوجهٍ، وهو أقربُ إلى الزُّهد، فكأنه - عليه الصلاة والسلام - مع تركِه للخمر التي حُرِّمَتْ، تركَ العسلَ الذي هو حلالٌ؛ لأنه من اللذائذ التي يُخشى على صاحبها أن يندرجَ في قوله تعالى: {أذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} [الأحقاف: 20]، ولهذا رفع عمر - رضي الله عنه - شربةَ عسلٍ إلى فيه، ثم رَدَّها، وتلا الآية، وأما اللبنُ، فلا شُبهة فيه، ولا مُنافاةَ بينه وبين الوَرَعِ بوجهٍ. ¬

_ (¬1) "في" ليست في "ع". (¬2) "في" ليست في "ج". (¬3) في "ع": "لأنه أيسر". (¬4) في "ج": "بمجرد".

باب: استعذاب الماء

وأما حُبُّه - عليه الصلاة والسلام - للعسل، فعلى وجه الاقتصاد في تناوله، لا أنه يجعله دَيْدَناً، وتناوُلُه وقتاً ما يُخرج المتورِّعَ (¬1) من عُهدة التنطُّع، والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُشَرَّعٌ، فلذلك يفعلُ ما يجوزُ للبيان. * * * باب: اسْتِعْذَابِ الْمَاءِ (باب: استعذاب الماء): غرضُ الترجمة أن التماسَ (¬2) الماءِ العذبِ الطيبِ ليس مُنافياً للزهد، ولا داخلاً في الترفُّه والترفِ (¬3) المكروهِ، وما ذكره ابنُ بطال من قيامِ استحبابِ الطيباتِ من الطعام (¬4) على استعذاب الماء (¬5)، غيرُ مستقيم لمن أراد الورعَ (¬6). * * * باب: شَوبِ اللَّبَنِ بالمَاءِ 2579 - (5612) - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّهُ رَأَى ¬

_ (¬1) في "ع": "يخرج المتوعد". (¬2) في "ع": "الناس". (¬3) في "ج": "والترفه". (¬4) "من الطعام" ليست في "ع". (¬5) انظر: "شرح ابن بطال" (6/ 68). (¬6) "أراد الورع" ليست في "ع". وانظر: "التوضيح" (27/ 178).

رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - شَرِبَ لَبَناً، وَأَتَى دَارَهُ، فَحَلَبْتُ شَاةً، فَشُبْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْبِئْرِ، فَتَنَاوَلَ الْقَدَحَ فَشَرِبَ، وَعَنْ يَسَارِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ، فَأَعْطَى الأَعْرَابِيَّ فَضْلَهُ، ثُمَّ قَالَ: "الأَيْمَنَ فَالأَيْمَنَ". (فحلبتُ شاةً، فشُبْتُ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من البئر): هذا ليس من الخليطين في شيء، وهو ما يحقق قولُه في الخليطين: إذا كان مُسْكراً؛ أي: كلُّ واحدٍ منهما من جنس ما يُسْكر، والماءُ واللبنُ ليسا من ذلك بسبيل (¬1). (ثم قال: الأيمنَ فالأيمنَ): بالنصب على الحال؛ أي: اشربوا مترتبين على هذا النمط، وبالرفع على أنه مبتدأ حُذف خبره؛ أي: أولى وأحقُّ بالشرب من غيره. * * * 2580 - (5613) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنْ كَانَ عِنْدَكَ مَاءٌ بَاتَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ فِي شَنَّةٍ، وَإِلاَّ كَرَعْنَا". قَالَ: وَالرَّجُلُ يُحَوَّلُ الْمَاءَ فِي حَائِطِهِ، قَالَ: فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللهِ! عِنْدِي مَاءٌ بَائِتٌ، فَانْطَلِقْ إِلَى الْعَرِيشِ، قَالَ: فَانْطَلَقَ بِهِمَا، فَسَكَبَ فِي قَدَحٍ، ثُمَّ حَلَبَ عَلَيْهِ مِنْ داجِنٍ لَهُ، قَالَ: فَشَوِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ شَرِبَ الرَّجُلُ الَّذِي جَاءَ مَعَهُ. ¬

_ (¬1) في "ع": "ذلك السبيل".

باب: شراب الحلواء والعسل

(في شَنّة): - بفتح الشين المعجمة وتشديد النون -؛ أي: قِرْبَةٍ خَلَقٍ. (وإلا كرعنا): بفتح الراء، وقد تكسر؛ أي: شربنا من النهر [بأفواهنا، يقال: كَرَعَ: إذا شرب بفيهِ من النهر] (¬1) من غير أن يُدخل كفَّه، ولا يشربَ بإناء (¬2). * * * باب: شَرَابِ الْحَلْوَاءِ وَالْعَسَلِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لاَ يَحِلُّ شُرْبُ بَوْلِ النَّاسِ لِشِدَّةٍ تَنْزِلُ؛ لأَنَّهُ رِجْسٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 5]. وقال ابنُ مَسْعُودٍ في السُّكْرِ: إِنَّ اللهَ لَمَ يَجْعَلْ شِفَاءَكُم فيما حَرَّم عَلَيكُمْ. (باب: شربِ الحلواء والعسل): ترجم على هذا، وأعقبه بضده من قول الزهري: لا يحل شربُ بولِ الناس، وقول ابن مسعود في السكر: لم يجعلِ اللهُ شفاءكم فيما حَرَّمَ عليكم، وبضدها تَتَبَيَّنُ الأشياءُ (¬3)، ثم عادَ إلى ما يطابق الترجمة نصاً، ونبه بقوله: شُربِ الحلواءِ على أنها ليست الحلواءَ المعهودةَ التي يتعاطاها المترفِّهون، وإنما هو شيء (¬4) حلوٌ يُشرب، إِمَّا ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬2) انظر: "التوضيح" (27/ 181). (¬3) "الأشياء" ليست في "ع". (¬4) "شيء" ليست في "ع".

عسلٌ بماء، أو غيرُ ذلك مما يشاكله (¬1). قلت: تقدم للخطابي أن الحلواء لا تُطلق (¬2) إلا على ما دخلَتْه الصنعة، فتذكره. قال ابن التين (¬3): والعربُ لا تعرف هذه (¬4) الحلواءَ المعقودةَ التي هي الآن معهودةٌ، وإنما يُطلقونها على الشيء الحلو؛ كالعسل، والماءِ المنبوذِ فيه التمرُ وغيرُه. واعترضه الحافظ مغلطاي: بأنه لا خلافَ في أن العرب يعرفون الفالوذَجَ، وهو لُبابُ (¬5) البُرَّ بِسَمْنِ البَقَرِ يُعْقَدُ بالعسل، وهو الذي نسميه الآن بالصابونية (¬6). قال أميةُ بنُ أبي الصَّلْتِ في ابنِ جُدْعانَ: لَهُ داعِ بِمَكَّةَ مُشْمَعِلٌّ ... وَآخَرُ فَوْقَ دَارَتِهِ (¬7) يُنَادِي إلى رُدُحِ (¬8) مِنَ الشِّيزَى مِلاَءٍ (¬9) .... لُبَابُ البُرَّ يُلْبَكُ بِالشِّهَادِ ¬

_ (¬1) انظر: "المتواري" (ص: 218). (¬2) في "ع": "لا يطابق". (¬3) في "ج": "قال ابن المنير". (¬4) في "ع": "هذا". (¬5) في "ع": "وهو الباب". (¬6) انظر: "التوضيح" (27/ 189). (¬7) في "ع": "دانية". (¬8) في "ع" و"ج": "إلى درج". (¬9) في "ع": "إبلاء".

باب: الشرب قائما

قلت: ليس فيما استشهد به ما يدل على ما ادعاه من عقد اللباب بالعسل؛ إذ اللَّبْكُ: الخَلْطُ، وهو أعمُّ من أن يكونَ بعقدٍ أو بغيرِه (¬1). * * * باب: الشُّرْبِ قَائِمَاً 2581 - (5615) - حَدَّثَنَا أبَو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ ابْنِ مَيْسَرَةَ، عَنِ النَّزَّالِ، قَالَ: أَتَى عَلِيٌّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَلَى بَابِ الرَّحَبَةِ، فَشَرِبَ قَائِماً، فَقَالَ: إِنَّ نَاساً يَكْرَهُ أَحَدُهُمْ أَنْ يَشْرَبَ وَهْوَ قَائِمٌ، وَإِنَّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَعَلَ كَمَا رَأَيْتُمُونِي فَعَلْتُ. (على باب الرَّحْبة): قال الزركشي: جوز فيه (¬2) السفاقسي إسكان الحاء وفتحها، على نقيض نقل الجوهري (¬3). قلت: الذي (¬4) في السفاقسي نصه: قال في "الصحاح": الرَّحْبُ - بالفتح -: الواسع، تقول منه: بلدٌ رَحْبٌ، وأرضٌ رَحْبَةٌ، ثم قال بعد: والرَّحَبَةُ - بالتحريك -: رَحَبَةُ المسجدِ يقرأ بالتحريك (¬5)، وهذا هو البين. انتهى. وحاصله: أن الجوهري جعل الرَّحْبَةَ - بفتح الراء وسكون الحاء -: ¬

_ (¬1) في "ع": "أو غيره". (¬2) في "ع" و"ج": "فيه جواز". (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1115). وعنده: "مقتضى" بدل "نقيض". (¬4) في "ع": "قلت في الذي". (¬5) انظر: "الصحاح" (1/ 135)، (مادة: رحب).

باب: تغطية الإناء

الأرض المتسعة، [وبفتحهما معاً: ساحةَ المسجد، فإن أُريد في الحديث الأرضُ المتسعة، سَكَّنْتَ] (¬1) الحاء، وإن أُريد أن تلكَ الأرضَ ساحة الكوفة، فتحتَ الحاء، فكيف يكونُ كلام السفاقسي نقيضاً لنقل الجوهري، وهو مفرَّعٌ عليه كما رأيت؟! * * * 2582 - (5616) - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ، سَمِعْتُ النَّزَّالَ بْنَ سَبْرَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ عَلِيًّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ قَعَدَ فِي حَوَائِجِ النَّاسِ فِي رَحَبَةِ الْكُوفَةِ، حَتَّى حَضَرَتْ صَلاَةُ الْعَصْرِ، ثُمَّ أُتِيَ بِمَاءٍ، فَشَرِبَ وَغَسَلَ وَجْههُ وَيَدَيْهِ، وَذَكَرَ رَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ، ثُمَّ قَامَ، فَشَرِبَ فَضْلَهُ وَهْوَ قَائِمٌ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ ناَساً يَكْرَهُونَ الشُّرْبَ قَائِماً، وَإِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُ. (في حوائج الناس): جمع حاجة على ما ذكره ابنُ فارس والجوهري وغيرهما، وأنكره الداودي، وقال: إنما (¬2) يُجمع على حاجات (¬3). * * * باب: تَغْطِيَةِ الإِنَاءِ 2583 - (5623) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) في "ع": "أنه". (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1115).

باب: اختناث الأسقية

عُبَادَةَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ: أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ، أَوْ أَمْسَيْتُمْ، فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ؛ فَإنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ، فَحُلُّوهُمْ، فَأَغْلِقُوا الأَبْوَابَ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَفْتَحُ بَاباً مُغْلَقاً، وَأَوْكوا قِرَبَكُم وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهَا شَيْئاً، وَأَطْفِئُوا مَصَابِيحَكُمْ". (جُنح الليل): - بضم الجيم وكسرها -: إقبالُه حين تغيبُ الشمسُ بيسيرٍ. (تَنْتَشِرُ): أي: تَجيء وتَذهب (¬1). * * * باب: اخْتِنَاثِ الأَسْقِيَةِ 2584 - (5625) - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدرِيَّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ اخْتِنَاثِ الأَسْقِيَةِ. يَعْنِي: أَنْ تُكْسَرَ أَفْوَاهُهَا، فَيُشْرَبَ مِنْهَا. (عن اختناث الأسقية): فسره في الأصل بأن تُكسر أَفواهُها، فيشربَ منها. قيل: وعلَّةُ النهي أنه يُغير رائحةَ السَّقاء. وقيل: لأنه قد يكون فيها أذى، فينزل إلى جوف الشارب وهو لا يشعر (¬2). ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "أي تذهب وتجيء". (¬2) المرجع السابق، (3/ 1116).

باب: الشرب بنفسين أو ثلاثة

باب: الشُّرْبِ بِنَفَسَينِ أَو ثَلاَثَةٍ 2585 - (5631) - حَدَّثَنَا أبو عَاصِمٍ وَأَبُو نُعَيْمٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا عَزْرَةُ ابْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَانَ أَنَسٌ يَتَنَفَّسُ فِي الإِنَاءِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً، وَزَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَتَنَفَّسُ ثَلاَثاً. (ثنا عَزْرة): بعين مهملة فزاي ساكنة فراء فهاء تأنيث. * * * باب: الشُّربِ في آنِيَةِ الذَّهَبِ 2586 - (5632) - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: كَانَ حُذَيْفَةُ بِالْمَدَايِنِ، فَاسْتَسْقَى، فَأَتَاهُ دُهْقَانٌ بِقَدَحِ فِضَّةٍ، فَرَمَاهُ بِهِ، فَقَالَ: إنَيّ لَمْ أَرْمِهِ إِلاَّ أَنَّي نَهَيْتُهُ فَلَمْ يَنْتَهِ، وَإِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَانَا عَنِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ، وَالشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَقَالَ: "هُنَّ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَهْيَ لَكُمْ فِي الآخِرَةِ". (دهقان): - بكسر الدال وضمها (¬1) -؛ كقُرْطاس وقِرْطاس. قال الزمخشري (¬2): والأعرَفُ فيه الكسرُ (¬3). * * * ¬

_ (¬1) "وضمها" ليست في "ع"، و"الدال وضمها" ليست في "ج". (¬2) في "ع": "قال الزركشي". (¬3) انظر: "الفائق في غريب الحديث" (3/ 181). وانظر: "التنقيح" (3/ 1116).

باب: آنية الفضة

باب: آنِيَةِ الفِضَّةِ 2587 - (5634) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ زيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الَّذِي يَشْرَبُ فِي إِنَاءَ الْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ ناَرَ جَهَنَّمَ". (إنما يجرجر في بطنه نارَ جهنمَ): يُجَرْجِرُ إما بمعنى: يَصُبُّ، فـ "نارَ جهنمَ" منصوبٌ على المفعولية، وإما (¬1) بمعنى يُصَوِّتُ، فـ "نارُ جهنمَ" رفعٌ على الفاعلية، وقد يُجعل يجرجر بمعنى: يصب، ويكون "نارَ جهنمَ" منصوباً، كما تقدم على أن "ما" كافة، أو مرفوعاً على أنه خبر "إن"، واسمها "ما" الموصولة، ولا تُجعل حينئذٍ كافَّةً (¬2). * * * باب: الشُّرْبِ منِ قَدَحِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وآنِيَتِهِ 2588 - (5638) - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، قَالَ: رَأَيْتُ قَدَحَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَكَانَ قَدِ انْصَدَعَ، فَسَلْسَلَهُ بِفِضَّةٍ، قَالَ: وَهْوَ قدحٌ جَيِّدٌ عَرِيضٌ مِنْ نُضَارٍ، قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: لَقَدْ سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي هذَا الْقَدَحِ أَكْثَرَ مِنْ كَذَا وَكَذَا. ¬

_ (¬1) في "ع": "وإنما". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1116).

باب: شرب البركة، والماء المبارك

قَالَ: وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: إِنَّهُ كَانَ فِيهِ حَلْقَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَأرَادَ أَنَسٌ أَنْ يَجْعَلَ مَكَانَهَا حَلْقَةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُو طَلْحَةَ: لاَ تُغَيِّرَنَّ شَيْئاً صَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَتَرَكَهُ. (وهو قدحٌ جيدٌ عريضٌ من نُضار): أي: من خَشَبِ نُضارٍ، والنُّضارُ: الخالِصُ من كُلَّ شيء، وقدحُ نضارٍ: إذا اتُّخِذَ من أَثْلٍ يكونُ بالغَوْرِ، وقيل: إنه عودٌ أصفرُ يُشبه لونَ الذهبِ (¬1). * * * باب: شُربِ البَركَةِ، والمَاءَ المُبَارَكِ 2589 - (5639) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ أَبي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: هذَا الحَدِيثَ، قَالَ: قَدْ رَأَيْتُنِي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ حَضَرَتِ الْعَصْرُ، وَلَيْسَ مَعَنَا مَاءٌ غَيْرَ فَضْلَةٍ، فَجُعِلَ فِي إِنَاءٍ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِهِ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ، وَفَرَّجَ أَصَابِعَهُ، ثُمَّ قَالَ: "حَيَّ عَلَى أَهْلِ الْوُضُوءِ، الْبَرَكَةُ مِنَ اللَّهِ". فَلَقَدْ رَأَيْتُ الْمَاءَ يَتَفَجَّرُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، فتوَضَّأَ النَّاسُ، وَشَرِبُوا، فَجَعَلْتُ لاَ آلُو مَا جَعَلْتُ فِي بَطْنِي مِنْهُ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ بَرَكَةٌ. قَلْتُ لِجَابِرٍ: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: ألفاً وَأَرْبَعَ مِئَةٍ. (حَيَّ على أهلِ الوُضوء): هذه روايةُ الأكثرين، وسقطَ لفظُ "أهل" عند النسفي. ¬

_ (¬1) المرجع السابق، الموضع نفسه.

قال الزركشي حاكياً عن غيره: وهو الصواب، كما جاء في الأحاديث: "حَيَّ عَلَى الطَّهُورِ" (¬1). قلت: بل كُلٌّ صوابٌ؛ فإن "حَيَّ" (¬2) بمعنى أَقْبِلْ، فإن كان (¬3) المخاطبُ المأمورُ بالإقبال هو الذي يُريد الطَّهور (¬4)، كان سقوط (¬5) "أهل" صواباً؛ أي: أقبلْ أيها المريدُ للتطَهُّر (¬6) على الماءِ الطَّهور، وإن جعلنا المخاطبَ هو الماءَ (¬7) الذي أرادَ النبي - صلى الله عليه وسلم - انبعاثه وتفجُّره (¬8) من بين أصابعه، نَزَّلَهُ منزلةَ المخاطَب تجوزاً، فإثباتُ "أهل" صوابٌ؛ أي: أقبلْ أيها الماءُ الطَّهور على أهل الوضوء (¬9)، ووجَّه القاضي هذه الرواية بأن يكون "أهل" منصوباً على النداء، كما تقول: حَيَّ على الوضوء (¬10). قلت (¬11): لكن يلزم عليه حذفُ المجرور، وبقاءُ الحرف الجارِّ غيرَ داخلٍ في اللفظ على معموله، وهو باطلٌ، ولا أعلم أحداً أجازه. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3579) عن عبد الله رضي الله عنه. وانظر: "التنقيح" (3/ 1117). (¬2) في "ج": "الوحي". (¬3) "كان" ليست في "ع". (¬4) في "ع" و"ج": "يريد به الطهور". (¬5) "سقوط" ليست في "ع". (¬6) في "ج": "للتطهير". (¬7) "الماء" ليست في "ج". (¬8) "وتفجره" ليست في "ع". (¬9) "على أهل الوضوء" ليست في "ج". (¬10) انظر: "مشارة الأنوار" (1/ 218). (¬11) "قلت" ليست في "ع".

(فجعلتُ لا آلو ما جعلتُ (¬1) في بطني منه): وذلك أَنَّ شربَ البركةِ يُغْتَفَرُ فيه الإكثارُ، لا كالشربِ المعتاد الذي وردَ أن يُجعل له الثُّلُثُ، فلأجل ذلك أَكْثَرَ (¬2)، وإن كان فوقَ الرَّيَّ. * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "فجعلت". (¬2) "أكثر" ليست في "ع".

كتاب المرضى

كتاب المرضى

باب: ما جاء في كفارة المرضى

كتاب المرضى باب: مَا جَاءَ في كَفَّارَةِ المَرْضَى 2590 - (5641 و 5642) - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمرِو بْنِ حَلْحَلَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمًّ وَلاَ حُزْنٍ، وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِها مِنْ خَطَايَاهُ". (كتاب: المرضى). (من نصبٍ ولا وَصَبٍ ولا هَمٍّ): النَّصَبُ: الإعياءُ، والوَصَبُ: المرض والألمُ، والهمُّ: مرضٌ يَخُصُّ الباطنَ. (حتى الشَّوْكَةَ): جوز فيه أبو البقاء أوجهَ الإعراب: فالجرُّ على أن "حتى" جارَّةٌ بمعنى "إلى"، والنَّصْبُ بفعلٍ محذوف؛ أي: حتى يجدَ الشوكةَ، والرفعُ إما بالعطف على محلِّ "مِنْ نَصَبٍ" أو على أنه مبتدأ محذوفُ الخبر (¬1) (¬2). (يُشاكُها): أي: يُصاب بها. ¬

_ (¬1) في "ع": "محذوف خبره". (¬2) انظر: "إعراب الحديث النبوي" لأبي البقاء (ص: 239). وانظر: "التنقيح" (3/ 1118).

قال السفاقسي: حقيقةُ هذا اللفظ أن يُدْخِلَها غيرُه في جسده، يقال: شُكْتُه أَشُوكُهُ. قال الأصمعي: ويقال: شَاكَتْني تَشُوكُني: إذا دخلَتْ هي، فلو كان المرادُ هذا، لقيل: تشوكُه، ولكنْ جعلها هي مفعولَةً (¬1)، [وجعلَه (¬2) هو مفعولاً به] (¬3) أيضاً (¬4). قلت: ولا (¬5) بِدَعَ في ذلك، ولا إشكالَ بوجه من الوجوه. * * * 2591 - (5645) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أِبي صَعْصَعَةَ: أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ ابْنَ يَسَارٍ أَبا الْحُبَابِ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْراً، يُصِبْ مِنْهُ". (من يُرِدِ اللهُ به خيراً، يُصِبْ منه): أي: يَبْتليه بالمصائب؛ ليثيبَهُ عليها، قاله صاحب "الغريبين". وقال أبو الفرج: عامَّةُ المحدِّثين يقرؤونه بكسر الصاد، يجعلون الفعلَ لله، وسمعتُ ابن الخشاب يفتح الصاد، وهو أحسنُ وأليقُ (¬6). ¬

_ (¬1) في "ج": "مفعولة لأنه". (¬2) في "ع": "وجعلت". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬4) انظر: "التنقيح" (3/ 1118). (¬5) "ولا" ليست في "ج". (¬6) انظر: "التنقيح" (3/ 1119).

باب: فضل من يصرع من الريح

باب: فَضْلِ مَن يُصْرَعُ مِنَ الرِّيحِ 2592 - (5652) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عِمْرَانَ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبي رَبَاحٍ، قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلاَ أُرِيكَ امرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: هذه الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ، أَتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: إِنَّي أُصْرَعُ، وَإِنَّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللهَ لِي، قَالَ: "إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ"، فَقَالَتْ: أَصْبِرُ، فَقَالَتْ: إِنَّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللهَ أَنْ لاَ أَتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا. (ألا أُريك امرأةً من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأةُ السوداء): هي أُمُّ زُفَرَ كما سيأتي في الرواية بعدها، وفي "أسد الغابة": سُعَيْرة الأَسَدِيَّة (¬1). * * * باب: عِيَادَةُ الأَعْرابِ 2593 - (5656) - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُخْتَارٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَى أَعْرَابِيًّ يَعُودُهُ، قَالَ: وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ، فَقَالَ لَهُ: "لاَ بَأْسَ، طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللهُ". قَالَ: قُلْتَ: طَهُورٌ؟ كَلاَّ، بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ، أَوْ تَثُورُ، عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ، تُزِيرُهُ الْقُبُورَ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَنَعَمْ إِذاً". (دخل على أَعْرابي يعودُه): في "الإفهام": وقع في "مختصر ربيع الأبرار": أن المعودَ اسمُهُ قيسُ بنُ أَبي حازم، [ولفظه في باب: الأمراض ¬

_ (¬1) انظر: "أسد الغابة" (7/ 157).

باب: وضع اليد على المريض

والعلل: دخلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - على قيسِ بنِ أبي حازم] (¬1) يعوده، فقال: "طهورٌ"، فقال: بل حُمَّى تفور، على شيخ كبير، تزيره القبور، فليحرر ذلك. * * * باب: وَضْعِ اليَدِ عَلَى المَرِيضِ 2594 - (5659) - حَدَّثَنَا الْمَكَّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا الْجُعَيْدُ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ: أَنَّ أَبَاهَا قَالَ: تَشَكَّيْتُ بِمَكَّةَ شَكْوًى شَدِيداً، فَجَاءَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُنِي، فَقُلْتُ: يَا نبِيَّ اللَّهِ! إِنَّي أَتْرُكُ مَالاً، وَإِنِّي لَمْ أَتْرُكْ إِلاَّ ابْنَةً وَاحِدَةً، فَأُوصِي بِثُلُثَيْ مَالِي، وَأَتْرُكُ الثُّلُثَ؟ فَقَالَ: "لاَ"، قَلْتُ: فَأُوصِي بِالنِّصْفِ، وَأَتْرُكُ النِّصْفَ؟ قَالَ: "لاَ"، قَلْتُ: فَأُوصِي بِالثُّلُثِ، وَأَتْرُكُ لَهَا الثُّلُثَينِ؟ قَالَ: "الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ"، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ، ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِي وَبَطْنِي، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْداً، وَأَتْمِمْ لَهُ هِجْرَتَهُ". فَمَا زِلْتُ أَجِدُ بَرْدَهُ عَلَى كَبِدِي - فِيمَا يُخَالُ إِلَيَّ - حَتَّى السَّاعَةِ. (وأَتْمِمْ له هجرتَه): أي: لا تُمِتْه في الموضع الذي (¬2) هاجرَ منه وتركَه لله تعالى. * * * باب: مَا رُخِّصَ للمَرِيضِ أَنْ يقُولَ: إِنَّي وَجِعٌ، أو وارَأْسَاهُ، أو اشْتَدَّ بي الوَجَعُ 2595 - (5666) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَبُو زَكَرِيَّاءَ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) "الذي" ليست في "ع".

باب: تمني المريض الموت

ابْنُ بِلاَلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: وَارَأْسَاهْ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ذَاكِ لَوْ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ، فَأَسْتَغْفِرُ لَكِ، وَأَدْعُو لَكِ"، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَاثُكْلِيَاهْ! وَاللهِ إِنِّي لأَظُنُّكَ تُحِبُّ مَوْتِي، وَلَوْ كَانَ ذَاكَ، لَظَلِلْتَ آخِرَ يَوْمِكَ مُعْرِساً بِبَعضِ أَزْوَاجِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهْ! لَقَدْ هَمَمْتُ، أَوْ أَرَدْتُ، أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ وَأَعهدَ؛ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ، أَوْ يَتَمَنَّى الْمُتَمَنُّونَ، ثُمَّ قُلْتُ: يَأْبَى اللَّهُ، وَيَدْفَعُ الْمُؤْمِنُونَ، أَوْ يَدْفَعُ اللَّهُ، وَيَأْبَى الْمُؤْمِنُونَ". (قالت عائشة: وارأساه! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ذاكِ لو كانَ وأنا حيٌّ): أي: لا بأسَ عليكِ مما تخافين؛ يعني: أنك لا تموتين في هذه الأيام، لكني أنا الذي أموتُ في هذه الأيام، ولذلكَ قال: "بَلْ (¬1) أنا وارأساه! ". (مُعْرِساً): اسمُ فاعل من أَعْرَسَ بامرأته: إذا بَنَى بها. (وأعهدَ؛ أن يقولَ القائلون): أي: وأوصي؛ كراهةَ أن يقولَ القائلون، والظاهرُ أنه يريد كتابة العهد بالخلافة لأبي بكر - رضي الله عنه -، فأراد الله - عز وجل - أن لا يكتب (¬2). * * * باب: تَمَنِّي المَرِيضِ المَوتَ 2596 - (5672) - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أِبي حَازِمٍ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى خَبَّابٍ نَعُودُهُ، وَقَدِ اكْتَوَى سَبْعَ كَيَّاتٍ، ¬

_ (¬1) "بل" ليست في "ع". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1121).

فَقَالَ: إِنَّ أَصحَابَنَا الَّذِينَ سَلَفُوا مَضَوْا، وَلَم تَنْقُصْهُمُ الدُّنْيَا، وَإِنَّا أَصَبْنَا مَا لاَ نَجِدُ لَهُ مَوْضِعاً إِلاَّ التُّرَابَ، وَلَوْلاَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ، لَدَعَوْتُ بِهِ. ثُمَّ أَتَيْنَاهُ مَرَّةً أُخْرَى، وَهْوَ يَبْنِي حَائِطاً لَهُ، فَقَالَ: إِنَّ الْمُسْلِمَ يُؤجَرُ فِي كلِّ شَيْءٍ يُنْفِقُهُ، إِلاَّ فِي شَيْءٍ يَجْعَلُهُ فِي هذَا التُّرَابِ. (لَيُؤْجَرُ): المسلمون على الاجتهاد في ذلك (¬1). * * * 2597 - (5673) - حَدَّثَنَا أبو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَنْ يُدخِلَ أَحَداً عَمَلُهُ الْجَنَّة"، قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "لاَ، وَلاَ أَنَا، إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَلاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ: إِمَّا مُحْسِناً، فَلَعَلَّهُ أَنْ يَزْدَادَ خَيْراً، وَإِمَّا مُسِيئاً، فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعْتِبَ". (إلا أن يتغَمَّدني الله برحمته (¬2)): يقال: تَغَمَّدَ اللهُ فلاناً برحمتِه؛ أي: أَلْبَسَهُ رَحْمَتَهُ، وسَتَرَهُ بها، مأخوذٌ من غِمْدِ السيف، غَمَدْتُ السيفَ، وأَغْمَدْتُهُ: ألبَسْتُهُ غِمْدَهُ، وغَشَّيْتُهُ بهِ (¬3). * * * ¬

_ (¬1) "في ذلك" ليست في "ع". (¬2) نص البخاري: "بفضل ورحمة". (¬3) المرجع السابق، (3/ 1122).

كتاب الطب

كتاب الطب

باب: الشفاء في ثلاثة

كتاب الطب باب: الشِّفَاءُ في ثَلاثَةٍ 2598 - (5681) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيم، أَخْبَرَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ أَبُو الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ شُجَاعٍ، عَنْ سَالِمِ الأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "الشِّفَاءُ فِي ثَلاَثَةٍ: فِي شرطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَوْ كَيَّةٍ بِنَارٍ، وَأَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الْكَيِّ". (الشفاء في ثلاثة: في شَرْطَةِ مِحْجَم): - بكسر الميم -؛ أي: استفراغِ الدمِ، وإنما خَصَّ الحجامة بالذِّكْر؛ لأن غالبَ إخراجِهم الدمَ بها، وفي معناها إخراجُ الدمِ بالفَصْدِ. (أو شربة عسل): قيل: ليس المرادُ: الشربَ على الخصوص، بل استعمالَه في الجملة فيما يصلُح استعمالُه فيه؛ فإنه يدخل في المعجونات المسهلة؛ ليحفظ على تلك الأدوية (¬1) قواها (¬2)، فَتُسهل الأخلاط التي في البدن. (أو كَيَّةٍ بنار): ويروى: "أَوْ كَيَّةِ نارٍ" بالإضافة، وإنما يكون الكيُّ في ¬

_ (¬1) في "ع": "تلك الأودية". (¬2) في "ج": "قوتها".

باب: الدواء بالعسل، وقول الله تعالى: {فيه شفاء للناس} [النحل: 69]

الداء العُضال، والخِلْطِ الذي لا يُقدر على حسمِ مادَّتِه إلَّا بِهِ (¬1). فإن قلت: المبدَلُ منه هو "ثلاثة" من قوله: "الشفاءُ في ثلاثة"، والبدلُ أحدُ ثلاثة؛ لوجود العطف بـ "أو"، فما وَجْهُه؟! قلت: هو على حذف مضاف؛ أي: الشفاء في أحدِ ثلاثةٍ، فليس البدلُ منه والبدلُ مختلفين بالتعدُّد (¬2) والوَحْدة، بل هما متفقان بهذا التقدير؛ كما قالوه في قول الشاعر: وَقَالُوا لَنَا ثِنْتَانِ لاَ بُدَّ مِنْهُمَا ... صُدُورُ رِمَاح أُشْرِعَتْ أَوْ سَلاسِلُ أي: لنا أحدُ خَصْلتين ثنتين. * * * باب: الدَّوَاءِ بِالعَسَلِ، وقَولِ اللهِ تعالى: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل: 69] 2599 - (5684) - حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكَّلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: أَخِي يَشْتَكِي بَطْنَهُ، فَقَالَ: "اسْقِهِ عَسَلاً". ثُمَّ أَتَى الثَّانِيَةَ، فَقَالَ: "اسْقِهِ عَسَلاً". ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: فَعَلْتُ؟ فَقَالَ: "صَدَقَ اللَّهُ، وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ، اسْقِهِ عَسَلاً"، فَسَقَاهُ، فَبَرَأَ. (صدقَ اللهُ وكذبَ بطنُ أخيك): قال ابن التين (¬3): يجوزُ أن يكون ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1123). (¬2) في "ع": "بالعدد". (¬3) في "ج": "المنير".

باب: الحبة السوداء

شكوى أخيه من بَرْدٍ، أو فَضْلِ بَلْغَمٍ، فينفعُه العسل. وقيل: لبركةِ (¬1) أمرِه - عليه السلام -، فيكون خاصاً بذلك الرجل (¬2). قال بعضهم: وفيه أن الكذبَ قد يُطلق على عدمِ المطابقةِ في غيرِ الخبر. قلت: هو على سبيل الاستعارة التَّبَعِيَّةِ. * * * باب: الحَبَّةِ السَّودَاءِ 2600 - (5687) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أِبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: خَرَجْنَا، وَمَعَنَا غالِبُ بْنُ أَبْجَرَ، فَمَرِضَ فِي الطَّرِيقِ، فَقَدِمنَا الْمَدِينَةَ وَهْوَ مَرِيضٌ، فَعَادَهُ ابْنُ أَبِي عَتِيقٍ، فَقَالَ لَنَا: عَلَيْكُم بِهَذِهِ الْحُبَيْبَةِ السَّوْدَاءِ، فَخُذُوا مِنْهَا خَمْساً أَوْ سَبْعاً، فَاسْحَقُوهَا، ثُمَّ اقْطُرُوها فِي أَنْفِهِ بِقَطَراتِ زَيْتٍ، فِي هَذَا الْجَانِبِ، وَفِي هذَا الْجَانِبِ؛ فَإنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْنِي: أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ هَذِهِ الْحَبَّةَ السَّوْدَاءَ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ، إِلاَّ مِنَ السَّامِ". قَلْتُ: وَمَا السَّامُ؟ قَالَ: الْمَوْتُ. (غالبُ بنُ أَبْجَرَ): بموحَّدة وجيم، غير منصرف. (الحبة السوداء شفاءٌ من كل داء، إلا من السام): قيل: هذا من العامِّ المرادِ به الخاصُّ، والمراد: كُلُّ داءٍ يحدثُ من الرطوبة والبرودة والبلغم؛ لأنها (¬3) ¬

_ (¬1) في "ج": "فقيل البركة". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1123)، و"التوضيح" (27/ 349). (¬3) في "ج": "لأنه".

باب: التلبينة للمريض

حارٌّ يابسٌ (¬1). * * * 2601 - (5688) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُمَا: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "فِي الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ، إِلاَّ السَّامَ". قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَالسَّامُ: الْمَوْتُ، وَالْحَبَّةُ السَّوْدَاءُ: الشُّونِيزُ. (الشُّونيز): قيده القاضي بفتح الشين المعجمة، والقرطبي بضمها. وقال ابن الأعرابي: الشِّينيز - بكسر الشين -، كذا تقوله العرب (¬2). * * * باب: التَّلْبِينَةِ لِلْمَريضِ 2602 - (5690) - حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَام، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا كَانَتْ تَأْمُرُ بِالتَّلْبِينَةِ، وَتَقُولُ: هُوَ الْبَغِيضُ النَّافِعُ. (هو البَغيضُ النافعُ): لأن المريض يُبغضه، مع أنه دواءٌ نافع له في إقامة رَمَقه، وتقوية نفسه، ساقه القاضي في الباء الموحدة مع الغين ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1123). (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 260)، و"المفهم" (5/ 606)، و"التنقيح" (3/ 1123).

باب: السعوط بالقسط الهندي البحري

المعجمة، وقال: كذا لهم، وعند المروزي: "النغيض"، بالنون (¬1). [قال الزركشي: ورواه القابسي: النغيض بالنون] (¬2)، ولا وجه له (¬3). قلت: إن كان بالنون مع [الضاد المعجمة، فمسلم أنه لا وجه، وأما إن كان بالنون مع] (¬4) الصاد المهملة، فوجهُه ظاهر؛ إذ هو من قولهم: نَغَّصَ اللهُ عَيْشَه: إذا كَدَّرَهُ، والمعنى: أنه يُكَدَّرُ على المريض عِيشَتَه باعتبار ما يجده في نفسه من الكراهة له، وتجشُّمِ المشقةِ في استعماله إياه، مع نفعِه إياه، ولم أر أحداً من الشارحين تعرض إلى ضبط الصاد مع رواية النون، هل هي بالإهمال أو بالإعجام؟ فينبغي تحريره. * * * باب: السَّعُوطِ بِالْقُسْطِ الْهِنْدِيَّ الْبَحْرِيِّ وَهُوَ الْكُسْتُ، مِثْلُ الْكَافُورِ وَالْقَافُورِ، مِثْلُ {كُشِطَتْ} [التكوير: 11]: نُزِعَتْ، وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: قُشِطَتْ. (السَّعوط بالقُسْطِ الهنديَّ): السَّعُوط - بفتح السين -: ما يُجعل من الدواء في الأنف، والقُسْطُ الهنديُّ: عقارٌ معروف، ويروى: "كُسْط" - بالكاف بدل القاف - وعلى كل منهما، فيروى بالمثناة الفوقية بدل الطاء المهملة (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 99). (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1124). (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬5) انظر: "التنقيح" (3/ 1124).

باب: الحجامة من الداء

2603 - (5692) - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ، قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْعُودِ الْهِنْدِيِّ؛ فَإِنَّ فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ: يُسْتَعَطُ بِهِ مِنَ الْعُذْرَةِ، وَيُلَدُّ بِهِ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ". (من العُذْرة): - بضم العين المهملة وإسكان الذال المعجمة -: وجعُ الحلق. (ويُلَدُّ به من ذاتِ الجَنْب): اللَّدُودُ - بفتح اللام -: ما يُسقاه المريض من الأدوية في أحد شِقَّي الفم، ولديدُ الفم: جانباه. وحكى الخطابي: أن ذات الجنب إذا حدثت من البلغم (¬1)، نفعَ منها (¬2) القسطُ البحري. وقد ذكر في الحديث: أن فيه سبعةَ أشفية، ذَكَر منها اثنين، وطوى الذكر عن خمسة (¬3). * * * باب: الحِجَامَةِ مِنَ الدَّاءِ 2604 - (5696) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، ¬

_ (¬1) "من البلغم" ليست في "ج". (¬2) في "ع": "يقع منه". (¬3) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 2122). وانظر: "التنقيح" (3/ 1124).

باب: من اكتوى أو كوى غيره، وفضل من لم يكتو

أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَجْرِ الْحَجَّامِ، فَقَالَ: احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ، وَأَعْطَاهُ صَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ، وَكَلَّمَ مَوَالِيَهُ، فَخَفَّفُوا عَنْهُ، وَقَالَ: "إِنَّ أَمْثَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ، وَالْقُسْطُ الْبَحْرِيُّ". وَقَالَ: "لاَ تُعَذِّبُوا صِبْيَانَكُمْ بِالْغَمْزِ مِنَ الْعُذْرَةِ، وَعَلَيْكُمْ بِالْقُسْطِ". (حَجَمَهُ أَبو طَيْبَةَ): - بطاء مهملة فمثناة تحتية -، قيل: واسمُه نافع. (بالغَمْزِ من العُذْرَةِ): الغَمْز (¬1): رفع اللُّهَابِ من الحَلْقِ (¬2). * * * باب: مَنِ اكْتَوى أَو كَوَى غَيرَهُ، وفَضْلِ مَنْ لَمْ يَكْتَوِ 2605 - (5704) - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْغَسِيلِ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِراً، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدوِيَتِكُمْ شِفَاءٌ، فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ". (أو لَذْعَةٍ بنار): - بذال معجمة وعين مهملة -: هو الخفيفُ من إحراق النار، يريد: الكَيَّ. * * * 2606 - (5705) - حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، ¬

_ (¬1) "الغمز" ليست في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1125) وعنده: "اللهاة بالإصبع" بدل "اللهاب من الحلق".

حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَ: لاَ رُقْيَةَ إِلاَّ مِنْ عَيْنٍ، أَوْ حُمَةٍ. (لا رقيةَ إلا في (¬1) عين، أو ذي (¬2) حُمَةٍ): - بضم الحاء المهملة وتخفيف الميم -؛ أي: من لدغةِ ذي حُمَةٍ؛ كالعقربِ، ونحوِها (¬3). * * * 2607 - (5705/ م) - فَذَكَرْتُهُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ وَالنَّبِيَّانِ يَمُرُّونَ مَعَهُمُ الرَّهْطُ، وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، حَتَّى رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ، قُلْتُ: مَا هذَا؟ أُمَّتِي هَذِهِ؟ قِيلَ: هذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ، قَيلَ: انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ، فَإِذَا سَوَادٌ يَمْلأُ الأُفُقَ، ثُمَّ قِيلَ لِي: انْظُرْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا فِي آفَاقِ السَّمَاءِ، فَإِذَا سَوَادٌ قَدْ مَلأَ الأُفُقَ، قِيلَ: هَذِهِ أُمَّتُكَ، وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ هَؤُلاَءِ سَبْعُونَ أَلْفاً بِغَيْرِ حِسَابٍ". ثُمَّ دَخَلَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ، فَأَفَاضَ الْقَوْمُ، وَقَالُوا: نَحْنُ الَّذِينَ آمَنَّا بِاللهِ، وَاتَّبَعْنَا رَسُولَهُ، فَنَحْنُ هُمْ، أَوْ أَوْلاَدُنَا الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الإِسْلاَمِ؛ فَإِنَّا وُلِدْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَخَرَجَ، فَقَالَ: "هُمُ الَّذِينَ لاَ يَسْتَرْقُونَ، وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ، وَلاَ يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ". فَقَالَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ: أَمِنْهُمْ ¬

_ (¬1) نص البخاري: "من عين". (¬2) "ذي" ليست في نص البخاري. (¬3) في "ج": "ونحوهما".

باب: الإثمد والكحل من الرمد

أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "نَعَمْ". فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: أَمِنْهُمْ أَنَا؟ قَالَ: "سَبَقَكَ عُكَّاشَةُ". (لا يَسْتَرقون): قيل: فيه دليلٌ على كراهية التداوي. وقيل: ليس فيه دليل على منع الرقية، ووجهُه أن يكون تركَها توكُّلاً على الله، ورضي ببلائه وقضائه، وهذه (¬1) أرفعُ الدرجات. وذهب إلى هذا أبو الدرداء وغيرُه من الصحابة، ورُوي ذلك عن الصدَّيق - رضي الله عنه -، ويحتمل أن يكون كره من الرُّقية ما كان على مذهب التمائم التي كانوا يعلِّقونها، والعوذ التي كانوا في الجاهلية يتعاطونها، يزعمون أنها تُذهب الآفات عنهم، وكانوا (¬2) يرون معظمَ ذلك في الجن، وهذا محظور (¬3) يحرُمُ التصديقُ به (¬4). * * * باب: الإِثْمِدِ والكُحْلِ مِنَ الرَّمَدِ 2608 - (5706) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ ناَفِعٍ، عَنْ زَيْنَبَ، محَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: أَنَّ ¬

_ (¬1) في "ع": "وهذا". (¬2) في "ج": "وكان". (¬3) في "ع": "في الحق بمحظور". (¬4) "به" ليست في "ع". وانظر: "التوضيح" (27/ 408).

امْرَأَةً تُوُفِّيَ زَوْجُهَا، فَاشْتَكَتْ عَيْنَهَا، فَذَكَرُوهَا لِلنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وَذَكَرُوا لَهُ الْكُحْلَ، وَأَنَّهُ يُخَافُ عَلَى عَيْنِهَا، فَقَالَ: "لَقَدْ كَانَتْ إِحدَاكُنَّ تَمكُثُ فِي بَيْتِها، فِي شَرِّ أَحلاَسِهَا، أَوْ: فِي أَحْلاَسِهَا فِي شَرِّ بَيْتِهَا، فَإِذَا مَرَّ كَلْبٌ، رَمَتْ بَعْرَةً، فَلاَ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً". (في شَرِّ أَحْلاسِها): قال الداودي: هي ثيابُها التي تَلْبَسُها (¬1). (فلا، أربعةَ أشهرٍ وعَشْراً): قال الزركشي: "لا" نفي للكلام السابق، ويجب الوقفُ عليه؛ لأنه نهى عن الرخصة التي سألت (¬2). قلت: أولُ كلامه يقتضي أنها [نافية، وآخره يقتضي أنها] (¬3) ناهية، وقد يجاب عنه. وقوله بوجوب الوقف على "لا" ممنوع، وتعليلُه ذلكَ بأنه (¬4) نهى عن الرخصة التي سألت (¬5) غيرُ مناسب، وأربعةَ أشهرٍ منصوب بفعل مقدر: تمكث، أو نحوه. * * * ¬

_ (¬1) المرجع السابق، (27/ 418). (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1125). (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬4) في "ج": "إنما". (¬5) "التي سألت" ليست في "ع".

باب: الجذام

باب: الجُذَامِ 2609 - (5707) - وَقَالَ عَفَّانُ: حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ ابْنُ مِينَاءَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ عدوَى، وَلاَ طِيَرَةَ، وَلاَ هَامَةَ، وَلاَ صَفَرَ، وَفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ". (لا عَدْوَى): هذا وإن كان عاماً، فهو مخصوصٌ ببعض الأدواء دونَ بعض، فلا يعارض قوله: "وَفِرَّ من المجذوم". وقيل: بل هو باقٍ على عمومه، والمراد: نفيُ اعتقاد ما كانت الجاهلية تعتقده في بعض الأدواء أنها تُعدي بطَبْعِها، وهو خبرٌ أُريد به النهيُ. (ولا طِيَرة): - بكسر الطاء المهملة وفتح المثناة التحتية -: مشتقة من الطير إذ (¬1) كان أكثرُ تَطَيُّرِ الجاهليةِ ناشئاً (¬2) عنها. (ولا هامَةَ): بتخفيف الميم على الصحيح. وحكى أبو زيد تشديدَها. كانوا في الجاهلية يقولون: إن عظام الموتى تفسير هامَةً فتطيرُ (¬3). (ولا صَفَرَ): قيل: حَيَّة (¬4) تكونُ في البطن تُصيب الماشيةَ والناسَ. وقيل: تأخيرُهم تحريمَ المحرَّمِ إلى صَفَرٍ، فأبطلَ الإسلامُ ذلك كلَّه (¬5). ¬

_ (¬1) في "م": "إذا". (¬2) في "ع": "ناهياً". (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1126). (¬4) "حية" ليست في "ع". (¬5) المرجع السابق، الموضع نفسه.

باب: اللدود

باب: اللَّدُودِ 2610 - (5713) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ أُمِّ قَيْسٍ، قَالَتْ: دَخَلْتُ بِابْنٍ لِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَدْ أَعْلَقْتُ عَلَيْهِ مِنَ الْعُذْرَةِ، فَقَالَ: "عَلَى مَا تَدْغَرْنَ أَوْلاَدَكُنَّ بِهَذَا الْعِلاَقِ؟! عَلَيْكُنَّ بِهَذَا الْعُودِ الْهِنْدِيَّ؛ فَإِنَّ فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ، مِنْهَا ذَاتُ الْجَنْبِ: يُسْعَطُ مِنَ الْعُذْرَةِ، وَيُلَدُّ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ". فَسَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: بَيَّنَ لَنَا اثْنَيْنِ، وَلَم يُبَيَّنْ لَنَا خَمْسَةَ. قَلْتُ لِسُفْيَانَ: فَإِنَّ مَعْمَراً يَقُولُ: أَعْلَقْتُ عَلَيْه؟ قَالَ: لَمْ يَحْفَظْ، أَعْلَقْتُ عَنْهُ، حَفِظْتُهُ مِنْ فِي الزُّهْرِيِّ، وَوصفَ سُفْيَانُ الْغُلاَمَ يُحنَّكُ بِالإِصْبَعِ، وَأَدْخَلَ سُفْيَانُ فِي حَنَكِهِ، إِنَّمَا يَعْنِي رَفْعَ حَنَكِهِ بإِصْبَعِهِ، وَلَمْ يَقُلْ: أَعْلِقُوا عَنْهُ شَيْئاً. (على ما تَدْغَرْنَ): فيه إثبات ألف "ما" الاستفهامية المجرورة، وهو قليل، "وتدغرن" - بفتح المثناة (¬1) الفوقية وسكون الدال المهملة وفتح الغين المعجمة -؛ أي: ترفعن ذلك (¬2) بأَصابِعِكُنَّ فتؤلمْنَ الأولادَ بهذا. (العَلاق): قال الزركشي: بفتح العين، وأنكره بعضهم، وقال: إن الصواب ما في الراوية الأخرى: "هذا الإعلاق" مصدرُ أَعْلَق (¬3) عنه، ومعناه: أزالَ عنه العَلُوق، وهي الآفةُ والداهيةُ، فالهمزة فيه للسَّلب (¬4)، ¬

_ (¬1) في "ج": "بالفتح للمثناة". (¬2) "ذلك" ليست في "ج". (¬3) في "ع": "علق". (¬4) في "ج": "للسكت".

باب: ذات الجنب

فالإعلاق حينئذ: معالجةُ عُذْرَةِ الصبي، وهي وَجَعُ (¬1) حلقه برفعِها بالإصبع، وإزالتها بذلك (¬2). * * * باب: ذَاتِ الجَنْبِ 2611 - (5720 و 5721) - وَقَالَ عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: أَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَهْلِ بَيْتٍ مِنَ الأَنْصَارِ أَنْ يَرْقُوا مِنَ الْحُمَةِ وَالأُذُنِ. (أن يَرْقوا من الحُمَةِ والأُذن): أي: ومن (¬3) وَجَعِ الأُذُن. * * * باب: حَرْقِ الْحَصِيرِ لِيُسَدَّ بِهِ الدَّمُ (باب: حرق الحصير): قال القاضي: الصوابُ: إحراق؛ لأن الفعلَ أَحْرَقْتُه، لا حَرَقْتُهُ (¬4)، وقد سبق في الجهاد كلامٌ فيه. * * * باب: مَا يُذْكَرُ في الطَّاعُونِ 2612 - (5729) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ¬

_ (¬1) في "ع": "وهي جمع". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1127). (¬3) في "ع": "من". (¬4) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 190).

ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ عُمَرَ ابْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغَ، لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الأَجْنَادِ: أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، وَأَصْحَابُهُ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِأَرضِ الشَّأْمِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَالَ عُمَرُ: ادْعُ لِي الْمُهاجِرِينَ الأَوَّلِينَ، فَدَعَاهُمْ، فَاسْتَشَارَهُمْ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّأْمِ، فَاخْتَلَفُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ خَرَجْتَ لأَمْرٍ، وَلاَ نرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ، وَقَالَ بَعضُهُمْ: مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ، وَأَصحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلاَ نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هذَا الْوَبَاءِ، فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: ادعُوا لِي الأَنْصَارَ، فَدَعَوْتُهُمْ، فَاسْتَشَارَهُمْ، فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهاجِرِينَ، وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلاَفِهِمْ، فَقَالَ: ارتَفِعُوا عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ، فَدَعَوْتُهُمْ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ مِنْهُم عَلَيْهِ رَجُلاَنِ، فَقَالُوا: نرى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ، وَلاَ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هذَا الْوَبَاءِ، فَنَادَى عُمَرُ فِي النَّاسِ: إِنَّي مُصَبِّحٌ عَلَى ظَهْرٍ، فَأصبِحُوا عَلَيْهِ. قَالَ أبَو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ: أَفِرَاراً مِنْ قَدَرِ اللَّهِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ؟! نَعَمْ نفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ إِبِلٌ هبَطَتْ وَادِياً لَهُ عُدْوَتَانِ، إِحدَاهُمَا خَصِبَةٌ، وَالأُخْرَى جَدْبَةٌ، أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخَصْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ، وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ؟ قَالَ: فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَكَانَ مُتَغَيِّباً فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ، فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي فِي هَذَا عِلْماً، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأرضٍ، فَلاَ تَقْدَمُوا

عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَاراً مِنْهُ". قَالَ: فَحَمِدَ اللهَ عُمَرُ، ثُمَّ انْصَرَفَ. (حتى إذا كان بسَرْغ): - بفتح السين المهملة وإسكان الراء بعدها غين معجمة -، وحكى القاضي: أيضاً فتح الراء: قريةٌ (¬1) بوادي تبوك قريباً من الشام، يجوز صرفُه، وعدمُ صرفه (¬2). (فأخبروه أن الوباء): مهموز مع المد وعدمه، لغتان فيه، قيل: والقصرُ أشهر (¬3) (¬4). (من (¬5) مَشِيخة قريش): - بفتح الميم وكسر الشين المعجمة -: جمعُ شيخ. (لو غيرُك قالها): قال الزركشي: هذا خلافُ الجادَّة؛ فإن "لو" خاصة بالفعل، وقد يليها اسم مرفوع معمولٌ لمحذوفٍ يفسره ما بعده؛ كقولهم: لو ذَاتُ سِوارٍ لَطَمَتْني، ومنه هذا (¬6). قلت: قوله: إن "لو" خاصة بالفعل لا ينتج له مدَّعاه من كون هذا التركيب على خلاف الجادة؛ فإنا إذا قدرنا ما بعد "لو" معمولاً لفعل (¬7) ¬

_ (¬1) "فتح الراء قرية" ليست في "ج". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 233). وانظر: "التنقيح" (3/ 1129). (¬3) في "ع" و"ج" زيادة: "أشهر من مده". (¬4) انظر: "التنقيح" (3/ 1129). (¬5) "من" ليست في "ع" و"ج" (¬6) المرجع السابق، (3/ 1130). (¬7) في "ج": "بفعل".

محذوف، كانت "لو" باقية (¬1) على اختصاصها بالفعل. فإن قلت: عنى: خاصة (¬2) بدخولها على الفعل الملفوظ به، لا المقدر. قلت: يرد عليه حينئذ نحوُ قوله تعالى: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ} [الإسراء: 100] إلى غير ذلك (¬3). وجواب "لو" في هذا الحديث محذوف؛ أي: لو قالها غيرُك، لم أتعجَّبْ منه، وإنما أتعجَّبُ من قولِكَ معَ فضلِكَ (¬4). (له عُدْوتان): - بعين مهملة تضم وتكسر وقال مهملة ساكنة -؛ أي: شاطئان وحَافَتان. (إحداهما خصبة): قال السفاقسي: ضبط في بعض النسخ بفتح الخاء وكسر الصاد، وفي بعضها بسكون الصاد (¬5). وفي "الصحاح": الخِصْب - بالكسر -؛ يعني: كسر الخاء: نقيضُ الجَدْب، قال: بَلَدٌ خِصْبٌ، وأرضٌ جَدْبَة (¬6)، بفتح الجيم وسكون الدال. (إذا سمعتم به بأرض، فلا تَقْدَموا عليه): يريد: ليكونَ ذلك أسكنَ لأنفسكم، وأقطعَ لوساوسِ الشيطان. ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "لو نافية". (¬2) في "ج": "خاصته". (¬3) "ذلك" ليست في "ع". (¬4) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬5) انظر: "التوضيح" (27/ 471). (¬6) انظر: "الصحاح" (1/ 120)، (مادة: خصب).

(فلا تخرجوا فراراً منه): لئلا يكونَ (¬1) معارضةً للقدر. وفيه: قبولُ خبرِ الواحد؛ لأن الصحابة كانوا مختلفين في الرأي قبلَ أن يُعلمهم ابنُ عوفٍ بالحديث. * * * 2613 - (5731) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ، عَنْ أَبِي هرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ الْمَسِيحُ، وَلاَ الطَّاعُونُ". (لا يدخل المدينةَ المسيحُ ولا الطاعونُ): قال في "المعونة": هذا بين أن المدينةَ أفضلُ البقاعِ. وضبط المسيح: بكسر الميم وتشديد السين، وضبط أيضاً بفتح الميم وكسر السين مخففة، والطاعونُ: الموتُ الشاملُ، وقد ورد: "الطَّاعُونُ لا يَدْخُلُ مَكَّةَ" أيضاً، وإسناده ضعيف (¬2). وفي "المعارف" لابن قتيبة: لم يقعْ في المدينة، ولا بمكةَ طاعونٌ قَطُّ (¬3). قال ابن الملقن: [أما المدينة، فنعم، وأما مكة] (¬4)، فدخلها سنة ¬

_ (¬1) من قوله: "ذلك أسكن لأنفسهم" إلى هنا ليس في "ع". (¬2) "ضعيف" ليست في "ع". وقد رواه الإمام أحمد في "المسند" (2/ 483) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (¬3) انظر: "المعارف" (ص: 602). (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ع".

باب: أجر الصابر في الطاعون

تسع وأربعين وسبع مئة (¬1). قلت: ظاهرُ كلامِه الاعتراضُ على ابن قتيبةَ، ولا اعتراضَ عليه بذلك أصلاً. * * * 2614 - (5732) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، حَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ بِنْتُ سِيرِينَ، قَالَتْ: قَالَ لِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: يَحيىَ بمَا مَاتَ؟ قُلْتُ: مِنَ الطَّاعُونِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الطَّاعُونُ شَهادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ". (حدثتني حفصةُ بنتُ سيرينَ: [قالت]: قال لي أنسُ بن مالِكٍ: يحيى (¬2) بما مات): وفي نسخة: "بم (¬3) ماتَ"، وهي اللغة الشائعة، والمرادُ به: يحيى بن أبي عمرة، كما رواه مسلم (¬4)، وليسَ لحفصةَ عن أنسٍ في "الصحيحين" غيرُ هذا (¬5). * * * باب: أَجْرِ الصَّابِرِ في الطَّاعُونِ 2615 - (5734) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا داوُدُ بْنُ ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (27/ 472 - 473). (¬2) في "ع" و"ج": "قال لي حدثني أنس". (¬3) "بم" ليست في "ع". (¬4) رواه مسلم (1916). (¬5) انظر: "التنقيح" (3/ 1130).

أَبِي الْفُرَاتِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ: أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الطَّاعُونِ، فَأَخْبَرَها نَبِيُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ: "كَانَ عَذَاباً يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، فَجَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ، فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِراً، يَعلَمُ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إِلاَّ مَا كتَبَ اللَّهُ لَهُ، إِلاَّ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ". (حدثني إسحاق: أخبرنا (¬1) حَبّان): بحاء مهملة مفتوحة فباء موحدة مشددة. * * * 2616 - (5735) - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَنْفُثُ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْمَرَضِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ، فَلَمَّا ثَقُلَ، كُنْتُ أَنْفِثُ عَلَيْهِ بِهِنَّ، وَأَمْسَحُ بِيَدِ نَفْسِهِ؛ لِبَرَكَتِهَا. فَسَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ: كَيْفَ يَنْفِثُ؟ قَالَ: كَانَ يَنْفِثُ عَلَى يَدَيْهِ، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ. (كان ينفث): النَّفْثُ: نفخٌ لطيفٌ بلا ريقٍ. (بالمعوِّذات): بكسر الواو. * * * ¬

_ (¬1) في "م": "أبا".

باب: الرقى بفاتحة الكتاب

باب: الرُّقَى بِفَاتِحةِ الكِتَابِ 2617 - (5736) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكَّلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ ناَساً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَتَوْا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، فَلَمْ يَقْرُوهُمْ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذْ لُدِغَ سَيِّدُ أُولَئِكَ، فَقَالُوا: هلْ مَعَكُمْ مِنْ دَوَاءٍ أَوْ رَاقٍ؟ فَقَالُوا: إِنَّكُمْ لَمْ تَقْرُونَا، وَلاَ نَفْعَلُ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلاً، فَجَعَلُوا لَهُمْ قَطِيعاً مِنَ الشَّاءِ فَجَعَلَ يَقْرَأُ بِأُمَّ الْقُرْآنِ، وَيَجْمَعُ بُزَاقَهُ وَيَتْفِلُ، فَبَرَأَ، فَأَتَوْا بِالشَّاءِ، فَقَالُوا: لاَ نأْخُذُهُ حَتَّى نَسْأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَأَلُوهُ، فَضَحِكَ، وَقَالَ: "وَمَا أَدْرَكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟! خُذُوهَا، وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ". (إذْ لُدِغَ): بدال مهملة وغين معجمة. (فأتوا بالشاء، فقالوا: لا نأخذه حتى نسألَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -): قد يقال: إنهم امتنعوا عن الرقية (¬1) إلا بجُعْل، فلا يخلو إما أن يكونوا عالمين بجواز ذلك، أو لا، فإن كانوا عالمين بالجواز، فما وجه وَقْفِهم أخذَ الجُعْل على تَعَرُّفِ حكمِه بالسؤال؟ وإن كانوا غيرَ عالمين، فكيف أقدموا، مع أنه لا يجوزُ الإقدامُ على فعل شيء حتى (¬2) يُعلم حكمُ الله فيه؟ وبعضُهم ينقلُ الإجماعَ عليه، فتأمله. * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "من الرقيتين". (¬2) "حتى" ليست في "ع".

باب: الشروط في الرقية بقطيع من الغنم

باب: الشُّروطِ في الرُّقْيَةِ بِقَطِيعٍ مِنَ الغَنَمِ 2618 - (5737) - حَدَّثَنِي سِيدَانُ بْنُ مُضَارِبٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَاهِلِيُّ، حَدَّثَنَا أبو مَعْشَرٍ الْبَصْرِيُّ، هُوَ صَدُوقٌ، يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ الْبَرَّاءُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الأَخْنَسِ أَبو مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ أِبي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ نَفَراً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَرُّوا بِمَاءٍ، فِيهِمْ لَدِيغٌ أَوْ سَلِيمٌ، فَعَرَضَ لَهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَاءِ، فَقَالَ: هلْ فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ؟ إِنَّ فِي الْمَاءِ رَجُلاً لَدِيغاً، أَوْ سَلِيماً، فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ عَلَى شَاءٍ, فَبَرَأَ، فَجَاءَ بِالشَاءِ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَكَرِهُوا ذَلِكَ، وَقَالُوا: أَخَذْتَ عَلَى كتَابِ اللَّهِ أَجْراً! حَتَّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَخَذَ عَلَى كِتَابِ اللهِ أَجْراً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْراً كِتَابُ اللَّهِ". (لديغٌ أو سليم): هما بمعنى، والشكُّ وقع في صدور أحدِ هذين اللفظين مُعَيَّناً. * * * باب: رُقْيَةِ العَيْنِ 2619 - (5739) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَهْبِ ابْنِ عَطِيَّةَ الدَّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ الْوَليدِ الزُّبَيْدِيُّ، أَخْبَرَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى فِي بَيْتِهَا جَارِيَةً فِي وَجْهِهَا سَفْعَةٌ، فَقَالَ: "اسْتَرْقُوا لَهَا؛ فَإِنَّ بِها النَّظْرَةَ". (في وجهها سَفعة): بفتح السين وضمها.

باب: العين حق

وفي "الصحاح": والسُّفْعَةُ - بضم السين (¬1) - في الوجه: سوادٌ في خَدَّي المرأةِ الشاحبة (¬2). (فإن بها النَّظْرَةَ): يريد: العينَ. وفي "الصحاح": النظرةُ: عينُ الجِنِّ (¬3). قال الخطابي: فقال (¬4): عيونُ الجِنِّ أَنْفَذُ (¬5) من أَسِنَّةِ الرِّماح (¬6)، وروينا: أنه لما ماتَ سعدٌ، سمعنا قائلاً من الجِنِّ يقول: قَتَلْنا سَيِّدَ الخَزْرَ ... جِ سَعْدَ بْنَ عُبَادَهْ وَرَمَيْنَاهُ (¬7) بِسَهْمَيْـ ...... ــنِ فَلَمْ نُخْطِ فُؤَادَهْ قال: فتأوله بعضُهم: أصبناه بعينين (¬8). * * * باب: العَينُ حَقٌّ 2620 - (5740) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ ¬

_ (¬1) "السين" ليست في "ج". (¬2) انظر: "الصحاح" (3/ 1230)، (مادة: سفع). (¬3) انظر: "الصحاح" (2/ 831)، (مادة: نظر). (¬4) في "ع" و"ج": "يريد". (¬5) "أنفذ" ليست في "ع". (¬6) انظر: "غريب الحديث" (2/ 324). (¬7) في "م": "رميناه". (¬8) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 2130). وانظر: "التوضيح" (27/ 487).

باب: رقية النبي - صلى الله عليه وسلم -

مَعْمَرٍ، عَنْ همَّامٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "الْعَيْنُ حَقٌّ". وَنَهَى عَنِ الْوَشْمِ". (العين حَقٌّ): أي: الإصابةُ بها حَقٌّ، ولها (¬1) تأثيرٌ في النفوس. * * * باب: رُقْيةِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - 2621 - (5743) - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيًّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، عَنْ مُسْلِمِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْها -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُعَوِّذُ بَعْضَ أَهْلِهِ، يَمْسَحُ بِيَدهِ الْيُمْنَى، وَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ! أَذْهِبِ الْبَأسَ، اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لاَ شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَماً". (لا شفاءَ إلا شفاؤُكَ): الكلام في إعرابه كالكلام في قولنا: "لا إلهَ إلا الله"، ولا يخفى أنه بحسب صدر الكلام نفيٌ لكلَّ إلهٍ سواه، وبحسبِ الاستثناء إثباتٌ له، ولإلوهِيَّته؛ لأن الاستثناء من النفي إثبات، لا سيما إذا كان بدلاً، فإنه يكون هو المقصودَ بالنسبة، ولهذا كان البدلُ الذي هو المختارُ في كلِّ كلامٍ تامًّ غيرِ موجبٍ بمنزلة الواجبِ في هذه الكلمة الشريفة، حتى لا يكاد يستعمل "لا إله إلا الله" - بالنصب -، ولا إله إلا إياه. فإن قيل: كيف يصحُّ مع أن البدلَ هو المقصودُ، والنسبةُ إلى المبدَلِ منه سلبيةٌ؟ ¬

_ (¬1) في "ج": "ولهذا".

فالجواب: أنه إنما وقعت النسبة إلى البدل بعدَ النقض بإلاَّ، فالبدلُ هو المقصود بالنفي المعتبر في المبدَل منه، لكنْ بعدَ نقضه، ونقضُ النفي إثباتٌ. (شفاءً): بالنصب، على أنه مصدر اشْفِ، وبالرفع، على أنه خبرُ مبتدأ محذوفٍ؛ أي: الشفاءُ المطلوبُ. (لا يغادر): لا يتركُ. (سقْماً): بضم السين وإسكان القاف، وبفتحهما (¬1) معاً، لغتان. * * * 2622 - (5745) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ رَبَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَمرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْها -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ لِلْمَرِيض: "بِاسْم اللَّهِ، تُرْبَةُ أرضِنَا، بِرِيقَةِ بَعضِنَا، يُشْفَى سَقِيمُنَا، بإِذْنِ رَبَّنَا". (تربةُ أرضنا): يريد: العمومَ؛ أي: كلَّ أرض. وقيل: يريد: المدينةَ خاصَّةَ؛ لبركتها. (وريقة (¬2) بعضِنا): قيل: الرِّيقَةُ أَقَلُّ من الريق، ومعناه: أنه يأخذُ من ريقِ نفسِه على إصبعه السبابة، ثم يضعها على التراب، فيتعلق بها شيء، ¬

_ (¬1) في "ع": "وبفتحها". (¬2) كذا في رواية ابن عساكر وأبي ذر الهروي، وفي اليونينية: "بريقة"، وهي المعتمدة في النص.

باب: النفث في الرقية

فيمسح (¬1) به على موضع الجرح أو الألم، ويقول هذا الكلامَ في حالة المسح (¬2). * * * باب: النَّفْثِ في الرُّقْيَةِ 2623 - (5747) - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا قتُادَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الرُّؤْيَا مِنَ اللَّهِ، وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ شَيْئاً يَكْرَهُهُ، فَلْيَنْفِثْ حِينَ يَسْتَيْقِظُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَيَتَعَوذْ مِنْ شَرِّها؛ فَإِنَّهَا لاَ تَضُرُّهُ". وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: وإنْ كُنْتُ لأَرَى الرُّؤْيَا أَثْقَلَ عَلَيَّ مِنَ الْجَبَلِ، فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ، فَمَا أُبَالِيهَا. (الرؤيا من الله): يريد: الرؤيا الصالحةَ التي لا تخليطَ فيها من الشيطان، وليس بها أمورٌ فاحشة. (والحُلْم من الشيطان): - بضم الحاء المهملة وسكون اللام وضمها -: ما يراه النائم من الأمور الفاحشة، وما يحصُل له من فزع، وهذا من الشيطان يهول ويخلط {لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [المجادلة: 10]. * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "يتمسح". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1131).

باب: من لم يرق

باب: مَنْ لَمْ يَرْقِ 2624 - (5752) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْماً، فَقَالَ: "عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، فَجَعَلَ يَمُرُّ النَبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلُ، وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلاَنِ، وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّهْطُ، وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، وَرَأَيْتُ سَوَاداً كَثِيراً سَدَّ الأُفُقَ، فَرَجَوْتُ أَنْ تَكُونَ أُمَّتِي، فَقِيلَ: هذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ، ثُمَّ قِيلَ لِي: انْظُر، فَرَأَيْتُ سَوَاداً كَثِيراً سَدَّ الأُفُقَ، فَقِيلَ لِي: انْظُرْ هكَذَا وَهكَذَا، فَرَأَيْتُ سَوَاداً كَثِيراً سَدَّ الأُفُقَ، فَقِيلَ: هؤُلاَءِ أُمَّتُكَ، وَمَعَ هؤُلاَءِ سَبْعُونَ أَلْفاً يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ". فَتَفَرَّقَ النَّاسُ، وَلَمْ يُبَيَّنْ لَهُمْ، فتذَاكَرَ أَصحَابُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالُوا: أَمَّا نَحْنُ، فَوُلِدْنَا فِي الشِّركِ، وَلَكِنَّا آمَنَّا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَلَكِنْ هؤُلاَءِ هُمْ أَبْنَاؤُنَا، فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "هُمُ الَّذِينَ لاَ يَتَطَيَّرُونَ، وَلاَ يَسْترْقُونَ، وَلاَ يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ". فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحصَنٍ، فَقَالَ: أَمِنْهُمْ أَناَ يَا رَسُولَ اللَّه؟ قَالَ: "نَعَمْ". فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: أَمِنْهُمْ أَنَا؟ فَقَالَ: "سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ". (فقام عُكَّاشَةُ): بتشديد الكاف، ويُخفف، وقد سبق. (فقال: سبقك بها عكاشة (¬1)): قال الزركشي: قيل: كانت ساعةَ إجابة، [وهو الأشبه؛ لئلا يتسلسل الأمر (¬2). ¬

_ (¬1) في "ع": "فقال سبقك عكاشة: بتشديد الكاف ويخفف". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1132).

باب: الكهانة

قلت: الجواب بأنها ساعة إجابة] (¬1) إنما يحسُن في الحديث الذي فيه: "فَادْعُ الله أَنْ يَجْعَلَني مِنْهُمْ" (¬2)، وأما هنا، فلا يحسُنُ ذلك؛ إذ الذي في حديث هذا الباب: "فقامَ عكاشةُ بنُ مِحْصَنٍ، فقال: أَمِنْهُمْ أنا يا رسولَ الله؟ فقال: نعم" فليس هنا إلا استفهامٌ (¬3)، وجوابٌ عنه، وليس هنا ذكرٌ للدعاء (¬4) البتَّةَ. * * * باب: الكَهَانَةِ 2625 - (5758) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أِبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى فِي امرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ اقْتَتَلَتَا، فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى بِحَجَرٍ، فَأَصَابَ بَطْنَها وَهْيَ حَامِلٌ، فَقَتَلَتْ وَلَدَها الَّذِي فِي بَطْنِها، فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَضَى: أَنَّ دِيَةَ مَا فِي بَطْنِها غُرَّةٌ، عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ"، فَقَالَ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ الَّتِي غَرِمَتْ: كَيْفَ أَغْرَمُ - يَا رَسُولَ اللَّهِ - مَنْ لاَ شَرِبَ وَلاَ أَكَلَ، وَلاَ نَطَقَ وَلاَ اسْتَهَلَّ، فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلّ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا هذَا مِنْ إِخْوَانِ الْكُهَّانِ". (قضى في امرأتين من هُذَيل اقتتلَتا): الضاربةُ أُمُّ عفيفٍ بنتُ مسروحٍ، ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) رواه البخاري (2799 و 2800) عن أنس، عن خالته أم ملحان رضي الله عنهما. (¬3) في "ع" و"ح": "هنا الاستفهام". (¬4) في "ج": "الدعاء".

والمضروبةُ مُلَيْكَةُ بنتُ عُوَيْمِرٍ، ويقال: عُوَيْمٍ. (غُرَّةٌ عبدٌ أو أَمَةٌ): بتنوين "غرة" (¬1)، وما بعده بدلٌ منه، كذا رواه الجمهور. وروي بالإضافة (¬2). (فقال وليُّ المرأةِ): قيل هو العلاءُ بنُ مسروح. وفي بعض الروايات: فقال (¬3) حَمَلُ (¬4) بْنُ مالكِ بنِ النابغةِ الهذليُّ (¬5)، هو زوج المرأتين. ووقع في البيهقي: فقال: أبوها (¬6)، وحينئذٍ فيكون القائلُ هو مسروحٌ. (مَنْ لا شربَ و [لا] أكل): حكى الزركشي عن ابن جني: أن "لا" هنا بمعنى: "لم"؛ أي: لم يشربْ، ولم يأكلْ (¬7). قلت: لا داعي إلى هذا؛ فإن "لا" نافية، والمنفيُّ ماضٍ، فلم يتسلَّط النفيُ إلا على المضيِّ، ولا يُتخيل هنا غيرُ ذلك حتى يقال: إن "لا" بمعنى: "لم". (فمثلُ ذلك يُطَلُّ): - بمثناة تحتية -؛ أي: يُهْدَرُ، ولا يؤخذ فيه شيءٌ. ¬

_ (¬1) في "ع": "بتنوين منه". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1132). (¬3) "فقال" ليست في "ع". (¬4) في "ج": "حميل". (¬5) رواه مسلم (1681). (¬6) رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 115). (¬7) انظر: "التنقيح" (3/ 1133).

ويُروى بباء موحدة (¬1). (إنما هذا من إخوان الكهان): فيه إشارة إلى ذَمِّ السجع، [وهو محمولٌ على السَّجع] (¬2) المتكلَّفِ لإبطالِ حقٍّ، أو لتحقيقِ (¬3) باطلٍ، أو لمجرَّدِ التكلُّف (¬4)؛ بدليل أنه قد ورد السجعُ في كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي كلام غيرِه من السلف، ويدل على ذلك أنه شَبَّهَهُ بسجع الكهان؛ لأنهم كانوا يُرَوِّجون أقاويلَهم الباطلة بأسجاعٍ تروقُ الأسماعَ، فيستميلون (¬5) بها القلوبَ، فأما إذا كان وضعُ السجع في مواضعه من الكلام، فلا ذمَّ فيه. * * * 2626 - (5762) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيَّ، عَنْ يَحيَى بْنِ عرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْها -، قَالَتْ: سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ناَسٌ عَنِ الْكُهَّانِ، فَقَالَ: "لَيْسَ بِشَيْءٍ". فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه! إنّهمْ يُحَدِّثُونَا أَحْيَاناً بِشيْءٍ، فَيَكُونُ حَقّاً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "تِلْكَ الكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ، يَخْطَفُهَا مِنَ الْجِنَّيِّ، فَيَقُرُّهَا فِي أُذُنِ وَلِيَّهِ، فَيَخْلِطُونَ مَعَهَا مِئَةَ كَذْبَةٍ". (يخطَفها): بفتح الطاء لا بكسرها على المشهور. ¬

_ (¬1) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬3) في "ع" و"ج": "أو التحقيق". (¬4) في "ع": "التكليف". (¬5) في "ع": "فيستهلون"، وفي "ج": "فيستملون".

باب: السحر

(فَيُقِرُّها): - بضم المثناة التحتية وتشديد الراء -؛ أي: يُرَدَّدُها. (فيخلطون معها مئةَ كَذْبة): بفتح الكاف وكسرها والذال ساكنة فيهما. قال القاضي: وأنكر بعضُهم الكسرَ إلا إذا أُريدت الهيئةُ والحالةُ (¬1). * * * باب: السَّحْرِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} [البقرة: 102]. وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه: 69]. قَالَ: وَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ". فَأَتَاها رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي نَاسٍ مِنْ أَصحَابِهِ، فَجَاءَ فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ! كَأَنَّ مَاءَهَا نقُاعَةُ الْحِنَّاءِ، أَوْ كَأَنَّ رُؤُوس نَخْلِها رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ". قَلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَفَلاَ أَسْتَخْرِجُهُ؟ قَالَ: "قَدْ عَافَانِي اللَّهُ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُثَوِّرَ عَلَى النَّاسِ فِيهِ شَرًّا"، فَأَمَرَ بِهَا فَدُفِنَتْ. وَقَوْلِهِ: {أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} [الأنبياء: 3]. وَقَوْلِهِ: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه: 66]. ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 337). وانظر: "التنقيح" (3/ 1133).

وَقَوْلِهِ: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق: 4]، وَالنَّفَّاثَاتُ: السَّوَاحِرُ. {تُسْحَرُونَ} [المؤمنون: 89]: تُعَمَّوْنَ. (تُسْحَرون: تُعَمَّوْنَ): بضم تاء تُسْحَرون وإسكان سينه وفتح حائه، مضارعُ سُحِرَ مبني للمفعول، ومنهم من يفتح السين، ويشدد الحاء (¬1). * * * 2627 - (5763) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْها -، قَالَتْ: سَحَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُريقٍ، بُقَالُ لَهُ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ، حَتَّى كانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا فَعَلَهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ، أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ، وَهْوَ عِنْدِي، لَكِنَّهُ دَعَا وَدَعَا، ثُمَّ قَالَ: "يَا عَائِشَةُ! أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ؟ أَتَانِي رَجُلاَنِ، فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي، وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ فَقَالَ: مَطْبُوبٌ، قَالَ: مَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ، قَالَ: فِي أَيِّ شَيْءٍ؟ قَالَ: فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ، وَجُفِّ طَلْعِ نخلَةٍ ذَكَرٍ. قَالَ: وَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ". فَأَتَاهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَجَاءَ فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ! كأَنَّ مَاءَها نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ، أَوْ كأَنَّ رُؤُوسَ نَخْلِها رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ". قَلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أفلاَ أَسْتَخْرِجُه؟ قَالَ: "قَدْ عَافَانِي اللهُ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُثَوِّرَ عَلَى النَّاسِ فِيهِ شَرًّا"، فَأَمَرَ بِها فَدُفِنَتْ. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1133).

يُقَالُ: الْمُشَاطَةُ: مَا يَخْرُجُ مِنَ الشَّعَرِ إِذَا مُشِطَ، وَالْمُشَاقَةُ: مِنْ مُشَاقَةِ الْكَتَّانِ. (أتاني رجلان، فقعد أحدُهما عند رأسي، والآخرُ عند رِجْلَيَّ (¬1)): هما مَلَكان، كذا وقع في رواية الطبراني من طريق مرجي بنِ رجاءٍ، عن هشامِ بنِ عروةَ، عن أبيه، عن عائشة، بلفظ: "أَمَا عَلِمْتِ أَنَّ الله اسْتَجَابَ لِي؟! أَتَانِي مَلَكَانِ" (¬2). (فأتاها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في ناسٍ من أصحابه): ذُكر من الشاهِدِينَ لذلك: عليٌّ، وعَمَّارٌ رضي الله عنهما. أخرج ابنُ سعدٍ في "الطبقات" عن الضحاك، عن ابن عباس، قصةَ السحرِ، وفيها: "فَهَبَطَ عليهِ مَلَكَانِ وَهُوُ بَيْنَ النَّائِمِ وَاليَقْظَانِ"، وفيه: "فبعثَ (¬3) نبيُّ اللهِ إِلى عَلِيًّ، وَعَمَّارٍ، فَامَرهما أَنْ يأتيا الرَّكِيَّ"، الحديث (¬4). وذُكر - أيضاً - من الشاهدينَ لذلك (¬5): جُبَيْرُ بنُ إياسٍ الزُّرَقِيُّ. أخرجَ ابنُ سعد في "الطبقات" أيضاً عن عمرَ بنِ الحكم: أنه لما رجعَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من الحديبيةِ في ذي الحجة، ودخل المحرَّمُ، جاءتْ رؤساءُ اليهودِ إلى لَبيدِ بنِ الأَعْصَمِ، وقَصَّ القصة، ثم قال: فدعا جبيرَ بنَ إياس الزرقيَّ، وقد شهدَ بدراً، فدلَّه على موضِعِه في بئرِ ذروانَ تحتَ راعوفَةِ البئرِ، ¬

_ (¬1) في "ع": "والآخر تحت رجلي". (¬2) رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (5926). (¬3) في "ع" و"ج": "وفيه فسمعت". (¬4) انظر: "الطبقات الكبرى" (2/ 198). (¬5) "لذلك" ليست في "ع".

فخرج جبيرٌ حتى استخرجَه. وذكر ابنُ سعد أنه يقال: إن الذي استخرجَ السحرَ بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - قيسُ ابنُ مِحْصَنٍ، وذكر في رواية عن عبدِ الرحمنِ بنِ كعبِ بنِ مالك: أنه إنما سحره أخواتُ لَبيدٍ، وكُنَّ أَسْحَرَ من لَبيدٍ، وكان لبيد هو الذي ذهبَ به، فأدخلَه (¬1) تحتَ راعوفَةِ البئر، فقال الحارثُ بنُ قيسٍ: يا رسول الله! ألا نُهَوِّرُ البئرَ؟ فأعرضَ عنه، فهَوَّرَها (¬2) الحارثُ بنُ قيسٍ وأصحابه (¬3) (¬4). فقد استفدنا منها تسميةَ خمسةٍ ممن حضر هذه الواقعة، فمن المهاجرين: عليٌّ، وعمارٌ، ومن الأنصار: جُبيرُ بنُ إياسٍ الزرقيُّ، وقيسُ ابن مِحْصَنٍ الزرقيُّ، والحارثُ بنُ قيسٍ الزرقيُّ، وكان ذلك؛ لأن لبيدَ بنَ الأعصم حليفٌ لبني زُرَيقٍ. (في جُفِّ طلعةٍ ذكرٍ): الجُفُّ - بجيم وفاء -: هو وعاء طَلْع النخل، وهو العشاء الذي عليه، يُطلق على وعاء الذكر والأنثى، فلهذا قيده في الحديث بقوله: "طلعةِ [ذَكَرٍ"، وهو بإضافة طلعةِ] (¬5) إلى ذكرٍ. (في بئر ذَرْوانَ): كذا وقعَ هنا، وفيما قبلَه قريباً، وسيق في بعض الطرق: "ذي أَرْوانَ" (¬6). ¬

_ (¬1) في "ع": "فأدخلت". (¬2) في "ع" و"ج": "وهورها". (¬3) في "ج": "والصحابة". (¬4) انظر: "الطبقات الكبرى" (2/ 197 - 198). (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬6) رواه البخاري (5766).

باب: الشرك والسحر من الموبقات

قال النووي: وكلاهما صحيح، والثاني أجودُ وأصحُّ، وادعى ابنُ قتيبة أنه الصواب (¬1). * * * باب: الشِّركِ والسِّحرِ مِنَ المُوبِقَاتِ 2628 - (5764) - حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زيدٍ، عَنْ أَبي الْغَيْثِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "اجْتَنِبُوا الْمُوبِقَاتِ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ". (اجتنبوا الموبقاتِ: الشركُ بالله والسحرُ): برفع الشرك والسحر على معنى: منها الشركُ والسحرُ، والنصب على البدل. فإن قلت: المُبْدَل منه جمع، فكيف يُبدَلُ منه اثنان؟ قلت: على تقدير: وأخواتهما (¬2). وقد ثبت في حديث آخر: أن الموبقات سبعٌ، وبَيَّنَها (¬3). قيل: واقتصر منها هنا (¬4) على اثنتين (¬5) تأكيداً لأمرهما (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: "شرح مسلم" (14/ 177). (¬2) في "ع" و"ج": "وأخواتها" (¬3) في "ج": "وبينهما". (¬4) "هنا" ليست في "ج". (¬5) "هنا على اثنتين" ليست في "ع". (¬6) انظر: "التنقيح" (3/ 1134).

باب: هل يستخرج السحر؟

باب: هَلْ يَسْتَخْرِجُ السَّحْرَ؟ 2629 - (5765) - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُولُ: أَوَّلُ مَنْ حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ جُرَيْجٍ، يَقُولُ: حَدَّثَنِي آلُ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، فَسَأَلْتُ هِشَاماً عَنْهُ، فَحَدَّثَنَا عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سُحِرَ، حَتَّى كَانَ يَرَى أَنَّهُ يَأْتِي النِّسَاءَ وَلاَ يَأْتِيهِنَّ، قَالَ سُفْيَانُ: وَهذَا أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ السِّحْرِ، إِذَا كَانَ كَذَا، فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ! أَعَلِمْتِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ؟ أَتَانِي رَجُلاَنِ، فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي، وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِي لِلآخَرِ: مَا بَالُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ، قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ ابْنُ أَعْصَمَ - رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ حَلِيفٌ لِيَهُودَ كَانَ مُنَافِقاً - قَالَ: وَفِيمَ؟ قَالَ: فِي مُشْطٍ وَمُشَاقَةٍ، قَالَ: وَأَيْنَ؟ قَالَ: فِي جُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ، تَحْتَ رَعُوفَةٍ، فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ". قَالَتْ: فَأَتَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْبِئْرَ حَتَّى اسْتَخْرَجَهُ، فَقَالَ: "هذِهِ الْبِئْرُ الَّتِي أُرِيتُهَا، وَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ، وَكأَنَّ نَخْلَهَا رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ". قَالَ: فَاسْتُخْرِجَ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: أَفَلاَ - أَيْ: تَنَشَّرتَ؟ - فَقَالَ: "أَمَا وَاللَّهِ فَقَدْ شَفَانِي، وَأَكْرَهُ أَنْ أُثُيرَ عَلَى أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ شَرّاً". (حليفٌ ليهودَ كان منافقاً): فيكون قولُه فيما يأتي: اليهودي (¬1) نسبة بالحلف. وقال أبو الفرج: هذا يدل على أنه كان أسلمَ نفاقاً (¬2). ¬

_ (¬1) في "ع": "يأتي اليهود". (¬2) المرجع السابق، (3/ 1135).

باب: لا هامة

(تحتَ رَعُوفَةٍ): كذا في بعض روايات البخاري بغير ألف، وأكثر الروايات فيه: "راعوفة" بإثبات الألف، وهي صخرة تُترك في أصل (¬1) البئر عند حَفره ناتئةً؛ ليجلس عليها مُستقيه، أو الحائج متى احتاجَ. وقيل: حجرٌ على رأس البئر يَستقي عليه المستقي. وقيل: حجر بارز من طَيَّها يقفُ عليه المستقي والناظرُ فيها. وقيل: بل هو حجر ناتئ في بعض البئر لا يمكن قطعُه؛ لصلابته، فترك، حكى القاضي ذلكَ كلَّه (¬2). * * * باب: لاَ هَامَةَ 2630 - (5771) - وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ: سَمعَ أَبَا هُرَيْرَةَ بَعدُ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ". وَأَنْكَرَ أبَو هُرَيْرَةَ حَدِيثَ الأَوَّلِ، قُلْنَا: "أَلَمْ تُحَدِّثْ أَنَّهُ: "لاَ عَدْوَى"؟ فَرَطَنَ بِالْحَبَشِيَّةِ، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَمَا رَأَيْتُهُ نَسِيَ حَدِيثاً غَيْرَهُ. (قلنا: ألم تحدَّثْ أنه لا عَدْوى؟ فرطَن بالحبشية): رَطَنَ على وزن ضَرَبَ: تكلَّمَ بالعجمية. (فما رأيتُه نسيَ حديثاً غيرَه): لعل هذا من الأحاديث التي سمعها قبل بسطِ ردائه ثم ضَمِّه إليه عندَ فراغ النبي - صلى الله عليه وسلم - من مقالته في الحديث المشهور. ¬

_ (¬1) "أصل" ليست في "ع" و"ج". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 294).

باب: لا عدوى

باب: لاَ عَدْوَى 2631 - (5772) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَحَمْزَةُ: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، إِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلاَثٍ: فِي الْفَرَسِ، وَالْمَرْأَةِ، وَالدَّارِ". (إنما الشؤم في ثلاثة: في (¬1) الفَرَسِ، والدارِ، والمرأةِ): في "الإفهام": هذه الثلاثةُ مبهمةٌ بمقتضى رواية بَيَّنَتْ ذلك ذكرَها الحافظُ السِّلَفيُّ في "المختار من الطيوريات" في الانتقاء من الجزء العشرين في حديث مسلسل بالسؤال بإسناده إلى القاسم بن إبراهيم، قال: حدثنا (¬2) يوسف بنُ القطان، قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا (¬3) الزهري: قال: أنبأنا سالمٌ، عن أبيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الشُّؤْمُ في ثَلاثَةٍ: في الفَرَسِ، وَالمرْأَةِ، وَالدَّارِ". فقال يوسف القطان: سألتُ سفيانَ بنَ عُيينة عن معنى (¬4) هذا الحديث، وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "البَركَةُ في ثَلاثَةٍ: في الفَرَسِ وَالمَرْأَةِ، وَالدَّارِ". [فقال سفيان: سألتُ الزهريَّ عن معنى هذا الحديث، وقد صحَّ عن ¬

_ (¬1) "في" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "أنبأنا"، وفي "م": "ثنا". (¬3) في "ع" و"ج": "حدثني". (¬4) "معنى" ليست في "ع".

النبيَّ (¬1) - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "البركةُ في ثلاثٍ: في الفرسِ، والمرأةِ، والدارِ (¬2) "] (¬3). فقال الزهريُّ: سألتُ سالمَ بنَ عبدِ الله بنِ عمرَ عن معنى هذا الحديث، [وقد صحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "البركةُ في ثلاثٍ: في الفَرَسِ، والمرأةِ، والدارِ". فقال سالمٌ: سألت أبي عن معنى هذا الحديث] (¬4)، وقد صحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "البركةُ في ثلاثٍ: في (¬5) الدارِ، والدابةِ، والمرأةِ" (¬6). فقال أبي (¬7): سألتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عن معنى هذا الحديث، وقد سمعناك تقول: "البركةُ في ثلاثٍ: في الفرسِ والمرأةِ والدارِ". فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كانَ الفَرَسُ ضَرُوباً (¬8)، فَهْوَ مَشْؤُومٌ، وَإِذا كَانَتِ المَرْأَةُ قَدْ عَرَفَتْ زَوْجاً قَبْلَ زَوْجِها، فَحَنَّتْ إِلَى الزَّوْجِ الأَوَّلِ، فَهِيَ (¬9) مَشْؤُومَةٌ، [وَإِذَا كَانتِ الدَّارُ بَعِيدَةً عَنِ المَسْجِدِ لا يُسْمَعُ فِيها الأَذَانُ وَالإِقامَةُ، فَهِيَ مَشْؤُومَةٌ] (¬10)، ¬

_ (¬1) في "ج": "رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ". (¬2) في "ج": "ثلاث: الدار والدابة والمرأة". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬5) "في" ليست في "ع". (¬6) من قوله: "فقال الزهري" إلى هنا ليس في "ج". (¬7) في "ع" و"ج": "إني". (¬8) "ضروباً" ليست في "ع". (¬9) في "ع": "فهو". (¬10) ما بين معكوفتين ليس في "ع".

باب: ما يذكر في سم النبي - صلى الله عليه وسلم -

وَإِذَا كُنَّ بِغَيْرِ هذَا الوَصْفِ، فَهُنَّ (¬1) مُبَارَكَاتٌ" (¬2). * * * باب: مَا يُذْكَرُ في سَمِّ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - 2632 - (5777) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبي سَعِيدٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ، أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - شَاةٌ فِيها سَمٌّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اجْمَعُوا لِي مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنَ الْيَهُودِ"، فَجُمِعُوا لَهُ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّي سَائِلُكُمْ عَنْ شَيْءٍ، فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْهُ؟ "، فَقَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَبُوكُمْ؟ "، قَالُوا: أَبُونَا فُلاَنٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "كَذَبْتُمْ، بَلْ أَبُوكُمْ فُلاَنٌ"، فَقَالُوا: صَدَقْتَ وَبَرِزْتَ، فَقَالَ: "هلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ؟ "، فَقَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، وَإِنْ كَذَبْنَاكَ، عَرَفْتَ كَذِبَنَا كَمَا عَرَفْتَهُ فِي أبَينَا، قَالَ لَهُم رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَهْلُ النَّارِ؟ "، فَقَالُوا: نَكُونُ فِيهَا يَسِيراً، ثُمَّ تَخْلُفُونَنَا فِيها، فَقَالَ لَهُم رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اخْسَؤُوا فِيهَا، وَاللهِ! لاَ نخلُفُكُم فِيها أَبَداً". ثُمَّ قَالَ لَهُم: "فَهلْ أَنْتُم صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ؟ "، قَالُوا: نَعَم، فَقَالَ: "هلْ جَعَلْتُم فِي هذِهِ الشَّاةِ سُمًّا؟ "، فَقَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ: "مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ "، فَقَالُوا: أَرَدْنَا: إِنْ كُنْتَ ¬

_ (¬1) في "ع": "فهو". (¬2) قال الحافظ العراقي في "المغني عن حمل الأسفار" (1/ 522): ورويناه في كتاب "الخيل" للدمياطي من رواية سالم بن عبد الله مرسلاً، وإسناده ضعيف، ووصله صاحب "مسند الفردوس" بذكر ابن عمر فيه.

باب: شرب السم، والدواء به، وبما يخاف منه

كَذَّاباً، نَسْتَرِيحُ مِنْكَ، وَإِنْ كنْتَ نَبِيّاً، لَمْ يَضُرَّكَ. (فهل أنتم صادِقُوني): بإثبات نون الوقاية، وتقدَّمَ توجيهُه لابن مالك. وفي نسخة: "صَادِقِيَّ" (¬1): بمثناة (¬2) تحتية مشددة، على القاعدةِ في (¬3) مثلِه. * * * باب: شُرْبِ السُّمَّ، وَالدَّوَاءِ بِهِ، وَبِما يُخَافُ مِنْهُ (باب: شربِ السمِّ، والدواء به، وما (¬4) يُخاف منه، والخبيثِ): هذه الكلمة وهي لفظة "الخبيث" ثبتت في رواية القابسي، وأبي ذر، وسقطت عند غيرهما، وذكرها (¬5) الترمذي في الحديث بلفظ: "ونهى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن الدواءِ الخبيثِ" (¬6). قلت: هو حجة على الشافعية - رحمهم الله (¬7) - في إجازتهم التداويَ بالنَّجس. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1136). (¬2) في "ع": "مثناة". (¬3) في "ج": "وفي". (¬4) في البخاري: "وَبِما". (¬5) في "ع": "وذكر". (¬6) رواه الترمذي (2045)، وأبو داود (3870)، وابن ماجه (3870). عن أبي هريرة رضي الله عنه. وانظر: "التنقيح" (3/ 1137). (¬7) "رحمهم الله" ليست في "ع" و"ج".

وقولُ الترمذيِّ: "يعني: السمَّ" غيرُ مُسَلَّمٍ، فاللفظُ عامٌّ، ولم يقمْ دليلٌ على التخصيص بما ذكره. * * * 2633 - (5778) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا شُعبةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ ذَكْوَانَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهْوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِداً مُخَلَّداً فِيها أَبَداً، وَمَنْ تَحَسَّى سَمّاً، فَقَتَلَ نفسَهُ، فَسَمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي ناَرِ جَهنَّمَ خَالِداً مُخَلَّداً فِيها أَبَداً، وَمَنْ قتلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهنَّمَ خَالِداً مُخَلَّداً فِيها أَبَداً". (يَجَأُ بها في بَطْنِه): أي: يَطْعن، وهو مضارع وَجَأَ؛ مثل: وَهبَ يَهَبُ. * * *

كتاب اللباس

كتاب اللباس

باب: قول الله تعالى: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده} [الأعراف: 32]

كتاب اللباس باب: قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} [الأعراف: 32] وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا، فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلاَ مَخِيلَةٍ". وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلْ مَا شِئْتَ، وَالْبَسْ مَا شِئْتَ، مَا أخطَأَتْكَ اثْنَتَانِ: سَرَفٌ أَوْ مَخِيلَةٌ. (في غير إسرافٍ ولا مَخيلَةٍ): الإسرافُ: تَجاوُزُ الحَدِّ، والمَخِيلَةُ: - بفتح الميم -: الكِبْرُ (¬1). * * * باب: مَا أسْفلَ مِنَ الكَعْبَينِ فَهُو في النَّارِ 2634 - (5787) - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعبَةُ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1138).

باب: من جر ثوبه من الخيلاء

"مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الإِزَارِ فَفِي النَّارِ". (ما أسفلَ من الكعبين من (¬1) الإزار في (¬2) النار): "ما" موصولة في محل رفع على أنها مبتدأ، و"في النار" الخبر، و"أسفلَ" خبرُ مبتدأ محذوف، وهو العائدُ على الموصول؛ أي: ما هو أسفلَ، وحُذف العائد؛ لطولِ الصلة، و"من" الأولى لابتداء الغاية، والثانية لبيان الجنس. * * * باب: مَنْ جَرَّ ثَوبَهُ مِنَ الخُيَلاَءِ 2635 (5789) - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ، أَوْ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -: "بَيْنَمَا رَجُلٌ يمْشِي فِي حُلَّةٍ، تُعحِبُهُ نَفْسُهُ، مُرَجِّلٌ جُمَّتَهُ، إِذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ، فَهْوَ يَتَجَلَّلُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". (إذْ خسفَ الله به، فهو يتجَلْجَلُ): - بجيمين -؛ أي: يتحرَّكُ به. ويروى بالخاء المعجمة، واستبعده القاضي، إلا أن يكون من قولهم: خَلْخَلْتُ العَظْمَ: إذا أخذتُ ما عليه من اللحم. قال: ورويناه (¬3) في غير "الصحيحين" بحاءين مهملتين (¬4). ¬

_ (¬1) "من" ليست في "ع". (¬2) كذا رواية أبي ذر الهروي، وفي اليونينية: "ففي"، وهي المعتمدة في النص. (¬3) في "ع": "رويناه". (¬4) في "ع": "بحاء مهملتين". وانظر: "مشارق الأنوار" (1/ 151). =

باب: الإزار المهدب

وذكر السهيلي في "مبهمات القرآن" في سورة الصافات في قوله تعالى: {قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا} [الصافات: 97]: أن قائل هذه المقالة فيما ذكره الطبري اسمه الهيزَنُ (¬1)، رجلٌ من أعراب فارس، وهم الترك، وهو الذي جاء في الحديث: "بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي حُلَّةٍ لَهُ يَتَبَخْتَرُ فِيهَا، فَخُسِفَ بِهِ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ في الأَرْضِ إِلَى يَوْمِ القِيامَةِ" (¬2). وفي "صحاح الجوهري": أنه قارونُ (¬3). * * * باب: الإزَارِ الْمُهَدَّبِ وَيُذْكَرُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَحَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ، وَمُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ: أَنَّهُمْ لَبِسُوا ثِيَاباً مُهدَّبَةً. (باب: الإزارِ المهدَّبِ): - بالدال المهملة -، وكذا هي في قوله: لَبِسُوا ثِياباً مُهدَّبَةً؛ أي: لها هُدَّابٌ. قال الزركشي: وهو جمعُ هُدْبٍ، وهو طُرَّةُ الثوبِ (¬4). وينبغي تحريره، فالظاهر أن الهدَّابَ كالهُدْبِ، وليس جمعاً. ¬

_ = وانظر: "التنقيح" (3/ 1138). (¬1) في "ع": "الهزان"، وفي "ج": "الهيزان". (¬2) رواه الإمام أحمد في "المسند" (2/ 492). (¬3) انظر: "الصحاح" (4/ 1659)، (مادة: جلل). (¬4) انظر: "التنقيح" (3/ 1138).

باب: القباء وفروج حرير

(وحمزةَ بنَ أبي أُسَيْدٍ): بضم الهمزة على التصغير. * * * باب: الْقَبَاءِ وَفَرُّوجِ حَرِيرٍ وَهْوَ الْقَبَاءُ، ويقَالُ: هُوَ الَّذِي لَهُ شَقٌّ مِنْ خَلْفِهِ. (فَرّوج حرير): - بفتح الفاء وتشديد الراء -، ويقال بضم الفاء وتخفيف الراء، وهو القَباء المفرَّجُ من خَلْفِه (¬1). * * * باب: البَرَانِسِ 2636 - (5802) - وَقَالَ لِي مُسَدَّدٌ: حَدَّثَنَا مُعتَمِرٌ، سَمِعْتُ أَبِي، قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى أَنَسٍ بُرْنُساً أَصْفَرَ مِنْ خَزًّ. (بُرْنُساً أصفرَ من خَزًّ): - بخاء معجمة وزاي -: ثياب تُنسج من صوفٍ وإِبْرِيسَمٍ، وقد لبسَه الصحابةُ والتابعون، وجاء النهيُ عنه من جهة التشبُّه بزِيَّ العجم. قال الزركشي: فإن أُريد به المعروفُ اليومَ، فهو حرامٌ؛ لأن جميعَه معمولٌ من الإِبريسَم، وعليه يُحمل الحديث السابق: "قَوْمٌ يَسْتَحِلُّونَ الخَزَّ"، [إن ثبتت به (¬2) الرواية، هكذا قال ابن الأثير (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1139). (¬2) "به" ليست في "ع". (¬3) انظر: "النهاية في غريب الحديث"، (2/ 28).

باب: التقنع

وقال (¬1) المُطَرَّزِيُّ: الخَزُّ] (¬2): اسمُ دابَّة، ثم (¬3) سُمِّي الثوبُ المتخذُ من وَبَرِها خَزًّا (¬4) (¬5). * * * باب: التَّقَنُّعِ (بابُ: التقنُّعِ): قال الإسماعيلي: هو مطابقٌ لقوله في الحديث: "جاءَ مُتَقَنِّعاً"، وأما ما صدر به من العصابة (¬6)، فلا يدخل في التقنُّعِ؛ فإنه تغطيةُ الرأسِ، والعِصابة شَدُّ الخرقَةِ على ما أحاطَ بالرأس (¬7) كلَّه (¬8). * * * باب: البرُودِ والحِبَرةِ والشَّمْلَةِ 2637 - (5809) - حَدَّثنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنسَ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ، ¬

_ (¬1) في "ع": "قال". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬3) "ثم" ليست في "ج". (¬4) في "ع" و"ج": "خزاً، والله أعلم". (¬5) انظر: "التنقيح" (3/ 1139). (¬6) في "ع": "وإما صدر به من العصابة". (¬7) في "ع": "أحاط به الرأس". (¬8) المرجع السابق، (3/ 1140).

فَجَبَذَهُ بِرِدائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الْبُرْدِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يا مُحَمَّدُ! مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ ضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ. (فأدركه أعرابي، فجبَذَهُ بردائِه): قيل: صوابُه: ببرده؛ لقوله أولَه: عليه بُرْدٌ نجرانيٌّ غليظُ الحاشية، وهذا لا يُسمَّى رداء، كذا في الزركشي (¬1). قلت: لا أدري ما الذي يمنعُ من أنه كان عليه بُرد (¬2) ارتدى به، فأُطلق عليه الرداءُ بهذا الاعتبار. * * * 2638 - (5810) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سعدٍ، قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ بِبُرْدَةٍ، قَالَ سَهْلٌ: هلْ تَدْرِي مَا الْبُردَةُ؟ قَالَ: نَعَمْ، هِيَ الشَّمْلَةُ، مَنْسُوجٌ فِي حَاشِيَتِهَا، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّي نَسَجْتُ هَذِهِ بِيَدِي أَكْسوُكَهَا، فَأَخَذَها رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مُحْتَاجاً إِلَيْهَا، فَخَرَجَ إِلَيْنَا، وَإِنَّهَا لإِزَارُهُ، فَجَسَّهَا رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقَالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ! اكْسُنِيهَا، قَالَ: "نَعَمْ". فَجَلَسَ مَا شَاءَ اللَّهُ فِي الْمَجْلِسِ، ثُمَّ رَجَعَ فَطَوَاها، ثُمَّ أرْسَلَ بِها إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ: مَا أَحسَنْتَ، سَأَلْتَهَا إِيَّاهُ، وَقَد عَرَفْتَ أَنَّهُ لاَ يَرُدُّ سَائِلاً، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَاللَّهِ! مَا سَأَلْتُهَا إِلاَّ لِتَكُونَ كَفَنِي يَوْمَ أَمُوتُ. قَالَ سَهْلٌ: فَكَانَتْ كَفَنَهُ. ¬

_ (¬1) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬2) في "ع" و"ج": "برداً".

(فجسَّها رجلٌ من القوم): بجيم وسين مهملة مشددة، هذه رواية الأكثرين. وعند الجرجاني: "فَحَسَّنَها" أي: وصفَها بالحسن، قال القاضي: وهو وجهُ الكلام (¬1). قلت: لكلٍّ من الروايتين محملٌ صحيح، وقد تقدَّم في باب: من استعد الكفن (¬2): أن هذا الرجل هو عبدُ الرحمن بنُ عوف على ما أفاده المُّحِبُّ الطبريُّ في "أحكامه". * * * 2639 - (5811) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يقُولُ: "يَدخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي زُمرةٌ هِيَ سَبْعُونَ أَلْفاً، تُضِيءُ وُجُوهُهُمْ إِضَاءَةَ الْقَمَرِ"، فَقَامَ عُكَاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ الأَسَدِيُّ، يَرْفَعُ نَمِرَةً عَلَيْهِ، قَالَ: ادْعُ اللَّهَ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُم، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ". ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ! ادع اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "سَبَقَكَ عُكَاشَةُ". (ثم قام رجلٌ من الأنصار، فقال: يا رسول الله! ادعُ الله أن يجعلني منهم): هذا يرد ما حكاه ابنُ عبدِ البَرَّ أنه كان من المنافقين، وأنه إنما (¬3) ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 160). وانظر: "التنقيح" (3/ 1140). (¬2) في "ج": "للكفن". (¬3) "إنما" ليست في "ع".

باب: الخميصة السوداء

تركَ الدعاءَ له لذلك (¬1). * * * 2640 - (5814) - حَدَّثَنَا أبَو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ تُوُفِّيَ سُجِّيَ بِبُرْدٍ حِبَرَةٍ. (سُجِّيَ ببردٍ (¬2) حِبَرَةٍ): على الوصف والإضافة، وهو بردٌ يَمانٍ. * * * باب: الخَمِيصَةِ السَّودَاءِ 2641 - (5824) - حَدَّثَنِي مُحمَدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أبِي عَدِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: لَمَّا وَلَدَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ، قَالَتْ لِي: يَا أَنَسُ! انْظُرْ هذَا الْغُلاَمَ، فَلاَ يُصِيبَنَّ شَيْئاً حَتَّى تَغْدُوَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يُحَنَّكُهُ، فَغَدَوْتُ بِهِ، فَإِذَا هُوَ فِي حَائِطٍ، وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ حُرَيْثِيَّةٌ، وَهْوَ يَسِمُ الظَّهْرَ الَّذِي قَدِمَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ. (وعليه خَميصةٌ حُرَيْثِيَّةٌ): نسبةً إلى حُريثٍ، رجل من قُضاعة. وفي رواية ابن الحذاء: "جَوْنِيَّةٍ (¬3) " - بجيم مفتوحة (¬4) وواو ساكنة ¬

_ (¬1) انظر: "الاستيعاب" (3/ 1081). وانظر: "التنقيح" (3/ 1140). (¬2) في "م": "ببردة". (¬3) في "ج": "جوينية". (¬4) "مفتوحة" ليست في "ع".

باب: ثياب الخضر

ونون - نسبةً (¬1) إلى جَوْن؛ قبيلةٍ من الأَزْدِ (¬2)، وجَوَّزَ بعضُهم في هذه الرواية أن تكون النسبةُ إلى كونها من السواد أو البياض أو الحمرة (¬3)؛ لأن العرب تسمي كلَّ لونِ من هذه: جَوْناً (¬4). * * * باب: ثِيابِ الخُضْرِ 2642 - (5825) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، فتزَوَّجَها عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزَّبِيرِ الْقُرَظِيُّ، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَعَلَيْهَا خِمَارٌ أَخْضَرُ، فَشَكَتْ إِلَيْهَا، وَأَرَتْهَا خُضْرَةً بِجِلْدِهَا، فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَالنِّسَاءُ يَنْصُرُ بَعضُهُنَّ بَعْضاً، قَالَتْ عَائِشَةُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مَا يَلْقَى الْمُؤْمِنَاتُ! لَجِلْدُهَا أَشَدُّ خُضْرَةً مِنْ ثَوْبِهَا. قَالَ: وَسَمِعَ أَنَّهَا قَدْ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَاءَ وَمَعَهُ ابْنَانِ لَهُ مِنْ غَيْرِها، قَالَتْ: وَاللَّهِ! مَا لِي إِلَيْهِ مِنْ ذَنْبٍ، إِلاَّ أَنَّ مَا مَعَهُ لَيْسَ بِأَغْنَى عَنِّي مِنْ هَذِهِ، وَأَخَذَتْ هُدْبَةً مِنْ ثَوْبِهَا، فَقَالَ: كَذَبَتْ، وَاللَّهِ يَا رَسولَ اللَّهِ! إِنَّي لأَنْفُضُهَا نَفْضَ الأَدِيم، وَلَكِنَّهَا نَاشِزٌ، تُرِيدُ رِفَاعَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ، لَمْ تَحِلِّي لَهُ، أَوْ: لَمْ تَصْلُحِي لَهُ، حَتَّى يَذُوقَ مِنْ عُسَيْلَتِكِ". قَالَ: وَأَبْصَرَ مَعَهُ ابْنَيْنِ، فَقَالَ: "بَنُوكَ هؤُلاَءِ؟ "، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "هذَا الَّذِي ¬

_ (¬1) "نسبة" ليست في "ع". (¬2) في "ج": "الأسد". (¬3) في "ج" "والحمرة". (¬4) انظر: "التنقيح" (3/ 1141)، و"التوضيح" (27/ 651).

باب: الثياب البيض

تَزْعُمِينَ مَا تَزْعُمِينَ، فَوَاللَّهِ! لَهُمْ أَشْبَهُ بِهِ مِنَ الْغُرَابِ بِالْغُرَابِ". (فإن كان ذلك، لم تحلِّينَ له): قال السفاقسي: كذلك وقع في سائر الأمهات، وصوابه: "لم تَحِلِّي (¬1) "؛ يعني: بدون نون (¬2). قلت: هو على إلغائها عن الجزم بها، وقد حكى ابنُ مالك: أن ذلك لغةٌ لبعض العرب. * * * باب: الثِّيابِ البِيضِ 2643 - (5826) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ بِشِمَالِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَبِيَمِينِهِ رَجُلَيْنِ، عَلَيْهِمَا ثيابٌ بِيضٌ يَوْمَ أُحُدٍ، مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلُ وَلاَ بَعْدُ. (عن أبيه [عن] سعدِ بنِ فلانٍ (¬3)): فلانٌ (¬4) هذا كنايةٌ عن عمرٍو. * * * 2644 - (5827) - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحيَى بْنِ يَعْمَرَ حَدَّثَهُ: أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ ¬

_ (¬1) في "ج": "تحلِّ". (¬2) انظر: "التوضيح" (27/ 655). (¬3) "ابن فلان" ليست في نص البخاري. (¬4) "فلان" ليست في "ج".

الدِّيلِيَّ حَدَّثَهُ: أَنَّ أَبَا ذَرٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - حَدَّثَهُ: قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبْيَضُ، وَهْوَ ناَئِمٌ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَقَدِ اسْتَيْقَظَ، فَقَالَ: "مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ، إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ". قَلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: "وَإِنْ زَنىَ وَإِنْ سَرَقَ". قَلْتُ: وَإِنْ زَنىَ وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: "وَإِنْ زَنى وإَنْ سَرَقَ". قَلْتُ: وإَنْ زَنىَ وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: "وإَنْ زَنىَ وَإِنْ سَرَقَ عَلَى رَغْم أَنْفِ أَبي ذَرًّ". وَكَانَ أَبُو ذَرًّ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا، قَالَ: وَاِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي ذَرًّ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: هذَا عِنْدَ الْمَوْتِ، أَوْ قَبْلَهُ إِذَا تَابَ وَنَدِمَ، وَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، غُفِرَ لَهُ. (أن أبا الأسود الدِّيليَّ): بكسر الدال وإسكان المثناة التحتية، وبدالٍ مضمومة وهمزة مفتوحة. (قال أبو عبد الله: هذا عند الموت، أو قبلَه إذا تاب، وقال: لا إله إلا الله، غُفِر له): أبو عبد الله هذا: هو البخاري. قال الداودي: وما قاله خلافُ ظاهرِ الحديث. وقال غيره: تفسيرُ البخاري مفتقرٌ إلى تفسيرٍ آخر، وذلك أن التوبة [والندمَ إنما ينفعان في الذنوب التي بينَ العبد وربه، بخلافِ مطالبِ العباد، لا تُسقطها التوبةُ] (¬1). والحديث فيه: (وإنْ زنى، وإنْ سرقَ): قال السفاقسي: فإن قيل: ظاهرُ قولِ البخاريَّ ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". وانظر: "التوضيح" (27/ 657).

باب: لبس الحرير للرجال، وقدر ما يجوز منه

يوهمُ إنفاذَ الوعيد، قيل: إنما أرادَ ما أرادَه وهبُ بنُ منبِّه في "مفتاح الجنة" في كتاب: الجنائز، يريد: أن تحقيقَ ضمان النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن ماتَ لا يشرك بالله، ولمن قال: لا إله إلا الله، ثم مات عليها، إذا لقي الله (¬1) تائباً، أو عاملاً بما أُمر به، فهذا من أولِ داخلي الجنة، وإن كان غيرَ تائب، أو قِبَلَهُ تبعاتٌ للعباد، فلا بدَّ له من الجنة بعد إنفاذِ الوعيدِ (¬2). قلت: أو لا ينفذُ عليه وعيدٌ البَتَّةَ؛ فضلاً من الله، وحقوقُ العباد، وإن لم تسقطْ، فليس بمتحتم أن يَرضى عنها العبدُ نفسه ولا بدَّ، بل يجوز أن يُرضيَ اللهُ الخصومَ عنها، ويُدخل عَبْدَهُ المؤمنَ بمجرد فضله، لا مانعَ لما أعطى. على أن في دلالة كلام البخاري (¬3) على الجواب الذي ساقَه السفاقسيُّ نظراً. * * * باب: لُبْسِ الحَريرِ للرِّجَالِ، وقَدْرِ مَا يجوزُ مِنْهُ 2645 - (5829) - حَدَّثَنَا أَحمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ وَنحنُ بأَذْرِبيجَانَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إلَّا هكَذَا، وَصَفَّ لنا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِصْبَعَيْهِ، وَرَفعَ زُهَيْرٌ الْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةَ. ¬

_ (¬1) لفظ الجلالة "الله" ليس في "ع". (¬2) المرجع السابق، (27/ 658). (¬3) في "ج": "في كلام البخاري دلالة".

(بأَذربيجان): قال القاضي: بفتح الهمزة مقصورة. وضبطه الأصيلي، والمهلب بمد الهمزة. وضبطناه عن الأسدي (¬1) بكسر الباء، وهو قول غيره. وضبطناه عن أبي عبد الله بن سليمان بفتحها (¬2). وحكى السفاقسي فيه ضبطه بكسر الهمزة أيضاً (¬3). * * * 2646 - (5831) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنِ ابْنِ أَبي لَيْلَى، قَالَ: كَانَ حُذَيْفَةُ بِالْمَدَايِنِ، فَاسْتَسْقَى، فَأتَاهُ دِهْقَانٌ بِمَاءٍ فِي إِنَاءٍ مِنْ فِضَّةٍ، فَرَمَاهُ بِهِ، وَقَالَ: إِنَّي لَمْ أَرْمِهِ إِلاَّ أَنَّي نَهَيْتُهُ فَلَمْ يَنْتَهِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَالْحَرِيرُ وَالدِّيبَاجُ، هِيَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَلَكُمْ فِي الآخِرَةِ". (هي لهم في الدنيا): قال الإسماعيلي: ليسَ إباحةً، وإنما المعنى: أنهم يختصُّون بها في الدنيا (¬4). * * * 2647 - (5835) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحيىَ بْنِ أَبي كَثِيرٍ، عَنْ عمرَانَ بْنِ حِطَّانَ، ¬

_ (¬1) في "ج": "الأزدي". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 58). (¬3) انظر "التوضيح" (27/ 673). (¬4) انظر "التنقيح" (3/ 1142).

باب: مس الحرير من غير لبس

قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنِ الْحَرِيرِ، فَقَالَتْ: ائْتِ ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَلْهُ، قَالَ: فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: سَلِ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: فَسَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ، فَقَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو حَفْصٍ - يَعْنِي: عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ". فَقُلْتُ: صَدَقَ، وَمَا كذَبَ أَبُو حَفْصٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. (عن عمرانَ بن حِطَّانَ): - بكسر الحاء المهملة وتشديد الطاء المهملة (¬1) -، قيل: وهو من الخوارج، وإنما أدخله البخاري في المتابعة ليسَ في أصل الحديث (¬2). * * * باب: مَسِّ الحَريرِ مِنْ غَيرِ لُبْسٍ 2648 - (5836) - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثَوْبُ حَرِيرٍ، فَجَعَلْنَا نَلْمُسُهُ، وَنَتَعَجَّبُ مِنْهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَتَعْجَبُونَ مِنْ هَذَا؟ "، قَلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: "مَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ هَذَا". (فجعلنا نلمُسه): قال الزركشي: بضم الميم عن صاحب "المحكم" (¬3). قلت: في "الصحاح" حكايةُ الضم والكسر جميعاً (¬4). ¬

_ (¬1) "المهملة" ليست في "ع". (¬2) انظر: "التوضيح" (27/ 675). (¬3) انظر: "المحكم" (8/ 520)، (مادة: لمس). وانظر: "التنقيح" (3/ 1142). (¬4) انظر: "الصحاح" (3/ 975)، (مادة: لمس).

باب: افتراش الحرير

باب: افْتِرَاشِ الْحَرِيرِ وَقَالَ عَبِيدَةُ: هُوَ كلُبْسِهِ. (وقال عَبيدة (¬1)): بفتح العين. 2649 - (5837) - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي نجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبي لَيْلَى، عَنْ حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: نَهَانَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نشرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأَنْ نَأْكُلَ فِيهَا، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدَّيبَاجِ، وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ. (وعن لبس الحرير والديباج، وأن نجلسَ عليه): فيه حجةٌ ظاهرة للجمهور على منع افتراشِ الحرير، وأما لبسُه، فمذهبُ الجمهور في تحريمه معروفٌ. وحكى الحافظ مغلطاي عن الزاهدي من الحنفية: أنه لا يجوز استعمالُ اللِّحافِ من الإبريسَمِ؛ لأنه نوعُ (¬2) لُبْسٍ، [ولا يُكره الاستنادُ إلى الوسادة من الديباج، ولا بأسَ بِمُلاءة حريرٍ توضع في مهدِ الصَّبِيِّ؛ لأنه ليس] (¬3) لُبْساً، وكذا الكِلَّة (¬4) من (¬5) الحرير للرجال؛ لأنها كالبيت، ولبسُ الحريرِ ¬

_ (¬1) في "ع": "وقال أبو عبيدة". (¬2) في "ج": "لأنه ممنوع نوع". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬4) في "ع" و"ج": "وكذا الكلمة". ووقع في "التوضيح": "الحلة". (¬5) "من" ليست في "ع".

باب: لبس القسي

فوق الدَّثار لا يُكره عند أبي حنيفة - رحمه الله -؛ لأنه أعتبر المعنى (¬1)؛ يعني: اللبسَ. قال: وهذا تنصيصٌ على أن أبا حنيفة لا يكره لبسَ الحرير إذا لم يتصل بجلده، حتى إذا لبسه فوق قميص من غزلٍ ونحوِه (¬2)، لا يُكره عندَه، فكيف إذا لبسَه فوقَ قَباءٍ أو شيءٍ آخرَ محشوًّ، أو كانت جبة حرير وبطانتُها ليستْ حريراً، وقد لبسها (¬3) فوق قميص غزلي. قال الزاهدي: وهذا رخصةٌ عظيمة في موضع عَمَّتْ فيه البلوى، ولكن تطلبتُ هذا القولَ في كثير من الكتب عن أبي حنيفة، فلم أجد سوى هذا، ومن الناس من يقول: إنما يُكره إذا كان الحريرُ يمسُّ الجلدَ، وما لا، فلا. وعن ابن عباس: أنه كان عليه جبةٌ من حرير، فقيل له في ذلك: فقال: ما ترى إلى ما يلي الجسد، وكان تحته ثوب من قطن. إلا أن الصحيح ما ذكرناه: أن الكلَّ حرام (¬4). * * * باب: لُبْسِ الْقَسِّيِّ وَقَالَ عَاصِمٌ، عَنْ أَبِي بُردَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيًّ: مَا الْقَسِّيَّةُ؟ قَالَ: ثِيَابٌ ¬

_ (¬1) في "التوضيح": "لأنه اعتبر حرمة استعمال الحرير إذا كان يتصل ببدنه، وأبو يوسف اعتبر المعنى". (¬2) "ونحوه" ليست في "ع". (¬3) في "ج": "ولبسها". (¬4) انظر: "التوضيح" (27/ 678 - 679).

باب: قبالان في نعل، ومن رأى قبالا واحدا واسعا

أَتَتْنَا مِنَ الشَّأْمِ، أَوْ مِنْ مِصْرَ، مُضَلَّعَةٌ فِيهَا حَرِيرٌ، فِيها أَمْثَالُ الأُتْرُنْجِ، وَالْمِيثَرَةُ: كَانَتِ النِّسَاءُ تَصْنَعُهُ لِبُعُولَتِهِنَّ، مِثْلَ الْقَطَائِفِ يُصَفِّرْنَهَا. (ما القَسِّيَّةُ؟): بفتح القاف وتشديد السين. وبعضهم بكسر القاف وتخفيف السين. قال الخطابي: وهو غلط، وقيل: أصله القَزُّ، فأُبدلت الزاي سيناً (¬1). (والمِيثَرَة): بميم مكسورة فهمزة ساكنة تخفف بإبدالها ياء. (يصُفّونها): - بضم الصاد والفاء المشددة -؛ أي: يجعلونها مصفوفةً تحت السَّرجِ، يُوَطِّئُونَ بها تحتَه. ويروى: "يصَفِّرونها"؛ من الصُّفْرَة (¬2). * * * باب: قِبالاَنِ في نَعْلٍ، وَمَنْ رأىَ قِبَالاً وَاحِدَاً واسِعَاً 2650 - (5857) - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ "حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ نَعْلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ لَهَا قِبَالاَنِ. (كان لهما قِبالان): - بكسر القاف وبموحدة -: تثنيةُ قِبال، وهو السيرُ الذي يكون بين الإصبعين. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "إصلاح غلط المحدثين" (ص: 35). (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1143).

باب: الجلوس على الحصير ونحوه

باب: الجُلُوسِ عَلَى الحَصِيرِ ونَحْوِهِ 2651 - (5861) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا مُعتَمِرٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْها -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَحتَجرُ حَصِيراً بِاللَّيْلِ فَيُصَلَي، وَيَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ فَيَجْلِسُ عَلَيْهِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَثُوبُونَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَيُصَلُّونَ بِصَلاَتِهِ حَتَّى كَثُرُوا، فَأَقْبَلَ فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ! خُذُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دامَ، وإِنْ قَلَّ". (كان يحتجرُ حصيراً بالليل): أي: يجعله لنفسه، ويمنع منه غيره. * * * باب: فَصِّ الخَاتَمِ 2652 - (5869) - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ، قَالَ: سُئِلَ أَنَسٌ: هَلِ اتَّخَذَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَاتَماً؟ قَالَ: أَخَّرَ لَيْلَةً صَلاَةَ الْعِشَاءَ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَكَأَنَّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ خَاتَمِهِ، قَالَ: "إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا وَنَامُوا، وَإِنَّكُمْ لَمْ تَزَالُوا فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرتُمُوهَا". (وَبِيْصِ خاتمِه): - بواو مفتوحة فموحدة مكسورة فمثناة تحتية ساكنة فصاد مهملة -: هو الإشراق (¬1) والتلألؤ (¬2)، وكذا البَصيصُ. ¬

_ (¬1) في "ع": "هو الأشرف". (¬2) في "ج": "الأشرف والبلاء".

باب: خاتم الحديد

باب: خاتم الحَدِيدِ 2653 - (5871) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ سَمِعَ سَهْلاً يَقُولُ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: جِئْتُ أَهَبُ نَفْسِي، فَقَامَتْ طَوِيلاً، فَنَظَرَ وَصَوَّبَ، فَلَمَّا طَالَ مُقَامُها، فَقَالَ رَجُلٌ: زَوِّجْنِيهَا إِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ بِها حَاجَةٌ، قَالَ: "عِنْدَكَ شَيْءٌ تُصْدِقُهَا؟ "، قَالَ: لاَ، قَالَ: "انْظُرْ"، فَذَهبَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ! إِنْ وَجدتُ شَيْئاً، قَالَ: "اذْهبْ فَالْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَماً مِنْ حَدِيدٍ"، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ، قَالَ: لاَ وَاللَّهِ! وَلاَ خَاتَماً مِنْ حَدِيدٍ، وَعَلَيْهِ إِزَارٌ مَا عَلَيْهِ رِداءٌ، فَقَالَ: أُصْدِقُهَا إِزَارِي، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِزَارُكَ إِنْ لَبِسَتْهُ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَبِسْتَهُ، لَمَ يَكُنْ عَلَيْها مِنْهُ شَيْءٌ". فَتَنَحَّى الرَّجُلُ فَجَلَسَ، فَرَآهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُوَلِّياً، فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ، فَقَالَ: "مَا مَعَكَ مِنَ الْقُرآنِ؟ "، قَالَ: سُورَةُ كَذَا وَكَذَا، لِسُوَرٍ عَدَّدَها، قَالَ: "قَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ". (فقال (¬1): لا والله! ولا خاتماً من حديد): قال الزركشي: خاتماً - بالنصب - عطفاً على قوله: "التمسْ ولو خاتماً"؛ أي: ما وجدتُ شيئاً، ولا خاتماً (¬2). قلت: هذا كلام عجيب لا يحتاج ردُّه إلى إيضاح، وإنما "خاتماً" معطوف على منصوب مقدَّر؛ أي: ما وجدْتُ غيرَ خاتم ولا خاتماً. * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "قال". (¬2) انظر: في "التنقيح" (3/ 1143).

باب: من جعل فص الخاتم في بطن كفه

باب: مَنْ جَعَلَ فَصَّ الخَاتَمِ في بَطْنِ كَفِّهِ 2654 - (5876) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ ناَفِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ حَدَّثَهُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - اصْطَنَعَ خَاتَماً مِنْ ذَهبٍ، ويَجْعَلُ فَصَّهُ فِي بَطْنِ كَفِّهِ إِذَا لَبِسَهُ، فَاصْطَنَعَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ، فَرَقِيَ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، فَقَالَ: "إِنِّي كُنْتُ اصْطَنَعْتُهُ، وَإِنِّي لاَ أَلْبَسُهُ"، فَنَبَذَهُ، فَنَبَذَ النَّاسُ. قَالَ جُوَيْرِيَةُ: وَلاَ أَحْسِبُهُ إِلاَّ قَالَ: فِي يَدهِ الْيُمْنَى. (اصطنع خاتماً من ذهب، وجعل فَصَّه في باطنِ كَفِّه): وفي آخره: "قال جويريةُ: ولا أحسبه إلا قال: في يده اليمنى". قال الحافظ أبو ذر: ولم يخرج في الصحيح أن موضع الخاتم من اليدين هي اليد اليمنى سوى هذا الذي قال جويرية في خاتم الذهب (¬1). (فرقِيَ المنبرَ): - بكسر القاف -؛ أي: صَعِدَ. * * * باب: السِّخَابِ للصِّبْيَانِ 2655 - (5884) - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبي يَزِيدَ، عَنْ ناَفِعِ ابْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: كنْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سُوقٍ مِنْ أَسْوَاقِ الْمَدِينَةِ، فَانْصَرَفَ فَانْصَرَفْتُ، فَقَالَ: "أَيْنَ لُكَعُ؟ - ثَلاَثاً - ¬

_ (¬1) المرجع السابق، (3/ 1144).

باب: قص الشارب

ادْعُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ". فَقَامَ الْحَسَنُ بْنُ عَليٍّ يمشِي وَفِي عُنُقِهِ السِّخَابُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ هكَذَا، فَقَالَ الْحَسَنُ بِيَدِهِ هكَذَا، فَالْتَزَمَهُ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ إِنَّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ، وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ" قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، بَعْدَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا قَالَ. (أين لُكَعُ (¬1)؟): ويروى: "أَيْ لُكَعُ! " على النداء. تقدَّم أن بلالَ بنَ جرير سُئل عن لُكَع، فقال: هي في (¬2) لغتنا الصغيرُ (¬3). وأما حديث: "يَأْتي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ أَسْعَدُ النَّاسِ لُكَعُ بْنُ لُكَعٍ" (¬4)، فالمراد (¬5) به: الصغيرُ القدرِ، اللئيمُ، كذا قال الزركشي (¬6). * * * باب: قَصِّ الشَّارِبِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُحْفِي شَارِبَهُ حَتَّى يُنْظَرَ إِلَى بَيَاضِ الْجِلْدِ، وَيَأخُذُ هذَيْنِ؛ يَعنِي: بَيْنَ الشَّارِبِ وَاللَّحْيَةِ. ¬

_ (¬1) في "ع": "أين لكيع؟ " (¬2) "في" ليست في "ع". (¬3) في "ج": "هي لغتان الصغير القدر". (¬4) رواه الترمذي (2209)، وأحمد في "المسند" (5/ 389) عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه. (¬5) في "ج": "والمراد". (¬6) انظر: "التنقيح" (3/ 1144 - 1145).

باب: تقليم الأظفار

(باب: قَصَّ الشارِبِ، وكانُ ابن عمر): ويروى: "عُمَرُ". (يُحْفي): - بضم أوله - فعلٌ مضارع من الإحْفاء. (حتى يُنْظَر): مضارعٌ مبني للمفعول؛ من النَّظَر. * * * 2656 - (5888) - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنْ ناَفِعٍ: قَالَ أَصحَابُنَا: عَنِ الْمَكِّيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "مِنَ الْفِطْرَةِ قَصُّ الشَّارِبِ". (ثنا (¬1) مكيُّ بنُ إبراهيم، عن حنظلة، عن نافع. وقال (¬2) أصحابنا: عن المكيِّ، عن ابنِ عمرَ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -): قال ابنُ الملقن: معنى قوله: قالَ أصحابُنا: عن المكي، عن ابن عمر، بعد تحديثه عن المكي، عن حنظلة، عن نافع: أنه رواه عنه (¬3) موقوفاً على نافع، وأصحابُه رووه عنه عن ابن عمر مرفوعاً، كذا ظهر لي. انتهى (¬4). * * * باب: تَقْلِيمِ الأَظْفَارِ 2657 - (5892) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، ¬

_ (¬1) في "ج": "حدثنا". (¬2) في المتن: "قال". (¬3) "عنه" ليست في "ج". (¬4) انظر: "التوضيح" (28/ 106).

باب: إعفاء اللحى

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زيدٍ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ، وَفِّرُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ". وَكانَ ابْنُ عُمَرَ: إِذَا حَجَّ أَوِ اعْتَمَرَ، قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَمَا فَضَلَ، أَخَذَهُ. (وأَحْفوا الشوارب): بألف (¬1) القطع، رباعي، وهو المبالغةُ في استقصاءِ قَصِّ الشارب، ومنه: أَحْفَى في المسألة: إذا أَكْثَرَ. وحكى ابن دريد: حَفَا شاربَه يَحْفوه (¬2)، ثلاثياً، وهذا هو معنى إنهاك الشواربِ المذكورِ في الحديثِ بعده. * * * باب: إعْفَاء اللِّحَى {عَفَوْا} [الأعراف: 95] كثروا، وكثرت أموالهم. 2658 - (5893) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "انْهَكُوا الشَّوَارِبَ، وَأَعْفُوا اللِّحَى". (وأَعْفوا اللِّحى): - بفتح الهمزة -، والمصدرُ: الإعفاء، وهو [توفير اللحية وتكثيرُها، فلا يجوزُ حلقُها، ولا نتفُها، ولا قصُّ الكثيرِ منها، وهو] (¬3) ¬

_ (¬1) في "ع": "بالألف". (¬2) انظر: "جمهرة اللغة" (3/ 1302). وانظر: "التنقيح" (3/ 1146). (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ج".

باب: ما يذكر في الشيب

معنى قول البخاري: {عَفَوْا} [الأعراف: 95]: كثروا (¬1). * * * باب: مَا يُذْكَرُ في الشَّيبِ 2659 - (5895) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، قَالَ: سُئِلَ أَنَسٌ عَنْ خِضَابِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: إِنَّهُ لَم يَبْلُغْ مَا يَخضبُ، لَوْ شِئْتُ أَنْ أَعُدَّ شَمَطَاتِهِ فِي لِحْيتِهِ. (فلو شئت أن أَعُدَّ شَمَطاتِه في لحيتِه): - بفتح الشين والميم -؛ أي: الشَّعراتِ البِيضَ التي كانت في لحيته؛ يريدُ: قلَّتها (¬2). وجوابُ "لو" محذوف؛ أي: لفعلتُ. * * * 2660 - (5896) - حدَّثَنا مالكُ بنُ إِسمَاعِيلَ، حدَّثَنا إِسْرائيلُ، عَنْ عُثْمانَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَوْهَبٍ قال: أَرْسَلَنِي أَهْلِي إلى أُمِّ سَلَمَةَ بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ - وَقَبضَ إسرائيلُ ثلاثَ أَصَابِعَ - مِنْ قُصَّةٍ فيهِ شَعَرٌ مِنْ شَعَرِ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَ إِذَا أَصَابَ الإنسانَ عينٌ أَو شيءٌ بَعَثَ إليها مِخْضَبَهُ، فاطَّلعتُ في الحُجُلِ، فرأيتُ شَعَراتٍ حُمُراً. (من قُصّة): - بقاف مضمومة وصاد مهملة مشددة -، وهو ما أقبلَ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1147). (¬2) المرجع السابق، الموضع نفسه. وعنده: "في شعر رأسه" بدل "في لحيته".

على الجبهة من شعر الرأس. قال الزركشي (¬1): قال ابنُ دحيةَ: كذا لأكثر رواة البخاري، والصحيحُ عند المحققين: "فضة" - بالفاء وضاد معجمة -، وهو أشبه؛ لقوله بعدُ: "فاطلعتُ في المِخْضَبِ"، وهو شِبْه الإِجَّانَةِ، والصحيح ما رواه الكافة: "فاطلعتُ فى الجلجل" (¬2). قلت: في "المشارق": وعند الأصيلي [من فضة، ومن قصة، معاً، قال القاضي] (¬3): والأشبهُ عندي (¬4): من فضة؛ لقوله بعدُ: "فاطلعتُ في الجلجل" (¬5). * * * 2661 - (5897) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ اِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا سَلاَّمٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَأَخْرَجَتْ إِلَيْنَا شَعَراً مِنْ شَعَرِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مَخْضُوباً. (سلاّم): بتشديد اللام. (ابن مَوهَب): بفتح الميم والهاء. * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "قال الجوهري". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1147). (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬4) في "ج": "عند". (¬5) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 161).

باب: الجعد

2662 - (5898) - وَقَالَ لَنَا أَبُو نُعَيْمِ: حَدَّثَنَا نُصَيْرُ بْنُ أَبِي الأَشْعَثِ، عَنِ ابْنِ مَوْهَبٍ: أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أَرَتْهُ شَعَرَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَحْمَرَ. (نُصير): بضم النون، مصغَّر. * * * باب: الجَعْدِ 2663 - (5900) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَنسَ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ، وَلاَ بِالْقَصِيرِ، وَلَيْسَ بِالأَبْيَضِ الأَمْهَقِ، وَلَيْسَ بِالآدَمِ، وَلَيْسَ بِالْجَعدِ الْقَطَطِ، وَلاَ بِالسَّبْطِ، بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَتَوَفَّاهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً، وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعَرَةً بَيْضَاءَ. (فأقام بمكة (¬1) عشرَ سنين، وبالمدينة عشرَ سنين، وتوفاه الله على رأس ستين سنة (¬2)): قلت: هذا مما يقدَحُ في وجهِ الجمعِ بين كلام ابنِ عباس، وكلامِ أنسٍ الذي قدمناه في أول الكتاب، وذكرناه بعد ذلك، فتأمله. * * * ¬

_ (¬1) "بمكة" ليست في "ع" و"ج". (¬2) في "ع": "على رأس سنة ستين".

باب: التلبيد

2664 - (5907) - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ضَخْمَ الْيَدَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، حَسَنَ الْوَجْهِ، لَم أَرَ بَعدَهُ وَلاَ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَكَانَ بَسِطَ الْكَفَّيْنِ. (وكان بسط الكفين): بتقديم الباء على السين. قال القاضي: كذا لأكثرهم، ولبعضهم: "سبط"؛ يعني: بتقديم السين، وشك المروزي، فقال: لا أدري بسط، أو سبط، والكلُّ صحيح المعنى؛ لأنه رُوي: شثن الكفين؛ أي: غليظُهما، وهذا يدلُّ على سَعَتِهما وكبرهما. ويروى: "سائل (¬1) الأطراف"، وهذا موافق لمعنى سبط (¬2). وأظن أن هذا تقدم، ومرَّ لنا فيه كلام. * * * باب: التَّلْبِيدِ 2665 - (5914) - حَدَّثَنَا أبو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يَقُولُ: مَنْ ضَفَّرَ، فَلْيَحلِقْ، وَلاَ تَشَبَّهُوا بِالتَّلْبِيدِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مُلَبِّداً. ¬

_ (¬1) في "ع": "سائر". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 101). وانظر: "التنقيح" (3/ 1148). ووقع في "المشارق": "وهذا موافق لمعنى بسط".

باب: القزع

(من ضفر): بتخفيف الفاء وتشديدها، وهو إدخالُ الشعرِ بعضِه في بعض. (فليحلقْ): يعني: في الحجِّ. (ولا تُشَبِّهوا بالتلبيدِ): أي: لا تُشبهوا علينا بالتلبيد؛ يعني: لا تفعلوا أفعالاً (¬1) تُشبه التلبيد في الانتفاع بها (¬2)، فيقصرون ولا يحلقون، ويقولون لم نُلبد، وذلك أن التلبيد أن يَجعل الصَّمْغَ في الغاسول، ثم يُلطخ به رأسَه عند الإحرام، فيمنعُه ذلك من الشَّعَث، وذلك مانعٌ من التقصير؛ إذ لا يكاد يُتوصل في هذه الحالة إلى القَصِّ من جميع الشعر، فنهى عمر - رضي الله عنه - عن (¬3) أن يفعلوا ما يشبه التلبيد، فينتفعوا، ثم يقصروا، ولا يحلقوا؛ لكونهم غيرَ مُلَبَّدين (¬4). وحاصله: أنه جعلَ حكمَ التلبيدِ وما يشبهه في الانتفاع به؛ من ضَفْرٍ، أو عَقْصٍ، ونحو [هما] واحداً (¬5)، وهو الحلق. * * * باب: القَزَعِ 2666 - (5920) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَخْلَدٌ، قَالَ: ¬

_ (¬1) في "ع": "فعالاً". (¬2) "بها" ليست في "ع" و"ج". (¬3) "عن" ليست في "ع" و"ج". (¬4) انظر: "التوضيح" (28/ 149). (¬5) في "ع" و"ج": "واحد".

أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ حَفْصٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ ناَفِعٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ ناَفِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنهى عَنِ الْقَزَعِ. قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: قُلْتُ: وَمَا الْقَزَعُ؟ فَأَشَارَ لَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: إِذَا حَلَقَ الصَّبِيَّ، وَتَرَكَ هَا هُنَا شَعَرَةً، وَهَا هُنَا، وَهَا هُنَا، فَأَشَارَ لَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ إِلَى نَاصِيَتِهِ، وَجَانِبَيْ رَأْسِهِ. قَيلَ لِعُبَيْدِ اللَّهِ: فَالْجَارِيَةُ وَالْغُلاَمُ؟ قَالَ: لاَ أدْرِي، هكَذَا قَالَ: الصَّبِيَّ. قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: وَعَاوَدتُهُ، فَقَالَ: أَمَّا الْقُصَّةُ وَالْقَفَا لِلْغُلاَمِ، فَلاَ بَأْسَ بِهِمَا، وَلَكِنَّ الْقَزَعَ أَنْ يُتْرَكَ بِنَاصِيَتِهِ شَعَرٌ، وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ غَيْرُهُ، وَكذَلِكَ شَقُّ رَأْسِهِ هَذَا وَهَذَا. (ينهى عن القَزَع): بفتح القاف والزاي. قال الزركشي: أي: يحلقُ رأسَ الصبي، ويتركُ منه مواضعَ متفرقة غيرَ محلوقة (¬1). قلت: ليت شعري ماذا أفاد بهذا التفسير مع ما في متن البخاري من قوله: قلتُ: وما القزع؟ فأشار لنا عُبيد الله، قال (¬2): إذا (¬3) حلقَ الصبيَّ، ترك ها هنا، وها هنا، وأشار لنا عُبيد الله إلى ناصيته، وجانبي رأسه. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1149). (¬2) "قال" ليست في "ع". (¬3) في "ع": "فإذا".

باب: تطييب المرأة زوجها بيديها

باب: تَطْيِيبِ المَرْأَةِ زَوجَهَا بِيَدَيْهَا 2667 - (5922) - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: طَيَّبْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِي لِحُرْمِهِ، وَطَيَّبْتُهُ بِمِنًى قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ. (طيبت النبي - صلى الله عليه وسلم - بيدي لحُرْمِهِ): - بضم الحاء وكسرها، والضمُّ أكثرُ -؛ أي: لإحرامه، وأنكر بعضهم الضم، وقال: صوابُه الكسر، كما يقال: لحِلِّه، حكاه في "المشارق" (¬1). * * * باب: الامْتِشَاطِ 2668 - (5924) - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: أَنَّ رَجُلاً اطَّلَعَ مِنْ جُحْرٍ فِي دَارِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَحُكُّ رَأْسَهُ بِالْمِدْرَى، فَقَالَ: "لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَنْظُرُ، لَطَعَنْتُ بِهَا فِي عَيْنِكَ، إِنَّمَا جُعِلَ الإِذْنُ مِنْ قِبَلِ الأَبْصَارِ". (المِذْرى (¬2)): بكسر الميم وإسكان الذال المعجمة. قال ابن بطال: هي المشط (¬3). وقال ابن كيسان: هو العودُ الذي تُدخله المرأةُ في شعرها لتضمَّ ¬

_ (¬1) انظر: (1/ 187 - 188). (¬2) نص البخاري: "المِدْرى". (¬3) انظر: "شرح ابن بطال" (9/ 163).

باب: المتفلجات للحسن

بعضَه إلى بعض، ومن (¬1) عادة العربِ أن يكون بيده مِذْرى يحكُّ به شعرَه أو جسدَه (¬2). (من قِبَلِ الإِبصار): بكسر الهمزة: مصدر أَبصر، وبفتحها: جمعُ بَصَر. * * * باب: المُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ 2669 - (5931) - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: "لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالْمُتَنَمَّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ تَعَالَى". مَالِي لاَ أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَهْوَ فِي كتَابِ اللَّهِ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} إلى: {فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]. (والمتنمِّصاتِ): - بالصاد المهملة -، قال القاضي: النامِصَة: التي تَنْتِفُ الشَّعَرَ من وَجْهِها ووجهِ غيرِها، والمُتَنَمِّصَة: هي التي تطلُب أن يُفعل (¬3) ذلك بها (¬4). (والمتفَلَّجاتِ للحُسْنِ): أي: اللاتي لم يخلقِ اللهُ فيهن (¬5) فَلَجاً، ¬

_ (¬1) في "ج": "ومنه". (¬2) انظر: "التوضيح" (28/ 160). (¬3) في "م": "لا يفعل". (¬4) انظر: "مشارة الأنوار" (2/ 13). (¬5) في "ع": "فيها".

باب: الوصل في الشعر

وهنَّ يتعاطَيْنَ إحداثَه؛ لأجلِ الحسن، والفَلَجُ: تفريقُ ما بين الثنايا والرُّباعِيات، وما أحسنَ قولَ ابنِ نُباتَةَ: أُجَاوِرُ مَنْ أَهْوَى وَلاَ وَصْلَ بَيْنَنَا ... كَأَنِّي وَمَنْ أَهْوَاهُ ثَغْرٌ مُفَلَّجُ وإن كان قد أخذه من القاضي ناصحِ الدينِ الأرجانيَّ حيث قال: كَفَى حَزَناً أَنَّا نَزِيلا مَحِلَّةٍ ... بِلا ضَارِبٍ مِيعَادَ وَصْلٍ وَوَاقِتِ بَعِيدٌ عَلَى قُرْبِ المَزَارِ الْتِقَاؤُنَا ... فَنَحْنُ كَتَفْلِيجِ الثُّغُورِ (¬1) الشَّتَائِتِ * * * باب: الوَصْلِ في الشَّعَرِ 2670 - (5937) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ، وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ". قَالَ ناَفِعٌ: الْوَشْمُ فِي اللِّثَةِ. (قال نافع: الوَشْمُ في اللِّثَةِ): بكس اللام وتخفيف الثاء المثلثة، وأصلُها: "لِثْيٌ" فحُذفت لام الكلمة، وعُوض عنها هاءُ التأنيث على غير قياس، وهي ما حولَ الأسنانَ (¬2). * * * ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "كتفليج الثنايا". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1150).

باب: الموصولة

باب: المَوصُولَةِ 2671 - (5941) - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ: أَنَّهُ سَمِعَ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْمُنْذِرِ تَقُولُ: سَمِعْتُ أَسْمَاءَ، قَالَتْ: سأَلَتِ امرَأَةٌ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ ابْنَتِي أَصَابَتْهَا الْحَصْبَةُ، فَامَّرَقَ شَعَرها، وَإِنَّي زَوَّجْتُهَا، أَفَأَصِلُ فِيهِ؟ فَقَالَ: "لَعَنَ اللَهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمَوْصُولَةَ". (أصابتها الحَصْبَةُ): بحاء مهملة مفتوحة وصاد مهملة وباء موحدة، معروفة (¬1). * * * 2672 - (5942) - حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، أَوْ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْوَاشِمَةُ وَالْمُوتَشِمَةُ، وَالْوَاصِلَةُ وَالْمُسْتَوْصِلَةُ". يَعنِي: لَعَنَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. (حدثنا (¬2) الفضلُ بنُ دُكَين): بدال مضمومة وكاف مفتوحة ونون بعد ياء (¬3) التصغير، وفي بعض النسخ: "الفضلُ بنُ (¬4) زُهَيْر". ¬

_ (¬1) في "م": "معروف". (¬2) في "ع": "أنبأنا"، وفي "م": "ثنا". (¬3) في "ع" و"ج": "ونون وياء". (¬4) "ابن" ليست في "ع".

باب: عذاب المصورين يوم القيامة

باب: عَذَابِ المُصَوِّرينَ يَومَ القِيَامَةِ 2673 - (5950) - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ مُسْلِمٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ مَسْرُوقٍ فِي دارِ يَسَارِ بْنِ نُمَيْرٍ، فَرَأَى فِي صُفَّتِهِ تَمَاثِيلَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَاباً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ". (إن أشدَّ الناس عذاباً عند الله المصورون): هم الذين يُصورن أشكالَ الحيوان (¬1)، فيحكونها بتخطيط أو تشكيل (¬2). قيل (¬3): وإنما عَظُمت عقوبتهم؛ لأن (¬4) الصور تُعبد من دون الله (¬5). * * * باب: مَا وُطِئَ مِنَ التَّصَاوِيرِ 2674 - (5954) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ، وَمَا بِالْمَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ أَفْضَلُ مِنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ سَفَرٍ، وَقَدْ سَتَرْتُ بِقِرَامٍ لِي عَلَى سَهْوَةٍ لِي فِيها تَمَاثِيلُ، فَلَمَّا رَآهُ ¬

_ (¬1) في "ج": "أشكالاً دون الحيوان". (¬2) في "ج": "وتشكيك". (¬3) في "ع" و"ج": "فكيف". (¬4) في "ع" و"ج": "أن". (¬5) انظر: "التنقيح" (3/ 1150).

باب: لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة

رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، هتَكَهُ، وَقَالَ: "أَشَدُّ النَّاسِ عَذَاباً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ". قَالَتْ: فَجَعَلْنَاهُ وِسَادَةً، أَوْ وِسَادَتَيْنِ. (أشدُّ الناس عذاباً الذين يُضاهون بخلق الله): يضاهون؛ أي: يُشاكلون ويُشَبَّهون. قال السفاقسي: ومعنى قوله: "أشد الناس عذاباً": من (¬1) أشد الناس (¬2)؛ لأن (¬3) إبليس وابنَ آدمَ الذي سنَّ القتل أشدُّ الناس عذاباً (¬4). قلت: لكن ليس (¬5) في اللفظ ما يدل على هذا المعنى. ثم قال: وقوله هذا مفسَّرٌ لحديث ابن مسعود المتقدِّم، ويدل على أن هذا الوعيدَ الشديدَ إنما جاء فيمن صَوَّرَ صورة مُضاهاةً لخلق الله. * * * باب: لاَ تَدْخُلُ المَلاَئِكَةُ بَيْتَاً فيهِ صُورَةٌ 2675 - (5960) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ، هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: وَعَدَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - جِبْرِيلُ، فَرَاثَ عَلَيْهِ، حَتَّى اشْتَدَّ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَخَرَجَ ¬

_ (¬1) في "ج": "عذاباً على هذا المعنى من". (¬2) "عذاباً من أشد الناس" ليست في "ع". (¬3) في "ع": "لا". (¬4) وانظر: "التوضيح" (28/ 202). (¬5) "ليس" ليست في "ع".

النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَقِيَهُ، فَشَكَا إِلَيْهِ مَا وَجَدَ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّا لاَ نَدخُلُ بَيْتاً فِيهِ صُورَةٌ، وَلاَ كَلْبٌ. (إنا لا ندخل بيتاً فيه صورةٌ، ولا كلبٌ): قال ابن وضاح وجماعة من العلماء: المراد: غيرُ الحَفَظَة؛ لأن الحفظةَ لا تفارق مَنْ وُكَّلَت به. وروي: أنها تفارقه عند الجِماع، ودخولِ الخلاء. واختُلف فيما سوى الحفظة، فقيل: أراد: ملائكةَ الوحي. وقيل: أراد: الملائكة التي تنزل بالرحمة والبركة. وقيل: لا تدخله الملائكة كدخولها لو لم يكن في البيت صورة ولا كلب، وقد مر شيء من ذلك. * * *

كتاب الأدب

كتاب الأدب

باب: من أحق الناس بحسن الصحبة؟

كتاب الأدب باب: مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ 2676 - (5971) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ ابْنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ شُبْرُمَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ! مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: "أُمُّكَ". قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "أُمُّكَ". قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "أُمُّك". قَالَ: ثُمَّ مَن؟ قَالَ: "ثُمَّ أَبُوكَ". (مَنْ أحقُّ الناس (¬1) بصحابتي؟ قال: أمك): في "الإفهام": جاء حديث يقتضي أن السائل هنا لعله معاويةُ بنُ حَيْدَةَ القُشَيْرِيُّ، [ففي "سنن أبي داود"، و"الترمذي": عن بَهْزِ بنِ حَكيمِ بنِ معاويةَ بنِ حَيْدَةَ القُشيريِّ] (¬2)، عن أبيه، عن جده، قال: قلت: يا رسول الله! مَنْ أَبَرُّ؟ قال: "أمك"، قال (¬3): قلتُ: ¬

_ (¬1) كذا في رواية أبي ذر الهروي، وفي اليونينية: "مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ"، وهي المعتمدة في النص. (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬3) "قال" ليست في "ع".

باب: إجابة دعاء من بر والديه

ثم من؟ قال (¬1): "ثُمَّ (¬2) أُمُّكَ"، قلت: ثم من؟ [قال: "ثُمَّ أُمُّكَ"، قلت: ثم من] (¬3)، قال: "أَبَاكَ، ثُمَّ الأَقْرَبَ فَالأَقْرَبَ (¬4) ". * * * باب: إجَابَةِ دُعَاءِ مَنْ بَرَّ وَالِدَيْهِ 2677 - (5974) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ناَفِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "بَيْنَمَا ثَلاَثَةُ نَفَرٍ يَتَمَاشَوْنَ، أَخَذَهُمُ الْمَطَرُ، فَمَالُوا إلَى غَارٍ فِي الْجَبَلِ، فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ، فأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا أَعمَالاً عَمِلْتُمُوها لِلَّهِ صَالِحَةً، فَادعُوا اللَّه بِها؛ لَعَلَّهُ يَفْرُجُهَا. فَقَالَ أحَدُهُمُ: اللَّهُمَّ إنَّهُ كَانَ لِي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كبِيرَانِ، وَلِي صِبْيَةٌ صِغَارٌ، كُنْتُ أَرْعَى عَلَيْهِمْ، فَإِذَا رُحْتُ عَلَيْهم فَحَلَبْتُ، بَدَأْتُ بِوَالِدَيَّ أَسْقِيهِمَا قَبْلَ وَلَدِي، وَإِنَّهُ ناَءَ بِيَ الشَّجَرُ، فَمَا أَتَيْتُ حَتَّى أَمْسَيْتُ، فَوَجَدْتُهُمَا قَدْ نَامَا، فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ، فَجِئْتُ بِالْحِلاَبِ فَقُمتُ عِنْدَ رُؤُوسِهِمَا، أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا مِنْ نَوْمِهِمَا، وَأَكْرَهُ أَنْ أَبْدَأَ بِالصِّبْيَةِ قَبْلَهُمَا، ¬

_ (¬1) "قال" ليست في "ع". (¬2) "ثم" ليست في "ج". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬4) رواه أبو داود (5139)، والترمذي (1897).

باب: عقوق الوالدين من الكبائر

وَالصَّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ لَنَا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ. فَفَرَجَ اللَّهُ لَهُمْ فُرْجَةً حَتَّى يَرَوْنَ مِنْهَا السَّمَاءَ. وَقَالَ الثَّانِي: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَتْ لِي ابْنَةُ عَمًّ أُحِبُّهَا كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرَّجَالُ النَّسَاءَ، فَطَلَبْتُ إلَيْهَا نَفْسَهَا، فَأَبَتْ حَتَّى آتِيَهَا بِمِئَةِ دِينَارٍ، فَسَعَيْتُ حَتَّى جَمَعْتُ مِئَةَ دِينَارٍ، فَلَقِيتُهَا بِهَا، فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا، قَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ! اتَّقِ اللَّهَ، وَلاَ تَفْتَحِ الْخَاتَمَ، فَقُمْتُ عَنْهَا، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّي قَدْ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا، فَفَرَجَ لَهُمْ فُرْجَةً. وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنَّي كُنْتُ استَأجَرْتُ أَجِيراً بِفَرَقِ أَرُزًّ، فَلَمَّا قَضَى عَمَلَهُ، قَالَ: أَعطِنِي حَقِّي، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَقَّهُ، فترَكَهُ، وَرَغِبَ عَنْهُ، فَلَمْ أَزَلْ أَزْرَعُهُ حَتَّى جَمعتُ مِنْهُ بَقَراً وَرَاعِيها، فَجَاءَنِي فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تَظْلِمْنِي، وَأَعطِنِي حَقِّي، فَقُلْتُ: اذْهبْ إلَى ذَلِكَ الْبَقَرِ وَرَاعِيهَا، فَقَالَ: اتقِ اللَّهَ، وَلاَ تَهْزَأْ بِي، فَقُلْتُ: إِنَّي لاَ أَهْزَأُ بِكَ، فَخُذْ ذَلِكَ الْبَقَرَ وَرَاعِيَهَا، فَأَخذَهُ، فَانْطَلَقَ بِها، فَإِنْ كُنْتَ تَعلَمُ أَنَّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ مَا بقِيَ. فَفَرَجَ اللَّهُ عَنْهُمْ". (فخذ ذلك البقر وراعيها): البقر: اسمُ جنسٍ جمعيّ، فيجوزُ تذكيرُه وتأنيثه، وقد وقع الأمران في الحديث، وفي نسخة: "تِلْكَ البَقَر". * * * باب: عُقُوقِ الوَالِدَينِ مِنَ الكَبَائِرِ 2678 - (5975) - حَدَّثَنَا سَعدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ

مَنْصُورٍ، عَنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ وَرَّادٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُم عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، وَمَنْعَ وَهَاتِ، وَوَأْدَ الْبَنَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَكثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ". (وكره لكم قيل وقال): قال الزركشي: المشهورُ عند أهل اللغة في هاتين الكلمتين أنهما اسمان معربان، ويدخلُهما الألف واللام، والمشهورُ في هذا الحديث بناؤهما على الفتح على أنهما فعلان ماضيان، فعلى هذا يكون التقدير: ونهى عن قولِ (¬1): قيلَ وقالَ، وفيهما ضمير فاعل مستتر، ولو روي بالتنوين لجاز (¬2). قلت: لا حاجةَ إلى ادعاءِ استتارِ ضمير فيهما، بل هما فعلان ماضيان على رأي ابنِ مالكٍ في جواز جريانِ الإسناد إلى الكلمةِ في أنواعها الثلاثة؛ نحو: زَيدٌ ثُلاثيٌّ، وضربَ فعلٌ ماضٍ، ومِنْ حرفُ جَرًّ، ولا شك أنهما مسندٌ (¬3) إليهما في التقدير؛ إذ المعنى: قيلٌ وقالٌ كرهَهُما - عليه الصلاة والسلام -، أو اسمان (¬4) عند الجمهور، والفتحُ على الحكاية، وينكرون (¬5) أن يكون [غير الاسم مسنداً إليه، كما هو مقرر في محله، وقد سبق فيه كلام في باب: قول الله: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273] ¬

_ (¬1) "قول" ليست في "ع" و"ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1152). (¬3) في "ع" و"ج": "مسنداً". (¬4) في "ج": "واسمان". (¬5) في "ع": "وينكر".

باب: من وصل وصله الله

من كتاب: الزكاة، وعبارته: "إن الله كره لكم ثلاثاً: قيل وقال" بالفتح، بدل من "ثلاثاً". فإن قلت: "كره" لا يتسلط على "قيلَ وقالَ"؛ ضرورة أن كلاً منهما فعل ماض، فلا يصح وقوعه مفعولاً، فكيف صح البدل بالنسبة إليهما. قلت: لا نسلَّم أن كل واحد منهما فعل، بل كل واحد منهما مسمّاه الفعلُ الذي هو فعل، أو قال: اسم فتح آخره على الحكاية ... إلخ. وقوله: ولو رُوي بالتنوين] (¬1) على تقديرِ كونهما اسمين، فمسلَّم، وإلا، فممنوع. * * * باب: مَنْ وَصَلَ وَصَلَهُ اللَّهُ 2679 - (5987) - حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي مُزَرِّدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمِّي سَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ، قَالَتِ الرَّحِمُ: هذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَهْوَ لَكِ". قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فَاقْرَؤُوا إِنْ شِئتم: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد: 22] ". ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع".

(ابن أبي مُزَرّد): بميم مضمومة فزاي مفتوحة فراء مكسورة مشددة (¬1). * * * 2680 - (5989) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي مُزَرِّدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُروَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -، زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، عَنِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "الرَّحِمُ شِجْنَةٌ، فَمَنْ وَصَلَهَا، وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَها، قَطَعْتُهُ". (يزيدَ): عَلَمٌ فيه وزنُ الفعل؛ من الزيادة، فهو غير منصرف. (الرحمُ شُجْنَةٌ من الرحمن): بضم الشين وكسرها. قال أبو عبيد: أي: قرابةٌ مشتبكةٌ كالعروق المتداخلة (¬2). قال (¬3) ابن العربي: وهذا غير صحيح؛ لأنه لا قرابةَ بينَ الله وبينَ العبد، وارتباطُها بالرحمن إنما هو بالدلالة والأمرِ بحفظِها منه. وقال ابن الجوزي: هذا الحديثُ لا يخلو معناه من أحد شيئين: إما أن يُراد (¬4): أن الله تعالى يُراعي الرَّحِمَ، أو أن (¬5) يراد: أَنَّ الرحمَ بعضُ حروفِ الرحمن، فكأنه عَظُم قدرُها بهذا الاسم (¬6). ¬

_ (¬1) في "ع": "مشدد". (¬2) انظر: "غريب الحديث" (1/ 129). (¬3) في "ع" و"ج": "وقال". (¬4) في "ع" و"ج": "يرد". (¬5) في "ج": "وأن". (¬6) انظر: "التوضيح" (28/ 279 - 280).

باب: يبل الرحم ببلالها

باب: يَبُلُّ الرَّحِمَ بِبَلاَلِهَا 2681 - (5990) - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ أَنَّ عَمْرَو ابْنَ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - جِهاراً غَيْرَ سِرًّ يَقُولُ: "إِنَّ آلَ أَبِي - قَالَ عَمْرٌو: فِي كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ جعفَرٍ بَيَاضٌ - لَيْسُوا بِأَوْليَائِي، إِنَّمَا وَلِيَّيَ اللهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ". زَادَ عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ عَمرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَلَكِنْ لَهُمْ رَحِمٌ أَبُلُّهَا بِبَلاَلِهَا". يَعْنِي: أَصِلُهَا بِصِلَتِهَا. (إن أولياء فلان (¬1)): قال ابن العربي في "سراج المريدين": معنى الحديث: "آل (¬2) أبي طالب"، قال: ومعناه: أني لست أخص قرابتي ولا فصيلتي الأدنين بولاية دون المسلمين، وأما رَحِمُهم - يعني: من المطالبة - "فسأبلُّها ببلاها"؛ أي: أُعطيها حقَّها؛ فإن المنعَ عند العرب يُبْسٌ، والصِّلَةَ بَلٌّ (¬3). * * * ¬

_ (¬1) في اليونينية: "إن آل أبي"، وهي المعتمدة في النص. (¬2) في "ج": "إن". (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1153).

باب: ليس الواصل بالمكافئ

باب: لَيْسَ الوَاصِلُ بِالمُكَافِئ 2682 - (5991) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، وَالْحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو، وَفِطْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - قَالَ سُفْيانُ: لَمْ يَرفَعهُ الأَعْمَشُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَرَفَعَهُ حَسَنٌ وَفِطْرٌ -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئَ، وَلَكِنِ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قَطَعَتْ رَحِمُهُ، وَصَلَهَا". (ليسَ الواصلُ بالمكافئ): أي: إذا أنعمَ عليه قريبُه، فكافأَهُ على ذلك. * * * باب: مَنْ تَرَكَ صَبِيَّةَ غَيرِهِ حتَّى تَلْعَبَ بِهِ، أَوْ قَبَّلَها أَوْ مازَحَهَا 2683 - (5993) - حَدَّثَنَا حِبَّانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَتْ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ أَبِي، وَعَلَيَّ قَمِيصٌ أَصْفَرُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "سَنَهْ سَنَهْ". قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَهْيَ بِالْحَبَشِيَّةِ: حَسَنَةٌ، قَالَتْ: فَذَهَبْتُ أَلْعَبُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ، فَزَبرَنِي أَبِي، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "دَعْهَا". ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَبْلِي وَأَخْلِقِي، ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِقِي، ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِقِي". قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فبقِيَتْ حَتَّى ذَكرَ؛ يَعْنِي: مِنْ بَقَائِهَا. (أَبْلي وأَخْلِفي): بالفاء عند أبي ذر والمروزي؛ أي: واكتسي خلفَه، يقال: خَلَفَ اللهُ لكَ، وأَخْلَفَ.

باب: رحمة الولد وتقبيله ومعانقته

وعند غيرهما بالقاف؛ من إخلاقِ الثوبِ (¬1). (فبقيَتْ حتى ذُكِرَ): - بالذال المعجمة المضمومة والكاف والراء، مبني للمفعول -، كذا عند أكثرهم؛ أي: عُمِّرَتْ حتى طالَ عمرُها؛ لدعاء (¬2) النبي - صلى الله عليه وسلم - لها. زاد في رواية ابن السكن: "ذكر دهراً". ولأبي الهيثم: بالدال المهملة مفتوحة وبالنون، ورجَّحه أبو ذر؛ أي: اسْوَدَّ، والدُّكْنَةُ: غُبْرَةٌ كَدِرَةٌ (¬3). * * * باب: رَحمَةِ الوَلَدِ وَتَقْبِيلِهِ وَمُعَانَقَتِهِ 2684 - (5997) - حَدَّثَنَا أبو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنَا أبو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْحَسَنَ بْنَ عَلِيًّ، وَعِنْدَهُ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِساً، فَقَالَ الأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُم أَحَداً، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَالَ: "مَنْ لاَ يَرحَمُ لاَ يُرْحَمُ". (من لا يرحمُ لا يرحمُ): قال القاضي: أكثر الرواة على ضبط الميم بالضم على الخبر (¬4). ¬

_ (¬1) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬2) في "ج": "الدعاء". (¬3) المرجع السابق، الموضع نفسه، وعنده: "حتى ذكر" بدل "حتى طال". (¬4) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 359).

وقال السهيلي: حملُه على الخبر أشبهُ بسياقَةِ الكلام؛ لأنه مردودٌ على قول الرجل: إن لي عشرةً من الولد؛ أي: الذي يفعلُ هذا الفعلَ لا يُرْحَمُ، ولو جُعلت "ما" شرطية لانْقَطَعَ الكلامُ مما قبله (¬1) بعضَ الانقطاع؛ لأن الشرطَ [وجوابَه كلامٌ مستأنَفٌ، ولأن الشرط] (¬2) إذا كان بعدَه فعلٌ منفيٌّ، فأكثرُ ما وردَ منفياً بـ: لم، لا بـ: لا؛ كقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ} [الفتح: 13]، {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ} [الحجرات: 11]، وإن كان الأخير جائزاً (¬3)؛ كقول زهير: وَمَنْ لا يَظْلِمِ النَّاسَ يُظْلَمِ (¬4) قلت: تعليلُه انقطاعَ الكلامِ عمَّا قبله (¬5) [على تقدير كون "من" شرطية بأن الشرط] (¬6) وجوابه كلامٌ مستأنَفٌ، غيرُ ظاهرٍ؛ فإن الجملةَ مستأنَفَةٌ سواءٌ جُعلت "من" موصولة، أو شرطية، وتقديره: الذي يفعلُ هذا الفعل [يتأتى مثله على الشرطية؛ أي: مَنْ يفعلْ هذا الفعل] (¬7)، فلا ينقطع الكلام، ويصير مرتبطاً بما قبله ارتباطاً ظاهراً. * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "فيما قبله". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬3) في "ع": "جائز". (¬4) انظر: "التنقيح" (3/ 1155). (¬5) في "ج" زيادة: "قبله بعض الانقطاع؛ لأن الشرط". (¬6) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬7) ما بين معكوفتين ليس في "ع".

2685 - (5998) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْها -، قَالَتْ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: تُقَبِّلُونَ الصَّبْيَانَ؟ فَمَا نُقَبَّلُهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَوَأَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ؟! ". (أَوَ أَملكُ لكَ أن نزعَ الله من (¬1) قلبك الرحمة؟!): قال الزركشي: الهمزةُ فيه للاستفهام التوبيخي؛ أي: لا أملكُ لك (¬2). [قلت: إنما هي للإنكار الإبطالي، فيقتضي نفيَ ما بعدها، ولهذا لا يكون المعنى هنا: لا أملك؛ أي: لا أملك (¬3) لك] (¬4) جعل الرحمة بعد أن نزعها الله من قلبك، وأما لو كانت للتوبيخ، لاقتضت وقوع ما بعدها، لا نفيَهُ، فتأملْه. * * * 2686 - (5999) - حدَّثنَا اْبْنُ أبيِ مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَن عُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، سَبْيٌ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ قَد تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِي، إذَا وَجَدَت صَبِيّاً فِي السَّبْيِ، أَخَذَتْه، فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا ¬

_ (¬1) "من" ليست في "ع". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1155). (¬3) "أي لا أملك" ليست في "ع". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ج".

باب: جعل الله الرحمة في مائة جزء

النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَتَرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَها فِي النَّارِ؟ "، قُلْنَا: لاَ، وَهْيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ، فَقَالَ: "لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هذِهِ بِوَلَدِهَا". (قد تَحْلُبُ ثَدْيَها): أي: سالَ منه اللبن، ومنه سمي الحليب؛ لتَحَلُّبِه. * * * باب: جَعَلَ اللهُ الرَّحْمَةَ في مِائةَ جُزْءٍ 2687 - (6000) - حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ ناَفِعٍ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِئَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءاً، وَأَنْزَلَ فِي الأَرضِ جُزْءاً وَاحِداً، فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ، حَتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا، خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ". (جعل الله الرحمة مئةَ جزء): وهذا الحديث في كتاب: الزهد: "خَلَقَ اللهُ مِئَةَ رَحْمَةٍ" (¬1). قيل: والتي أمسكَها عندَه هي ما يتراحَمُ الناسُ به، ويتغافرون يومَ القِيامة من التِّباعاتِ (¬2). وقيل: هي عند الملائكة المستغفرين لمن في الأرض (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6104). (¬2) في "ع": "التباعيات"، وفي "ج": "التبعات". (¬3) انظر: "التوضيح" (28/ 298).

باب: وضع الصبي على الفخذ

باب: وَضْعِ الصَّبِيِّ عَلَى الفَخِذِ 2688 - (6003) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَارِمٌ، حَدَّثَنَا الْمُعتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا تَمِيمَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيَّ، يُحَدِّثُهُ أَبُو عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْخُذُنِي فَيُقْعِدُنِي عَلَى فَخِذِهِ، وَيُقْعِدُ الْحَسَنَ عَلَى فَخِذِهِ الأُخْرَى، ثُمَّ يَضُمُّهُمَا، ثُمَّ يَقُولُ: "للَّهُمَّ ارحَمهُمَا؛ فَإِنَّي أَرْحَمُهُمَا". وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ التَّيْمِيُّ: فَوَقَعَ فِي قَلْبِي مِنْهُ شَيْءٌ، قُلْتُ: حُدِّثْتُ بِهِ كَذَا وَكَذَا، فَلَم أَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي عُثْمَانَ، فَنَظَرْتُ فَوَجدتُهُ عِنْدِي مَكْتُوباً فِيمَا سَمِعْتُ. (عن أسامة بن زيد: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأخذني، فيُقعدني على فخذه، ويُقعد الحسنَ على فخذه الأخرى (¬1)): ظاهره أن ذلك في وقت واحد. وقال الداودي: لا أراه في وقت واحد؛ لأن أسامةَ أكبرُ من الحسن بمدة طويلة؛ لأنه - عليه السلام - أخرجَ أسامةَ إلى الحرقات، وأخرجَه في الجيش الذي توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل خروجه. قال السفاقسي: والذي ذكره الشيخُ أبو محمد في جامع مختصره: أن الحسن ولد في سنة ثلاث في شهر رمضان في نصفه، فيكون عمره عند وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ثماني سنين؛ لأنه - عليه السلام - توفي سنة إحدى عشرة، ¬

_ (¬1) في "ج": "الآخر".

باب: حسن العهد من الإيمان

وفي سنة ثلاث أيضاً عَلِقَتْ فاطمةُ - رضي الله عنها - بالحسين (¬1)، فلم يكن بينهما إلا طُهْرٌ واحد، ويقال: خمسون ليلة (¬2). * * * باب: حُسْنِ العهدِ مِنَ الإيمانِ 2689 - (6004) - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، وَلَقَد هلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يتَزَوَّجَنِي بِثَلاَثِ سِنِينَ؛ لِمَا كُنْتُ أَسْمَعُهُ يَذْكُرُهَا، وَلَقَدْ أَمَرَهُ رَبُّهُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، وَإِنْ كَانَ لَيَذْبَحُ الشَّاةَ، ثُمَّ يُهْدِي فِي خُلَّتِهَا مِنْهَا. (ثم يُهدي في خُلَّتِها): قال في "الصحاح": الخُلَّةُ: الخليل، يستوي فيه المذكر والمؤنث؛ لأنه في الأصل مصدرُ قولِك: فلانٌ خليلٌ بَيَّنُ الخُلَّةِ (¬3). ونحو هذا للخطابي (¬4). والحاصل: أن ما كان من المصادر اسماً يستوي فيه المذكر والمؤنث، والمفرد وغيره. ¬

_ (¬1) في "ج": "بالحسن". (¬2) انظر: "التوضيح" (28/ 303 - 304). (¬3) انظر: "الصحاح" (4/ 1686)، (مادة: خلل). (¬4) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 2169). وانظر: "التوضيح" (28/ 307).

باب: الساعي على الأرملة والمسكين

وجوز بعضهم أن يكون هذا من حذف المضاف وإقامةِ المضاف إليه مقامه؛ أي: ثم يهدي في (¬1) أهلِ خُلَّتِها (¬2). * * * باب: السَّاعِي على الأَرْمَلَةِ والمسكينِ 2690 - (6006) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، يَرفَعُهُ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "السَّاعِي عَلَى الأَرمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ: كَالَّذِي يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ". (الساعي على الأرمَلَة): - بفتح الميم -: هي المرأة التي لا زوجَ لها. [قال ابن السِّكِّيت: الأراملُ المساكين من رجال ونساء (¬3)، والمراد بالساعي عليها: الكاسِبُ لها] (¬4)، المتسبِّبُ فيما يسدُّ حاجتَها وخَلَّتَها (¬5). * * * ¬

_ (¬1) "في" ليست في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1155). (¬3) انظر: "إصلاح المنطق" (ص: 327). (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬5) انظر: "التنقيح" (3/ 1155)، و"التوضيح" (28/ 310).

باب: رحمة الناس والبهائم

باب: رحمةِ الناسِ والبَهَائمِ 2691 - (6008) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، قَالَ: أَتَيْنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، فَظَنَّ أَنَّا اشْتَقْنَا أَهْلَنَا، وَسَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا فِي أَهْلِنَا، فَأَخْبَرْنَاهُ، وَكَانَ رَفِيقاً رَحِيماً، فَقَالَ: "اِرجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ، فَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ، وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي، وَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ، فَلْيُؤَذَّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ". (ونحن شَبَبَةٌ): جمعُ شابًّ؛ مثل: كاتِبٍ وكَتَبَةٍ. (وكان رفيقاً رحيماً): رُوي "رفيقاً" بالوجهين: من الرِّفْق، ومن الرَّقَّة (¬1). (ارجعوا إلى أهليكم): فيه: أن مَنْ هاجر قبلَ الفتح من غيرِ أهل مكةَ يرجعُ إلى أهله. (وصَلُّوا كما رأيتموني أُصلي): أمرُ حَتْم. وقال الداودي: يحتمل أن يكون ندباً؛ لصغرهم. قال: أو يكون الصلاة فُرضت أولاً على مَنْ لم يَبلغ. قال: وفيه إمامةُ الصبيان (¬2). ¬

_ (¬1) في "ج": "الرفقة". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1156).

قال السفاقسي: وهذا كلُّه غيرُ بَيَّنٍ، بل هم رجالٌ شبانٌ، وليس قوله: "شَبَبَة" دليلاً على أنهم لم يبلغوا الحُلْمَ (¬1). * * * 2692 - (6009) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ سُمَيِّ مَوْلَى أَبي بَكْرٍ، عَنْ أَبي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ، اشتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ، فَوَجَدَ بِئْراً، فَنَزَلَ فِيهَا، فَشَرِبَ، ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ، يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَد بَلَغَ هذَا الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ بِي، فَنَزَلَ الْبِئْرَ، فَمَلأَ خُفَّهُ، ثُمَّ أَمسَكَهُ بِفِيهِ، فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ". قالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَإِنَّ لنا فِي الْبَهائِم أَجْراً؟ فَقَالَ: "فِي كُلِّ ذَاتِ كبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ". (فإذا كلبٌ يلهَثُ): أي: يُخرج (¬2) لسانَه. (يأكل الثرى): أي: الترابَ النَّدِيَّ. * * * 2693 - (6010) - حَدَّثَنَا أبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي صَلاَةٍ، وَقُمنَا مَعَهُ، فَقَالَ أعرَابِيٌّ وَهْوَ فِي الصَّلاَةِ: اللَّهُمَّ ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (28/ 313). (¬2) في "ج": "يخرجه".

باب: إثم من لا يأمن جاره بوائقه

ارْحَمْنِي وَمُحَمَّداً، وَلاَ تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَداً. فَلَمَّا سَلَّمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ لِلأَعرَابِيَّ: "لَقَدْ حَجَّرْتَ وَاسِعاً". يُرِيدُ: رَحمَةَ اللَّهِ. (فلما سلم، قال للأعرابي: قال: لقد حَجَّرْتَ واسعاً): حَجَّرْت: بالراء. قال السفاقسي: كذا قرأناه (¬1)، وعند أبي ذر بالزاي. وهذا الأعرابي هو الذي بال في طائفة المسجد، وقد تقدم أنه ذو الخُوَيْصرة اليَماني. * * * باب: إِثْمِ مَن لا يَأمَنُ جارُهُ بَوَائِقَهُ 2694 - (6016) - حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيًّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤمِنُ، وَاللهِ لاَ يُؤْمِنُ". قيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "الَّذِي لاَ يَأمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ". (الذي لا يأمن جارُه بَوائقه): جمع بائِقَة، وهي الغائِلَة؛ أي: لا يأمنُ غائلَتَه وشَرَّهُ. * * * باب: مَنْ كَان يُؤْمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ فلا يُؤْذِ جَارَهُ 2695 - (6018) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (28/ 314).

كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْراً، أَوْ لِيَصْمُتْ". (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر): أي: إيماناً كاملاً. (فليكرم ضيفَه): قال الداودي: يعني (¬1): يزيدُ في إكرامه على ما كان يفعل في عياله (¬2). * * * 2696 - (6019) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيِّ، قَالَ: سَمِعَتْ أُذُنَايَ، وَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ، حِينَ تَكَلَّمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائزَتَهُ". قالَ: وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "يَوْم وَلَيْلَةٌ، وَالضَّيَافَةُ ثَلاَثَةُ أيَامٍ، فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ، فَهْوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْراً، أَوْ لِيَصْمُتْ". (وما جائزتُه يا رسول الله؟! قال: يومٌ وليلةٌ، والضيافةُ ثلاثةُ أيام): قال الهروي: معناه أنه يُقْرى ثلاثةَ أيامٍ، ثم يُعْطَى ما يجوز به مسافةَ يومٍ وليلة. قال: وأكثرُه: قَدْر ما يجوزُ (¬3) به المسافرُ من مَنْهَلٍ إلى منهلٍ. ¬

_ (¬1) "يعني" ليست في "ج". (¬2) انظر: "التوضيح" (28/ 326). (¬3) في "ج": "وأكثر ما يجوز".

باب: كل معروف صدقة

و (¬1) قال الخطابي: معناه: أنه يتكلَّفُ إذا نزل به الضيفُ يوماً وليلة، فيُتْحِفه، ويزيد في البر على ما يُحضره في سائر الأيام، ويُقدم له في اليومين الآخِرَيْن (¬2) ما حَضَرَ، فإذا مضت الثلاث، فقد قضى حقَّه، وإن زادَ، فهو صدقة (¬3). وقال الإمام مالك - رضي الله عنه -: يُحسن ضيافته، ويُتحفه ويُكرمه يوماً وليلة، وثلاثة أيام ضيافة، وما بعدها صدقة. قال سحنون: وإنما الضيافةُ على أهل القُرى دون الحَضَر. وقال الشافعي - رضي الله عنه -: مطلقاً، وهو من مكارم الأخلاق (¬4). * * * باب: كُلُّ مَعْروفٍ صَدَقَةٌ 2697 - (6022) - حَدَّثَنَا آدَمُ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيَّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ". قالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: "فَيَعْمَلُ بِيَدَيْهِ، فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ، وَيَتَصَدَّقُ". قالُوا: فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَوْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: "فَيُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ" قالُوا: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: "فَيَأْمُرُ ¬

_ (¬1) الواو ليست في "ج". (¬2) في "ع" و"ج": "الأخيرين". (¬3) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 2172). (¬4) انظر: "التوضيح" (28/ 326).

باب: طيب الكلام

بِالْخَيْرِ، أَوْ قَالَ: بِالْمَعْرُوفِ". قالَ: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: "فَيُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ؛ فَإِنَّهُ لَهُ صَدَقَةٌ". (فيعملُ بيديه، وينفعُ نفسَه، ويتصدَّقُ): بالرفع في المواضع (¬1) الثلاثة (¬2)، وهو خبر بمعنى الأمر. (الملهوفَ): أي: المظلومَ، يقال: لَهِفَ الرجلُ: إذا ظُلِمَ. * * * باب: طِيبِ الكَلاَمِ 2698 - (6023) - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: ذَكَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - النَّارَ، فتعَوَّذَ مِنْها، وَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ النَّارَ، فَتَعَوَّذَ مِنْهَا، وَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ، قَالَ شُعْبَةُ: أَمَّا مَرَّتَيْنِ، فَلاَ أَشُكُّ، ثُمَّ قَالَ: "اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ، فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ". (فتعوَّذَ منها، وأشاحَ بوجهه): أي: صرفَ وجهه فِعْلَ الحَذِرِ من الشيء الكارِه له؛ كأنه - عليه السلام - كان يراها، ويحذَرُ وهجَها، فينحِّي وجهَه الكريمَ عنها (¬3). * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "في الموضع". (¬2) في "ج": "الثلاث". (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1157).

باب: الرفق في الأمر كله

باب: الرَّفْقِ في الأَمرِ كُلَّهِ 2699 - (6024) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا إِبْراهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُروَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَن عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْها - زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَفَهِمْتُهَا، فَقُلْتُ: وَعَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَهلاً يَا عَائِشَةُ! إِنَّ الله يُحِبُّ الرَّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلَّهِ". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ". (فقالوا: السامُ عليكم): قال الخطابي: السَّامُ في لسانهم: الموتُ، فكأنهم دَعَوا به عليهم (¬1). قال: وكان قتادة يرويه: السَّآمُ عليكم - بالمد -؛ من السآمة والملل (¬2)؛ أي: تسأمون دينكم (¬3). (قد قلت: عليكم (¬4)): قال ابن حبيب: ولم يقل: وعليكم؛ لأن ذلك يقتضي مشاركَتَه إياهم في المدعُوِّ به. وقال ابن الجلاَّب، والقاضي عبد الوهاب: يقول في الردِّ عليهم: ¬

_ (¬1) في "م": "دعوا به عليه به". (¬2) في "ج": "والمال". (¬3) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 2176). (¬4) كذا في رواية أبي ذر الهروي، وفي اليونينية: "وعليكم".

باب: لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - فاحشا ولا متفحشا

وعليكم، وكأَن وجهَه أن الواو ليست هنا متعينةً للعطفِ (¬1). * * * باب: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَاحِشاً ولا مُتَفَحِّشاً 2700 - (6029) - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ، سَمِعْتُ مَسْرُوقاً، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمرٍو. حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ بنِ سَلَمَةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمرٍو حِينَ قَدِمَ مَعَ مُعَاوِيَةَ إِلَى الْكُوفَةِ، فَذَكَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ فَاحِشاً، وَلاَ مُتَفَحِّشاً، وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِنْ أَخْيَرِكُمْ أَحْسَنَكُمْ خُلُقاً". (لم يكن فاحشاً، ولا متفَحِّشاً): قال الداودي: الفاحِش: الذي من أخلاقه القولُ الفحش، وهو ما لا ينبغي من الكلام، والمتفحَّشُ: الذي يستعمل الفُحْشَ، فيُضحك الناسَ (¬2). (إن من أخيركم): - بإثبات الهمزة - في "خير" التي هي أفعلُ تفضيل، وذلك هو الأصل، إلا أنهم تركوه غالباً فيها، وفي "شَرّ". وعند الأصيلي: "خيركم"؛ بحذف الهمزة على الاستعمال الغالب (¬3). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (28/ 337). (¬2) المرجع السابق، (28/ 345). (¬3) في "ع" و"ج": "الغائب". وانظر: "التنقيح" (3/ 1157).

2701 - (6030) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضيَ اللهُ عَنْها -: أَنَّ يَهُودَ أَتَوُا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: عَلَيْكُمْ، وَلَعَنَكُمُ اللَّهُ، وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْكُمْ. قَالَ: "مَهْلاً يَا عَائِشَةُ! عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، وَإِياكِ وَالْعُنْفَ وَالْفُحْشَ". قالَتْ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: "أَوَلَم تَسْمَعِي مَا قُلْتُ؟ رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ، فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ، وَلاَ يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ". (وإيَّاكِ والعُنْفَ): - بضم العين -: ضِدُّ الرَّفْق، وحُكي في عينها التثليث، ولكن الضم أكثر. (أولم تسمعين (¬1) ما قلتُ لهم؟): كذا في بعض النسخ بإثبات النون، على لغة من لم يجزم بها. وفي غيرها: "ألم تسمعي" على ما هو (¬2) المشهور. (فيُستجاب لي فيهم، ولا يُستجاب لهم فيَّ): قال الزركشي: أي (¬3): أنا أدعو عليهم بالحق (¬4)، وهم يدعون عَلَيَّ ظلماً (¬5). * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "تسمعن". (¬2) "ما هو" ليست في "ج". (¬3) "أي" ليست في "ع" و"ج". (¬4) "بالحق" ليست في "ع" و"ج". (¬5) انظر: "التنقيح" (3/ 1157).

2702 - (6031) - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَحْيَى - هُوَ فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ -، عَنْ هِلاَلِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَبَّاباً، وَلاَ فَحَّاشاً، وَلاَ لَعَّاناً، كَانَ يَقُولُ لأَحَدِنَا عِنْدَ الْمَعْتَبَةِ: "مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ؟ ". (عند المَعْتِبَة (¬1)): قال القاضي: بفتح الميم والباء (¬2). وحكى الجوهري في الباء: الفتحَ والكسر (¬3). والمعتبة: المَوْجِدَة؛ من: وَجَدَ عليه (¬4). (تَرِبَ جبينهُ): قال الخطابي: فهذا يحتمل وجهين: أحدهما: أن يَخِرَّ لوجهِه، فيصيبَ الترابُ جبينُه. والآخر: أن يكون دعاءً له بالطاعة؛ ليصلِّي، فيتربَ جبينُه. قال: والأول أشبه؛ لأن الجبينَ نفسَه لا يصلَّى عليه (¬5). قلت: وإن كان كذلك، فالجبهة لا بدَّ من الصلاة عليها، والجبينان يكتنفانها، فهما مَظِنَّةٌ لأن يعلقَ بهما (¬6) التراب من مباشرةِ الجبهةِ للأرض. ¬

_ (¬1) في "ع": "عند العتبة". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 65). (¬3) انظر: "الصحاح" (1/ 175)، (مادة: عتب). (¬4) انظر: "التنقيح" (3/ 1157). (¬5) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 2184). وانظر: "التوضيح" (28/ 348). (¬6) في "ج": "بها".

2703 - (6032) - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِم، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ عُروَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَجُلاً اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا رَآهُ، قَالَ: "بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ، وَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ". فَلَمَّا جَلَسَ، تَطَلَّقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي وَجْهِهِ، وَانْبَسَطَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ، قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! حِينَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ، قُلْتَ لَهُ: كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِي وَجْهِهِ، وَانْبَسَطْتَ إِلَيْهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا عَائِشَةُ! مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشاً؟ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ". (عن عائشة: أن رجلاً استأذنَ على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فلما رآه، قال: بئسَ أخو العشيرة، وبئسَ ابنُ العشيرة): ذكر عبدُ الغني في "مبهماته" في تفسير هذا المبهم قولَين، فقال: قيل (¬1): هو مَخْرَمَةُ بنُ نَوْفَلٍ والدُ المِسْوَرِ، وقيل: هو عُيَيْنَةُ بنُ حِصْنٍ الفَزارِيُّ، ثم ذكر الحجَّة على ذلك في رواية مَخرمةَ: "بِئْسَ أخو العشيرةِ"، وذكر في رواية (¬2) عُيينة بنِ حِصْن: "بِئْسَ ابنُ العشيرةِ"، وهذه الروايةُ جامعة للفظين (¬3). (فلما جلس، تَطَلَّقَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في وجهه): أي: انشرحَ، وهَشَّ له، يقال منه: رجل طَلْقُ الوجه، وطَليقُه، قيل: وإنما لم يواجِهْه بذلك؛ ¬

_ (¬1) "قيل" ليست في "ع" و"ج". (¬2) في "ع" و"ج": "الرواية". (¬3) في "ع" و"ج": "اللفظين".

باب: حسن الخلق والسخاء، وما يكره من البخل

لتقتديَ أُمته به (¬1) في اتقاءِ شرِّ مَنْ هو بهذه الصفة (¬2) * * * باب: حُسْنِ الخُلُقِ والسَّخَاءِ، وما يُكْرَهُ مِنَ البُخْلِ 2704 - (6033) - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - هُوَ ابْنُ زَيْدٍ -، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَحْسَنَ النَّاسِ، وَأَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَانْطَلَقَ النَّاسُ قِبَلَ الصَّوْتِ، فَاسْتَقْبَلَهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ سَبَقَ النَّاسَ إِلَى الصَّوْتِ، وَهْوَ يَقُولُ: "لَنْ تُرَاعُوا، لَنْ تُرَاعُوا"، وَهْوَ عَلَى فَرَسٍ لأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ مَا عَلَيْهِ سَرْجٌ، فِي عُنُقِهِ سَيْفٌ، فَقَالَ: "لَقد وَجدتُهُ بَحْراً. أَوْ: إِنَّهُ لَبَحْرٌ". (لم (¬3) (¬4) تُراعوا): قال الزركشي: لم بمعنى "لا"، ومعناه: لا تفزعوا (¬5). قلت: لا أعلمُ أحداً من النحاة قال: بأنَّ "لم" تردُ بمعنى "لا" الناهية، فحرِّرْه (¬6). ¬

_ (¬1) في "ج": "بذلك". (¬2) انظر: "التنقيح" (1157) (¬3) في "ج": "ألم". (¬4) كذا في رواية أي ذر الهروي، وفي اليونينية: "لن تراعوا"، وهي المعتمدة في النص. (¬5) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬6) قلت: مجيء "لم" بمعنى "لا" له أمثلة كثيرة في كتب العربية؛ فقد أنشد الأخفش لذلك قول الشاعر: =

2705 - (6034) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِراً - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يَقُولُ: مَا سُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ شَيْءٍ قَطُّ، فَقالَ: لاَ. (ما سئل عن شيء قَطُّ، فقال: لا): حكى الزركشي عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام: أنه قال: معناه: أنه لم يقل: لا؛ منعاً للعطاء، وإنما يقول: لا؛ اعتذاراً من الفقر؛ كقوله تعالى: {قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} [التوبة: 92]، [وفرق بين قوله: لا أعطيكم، وقوله: لا أجدُ ما أعطيكم] (¬1)، وكذلك فرقٌ بين قوله: لا أحملُكم، وقوله: لا أجدُ ما أحملُكم عليه (¬2). قلت: قد صح عنه - عليه الصلاة والسلام - أنه قال للنفر (¬3) ¬

_ = لولا فوارس من قيس وأسرتهم ... يوم الصُّليفاء لم يوفون بالجار قال ابن جني في "الخصائص" (1/ 388): فقد تشبه حروف النفي بعضها ببعض، وذلك لاشتراك الجميع في دلالته عليه، ثم ذكر شواهد ذلك. وقال الخطابي في "غريب الحديث" (2/ 276): وتقع "لم" بمعنى "لا"، كقولك: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن؛ أي: ما لا يشاء لا يكون. ووجه العيني في "العمدة" (22/ 6) قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لرفاعة: "فإن كان ذلك لم تحلي له، أو لم تصلحي له" بأن "لم" تأتي بمعنى "لا"، والمعنى أيضاً عليه؛ لأن "لا" للاستقبال، ثم أنشد ما نقلتُه عن الأخفش، والله أعلم. وإنما عقبت بهذا؛ لضرب المثال على أن المؤلف - رحمه الله - متعقب في بعض مآخذه على الزركشي. (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1158). (¬3) في "ج": "لنفر".

الأشعريين حين أتوه يستحملونه: "وَاللهِ لا أَحمِلُكُمْ، وَمَا عِنْدِي مَا أَحمِلُكُمْ (¬1) " (¬2)، فيحتاج إلى الجواب عنه، فتأملْه. * * * 2706 - (6037) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيَنْقُصُ الْعَمَلُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ". قالُوا: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: "الْقَتْلُ، الْقَتْلُ". (ويُلْقى الشحُّ): أي: يَكْثُرُ البخلُ. * * * 2707 - (6038) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، سَمِعَ سَلاَّمَ بْنَ مِسْكِينٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ثَابِتاً يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: خَدَمْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَشْرَ سنِينَ، فَمَا قَالَ لِي أُفٍّ، وَلاَ: لِمَ صَنَعْتَ؟ وَلاَ: أَلاَّ صَنَعْتَ. (فما قال لي: أُفِّ): - بضم الهمزة وكسر الفاء المشددة بلا تنوين -، وهي إحدى اللغات فيه. * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "يحملكم". (¬2) رواه البخاري (6649)، ومسلم (1649) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

باب: المقة من الله تعالى

باب: الْمِقَةِ مِنَ اللهِ تَعَالَى (المِقَة): المحبةُ، أصلُها وَمْقَةٌ؛ من وَمِقَ يَمِقُ: إذا أَحَبَّ. 2708 - (6040) - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيًّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، 4 عَنِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْداً، نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ الله يُحِبُّ فُلاَناً، فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَناً، فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي أَهْلِ الأَرْضِ". (إن الله يحبُّ فلاناً فأَحِبَّه): بالإدغام وفتح الباء، كذا يقولونه. ومذهبُ سيبويه والمحققين فيه الضم إتباعاً (¬1). ويروى بالفك: "فأَحْبِبْهُ". * * * باب: ما يُنْهَى مِنَ السَّبَابِ والَّلعْنِ 2709 - (6047) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، أَنَّ ثَابِتَ ابْنَ الضَّحَّاكِ، وَكَانَ مِنْ أصحَابِ الشَّجَرَةِ، حَدَّثَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ حَلَفَ عَلَى مِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلاَمِ، فَهْوَ كَمَا قَالَ، وَلَيْسَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَذْرٌ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ فِي الدُّنْيَا، عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَعَنَ مُؤْمِناً، فَهْوَ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ قَذَفَ مُؤْمِناً بِكُفْرٍ، فَهْوَ كَقَتْلِهِ". ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1158).

باب: الغيبة

(ومن لعن مؤمناً، فهو كقتله): أي: في التحريم، قاله بعضُهم. وقال الداودي: يحتمل أن يستويَ إثْمُهُما، وكذا قوله: "مَنْ قَذَفَ مُؤْمِناً فَهُوَ كَقَتْلِهِ". وقال الطبري: وجهُ التشبيه بينَ اللعن والقتل: هو الإبعادُ، واللعنُ في اللغة: هو الإبعادُ من رحمة الله، والقتلُ إبعادٌ من الحياة التي بها يكون إعانة بعض المسلمين لبعض، وكذلك من رمى مؤمناً بكفر، فهو كقتلِه، ولما أجمع المسلمون أن لا يُقتلَ في رميه له بالكفر، عُلم أن التشبيه إنما وقع في معنى يجمَعُهما، وهو ما قلناه: إن اللعنَ: الإبعادُ من الرحمة، كما أن القتل: إبعادٌ من الحياة (¬1). * * * باب: الْغِيبَةِ (باب: الغيبة): لم يذكر في حديث هذا الباب سوى النميمة، فكأنه يشير إلى أنها (¬2) وردت في السَّنة، لكن على غير شرطه، وقد رواها ابنُ ماجه في "سننه" (¬3). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (28/ 370). (¬2) في "ع": "أنهما". (¬3) رواه ابن ماجه (349) عن أبي بكرة رضي الله عنه.

باب: ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب

باب: مَا يَجُوزُ مِنِ اغْتِيَابِ أَهْلِ الْفَسَادِ وَالرِّيَبِ (باب: ما يجوز من اغتياب أهل الفساد): قال الزركشي: قد ينازَعُ في تسمية هذا غِيبَةً، بل هو نصيحةٌ؛ كي يحذر منه السامعُ، ولو واجهه به؛ لكان حسناً، إلا أن حسنَ الخلق منعَه من مواجهته به؛ لحصول الغرضِ بلا مواجهة (¬1) (¬2). 2710 - (6054) - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، سَمِعْتُ ابْنَ الْمُنْكَدِرِ، سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْها - أَخْبَرَتْهُ، قَالَتِ: اسْتَأْذَنَ رَجُل عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "ائْذَنُوا لَهُ، بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ، أَوِ ابْنُ الْعَشِيرَةِ". فَلَمَّا دَخَلَ، أَلاَنَ لَهُ الْكَلاَمَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! قُلْتَ الَّذِي قُلْتَ، ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ الْكَلاَمَ؟ قَالَ: "أَيْ عَائِشَةُ! إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ، أَوْ وَدَعَهُ النَّاسُ، اتِّقَاءَ فُحْشِهِ". (أو ودَعه الناس): - بفتح الدال المهملة مخففة - بمعنى: تركه، والشكُّ هنا وقع في تَرَكَ، و (¬3) وَدَعَ، وهما لفظان مترادفان، ولم يتعرض الزركشي هنا بأنه لا معنى للشك في ذلك؛ كما وقع له في (¬4) موضع ما تقدَّم، ونبهنا عليه. قال الجوهري: وقولهم: دَعْ ذا؛ أي: اتركْه، وأصلُه: وَدَعَ يَدَعُ، ¬

_ (¬1) في "م": "مواجهته". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1159). (¬3) الواو ليست في "ع" و"ج". (¬4) "فيما في" ليست في "ع".

باب: ما يكره من النميمة

وقد أُمِيتَ ماضيه، لا يقال: [وَدَعَهُ، وإنما يقال: تَرَكَه، ولا وَادَعَ، ولكن تَارَكَ، وربما جاء في ضرورة الشعر] (¬1): وَدَعَه، على أصله (¬2). قلت: الحديثُ يردُّ عليه، وقد قُرئ خارج السبع: {مَا وَدَعَكَ}، بالتخفيف. * * * باب: ما يُكْرَهُ من النَّمِيمَةِ 2711 - (6056) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ همَّامٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ حُذَيْفَةَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ رَجُلاً يَرفَعُ الْحَدِيثَ إِلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ". (لا يدخلُ الجنةَ قَتَّاتٌ): قال ابن الأعرابي: القَتَّاتُ: الذي يسمعُ الحديثَ وينقلُه، وفسره في الحديث بالنمَّام (¬3)، كذا في "المشارق" (¬4). وقال السفاقسي: القتَّاتُ (¬5) والنمَّامُ واحدٌ (¬6). ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليست في "ع". (¬2) انظر: "الصحاح" (3/ 1296)، (مادة: ودع). (¬3) "بالنمام" ليست في "ع". (¬4) انظر: (2/ 171). (¬5) في "ج": "والقتات" (¬6) "واحد" ليست في "ع".

باب: ما يكره من التمادح

وقال الزركشي: القتَّاتُ (¬1): من يسمعُ الحديثَ، فيَنِمُّ، ولا يَشعر صاحبُه بفعلِه، والنمَّامُ من يجلس معه، ثم ينمُّ حديثَه، والله أعلم من أين أخذَه (¬2) (¬3). * * * باب: ما يُكْرَهُ مِنَ التَّمادُحِ 2712 - (6060) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي بُردَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً يُثْنِي عَلَى رَجُلٍ، وَيُطْرِيهِ فِي الْمِدْحَةِ، فَقَالَ: "أَهْلَكْتُمْ، أَوْ قَطَعْتُمْ ظَهْرَ الرَّجُلِ". (ويُطريه في المِدْحَة): أي: يُفْرِطُ فيها، ويُجاوزُ الحدَّ. * * * باب: قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} الآية [النحل: 90] 2713 - (6063) - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيانُ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْها -، قَالَتْ: مَكَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) في "ج": "والقتات". (¬2) في "ج": "من أي بين أخذه". (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1159).

باب: ما ينهى عن التحاسد والتدابر وقوله تعالى: {ومن شر حاسد إذا حسد} [الفلق: 5]

كَذَا وَكَذَا، يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَأتِي أَهْلَهُ وَلاَ يَأْتِي، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَالَ لِي ذَاتَ يَوْمٍ: "يَا عَائِشَةُ! إِنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِي أَمْرٍ استَفْتَيْتُهُ فِيهِ: أَتَانِي رَجُلاَنِ، فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رِجْلَيَّ، وَالآخَرُ عِنْدَ رَأْسِي، فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رِجْلَيَّ لِلَّذِي عِنْدَ رَأْسِي: مَا بَالُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ - يَعْنِي: مَسْحُوراً - قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ، قَالَ: وَفِيمَ؟ قَالَ: فِي جُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ فِي مُشْطٍ وَمُشَاقَةٍ، تَحْتَ رَعُوفَةٍ فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ". فَجَاءَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "هذِهِ الْبِئْرُ الَّتِي أُرِيتُهَا، كَأَنَّ رُؤُوسَ نَخْلِها رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ، وَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءَ". فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَأُخْرِجَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَهلاَّ، تَعْنِي: تَنَشَّرْتَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَّا اللَّهُ، فَقد شَفَانِي، وَأَمَّا أَنَا، فَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرّاً". قالَتْ: وَلَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ: رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ، حَلِيفٌ لِيَهُودَ. (مكث النبي - صلى الله عليه وسلم - كذا وكذا): فُسِّر هذا في النسائي بشهرين، وهذا في حديث السحر الذي صنعه لبيدُ بنُ الأَعْصَم (¬1). * * * باب: مَا يُنْهَى عَنِ التَّحَاسُدِ وَالتَّدَابُرِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق: 5] ({وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق: 5]): أظن (¬2) أنه قد قيل: إن الحكمةَ في تقييده بالظرف التنبيهُ على الحالة التي يُتوقَّع فيها شَرُّه، وإلا، ¬

_ (¬1) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬2) في "ع" و"ج": "ظن".

فلو كان من شأنه الحسدُ، ثم غفلَ عنه، ولم يحسدْ (¬1)، لم يُبالَ بِهِ، نعم، إذا توجَّه إلى الحسدِ بنفسه الشريرة، ووقع منها (¬2) الحسدُ خِيفَ شَرُّه، واستُعيذ منه. * * * 2714 - (6064) - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبَّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالظَنَّ؛ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلاَ تَحَسَّسُوا، وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا - عِبَادَ اللَّهِ - إِخْوَاناً". (فإن الظنَّ أكذبُ الحديث): أي: لا تُحَقِّقوا الظنَّ، وتحكُموا بما يقعُ منه كما يُحْكَمُ بنفسِ العلم، وذلكَ أن أوائلَ الظنون خواطِرُ لا يُملك دفعُها، والأمرُ والنهيُ يَرِدان بتكليف الشيءِ المقدورِ عليه دونَ غيره (¬3). (ولا تَحَسَّسُوا، ولا تَجَسَّسُوا): الأول بالحاء المهملة، والثاني بالجيم. قال السفاقسي: قال الحربي: معناهما واحد، وهو التطلُّبُ لمعرفةِ الأخبار. وقيل: التحسس: في الخير (¬4)، والتجسس: في الشر. ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "يحسده". (¬2) في "ع": "منه". (¬3) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬4) في "ع": "التحسس في الخبر، والتحسيس في الخبر".

باب: ستر المؤمن على نفسه

وقال ابن الأنباري: إنما نُسِقَ أحدُهما على الآخر؛ لاختلاف اللفظين؛ كقولهم: بُعْداً وسُحْقاً. قلت: هذا هو قولُ الحربيِّ المتقدم. وقيل: التحسسُ: البحثُ عن عورات الناس، والتجسس: الاستماعُ لحديث القوم. وقال أبو عُمر: التحسس - بالحاء -: أن تطلبه بنفسك، وبالجيم: أن تكون رسولاً لغيرك (¬1). (ولا تَدابروا): أي: لا تَهَاجَروا، فَيُولي كلُّ واحد منكم دُبُرَهُ لصاحبه. (وكونوا - عبادَ الله - إخواناً): "عبادَ الله" إما منادى، فإخواناً خبر (¬2) كان، وإما خبرٌ أولُ لـ "كان"، و"إخواناً" خبرٌ (¬3) ثانٍ لها. * * * باب: سَتْرِ المُؤْمِنِ عَلَى نَفْسِهِ 2715 - (6069) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ الْمَجَانَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً، ثُمَّ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1160)، و"التوضيح" (28/ 410). (¬2) في "ع" و"ج": "فإخواناً ضمير خبر". (¬3) "خبر" ليست في "ع" و"ج".

يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ، فَيَقُولَ: يَا فُلاَنُ! عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ". (كلُّ أمتي معافًى إلا المجاهرونَ (¬1)): أي: المعلنون بالمعاصي، المستهزئون بإظهارها، قال السفاقسي: وصوابُه عند البصريين: "المجاهرين" (¬2). قلت: خرجه ابن مالك على أنه مبتدأ محذوفُ الخبر؛ أي: لكن المجاهرونُ بالمعاصي لا يُعافَوْن، قال: وبمثلِ هذا تأولَ الفراءُ قراءةَ بعضهم: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ} [البقرة: 249] أي: إلا قليلٌ منهم لم يشربوا. قال ابن مالك: ولا يعرف أكثرُ البصريين المتأخرين في هذا النوع إلا النصبَ، وقد أغفلوا ورودَه مرفوعاً بالابتداء ثابتَ الخبر؛ نحو: "فأحرموا كلُّهم إلا أبو قتادة لم يُحْرِمْ" (¬3)، ومحذوفَه (¬4) كما تقدم (¬5). وأقول: فتحُ هذا الباب [الذي فتحه ابنُ مالك يؤدي إلى جواز الرفع في كل مستثنى من كلامٍ تامٍّ موجبٍ؛ مثل] (¬6): قام القومُ إلا ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "إلا المهاجرين"، وفي "م": "المجاهرين"، ولكن ما بعدها يدل على أن هذه الرواية بالرفع. (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1161). (¬3) رواه البخاري (1824)، ومسلم (1196). (¬4) في "ج": "ومحذوف". (¬5) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 41). (¬6) ما بين معكوفتين ليس في "ع".

باب: الهجرة وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث"

زيدٌ (¬1)؛ إذ يكون الواقعُ بعدَ إلَّا مرفوعاً (¬2) بالابتداء، والخبرُ محذوفٌ، وهو مقدَّر بنفي الحكم السابق، وينقلبُ كلُّ استثناءٍ متصلٍ منقطعاً بهذا الاعتبار، ومثلُه غيرُ مستقيم على ما لا يخفى. قال الزركشي: واعلمْ أنه ترجمَ على هذا الحديث بستر المؤمن على نفسِه، وذكر معه حديث النَّجْوَى، وليس فيه: إنك سترتَ على نفسِك، وإنما فيه: "إِنِّي (¬3) سَتَرْتُ عَلَيْكَ في الدُّنْيَا (¬4) "؛ لأن سترَ العبدِ على نفسِه هو سترُ (¬5) الله عليه؛ إذ هو خالق عبيد [هـ]، وأفعالهم (¬6). * * * باب: الهِجْرَةِ وقولِ النَبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثلاثٍ" 2716 - (6076) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونوُا - عِبَادَ اللَّهِ - إِخْوَاناً، وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ". ¬

_ (¬1) في "ع": "زيداً" (¬2) في "ع" و"ج": "بعد الأمر مرفوعاً". (¬3) "إني" ليست في "ج". (¬4) "في "ع" و"ج": "في الدنيا؛ لأن سترت عليك في الدنيا". (¬5) "ستر" ليست في "ع" و"ج". (¬6) انظر "التنقيح" (3/ 1161).

(لا يحلُّ لرجل (¬1) أن يهجر أخاه فوقَ ثلاثِ ليالٍ): فيه دلالة على تحريم عداوةِ المسلم، والإعراضِ عنه وهجرانِه فوقَ ثلاث، وهذا فيمن لم يَجْنِ على الدينِ جنايةً، فأما من جنى عليه، وعصى، فقد جاءت الرخصةُ في عقوبته بالهجران. قال الطبري: ومن كلم هؤلاء العصاةَ على علمٍ منه بحالهم بغيرِ تأويل، فإن كان (¬2) بتقريع، أو عِظَةٍ، فلا إثمَ عليه (¬3)؛ وإن كان بغير ذلك، خَشيتُ عليه الإثم، إلا أن يكلمَ من لا يجدُ من كلامه بُدّاً، وقيل: كلامهم مكروه (¬4). قلت: انظر كلام الطبري، فهو مما يُستأنس به للجواب الذي كنا أَجبنا به (¬5) عن إشكال السفاقسي في قوله في حديث كعبِ بنِ مالك: "فقال لي بعضُ أهلي" (¬6) (¬7)، بعد نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن كلامه، فراجعه. * * * ¬

_ (¬1) نص البخاري: "لمسلم". (¬2) "كان" ليست في "ج". (¬3) "عليه" ليست في "م". (¬4) انظر: "التوضيح" (28/ 427). (¬5) في "ع" و"ج": "عنه". (¬6) في "ع" و"ج": "أهل". (¬7) رواه البخاري (4418)، ومسلم (2769).

2717 - (6077) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثيِّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ، فَيُعْرِضُ هذَا، وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ". (وخيرهما (¬1) الذي يبدأ بالسلام): حاول بعضُ الناس أن يجعل هذا دليلاً على فرعٍ ذكروا أنه مستثنًى من القاعدة المشهورة، وهي: أن الفرضَ أفضلُ من النفل، وهذا الفرعُ المستثنى (¬2) هو الابتداءُ (¬3) بالسلام، فإنه سنَّةٌ، والردُّ واجبٌ. قال بعض الناس: والابتداءُ أفضلُ؛ لقوله - عليه السلام -: "وَخَيْرُهُمَا (¬4) الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ". واعلمْ أنه ليس في الحديث أن الابتداء خيرٌ من الجواب، وإنما فيه أن المبتدِئ خيرٌ من المجيب، وهذا لأن المبتدئ فَعَلَ حسنةً، وتسبَّبَ إلى فعلِ حسنةٍ، وهي الجوابُ، مع ما دلَّ عليه الابتداءُ من حسنِ طَوِيَّةِ المبتدئ، وترك ما يكرهه الشارع من الهجر والجفاء، فإن الحديث وردَ في المسلمَيْنِ: "يلتقيانِ، فيُعرض (¬5) هذا، ويُعرض هذا (¬6) " (¬7)، وكان ¬

_ (¬1) في "م": "وخيرهم". (¬2) "الفرع المستثنى" ليست في "ع". (¬3) في "ج": "المبتدئ". (¬4) في "ج": "وخيرهم". (¬5) في "ج": "يعرض". (¬6) "هذا" ليست في "ج". (¬7) تقدم تخريجه.

باب: من تجمل للوفود

المبتدئ خيراً من حيثُ إنه مبتدئٌ بتركِ ما كرهه الشارعُ من التقاطُعِ، لا من حيث إنه مُسَلِّمٌ. * * * باب: مَنْ تَجَمَّلَ لِلْوفُودِ 2718 - (6081) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبي، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحيىَ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: قَالَ لِي سَالِمُ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ: مَا الإِسْتَبْرَقُ؟ قُلْتُ: مَا غَلُظَ مِنَ الدِّيبَاجِ، وَخَشُنَ مِنْهُ. قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَهِ يَقُولُ: رَأَى عُمَرُ عَلَى رَجُلٍ حُلَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ، فَأَتَى بِهَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ! اشْتَرِ هذِهِ، فَالْبَسْهَا لِوَفْدِ النَّاسِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ. فَقَالَ: "إنمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ". فَمَضَى فِي ذَلِكَ مَا مَضَى، ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ إِلَيهِ بِحُلَّةٍ، فَأَتَى بِها النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: بَعَثْتَ إِلَيَّ بهذِهِ، وَقَدْ قُلْتَ فِي مِثْلِها مَا قُلْتَ؟ قَالَ: "إِنَّمَا بَعَثْتُ إِلَيْكَ لِتُصِيبَ بِهَا مَالاً". فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَكْرَهُ الْعَلَمَ فِي الثَّوْبِ؛ لِهذَا الْحَدِيثِ. (ما غَلُظَ من الديباج وما خَشُنَ): بالخاء والشين المعجمتين. ويروى: بالحاء والسين المهملتين. * * * باب: الإِخَاءِ والحِلْفِ 2719 - (6083) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، قَالَ: قُلْتُ لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَبَلَغَكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -

باب: التبسم والضحك

قَالَ: "لاَ حِلْفَ فِي الإسْلاَمِ"؟ فَقَالَ: قَدْ حَالَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ فِي دَارِي. (قد حالف النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بين قريش والأنصار): أي آخَى بينهم. وقيل: إنما كانوا يحالفون في الجاهلية؛ لأن الكلمةَ بينهم لم تكن مجتمعةً، فكان قومٌ يحالفون آخرين؛ لتكون أيديهم واحدة، وأما اليوم، فقد جمعَ الله بالإسلام الكلمةَ، وألَّف بين القلوب، فلا حاجة بالمسلمين إلى الحلف (¬1). * * * باب: التَّبَسُّمِ والضَّحِكِ 2720 - (6092) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرٌو أَنَّ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَهُ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مُسْتَجْمِعاً قَطُّ ضَاحِكاً حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ، إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ. (ما رأيت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مستجمعاً (¬2) قَطُّ ضاحكاً حتى أَرى منهُ لهواته): أي: مبالِغاً في الضحك حتى لا يتركَ منه شيئاً، واللَّهَواتُ: جمعُ لَهَاةٍ، وهي اللَّحْمَة التي أَعْلى الحَنْجَرَةِ من أقصى الفَم (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1162). (¬2) في "ع": "متجمعاً". (¬3) المرجع السابق، الموضع نفسه.

باب: الهدي الصالح

2721 - (6093) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ، حَدَّثَنَا أبو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ. وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهْوَ يَخْطُبُ بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ: قَحَطَ الْمَطَرُ، فَاسْتَسْقِ رَبَّكَ، فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ - وَمَا نَرَى مِنْ سَحَابٍ - فَاسْتَسْقَى، فَنَشَأَ السَّحَابُ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ، ثُمَّ مُطِرُوا حَتَّى سَالَتْ مَثَاعِبُ الْمَدِينَةِ، فَمَا زَالَتْ إِلَى الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ مَا تُقْلِعُ، ثُمَّ قَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ غَيْرُهُ، وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ، فَقَالَ: غَرِقْنَا، فَادْعُ رَبَّكَ يَحْبِسْهَا عَنَّا، فَضَحِكَ، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا، وَلاَ عَلَيْنَا"، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً، فَجَعَلَ السَّحَابُ يَتَصَدَّعُ عَنِ الْمَدِينَةِ يَمِيناً وَشِمَالاً، يُمْطَرُ مَا حَوَالَيْنَا، وَلاَ يُمْطِرُ مِنْهَا شَيْءٌ، يُرِيهِمُ اللَّهُ كَرَامَةَ نَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَإِجَابَةَ دَعْوَتِهِ. (قحَط المطر): - بفتح الحاء وكسرها، مبني للفاعل -؛ أي: احتبسَ. قال ابن سيدَهْ: والفتح أعلى (¬1). وحكي: "قُحط": بضم القاف، على البناء للمفعول (¬2). * * * باب: الهَدْيِ الصَّالِحِ 2722 - (6098) - حَدَّثَنَا أبو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُخَارِقٍ، ¬

_ (¬1) انظر: "المحكم" (2/ 565)، (مادة: قحط). (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1162).

باب: من أكفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال

سَمِعْتُ طَارِقاً قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -. (وأحسنَ الهَدْيِ هَدْيُ محمد - صلى الله عليه وسلم -): بفتح الهاء وإسكان الدال. ويروى بضم الهاء وفتح الدال، وهو ضدُّ الضلال (¬1). * * * باب: مَنْ أَكْفَرَ أخاهُ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ فَهْوَ كَمَا قَالَ 2723 - (6103) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحمَدُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لأَخِيهِ: يَا كَافِرُ، فَقد بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا". (إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر، فقد باء به أحدُهما): حملَه البخاري - رحمه الله - على تحقُّقِ الكفرِ لأحدِهما؛ لأن القائلَ إذا كان صادقاً، فالمرميُّ (¬2) كافر، وإن كان كاذباً، فقد جعل الرامي الإيمانَ كفراً، ومن جعلَ الإيمانَ كفراً، فقد كفرَ، ولهذا ترجم عليه مقيداً بغير تأويل. * * * ¬

_ (¬1) المرجع السابق، (3/ 1163). (¬2) في "ع": "فالرمي".

باب: من لم ير إكفار من قال ذلك متأولا أو جاهلا

باب: مَنْ لَمْ يَرَ إِكْفَارَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مُتَأَوِّلاً أَوْ جَاهِلاً وَقَالَ عُمَرُ لِحَاطِبٍ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَمَا يُدرِيكَ؟ لَعَلَّ اللَّه قَدِ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: قَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ". (فقال عمر بنُ الخطاب لحاطبِ بنِ أبي بَلْتَعَةَ: إنه نافَقَ (¬1))، وفي نسخة: "إنه منافقٌ" (¬2)، ومع ذلك فلم يرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إكفارَ عمرَ بهذا القول؛ لأنه صدرَ منه عن تأويل، ولكن ذلك لا يقتضي رفعَ الإشكال الذي قدمناه؛ لأن هذا، وإن لم يقتضِ الإكفارَ، لكنه قولٌ لا خيرَ فيه لحاطبٍ، وكيف وفيه (¬3) نسبتُه إلى أَسوأ الكفر، وقد صدر بعدَ قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "صَدَقَ، فَلا تَقُولُوا لَهُ إِلاَّ خَيْراً" (¬4). 2724 - (6106) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَادَةَ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا سَلِيمٌ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - كَانَ يُصَلَّي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ يَأْتِي قَوْمَهُ، فَيُصَلِّي بِهِمُ الصَّلاَةَ، فَقَرأَ بِهِمُ الْبَقَرَةَ، قَالَ: فتجَوَّزَ رَجُلٌ فَصَلَّى صَلاَةً خَفِيفَةً، فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاذاً، فَقَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ الرَّجُلَ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّا قَوْمٌ نَعمَلُ بِأَيْدِينَا، وَنسقِي بِنَوَاضِحِنَا، وإنَّ مُعَاذاً صَلَّى ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "منافق". (¬2) في"ع" و"ج": "نافق". (¬3) "وفيه" ليست في "ج". (¬4) رواه البخاري (6259) عن علي رضي الله عنه.

بِنَا الْبَارِحَةَ، فَقَرَأَ الْبَقَرَةَ، فَتَجَوَّزْتُ، فَزَعَمَ أَنَّي مُنَافِقٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا مُعَاذُ! أَفَتَّانٌ أَنْتَ؟ - ثَلاَثاً - اقْرَأْ: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: 1]، وَ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1]، وَنَحْوَهَا". (محمد بن عَبادة): بفتح العين المهملة وتخفيف الباء الموحدة. (ثنا (¬1) يزيدُ، أنا سَليمٌ): يزيد: بمثناة تحتية، وسليم: بفتح السين. * * * 2725 - (6108) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنَّهُ أَدرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي رَكْبٍ وَهْوَ يَحلِفُ بأَبِيهِ، فَنَاداهُم رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ، إنَّ اللَّه يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفاً، فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ، وإِلاَّ، فَلْيَصْمُتْ". (فمن كان حالفاً، فليحلفْ بالله): وجهُ مطابقة هذا الحديث للترجمة على من لم يَرَ إكفارَ مَنْ قالَ ذلك متأَوِّلاً، أو جاهلاً: أن عمر - رضي الله عنه - حلفَ بأبيهِ الخطابِ، ولم يكن الخطابُ مؤمناً، والحلفُ فيه تعظيمٌ للمحلوفِ به، فلزمَ أن يكون الحلفُ بالكافر تعظيماً له، لكن عذره بالتأويل، فتأمله؛ فإن فيه بحثاً على ما يظهر (¬2). * * * ¬

_ (¬1) نص البخاري: "أخبرنا". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1163)، و"التوضيح" (28/ 477).

باب: ما يجوز من الغضب والشدة لأمر الله

باب: ما يَجُوزُ مِنَ الغَضَبِ والشِّدَّةِ لأَمر اللهِ وقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 73] 2726 - (6109) - حَدَّثَنَا يَسَرَةُ بْنُ صَفْوَانَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الْقَاسِم، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَفِي الْبَيْتِ قِرَامٌ فِيهِ صُوَرٌ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ، ثُمَّ تَنَاوَلَ السِّتْرَ فَهَتَكَهُ، وَقَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَاباً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُصَوِّرُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ". (يَسَرَة بنُ صفوانَ): بمثناة تحتية وسين مهملة وراء مفتوحات؛ مثل: شَجَرَة، وقد مر. * * * 2727 - (6111) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلَّي، رَأَى فِي قِبْلَةِ الْمَسْجدِ نُخَامَةً، فَحَكَّهَا بِيَدِهِ، فتغَيَّظَ، ثُمَّ قَالَ:"إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ فِي الصَّلاَةِ، فَإنَّ اللهَ حِيَالَ وَجْهِهِ، فَلاَ يَتَنَخَّمَنَّ حِيَالَ وَجْهِهِ فِي الصَّلاَةِ". (حِيالَ وجهه): بكسر الحاء المهملة من "حِيال"، وبمثناة تحتية؛ أي: تِلْقاءَهُ. * * * 2728 - (6113) - وَقَالَ الْمَكِّيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ

باب: الحذر من الغضب

زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: احْتَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حُجَيْرَةً مُخَصَّفَةً، أَوْ حَصِيراً، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فِيها، فَتَتَبَّعَ إِلَيْهِ رِجَالٌ، وَجَاؤُوا يُصَلُّونَ بِصَلاَتِهِ، ثُمَّ جَاؤُوا لَيْلَةً، فَحَضَرُوا، وَأَبْطأَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْهُمْ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ، فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ، وَحَصَبُوا الْبَابَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ مُغْضَباً، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا زَالَ بِكُمْ صَنِيعُكُمْ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُكْتَبُ عَلَيْكُمْ، فَعَلَيْكُمْ بِالصَّلاَةِ فِي بُيُوتِكُمْ؛ فَإِنَّ خَيْرَ صَلاَةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ، إِلاَّ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ". (احتجَرَ): يروى بالراء والزاي (¬1). (حُجَيْرَةً): بالتصغير. ويروى بفتح الحاء وكسر الجيم (¬2) (¬3). * * * باب: الحَذَرِ مِنْ الغَضَبِ لقوله جلَّ وعزَّ: {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [الشورى: 37]، {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} [آل عمران: 134] 2729 - (6116) - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ - هُوَ ابْنُ عَيَّاشٍ -، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "بالزاي والراء". (¬2) "وكسر الجيم" ليست في "ع". (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1163).

عَنْهُ -: أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَوْصِنِي، قَالَ: "لاَ تَغْضَبْ". فَرَدَّدَ مِرَاراً، قَالَ: "لاَ تَغْضَبْ". (أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أوصني، قال: لا تغضبْ): في "الإفهام" قال ابن بشكوال في ذكر ما في "مسند مالك" لأبي الحسن بن المظفر، عن حميد، عن أبي هريرة: أن رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله! عَلَّمني كلماتٍ تُغني، فقال له النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَغْضَبْ". قيل: إنه جاريةُ (¬1) ابنُ قدامةَ، كذا في "مسند ابن (¬2) أبي شيبة"، و"المؤتلف والمختلف" للدارقطني، ويحتمل أن يكون أبا الدرداء؛ كما في "فوائد أبي الفضل بن خيرون"، ويحتمل أن يكون عبدَ الله بنَ عمر وغيرَه من الصحابة؛ لما في "فوائد ابن صخر" بسنده عن ابن عمر، قال: قلت: يا رسولَ الله! قل لي قولاً، وأَقْلِلْه؛ لعلِّي أعقلُه، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَغْضَبْ، لا تَغْضَبْ". قال ابن صخر: وهذا روي عن غير واحد من الصحابة - رضي الله عنهم - مسنَداً، وهو من حديث ابن عمر صحيحٌ، وإسنادُه صالح. وفي "الفوائد" أيضاً: عن عُروةَ بنِ الزُّبير، عن سفيانَ بنِ عبدِ الله الثقفيِّ، قال: قلتُ للنبي - صلى الله عليه وسلم - مثلَ حديثِ ابنِ عمر، فعاودتُه مراراً أسأله، كلَّ ذلك يقول: "لا تَغْضَبْ" (¬3). ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "حارثة". (¬2) "ابن" ليست في "ع". (¬3) انظر: "غوامض الأسماء المبهمة" لابن بشكوال (1/ 121 - 124).

باب: الحياء

باب: الحَيَاءِ 2730 - (6117) - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي السَّوَّارِ الْعَدَوِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ عِمرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْحَيَاءُ لاَ يَأتِي إِلاَّ بِخَيْرٍ". فَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعبٍ: مَكْتُوبٌ فِي الْحِكْمَةِ: إِنَّ مِنَ الْحَيَاءِ وَقَاراً، وَإِنَّ مِنَ الْحَيَاءِ سَكِينَةً. فَقَالَ لَهُ عِمْرَانُ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَتُحَدِّثُنِي عَنْ صَحِيفَتِكَ؟! (عن أبي السَّوَّار): بسين مهملة وواو مفتوحة مع التشديد (¬1). * * * باب: "إذا لم تَسْتَحْي فَاصْنَعْ ما شِئْتَ" 2731 - (6120) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، حَدَّثَنَا أبَو مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحْي، فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ". (إنَّ مما أدركَ الناسُ من كلام النبوة الأُولى): أي: إن الحياء لم يزلْ أمرُه فاشياً (¬2)، واستعمالُه واجباً منذُ زمان النبوة الأولى، وإنه ما من نبي إلا وقد عَظَّمَ من شأنِ الحياء، وأمرَ باستعماله، وأنه لم يُنسخ فيما نُسخ من شرائعهم (¬3). ¬

_ (¬1) "مع التشديد" ليست في "ع" و"ج". (¬2) في "التنقيح": "ثابتاً". (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1164).

باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يسروا ولا تعسروا"

وذُكر في معناه أوجهٌ: منها (¬1): إذا لم يكن معكَ حياءٌ يمنعُك من القبيح، فاصنعْ ما شئتَ مما تأمرُك به النفسُ من الهوى. ومنها: إذا أردتَ فعلاً، ولم يكن مما يُسْتَحْيا من فعله شرعاً، فافعلْ ما شئت. ومنها: أن معناه: الوعيد؛ مثل: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40] (¬2). قلت: والثالثُ هو الأول، فتأملْه. * * * باب: قَوْلِ النَبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَسِّرُوا ولا تُعَسِّرُوا" 2732 - (6127) - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الأَزْرَقِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: كُنَّا عَلَى شَاطِئِ نَهْرٍ بِالأَهْوَازِ، قَدْ نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ، فَجَاءَ أبو بَرْزَةَ الأَسْلَمِيُّ عَلَى فَرَسٍ، فَصَلَّى وَخَلَّى فَرَسَهُ، فَانْطَلَقَتِ الْفَرَسُ، فَتَرَكَ صَلاَتَهُ، وَتَبِعَهَا حَتَّى أَدْرَكَهَا، فَأَخَذَهَا، ثُمَّ جَاءَ فَقَضَى صَلاَتَهُ، وَفِينَا رَجُلٌ لَهُ رَأْيٌ، فَأَقْبَلَ يَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى هذَا الشَّيْخِ، تَرَكَ صَلاَتَهُ مِنْ أَجْلِ فَرَسٍ، فَأَقْبَلَ فَقَالَ: مَا عَنَّفَنِي أَحَدٌ مُنْذُ فَارَقْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَالَ: إِنَّ مَنْزِلِي مُتَرَاخٍ، فَلَوْ صَلَّيْتُ وَتَرَكْتُ، لَمْ آتِ أَهْلِي إِلَى اللَّيْلِ. وَذَكَرَ أَنَّهُ صَحِبَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَرَأَى مِنْ تَيْسِيرِهِ. (نَضَبَ عنه الماءُ): أي: ذهبَ ونَفِدَ. ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "فيها". (¬2) انظر "التوضيح" (28/ 496).

باب: الانبساط إلى الناس

(وفينا رجلٌ له رأيٌ): أي: من الخوارج، يَرى ما لا يَرى المسلمون من الدين. * * * باب: الانبِسَاطِ إِلَى النَّاسِ 2733 - (6130) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أبَيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ، يتقَمَّعْنَ مِنْهُ، فَيُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ، فَيَلْعَبْنَ مَعِي. (يَنْقَمِعْنَ): يروى (¬1) من الانْفِعال، والتفَعُّل؛ أي: يَغِبْنَ، ويدخُلْن (¬2) في بيت، أو من وراء ستر، وأصلُه من القِمْع الذي على رأس التمرة؛ أي: يدخلْن في البيت كما تدخلُ التمرةُ (¬3) في قِمْعِها (¬4). (فيسرِّبُهن إلي): أي: يَبعثهنَّ (¬5) إليَّ ويُرْسِلُهنَّ. * * * باب: لاَ يُلْدَغُ المُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ 2734 - (6133) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "ويروى". (¬2) في "ع" و"ج": "ويدخلون". (¬3) في "ع" و"ج": "المرأة". (¬4) انظر: "التنقيح" (3/ 1165). (¬5) في "ج": "يبعثهم".

الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ قَالَ: "لاَ يُلدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ". (لا يُلدغ المؤمنُ من جحر واحدٍ مرتين): قال السفاقسي: قيل: لفظُه لفظُ الخبر، ومعناه الأمر، يقول: ليكنِ المؤمنُ حازماً حَذِراً لا يُؤتى من ناحيةِ الغَفْلة، فيخدَعَ مرةً بعدَ أخرى، وقد يكون ذلك في أمر الدين، كما يكون في أمر الدنيا، وهو أولاهما (¬1) بالحذر. وروي بلفظ: النهي بكسر الغين، فيتحقق فيه معنى النهي على هذه الرواية، وكذلك قرأناه. قال: وهذا مَثَلٌ قديم تُمُثِّلَ به من قبلِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو - عليه الصلاة والسلام - كثيراً ما يتمثَّلُ بالأمثال القديمة، وأصلُ ذلك: أَنَّ رجلاً أدخلَ يدَه في جُحر الصيدِ أو غيرِه، فلدغَتْه حَيَّةٌ (¬2) في يده، فضربته العربُ مثلاً، فقالوا: لا يُدخل الرجلُ يدَه في جُحر فيلدَغ منه مرةً ثانية (¬3). قلت: إذا كان المثلُ العربيُّ على الصورة التي حكاها، فالنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لم يورده كذلك حتى يقال: إنه تَمَثَّلَ به، نعم أوردَ كلاماً بمعناه، وانظرْ فرقَ ما بينَ كلامِه - عليه الصلاة والسلام -، وبينَ لفظِ المثلِ المذكورِ، فَطلاوة البلاغة على لفظه عليه السلام، وحلاوة العبارة فيه بادية، يدركُها ذو الذوقِ السليم. * * * ¬

_ (¬1) في"ع": "أولهما". (¬2) "حية" ليست في "ع". (¬3) انظر: "التوضيح" (28/ 516).

باب: إكرام الضيف وخدمته إياه بنفسه

باب: إِكرامِ الضَّيْفِ وخِدْمَتِهِ إيَّاهُ بِنَفْسِهِ 2735 - (6135) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي شُرَيْحِ الْكَعبِيِّ، أَن رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَالضِّيَافَةُ ثَلاَثَةُ أيَّامٍ، فَمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهْوَ صدَقَةٌ، وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَثْوِيَ عِنْدَهُ حَتَّى يُحْرِجَه". (فليكرمْ ضيفَه جائزتُه يومٌ وليلةٌ): جائزتَه: يروى بالرفع والنصب؛ فوجهُ الرفع ظاهر، وهو أن يكون مبتدأ، وخبره يومٌ وليلةٌ؛ أي: تكلُّفُ يومٍ وليلةٍ، أو إتحافُ يومٍ وليلةٍ، هذا إن قلنا: بأن اليومَ والليلةَ من جملة أيام الضيافة الثلاثة، وإن قلنا: بأنهما خارجان عنها (¬1) - كما تقدم -، فيقدر: زيادةُ يومٍ وليلة. وأما نصبُ جائزتَه، فعلى بدل الاشتمال؛ أي: فليكرمْ جائزةَ ضيفِه (¬2). قلت: ويشبه اختلافُهم في أن يومَ الجائزة وليلتَها داخلان في أيام الضيافة الثلاثة، أو خارجان عنها، ما وقع لهم من التردد في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ شَهِدَ الجنَازَةَ حتى يُصَلَّى عَلَيْها، فَلَهُ قِيرَاطٌ، [وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ، فَلَهُ قِيرَاطَانِ" الحديث (¬3)، وفي لفظةٍ: "مَنْ صَلَى عَلَى جَنَازَةٍ، فَلَهُ قِيرَاطٌ] (¬4)، ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "عنهما". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1165). (¬3) رواه البخاري (1325)، ومسلم (945) عن أبي هريرة رضي الله عنه. (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ج".

وَمَنْ اتَّبَعَها حَتَّى تُوضَعَ في القَبْرِ، فَلَهُ قِيرَاطَانِ" الحديث (¬1). فلو اتبعَها حتى توضَع في القبر، ولكن لم يصلَّ عليها؛ احتملَ أن لا يحصلَ له شيء من القيراطين؛ إذ (¬2) يحتمل (¬3) أن يكون القيراطُ الثاني المزيدُ مرتَّباً على وجودِ الصلاةِ قبلَه. ويُحتمل أن يحصل له القيراطُ المزيدُ. وأما احتمالُ القيراطين يحصلان (¬4) بالاتباع حتى يوضعَ في القبر، وإن لم يصلِّ (¬5)، فهو هنا بعيدٌ. وأما احتمالُ أن من صلى واتبعَ حتى تُدفن يحصل له ثلاثةُ قراريطَ، فمرتَّبٌ على هذا الاحتمال. قال القاضي تاجُ الدين السبكيُّ، وقد سأل الشيخُ أبو الحسن بنُ القزويني [أبا نصرِ بنَ الصباغ عن هذا، فقال: لا يحصل لمن صلَّى واتبع إلا قيراطان؟ فقال له ابن القزويني] (¬6): جيد بالغ، وطولب ابنُ الصباغ بالدليل، فاستدلَّ بقوله تعالى: {أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي ¬

_ (¬1) رواه مسلم (946) عن ثوبان - رضي الله عنه - مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (¬2) في "ج": "أو". (¬3) في "ع": "ويحتمل". (¬4) في "ج": "فيحصل". (¬5) في النسخ الثلاث: "يحصل"، ولعل الصواب ما أثبت. (¬6) ما بين معكوفتين ليس في "ع".

باب: ما يكره من الغضب والجزع عند الضيف

أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} [فصلت: 9 - 10]، قال (¬1): فاليومان من جملة الأربعة بلا شك (¬2). (أن يَثْوِيَ): - بثاء مثلثة -؛ أي: يُقيم. (حتى يُحرجه): من الإحراج - بالحاء المهملة -، وهو إيقاعُ الحَرَجِ بالإنسان. * * * باب: ما يُكْرَهُ من الغَضَبِ والجَزَعِ عِنْدَ الضَّيْفِ 2736 - (6140) - حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنَّ أبَا بَكْرٍ تَضَيَّفَ رَهْطاً، فَقَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: دُونَكَ أَضْيَافَكَ، فَإِنِّي مُنْطَلِقٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَافْرُغْ مِنْ قِرَاهُم قَبْلَ أَنْ أَجِيءَ، فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَأَتَاهُمْ بِمَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: اِطْعَمُوا، فَقَالُوا: أَيْنَ رَبُّ مَنْزِلِنَا؟ قَالَ: اطْعَمُوا، قَالُوا: مَا نَحنُ بِآكِلِينَ حَتَّى يَجِيءَ رَبُّ مَنْزِلِنَا، قَالَ: اقْبَلُوا عَنَّا قِرَاكُمْ، فَإِنَّهُ إِنْ جَاءَ وَلم تَطْعَمُوا، لَنَلْقَيَنَّ مِنْهُ، فَأَبَوْا، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ يَجِدُ عَلَيَّ، فَلَمَّا جَاءَ، تنحَّيْتُ عَنْهُ، فَقَالَ: مَا صَنَعْتُمْ؟ فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: يا عَبْدَ الرَّحْمَنِ! فَسَكَتُّ، ثُمَّ قَالَ: يا عَبْدَ الرَّحْمَنِ! فَسَكَتُّ، فَقَالَ: يا غُنْثَرُ! أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إِنْ كنْتَ تَسْمَعُ صَوْتِي لَمَّا جِئْتَ، فَخَرَجْتُ، فَقُلْتُ: سَلْ أَضْيَافَكَ، فَقَالُوا: صَدَقَ، أَتَانَا بِهِ، قَالَ: فَإِنَّمَا انْتَظَرْتُمُونِي، وَاللَّهِ! لاَ أَطْعَمُهُ اللَّيْلَةَ، فَقَالَ الآخَرُونَ: وَاللَّهِ! لاَ نَطْعَمُهُ حَتَّى تَطْعَمَهُ، قَالَ: لَمْ أَرَ فِي الشَّرِّ ¬

_ (¬1) "قال" ليست في "ج". (¬2) انظر: "طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي (5/ 365).

كَاللَّيْلَةِ، وَيْلَكُمْ! مَا أَنْتُمْ؟ لِمَ لاَ تَقْبَلُونَ عَنَّا قِرَاكُمْ؟ هَاتِ طَعَامَكَ، فَجَاءَهُ، فَوَضَعَ يَدَهُ، فَقَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ، الأُولَى لِلشَّيْطَانِ، فأَكَلَ، وَأَكَلُوا. (إن كنتَ تَسْمَعُ صوتي لَمَّا جئتَ): - بتشديد الميم - من "لَمَّا" (¬1)، وهي بمعنى "إلا" عند سيبويه؛ كقوله: قَالَتْ لَهُ بِاللهِ يَا ذَا البُرْدَيْنْ ... لَمَّا غَنِثْتَ (¬2) نَفَساً أَوِ اثْنَيْنْ (¬3) (الأولى للشيطان): يعني: الحالةَ الأولى، وهي حالةُ غضبِه وحلفِه أن (¬4) لا يطعمَ ذلك الطعامَ في تلك الليلة. وقيل: أرادَ اللقمةَ الأولى التي أحنثَ نفسَه بها (¬5)، وأكلَ (¬6). قلت: لا شكَّ أن إحناثَه نفسَه وأكلَه مع الضيف خيرٌ من (¬7) المحافظة على بِرَّهِ المفضي إلى ضيقِ (¬8) صدرِ الضيفِ، وحصولِ الوحشةِ له والقلق، فكيف يكونُ ما هو خيرٌ منسوباً (¬9) إلى الشيطان؟! فالظاهرُ هو القولُ الأول. ¬

_ (¬1) "من لما" ليست في "ج". (¬2) في "ع" و"ج": "غنت". (¬3) انظر: "مغني اللبيب" لابن هشام (ص: 370 - 371). (¬4) في "ع" و"ج": "لأن". (¬5) في "ج": "بها نفسه". (¬6) انظر: "التنقيح" (3/ 1166). (¬7) في"ع" و"ج": "خير له من". (¬8) "ضيق" ليست في "ج". (¬9) في "ج": "منسوب".

باب: ما يجوز من الشعر والرجز والحداء، وما يكره منه

باب: مَا يَجُوزُ مِنَ الشَّعْرِ وَالرَّجَزِ وَالْحُدَاءِ، وَمَا يُكْرَهُ مِنْهُ وَقَوْلِهِ: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 224 - 227]. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي كُلِّ لَغْوٍ يَخُوضُونَ. (باب: ما يجوز من الشعر والرَّجَز): عطفُ الرجزِ على الشعر، إما لأنه بُني على أنه غيرُ شعر كما هو أحدُ الرأيين، أو لأنه من باب عطفِ الخاصِّ على العام على الرأي الآخر، وهو الصحيح. 2737 - (6145) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّ مِنَ الشَّعْرِ حِكْمَةً". (إن من الشعر حكمةً): أي: كلاماً نافعاً يمنعُ من (¬1) الجهل والسَّفَه. قال الشافعي - وما أحسنَ ما قالَ -: الشعرُ كلامٌ، قبيحُه كقبيحِ الكلام، وحَسَنُه كحَسَنِهِ، وهو في الحقيقة مأخوذٌ من الحديث. * * * ¬

_ (¬1) "من" ليست في "ج".

2738 - (6149) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: أَتَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى بَعضِ نِسَائِهِ، وَمَعَهُنَّ أُمُّ سُلَيْمٍ، فَقَالَ: "وَيْحَكَ يَا أَنْجَشَةُ! رُوَيْدَكَ سَوْقاً بِالْقَوَارِيرِ". قالَ أبو قِلاَبَةَ: فَتكَلَّمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِكَلِمَةٍ، لَوْ تَكَلَّمَ بَعْضُكُم، لَعِبْتُمُوهَا عَلَيْهِ، قَوْلُهُ: "سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ". (يا أَنْجَشَة): هو (¬1) غلامٌ أسودُ، كانَ حادِياً (¬2) حسنَ الصوت. (رُوَيْدَكَ): قال ابن مالك: هو اسمُ فعلٍ بمعنى: أَرْوِدْ (¬3)؛ أي: أَمْهِلْ، والكافُ المتصلة به حرفُ خطاب، و (¬4) فتحةُ دالِه بنائيةٌ، ولك أن تجعلَ رويداً مصدراً مضافاً إلى الكاف ناصباً "سَوْقَكَ"، وفتحةُ داله على هذا إعرابيةٌ (¬5)، واختار أبو البقاء الوجهَ الأول (¬6). (سَوْقَكَ بالقواريرِ): ويروى: "سَوْقاً بِالقَواريرِ"؛ يعني: بالنساء، شَبَّههن بالقوارير من الزجاج؛ لضعفِ بنيتهن؛ أي: لا تُحَسِّنْ صوتَك، فربما يقعُ في قلوبهن، فكَفَّهُ عن ذلك. وقيل: أراد: أن الإبلَ إذا سمعت (¬7) الحُداءَ، أسرعَتْ في المشي، ¬

_ (¬1) في "ج": "وهو". (¬2) في "ج": "كان هناك خادماً". (¬3) في "ع" و"ج": "أورد". (¬4) الواو ليست في "ج". (¬5) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 205). (¬6) انظر: "التنقيح" (3/ 1167). (¬7) في "ج": "أسمعت".

باب: ما يكره أن يكون الغالب على الإنسان الشعر حتى يصده عن ذكر الله والعلم والقرآن

واشتَدَّتْ، فأزعجتِ الراكبَ، وأتعبتْه، فنهى عن ذلك؛ لأن النساء يضعُفْنَ عن شدة الحركة (¬1). قلت: حملُ الحديثِ على هذا أقربُ إلى ظاهر لفظِه من الحمل على الأول. * * * باب: ما يُكْرَه أنْ يَكُونَ الغالِبُ على الإِنْسانِ الشَّعْرَ حتى يَصُدَّهُ عَنْ ذِكرِ اللهِ والعلمِ والقرآنِ 2739 - (6155) - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:"لأَنْ يَمتَلِئَ جَوْفُ رَجُلٍ قَيْحاً يَرِيهِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يمتَلِئَ شِعْراً". (لأَنْ يمتلئ جوفُ رجلٍ قَيحاً يَرِيهِ، خيرٌ له من أن يمتلئَ شِعْراً): القَيْحُ - بفتح القاف -: المِدَّةُ لا يخالِطُها دَمٌ (¬2). ومعنى يَرِيه: يأكله، كذا في "الصحاح" (¬3). وقيل: معناه: يصيب رئته، ورُدَّ بأن الرئية مهموزُ العين، فينبغي أن (¬4) يكون مضارعُ رَآهُ بمعنى: أصاب رئته: يَرى (¬5) على زِنة يفعَل - بفتح ¬

_ (¬1) المرجع السابق، والموضع نفسه. (¬2) انظر: "التوضيح" (28/ 562). (¬3) انظر: "الصحاح"، (6/ 2522)، (مادة: ورى). (¬4) "أن" ليست في "ع" و"ج". (¬5) في "ج": "يريه".

العين -؛ كمضارع رأى البصرية والعِلْمية. ولصاحب هذا القول أن يمنع اطرادَ مجيء فعلِ الحلقيِّ العينِ المفتوحِها على يفعَل - بفتح العين -؛ بدليل: دَخَل يدخُل، ونحت ينحِتُ، فلم لا يكون رأى الذي (¬1) بمعنى إصابةِ الرئة قد جاء مضارعُه على زنة يَفْعِل - بكسر العين -، فتقول: رآه يَرِيه: إذا أصابَ رئته، والأصلُ: يَرْئيه، فنُقلت حركةُ الهمزة إلى الراء؛ كما فُعل بيَرْئي من الرؤية، وحينئذ فلا ينهض كونُ الريئة - مهموز العين - مانعاً من أن يكون يَريه مضارعاً لرآه: إذا أصاب رئته، ومما يؤنسك بذلك أنهم قالوا في باب المبالغة: إنه يُبنى على فَعَلْتُه أَفْعُلُه - بالضم -، إلا (¬2) باب وَعَدتُ، وبِعْتُ، ورَمَيْتُ؛ فإنه أَفْعِلُه - بالكسر -، فحكموا على الناقص اليائي بمجيء مضارعه في هذا الباب على يَفْعِلُ، بكسر العين. وصرحوا بأنه لا فرق فيه بين كونِ العينِ حرفَ حلقٍ، أو غيرَه، فدخل فيه رأى وأمثالُه، فنقول على هذا: راءيتهِ فرأيتُه أَرِيه؛ أي: فغلَبْتُه (¬3) في الرؤية أغلِبُه، فإذا ثبت لنا مجيء مضارع رأى في هذا الباب على يفعِل (¬4) - بالكسر -، لم يُستبعد مجيئه كذلك فيما نحن فيه، اللهم إلا أن يثبت بالنقل من جهة إمامٍ معتبرٍ (¬5) من أئمة اللغة: أن رأى بمعنى: أصاب الرئة، إنما يقال في مضارعه: يَرَى - بفتح العين -، فسمعاً وطاعة. ¬

_ (¬1) "رأى الذي" ليست في "ج". (¬2) في "ع" و"ج": "لا". (¬3) في "ع" و"ج": "فعلته". (¬4) في "ع" و"ج": "على ما يفعل". (¬5) في "ع": "معتبراً".

باب: ما جاء في قول الرجل: "ويلك"

وقال أبو الفرج في حديث سعدٍ: "حَتَّى يَرِيه": وهنا بإسقاط "حتى"، فترى جماعة من المبتدئين ينصبون "يريه" هنا جرياً على العادة في قراءة الحديث الذي فيه "حتى"، وليس هو هنا (¬1) منصوباً؛ لعدم ما ينصبه. قال الزركشي: رواه الأصيلي بالنصب، على إبدال الفعل من الفعل، وإجراء إعراب "يمتلئ" على "يريه"، وهو من الوَرْي على زنة الرَّمْيِ (¬2): داءٌ يدخل الجوف، وحمل بعضُهم الشعرَ هنا على ما هُجِيَ به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وردَّه الداودي وغيره بأن شطرَ بيتٍ من ذلك كفرٌ، فلا يبقى لذكر الامتلاء معنى (¬3). * * * باب: ما جَاءَ في قَوْلِ الرَّجُلِ: "وَيْلَك" 2740 - (6164) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أبو الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، أَنَّ رَجُلاً أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ! هلَكْتُ، قَالَ: "وَيْحَكَ! "، قالَ: وَقَعْتُ عَلَى أَهْلِي فِي رَمَضَانَ، قَالَ: "أَعْتِقْ رَقَبَةً"، قالَ: مَا أَجِدُهَا، قَالَ: "فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْن"، قالَ: لاَ أَسْتَطِيعُ، قَالَ: "فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِيناً"، قالَ مَا أَجِدُ، فَأُتِيَ بِعَرَقٍ، فَقَالَ: "خُذْهُ فَتَصَدَّقْ بِهِ"، فَقَالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ! أَعَلَى غَيْرِ أَهْلِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! مَا بَيْنَ طُنُبَيِ الْمَدِينَةِ أَحْوَجُ مِنِّي، فَضَحِكَ ¬

_ (¬1) في "ج": "ها هنا". (¬2) في "ج": "رمى". (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1169).

النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، قَالَ: "خُذْهُ". (ما بين طُنُبي المدينة): بطاء مهملة ونون مضمومتين وباء موحدة، تثنية طُنْب؛ واحدُ أطنابِ الخيمة، فاستعاره للطرف وللناحية؛ أي: ما بين طرفي المدينة أحوجُ مني. * * * 2741 - (6167) - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا همَّامٌ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ! مَتَى السَّاعَةُ قَائِمَةٌ؟ قَالَ: "وَيْلَكَ! وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ "، قالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا إِلاَّ أَنَّي أُحِبُّ الله وَرَسُولَهُ، قَالَ: "إِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ"، فَقُلْنَا: وَنَحْنُ كَذَلِكَ؟ قَالَ: "نَعَمْ". فَفَرِحْنَا يَوْمَئِذٍ فَرَحاً شَدِيداً، فَمَرَّ غُلاَمٌ لِلْمُغِيرَةِ، وَكَانَ مِنْ أَقْرانِي، فَقَالَ: "إِنْ أُخِّرَ هذَا، فَلَنْ يُدرِكَهُ الْهَرَمُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ". (متى الساعة قائمةٌ؟): برفع "قائمة" على أنه خبر الساعة، فمتى ظرفٌ مُلْغًى متعلقٌ به، وبنصبه على الحال من الضمير المستكن في "متى"؛ إذ هو على هذا التقدير خبرٌ عن (¬1) الساعة، فهو ظرف مستقر. وسؤال الرجل يحتمل أن يكون على وجه التعنُّتِ، وأن يكون على وجه الشفقة والخوف من القيامة، فامتحنه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "ما (¬2) أَعْدَدْتَ لَها؟ "، فظهر من جوابه إيمانُه، فألحقه بالمؤمنين (¬3). ¬

_ (¬1) في "ج": "من". (¬2) في "ج": "بقوله وجه النفقة ما". (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1169).

باب: قول الرجل للرجل: اخسأ

(إن أُخِّرَ هذا، فلن (¬1) يدركَهُ الهرمُ حتى تقومَ الساعة): قال الداودي: ليس هذا بمحفوظ، وإنما المحفوظ أنه قال للذين خاطبهم: "حَتَّى تَأْتِيَكُمْ سَاعَتُكُمْ (¬2) "؛ أي: موتكم، وكانوا أعراباً، فلو قال لهم: ما أدري متى الساعة، خشي أن يرتابوا، فكلمهم بالمعاريض التي فيها مَنْدوحَةٌ عن الكذب (¬3). قلت: وقوله: "حتى تقوم الساعة" لا يأبى أن يكون من المعاريض بالطريق التي سلكها (¬4) هو؛ أي: حتى يقوم عليكم الموت؛ يعني: موتَهم، فلا معنى لإنكار لفظٍ ثابتٍ بطريقٍ صحيح بمجرد هذا الذي قاله. * * * باب: قَوْلِ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ: اِخْسَأ 2742 - (6173) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ انْطَلَقَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي رَهْطٍ مِنْ أَصحَابِهِ قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ، حَتَّى وَجَدَهُ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فِي أُطُمِ بني مَغَالَةَ، وَقَد قَارَبَ ابْنُ صَيَّادٍ يَوْمَئِذٍ الْحُلُمَ، فَلم يَشْعُرْ حَتَّى ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ظَهْرَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: "أتَشْهَدُ أَنَّي رَسُولُ اللَّهِ؟ ". فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الأُمِّيِّينَ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "فلم". (¬2) في "ع" و"ج": "الساعة" (¬3) انظر: "التوضيح" (28/ 581). (¬4) في "ع" و"ج": "سلكوها".

باب: لا يقل: خبثت نفسي

صَيَّاد: أَتَشْهَدُ أَنَّي رَسُولُ اللَّهِ؟ فَرَضَّهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَالَ: "آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ". ثُمَّ قَالَ لاِبْنِ صَيَّادٍ: "مَاذَا تَرَى؟ "، قالَ: يَأْتِيني صَادِقٌ وَكَاذِبٌ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "خُلِّطَ عَلَيْكَ الأَمْرُ". قالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّي خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئاً". قالَ: هُوَ الدُّخُّ، قَالَ: "اخْسَأْ، فَلَنْ تَعدُوَ قَدْرَكَ". قالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَتَأْذَنُ لِي فِيهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنْ يَكُنْ هُوَ، لاَ تُسَلَّطُ عَلَيْهِ، وَاِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ، فَلاَ خَيْرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ". (فَرَضَّه): بضاد معجمة. وقال (¬1) الخطابي: إنما هو بصاد مهملة؛ أي: ضَمَّ بعضَهُ (¬2) إلى بعض (¬3). ووقع في مسلم: "فرضه" (¬4). وقال المازري: أقربُ منه: أن (¬5) [يكون] فَرَسَّهُ، بالسين (¬6). * * * باب: لا يَقُلْ: خَبُثَتْ نَفْسِي 2743 - (6179) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ، ¬

_ (¬1) في "ج": "قال". (¬2) في "م": "بعضهم". (¬3) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 2208). (¬4) رواه مسلم (2930). (¬5) في "ج": "أي". (¬6) انظر: "المعلم" للمازري (3/ 372)، و"التنقيح" (3/ 1169)، ووقع فيهما: "فرفضه" بدل "فرضه"، و"فرفسه" بدل "فرسَّه". وهو الصواب.

عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْها -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ خَبُثَتْ نَفْسِي، وَلَكِنْ لِيَقُلْ: لَقِسَتْ نَفْسِي". (لا يقولن أحدكم: خَبُثت نفسي): بفتح الخاء المعجمة (¬1) وضم الباء الموحدة. ووقع في بعض الأصول بفتح الباء. (ولكِن ليقلْ: لَقِسَتْ نفسي): بكسر القاف. كره النبي - عليه الصلاة والسلام - اللفظ الأول؛ لما فيه من بشاعة لفظ الخبث وقبحِه، فعدل إلى اللفظ السالم من (¬2) هذه البشاعة، وهو لَقِسَتْ؛ إذ معناه: غثت. وقال أبو عبيد: خَبُثَتْ ولَقِسَتْ واحدٌ، لكنه استقبحَ لفظَ خبثت؛ فإنه كان يعجبه (¬3) الاسم الحسن، ويتفاءل به، ويكره الاسم القبيح، ويغيره (¬4). قلت: إن صحَّ هذا، قدح في قولهم: إنه يجوز في كل لفظين مترادفين أن يوضع أحدُهما مكان الآخر. قيل: وهذا النهي إنما هو محمولٌ على الأدب، لا على الإيجاب، فقد قال - عليه السلام - في الذي يعقد الشيطان على قافيةِ رأسه: "أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلانَ" (¬5). ¬

_ (¬1) "المعجمة" ليست في "ع". (¬2) في "م": "عن". (¬3) في "ع" و"ج": "خبثت فكأنه قال يعجبه". (¬4) انظر: "غريب الحديث" (3/ 334). (¬5) رواه البخاري (3269)، ومسلم (776) عن أبي هريرة رضي الله عنه، وانظر: "التوضيح" (28/ 596).

باب: لا تسبوا الدهر

باب: لا تَسُبُّوا الدَّهْرَ 2744 - (6182) - حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَليدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "لاَ تُسَمُّوا الْعِنَبَ الْكَرْمَ، وَلاَ تَقُولُوا: خَيْبَةَ الدَّهْرِ؛ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ". (عَيَّاش بن الوليد): بمثناة تحتية وشين معجمة. (لا تُسَمُّوا العنبَ الكرم (¬1)): وذلك لأنه يُتخذ منه الخمرُ، فكره تسميتُها تسمية أصلها بما هو مأخوذ من الكرم؛ لأن تسميته بذلك منافٍ لما هو الغرض من تأكيد تحريمها، ومحو ما يبعث (¬2) على قُربها بوجهٍ ما. * * * باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّمَا الكَرْمُ قَلْبُ المُؤْمِنِ" 2745 - (6183) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيَّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَيَقُولُونَ: الْكَرْمُ، إِنَّمَا الْكَرْمُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ". (إنما الكرمُ قلبُ المؤمن): لما فيه من نور الإيمان والتقوى، قال الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]. * * * ¬

_ (¬1) في "م": "بالكرم". (¬2) في "ع": "ينبعث".

باب: قول الرجل: فداك أبي وأمي

باب: قَوْلِ الرَّجُلِ: فَدَاكَ أَبِي وأُمِّي 2746 - (6184) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ عَلِيًّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُفَدَّي أَحَداً غَيْرَ سَعدٍ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "ارْمِ، فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي". أَظُنُّهُ يَوْمَ أُحُدٍ. (عن عليًّ قال: ما سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَفْدي أحداً غيرَ سعد): يَفْدي: بفتح المثناة التحتية وإسكان الفاء. ويروى بضم الياء وفتح الفاء وتشديد الدال. وقد صح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فدى الزبيرَ؛ لكنه (¬1) لا يرد على عليًّ (¬2) - رضي الله عنه -؛ لأنه إنما نفى سماعَه لنفي تفديةِ غيرِ سعد، ولم ينفِها جزماً، بل (¬3) ولو نفاها؛ لحُمِل على عدم السماع (¬4). * * * باب: تَحْويلِ الاسْم إِلى اسمٍ أَحسَنَ مِنْهُ 2747 - (6191) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أبَو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ، قَالَ: أُتِيَ بِالْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ وُلِدَ، فَوَضَعَهُ عَلَى فَخِذِهِ، وَأَبُو أُسَيْدٍ جَالِسٌ، فَلَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِشَيْءٍ ¬

_ (¬1) في "ج": "لكنها". (¬2) في "ع" و"ج": "لا يدل علي". (¬3) "بل" ليست في "ع". (¬4) انظر: "التنقيح" (3/ 1170)، و"التوضيح" (28/ 605).

باب: أبغض الأسماء إلى الله

بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَمَرَ أبو أُسَيْدٍ بِابْنِهِ، فَاحْتُمِلَ مِنْ فَخِذِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَاسْتَفَاقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "أَيْنَ الصَّبِيُّ؟ ". فَقَالَ أبَو أُسَيْدٍ: قَلَبْنَاهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "مَا اسْمُه؟ "، قالَ: فُلاَنٌ، قَالَ: "وَلَكِنْ أَسْمِهِ الْمُنْذِرَ". فَسَمَّاهُ يَوْمَئِذٍ الْمُنْذِرَ. (فلهَا النبي - صلى الله عليه وسلم - بشيء بين يديه): - بفتح الهاء -؛ أي: غفل به عن الصبي، فنسيه، وفي لغة طَيًّ بكسر الهاء. (فاستفاقَ): هو استفعل من أَفاق: إذا رجع إلى ما كان قد شُغل عنه، وعاد إلى نفسه. * * * باب: أَبْغَضِ الأَسْمَاءِ إِلَى اللهِ 2748 - (6205) - حَدَّثَنَا أبَو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَخْنَى الأَسْمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاَكِ". (أخنى الأسماء): أي: أَقبحُها وأفحشُها؛ من الخَنَا، وهو (¬1) الفُحش. ويروى: "أَخْنَعُ"؛ أي: أذلُّ وأَوْضَعُ (¬2). (رجل تسمى ملكَ الأملاك): وذلك لأن هذا من صفات الحق جل ¬

_ (¬1) في "ع": "وهي". (¬2) انظر: "التوضيح" (28/ 628).

باب: المعاريض مندوحة عن الكذب

جلاله، وهي لا تليق بمخلوق، والعبادُ إنما يوصَفون بالذل والخضوع والعبودية (¬1). فإن قلت: كيف جازَ جعلُ رجل خبراً عن أخنى الأسماء؟ قلت: هو على حذف مضاف؛ أي: اسمُ رجل تَسمَّى ملكَ الأملاك. * * * باب: المَعَارِيضُ مَنْدُوحَةٌ عَنِ الكَذِبِ 2749 - (6212) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَزَعٌ، فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرَساً لأَبِي طَلْحَةَ، فَقَالَ: "مَا رَأَيْنَا مِنْ شَيْءٍ، وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْراً". (ما رأينا من شيء): أي: من شيء يقضي فزعاً، وإلا فقد رأى أشياء عند كشفه الخبر. * * * باب: قَوْلِ الرَّجُلِ للشَّيءِ: لَيْسَ بِشَيء، وهو يَنوْي أنه لَيْسَ بِحَقٍّ 2750 - (6213) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَم، أَخْبَرَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ يَقُولُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: سَأَلَ أُناَسٌ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْكُهَّانِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسُوا بِشَيْءٍ". قالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَإِنهم يُحَدِّثُونَ أَحْيَاناً ¬

_ (¬1) المرجع السابق، (28/ 629).

باب: التكبير والتسبيح عند التعجب

بِالشَيءِ يَكُونُ حَقّاً؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ، يَخْطَفها الْجِنَّيُّ، فَيَقُرُّهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ قَرَّ الدَّجَاجَةِ، فَيَخْلِطُونَ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ مِئَةِ كَذْبَةٍ". (فيقُرُّها): - بضم القاف -؛ أي: يُرَدَّدُها (¬1). (قَرَّ الدجاجة): بفتح القاف من "قر"، والدال من "الدجاجة". ويقال أيضاً بالضم والكسر. ويروى: "الزجاجة"، بالزاي. وقال الدارقطني: هو تصحيفٌ، وصَوَّبها غيرُه بدليل "قَرَّ القارورةِ" رواها البخاري في: بدء الخلق؛ أي: يقرُّها بصوتٍ وحِسًّ كحسِّ الزجاجةِ إذا حَرَّكتها على الحجر (¬2) (¬3). * * * باب: التَّكْبِيرِ والتَّسْبِيحِ عِنْدَ التَّعَجُّبِ 2751 - (6219) - حَدَّثَنَا أبَو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبي عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ شِهابِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ زَوْجَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرَتْهُ: أَنَّهَا جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَزُورُهُ، وَهْوَ مُعتكِفٌ فِي الْمَسْجِدِ، فِي الْعَشْرِ الْغَوَابِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فتحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً مِنَ الْعِشَاءِ، ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ، فَقَامَ مَعَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْلِبُهَا، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجِدِ، الَّذِي عِنْدَ مَسْكَنِ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، مَرَّ بِهِمَا رَجُلاَنِ مِنَ ¬

_ (¬1) في "ج": "فيرددها". (¬2) في "ج": "عن الحجرة". (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1172).

باب: الحمد للعاطس

الأَنْصَارِ، فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ نَفَذَا، فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "عَلَى رِسْلِكُمَا، إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيًّ". قالاَ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا، قَالَ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَبْلَغَ الدَّمِ، وَإِنَّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا". (في العشر الغوابر): أي: البواقي، جمعُ غابِرَة. * * * باب: الحَمْدِ لِلْعَاطِسِ 2752 - (6221) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كثِيرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ أَنسَ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: عَطَسَ رَجُلاَنِ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا، وَلم يُشَمِّتِ الآخَرَ، فَقِيلَ لَهُ، فَقَالَ: "هذَا حَمِدَ اللَّه، وَهذَا لَمْ يَحمَدِ اللهَ". (فشَمَّتَ أحدَهما): بالشين المعجمة. وللحَمُّوي بالمهملة في كل موضع (¬1). وذكرتُ هنا أن شخصاً من طَلَبة المغرب عرضَ عليَّ مقاماتِ الحريري حفظاً من صدره، بعضُها مقطعاً، وبعضها غيرَ مقطع، فلما وصل في بعضها إلى قوله: فلما عطسَ أنفُ الصباح، وقع بخاطري معنى (¬2)، فقلتُ في الحال: قُلْتُ لَهُ وَالدُّجَى مُوَلًّ ... وَنَحْنُ في الأُنْسِ بِالتَّلاَقِي ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1173). (¬2) في "ج": "بعين".

باب: تشميت العاطس إذا حمد الله

قَدْ عَطَسَ الصُّبْحُ يَا حَبِيبِي ... فَلاَ تُشَمِّتْهُ بِالفِرَاقِ * * * باب: تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ إِذَا حَمِدَ اللهَ (باب: تشميتِ العاطس إذا حَمِدَ الله): لم يَسُق في هذا الباب غيرَ حديث البراء. 2753 - (6222) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ سُويدِ بْنِ مُقَرِّنٍ، عَنِ الْبَرَاءِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: أَمَرَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ: أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيض، وَاتِّبَاعِ الْجنَازَةِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَرَدَّ السَّلاَمِ، وَنصرِ الْمَظْلُومِ، وَإِبْرَارِ الْمُقْسِم، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ: عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ، أَوْ قَالَ: حَلْقَةِ الذَّهَبِ، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ، وَالدِّيبَاجِ، وَالسُّنْدُسِ، وَالْمَيَاثِرِ. (أَمَرَنا بعيادةِ المريض، واتِّباعِ الجنازة، وتشميتِ العاطِس): [وليس في هذا تقييدُ التشميت بحمد العاطس] (¬1)، بل ظاهرُه العموم. فقيل في الجواب: إنه اكتفى بحديثِ أنس المتقدمِ: فشمَّت (¬2) أحدَهما، ولم يُشَمِّتِ الآخَرَ، فقيلَ له، فقالَ: "هذا حَمِدَ (¬3) الله، وهذَا لم يَحْمَدْهُ". ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس "ع" و"ج". (¬2) في "ع": "فتسمية". (¬3) في "م": "أحمد".

باب: ما يستحب من العطاس، وما يكره من التثاؤب

وقيل: هذا من الأبواب التي عاجلَتْه المنيةُ عن تهذيبها (¬1). * * * باب: مَا يُسْتَحَبُّ من العُطَاسِ، وما يُكْرَهُ مِنَ التَّثَاؤُبِ 2754 - (6223) - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبي ذِئْبٍ، حَدَّثَنَا سَعِيد الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أِبي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الله يُحِبّ الْعُطَاسَ، وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِم سَمِعَهُ أَنْ يُشَمَّتَهُ، وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ: فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِذَا قَالَ: هَا، ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ". (إن الله يحب العُطاس، ويكره التثاؤب): المحبةُ والكراهةُ منصرفان إلى ما ينشأ عن سَبَبَي العُطاس والتثاؤب، وذلك أن العطاس يكون من خِفَّة البدن، وانفتاحِ السُّدود، وذلك مما يقتضي النشاطَ لفعل الخير، والتثاؤب يغلب عند الامتلاء، والإكثار من المأكل، والتخليطِ فيه، فيؤدي إلى الكسلِ، والتقاعدِ عن العبادة والأفعال المحمودة (¬2). (فحقٌّ على كل مسلم سمعَه أن يشمته): احتج به من ذهبَ إلى أن التشميت واجبٌ عيناً على كلَّ مَنْ سمعَ حمدَ العاطس. قال الداودي: وهي روايةٌ عن مالك، وقال به أهلُ الظاهر، وروي عن مالك أيضاً: أنه فرضُ كفاية. وفي "المعونة": ينبغي لمن سمعه أن يشمته، وهذا يدل على أنه ليس ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (28/ 655). (¬2) المرجع السابق، (28/ 659).

بواجب، فيحمل قوله: "حَقٌّ على كُلِّ (¬1) مسلمٍ" أن ذلك من حسنِ الأدب ومكارمِ الأخلاق (¬2). * * * ¬

_ (¬1) "كل" ليست في "ع". (¬2) المرجع السابق، (28/ 660).

كتاب الاستئذان

كتاب الاستئذان

باب: بدء السلام

كتاب الاستئذان باب: بَدْءِ السَّلامِ 2755 - (6227) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ همَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعاً، فَلَمَّا خَلَقَهُ، قَالَ: اذْهَبْ فَسَلِّم عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ، جُلُوسٌ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ؛ فَإِنَّها تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُم، فَقَالُوا: السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحمَةُ اللَّهِ، فَزَادُوهُ: وَرَحمَةُ اللَّهِ، فَكُلُّ مَنْ يَدخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ، فَلَم يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعدُ حَتَّى الآنَ". (كتاب: الاستئذان). (خلق الله آدمَ على صورته، طولُه ستون ذراعاً): الضمير من قوله: "صورته" عائد على آدمَ؛ أي: خلقَه تامّاً مستوِياً، طولُه ستون ذراعاً، لم يتغير عن حاله، ولا كانَ صغيراً فكبر، فلم يتنقل (¬1) من الأطوار كذُرَّيَّتِهِ (¬2). ¬

_ (¬1) في"ع" و"ج": "فلم ينتقل". (¬2) في "ج": "كما ذريته".

باب: زنا الجوارح دون الفرج

باب: زِنا الجَوَارِح دُونَ الفَرْجِ 2756 - (6243) - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيه، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَ: لَمْ أَرَ شَيْئاً أَشْبَة بِاللَّمَمِ مِنْ قَوْلِ أَبي هُرَيْرَةَ. حَدَّثَنِي مَحمُودٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيه، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ شَيْئاً أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللَّه كتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الرَّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِناَ اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ". (ما رأيت شيئاً أشبهَ باللَّمَم من قول (¬1) أبي هريرة): يريد: قوله تعالى: {إِلَّا اللَّمَمَ} [النجم: 32]، وهو ما يلم به الإنسان من شهوات النفس. (والفرجُ يصدِّقُ ذلك، أو يكذبه): احتج به أشهبُ على أنه إذا قال لرجل: زنتْ يدك، أو رجلُك: أنه لا حَدَّ عليه. وقال ابن القاسم: يُحَدُّ. وقال الشافعي - رضي الله عنه -: إذا قال: زَنَتْ يدُك، يُحَدُّ. قال (¬2) الخطابي: لأن الأفعال من فاعلها تُضاف إلى اليد؛ كقوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: 30]، ¬

_ (¬1) كذا في رواية أبي ذر الهروي عن الكشميهني، وفي اليونينية: "مما قال أبو هريرة"، وهي المعتمدة في النص. (¬2) في "ع" و"ج": "وقال".

باب: التسليم والاستئذان ثلاثا

ولم يُختلف أنه إذا (¬1) قال له: زنى فرجك: أنه يُحَدُّ (¬2). * * * باب: التَّسْلِيم والاسْتِئْذانِ ثَلاثاً 2757 - (6245) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: كُنْتُ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الأَنْصَارِ، إِذْ جَاءَ أَبُو مُوسَى كَأَنَّهُ مَذْعُورٌ، فَقَالَ: اسْتَأْذَنْتُ عَلَى عُمَرَ ثَلاَثاً، فَلَم يُؤْذَنْ لِي، فَرَجَعتُ، فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ؟ قُلْتُ: اسْتَأذَنْتُ ثَلاَثاً، فَلَم يُؤْذَنْ لِي، فَرَجعتُ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا اسْتَأذَنَ أَحَدكم ثَلاَثاً، فَلم يُؤْذَنْ لَهُ، فَلْيَرْجِعْ". فَقَالَ: وَاللَّهِ! لَتُقِيمَنَّ عَلَيْهِ ببَيِّنَةٍ، أَمِنْكُمْ أَحَدٌ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كعبٍ: وَاللَّهِ! لاَ يَقُومُ مَعَكَ إِلاَّ أَصْغَرُ الْقَوْمِ، فَكُنْتُ أصغَرَ الْقَوْمِ، فَقُمْتُ مَعَهُ، فَأَخْبَرْتُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ ذَلِكَ. (فقال: واللهِ لتقيمَنَّ عليه بَيِّنَةً (¬3)): فيه دليل على أن العلم الخاص قد يخفى على الأكابر، فيعلمُه مَنْ دونهم، ألا ترى أن عمر - رضي الله عنه - خَفِيَ عليه علمُ الاستئذان ثلاثاً، وعَلِمَه أبو موسى، وأبو سعيد الخدري، وغيرهما؟ قال ابن دقيق العيد: وذلك يَصِدُ في وجه من يغلو (¬4) من المقلدين إذا ¬

_ (¬1) "إذا" ليست في "ع". (¬2) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 2231). وانظر: "التوضيح" (29/ 56). (¬3) كذا في رواية أبي ذر الهروي، وفي اليونينية: "ببينة"، وهي المعتمدة في النص. (¬4) في "ع" و"ج": "من يطلق".

باب: إذا دعي الرجل فجاء، هل يستأذن؟

استُدِلَّ عليه بحديث، فيقول: لو كان صحيحاً، لعلمه فلانٌ (¬1) مثلاً، فإن ذلك إذا خفيَ عن أكابر (¬2) الصحابة، وجازَ عليهم، فهو على غيرهم أَجْوَزُ. وقولُ عمر - رضي الله عنه -: "لتقيمنَّ عليه بينةً" يتعلق به من يَرَى (¬3) اعتبارَ العددِ في الرواية، وليس هو بمذهبٍ (¬4) صحيح؛ فإنه قد ثبتَ قَبولُ خبرِ الواحد، وذلك قاطعٌ بعدمِ اعتبارِ العدد، وأما طلبُ العددِ في جزء، فلا يدل على اعتباره كليّاً؛ لجواز أن يُحال ذلك على مانعٍ خاصٍّ بتلك الصورة، أو قيامِ سبب يقتضي التثبيتَ، وزيادةَ الاستظهار، لا سيما إذا قامت قرينةٌ مثلُ عدمِ علمِ عمرَ - رضي الله عنه - بهذا الحكم (¬5). * * * باب: إذا دُعِيَ الرَّجُلُ فَجَاءَ، هلْ يَسْتَأْذِنُ؟ 2758 - (6246) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرًّ، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرًّ، أَخْبَرَنَا مُجَاهِدٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَوَجَدَ لَبَناً فِي قَدَحٍ، فَقَالَ: "أَبَا هِرًّ! الْحَقْ أَهْلَ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ إِلَيَّ". قالَ: فَأَتَيْتُهُمْ، فَدَعَوْتُهُمْ، فأَقْبَلُوا، فَاسْتَأذَنُوا، فَأُذِنَ لَهُمْ، فَدَخَلُوا. (الحَقْ أهلَ الصُّفَّة): بهمزة وصل وفتح الحاء. ¬

_ (¬1) في "م": "فلاناً". (¬2) في "ج": "الأكابر". (¬3) في "ج": "يراه". (¬4) في "ع": "هو مذهب". (¬5) انظر: "شرح عمدة الأحكام" (4/ 98).

باب: إذا قال: من ذا؟ فقال: أنا

باب: إذا قَالَ: مَنْ ذَا؟ فَقَالَ: أَنَا 2759 - (6250) - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِراً - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يَقُولُ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي دَيْنٍ كَانَ عَلَى أَبِي، فَدَقَقْتُ الْبَابَ، فَقَالَ: "مَنْ ذَا؟ "، فَقُلْتُ: أَنَا، فَقَالَ: "أَنَا، أَنَا! "؛ كَأَنَّهُ كَرِهَهَا. (فدققتُ الباب): من الدَّقَّ. ويروى: "فدفعتُ الباب"؛ من الدَّفْع. (فقال: أنا، أنا؛ كأنه كرهها): قال الداودي: لأنه أجابه (¬1) بغير ما يُفيده عِلْمَ ما سألَ عنه؛ فإنه - عليه السلام - أراد أن يعرف مَنْ هو ضاربُ الباب بعدَ أن عرف أن ثَمَّ ضارباً، فأخبره أنه ضاربٌ، فلم يَستفدْ منه المقصودَ. قال: وكان هذا قبل نزول آية الاستئذان. وقيل: إنما كرهه؛ لأنه استأذن بغير لفظ السلام، [وكان من حقه أن يقول: السلام عليكم] (¬2). * * * باب: منَ رَدَّ فَقَالَ: عَلَيكَ السَّلامُ 2760 - (6251) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيد الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَجُلاً دَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ فِي ¬

_ (¬1) في "ج": "أفاده". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج"، وانظر: "التوضيح" (29/ 72).

نَاحِيةِ الْمَسْجِدِ، فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ، ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ". فَرَجَعَ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ، فَقَالَ: "وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ، فَارجِع فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلَّ". فَقَالَ فِي الثَّانِيَةِ، أَوْ فِي الَّتِي بَعْدَهَا: عَلَّمْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: "إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَلاَةِ، فَأَسْبغِ الْوُضُوءَ، ثُمَ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ بِمَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعاً، ثُمَّ ارفَع حَتَّى تَسْتَوِيَ قَائِماً، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِداً، ثُمَّ ارفع حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِساً، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِداً، ثُمَّ ارفَع حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِساً، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صلاَتِكَ كُلَّهَا". وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ فِي الأَخِيرِ: "حَتَّى تَسْتَوِيَ قَائِماً". (ارجعْ فصلِّ فإنك لم تُصَلِّ): استدلَّ به كثيرون على وجوب الطُّمأنينة؛ لأنه لمَّا علَّمه صفةَ الصلاة، صَرَّحَ له بالطمأنينة، فدلَّ على اعتبارها، وأَمَرَهُ بها، فدلَّ على وجوبها. قال ابن دقيق العيد: وأغربَ بعضُ المتأخرين (¬1) جِدّاً، فقال ما تقريره: بل الحديثُ دالٌّ على عدمِ وجوب الطمأنينة؛ من حيث إن الأعرابي صلَّى غيرَ مطمئن ثلاثَ مرات، والعبادةُ بدون شرطها فاسدةٌ حرامٌ، فلو كانت الطمأنينةُ واجبةً؛ لكان فعلُ الأعرابي فاسداً، ولو (¬2) كان ذلك، لم يُقِرَّهُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في حال فعله، وإذا تقرر بهذا التقرير عدمُ الوجوب، حُمل الأمرُ في الطمأنينة على الندب، ويُحمل قولُه - عليه الصلاة والسلام -: "فإنك لم تصلِّ" على نفي الصلاةِ الكاملة. ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "بعض الناس". (¬2) في "ج": "أو لو".

باب: المصافحة

قال ابن دقيق العيد: ويمكن أن يقال: إن فعل الأعرابي بمجرده لا يوصف بالحرمة عليه؛ لأن شرطَه علمُه بالحكم، فلا يكون التقرير عليه تقريراً على محرَّم، إلا أنه لا يكفي ذلك في الجواب، فإنه فعل فاسد، والدليلُ يدل على عدم فساده، وإلا، لما كان التقرير في موضع ما يدل على الصحة. وقد يقال: إن التقرير ليس بدليل على الجواز مطلقاً، بل لا بدَّ من انتفاء الموانع، وزيادة قَبولِ المتعلِّم لما يُلقى إليه بعدَ تكرار فعلهِ، واستجماعِ نفسه، وتوجه سؤاله مصلحةٌ مانعةٌ من وجوب المبادرة إلى التعليم، لا سيما مع عدم (¬1) خوف الفوات، إما بناءً على ظاهر الحال، أو بوحي خاص (¬2). * * * باب: المُصَافَحَةِ 2761 - (6264) - حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَقِيلٍ زُهْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ، سَمِعَ جَدَّهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ هِشَامٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَهْوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. (أبو عَقيل): بفتح العين. (زُهرة): بضم الزاي. * * * ¬

_ (¬1) "عدم" ليست في"ع" و"ج". (¬2) انظر: "شرح عمدة الأحكام" (2/ 10).

باب: قول الرجل: كيف أصبحت؟

باب: قَوْلِ الرَّجُلِ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ 2762 - (6266) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَلِيّاً - يَعنِي: ابْنَ أَبِي طَالِبٍ - خَرَجَ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَحَدَّثَنَا أَحمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَني عَبْدُ اللهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَلِيَّ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - خَرَجَ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفَّيَ فِيهِ، فَقَالَ النَّاسُ: يَا أَبَا حَسَنٍ! كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: أَصْبَحَ بِحَمْدِ اللَّهِ بَارِئاً، فأَخَذَ بِيَدِهِ الْعَبَّاسُ، فَقَالَ: أَلاَ تَرَاهُ؟ أَنْتَ - وَاللهِ - بَعْدَ الثَّلاَثِ عَبْدُ الْعَصَا، وَاللَّهِ! إِنَّي لأُرَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَيُتَوَفَّى فِي وَجَعِهِ، وَإِنِّي لأَعْرِفُ فِي وُجُوهِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْمَوْتَ، فَاذْهَبْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَنَسْأَلَهُ: فِيمَنْ يَكُونُ الأَمْرُ؟ فَإِنْ كَانَ فِينَا، عَلِمْنَا ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِنَا، أَمَرْنَاهُ، فَأَوْصَى بِنَا، قَالَ عَلِيٌّ: وَاللَّهِ! لَئِنْ سَأَلْنَاهَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَيَمْنَعُنَا، لاَ يُعطِينَاهَا النَّاسُ أَبَداً، وَإِنَّي لاَ أَسْأَلُهَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبَداً. (أصبحَ بحمدِ الله بارئاً): بالهمز. قال ثابت: هذا على لغة أهل الحجاز يقولون: بَرَأْتُ من المرض، وتميمٌ يقولون: بَريِتُ - بالكسر -؛ يعني: من غير همز (¬1). ويروى: "بارياً" - بغير همز -، فيصح أن يكون على اللغتين جميعاً. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1176).

باب: من أجاب بلبيك وسعديك

باب: مَنْ أَجَابَ بلَبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ 2763 - (6268) - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا - وَاللَّهِ - أَبُو ذَرًّ بِالرَّبَذَةِ، قال: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَرَّةِ الْمَدِينَةِ عِشَاءً، اسْتَقْبَلَنَا أُحُدٌ، فَقَالَ: "يَا أَبَا ذَرًّ! مَا أُحِبُّ أَنَّ أُحُداً لِي ذَهَباً، يَأْتِي عَلَيَّ لَيْلَةٌ أَوْ ثَلاَثٌ، عِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ إِلاَّ أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ، إِلاَّ أَنْ أَقُولَ بِهِ فِي عِبَادِ اللَّهِ هكَذَا وَهكَذَا وَهكَذَا". وَأَرَانَا بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: "يَا أَبَا ذَرًّ! "، قلْتُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "الأَكْثَرُونَ هُمُ الأَقَلُّونَ، إِلاَّ مَنْ قَالَ هَكَذَا وَهَكَذَا". ثُمَّ قَالَ لِي: "مَكَانَكَ لاَ تَبْرَحْ يَا أَبَا ذَرًّ حَتَّى أَرْجِعَ". فَانْطَلَقَ حَتَّى غَابَ عَنِّي، فَسَمِعْتُ صَوْتاً، فَخَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عُرِضَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَرَدْتُ أَنْ أَذْهَبَ، ثُمَّ ذَكَرْتُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَبْرَحْ". فَمَكَثْتُ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! سَمِعْتُ صَوْتاً خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عُرِضَ لَكَ، ثُمَّ ذَكَرْتُ قَوْلَكَ، فَقُمْتُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ذَاكَ جِبْرِيلُ، أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئاً، دَخَلَ الْجَنَّةَ". قلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَإِنْ زَنَى وإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: "وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ". قُلْتُ لِزَيْدٍ: إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ: أَشْهَدُ لَحَدَّثَنِيهِ أَبُو ذَرًّ بِالرَّبَذَةِ. (استقبلَنا أحُد): بفتح اللام، على أنه مسندٌ إلى أحد، فهو مرفوع، وبإسكانها، على أنه مسند إلى ضمير المتكلِّمين، فأحد منصوب على المفعولية. * * *

باب: الاحتباء باليد، وهو القرفصاء

باب: الاِحْتِبَاء بِالْيَدِ، وَهُوَ الْقُرْفُصَاءُ (وهي (¬1) القِرفصاء): قال القاضي: ويقال بكسر القاف، وبالوجهين قيدناه (¬2) عن (¬3) ابن سراج، وهي جِلْسَة المحتبي بيدِه (¬4). * * * باب: من زَارَ قَوْمًا فَقَالَ عِنْدَهُمْ 2764 - (6281) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ كَانَتْ تَبْسُطُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نِطَعاً، فَيَقِيلُ عِنْدَهَا عَلَى ذَلِكَ النِّطَعِ، قَالَ: فَإِذَا نَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، أَخَذَتْ مِنْ عَرَقِهِ وَشَعَرِهِ، فَجَمَعَتْهُ فِي قَارُورَةٍ، ثُمَّ جَمَعَتْهُ فِي سُكًّ، قَالَ: فَلمَا حَضَرَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ الْوَفَاةُ، أَوْصَى أَنْ يُجْعَلَ فِي حَنُوطِهِ مِنْ ذَلِكَ السُّكِّ، قَالَ: فَجُعِلَ فِي حَنُوطِهِ. (ثم جعلته (¬5) في سُكًّ): - بضم السين المهملة -: نوعٌ من الطَّيب. * * * ¬

_ (¬1) كذا في رواية أبي الهروي عن الكشميهني، وفي اليونينية: "وهو"، وهي المعتمدة في النص. (¬2) "قيدناه" ليست في "ع". (¬3) في "م": "على". (¬4) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 181)، و"التوضيح" (29/ 125)، وعندهما: "بيديه". (¬5) نص البخاري: "جمعته".

باب: الاستلقاء

باب: الاسْتِلْقَاءِ 2765 - (6287) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبَّادُ بْنُ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَسْجدِ مُسْتَلْقِياً، وَاضِعاً إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى. (مستلقياً في المسجد (¬1) واضعاً إحدى رجليه على الأخرى): فيه ردٌّ على من كرهَ ذلك من العلماء. * * * باب: إِذا كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ثَلاثَةٍ فلا بَأْسَ بالمُسَارَّةَ والمنَاجَاةِ 2766 - (6290) - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا كُنْتُمْ ثَلاَثَةً، فَلاَ يَتَنَاجَى رَجُلاَنِ دُونَ الآخَرِ حَتَّى تَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ؛ أَجْلَ أَنْ يُحْزِنَهُ". (أجلَ أن يحزنه): أي: من أجل، فحذف [من]، وهو مما استعملته العرب: أَجْلَ أَنَّ الله قد فَضَّلَكُمْ ... فَوْقَ مَنْ أَحْكَأَ (¬2) صُلْباً بِإِزَارِ (¬3) ¬

_ (¬1) نص البخاري: "في المسجد مستلقياً". (¬2) "أحكأ" ليست في "ع" و"ج". (¬3) لعدي بن زيد. انظر: "جمهرة اللغة" لابن دريد (2/ 1051) و"لسان العرب" لابن منظور (1/ 58).

باب: لا تترك النار في البيت عند النوم

ومعنى أحكأ - بهمزة آخره -: شَدَّ. ويُحزنه - بضم أوله وفتحه -، يقال: أَحْزَنَ، وحَزَنَ، وقد قرئ بهما قوله تعالى: {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ} [الأنبياء: 103]. والعلة المذكورة ظاهرة، وذلك أن الواحد إذا بقي فرداً، وتناجى مَنْ عَداه دونَه، حَزِنَ لذلك، إما لِظَنِّه احتقارَهم إياه عن أن يُدخلوه في نجواهم، وإما لأنه قد يقعُ في نفسه أنَّ سِرَّهم في مَضَرَّته، وهذا المعنى مأمونٌ عند الاختلاط، وعدمِ إفرادِه من بين القوم بتركِ المناجاة. * * * باب: لا تُتْرَكُ النَّارُ في البَيْتِ عِنْدَ النَّوْمِ 2767 - (6295) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ كَثِيرٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "خَمَّرُوا الآنِيَةَ، وَأَجِيفُوا الأَبْوَابَ، وَأَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ؛ فَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ رُبَّمَا جَرَّتِ الْفَتِيلَةَ، فأَحْرَقَتْ أَهْلَ الْبَيْتِ". (وأَجيفوا الأبوابَ): أي: أَغلقوها. * * * باب: الخِتَانِ بعدَ الكِبَرِ ونَتْفِ الإبْطِ 2768 - (6298) - حَدَّثَنَا أبَو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ: حَدَّثَنَا أبَو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "اخْتَتَنَ إبْرَاهِيمُ بَغدَ ثَمَانِينَ سَنَةً، وَاخْتَتَنَ بِالْقَدُومِ" - مُخَفَّفَةً -.

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، وَقَالَ: بِالْقَدُّومِ. (اختتن بالقدوم): تقدم أنه بالتخفيف، والتشديد، وأن التخفيف هو الصحيح، وأن المرادَ به في الحديث: الآلةُ (¬1). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1179).

كتاب الدعوات

كتاب الدعوات

باب: ولكل نبي دعوة مستجابة

كتاب الدعوات باب: ولِكُلِّ نَبِيًّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ 2769 - (6304) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزَّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أِبي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لِكُلِّ نبَيًّ دَعْوَةٌ يَدْعُو بِهَا، وَأُرِيدُ أَنْ أَخْتَبِئَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأُمَّتِي فِي الآخِرَةِ". (كتاب: الدعوات). (وأريد أن أختبئ دعوتي شفاعةً لأمتي): قال ابن الجوزي: هذا من حُسن نظرِه - صلى الله عليه وسلم -؛ حيث اختار أن (¬1) تكون دعوتُه (¬2) فيما يبقى، ومن فضلِ كرمه أن جعلَها شفاعةَ لأمته، شفاعةَ للمذنِبين، فكأنه هيأ (¬3) النجائبَ ليلحقهم بالسابقين (¬4). * * * ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "وأن". (¬2) "دعوته" ليست في "ع" و"ج". (¬3) "هيأ" ليست في "ج". (¬4) انظر: "التوضيح" (29/ 177)، وعنده: "فيما ينبغي" بدل "فيما يبقى".

باب: أفضل الاستغفار

باب: أَفْضَلِ الاسْتِغْفارِ 2770 - (6306) - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ كَعْبٍ الْعَدَوِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي شَدَادُ بْنُ أَوْسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "سَيِّدُ الاِسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَ أَنْتَ رَبَّي، لاَ إِلَهَ إلاَّ أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَناَ عَبْدُكَ، وَأَناَ عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أبَوءُ لَكَ بنعْمَتِكَ عَلَيَّ، وأَبُوءُ بِذَنْبِي، اغْفِرْ لِي؛ فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ". قالَ: "وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِناً بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهْوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، فَهْوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ". (وأنا على عهدك ووعدك): قال السفاقسي: يريد: أنا (¬1) على ما عاهدتُك (¬2) عليه وواعدتُك من الإيمان بك (¬3)، وإخلاص الطاعة لك مدةَ استطاعتي لذلك. وقد يكون معناه: إني مقيمٌ على عهدِك إليَّ من أمرِك، ومنتجزٌ وعدَك بالثواب (¬4). (أبوء لك): أعترفُ بنعمتك عليَّ، واعترفتُ بما افتريتُه من الذنوب. * * * ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "وأنا". (¬2) في "ع": "ما عهدتك". (¬3) "بك" ليست في "ج". (¬4) انظر: "التوضيح" (29/ 187).

باب: التوبة

باب: التَّوْبَةِ 2771 - (6308) - حَدَّثَنَا أَحمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا أبو شِهابٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُويدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدِيثَيْنِ: أَحَدُهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَالآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ، قَالَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ، فَقَالَ بِهِ هكَذَا - قَالَ أَبُو شِهابٍ بِيَدِهِ فَوْقَ أَنْفِهِ - ثُمَّ قَالَ: "لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ نزَلَ مَنْزِلاً وَبِهِ مَهْلَكَةٌ، وَمَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ نومَةً، فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهبَتْ رَاحِلَتُهُ، حَتَّى اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْحَرُّ وَالْعَطَشُ، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ، قَالَ: أَرجِعُ إِلَى مَكَانِي، فَرَجَعَ فَنَامَ نومَةً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَهُ". (حدثنا عبد الله حديثين: أحدُهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، والآخَرُ عن نفسه): فيه إطلاقُ الحديث على الموقوف على (¬1) الصحابة، وهو استعمال مجازي، والأغلبُ اختصاصُه بما كان عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، هذا بحسب عُرْف المحدثين، ولم يبين البخاري المرفوعَ من الموقوف، وقد رواه مسلم عن الحارث، فقال: عن ابن مسعود: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (¬2): "لَلهُ أَشَدُّ فَرَحاً" (¬3). (لله أَفْرَحُ): حقيقةُ الفرحِ مستحيلةٌ في حق الله تعالى، وإنما هو بمعنى الرضا والقَبول؛ أي: للهُ أرضى وأقبلُ له من كذا (¬4). ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "في". (¬2) في "ع" زيادة: "يقول". (¬3) رواه مسلم (2744). (¬4) تقدم التعليق مراراً على حكاية المؤلف - رحمه الله - لتأويل أمثال صفات الفرح، =

باب: الضجع على الشق الأيمن

(وبه مَهْلَكة): - بفتح الميم واللام -؛ أي: محلٌّ لهلاكِ (¬1) سالِكها بغيرِ زادٍ ولا راحلةٍ. * * * باب: الضَّجْعِ عَلَى الشِّقَّ الأَيْمَنِ (باب: الضَّجْع): هو (¬2) بفتح الضاد المعجمة وإسكان الجيم: وضعُ الجنبِ بالأرض (¬3). * * * باب: وَضْعِ الْيَدِ اليُمْنَى تَحْتَ الْخَدِّ الأَيْمَنِ (باب: وضعِ اليدِ تحت الخدِّ اليمنى (¬4)): ليس في حديث الباب الذي أورده تعرضٌ لليمنى، لكن وقع التصريح بها على غير شرطه، فأشار إليها في الترجمة مُقَيِّداً بها الروايةَ المطلقةَ، كذا قيل (¬5). * * * ¬

_ = والغضب، والضحك وغيرها في حق الله - عز وجل -، وتقدم لنا ذكر مذهب السلف في إثبات هذه الصفات وما جاء غيرها من غير تأويل أو تمثيل أو تشبيه أو تجسيم أو تعطيل، بل نسلم علمها إلى الله عز وجل {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] (¬1) في "م": "الهلاك". (¬2) هو ليست في "ع" و"ج". (¬3) في "ج": بالأمر. (¬4) كذا في رواية أبي ذر الهروي، وفي اليونينية: "الأيمن"، وهي المعتمدة في النص. (¬5) انظر: "التنقيح" (3/ 1181)، وعنده: "مفسراً" بدل "مقيداً".

باب: الدعاء إذا انتبه بالليل

باب: الدُّعَاءِ إِذَا اِنْتَبَهَ بالْلَّيلِ 2772 - (6316) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيًّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَلَمَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَ: بِتُّ عِنْدَ مَيْمُونَةَ، فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَتَى حَاجَتَهُ، غَسَلَ وَجههُ وَيَدَيْهِ، ثُمَ نَامَ، ثُمَّ قَامَ، فأَتَى الْقِربَةَ فَأَطْلَقَ شِنَاقَهَا، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءاً بَيْنَ وُضُوءَيْنِ، لَمْ يُكْثِرْ، وَقَد أَبْلَغَ، فَصَلَّى، فَقُمتُ فَتَمَطَّيْتُ؛ كَرَاهِيةَ أَنْ يَرَى أَنَّي كُنْتُ أَتَّقِيهِ، فَتَوَضَّأْتُ، فَقَامَ يُصَلِّي، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بأُذُنِي فَأَدَارَني عَنْ يَمِينهِ، فَتَتَامَّتْ صَلاَتُهُ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ، وَكَانَ إِذَا نَامَ، نَفَخَ، فَآذَنَهُ بِلَالٌ بِالصَّلاَةِ، فَصَلَّى وَلَم يَتَوَضَّأْ، وَكَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُوراً، وَفِي بَصَرِي نُوراً، وَفِي سَمعِي نُوراً، وَعَنْ يَمِينِي نُوراً، وَعَنْ يَسَارِي نُوراً، وَفَوْقِي نُوراً، وَتَحْتِي نُوراً، وَأَمَامِي نُوراً، وَخَلْفِي نُوراً، وَاجْعَلْ لِي نُوراً". قالَ كُرَيْبٌ: وَسَبْغٌ فِي التَّابُوتِ، فَلَقِيتُ رَجُلاً مِنْ وَلَدِ الْعَبَّاسِ، فَحَدَّثَنِي بِهِنَّ، فَذَكَرَ: عَصَبِي وَلَحْمِي وَدَمِي وَشَعَرِي وَبَشَرِي، وَذَكَرَ خَصْلَتَيْنِ. (فأطلقَ شِناقَها): أي: شِناقَ القِرْبة. قال الزركشي: وهو بفتح الشين المعجمة (¬1): ما تُشَدُّ به. (وسبعٌ في التابوت): يعني: الجسد، ذكر منها خمساً، وهي: العصب، واللحم، والدم، والشعر، والبشر، وسكت عن خصلتين ذكرهما ¬

_ (¬1) في "ج": "السين المهملة".

باب: ما يقول إذا أصبح

مسلم، وهما (¬1): "اللسان، والنفس". وقال ابن الجوزي: إنه يعني بالتابوت (¬2): الصندوقَ؛ [أي: هذه السبعُ مكتوبةٌ عنده في الصندوق] (¬3)؛ أي: لم يحفظها في ذلك الوقت، وهي [عنده] مكتوبة، والأول أولى، وهذه الأنوارُ المعَيَّنَةُ هنا - والله أعلم -: الهدايةُ الشاملةُ لهذه الأركان، والاعتضادُ والسّدادُ (¬4) والتوفيق (¬5). * * * باب: ما يَقُولُ إِذَا أصْبَحَ 2773 - (6323) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "سَيِّدُ الاِسْتِغْفَارِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ ربي، لاَ إِلَه إِلاَّ أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعمَتِكَ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي؛ فَإنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنوُبَ إِلاَّ أَنْتَ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ. إِذَا قَالَ حِينَ يُمْسِي، فَمَاتَ، دَخَلَ الْجَنَّةَ، أَوْ: كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِذَا قَالَ حِينَ يُصْبِحُ، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ"، مِثْلَهُ. (سيدُ الاستغفار): أي: أفضلُه وأعظمُه نفعاً. ¬

_ (¬1) في "ع": "وهي". (¬2) في "ع": "أنه معنى في التابوت". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬4) "والسداد" ليست في "ج". (¬5) انظر: "التنقيح" (3/ 1181)، وعنده: "والأعضاء، والسداد بالتوفيق".

باب: الدعاء في الصلاة

ولم أر أعجبَ من سؤال أورده (¬1) ابنُ الملقن، فقال: أين لفظُ الاستغفار، في هذا الدعاء، وقد سماه: سيدَ الاستغفار؟ مع أن هذا الدعاء نفسه: "فاغْفِرْ لي فإنَّه لا يغفرُ الذنوبَ إلا أنتَ"، وهذا (¬2) الاستغفار شيء غير طلب المغفرة؟! وقوله: "فاغْفِرْ لي" طلبٌ لها صريحاً، فما هذا السؤال البارد؟ (¬3) * * * باب: الدُّعَاءِ في الصَّلاةِ 2774 - (6326) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدعُو بِهِ فِي صَلاَتِي، قَالَ: "قُلِ: اللَّهُمَّ إِنَّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْماً كثِيراً، وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، فَاغفر لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارحَمْنِي، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ". (فاغفرْ لي مغفرةً من عندكَ): فيه وجهان: أحدهما: أن يكون إشارة إلى التوحيد المذكور في قوله: و (¬4) لا يغفر الذنوبَ إلا أنت، فكأنه يقول: لا يفعلُ هذا إلا أنتَ، فافعله أنتَ. ¬

_ (¬1) في "ج": "أورد". (¬2) كذا في النسخ الخطية، ولعل الصواب: "وهل". (¬3) قلت: ما تعقب به المؤلف - رحمه الله - ابن الملقن، مأخوذ من كلام ابن الملقن نفسه في "التوضيح" (29/ 188) في جوابه عن هذا السؤال، فسامح الله المؤلف على هذا التعليق الذي تكرر أمثاله في تعليقته هذه. (¬4) الواو ليست في "ج".

باب: قول الله عز وجل: {وصل عليهم} [التوبة: 103] , ومن خص أخاه بالدعاء دون نفسه

والثاني: وهو الأحسنُ: أن يكون إشارةً إلى طلب مغفرة متفضَّل بها من عند الله، لا يقتضيها سببٌ من العبد من عملٍ حسن، فهي رحمةٌ من عنده بهذا التفسير، ليس للعبد فيها سبب، وهذا تبرؤ من الأسباب والإدلالِ بالأعمال. (إنك أنت الغفورُ الرحيمُ): صفتان ذُكرتا ختماً (¬1) للكلام على جهة المناسبة لما قبله، فالغفورُ مناسب لقوله: "فاغفرْ لي"، والرحيمُ مقابل لقوله: "ارْحَمْني"، وقد جُعل الأولُ هنا للأول، والثاني للثاني، وقد يقع على خلاف ذلك بأن يُراعى القربُ، فيُجعل الأولُ للأخير، وذلك على حسب اختلاف المقاصد، وطلبِ التفنن في الكلام (¬2). * * * باب: قَوْلِ الله عز وجل: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] , ومَنْ خَصَّ أَخَاهُ بالدُّعَاءِ دُونَ نَفْسِهِ 2775 - (6331) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى خَيْبَرَ، قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَيَا عَامِرُ! لَوْ أَسْمَعتَنَا مِنْ هُنَيْهَاتِكَ، فَنَزَلَ يَحْدُو بِهم يُذَكَرُ: تَاللَّهِ لَوْلاَ اللَهُ مَا اهْتَدَيْنَا. وَذَكَرَ شِعراً غَيْرَ هذَا، وَلَكِنِّي لَمْ أَحفَظْهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ هذَا السَّائِقُ؟ "، قالُوا: عَامِرُ بْنُ الأَكْوَعِ، قَالَ: "يَرْحَمُهُ اللَّهُ". وَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يا رَسُولَ اللَهِ! لَوْلاَ ¬

_ (¬1) في "ع": "ختمه". (¬2) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 78 - 79).

باب: ما يكره من السجع في الدعاء

مَتَّعْتَنَا بِهِ، فَلَمَّا صَافَّ الْقَوْمَ، قَاتَلُوهُمْ، فَأُصِيبَ عَامِرٌ بِقَائِمَةِ سَيْفِ نَفْسِهِ، فَمَاتَ، فَلَمَّا أَمْسَوْا، أَوْقَدُوا ناَراً كَثِيرَةً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا هَذِهِ النَّارُ؟ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُوقِدُونَ؟ "، قالُوا: عَلَى حُمُرٍ إِنْسِيَّةٍ، فَقَالَ: "أَهْرِيقُوا مَا فِيهَا وَكَسِّرُوهَا". قالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَلاَ نُهَرِيقُ مَا فِيها وَنَغْسِلُهَا؟ قَالَ: "أَوْ ذَاكَ". (قال: أوَ ذاك): قال الزركشي: - بفتح الواو - على معنى التقرير (¬1). قلت: إن ثبتت الرواية بفتح الواو، فلا بأس، وإلا، فالظاهر أن "أو" حرف عطف، والمعطوف عليه محذوف؛ أي: افعلوا هذا، أو ذاك (¬2)، وقد رأيته في بعض النسخ مضبوطاً بسكون الواو، فينبغي تحريره. * * * باب: ما يُكْرَه مِنَ السَّجْع في الدُّعَاءِ 2776 - (6337) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّكَنِ، حَدَّثَنَا حَبَّانُ ابْنُ هِلاَلٍ أَبُو حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا هارُونُ الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ الْخِرِّيتِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدِّثِ النَّاسَ كُلَّ جُمُعَةٍ مَرَّةً، فَإِنْ أَبَيْتَ، فَمَرَّتَيْنِ، فَإِنَّ أَكْثَرْتَ، فَثَلاَثَ مِرَارٍ، وَلاَ تُمِلَّ النَّاسَ هذَا الْقُرْآنَ، وَلاَ أُلْفِيَنَّكَ تَأْتِي القَوْمَ وَهُمْ فِي حَدِيثٍ مِنْ حَدِيثهِمْ، فَتَقُصُّ عَلَيْهِمْ، فَتَقْطَعُ عَلَيْهِمْ حَدِيثَهُمْ فَتُمِلُّهُمْ، وَلَكِنْ أَنْصِتْ، فَإذَا أَمَرُوكَ، فَحَدِّثْهُم وَهُمْ يَشْتَهُونَهُ، فَانْظُرِ السَّجْعَ مِنَ الدُّعَاءِ فَاجْتَنِبْهُ، فإِنَّي عَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأصحَابَهُ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1182). (¬2) في "ع": "ذا".

باب: الدعاء مستقبل القبلة

لاَ يَفْعَلُونَ إلَّا ذَلِكَ. يَعْنِي: لاَ يَفْعَلُونَ إِلاَّ ذَلِكَ الاِجْتِنَابَ. [(حَبَّانُ بنُ هلال): بحاء مفتوحة وموحدة مشددة (¬1)] (¬2). (الزُّبير بن خِرِّيت): بضم الزاي من الزُّبير على التصغير، وكسر الخاء المعجمة من خِرِّيت، وتشديد الراء (¬3) بعدها مثناة تحتية ففوقية. (وانظر السجعَ من الدعاء (¬4) فاجتنبْه؛ فإني عهدتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابَه لا يفعلون إلا ذلك): أي: لا يفعلون [إلا اجتنابَ السجع، ورواه الطبراني في "معجمه" بلفظ: "لا يفعلون] (¬5) ذلك" (¬6)؛ أي (¬7): السجعَ، فلكلًّ من الروايتين وجهٌ صحيح (¬8). * * * باب: الدُّعَاءِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ (باب: الدعاء مستقبل القبلة): ساق فيه (¬9): "فدعا (¬10)، ¬

_ (¬1) في "ع": "ومشددة". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬3) في "ج": "الزاي". (¬4) في "ع" و"ج": "السجع والدعاء". (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬6) رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (11943). (¬7) "أي" ليست في "ع" و"ج". (¬8) انظر: "التنقيح" (3/ 1182). (¬9) في "ع" و"ج": "ساق فيه حديث". (¬10) "فدعا" ليست في "ع" و"ج".

باب: التعوذ من جهد البلاء

واستسقى (¬1)، ثم استقبل القبلةَ، وقَلَبَ رِداءَه (¬2) ". [قال الإسماعيلي: هذا في باب: الدعاء غيرَ مستقبل القبلة] (¬3) أَدْخَلُ، فلعل البخاري أراد: أنه لما استقبلَ القبلةَ، وقلبَ رداءَه، دعا حينئذ أيضاً. حكى الزركشي عنه ذلك، وأقره (¬4). قلت: وقد (¬5) وقع للبخاري في أبواب الاستسقاء: "فاستقبلَ القبلةَ يدعو، ثم حَوَّلَ رداءَهُ" (¬6)، فحديثُ الاستسقاء في غير المسجدِ وقعَ الدعاءُ فيه بعدَ استقبال القبلة أيضاً على شرط البخاري، فأشار إلى ما سبق. * * * باب: التَّعَوُّذِ مِنْ جَهِدِ البَلاَءِ 2777 - (6347) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي سُمَيٌّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يتعَوَّذُ مِنْ جَهْدِ الْبَلاَءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءَ الْقَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ. (من جَهْدِ البلاء): أي: من المشقة التي تحصُل بالبلاء. ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "فاستسقى". (¬2) "وقلب رداءه" ليست في "ع" و"ج". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬4) انظر: "التنقيح" (3/ 1183). (¬5) في "ج": "قد". (¬6) رواه البخاري (1012) عن عبد الله بن زيد رضي الله عنهما.

باب: دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - "اللهم الرفيق الأعلى"

(ودَرَكِ الشقاء): - بفتح الراء -: اسمٌ من الإدراك؛ كاللَّحَق من الإلحاق. قال القاضي: وضبطه بعضهم بالإسكان، والمعروف هنا الفتح، وأما الوجهان، ففي المنزلة؛ كقوله تعالى: {فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء: 145]، يقال بالسكون والفتح في المنازل إذا كانت للسُّفل، فإذا كانت للعُلْو، فهي دَرَجٌ، ومنازلُ جهنمَ - أعاذنا الله منها - دَرَكاتٌ، ومنازلُ الجنة - جعلنا الله من أهلها - دَرجاتٌ (¬1). * * * باب: دُعَاءِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - "اللَّهُمَّ الرَّفيقَ الأَعْلَى" 2778 - (6348) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ وَهْوَ صَحِيحٌ: "لَنْ يُقْبَضَ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، ثُمَّ يُخَيَّرُ". فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ، وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِي، غُشِيَ عَلَيْهِ سَاعَةً، ثُمَّ أَفَاقَ، فَأَشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى السَّقْفِ، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمِّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى". قلْتُ: إِذاً لاَ يَخْتَارُنَا، وَعَلِمتُ أَنَّهُ الْحَدِيثُ الَّذِي كَان يُحَدِّثُنَا وَهْوَ صَحِيحٌ، قَالَتْ: فَكَانَتْ تِلْكَ آخِرَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِها: "اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى". (اللهمَّ الرفيقَ الأعلى): بالنصب؛ أي: أختارُ، وبالرفع؛ أي: مختاري. ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 256).

باب: الدعاء للصبيان بالبركة، ومسح رؤوسهم

قال الداودي: يريد بذلك: الجنةَ. وذُكر أنه قيل: الرفيق: سقفُ البيت. وقال غيره: إن الرفيقَ الأعلى جماعةُ الأنبياء الذين يسكنون أعلى الجنة (¬1). * * * باب: الدُّعاءَ لِلصّبيانِ بالبَرَكَةِ، ومَسْحِ رُؤوسِهِمْ 2779 - (6356) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيَّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهُ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ مَسَحَ عَنْهُ: أَنَّهُ رَأَى سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يُوتِرُ بِرَكْعَةٍ. (بن صُعَيْر): بصاد وعين مهملة، مصغَّر. * * * باب: الصَّلاةِ عَلَى النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - 2780 - (6358) - حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، وَالدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هذَا السَّلاَمُ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نصُلِّي؟ قَالَ: "قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولكَ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمد، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَاركْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ". ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (29/ 279).

(اللهم صلِّ على محمدٍ عبدِك ورسولِك كما صليتَ على إبراهيم): تقدم السؤالُ المشهورُ في الصلاة، وهو أن المشبَّه دونَ المشبَّهِ به (¬1)، فكيف يطلبُ صلاةً على النبي - صلى الله عليه وسلم - تُشَبَّه بالصلاة على إبراهيم؟ [وتقدم كلامُ القرافي فيه، وأن الشيخَ عزَّ الدين بنَ عبدِ السلام أجاب: بأن المشبَّه الصلاةُ على النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله بالصلاةِ على إبراهيم] (¬2) وآلِه؛ أي (¬3): المجموعُ بالمجموع، ومعظمُ الأنبياء هم آلُ إبراهيم ... إلى آخر جوابه. وهو غير متأتًّ في هذه الرواية؛ فإنها قد اقتصر فيها على إبراهيم فقط دون آله بالنسبة إلى الصلاة. وقد أُجيب عن السؤال المذكور بأجوبة غير ما ذكره ابنُ عبد السلام والقرافي: منها: أنه تشبيه لأصلِ الصلاة (¬4) بأصلِ الصلاة (¬5)، لا (¬6) القَدْرِ بالقَدْرِ، وهذا كما اختاروا في قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 183]: أن المراد: أصلُ الصيام، لا كميتُه ووقتُه، وهذا الجواب - كما تراه - غيرُ قوي (¬7). ¬

_ (¬1) في "ع": "المشبه به دون المشبه به"، وفي "ج": "المشبه به دون المشبه". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬3) في "ع" و"ج": "أن". (¬4) "لأصل الصلاة" ليست في "ع". (¬5) في "ع" و"ج": "بالصلاة". (¬6) في "ع": "على". (¬7) في "ج": "غير قوي كما تراه".

باب: هل يصلى على غير النبي - صلى الله عليه وسلم -؟

ومنها: أن هذه الصلاة الأمرُ (¬1) بها للتكرار بالنسبة إلى كلِّ صلاةٍ في حقِّ كلِّ مصلًّ، فإذا اقتصر في حقِّ كلِّ مصلًّ حصولُ (¬2) صلاةٍ مساوية للصلاة على إبراهيم - عليه السلام -، كان الحاصلُ للنبي - صلى الله عليه وسلم - بالنسبة إلى مجموع الصلوات أضعافاً مضاعفة، لا ينتهي إليها العدُّ (¬3) والإحصاء. وأورد ابن دقيق العيد هنا سؤالاً، فقال: التشبيهُ حاصل بالنسبة إلى أصل هذه الصلاة، والفرد منها، فالإشكالُ (¬4) واردٌ. وأجاب: بأن الإشكال إنما يرد على تقدير أن الأمر ليس للتكرار، وهو هنا للتكرار بالاتفاق، فالمطلوبُ من المجموع مقدارُ ما لا يحصى من الصلوات بالنسبة إلى المقدار الحاصل لإبراهيم عليه السلام (¬5). * * * باب: هَلْ يُصلَّى على غَيْرِ النَبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ وقولِ الله عز وجل: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103] 2781 - (6360) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ: أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: ¬

_ (¬1) في "ع": "إلا أمر". (¬2) "حصول" ليست في "ع". (¬3) في "ع" و"ج": "العدو". (¬4) في "ع" و"ج": "فإن الإشكال". (¬5) انظر: "شرح عمدة الأحكام" (2/ 74).

باب: التعوذ من غلبة الرجال

"قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرَّيَّتهِ، كمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْراهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرَّيَّتِهِ، كمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْراهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ". (إنك حمَيدٌ مجيدٌ): حَميدٌ يجوز أن يكون بمعنى: حامدٍ وردَ بصيغة المبالغة، ومَجيدٌ مبالغة في ماجد، والمجدُ: الشرفُ، فيكون ذلك كالتعليل للصلاة المطلوبة؛ فإن الحمد والشكر يتقاربان، فحميد قريب من معنى شكور، وذلك مناسب لزيادة الإفضال والإعطاء لما يراد من الأمور العظام، وكذلك المجد والشرف مناسبته لهذا المعنى ظاهرة (¬1). * * * باب: التَّعَوُّذِ مِنْ غَلَبةِ الرِّجَالِ 2782 - (6363) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَبِي طَلْحَةَ: "الْتَمِسْ لَنَا غلاَماً مِنْ غِلْمَانِكُم يَخْدُمُنِي". فَخَرَجَ بِي أَبُو طَلْحَةَ يُرْدِفُنِي وَرَاءَهُ، فَكُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كُلَّمَا نَزَلَ، فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: "اللَّهُمَّ إِنَّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ، وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلبةِ الرِّجَالِ". فَلم أَزَلْ أَخْدُمُهُ حَتَّى أَقْبَلْنَا مِنْ خَيْبَرَ، وَأَقْبَلَ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيًّ قَدْ حَازَهَا، فَكُنْتُ أَرَاهُ يُحَوِّي وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ أَوْ كسَاءٍ، ثُمَّ ¬

_ (¬1) في "ج": "ظاهر".

باب: الدعاء عند الاستخارة

يُرْدِفُهَا وَرَاءَهُ، حَتَّى إِذَا كنَّا بِالصَّهْبَاءِ، صَنَعَ حَيْساً فِي نِطَعٍ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَدَعَوْتُ رِجَالاً فَأَكَلُوا، وَكَانَ ذَلِكَ بِنَاءَهُ بِهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى بَدَا لَهُ أُحُدٌ، قَالَ: "هذَا جُبَيْلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ". فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ، قَالَ: "اللَّهُمَّ إِنَّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا، مِثْلَ مَا حَرَّمَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مُدِّهِم وَصَاعِهِمْ". (والعجز والكسل): حكى الزركشي عن صاحب "تثقيف اللسان": أن العجز: ما لا يستطيعُه الإنسان، والكسل: أن تترك الشيءَ، وتتراخى عنه، وإن كنتَ تستطيعُه (¬1). * * * باب: الدُّعَاءِ عِنْدَ الاسْتِخَارَةِ 2783 - (6382) - حَدَّثَنَا مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أبَو مُصْعَبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أِبي الْمَوَالِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعَلِّمُنَا الاِسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلَّهَا، كَالسُّورَةِ مِنَ الْقُرْآنِ: "إِذَا هَمَّ بِالأَمْرِ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرتكَ، وَأَسْألكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيم، فَإنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ، وَتعلَمُ وَلاَ أَعلَمُ، وَأَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعلَمُ أَنَّ هذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِيني وَمَعَاشي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي - أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ -، فَاقْدُرهُ لِي، وَإِنْ كُنْتَ تَعلَمُ أَنَّ هذَا الأَمرَ شَرٌّ ¬

_ (¬1) انظر: "تثقيف اللسان" للصقلي (ص: 205). وانظر: "التنقيح" (3/ 1183).

باب: الدعاء في الساعة التي في يوم الجمعة

لِي فِي دِيني وَمَعَاشِي وَعَاقِبةِ أَمْرِي - أَوْ قَالَ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ -، فَاصْرِفْهُ عَنِّي، وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدر لِيَ الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ، وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ". (فاقدُرْه لي): تقدم الكلامُ عليه (¬1) في كتاب: الصلاة. * * * باب: الدُّعَاءِ في السَّاعَةِ الَّتِيِ فِي يَوْمِ الجُمُعَةِ 2784 - (6400) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -: "فِي الْجُمُعَةِ سَاعَة لاَ يُوَافِقها مُسْلِمٌ، وَهْوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ خَيْراً إلاَّ أَعطَاهُ". وَقَالَ بِيَدِهِ، قُلْنَا: يُقَلَّلُهَا، يُزَهِّدُهَا. (يُزَهِّدُها): هو بمعنى يقلَّلُها، ورجل متزهِّدٌ؛ أي: متقلِّلٌ من متاع الدنيا. * * * ¬

_ (¬1) في "م": "على".

كتاب الرقاق

كتِاب الرقاق

باب: ما جاء في الصحة والفراغ، وأن لا عيش إلا عيش الآخرة

كتاب الرقاق (كتاب: الرقاق): وفي نسخة: "الرقائق (¬1) ". قال الزركشي: افتتحه بحديث: "نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِما كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفرَاغُ"؛ كأنه اقتدى بعبدِ الله بنِ المبارك؛ فإنه بدأ به في كتاب: الرقائق (¬2). باب: مَا جَاءَ في الصَّحَّةِ والفَرَاغِ، وأَنْ لا عَيشَ إِلاَّ عيشُ الآخِرَةِ 2785 - (6412) - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ - هُوَ ابْنُ أَبِي هِنْدٍ -، عَنْ أَبِيه، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "نِعمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كثِير مِنَ النَّاسِ: الصَّحَّةُ وَالْفَرَاغُ". قَالَ عَبَّاسٌ الْعَنْبَرِيُّ: حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ ابْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِيه، سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: مِثْلَهُ. ¬

_ (¬1) "الرقائق" ليست في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1185).

باب: في الأمل وطوله

(قال عَبَّاسٌ العنبريُّ): بموحدة مشددة وآخره سين مهملة (¬1). * * * 2786 - (6413) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "اللَّهُمَّ لاَ عَيْشَ إِلاَّ عَيْشُ الآخِرَهْ. فَأَصلِح الأَنْصَارَ وَالْمهاجِرَهْ". [(محمد بن بشار): بموحدة وشين معجمة] (¬2). * * * باب: فِي الأَمَلِ وَطُولِهِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185]. {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر: 3]. وَقَالَ عَلِيٌّ: ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً، وَارْتَحَلَتِ الآخِرَةُ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ، وَلاَ تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلاَ حِسَابَ، وَغَداً حِسَابٌ وَلاَ عَمَلَ. {بِمُزَحْزِحِهِ} [البقرة: 96]: بِمُبَاعِدهِ. ¬

_ (¬1) في "ع": "شين معجمة". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع".

(فإن (¬1) اليومَ (¬2) عملٌ ولا حساب): أي: فإنه، على أن اسم "إن" ضمير شأن حُذف، وهو عندهم قليل، أو هو (¬3) على حذف مضاف، إما من الأول، وإما من الثاني؛ أي: فإنَّ حالَ اليومِ عملٌ ولا حسابَ، أو: (¬4) فإن اليومَ يومُ (¬5) عملٍ ولا حسابَ. * * * 2787 - (6417) - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ مُنْذِرٍ، عَنْ رَبِيعِ بْنِ خُثَيْمِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: خَطَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَطّاً مُرَبَّعاً، وَخَطَّ خَطّاً فِي الْوَسَطِ خَارِجاً مِنْهُ، وَخَطَّ خُطُطاً صِغَاراً إِلَى هذَا الَّذِي فِي الْوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي فِي الْوَسَطِ، وَقَالَ: "هذَا الإِنْسَانُ، وَهذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ - أَوْ قَدْ أَحَاطَ بِهِ -، وَهذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ، وَهَذِهِ الْخُطُطُ الصِّغَارُ الأَعْرَاضُ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا، نَهَشَهُ هَذَا، وَإِنْ أَخْطَأَهُ هذَا، نَهَشَهُ هَذَا". (وخَطَّ خُطُطاً صغاراً): قال السفاقسي روينا بضم الخاء وكسرها (¬6). قال في "الصحاح": الخَطُّ: واحدُ المخطوط، والخُطَّةُ أيضاً من الخَطَّ؛ ¬

_ (¬1) "فإن" ليست في "ع". (¬2) في "ع": "فاليوم". (¬3) "هو" ليست في "ج". (¬4) في "ع" و"ج": "أي". (¬5) "يوم" ليست في "ع" و"ج". (¬6) انظر: "التوضيح" (29/ 408).

باب: من بلغ ستين سنة فقد أعذر الله إليه لقوله: {أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر} [فاطر: 37]

كالنُّقْطَة (¬1) من النَّقْط (¬2) (فإن أخطأه هذه (¬3) نهشه هذا): قال السفاقسي (¬4) أيضاً: بالشين معجمة وغير معجمة، وبهما رويناه، ومعناه: أخذُ الشيء بمقدَّم الأسنان (¬5). * * * باب: مَنْ بَلَغَ سِتِّيْنَ سَنَةً فَقَدْ أَعْذَرَ اللهُ إِلَيْهِ لقولهِ: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ} [فاطر: 37] 2788 - (6420) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أبو صَفْوَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لاَ يَزَالُ قَلْبُ الْكَبِيرِ شَابّاً فِي اثْنَتَيْنِ: فِي حُبِّ الدُّنْيا، وَطُولِ الأَمَلِ". قالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، وَابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدٌ، وَأَبُو سَلَمَةَ. (لا يزال قلبُ الكبير (¬6) شابّاً في اثنتين (¬7): في حبِّ الدنيا، ¬

_ (¬1) في "ج": "كالنقط". (¬2) انظر: "الصحاح" (3/ 1123)، (مادة: خطط). (¬3) نص البخاري: "هذا". (¬4) في "ع": "قال في الصحاح قال السفاقسي". (¬5) انظر: "التوضيح" (29/ 408). (¬6) في "ع" و"ج": "المتكبر". (¬7) في "م": "اثنين".

باب: ما يحذر من زهرة الدنيا، والتنافس فيها

وطولِ الأمل): فيه إيهام الطباق بين الكبير والشابّ، والاستعارة في شاباً، والتوسيع في قوله: في اثنتين ... إلى آخره؛ إذ هو (¬1) عبارة عن أن يأتي في (¬2) عجز الكلام بمثنى مفسَّرٍ بمعطوفٍ ومعطوف عليه؛ كقوله: إِذَا أَبُو قَاسِمٍ جَادَتْ لَنَا يَدُهُ ... لَمْ يُحْمَدِ الأَجْوَدَانِ البَحْرُ وَالمَطَرُ * * * باب: مَا يُحْذَرُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيا، والتَّنَافُسِ فِيها 2789 - (6425) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أخْبَرَهُ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَوْفٍ - وَهْوَ حَلِيفٌ لِبَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، كَانَ شَهِدَ بَدْراً مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إِلَى الْبَحرَيْنِ يَأْتِي بِجزْيَتِهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - هُوَ صَالَحَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمُ الْعَلاَءَ ابْنَ الْحَضْرَمِيِّ، فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، فَسَمِعَتِ الأَنْصَارُ بِقُدُومِهِ، فَوَافَتْهُ صَلاَةَ الصُّبْحِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا انْصَرَفَ، تَعَرَّضُوا لَهُ، فَتَبَسَّمَ حِينَ رَآهُم، وَقَالَ: "أَظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ بِقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَأَنَّهُ جَاءَ بِشَيْءٍ"، قالُوا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "فَأَبْشِرُوا، وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللَّهِ! مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ ¬

_ (¬1) في "ج": "هم". (¬2) في "ع": "عن".

الدُّنْيَا، كمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُلْهِيَكُمْ كَمَا أَلْهَتْهُمْ". (ما الفقرَ أخشى عليكم): قال الزركشي: بنصب "الفقر" مفعول "أخشى"؛ أي: ما أخشى عليكم الفقرَ، والرفعُ ضعيف؛ لأنه يحتاج إلى ضمير يعود عليه، وإنما يجيء ذلك في الشعر (¬1). قلت: ضعف ذلك مذهب كوفي، قال في "التسهيل": ولا يختص بالشعر؛ خلافاً للكوفيين. فإن قلت: تقديمُ المفعول هنا يؤذِنُ بأن الكلام في (¬2) المفعول، لا في الفعل؛ كقولك (¬3): ما زيداً ضرَبْتُ، فلا يصح أن يعقب المنفي (¬4) بإثبات ضدَّه، فيقول: ولكن أكرمته؛ لأن المقام يأباه؛ إذ الكلامُ في المفعول، هل هو (¬5) زيدٌ، أو عمرٌو - مثلاً -، لا في الفعل المنفي (¬6)، هل هو إكرامٌ، أو إهانةٌ؟ والحديث قد وقع في الاستدراك بإثبات هذا الفعل المنفي، فقال: "ولكنْ أَخْشى عليكم أَنْ تُبسطَ عليكم الدنيا كما بُسطت على مَنْ كانَ قبلَكُم" إلى آخره، فكيف يتأتى هذا؟ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1185). (¬2) "في" ليست في "ع". (¬3) في "ع" و"ج": "كقوله". (¬4) وفي "ع" و"ج": "النفي". (¬5) في "ج": "المفعول إذ هو". (¬6) "المنفي" ليست في "ع".

قلت: المنظورُ إليه في الاستدراك هو المنافسةُ (¬1) في الدنيا، فلم يقع الاستدراك إلا في المفعول؛ كقولك: ما زيداً ضربتُ، ولكن عمراً، ثم الفعلُ المثبَتُ ثانياً ليس ضداً للفعل المنفي أولاً بحسب الوضع (¬2)، وإنما اختلفا بالتعلق، فذكرُه لا يَضُرُّ؛ لأنه في الحقيقة استدراكٌ بالنسبة إلى المفعول، لا إلى الفعل. * * * 2790 - (6427) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ ابْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَكْثَرَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَكُم مِنْ بَرَكَاتِ الأَرْضِ". قيلَ: وَمَا بَرَكَاتُ الأَرْضِ؟ قَالَ: "زَهْرَةُ الدُّنْيَا". فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: هَلْ يَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ؟ فَصَمَتَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ يُنْزَلُ عَلَيْهِ، ثُمَّ جَعَلَ يَمْسَحُ عَنْ جَبِينِهِ، فَقَالَ: "أَيْنَ السَّائِلُ؟ "، قالَ: أَنَا - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: لَقَدْ حَمِدْنَاهُ حِينَ طَلَعَ ذَلِكَ - قَالَ: "لاَ يَأْتِي الْخَيْرُ إِلاَّ بِالْخَيْرِ، إِنَّ هذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، إِنَّ كُلَّ مَا أَنْبَتَ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ حَبَطاً أَوْ يُلِمُّ، إِلاَّ آكِلَةَ الْخَضِرَةِ، أَكَلَتْ حَتَّى إِذَا امتَدَّتْ خَاصِرَتَاهَا، اسْتَقْبَلَتِ الشَّمْسَ، فَاجْتَرَّتْ وَثَلَطَتْ وَبَالَتْ، ثُمَّ عَادَتْ فَأَكَلَتْ. وَإِنَّ هذَا الْمَالَ حُلْوَةٌ، مَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ، وَوَضَعَهُ فِي حَقَّهِ، فَنِعْمَ الْمَعُونَةُ هُوَ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ، كَانَ الَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ". ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "المناقشة". (¬2) في "ج": "الواضع".

(إلا آكلة الخضر (¬1)): سبق الكلام عليه قريباً (¬2) في كتاب: الزكاة. لكن سُئلت قريباً من وصولي إلى هذا المحل عن معنى هذا الاستثناء بعدَ قوله: "إن ما يُنبت الربيعُ ما يقتل حبطاً، أو يُلِمُّ"؛ أي (¬3): ما يقتلُ، أو يُقارب القتلَ، والظاهرُ أن الاستثناء منقطعٌ؛ أي: لكنَّ أكلةَ الخضرِ لا يقتلُها أَكلُ الخضر، ولا (¬4) يُلَمُّ بقتلها (¬5)، وإنما قلنا: إنه منقطع؛ لفوات شرط الاتصال؛ ضرورةَ كون الأول غيرَ شاملٍ له على تقدير عدمِ الثنيا، وذلك لأن "من" فيه تبعيضية، فكأنه يقول: إن شيئاً مما يَنبت يقتلُ حبطاً، أو يُلِمَّ، وهذا لا يشملُ (¬6) مأكولَ آكلةِ الخضر ظاهراً؛ لأنه نكرة في سياق الإثبات، نعم في هذا اللفظ الثابت في الطريق المذكورة هنا، وهو قوله (¬7): "إن (¬8) كُلَّ ما أنبتَ الربيعُ يقتل حبطاً، أو يلم" يتأتى جعلُ الاستثناءِ متصلاً؛ لدخول المستثنى في عموم المستثنى منه، وليس المستثنى (¬9) في الحقيقة (¬10) ¬

_ (¬1) كذا في رواية أبي ذر الهروي عن الكشميهني، وفي اليونينية: "الخضرة"، وهي المعتمدة في النص. (¬2) "عليه قريباً" ليست في "م". (¬3) في "ج": "أو". (¬4) في "ج": "ولم". (¬5) في "ج": "قتلها". (¬6) في "ع": "وهذا الأشمل". (¬7) في "ع": "هنا وقوله". (¬8) "إن" ليست في "ج". (¬9) في "ج": "المستثنى منه". (¬10) "في الحقيقة" ليست في "ج".

هو الآكلة نفسها، وإلا كان منقطعاً، وإنما المستثنى محذوف، تقديره: مأكولُ آكلةِ الخضر، فحُذف المضاف، وأُقيم المضافُ إليه مقامه، فتأملْه. * * * 2791 - (6428) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَمْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي زَهْدَمُ بْنُ مُضَرِّبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عِمْرَانَ بنَ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ - قالَ عِمْرَانُ: فَمَا أَدْرِي: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بعدَ قَوْلهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً -، ثُمَّ يَكُونُ بَعدَهُمْ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلاَ يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونوُنَ وَلاَ يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلاَ يَفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ". (سمعت أبا جمرة (¬1)): بجيم. (زَهْدَمُ): بزاي، على زنة جَعْفَر. (ابنُ مُضَرِّب): بتشديد الراء، على زنة اسم الفاعل. (يَشهدون، ولا يُستشهدون): محمول عند الأكثرين على حقوق العباد المحضة. (ويخونون، ولا يُؤتمنون): ولو ائتمنوا؛ لكانوا أشدَّ خيانة. (وينذِرون): بكسر الذال المعجمة وضمها. (ويظهر فيهم السِّمَن): - بكسر السين وفتح الميم -؛ أي: لإيثارِ ¬

_ (¬1) في "ع": "أبا حمزة".

باب: قول الله عز وجل: {ياأيها الناس إن وعد الله حق} [فاطر: 5]

شهواتِ بطونهم، وانهماكِهم (¬1) عليها. * * * 2792 - (6429) - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ مِنْ بَعْدِهِم قَوْمٌ: تَسْبِقُ شَهادَتُهُم أَيْمَانَهُمْ، وَأَيْمَانُهُمْ شَهَادَتَهُمْ". (عبدانُ عن أبي حَمْزَةَ): بحاء مهملة وزاي. * * * باب: قولِ اللهِ عز وجل: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} [فاطر: 5] 2793 - (6433) - حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْقُرَشِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُعَاذُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ ابْنَ أَبَانَ أَخْبَرَهُ، قَالَ: أَتَيْتُ عُثْمَانَ بِطَهُورٍ وَهْوَ جَالِسٌ عَلَى الْمَقَاعِدِ، فَتَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأَ وَهْوَ فِي هذَا الْمَجْلِسِ، فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ قَالَ: "مَنْ تَوَضَّأَ مِثْلَ هذَا الْوُضُوءِ، ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ، فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". قالَ: وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَغْتَرُّوا". ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "وأنهاكم".

باب: ذهاب الصالحين

(من توضأ مثلَ هذا الوضوء): وفي طريق: "نَحوَ وُضُوئي"، وهو الواقع في "عمدة الأحكام"، وهذا يدل على أن لفظة "مثلَ"، و"نحوَ" بمعنى واحد، وأظن أن الشيخ تاجَ الدين الفاكهانيَّ وقعَ له في "شرح العمدة": أن بين الكلمتين فرقاً، وأن "نحواً" لا يقتضي من المماثلة ما يقتضيه "مِثْلُ"، فلذلك أُوثر لفظ "نحو" على "مثل" في الحديث المذكور؛ يعني: حديث "العمدة" (¬1). وثبوتُ لفظِ المثلِ في هذه الطريق قادحٌ فيما قاله، فتأملْه. * * * باب: ذَهَابِ الصَّالِحِينَ 2794 - (6434) - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا أبو عَوَانَةَ، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبي حَازِمٍ، عَنْ مِرْدَاسٍ الأَسْلَمِيِّ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَذْهَبُ الصَّالِحُونَ، الأَوَّلُ فَالأَوَّلُ، وَيَبْقَى حُفَالَةٌ كَحُفَالَةِ الشَّعِيرِ، أَوِ التَّمْرِ، لاَ يُبَالِيهِمُ اللَّهُ بَالَةً". قالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: يُقَالُ: حُفَالَةٌ، وَحُثَالَةٌ. (وتبقى حُفالَةٌ): أي: رُذَالَةُ، وهي (¬2) بضم الحاء وبالفاء، ويقال أيضاً: "حُثالَة" - بمثلثة -؛ كأن الفاء والثاء تعاقبا؛ مثل: ثوم، وفوم، وجَدَث وجَدَف (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: "رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام" للفاكهاني (1/ 42)، وهو قد نقل الفرق عن الإمام ابن دقيق في "شرح عمدة الأحكام" (1/ 37). (¬2) في "م": "وهم". (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1186).

باب: ما يتقى من فتنة المال، وقوله عز وجل: {إنما أموالكم وأولادكم فتنة} [التغابن: 15]

(لا يباليهم الله بالَةً): أي: لا يرفع (¬1) لهم قدراً، ولا يُقيم لهم وزناً، وبالةً: مصدرُ بالَيْتُ، وأصلُه: بالِيَة كعافية، فحذفت لامه، قيل: لكراهة ياءٍ قبلَها كسرةٌ فيما كَثُرَ استعماله، وذلك لكثرة استعمال (¬2) هذه اللفظة في كل ما لا يحتفل به (¬3). قلت: لا يحسْنُ التعليلُ بمجرد هذا، ولو أُضيف إليه ما قاله بعضُ المتأخرين من أن المعنى على حذف لام الكلمة فيه شذوذٌ، فأَعله في المصادر، فحولوه بالحذف المذكور عن بنية الشذوذ؛ لكان حسناً. * * * باب: ما يُتَّقَى من فِتْنَةِ المَالِ، وقَوْلهِ عز وجل: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: 15] 2795 - (6435) - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا أَبو بَكْرٍ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "تَعِسَ عَبْدُ الدَّينَارِ، وَالدِّرْهَمِ، وَالْقَطِيفَةِ، وَالْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ". (تعَس عبدُ الدينار): - بفتح عين تَعَسَ وكسرها؛ أي: هلَكَ، وقيل: عَثَرَ، وقيل: سَقَطَ على وجهه خاصةً، وقيل: لزمه الشرُّ، وقيل: بَعُدَ، كذا ¬

_ (¬1) في "م": "أي: يرفع". (¬2) في "م": "استعماله". (¬3) المرجع السابق، الموضع نفسه.

في "المشارق" (¬1). (إن أُعطي رضي، وإن لم يُعطَ لم يرض): الظاهر أن هذا تفسير لمعنى عبوديته للدينار والدرهم، فلا محل له من الإعراب. * * * 2796 - (6437) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا مَخْلَدٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَوْ أَنَّ لاِبْنِ آدَمَ مِثْلَ وَادٍ مَالاً، لأَحَبَّ أَنَّ لَهُ إِلَيْهِ مِثْلَهُ، وَلاَ يَمْلأُ عَيْنَ ابْنِ آدَمَ إِلاَّ التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ". (لو أن لابن آدمَ وادياً (¬2) مِلْءَ (¬3)): بكسر الميم. قال في "الصحاح": هو اسمُ ما يأخذه الإناءُ إذا امتلأ (¬4). ويروى: "مثل": بميم ومثلثة (¬5). * * * 2797 - (6438) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ ابْنِ الْغَسِيلِ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ عَلَى ¬

_ (¬1) انظر: (1/ 123). (¬2) في "ع" و"ج": "آدم مثل واد". (¬3) "ملء" ليست في "ع" و"ج"، وفي المتن: "مالاً"، وهي كذلك في اليونينية، وعند أبي ذر عن الكشميهني: "ملء". (¬4) انظر: "الصحاح" (1/ 73)، (مادة: م ل أ). (¬5) انظر: "التنقيح" (3/ 1186).

باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هذا المال خضرة حلوة" وقوله تعالى: {زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين} الآية [آل عمران: 14]

الْمِنْبَرِ بِمَكَّةَ فِي خُطْبَتِهِ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ: "لَوْ أَنَّ ابْنَ آدَمَ أُعْطِيَ وَادِياً مَلأً مِنْ ذَهَبٍ، أَحَبَّ إِلَيْهِ ثَانِياً، وَلَوْ أُعْطِيَ ثَانِياً، أَحَبَّ إِلَيْهِ ثَالِثاً، وَلاَ يَسُدُّ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلاَّ التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ". (لو أن لابنِ آدمَ وادياً مِلْءَ (¬1)): كذا وقع، قال السفاقسي وغيره: "مَلآْنَ" (¬2). قال الجوهري: يقال: دَلْوٌ مَلأَى، على زنة فَعْلَى، وكوزٌ ملآنُ ماءً، والعامة تقول: مَلاً ماءً (¬3). * * * باب: قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "هذَا المَالُ خَضِرةٌ حُلْوَةٌ" وقولهِ تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ} الآية [آل عمران: 14] 2798 - (6441) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ حَكِيم بْنِ حِزَامٍ، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ قَالَ: "هذَا الْمَالُ". وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ لِي: "يَا حَكِيمُ! إِنَّ هذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِطِيبِ نَفْسٍ، بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بإشْرَافِ نَفْسٍ، لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى". ¬

_ (¬1) نص البخاري: "لَوْ أَنَّ ابْنَ آدَمَ أُعْطِيَ وَادِياً مَلأً". (¬2) انظر: "التوضيح" (29/ 435). (¬3) انظر: "الصحاح" (3/ 72)، (مادة: م ل أ).

باب: "المكثرون هم المقلون"

(ومن أخذَهُ بإشرافِ نفسٍ): أي: بِتطلُّعٍ وتطلُّبٍ وتعرُّضٍ إليه. * * * باب: "المُكْثِرونَ هُمْ المُقِلُّونَ" 2799 - (6443) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ ابْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي ذَرًّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -, قَالَ: خَرَجْتُ لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمْشِي وَحْدَهُ، وَلَيْسَ مَعَهُ إِنْسَانٌ، قَالَ: فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَكْرَهُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَهُ أَحَدٌ، قَالَ: فَجَعَلْتُ أَمْشِي فِي ظِلِّ الْقَمَرِ، فَالْتَفَتَ فَرآنِي، فَقَالَ: "مَنْ هَذَا؟ "، قُلْتُ: أَبُو ذَرًّ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: "يَا أَبَا ذَرًّ! تَعَالَهْ". قَالَ: فَمَشَيْتُ مَعَهُ سَاعَةً، فَقَالَ: "إِنَّ الْمُكْثِرِينَ هُمُ الْمُقِلُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِلاَّ مَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ خَيْراً، فَنَفَحَ فِيهِ يَمِينَهُ وَشِمَالَهُ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ وَوَرَاءَهُ، وَعَمِلَ فِيهِ خَيْراً". قالَ: فَمَشَيْتُ مَعَهُ سَاعَةً، فَقَالَ لِي: "اجْلِسْ هَا هُنَا". قالَ: فَأَجْلَسَنِي فِي قَاعٍ حَوْلَهُ حِجَارَةٌ، فَقَالَ لِي: "اجْلِسْ هَا هُنَا حَتَّى أَرجِعَ إِلَيْكَ". قالَ: فَانْطَلَقَ فِي الْحَرَّةِ حَتَّى لاَ أَرَاهُ، فَلَبِثَ عَنِّي فَأَطَالَ اللُّبْثَ، ثُمَّ إِنَّي سَمِعْتُهُ وَهْوَ مُقْبِلٌ وَهْوَ يَقُولُ: "وَإِنْ سَرَقَ، وَإِنْ زَنَى". قالَ: فَلَمَّا جَاءَ، لَمْ أَصْبِرْ حَتَّى قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، مَنْ تُكَلِّمُ فِي جَانِبِ الْحَرَّةِ؟ مَا سَمِعْتُ أَحَداً يَرجِعُ إِلَيْكَ شَيْئاً. قَالَ: "ذَلِكَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - عَرَضَ لِي فِي جَانِبِ الْحَرَّةِ، قَالَ: بَشِّرْ أُمَّتَكَ أَنَّهُ مَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئاً، دَخَلَ الْجَنَّةَ، قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ! وَإِنْ سَرَقَ، وَإِنْ زَنَى؟ قَالَ: نَعَمْ". قَالَ: قُلْتُ: وَإِنْ سَرَقَ، وَإِنْ زَنَى؟ قَالَ: "نَعَمْ، وَإِنْ شَرِبَ الْخَمْرَ".

باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما أحب أن لي أحدا ذهبا"

(من تُكَلِّم في جانب الحَرَّة؟): بضم التاء؛ أي: مَنْ تُكَلَّمُه أنت؟ وبفتحها وفتح الميم؛ أي: من تَكَلَّمَ معك؟ وقد رويا جميعاً (¬1). * * * باب: قَوْلِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: "ما أُحِبُّ أَنَّ لي أُحُداً ذَهَباً" 2800 - (6444) - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: كُنْتُ أَمشِي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَرَّةِ الْمَدِينَةِ، فَاسْتَقْبَلَنَا أُحُدٌ، فَقَالَ: "يَا أَبَا ذَرًّ! "، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "مَا يَسُرُّنِي أَنَّ عِنْدِي مِثْلَ أُحُدٍ هذَا ذَهَباً، تَمْضِي عَلَيَّ ثَالِثَةٌ وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ، إِلاَّ شَيْئاً أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ، إِلاَّ أَنْ أَقُولَ بِهِ فِي عِبَادِ اللَّهِ هكَذَا وَهكَذَا وَهكَذَا"، عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ، وَمِنْ خَلْفِهِ، ثُمَّ مَشَى فَقَالَ: "إِنَّ الأَكْثَرِينَ هُمُ الأَقَلُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِلاَّ مَنْ قَالَ هكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا - عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَمِنْ خَلْفِهِ -، وَقَلِيلٌ مَا هُمْ". ثُمَّ قَالَ لِي: "مَكَانَكَ لاَ تَبْرَحْ حَتَّى آتِيَكَ". ثُمَّ انْطَلَقَ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ حَتَّى تَوَارَى، فَسَمِعتُ صَوْتاً قَدِ ارْتَفَعَ، فَتَخَوَّفْتُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عَرَضَ لِلنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَرَدْتُ أَنْ آتِيَهُ، فَذَكَرْتُ قَوْلَهُ لِي: "لاَ تَبْرح حَتَّى آتِيَكَ". فَلَم أَبْرَحْ حَتَّى أَتَانِي، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتاً تَخَوَّفْتُ، فَذَكَرْتُ لَهُ، فَقَالَ: "وَهلْ سَمِعْتَهُ؟ "، قلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: "ذَاكَ جِبْرِيلُ أَتَانِي، فَقَالَ: مَنْ مَاتَ مِنْ أُمتِكَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئاً، دَخَلَ الْجَنَّةَ، قلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1186).

باب: الغنى غنى النفس

سَرَقَ؟ قَالَ: وَإِنْ زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ". (إلا شيءٌ): بالرفع. ويروى: بالنصب (¬1). * * * 2801 - (6445) - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ يُونُسَ. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عُتْبَةَ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهباً، لَسَرَّنِي أَنْ لاَ تَمُرَّ عَلَيَّ ثَلاَثُ لَيَالٍ وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ، إِلاَّ شَيْئاً أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ". (أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ): بفتح الهمزة، والصادُ مضمومة أو مكسورة؛ أي: أُعِدُّه. * * * باب: الغِنَى غِنَى النَفْسِ 2802 - (6446) - حَدَّثَنَا أَحمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا أبَو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ". (ليس الغنى عن كثرة العَرَض): بفتح الراء. قال القاضي: هو ما يُجمع من متاع الدنيا، يريد: كثرة المال، وسُمي متاع ¬

_ (¬1) في "ج": "بالضم".

باب: فضل الفقر

الدنيا عَرَضاً (¬1)؛ لزواله، قال الله تعالى: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} [الأنفال: 67] (¬2). وحكى الزركشي: أن ابن (¬3) فارس قال في "المقاييس"، وذكر هذا الحديث: إنما سمعناه بسكون الراء، وهو كلُّ ما كان من المال غيرَ نقدٍ، وجمعُه عُروض، فأما العَرَضُ - بفتح الراء - فما يصيبه الإنسان من الدنيا، قال تعالى: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} [الأنفال: 67]، {وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ} [الأعراف: 169] (¬4). * * * باب: فَضْلِ الفَقْرِ 2803 - (6447) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ: أَنَّهُ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ: "مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟ "، فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ، هذَا - وَاللَّهِ - حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ، قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟ "، فَقَالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ! هذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، هذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لاَ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لاَ يُشَفَّعَ، وَإنْ قَالَ أَنْ لاَ يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هَذَا خَيْرٌ ¬

_ (¬1) في "ع": "غرض". (¬2) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 73). (¬3) "ابن" ليست في "ع" و"ج". (¬4) انظر: "معجم مقاييس اللغة" لابن فارس (4/ 276). وانظر: "التنقيح" (3/ 1186).

باب: كيف كان عيش النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وتخليهم من الدنيا

مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا". (فقال: يا رسول الله! هذا رجل من فقراء المسلمين، هذا حَرِيٌّ إن خطب [أن] لا يُنْكَح): القائل المسؤول هو أبو ذر - رضي الله عنه -، ذكره ابن حبان في "صحيحه"، وأبو يعلى في "مسنده". * * * 2804 - (6450) - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: لَمْ يَأْكُلِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى خِوَانٍ حَتَّى مَاتَ، وَمَا أَكَلَ خُبْزاً مُرَقَّقاً حَتَّى مَاتَ. (وما أكل خبزاً مُرَقَّقاً): أي: مُلَيَّناً مُحَسَّناً كخبز الحُوَّارَى، والتَّرْقيقُ (¬1): التَّليين، ولم يكن عندهم مناخِلُ. * * * باب: كَيْفَ كَانَ عَيْشُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأصْحَابِهِ، وَتَخَلِّيهِمْ مِنَ الدُّنْيَا 2805 - (6452) - حَدَّثَنِي أَبُو نُعَيْمٍ بِنَحْوٍ مِنْ نِصْفِ هذَا الْحَدِيثِ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرًّ، حَدَّثَنَا مُجَاهِدٌ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُولُ: آللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ! إِنْ كُنْتُ لأَعتَمِدُ بِكَبِدِي عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْجُوعِ، وَإِنْ كُنْتُ لأَشُدُّ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِي مِنَ الْجُوعِ، وَلَقَدْ قَعَدتُ يَوْماً عَلَى طَرِيقِهِمُ الَّذِي يَخْرُجُونَ مِنْهُ، فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، مَا سَأَلْتُهُ إِلاَّ ¬

_ (¬1) في "ع": "والرقيق".

لِيُشْبِعَنِي، فَمَرَّ وَلَم يَفْعَلْ، ثُمَّ مَرَّ بِي عُمَرُ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، مَا سَأَلْتُهُ إلَّا لِيُشْبِعَنِي، فَمَرَّ فَلَم يَفْعَلْ، ثُمَ مَرَّ بِي أَبُو الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -، فَتبَسَّمَ حِينَ رَآنِي، وَعَرَفَ مَا فِي نَفْسِي وَمَا فِي وَجْهِي، ثُمَّ قَالَ: "أَبَا هِرٍّ! "، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "الْحَقْ". وَمَضَى، فتبِعتُهُ، فَدَخَلَ، فَاسْتَأْذَنَ، فَأَذِنَ لِي، فَدَخَلَ، فَوَجَدَ لَبَناً فِي قَدَحٍ، فَقَالَ: "مِنْ أَيْنَ هذَا اللَّبَنُ؟ "، قَالُوا: أَهْدَاهُ لَكَ فُلاَنٌ أَوْ فُلاَنَةُ، قَالَ: "أَبَا هِرًّ! "، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "الْحَقْ إِلَى أَهْلِ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ لِي". قَالَ: وَأَهْلُ الصُّفَّةِ أَضْيَافُ الإِسْلاَمِ، لاَ يَأْوُونَ إِلَى أَهْلٍ وَلاَ مَالٍ، وَلاَ عَلَى أَحَدٍ، إِذَا أَتَتْهُ صَدَقَةٌ، بَعَثَ بِها إِلَيْهِمْ، وَلَم يَتَنَاوَلْ مِنْها شَيْئاً، وإِذَا أَتَتْهُ هَدِيَّةٌ، أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ، وَأَصَابَ مِنْها، وَأَشْرَكَهُم فِيها، فَسَاءَنِي ذَلِكَ، فَقُلْتُ: وَمَا هَذَا اللَّبَنُ فِي أَهْلِ الصُّفَّةِ؟! كُنْتُ أَحَقُّ أَنَا أَنْ أُصِيبَ مِنْ هذَا اللَّبَنِ شَرْبَةً أَتَقَوَّى بِهَا، فَإِذَا جَاءَ أَمَرَنِي، فَكُنْتُ أَنَا أُعْطِيهِمْ، وَمَا عَسَى أَنْ يَبْلُغَنِي مِنْ هَذَا اللَّبَن؟ وَلَم يَكُنْ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - بُدٌّ، فَأَتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ، فَأقْبَلُوا، فَاسْتَأذَنوُا، فَأَذِنَ لَهُم، وَأَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ مِنَ الْبَيْتِ، قَالَ: "يَا أَبَا هِرًّ! "، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "خُذْ فَأَعْطِهِمْ". قَالَ: فَأَخَذْتُ الْقَدَحَ، فَجَعَلْتُ أُعْطِيهِ الرَّجُلَ، فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ الْقَدَحَ، فَأُعطِيهِ الرَّجُلَ، فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ الْقَدَحَ، فَأُعْطِيهِ الرَّجُلَ، فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ الْقَدَحَ، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَد رَوِيَ الْقَوْمُ كُلُّهُم، فَأَخَذَ الْقَدَحَ، فَوَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ، فَنَظَرَ إِلَيَّ فَتَبَسَّمَ، فَقَالَ: "أَبَا هِرٍّ! "، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "بقِيتُ أَنَا وَأَنْتَ"، قلْتُ: صَدَقْتَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "اقْعُدْ فَاشْرَبْ"، فَقَعَدْتُ

فَشَرِبْتُ، فَقَالَ: "اشْرَبْ"، فَشَرِبْتُ، فَمَا زَالَ يَقُولُ: "اشْرَبْ" حَتَّى قُلْتُ: لاَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ! مَا أَجِدُ لَهُ مَسْلَكاً، قَالَ: "فأَرِنِي"، فَأَعطَيْتُهُ الْقَدَحَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَسَمَّى، وَشَرِبَ الْفَضْلَةَ. (باب: كيف كانَ عيشُ النبي - صلى الله عليه وسلم -؟). (ثنا أبو نعيم بنحوٍ من نصفِ هذا الحديث): قال الزركشي: هذا الموضعُ من عُقد الكتاب؛ فإنه لم يذكر مَنْ حدّثه بالنصف الآخر، قال: ويمكن أن يقال: اعتمد على السند الآخر الذي تقدم له في كتاب: الاستئذان (¬1). (آلله الذي لا إله إلا هو): لا شكَّ أنه (¬2) حُذف حرفُ القسم من قوله: الله، فيجوز نصبه وخفضه، لكن قال السفاقسي: رويناه بالنصب (¬3) (¬4). (وإن كنت لأَشُدَّ الحجرَ على بطني من الجوع): قال الخطابي: أشكلَ الأمرُ في شد الحجر على البطن من الجوع على قومٍ حتى توهموا أنه تصحيف، فزعموا أنما هو الحُجَزُ، جمع الحجزة، التي يشدُّ بها المرءُ (¬5) وَسْطَهُ. قال: ومن أقام بالحجاز، وعرفَ عادتهم، علم أن الحجرَ واحدةُ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1188). (¬2) في "م": "أن". (¬3) "بالنصب" ليست في "ع". (¬4) انظر: "التنقيح" (3/ 1188)، و"التوضيح" (29/ 475). (¬5) في "ج": "المرأة".

الحجارة (¬1)، وذلك أن المجاعة تُصيبهم (¬2)، فإذا خوى البطن، يهرم (¬3)، فلا يمكن معه الانتصابُ، فيؤخذ حينئذ صفائحُ دِقاقٌ (¬4) في طول الكَفَّ، فتُرْبط على البطن، وتُشد بحُجْزَةٍ فوقها، فتعتدلُ قامةُ الإنسان بعضَ الاعتدال (¬5). (إلا لِيشبِعَني): من الشَّبَعِ. ويروى: "إلا ليَسْتَتْبِعني (¬6) "؛ من الاستتباع، وهو طلب التَّبَعِيَّةِ. [(أبا هرّ!): يروى بتشديد الراء وتخفيفها، وأصلُ تكنيته بذلك: أنه وجدَ هرة في الطريق، فاخذها، فأتى بها رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "أَنْتَ أَبو هِرٍّ"] (¬7). * * * 2806 - (6453) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعداً يَقُولُ: إِنِّي لأَوَّلُ الْعَرَبِ رَمَى بِسَهْمٍ فِي ¬

_ (¬1) في "ع": "واحدة بالحجاز". (¬2) في "ع" و"ج": "أن الجماعة نصيبهم كبيراً". (¬3) في "ع": "هرم". (¬4) في "ع" و"ج": "رقاق". (¬5) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 2246). وانظر: "التوضيح" (29/ 475)، ووقع عنده: "فيعمد حينئذ إلى صفائح رقاق من طول الكف". (¬6) في "م": "إلا يستتبعني". (¬7) ما بين معكوفتين ليس في "ج". وانظر: "التنقيح" (3/ 1188). والحديث رواه الحاكم في "المستدرك" (6141). وغيره عن ابن إسحاق، قال: حدثني بعض أصحابي, عن أبي هريرة.

سَبِيلِ اللَّهِ، وَرَأَيْتُنَا نَغْزُو وَمَا لَنَا طَعَامٌ إِلاَّ وَرَقُ الْحُبْلَةِ، وَهذَا السَّمُرُ، وَإِنَّ أَحَدَنَا لَيَضَعُ كَمَا تَضَعُ الشَّاةُ، مَا لَهُ خِلْطٌ، ثُمَّ أَصْبَحَتْ بَنُو أَسَدٍ تُعَزِّرُنِي عَلَى الإِسْلاَمِ، خِبْتُ إِذاً وَضَلَّ سَعْيِي. (إلا ورق الحُبُلَة): بضم (¬1) [الحاء المهملة والباء الموحدة، ومنهم من يسكن الباء] (¬2). (ما له خِلْط): [بكسر الخاء المعجمة وإسكان اللام. (تُعَزِّرُني)] (¬3): بزاي بعدها راء؛ أي: تُؤَدَّبُني. * * * 2807 - (6455) - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ - هُوَ الأَزْرَقُ - عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ، عَنْ هِلاَلٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: مَا أَكَلَ آلُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - أَكْلَتَيْنِ فِي يَوْمٍ إِلاَّ إحدَاهُمَا تَمْرٌ. (إلا إحداهما تمراً): هكذا بنصب "تمراً"، إما على تقدير: إلا كانت إحداهما تمراً، أو إلا جُعل إحداهما تمراً. * * * 2808 - (6459) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأُوَيْسِيُّ: حَدَّثَنِي ¬

_ (¬1) في "ع": "بضم اللام". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع".

باب: القصد والمداومة على العمل

ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا قَالَتْ لِعُرْوَةَ: ابْنَ أُخْتِي! إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلاَلِ ثَلاَثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ، وَمَا أُوقِدَتْ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ناَرٌ، فَقُلْتُ: مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ؟ قَالَتِ: الأَسْوَدَانِ: التَّمْرُ، وَالْمَاءُ، إِلاَّ أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جِيرَانٌ مِنَ الأَنْصَارِ، كَانَ لَهُمْ مَنَائِحُ، وَكَانُوا يَمْنَحُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَبْيَاتِهِمْ، فَيَسْقِينَاهُ. (ما كان يُعِيشكم): - بضم المضارعة التحتية وكسر العين -: مضارعُ أَعاشَهُ كذا: إذا أقامَ (¬1) عيشَه. * * * باب: القَصْدِ والْمُدَاوَمَةِ عَلَى العَمَلِ 2809 - (6461) - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَشْعَثَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ مَسْرُوقاً، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: أَيُّ الْعَمَلِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَتِ: الدَّائِمُ، قَالَ: قُلْتُ: فَأَيَّ حِينٍ كَانَ يَقُومُ؟ قَالَتْ: كَانَ يَقُومُ إِذَا سَمِعَ الصَّارِخَ. (إذا سمع الصارِخَ): أي: الديكَ. * * * 2810 - (6463) - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَنْ يُنَجِّيَ أَحَداً مِنْكُمْ عَمَلُهُ". قالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّه؟ قَالَ: "وَلاَ أَنَا، إِلاَّ ¬

_ (¬1) في "م": "قام".

أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ، سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَاغْدُوا وَرُوحُوا، وَشَيْءٌ مِنَ الدُّلْجَةِ، وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا". (سَدِّدُوا): اقصِدوا (¬1) فعلَ السَّداد، وهو الصواب (¬2). (وقاربوا): أي: لا تَغْلوا، والمقاربةُ: القصدُ في الأمور التي لا غُلُوَّ فيها ولا تقصيرَ (¬3). * * * 2811 - (6466) - حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ، قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ! كَيْفَ كَانَ عَمَلُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ هَلْ كَانَ يَخُصُّ شَيْئاً مِنَ الأَيَّامِ؟ قَالَتْ: لاَ، كانَ عَمَلُهُ دِيمَةً، وَأَيُّكُمْ يَسْتَطِيعُ مَا كانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَطِيعُ؟ (كان عملُه دِيمةً): قلت: فلا جَرَمَ أن سحائبَ نفعِه منسحبةٌ (¬4) على الخلق، مستمرةٌ بالانصباب بالرحمة عليهم، مخصِبَةٌ لأرضِ (¬5) قلوبهم بربيع محبته، جزاه الله أحسنَ ما جزى نبياً عن أمته بمنِّه ويُمْنِه (¬6). ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "أَي اقصدوا". (¬2) في "ع" و"ج": "وهو الصوت". (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1189). (¬4) في "ع" و"ج": "مستحبة". (¬5) في "ج": "الأرض". (¬6) "ويمنه" ليست في "ج".

باب: الرجاء مع الخوف

والدَّيمَةُ: المطرُ الدائم في سكون، فشَبَّهَتْ عملَه في دوامه مع الاقتصاد بديمةِ المطر، وياؤه (¬1) منقلبة عن واو؛ لأنه من الدوام، وموجبُ الانقلاب: سكونُ (¬2) الواو، وانكسارُ ما قبلها. * * * 2812 - (6468) - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ هِلاَل بْنِ عَلِيًّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى لَنَا يَوْماً الصَّلاَةَ، ثُمَّ رَقِيَ الْمِنْبَرَ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ قِبَلَ قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: "قَدْ أُرِيتُ الآنَ مُنْذُ صَلَّيْتُ لَكُمُ الصَّلاَةَ، الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، مُمَثَّلَتَيْنِ فِي قُبُلِ هذَا الْجِدَارِ، فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، فَلَم أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ". (ثم رقِي المنبر): - بكسر القاف -؛ أي: صَعِدَ. * * * باب: الرَّجَاءِ مَعَ الخَوْفِ 2813 - (6469) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمرِو بْنِ أَبِي عَمرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِئَةَ رَحْمَةٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعاً وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "وتارة". (¬2) في "ع": "بسكون".

وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً، فَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللهِ مِنَ الرَّحْمَةِ، لَمْ يَيْئَسْ مِنَ الْجَنَّةِ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللهِ مِنَ الْعَذَابِ، لَمْ يَأْمَنْ مِنَ النَّارِ". (خلقَ الله الرّحمةَ يومَ خلقها مئةَ رحمة): اعلمْ أنه يجوز عند المتكلمين في تأويل ما لا يسوغ نسبته إلى الله تعالى على حقيقته اللغوية وجهان: أحدهما: الحملُ على الإرادة، فيكون من صفات الذات. والآخر: الحملُ على فعل الإكرام، فيكون من صفات الأفعال؛ كالرحمة، فإنها في اللُّغة مشتقة من الرّحم، وحاصلها رقَّةٌ طبيعيةٌ وميلٌ جِبِلِّيٌّ، وهذا مستحيلٌ في حق الباري (¬1) - سبحانه وتعالى -، فمنهم من يحملها على إرادةِ الخير، ومنهم من يحملها على فعل الخير. ثمّ بعد ذلك يتعين أحدُ التأويلين في بعض السياقات لمانعٍ يمنع من الآخر، مثالُه ها هنا، فيتعين تأويلُ الرحمة بفعل الخير؛ لتكون صفةَ فعل، فتكونَ حادثةً عند الأشعريِّ، فيتسلَّطُ الخلق عليها، ولا يصحُّ هنا تأويلُها بالإرادة؛ لأنها إذ ذاك من صفات الذات، فتكون قديمة، فيمتنع تعلُّق الخلق بها، ويتعين تأويلُها بالإرادة في قوله تعالى: {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} [هود: 43]؛ لأنك لو حملتها على الفعل؛ لكان العصمة بعينها، فيكون استثناء الشيء من نفسه، فكأنك قلت: لا عاصم إِلَّا العاصم (¬2)، فتكون الرحمةُ الإرادةَ، والعصمةُ على بابها؛ لفعل المنع من المكروهات، كأنه قال: لا يمنع من المحذور إِلَّا من أراد السلامة، فتأمل. ¬

_ (¬1) في "ع": "والباري"، وفي "م": "من الباري". (¬2) في "ع": "إِلَّا لعاصم"، وفي "ج": "إِلَّا بعاصم".

باب: الصبر عن محارم الله وقوله تعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} [الزمر: 10]

باب: الصَّبْرِ عَنِ مَحَارِمِ اللهِ وقَوْلهِ تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10] 2814 - (6470) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ أُنَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ يَسْأَلْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا أَعْطَاهُ حَتَّى نفَدَ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ نفَدَ كُلُّ شَيْءٍ أَنْفَقَ بِيَدَيْهِ: "مَا يَكُنْ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ، لَا أَدَّخِرْهُ عَنْكُمْ، وَإِنَّهُ مَنْ يَسْتَعِفَّ، يُعِفُّهُ اللهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ، يُصَبِّرْهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ، يُغْنِهِ اللهُ، وَلَنْ تُعْطَوْا عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ". (حتّى نَفِد (¬1)): بفاء مكسورة ودال مهملة (¬2). * * * 2815 - (6471) - حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، حَدَّثَنَا زِيَادُ ابْنُ عِلَاقَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بِنَ شُعْبَةَ يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي حَتَّى تَرِمَ - أَوْ تَنْتَفِخَ - قَدَمَاهُ، فَيُقَالُ لَهُ، فَيَقُولُ: "أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟ ". (حتّى تَرِم): - بكسر الراء المخففة -؛ أي: تنتفخ، وَرِمَ يَرِمُ مثلُ: وَرِثَ يَرِثُ، وهو على خلاف القياس، وقياسه: تَوْرَم - بفتح الراء، وإثبات الواو -، مثل: وَجِل يَوْجَل. * * * ¬

_ (¬1) في "م": "تنفذ". (¬2) "مهملة" ليست في "ع" و"ج".

باب: ما يكره من قيل وقال

باب: مَا يُكْرَهُ مِنْ قِيلَ وَقَالَ (باب: ما يُكره من قيل وقال): قال الزركشي: تنوينُهما على أنهما اسمان، وبالفتح على أنهما فعلان (¬1). قلت: بل (¬2)، وعلى أنهما اسمان، والفتحُ للحكاية، بل لا (¬3) يسوغ ادعاءُ فعليَّتَهما في هذا التركيب البَتَّةَ عندَ المحققين، وكيف وحرفُ الجر الّذي هو من خصائص الأسماء قد دخلَ عليهما؟ وإنّما يجوّز فِعْلِيَّتَهما في. مثل هذا ابنُ مالك، ولم يتابعه عليه أحدٌ من الحُذَّاق (¬4). * * * باب: حِفْظِ اللِّسَانِ، وقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كَانَ يؤمنُ باللهِ واليوم الآخرِ فليقُلْ خيرًا أو لِيَصْمُتْ" وقَوْلهِ جَلّ ذِكْرُه: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] 2816 - (6476) - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ، قَالَ: سَمِعَ أُذُنَايَ، وَوَعَاهُ قَلْبِي: النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الضِّيَافةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، جَائِزَتُهُ؟. قِيلَ: مَا جَائِزَتُهُ؟ قَالَ: "يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أَوْ لِيَسْكُتْ". ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1191). (¬2) في "ع" و"ج": "بل قلت". (¬3) في "ع" و"ج": "ولا". (¬4) في "ع" و"ج": "من الحقوق".

(الضيافةُ ثلاثةُ أيام جائزة، قال (¬1): ما جائزتُه؟ قال: يومٌ وليلَةٌ): يحتمل أن يكون ارتفاع "جائزتُه" [على أنه مبتدأ حُذف خبره؛ أي: منها جائزتُه] (¬2)، ويكون هذا على رأي من يرى أن الجائزة داخلةٌ في الضيافة، لا خارجةٌ عنها. * * * 2817 - (6478) - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُنِيرٍ، سَمِعَ أَبَا النَّضْرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ - يَعْنِي: ابْنَ دِينَارٍ -، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللهِ، لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُ اللهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ، لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ". (وإن العبدَ ليتكلَّمُ بالكلمة (¬3) من سَخَط الله، لا يُلقي لها بالًا): أي: يتكلم (¬4) بها على غَفْلَةٍ من غير تثبُّتٍ ولا تأمُّلٍ، و"من سَخَطِ الله" حالٌ من الكلمة، أو صفةٌ لها؛ لأن اللام جنسية، فلك اعتبارُ المعنى، واعتبارُ اللفظ. والجملة الفعلية: إمّا حالٌ من ضمير "العبد" المستكنِّ في التكلُّم، أو من "الكلمة (¬5) "، أو صفةٌ لها بالاعتبارين المذكورين. (يَهوي بها في نار جهنم): - بفتح ياء المضارعة التحتية "من يهوي"، ¬

_ (¬1) في المتن: "جائزتُهُ، قيلَ". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬3) في "ع": "الكلمة". (¬4) في "ع": "أي: لا يتكلم". (¬5) "أو من الكلمة" ليست في "ع" و"ج".

باب: الخوف من الله

وكسر الواو -. قال (¬1) ابنُ عبدِ البر: هي الكلمةُ السوءُ عندَ السلطانِ الجائر. وقال ابن عبد السّلام: هي الكلمة الّتي لا يُعرف حسنُها من قبحها، ويحرُم على الإنسان أن يتكلَّم بما لا يعرف حسنه من قبحه (¬2). * * * باب: الخَوْفِ مِنَ اللهِ 2818 - (6480) - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "كانَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يُسِيءُ الظَّنَّ بِعَمَلِهِ، فَقَالَ لأَهْلِهِ: إِذَا أَنَا مُتُّ، فَخُذُونِي، فَذَرُّونِي فِي الْبَحْرِ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ، فَفَعَلُوا بِهِ، فَجَمَعَهُ اللهُ، ثُمَّ قَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى الَّذِي صَنَعْتَ؟ قَالَ: مَا حَمَلَنِي إِلَّا مَخَافَتُكَ، فَغَفَرَ لَهُ". (كان رجل (¬3) ممّن كان قبلَكم يسيءُ الظنَّ بعملِه): جاء في وصف هذا أربعة أشياء: أحدها: أنه كان نَبَّاشاً (¬4)، وهذا في "البخاري". والثاني: أنه من بني إسرائيل (¬5)، وهذا في "البخاري" ما يرشد إليه؛ فإنه ¬

_ (¬1) في "م": "وقال". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1191). (¬3) في "ع": "رجلًا". (¬4) في "ع": "نابشاً". (¬5) في "ع": "إبراهيم".

ذكر في باب: ما ذُكر عن بني إسرائيل، قال: وقال عقبة بن عمرو: وأنا سمعته يقول ذلك، وكان نباشاً. والثالث: أنه آخرُ أهلِ النّار خروجاً، وآخرُ أهلِ الجنةِ دخولًا. والرابع: أنه كان يقول: أَجِرْني من النّار، مقتصراً على ذلك. والكلام على تفاصيل هذه الأشياء الأربعة طويل، وهو مستوفًى في "الإفهام". * * * 2819 - (6481) - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، سَمِعْتُ أَبِي، حَدَّثَنَا قتادَةُ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَبْدِ الْغَافِرِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرَ رَجُلاً: "فِيمَنْ كَانَ سَلَفَ، أَوْ قَبْلَكُمْ، آتَاهُ اللهُ مَالًا وَوَلَداً - يَعْنِي: أَعْطَاهُ - قَالَ: فَلَمَّا حُضِرَ، قَالَ لِبَنِيهِ: أَيَّ أَبٍ كنْتُ؟ قَالُوا: خَيْرَ أَبٍ، قَالَ: فَإنَّهُ لَمْ يَبْتَئِرْ عِنْدَ اللهِ خَيْرًا - فَسَّرَهَا قَتَادَةُ: لَمْ يَدَّخِرْ -، وَإِنْ يَقْدَمْ عَلَى اللهِ، يُعَذِّبْهُ، فَانْظُرُوا، فَإِذَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي، حَتَّى إِذَا صِرْتُ فَحْمًا، فَاسْحَقُونِي، أَوْ قَالَ: فَاسْهَكُونِي، ثُمَّ إِذَا كَانَ رِيحٌ عَاصِفٌ، فَأَذْرُونِي فِيهَا، فَأَخَذَ مَوَاثِيقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ - وَرَبِّي -، فَفَعَلُوا، فَقَالَ اللهُ: كُنْ، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ، ثُمَّ قَالَ: أَيْ عَبْدِي! مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا فَعَلْتَ؟ قَالَ: مَخَافَتُكَ، أَوْ فَرَقٌ مِنْكَ، فَمَا تَلَاقَاهُ أَنْ رَحِمَهُ اللهُ". (أيَّ أبٍ كنتُ؟): بنصب "أيَّ" على أنه خبر كان، تقدّم وجوباً؛ لأجل الاستفهام. (قالوا: خيراً): بالنصب والتنوين.

وفي نسخة بالنصب وترك التنوين، على أن المعنى: خيرَ أبٍ، فحُذف المضافُ إليه، وبقي المضافُ (¬1) على الصورة التي كان عليها مثل: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 54]، {فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} [المائدة: 69] بالضم (¬2) فيهما بغير تنوين؛ أي: سلامُ الله، فلا خوفُ شيءٍ عليهم. قال الزركشي: ومنهم من قيده بالضم على حذف المضاف إليه (¬3)؛ أي: خيرَ أب، على حدِّ قراءة: {وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [الأنفال: 67]، - بالجر (¬4) -؛ أي: عَرَضَ الآخرةِ (¬5). قلت: الآية (¬6) ليس من حذف المضاف إليه، بل من حذف المضاف، والتمثيل بها (¬7) لما نحن فيه سهو. (فما تلافاه أن رحمه): انظر إعرابه؛ فإنّه مشكل، ويظهر لي أنه يتخرج (¬8) على رأي السهيلي في جواز حذف أداة الاستثناء؛ لقيام القرينة؛ أي: فما يتداركه إِلَّا بأن رحمه، فتأمله. * * * ¬

_ (¬1) "وبقي المضاف" ليست في "ع" و"ج". (¬2) في "ع": "بالنصب". (¬3) "المضاف إليه" ليست في "ع". (¬4) "بالجر" ليست في "ع" و"ج". (¬5) انظر: "التنقيح" (3/ 1191). (¬6) في "ع" و"ج": "قلت: إِلَّا أنه". (¬7) في "ع": "الآية بها". (¬8) في "ع" و"ج": "متخرج".

باب: الانتهاء عن المعاصي

باب: الانْتِهاءِ عَنْ المَعَاصِيْ 2820 - (6482) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَثَلِي وَمَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللهُ، كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمًا، فَقَالَ: رَأَيْتُ الْجَيْشَ بِعَيْنَيَّ، وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ، فَالنَّجَا النَّجَاءَ، فَأَطَاعَتْهُ طَائِفَةٌ، فَأَدْلَجُوا عَلَى مَهَلِهِمْ، فَنَجَوْا، وَكَذَّبَتْهُ طَائِفَةٌ، فَصَبَّحَهُمُ الْجَيْشُ، فَاجْتَاحَهُمْ". (أنا النذير العُريان): وأصله أن الربيئة إذا كان بمرقب عال، وبَصُرَ بالعدوِّ، ونزعَ ثوبه، فألاحَ به يُنذر القومَ، فيبقى عرياناً. قال الزركشي: ويروى: "العَرَبَان" - بفتح العين والراء والباء الموحدة -؛ أي: المفصِحُ (¬1) بالإنذار؛ من أَعْرَبَ عن حاجَتِه (¬2). (فالنَّجَا النَّجا): مقصوران، ويُمَّدان، وهما منصوبان على الإغراء. (فادَّلَجُوا): - بتشديد الدال -: ساروا ليلًا. (على مهَلهم): بفتح الهاء، والمَهَل: التؤدة. (فاجتاحَهم): أي: استأصَلَهم بالجائحة. * * * 2821 - (6483) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "الفصح". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1192).

باب: الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك

الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ النَّاسِ كمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ، جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذ الدَّوَابُّ الَّتِي تَقَعُ فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا، فَجَعَلَ يَنْزِعُهُنَّ، وَيَغْلِبْنَهُ فَيَقْتَحِمْنَ فِيهَا، فَأَنَا آخُذُ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، وهُمْ يَقْتَحمُونَ فِيهَا". (فأنا آخذٌ بحُجَزِكُم): قيل: صوابه: بحجزهم (¬1)؛ لأن المتقدِّم: "إنّما مَثَلي ومَثَلُ الناسِ". قلت: غايته أنه التفتَ من الغِيبة إلى الخطاب؛ اعتناءً بشأن الحاضرين في وقوع الموعظة من قلوبهم أتمَّ موقع، ومثلُ ذلك من محاسن الكلام، فكيف يدَّعَى أن الصوابَ (¬2) خلافُه؟! * * * باب: الجَنَّةُ أَقْرَبُ إلى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ، وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ 2822 - (6488) - حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، وَالأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ، وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ". (من شِراك نعلِه): شِراكُ النعل: أي: سُيورها التي في وَجْهها (¬3). ¬

_ (¬1) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬2) في "ج": "الكلام لصواب". (¬3) المرجع السابق، الموضع نفسه.

باب: رفع الأمانة

باب: رَفْعِ الأَمَانَةِ 2823 - (6497) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا حُذَيْفَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثَيْنِ، رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا، وَأَنَا أَنْتَظِرُ الآخَرَ، حَدَّثَنَا: "أَنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ". وَحَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِهَا، قَالَ: "يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ، فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الْوَكْتِ، ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ، فَتُقْبَضُ، فَيَبْقَى أَثَرُهَا مِثْلَ الْمَجْلِ؛ كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ، فَنَفِطَ، فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا، وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، فَيُصْبحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ، فَلَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الأَمَانَةَ، فَيُقَالُ: إِنَّ فِي بَنِي فُلَانٍ رَجُلًا أَمِيناً، وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ: مَا أَعْقَلَهُ وَمَا أَظْرَفَهُ وَمَا أَجْلَدَهُ! وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ". وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ زَمَانٌ، وَمَا أُبَالِي أَيَّكُمْ بَايَعْتُ، لَئِنْ كَانَ مُسْلِماً، رَدَّهُ الإِسْلَامُ، وَإنْ كَانَ نَصْرَانِيّاً، رَدَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ، فَأَمَّا الْيَوْمَ: فَمَا كُنْتُ أُبَايِعُ إِلَّا فُلَاناً وَفُلَاناً. (في جَذْر قلوب الرجال): الجذر - بفتح الجيم وكسرها وسكون الذال المعجمة -: هو الأصل. (مثلَ [أثرِ] الوَكْت): - بواو مفتوحة وكاف ساكنة فمثناة فوقية -: هو النقطة في الشيء من غير لونه. (مثلَ المَجْل): - بفتح الميم وسكون الجيم -: هو النُّفاخات التي تخرجُ في الأيدي عند كثرة العمل مملوءة ماءً، يقال: مَجَلَتْ يدُه، ومَجِلَتْ: بفتح

جيم الفعل وكسرها (¬1). (فتراه مُنْتَبِراً): أي: مرتَفِعاً، يقال: نَبَرْتُ الشيءَ: رفعتُه، ومنه سُمِّي المنبرُ. وقال أبو عبيد: منتبراً: مُنْتَفِطاً. والمعنى: أن الأمانة لم يبقَ منها في قلوب الرجال إِلَّا مثلُ هذه (¬2) الآثار التي ضَرب بها المثلَ (¬3). * * * 2824 - (6498) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّمَا النَّاسُ كَالإِبلِ الْمِئَةُ، لَا تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً". (كالإبل المئة): قال ابن مالك: فيه النعتُ بالعدد، وقد حكى سيبويهِ عن بعض العرب: أخذوا من بني فلان إبلًا مئةً (¬4). (لا تكادُ تجدُ فيها راحِلَةً): هي المختارةُ القويةُ على الحمل والأسفار، يريد: أن الخير في الناس الذي تَرضى حالَه وطريقتَه قليلٌ. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1192). (¬2) "هذه" ليست في "ع" و"ج". (¬3) انظر: "التوضيح" (29/ 568). (¬4) انظر: "التنقيح" (3/ 1193).

باب: الرياء والسمعة

باب: الرِّيَاءِ والسُّمْعَةِ 2825 - (6499) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ. وَحَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدَباً يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَداً يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - غَيْرَهُ، فَدَنَوتُ مِنْهُ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ سَمَّعَ، سَمَّعَ اللهُ بِهِ، وَمَنْ يُرَائِي، يُرَائِي اللهُ بِهِ". (من سمَّع، سَمَّعَ اللهُ به): هو على المجازاة من جنسِ العمل؛ أي (¬1): من شَهَرَ عملَه، سَمَّعَه الله ثوابَه، ولم يُعْطِه إياه. وقيل: من أسمعَ الناسَ عملَه، سَمَّعَهم الله إياه، وكان ذلك حظَّه من الثواب. وكذا القول في: "ومن يرائي، يرائي الله به"، فلا يظفر من ريائه إِلَّا بفضيحته، وإظهارِ ما كان يُبطنه من سوء الطويَّة، نعوذ بالله من ذلك. * * * باب: التَّوَاضُعِ 2826 - (6502) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، حَدَّثَنِي شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيّاً، فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "الذي".

مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي، لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ، وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ". (كنت سمعَه الذي يسمعُ به) إلى آخره، قيل: أن لا تتحرك جارحةٌ من جوارحه إِلَّا في الله، وبالله، ولله، فجوارحُه كلُّها تعمل بالحق (¬1). (وما تردَّدْتُ عن شيء أنا فاعلُه تَرَدُّدي عن نفس المؤمن): لا شكَّ أن التردُّد على (¬2) ظاهره مُحالٌ على الله تعالى، وذكروا في تأويله من وجهين: أحدهما: أن العبد قد (¬3) يُشرف على الهلاك في (¬4) حينٍ ما، فيدعو الله، فيشفيه، فيكون ذلك من فعله؛ كتردُّد من يريد (¬5) فعلًا، ثم يتركه، ولا بد له منه إذا بلغ الكتابُ أجلَه. الثاني: ما رَدَدْتُ رُسلي من شيء أنا فاعلُه تردُّدي إياهُم في نفس المؤمن، كما رُوي في قصة موسى ومَلَكِ الموت. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1194). (¬2) في "ج": "في". (¬3) "قد" ليست في "خ". (¬4) في "ع" و"ج": "من". (¬5) في "ع" و"ج": "يرد".

باب: طلوع الشمس من مغربها

باب: طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِها 2827 - (6506) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ، فَرَآهَا النَّاسُ، آمَنُوا أَجْمَعُونَ، فَذَلِكَ حِينَ: {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: 158]. وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلَانِ ثَوْبَهُمَا بَيْنَهُمَا، فَلَا يَتَبَايَعَانِهِ، وَلَا يَطْوِيانِهِ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدِ انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ، فَلَا يَطْعَمُهُ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَهْوَ يَلِيطُ حَوْضَهُ، فَلَا يَسْقِي فِيهِ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ رَفَعَ أُكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ، فَلَا يَطْعَمُهَا". (يَليطُ حوضَه): أي: يُطَيِّنُهُ. * * * باب: يَقْبِضُ اللهُ الأَرْضَ يَوْمَ القِيامَةِ 2828 - (6520) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "تَكُونُ الأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً، يَتَكَفَّؤُهَا الْجَبَّارُ بِيَدِهِ، كَمَا يَكْفَأُ أَحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ فِي السَّفَرِ، نُزُلًا لأَهْلِ الْجَنَّةِ". فَأَتَى رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ: بَارَكَ الرَّحْمَنُ عَلَيْكَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، أَلَا أُخْبِرُكَ بِنُزُلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: "بَلَى". قَالَ: تَكُونُ الأَرْضُ خُبْزَةً وَاحِدَةً، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَنَظَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْنَا، ثُمَّ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِإِدَامِهِمْ؟ قَالَ: إِدَامُهُمْ بَالَامٌ وَنُونٌ،

قَالُوا: وَمَا هَذَا؟ قَالَ: ثَوْرٌ وَنُونٌ، يَأْكُلُ مِنْ زَائِدَةِ كبِدِهِمَا سَبْعُونَ أَلْفاً. (يتكفؤها (¬1) الجبارُ): أي: يُقَلَّبها ويُميلها من ها هنا إلى ها هنا (¬2) بقدرته، وقيل: يضمُّها. (نُزُلًا): - بضم النون والزاي -: مصدرٌ في موضع الحال. (قال: إِدامهم): بكسر الهمزة. (بالامٌ ونونٌ، قالوا: ما هذا؟ قال: ثورٌ ونونٌ): حكى السفاقسي عن الخطابي أنه قال: أما النونُ، فهو الحوت، وأما بالامٌ، فإنّه شيء مبهَم دلَّ الجوابُ من اليهودي على أنه اسمٌ للثور، وهو ما لم ينتظم، فيشبه أن يكون اليهودي (¬3) أرادَ (¬4) أن يعمِّي الاسمَ بتقطيع الهجاء (¬5)، وقدَّمَ أحدَ الحرفين، فقال: بالام، وإنّما هو في حق الترتيب؛ لا با هجاء لأَى (¬6) على وزن لَعَى؛ أي: ثور، فصحَّفَ فيه الرواية: "بالام"، فأشكلَ واستبهمَ. قال: وهذا أقربُ ما يقع لي فيه، إِلَّا أن يكون ذلك بغير لسان العرب، فإن المخبِرَ يهوديٌّ، فلا يبعد أن يكون إنما عَبَّرَ عنه (¬7) بلسانه (¬8). ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "يتلقاهم". (¬2) في "ع" و"ج": "هنا". (¬3) في "ج": "اليهود". (¬4) "أراد" ليست في "ج". (¬5) في "ج": "الاسم الهجاء". (¬6) في "ج": "لا". (¬7) في "ج": "به". (¬8) انظر: "أعلام الحديث" (3/ 2266). وانظر: "التنقيح" (3/ 1195).

باب: كيف الحشر؟

باب: كَيْفَ الحَشْرُ؟ 2829 - (6522) - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى ثَلَاثِ طَرَائِقَ: رَاغِبِينَ رَاهِبِينَ، وَاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ، وَثَلَاثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَأَرْبَعَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَعَشَرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ. وَيَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ، تَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا، وَتَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا، وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا، وَتُمْسِي مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا". (ويَحْشُر بقيتَهم النارُ، تَقيل معهم حيثما (¬1) قالوا): قال القاضي: هذا قبلَ قيام الساعة، وهو آخرُ أشراطها كما ذكره مسلم: "وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَن تُرَحِّلُ النَّاسَ" (¬2). وقيل: إنما ذلك في القيامة، وما ذكره القاضي أظهرُ؛ لما في نفس الحديث (¬3) من ذكر القائلة والمبيت والصباح، وليس ذلك في الآخرة. * * * باب: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج: 1] 2830 - (6530) - حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أِبي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلّى الله عليه وسلم -: ¬

_ (¬1) في المتن: "حَيْثُ". (¬2) رواه مسلم (2901) عن حذيفة بن أسيد رضي الله عنه. وانظر: "مشارق الأنوار" (1/ 213). (¬3) في "ع" و"ج": "نفس المؤمن".

"يَقُولُ اللهُ: يَا آدَمُ! فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، قَالَ: يَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، قَالَ: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِئَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، فَذَاكَ حِينَ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، وَتَضَعُ كُل ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، وَتَرَى النَّاسَ سَكْرَى وَمَا هُمْ بِسَكْرَى، وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ". فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولُ اللهِ! أَيُّنَا ذلك الرَّجُلُ؟ قَالَ: "أَبْشِرُوا, فَإِنَّ مِنْ يَأْجُوجَ وَمأْجُوجَ أَلْفٌ، وَمِنْكُمْ رَجُلٌ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي فِي يَدِهِ! إِنِّي لأَطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ". قالَ: فَحَمِدْنَا اللهَ وَكَبَّرْنَا، ثُمَّ قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي فِي يَدِهِ! إِنِّي لأَطْمَعُ أَنْ تَكُونوُا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، إِنَّ مَثَلَكُمْ فِي الأُمَمِ كَمَثَلِ الشَّعَرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَسْوَدِ، أَوِ الرَّقْمَةِ فِي ذِرَاعِ الْحِمَارِ". (فإن منكم رجلًا، ومن يأجوجَ ومأجوجَ ألفاً): قال الزركشي: كذا لبعضهم بالنصب على أنه مفعول لـ "يخرج" المذكور في أول الحديث؛ أي: فإنه يخرج منكم كذا (¬1). قلت: مراده أنه مفعول بفعل يدلُّ عليه "أَخْرِجْ" المذكورُ أولاً؛ إذ لا يُتصور أن يكون مفعولًا بنفس ذلك الفعل، ففي عبارته تساهلٌ ظاهر، ثم إعرابه على هذا الوجه يقتضي حذفَ الضمير المنصوب بـ "أن"، وهو عندهم قليل. وابن الحاجب صرح بضعفه، مع أنه لا داعي إلى ارتكابه، وإنما الإعرابُ الظاهر فيه أن يكون رجلاً اسم إن، و"منكم" (¬2) خبرها متعلق ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1196). (¬2) في "ج": "منكم".

بـ "يخرج"؛ أي: فإن رجلاً يخرجُ منكم، و"من يأجوج ومأجوج" (¬1) معطوف على "منكم"، و"ألفاً" معطوف على "رجلاً". فإن قلت: إنما يُقَدَّرُ متعلقُ الظرف (¬2) والجار والمجرور المخبَرِ بهما مثلًا كوناً مطلقاً؛ كالحصول، والوجود (¬3)؛ كما قدره النحاة، فكيف قدرته كوناً خاصاً؟ وهل هذا إِلَّا عدولٌ عن طريقتهم، فما السبب فيه؟ قلت: تمثيلُ النحاة بالكون والحصول إنما كان؛ لأن غرضَهم لم يتعلَّقْ بعامل بعينِهِ، وإنما تعلَّق بالعامل من حيث هو عاملٌ، وإلا، فلو كان المقام يقتضي تقديرَ خاصٍّ، لقدرناه. ألَّا ترى أنه لو قيل: زيدٌ على الفرس؛ لقدرت: راكبٌ، وهو أحسنُ من تقدير: حاصل، ولا يَتردد في جواز مثله مَنْ له ممارسةٌ بفن العربية. ويروى: برفع "رجل"، و"ألف"، فهنا نلتجئ إلى أن نقدر اسم "إن" محذوفاً؛ أي: فإنّه، والضمير للشأن، والجملة الاسمية بعده خبر "إن". ويروى: برفع "ألف"، ونصب "رجل"، وهي رواية الأصيلي، ووجهُها أن يكون "ألف" مرفوعاً على اسم "إن" باعتبار المحل، وهو هنا جائز بالإجماع؛ لأنه بعد مضي الخبر، ويحتمل أن يكون مبتدأ، وخبره الجار والمجرور المتقدِّمُ عليه، والجملة معطوفة على الجملة المتقدمة المصدَّرَة بأن، وبهذا يُعلم أن قول الزركشي: رفعُه على خبر مبتدأ [محذوف، أو ¬

_ (¬1) "ومأجوج" ليست في "ع". (¬2) في "ج": "بالظرف". (¬3) في "ع": "والجود".

باب: القصاص يوم القيامة

على مبتدأ] (¬1) مؤخَّر مقدر؛ أي: المخرَجُ ألفٌ، أو ألفٌ (¬2) منهم يخرج، ليس على ما ينبغي، فتأملْه. (أو كالرقمة (¬3)): أي: الخَطِّ. * * * باب: القِصَاصِ يَوْمَ القِيامَةِ 2831 - (6533) - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنِي شَقِيقٌ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ بِالدِّمَاءِ". (أولُ ما يُقضى بين النَّاس في الدماء (¬4)): هذا تعظيمٌ لأمر الدماء، فإن البداءة تكون بالأهمِّ فالأهم، وهي حقيقةٌ بذلك؛ فإن الذنوبَ تعظُم بحسب عِظَمِ المفسدةِ الواقعةِ بها، أو بحسب فواتِ المصلحة المتعلقةِ بعدمِها وهدمُ البنيةِ الإنسانية من أعظم المفاسد. قال بعض المحققين: ولا ينبغي أن يكون بعدَ الكفر بالله تعالى أعظمُ منه. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬2) في "ج": "وألف". (¬3) كذا في رواية أبي ذر الهروي وابن عساكر، وفي اليونينية: "أو الرقمة"، وهي المعتمدة في النص. (¬4) كذا في رواية ابن عساكر، ورواية أبي ذر الهروي عن الكشميهني، وفي اليونينية: "بالدماء"، وهي المعتمدة في النص.

باب: "من نوقش الحساب عذب"

ثم يحتمل من حيث اللفظ أن تكون الأولوية مخصوصةً بما يقع فيه الحكمُ بين النَّاس. ويحتمل أن تكون عامة في أولية ما يُقضى (¬1) فيه مطلقاً. ومما يقوي الأولَ ما جاء في الحديث: "إِنَّ أَوَّلَ ما يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ صَلاتُهُ" (¬2) (¬3). * * * 2832 - (6534) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ لأَخِيهِ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ، أُخِذ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ". (مَنْ كانت عندَه مَظْلَمَةٌ): بفتح الميم واللام. * * * باب: "مَنْ نُوقِشَ الحِسَابَ عُذِّبَ" 2833 - (6536) - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ، عُذِّبَ". قالَتْ: قُلْتُ: أَلَيْسَ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "يقتضي". (¬2) رواه مسلم (1678) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. (¬3) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 87).

باب: يدخل الجنة سبعون ألفا بغير حساب

حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8]؟ قَالَ: "ذَلِكِ الْعَرْضُ". (ذلكِ العَرْضُ): بكسر الكاف؛ لأن الخطاب لأنثى. * * * باب: يَدْخُلْ الجَنَّةَ سَبْعُونَ ألفًا بِغَيْرِ حِسابٍ 2834 - (6541) - حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ. وَحَدَّثَنِي أَسِيدُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، فَأَخَذَ النَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الأُمَّةُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ النَّفَرُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الْعَشَرَةُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الْخَمْسَةُ، وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ وَحْدَهُ، فَنَظَرْتُ، فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ، قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ! هَؤُلَاءِ أُمَّتِي؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ، قَالَ: هَؤُلَاءِ أُمَّتُكَ، وَهَؤُلَاءِ سَبْعُونَ أَلْفاً قُدَّامَهُمْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَذَابَ، قُلْتُ: وَلِمَ؟ قَالَ: كَانوُا لَا يَكْتَوُونَ، وَلَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ". فَقَامَ إِلَيْهِ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، فَقَالَ: ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ". ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ، قَالَ: ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ: "سَبَقَكَ بِهَا عُكَاشَةُ". (أَسِيدُ بنُ زيد): - بفتح الهمزة وكسر السين -، ويعرف بالجَمَّال - بالجيم -، قال الزركشي: هو من أفراد البخاري، وقد ضعَّفه ابنُ معين، والدارقطني (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1196).

باب: صفة الجنة والنار

2835 - (6542) - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي زُمْرَةٌ هُمْ سَبْعُونَ أَلْفاً، تُضِيءُ وُجُوهُهُمْ إِضَاءَةَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ". وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ الأَسَدِيُّ يَرْفَعُ نَمِرَةً عَلَيْهِ، فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ! ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ". ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ! ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ: "سَبَقَكَ عُكَّاشَةُ". (ثم قام رجلٌ من الأنصار، فقال: يا رسول الله! ادعُ الله أن يجعلَني منهم): هو سعدُ بنُ عُبادَةَ على ما حكاه الخطيب، وفيه ردٌّ لقول (¬1) مَنْ قال: إنّما تَرَكَ الدعاءَ له؛ لأنه كان من المنافقين، ويظهر في تركه التنبيهُ على فضيلة (¬2) السابق إلى القُربات، ولو أجابه، لم يكن للسابق مزيةٌ، وقد سبق فيه (¬3). * * * باب: صِفَةُ الجَنَّةِ والنَّارِ 2836 - (6547) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "قُمْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَكَانَ عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا الْمَسَاكِينَ، وَأَصْحَابُ الْجَدِّ مَحْبُوسُونَ، ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "على تقول". (¬2) في "ج": "فضله". (¬3) المرجع السابق، (3/ 1197).

غَيْرَ أَنَّ أَصْحَابَ النَّارِ قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ، وَقُمْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ، فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ". (وأصحاب الجَد): - بفتح الجيم -: هم أهلُ الغنى والحظوظِ الدنيويةِ من المال والجاه. ويحتمل أن يراد: الملوك. * * * 2837 - (6548) - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا صَارَ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلَى الْجَنَّةِ، وَأَهْلُ النَّارِ إِلَى النَّارِ، جِيءَ بِالْمَوْتِ حَتَّى يُجْعَلَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، ثُمَّ يُذْبَحُ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ! لَا مَوْتَ، يَا أَهْلَ النَّارِ! لَا مَوْتَ، فَيَزْدَادُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَرَحاً إِلَى فَرَحِهِمْ، وَيَزْدَادُ أَهْلُ النَّارِ حُزْناً إِلَى حُزْنِهِمْ". (ثمّ يُذبح): أي: الموتُ، قيل: الذابحُ له يحيى [بن زكريا، وقيل: جبريل (¬1). قلت: على تقدير كونِه يحيى] (¬2)، ففي اختصاصِه من بين الأنبياء - عليهم السلام - بذلك لطيفةٌ، وهي مناسبةُ اسمِه لإعدامِ الموت، وليس فيهم مَنْ اسمُه يحيى غيرُه، فالمناسبةُ فيه ظاهرة، وعلى تقدير كونِه جبريلَ، فالمناسبة لاختصاصه بذلك لائحةٌ أيضاً؛ من حيثُ هو معروفٌ ¬

_ (¬1) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع".

بالروح الأمين، وليس في الملائكة من يُطلق عليه ذلك غيرُه، فجُعل أميناً على هذه القضية المهمة، وتولى الذبح، فكان في ذبح الروحِ للموتِ المضادِّ لها مناسبةٌ حسنة يمكن رعايتُها والإشارةُ بها إلى بقاء كلِّ رُوحٍ من غير طُروءٍ للموت عليها؛ بشارةً للمؤمنين، وحسرةً على الكافرين. * * * 2838 - (6553) - قَالَ أَبُو حَازِمٍ: فَحَدَّثْتُ بِهِ النُّعْمَانَ بْنَ أَبِي عَيَّاشٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً، يَسِيرُ الرَّاكِبُ الْجَوَادَ الْمُضَمَّرَ السَّرِيعَ مِئَةَ عَامٍ مَا يَقْطَعُهَا". (يسير الراكبُ الجوادَ المضَمَّر): بنصب "الجواد" على أنه مفعولٌ باسم الفاعل، و"المضمَّرَ": اسمُ مفعولٍ منصوبٌ صفة للجواد. وعند الأصيلي: برفع الجواد، و"المضَمِّرُ" اسمُ فاعل مرفوع صفةٌ له. وتضميرُ الخيل: هو أن يعلفَها حتى تسمَنَ، ثمّ تُرَدُّ إلى القوت، وذلك في أربعين ليلة، وهذه المدة (¬1) تسمَّى بالمضمار، قاله في "الصحاح" (¬2). * * * 2839 - (6556) - قَالَ أَبِي: فَحَدَّثْتُ النُّعْمَانَ بْنَ أِبي عَيَّاشٍ، فَقَالَ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ يُحَدِّثُ، وَيَزِيدُ فِيهِ: "كَمَا تَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الْغَارِبَ فِي الأُفُقِ الشَرْقِيِّ وَالْغَرْبِيِّ". ¬

_ (¬1) "وهذه المدة" ليست في "ع" و"ج". (¬2) انظر: "الصحاح" (2/ 722)، (مادة: ضمر). وانظر: "التوضيح" (30/ 86).

(الكوكبَ الغايرَ): - بالغين المعجمة -، معناه: البعيد، وقيل: الذاهب الماضي. ويروى: "الغارب" (¬1) * * * 2840 - (6558) - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ بِالشَّفَاعَةِ كَأَنَّهُمُ الثَّعَارِيرُ". قُلْتُ: مَا الثَّعَارِيرُ؟ قَالَ: الضَّغَابِيسُ، وَكَانَ قَدْ سَقَطَ فَمُهُ، فَقُلْتُ لِعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: أَبَا مُحَمَّدٍ! سَمِعْتَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "يَخْرُجُ بِالشَّفَاعَةِ مِنَ النَّارِ"؟ قالَ: نَعَمْ. (كأنهم الثعارير): بثاء مثلثة وعين مهملة، [وفسرها في الحديث. (بالضَّغابيس): بضاد وغين معجمتين] (¬2)، فألف فباء موحدة فمثناة تحتية فسين مهملة، وهو تفسيرٌ يحتاج إلى تفسير، وقد قيل: إنها (¬3) صغارُ القِثّاء، شبههم بها؛ لسرعة نموها (¬4). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1197). قال الحافظ في "الفتح" (6/ 327): قوله: "الغابر" كذا للأكثر، وفي رواية "الموطأ": "الغاير" بالتحتانية بدل الموحدة، وفي رواية الترمذي: "الغارب"، وفي رواية الأصيلي بالمهملة والزاي. والرواية الأولى هي المشهورة. (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬3) في "ع" و"ج": "إنهما". (¬4) انظر: "التنقيح" (3/ 1197).

2841 - (6561) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَاباً يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَرَجُلٌ تُوضَعُ فِي أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَةٌ، يَغْلِي مِنْهَا دِمَاغُهُ". (إن أهونَ أهلِ النار (¬1) عذاباً يومَ القيامة لرجلٌ يوضع في قدميه جمرة يَغْلي منها دِماغُه): جاء في "صحيح مسلم" ما يقتضي أنه أبو طالب (¬2). * * * 2842 - (6562) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَاباً يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ، عَلَى أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ، يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ، كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَلُ وَالْقُمْقُمُ". (كما يغلي المِرجَل): - بكسر الميم وفتح الجيم -: قِدْرُ النحاسِ خاصَّةً، وهو مذكَّر (¬3) من بين أسماء القِدْر. (بالقُمْقُم (¬4)): قال الزركشي: هو البُسْرُ المطبوخ، هكذا قال أبو عمر المُطَرَّزِيُّ، إِلَّا أنه حكاه مكسورَ القافين، ووقع في كتب الحديث [بالضم، ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "أهون الناس". (¬2) رواه مسلم (212) عن ابن عباس رضي الله عنهما. (¬3) في "ع" و"ج": "مذكره". (¬4) كذا في رواية أبي ذر الهروي والأصيلي، وفي اليونينية: "والقمقم"، وهي المعتمدة في النص.

قاله ابنُ السِّيد، وهو أجودُ ما قيل فيه. قلت: إذا كان الواقعُ في كتب الحديث] (¬1) بضم القافين، والبسرُ المطبوخ إنما هو بكسرهما، فكيف يُقدم على أن يُفسر ما في الحديث بذلك احتمالًا، فضلًا عن الجزم به. وقال القاضي: صوابه: كما (¬2) يغلي المرجَلُ والقُمْقُمُ (¬3). * * * 2843 - (6567) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عن حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أُمَّ حَارِثَةَ أَتَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَدْ هَلَكَ حَارِثَةُ يَوْمَ بَدْرٍ، أَصَابَهُ غَرْبُ سَهْمٍ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! قَدْ عَلِمْتَ مَوْقِعَ حَارِثَةَ مِنْ قَلْبِي، فَإنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ، لَمْ أَبْكِ عَلَيْهِ، وَإِلاَّ، سَوْفَ تَرَى مَا أَصْنَعُ؟ فَقَالَ لَهَا: "هَبِلْتِ، أَجَنَّةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ؟ إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ، وَإنَّهُ فِي الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى". (أصابه غَرْبُ سهم): قال السفاقسي: الذي رويناه مضاف مفتوح الراء. وفي "الصحاح": "أصابَه سَهْمُ غَرَبٍ" يُضاف، ولا يُسكن: إذا كان لا يُدْرَى من رماه (¬4). * * * ¬

_ (¬1) من ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) في "ج": "أنه كما". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 186). وانظر: "التنقيح" (3/ 1199). (¬4) انظر: "الصحاح" (1/ 194)، (مادة: غرب). وانظر: "التوضيح" (30/ 96).

باب: الصراط جسر جهنم

2844 - (6568) - وَقَالَ: "غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ، أَوْ مَوْضِعُ قَدَمٍ مِنَ الْجَنَّةِ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى الأَرْضِ، لأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا، وَلَمَلأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحاً، وَلَنَصِيفُهَا - يَعْنِي: الْخِمَارَ - خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا". (أو مَوْضِعُ قِدِّهِ): - بكسر القاف -؛ أي: مقدارُ سوطه؛ لأنه يُقَدُّ؛ أي: يُقْطَع طولًا. ويروى: "قَدَمِه": بالميم والإضافة. ويروى: "قَدَمٍ" بلا إضافة (¬1). * * * باب: الصِّرَاطُ جِسْرُ جَهَنَّمَ 2845 - (6573) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَعِيدٌ، وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُمَا: عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَحَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ ابْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ أُنَاسٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلْ نَرَى رَبَّنَا يوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: "هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْس، لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟ "، قالُوا: لَا، يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "هَلْ تُضَارُّونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ؟ "، قَالُوا: لَا، يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1119).

كَذَلِكَ، يَجْمَعُ اللهُ النَّاسَ، فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئاً، فَلْيَتَّبِعْهُ، فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فَيَأْتِيهِمُ اللهُ فِي غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُّمْ، فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ، هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا أَتَانَا رَبُّنَا، عَرَفْنَاهُ، فَيَأْتِيهِمُ اللهُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيقُولُ: أَنَا رَبُّكُّمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، فَيَتِبَعُونَهُ، وَيُضْرَبُ جِسْرُ جَهَنَّمَ، قالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ، وَدُعَاءُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، وَبِهِ كَلَالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، أَمَا رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ؟ "، قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، غَيْرَ أَنَّهَا لَا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلَّا اللهُ، فَتَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ، مِنْهُمُ الْمُوبَقُ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمُ الْمُخَرْدَلُ، ثُمَّ يَنْجُو، حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ، وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِنَ النَّارِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ، مِمَّنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوهُمْ، فَيَعْرِفُونَهُمْ بِعَلَامَةِ آثَارِ السُّجُودِ، وَحَرَّمَ اللهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مِنِ ابْنِ آدَمَ أَثَرَ السُّجُودِ، فَيُخْرِجُونَهُمْ قَدِ اُمْتُحِشُوا، فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءٌ يُقَالُ لَهُ: مَاءُ الْحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ! قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا، وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا، فَاصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ، فَلَا يَزَالُ يَدْعُو اللهَ، فَيَقُولُ: لَعَلَّكَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ، فَيَقُولُ: لَا، وَعِزَّتِكَ! لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، فَيَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ، ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ: يَا رَبِّ! قَرِّبَنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: أَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لَا تَسْأَلْنِي غَيْرَهُ؟ وَيْلَكَ - ابْنَ آدَمَ - مَا أَغْدَرَكَ! فَلَا يَزَالُ يَدْعُو، فَيَقُولُ: لَعَلِّي إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ

تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ، فَيَقُولُ: لَا، وَعِزَّتِكَ! لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، فَيُعْطِي اللهَ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ أَنْ لَا يَسْأَلَهُ غَيْرَهُ، فَيُقَرِّبُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَإذَا رَأَى مَا فِيهَا، سَكَتَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ: رَبِّ! أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَوَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لَا تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ؟ وَيْلَكَ - يَا ابْنَ آدَمَ - مَا أَغْدَرَكَ! فَيَقُولُ: يَا رَبِّ! لَا تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ، فَلَا يَزَالُ يَدْعُو حَتَّى يَضْحَكَ، فَإِذَا ضَحِكَ مِنْهُ، أَذِنَ لَهُ بِالدُّخُولِ فِيهَا، فَإِذَا دَخَلَ فِيهَا، قِيلَ: تَمَنَّ مِنْ كَذَا، فَيَتَمَنَّى، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: تَمَنَّ مِنْ كَذَا، فَيَتَمَنَّى، حَتَّى تَنْقَطِعَ بِهِ الأَمَانِيُّ، فَيَقُولُ لَهُ: هَذَا لَكَ، وَمِثْلُهُ مَعَهُ". قالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَذَلِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا. (فيأتيهم اللهُ في غير الصورة التي يعرفون): جعلَ بعضُهم "في" هنا بمعنى الباء؛ كقوله تعالى: {يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ} [البقرة: 210]؛ أي: بظلل، وقيل غيرُ ذلك من وجوه التأويل، وكلها محتمل، غير أن طريقة السلف المشهورة أسلمُ، والله تعالى بحقيقة المراد أعلم. (ويُضْرَبُ جِسْرُ جهنمَ): الجسر: بكسر الجيم وفتحها. (قد امتُحِشوا): بالبناء للفاعل، وللمفعول (¬1)، يقال: مَحَشَتْهُ (¬2) النارُ، فامْتَحَشَ: إذا أَحْرَقَتْه فاحترقَ، ويقال: امْتَحَشَهُ الحرُّ: إذا أَحْرَقَهُ (¬3). * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "والمفعول". (¬2) في "ع": "محشبة". (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1199).

باب: في الحوض وقول الله عز وجل {إنا أعطيناك الكوثر} [الكوثر: 1]

باب: في الحَوْضِ وقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1] 2846 - (6576) - وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، وَلَيُرْفَعَنَّ رِجَالٌ مِنْكُمْ، ثُمَّ لَيُخْتَلَجُنَّ دُونِي، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ! أَصْحَابِي؟ فَيُقَالُ: إِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ". (أنا فَرَطُكُم): - بفتح الراء -؛ أي: سابِقُكُم. (ثم ليُخْتَلَجُنَّ): بالبناء للمفعول مسنداً إلى ضمير الجماعة مؤكداً بالنون الثقيلة؛ أي: يُجتذبون ويُقتطعون عني (¬1). * * * 2847 - (6577) - حَدَّثَنَا مُسَدَّد، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي ناَفِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "أَمَامَكُمْ حَوْضٌ كَمَا بَيْنَ جَرْبَاءَ وَأَذْرُحَ". (كما بين جَرباءَ وأَذْرُحَ): جَرْباء - بالجيم المفتوحة والمد -: بلدة من بلاد الشام، وأَذْرُحَ - بفتح الهمزة وسكون الذال المعجمة وضم الراء (¬2) ¬

_ (¬1) في "ج": "عنا". (¬2) "الراء" ليست في "ع" و"ج".

وبحاء (¬1) مهملة -: مدينة من الشام (¬2) أيضاً، قيل: هي فلسطين، وقيل: هي مدينة تلقاء السراة، وهذا مخالف لرواية (¬3): "كَمَا بَيْنَ المَدِينَةِ وَصَنْعَاءَ"، وَ"كَمَا بَيْنَ أَيْلَةَ وَصَنْعَاءَ". ووجهُ الجمع: أن هذه الأقوالَ صدرت على وجه الإغياء في بُعْدِ (¬4) أقطارِ الحوض، وخاطب - صلى الله عليه وسلم - أهلَ كلِّ جهةٍ بما يعرفون من المواضع، وهو تمثيلٌ وتقريبٌ [لكل أحدٍ ممن خاطبه بما يعرفه من تلك الجهات] (¬5). * * * 2848 - (6579) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ، مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ، وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهَا، فَلَا يَظْمَأُ أَبَداً". (ماؤه أبيضُ من اللبن): هو حجةُ الكوفيين على إجازة التفضيل فيه، والبصريون يوجِبون عند قصدِ هذا المعنى أن يقال: أَشَدُّ بياضاً من اللبن، ويحملون ما وردَ مما يخالف ذلك على الشذوذ. * * * ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "أو بحاء". (¬2) في "ع": "مدينة بالشام". (¬3) في "ج": "الرواية". (¬4) "بعد" ليست في "ع" و"ج". (¬5) ما بين معكوفتين ليس في "ج".

2849 - (6585) - وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ الْحَبَطِيُّ: حَدَّثَنَا أَبي، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَرِدُ عَلَيَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَهْطٌ مِنْ أَصْحَابِي، فَيُحَلَّؤُونَ عَنْهُ، فَأقولُ: يَا رَبِّ! أَصْحَابِي؟ فَيَقُولُ: إِنَّكَ لَا عِلْمَ لَكَ بِمَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، إِنَّهمُ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمُ الْقَهْقَرَى". (الحَبَطي): بحاء مهملة وباء موحدة مفتوحتين وطاء مهملة. (فيُحَلَّؤون): - بحاء مهملة وهمزة -؛ أي: يُمْنَعون، يقال: حَلأَتُ الرجلَ من الماء: إذا منعتُه أن يَرِدَهُ. ويروى بالجيم وترك الهمزة. * * * 2850 - (6587) - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، حَدَّثَنَا أَبي، قَالَ: حَدَّثَنِي هِلَالٌ، عَنْ عَطَاءَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "بَيْنَا أَنَا قَائِمٌ، إِذَا زُمْرَةٌ، حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمْ، خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِي وَبَيْنِهِمْ، فَقَالَ: هَلُمَّ، فَقُلْتُ: أَيْنَ؟ قَالَ: إِلَى النَّارِ وَاللهِ! قُلْتُ: وَمَا شَأْنُهُمْ؟ قَالَ: إِنَّهُمُ ارْتَدُّوا بَعْدَكَ عَلَى أَدْبَارِهِمُ الْقَهْقَرَى. ثُمَّ إِذَا زُمْرَةٌ، حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمْ، خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِي وَبَيْنِهِمْ، فَقَالَ: هَلُمَّ، قُلْتُ: أَيْنَ؟ قَالَ: إِلَى النَّارِ وَاللهِ! قُلْتُ: مَا شَأْنُهُمْ؟ قَالَ: إِنَّهُمُ ارْتَدُّوا بَعْدَكَ عَلَى أَدْبَارِهِمُ الْقَهْقَرَى، فَلَا أُرَاهُ يَخْلُصُ مِنْهُمْ إِلَّا مِثْلُ هَمَلِ النَّعَمِ". (هَمَل النعم): الهَمَل: - بفتحتين -: ضَوَالُّ الإِبِلِ، وقيل: هي الإبلُ بغيرِ راعٍ، يريد: أن الناجيَ منهم قليلٌ مثلَ قلةِ هذا الصنفِ من النَّعَم.

كتاب القدر

كِتَابُ القَدَرِ

باب: "الله أعلم بما كانوا عاملين"

كِتَابُ القَدَرِ باب: "اللهُ أَعْلَمُ بما كانوُا عَامِليِن" 2851 - (6599) - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، وَيُنَصِّرَانِهِ، كَمَا تُنْتِجُونَ الْبَهِيمَةَ، هَلْ تَجِدُونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ، حَتَّى تَكُونُوا أَنْتُمْ تَجْدَعُونَهَا". (هل تجدون فيها من جَدْعاء): - بجيم ودال مهملة -؛ أي: مقطوعةَ الأطراف، أو شيءٍ (¬1) منها، يريد: أن البهيمة تولَدُ مجتمعةَ الخَلْقِ سليمةً، لولا تعرُّضُ الناسِ لها (¬2)؛ لبقيت كما وُلدت، كذلك المولود يولد على فطرة الله مُتَهَيِّئاً لقبولِ الحقِّ، لو خَلَّتْه شياطينُ الإنسِ والجنِّ وما يختارُ، لم يخرج عنها (¬3). * * * ¬

_ (¬1) في "ع": "أو بشيء". (¬2) في "ج": "إليها". (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1203).

باب: {وكان أمر الله قدرا مقدورا} [الأحزاب: 38]

باب: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} [الأحزاب: 38] 2852 - (6605) - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيَّ، عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: كُنَّا جُلُوساً مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَمَعَهُ عُودٌ يَنْكُتُ فِي الأَرْضِ، وَقَالَ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا قَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ، أَوْ مِنَ الْجَنَّةِ"، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَلَا نَتَّكِلُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "لَا، اعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ"، ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} [الليل: 5] الآيَةَ. (عَبدانُ، عن أبي حمزةَ): بحاء مهملة وزاي. * * * باب: العَمَلِ بالخَواتِيمِ 2853 - (6606) - حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: شَهِدْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِرَجُلٍ مِمَّنْ مَعَهُ يَدَّعِي الإِسْلَامَ: "هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ"، فَلَمَّا حَضَرَ الْقِتَالُ، قَاتَلَ الرَّجُلُ مِنْ أَشَدِّ الْقِتَالِ، وَكَثُرَتْ بِهِ الْجرَاحُ فَأَثْبَتَتْهُ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ! أَرَأَيْتَ الَّذِي تَحَدَّثْتَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، قَدْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللهِ مِنْ أَشَدِّ الْقِتَالِ، فَكَثُرَتْ بِهِ الْجرَاحُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ"، فَكَادَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ يَرْتَابُ، فَبَيْنَمَا هُوَ عَلَى ذَلِكَ، إِذْ وَجَدَ الرَّجُلُ أَلَمَ الْجرَاحِ، فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى كِنَانتِهِ، فَانْتَزَعَ مِنْهَا سَهْماً، فَانْتَحَرَ بِهَا، فَاشْتَدَّ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -،

باب: إلقاء العبد النذر إلى القدر

فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! صَدَّقَ اللهُ حَدِيثَكَ، قَدِ انْتَحَرَ فُلَانٌ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا بِلَالُ! قُمْ فَأَذِّنْ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَإِنَّ اللهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ". (حِبّان بنُ موسى): بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة. * * * باب: إِلْقَاءِ الْعَبْدِ النَّذْرَ إلَى الْقَدَرِ (باب: إلقاءِ النذر العبدَ (¬1) إلى القَدَر): بنصب العبدَ، على أنه مفعول بالمصدر المضاف إلى الفاعل، ويبينه قولُه في الباب الآخر: ولكن يلقيه (¬2) النذر إلى القدر. ويروى: "باب: إلقاءِ العبدِ النذرُ" على أنه فاعل بالمصدر المضاف إلى المفعول (¬3). * * * باب: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} [الأنبياء: 95] {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ} [هود: 36] {وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح: 27] وَقَالَ مَنْصُورُ بْنُ النُّعْمَانِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَحِرْمٌ ¬

_ (¬1) "العبد" ليست في "ع" و"ج". (¬2) في "ع": "بلغته". (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1204).

باب: تحاج آدم وموسى

بِالْحَبَشِيَّةِ: وَجَبَ. (وقال منصورُ بنُ النعمان): قيل: صوابُه: ابنُ المعتمر، ومنهم من عَكَس (¬1). * * * باب: تَحَاجَّ آَدَمُ وَمُوْسَى 2854 - (6614) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَفِظْنَاهُ مِنْ عَمْرٍو، عَنْ طَاوُسٍ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: يَا آدَمُ! أَنْتَ أَبُونَا، خَيَّبْتَنَا، وأَخْرَجْتَنَا مِنَ الْجَنَّةِ، قَالَ لَهُ آدَمُ: يَا مُوسَى! اصْطَفَاكَ اللهُ بِكَلَامِهِ، وَخَطَّ لَكَ بِيَدِهِ، أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَ اللهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً؟ فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى"، ثَلَاثًا. (خَيَّبْتَنا): الخَيْبَةُ: الحِرمانُ والخُسْران. * * * باب: {يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال: 24] 2855 - (6618) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ، وَبِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لاِبْنِ صَيَّادٍ: "خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا"، قالَ: الدُّخُّ، قَالَ: "اخْسَأْ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ". قالَ عُمَرُ: ائْذَنْ لِي فَأَضْرِبَ ¬

_ (¬1) المرجع السابق، الموضع نفسه.

عُنُقَهُ، قَالَ: "دَعْهُ، إِنْ يَكُنْ هُوَ، فَلَا تُطِيقُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ، فَلَا خَيْرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ". (إنْ يَكُنْهُ): قال الزركشي: استدلَّ به ابنُ مالك على اتصال الضمير إذا وقعَ خبراً لـ "كان"، لكن (¬1) في رواية: "إنْ يَكُنْ هو"، فلا دليلَ فيه (¬2). قلت: هذا من أعجب ما يُسمع، كيف تكونُ الروايةُ الثانيةُ مقتضيةً لعدم الدليل في الرواية الأولى، والفرض أنَّ الضميرَ المنفصلَ المرفوع في الثانية تأكيدٌ للضمير المستكنِّ في يَكُنْ، وهو اسم كان، وخبرُها محذوف؛ أي: إن يكنْ هو الدَّجَّالَ، والضمير المتصل في الرواية الأخرى (¬3) خبر كان، فبهذا وقع الاستدلالُ في محل النزاع، وهو هل الأَوْلَى في خبر كان إذا وقع ضميراً أن يكون متصلًا، أو منفصلًا؟ فهذا الحديثُ شاهدٌ لاختيار الاتصال، وأما "إنْ يكنْ هو" (¬4)، فليست من محل النزاع في شيء، إذ ليس الضمير فيها خبرَ كان قطعاً. * * * ¬

_ (¬1) "لكن" ليست في "ع". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1204). (¬3) "الأخرى" ليست في "ع". (¬4) في "ع": "فهو"، وفي "ج": "يكون فهو".

كتاب الأيمان والنذور

كِتَابُ الأَيْمَانِ والنُّذُورِ

كِتَابُ الأَيْمَانِ والنُّذُورِ قول الله: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 225] 2856 - (6622) - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ! لَا تَسْأَلِ الإمَارَةَ؛ فَإِنَّكَ إِنْ أُوتِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ، وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُوتِيتَهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ، أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْراً مِنْهَا، فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ، وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ". كتاب: (الأيمان والنذور). (فرأيتَ غيرهَا خيراً منها، فكَفِّرْ عن يمينك، وأْتِ (¬1) الذي هو خيرٌ): قد يتعلق من يرى وجوبَ (¬2) التكفير بالحلف بهذا؛ لأن (¬3) الأمر بالتكفير فيه مُسْتَعْقِبٌ لرؤيةِ (¬4) الخيرِ في الحِنْثِ، وإذا استعقبه التكفير، تأخَّرَ الحِنْثُ ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "ورأيت". (¬2) في "م": "جواب". (¬3) "لأن" ليست في "ج". (¬4) في "ج": "لرواية".

ضرورةً، وهو ضعيف؛ لأن الواو لا تقتضي ترتيباً (¬1)، والجملتان المتعاطفتان بعدَها في حكم الجملة الواحدة، فلا فرق بينَ قولنا: فكفِّرْ وأْتِ (¬2) الذي هو خير، وبين (¬3) قولنا: فافعلْ هذين، ولو قال كذلك، لم يقتض ترتيباً ولا تقديماً، فكذا اللفظ الآخر (¬4). * * * 2857 - (6625) - فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَاللهِ! لأَنْ يَلَجَّ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ فِي أَهْلِهِ آثَمُ لَهُ عِنْدَ اللهِ مِنْ أَنْ يُعْطِيَ كَفَّارَتَهُ الَّتِي افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْهِ". (لأن يلجَّ أحدُكم بيمينه (¬5) في أهلِه آثمُ له عندَ الله من أن يعطيَ كفارتَه التي افترضَ (¬6) الله عليه): اللام الداخلة على "أَنْ" لامُ الابتداء، ويَلَجَّ: بفتح المثناة التحتية وبفتح اللام والجيم المشددة. قال ابن المنير: وهذا من جوامع الكلم وبديعِه، ووجهُه: أنهم إنّما تَحرَّجوا من الحنثِ والحلف بعدَ الوعدِ المؤكَّد (¬7) باليمين، وكان القياس ¬

_ (¬1) في "ع": "ترتيبان". (¬2) في "ع": "وأن"، وفي "ج": "فإن". (¬3) في "ع": "بين". (¬4) انظر: "شرح عمدة الأحكام" (4/ 142). (¬5) في "ع": "يمينه". (¬6) في "ع": "أفرض". (¬7) في "ع" و"ج": "المذكور".

يقتضي أن يقال: لجاجُ أحدِهم آثمُ له من الحنث، ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - عدلَ عن ذلك إلى ما هو لازمُ الحنثِ، وهو الكفارةُ؛ لأن المقابلةَ بينها (¬1) وبين اللجاجُ أفحمُ للخصم، وأدلَّ على سوء نظر المتنطِّع الذي اعتقد أنه تَحرَّجَ من الإثم، وإنما تحرج من الطاعة والصدقة والإحسان، وكلها تجتمع في الكفارة، ولهذا عَظَّمَ (¬2) شأنَها بقوله: "التي فرضَ اللهُ عليه"، فلا يبقى بعد ذلك لغافلٍ تخيُّلٌ في تفضيل الطاعة المفروضة - وهي الكفارة على اللجاج (¬3) - على ترك البرِّ المحلوفِ على تركه، وإذا صحَّ أن الكفارة خيرٌ له، ومن لوازمها الحنثُ، صحَّ أن الحنثَ خيرٌ له ومعنى: "لأن يَلَجَّ (¬4) أحدُكم بيمينه في أهله": أن يصمم (¬5) أحدُكم في قطيعة أهلِه ورحمِه بسبب يمينه الّتي حلفَها على تركِ بِرَّهم، آثمُ له عندَ الله (¬6) من كذا. * * * 2858 - (6626) - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ - يَعْنِي: ابْنَ إِبْرَاهِيمَ -: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنِ اسْتَلَجَّ فِي أَهْلِهِ بِيَمِينٍ، فَهْوَ أَعْظَمُ إِثْماً، لِيَبَرَّ" يَعْنِي: الْكَفَّارَةَ. ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "بينهما". (¬2) في "ع": "أكد عظم". (¬3) في "ع" و"ج": "على أن اللجاج". (¬4) في "ع": "لا يلج". (¬5) في "ع": "تصميم". (¬6) "عند الله" ليست في "ج".

باب: قول النبي: "وايم الله"

[(ليس تُغني الكفارة): - بالمثناة الفوقية المضمومة -؛ من الإغناء. قال القرطبي: وليس بشيء] (¬1)، ووجدناه (¬2) في الأصل المعتمد عليه بالتاء المفتوحة والعين المهملة، وعليه علامة الأصيلي، ووجدناه بالياء المثناة من تحت والعين المهملة، وهو أقرب (¬3). * * * باب: قَوْلِ النَّبِيِّ: "وايْمُ اللهِ" 2859 - (6627) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْثاً، وَأَمَرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بِنَ زَيْدٍ، فَطَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِمْرَتِهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "إِنْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمْرَتِهِ، فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمْرَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَايْمُ اللهِ! إِنْ كَانَ لَخَلِيقاً لِلإمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ". (وايمُ الله! إن كانَ لخليقاً للإمارة): قال سيبويه (¬4): اشتقاقُ ايم الله، وايمن الله من اليُمْنِ (¬5) والبركة، وأَلِفُها عنده ألفُ وصل، وعند الفراء: ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬2) في "ع": "وقد وجدناه". (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1205). (¬4) "قال سيبويه" ليست في "م". (¬5) في "ج": "اليمين".

ألفُها ألفُ قَطْع، وهي جمعُ يَمين (¬1). قال ابن المنير: وإنما يتنزل (¬2) مذهبُ الفقهاء في (¬3) عدِّها مُكَفَّرةً (¬4) على مذهب الفَرَّاء، لا (¬5) على مذهب سيبويه؛ لأنه حملَها على البركة، وهي فعل، فلا ينعقد، ولا يُكَفَّر، وحلفُ الرسولِ بها ينافي كونَها يميناً بالفعل؛ لأنه نَهَى (¬6) أن يحلف بغير الله، لكن يتوجه على مذهب الفراء: أنها لو كانت جمعَ يَمين؛ للزم الحالفَ بها ثلاثُ كفارات على مذهبِ من يرى أن مَنْ حلفَ بأيمانِ المسلمين يلزمُه ثلاثُ كفاراتٍ. وأما (¬7) مذهب مالك: فمن حلفَ أيماناً بالله، وعَدَّدَها، أو قال أيماناً ولم يعدِّدْها، لم يلزمه إِلَّا كفارةٌ واحدة، إِلَّا أن ينويَ كفاراتٍ، قال: ويمكن على مذهب سيبويه أن تنصرف البركةُ إلى الذات لا الفعل إذا حملناها على النداء (¬8)، وللبركة عندهم معنيان: أحدهما: الزيادة فهذه فعل. والمعنى الآخر: البقاء، فهذا وصف ذاتي. ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "يمن". وانظر: "التوضيح" (30/ 223). (¬2) في "ج": "ينزل". (¬3) في "م": "وفي". (¬4) في "ع": "وفي عدها يمين فكفره". (¬5) في "م": "إلا". (¬6) "نهى" ليست في "ج". (¬7) في "ج": "على". (¬8) في "ع": "البقاء".

باب: كيف كانت يمين النبي؟

باب: كَيْفَ كَانَتْ يَمِيْنُ النَّبِيِّ؟ 2860 - (6642) - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ أَبي إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُضِيفٌ ظَهْرَهُ إِلَى قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ يَمَانٍ، إِذْ قَالَ لأَصْحَابِهِ: "أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟)، قالُوا: بَلَى، قَالَ: "أَفَلَمْ تَرْضَوْا أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ "، قالُوا: بَلَى، قَالَ: "فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! إِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ". (أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ قالوا: بلى): فيه أن: "بلى" يُجاب بها الاستفهام (¬1) المجردُ، كما ورد في مسلم: "أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا لَكَ في البِرِّ سَوَاءً؟ "، قال: بلى (¬2). وفيه أيضاً: "أَنْتَ الَّذِي لَقِيتَنِي بِمَكَّةَ؟ "، فقال له المجيبُ: بلى (¬3). ولكن هذا عندهم قليل، ولا (¬4) يقاس عليه. * * * ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "في الاستفهام". (¬2) رواه مسلم (1623) عن النعمان بن بشير رضي الله عنه. (¬3) رواه مسلم (832) عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه. (¬4) في "ج": "فلا".

باب: لا تحلفوا بآبائكم

باب: لَا تَحْلِفُوا بِآَبَائِكُمْ 2861 - (6646) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَهْوَ يَسِيرُ فِي رَكْبٍ، يَحْلِفُ بِأَبِيهِ، فَقَالَ: "أَلَا إِنَّ اللهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، مَنْ كَانَ حَالِفاً، فَلْيَحْلِفْ بِالله، أَوْ لِيَصْمُتْ". (ألَّا إن الله ينهكم أن تحلفوا بآبائكم): فيه دليلٌ على المنع من الحلف بغير الله تعالى، واليمينُ منعقدةٌ عند الفقهاء باسم الذاتِ والصفاتِ العليَّة، وأما اليمينُ بغير ذلك، فهو ممنوع، واختلفوا في هذا المنع: هل هو على التحريم، أو الكراهة؟ والأقسام ثلاثة: الأول: ما تُباح اليمينُ به، وهو ما ذكرنا من اسمِ الذاتِ والصفات. والثاني: ما تحرمُ اليمينُ به بالاتفاق؛ كالأنصاب، والأزلام، واللَّاتِ، والعُزَّى. قال أصحابنا المالكية: إن قصدَ تعظيمَها، فهو كفرٌ، وسيأتي في حديث يدلُّ إطلاقه على كفرِ مَنْ حلف ببعض ذلك، أو ما يشبهُه. قال ابن دقيق العيد: ويمكن إجراؤه على ظاهره؛ لدلالة اليمينِ بالشيء على التعظيم له. والثالث: ما يُختلف فيه بالتحريم والكراهة، وهو ما عدا ذلك (¬1). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 144).

باب: من حلف بملة سوى الإسلام

2862 - (6647) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: قَالَ سَالِمٌ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ". قَالَ عُمَرُ: فَوَاللهِ! مَا حَلَفْتُ بِهَا مُنْذُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، ذَاكِراً وَلَا آثِراً. (ما حلفت بها منذ سمعتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - ذاكراً ولا آثراً): هذا منه - رضي الله عنه - مبالغةٌ في الاحتياط، وأن لا يُجرى على اللسان ما صورتُه (¬1) صورةُ الممتنع شرعاً. * * * باب: مَنْ حَلَفَ بِملَّةِ سِوَى الإِسْلَامِ 2863 - (6652) - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ مِلَّةِ الإِسْلَامِ، فَهْوَ كَمَا قَالَ، قَالَ: وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ، عُذِّبَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ رَمَى مُؤْمِناً بِكُفْرٍ، فَهْوَ كَقَتْلِهِ" (ولعنه (¬2) كقتله): قد تقدّم فيه عن الطبري ما علمته. قال ابن دقيق العيد - رحمه الله -: فيه سؤال، وهو أن يقال: إما أن يكون كقتله في أحكام الدنيا، أو في (¬3) أحكام الآخرة، لا سبيلَ إلى الأول؛ لأن قتلَه يوجب القصاصَ، ولعنه لا يوجبُ ذلك، وأما أحكام الآخرة، فإما أن ¬

_ (¬1) "صورته" ليست في "ع" و"ج"، وفي "م": "ما صور به صورته". (¬2) في المتن: "ولعنُ المؤمِن". (¬3) في "ج": "وفي".

يراد: التساوي في الإثم، أو في العقاب، وكلاهما مُشْكِل؛ لأن الإثم يتفاوتُ بتفاوتِ مفسدةِ الفعل، وليسَ إذهابُ الروح في المفسدةِ كمفسدةِ الأذى باللعنة (¬1)، وكذلك العقابُ يتفاوت بحسب تفاوتِ الجرائم، قال الله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8]، وذلك دليلٌ على التفاوت في العقاب والثواب بحسب التفاوت في المصالح والمفاسد؛ فإن الخيراتِ مصالحُ، والمفاسدَ شرورٌ. قال القاضي عياض: قال الإمام - يعني: المازري -: الظاهرُ من الحديث تشبيهُه في الإثم، وهو تشبيهٌ واقع؛ لأن اللعنةَ قطعٌ عن الرحمة، والموتَ قطعٌ عن التصرف. قال القاضي: وقيل: لعنُه يقتضي قصدَ إخراجه من المسلمين، ومنعَهم منافعَه، وتكثيرَ عددهم به، كما لو قتله، وقيل: لعنُه يقتضي قطعَ منافعه الأُخروية عنه (¬2)، وبُعدَه بإجابة لعنِه، وهو كمن قُتل (¬3) في الدنيا، وقُطعت عنه منافعُه (¬4) فيها، وقيل: معناه: استواؤهما في التحريم (¬5). وأقول: هذا يحتاج إلى تخليص ونظر. أما ما حكاه عن الإمام؛ من أن الظاهر من الحديث تشبيهه في الإثم، ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "باللعن". (¬2) في "ع" و"ج": "وقيل: لعنه يقتضي قصدَ إخراجه من المسلمين، ومنعهم منافعه الأخروية عنه". (¬3) في "ج": "لعن". (¬4) في "ج": "منفعة". (¬5) انظر: "المعلم" للمازري (1/ 306)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (1/ 390).

وكذلك ما حكاه من أن معناه: استواؤها في التحريم، فهذا يحتمل أمرين: أحدهما: أن يقع التشبيهُ والاستواءُ في أصل التحريم والإثم. والثاني: أن يقع في مقدار الإثم. فأمَّا الأوّل: فلا ينبغي أن يُحمل عليه؛ لأن كل معصية قلّت أو عَظُمت فهي مشابهةٌ ومساوية للقتل في أصل التحريم، ولا يبقى في الحديث كبيرُ فائدة، مع أن المفهوم منه (¬1) تعظيمُ أمرِ اللعنة بتشبيهها بالقتل. وأما الثاني: فقد بَيَّنَّا ما فيه من الإشكال؛ وهو التفاوتُ في المفسدة بين إزهاق الروح، وبين (¬2) الأذى باللعنة. وأما ما حكاه عن الإمام، من أن اللعنةَ قطعُ الرحمة، والموتَ قطعُ التصرف، فالكلام عليه من وجهين: أحدهما: أن تقول: اللعنةُ قد تُطلق على نفس الإبعاد الذي هو فعلُ الله، وعلى هذا يقع فيه التشبيه. والثاني: أن تُطلق اللعنة على فعل اللاعنِ (¬3)، وهو طلبُه لذلك الإبعاد، فقوله: لعنه الله - مثلًا - ليس يقطع عن الرحمة بنفسه ما لم تتصلْ به إجابة، فيكون حينئذ سبباً إلى قطع التصرف، ويكون نظيره التسبب إلى القتل، غير أنهما يفترقان في أن التسبب (¬4) إلى القتل بمباشرة مقدمات ¬

_ (¬1) في "م": "من". (¬2) في "ع" و"ج": "بين". (¬3) "اللاعن" ليست في "ع" و"ج". (¬4) في "ع": "أن السبب".

تفضي إلى الموت بمطَّرِد العادة، فلو كانت مباشرةُ اللعنة مقتضيةً إلى الإبعاد الذي هو اللعن دائماً, لاستوى اللعنُ مع مباشرةِ مقدماتِ القتل، أو زاد عليه. وبهذا يتبين لك الإيرادُ على ما حكاه القاضي: من أن لَعْنَهُ له يقتضي قصدَ إخراجه عن جماعة المسلمين كما لو قتلَه؛ فإن قصدَ إخراجه لا يستلزمُ إخراجَه، كما تستلزم مقدماتُ القتل، وكذلك أيضاً ما حكاه من أن لعنه يقتضي قطعَ منافعه الأُخروية عنه، إنما يحصلُ ذلك بإجابة الدعوة، وقد لا تُجاب في كثير من الأوقات، فلا يحصلُ انقطاعُه عن منافعه كما يحصل بقتلِه، ولا استواء القصد إلى القطع بطلب الإجابة مع مباشرة مقدمات القتل المفضيةِ إليه في مطَّرِدِ العادة. والذي يمكن أن يقرر به ظاهرُ الحديث في استوائهما في الإثم. ثم (¬1) إنا نقول: لا نسلم أن مفسدة اللعنة مجرد (¬2) أذاه، بل فيها مع ذلك تعريضُه لإجابة الدعوة فيه بموافقة ساعة (¬3) لا يُسأل اللهُ فيها شيئاً إِلَّا أعطاه، كما دلَّ عليه الحديث من قوله - عليه السلام -: "لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ (¬4) لا تُوَافِقُوا سَاعَةً"، الحديث (¬5). وإذا عَرَّضَه باللعنة لذلك، ووقعتِ الإجابة، وإبعادُه من رحمة الله، كان ذلك أعظمَ من قتله؛ لأن القتلَ تفويتُ الحياةِ الفانيةِ قطعاً، والإبعادُ من ¬

_ (¬1) "ثم" ليست في "ع" و"ج". (¬2) في "م": "مفسدة مجردة". (¬3) "ساعة" ليست في "ع". (¬4) "أموالكم" ليست في "ج". (¬5) رواه مسلم (3006) عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه.

باب: الحلف بعزة الله وصفاته وكلماته

رحمة الله أعظمُ ضرراً بما لا يحصى، وقد يكون أعظمُ الضررين - على سبيل الاحتمال - مساوياً (¬1) أو مقارباً (¬2) لأخفِّهما - على سبيل التحقيق -، ومقاديرُ المصالح والمفاسد وأعدادُهما (¬3) أمر (¬4) لا سبيلَ للبشر إلى الاطلاع على حقائقه (¬5). * * * باب: الْحَلِفِ بِعِزَّةِ اللهِ وَصِفَاتِهِ وَكَلِمَاتِهِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ". وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَبْقَى رَجُلٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، يَقُولُ: يَا رَبِّ! اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ، لَا، وَعِزتِكَ! لَا أَسْألكَ غَيْرَهَا". وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "قَالَ اللهُ: لَكَ ذَلِكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ". وَقَالَ أَيُّوبُ: "وَعِزَّتِكَ! لَا غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ". (أعوذُ بعزتك): طابقت الترجمةُ هذا، مع أنه دعاء، وليس بحلف؛ من جهة أنه لا يُستعاذ إلا بالقديم، فأثبت (¬6) بهذا أن العزة (¬7) من الصفات ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "متساوياً". (¬2) في "ج": "تقارباً". (¬3) في "ج": "وإعدادها". (¬4) في "م": "أمراً". (¬5) انظر: "شرح عمدة الأحكام" (4/ 152). (¬6) في "ع" و"ج": "فإن ثبت". (¬7) في "ع": "أن الصفة العزة".

باب قول الله تعالى: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا} [آل عمران: 77] وقول الله: {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم} [البقرة: 224]

القديمة، فتنعقد اليمين بها. * * * باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: 77] وقول الله: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 224] 2864 - (6677) - فَدَخَلَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، فَقَالَ: مَا حَدَّثَكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ فَقَالُوا: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فِيَّ أُنْزِلَتْ، كَانَتْ لِي بِئْرٌ فِي أَرْضِ ابْنِ عَمًّ لِي، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "بَيِّنَتُكَ، أَوْ يَمِينُهُ"، قلْتُ: إِذاً يَحْلِفُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ، وَهْوَ فِيهَا فَاجِرٌ، يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمِ، لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ". (بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُه): بالنصب والرفع، وقد مر. وفيه شيء يتعلق بمسألة اختلف فيها الفقهاء، وهي ما إذا ادَّعى على غريمه شيئاً، فأنكره، وأحلفه، ثم أراد إقامةَ البينة بعدَ الإحلاف، فله ذلك عند الشافعية. وعند المالكية: ليس له ذلك، إِلَّا أن يأتي بعذر يتوجَّه، وربما تمسكوا بهذا، وفي حديث آخر: "لَيْسَ لَكَ (¬1) إِلَّا ذَلِكَ"، ووجهُ التمسُّك أن "أو" ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "له".

باب: اليمين فيما لا يملك، وفي المعصية، واليمين في الغضب

لأحد (¬1) الشيئين (¬2)، فلو أجزنا إقامةَ البينة بعد التحليف؛ لكان له الأمرانِ معاً؛ أعني: اليمينَ، وإقامةَ البينة، مع أن (¬3) الحديث يقتضي أن ليس له إلا أحدُهما (¬4). * * * باب: الْيَمِينِ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَفِي الْمَعْصِيَةِ، وَاليمين فِي الْغَضَبِ (باب: اليمينِ فيما لا يملك): ذكر (¬5) فيه حديث أبي موسى في قضية (¬6) حُمْلانِ الأشعريينَ (¬7) بعدَ الحَلِف. قال ابن المنير: وهو مطابق للترجمة. قال ابن بطال: لأنه حلفَ حينَ لم يكنْ يملكُ (¬8) ظَهْراً يحملُهم عليه، فلما طرأَ الملكُ، حملَهم (¬9). ¬

_ (¬1) في "ج": "وأن لأحد". (¬2) في "ع": "لأحد السببين". (¬3) "أن" ليست في "ع". (¬4) انظر: "شرح عمدة الأحكام" (4/ 148). (¬5) في "ج": "وذكر". (¬6) في "ع" و"ج": "في قصة". (¬7) في "ج": "الأشعري". (¬8) "يملك" ليست في "ع". (¬9) انظر: "شرح ابن بطال" (6/ 89).

وفهم عن البخاري: أنه نحا ناحيةَ (¬1) تعليقِ الطلاق قبل مِلْك العصمة، أو الحريةِ قبلَ ملكِ الرقبة. والظاهرُ من قصد البخاري غيرُ هذا، وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حلف أن لا يحملَهم، فلما حملهم، وراجعوه في يمينه، قال: "مَا أَنَا حَمَلْتُكُمْ، وَلَكِنَّ اللهَ حَمَلَكُمْ" (¬2)، فبين أن يمينه إنما انعقدت فيما يملِكُه، فلو حملَهم على ما يملكُه، لكفَّرَ، ولكنه (¬3) حملَهم على مال الله، هذا مع قصده - عليه السلام - من الأول أنه (¬4) لا يحملهم على ما لا (¬5) يملِكُه بقرضٍ (¬6) يتكلَّفُه، ونحوِ ذلك، بهذا لا يكون - عليه السلام - قد حَنِثَ في يمينه (¬7). وأما قولُه - عليه السلام - عَقيبَ ذلك: "لا أَحْلِفُ يَمِيناً، فَأَرَى غَيْرَها خَيْراً مِنْهَا"، فتأسيسُ قاعدةٍ مبتدأٌ، كأنه يقول: ولو كنتُ [حلفت] حلفاً (¬8) يقتضي الحالُ الحنثَ فيها، لأَحْنَثْتُ نفسي، وكَفَّرْت عن يميني، وأما حلفُ الإنسان فيما لا يملكه؛ كقوله: واللهِ! لا وهبتك هذا الطعامَ، وهو (¬9) لغيره، فملَكَه، فوهَبَه له، فإنه يحنَثُ، ولا يجري فيه الخلافُ الذي جرى (¬10) في ¬

_ (¬1) في "ع": "نحا ناصية"، وفي "ج": "نحا ناحيته". (¬2) رواه البخاري (6718) عن أبي موسى رضي الله عنه. (¬3) في "ج": "ولكن". (¬4) في "ع": "لأنه". (¬5) "لا" ليست في "ع" و"ج". (¬6) في "ع": "بقراض". (¬7) وانظر: "المتواري" لابن المنير (ص: 227). (¬8) "حلفاً" ليست في "ع" و"ج". (¬9) في "ع": "ولو". (¬10) "جرى" ليست في "ع".

تعليق الطلاق على المِلْك، وإن كان ظاهرُ ترجمة البخاري: أَنَّ من حلفَ على ما لا يملك مطلقاً، نوى، أو لم ينو ملْكَه (¬1)، لم يلزمْه اليمين. وعلى هذا حُمل قولُه - عليه السلام -[لأبي موسى. وقد بينا أنه لا بدَّ من تقدير كونِه - عليه السلام] (¬2) - نوى أَوَّلًا أن لا يتكلفَ حملَهم من عندِ غيره، فلما زالت الكلفةُ، وجاء اللهُ بالخير، تَخَلَّصَتِ اليمينُ. ولم يذكر البخاري في الباب ما يناسب ترجمةَ اليمين على المعصية، إلا أن يريد: أن قوله: "فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْراً" يقتضي (¬3) أن (¬4) الحِنْثَ يوقَع بفعلِ ما هو الأولى، فإيقاعهُ بترك المعصية أحقُّ، ولهذا يقتضى بحنث من حلفَ على معصية من قبل أن يفعلها. وانظر هل يُقضى على كل (¬5) من حلفَ بمعصية (¬6) بحنثه (¬7) ناجزاً، أو هذا في العاصي الذي يُقضى عليه بالحيلولة بينه وبينها؛ كشربِ الخمر، وتركِ الصلاة الواجبة؟ فانظر لو حلف لا يحجُّنَّ أبداً، ولم يكن حَجَّ، وهو مستطيعٌ، هل يُقضى بحنثه، وإن كنا لا نحكم عليه بالحج، ولا نرسم عليه ¬

_ (¬1) في "ج": "ثم ملكه". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬3) في "ع": "بأن يقتضي". (¬4) في "ع": "بأن". (¬5) "كل" ليست في "ع" و"ج". (¬6) في "ج": "على معصية". (¬7) في "ج": "وبحنثه".

باب: إذا قال: والله! لا أتكلم اليوم، فصلى، أو قرأ، أو سبح، أو كبر، أو حمد، أو هلل، فهو على نيته

به، أو نقول له كما قال مالك في الممتنع: أبعدَكَ الله؟ وكذلك لو لزمته كفارةٌ، أو مَشْيٌ إلى مكةَ، أو غيره من النذور، فحلف بالطلاق لا يفعلُه؟ الظاهرُ أنه لا يُقضى عليه بالطلاق، ولكن نأمره خاصة. * * * باب: إِذَا قَالَ: وَاللهِ! لَا أَتَكَلَّمُ الْيَوْمَ، فَصَلَّى، أَوْ قَرَأَ، أَوْ سَبَّحَ، أَوْ كَبَّرَ، أَوْ حَمِدَ، أَوْ هَلَّلَ، فَهْوَ عَلَى نِيَّتِهِ (باب: إذا قال: والله! لا أتكلم اليوم، فصلى، أو قرأ، أو سَبَّح، أو كَبَّرَ، أو حَمِدَ، أو هَلَّلَ، فهو على نيته): مثل هذا ننزله على العرف، وأن التسبيح - مثلًا - وإن كان كلاماً، فلا يحنث به؛ لأنه ليس ممّا يُنوى عادة باليمين. أو يريد: أنه لا يحنث بذلك، إلا أن ينويَ إدخالَه في اليمين فهو على نيته، وكلا الوجهين صواب. * * * باب: إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْرَبَ نَبِيذاً، فَشَرِبَ طِلَاءً، أَوْ سَكَراً، أَوْ عَصِيراً، لَمْ يَحْنَثْ فِي قَوْلِ بَعْضِ النَّاسِ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ بِأَنْبِذَةٍ عِنْدَهُ (فشربَ الطَّلَاءِ): - بالكسر والمد -: الشرابُ المطبوخُ من العنب، وهو الرُّبُّ.

باب: إثم من لا يفي بالنذر

(أو سَكَراً): - بفتحتين -: هو (¬1) ما يُسْكِرُ مطلَقاً. * * * 2865 - (6685) - حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، سَمِعَ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ أبِي حَازِمٍ، أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ أَبن أُسَيْدٍ صَاحِبَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَعْرَسَ، فَدَعَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لِعُرْسِهِ، فَكَانَتِ الْعَرُوسُ خَادِمَهُمْ، فَقَالَ سَهْلٌ لِلْقَوْمِ: هَلْ تَدْرُونَ مَا سَقَتْهُ؟ قَالَ: أَنْقَعَتْ لَهُ تَمْراً فِي تَوْرٍ، مِنَ اللَّيْلِ، حَتَّى أَصْبَحَ عَلَيْهِ، فَسَقَتْهُ إِيَّاهُ. (أن أبا أُسَيد): بضم الهمزة وفتح السين، على التصغير. * * * 2866 - (6686) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيَّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، عَنْ سَوْدَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَتْ: مَاتَتْ لَنَا شَاةٌ، فَدَبَغْنَا مَسْكَهَا، ثُمَّ مَا زِلْنَا نَنْبِذُ فِيهِ حَتَّى صَارَتْ شَنّاً. (فدبغنا مَسْكها): - بفتح الميم وإسكان السين -؛ أي: جِلْدَها. * * * باب: إِثْمِ مَنْ لا يَفِي بِالنَّذْرِ 2867 - (6695) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "وهو".

باب: من نذر أن يصوم أياما فوافق النحر أو الفطر

حَدَّثَنِي أَبُو جَمْرَةَ، حَدَّثَنَا زَهْدَمُ بْنُ مُضَرِّبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ يُحَدِّثُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ - قَالَ عِمْرَانُ: لَا أَدْرِي ذَكَرَ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثاً بَعْدَ قَرْنِهِ -، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ، يَنْذُرُونَ وَلَا يَفُونَ، وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ". (حدثني أبو جَمْرة): بالجيم والراء. * * * باب: مَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ أَيَّاماً فَوَافَقَ النَّحْرَ أَوْ الفِطْرَ 2868 - (6706) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: نَذَرْتُ أَنْ أَصُومَ كُلَّ يَوْمِ ثَلَاثَاءَ أَوْ أَرْبِعَاءَ مَا عِشْتُ، فَوَافَقْتُ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ النَّحْرِ، فَقَالَ: أَمَرَ اللهُ بِوَفَاءِ النَّذْرِ، وَنُهِينَا أَنْ نَصُومَ يَوْمَ النَّحْرِ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ، فَقَالَ مِثْلَهُ، لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ. (أمرَ اللهُ بوفاء النذر، ونُهينا أن نصومَ يومَ النحر): يشير إلى أن الأدلة تعارضَتْ عنده، فتوقَّفَ عن الجواب (¬1)، وقد سبقَ الكلامُ فيه في كتاب: الصيام. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1209).

كتاب كفارات الأيمان

كِتَابُ كَفَّارَاتِ الأَيْمَانِ

باب: متى تجب الكفارة على الغني والفقير؟

كِتَابُ كَفَّارَاتِ الأَيْمَانِ (كتاب: الكفارات (¬1)): ساق فيه حديثَ كعبِ بنِ عُجْرَةَ في فِدْيَة الأذى. قال ابن المنير: يُحتمل أن يكون أدخلَ حديثَه في الباب موافقةً لمن قال: إن الطعامَ نصفُ صاعٍ في الكفارة كالفِدْيَة، فنبَّهَ على حملِ المُطْلَقِ على المقيَّدِ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نصَّ في الفدية على أنها نصفُ صاع، ولم يثبت عنه نصٌّ في قَدْرِ طعامِ الكفارة، وهذا من إنصاف البخاري؛ لأنه كثيراً ما يخالف الكوفيين، إلا أن يظهرَ الحقُّ معهم. باب: مَتَى تَجِبُ الكَفَّارَةُ على الغَنِيَّ والْفَقيرِ؟ 2869 - (6709) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُهُ مِنْ فِيهِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: هَلَكْتُ، قَالَ: "مَا شَأْنُكَ؟ "، قالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ، قَالَ: "تَسْتَطِيعُ تُعْتِقُ رَقَبَةً؟ "، قالَ: ¬

_ (¬1) كذا في رواية أبي ذر الهروي عن الحموي، وفي رواية الحموي والكشميهني: "كتابُ كَفَّارَاتِ الأَيْمَانِ"، وهي المعتمدة في النص.

باب: قول الله تعالى: {أو تحرير رقبة} [المائدة: 89] وأي الرقاب أزكى؟

لَا، قَالَ: "فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ "، قالَ: لَا. قَالَ: "فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِيناً؟ "، قالَ: لَا، قَالَ: "اجْلِسْ"، فَجَلَسَ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ - وَالْعَرَقُ: الْمِكْتَلُ الضَّخْمُ - قَالَ: "خُذْ هَذَا، فَتَصَدَّقْ بِهِ"، قالَ: أَعَلَى أَفْقَرَ مِنَّا؟ فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، قَالَ: "أَطْعِمْهُ عِيَالَكَ". (وقعتُ على امرأتي في رمضانَ، قال: هل تستطيع) إلى آخره (¬1): مقصودُه التنبيهُ على أن الكفارةَ إنما تجب بالحِنْث، كما أن كفارةَ الإفطار إنما كانت بعدَ اقتحام الذنب، وأدرجَ في ذلك إيجابها على الفقير؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - عَلِمَ فقرَهُ، ومع ذلك أعطاه ما يُكَفَّرُ به، كما لو أعطى الفقيرَ ما يُوَفِّي به دَيْنَه. قال ابن المنير: ولعله كما نبَّهَ على احتجاج الكوفيين بالفِدْية، نبَّهَ ها هنا على الحجَّة عليهم بطعامِ الكفارة، وأنه مُدٌّ لكلَّ مسكين. * * * باب: قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89] وَأَيُّ الرِّقَابِ أَزْكَى؟ (باب: قول الله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} (¬2)، وأَيُّ الرقاب أزكى؟): لم يترجم على عتق الرقبة في الكفارة؛ لأنه لم يجد نصاً ¬

_ (¬1) في "ع": "آخر". (¬2) نص البخاري: {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89].

باب: الاستثناء في الأيمان

في اشتراط الإيمان في كفارة الأيمان، فأورد الترجمةَ محتملةً، وذكر أن الفضلَ والمزية لعتق المؤمنةِ، [فنبه على مجال النظر؛ إذ (¬1) يقول القائل: إذا (¬2) تفاوتَ العتقُ، وكان أفضلُه عتقَ المؤمنة] (¬3)، ووجبَ علينا عتقُ الرقبة في اليمين، كان الأخذُ بالأفضل أحوطَ للذمة، وإلا، كانَ المكفِّرُ بغير المؤمنة على شكٍّ في براءة الذمة، وهذا أوضحُ من الاستشهاد بحمل المُطْلَق على المقيَّد في كفارة القتل؛ لظهور الفرقِ بالتغليظ هنالك (¬4). * * * باب: الاسْتِثْناءِ في الأَيْمَانِ 2870 - (6718) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ غَيْلَانَ ابْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أِبي مُوسَى الأَشعَرِيِّ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي رَهْطٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ أَسْتَحْمِلُهُ، فَقَالَ: "وَاللهِ! لَا أَحْمِلُكُمْ، مَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ". ثُمَّ لَبِثْنَا مَا شَاءَ اللهُ، فَأُتِيَ بِإِبِلٍ، فَأَمَرَ لَنَا بِثَلَاثَةِ ذَوْدٍ، فَلَمَّا انْطَلَقْنَا، قَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: لَا يُبَارِكُ اللهُ لَنَا، أَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نستَحْمِلُهُ، فَحَلَفَ أَنْ لَا يَحْمِلَنَا، فَحَمَلَنَا، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: "مَا أَنَا حَمَلْتُكُمْ، بَلِ اللهُ حَمَلَكُمْ، إِنِّي وَاللهِ - إِنْ شَاءَ اللهُ - لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْراً ¬

_ (¬1) في "ج": "أن". (¬2) في "ج": "إذا قال". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ع". (¬4) في "ج": "هنا".

مِنْهَا، إلَّا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي، وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ". (فأُتي بإبل): جاء بلفظِ الواحد، والمراد به: الجمعُ؛ كالسامر. * * *

كتاب الفرائض

كِتَابُ الفَرَائِضِ

باب: ميراث الولد من أبيه وأمه

كِتَابُ الفَرَائِضِ باب: مِيَراثِ الوَلَدِ مِنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ 2871 - (6732) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيه، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ، فَهْوَ لأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ". (كتاب: الفرائض). (فما بقيَ، فلأَوْلى (¬1) رجلٍ ذَكَرٍ): قيل: الوصفُ بالذكورة (¬2) إشعارٌ بأنها المعتبر في العُصوبة، لا الرجولية بمعنى البلوغ، على ما كان عليه أهلُ الجاهلية. وعن بعض العلماء: أن "ذَكَرٍ" صفةُ أَوْلى، لا صفةُ "رجل"، والأَوْلى بمعنى: القَريبِ الأَقْرَبِ، فكأنه قال: هو لقريبِ (¬3) الميتِ ذكرٍ من جهةِ رجلٍ وصُلْبٍ، لا من جهةِ رَحِم وبطن. ¬

_ (¬1) كذا في رواية أبي ذر الهروي عن الكشميهني، وفي اليونينية: "فهو لأولى"، وهي المعتمدة في النص. (¬2) في "ع": "بالمذكورة". (¬3) في "ع" و"ج": "تقريب".

باب: ميراث السائبة

فالأَوْلى من حيث المعنى: مضافٌ إلى الميت، ومن حيثُ اللفظ: مضافٌ إلى رجل، وقد أشير بذكرِ (¬1) الرجلِ (¬2) إلى جهة الأَوْلَوية، كما يقال: هو أخوك، أخو الرخاء، لا أخو الشدَّة، والمقصود: نفيُ الميراثِ عن الأَوْلى الذي هو من جهة الأُم؛ كالخال، فأفادَ بوصف الأَوْلى بذكرٍ نفيَ الميراث عن النساء بالعُصوية؛ وإن كُن من الأَوْلَين للميت من جهة الصُّلب (¬3). * * * باب: مِيَراثِ السَّائِبَةِ 2872 - (6753) - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ هُزَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: إِنَّ أَهْلَ الإِسْلَامِ لا يُسَيِّبُونَ، وَإِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يُسَيِّبُونَ. (إن أهل الإسلام لا يُسَيِّبون، وإن أهلَ الجاهلية كانوا يُسَيِّبون): يعني بالتسييب: أن يُعتق العبدَ على أنْ لا ميراثَ له منه، ولا وَلاءَ له (¬4) عليه، ويَجعل ميراثَه حيثُ شاء، فأبطل الإسلامُ ذلك، وجعلَ الولاءَ لمن أَعْتَقَ (¬5). * * * ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "أشير بذلك". (¬2) "الرجل" ليست في "ج". (¬3) انظر: "الفرائض وشرح آيات الوصية" للسهيلي (ص: 85). وعنه نقل المؤلف رحمه الله. (¬4) "له" ليست في "ع" و"ج". (¬5) انظر: "التنقيح" (3/ 1210).

باب: إثم من تبرأ من مواليه

باب: إِثْمِ مَنْ تَبَرَّأَ مِنَ مَوالِيهِ 2873 - (6755) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةَ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ - عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: ما عِنْدَنَا كِتَابٌ نقرَؤُهُ إِلَّا كِتَابُ اللهِ، غَيْرَ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، قَالَ: فَأَخْرَجَهَا، فَإِذَا فِيهَا أَشْيَاءُ مِنَ الْجرَاحَاتِ، وَأَسْنَانِ الإِبِلِ، قَالَ: وَفِيهَا: "الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثاً، أَوْ آوَى مُحْدِثاً، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ. وَمَنْ وَالَى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنة اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ. وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِماً، فَعَلَيْهِ لَعْنة اللهِ وَالْمَلَائكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ. (لا يُقبل منه يوم القيامة صرفٌ): قيل: التوبة، وقيل: النافلة. (ولا عدل): قيل: الفدية، وقيل: الفريضة. (فمن أخفر مسلماً): أي: نقضَ عهدَه. * * * باب: مَنْ ادَّعَى إلى غَيْرِ أَبِيهِ وهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أبِيهِ 2874 - (6766) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللهِ -، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَن أِبي عُثْمَانَ، عَنْ سَعْدٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أِبيهِ، وَهْوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبيهِ، فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ".

(من ادَّعى إلى غير أبيه، وهو يعلم أنه غيرُ أبيه، فالجنةُ عليه حرامٌ): استشكله الطبري بأن جماعةً من الأخيار قد فعلوه؛ كالمقدادِ بنِ الأسود، وإنما هو المقدادُ بنُ عَمْرٍو. وأجاب: بأن الجاهلية كانوا لا يستنكرون أن يتبنى الرجل غيرَ ابنه الّذي خرجَ من صلبه، فيُنسب (¬1) إليه، ولم يزل ذلك في أول الإسلام، حتّى نزل: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} [الأحزاب: 4]، ونزلت: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5]، فغلب على بعضهم النسبُ الذي كان يدعى به قبل الإسلام، فصار إنما يُذكر للتعريف بالأَشْهَر، من غير أن يكونَ من الدعوى [التي] تحول عن نسبه الحقيقي، فلا نقيصة عليه؛ إذ الوعيدُ المذكور إنما تعلَّق بمن انتسبَ إلى غير أبيه على علمٍ منه بأنه ليس أباه (¬2). * * * 2875 - (6768) - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عِرَاكٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ أَبيهِ، فَهُوَ كُفْرٌ". (فمن رغبَ عن أبيه، فقد كَفَرَ): ويروى: "فهو كفرٌ". قيل: ليس الكفر الذي يستحق عليه (¬3) الخلودَ في النار، وإنما (¬4) هو ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "فنسب". (¬2) انظر: "التوضيح" (30/ 587). (¬3) في "ع" و"ج": "عليهم". (¬4) في "ع" و"ج": "إنما".

باب: إذا ادعت المرأة ابنا

كفرٌ لحقِّ أبيه؛ أي: سَتْرٌ لحقِّه، وتغطيةٌ عليه (¬1). قلت: لكنه عبر (¬2) بالكفر تغليظاً وتشنيعاً عليه؛ إعظاماً لهذا النوع من الحقوق (¬3)، وإلا، فكلُّ حقٍّ شرعيٍّ إذا سُتر، فسترُه كفرٌ بهذا المعنى، ولم يعبر في كل ستر على حق بهذا اللفظ، وإنما عبر في الأماكن التي (¬4) يُقصد فيها الذمُّ البالغ (¬5)، وتعظيمُ الحقِّ المستور. * * * باب: إِذَا ادَّعَتِ المَرْأةُ ابْناً 2876 - (6769) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَان، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبُو الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "كَانَتِ امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا، جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إِحْدَاهُمَا، فَقَالَتْ لِصَاحِبَتِهَا: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ، وَقَالَتِ الأُخْرَى: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ، فَتَحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى، فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -، فَأَخْبَرَتَاهُ، فَقَالَ: ائْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَهُمَا، فَقَالَتِ الصُّغْرَى: لَا تَفْعَلْ يَرْحَمُكَ اللهُ هُوَ ابْنُهَا، فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى". قالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاللهِ! إِنْ سَمِعْتُ بِالسِّكِّينِ قَطُّ إِلَّا يَوْمَئِذٍ، وَمَا كُنَّا ¬

_ (¬1) المرجع السابق (30/ 589). (¬2) "عبر" ليست في "ع" و"ج". (¬3) "من الحقوق" ليست في "ع". (¬4) في "ع": "الذي". (¬5) في "ع" و"ج": "الذم البليغ".

نقُولُ: إِلَّا الْمُدْيَةَ. (قال أبو هريرة: والله! إنْ سمعتُ بالسكين قَطُّ إِلَّا يومَئِذٍ): أبو هريرة متأخرُ الإسلام، وسورةُ يوسفَ مكيةٌ، ولعله لم يكن يحفظُها، ولا سمعَها يومئذ، وفيها: {وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا} [يوسف: 31]، والسكينُ معروف (¬1) عند أهل اللغة، يُذَكَّر ويؤنَّث، والغالبُ عليه التذكيرُ (¬2). * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "معروفة". (¬2) انظر: "التوضيح" (30/ 591).

كتاب الحدود

كِتَابُ الحُدُوْدِ

باب: من أمر بضرب الحد في البيت

كِتَابُ الحُدُوْدِ باب: مَنْ أَمَر بِضَرْبِ الحَدِّ في البَيْتِ 2877 - (6774) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: جِيءَ بِالنُّعَيْمَانِ، أَوْ بِابْنِ النُّعَيْمَانِ، شَارِباً، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَنْ كَانَ بِالْبَيْتِ أَنْ يَضْرِبُوهُ، قَالَ: فَضَرَبُوهُ، فَكُنْتُ أَنَا فِيمَنْ ضَرَبَهُ بِالنِّعَالِ. (كتاب: الحدود). (جيء بالنعيمان): هو نُعيمانُ بنُ عَمْرِو بنِ رِفاعةَ، شهد العقبةَ، والمشاهِدَ، وكان صاحب مزاحٍ، توفي في (¬1) خلافة معاويةَ، وليس له عَقِبٌ (¬2). * * * باب: الضَّرْبِ بالجَريدِ والنِّعَالِ 2878 - (6777) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسٌ، عَنْ يَزِيدَ ¬

_ (¬1) "في" ليست في "ع" و"ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (2/ 1212).

ابْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ، قَالَ: "اضْرِبُوه". قالَ أَبَو هُرَيْرَةَ: فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدهِ، وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ، وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: أَخْزَاكَ اللهُ، قَالَ: "لَا تَقُولُوا هَكَذَا، لَا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ". (عن أبي هريرة، قال (¬1): أُتي النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - برجلٍ قد شربَ): هذا يصحُّ تفسيرُه بالنعيمان، ويصحُّ أن يُفَسَّر بعبدِ اللهِ الملقبِ بحمارٍ، كما ذكره في الرواية عن عَمْرٍو. [قال في "مختصر الاستيعاب" في ترجمة نعيمان بنِ عمرٍو] (¬2): كان (¬3) نُعَيْمانُ رجلًا صالحاً، على ما كان فيه من الدُّعابَةِ، وكان له ابنٌ قد انهمكَ في شرب الخمرِ، فجلدَهُ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -[فيها أربعَ مرات، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] (¬4) للذي لعنه: "لا تَلْعَنْهُ؛ فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ" (¬5)، وقد رُوي ذلك في النعيمانِ نفسهِ، وفيه قال بعض القوم: أخزاكَ الله. * * * ¬

_ (¬1) "قال" ليست في البخاري. (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬3) في "ع": "وكان". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬5) انظر: "الاستيعاب" (4/ 1529).

2879 - (6778) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو حَصِينٍ، سَمِعْتُ عُمَيْرَ بْنَ سَعِيدٍ النَّخَعِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: مَا كُنْتُ لأُقِيمَ حَدّاً عَلَى أَحَدٍ فَيَمُوتَ، فَأَجِدَ فِي نَفْسِي، إِلَّا صَاحِبَ الْخَمْرِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ مَاتَ، وَدَيْتُهُ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَسُنَّهُ. (ما كنتُ لأقيمَ حداً على أحدٍ، فيموتَ، فأجدَ): بنصب الأفعال كلها. (إلا صاحبَ الخمر): بالنصب على الأفصح. (فإنه لو مات، وَدَيْتُه): فإن قلت: لا شكَّ أن الاستثناء المتقدِّمَ متصلٌ، وحكمُه (¬1) نقيض الحكمِ الثابتِ للمستثنى منه؛ ضرورة أن الاستثناء من النفي إثباتٌ، وبالعكس، وحكمُ المستثنى منه عدمُ الوجدانِ في النفس، والثابتُ للمستثنى منه كونُه يُودَى، وليسَ نقيضاً للأول. قلت: يلزم من القيام بديته ثبوتُ الوِجْدانِ في النفس من أمرِه، ولذلك يَديه على تقدير موته، فهو حينئذ جارٍ على القاعدةُ، والمعنى: فإنه لو مات، وحدثَ في نفسي منه، فوَدَيته، فحذفَ السبب، وأقامَ المسبَّبَ مقامَه. * * * 2880 - (6779) - حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْجُعَيْدِ، عَنْ يَزِيدَ ابْنِ خُصَيْفَةَ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: كُنَّا نُؤْتَى بِالشَّارِبِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَإِمْرَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَصَدْراً مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ، فَنَقُومُ إِلَيْهِ بِأَيْدِينَا وَنِعَالِنَا وَأَرْدِيَتِنَا، حَتَّى كَانَ آخِرُ إمْرَةِ عُمَرَ، فَجَلَدَ أَرْبَعِينَ، حَتَّى إِذَا عَتَوْا ¬

_ (¬1) في "ع": "متصل ونقيضه حكمه".

باب: ما يكره من لعن شارب الخمر وإنه ليس بخارج من الملة

وَفَسَقُوا، جَلَدَ ثَمَانِينَ. (حتى إذا عَتَوا وفَسَقوا، جَلَدَ ثمانين): هذا مذهبُ مالكٍ، والجمهورِ، ودليلُهم إجماعُ الصحابة عليه (¬1). * * * باب: ما يُكْرَهُ مِنْ لَعْنِ شَارِبِ الخَمْرِ وإِنَّهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنَ المِلَّةِ 2881 - (6780) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ اسْمُهُ: عَبْدَ اللهِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَاراً، وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ، فَأُتِيَ بِهِ يَوْماً، فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ، ما أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ؟! فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَلْعَنُوهُ، فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ". (أن رجلًا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كان اسمه (¬2): عبدَ الله، وكان يُلَقَّبُ حماراً): قال الزركشي: قيل: هذا وهم، وإنما اسمه النُّعيمان، وقد سبق في الباب (¬3) قبلَه على الصواب (¬4). ¬

_ (¬1) "عليه" ليست في "ع" و"ج". (¬2) في "ع" و"ج": "كان اسم". (¬3) في "ع" و"ج": "في هذا الباب". (¬4) انظر: "التنقيح" (3/ 1212).

باب: قول الله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} [المائدة: 38]

قلت: وقع في "الإفهام" ما يدفع هذا التوهيم، ففيه في تفسير المبهم في قوله: فقال رجل من القوم: اللهمَّ العنه ما نَصُّه: هذا الرَّجل مسمًّى في رواية البيهقي، وهو عمرُ بنُ الخطاب راوي الحديث - رضي الله عنه -، أخرجه عن عبد الحميد بنِ جعفرٍ، عن أبيه، عن جده، في قصة خيبر، وقال: خرجَ في حصنِ الصَّعْبِ بنِ مُعاذٍ مالٌ وزِقاقُ خمر، فأهريقت، وعمدَ يومئذ رجلٌ من المسلمين، فشرب من ذلك الخمر، فرُفع ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكره حين رُفع إليه، فخفَقَه بنعله، وأمر من حَضَرَ، فخفقوه بنعالهم، وكان يقال له: عبد الله الحمار، وكان رجلاً لا يصبر عن الشراب، فضربه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مراراً، فقال عمر: اللهمَّ العنه، ما أكثرَ ما يُضرب! فقال رسول (¬1) الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَفْعَلْ يا عُمَرُ (¬2)؛ فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ" (¬3). * * * باب: قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] (¬4) (باب: قول الله - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ}): يتعلّق بهذه الآية بحثٌ أصولي رأيتُ أن أذكره هنا، وذلك أن خصوصَ السبب لا يُخَصِّصُ عمومَ اللفظ، ومن الناس من أطلقَ الكلامَ في هذه المسألة؛ كالبيضاوي، ¬

_ (¬1) في "ج": "يا رسول". (¬2) "يا عمر" ليست في "ع" و"ج". (¬3) رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (9/ 103). (¬4) قدَّم المؤلف - رحمه الله - الكلام عن هذا الباب، وحقه أن يكون بعد باب: كراهية الشفاعة.

والحقُّ التفصيلُ، وهو أن الخطاب إمّا أن يكون جواباً لسؤال سائل، أو لا، فإن كان جواباً، فإما أن يَستقلَّ بنفسه، أو لا، فإن لم يستقل، فلا خلاف أنه على حسب السؤال، إن عامّاً، فعامٌّ، وإن خاصّاً، فخاصٌّ، وإن استقل (¬1)، فهو أقسام؛ لأنه إما أن يكون أخصَّ، أو مساوياً، أو أعمَّ، فالأخصُّ مثلُ قول القائل: من جامعَ في نهار رمضانَ، فعليه ما على المظاهر، في جوابِ مَنْ سأله عَمَّنْ أفطرَ في نهار رمضان. قيل: وهذا جائز بشروط: أحدُها: أن يكون فيما خرجَ من الجواب تنبيهٌ على ما لم يخرجْ منه. الثاني: أن يكون السائل مجتهداً، وإلا لم يُفِدْ. التنبيه الثالث: أن لا تفوت المصلحةُ باشتغال السائل بالاجتهاد. وأما المساوي، فظاهر. وأما الأعَمُّ، فهو منقسم إلى قسمين؛ لأنه إما أن يكون أعمَّ فيما سُئل عنه؛ كقوله - عليه السلام - لما سئل عن ماء بئر بضاعة: "إِنَّ الماءَ طَهُورٌ لا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ" رواه أبو داود، والترمذي (¬2). وإما أن يكون عاماً في غير ما سُئل عنه؛ كقوله - عليه الصلاة والسلام - حين سئل عن التوضؤ بماء البحر: "هُوَ (¬3) الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الحِلُّ مَيْتَتُه" (¬4)، وحكم هذا القسم: التعميمُ بالنسبة إلى ما سُئل عنه، وإلى غيره، من غير خلاف. ¬

_ (¬1) في "ع": "وإن اشتغل". (¬2) رواه أبو داود (67)، والترمذي (66) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. (¬3) "البحر هو" ليست في "ع" و"ج". (¬4) رواه أبو داود (83)، والترمذي (69) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

وأما القسم الأول، فقد جعلوه من محل الخلاف. قال الشيخ تقي الدين السبكي - رحمه الله -: الذي يتجه القطعُ بأن العبرةَ بعمومِ اللفظ؛ لأن عدولَ المجيب عن الخاص المسؤولِ عنه (¬1) إلى العام، دليلٌ على إرادة العموم. وأما الخطاب الذي لا يَرِدُ جواباً لسؤال سائل، بل وردَ بسبب (¬2) واقعةٍ وقعت، فإما أن يرد في اللفظ قرينةٌ تُشعر؛ كقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: 38]، والسبب: رجلٌ سرقَ رداءَ صفوان، فالإتيانُ بالسارقة معه قرينةٌ تدلُّ على عدم الاقتصار على المعهود، وكذلك العدول عن الإفراد إلى الجمع (¬3)؛ كما في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58]، نزلت في عثمانَ بنِ طلحةَ، أخذَ مفتاحَ الكعبة، وتَغَيَّبَ به، وأبى أن يدفعَه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقيل: إن علياً - رضي الله عنه - أخذه منه، وأبى أن يدفعه إليه، فنزلت، فأعطاه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إياه، وقال: "خُذُوهَا يَا بَنِي طَلْحَةَ مُخَلَّدَةً فِيكُمْ، لا يَنْزِعُهَا مِنْكُمْ إِلَّا ظَالِمٌ" (¬4). وإن لم يكن ثَمَّ قرينةٌ، فمقتضى كلامهم الحملُ على المعهود، إِلَّا أن يُفهم من نفسِ الشرعِ تأسيسُ قاعدة، فيكون دليلًا على العموم؛ وإن كان العمومُ لفظاً آخر، فحسنٌ أن يكون ذلك محلَّ الخلاف (¬5). ¬

_ (¬1) في "ج": "عن خلاف". (¬2) في "ع" و"ج": "سبب". (¬3) "إلى الجمع" ليست في "ع". (¬4) رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (11234)، وفي "المعجم الأوسط" (488) عن ابن عباس رضي الله عنهما. (¬5) انظر: "الإبهاج" للسبكي (2/ 183).

باب: كراهية الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السلطان

باب: كَرَاهِيَّةِ الشَّفَاعَةِ في الحَدِّ إِذَا رُفِعَ إلى السُّلْطَانِ 2882 - (6788) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: أَنَّ قُرَيْشاً أَهَمَّتْهُمُ الْمَرْأَةُ الْمَخْزُومِيَّةُ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ، حِبُّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَكَلَّمَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ؟! ". ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ، قَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّمَا ضَلَّ مَنْ قَبْلَكُمْ: أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ، تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ، أقامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللهِ! لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ، لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا". (قال: أتشفعُ في حَدٍّ من حدود الله؟!): فيه دليل على امتناع الشفاعة في (¬1) الحدِّ بعدَ بلوغِه السلطانَ. (إنما ضلَّ مَنْ كَان قبلَكم: أنهم كَانوا إذا سرقَ فيهم الشريف، تركوه): [فيه تعظيمُ أمرِ المحاباة للأشراف في حدود الله تعالى. (لو سرقَتْ فاطمةُ بنتُ محمدٍ (¬2)] (¬3)، لقطعَ محمدٌ يدَها): قد يُستدل بهذا (¬4) الحديث على أن ما خرج هذا المخرج من الكلام، الذي يقتضي تعليق القولِ بتقديرِ أمرٍ لا يمتنع، وقد شدد جماعة في مثل هذا، ومراتبُه في القبح مختلفةٌ. ¬

_ (¬1) في "ج": "بعد". (¬2) في المتن: "لو أن فاطمة بنت محمد سرقت". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬4) في "ع": "بها".

باب: قول الله: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} [المائدة: 38]، وفي كم يقطع؟

باب: قَوْلِ اللهِ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]، وفي كم يقطع؟ 2883 - (6795) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنًّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَطَعَ فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ. (قطعَ في مِجَنًّ): - بكسر الميم وفتح الجيم -: الترس، مِفْعَلٌ من (¬1) معنى (¬2) الاجتنان، وهو الاستتارُ والاختفاء، كأن صاحبه يستترُ [به] عَمَّا يحاذره. (ثمنُه ثلاثةُ دراهمَ): لا شك أن الثمنَ والقيمة مختلفان في الحقيقة، والمعتبرُ القيمةُ، كما وقع في الرواية التي بإثر هذه من طريق نافع، وما ثبت في هذا المحل وغيره من ذكر الثَّمَن، فلعله لتساويهما بعرف الناس في ذلك الوقت، أو في ظَنِّ الراوي، أو باعتبارِ الغَلَبَة، وإلا، فلو اختلفت القيمة والثمنُ الّذي اشتراه به مالكُه (¬3)، لم يُعتبر إلا القيمةُ. * * * 2884 - (6799) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَعَنَ اللهُ السَّارِقَ، يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ، فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ ¬

_ (¬1) "مفعل من" ليست في "ج". (¬2) في "ج": "بمعنى". (¬3) في "ع" و"ج": "به مالك".

باب: توبة السارق

الْحَبْلَ، فَتُقْطَعُ يَدُهُ". (لعنَ اللهُ السارقَ، يسرقُ البيضةَ، فتُقطع يدُه، ويسرقُ الحبلَ، فتُقطع يدُه): قال الأعمش: كانوا يرون أنه بَيْضُ الحديد، ومن (¬1) الحبل ما يُساوي دراهمَ، وهذا يوجد في المتن في بعض النسخ. وأنكر بعضُهم هذا التأويل من حيث (¬2) إنه لا يطابق الحديثَ؛ لأنه قصدَ (¬3) ما لا قيمةَ له في الخساسة بِقطع يده، فمعناه: أنه يبدأُ بالقليل، فيتجَرَّأُ عليه، فيسرق ما لا قيمةَ له، فيُقطع، فزجره عن سرقة التافِه، حتى لا يهونَ عليه سرقةُ الكثير (¬4). * * * باب: تَوْبَةِ السَّارِقِ 2885 - (6800) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَطَعَ يَدَ امْرَأَةٍ، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانَتْ تَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَتَابَتْ، وَحَسُنَتْ تَوبَتُهَا. (قطعَ يدَ امرأة): هي المرأةُ المخزومية التي شَفَع فيها أسامةُ، واسمُها فاطمةُ. ¬

_ (¬1) في "ج": "من". (¬2) في "ع": "بل إنه من حيث"، وفي "ج": "بل من حيث". (¬3) في "ع" و"ج": "لأنه لا قصد". (¬4) انظر: "التنقيح" (3/ 1212).

كتاب المحاربين

كِتَابُ المُحارِبيْنَ

باب: رجم المحصن

كِتَابُ المُحارِبيْنَ باب: رَجْمِ المُحْصَنِ 2886 - (6812) - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يُحَدِّثُ، عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - حِينَ رَجَمَ الْمَرْأَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَالَ: قَدْ رَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. (كتاب: المحاربين). (عن عليٍّ حينَ رجمَ المرأةَ يومَ الجمعة): هي شُرَاحَةُ الهَمْدَانِيَّةُ. * * * باب: إذا أَقَرَّ بالحَدِّ ولم يُبَيِّنْ، هَلْ لِلإمَامِ أَنْ يَسْتُرَ عَلَيْهِ؟ 2887 - (6823) - حَدَّثَنِي عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلَابِيُّ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنسٍ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: كنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي أَصَبْتُ حَدّاً، فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، قَالَ: وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنْهُ، قَالَ: وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا قَضَى

باب: سؤال الإمام المقر: هل أحصنت؟

النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الصَّلَاةَ، قَامَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ، فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي أَصَبْتُ حَدّاً، فَأَقِمْ فِيَّ كتَابَ اللهِ، قَالَ: "أَلَيْسَ قَدْ صَلَّيْتَ مَعَنَا؟ "، قالَ: نَعَمْ، قَالَ: "فَإِنَّ اللهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ ذَنْبَكَ"، أَوْ قَالَ: "حَدَّكَ". (فقال: يا رسول الله! إنِّي أصبتُ حَدّاً، فأَقِمْهُ عَلَيَّ، ولم يسأله عنه): فيه دليلٌ على أنه إذا لم يصرّحْ بما يوجبُ الحدَّ، وكَنَّى: أنه لا يَستفسر، بل يُعرض عنه، ويَستر عليه، أو يقول له كما قال في الخبر الآخر: "لَعَلَّكَ لَمَسْتَ"؛ إذ الحدود تُدْرَأُ ما وُجد السبيلُ إلى ذلك، وهذا الرَّجل لم يُفصح بما يوجب الحدّ، ولعلّه أتى صغيرة، فظن أما توجبُ الحدَّ، فلم يَكْشِفْه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وتوسَّمَ من تَعَرُّضه لإقامة الحد توبَتَه، وفي قوله - عليه السلام -: "أَلَيْسَ قَدْ صَلَّيْتَ؟ " معناه: ما يضاهي قوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]، واسمُ هذا الرَّجل: أبو اليَسَرِ، كَعْبُ بنُ عَمْرٍو، وقيل: نبَهانُ التمَّارُ، وقد تقدم. * * * باب: سُؤَالِ الإمَامِ المُقِرَّ: هَلْ أَحْصَنْتَ؟ 2888 - (6825) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ مِنَ النَّاسِ وَهْوَ فِي الْمَسْجدِ، فَنَادَاهُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي زَنَيْتُ، يُرِيدُ: نَفْسَهُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَتَنَحَّى لِشِقِّ وَجْهِهِ الَّذِي أَعْرَضَ قِبَلَهُ، فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ! إنِّي زنيتُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَجَاءَ لِشِقِّ وَجْهِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الَّذِي أَعْرَضَ عَنْهُ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ

شَهَادَاتٍ، دَعَاهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "أَبِكَ جُنُونٌ؟ "، قالَ: لَا يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: "أَحْصَنْتَ؟ "، قالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "اذْهَبُوا فَارْجُمُوهُ". (فلما شهدَ على نفسه أربعَ شهادات): الرجلُ المُقِرُّ على نفسه بالزنا في هذا الحديث هو (¬1) ماعِزٌ، المصرَّحُ باسمه في الباب الذي قبلَه. وقد ذهب الحنفية إلى أنَّ تكرارَ الإقرار بالزنا أربعاً شرطٌ لوجوب إقامةِ الحدِّ، ورأوا أن (¬2) النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث إنما أَخَّرَ إقامةَ الحدَّ إلى تمامِ الأربع؛ لأنه لم يجبْ قبلَ ذلك، وقالوا: لو وجبَ الإقرار مرة، لما أَخَّرَ الرسول - صلى الله عليه وسلم - الواجبَ. وفي قول الراوي: فلما شهدَ على نفسِه أربعَ شهادات، دعاهُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلى آخره؛ إشعار بأن الشهادة أربعاً هي العلةُ في الحكم. ومذهب مالك، والشافعي، ومن تبعهما: أن الإقرار مرةً موجبٌ للحد؛ قياساً على سائر الحقوق، فكأنهم لم يروا أن تأخير الحدِّ إلى تمام الإقرار أربعاً كما (¬3) ذكره الحنفية، وكأنه من باب الاستثبات والتحقيق لوجود (¬4) السبب؛ لأن مبنى (¬5) الحدِّ على الاحتياط في تركِه ودرئِه (¬6) الشُّبُهات (¬7). ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "هي". (¬2) في "ع" و"ج": "إقامة الحدود وإن". (¬3) في "م": "لما". (¬4) في "ع" و"ج": "لوجوب". (¬5) في "ع" و"ج": "لأن منه". (¬6) في "ع" و"ج": "ورد به". (¬7) انظر: "شرح عمدة الأحكام" (4/ 117).

باب: رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت

(قال (¬1): اذهبوا به، فارجموه (¬2)): هذا اللفظ يُشعر بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يَحْضُرْه، فيؤخذ منه عدمُ حضورِ الإمامِ للرجم. قال ابن دقيق العيد: وإن كان الفقهاءُ قد استحبوا أن يبدأَ الإمامُ بالرجم، إذا ثبت الزنا بالإقرار، ويَبدأ الشهودُ به إذا ثبتَ بالبينة، كأن الإمام لما كان عليه التثبتُ والاحتياط، قيل له (¬3): ابدأ؛ ليكون ذلك زجراً عن التساهل (¬4) في الحكم في الحدود، وداعياً إلى غاية التثبُّت، وأما في الشهود، فظاهر؛ لأن قتله بقولهم (¬5). قلت: الظاهرُ أن مراده بالفقهاء الذين فصلوا هذا التفصيل؛ الشافعيةُ ومَنْ وافقَهم، لا المالكية؛ فإنه لم (¬6) يؤثَرْ عنهم القولُ بما حكاه. * * * باب: رَجْمِ الحُبْلَى مِنَ الزِّنَا إذا أَحْصَنَتْ 2889 - (6830) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ أُقْرِئُ رِجَالًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، مِنْهُمْ ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "وقال". (¬2) كذا في رواية أبي ذر الهروي، وفي اليونينية: "اذهبوا فارجموه"، وهي المعتمدة في النص. (¬3) "له" ليست في "ج". (¬4) في "ع" و"ج": "عن الشاهد". (¬5) المرجع السابق، (4/ 118). (¬6) "لم" ليست في "ج".

عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَبَيْنَمَا أَنَا فِي مَنْزِلِهِ بِمِنًى، وَهْوَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا، إِذْ رَجَعَ إِلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ: لَوْ رَأَيْتَ رَجُلًا أَتَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْيَوْمَ، فَقَالَ: يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! هَلْ لَكَ فِي فُلَانٍ يَقُولُ: لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ، لَقَدْ بَايَعْتُ فُلَاناً، فَوَاللهِ! مَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ إِلَّا فَلْتَةً، فَتَمَّتْ؟ فَغَضِبَ عُمَرُ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي - إِنْ شَاءَ اللهُ - لَقَائِمٌ الْعَشِيَّةَ فِي النَّاسِ، فَمُحَذِّرُهُمْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْصِبُوهُمْ أُمُورَهُمْ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! لَا تَفْعَلْ؛ فَإِنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ وَغَوْغَاءَهُمْ، فَإِنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَغْلِبُونَ عَلَى قُرْبِكَ حِينَ تَقُومُ فِي النَّاسِ، وَأَنَا أَخْشَى أَنْ تَقُومَ فَتَقُولَ مَقَالَةً يُطَيِّرُهَا عَنْكَ كُلُّ مُطَيِّرٍ، وَأَنْ لَا يَعُوهَا، وَأَنْ لَا يَضَعُوهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا، فَأَمْهِلْ حَتَّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ؛ فَإِنَّهَا دَارُ الْهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ، فَتَخْلُصَ بِأَهْلِ الْفِقْهِ وَأَشْرَافِ النَّاسِ، فَتَقُولَ مَا قُلْتَ مُتَمَكِّناً، فَيَعِي أَهْلُ الْعِلْم مَقَالَتَكَ، وَيَضَعُونَهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا. فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا وَاللهِ - إِنْ شَاءَ اللهُ - لأَقُومَنَّ بِذَلِكَ أَوَّلَ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالْمَدِينَةِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فِي عَقِبِ ذِي الْحَجَّةِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، عَجَّلْنَا الرَّوَاحَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ، حَتَّى أَجِدَ سَعِيدَ بْنَ زيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ جَالِساً إِلَى رُكْنِ الْمِنْبَرِ، فَجَلَسْتُ حَوْلَهُ تَمَسُّ رُكْبَتِي رُكْبَتَهُ، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ مُقْبِلًا، قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ: لَتقُولَنَّ الْعَشِيَّةَ مَقَالَةً لَمْ يَقُلْهَا مُنْذُ اسْتُخْلِفَ، فَأَنْكَرَ عَلَيَّ، وَقَالَ: مَا عَسَيْتَ أَنْ يَقُولَ مَا لَمْ يَقُلْ قَبْلَهُ؟ فَجَلَسَ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمَّا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُونَ، قَامَ، فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي قَائِلٌ لَكُمْ مَقَالَةً قَدْ

قُدِّرَ لِي أَنْ أَقُولَهَا، لَا أَدْرِي لَعَلَّهَا بَيْنَ يَدَيْ أَجَلِي، فَمَنْ عَقَلَهَا وَوَعَاهَا، فَلْيُحَدِّثْ بِهَا حَيْثُ انْتَهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، وَمَنْ خَشِيَ أَنْ لَا يَعْقِلَهَا، فَلَا أُحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَكْذِبَ عَلَيَّ: إِنَّ اللهَ بَعَثَ مُحَمَّداً - صلى الله عليه وسلم - بِالْحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللهُ آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَرَأْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا، رَجَمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ، فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: وَاللهِ! مَا نجَدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللهِ، فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللهُ، وَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ، أَوْ كَانَ الْحَبَلُ، أَوْ الاِعْتِرَافُ، ثُمَّ إِنَّا كُنَّا نَقْرَأُ فِيمَا نَقْرَأُ مِنْ كتَابِ اللهِ: أَنْ لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ، فَإِنَّهُ كُفْرٌ بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ، - أَوْ: إِنَّ كُفْراً بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ - أَلَا ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا تُطْرُونِي كمَا أُطْرِيَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ، وَقُولُوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ". ثُمَّ إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ قَائِلًا مِنْكُمْ يَقُولُ: وَاللهِ! لَوْ مَاتَ عُمَرُ، بَايَعْتُ فُلَاناً، فَلَا يَغْتَرَّنَّ امْرُؤٌ أَنْ يَقُولَ: إِنَّمَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً وَتَمَّتْ، أَلَا وَإِنَّهَا قَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ اللهَ وَقَى شَرَّهَا، وَلَيْسَ مِنْكُمْ مَنْ تُقْطَعُ الأَعْنَاقُ إِلَيْهِ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ، مَنْ بَايَعَ رَجُلًا عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَلا يُبَايَعُ هُوَ وَلَا الَّذِي بَايَعَهُ، تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلَا، وَإِنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ خَبَرِنَا حِينَ تَوَفَّى اللهُ نَبِيَّهُ - صلى الله عليه وسلم - إِلَّا أَنَّ الأَنْصَارَ خَالَفُونَا، وَاجْتَمَعُوا بِأَسْرِهِمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَخَالَفَ عَنَّا عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ وَمَنْ مَعَهُمَا، وَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى أَبي بَكْرٍ، فَقُلْتُ لأَبِي بَكْرٍ: يَا ابُا بَكْرٍ! انْطَلِقْ بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا هَؤُلَاءِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَانْطَلَقْنَا نُرِيدُهُمْ، فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْهُمْ، لَقِيَنَا مِنْهُمْ رَجُلَانِ صَالِحَانِ، فَذَكَرَا مَا تَمَالَى عَلَيهِ الْقَوْمُ، فَقَالَا:

أَيْنَ تُرِيدُونَ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ؟ فَقُلْنَا: نُرِيدُ إِخْوَانَنَا هَؤُلَاءِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَا: لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَقْرَبُوهُمُ، اقْضُوا أَمْرَكُمْ، فَقُلْتُ: وَاللهِ! لَنَأْتِيَنَّهُمْ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَاهُمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَإِذَا رَجُلٌ مُزَمَّلٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: هَذَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَقُلْتُ: مَا لَهُ؟ قَالُوا: يُوعَكُ، فَلَمَّا جَلَسْنَا قَلِيلًا، تَشَهَّدَ خَطِيبُهُمْ، فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ: فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ، وَكَتِيبَةُ الإِسْلَامِ، وَأَنْتُمْ - مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ - رَهْطٌ، وَقَدْ دَفَّتْ دَافَّةٌ مِنْ قَوْمِكُمْ، فَإِذَا هُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْتَزِلُونَا مِنْ أَصْلِنَا، وَأَنْ يَحْضُنُونَا مِنَ الأَمْرِ. فَلَمَّا سَكَتَ، أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ، وَكُنْتُ زَوَّرْتُ مَقَالَةً أَعْجَبَتْنِي أُرِيدُ أَنْ أُقَدِّمَهَا بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ، وَكُنْتُ أُدَارِي مِنْهُ بَعْضَ الْحَدِّ، فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَى رِسْلِكَ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُغْضِبَهُ، فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، فَكَانَ هُوَ أَحْلَمَ مِنِّي وَأَوْقَرَ، وَاللهِ! مَا تَرَكَ مِنْ كَلِمَةٍ أَعْجَبَتْنِي فِي تَزْوِيرِي، إِلَّا قَالَ فِي بَدِيهَتِهِ مِثْلَهَا، أَوْ أَفْضَلَ مِنْهَا، حَتَّى سَكَتَ، فَقَالَ: مَا ذَكَرْتُمْ فِيكُمْ مِنْ خَيْرٍ، فَأَنْتُمْ لَهُ أَهْلٌ، وَلَنْ يُعْرَفَ هَذَا الأَمْرُ إِلَّا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ، هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ نَسَباً وَدَاراً، وَقَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ، فَبَايِعُوا أَيَّهُمَا شِئْتُمْ، فَأَخَذَ بِيَدِي، وَبِيَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَهْوَ جَالِسٌ بَيْنَنَا، فَلَمْ أَكْرَهْ مِمَّا قَالَ غَيْرَهَا، كَانَ - وَاللهِ - أَنْ أُقَدَّمَ فَتُضْرَبَ عُنُقِي، لَا يُقَرِّبُنِي ذَلِكَ مِنْ إِثْمٍ، أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَأَمَّرَ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ تُسَوِّلَ إِلَيَّ نَفْسِي عِنْدَ الْمَوْتِ شَيْئاً لَا أَجِدُهُ الآنَ. فَقَالَ قَائِلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: أَنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكَّكُ، وَعُذَيْقُهَا الْمُرَجَّبُ، مِنَّا أَمِيرٌ، وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ. فَكَثُرَ اللَّغَطُ، وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ،

حَتَّى فَرِقْتُ مِنَ الاِخْتِلَافِ، فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَدَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، فَبَسَطَ يَدَهُ، فَبَايَعْتُهُ، وَبَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ، ثُمَّ بَايَعَتْهُ الأَنْصَارُ. وَنَزَوْنَا عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، فَقُلْتُ: قَتَلَ اللهُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، قَالَ عُمَرُ: وَإِنَّا - وَاللهِ - مَا وَجَدْنَا فِيمَا حَضَرْنَا مِنْ أَمْرٍ أَقْوَى مِنْ مُبَايَعَةِ أَبِي بَكْرٍ، خَشِينَا إِنْ فَارَقْنَا الْقَوْمَ وَلَمْ تَكُنْ بَيْعَةٌ: أَنْ يُبَايِعُوا رَجُلًا مِنْهُمْ بَعْدَنَا، فَإِمَّا بَايَعْنَاهُمْ عَلَى مَا لَا نَرْضَى، وَإِمَّا نُخَالِفُهُمْ فَيَكُونُ فَسَادٌ، فَمَنْ بَايَعَ رَجُلًا عَلَى غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يُتَابَعُ هُوَ وَلَا الَّذِي بَايَعَهُ، تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلَا. (هل لك في فلانٍ يقولُ: لو قد مات عمر، لقد بايعتُ فلاناً): فيه إدخال "قد" على شرط "لو" وجوابها الماضيين المجردين عن الباقي، وقد مر مثلُه. وفلانٌ المشارُ إليه بالبَيْعة هو طلحةُ بنُ عُبيد الله، وقع ذلك في "فوائد البغوي" عن عليِّ بنِ الجعد، قاله (¬1) ابن بشكوال (¬2)، وهو في "مسند البزار" فيما رواه أسلم (¬3) مولى عمر عن عمر (¬4). (قال عبد الرحمن: فقلتُ: يا أميرَ المؤمنين! لا تفعلْ): فيه جوازُ الاعتراض على السلطان في الرأي إذا خُشِي من ذلك الفتنةُ، واختلافُ الكلمة. (فإن الموسمَ يجمعُ رَعاعَ الناس): - بفتح الراء -: الشبابُ الأوغادُ، قاله في "الصحاح" (¬5). ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "قال". (¬2) انظر: "غوامض الأسماء المبهمة" (1/ 383). (¬3) في "ع" و"ج": "رواه مسلم". (¬4) رواه البزار في "مسنده" (286) عن زيد بن أسلم عن أبيه، وعن عمر بن عبد الله مولى غفرة. (¬5) انظر: "الصحاح" (3/ 1220)، (مادة: ر ع ع).

(وغوغاءهم): - ممدود -: سِفْلَةُ النَّاس وأخلاطُهم. (فإنهم الذين (¬1) يغلبون على قُربك): بقاف مضمومة وباء موحدة، كذا لجمهور الرواة. وعند الأصيلي: على قَرْنك - بقاف مفتوحة ونون -، والأولُ هو الظاهر (¬2). (وأن لا يعوها، وأن لا يضعوها على مواضعها): فيه دليل على أنه لا ينبغي أن توضع دقائقُ العلوم إِلَّا عندَ أهل الفَهْم لها (¬3)، والمعرفة بمواضعها (¬4) دون العوام (¬5). (فقدمنا المدينةَ في عَقِيب (¬6) ذي الحجة): بفتح العين وكسر القاف، وبضم العين وسكون القاف، يقال: جاء في عَقِبَ الشهر: إذا جاء وقد بقيتْ منه بقيةٌ، وجاء عُقْبَه: إذا جاءَ بعدَ تمامِه (¬7)، الضبطُ الأولُ للمعنى الأول، والثاني للثاني. (فكان فيما أنزل الله آيةُ الرَّجْم) إلى آخر مقالته: في هذا المعنى ما يُشير إلى أنه مِمَّا نُسِخَتْ تلاوتُه، وبقي حكمُه. (أو كان الحَبَلُ أو الاعترافُ): على هذه القصة جلبَ البخاريُّ هذا ¬

_ (¬1) "الذين" ليست في "ع" و"ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1216) وعنده: "المروزي" بدل "الأصيلي". (¬3) في "م": "له". (¬4) في "م": "بمواضعه". (¬5) انظر: "التوضيح" (31/ 218). (¬6) نصّ البخاريّ: "عَقِب". (¬7) انظر: "التنقيح" (3/ 1216).

الحديث، وبَوَّبَ عليه بابَ: رجمِ الحبلى في الزِّنا إذا أَحْصَنت. وأجمعَ العلماء على أنها لا تُرجَم حتّى تضعَ. واختلفوا إذا وضعت، هل تحد حينئذ؟ فقيل: إن وُجد من ترضعه. وقال الشّافعيّ - رحمه الله -: لا تُرجم حتّى تَفْطِمَه. وقيل: إن رأى الإمامَ أن يَسترضعَ له، أو يُؤَخِّرها (¬1)، فَعَلَ. واختُلف في المرأة توجَد حاملًا، ولا زوجَ لها، فقال مالك رحمه الله: تُحَدُّ إِلَّا أن تُقيم بينةً على الإكراه، أو تأتيَ مستغيثةً وهي تَدْمي. وقال الكوفيون والشّافعيّ - رحمهم الله -: لا تُحَدُّ إِلَّا ببينةٍ، أو اعترافٍ (¬2). وحجةُ المالكية قولُ عمر هذا بمحضر الصّحابة، ولم يخالف فيه أحدٌ منهم، فيكون إجماعاً سكوتياً، وهو حجة على الصحيح. (إنّما كانت بيعةُ أبي بكر فَلْتَةً): أي: فجأةً. (ولكن وَقَى الله شرَّها): يعني: أن مثلَ هذه البيعةِ جديرةٌ بأن تكون مُهَيَّجَةً للشر والفِتَن، فعصَمَ الله من ذلك، والفَلْتَةُ: كلُّ شيء فُعِل (¬3) من غير رَوِيَّة. (وليس فيكم مَنْ تُقطع الأعناقُ إليه مثلَ أبي بكرٍ): يريد: أن السابقَ منكم الّذي لا يُلْحَقُ شَأْوُهُ [في الفضل، لا يكون مِثْلًا لأبي بكر، فلا يطمعَنَّ أن يُبايَع] (¬4) كما بويع أبو بكر، ولا يَطْمَعْ أن يُبايَعَ عن غير مشورة. ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "له ويؤخرها". (¬2) وانظر: "المغني" (9/ 73)، و"حاشية الدسوقي" (4/ 319). (¬3) "فعل" ليست في "ع" و"ج". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج".

[(فلا يُبايعَ): من البيعة. ويروى: "تتابع": بمثناة فوقية وباء موحدة؛ من الاتِّباع] (¬1). (تَغِرَّةَ أن يُقْتَلا): - بمثناة فوقية وغين معجمة -، مصدرُ غَرَّرْتُه: إذا ألقيته في الغَرَر، وهو (¬2) من التَّغَرُّرِ؛ كالتَّقِلَّةِ: من التَّقليل (¬3). والذي يظهر لي في إعرابه، أن يكون "تغرةَ" إمّا حالًا على المبالغة، أو على حذف مضاف؛ أي: ذا تَغِرَّةٍ، أو بمعنى اسم الفاعل؛ أي: غارّاً، أو مصدراً بفعل محذوف، والجملة حال؛ أي: يَغُرَّهُ تَغِرَّةً، و"أن يقتلا" على حذف مضاف؛ أي: مخافةَ أن يُقتلا، وهذا مفعول لأجله؛ أي: فلا يُبايَعُ هو والذي بايعَهُ غارّاً له ببيعته، أو باتباعه مخافةَ أن يُقتلا جميعاً إذا انتظما في سلك الرعية، ولم يكن أحدُهما ذا أمرٍ مطاع. (لَقِيَنَا منهم رجلانِ صالحان): الرجلانِ هما: معنُ بنُ عَدِيٍّ، وعُوَيْمُ بنُ ساعِدَةَ، كما ذكره البخاري في غزوة بدر عن ابن شهاب، عن عروة بن الزُّبير، [ونقله ابن بشكوال عن ابن شهاب، عن عروة بن الزُّبير] (¬4) (¬5)، وهو في "مسند البزار" عن الزهري فيما رواه ابن عباس عن عمر (¬6). وهذا على (¬7) القول: بأن عويمَ بنَ ساعدةَ تُوفي في خلافة عمر، وبدا في ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". وانظر: "التنقيح" (3/ 1217). (¬2) في "ع" و"ج": "هو". (¬3) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج". (¬5) انظر: "غوامض الأسماء المبهمة" (1/ 383). (¬6) رواه البزار في "مسنده" (194). (¬7) "على" ليست في "ع" و"ج".

"الاستيعاب" بأنه توفي في حياة النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ثمّ قال: وقيل: توفي في خلافة عمر. (تشهَّدَ خطيبهم): الظّاهر أنه ثابتُ بنُ قيسِ بنِ شَمَّاسٍ. (فقال قائلُ الأنصارِ (¬1)): هو الحُبابُ بنُ المنذِرِ، قاله ابن بشكوال عن الإمام مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب (¬2)، وقد صرح به البخاري في غير هذا الموضع من حديث عائشة. (أنا (¬3) جُذَيْلُها المُحَكَّكُ): الجُذَيْل: بالذال المعجمة، تصغير الجِذْل، وهو الأصلُ، ويراد به هنا: الجِذْعُ الذي تُربط إليه الإبلُ الجَرْبى، وتنضمُّ إليه تَحْتَكُّ به، ولذلك وصفَه بالمحكَّك؛ أي: صار أملسَ لكثرةِ ذلك، وهو تصغيرُ تعظيم؛ أي: أنا ممن يُستشفى به، كما تَستشفي الإبلُ الجربى بهذا الاحتكاك (¬4). (وعُذَيْقُها (¬5) المُرَجَّبُ): العُذَيق: تصغيرُ عِذْق - بكسر العين -: عُرْجونُ النخلة، وقيل: تصغير عَذْق - بفتحها -، وهي (¬6) النخلةُ نفسُها. والمرجَّب: اسمُ مفعول من قولك: رَجَّبْتُ النخلةَ ترجيباً، إذا دعمتها (¬7) ببناءٍ أو غيره خشيةً عليها؛ لكرامتها وعزازتها؛ أن ينكسرَ شيءٌ من (¬8) أغصانها، ¬

_ (¬1) نص البخاري: "من الأنصار". (¬2) انظر: "غوامض الأسماء المبهمة" (1/ 382). (¬3) "أنا" ليست في "ع" و"ج". (¬4) في "ج": "الاصطكاك". وانظر: "التنقيح" (3/ 1219). (¬5) في "ع" و"ج": "ويجد عذيقها". (¬6) في "ج": "أو هي". (¬7) في "ع" و"ج": "إذا عمتها". (¬8) "من" ليست في "م".

باب: نفي أهل المعاصي والمخنثين

أو يسقط شيءٌ من حَمْلها. (منا أميرٌ، ومنكم أميرٌ): قيل: إنما قال ذلك؛ لأن أكثر العرب لم تكن تعرف الإمارة، إنما كانت تعرف السيادة، لكل (¬1) قبيلة سيد، فلا تطيعُ إِلَّا سيدَ قومِها، فجرى منه هذا القولُ على العادة المألوفةِ لهم (¬2)، فلما بلغه قولُ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الخِلافَةُ في قُرَيْشٍ"، أمسكَ عن (¬3) ذلك، وأذعنَ. (حتى فَرِقْتُ): - بكسر الراء -: خِفْتُ (¬4). (ونزونا على سعد بنِ عُبادةَ): أي: وَثَبْنا عليه باعتبار المسابقةِ إلى مبايعةِ أبي بكرٍ. * * * باب: نَفْي أَهْلِ المَعَاصِي والْمُخَنَّثِينَ 2890 - (6834) - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا يَحْيىَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَ: لَعَنَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنَ النِّسَاءِ، وَقَالَ: "أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُم". وَأَخْرَجَ فُلَاناً، وَأَخْرَجَ فُلَاناً. (لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - المخنثين من الرجال، والمترجِّلاتِ من النِّساء، وقال: ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "لكن". (¬2) "لهم" ليست في "ع". (¬3) "عن" ليست في "ع" و"ج". (¬4) المرجع السابق، الموضع نفسه.

باب: أحكام أهل الذمة وإحصانهم إذا زنوا ورفعوا إلى الإمام

أَخرجوهم من بيوتكم، وأخرجَ فلاناً وفلاناً): المخنثين: جمعُ مُخَنَّث، وتقدم أنه بكسر النون وفتحها، وهم المتشبهون بالنساء في التكسير والانعطاف وغيرهما ممّا يختصُّ بهنَّ، والمترجِّلاتُ: هُنَّ المتَشَبَّهات بالرجال في كلامهم، وهيئتهم، وما يختصُّ بهم. ثمّ المخنَّثُ إن يؤتى رُجِم هو والفاعلُ به، سواء أَحْصَنا، أو لم يحصنا، هذا مذهب مالك. وقال الشافعي - رحمه الله - إن لم يُحصن، فعليه الجلدُ. وقال أبو حنيفة - رحمه الله -: لا حدَّ فيه، وإنّما فيه التعزيرُ (¬1). وأما قوله: وأخرجَ فلاناً، وأخرجَ فلاناً (¬2) فقد تقدم أنه أُخرج هِيتٌ، وماتعٌ، وهِدْمٌ. * * * باب: أَحْكَامِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وإحْصَانِهِمْ إِذَا زَنوَا وَرُفِعُوا إلى الإمَامِ 2891 - (6840) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ، سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى عَنِ الرَّجْم، فَقَالَ: رَجَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: أَقَبْلَ النُّورِ أَمْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. تَابَعَهُ عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، وَخَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَالْمُحَارِبِيُّ، وَعَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ. ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (31/ 238). (¬2) "وأخرج فلاناً" الثانية ليست في "ع" و"ج".

باب: من أدب أهله أو غيره دون السلطان

وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْمَائِدَةُ، وَالأَوَّلُ أَصَحُّ. (وإنه (¬1) عَبيدَةُ بنُ حُميد): بفتح العين وضم الحاء. * * * 2892 - (6841) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الْيَهُودَ جَاؤُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرُوا لَهُ أَن رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرأَةً زنَيَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ؟ "، فَقَالُوا: نفضَحُهُمْ، وَيُجْلَدُونَ، قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ - كَذَبْتُمْ، إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ، فَأَتُوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا، فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ، فَقَرأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ: ارْفَعْ يَدَكَ، فَرَفَعَ يَدَهُ، فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، قَالُوا: صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ، فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَرُجِمَا، فَرَأيْتُ الرَّجُلَ يَحْنِي عَلَى الْمَرْأَةِ، يَقِيهَا الْحِجَارَةَ. (فذكروا أن رجلًا منهم وامرأةً زنيا): تقدم أن اسمَ المرأة بُسْرَةُ، قاله السهيلي عن ابن العربي في "أحكام القرآن". (فوضع أحدُهم يده على آية الرَّجْم): تقدّم أنه عبدُ الله بْن صوريا. * * * باب: مَنْ أَدَّبَ أَهْلَهُ أَوْ غَيْرَه دُوْن السُّلْطَانِ 2893 - (6844) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ¬

_ (¬1) "إنه" ليست في نص البخاري.

باب: كم التعزير والأدب؟

ابْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَ أَبُو بَكْرِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي، فَقَالَ: حَبَسْتِ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالنَّاسَ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، فَعَاتَبَنِي، وَجَعَلَ يَطْعُنُ بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي، وَلَا يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلَّا مَكَانُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ. (ولا يمنعُني من التحرُّك): - بالراء والكاف - تَفَعُّلٌ من الحَرَكة، ويروى بالوَاوْ واللام. * * * 2894 - (6845) - حَدَّثَنَا يَحْيىَ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ، فَلَكَزَنِي لَكْزَةً شَدِيدَةً، وَقَالَ: حَبَسْتِ النَّاسَ فِي قِلَادَةٍ، فَبِي الْمَوْتُ؛ لِمَكَانِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَدْ أَوْجَعَنِي. نَحْوَهُ. (فلَكَزَنِي): أي: ضَرَبني. * * * باب: كَمِ التَّعْزِيرُ والأَدَبُ؟ 2895 - (6850) - حَدَّثَنَا يَحْيىَ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، أَنَّ بُكَيْراً حَدَّثَهُ، قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، إِذْ جَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَابِرٍ، فَحَدَّثَ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَابِرٍ، أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بُرْدَةَ الأَنْصَارِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَا تَجْلِدُوا فَوْقَ

عَشْرَةِ أَسْوَاطٍ إِلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ". (لا يُحَدُّ فوقَ عشرة أسواطٍ إِلَّا في حَدٍّ من حدودِ الله): فيه إثباتُ التعزيرِ في المعاصي الّتي لا حدَّ فيها؛ لما يقتضيه من جواز العشرة فما دونها. وقد اختلفوا في مقدار التعزير، فالمنقول عن مالك - رضي الله عنه -: أنه لا يَتَقَدَّرُ (¬1) بهذا القدر، ويجيز في العقوبات فوقَ هذا، وفوقَ الحدود على قدر الجريمة وصاحبها، وأن ذلك موكولٌ إلى اجتهاد الإمام. وظاهرُ مذهب الشافعي - رحمه الله -: أنه لا يبلغ بالتعزير إلى الحدِّ. وعلى هذا ففي المعتبر عنهم وجهان: أحدهما: أدنى الحدود في حق المعزَّر، فلا يُزاد في حَدِّ الحرِّ على تسع وثلاثين ضربةً؛ ليكون دونَ حدِّ الشُّرب، ولا في تعزيرِ العبدِ على تسعةَ عشرَ سوطاً. الثاني: أن يُعتبر أدنى الحدود على الإطلاق، فلا يُزاد في حدِّ الحرِّ على تسعةَ عشرَ سوطاً. وعندهم وجهٌ ثالثٌ، وهو أن الاعتبار بحدِّ الأحرار، فيجوز أن يُزاد تعزيرُ العبد على عشرين سوطاً (¬2). و (¬3) على الجملة: فهذا كلُّه خروجٌ عن ظاهر هذا الحديث، ولم أرَ لهم ولا لنا جواباً قوياً أذكُره. * * * ¬

_ (¬1) في "ع" و"ج": "يتعذر". (¬2) انظر: "شرح عمدة الأحكام" (4/ 137). (¬3) الواو ليست في "ع".

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مَصَابِيحُ الجَامِعِ [10]

جَمِيعُ الحُقُوقِ مَحْفُوظَة الطَّبْعَةُ الأُولَى 1430 هـ - 2009 م ردمك: 0 - 12 - 418 - 9933 - 978 ISBN قَامَت بعمليات التنضيد الضوئي والإخراج الفني والطباعة دَار النَّوَادِر لصَاحِبهَا ومديرها نور الدّين طَالب سوريا - دمشق - ص. ب: 34306 لبنان - بيروت - ص. ب: 5180/ 14 هَاتِف: 00963112227001 - فاكس: 00963112227011 www.daralnawader.com

كتاب الديات

كِتَابُ الدِّيَاتِ

باب: قول الله عز وجل: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم} [النساء: 93]

كِتَابُ الدِّيَاتِ باب: قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] 2896 - (6861) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَيُّ الذَّنْبِ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ؟ قَالَ: "أَنْ تَدْعُوَ لِلَّهِ نِدًّا وَهْوَ خَلَقَكَ"، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ [خشية] أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ"، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "ثُمَّ أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ". فَأَنْزَلَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - تَصْدِيقَهَا: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ} [الفرقان: 68]، الآيَةَ. (كتاب: الدِّيات). (ثُمَّ أَيٌّ؟): قال الزركشي: بالتنوين والتشديد، على قولِ ابنِ الخَشَّاب (¬1). قلت: بل وعلى قولِ كلِّ (¬2) ذي فطرة سليمة، وقد قدمنا الردَّ على مَنْ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1221). (¬2) "كل" ليست في "ع" و"ج".

باب: قول الله تعالى: {ومن أحياها} [المائدة: 32]

أوجب الوقفَ عليه بالسكون، ولم يُجِزْ تنوينَه بما فيه مقنع، فراجعْه في كتاب: الصلاة. * * * 2897 - (6863) - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، سَمِعْتُ أَبي يُحَدِّثُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: إِنَّ مِنْ وَرْطَات الأُمُورِ، الَّتِي لَا مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا، سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ. (إن من وَرْطات الأمورِ): قيدوه بسكون الراء. وقال ابن مالك: صوابُه: فتحُها؛ مثل: تَمْرَة وتَمَرَات (¬1). * * * باب: قول الله تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا} [المائدة: 32] 2898 - (6868) - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: وَاقِد بْنُ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَنِي، عَنْ أَبِيهِ، سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ". (قال واقدُ بنُ عبدِ الله): حكى الزركشي عن أبي ذر: أن الواقع في الرواية هكذا، والصواب: واقدُ بنُ محمدِ بنِ زيدِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1221). (¬2) المرجع السابق، الموضع نفسه.

باب: قول الله تعالى: {أن النفس بالنفس} [المائدة: 45]

قلت: قُصاراه أنه نُسب إلى جد أبيه، ومثلُه جائز لا يقتضي ارتكابُه خطأً. * * * 2899 - (6875) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ وَيُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: ذَهَبْتُ لأَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ، فَلَقِيَنِي أبُو بَكْرَةَ، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: أَنْصُرُ هَذَا الرَّجُلَ، قَالَ: ارْجِعْ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا، فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: "إِنَّهُ كَانَ حَرِيصاً عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ". (فالقاتلُ والمقتولُ في النار): هذا في المتقاتلين بغير تأويل؛ لعداوةٍ بينهما، أو عصبيةٍ. * * * باب: قول الله تعالى: {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] 2900 - (6878) - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، إِلَّا بإِحْدَى ثَلَاثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالْمَارِقُ مِنَ الدِّينِ التَّارِكُ الْجَمَاعَةَ". (لا يحلُّ دمُ امرئ مسلم يشهد أن لا إله إِلَّا الله، وأني رسولُ الله إِلَّا

بإحدى ثلاثٍ: النفسُ بالنفس، والثيبُ الزاني، والمفارق لدينه (¬1) التاركُ للجماعة): أي: إِلَّا بإحدى ثلاثِ (¬2) خصالٍ: قتلِ النفسِ، وزنا الثيبِ، ومفارقةِ المفارقِ لدينه، فحَذف المضافَ من كُلًّ، وأقامَ (¬3) المضافَ إليه، وكلُّها بالجرِّ على أنه بدلٌ من ثلاثٍ، ولا شكَّ في أن من اتصف بواحدة من هذه الخصال الثلاثِ، فهو مُباحُ الدم بالنصَّ، و"يشهد أن لا إله إِلَّا الله، وأني رسول الله" في محل جر على أنها صفةٌ لمسلمٍ، من باب الصِّفَة الكاشفة المبينة (¬4) لحقيقته، وكذلك "التارك للجماعة" مبينٌ لقوله: "المفارِقُ لدينه"، والمراد بالجماعة: جماعةُ المسلمين، وإنّما تركهم بالخروج عن الدين ومفارقته، وهو سببٌ لإباحة دمه بالإجماع؛ إن (¬5) كان رجلًا. وأما المرأة، فكذلك عند الجمهور. وقال أبو حنيفة - رحمه الله -: لا تُقتل. قال ابن دقيق العيد - رحمه الله -: وقد يؤخذ من قوله: "التارك للجماعة"، بمعنى (¬6) المخالف لأهل الإجماع، فيكون متمسَّكاً لمن يقول: مخالفُ الإجماع كافرٌ، وقد نُسب ذلك إلى بعض النَّاس، وليس ذلك بالهَيَّنِ، وقد قدمنا الطريقَ في التكفير، فالمسائلُ الإجماعيةُ تارةً ¬

_ (¬1) كذا في رواية أبي ذر الهروي عن الكشميهني، وفي اليونينية: "والمارق من الدين"، وهي المعتمدة في النص. (¬2) "ثلاث" ليست في "ع" و"ج". (¬3) في "ج": "وأقيم". (¬4) في "ج": "البينة". (¬5) في "ع" و"ج": "وإن". (¬6) في "ع": "يعني".

يصحبها التواترُ بالنقل عن صاحب الشرع؛ كوجوب الصلاة - مثلاً -، وتارةً لا يصحبها التواتر (¬1). فالقسم الأول: يكفرُ جاحدُه؛ لمخالفته (¬2) التواتر، لا لمخالفتِه الإجماعَ. والقسم الثاني: لا يَكْفُر به. وقد وقع في هذا المكان مَنْ يدَّعي الحذق في المعقولات، ويميل إلى الفلسفة، فظنَّ أن المخالفَ في حدوثِ العالم من قَبيل مخالف الإجماع، وأخذ من قول مَنْ قال: إنه لا يكفُر مخالفُ الإجماع، أن لا يكفر هذا المخالف في هذه المسألة (¬3). قال ابنُ دقيق العيد: وهو كلامٌ ساقط بالمرة، إما عن عَمًى في البصيرة، أو تَعامٍ؛ لأن حدوثَ العالَمِ من قَبيل ما اجتمعَ فيه الإجماعُ والتواترُ بالنقل عن صاحب الشريعة - صلى الله عليه وسلم -، فيكفُرُ المخالفُ بسبب مخالفته النقلَ المتواترَ، لا بسبب مخالفةِ الإجماع. قال: وقد استُدل بهذا الحديث على أن تاركَ الصلاة لا يُقتل بتركها؛ فإنَّ تركَ الصلاة ليس من هذه الأسباب؛ أعني: زنا المحصن، وقتلَ النفس، والردَّةَ، وقد حَصَرَ النبي - صلى الله عليه وسلم - إباحةَ الدم في هذه الثلاثة بالنفي العام والاستثناء. وبذلك استدلَّ شيخُ والدي الإمامُ الحافظ أبو الحسن عليُّ بنُ المفضلِ المقدسيُّ لنفسِه في أبياته التي نظمَها في حكم تارك الصلاة. أنشدنا الفقيهُ المفتي أبو موسى هارونُ بنُ عبدِ الله المَهْرانيُّ قديماً، قال: أنشدنا الحافظُ ¬

_ (¬1) في "ع": "لا يصحبها التواتر بالنقل عن صاحب". (¬2) في "ع" و"ج": "لمخالفة". (¬3) في "ع" و"ج": "هذه المسائل".

أبو الحسن عليُّ بنُ المفضل المقدسيُّ لنفسه: خَسِرَ الَّذِي تَرَكَ الصَّلَاةَ وَخَابَا ... وَأَبَى مَعَاداً صَالِحاً وَمَآبَا إِنْ كَانَ يَجْحَدُهَا فَحَسْبُكَ أَنَّهُ ... أَمْسَى بِرَبِّكَ كَافِراً مُرْتَابَا أَوْ كَانَ يَتْرُكُهَا لِنَوْعِ تَكَاسُلٍ ... غَشَّى (¬1) عَلَى وَجْهِ الصَّوَابِ حِجَابَا فَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ رَأَيَا لَهُ ... إِنْ لَمْ يَتُبْ حَدَّ الحُسَامِ عِقَابَا وَأَبُو حَنِيفَةَ قَالَ يُتْرَكُ مَرَّةً ... هَمَلًا وَيُحْبَسُ مَرَّةً إِيجَابَا وَالظَّاهِرُ المَشْهُورُ مِنْ أَقْوَالِهِ ... تَعْزِيرُهُ زَجْراً لَهُ وَعَذَابَا إلى أن قال: وَالرَّأْيُ عِنْدِي أَنْ يُؤَدِّبَهُ الإِمَا ... مُ بِكُلِّ تأْدِيبٍ يَرَاهُ صَوَابَا وَيَكُفَّ عَنْهُ القَتْلَ طُولَ حَيَاتِهِ ... حَتَّى يُلاقِي في المآبِ حِسَابَا فَالأَصْلُ عِصْمَتُهُ إِلَى (¬2) أَنْ يَمْتَطِي ... إِحْدَى الثَّلاثِ إِلَى الهَلَاكِ رِكَابَا الْكُفْرُ أَوْ قَتْلُ المُكَافِي عَامِداً ... أَوْ مُحْصَنٌ طَلَبَ الزِّنَا فَأَصَابَا فهذا من المنسوبين إلى أتباع مالِكٍ، اختارَ خلافَ مذهبه. وإمامُ الحرمين استشكلَ قتلَه من مذهب الشافعي. وجاء بعضُ المتأخرين ممن أدركنا زمنَه، فأراد أن يُزيل الإشكال، فاستدلَّ بقوله - عليه السلام -: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ ¬

_ (¬1) "غشى" ليست في "ع"، وفي "شرح العمدة": "غطى". (¬2) "إلى" ليست في "ع".

لا إِلَه إِلَّا اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ، وُيؤْتُوا الزَّكَاةَ" (¬1). ووجهُ الدليل منه: أنه وقفَ العصمةَ على مجموعِ الشهادتين، وإقام الصلاة، وإيتاء الزَّكاة، والمرتَّبُ على أشياءَ لا يحصُل إِلَّا بحصولِ مجموعِها، وينتفي بانتفاءِ بعضها. وهذا إن قُصد به الاستدلالُ بالمنطوق، وهو قوله - عليه السلام -: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى (¬2) ... إلى آخره"؛ فإنه يقتضي بمنطوقه الأمرَ بالقتال إلى هذه الغاية، فقد وَهَلَ وسَها؛ فإنه لم يُفَرِّقْ (¬3) بينَ المقاتلةِ على الشيء، والقتلِ عليه؛ فإن المقاتلةَ مفاعَلَةٌ تقتضي الحصولَ من الجانبين، ولا يلزمُ من إباحة المقاتَلَة على الصلاة، إباحةُ القتل عليها من الممتنع عن فعلِها إذا لم يُقاتِلْ. ولا إشكال في أن قوماً لو تركوا الصلاة، ونصبوا القتالَ عليها، أنهم يقاتَلون، إنما النظرُ والخلاف فيما إذا تركها إنسانٌ (¬4) من غير نَصْبِ قتال، هل يُقتل، أم لا؟ فتأملِ الفرقَ بينَ المقاتلةِ على الصلاة، والقتلِ عليها، وأنه لا يلزمُ من إباحة المقاتلة على الصلاة، إباحةُ القتل عليها؛ وإن كان أخذ هذا من لفظ آخرِ الحديث، وهو ترتيبُ العصمةِ على ذلك؛ فإنه بمفهومه يدلُّ على أما لا تترتب على فعل بعضِه، هانَ الخطبُ؛ لأنها دلالةُ مفهوم، والخلافُ فيها معروف، وبعضُ مَنْ نازعه في هذه المسألة لا يقول بدلالة ¬

_ (¬1) رواه البخاري (25) عن ابن عمر رضي الله عنهما. (¬2) في "ع" و"ج": "حتّى يشهدوا". (¬3) في "شرح العمدة": "فرقَّ". (¬4) في "شرح العمدة": "تركوا إنساناً".

باب: من قتل له قتيل فهو بخير النظرين

المفهوم، ولو قال بها، فقد ترجَّحَ عليها دلالةُ المنطوق في هذا الحديث (¬1). قلت: أظنه عنى ببعض المتأخرين الذي أدركَ هو زمنه: قاضيَ القضاة الشيخَ ناصر الدين بن المنير، فقد قدمنا عنه البحثَ في هذه المسألةُ بما ذكره الشيخ، أو قريبٍ منه، على أن ما اعترض به ابنُ دقيق العيد لا يخلو من نظر إذا تأملت. * * * باب: مَنْ قُتِلَ له قَتِيلٌ فهو بخير النَّظَرَيْنِ 2901 - (6880) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَن خُزَاعَةَ قَتَلُوا رَجُلًا. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ: حَدَّثَنَا حَرْبٌ، عَنْ يَحْيَى: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ، قَتَلَتْ خُزَاعَةُ رَجُلًا مِنْ بَنِي لَيْثٍ، بِقَتِيلٍ لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "إِنَّ اللهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، أَلَا وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَا تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي، أَلَا وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِن نَهَارٍ، أَلَا وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ حَرَامٌ، لَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا، وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلَا يَلْتَقِطُ سَاقِطَتَهَا إِلَّا مُنْشِدٌ. وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ، فَهْوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إِمَّا يُؤدَى، وَإِمَّا يُقَادُ". فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، يُقَالُ لَهُ أَبُو شَاهٍ، فَقَالَ: اكْتُبْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اكْتبوا لأَبِي شَاهٍ". ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ مِنْ ¬

_ (¬1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 84).

قُرَيْشٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِلَّا الإِذْخِرَ؛ فَإِنَّمَا نَجْعَلُهُ فِي بُيُوتِنَا وَقُبُورِنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِلَّا الإذْخِرَ". وَتَابَعَهُ عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ شَيْبَانَ فِي الْفِيلِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ: "الْقَتْلَ". وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ: "إِمَّا أَنْ يُقَادَ أَهْلُ الْقَتِيلِ". (إن الله حبسَ عن مكةَ الفيلَ): - بالفاء والمثناة التحتية - هذه الرِّواية الصحيحة عندهم على ما صرح به غيرُ واحد. ويروى: "القَتْلَ": بقاف ومثناة فوقية، وقد ذكرها البخاري في هذا الحديث، وحَبْسُه: حبسُ أهلِه الذين جاؤوا للقتال في الحرم. (وسَلَّطَ عليها رسولَه والمؤمنين (¬1)): يستدل به من رأى أن فتحَ مكّة كان عَنْوَةً؛ فإن التسليط الذي وقعَ للرسول - صلى الله عليه وسلم - مقابِلٌ للحبس الذي وقعَ للفيل، وهو الحبسُ عن القتال. (ومن قُتل له قتيلٌ، فهو بخير النظرين، إما يُودَى، وإما يُقاد (¬2)): اختلف الفقهاء في موجب قتل العمد على قولين (¬3): أحدهما: أن الموجبَ هو القصاصُ عيناً. الثاني: أن الواجبَ (¬4) هو أحدُ الأمرين: إمّا القصاص، أو الدية. ¬

_ (¬1) في "ع": "والمؤمنون". (¬2) في "ع" و"ج": "إمّا أن يودى، وإنما أن يقاد". (¬3) في "ع" و"ج": "على وجهين". (¬4) في "ج": "أن الموجب".

وكلا القولين في مذهبنا. ومن فوائد هذا الخلاف: أن من قال: الموجبُ هو القصاص عَيْناً، قال: ليس (¬1) للولي حقُّ أخذِ الديةِ من القاتل بغير رضاه، ويستدل بهذا الحديث على أن الواجبَ أحدُ الأمرين، وهو ظاهر الدلالة في ذلك، ومن خالف، قال: معناه وتأويله: إن شاء أخذ الدية برضا القاتل، إِلَّا أنه لم يذكر الرضا؛ لثبوته عادةً. (اكتبوا لأبي شاهٍ): قال ابن دقيق العيد: كان قد وقع اختلافٌ (¬2) في الصدر الأول في كتابة غير القرآن، ووردَ فيه نهيٌ، ثمّ استقرَّ الأمرُ بين النَّاس على الكتابة؛ لتقييد العلمِ بها، وهذا الحديث يدلُّ على ذلك؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أَذِنَ في الكتابة لأبي شاهٍ، والذي أراد أبو شاهٍ كتابتَه هو خطبةُ النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3). والكلامُ في ضبط هذا الاسم قد تقدم. (وقال بعضهم عن أبي نعيم: القَتْلَ): بقاف ومثناة فوقية. قال الزركشي: وهذا الذي أبهمه هو الإمامُ محمدُ بنُ يحيى الأصيليُّ (¬4) النيسابوريُّ (¬5). * * * ¬

_ (¬1) "قال ليس" ليست في "ع". (¬2) في "ع" و"ج": "الاختلاف". (¬3) انظر: "شرح عمدة الأحكام" (4/ 97). (¬4) كذا في النسخ الخطية، والصواب: "الذهلي" بدل "الأصيلي". (¬5) انظر: "التنقيح" (3/ 1221).

باب: من طلب دم امرئ بغير حق

باب: مَنْ طَلَبَ دَمَ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ 2902 - (6882) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْنِ أَبي حُسَيْنٍ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلّى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللهِ ثَلَاتَةٌ: مُلْحِدٌ فِي الْحَرَمِ، وَمُبْتَغٍ فِي الإسْلَامِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقِّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ". (ملحِدٌ في الحرم): أي: مائلٌ عن الطريق المستقيمة. (ومطَّلِبٌ (¬1) دمَ امرئ): قال الزركشي: أي: طالبٌ دمَ امرئ (¬2). قلت: كلاهما يدلُّ على الطلب، لكن في مُطَّلِب من المبالغة ما ليس في طالب، فلا ينبغي تفسيرُ أحدِهما بالآخر. (ليهَريق): بفتح الهاء، ومنهم من جَوَّزَ الإسكانَ (¬3). * * * باب: إِذَا أَقَرَّ بالقَتْلِ مَرَّةً قُتِلِ 2903 - (6884) - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أخبَرَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ يَهُودِيّاً رَضَّ رَأْسَ جَاريَةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، فَقِيلَ لَهَا: مَنْ فَعَلَ بِكِ هَذَا، أَفُلَانٌ، أَفُلَانٌ؟ حَتَّى سُمِّيَ الْيَهُودِيُّ، فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسهَا، فَجيءَ بِالْيَهُودِيِّ، فَاعْتَرَفَ، فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَرُضَّ رَأْسُهُ بِالْحِجَارَةِ. ¬

_ (¬1) في "ج": "ويطلب". (¬2) لم أقف عليه في مطبوعة "التنقيح" له، والله أعلم. (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1222).

باب: من أخذ حقه أو اقتص دود السلطان

وَقَدْ قَالَ هَمَّامٌ: بِحَجَرَيْنِ. (فاعترفَ، فأمرَ به رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَرُضَّ رأسُه): ظاهرُه أن الأمرَ بقتله مرتَّبٌ على اعترافه من غيرِ اشتراطِ عددٍ (¬1)، إذ لو كان ذلك شرطاً، لَبَيَّنَهُ، ففيه حجةٌ على الكوفيين في قولهم: لا بدَّ أن يُقِرَّ مرتين (¬2). * * * باب: مَنْ أَخَذَ حَقَّهُ أَو اقْتَصَّ دُوْد السُّلْطَانِ 2904 - (6888) - وَبإِسْنَادِهِ: "لَوِ اطَّلَعَ فِي بَيْتِكَ أَحَدٌ، وَلَمْ تَأْذَنْ لَهُ، خَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ، فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ، مَا كَانَ عَلَيْكَ مِنْ جُنَاحٍ". (فخَذَفْتَه): بخاء معجمة، كذا لأكثرهم. وعند أبي ذر بالمهملة (¬3). (ففقأْتَ عينَه، ما كان عليك من جُنَاحٍ): ظاهر هذا حجةٌ للشافعي. وذكر بعضهم أنه نقل في "النوادر" عن مالكٍ مثلُ ذلك، والمعروفُ عنه أنه عليه القَوَدُ، وهو مذهب أبي (¬4) حنيفة. وأما أخذُ القَوَد دونَ السلطان، فالفقهاءُ على (¬5) أنه لا يَفعل إِلَّا بإذنه؛ لأن في استقلالِ الخصمِ بالاستيفاءِ (¬6) وحدَه فساداً في الأرض، فتأَوَّلَ بعضُهم ¬

_ (¬1) في "ج": "عد". (¬2) انظر: "التوضيح" (31/ 362) (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1222). (¬4) إلى هنا تنتهي النسخة الخطية المرموز لها بـ "ع". (¬5) "على" ليست في "ج". (¬6) في "ج": "باستيفاء".

باب: إذا قتل نفسه خطأ، فلا دية له

هذا الحديث على أنه خرجَ على جِهة الرَّدْعِ والزجرِ عن الاطِّلاع على عوراتِ النَّاس (¬1)، وإنما الخلافُ في السيد هَلْ يَحُدُّ عبدَه (¬2)؟ * * * باب: إِذَا قَتَلَ نَفْسَهُ خَطَأً، فَلَا دِيَةَ لَهُ (باب: إذا قتلَ نفسَه خطأً، فلا ديةَ له): اعترضه الإسماعيلي: بأن هذا الباب أسندَه عن المكي، ليس فيه: أن عامراً ارتدَّ عليه سيفُه فقتلَه، والبابُ مترجم لمن قتلَ نفسَه. وأجيب: بأن البخاري قد رواه في الدعوات في باب: مَنْ خص بالدعاء من ورثته (¬3)، بلفظ: "فَلَمَّا تَصافَّ القومُ، قاتَلوهُم، فأُصيب عامرٌ بقائمِ سيفِه، فماتَ" (¬4) الحديث، وذلك أن سيفه كان قصيراً، فرجع إلى ركبته، فماتَ منها (¬5). * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "عورات النساء". (¬2) انظر: "التوضيح" (31/ 369، 371). (¬3) في "م": "وورثته". (¬4) رواه البخاري (5972) عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، إِلَّا أن عنده: باب: من خصَّ أخاه بالدعاء دون نفسه. (¬5) انظر: "التنقيح" (3/ 1223).

كتاب القسامة

كِتَابُ القَسَامَةِ

باب: جنين المرأة

كِتَابُ القَسَامَةِ باب: جَنِينِ الْمَرأَةِ 2905 - (6905) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّهُ اسْتَشَارَهُمْ فِي إِمْلَاصِ الْمَرْأَةِ، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: قَضَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْغُرَّةِ؛ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، فَشَهِدَ مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ: أَنَّهُ شَهِدَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَضى بِهِ. (في إملاصِ المرأةِ): هو: أن تُلقيَ الجنينَ قبلَ وقتِ الولادة. (بغرَّةٍ عبدٍ أو أمةٍ): بتنوين غُرَّةٍ، وما بعدَه منونٌ أيضاً بدلٌ منه. وروي بالإضافة (¬1). * * * باب: جَنِيْنِ الْمَرْأَةِ وَأَنَّ العَقْل عَلَى الوَالِد وعَصَبَةِ الوَالِدِ لا عَلىَ الوَلَدِ 2906 - (6909) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1224).

ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لِحْيَانَ بِغُرَّةٍ: عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، ثُمَّ إِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ، فَقَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا، وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا. (وأن العقلَ على عَصَبَتها): الضميرُ من قوله: "عَصَبَتِها" يعود على العاقلة، كذا جاء مفسَّراً في الرواية الأخرى: "وقَضَى أَنَّ ديةَ المرأةِ على عاقِلَتِها" (¬1). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6910). وانظر: "التنقيح" (3/ 1225).

كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم

كِتَابُ اسْتِتَابَةَ المُرْتَدِّيِنَ وَالمُعَانِدينَ وَقتَالِهمْ

باب: إثم من أشرك بالله وعقوبته في الدنيا والآخرة قال الله تعالى: {إن الشرك لظلم عظيم} [لقمان: 13]

كِتَابُ اسْتِتَابَةَ المُرْتَدِّيِنَ وَالمُعَانِدينَ وَقتَالِهمْ باب: إِثْم مَنْ أَشْرَكَ باللهِ وعُقُوبَتِه في الدُّنْيَا والآخِرَةِ قالَ اللهُ تَعَالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] 2907 - (6921) - حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، وَالأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنَؤَاخَذُ بِمَا عَمِلْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ: "مَنْ أَحْسَنَ فِي الإِسْلَامِ، لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَنْ أَسَاءَ فِي الإسْلَامِ، أُخِذَ بِالأَوَلِ وَالآخِرِ". (من أحسنَ في الإسلام، لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام، أُخذ بالأوَّل والآخر): قيل: ظاهرُ هذا مخالفٌ لقوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38]. ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الإِسْلامُ (¬1) يَجُبُّ ما قَبْلَهُ" (¬2). ¬

_ (¬1) "الإسلام" ليست في "ج". (¬2) رواه الإمام أحمد في "مسنده" (4/ 204)، وابن سعد في "الطبقات الكبرى" (4/ 252)، عن عمرو بن العاص رضي الله عنه.

باب: إذا عرض الذمي وغيره بسب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يصرح، نحو قوله: السام عليك

فتأوله بعضُهم على أن الذي أسلمَ، ولم يزلْ مرتكبَ المعاصي، يعاقبُه اللهُ بما فعلَه (¬1) في الإسلام، ويُبَكِّتُه بما فعلَه في الجاهلية، فيقال له: كنتَ تفعلُ في الجاهلية كذا، ولم يمنعْكَ الإسلامُ من ذلك الفعل، وأَمَّا أن يُعاقبَ بما كان يفعله في الكفر، فلا. وقال بعضُهم: يعني بالإساءة: الردَّةَ. وقال القرطبي: يعني بالإحسان: إخلاصَ الإسلام حينَ دخولِه فيه، والدَّوامَ على ذلك إلى حين وفاته، وإن لم يخلِصْ بباطنه في إسلامه، كان منافقاً، ولا ينهدمُ عنه ما عملَ به في الجاهلية من الكبائر بالنِّفاق، بل بالإسلامِ الخالصِ، فيضاف نفاقُه الناجزُ إلى كفره المتقدِّم، فيكون مع المنافقين في الدَّرْكِ الأسفل من النَّار (¬2). * * * باب: إِذَا عَرَّضَ الذِّمِّيُّ وَغَيْرُهُ بِسَبِّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَمْ يُصَرِّحْ، نَحْوَ قَوْلهِ: السَّامُ عَلَيْكَ (باب: إذا عَرَّضَ الذميُّ بسبِّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو قوله: السَّامُ عليكم): اعتُرض بأن هذا ليس تعريضاً بالسَّب. وأجاب القاضي: بأنَّ الأذى والسَّبَّ في حقه - صلى الله عليه وسلم - واحد، نعم ليس في الحديث التعريضُ؛ لأن ذلك اليهوديَّ كان من أهل الذِّمَّة والعهد، أو الحرب (¬3)، ¬

_ (¬1) في "ج": "بما يفعل". (¬2) انظر: "المفهم" (1/ 327). وانظر: "التنقيح" (3/ 1225). (¬3) في "ج": "والعهد والحرب".

باب: قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم

فلا حجةَ فيه، لعدم [القتل] بالتعريض؛ لخروجه (¬1) مخرج الاستئلاف (¬2). * * * باب: قَتْلِ الْخَوَارِجِ وَالْمُلْحِدِينَ بَعْدَ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ (باب: قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم): يعني: أنَّه لا يجب قتال خارجي وغيره، إِلَّا بعد الإعذار إليه، ودعوته إلى الحق، وتبيين (¬3) ما التبس عليه، فإن أبى من الحق، قوتلَ (¬4). 2908 - (6931) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّهُمَا أَتَيَا أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، فَسَأَلَاهُ عَنِ الْحَرُورِيَّةِ: أَسَمِعْتَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: لَا أَدْرِي مَا الْحَرُورِيَّةُ؟ سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "يَخْرُجُ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ - وَلَمْ يَقُلْ: مِنْهَا - قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ، يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حُلُوقَهُمْ، أَوْ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَيَنْظُرُ الرَّامِي إِلَى سَهْمِهِ، إِلَى نَصْلِهِ، إِلَى رِصَافِهِ، فَيتَمَارَى فِي الْفُوقَةِ، هَلْ عَلِقَ بِهَا مِنَ الدَّمِ شَيْءٌ؟ ". ¬

_ (¬1) في "ج": "التعريض بخروجه". (¬2) في "ج": "الاستئذان". وانظر: "التنقيح" (3/ 1227) وعنده: "الائتلاف". (¬3) في "م": "تبين". (¬4) انظر: "التوضيح" (31/ 554).

باب: ما جاء في المتأولين

(لا أدري ما الحَرُورية): - بفتح الحاء المهملة وضم الراء -: نسبة إلى حَروراء - بالمد والقصر -: قرية كانت أوَّل مجتَمَعهم، وكان تعاقدُهم بها، ومنها حكموا (¬1). (يخرج في أُمَّتي، ولم يقل: من أُمَّتي): ضَبطٌ للرواية، وتحريرٌ لمواقع الألفاظ. وظاهر قوله: أنه رأى إكفارهم، لكن روي عنه من طريق آخر: "من أُمَّتي" هكذا. * * * باب: مَا جَاءَ فِي الْمُتَأَوِّلِينَ 2909 - (6939) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ فُلَانٍ، قَالَ: تَنَازَعَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَحِبَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ لِحِبَّانَ: لَقَدْ عَلِمْتُ الَّذِي جَرَّأَ صَاحِبَكَ عَلَى الدِّمَاءِ، يَعْنِي: عَلِيّاً، قَالَ: مَا هُوَ لَا أَبَا لَكَ؟ قَالَ: شَيْءٌ سَمِعْتُهُ يَقُولُهُ، قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - والزُّبَيْرَ وَأَبَا مَرْثَدٍ، وَكلُّنَا فَارِسٌ، قَالَ: "انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ حَاجٍ - قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: هَكَذَا قَالَ أَبُو عَوَانَةَ: حَاجٍ -؛ فَإِنَّ فِيهَا امْرَأَةً مَعَهَا صَحِيفَةٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، فَأْتُونِي بِهَا". فَانْطَلَقْنَا عَلَى أَفْرَاسِنَا حَتَّى أَدْركْنَاهَا حَيْثُ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، تَسِيرُ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا، وَكَانَ كَتَبَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ بِمَسِيرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْهِمْ، فَقُلْنَا: أَيْنَ ¬

_ (¬1) "حكموا" ليست في "ج". وانظر: "التوضيح" (31/ 571).

الْكِتَابُ الَّذِي مَعَكِ؟ قَالَتْ: مَا مَعِي كتَابٌ، فَأَنَخْنَا بِهَا بَعِيرَهَا، فَابْتَغَيْنَا فِي رَحْلِهَا، فَمَا وَجَدْنَا شَيْئاً، فَقَالَ صَاحِبِي: مَا نَرَى مَعَهَا كِتَاباً، قَالَ: فَقُلْتُ: لَقَدْ عَلِمْنَا مَا كَذَبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ حَلَفَ عَلِيٌّ: وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ! لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ، أَوْ لأُجَرِّدَنَّكِ، فَأَهْوَتْ إِلَى حُجْزَتِهَا، وَهْيَ مُحْتجِزَةٌ بِكِسَاءٍ، فَأَخْرَجَتِ الصَّحِيفَةَ، فَأَتَوْا بِهَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ! قَدْ خَانَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، دَعْنِي فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا حَاطِبُ! مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ". قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَالِي أَنْ لَا أَكُونَ مُؤْمِناً بِاللهِ وَرَسُولِهِ، وَلَكِنِّي أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ يُدْفَعُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي، وَلَيْسَ مِنْ أَصْحَابِكَ أَحَدٌ إِلَّا لَهُ هُنَالِكَ مِنْ قَوْمِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ، قَالَ: "صَدَقَ، لَا تَقُولُوا لَهُ إِلَّا خَيْراً". قَالَ: فَعَادَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! قَدْ خَانَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، دَعْنِي فَلأَضْرِبَ عُنُقَهُ، قَالَ: "أَوَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ؟ وَمَا يُدْرِيكَ، لَعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ أَوْجَبْتُ لَكُمُ الْجَنَّةَ"، فَاغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. (ثنا أبو عوانة، عن حُصَين): بضم الحاء المهملة وفتح الصاد المهملة أيضاً. [(عن فلان): قال الزركشي: هو سعيدُ بنُ عبيدة] (¬1) (¬2). (تنارع أبو عبد الرحمن، وحِبّان بن عطية): حِبَّان: بحاء مهملة مكسورة ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1227).

وباء موحدة مشددة، كذا قيده الغساني، وجعل تقييد من ضبطه بحاء مفتوحة ومثناة تحتية وهماً (¬1)، هكذا (¬2). (روضة حاج) بحاء (¬3) مهملة وجيم، قال القاضي: وهو وهم من أبي عَوانة، وإنما هو: "رَوْضَةُ خَاخٍ" - بخاءين معجمتين -: موضع بحمراء الأسد من المدينة (¬4)، هذا هو الصحيح، وقد تقدم. * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "وهاء". (¬2) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬3) في "ج": "أي: بحاء". (¬4) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 250).

كتاب الإكراه

كِتَابُ الإِكْرَاهِ

كِتَابُ الإِكْرَاهِ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل: 106] (كتاب: الإكراه، وقول الله - عزّ وجل -: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ} [النحل: 106]): ذكر أهل التفسير: أن هذه الآية نزلت في عَمَّارٍ وأصحابِه. قال المهلب: أجمعَ العلماء على أنه من أُكره على الكفر حتى خشيَ على نفسه القتلَ: أنه (¬1) لا إثم عليه إذا كَفَر، وقلبُه مطمئنٌّ بالإيمان، هذا قولُ مالك، والكوفيين، والشافعي. وعن محمدِ بنِ الحسنِ: أنه يصير مرتداً في الظاهر، وفيما بينه وبين الله مسلم، وتَبينُ امرأتُه منه، ولا يصلَّى عليه (¬2)، ولا يرثُ مسلماً، ولا يرثُه مسلم. وقالت طائفة: إنما جاءت الرخصة في القول، أما الفعل، فلا رخصَة فيه؛ مثل أن يُكره على السجود لغير الله، أو لغيرِ القبلة، أو على قتلِ مسلم، ¬

_ (¬1) في "ج": "لأنه". (¬2) "ولا يصلى عليه" ليست في "ج".

باب: لا يجوز نكاح المكره

أو شربِ خمرٍ، أو زنا، وشبهه، وهو قول سحنون من أصحابنا (¬1). [قلت: نص ابن العربي على أنَّه لا حدَّ على المكرَه على الزنا، وقال بعض أصحابنا] (¬2): يُحَدُّ. وقال ابن القَصَّار: إن انتشر قضيبهُ حينَ أولجَ، حُدَّ، أكرهَه سلطانٌ (¬3) أو غيرُه، وان لم ينتشرْ، فلا حَدَّ عليه. قال اللخميُّ: والاحتجاجُ على حدِّه بأن الإكراه لا يصحُّ مع الإنعاظ غيرُ صحيح (¬4)، قد يريد الرجل شربَ الخّمْرِ، ويكفُّ عنها خوفاً من الله تعالى (¬5). * * * باب: لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُكْرَهِ {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 33]. (باب: لا يجوز نكاحُ المُكْرَهِ؛ {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} إلى قوله: {غَفُورٌ رَحِيمٌ}): قال السفاقسي: إدخالُ البخاري الآيةَ في (¬6) هذا الباب لا معنى له. ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (32/ 11 - 12). (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬3) في "ج": "السلطان". (¬4) في "ج": "صحيح لا يصح". (¬5) وانظر: "التاج والإكليل" لابن المواق (6/ 294). (¬6) "في" ليست في "ج".

باب: إذا استكرهت المرأة على الزنا، فلا حد عليها

2910 - (6945) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُجَمِّعٍ بْنَيْ يَزِيدَ بْنِ جَارِيَةَ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ الأَنْصَارِيَّةِ: أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهْيَ ثَيِّبٌ، فَكَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأَتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَرَدَّ نِكَاحَهَا. (أن أباها زوَّجها وهي ثيبٌ، فكرهت ذلك، فأتت النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فردَّ نكاحها): فيه دليل: على أن نكاحَ المكرَه لا يجوز، وهو مذهب مالك. وقال أهل العراق: ولو أُكْرِهَ على نكاحِ امرأةٍ بعشرة آلاف، وصداقُ مثلِها ألفٌ، جازَ النكاحُ، ولزمه ألفٌ، ويبطل (¬1) الزائدُ. قال ابن (¬2) سحنون: وكما أبطلوا الزائدَ على الألف بالإكراه، فكذلك يلزمُهم إبطالُ النكاح بالإكراه، وفي أمره - عليه السلام - باستئمار النساء في أَبْضاعِهِنَّ دليل عليهم (¬3). * * * باب: إِذَا اسْتُكْرِهَتِ الْمَرْأَةُ عَلَى الزِّنَا، فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا (باب: إذا استُكرهتِ المرأةُ على الزنا، فلا حدَّ عليها): ساق فيه حديثَ سارة، ومناسبتُه للترجمة غيرُ ظاهرة، وليس فيه إِلَّا سقوطُ (¬4) الملامة عنها في خلوة الجبارِ بها؛ لأنها مكرَهة، لكن ليس البابُ معقوداً ¬

_ (¬1) في "ج": "وبطل". (¬2) "ابن" ليست في "ج". (¬3) انظر: "التوضيح" (32/ 35). (¬4) في "ج": "سقط".

لذلك، وإنّما هو معقودٌ لاستكراه المرأة على الزنا، [وليس ذلك في قضية سارةَ أصلًا] (¬1). * * * ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". انظر: "المتواري" (ص: 331 - 332). قال الكرماني تبعاً لابن بطال: وجه إدخال هذا الحديث في هذا الباب مع أن سارة - عليها السلام - كانت معصومة من كل سوء: أنها لا ملامة عليها في الخلوة مكرهة، فكذا غيرها لو زُنِيَ بها مكرهة لا حدَّ عليها. انظر: "فتح الباري" لابن حجر (12/ 322).

كتاب الحيل

كِتَابُ الحِيَلِ

باب: في الصلاة

كِتَابُ الحِيَلِ باب: فِي الصَّلَاةِ 2911 - (6954) - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ". (كتاب: الحِيَل). (لا يقبلُ الله صلاةَ أحدِكم إذا أحدثَ حتَّى يتوضَّأ): قيل: فيه ردٌّ على أبي حنيفة - رضي الله عنه - في قوله: إن المحدِثَ في صلاته يتوضأ، ويبني على ما تقدَّم من صلاته، وهو قول ابن أبي ليلى. وقال مالك، والشافعي - رضي الله عنهما -: يستأنفُ الوضوءَ والصلاةَ، ولا يبني، محتجَّينِ بهذا الحديث (¬1). قلت: وفي الاحتجاج نظر، وذلك لأن الغاية تقتضي ثبوتَ القَبول ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (32/ 59).

باب: في الزكاة، وأن لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة

بعدَها، ولا شك أن ما تقدَّم قبلَها من المحدِث صلاةٌ وقعت بوجهٍ مشروع، وقبولها مشروطٌ بدوام الطهارة إلى حين إكمالها، أو بتجديد الطهارة عندَ وقوع الحدثِ في أثنائها، وإتمامها بعدَ ذلك، فيُقبل حينئذ ما تقدَّم من الصلاة قبلَ الحدث، وما وقعَ بعده مما يُكملها، والحديث منطبقٌ على هذا، وليس فيه ما يدفعه، فكيف يكون ردًّا على أبي حنيفة؟ فتأمله. * * * باب: في الزَّكَاةِ، وأَنْ لا يُفَرَّقَ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ ولا يُجْمَعَ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ 2912 - (6956) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، أَنَّ أَعْرَابِيّاً جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَائِرَ الرَّأْسِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَخْبِرْنِي مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصَّلاَةِ؟ فَقَالَ: "الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ شَيْئًا". فَقَالَ: أَخْبِرْنِي بِمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصِّيَامِ؟ قَالَ: "شهْرَ رَمَضَانَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ شَيْئاً". قَالَ: أَخْبِرْنِي بِمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الزَّكَاةِ؟ قَالَ: فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - شَرَائِعَ الإِسْلاَمِ. قَالَ: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ! لاَ أَتَطَوَّعُ شَيْئاً، وَلاَ أَنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ شَيْئاً. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ، أَوْ: دَخَلَ الْجَنَّةَ إِنْ صَدَقَ". (ولا أنقُص مما فرضَ الله عليَّ شيئاً): وجهُ إدخال هذا في كتاب الحِيل: أن البخاري فهمَ من قوله - عليه الصلاة والسلام -: "أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ" أنّه من رامَ أن ينقص شيئاً من فرائض الله تعالى بحيلةٍ يحتالها، أنه لا يُفلح، [ولا يقومُ

باب: ما يكره من احتيال المرأة مع الزوج والضرائر وما نزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك

له بذلك عندَ الله عذرٌ، وما أجازه الفقهاء من تصرُّفِ صاحبِ المال] (¬1) في ماله بقربِ حلولِ الأجل، لم يريدوا بذلك الفرارَ من الزكاة، ومن نوى ذلك، فالإثمُ عنه (¬2) غير ساقط (¬3). * * * باب: ما يُكْرَهُ مِنِ احْتِيالِ الْمَرْأَةِ مَعَ الزَّوْجِ وَالضَّرَائِرِ وما نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في ذَلِكَ 2913 - (6972) - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أبو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ، وَيُحِبُّ الْعَسَلَ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى الْعَصْرَ، أَجَازَ عَلَى نِسَائِهِ، فَيَدْنُو مِنْهُنَّ، فَدَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ، فَاحْتبَسَ عِنْدَهَا أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ يَحْتَبِسُ، فَسَألْتُ عَنْ ذَلِكَ، فَقالَ لِي: أَهْدَتِ امْرَأَةٌ مِنْ قَوْمِهَا عُكَّةَ عَسَلٍ، فَسَقَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهُ شَرْبَةً، فَقُلْتُ: أَمَا وَاللَّهِ! لَنَحْتَالَنَّ لَهُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَوْدَةَ، قُلْتُ: إِذَا دَخَلَ عَلَيْكِ، فَإِنَّهُ سَيَدْنوُ مِنْكِ، فَقُولي لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ فَإِنَّه سَيقُولُ: لاَ، فَقُولي لَهُ: مَا هَذه الرِّيحُ؟ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَشْتَدُّ عَلَيهِ أَنْ تُوجَدُ مِنْهُ الرِّيحُ، فَإِنَّهُ سَيقُولُ: سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ، فَقُولِي لَهُ، جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ، وَسَأقولُ ذَلِكَ، وَقُوليهِ أَنْتِ يَا صَفِيَّةُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى سَوْدَةَ، قُلْتُ: تَقُولُ سَوْدةٌ: وَالَّذِي لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ! لَقَدْ كِدْتُ أَنْ أُبَادِرَهُ بِالَّذِي قُلْتِ لِي ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬2) في "ج": فيه. (¬3) انظر: "التوضيح" (32/ 63).

باب: احتيال العامل ليهدى له

وَإِنَّهُ لَعَلَى الْبَابِ، فَرَقاً مِنْكِ، فَلَمَّا دَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ قَالَ: "لاَ"، قُلْتُ: فَمَا هَذِهِ الرِّيحُ؟ قَالَ: "سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ"، قُلْتُ: جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيَّ، قُلْتُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَدَخَلَ عَلَى صَفِيَّةَ، فَقَالَتْ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ، قَالَتْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَلاَ أَسْقِيكَ مِنْهُ؟ قَالَ: "لاَ حَاجَةَ لِي بِهِ". قَالَتْ: تَقُولُ سَوْدَةُ: سُبْحَانَ اللَّهِ! لَقَدْ حَرَمْنَاهُ، قَالَتْ: قُلْتُ لَهَا: اسْكُتِي. (أجازَ على نسائه): يقال: جازَ الوادي جَوازاً، وأجازَهُ: قَطَعَه. وقال الأصمعي: جازه: إذا مشى فيه، وأَجازَه: قطعَه وخَلَّفَه (¬1). * * * باب: احْتِيالِ العَامِلِ ليُهْدَى لَهُ 2914 - (6979) - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ، يُدْعَى: ابْنَ اللُّتَبِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ، حَاسَبَهُ، قَالَ: هَذَا مَالُكُمْ، وَهَذَا هَدِيَّةٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فَهَلَّا جَلَسْتَ في بَيْتِ أَبيكَ وَأُمِّكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا". ثُمَّ خَطَبَنَا، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأثنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى الْعَمَلِ مِمَّا وَلَّانِي اللَّهُ، فَيَأْتِي فَيَقُولُ: هَذَا مَالُكُمْ، وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي، أفلاَ جَلَسَ في بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ، وَاللَّهِ! لاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ، إِلَّا لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَلأَعْرِفَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1230).

بَعِيراً لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ". ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ حَتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إِبْطِهِ، يَقُولُ: "اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ ". بَصْرَ عَيْنِي، وَسَمْعَ أُذُنِي. (بَصْرَ عَيني وسَمْعَ أُذني): بسكون الصاد (¬1) والميم وفتح الراء والعين عند أكثرهم. قال سيبويه: العرب تقول: سمعُ أُذني زيداً (¬2)، ورأيُ عيني، تقول ذلك بضم آخرها. قال القاضي: وأما الذي في كتاب الحيل، فوجهُه النصبُ على المصدر؛ لأنه لم يذكر المفعول بعده (¬3). * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "بسكون العين لصاد". (¬2) في "ج": "زيد". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 96). وانظر: "التنقيح" (3/ 1230).

كتاب التعبير

كِتابُ التَّعْبِير

باب: رؤيا الصالحين وقوله عز وجل {لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق} [الفتح: 27]

كتاب التعبير (كتاب: التعبير): يقال: عَبَرْتُ الرُّؤْيا، أَعْبُرُها عِبَارةً - بكسر العين -، وعَبَّرْتُ الرُّؤْيا، أُعَبِّرُها تَعْبِيراً: إذا (¬1) فَسَّرْتها (¬2). باب: رُؤْيَا الصَّالِحينَ وقولِهِ عَز وجل {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ} [الفتح: 27] 2915 - (6983) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ، جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ". (الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزءٌ من ستةٍ وأربعين جزءاً من النبوة): قال ابن العربي: اختلفت (¬3) الآثارُ في ذلك حتى بلغتْ إلى سبعين. قيل: خمسةٍ وأربعينَ جزءاً، وستةٍ وأربعين، وخمسين (¬4)، وسبعين. ¬

_ (¬1) في "ج": "إذ". (¬2) انظر: "الصحاح" (2/ 733)، (مادة: عبر). وانظر: "التوضيح" (32/ 119). (¬3) في "ج": "اختلف". (¬4) في "ج": "وخمسة".

قال علماؤنا في ذلك تأويلات: منها: أن هذه الرؤيا المنقسمة على هذه الأجزاء إنها رؤيا النبوة، لا نفسُ النبوة، واختلافُ الأعداد فيها؛ لأنها جُعلت بشارات، فأُعطي من فضله جزءٌ من سبعين جزءاً في الابتداء، ثم زادَ من فضله حتى بلغت خمساً وأربعين. وانتهى بعضهم إلى أن قال: إن مدة النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت ثلاثاً وعشرين سنة، وإن ستةَ أشهرٍ منها كان يوحى إليه فيها في المنام. وهذا يفتقر إلى نقل صحيح، ولو ثبت بالنقل ما أفاد شيئاً في غرضنا، ولا يصحُّ حملُ اللفظ عليه. وأصح ما في ذلك تأويلُ الطبري - عالمِ القرآنِ والحديثِ -؛ فإن نسبة هذه الأعداد إلى النبوة إنما هو بحسب اختلاف حال الرائي، فتكون رؤيا الصالح على ستةٍ وأربعين، والمحطوط من درجته على ما دونها، وهذا تأويلٌ جُملي، فأما تحقيقُ الأجزاء وكيفية القسمة، فلا يمكن ذلك أبداً. انتهى. وقال بعضهم: السبب في تخصيصه هذا العددَ أن الوحي كان يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - على ستة وأربعين نوعاً، الرؤيا نوعٌ من ذلك. وقد حاول الحليمي تعدادَ تلك الأنواع. وقد قدحَ بعضُهم في التأويل المتقدم، وهو ادعاءُ أن زمنَ الوحي بالرؤيا كان ستةَ أشهر، وهي من ثلاث وعشرين نسبةُ جزءٍ من ستة وأربعين جزءاً؛ بأنه - عليه السلام - بعدَ النبوة رأى منامات كثيرة، فيجبُ أن يُلفق منها ما يُضاف إلى ستة الأشهر، فيتغيرُ الحساب، وتفسدُ النسبةُ. قال الإمام المازري: ولا وجهَ (¬1) عندي لهذا الاعتراض؛ لأن الأشياء ¬

_ (¬1) في "ج": "والأوجه".

توصف بما يغلب عليها، وتُنسب إلى الأكثر منها، فلما كانت الأشهرُ الستةُ مختصةً بالمنامات، والثلاث والعشرون (¬1) سنةً جُلُّها الوحيُ، وإنما فيها منامات شيءٌ يسيرٌ تُعد عَدّاً، وجب أن يُطرح الأقلُّ في حكم النسبة والحساب، وقد سلف: أن أَمَدَ الرؤيا لم يثبت أنه كان ستةَ أشهر، فهذا وجه الاعتراض. قال المازري: ويحتمل عندي (¬2) أن يُراد بالحديث وجهٌ آخر، وهو: أن ثمرة المنامات الإخبارُ بالغيب، لا أكثرَ، وإن كان يتبع ذلك إنذارٌ أو تبشير، والإخبارُ بالغيب أحدُ ثمرات النبوة، وأحدُ فوائدها، وهو في جنب فوائدِ النبوة، والمقصودِ منها يسيرٌ؛ لأنه يصحُّ أن يُبعث نبيٌّ يُشرع الشرائع (¬3)، ويُبين الأحكام، ولا يُخبر بغيبٍ أبداً، ولا يكونُ ذلك قادحاً في نبوته، ولا مبطلاً للمقصود منها. وهذا الجزء من النبوة؛ وهو الإخبارُ بالغيب، إذا وقع، لا (¬4) يكون إلا صدقاً، ولا يقع إلا حقاً، والرؤيا ربما دلَّت على شيء، ولا (¬5) يقعُ ما دلَّت عليه، إما لكونها من الشيطان، أو من حديث النفس، أو غلطِ العابر في تأويل العبارة، إلى غير ذلك من الضروب الكثيرة التي توجب عدمَ الثقة (¬6) بدلالة المنام، فقد صار الإخبارُ بالغيب أحدَ ثمرات النبوة، وهو غيرُ مقصود منها، ولكنه لا يقع إلا حقاً، وثمرة المنام: الإخبارُ بالغيب، ولكنه قد لا يقع ¬

_ (¬1) في "ج": "والعشرين". (¬2) في "ج": "أن عندي". (¬3) في "ج": "من الشرائع". (¬4) في "م": "فلا". (¬5) في "ج": "دلت على ولا". (¬6) في "ج": "التقدير".

باب: الرؤيا من الله

صدقاً، فتقدر النسبةُ في هذا بقدر ما قدره الشرعُ بهذا العدد على حسب ما أطلعَه الله عليه؛ ولأنه يَعلمُ من حقائق نبوته ما لا نَعلمُه نحن. وهذا الجوابُ، وإن كان فيه ملاحظةٌ لما أشار إليه بعضهم؛ فإنهم لم يكشفوه هذا الكشف، ولم (¬1) يبسطوه هذا البسط (¬2). * * * باب: الرُّؤْيا مِنَ اللهِ 2916 - (6984) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونسُ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى - هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ -، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ، عَنِ النَبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "الرُّؤْيَا مِنَ اللَّهِ، وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ". (والحلم من الشيطان): قال السفاقسي: قرأناه بضم الحاء واللام. وفي "الصحاح": بسكون اللام (¬3)، وهو ما يراه النائم من الأمر الفظيع المَهُول. قال بعضهم: إضافة الرؤيا - وهي اسم للمرئيِّ المحبوبِ - إلى الله، إضافةُ تشريف، بخلاف الحلم الذي هو اسمٌ للمرئيِّ المكروه، فإنه مضافٌ إلى الشيطان باعتبار أنه يحضُره، لا أنه يفعلُه؛ إذ كلٌّ من الأمرين مخلوقُ اللهِ تعالى (¬4). ¬

_ (¬1) في "م": "ولا". (¬2) انظر: "التوضيح" (32/ 139) وما بعدها. (¬3) انظر: "الصحاح" (5/ 1903)، (مادة: حلم). (¬4) انظر: "التوضيح" (32/ 138).

باب: "الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة"

باب: "الرُّؤيا الصَّالِحَةُ جُزءٌ مِنْ سِتَّةٍ وأَرْبَعين جُزءًا مِنَ النُّبُوَّة" 2917 - (6986) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبي كَثِيرٍ، - وَأَثْنَى عَلَيْهِ خَيْراً، لَقِيتُهُ بِالْيَمَامَةِ - عَنْ أَبيهِ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ، وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا حَلَمَ، فَلْيتعَوَّذْ مِنْهُ، وَلْيَبْصُقْ عَنْ شِمَالِهِ، فَإِنَّهَا لاَ تَضُرُّهُ". وَعَنْ أَبِيهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: مِثْلَهُ. (فإذا حَلَمَ): بفتح اللام، على زنة ضَرَبَ. * * * 2918 - (6987) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ". (رؤيا المؤمن جزءٌ من ستةٍ وأربعين): رواه من طريق قتادةَ عن عبادةَ ابنِ الصامت، ثم من طريق الزهري عن أبي هريرةَ. قال الزركشي: وإدخالُه حديثَ أبي (¬1) قتادة في باب: الرؤيا الصالحةُ جزءٌ من ستة وأربعين جزءاً، لا وجهَ (¬2) له (¬3). ¬

_ (¬1) "أبي" ليست في "ج". (¬2) "لا وجه" ليست في "ج". (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1231).

باب: المبشرات

قلت: بل (¬1) له وجهٌ ظاهر، وهو التنبيهُ على أن (¬2) هذا الكلام، وإن كان عاماً، فهو مخصوص بالرؤيا الصالحة، كما دلت عليه أحاديثُ الباب، وإذا كان مخصوصاً بالرؤيا الصالحة، اتجه إدخالُه (¬3) في بابها اتجاهاً ظاهراً. * * * باب: المُبَشِّرَاتِ 2919 - (6990) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ"، قَالُوا: وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ: "الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ". (لم يبقَ من النبوة إلا المبشراتُ): قالوا: يريد: بعده. قلت (¬4): فيكون المقام حينئذ مقتضياً للنفي بغير لم، مما يدل على النفي في المستقبل، كما ورد: "لَمْ (¬5) يَبْقَ مِنْ بَعْدِي مِنَ النُّبُوَّةِ إِلاَّ المُبَشَّرَاتُ" يريد: أن الوحيَ ينقطع بموته، فلا يبقى بعده ما يُعلم به أنه سيكون، غيرُ الرؤيا الصالحة (¬6). ¬

_ (¬1) "بل" ليست في "ج". (¬2) "أن" ليست في "ج". (¬3) في "ج": "إدخالها". (¬4) "قلت" ليست في "ج". (¬5) في "م": "لن". (¬6) انظر: "التوضيح" (32/ 147).

باب: التواطؤ على الرؤيا

باب: التَّوَاطُؤِ عَلَى الرُّؤْيَا (باب: التواطؤ على الرؤيا): ساقَ فيه حديث: "أَنَّ أُناساً أُرُوا ليلةَ القدرِ في السبعِ الأَواخِرِ، وأَنَّ أُناساً أُروا أَنها في العشرِ الأواخر". واعترضه (¬1) الإسماعيلي: بأن الحديث الذي ذكره خلافُ التواطؤ، وإنما حديثه (¬2): "أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأتْ عَلَى العَشْرِ الأَوَاخِرِ"، فهذا الذي كان جديراً بأن يذكره في هذا الباب (¬3). قلت: قولُه: "إن الحديث الذي ذكره خلافُ التواطؤ" ممنوعٌ، وذلك أن من رأى أنها في العشر الأواخر، [فقد واطأت رؤياه رؤيا من رأى أنَّها في السَّبع الأواخر] (¬4)، بالنسبة إلى السبع، وإن كان الأولُ امتازَ بالثلث (¬5) الأول من العشر، وكذلك أَمر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالتماسِها في محل التواطؤ، وقال: "الْتَمِسُوهَا في السَّبع الأَواخِرِ (¬6) " (¬7)، فتأمله. * * * باب: مَنْ رَأَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي المَنَامِ 2920 - (6993) - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ¬

_ (¬1) في "ج": "واعترض". (¬2) "حديثه" ليست في "ج". (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1232)، و"التوضيح" (32/ 152). (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬5) في "ج": "لثلث". (¬6) في "م": "الأُخَر". (¬7) رواه البخاري (6991) عن ابن عمر رضي الله عنهما.

الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ رَآنِي في الْمَنَامِ، فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ، وَلاَ يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: إِذَا رَآهُ في صُورَتِهِ. (من رآني في المنام، فسيراني في اليقظة): يحتمل أن يريد: أَهْلَ عصره، ممن لم يهاجرْ إليه، ويكون الباري - جلَّت قدرتُه - جعل رؤيتَه في المنام عَلَماً على رؤياه في اليقظة. [وقال ابن بطال: يعني: تصديقَ تلك الرؤيا في اليقظة] (¬1)، وصحَّتَها، وخروجَها على الحقِّ؛ لأنه - عليه السلام - سيراه يومَ القيامة في اليقظة جميعُ أُمته، من رآه في النوم، ومن لم يره منهم (¬2). وقيل: معناه: يراه في الآخرة رؤيةً خاصةً (¬3) في القرب منه، وحصولِ شفاعته، ونحوِ ذلك، حكاه النووي (¬4). قلت: وعلى هذا، ففيه بشارةٌ لرائيه (¬5) في المنام: بأنه يموت على الإسلام، وكفى بها بشارةً، وذلك؛ لأنه لا (¬6) يراه في القيامة تلك الرؤية الخاصةَ باعتبار القربِ منه، وحصولِ شفاعته فيه إلا مَنْ تُحُقِّقَتْ منه الموافاة على الإسلام، حققَ الله ذلكَ لنا بمنِّه وكرمه. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬2) انظر: "شرح ابن بطال" (9/ 527). (¬3) في "ج": "صالحة" خاصة. (¬4) انظر: "شرح مسلم" (15/ 26). وانظر: "التوضيح" (32/ 165). (¬5) في "ج": "لرؤيته". (¬6) "لا" ليست في "ج".

2921 - (6994) - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُخْتَارٍ، حَدَّثَنَا ثَابِثٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ، فَقَدْ رَآنِي؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يتخَيَّلُ بِي، وَرُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ". (من رآني في المنام، فقد رآني): أي: فرؤياه حقٌّ، لا أَضْغاثُ أَحلام. قال المازري: وقد يراه الرائي على غير صفته المنقولةِ إلينا، كما لو رآه الشخص أبيضَ اللحيةِ، أو على خلافِ لونه، أو يراه رائيان (¬1) في زمنٍ واحد: أحدُهما بالمشرق، والآخرُ بالمغرب، ويراه كلُّ واحد منهما معه في مكانه. وقال آخرون: الحديثُ محمول على ظاهره، والمراد: أن من رآه، فقد أَدْرَكَه، ولا (¬2) مانعَ يمنع من ذلك، ولا يُحيله العقلُ حتى يُضطَرَّ إلى صرفِ الكلام عن ظاهره، وأما الاعتلال بأنه قد يُرى (¬3) على غير [صورته المعروفةِ في مكانين مختلفين، فإن ذلك غلطٌ في صفاته، وتخيُّلٌ لها] (¬4) على غير ما هي عليه، وقد يَظُنُّ بعضَ الخيالات مرئياتٍ، لكونِ (¬5) ما يتخيل مرتبطاً بما يرى في العادة، فتكون ذاته مَرْئِيَّةً، وصفاتُه مخيَّلَةً غيرَ مَرْئيةٍ، والإدراكُ لا يُشترط فيه تحديقُ البصر، ولا قربُ المسافة، ولا كونُ المرئيِّ ¬

_ (¬1) في "ج": "رؤيتان". (¬2) في "ج": "لا". (¬3) في "ج": "يراه". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬5) في "ج": "لكن".

مدفوناً في الأرض، ولا ظاهراً عليها، وإنما يُشترط كونُه موجوداً، والأخبارُ دالةٌ على بقائِه، فيكون اختلافُ الصفاتِ المتخيَّلَةِ ثمرتُها اختلافُ الدلالات (¬1). * * * 2922 - (6996) - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ خَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنِي الزُّبَيْدِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: قَالَ أَبُو قَتَادَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ رَآنِي، فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ". تَابَعَهُ يُونُسُ، وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ. (خالد بن خَلِيٍّ): بفتح الخاء المعجمة، وكسر اللام، على زنة عَلِيٍّ. * * * 2923 - (6997) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَنْ رَآنِي، فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يتكَوَّنُنِي". (لا يتكونُني): أي: لا يصير كائناً على صورتي، وهو معنى: لا يتمثَّلُ بي، ولا يَتَراءى بي (¬2). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "المعلم" للمازري (2/ 295). وانظر: "التوضيح" (32/ 115 - 116) وعنه نقل المؤلف رحمه الله. (¬2) "بي" ليست في "ج".

باب: رؤيا الليل

باب: رُؤْيَا اللَّيْلِ 2924 - (6998) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ الْعِجْلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّفَاوِيُّ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَبَيْنَمَا أَنَا ناَئِمٌ الْبَارِحَةَ، إِذْ أُتِيتُ بِمَفَاتِيح خَزَائِنِ الأَرْضِ حَتَّى وُضِعَتْ في يَدِي". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَنْتُمْ تَنْتَقِلُونَهَا. (وأنتم تنتقلونها): - بالقاف -: من النَّقْل؛ أي: تنقلونها من مكان إلى مكان. وروي بالفاء؛ من النَّفَلِ، وهي: الغَنيمةُ. وروي بالثاء المثلثة، يقال: نَثَلَ ما في كِنانته (¬1): إذا صَبَّهُ ونَثَرَهُ (¬2). * * * باب: "الحُلْمُ من الشَّيْطَانِ فإذا حَلَمَ فَلْيَبْصُقْ عن يَسَارِه، وليَسْتَعِذْ بالله" 2925 - (7005) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ أَبَا قتادَةَ الأَنْصَارِيَّ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَفُرْسَانِهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "الرُّؤْيَا مِنَ اللَّهِ، وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمُ الْحُلُمَ يَكْرَهُهُ، فَلْيَبْصُقْ ¬

_ (¬1) في "ج": "نثل من كنانته". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1232).

باب: ثياب الحرير في المنام

عَنْ يَسَارِهِ، وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْهُ، فَلَنْ يَضُرَّهُ". (فليبصُقْ عن يساره): وورد فيما قبل هذا: "فَلْيَنْفُثْ"، وهو شبيهٌ (¬1) بالنفخ، وأقلُّ من التَّفْل؛ لأن التفلَ يكون معه ريقٌ. وورد أيضاً في حديث آخر يأتي بعدُ: "فَلْيَتْفُلْ"، وهذه حالات متفاوتة، فينبغي أن يُفعل الجميع ليتحققَ الموعودُ (¬2) به من عدم الضرر، إن شاء الله تعالى (¬3). * * * باب: ثِيَابِ الحَرِيرِ في المَنَامِ 2926 - (7012) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أُرِيتُكِ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَكِ مَرَّتَيْنِ، رَأَيْتُ الْمَلَكَ يَحْمِلُكِ في سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَقُلْتُ لَهُ: اكْشِفْ، فَكَشَفَ، فَإِذَا هِيَ أَنْتِ، فَقُلْتُ: إِنْ يَكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، يُمْضِهِ، ثُمَّ أُرِيتُكِ يَحْمِلُكِ في سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَقُلْتُ: اكْشِفْ، فَكَشَفَ، فَإِذَا هِيَ أَنْتِ، فَقُلْتُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، يُمْضِهِ". (فكشفت (¬4)، فإذا هو أنت): أي: فإذا الشخصُ الذي في السَّرَقَةِ أنتِ. ويروى: فإذا هي أنتِ. ¬

_ (¬1) في "ج": "تشبيه". (¬2) في "ج": "لتحقيق الوعود". (¬3) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬4) نص البخاري: "فَكَشَفَ".

باب: القيد في المنام

باب: القَيْدِ في المَنَامِ 2927 - (7017) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، سَمِعْتُ عَوْفاً، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، أنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ، لَمْ تَكَدْ تَكْذِبُ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ، وَرُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ". قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَنَا أقولُ هَذِهِ، قَالَ: وَكَانَ يُقَالُ: الرُّؤْيَا ثَلاَثٌ: حَدِيثُ النَّفْسِ، وَتَخْوِيفُ الشَّيْطَانِ، وَبُشْرَى مِنَ اللَّهِ، فَمَنْ رَأَى شَيْئاً يَكْرَهُهُ، فَلاَ يَقُصُّهُ عَلَى أَحَدٍ، وَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ. قَالَ: وَكَانَ يُكْرَهُ الْغُلُّ في النَّوْمِ، وَكَانَ يُعْجِبُهُمُ الْقَيْدُ، وَيُقَالُ: الْقَيْدُ ثَبَاتٌ في الدِّينِ. وَرَوَى قتادَةُ، وَيُونُسُ، وَهِشَامٌ، وَأَبُو هِلاَلٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَدْرَجَهُ بَعْضُهُم كُلَّهُ في الْحَدِيثِ، وَحَدِيثُ عَوْفٍ أَبْيَنُ. وَقَالَ يُونُسُ: لاَ أَحْسِبُهُ إِلَّا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الْقَيْدِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: لاَ تَكُونُ الأَغْلاَلُ إِلَّا في الأَعْنَاقِ. (إذا اقتربَ الزمان، لم تكدْ تكذبُ رؤيا المؤمن): قيل: المراد: إذا اقتربت الساعة، ودَرَسَتْ معالمُ الدِّيانة، فكان الناسُ على فترةٍ من الرسل يحتاجون إلى مذكِّرٍ ومجدِّد لما دَرَسَ من الدين، كما كانت الأمم قبلَنا تُذَكَّر بالنبوة، فلما كان نبينا - عليه الصلاة والسلام - خاتمَ الرسل، وما بعده من الزمان يُشبه الفترةَ، عُوِّضوا عن النبوةِ بالرؤيا الصادقة، التي هي جزءٌ من أجزاء النبوة الآتية بالبشارة والنذارة (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (32/ 203).

وقيل: المراد: اعتدالُ الليل والنهار. قال الزركشي: وهو أشبهُ ما قيل فيه (¬1). قلت: الاقترابُ يقتضي التفاوتَ، والاعتدالُ يقتضي عدمَه، فكيف يُفسر الأولُ بالثاني؟! وقد قال الخطابي: التأويلُ الأول هو الصواب الذي أوردَه الشرع؛ لأنه قد رُوي مرفوعاً من طريق معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، رفعه (¬2): "في آخِرِ الزَّمَانِ لا تَكْذِبُ رُؤْيَا المُؤْمِنِ، وَأَصْدَقُهُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُهُمْ حَدِيثاً" (¬3) (¬4). (قال: وكان يكره الغل في النوم): يكره: فعل مضارع؛ من الكراهة، مبني للفاعل، فالغلَّ: منصوبٌ، ومبنيٌّ للمفعول؛ فالغلُّ: مرفوع، وهذا من كلام أبي هريرة مدرَجٌ في الحديث، وقد بينه معمرٌ في روايته عن أيوب، عن ابن سيرين. (قال أبو عبد الله: لا تكونُ الأغلالُ إلا في الأعناق): هذا من كلام البخاري - رحمه الله -، وهو متعقَّب. ففي "المحكم": الغُلُّ: جامِعَةٌ توضَع في اليد، أو العنق، والجمعُ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1233). (¬2) في "ج": "ورفعه". (¬3) رواه أبو داود (5019)، والترمذي (2270)، وابن ماجه (3917). (¬4) انظر: "التوضيح" (32/ 204). وعنده: "وقد قال ابن بطال" بدل "وقد قال الخطابي"، وهو الصواب، وانظر: "شرح ابن بطال" (9/ 539).

باب: القصر في المنام

أَغْلال، لا يُكَسَّرُ على خلافِ ذلك (¬1). وفي "الجامع" للقزاز: واليدُ مغلولَةٌ؛ أي: مجعولَةٌ في الغُلِّ، قال تعالى: {غُلَّتْ أيْدِيهِمْ} [المائدة: 64] (¬2). * * * باب: القَصْرِ في المَنَامِ 2928 - (7023) - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، رَأَيْتُنِي في الْجَنَّةِ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ، قُلْتُ: لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ؟ قَالُوا: لِعُمَرَ ابْنِ الْخَطابِ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ، فَوَلَّيْتُ مُدْبِراً". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَبَكَى عُمَرُ ابْنُ الْخَطَّابِ، ثُمَّ قَالَ: أَعَلَيْكَ - بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ - أَغَارُ؟ (فإذا امرأةٌ تتوضَّأُ): ظن الخطابي أنه محمولٌ على الوضوء الشرعي، فنسب الراوي إلى الوَهْم، قال: لأنه لا عملَ في الجنة، وإنما هو امرأةٌ شوهاء، لكن الكاتبَ أسقطَ بعضَ حروفها، فصار: تتوضأ (¬3). قلت: وهذا تحكُّمٌ في الرواية بالرأي (¬4)، ونسبةُ الصحيحِ منها إلى ¬

_ (¬1) انظر: "المحكم" (5/ 370). (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1234). (¬3) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬4) في "ج": "بالراوي".

الغلطِ بمجردِ خيالٍ مبنيٍّ على أمرٍ غير لازم، وذلك لأنه بناه على الوضوء المكلَّفِ به في دار الدنيا، ومن أين له ذلك؟ ولم لا يجوز أن يكون من الوضوء اللغوي المراد به: الوَضاءَةُ، ويكونَ توضؤها سبباً لازدياد حسنها وإشراق نورها، وليس المرادُ به (¬1) إزالةَ دَرَنٍ، ولا شيءٍ من الأقذار؟ فإن هذا مما نُزِّهَتِ الجنةُ عنه. (فذكرتُ غَيْرَتَهُ، فولَّيت): قال المهلب: فيه الحكمُ لكلِّ رجلٍ بما يُعلم من خُلُقِه، ألا ترى أنه - عليه السلام - لم يدخل القصرَ، مع علمِه بأن عمرَ لا يغارُ عليه؛ لأنه أبو المؤمنين، وكلُّ ما نالَهُ بنوه من الخير فبسببه (¬2)؟ وانتقد الحافظ مغلطاي عليه قوله: أبو المؤمنين، مع أن الله تعالى يقول: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} [الأحزاب: 40]، وقال - عليه الصلاة والسلام -: "إِنَّمَا أَناَ لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الوَالِدِ" (¬3)، ولم يقل: أنا لكم أَبٌ، ولم يأتِ في ذلك حديثٌ صحيح، ولا (¬4) غيرُه مما يصلُح للدلالة (¬5). * * * ¬

_ (¬1) "به" ليست في "ج". (¬2) انظر: "التوضيح" (32/ 216). (¬3) رواه أبو داود (8)، والنسائي (1/ 38) عن أبي هريرة رضي الله عنه. (¬4) في "ج": "وقال". (¬5) انظر: "التوضيح" (32/ 217).

باب: الأمن وذهاب الروع في المنام

باب: الأَمْنِ وذَهَابِ الرَّوْعِ في المَنَامِ 2927 - (7028) - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ، حَدَّثَنَا ناَفِعٌ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: إِنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانُوا يَرَوْنَ الرُّؤْيَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَيَقُصُّونَهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَيقُولُ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا شَاءَ اللَّهُ، وَأَنَا غُلاَمٌ حَدِيثُ السِّنِّ، وَبَيْتِي الْمَسْجِدُ قَبْلَ أَنْ أَنْكِحَ، فَقُلْتُ في نَفْسِي: لَوْ كَانَ فِيكَ خَيْرٌ، لَرَأَيْتَ مِثْلَ مَا يَرَى هَؤُلاَءِ، فَلَمَّا اضْطَجَعْتُ لَيْلَةً، قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ فِيَّ خَيْراً، فَأَرِنِي رُؤْيَا، فَبَيْنَمَا أَناَ كذَلِكَ، إِذْ جَاءَنِي مَلَكَانِ، في يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، يُقْبِلاَ بِي إِلَى جَهَنَّمَ، وَأَنَا بَيْنَهُمَا أَدْعُو اللَّهَ: اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهَنَّمَ، ثُمَّ أُرَانِي لَقِيني مَلَكٌ فِي يَدِهِ مِقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَقَالَ: لَنْ تُرَاعَ، نِعْمَ الرَّجُلُ أَنْتَ، لَوْ تُكْثِرُ الصَّلاَةَ. فَانْطَلَقُوا بِي حَتَّى وَقَفُوا بِي عَلَى شَفِيرِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ، لَهُ قُرُونٌ كَقَرْنِ الْبِئْرِ، بَيْنَ كُلِّ قَرْنَيْنِ مَلَكٌ بِيَدِهِ مِقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، وَأَرَى فِيهَا رِجَالًا مُعَلَّقِينَ بِالسَّلاَسِلِ، رُؤُوسُهُمْ أَسْفَلَهُمْ، عَرَفْتُ فِيهَا رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ، فَانْصَرَفُوا بِي عَنْ ذَاتِ الْيَمِينِ. (مِقْمَعَة): - بميم مكسورة -: واحدةُ المقامِع، وهي سِياطٌ تُعمل من حديد، رؤوسها مُعْوَجَّة (¬1). (فقال: لن تُرَعْ (¬2)): سبق توجيهه (¬3). ¬

_ (¬1) في "ج": "مفتوحة". (¬2) نص البخاري: "تُراعَ". (¬3) في "ج": "سبق بوجهه".

باب: إذا طار الشيء في المنام

باب: إِذَا طَارَ الشَّيْءُ في المَنَامِ 2930 - (7034) - فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ذُكِرَ لِي: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "بَيْنَا أَناَ ناَئِمٌ، رَأَيْتُ أَنَّهُ وُضِعَ في يَدَيَّ سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَفُظِعْتُهُمَا وَكَرِهْتُهُمَا، فَأُذِنَ لِي، فَنَفَخْتُهُمَا، فَطَارَا، فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ". فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيُّ الَّذِي قَتَلَهُ فَيْرُوزٌ بِالْيَمَنِ، وَالآخَرُ مُسَيْلِمَةُ. (وُضِعَ في يَدَيَّ إِسْوارَيْنِ): بهمزة مكسورة. وفي رواية: "إسواران"، ولا إشكال في هذه (¬1)، والأُولى على مذهب الكوفيين في إقامة غيرِ المفعولِ به مع وجوده، والأكثرُ في اللغة: سِوار - بغير ألف -. وحكى قُطْرُبٌ فيه: إِسْوار، وذكر: أن أَساوِرَ (¬2) جمعُ إِسْوار (¬3). (ففَظِعْتُهُما): - بفاء عطف ثم فاء مفتوحة فظاء معجمة مكسورة -؛ من فَظِعَ الأمرُ: اشتدَّ. قال بعضهم: هكذا روي متعدياً؛ حَمْلًا على المعنى؛ لأنه بمعنى: أكبَرْتُهما، وخِفْتُهما، والمعروف: فَظِعْتُ بِهِ، أو مِنْه (¬4). (أحدُهما العَنْسِيُّ): اسمه عَبْهَلَةُ بنُ كَعْبٍ. (والآخرَ مُسَيْلِمَةُ): هو لقبٌ له، واسمه ثُمامَةُ. ¬

_ (¬1) في "ج": "هذا". (¬2) في "م": "أساورة". (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1234). (¬4) المرجع السابق، الموضع نفسه.

باب: إذا رأى بقرا تنحر

باب: إذا رَأَى بَقَراً تُنْحَرُ 2931 - (7035) - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى - أُرَاهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "رَأَيْتُ في الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ، أَوْ هَجَرٌ، فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ، وَرَأَيْتُ فِيهَا بَقَراً - وَاللَّهُ خَيْرٌ - فَإِذَا هُمُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللَّهُ مِنَ الْخَيْرِ، وَثَوَابِ الصِّدْقِ الَّذِي أَتَانَا اللَّهُ بِهِ بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ". (الذي آتانا الله بعدُ يومَ بدرٍ): روايةُ الجمهور بضم دال "بَعْدُ"، على أنه غايةٌ مقطوعٌ عن الإضافة، وفتح الميم من "يومَ"، على أنه منصوب على الظرفية. وضبطه بعضهم بفتح الدال وكسر الميم، بإضافة بعدَ إلى يومِ (¬1). * * * باب: إذا رَأَى أَنَّهُ أَخْرَجَ الشَّيْءَ مِنْ كُورَةٍ فَأَسْكَنَهُ مَوْضِعَاً آَخَرَ 2932 - (7038) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي أَخِي عَبْدُ الْحَمِيدِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أِبيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "رَأَيْتُ كأَنَّ امْرَأةً سَوْداءَ ثَائِرَةَ الرَّأْسِ، ¬

_ (¬1) المرجع السابق، (3/ 1235).

باب: من كذب في حلمه

خَرَجَتْ مِنَ الْمَدِينَةِ، حَتَّى قَامَتْ بِمَهْيَعَةَ - وَهْيَ الْجُحْفَةُ -، فَأَوَّلْتُ أَنَّ وَبَاءَ الْمَدِينَةِ نُقِلَ إِلَيْهَا". (حتى قامت بمَهْيَعَةَ): بفتح الميم وسكون الهاء وفتح المثناة التحتية. وضبطها بعضهم بفتح الميم وكسر الهاء وسكون المثناة (¬1). * * * باب: مَنْ كَذَبَ في حُلُمِهِ 2933 - (7042) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ، كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ، وَلَنْ يَفْعَلَ، وَمَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ، وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، أَوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ، صُبَّ في أُذُنِهِ الآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ صَوَّرَ صُورَةً، عُذِّبِ، وَكُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ". قَالَ سُفْيَانُ: وَصَلَهُ لَنَا أَيُّوبُ. وَقَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ: قَوْلَهُ: "مَنْ كَذَبَ في رُؤْيَاهُ". وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي هَاشِمِ الرُّمَّانِيِّ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَوْلَهُ: "مَنْ صَوَّرَ، وَمَنْ تَحَلَّمَ، وَمَنِ اسْتَمَعَ". ¬

_ (¬1) المرجع السابق، (3/ 1235).

باب: من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب

(الآنُكُ): هو الرصاصُ المذابُ الأبيض، وقيل: الأسود، وقيل: الخالِصُ منه، ولم يجيء واحد على صيغة أَفْعُلٍ غيرُه، وقيل: إنما هو فاعِلٌ لا أَفْعُلٌ (¬1). (عن أبي هاشم الرمّاني): - براء مهملة وميم مشددة -، كان ينزل قصرَ الرمَّانِ بواسط. * * * 2934 - (7043) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مِنْ أَفْرَى الْفِرَى أَنْ يُرِيَ عَيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَ". (إن من أَفْرى الفِرَى): أي: أَكْذَبِ الكَذِبِ، والفِرْيَةُ: الكذبةُ العظيمةُ، وجمعها: فِرًى - مقصور -؛ كلِحْيَةٍ ولِحًى (¬2). * * * باب: من لَمْ يَرَ الرُّؤْيَا لأَوَّلِ عَابِرٍ إِذَا لَمْ يُصِبْ 2935 - (7046) - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - كَانَ يُحَدِّثُ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: إِنَّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ فِي الْمَنَامِ ظُلَّةً تَنْطُفُ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ، فَأَرَى النَّاسَ يَتكَفَّفُونَ مِنْهَا، فَالْمُسْتَكْثِرُ وَالْمُسْتَقِلُّ، وَإِذَا سَبَبٌ وَاصِلٌ مِنَ الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ، فَأَرَاكَ ¬

_ (¬1) في "ج": "فاعل لأفعل". وانظر: "التنقيح" (3/ 1235). (¬2) المرجع السابق، الموضع نفسه.

أَخَذْتَ بِهِ، فَعَلَوْتَ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ، فَعَلاَ بِهِ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ، فَعَلاَ بِهِ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ، فَانْقَطَعَ، ثُمَّ وُصِلَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! بِأَبِي أَنْتَ، وَاللَّهِ لَتَدَعَنِّي فَأَعْبُرَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اعْبُرْ". قَالَ: أَمَّا الظُّلَّةُ، فَالإِسْلاَمُ، وَأَمَّا الَّذِي يَنْطِفُ مِنَ الْعَسَلِ وَالسَّمْنِ، فَالْقُرْآنُ، حَلاَوَتُهُ تَنْطِفُ، فَالْمُسْتَكْثِرُ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْمُسْتَقِلُّ، وَأَمَّا السَّبَبُ الْوَاصِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ، فَالْحَقُّ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ، تَأْخُذُ بِهِ، فَيُعْلِيكَ اللَّهُ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ مِنْ بَعْدِكَ، فَيَعْلُو بِهِ، ثُمَّ يَأْخُذ رَجُل آخَرُ، فَيَعْلُو بِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُ رَجُلٌ آخَرُ، فَيَنْقَطِعُ بِهِ، ثُمَّ يُوَصَّلُ لَهُ، فَيَعْلُو بِهِ، فَأَخْبِرْنِي - يَا رَسُولَ اللَّهِ! بِأَبِي أَنْتَ -: أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ؟ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَصَبْتَ بَعْضاً، وَأَخْطَأْتَ بَعْضاً". قَالَ: فَوَاللَّهِ! لَتُحَدِّثَنِّي بِالَّذِي أَخْطَأْتُ، قَالَ: "لاَ تُقْسِمْ". (ظُلَّة): أي: سَحابة؛ لأنها تُظِلُّ ما تحتها. (تنطُف): - بضم الطاء وكسرها -: تَقْطُر. (تتكففون): تأخذون بأكفِّكم. (وإذا سببٌ): أي: حَبلٌ. (أصبتَ بعضاً، وأخطأتَ بعضاً): قيل: خطؤه في التعبير بحضوره عليه الصلاة والسلام. وقيل: أخطأ حيث عَبَرَ السمنَ والعسلَ بالقرآن فقط، وهما شيئان، وكان من حقه أن يعبرهما بالقرآن والسنة؛ لأنها (¬1) بيانٌ للكتاب المنزَل عليه (¬2). ¬

_ (¬1) في "م": "لأنهما". (¬2) المرجع السابق، (3/ 1236).

باب: تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح

قلت: لا يكاد يُقضى العجبُ من هؤلاء الذين تَعَرَّضوا إلى (¬1) تبيين الخطأ في هذه الواقعة مع سكوتِ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، وامتناعِه منهُ بعدَ سؤالِ أبي بكرٍ له في ذلك، فكيف لا يسعُ هؤلاء من السكوت ما وسعَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -؟ وماذا يترتبُ على ذلك من الفائدة؟ وهل ثَمَّ إلا سعيٌ في تخطئة خيرِ هذه الأمة، وإظهار خطئه بأمورٍ (¬2) لا يُقطع بصحتها؟ فالسكوتُ عن ذلك هو المتعينُ، والله تعالى أعلم. * * * باب: تَعْبِيْرِ الرُّؤْيَا بَعْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ 2936 - (7047) - حَدَّثَنِي مُؤَمَّلُ بْنُ هِشَامٍ أَبُو هِشَامٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِمَّا يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ لأَصْحَابِهِ: "هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رُؤْيَا؟ ": قَالَ: فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُصَّ، وَإِنَّهُ قَالَ ذَاتَ غَدَاةٍ: "إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي، وَإِنَّهُمَا قَالاَ لِي: انْطَلِقْ، وَإِنَّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا، وَإِنَّا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ، لِرَأْسِهِ، فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ، فَيَتَهَدْهَدُ الْحَجَرُ هَا هُنَا، فَيَتْبَعُ الْحَجَرَ فَيَأْخُذُهُ، فَلاَ يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ، فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الأُولَى، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: ¬

_ (¬1) "إلى" ليست في "ج". (¬2) في "ج": "بأمر".

سُبْحَانَ اللهِ: مَا هَذَانِ؟ قَالَ: قَالاَ لِي: انْطَلِقْ، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا، فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَإِذَا هُوَ يَأْتِي أَحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ، فَيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ - قَالَ: وَرُبَّمَا قَالَ أَبُو رَجَاءٍ: فَيَشُقُّ - قَالَ: ثُمَّ يتحَوَّلُ إِلَى الْجَانِبِ الآخَرِ، فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الأَوَّلِ، فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الْجَانِبُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ، فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الأُولَى، قَالَ: قُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ! مَا هَذَانِ؟ قَالَ: قَالاَ لِي: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقنا، فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ - قَالَ: فَأَحْسِبُ أَنَّهُ كانَ يَقُولُ: - فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ، قَالَ: فَاطَّلَعْنَا فِيهِ، فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَإِذَا أتاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ، ضَوْضَوْا، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَؤُلاَءِ؟ قَالَ: قَالاَ لِي: انْطَلِقِ، انْطَلِقْ، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا، فَأَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ - حَسِبْتُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: أَحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ - وَإِذَا في النَّهَرِ رَجُلٌ سَابِحٌ يَسْبَحُ، وَإِذَا عَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كثِيرَةً، وَإِذَا ذَلِكَ السَّابحُ يَسْبَحُ مَا يَسْبَحُ، ثُمَّ يَأْتِي ذَلِكَ الَّذِي قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ الْحِجَارَةَ، فَيَفْغَرُ لَهُ فَاهُ، فَيُلْقِمُهُ حَجَراً، فَيَنْطَلِقُ يَسْبَحُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ، كُلَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ، فَغَرَ لَهُ فَاهُ، فَأَلْقَمَهُ حَجَراً، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَانِ؟ قَالَ: قَالاَ لِي: انْطَلِقِ، انْطَلِقْ، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا، فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ كرِيهِ الْمَرْآةِ، كَأكرَهِ مَا أَنْتَ رَاءٍ رَجُلًا مَرْآةً، وَإِذَا عِنْدَهُ نَارٌ يَحُشُّهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَا؟ قَالَ: قَالاَ لِي: انْطَلِقِ، انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا، فَأتيْنَا عَلَى رَوْضَةٍ مُعْتَمَّةٍ، فِيهَا مِنْ كُلِّ نَوْرِ الرَّبِيعِ، وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَيِ الرَّوْضَةِ رَجُلٌ طَوِيلٌ، لاَ أَكَادُ أَرَى رَأْسَهُ طُولًا في السَّمَاءِ، وَإِذَا

حَوْلَ الرَّجُلِ مِنْ أَكْثَرِ وِلْدَانٍ رَأَيْتُهُمْ قَطُّ، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَا؟ مَا هَؤُلاَءِ؟ قَالَ: قَالاَ لِي: انْطَلِقِ، انْطَلِقْ، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا، فَانْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَةٍ عَظِيمَةٍ، لَمْ أَرَ رَوْضَةً قَطُّ أَعْظَمَ مِنْهَا وَلاَ أَحْسَنَ، قَالَ: قَالاَ لِي: ارْقَ فِيهَا، قَالَ: فَارْتَقَيْنَا فِيهَا، فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنِ ذَهَبٍ وَلَبِنِ فِضَّةٍ، فَأَتَيْنَا بَابَ الْمَدِينَةِ، فَاسْتَفْتَحْنَا، فَفُتِحَ لَنَا، فَدَخَلْنَاهَا، فَتَلَقَّانَا فِيهَا رِجَالٌ شَطْرٌ مِنْ خَلْقِهِمْ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ، وَشَطْرٌ كَأَقْبَحِ مَا أَنْتَ رَاءٍ، قَالَ: قَالاَ لَهُمُ: اذْهَبُوا فَقَعُوا في ذَلِكَ النَّهَرِ، قَالَ: وَإِذَا نَهَرٌ مُعْتَرِضٌ يَجْرِي كَأَنَّ مَاءَهُ الْمَحْضُ فِي الْبَيَاضِ، فَذَهَبُوا فَوَقَعُوا فِيهِ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيْنَا قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ، فَصَارُوا فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، قَالَ: قَالاَ لِي: هَذِه جَنَّةُ عَدْنٍ، وَهَذَاكَ مَنْزِلُكَ، قَالَ: فَسَمَا بَصَرِي صُعُداً، فَإِذَا قَصْرٌ مِثْلُ الرَّبَابَةِ الْبَيْضَاءِ، قَالَ: قَالاَ لي: هَذَاكَ مَنْزِلُكَ، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمَا، ذَرَانِي فَأَدْخُلَهُ، قَالاَ: أَمَّا الآنَ، فَلاَ، وَأَنْتَ دَاخِلُهُ، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: فَإِنَّي قَدْ رَأَيتُ مُنْذُ اللَّيْلَةِ عَجَباً، فَمَا هَذَا الَّذِي رَأَيْتُ؟ قَالَ: قَالاَ لِي: أَمَا إِنَّا سَنُخْبِرُكَ: أَمَّا الرَّجُلُ الأَوَّلُ الَّذِي أتيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ، فَيَرْفُضُهُ، وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ، وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرُهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ، فَيَكْذِبُ الْكَذْبَةَ تَبْلُغُ الآفَاقَ، وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ في مِثْلِ بِنَاءَ التَّنُّورِ، فَإِنهمُ الزُّناَةُ وَالزَّوَانِي، وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أتيْتَ عَلَيْهِ يَسْبَحُ في النَّهَرِ، وَيُلْقَمُ الْحَجَرَ، فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا، وَأَمَّا الرَّجُلُ الْكَرِيهُ الْمَرْآةِ، الَّذِي عِنْدَ النَّارِ يَحُشُّهَا ويسعَى حَوْلَهَا، فَإِنَّهُ مَالِكٌ خَازِنُ جَهَنَّمَ، وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِي في الرَّوْضَةِ، فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ - صلى الله عليه وسلم -،

وَأَمَّا الْوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ، فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ". قَالَ: فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَأَوْلاَدُ الْمُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَأَوْلاَدُ الْمُشْرِكينَ، وَأَمَّا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَناً، وَشَطَرٌ مِنْهُمْ قَبِيحاً، فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحاً، وَآخَرَ سَيِّئاً، تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُمْ". (كريه المَرْآة): - بفتح الميم على زنة مَفْعَلَة -؛ من رَأَى (¬1) يَرَى. (يَحُشُّها): - بحاء مضمومة وشين معجمة -؛ أي: يُوقِدُها. (على روضة مُعْتَمَّة): - بعين مهملة ساكنة ثم مثناة فوقية مفتوحة ثم ميم مشددة -، يقال: اعْتَمَّ النباتُ: إذا اكْتَمَلَ، ونخلةٌ عَميمةٌ؛ أي: طَويلةٌ، وكذلك الجاريةُ. وقال الداودي: أي: غَطَّاها الخِصْبُ والكلأ كالعِمامَةِ على الرأس. قال ابن التين (¬2): وضبطناه بكسر التاء وتخفيف الميم، وما يظهر له وجه (¬3). قلت: يلوحُ لي فيه وجهٌ مقبول، وذلك أن خضرةَ الزرع إذا اشتدَّت، وُصفت بما يقتضي السوادَ؛ كقوله تعالى: {وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} [الأعلى: 4، 5]. وقد ذهب الزجاج: إلى أن {أَحْوَى} حال من {الْمَرْعَى}، أُخِّر عن الجملة المعطوفة، وأن المراد وصفه بالسواد؛ لأجل خضرته، فكذلك تقول: وصفت ¬

_ (¬1) في "ج": "أرى". (¬2) في "ج": "ابن المنير". (¬3) انظر: "التوضيح" (32/ 265 - 266).

الروضة لشدة خضرتها بالسواد، فقيل: مُعْتِمَة، من قولك: أَعْتَمَ الليلُ: إذا أَظْلَمَ (¬1)، فتأمله. وأورده ابن بطال: "مِغَنَّة": فقط - بغين معجمة ونون -، ثم قال: قال ابن دريد: وادٍ أَغَنُّ، ومِغَنٌّ: إذا كَثُرَ شجرُه (¬2). [(من أكثرِ وِلْدانٍ رأيتُهم قَطُّ): فيه استعمال "قَطُّ" غيرَ مسبوق بنفي، وقد سبقَ نظيرُه] (¬3). * * * ¬

_ (¬1) "إذا أظلم" ليست في "ج". (¬2) انظر: "شرح ابن بطال" (9/ 564). وانظر: "التوضيح" (32/ 266). (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ج".

كتاب الفتن

كتاب الفتن

باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "سترون بعدي أمورا تنكرونها"

كِتابُ الفِتَن باب: قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "سَتَرَونَ بَعْدِي أُمُوراً تُنْكِرُونها" 2937 - (7052) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ، قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّكمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً وَأُمُوراً تُنْكِرُونَهَا". قَالُوا: فَمَا تأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ، وَسَلُوا اللَّهَ حَقَّكُمْ". (كتاب: الفتن). (سترون بعدي أَثَرة). بفتح الهمزة والثاء المثلثة، وقد سبق ضبطُه، والكلامُ على معناه. * * * 2938 - (7054) - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الْجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ، حَدَّثَنِي أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئاً يَكْرَهُهُ، فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ؟ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْراً، فَمَاتَ، إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً".

(من فارقَ الجماعةَ شبراً (¬1)، فماتَ، إلا ماتَ مِيتةً جاهليةً): - بكسر الميم -: بيانٌ لهيئة الموت، وحالتِه التي يكون عليها؛ أي: كما يموت أهلُ الجاهلية من الضلال والفرقة (¬2). فإن قلت: هذا استثناء مفرغ واقع في كلام موجب، [فما وجهه؟ قلت: لا نسلِّم أن الكلام موجبٌ] (¬3)، فإني أجعل: "مَنْ" استفهامية، والاستفهام إنكاري، فحكمُه حكمُ النفي، فكأنه يقول: ما فارقَ أحدٌ الجماعة (¬4) شبراً، فماتَ، إلا ماتَ ميتةً جاهلية (¬5). * * * 2939 - (7056) - فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا: أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، في مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، "إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْراً بَوَاحاً، عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ". (مَنْشَطنا ومَكْرَهنا): مصدران ميميان؛ أي: نشاطَتِنا وكراهَتِنا. (كُفراً بَواحاً): - بفتح الباء -؛ أي: ظاهراً يُجْهَرُ به. قال الزركشي: ويُروى بالراء، وقيل: "صُراحاً"، يريد: الذي لا يَحتمل ¬

_ (¬1) "شبراً" ليست في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1238). (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬4) في "ج": "فارق الجماعة أحد". (¬5) في "ج": "الجاهلية".

باب: ظهور الفتن

التأويل، فإذا كان كذلك، حَلَّ قتالُهم، وهو معنى قوله: "عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ" (¬1). * * * باب: ظُهُورِ الفِتَنِ 2940 - (7061) - حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَليدِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيَنْقُصُ العَمَلُ، ويُلْقَى الشُّحُّ، وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّمَ هُوَ؟ قَالَ: "الْقَتْلُ الْقَتْلُ". (يتقارَبُ الزمانُ): قيل: يعتدلُ الليلُ والنهار. وقيل: يدنو قيام الساعة. وقيل: تقصُر الأيامُ والليالي. وقيل: يتقاربُ في الشرِّ والفساد، حتى لا يبقى مَنْ يقول: الله الله (¬2). (ويُلقى الشُّحُّ): قال الحميدي: لم يضبط الرواة هذا الحرف، ويحتمل أن يكون يُلَقَّى: بتشديد القاف؛ بمعنى: يُتَلَقَّى ويُعَلَّم، ويُتواصى به، ويُدْعى إليه، من قوله تعالى: {وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} [القصص: 80]؛ أي: ما يُعَلَّمُها ويُنَبَّه عليها، ولو قيل: يُلْقَى - بتخفيف القاف -، لكان أبعدَ؛ لأنه لو أُلقي، لَتُرِكَ، ولم يكن موجوداً (¬3). ¬

_ (¬1) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬2) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬3) المرجع السابق، (3/ 1239).

باب: لا يأتي زمان إلا الذي بعده شر منه

قلت: هذا غير لازم، إذ يمكن أن يكون المراد: ويُلْقى الشحُّ في القلوب؛ أي: يُطْرَحُ فيها، فيكون الشحُّ حينئذ موجوداً لا معدوماً. (أَيُّمَ): - بهمزة مفتوحة وياء مثناة تحتية مشددة -، وهي: "أَيُّ" مضافة إلى "ما" بمعنى شيء؛ أي: أيُّ شيء هو (¬1)؟ ولكن حُذفت ألفُ "ما" تخفيفاً. وحكى الزركشي فيه تخفيفَ "أَي" أيضاً، بحذف الياء الثانية (¬2). * * * 2941 - (7062 و 7063) - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي مُوسَى، فَقَالاَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ لأَيَّاماً يَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ، وَيُرْفَعُ فِيهَا الْعِلْمُ، وَيَكْثُرُ فِيهَا الْهَرْجُ". وَالْهَرْجُ: الْقَتْلُ. (والهَرْجُ): بلسانِ الحبش: القتلُ، قال القاضي: هذا وهمٌ من بعض الرواة، فإنها عربيةٌ صحيحة (¬3). * * * باب: لاَ يَأْتِي زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ 2942 - (7068) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، قَالَ: أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنَ الْحَجَّاجِ، ¬

_ (¬1) "هو" ليست في "ج". (¬2) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 267). وانظر: "التنقيح" (3/ 1239).

باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من حمل علينا السلاح فليس منا"

فَقَالَ: اصْبِرُوا؛ فَإِنَّهُ لاَ يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ، حتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ، سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ - صلى الله عليه وسلم -. (إلا الذي بعدَه أَشَرُّ منه): استعمالُه على الأصل؛ لأنه أَفْعَلُ تفضيل، ومجَيئُه كذلك قليلٌ. ويروى: "شَرٌّ". وقد سئل الحسن البصري عنه؛ فقيل: ما بالُ زمنِ عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ بعدَ زمنِ الحجاج؟ فقال: لا بدَّ للناس من تنفيس (¬1). * * * باب: قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ حَمَلَ عَلَيْنا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا" 2943 - (7070) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ، فَلَيْسَ مِنَّا". (من حملَ علينا السلاحَ، فليس مِنّا (¬2)): إما أن يكون مستحِلاًّ لذلك، فقوله: "فليسَ مِنّا": على ظاهره؛ أي: فليسَ من المسلمين، بل هو كافرٌ بما فعلَه من استحلالِ ما هو مقطوعٌ بتحريمه (¬3)، وإما أن يكون غيرَ مستحِلٍّ، ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1239). (¬2) "منا" ليست في "ج". (¬3) في "ج": "تحريمه".

باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض"

فيكون المرادُ بقوله: "فليسَ مِنَّا": أي: ليس على طريقتنا وسيرتنا (¬1). * * * باب: قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِيَ كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ" 2944 - (7078) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، وَعَنْ رَجُلٍ آخَرَ، هُوَ أَفْضَلُ في نَفْسِي مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ: "أَلاَ تَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ "، قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقَالَ: "أَلَيْسَ بِيَوْمِ النَّحْرِ؟ "، قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ أَلَيْسَتْ بِالْبَلْدَةِ؟ "، قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، وَأَبْشَارَكُمْ، عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، في شَهْرِكُمْ هَذَا، في بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟ "، قُلْنَا: نعمْ، قَالَ: "اللَّهُمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ؛ فَإِنَّهُ رُبَّ مُبَلِّغٍ يُبَلِّغُهُ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ"، فَكَانَ كَذَلِكَ، قَالَ: "لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ". فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ حُرِّقَ ابْنُ الْحَضْرَمِيِّ، حِينَ حَرَّقَهُ جَارِيَةُ بْنُ قُدَامَةَ، قَالَ: أَشْرِفُوا عَلَى أَبِي بَكْرَةَ، فَقَالُوا: هَذَا أَبُو بَكْرَةَ يَرَاكَ. ¬

_ (¬1) في "ج": "أي: سيرتنا".

(عن عبد الرحمنِ بنِ أبي بكرةَ، وعن رجلٍ آخرَ هو أفضلُ في نفسي من عبدِ الرحمن): هو حُميدُ بنُ عبدِ الرحمنِ الحِمْيَرِيُّ. قال الزركشي: سماه أبو عامر (¬1): عن قُرَّةَ، عن (¬2) ابنِ سيرينَ، رواه مسلم (¬3). قلت: تقدم من طريق حُميدٍ هذا في كتاب: الحج (¬4). (فلما كان يومَ حُرِّقَ ابنُ الحضرمي حين حَرَّقَه جاريةُ): قال ابن الملقن: وُجد بخط الحافظ الدمياطي: الوجهُ: أُحْرِقَ، وأَحْرَقَهُ (¬5). وجاريةُ: بالجيم. * * * 2945 - (7078) / م - قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَحَدَّثَتْنِي أُمِّي، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ دَخَلُوا عَلَيَّ مَا بَهَشْتُ بِقَصَبَةٍ. (ما بَهَشْتُ بقَصَبَة): - بفتح الباء الموحدة والهاء وبالشين المعجمة من "بهشت" -؛ أي: ما مددْتُ يدي إليها، ولا تناولتُها لأدافَع بها. وقيل: معناه: ما قاتلت. وقيل: ما تحركت. ¬

_ (¬1) في "ج": "عادل". (¬2) "عن" ليست في "ج". (¬3) رواه مسلم (1679). وانظر: "التنقيح" (3/ 1240). (¬4) رواه البخاري (1741). (¬5) انظر: "التوضيح" (32/ 318).

باب: كيف الأمر إذا لم تكن جماعة؟

وقال بعضهم: البَهْشُ: المسارَعَةُ إلى أخذ الشيء (¬1). * * * باب: كَيْفَ الأَمْرُ إِذَا لَمْ تَكُنْ جَمَاعَةٌ؟ 2946 - (7084) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا الْوَليدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جَابِرٍ، حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا إِدْرِيس الْخَوْلاَنِيَّ، أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ؛ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّا كنَّا في جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: "نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ"، قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: "قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيٍ، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ"، قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: "نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا، قَذَفُوهُ فِيهَا"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! صِفْهُمْ لنَا، قَالَ: "هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا"، قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: "تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ"، قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ؟ قَالَ: "فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ، حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ". (فيه دَخَنٌ): - بفتح الدال المهملة والخاء المعجمة -؛ أي: فسادٌ واختلاف. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1240).

باب: التعرب في الفتنة

باب: التَّعَرُّبِ فِي الْفِتْنَةِ (باب: التعرب في الفتنة): التعرُّب - بالعين المهملة والراء -: هو أن يعودَ إلى البادية، ويسكنَ مع الأعراب بعد أن كان مُهاجراً، وكان من يرجعُ بعدَ الهجرة إلى موضعه من غير عذر، يعدُّونه مرتدّاً. ويروى بالعين المهملة والزاي؛ أي: يَعْزُبُ عن الجماعات والجهات بسكن البادية. ويروى بالغين المعجمة والراء (¬1). * * * باب: التَّعَوُّذِ مِنَ الفِتَنِ 2947 - (7090) - وَقَالَ عَبَّاسٌ النَّرْسِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، أَنَّ أَنَساً حَدَّثَهُمْ، أَنَّ نبَيَّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِهَذَا، وَقَالَ: كُلُّ رَجُلٍ لاَفّاً رَأْسَهُ في ثَوْبِهِ يَبْكِي. وَقَالَ: عَائِذاً بِاللَّهِ مِن سُوءِ الْفِتَنِ، أَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سُوءِ الفِتَنِ. (عائذاً بالله) بالنصب على الحال، أو المصدر (¬2). ويروى بالرفع، وهو ظاهر؛ أي: أنا عائذٌ بالله (¬3). * * * ¬

_ (¬1) المرجع السابق، (3/ 1241). (¬2) في "ج": "الحال والمصدر". (¬3) المرجع السابق، الموضع نفسه.

باب: الفتنة التي تموج كموج البحر

باب: الْفِتْنَةِ الَّتِي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ خَلَفِ بْنِ حَوْشَبٍ: كانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَتَمَثَّلُوا بِهَذِهِ الأَبْيَاتِ عِنْدَ الْفِتَنِ، قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ: الْحَرْبُ أَوَّلُ مَا تَكُونُ فَتِيَّةً ... تَسْعَى بِزيْنَتِهَا لِكُلِّ جَهُولِ حَتَّى إِذَا اشْتَعَلَتْ وَشَبَّ ضِرَامُهَا ... وَلَّتْ عَجُوزًا غَيْرَ ذَاتِ حَلِيلِ شَمْطَاءَ يُنْكَرُ لَوْنُهَا وَتَغَيَّرَتْ ... مَكْرُوهَةً لِلشَّمِّ وَالتَّقْبِيلِ (الحربُ أولُ ما تكون فُتية): يروى (¬1) بضم الفاء على التصغير؛ أي: شابة. ويروى بفتح الفاء وكسر المثناة الفوقية. ويجوز فيه أربعة أوجه: الأول: رفعُ "أول"، ونصب "فتية"، مثل: زيدٌ أخطبُ ما يكونُ يومَ الجمعة، فـ "الحربُ" مبتدأ أول. وقوله: "أولُ ما تكونُ": مبتدأ ثانٍ، و"فتيةً": حالٌ سادةٌ مسدَّ خبرِ (¬2) المبتدأ الثاني، والجملة المركبة من المبتدأ الثاني وخبره: خبر عن المبتدأ الأول، والمعنى: الحربُ أولُ (¬3) أكوانها إذاً، أو إذا (¬4) كانت فتية. الثاني: نصبُ "أولَ"، ورفعُ "فتيةٌ"، عكس الأول، وجهُه ظاهر، وهو: ¬

_ (¬1) في "ج": "ويروى". (¬2) في "ج": "سادة مبتدأ الخبر". (¬3) في "ج": "الأول". (¬4) في "ج": "إذاً وإذا". وفي "التنقيح": "الحرب أول أحوالها إذا كانت فتية".

أن تكون "الحربُ" مبتدأ، و"فتيةٌ" خبره (¬1)، و"أولَ ما تكون": ظرف عاملُه الخبر. الثالث: رفعُهما جميعاً على أن "الحربُ": مبتدأ، و"أولُ": بدل منه، و"فتيةٌ": خبر، أو "أولُ": مبتدأ ثانٍ، و"فتيةٌ": خبره، وأنث الخبر مع أن المبتدأ الذي هو "أولُ" مذكر؛ لأنَّه مضاف إلى الأكوان المراد بها الحالات. الرابع: نصبُهما جميعاً على أن "أولَ": ظرفٌ، وهو (¬2) خبر المبتدأ الذي هو "الحربُ"، و"فتيةً": منصوب على الحال من الضمير المستكن في الظرف المستقر؛ أي: الحربُ موجودةٌ في أول أكوانها على هذه الحالة (¬3). (تسعى بزينتها لكلِّ جهول): كذا وقع في البخاري. ورواه سيبويه: "بِبِزَّتِهَا" (¬4). (حتى إذا اشتعلتْ): الظاهر فيه أنَّ: "إذا" شرطية، وجوابها محذوف، وجُوِّزَ فيها أن تكون لمجرد الظرفية. (وشُبَّ ضِرامُها): - بضم الشين المعجمة -، يقال: شببتُ (¬5) النارَ: إذا أوقدتها. (ولَّت عجوزاً غيرَ ذاتِ حليل): يروى بالخاء المعجمة والحاء المهملة. ¬

_ (¬1) في "ج": "خبره خبر عن المبتدأ الأول". (¬2) في "ج": "هو". (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1242). (¬4) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬5) في "م": "شبت".

باب

(شمطاءَ): بالنصب على أنها نعتٌ لعجوز، و (¬1) الشَّمَطُ: اختلاطُ سوادِ شعرِ الرأس ببياضه. وقال الداودي: يعني: كثرة الشيب (¬2). (يُنكر لونُها): أي (¬3): تبدلت بحسنها قبحاً. (مكروهةً للشمِّ والتقبيل): أي: لأنها في هذه الحالة مَظِنَّةٌ للبخر، أو تغير (¬4) الرائحة الطيبة. وهذه الأبيات لعمرو (¬5) بن معد يكرب. * * * باب 2948 - (7099) - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: لَقَدْ نَفَعَنِي اللَّهُ بِكَلِمَةٍ أيَّامَ الْجَمَلِ، لَمَّا بَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ فَارِساً مَلَّكُوا ابْنَةَ كِسْرَى، قَالَ: "لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً". (لن يفلحَ قومٌ وَلَّوا أمرَهم امرأةً): فيه دليل على منعِ تولية المرأة للقضاء (¬6). ¬

_ (¬1) في "م": "أو". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1242). (¬3) "أي" ليست في "ج". (¬4) في "م": "تخير". (¬5) في "ج": "لعمر". (¬6) انظر: "التوضيح" (32/ 377).

باب: إذا أنزل الله بقوم عذابا

وقال أبو حنيفة: تقضي فيما يجوزُ فيه شهادتُهن. * * * 2949 - (7100) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا أبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَصِينٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مَرْيَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ الأَسَدِيُّ، قَالَ: لَمَّا سَارَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعَائِشَةُ إِلَى الْبَصْرَةِ، بَعَثَ عَلِيٌّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ وَحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، فَقَدِمَا عَلَيْنَا الْكُوفَةَ، فَصَعِدَا الْمِنْبَرَ، فَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيًّ فَوْقَ الْمِنْبَرِ فِي أَعْلاَهُ، وَقَامَ عَمَّارٌ أَسْفَلَ مِنَ الْحَسَنِ، فَاجْتَمَعْنَا إِلَيْهِ، فَسَمِعْتُ عَمَّاراً يَقُولُ: إِنَّ عَائِشَةَ قَدْ سَارَتْ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَوَاللَّهِ! إِنَّهَا لَزَوْجَةُ نبِيِّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - ابْتَلاَكُمْ؛ لِيَعْلَمَ إِيَّاه تُطِيعُونَ، أَمْ هِيَ؟ (ليعلم إياه تطيعون، أم هي؟): فيه نظرٌ من حيث إن "أم" فيه متصلةٌ، فقضيةُ المعادلة بين المتعاطفين بها أن يُقال: أم (¬1) أياها. * * * باب: إذا أَنْزَلَ اللهُ بِقَوْمٍ عَذَاباً 2950 - (7108) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِقَوْمٍ عَذَابًا، أَصَابَ الْعَذَابُ مَنْ كَانَ فِيهِمْ، ثُمَّ بُعِثُوا عَلَى أَعْمَالِهِمْ". ¬

_ (¬1) في "ج": "أن".

باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للحسن بن علي: "إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين"

(إذا (¬1) أنزل الله بقومٍ عذاباً، أصابَ العذابُ مَنْ كان فيهم (¬2)، ثمَّ بعثوا على أعمالهم): قيل: هذا بَيَّنَ (¬3) حديثَ زينَب: أَنَهْلِكُ وَفينا الصالحون؟ قال: "نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الخَبَثُ" (¬4)، فيكون إهلاكُ جميع الناس عند ظُهور المنكر، وفُشُوِّ المعاصي، ودلَّ قوله: "ثُمَّ بُعِثُوا عَلَى أَعْمَالِهِمْ": أن ذلك الهلاكَ العامَّ يكونُ طُهْرَةً لأهلِ الخير، ونِقْمَةً على أهل الشرِّ (¬5). * * * باب: قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: "إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ" 2951 - (7109) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ أَبُو مُوسَى، وَلَقِيتُهُ بِالْكُوفَةِ جَاءَ إِلَى ابْنِ شُبْرُمَةَ، فَقَالَ: أَدْخِلْنِي عَلَى عِيسَى فَأَعِظَهُ، فَكَأَنَّ ابْنَ شُبْرُمَةَ خَافَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَفْعَلْ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: لَمَّا سَارَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالْكَتَائِبِ، قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِمُعَاوِيَةَ: أَرَى كَتِيبَةً لاَ تُوَلِّي حَتَّى تُدْبِرَ أُخْرَاهَا، قَالَ مُعَاوِيَةُ: مَنْ لِذَرَارِيِّ الْمُسْلِمِينَ؟ فَقَالَ: أَناَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ: نلقَاهُ فَنَقُولُ لَهُ الصُّلْحَ، قَالَ الْحَسَنُ: وَلَقَدْ ¬

_ (¬1) "إذا" ليست في "ج". (¬2) في "م": "العذاب من نظر فيه". (¬3) في "ج": "من". (¬4) رواه البخاري (3346). (¬5) انظر: "التوضيح" (32/ 378)، و"التنقيح" (3/ 1243).

باب: إذا قال عند قوم شيئا ثم خرج فقال بخلافه

سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ، جَاءَ الْحَسَنُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ". (حتى تُدْبِرَ أُخراها): تُدْبِر: فعل مضارع مبني للفاعل، من الإدبار؛ أي: حتى تجعل أُخراها (¬1) مَنْ تقدَّمها (¬2) دُبُراً لها؛ أي: تَخْلُفها (¬3) وتقومُ مَقامَها (¬4). * * * باب: إِذَا قَالَ عِنْدَ قَوْمٍ شيْئًا ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ بِخِلاَفِهِ 2952 - (7111) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ ناَفِعٍ، قَالَ: لَمَّا خَلَعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوَيةَ، جَمَعَ ابْنُ عُمَرَ حَشَمَهُ وَوَلَدَهُ، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقُولُ: "يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". وَإِنَّا قَدْ بَايَعْنَا هَذَا الرَّجُلَ عَلَى بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنِّي لاَ أَعْلَمُ غَدْراً أَعْظَمَ مِنْ أَنْ يُبَايَعَ رَجُلٌ عَلَى بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولهِ ثُمَّ يُنْصَبُ لَهُ الْقِتَالُ، وَإِنِّي لاَ أَعْلَمُ أَحَداً مِنْكُمْ خَلَعَهُ، وَلاَ بَايَعَ في هَذَا الأَمْرِ، إِلَّا كانَتِ الْفَيْصَلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ. (جمع ابنُ عمرَ حَشَمَهُ): - بفتح الحاء المهملة والشين المعجمة -؛ أي: ¬

_ (¬1) في "ج": "آخرها". (¬2) في "ج": "متقدمها". (¬3) في "ج": "أخلفها". (¬4) انظر: "التنقيح" (3/ 1243).

باب: تغيير الزمان حتى تعبد الأوثان

جماعته الملازِمين (¬1) لخدمته. (على بيع الله ورسوله): أي: بَيْعَةِ الله، وشرطِه. (إلا كانت الفَيْصَلَ): أي: القطيعةَ (¬2) العامةَ. * * * باب: تَغْييرِ الزَّمَانِ حتى تُعْبَدَ الأوثانُ 2953 - (7116) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: أَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ عَلَى ذِي الْخَلَصَةِ". وَذُو الْخَلَصَةَ: طَاغِيَةُ دَوْسٍ الَّتِي كَانوُا يَعْبُدُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. (حتى تضطربَ أَلَيات نساءِ دَوْسٍ على ذي الخَلَصَة): أَلَيَات: - بفتح الهمزة واللام (¬3) -، وهذا (¬4) إخبارٌ منه - عليه السلام - بما يكون في آخرِ الزمان، يريد: أن نساءَ دَوْسٍ يركبن الدوابَّ إلى هذه الطاغيةِ من البلدان، فهو اضطرابُ ألياتهنَّ (¬5). * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "أي: جماعة ملازمين". (¬2) في "ج": "قطيعة". (¬3) في "ج": "والهاء". (¬4) "وهذا" ليست في "ج". (¬5) انظر: "التنقيح" (3/ 1243).

باب: خروج النار

باب: خُرُوجِ النَّارِ 2954 - (7118) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: أَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ، تُضِيءُ أَعْنَاقَ الإبِلِ بِبُصْرَى". (نارٌ من أرض الحجاز تضيء أعناقَ الإبل ببصرى): تُضِيء (¬1): مضارع أَضَاءَ، وهو هنا متعدٍّ، فأعناقَ: منصوبٌ على المفعولية. * * * 2955 - (7119) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِيُّ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ ابْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَدِّهِ حَفْصِ ابْنِ عَاصمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يُوشِكُ الْفُرَاتُ أَنْ يَحْسِرَ عَنْ كَنْزٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَمَنْ حَضَرَهُ، فَلاَ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئاً". (أن يَحْسِر): - بكسر السين المهملة -؛ أي: يَكْشِف. * * * باب: ذِكرِ الدَّجَّالِ 2956 - (7123) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، - أُرَاهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "أَعْوَرُ عَيْنِ الْيُمْنَى، كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ" (¬2). ¬

_ (¬1) في "ج": "أي: تضيء". (¬2) هذا الحديث ساقط من اليونينية ثابت في رواية الحموي والكشميهني.

(أعورُ عينِ اليمنى): إما من إضافة الموصوف إلى الصفة، على رأي الكوفيين، أو مؤولٌ (¬1) على الحذف؛ أي: أعورُ عينِ الجبهةِ اليمنى. * * * 2957 - (7131) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا بُعِثَ نبَيٌّ إِلَّا أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الأَعْوَرَ الْكَذَّابَ، أَلاَ إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبكُّمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ: كَافِرٌ". فِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (وإن بين عينيه مكتوب: كافرٌ): اسمُ "إن" على هذه الرواية محذوف، وهو ضميرُ نصب، إما ضمير الشأن، أو عائدٌ (¬2) على الدجال، و"بين عينيه مكتوب": جملة هي الخبر (¬3)، وكافرٌ: خبر مبتدأ محذوف؛ أي: بين عينيه شيء مكتوبٌ، وذلك الشيء هو كلمةُ كافر. ويروى: "مكتوباً": بالنصب، فالظاهر جعلُه اسمَ "إن"، و"كافر" على ما سبق، ولا يحتاج مع هذا إلى أن ترتكب حذفَ اسم "إن" مع كونه ضميراً (¬4)، فإنه قليلٌ، أو ضعيف (¬5). * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "تأول". (¬2) في "ج": "عائداً". (¬3) في "ج": "والخبر". (¬4) في "ج": "ضمير". (¬5) انظر: "التنقيح" (3/ 1245).

باب: لا يدخل الدجال المدينة

باب: لا يَدْخُلُ الدَّجَّالُ المَدِينَةَ 2958 - (7132) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْماً حَدِيثاً طَوِيلًا عَنِ الدَّجَّالِ، فكَانَ فِيمَا يُحَدِّثُنَا بِهِ: أَنَّهُ قَالَ: "يَأْتِي الدَّجَّالُ، - وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ الْمَدِينَةِ - فَيَنْزِلُ بَعْضَ السِّبَاخِ الَّتِي تَلِي الْمَدِينَةَ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ، وَهْوَ خَيْرُ النَّاسِ، أَوْ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ، فَيقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثَهُ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ثمَّ أَحْيَيْتُهُ، هَلْ تَشُكُّونَ في الأَمْرِ؟ فَيَقُولُونَ: لاَ، فَيقْتُلُهُ، ثُمَّ يُحْيِيهِ، فَيَقُولُ: وَاللهِ! مَا كُنْتُ فِيكَ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي الْيَوْمَ، فَيُرِيدُ الدَّجَّالُ أَنْ يَقْتُلَهُ، فَلاَ يُسَلَّطُ عَلَيْهِ". (وهو محرَّمٌ عليه أن يدخل نِقابَ المدينة): نِقاب: جمع نَقْب - بسكون القاف -، مثل: حَبْل وحِبال، وكَلْب وكِلاب. قال الخطابي: وقد يُسأل عن هذا، فيقال: كيف يجوز أن يُجري الله - عز وجل - آياتِه على أيدي أعدائه؟ وإحياءُ الموتى آيةٌ عظيمة، فكيف مَكَّنَ منه الدجَّالَ، وهو كذابٌ مُفْتَرٍ على الله تعالى؟!! والجواب: أنه جائز على جهةِ المِحْنَةِ لعباده، إذا كان معه ما يدلُّ على أنه مُبْطِلٌ غيرُ مُحِقٍّ في دعواه، وهو أنه أعورُ، مكتوبٌ على جبهته: كافرٌ، يراه كل مسلم، فدعواه داحضةٌ (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: "فتح الباري" (13/ 103).

باب: يأجوج ومأجوج

قلت: السؤال ساقط (¬1)، وجوابه كذلك. أما السؤال؛ فلأن الدجال لم يدَّعِ النبوةَ، ولا حامَ حولَ (¬2) حِماها، حتى تكونَ تلك الآيةُ دليلًا على صدقه، وإنما ادَّعى الأُلوهية، وإثباتُها لمن هو متسم، بسماتِ (¬3) الحَدَث، وهو من جملةِ المخلوقين، لا يمكن، ولو أقامَ ما لا يُحْصَر من الآيات؛ إذْ حدوثُه قاطعٌ ببطلانِ أُلوهيته، فما تُغنيه الآياتُ والخوارقُ. وأما الجواب: فلأنه جعلَ المبطلَ لدعواه كونَه أعورَ مكتوباً بين عينيه: كافر، ونحن نقول ببطلان دعواه مطلقاً، سواءٌ كان هذا معه، أو لم يكن؛ لما قررناه. * * * باب: يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ (باب: يأجوجَ ومأجوجَ): ذكر فيه حديث (¬4): "ويلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ"، وإسناده من أَطولِ إسنادٍ في "الصحيح"، وفيه روايةُ أربعةٍ من الصحابة، بعضهم عن بعض (¬5). * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "صادق ساقط". (¬2) "حول" ليست في "ج". (¬3) في "ج": "سمات". (¬4) "حديث" ليست في "ج". (¬5) انظر: "التنقيح" (3/ 1246).

كتاب الأحكام

كتاب الأحكام

باب: قوله تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} [النساء: 59]

كتاب الأحكام باب: قَوْلهِ تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] 2959 - (7137) - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ أَطَاعَنِي، فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَانِي، فَقَدْ عَصى اللَّهَ، وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي، فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي، فَقَدْ عَصَانِي". (كتاب: الأحكام). (ومن أطاع أميري (¬1)، فقد أطاعني): قيل: كانت قريش، ومن يليها من العرب لا يعرفون الإمارة، فكانوا يمتنعون على الأمراء، فقال - عليه السلام - هذا القول، يحثُّهم على طاعتهم، والانقيادِ لهم فيما يأمرون به من المعروف، وأن لا يخرجوا عليهم خشيةً من افتراق الكلمة (¬2). ¬

_ (¬1) في "ج": "أمري". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1247).

باب: السمع والطاعة للإمام، ما لم تكن معصية

باب: السَّمْعِ والطَّاعَةِ للإمَامِ، مَا لَمْ تكُنْ مَعْصِيَةٌ 29620 - (7142) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَإِنِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ، كأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ". (اسمعوا وأطيعوا، وإن وُلِّيَ (¬1) عليكم عبدٌ حبشيٌّ): قيل: هو على المبالغة، فإن الحبشة لا تُوَلَّى الخلافة. وقيل: بل على الحقيقة في الإمارة والعمالة دونَ الخلافة. (كأن رأسه زبيبة): رؤوس الحبش توصف بالصِّغَر، وذلك يقتضي نوعاً من الحقارة، فهذا حَضٌّ على طاعتهم مع حقارتهم (¬2). * * * 2961 - (7145) - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَرِيَّةً، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: أليْسَ قَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُطِيعُونِي؟ قَالُوا: بَلَى، قالَ: عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ لَمَا جَمَعْتُمْ حَطَباً، وَأَوْقَدْتُمْ نَاراً، ثُمَّ دَخَلْتُمْ فِيهَا. فَجَمَعُوا حَطَباً، فَأَوْقَدُوا، فَلَمَّا هَمُّوا بِالدُّخُولِ، فَقَامَ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا تَبِعْنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِرَاراً مِنَ النَّارِ؟! ¬

_ (¬1) نص البخاري: "استُعمل". (¬2) المرجع السابق، الموضع نفسه.

أَفَنَدْخُلُهَا؟! فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذْ خَمَدَتِ النَّارُ، وَسَكَنَ غَضَبُهُ، فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "لَوْ دَخَلُوهَا، مَا خَرَجُوا مِنْهَا أَبَداً، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ". (عن عليٍّ، قال: بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - سريةً، وأَمَّرَ عليهم رجلًا من الأنصار): قال الزركشي: هذا غلطٌ من الراوي عن عليًّ أو مَنْ دونَه؛ لأنه عبدُ الله بنُ حُذافة (¬1). [قلت: وجهُ الغلط: أن عبدَ الله بنَ حذافة] (¬2) سهميٌّ، فكيف يكون من الأنصار؟ [ويمكن دفع هذا الغلط: بأنَّه من الأنصار] (¬3) بالمحالَفَة، نصَّ عليه في "الإفهام". (وأوقدتم ناراً، ثمَّ دخلتم فيها): قيل: إنما أمرهم بدخول النار ليختبرَ حالَهم في الطاعة، أو فعلَ ذلك إشارةً إلى أن مخالفتي توجبُ دخولَ النار، وإذا شقَّ عليكم دخولُ هذه النار، فكيف تصبرون على النار الكبرى، ولو رأى منهم الجِدَّ في وُلوجِها، منعهم؟! (¬4) (لو دخلوها، ما خرجوا منها أبداً): أي: لأنهم قد علموا أن الطاعة لا تكون في معصية. فإن قلت: لكن يشكل التأبيدُ. ¬

_ (¬1) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬4) المرجع السابق، الموضع نفسه.

باب: ما يكره من الحرص على الإمارة

قلت: يُحمل (¬1) على طول الإقامة، لا على البقاء الممتدَّ دائماً من غير انقطاع؛ جمعاً بين الأدلة. * * * باب: ما يُكْرَه من الحِرْصِ عَلَى الإمَارَةِ 2962 - (7148) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الإِمَارَةِ، وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَنِعْمَ الْمُرْضِعَةُ، وَبِئْسَتِ الْفَاطِمَةُ". (فنِعْمَ المرضعةُ، وبئستِ الفاطمةُ): شُبِّهَ على سبيلِ الاستعارة، ما يحصُل من نفعِ الولايةِ الدارِّ، حالةَ ملابَسَتِها بالرَّضاع، وشُبَّه بالفطام انقطاعُ ذلك عنها، عندَ الانفصال عنها، إما بموتٍ، أو غيره، فالاستعارة في المرضعة والفاطمة تَبَعِيَّةٌ. فإن قلتَ: هل من لطيفةٍ تُتَلَمَّحُ في تركِ التاء من فعل المدح، وإثباتها مع فعل الذم؟ قلت: إرضاعُها هو أحبُّ حالَتَيْها إلى النفس، وفِطامُها أَشَقُّ الحالتين على النفس، والتأنيثُ أخفضُ حالتي الفعل، وتركُه أشرفُ حالتيه، إذ هي حالة التذكير، وهو أشرفُ من التأنيث، فآثر استعمالَ أشرفِ حالتي الفعل مع الحالة المحبوبة، التي هي أشرفُ حالتي الولاية، واستعملَ الحالة الأخرى، وهي التأنيثُ، مع الحالة الشاقَّة على النفس، وهي حالةُ الفطام ¬

_ (¬1) في "ج": "يحتمل".

باب: من استرعى رعية فلم ينصح

عن الولاية؛ لمكان (¬1) المناسبة في المحلَّين، فهذا أمر قد يُتخيل في هذا المقام، فتأملْه. * * * باب: مَنِ اسْتَرْعَى رَعِيَّةً فَلَمْ يَنْصَحْ 2963 - (7150) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ عَادَ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ في مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ لَهُ مَعْقِلٌ: إِنِّي مُحَدِّثُكَ حَدِيثاً سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً، فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ، إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ". (فلم يَحُطْها بنصيحة): أي: لم يَكْلأَها ولم يَرْعَها. * * * باب: مَنْ شَاقَّ شَقَّ اللهُ عَلَيْهِ 2964 - (7152) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنِ طَرِيفٍ أَبِي تَمِيمَةَ، قَالَ: شَهِدْتُ صَفْوَانَ وَجُنْدَباً وَأَصْحَابَهُ وَهْوَ يُوصِيهِمْ، فَقَالُوا: هَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - شَيْئاً؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "مَنْ سَمَّعَ، سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ: وَمَنْ يُشَاقِقْ يَشْقُقِ اللَّهُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". ¬

_ (¬1) "لمكان" ليست في "ج".

فَقَالُوا: أَوْصِنَا. فَقَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَا يُنْتِنُ مِنَ الإنْسَانِ بَطْنُهُ، فَمَنِ استَطَاعَ أَنْ لاَ يَأْكُلَ إِلَّا طَيِّباً، فَلْيَفْعَلْ، وَمَنِ استَطَاعَ أَنْ لاَ يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ بِمِلْءِ كَفِّهِ مِنْ دَمٍ أَهْرَاقَهُ، فَلْيَفْعَلْ. قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: مَنْ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، جُنْدَبٌ؟ قَالَ: نَعَمْ جُنْدَبٌ. (إن أولَ ما يُنتن): بضم أوله. قال السفاقسي: كذا رويناه (¬1). وفي "الصحاح": نَتَنَ الشيءُ، وأَنْتَنَ؛ بمعنى (¬2)، فهو مُنْتِنٌ، ومِنْتِنٌ: - كُسرت الميم إتباعاً لكسرة التاء -، والنَّتْنُ: الرائحة الكريهة (¬3). (ومن استطاع أن لا يُحال (¬4) بينه وبين الجنة): ببناء "يُحال" للمفعول (¬5). (بملء كفه): هكذا بالباء الجارة، وهي للسببية، والمعنى معها ظاهر. ويروى: "ملء كف" - بدون حرف جر -، وبرفع "مَلْءُ" على أنه فاعل بفعل محذوف دلَّ عليه المتقدم؛ أي: يحولُ بينه وبين الجنة مَلْءُ كفه، وهو مثلُ قوله: لِيُبْكَ يَزِيدٌ ضارِعٌ لِخُصُومَةٍ ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (32/ 435). (¬2) "بمعنى" ليست في "ج". (¬3) انظر: "الصحاح" (6/ 2210)، (مادة: نتن). (¬4) في "ج": "يحول". (¬5) في "ج": "يبنى بحال المفعول".

باب: القضاء والفتيا في الطريق

على رواية من رَوى: لِيُبْكَ: مبنياً (¬1) للمفعول (¬2). (من دمٍ أَهراقه): بهمزة قطع مفتوحة. وفي رواية أبي ذر: "هَرَاقَهُ"، بترك الهمزة (¬3). * * * باب: القَضَاءِ والفُتْيا في الطَّريقِ 2965 - (7153) - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِم بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، حَدَّثَنَا أَنسُ بْنُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: بَيْنَمَا أَناَ وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خارِجَانِ مِنَ الْمَسْجدِ، فَلَقِيَنَا رَجُلٌ عِنْدَ سُدَّةِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ ". فَكَأَنَّ الرَّجُلَ اسْتَكَانَ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَبِيرَ صِيَامٍ وَلاَ صَلاَةٍ وَلاَ صَدَقَةٍ، وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ: "أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ". (عندَ سُدَّةِ المسجدِ): هي الظُّلَّةُ تُجعل على الباب، لتقيَه من المطر، وقيل: هي البابُ نفسُه، وقيل: الساحةُ بينَ يديه (¬4). (فكانَّ الرجلَ استكانَ): اختُلف فيه: فقال بعضهم: إنه افْتَعَلَ من السُّكون، فتكون ألفُه خارجة عن القياس. ¬

_ (¬1) في "ج": "مبني". (¬2) انظر: "مغني اللبيب" لابن هشام (1/ 807). (¬3) انظر: "التوضيح" (32/ 463). (¬4) انظر: "التنقيح" (3/ 1248).

باب: ما ذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن له بواب

وقيل: إنه استَفْعَل من الكَوْن؛ أي: انتقلَ من كَوْنٍ إلى كونٍ، كما قالوا: استحالَ: إذا انتقل من حالٍ إلى حالٍ، وقوةُ المعنى تؤيدُ الأول؛ إذ الاستكانَةُ: هي الخضوعُ والانقيادُ، وهو يناسب السكونَ، والخروجُ من (¬1) القياس يُضعفه، والقياسُ يؤيدُ الثانيَ، وقوةُ المعنى تُضعفه، إذ ليس بينهما - أعني: المشتقَّ والمشتقَّ منه - مناسبة ظاهرة، فيحتاج في إثباتها إلى تكلُّف. وقيل: هو مشتق من الكَيْنِ، وهو لحمُ باطنِ الفرج، إذ هو في أذلِّ المواضع، أي: صارَ مثلَه في الذلِّ. وقيل: جاء كانَ، يكينُ؛ بمعنى: خضعَ وذَلَّ. والوجهُ بناءً على هذا هو الثاني، إذ لا يلزم الخروجُ عن القياس، ولا عدمُ المناسبة، ولو كانت هذه اللغة مشهورة، لكان أحسن الوجوه. * * * باب: ما ذُكِرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لم يَكُنْ لَه بَوَّابٌ 2966 - (7154) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا ثَابِث الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، يَقُولُ لاِمْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِهِ: تَعْرِفِينَ فُلاَنَةَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِهَا وَهْيَ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقَالَ: "اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي"، فَقَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي، فَإِنَّكَ خِلْوٌ مِنْ مُصِيبَتِي. قَالَ: فَجَاوَزَهَا وَمَضَى، فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ، فَقَالَ: مَا قَالَ لَكِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَتْ: مَا عَرَفْتُهُ، قَالَ: إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: فَجَاءَتْ إِلَى بَابِهِ، فَلَمْ تَجِدْ عَلَيْهِ ¬

_ (¬1) في "ج": "في".

باب: الحاكم يحكم بالقتل على من وجب عليه دون الإمام الذي فوقه

بَوَّاباً، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَاللَّهِ! مَا عَرَفْتُكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الصَّبْرَ عِنْدَ أَوَّلِ صَدْمَةٍ". (فإنك خِلْوٌ): - بكسر الخاء المعجمة -؛ أي: خالٍ. (عندَ أولِ صدمةٍ): أي: عند قوةِ المصيبة وشِدَّتها (¬1). * * * باب: الحَاكِمِ يَحْكُمُ بالقَتْلِ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيه دُونَ الإِمَامِ الَّذِي فَوْقَه 2967 - (7155) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الذُّهْلِيُّ، حَدَّثَنَا الأَنْصَارِيُّ مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ: كَانَ يَكُونُ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الشُّرَطِ مِنَ الأَمِيرِ. (بمنزلة صاحب الشُّرَط): - بضم الشين المعجمة وفتح الراء -: جمع شُرْطَة: - بضم الشين وسكون الراء -، وهو الذي يتصرَّفُ من الجند فيما يأمرُ به السلطان. وفي "الصحاح": أشرطَ فلانٌ بنفسِه لأمر كذا؛ أي: أَعْلَمَها له. قال الأصمعي: ومنه سُمِّي الشُّرَط؛ لأنهم جعلوا لأنفسهم علامةً يُعرفون بها، الواحدُ: شُرْطَةٌ، وشُرْطِيٌّ. وقال أبو عُبيد: سُمُّوا شُرَطاً؛ لأنهم أُعِدُّوا (¬2). ¬

_ (¬1) "وشدتها" ليست في "ج". (¬2) انظر: "الصحاح" (3/ 1136)، (مادة: شرط).

باب: الشهادة على الخط المختوم، وما يجوز من ذلك، وما يضيق عليهم، وكتاب الحاكم إلى عامله، والقاضي إلى القاضي

باب: الشَّهَادَةِ عَلَى الخَطِّ الْمَخْتُومِ، وَمَا يَجُوزُ مِنْ ذَلِكَ، وَمَا يَضِيقُ عَلَيْهِمْ، وَكتَابِ الْحَاكِمِ إِلَى عَامِلهِ، وَالْقَاضِي إِلَى الْقَاضِي وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: كِتَابُ الْحَاكِم جَائِزٌ إِلَّا في الْحُدُودِ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً، فَهْوَ جَائِزٌ؛ لأَنَّ هَذَا مَالٌ بِزَعْمِهِ، وَإِنَّمَا صَارَ مَالًا بَعْدَ أَنْ ثَبَتَ الْقَتْلُ، فَالْخَطَأُ وَالْعَمْدُ وَاحِدٌ. وَقَدْ كتَبَ عُمَرُ إِلَى عَامِلِهِ في الحُدُودِ. وَكتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ في سِنٍّ كُسِرَتْ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: كتَابُ الْقَاضِي إِلَى الْقَاضِي جَائِزٌ إِذَا عَرَفَ الْكِتَابَ وَالْخَاتَمَ. وَكَانَ الشَّعْبِيُّ يُجِيزُ الْكِتَابَ الْمَخْتُومَ بِمَا فِيهِ مِنَ الْقَاضِي. وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوُهُ. وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ الثَّقَفِي: شَهِدْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ يَعْلَى قَاضِيَ الْبَصْرَةِ، وَإيَاسَ بْنَ مُعَاوِيةَ، وَالْحَسَنَ، وَثُمَامَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ، وَبِلاَلَ بْنَ أَبِي بُرْدَةَ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيَّ، وَعَامِرَ بْنَ عَبَدَةَ، وَعَبَّادَ ابْنَ مَنْصُورٍ، يُجِيزُونَ كُتُبَ الْقُضَاةِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنَ الشُّهُودِ، فَإِنْ قَالَ الَّذِي جِيءَ عَلَيْهِ بِالْكِتَابِ: إِنَّهُ زُورٌ، قِيلَ لَهُ: اذْهَبْ فَالْتَمِسِ الْمَخْرَجَ مِنْ ذَلِكَ. (وعامر بن عبدة): - بفتح الباء -، وقيل: - بسكونها -، حكاه ابن ماكولا (¬1). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1249).

باب: متى يستوجب الرجل القضاء؟

باب: مَتَى يَسْتَوْجِبُ الرَّجُلُ الْقَضَاءَ؟ وَقَالَ الْحَسَنُ: أَخَذَ اللَّهُ عَلَى الْحُكَّامِ أَنْ لاَ يَتَّبِعُوا الْهَوَى، وَلاَ يَخْشَوُا النَّاسَ، {وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا}، ثمَّ قَرَأَ: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: 26]. وَقَرَأَ: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44]. وَقَرَأَ: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 78، 79]. فَحَمِدَ سُلَيْمَانَ وَلَم يَلُمْ داوُدَ، وَلَوْلاَ مَا ذَكَرَ اللهُ مِنْ أَمْرِ هَذَيْنِ، لَرَأَيْتُ أَنَّ الْقُضَاةَ هَلَكُوا، فَإِنَّهُ أَثْنَى عَلَى هَذَا بِعِلْمِهِ، وَعَذَرَ هَذَا بِاجْتِهَادِهِ. وَقَالَ مُزَاحِمُ بْنُ زُفَرَ: قَالَ لَنَا عُمَرُ بنُ عَبدِ الْعَزِيزِ: خَمْسٌ إِذَا أَخْطَأَ الْقَاضِي مِنهُنَّ خَصْلَةً، كانَتْ فِيهِ وَصْمَةٌ: أَنْ يَكُونَ فَهِماً، حَلِيماً، عَفِيفاً، صَلِيباً، عَالِماً سَؤُولًا عَنِ الْعِلْمِ. (كانت فيه وَصْمَةٌ): بفتح الواو وإسكان الصاد المهملة، على وزن تَمْرَة؛ أي: عيب، ويروى: "خُطَّةٌ" (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1249).

باب: رزق الحكام والعاملين عليها

(فَهِماً): صيغة مبالغة على زنة حَذِر. (صَليباً): أي: شديداً. * * * باب: رِزْقِ الحُكَّامِ والعاملين عَلَيْها 2968 - (7163) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ، ابْنُ أُخْتِ نَمِرٍ، أَنَّ حُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ الْعُزَّى أَخْبَرَهُ، أَن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ السَّعْدِيِّ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ في خِلاَفَتِهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَلَمْ أُحَدَّثْ أَنَّكَ تَلِي مِنْ أَعْمَالِ النَّاسِ أَعْمَالًا، فَإِذَا أُعْطِيتَ الْعُمَالَةَ كَرِهْتَهَا؟ فَقُلْتُ: بَلَى، فَقَالَ عُمَرُ: مَا تُرِيدُ إِلَى ذَلِكَ؟ قُلْتُ: إِنَّ لِي أَفْرَاساً وَأَعْبُداً، وَأَنَا بِخَيْرٍ، وَأَرِيدُ أَنْ تَكُونَ عُمَالَتِي صَدَقَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ. قَالَ عُمَرُ: لاَ تَفْعَلْ؛ فَإِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الَّذِي أَرَدْتَ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُعْطِينِي الْعَطَاءَ، فَأَقُولُ: أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي، حَتَّى أَعْطَانِي مَرَّةً مَالًا، فَقُلْتُ: أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "خُذْهُ، فَتَمَوَّلْهُ، وَتَصَدَّقْ بِهِ، فَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ، وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلاَ سَائِلٍ، فَخُذْهُ، وَإِلَّا، فَلاَ تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ". (وأنتَ غيرُ مُشْرِفٍ): يقال: أَشْرَفْتُ الشيءَ (¬1): إذا عَلَوْتُه، يريد: ما جاءكَ منه وأنتَ غيرُ متطَلِّعٍ إليه، ولا طامِعٍ فيه (¬2). ¬

_ (¬1) "الشيء" ليست في "ج". (¬2) المرجع السابق، الموضع نفسه.

باب: الشهادة تكون عند الحاكم في ولايته القضاء أو قبل ذلك للخصم

باب: الشَّهادَةِ تَكُونُ عِنْدَ الحاكِمِ في وِلاَيَتِهِ القَضَاءَ أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ لِلْخَصْمِ 2969 - (7170) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عُمَرَ ابْنِ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ - مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ -، أنَّ أَبَا قتادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يوْمَ حُنَيْنٍ: "مَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى قَتِيلٍ قَتَلَهُ، فَلَهُ سَلَبُهُ"، فَقُمْتُ لأَلْتَمِسَ بَيِّنَةً عَلَى قَتِيلٍ، فَلَمْ أَرَ أَحَداً يَشْهَدُ لِي، فَجَلَسْتُ، ثُمَّ بَدَا لِي، فَذَكَرْتُ أَمْرَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ: سِلاَحُ هَذَا الْقَتِيلِ الَّذِي يَذْكُرُ عِنْدِي، قَالَ: فَأَرْضِهِ مِنْهُ، فَقَالَ أبُو بَكْرٍ: كلَّا، لاَ يُعْطِهِ أُصَيْبِغَ مِنْ قُرَيْشٍ، وَيَدَعَ أَسَداً مِنْ أُسْدِ اللَّهِ، يُقَاتِلُ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، قَالَ: فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَدَّاهُ إِلَيَّ، فَاشْتَرَيْتُ مِنْهُ خِرَافاً، فَكَانَ أَوَّلَ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ. قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ، عَنِ اللَّيْثِ: فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأدَّاهُ إِلَيَّ. وَقَالَ أَهْلُ الْحِجَازِ: الْحَاكِمُ لاَ يَقْضِي بِعِلْمِهِ، شَهِدَ بِذَلِكَ فِي وِلاَيَتِهِ، أَوْ قَبْلَهَا، وَلَوْ أقرَّ خَصْمٌ عِنْدَهُ لآخَرَ بِحَقٍّ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ، فَإِنَّهُ لاَ يَقْضِي عَلَيْهِ في قَوْلِ بَعْضِهِمْ حَتَّى يَدْعُوَ بِشَاهِدَيْنِ، فَيُحْضِرَهُمَا إِقْرَارَهُ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِرَاقِ: مَا سَمِعَ أَوْ رَآهُ في مَجْلِسِ الْقَضَاءِ، قَضَى بِهِ، وَمَا كانَ في غَيْرِهِ، لَمْ يَقْضِ إِلَّا بِشَاهِدَيْنِ. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: بَلْ يَقْضِي بِهِ؛ لأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ، وَإِنَّمَا يُرَادُ مِنَ الشَّهَادَةِ: مَعْرِفَةُ الْحَقِّ، فَعِلْمُهُ أكثَرُ مِنَ الشَّهَادَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَقْضِي بِعِلْمِهِ في الأَمْوَالِ، وَلاَ يَقْضِي في غَيْرِهَا. وَقَالَ الْقَاسِمُ: لاَ يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يُمْضِيَ قَضَاءً بِعِلْمِهِ دُونَ عِلْمِ

باب: هدايا العمال

غَيْرِهِ، مَعَ أَنَّ عِلْمَهُ أَكْثَرُ مِنْ شَهَادَةِ غَيْرِهِ، وَلَكِنَّ فِيهِ تَعَرُّضاً لِتُهَمَةِ نَفْسِهِ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِيقَاعاً لَهُمْ في الظُّنُونِ، وَقَدْ كَرِهَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الظَّنَّ، فَقَالَ: "إِنَّمَا هَذِهِ صَفِيَّةُ". (فاشتريتُ منه خِرافًا): - بكسر الخاء -: مصدرٌ، سمي به الحائطُ، كما قالوا: رجلٌ عَدْلٌ. (وقال القاسم): هو عبدُ الرحمن بنُ عبد الله بن مسعود، قاله أبو ذر الحافظ (¬1). * * * باب: هَدَايا العُمَّالِ 2970 - (7174) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ، أَخْبَرَنَا أبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا مِنْ بَنِي أَسْدٍ، يُقَالُ لَهُ: ابْنُ الأُتَبِيَّةِ، عَلَى صَدَقَةٍ، فَلَمَّا قَدِمَ، قَالَ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - علَى الْمِنْبَرِ - قَالَ سُفْيَانُ أَيْضاً: فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ -، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ، فَيَأْتِي يَقُولُ: هَذَا لَكَ، وَهَذَا لِي؟! فَهَلَّا جَلَسَ في بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لاَ؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لاَ يَأْتِي بِشَيْءٍ إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ: إِن كانَ بَعِيراً لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ"، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ: "أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟ " ثَلاَثاً. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1249).

باب: استقضاء الموالي واستعمالهم

قَالَ سُفْيَانُ: قَصَّهُ عَلَيْنَا الزُّهْرِيُّ، وَزَادَ هِشَامٌ: عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ، قَالَ: سَمِعَ أُذُنَايَ، وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنِي، وَسَلُوا زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، فَإِنَّهُ سَمِعَهُ مَعِي. وَلَمْ يَقُلِ الزُّهْرِيُّ: سَمِعَ أُذُنِي. {خُوَارٌ}: [الأعراف: 148] و [طه: 88]: صَوْتٌ، وَالْجُؤَارُ من {تَجْأَرُونَ} [النحل: 53]: كَصَوْتِ الْبَقَرَةِ. (اسْتعمل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - رجلًا من بني أَسْدٍ): بسكون السين، وأصلُه: أَزْد، فأُبدلت الزاي سيناً، وصَحَّفَ من قرأه بفتح السين (¬1) (¬2). * * * باب: اسْتِقْضَاءِ المَوَالِيَ واستِعْمالِهِمْ 2971 - (7175) - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، أَنَّ ناَفِعاً أَخْبَرَهُ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - أَخْبَرَهُ، قَالَ: كَانَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ يَؤُمُّ الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ وَأَصْحَابَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في مَسْجِدِ قُبَاءٍ، فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَأَبُو سَلَمَةَ، وَزَيْدٌ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ. (في مسجد قُباءٍ فيهم أبو بكرٍ وعمرُ): رأيتُ بخطِّ بعضِ الفضلاء على حاشية نسخة من البخاري: وقعَ ذكرُ أبي بكر - رضي الله عنه -؛ يعني: في حديث إِمامةِ سالمٍ مولى أبي حذيفةَ للمهاجرين الأَوَّلين، وأصحابِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي كونِ أبي بكر معهم نظرٌ، فليحرَّرْ. ¬

_ (¬1) هنا محل هذا الحديث في "الصحيح"، وهو في النسخ الخطية بعد الحديث رقم (7175). (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1250).

باب: القضاء على الغائب

باب: القَضَاءِ على الغَائِبِ 2972 - (7180) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -، أَنَّ هِنْدَ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، فَأَحْتَاجُ أَنْ آخُذَ مِنْ مَالِهِ؟ قَالَ: "خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ". (إن أبا سفيانَ رجلٌ شَحيحٌ، فأحتاجُ أن آخذَ من ماله، قال: خذي ما يَكفيكِ وولدَكِ بالمعروف): ساقه البخاري في باب القضاء على الغائب، وفي الاستدلال (¬1) به على ذلك نظر، والظاهر أنه فُتيا لا قضاء، وقد تقدم. قال السفاقسي: وفيه: خروجُ المرأة في حوائجِها. وفيه: أن صوتها ليس بعورة (¬2). قلت: في دلالته على ذلك نظر؛ لأنه محل ضرورة، وليس الكلام فيه. وقد قال القاضي أبو بكر بن العربي في كتاب: الأقضية من "القبس": وقد اتفقت الأمة على أنها لا تؤذِّنُ؛ لأن صوتَها عورة، فإذا لم يجزْ سماعُ صوتها وهي في المأذنة (¬3) ولا تُرى، فأَوْلى وأَحْرى أن لا يجوزَ مجالستُها ومحادثتُها ابتداءً من قِبَلِ نفسِها، فكيف إذا نصبها الإمام لذلك؟ (¬4). ¬

_ (¬1) في "ج": "على الغائب ولاستدلاله". (¬2) انظر: "فتح الباري" (9/ 511). (¬3) في "ج": "المأذونة". (¬4) انظر: "القبس" لابن العربي (18/ 25 - "موسوعة شروح الموطأ").

باب: من لم يكترث بطعن من لا يعلم في الأمراء

يشير إلى الاحتجاج (¬1) على من أجازَ نصبَها لولاية القضاء فيما يجوز فيه شهادتها. * * * باب: مَنْ لَمْ يَكْتَرِثْ بِطَعْنِ مَنْ لا يَعْلَمُ في الأُمَرَاءِ 2973 - (7187) - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - يَقُولُ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْثاً، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَطُعِنَ فِي إِمَارَتِهِ، وَقَالَ: "إنْ تَطْعَنُوا في إِمَارَتِهِ، فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ في إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ، وَايْمُ اللَّهِ! إِنْ كَانَ لَخَلِيقاً لِلإمرَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ". (إن تطعُنوا في إمارته): قال الزركشي: رجَّحَ بعضُهم هنا ضمَّ العين. قيل: إنما طعنوا فيه؛ لأنه ابن مولى (¬2). * * * 2974 - (7188) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيىَ بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الأَلَدُّ الْخَصِمُ". ¬

_ (¬1) في "ج": "احتجاج". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1250).

باب: ترجمة الحكام، وهل يجوز ترجمان واحد؟

(الأَلَدُّ الخَصِم): - بكسر الصاد -؛ أي: الشديدُ الخصومة (¬1)، واللَّدَدُ: الخصومةُ الشديدة. * * * باب: تَرْجَمَةِ الحُكَّامِ، وهل يَجُوزُ تُرْجُمانٌ واحدٌ؟ 2975 - (7195) - وَقَالَ خَارِجَةُ بْنُ زيدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابتٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَهُ أن يَتَعَلَّمَ كتَابَ الْيَهُودِ حَتَّى كتَبْتُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كُتُبَهُ، وَأَقْرَأْتُهُ كُتُبَهُمْ إِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ. وَقَالَ عُمَرُ - وَعِنْدَهُ عَلِيٌّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَعُثْمَانُ -: مَاذَا تَقُولُ هَذِهِ؟ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَاطِبٍ: فَقُلْتُ: تُخْبِرُكَ بِصَاحِبِهِمَا الَّذِي صَنَعَ بِهِمَا. وَقَالَ أَبُو جَمْرَةَ: كُنْتُ أُتَرْجِمُ بَيْنَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَبَيْنَ النَّاسِ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لاَ بُدَّ لِلْحَاكِم مِنْ مُتَرْجِمَيْنِ. (وقال أبو جمرة: كنتُ أترجمُ): أبو جمرة: - بجيم وراء -، وقد تقدَّم مراتٍ. (وقال بعضُ الناس: لا بدَّ للحاكم من مترجمينِ): وهذا مذهب الشافعي - رضي الله عنه -، فالظاهر أنه (¬2) المرادُ ببعضِ الناس، وفيه ردٌّ لقول كثيرين: إن البخاري إذا قال: وقال بعض الناس، فإنما يريدُ ¬

_ (¬1) في "ج": "للخصومة". (¬2) في "ج": "أن".

أبا حنيفةَ رضي الله عنه (¬1). * * * 2976 - (7196) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ في رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُمْ: إِنِّي سَائِلٌ هَذَا، فَإِنْ كَذَبَنِي، فَكَذِّبُوهُ، - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ - فَقَالَ لِلتَّرْجُمَانِ: قُلْ لَهُ: إِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقّاً، فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ. (ثم قال لترجمانه: قل لهم: إني سائلٌ هذا): انظر ما وجهُ إيرادِ ترجمانِ هرقلَ في باب ترجمة الحكام، وهل يجوزُ ترجمانٌ واحد؟ فإن هرقلَ كافرٌ لا يُحتج بشيء من أقواله ولا أفعاله، ولا يُلتفت إلى شيء منها. * * * ¬

_ (¬1) قال الحافظ في "الفتح" (13/ 187): والمراد بـ "بعض الناس": محمد بن الحسن؛ فإنه الذي اشترط أن لا بد في الترجمة من اثنين، ونزَّلها منزلة الشهادة، وخالف أصحابه الكوفيين، ووافقه الشافعي، فتعلق بذلك مغلطاي فقال: فيه رد لقول من قال: إن البخاري إذا قال: "بعض الناس" يريد الحنفية، وتعقبه الكرماني فقال: يحمل على الأغلب، أو أراد هنا بعض الحنفية؛ لأن محمداً قائل بذلك، ولا يمنع ذلك أن يوافقه الشافعي، كما لا يمنع أن يوافق الحنفيةَ في غير هذه المسألة بعضُ الأئمة، انتهى. قلت: وقد ظهر لك من هذا أن المؤلف - رحمه الله - ينقل عن مغلطاي الكثير من التعاليق دون نسبتها إليه، والله أعلم.

باب: محاسبة الإمام عماله

باب: مُحَاسَبَةِ الإِمَامِ عُمَّالَهُ 2977 - (7197) - حَدَّثَنَا مُحَمَّد، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَعْمَلَ ابْنَ الأُتَبِيَّةِ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ، فَلَمَّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَحَاسَبَهُ، قَالَ: هَذَا الَّذِي لَكُمْ، وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فَهَلَّا جَلَسْتَ في بَيْتِ أَبِيكَ وَبَيْتِ أُمِّكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقاً". ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَخَطَبَ النَّاسَ، وَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ رِجَالًا مِنْكُمْ عَلَى أُمُورٍ مِمَّا وَلَّانِي اللَّهُ، فَيَأْتِي أَحَدُكُمْ فَيَقُولُ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي، فَهَلَّا جَلَسَ في بَيْتِ أَبِيهِ وَبَيْتِ أُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ إِنْ كَانَ صَادِقاً، فَوَاللَّهِ! لاَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مِنْهَا شَيْئاً - قَالَ هِشَامٌ: بِغَيْرِ حَقِّهِ - إِلَّا جَاءَ اللَّهَ يَحْمِلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَلاَ فَلأَعْرِفَنَّ مَا جَاءَ اللَّهَ رَجُلٌ بِبَعِيرٍ لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بِبقَرَةٍ لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةٍ تَيْعَرُ". ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ: "أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟ ". (ألا فلأعرفَنَّ ما جاء اللهَ رجلٌ ببعير): يحتمل أن تكون "ما": موصولة بمعنى: "مَنْ" أُطلقت هنا على صفةِ مَنْ يعقل، وهو الجائي، ورجلٌ: فاعل مقدر؛ أي: جاءه رجلٌ بكذا، أو كذا. أو يحتمل (¬1) أن تكون مصدرية؛ أي: فلأعرفنَّ مجيء رجلٍ إلى الله بكذا أو كذا. * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "ويحتمل".

باب: بطانة الإمام وأهل مشورته

باب: بِطَانَةِ الإِمَامِ وأَهْلِ مَشُورَتِهِ 2978 - (7198) - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ، وَلاَ اسْتَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَةٍ، إِلَّا كَانَتْ لَهُ بِطَانَتَانِ: بِطَانَةٌ تأمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ، وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ، وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، فَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ تَعَالَى". وَقَالَ سُلَيْمَانُ، عَنْ يَحْيىَ؛ أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ: بِهَذَا. وَعَنِ ابْنِ أَبِي عَتِيقٍ، وَمُوسَى، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ مِثْلَهُ. وَقَالَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: قَوْلَهُ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حُسَيْنٍ، وَسَعِيدُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ أَبي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: قَوْلَهُ. وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبي جَعْفَرٍ: حَدَّثَنِي صَفْوَانُ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -. (بطانةٌ تأمرُه بالخير، وتحضُّه عليه، وبطانةٌ تأمره بالشرِّ، وتحضُّه عليه): يحتمل وجهين: أحدهما: أن يريد بالبطانتين: الوزيرين. الثاني: أن يريد بهما: المَلَكَ والشيطان، فالمَلَكُ: بطانةُ الخير، والشيطانُ: بطانةُ الشر.

باب: كيف يبايع الإمام الناس؟

(فالمعصومُ من عصمَ اللهُ): أي: من لم يبادر بما يُلقى إليه في ذلك حتى يعرضَه على كتاب [الله]، وسنةِ نبيه، فما وافقَهما، أو وافقَ أحدَهما، عملَ به بطريقة المعتبر، وما خالفهما جميعاً، تركه. * * * باب: كَيْفَ يُبَايِعُ الإِمَامُ النَّاسَ؟ 2979 - (7199) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ، أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ في الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ. (بايَعْنا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - على السَّمعِ والطاعةِ): أصلُ البيعِ: المعاوضَةُ، فسمِّيَتْ معاقدةُ النبي - صلى الله عليه وسلم - مبايعة؛ لما ضمن لهم فيها من الثواب إذا وَفَوْا بها. قال المهلب: اختلفت ألفاظُ بيعةِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فروي: "بايعناهُ على السمعِ والطاعةِ"، وروي: "على الجهادِ"، وروي: "على الموتِ"، وقد بين ابنُ عمرَ وعبدُ الرحمن بن عوف في بيعتهما ما يجمعُ معاني (¬1) البيعة كلَّها، وهو قولهما: على السمعِ والطاعةِ، وعلى سُنَّةِ اللهِ وسُنَّةِ رسوله (¬2). * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "ما يجمع على الجهاد وما معاني". (¬2) انظر: "التوضيح" (32/ 582).

2980 - (7207) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أخبَرَهُ، أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ الرَّهْطَ الَّذِينَ وَلَّاهُمْ عُمَرُ اجْتَمَعُوا فتشَاوَرُوا، قَالَ لَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لَسْتُ بِالَّذِي أُنَافِسُكُمْ عَلَى هَذَا الأَمْرِ، وَلَكِنَّكُمْ إِنْ شِئْتُم، اخْتَرْتُ لَكُمْ مِنْكُمْ، فَجَعَلُوا ذَلِكَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَلَمَّا وَلَّوْا عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَمْرَهُمْ، فَمَالَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَتَّى مَا أَرَى أَحَداً مِنَ النَّاسِ يَتْبَعُ أُولَئِكَ الرَّهْطَ، وَلاَ يَطَأُ عَقِبَهُ، وَمَالَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُشَاوِرُونَهُ تِلْكَ اللَّيَالِيَ، حَتَّى إِذَا كانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَصْبَحْنَا مِنْهَا، فَبَايَعْنَا عُثْمَانَ، قَالَ الْمِسْوَرُ: طَرَقَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَعْدَ هَجْع مِنَ اللَّيْلِ، فَضَرَبَ الْبَابَ حَتَّى اسْتَيْقَظْتُ، فَقَالَ: أَرَاكَ ناَئِماً، فَوَاللهِ! مَا اكتَحَلْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ بِكَبِيرِ نَوْمٍ، انْطَلِقْ فَادْعُ الزُّبَيْرَ وَسَعْداً، فَدَعَوْتُهُمَا لَهُ، فَشَاوَرَهُمَا، ثُمَّ دَعَانِي، فَقَالَ: ادْعُ لِي عَلِيّاً، فَدَعَوْتُهُ، فَنَاجَاهُ حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ، ثُمَّ قَامَ عَلِيٌّ مِنْ عِنْدِهِ وَهْوَ عَلَى طَمَعٍ، وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَخْشَى مِنْ عَلِيٍّ شَيْئاً، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي عُثْمَانَ، فَدَعَوْتُهُ، فَنَاجَاهُ حَتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْمُؤَذِّنُ بِالصُّبْحِ، فَلَمَّا صَلَّى لِلنَّاسِ الصُّبْحَ، وَاجْتَمَعَ أُولَئِكَ الرَّهْطُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَنْ كَانَ حَاضِراً مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَأَرْسَلَ إِلَى أُمَرَاءِ الأَجْنَادِ، وَكانُوا وَافَوْا تِلْكَ الْحَجَّةَ مَعَ عُمَرَ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا، تَشَهَّدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ: يَا عَلِيُّ! إِنِّي قَدْ نَظَرْتُ في أَمْرِ النَّاس، فَلَمْ أَرَهُمْ يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ، فَلاَ تَجْعَلَنَّ عَلَى نفسِكَ سَبِيلًا. فَقَالَ: أُبَايِعُكَ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ، فَبَايَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَبَايَعَهُ النَّاسُ: الْمُهَاجِرُونَ، وَالأَنْصَارُ، وَأُمَرَاءُ الأَجْنَادِ، وَالْمُسْلِمُونَ.

باب: الاستخلاف

(بعد هَجْعٍ من الليل): أي: بعدَ طائفةٍ منه، هذا الذي يُفهم من كلام القاضي (¬1)، واقتصر عليه الزركشي (¬2). وقال الحافظ مغلطاي: يريد بالهجوع: النومَ، وبالليلِ (¬3) خاصَّة، ذكره أبو عبيدة. قلت: هذا يستدعي أن يكون قولُه: من الليل: صفةً كاشفةً؛ بخلاف الأول؛ فإنها فيه مخصِّصَةٌ، وهو أولى. (حتى ابهارَّ الليلُ): أي: انتصفَ، وبُهْرَةُ الليل: وَسَطُه (¬4). * * * باب: الاسْتِخْلافِ 2981 - (7218) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، قَالَ: قِيلَ لِعُمَرَ: أَلاَ تَسْتَخْلِفُ؟ قَالَ: إِنْ أَسْتَخْلِفْ، فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي: أَبُو بَكْرٍ، وَإِنْ أَتْرُكْ، فَقَدْ تَرَكَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي: رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ، فَقَالَ: رَاغِبٌ رَاهِبٌ، وَدِدْتُ أَنِّي نَجَوْتُ مِنْهَا كَفَافاً، لاَ لِي، وَلاَ عَلَيَّ، لاَ أَتَحَمَّلُهَا حَيّاً وَمَيِّتاً. ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 265). (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1251). (¬3) في "ج": "النوم بالليل". (¬4) انظر: "التنقيح" (3/ 1251).

(إن أَستخلِفْ، فقد استخلفَ [من هو خير مني]: أبو بكر، وإن أتركْ، فقد تركَ من هو خير مني: رسولُ الله): فأخذ عمر - رضي الله عنه - وَسَطاً من الأمرين، فلم يتركِ التعيينَ بمرة، ولا فعلَه منصوباً فيه على الشخص المستخلَف، وجعلَ الأمر في ذلك شورى بينَ مَنْ قُطع لهم بالجنة، وأبقى النظرَ للمسلمين في تعيين من اتفق عليه رأيُ الجماعة، الذين جُعلت الشورى فيهم. (لا أتحمَّلُها حياً وميتاً): يعني: لا أُعين شخصاً مخصوصاً بعينه للخلافة، فأتحملُها على هذا التقدير في حال الحياة والممات. * * * 2982 - (7219) - حَدَّثَنَا إِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى، أخبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، أَنَّهُ سَمِعَ خُطْبَةَ عُمَرَ الآخِرَةَ حِينَ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَذَلِكَ الْغَدُ مِنْ يَوْمٍ تُوُفِّيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَتَشَهَّدَ، وَأَبُو بَكْرٍ صَامِتٌ لاَ يَتَكَلَّمُ، قَالَ: كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَعِيشَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى يَدْبُرَنَا، - يُرِيدُ بِذَلِكَ: أَنْ يَكُونَ آخِرَهُمْ - فَإِنْ يَكُ مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ مَاتَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ نُوراً تَهْتَدُونَ بِهِ [بما] هَدَى اللَّهُ مُحَمَّداً - صلى الله عليه وسلم -، وإنَّ أَبَا بَكْرٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَانِي اثْنَيْنِ، فَإِنَّهُ أَوْلَى الْمُسْلِمِينَ بِأُمُورِكُمْ، فَقُومُوا فَبَايِعُوهُ، وَكَانَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ قَدْ بَايَعُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَكَانَتْ بَيْعَةُ الْعَامَّةِ عَلَى الْمِنْبَرِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ، سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ لأَبي بَكْرٍ يَوْمَئِذٍ: اصْعَدِ الْمِنْبَرَ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَبَايَعَهُ النَّاسُ عَامَّةً.

(حتى يَدْبُرَنا): - بفتح حرف المضارعة وضم الباء الموحدة -، وقد فَسَّره في المتن؛ بأنه يريد بذلك أن يكونَ آخرَهم. * * * 2983 - (7221) - حَدَّثَنَا مُسَدَّد، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي قَيْسُ ابْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبي بَكْرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ لِوَفْدِ بُزَاخَةَ: تَتْبَعُونَ أَذْنَابَ الإِبِلِ، حَتَّى يُرِيَ اللَّهُ خَلِيفَةَ نبيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالْمُهَاجِرِينَ أَمْراً يَعْذِرُونَكُمْ بِهِ. (عن أبي بكر: قال لوفد بُزاخة): - بباء موحدة مضمومة فزاي فألف فخاء معجمة فهاء تأنيث -، وما ذكره في المتن طرفٌ من حديث أصلُه: أنهم ارتدوا، ثم تابوا، فأوفدوا رُسُلَهم إليه (¬1) يعتذرون، فأحبَّ أبو بكر أن لا يقضي فيهم إلا بعدَ المشاورة، فقال لهم (¬2): ارجعوا، واتبعوا أذناب الإبل في الصحارى حتى يرى المهاجرون (¬3)، وخليفةُ النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يُريهم اللهُ في مشاورتهم أمراً يَعْذِرونكم فيه. وقوله: "تتبعون أذنابَ الإبل": كأنه يشير إلى بقيتهم. وبُزاخَةُ: موضعٌ كانت به وقعة للمسلمين (¬4) في خلافة الصدِّيق رضي الله عنه (¬5). ¬

_ (¬1) في "ج": "إليهم". (¬2) "لهم" ليست في "ج". (¬3) في "ج": "المهاجرين". (¬4) في "ج": "المسلمين". (¬5) انظر: "التنقيح" (3/ 1251).

باب: إخراج الخصوم وأهل الريب من البيوت بعد المعرفة

باب: إِخْراجِ الخُصُومِ وأَهْلِ الرِّيَبِ مِنَ البُيُوتِ بَعْدَ المَعْرِفَةِ 2984 - (7224) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "وَالَّذِي نفسِي بِيَدِهِ! لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ يُحْتَطَبُ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاَةِ، فَيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا، فَيؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه! لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُكُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقاً سَمِيناً، أَوْ مَرْمَاتَيْنِ حَسَنتَيْنِ، لَشَهِدَ الْعِشَاءَ". (ولقد هَمَمْتُ أن آمرَ بحطبٍ): أُخذ منه تقديمُ الوعدِ والتهديدِ على العقوبة، وسِرُّه أن المفسدةَ إذا ارتفعتْ بالأَهْوَنِ من الزواجر، اكتُفي به عن الأعلى. (ثم أخالفَ إلى رجالٍ فأُحَرِّقَ عليهم بيوتَهم): الأكثرون على أن الجماعةَ في غير الجمعة سنةٌ، وقيل: فرضُ كفاية، وقيل: فرضٌ على الأعيان. وإذا قلنا: بأنها فرضُ عين، فهل هي شرطٌ في صحة الصلاة، أو لا؟ قولان: فمن قال بأنها فرضٌ على الأعيان، قد يحتج بهذا الحديث؛ فإنه إن قيل: إنه فرض كفاية، فقد كان الفرض قائماً بفعل الرسول - عليه السلام - ومن معه، وإن قيل: بأنها سنة، فلا يُقتل تارك السنن، فيتعين كونُها فرضَ عين.

وأجيب (¬1): بأن هذا في المنافقين، بدليل بقيةِ الحديث: "والذي نفسي بيده! لو يعلم أحدُهم أنه يجدُ عَرْقاً سميناً (¬2)، أو مَرْماتين حسنتينِ، لشهدَ العشاءَ"، وهذه ليست صفة المؤمنين، لا سيما أكابرهم، وهم الصحابة، وإذا كانت في المنافقين، فالتحريقُ للنفاق، لا لتركِ الجماعة. قال القاضي عياض: وقد قيل: إن هذا في المؤمنين، وأما المنافقون (¬3)، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - مُعْرِضاً عنهم، عالماً بطَوِيَّاتهم، كما أنه لم يتعرَّضْ لهم في التخلُّف، ولا عاتَبَهم عليه معاتبةَ كعبٍ وأصحابِه من المؤمنين (¬4). واعترضه ابنُ دقيق العيد: بأن هذا إنما يلزمُ إذا كان تركُ معاقبةِ المؤمنين واجباً على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فحينئذ يمتنعُ أن يعاقبهم بهذا التحريق، فيجب أن يكون الكلامُ في المؤمنين. وإما أن يقال: إن عقابَ المنافقين وتركَه كان مباحاً له - عليه السلام -، مُخَيَّراً فيه، فحينئذ لا يتعينُ حملُ هذا على المؤمنين؛ إذ يجوزُ أن يكون في المنافقين؛ لجوازِ معاقبته لهم، وليس في إعراضه - عليه السلام - عنهم بمجرده ما يدلُّ على وجوبِ ذلك عليه، ولعل قولَه - عليه السلام - عندما طُلب منه قتلُ بعضهم: "لا يُتَحَدَّثْ أَنَّ مُحَمَّداً يَقْتُلُ أَصْحَابَهَ" (¬5) يُشعر بما ¬

_ (¬1) في "ج": "فرض واجب". (¬2) في "ج": "عرقاً شديداً". (¬3) في "ج": "الكافرون". (¬4) انظر: "إكمال المعلم" (2/ 623). (¬5) رواه البخاري (4905) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

ذكرناه من التخيير؛ لأنه لو كان يجبُ عليه تركُ قتلهم؛ لكان الجوابُ بذكر المانعِ الشرعي، وهو أنه لا يحلُّ قتلُهم. قال: ومما يشهد لمن قال: إن ذلكَ في المنافقين، سياقُ الحديث من أوله، في بعض الطرق، وهو قوله - عليه السلام -: "أَثْقَلُ الصَّلاَةِ عَلَى المُنَافِقِينَ صَلاة العِشَاءِ (¬1)، وَصَلاةُ الفَجْرِ" (¬2). ووجهٌ آخرُ في تقريرِ كونِه في المنافقين أن يقول: هَمُّ رسولِ الله (¬3) - صلى الله عليه وسلم - بالتحريق يدلُّ على جوازه، وتركُه للتحريق (¬4) يدلُّ على جوازِ هذا التركِ، فإذا اجتمع جوازُ التحريق، وجوازُ تركه (¬5) في حق (¬6) هؤلاءِ القومِ، دلَّ على كونهم منافقين، إذ هذا المجموعُ لا يكون في المؤمنين فيما هو حقٌّ من حقوق الله تعالى (¬7). * * * ¬

_ (¬1) "العشاء" ليست في "م". (¬2) رواه البخاري (651). (¬3) في "ج": "هم الرسول". (¬4) في "ج": "وترك التحريق". (¬5) في "ج": "تركه حقه". (¬6) "حق" ليست في "ج". (¬7) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 164).

كتاب التمني

كِتَابُ التَّمَنِّي

باب: تمني الخير وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - "لو كان لي أحد ذهبا"

كتاب التمني باب: تَمَنِّي الخَيْرِ وقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - "لو كَانَ لِي أُحُدٌ ذَهَباً" 2985 - (7228) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "لَوْ كَانَ عِنْدِي أُحُدٌ ذَهَباً، لأَحْبَبْتُ أَنْ لاَ يَأْتِيَ ثَلاَثٌ وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ - لَيْسَ شَيْءٌ أُرْصِدُهُ في دَيْنٍ عَلَيَّ - أَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهُ". (كتاب: التمني) (لو كان عندي أُحُدٌ ذهباً، أحببتُ أن لا يأتي ثلاثٌ وعندي منه دينارٌ، ليس شيئاً أُرْصِدُهُ في دَينٍ عليَّ أجدُ مَنْ يقبلُه): قال الزركشي: كذا للأصيلي "شيئاً"، بالنصب، ولغيره بالرفع، وقد وقع في هذا المتن بالتقديم والتأخير، اختلَّ به الكلام، وأصلُه: وعندي (¬1) منهُ دينارٌ أجدُ مَنْ يقبلُه، وليس شيئاً أُرْصِدُهُ لدَينٍ، ففصل (¬2) بين الموصوف، وهو ¬

_ (¬1) في "ج": "عندي". (¬2) في "ج": "فصل".

باب: ما يكره من التمني

"دينار"، وصفته، وهو قوله: "أجد" بالمستثنى (¬1). قلت: لا اختلال - إن شاء الله -، ولا تقديمَ ولا تأخيرَ، والكلامُ مستقيمٌ بحمد الله، وذلك بأن يُجعل قولُه: "ليس شيئاً أرصدُه لدينٍ عليَّ" صفةً لدينار، [والعائدُ اسمُ ليس، وهو الضميرُ المستكنُّ فيها. وقوله: "أجدُ من يقبله" حالٌ من دينار] (¬2)، وإن كانَ نكرة، لكونه يخصص بالصفة. وحاصل المعنى: أنه لا يجبُ على تقريرِ ملكِه لأحدٍ ذهباً، أن يبقى عندَه (¬3) بعدَ ثلاثِ (¬4) ليالٍ من ذلك المال دينارٌ موصوفٌ بكونه ليس مُرْصداً لوفاء دَينٍ عليه، في حال أن له قابلًا لا يجدُه، وهذا معنى كما تراه لا اختلالَ فيه، وليس في الكلام على التقدير الذي قلناه تقديمٌ ولا تأخير، فتأملْه. * * * باب: مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّمَنِّي 2986 - (7235) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبي عُبَيْدٍ - اسْمُهُ سَعْدُ بْنُ عُبَيْدٍ، مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرَ -، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ، إِمَّا مُحْسِناً، فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ، وَإِمَّا مُسِيئاً، فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ". ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1252). (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬3) "عنده" ليست في "ج". (¬4) "ثلاث" ليست في "ج".

(لا يتمنَّى أحدُكم الموتَ، إما محسناً، فلعله يزدادُ، وإما مسيئاً، فلعله يستعتبُ): قال الزركشي: انتصب على أنه خبر "كان" محذوفة، وأصله: إما أن يكون محسناً، وإما أن يكون مسيئاً، فحذف يكون مع اسمها مرتين، وأبقى الخبر، وأكثر ما يكون ذلك بعد "أن"، و"لو". قال: وفي: "فلعلَّه (¬1) يزدادُ ويستعتبُ" شاهدٌ على مجيء "لعل" للرجاء المجرَّدِ من التعليل، وأكثر مجيئها للرجاء إذا كان معه تعليل؛ كقوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [البقرة: 189]، {لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ} [يوسف: 46]، ومعنى يَستعتب: يطلب العُتْبى؛ أي: الرِّضا عنه (¬2). قلت: اشتملَ كلامُه على أمرين ضعيفين قابلين للنزاع. أما الأول: فجزمه بأن كلًا من قوله: "محسناً ومسيئاً" خبرٌ لـ "يكون" محذوفةٍ، مع احتمال أن يكونا (¬3) حالين من فاعل "يتَمَنَّ"، وهو "أحدُكم"، وعُطف أحدُ الحالين على الآخر، وأتي بعد كل حال بما يُنَبِّه على علَّةِ النهي عن تمني الموت، والأصل: لا يتمنَّ أحدُكم الموتَ، إما محسناً، وإما مسيئاً؛ أي: سواءٌ كان على حالة الإحسان، أو الإساءة، أما إن كان محسناً (¬4)، فلا يتمنَّ (¬5) الموت لعلَّه يزدادُ إحساناً على إحسانه، فيضاعَفُ أجرهُ وثوابُه. ¬

_ (¬1) في "ج": "ولعله". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1252). (¬3) في "ج": "يكون". (¬4) في "ج": "مسيئاً". (¬5) في "ج": "فلا يتمكن أيضاً".

باب: ما يجوز من اللو وقوله تعالى: {لو أن لي بكم قوة} [هود: 80].

وأما إن كان مسيئاً، فلا يتمنَّ (¬1) أيضاً، إذ لعلَّه يندمُ على إساءته، ويطلبُ الرضا عنه، فيكونُ ذلك سبباً لمحو سيئاته التي اقترفها. وأما الثاني: فادعاؤه أن أكثر مجيء لعلَّ للترجِّي (¬2) المصحوبِ بالتعليل، وهذا ممنوعٌ، وهذه كتب النحاة الأكابر طافحةٌ بالإعراض عن ذكر هذا القَيْد (¬3). ولو سُلِّم، فليس في هذا الحديث شاهدٌ على مجيئها للترجِّي المجرد؛ لإمكانِ اعتبارِ التعليل معه، وقد فُهِمَت (¬4) صحةُ اعتبارِه مما قررناهُ، فتأملْه. * * * باب: مَا يَجُوزُ مِنَ اللَّوْ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً} [هود: 80]. (باب: ما يجوز من اللَّو): قال القاضي: أدخل على (لو) الألف واللام التي للعهد، وذلك غير جائز عند أهل العربية؛ إذ "لو" حرف، وهما لا يدخلان على الحرف. ولا يخفى أن هذا الاعتراضَ غيرُ متأتٍّ، وذلك أن "لو" هنا مُسَمًّى بها، فهي اسمٌ زِيدَ فيه واوٌ أخرى، ثم أُدغمت الأولى في الثانية على القاعدة المقررة في بابها، فلا بِدْعَ إذن في دخول علامات الأسماء عليها، ¬

_ (¬1) في "ج": "يتمكن". (¬2) في "ج": "للتراجي". (¬3) في "ج": "هذا الفعل". (¬4) في "ج": "وهمت".

إذ لم تدخل وهي حرف، إنما دخلت وهي اسم. ثم قال القاضي: الذي يُفهم من ترجمة البخاري، وما ذكره في الباب من الأدلة: أنه يجوز استعمال "لو"، و"لولا" فيما يكون للاستقبال، لا فيما امتنع فعلُه لوجودِ غيره، وهو من باب "لو"؛ لأنه لم يدخل في الباب سوى ما هو للاستقبال، أو ما هو حقٌّ صحيح متيقَّنٌ، دون الماضي والمنقضي، أو ما فيه اعتراضٌ على الغيب بالقَدَرِ السابق (¬1). * * * 2987 - (7241) - حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ ثَابِثٍ، عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: وَاصَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - آخِرَ الشَّهْرِ، وَوَاصَلَ أُنَاسٌ مِنَ النَّاسِ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "لَوْ مُدَّ بِيَ الشَّهْرُ، لَوَاصَلْتُ وِصَالًا يَدَعُ الْمُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ، إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ، إِنِّي أَظَلُّ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ". (لو مُدَّ بي الشهرُ): مُدَّ: بضم الميم وتشديد الدال، مبني للمفعول، وبي: جار ومجرور. ويروى: "مُدَّني": - بضم الميم والدال المشددة بعدها نون وقاية -، [والياء ضميرُ نصب، والشهرُ هنا: فاعلٌ، وفي الرواية] (¬2) الأولى (¬3): نائبٌ عنه. ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 364). (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬3) في "ج": "والأولى".

(وصالًا يدعُ المتعَمِّقون تَعَمُّقَهم): بضم العين من "يَدَعُ"، وفتحها من الكلمتين الآخرتين؛ من قولهم: تَعَمَّقَ في كلامه: تَنَطَّعَ (¬1). فإن قلت: الجملةُ الواقعةُ بعد النكرة هنا صفةٌ لها، ولا رابطَ، فكيف وجهُه؟ قلت: هو محذوفٌ للقرينة الحالية؛ أي: وصالاً يدعُ لأجله المتعمِّقون تعمُّقهم. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1253).

كتاب أخبار الآحاد

كتاب أخبار الآحاد

باب: ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام

كتاب أخبار الآحاد باب: ما جَاءَ في إِجَازَةِ خَبَرِ الوَاحِدِ الصَّدُوقِ في الأَذَانِ والصَّلاةِ والصَّومِ والفَرائِضِ وَالأحكَامِ 2988 - (7246) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، قَالَ: أَتَيْنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَفِيقاً، فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّا قَدِ اشْتَهَيْنَا أَهْلَنَا، أَوْ قَدِ اشْتَقْنَا، سَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا بَعْدَنَا، فَأَخْبَرْنَاهُ، قَالَ: "ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ، فَأَقِيمُوا فِيهِمْ، وَعَلِّمُوهُمْ، وَمُرُوهُمْ"، وَذَكَرَ أَشْيَاءَ أَحْفَظُهَا، أَوْ لاَ أَحْفَظُهَا: "وَصَلُّوا كمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ، فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ". (رفيقاً): [بالفاء؛ من الرِّفْق، وبالقاف؛ من الرِّقَّةِ، وكلاهما مرويٌّ] (¬1). * * * ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج".

2989 - (7247) - حَدَّثَنَا مُسَدَّد، عَنْ يَحْيىَ، عَنِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَمْنَعَنَّ أَحَدكُمْ أَذَانُ بِلاَلٍ مِنْ سَحُورِهِ؛ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ - أَوْ قَالَ: يُنَادِي - لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ، وَيُنبِّهَ ناَئِمَكُمْ، وَلَيْسَ الْفَجْرُ أَنْ يَقُولَ هَكَذَا - وَجَمَعَ يَحْيىَ كفَّيْهِ - حَتَّى يَقُولَ هَكَذَا". وَمَدَّ يَحْيىَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَتَيْنِ. (ليَرجِع قائمَكم): بفتح ياء (¬1) المضارعة التحتية وكسر الجيم، من رَجَعَ ثلاثياً قال [تعالى]: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ} [التوبة: 83]. قال الزركشي: وحكى فيه ثعلب: أَرْجَعت، رباعياً، فعلى هذا يُضَمُّ أولُه (¬2). قلت: إن أراد: مطلقاً حتى يدخل فيه هذا الحديث، فيفتقر إلى ثبوت رواية فيه بالضم، وإلا، فليس في نُسخ البخاري إلا الفتحُ على ما أفهمَه كلامُ الشارحين، وإن أراد غير ذلك، فليس مما نحن بصدده. * * * 2990 - (7251) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ في صَلاَةِ الصُّبْحِ، إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ، فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ. ¬

_ (¬1) "ياء" ليست في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1254).

(فاستقبَلوها): بفتح الباء على الخبر، وبكسرها على الأمر. فإن قلت: إن كان مقصودُ البخاري أن يثبت قبولَ خبرِ الواحدِ بهذا الخبر الذي هو خبرُ الواحد، فإنَّ ذلك إثباتُ الشيء بنفسه. قلت: إنما مقصودُه التنبيهُ على مثالٍ (¬1) من أمثلةِ قبولهم خبرَ الواحد؛ [لينضم إليه أمثالٌ لا تُحصى، فثبت بذلك القطعُ بقبولهم لخبرِ الواحدِ] (¬2). ثم مما يتعلق بالكلام على هذا الحديث، وهو استقبالُ أهلِ قُباءٍ إلى الكعبةِ عند مجيء الآتي لهم، وهم في صلاة الصبح؛ لأنه - عليه السلام - أمرَ أن تُستقبل الكعبة: أن نسخ الكتاب والسنة المتواترة (¬3) بخبر الواحد هل يجوز، أو لا؟ الأكثرون على المنع؛ لأن المقطوعَ لا يُزال بالمظنون (¬4). ونُقل عن الظاهرية: جوازُ ذلك، واستُدل للجواز بهذا الحديث، ووجهُ الدليل: أنهم عملوا بخبر الواحد، ولم يُنكر عليهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -. قال ابن دقيق العيد: وفي هذا الاستدلال عندي مناقشة؛ فإن المسألة مفروضةٌ في نسخ الكتابِ والسنةِ المتواترةِ بخبر الواحد، ويمتنع في العادة في أهل قُباءٍ، مع قربهم من الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وإتيانهم إليه، وتيسُّرِ مراجعتِهم له أن يكون مستندُهم في الصلاة إلى بيت المقدس خبراً عنه - صلى الله عليه وسلم - مع طول المدة، وهي: ستةَ عشرَ شهراً، من غير مشاهدة لفعله، أو مشافهة من قوله (¬5). ¬

_ (¬1) في "ج": "أمثال". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬3) في "ج": "التواتر". (¬4) في "ج": "المظنون". (¬5) انظر: "شرح عمدة الأحكام" (1/ 189).

باب: ما كان يبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأمراء والرسل واحدا بعد واحد

قلت: ليس الكلامُ في صلاتهم إلى بيت المقدس مع طول المدة، وإنما هو في الصلاة التي استداروا في أثنائها إلى الكعبة بمجرد إخبارِ الصحابيِّ الواحدِ لهم بتحويل القبلة، ولم ينكر عليهم ذلك النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وهذا هو الذي استدلُّوا به فيما يظهر، والشيخُ لم يدفعه، ثم أطال الكلام - رحمه الله - في ذلك، بما هو مسطور في "شرح العمدة"، فليراجَعْ من هناك. * * * باب: ما كَانَ يَبْعَثُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الأُمَرَاءِ والرُّسُلِ واحداً بَعْدَ واحِدٍ 2991 - (7264) - حَدَّثَنَا يَحْيىَ بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَى كِسْرَى، فَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيم الْبَحْرَيْنِ، يَدْفَعُهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إِلَى كِسْرَى، فَلَمَّا قَرَأَهُ كِسْرَى، مَزَّقَهُ، فَحَسِبْتُ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ". (وقال ابن عباس: بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - بكتابه إلى كسرى): قال الزركشي: كذا وقع في الأمهات، ولم يذكر فيه دحيةَ بعدَ قوله: بعث، وقد ذكره البخاري فيما رواه الكشميهني: وقال ابن عباس: بعثَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - دحيةَ إلى عظيم بصرى، وأن يدفعه إلى قيصر، وهو الصواب (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1254).

2992 - (7265) - حَدَّثَنَا مُسَدَّد، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ: "أَذِّنْ في قَوْمِكَ، أَوْ فِي النَّاسِ - يَوْمَ عَاشُورَاءَ -: أَنَّ مَنْ أَكَلَ، فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ، فَلْيَصُمْ". (قال لرجل من أَسْلَمَ: أَذِّنْ في قومك، أو في الناس يومَ عاشوراء: أَنَّ من أكلَ، فليتمَّ بقيةَ يومه): في "الإفهام" اختلف في المنادي، فقيل: هو هندُ بنُ أسماء الأسلميُّ. وقيل: أسماءُ بنُ حارثةَ. وذكره في "أسد الغابة" في هندِ بنِ حارثةَ بنِ هندٍ، وقيل: هندُ بنُ حارثةَ [بنِ سعيدٍ من أسلمَ، وهو حجازي، قال أبو عمرو: وقال ابن منده، وأبو نعيم: هندُ بنُ أسماءَ بنِ حارثةَ] (¬1) بنِ هندٍ الأسلميُّ، قال أبو نعيم: وقيل: هندُ بنُ حارثة، ونسب الكلبيُّ أخاه أسماءَ بنَ حارثة، وذكر مثلَ قول أبي عمرٍو، فوافق أبا عمرٍو في أن هنداً أخو أسماءَ بنِ حارثة، وقال: هو الذي أَمَره رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأمر قومه أن يصوموا يومَ عاشوراء، ونسب ابنُ ماكولا (¬2) أخاه أسماءَ مثلَ قولِ أبي عمرو، كلهم قالوا: أسلميٌّ، وكانوا ثمانيةَ إخوةٍ أسلموا، وصحبوا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وهم: أسماء، وهندٌ، وخِراشٌ، وذؤيبٌ، وحمران، وفضالة، وسلمة، ومالك، ولزم هندٌ وأسماء رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فكانا يخدمانه، وكانا من أهل الصفَّة، قال أبو هريرة: ما كنتُ أرى هنداً وأسماء إلا خادِمَين لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - من طولِ لزومِهما بابَه. ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين في "ج". (¬2) في "ج": "ونسب الكلبي أسماء إلى ابن ماكولا".

ثمَّ (¬1) أخرج من "مسند أحمد" عن هندِ بنِ أسماء، قال: بعثني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلى قومي من أسلمَ، فقال: "مُرْ قَوْمَكَ فَلْيَصُومُوا هَذَا اليَوْمَ، يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَمَنْ وَجَدْتَهُ قَدْ أكَلَ في أَوَّلِ اليَوْمِ، فَلْيَصُمْ آخِرَهُ" (¬2). قال: فقد نسبه أحمدُ بنُ حنبل في حديثه مثلَ ابنِ منده، وأبي نُعيم (¬3). وقال في أسماءَ بنِ حارثةَ بنِ هندٍ: يقال: هو أسلميٌّ، ويكنى: أبا هندٍ، له صحبةٌ، وكان هو وأخوه هندٌ من أهل الصفَّة. قال أبو هريرة: ما كنتُ أرى هنداً (¬4) وأسماء ابني حارثةَ إلا خادِمَيْنِ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من طول ملازمتهما بابهَ، وخدمِتهما له. وأسماءُ هو الذي بعثَه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يومَ عاشوراءَ إلى قومه، فقال: "مُرْ قَوْمَكَ بِصِيَامِ عَاشُورَاءَ"، قال: أرأيتَ إن وجدتهُم قد طعموا؟ قال: "فَلْيُتِمُّوا" (¬5)، انتهى. فجزم هنا بأن أسماء هو المبعوثُ، على خلاف ما تقدم، ويمكن الجمعُ بينهما، ويمكن أنهما بُعثا واحداً بَعد (¬6) واحد، فنُسب ذلك إلى كلِّ واحد. ¬

_ (¬1) "ثم" ليست في "ج". (¬2) رواه الإمام أحمد في "مسنده" (3/ 484). (¬3) انظر: "أسد الغابة" لابن الأثير (5/ 432 - 433). (¬4) في "ج": "هند". (¬5) رواه الإمام أحمد في "مسنده" (4/ 78). وانظر: "أسد الغابة" (1/ 122). (¬6) "واحداً بعد" ليست في "ج".

2993 - (7267) [[حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ تَوْبَةَ العَنْبَرِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي الشَّعْبِيُّ أَرَأَيْتَ حَدِيثَ الحَسَنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وَقَاعَدْتُ ابْنَ عُمَرَ قَرِيبًا، مِنْ سَنَتَيْنِ أَوْ سَنَةٍ وَنِصْفٍ فَلَمْ أَسْمَعْهُ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ هَذَا قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ سَعْدٌ، فَذَهَبُوا يَأْكُلُونَ مِنْ لَحْمٍ، فَنَادَتْهُمُ امْرَأَةٌ مِنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ لَحْمُ ضَبٍّ، فَأَمْسَكُوا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُوا أَوِ اطْعَمُوا، فَإِنَّهُ حَلاَلٌ - أَوْ قَالَ لاَ بَأْسَ بِهِ شَكَّ فِيهِ - وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ طَعَامِي» (فَنَادَتْهُمُ امْرَأَةٌ مِنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ لَحْمُ ضَبٍّ)]] (*) هذه المرأة هي: ميمونة - رضي الله عنها -، [كما صرَّح به مسلم (¬1)؛ فإنَّ التي جاءت بالضب، هي أختها أمُّ حُفَيْد، واسمها هُزيلة، ويقال: حُفَيدة] (¬2)، كذا في البخاري، وتقدم ما يدلُّ على ذلك. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1946). (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفات المزدوجة سقط من المطبوع واستدركه (موقع المكتبة الوقفية) من مخطوطة فاتح باشا بالسليمانية

كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة

كتاب الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة

باب قول النبي صلى الله عليه وسلم بعثت بجوامع الكلم

[[بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الكَلِمِ 2994 - (7273) - حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ فَوُضِعَتْ فِي يَدِي»، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَدْ ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتُمْ تَلْغَثُونَهَا، أَوْ تَرْغَثُونَهَا، أَوْ كَلِمَةً تُشْبِهُهَا «بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الكَلِمِ»]] (*) قال الهروي: يعني: القرآن، جمعَ الله في الألفاظ اليسيرة منه معانيَ كثيرةً. وقال الداودي: مما آتاه الله من جوامع الكلم: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} [الأعراف: 199]، الآية، فدخل في هذا جميعُ الأمر والنهي، وقبولُ الفرائض ومراعاتها، وكانت الأنبياء لا تُطْنِبُ، إنما تقول جُملًا تُؤدي بها ما أُمرت به، وتبلِّغ ما أرادت، وتوضِّح ما يُحتاج إلى إيضاحه (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (33/ 15). (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفات المزدوجة سقط من المطبوع واستدركه (موقع المكتبة الوقفية) من مخطوطة فاتح باشا بالسليمانية

(وأنتم تلغثونها): باللام والغين المعجمة. قال (¬1) ابن بطال: لم أجده فيما (¬2) تصفَّحته من [كتب] اللغة (¬3). قال الحافظ مغلطاي: وذكر ابنُ أبي شيبة أَنَّ اللَّغِيثَ - بالغين المعجمة وبعد الياء أختِ الواو ثاءٌ (¬4) مثلثة -: الطعامُ المخلوطُ بالشعير، وفي الكتاب المعروف بـ "المنتهى" لأبي المعالي: لَغَثَ طعامَه، ولَعثَهُ: - بالغين والعين (¬5) -: إذا أفرغَه. انتهى (¬6). فمعناه: وأنتم تأكلونها؛ أي: الدنيا. (أو تَرْغَثونها): أي: تَرْضَعونها، من قولهم: رَغَثَ الجَدْيُ أُمَّه: إذا رَضَعَها. (أو كلمةً تُشبهها): قال الحافظ مغلطاي: زعمَ بعضُ مَنْ تكلم على هذا الحديث: أنه رواه: "تلعقونها"، فإن صح ما قاله، فمعناه ظاهر، وفي رواية تقدمت: "تَنْتَثِلُونَها (¬7) ": - بمثناتين فوقيتين بينهما نون، وبعدها ثاء مثلثة -، وتقدم تفسيرُ معناها. * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "وقال". (¬2) في "ج": "أجد فيها". (¬3) انظر: "شرح ابن بطال" (10/ 330). (¬4) في "ج": "وثاء". (¬5) "والعين" ليست في "ج". (¬6) انظر: "التوضيح" (33/ 16 - 17). (¬7) في "ج": "وأنتم تنتثلونها".

باب: الاقتداء بسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

باب: الاِقْتِدَاءِ بِسُنَنِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - 2995 - (7281) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَادَةَ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا سَلِيمُانُ بْنُ حَيَّانَ - وَأَثْنَى عَلَيْهِ -، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ، حَدَّثَنَا - أَوْ سَمِعْتُ - جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: جَاءَتْ مَلاَئِكَةٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ ناَئِمٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ نَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْعَيْنَ ناَئِمَةٌ، وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ، فَقَالُوا: إِنَّ لِصَاحِبِكُمْ هَذَا مَثَلًا، فَاضْرِبُوا لَهُ مَثَلًا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ ناَئِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْعَيْنَ ناَئِمَةٌ، وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ، فَقَالُوا: مَثَلُهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَاراً، وَجَعَلَ فِيهَا مَأْدُبَةً وَبَعَثَ دَاعِياً، فَمَنْ أَجَابَ الدَّاعِيَ، دَخَلَ الدَّارَ، وَأكَلَ مِنَ الْمَأْدُبَةِ، وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّاعِيَ، لَمْ يَدْخُلِ الدَّارَ، وَلَمْ يَأْكُلْ مِنَ الْمَأْدُبَةِ، فَقَالُوا: أَوِّلُوهَا لَهُ يَفْقَهْهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ نَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْعَيْنَ ناَئِمَةٌ، وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ، فَقَالُوا: فَالدَّارُ الْجَنَّةُ، وَالدَّاعِي مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم -، فَمَنْ أَطَاعَ مُحَمَّداً - صلى الله عليه وسلم -، فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَى مُحَمَّداً - صلى الله عليه وسلم -، فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - فَرْقٌ بَيْنَ النَّاسِ. (ثنا محمدُ بنُ عَبادة): - بفتح العين وتخفيف الباء -، ومَنْ عَداه في "الصحيحين" بضمِّها. (وجعلَ فيها مأدبة): - بضم الدال المهملة وفتحها -: لغتان فصيحتان، حكاهما الجوهري (¬1) وغيره، والمشهور: الضمُّ، وهو الطعامُ يُصنع ويدعو إليه الناسَ. ¬

_ (¬1) انظر: "الصحاح" (1/ 86)، (مادة: أدب).

[[(وَمُحَمَّدٌ فَرْقٌ بَيْنَ النَّاسِ)]] (*) - بإسكان الراء - من "فَرْق" (¬1) على أنه اسم، وتشديدها على أنه فعلٌ ماضِ، والمعنى: أنه من آمن به وأطاعه، فقد نجا، ومن كفر به، وعصاه، فقد هلك، فهو حينئذ فارقٌ بين الناجي والهالك من الناس، جعلنا الله من أمته المتمسكين بمحبته وطاعته، وحشرنا في زمرتهم بمنه وكرمه (¬2). 2996 - (7282) - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: «يَا مَعْشَرَ القُرَّاءِ اسْتَقِيمُوا فَقَدْ سَبَقْتُمْ سَبْقًا بَعِيدًا، فَإِنْ أَخَذْتُمْ يَمِينًا وَشِمَالًا، لَقَدْ ضَلَلْتُمْ ضَلاَلًا بَعِيدًا» (اسْتَقِيمُوا فَقَدْ سَبَقْتُمْ سَبْقًا بَعِيدًا)]] (*) الذي حكاه ابن بطال، والسفاقسي، وغيرهما: فتح السين من سَبقتم، وحكى الزركشي الضمَّ أيضًا (¬3). 2997 - (7283) [[حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ، كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمًا فَقَالَ: يَا قَوْمِ، إِنِّي رَأَيْتُ الجَيْشَ بِعَيْنَيَّ، وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ العُرْيَانُ، فَالنَّجَاءَ، فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَدْلَجُوا، فَانْطَلَقُوا عَلَى مَهَلِهِمْ فَنَجَوْا، وَكَذَّبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ، فَأَصْبَحُوا مَكَانَهُمْ، فَصَبَّحَهُمُ الجَيْشُ فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ أَطَاعَنِي فَاتَّبَعَ مَا جِئْتُ بِهِ، وَمَثَلُ مَنْ عَصَانِي وَكَذَّبَ بِمَا جِئْتُ بِهِ مِنَ الحَقِّ»]] ¬

_ (¬1) في "ج": من فوق. (¬2) "أيضاً" ليست في "ج". (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1255). (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفات المزدوجة سقط من المطبوع واستدركه (موقع المكتبة الوقفية) من مخطوطة فاتح باشا بالسليمانية

[[«إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ العُرْيَانُ»]] (*) قال ابن السَّكَن: هو رجلٌ من خَثْعَم، حملَ عليه يومَ ذي الخَلَصَة عوفُ بنُ عامر، فقطعَ يدَه ويدَ امرأته. وقال الخطابي: إن (¬1) النذيرَ إذا كان على مركبٍ عالٍ، فبصُرَ (¬2) بالعدو، ونزعَ ثوبَه، وَلوَّحَ به، يُنذر (¬3) به القومَ، فيبقى عُرياناً. [وقال أبو عبد الملك: هذا مثلٌ قديم، وذلك أنَّ رجلًا لقي جيشاً، فجرَّدوه، وبقي عُرياناً] (¬4)، فجاء إلى المدينة، فسُئل عن الجيش، فقال: رأيته بعيني، وها أنا عريان بسبب لقائي لهم، وتجريدهم إيايَ، فأنا نذيرٌ لكم (¬5). [[فَالنَّجَا]] (*) بالنصب، وقد سبق. ¬

_ (¬1) في "ج": "إني". (¬2) في "ج": "فيصير". (¬3) في "ج": "ونذر". (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬5) انظر: "التوضيح" (33/ 26 - 27). (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفات المزدوجة سقط من المطبوع واستدركه (موقع المكتبة الوقفية) من مخطوطة فاتح باشا بالسليمانية

2998 - (7286) - حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - قَالَ: قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ، فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الْحُرِّ بْنِ قَيْسِ بْنِ حِصْنٍ، وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ - وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجْلِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ، كُهُولًا كَانُوا أَوْ شُبَّاناً - فَقَالَ عُيَيْنَةُ لاِبْنِ أَخِيهِ: يَا ابْنَ أَخِي! هَلْ لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الأَمِيرِ فَتَسْتَأْذِنَ لِي عَلَيْهِ؟ قَالَ: سَأَسْتَأْذِنُ لَكَ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَاسْتَأْذَنَ لِعُيَيْنَةَ، فَلَمَّا دَخَلَ، قَالَ: يَا بْنَ الْخَطَّابِ! وَاللَّهِ! مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ، وَمَا تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ. فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ بِأَنْ يَقَعَ بِهِ، فَقَالَ الْحُرُّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لنَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم -: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]، وَإِنَّ هَذَا مِنَ الْجَاهِلِينَ، فَوَاللَّهِ! مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلاَهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ وَقَّافاً عِنْدَ كتَابِ اللَّهِ. (على ابن أخيه الحُرِّ بنِ قيس): بحاء مهملة مضمومة وراء مشددة، وفي الأنصار: الجَدُّ بنُ قيس - بالجيم والدال -: سيدُ بني سَلِمَةَ. (ما تعطينا الجَزْلَ): أي: العطاءَ الكثير. وعينية قائلُ هذا الكلام كان سيدَ قومه، وهو الأحمقُ المطاعُ، ولم يُعرف رئيسٌ شحيحٌ إلا أبو سفيان، ولا رئيسٌ صغيرٌ إلا أبو جميل (¬1). (فما جاوزها عمر، وكان وَقَّافاً عندَ كتاب الله): هذا هو معنى الترجمة التي أدخل فيها الحديث (¬2)، وهو قوله: باب الاقتداء ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (33/ 28). (¬2) في "ج": "فيها الترجمة لحديث".

باب: ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه

بسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. * * * باب: مَا يُكْرَهُ مِن كثْرَةِ السُّؤَالِ وَتَكَلُّفِ مَا لاَ يَعْنِيهِ 2999 - (7297) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى ابْنُ يُونُسَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في حَرْثٍ بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَسِيبٍ، فَمَرَّ بِنَفَرٍ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ تَسْأَلُوهُ، لاَ يُسْمِعْكُمْ مَا تَكْرَهُونَ. فَقَامُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِم! حَدِّثْنَا عَنِ الرُّوحِ. فَقَامَ سَاعَةً يَنْظُرُ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ، فَتَأَخَّرْتُ عَنْهُ، حتَّى صَعِدَ الْوَحْيُ، ثُمَّ قَالَ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: 85]. (ثم قال: يسئلونك عن الروح): قال بعضهم: التلاوة: {وَيَسْأَلُونَكَ}: بإثبات الواو؛ يعني: أن هذا مما وقع في البخاري من الآيات المتلوة على غير وجهها. قلت: ليس هذا من قبيل المغير، وذلك لأن الآية المقترنة بحرف عطف يجوز عند حكايتها أن يقرن بالعاطف، وأن يخلى (¬1) منه، نصَّ على جواز الأمرين الشيخُ بهاءُ (¬2) الدين بنُ (¬3) السبكي في "شرح مختصر ابن الحاجب". ¬

_ (¬1) في "ج": "يحكي". (¬2) في "ج": "شهاب". (¬3) "بن" ليست في "ج".

مثال الأول: ما أجد لي ولكم مثالًا إلا كما قال العبد الصالح: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} [يوسف: 18]، إلى غير ذلك، وهو كثير. ومثال الثاني: قولُه - عليه السلام - حين سُئل عن الخمر: "ما أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ إِلَّا هَذِهِ الآيةُ الجَامِعَةُ الفَاذَّةُ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] " (¬1)، وقد أشبعنا (¬2) الكلام على (¬3) ذلك في "حاشية المغني"، فليراجع منها. 3000 - (7302) [[حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: كَادَ الخَيِّرَانِ أَنْ يَهْلِكَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، لَمَّا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ، أَشَارَ أَحَدُهُمَا بِالأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ التَّمِيمِيِّ الحَنْظَلِيِّ أَخِي بَنِي مُجَاشِعٍ، وَأَشَارَ الآخَرُ بِغَيْرِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: إِنَّمَا أَرَدْتَ خِلاَفِي، فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَرَدْتُ خِلاَفَكَ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: 2] إِلَى قَوْلِهِ {عَظِيمٌ} [الحجرات: 3]، قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، فَكَانَ عُمَرُ بَعْدُ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ عَنْ أَبِيهِ يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ، إِذَا حَدَّثَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَدِيثٍ حَدَّثَهُ كَأَخِي السِّرَارِ لَمْ يُسْمِعْهُ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ]] (*) ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2860)، ومسلم (987) عن أبي هريرة رضي الله عنه. (¬2) في "ج": "استغنى". (¬3) في "ج": "عن". (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفات المزدوجة سقط من المطبوع واستدركه (موقع المكتبة الوقفية) من مخطوطة فاتح باشا بالسليمانية

[[(كَادَ الخَيِّرَانِ أَنْ يَهْلِكَا)]] (*) الخيران - بتشديد الياء -: تثنية خَيِّر: وهو الرجل الكثيرُ الخيرِ، ويَهْلِكا: بكسر اللام، وفيه دخول "أن" على خبر "كاد"، وهو قليل. أي: كصاحبِ السِّرار؛ أي: لا يرفعُ صوتَه إذا حدثه، بل يكلمه كلاماً مثلَ المسارَّةِ، وشِبْهَها (¬1) بخفضِ صوتِه. [[(كَأَخِي السِّرَارِ)]] (*) قال الزمخشري: ولو أريد بأخي السرار: المسارُّ، كان وجهاً، والكافُ على هذا في محل نصب على الحال؛ يعني: [لأن التقدير: حدّثه مثلَ الشخص المسارِّ، قال: وعلى الأوَّل: صفة لمصدر محذوف؛ يعني] (¬2): لأن التقدير؛ حدثته حديثاً مثلَ المسارَّة. [[(لَمْ يُسْمِعْهُ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ)]] (*) قال الزمخشري: والضمير في "يسمعه" راجع للكاف إذا جُعلت صفةً للمصدر، و"لا (¬3) يسمعه": منصوب المحل بمنزلة الكاف على الوصفية، وإذا جُعلت حالًا، كان الضمير لها أيضاً؛ إلا إن قُدر مضاف، كقولك: يَسمع صوته، فحذف الصوت، وأقيم الضمير مقامه، ولا يجوز أن يجعل "لا يسمعه" حالًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن المعنى يصير خَلْفاً (¬4) ركيكاً، انتهى (¬5). ¬

_ (¬1) في "ج": "وشبهاً". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬3) في "م": "لم". (¬4) في "ج": "خليفاً". (¬5) انظر: "الفائق في غريب الحديث" (1/ 27 - 28). (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفات المزدوجة سقط من المطبوع واستدركه (موقع المكتبة الوقفية) من مخطوطة فاتح باشا بالسليمانية

3001 - (7305) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَني مَالِكُ بْنُ أَوْسٍ النَّصْرِيُّ، وَكَانَ مُحَمَّدُ ابْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ذَكَرَ لِي ذِكْراً مِنْ ذَلِكَ. فَدَخَلْتُ عَلَى مَالِكٍ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: انْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى عُمَرَ أَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَا، فَقَالَ: هَلْ لَكَ في عُثْمَانَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالزُّبَيْرِ، وَسَعْدٍ يَسْتَأْذِنُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَدَخَلُوا، فَسَلَّمُوا وَجَلَسُوا، فَقَالَ: هَلْ لَكَ في عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ؟ فَأَذِنَ لَهُمَا، قَالَ الْعَبَّاسُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ الظَّالِمِ - اسْتَبَّا - فَقَالَ الرَّهْطُ - عُثْمَانُ وَأَصْحَابُهُ -: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! اقْضِ بَيْنَهُمَا، وَأَرِحْ أَحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ، فَقَالَ: اتَّئِدُوا، أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي بإذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ! هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لاَ نوُرَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ". يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَفْسَهُ؟ قَالَ الرَّهْطُ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ، فَأَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ! هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ ذَلِكَ؟ قَالاَ: نَعَمْ، قَالَ عُمَرُ: فَإِنِّي مُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الأَمْرِ: إِنَّ اللَّهَ كَانَ خَصَّ رَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم - في هَذَا الْمَالِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ} الآية [الحشر: 6]، فَكَانَتْ هَذِهِ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ - وَاللَّهِ - مَا احْتَازَهَا دُونَكُمْ، وَلاَ اسْتَأْثَرَ بِهَا عَلَيْكُمْ، وَقَدْ أَعْطَاكُمُوهَا، وَبثَّهَا فِيكُمْ، حَتَّى بَقِيَ مِنْهَا هَذَا الْمَالُ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ، فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ، فَعَمِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِذَلِكَ حَياتَهُ، أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ! هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ. ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ: أَنْشُدُكُمَا اللَّهَ! هَلْ تَعْلَمَانِ ذَلِكَ؟ قَالاَ: نَعَمْ، ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ نبَيَّهُ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَبَضَهَا أَبُو

بَكْرٍ، فَعَمِلَ فِيهَا بِمَا عَمِلَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَنْتُمَا حِينَئِذٍ - وَأَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ - تَزْعُمَانِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ فِيهَا كَذَا، وَاللَّهُ يَعْلَمُ: أَنَّهُ فِيهَا صَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ، ثمَّ تَوَفَّى اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ، فَقُلْتُ: أَناَ وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبي بَكْرٍ، فَقَبَضْتُهَا سَنتَيْنِ، أَعْمَلُ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ جِئْتُمَانِي وَكَلِمَتُكُمَا عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَمْرُكُمَا جَمِيعٌ، جِئْتَنِي تَسْأَلُنِي نصِيبَكَ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ، وَأَتَانِي هَذا يَسْأَلُنِي نَصِيبَ امْرَأَتِهِ مِنْ أبِيهَا، فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتُمَا، دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ، تَعْمَلاَنِ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَبِمَا عَمِلَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ، وَبِمَا عَمِلْتُ فِيهَا مُنْذُ وَلِيتُهَا، وَإِلَّا فَلاَ تُكَلِّمَانِي فِيهَا، فَقُلْتُمَا: ادْفَعْهَا إِلَيْنَا بِذَلِكَ، فَدَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ. أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ! هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْهِمَا بِذَلِكَ؟ قَالَ الرَّهْطُ: نَعَمْ، فَأقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ! هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ؟ قَالاَ: نَعَمْ، قَالَ: أَفَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ؟ فَوَالَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ! لاَ أَقْضِي فِيهَا قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا، فَادْفَعَاهَا إِلَيَّ، فَأَنَا أَكْفِيكُمَاهَا. (قال العباس: يا أمير المؤمنين! اقض بيني وبين الظالم): يعني: ابنَ أخيه عليَّ بنَ أبي طالب - رضي الله عنه -، ولا يريد أنه ظالم للناس، وأن الظلم من شِيَمِه وأخلاقه - معاذ الله -، وإنما يريد: الظالمَ لي في هذا الأمر، على ما ظهرَ له. (استَبَّا): قال الداودي: يعني (¬1): أن كلَّ واحد منهما يدَّعي أنه هو ¬

_ (¬1) في "ج": "بمعنى".

المظلوم (¬1) في هذا الأمر، وليس المراد أن علياً يسبُّ العباسَ بغير ذلك؛ لأنه كأبيه، ولا أن العباس يسبُّ علياً بغير ذلك؛ لفضلِ عليٍّ وسابقته (¬2)، رضي الله عنهما (¬3). [[بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» 3002 - (7319) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَأْخُذَ أُمَّتِي بِأَخْذِ القُرُونِ قَبْلَهَا، شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ»، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَفَارِسَ وَالرُّومِ؟ فَقَالَ: «وَمَنِ النَّاسُ إِلَّا أُولَئِكَ» (حَتَّى تَأْخُذَ أُمَّتِي بِأَخْذِ القُرُونِ قَبْلَهَا)]] (*) أي: حتى تسلكَ سُبُلَها، وتقتفيَ آثارها، وتحذوَ حَذْوَها، والإِخَذ: بكسر الهمزة وفتح الخاء المعجمة وذاله معجمة أيضاً، جمع إِخْذَة، مثل: قِرْبَة وقِرَب. يقال: أَخَذَ بإِخْذِهِ؛ أي: بِمَأْخَذِهِ (¬4) وطريقتِه. ¬

_ (¬1) في "ج": "الظالم المظلوم". (¬2) "وسابقته" ليست في "ج". (¬3) انظر: "التوضيح" (33/ 62). (¬4) في "ج": "بما يأخذه". (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفات المزدوجة سقط من المطبوع واستدركه (موقع المكتبة الوقفية) من مخطوطة فاتح باشا بالسليمانية

3003 - (7320) [[حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الصَّنْعَانِيُّ، مِنَ اليَمَنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ»، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اليَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: «فَمَنْ» «لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ»]] (*) قال السفاقسي: السَّنَن - بفتح السين والنون -: الطريقة، يقال: استقامَ فلانٌ على سَنَنٍ واحدٍ، قال: وقرأناه بضم السين، وهو جمع سُنَّة، وهي العبادة (¬1). [[قلت]] (*) في "الصحاح": سَنَنُ الطريقِ؛ يريدُ: بفتح السين والنون، وسُنَنُهُ؛ يريد: بضمها، وسُنَّتُه: يريد: بضم السين وفتح النون: ثلاثُ لغات بمعنى واحد (¬2). 3003 - (7324) [[حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ]] ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (33/ 95). (¬2) انظر: "الصحاح" (5/ 2138)، (مادة: سنن). (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفات المزدوجة سقط من المطبوع واستدركه (موقع المكتبة الوقفية) من مخطوطة فاتح باشا بالسليمانية

باب: إذا اجتهد العالم - أو الحاكم - فأخطأ خلاف الرسول من غير علم فحكمه مردود لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد"

أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُمَشَّقَانِ مِنْ كَتَّانٍ، فَتَمَخَّطَ، فَقَالَ: بَخْ بَخْ، أَبُو هُرَيْرَةَ يَتَمَخَّطُ في الْكَتَّانِ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنِّي لأَخِرُّ فِيمَا بَيْنَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ مَغْشِيّاً عَلَيَّ، فَيَجيءُ الْجَائِي، فَيَضَعُ رِجْلَهُ عَلَى عُنُقِي، وَيُرَى أنِّي مَجْنُونٌ، وَمَا بِي مِنْ جُنُونٍ، مَا بِي إِلَّا الْجُوعُ. (مُمَشَّقانِ): أي: مصنوعان بالمَشْق - بفتح الميم وكسرها -، وهو: المَغْرَةُ الحمراء، يُصبغ بها الأحمرُ من الأشياء (¬1). * * * 3005 - (7339) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حدثنا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ: أَنَّ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ حَدَّثَهُ: عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ يُوضَعُ لِي وَلِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - هَذَا الْمِرْكَنُ، فَنَشْرَعُ فِيهِ جَمِيعاً. (المِرْكَن): - بكسر الميم -: الإِجَّانَةُ التي يُغسل فيها الثيابُ. * * * باب: إِذَا اجْتَهَدَ العَالِمُ - أَوِ الحَاكِمُ - فَأَخْطَأَ خِلاَفَ الرَّسُولِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ فَحُكْمُهُ مَرْدُودٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ" 3006 - (7350 و 7351) - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 388).

باب: الحجة على من قال: إن أحكام النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت ظاهرة، وما كان يغيب بعضهم من مشاهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمور الإسلام

ابْنِ بِلاَلٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَجيدِ بْنِ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يُحَدِّثُ: أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَاهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ أَخَا بَنِي عَدِيٍّ الأَنْصَارِيَّ، وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى خَيْبَرَ، فَقَدِمَ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ "، قَالَ: لاَ - وَاللَّهِ - يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا لَنَشتَرِي الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ مِنَ الْجَمْعِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَفْعَلُوا، وَلَكِنْ مِثْلًا بِمِثْلٍ، أَوْ بِيعُوا هَذَا، وَاشْتَرُوا بِثَمَنِهِ مِنْ هَذَا، وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ". (بعث أخا بني عدي الأنصاريَّ): هو سوادُ بنُ غزيةَ البكريُّ، حليفُ بني عديِّ بنِ النجَّارِ، استعملَه على خبير. * * * باب: الْحُجَّةِ عَلَى مَنْ قَالَ: إِنَّ أَحْكَامَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَتْ ظَاهِرَةً، وَمَا كَانَ يَغِيبُ بَعْضُهُمْ مِنْ مَشَاهِدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأُمُورِ الإسْلاَمِ (باب: الحجة على من قال: إن أحكام النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت ظاهرة ... إلى آخره): مقصوده (¬1) بهذه الترجمة: الردُّ على من زعم أن التواتر شرطُ (¬2) قبولِ الخبر، وحَقَّقَ بما ذكره قبولَ خبرِ الآحاد، وأنه لا يُشترط عدمُ الواسطة ¬

_ (¬1) في "ج": "مقصود". (¬2) في "ج": "بشروط".

باب من رأى ترك النكير من النبي صلى الله عليه وسلم حجة، لا من غيره

في الحديث، وإن كانت (¬1) المشافهة ممكنة لمن روى بواسطة (¬2). [[بَابُ مَنْ رَأَى تَرْكَ النَّكِيرِ (¬3) مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّةً، لاَ مِنْ غَيْرِه]] (*) فيه أمران ينبغي التنبيه عليهما: [[الأول]] أن سكوته - عليه السلام - على ما يقع بمرأًى منه ومسمع، من غير (¬4) إنكارٍ منه، لا شكَّ في أنه حجة؛ لأنه لا يُقِرُّ على باطل، لكن هل هو مخصوصٌ بسكوتٍ يلزمُ منه مفسدةٌ لو لم يكن السكوتُ عليه حلالًا، أو هو عام في ذلك، وفيما لا يلزم من السكوت عليه وقوعُ مفسدة؟ فيه نظر للشيخ تقيِّ الدينِ بنِ دقيقِ العيد. [[ومثاله]] (*) طلاقُ الملاعِنِ زوجتَه ثلاثاً بعدَ فراغ اللعان، وسكت عليه النبيُّ - عليه الصلاة والسلام -، هل يكون سكوتُه دليلًا على جواز إرسال الثلاثِ حيث يعتبر، وذلك في المنكوحة، أو لا دليل فيه هنا؛ لأن المطلق أرسلَ الثلاثَ ظاناً بقاء النكاح، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم أنها بانت منه باللعان، وأن

_ (¬1) في "ج": "كان". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1259). (¬3) في "م": "التكبير". (¬4) في "ج": "غير". (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفات المزدوجة سقط من المطبوع واستدركه (موقع المكتبة الوقفية) من مخطوطة فاتح باشا بالسليمانية

هذا الكلام لغو؟ (¬1). [[الثاني]] (*) قوله: "لا من غيره" فيه نظر؛ فإنه إذا أفتى واحد في مسألة تكليفية، وعرفَ به أهلُ الإجماع، وسكتوا عليه، ولم ينكره أحد، ومضى قدرُ مهلةِ النظر في تلك الحادثة عادةً، وكان ذلك القول المسكوت (¬2) عليه واقعاً في محل الاجتهاد، فالصحيح: أنه حجة. وهل هو إجماع، أو لا؟ فيه خلاف. قالوا: والخلافُ لفظي (¬3). وعلى الجملة: قد تصورنا في بعض الصور أن ترك النكير (¬4) من غير النبي - صلى الله عليه وسلم - حجة. 3007 - (7355) [[حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، قَالَ: رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَحْلِفُ بِاللَّهِ: أَنَّ ابْنَ الصَّائِدِ الدَّجَّالُ، قُلْتُ: تَحْلِفُ بِاللَّهِ؟ قَالَ: «إِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يُنْكِرْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»]] (*) ¬

_ (¬1) انظر: "شرح الإلمام" لابن دقيق (1/ 93). (¬2) في "ج": "السكوت". (¬3) انظر: "البحر المحيط" للزركشي (3/ 549). (¬4) في "م": "التكبير". (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفات المزدوجة سقط من المطبوع واستدركه (موقع المكتبة الوقفية) من مخطوطة فاتح باشا بالسليمانية

(سمعت عمر - رضي الله عنه - يحلف على ذلك عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلم يُنْكِر): يعني: أنه سمعه يحلف (¬1): أن ابن صياد الدجالُ. وقد نازع الشيخ تقيُّ الدين بنُ دقيق العيد، وقال: عندي أنه لا يدل على ما ذكره؛ لأن مأخذ المسألة - أعني: كون التقرير حجةً - هو العصمةُ من التقرير على باطل، وذلك يتوقف على تحقيق البطلان، ولا يُكتفى فيه بعدم (¬2) تحقُّق الصحة (¬3). وقد يقال: هذا محمولٌ على أنه لم ينكره إنكارَ مَنْ نفى كونَه الدجالَ، بدليل أنه أيضاً لم يسكتْ على ذلك، بل أشارَ إلى أنه متردد. ففي "الصحيحين" أنه قال لعمر: "إِنْ يَكُنْ هُوَ، فَلَنْ تُسَلَّطَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ، فَلاَ خَيْرَ لَكَ في قَتْلِهِ" (¬4)، فردَّدَه في أمره، فلما حلف عمرُ على ذلك، صار حالفاً على غلبةِ ظَنِّه، والبيانُ قد تقدَّمَ من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم هذا سكوتٌ عن حلفٍ على أمرٍ غيبٍ، لا على حكمٍ شرعي. ولعل مسألة السكوت والتقدير مختصة بالأحكام الشرعية، لا للأمور الغيبية التي قد يكون مطلب الجهل بها واقعاً، والله تعالى ¬

_ (¬1) "يحلف" ليست في "ج". (¬2) في "م": "عدم". (¬3) انظر: "شرح الإلمام" (1/ 96). (¬4) رواه البخاري (3055)، ومسلم (2930) عن ابن عمر رضي الله عنهما.

باب: الأحكام التي تعرف بالدلائل، وكيف معنى الدلالة وتفسيرها

أعلم بالصواب (¬1). * * * باب: الأَحْكَامِ التي تُعْرَفُ بِالدَّلاَئِلِ، وَكَيْفَ مَعْنَى الدِّلاَلَةِ وَتَفْسِيرُهَا 3008 - (7357) - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ امْرَأَةً سَألتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ - هُوَ ابْنُ عُقْبْةَ -، حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ النُّمَيْرِيُّ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ شَيْبَةَ، حَدَّثَتْنِي أُمِّي، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْحَيْضِ، كَيْفَ تَغْتَسِلُ مِنْهُ؟ قَالَ: "تأخُذِينَ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً، فَتَوَضَّئِينَ بِهَا". قَالَتْ: كَيْفَ أتوَضَّأُ بِهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "تَوَضَّئِي". قَالَتْ: كَيْفَ أتوَضَّأُ بِهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "تَوَضَّئِينَ بِهَا". قَالَتْ عَائِشَةُ: فَعَرَفْتُ الَّذِي يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَجَذَبْتُهَا إِلَيَّ، فَعَلَّمْتُهَا. (أن امرأة سألت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عن الحيض): تقدم أنها أسماءُ بِنْتُ شَكَلٍ، كذا في مسلم (¬2)، وقال الخطيب: أسماءُ بنتُ يزيدَ بنِ السَّكَن. * * * ¬

_ (¬1) "بالصواب" ليست في "ج". (¬2) رواه مسلم (332).

3009 - (7359) [[حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا، أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا، وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ»، وَإِنَّهُ أُتِيَ بِبَدْرٍ، قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: يَعْنِي طَبَقًا، فِيهِ خَضِرَاتٌ مِنْ بُقُولٍ، فَوَجَدَ لَهَا رِيحًا، فَسَأَلَ عَنْهَا فَأُخْبِرَ بِمَا فِيهَا مِنَ البُقُولِ، فَقَالَ: «قَرِّبُوهَا»، فَقَرَّبُوهَا إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ كَانَ مَعَهُ، فَلَمَّا رَآهُ كَرِهَ أَكْلَهَا قَالَ: «كُلْ فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لاَ تُنَاجِي»، وَقَالَ ابْنُ عُفَيْرٍ، عَنْ ابْنِ وَهْبٍ: بِقِدْرٍ فِيهِ خَضِرَاتٌ، وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّيْثُ، وَأَبُو صَفْوَانَ، عَنْ يُونُسَ قِصَّةَ القِدْرِ فَلاَ أَدْرِي هُوَ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ أَوْ فِي الحَدِيثِ (فِيهِ خَضِرَاتٌ)]]- بفتح الخاء وكسر الضاد، وكلتاهما معجمة -: جمع خَضِرة؛ أي: بُقولٌ خضرة (¬1). وضبطه الأصيلي بضم الخاء وفتح الضاد (¬2). 3010 - (7361) [[وَقَالَ أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، سَمِعَ مُعَاوِيَةَ، يُحَدِّثُ رَهْطًا مِنْ قُرَيْشٍ بِالْمَدِينَةِ، وَذَكَرَ كَعْبَ الأَحْبَارِ فَقَالَ: «إِنْ كَانَ مِنْ أَصْدَقِ هَؤُلاَءِ المُحَدِّثِينَ الَّذِينَ يُحَدِّثُونَ عَنْ أَهْلِ الكِتَابِ، وَإِنْ كُنَّا مَعَ ذَلِكَ لَنَبْلُو عَلَيْهِ الكَذِبَ»]] (*) ¬

_ (¬1) "أي بقول خضرة" ليست في "ج". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1261). (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفات المزدوجة سقط من المطبوع واستدركه (موقع المكتبة الوقفية) من مخطوطة فاتح باشا بالسليمانية

[[(وَإِنْ كُنَّا مَعَ ذَلِكَ لَنَبْلُو عَلَيْهِ الكَذِبَ)]] (*) الضميرُ المخفوض بـ "على" يعود على كعب الأحبار؛ يعني: لنُجيز عليه؛ يعني: أنه يخطئ فيما يقوله في بعض الأحيان، ولم يُرد أنه كان كذاباً، كذا ذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثقات". وقيل (¬1): إن الهاء في "عليه" راجعة إلى "الكتاب"، من قوله: إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن الكتاب، وذلك لأن كتبهم قد بُدِّلَت وحُرِّفت، وليس عائداً على كعب. قال القاضي: وعندي أنه يصح عودُه على كعب، أو على حديثه، وإن لم يقصد الكذب أو يتعمده كعبٌ، إذ لا يشترط في الكذب عند أهل السنة التعمُّدُ، بل هو إخبارٌ بالشيء على خلاف ما هو عليه، وليس في هذا تجريحٌ لكعبٍ بالكذب. وقال أبو الفرج بن الجوزي: يعني: أن الكذب فيما يخبر به عن أهل الكتاب، لا منه، فالأخبارُ التي يحكيها عن القوم يكون بعضُها كذباً، فأما كعبُ الأحبار، فهو من خِيار الأحبار (¬2). ¬

_ (¬1) في "ج": "وقال". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1261). (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفات المزدوجة سقط من المطبوع واستدركه (موقع المكتبة الوقفية) من مخطوطة فاتح باشا بالسليمانية

باب: نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن التحريم، إلا ما تعرف إباحته، وكذلك أمره

باب: نَهْيِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عنِ التَّحْرِيمِ، إِلَّا مَا تُعْرَفُ إِبَاحَتُهُ، وَكَذَلِكَ أَمْرُهُ نَحْوَ قَوْلهِ حِينَ أَحَلُّوا: "أَصِيبُوا مِنَ النِّسَاء". وَقَالَ جَابِرٌ: وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنْ أَحَلَّهُنَّ لَهُمْ. وَقَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ: نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَازَةِ، وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا. (باب: نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - على التحريم (¬1)، إلا أن تُعرف إباحتُه): صيغة (¬2) النهي ترد لسبعة محامل: التحريم؛ مثل: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الإسراء: 33]. والتنزيه؛ مثل: "لا يُمْسِكَنَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَهُوَ يَبُولُ" (¬3). والدعاء؛ نحو: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا} [آل عمران: 8]. والإرشاد؛ نحو: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101]. وبيان العاقبة؛ نحو: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ} [آل عمران: 169]. والتحقير؛ نحو (¬4): {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} [طه: 131]. واليأس؛ نحو: {لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ} [التحريم: 7]. وهل الصيغة حقيقة في التحريم، أو الكراهة، أو مشتركة بينهما، أو ¬

_ (¬1) في اليونينية: "عن التحريم". (¬2) "صيغة" ليست في "ج". (¬3) رواه مسلم (267) عن أبي قتادة رضي الله عنه. (¬4) في "ج": "مثل".

موقوفة؟ فيه خلاف، والمختار - كما أشار إليه -: أن النهي للتحريم، وقد استدل عليه بقوله تعالى: {وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]. ووجه الاحتجاج: أنه أمرٌ بالانتهاء عن النهي، [والأمرُ للوجوب، فكان الانتهاء عن المنهي] (¬1) واجباً، وذلك هو المراد من قولنا: النهي للتحريم. قال بعض المتأخرين: ولقائل أن يقول: هذا أولاً لا يتم إلا بعد تسليم أن الأمر للوجوب. وثانياً: أن التحريم حينئذ لا يكون مستفاداً من صيغة النهي، بل بما دل عليه من خارج، وهو قوله: {فَانْتَهُوا}، بل قد يقال: لو كان النهي للتحريم، لما احتيج إلى الأمر باجتناب المنهي (¬2) عنه، فكان الأمر بذلك دليلًا على أن التحريم غيرُ مكتسب منه (¬3). * * * 3011 - (7367) (¬4) - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إَبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ جَابِرٌ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ في أُنَاسٍ مَعَهُ قَالَ: أَهْلَلْنَا ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬2) في "ج": "إلى الاجتناب المنهي". (¬3) انظر: "الإبهاج" للسبكي (2/ 67). (¬4) جاء التعليق على هذا الحديث في النسختين "م" و"ج" بعد حديث (7361)، وحقه أن يثبت هنا، كما جاء في "الصحيح".

[[أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الحَجِّ خَالِصًا لَيْسَ مَعَهُ عُمْرَةٌ، قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ جَابِرٌ: فَقَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُبْحَ رَابِعَةٍ مَضَتْ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَحِلَّ، وَقَالَ: «أَحِلُّوا وَأَصِيبُوا مِنَ النِّسَاءِ»، قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ جَابِرٌ: وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنْ أَحَلَّهُنَّ لَهُمْ، فَبَلَغَهُ أَنَّا نَقُولُ: لَمَّا لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَرَفَةَ إِلَّا خَمْسٌ، أَمَرَنَا أَنْ نَحِلَّ إِلَى نِسَائِنَا، فَنَأْتِي عَرَفَةَ تَقْطُرُ مَذَاكِيرُنَا المَذْيَ، قَالَ: وَيَقُولُ جَابِرٌ بِيَدِهِ هَكَذَا وَحَرَّكَهَا، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «قَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَصْدَقُكُمْ وَأَبَرُّكُمْ، وَلَوْلاَ هَدْيِي لَحَلَلْتُ كَمَا تَحِلُّونَ، فَحِلُّوا، فَلَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ»، فَحَلَلْنَا وَسَمِعْنَا وَأَطَعْنَا (يقْطُرُ من مَذَاكِيرُنَا المَني) (¬1)]] (*) قال الجوهري: والذَّكَرُ: العوفُ، يريد: الفرجَ المعروفَ، والجمعُ مذَاكِيرُ، على غير قياس، كأنهم فرقوا بين الذَّكَر الذي هو الفَحْلُ، وبين الذَّكَرِ الذي هو العُضْوُ، في الجمع. وقال الأخفش: هو من الجمع الذي ليس له واحد، مثل: العَبادِيد، والأَبابِيل (¬3)، والله أعلم. ¬

_ (¬1) كذا في رواية أبي ذر الهروي عن المستملي، وفي اليونينية: "المَذْيَ"، وهي المعتمدة في النص. في "ج": "العرق". (¬2) انظر: "الصحاح" (2/ 664)، (مادة: ذكر). (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفات المزدوجة سقط من المطبوع واستدركه (موقع المكتبة الوقفية) من مخطوطة فاتح باشا بالسليمانية

3012 - (7370) [[حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَكَرِيَّاءَ الغَسَّانِيُّ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: مَا تُشِيرُونَ عَلَيَّ فِي قَوْمٍ يَسُبُّونَ أَهْلِي، مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُوءٍ قَطُّ "، وَعَنْ عُرْوَةَ قَالَ: لَمَّا أُخْبِرَتْ عَائِشَةُ بِالأَمْرِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَنْطَلِقَ إِلَى أَهْلِي؟ فَأَذِنَ لَهَا، وَأَرْسَلَ مَعَهَا الغُلاَمَ، وَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا، سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (وَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا، سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ)]] (*) قال ابن إسحاق وغيره: هو أبو أيوبَ الأنصاريُّ - رضي الله عنه -. وهذه الزيادة لم تجيء في هذا الكتاب، إلا في هذا الموضع وحدَه، على كثرة (¬1) تكراره في الكتاب، ويحتمل أن يكون قاله قبل نزولٍ، ثم نزل الوحيُ بعدَ ذلك. ¬

_ (¬1) في "ج": "كره".

كتاب التوحيد

كِتَابُ التَّوحِيد

باب: ما جاء في دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته إلى توحيد الله تعالى

كِتَابُ التَّوحِيد باب: ما جَاءَ فِي دُعَاء النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أُمَّتَهُ إِلَى تَوْحِيِد الله تَعَالَى 3013 - (7375) - حَدَّثَنَا مُحَمَّد، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنِ ابْنِ أِبي هِلاَلٍ: أَنَّ أبَا الرِّجَالِ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَهُ، عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - وَكَانَتْ في حَجْرِ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ، وَكَانَ يَقْرَأُ لأَصْحَابِهِ في صَلاَتِهِ، فَيَخْتِمُ بِـ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]. فَلَمَّا رَجَعُوا، ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "سَلُوهُ: لأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ؟ "، فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: لأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ، وَأَناَ أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ". (كتاب: التوحيد). (بعث رجلاً على سرية، وكان يقرأ لأصحابه في صلاته): قال الزركشي: هذا الرجل هو كُلْثومُ بنُ الهدمِ، قاله ابنُ مندَهْ، وغيرُه (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1263) وعنده: "كلثوم بن زهدم".

قلت: وقع في "الإفهام" ما نصه: ولم أجد في "أسد الغابة" لابن الأثير في ترجمة كلثوم بن (¬1) الهدم ما يدل على المذكور عن ابن منده، بل فيه ما يدلُّ على عكسه، فإنه قال: قيل: إنه أول من ماتَ من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد قدومه المدينة، ولم يحضر شيئاً من مشاهده، ذكره الطبري، ثم قال: إنه توفي بعد أسعد بن زُرارَةَ (¬2). وكان قد قدم أن أسعدَ تُوفي قبلَ بدر بيسير، والسرايا قبل بدرٍ معلومةٌ، ليس لكلثومِ بنِ الهدم فيها ذكرٌ. الأولى: سريةُ حمزةَ بنِ عبدِ المطلب يَعترض لعير قريش. الثانية: سريةُ عُبيدةَ بنِ الحارثِ إلى بطنِ رابغٍ. وابنُ إسحاقَ يقدم (¬3) سريةَ عُبيدةَ على سرية حمزة. والثالثة (¬4): سريةُ سعدِ بن أبي وقاص إلى الخرار - بخاء معجمة وراءين مهملتين -. الرابعة: سريةُ عبدِ الله بنِ جحشٍ إلى نخلة. فهذه السرايا الواقعةُ قبلَ بدر، وليس لكلثومِ بنِ الهدم فيها إمرةٌ، فليتأمل. (فيختم بـ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]): يدل على أنه كان ¬

_ (¬1) في "ج": "لابن". (¬2) انظر "أسد الغابة" (4/ 522). (¬3) في "ج": "وابن إسحاق قدم سرية حمزة بن عبد المطلب بن الحارث إلى بطن رابغ، وابن إسحاق قدم". (¬4) في "ج": "الثالثة".

يقرأ بغيرها، والظاهر أنه كان يقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] مع غيرها في ركعة واحدة. ويحتمل [أنه] يختم بها (¬1) في تلك الركعة، وإن كان اللفظ يحتمل أن يكون يختم بها في آخر ركعة (¬2) يقرأ فيها السورة. وعلى الأول: يكون دليلًا على جواز الجمع بين السورتين غير الفاتحة في ركعة واحدة. (فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن): يحتمل أن يُراد به: أن فيها ذِكْرَ صفةِ الرحمن، كما إذا ذُكر، وُصِفَ، فعُبِّر عن ذلك الذكرِ بأنه الوصفُ، وإن لم يكن ذلك الذكرُ نفسَ الوصف. ويحتمل أن يراد به غير ذلك (¬3)، إلا أنه لا (¬4) يختص ذلك بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ولعلها خُصَّتْ بذلك؛ لاختصاصها بصفات الربِّ تعالى دون غيرها. (فأنا أحبُّ أن أقرأ بها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أخبروه أن الله يحبُّه): يحتمل أن يريد: لمحبته قراءةَ هذه السورة. ويحتمل أن يكون لما شهد به كلامه من محبته لذكر الربِّ - عز وجل -، وصحة اعتقاده. ¬

_ (¬1) "يختم بها": ليست في "ج". (¬2) في "ج": "الركعة". (¬3) في "ج": "غير الذكر". (¬4) "لا": ليست في "ج".

باب: قول الله تعالى: {إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين} [الذاريات: 58]

باب: قَوْلِ اللهِ تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 58] 3014 - (7378) - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ أَبي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا أَحَدٌ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ، يَدَّعُونَ لَهُ الْوَلَدَ، ثُمَّ يُعَافِيهِمْ، وَيَرْزُقُهُمْ". (ما أحدٌ أصبرَ على أَذىً سمعَه من الله): ليس معنى الصبر في حقِّه تعالى كمعناه في حقنا، وإنما معناه في حقه: تركُ المعاجَلَة بالنِّقْمَة والعقوبة، ولا يفعلُ ذلك جبراً، وإنما يفعله تفضُّلًا (¬1). (يدْعون له الولد): بإسكان الدال من يَدْعون، ويروى: بتشديدها. * * * باب: قَوْلِ الله {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النحل: 60]، {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الصافات: 180]، {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ} [المنافقون: 8] 3015 - (7384) - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا حَرَمِيٌّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "يُلْقَى في النَّارِ". وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ: عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ. ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (33/ 196). وقد تقدم التنبيه على ترك التكييف في أمثال هذه المحال. والتسليم والانقياد للأخبار دون التعطيل هو الصواب.

باب: {وكان الله سميعا بصيرا} [النساء: 134]

وَعَنْ مُعْتَمِرٍ: سَمِعْتُ أَبي، عَنْ قتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "لاَ يَزَالُ يُلْقَى فِيهَا، وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ حَتَّى يَضَعَ فِيهَا رَبُّ الْعَالَمِينَ قَدَمَهُ، فَينزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، ثُمَّ تَقُولُ: قَدْ قَدْ، بِعِزَّتِكَ وَكَرَمِكَ. وَلاَ تَزَالُ الْجَنَّةُ تَفْضُلُ، حَتَى يُنْشِيءَ اللَّهُ لَهَا خَلْقاً، فَيُسْكِنَهُمْ فَضْلَ الْجَنَّةِ". (ولا تزال الجنة تفضُل): [فعل مضارع - بضم الضاد المعجمة -؛ أي: عن حاجة النازلين بها. ويروى: "بِفَضْلٍ": بباء الجر داخلة على مصدر الفعل المذكور منوناً. (فيسكنَهم الله فضلَ الجنة)] (¬1): كذا لأكثرهم، ووقع لبعضهم: "أَفْضَلَ الجنةِ"، قيل: وهو وهم. * * * باب: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 134] وَقَالَ الأَعْمَشُ عَنْ تَمِيمٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَت: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الأَصْوَاتَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: 1]. [س ق] (وقال الأعمش: عن تميم، عن عروة، عن عائشة، قالت: الحمدُ لله الذي وَسِعَ سَمْعُهُ الأصواتَ): أي: أدركَ سمعُه الأصوات، وليس المرادُ من الوسع ما يُفهم من ظاهره؛ لأن الوصف بذلك يؤدي إلى القول بكونه جسماً، سبحانه وتعالى عن ذلك، فيجب صرفُ قولها عن ظاهره إلى ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج".

ما يقتضي الدليلُ صحتَه (¬1). وهذا التعليق قد رُوي بسند على شرط البخاري في رجاله، كذا قال الحافظ (¬2) مغلطائي نقلًا عن الحاكم، قال: ولا أدري لم عدلَ عنه إلى تعليقه. قال الزركشي: كذا وقع ناقصاً، وتمامه في "مسند البزار" وغيره: "قالت عائشة: الحمدُ لله الذي وسعَ سمعُه الأصوات، جاءت خَوْلَةُ تشتكي زوجَها للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فخفي عليه أحياناً بعضُ ما تقول، فأنزل الله، وذكر الآية" (¬3). * * * 3016 - (7386) - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في سَفَرٍ، فَكُنَّا إِذَا عَلَوْنَا، كبَّرْنَا، فَقَالَ: "ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِباً، تَدْعُونَ سَمِيعاً بَصِيراً قَرِيباً". ثُمَّ أَتَى عَلَيَّ وَأَنَا أقُولُ في نَفْسِي: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، فَقَالَ لِي: "يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ! قُلْ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، فَإِنَّهَا كنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ". أَوْ قَالَ: "أَلاَ أَدُلُّكَ؟ "، بِهِ. (ارْبَعوا على أنفسكم): أي: لا تَعْجَلوا. قال السفاقسي: رويناه بكسر الباء، وهو في ضبط بعض الكتب بفتحها، وكذلك هو في ضبط كتبِ أهلِ اللغة (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (33/ 224). (¬2) في "ج": "كذا للحافظ". (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1263). (¬4) انظر: "التوضيح" (33/ 226).

قلت: في "المشارق": ارْبَعوا على أنفسِكم، واربَعي على نفسِكِ: بفتح الباء؛ أي: لا تَعْجَلي (¬1). * * * 3017 - (7387) - و (7388) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ: سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: يَا رَسُولَ اللَّهِ! عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ في صلاَتِي. قَالَ: "قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نفسِي ظُلْماً كَثِيراً، وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مِنْ عِنْدِكَ مَغْفِرَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ". (عَلِّمني دعاءً أدعو به في صلاتي): ليس في حديث أبي بكر (¬2) هذا ما يطابق الترجمة؛ إذ هي معقودةٌ لصفتي السمعِ والبصرِ، وليس في هذا الحديث ذكرُ شيء منهما (¬3). لكن قد يقال: هو دال بالصريح على طلبِ الدعاء في الصلاة التي يُقصد فيها إسرارُ الدعاء، فلولا أن سمعَه تعالى يتعلق بالسرِّ وأخفى، لما أفاد دعاؤه مُسِرّاً. قيل: وما أحسن جمعَ البخاري في هذا الباب بين عائشةَ وأبيها رضي الله عنهما (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 279). (¬2) "بكر" ليست في "ج". (¬3) في "ج": "منها". (¬4) انظر: "التنقيح" (3/ 1264).

باب: السؤال بأسماء الله تعالى، والاستعاذة بها

باب: السُّؤَالِ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالاِسْتِعَاذَةِ بِهَا (باب: السؤالِ بأسماء الله، والاستعاذةِ بها): قيل: مقصودُ الترجمة: التنبيهُ على أن الاسم هو المسمَّى، ولذلك صحَّت الاستعاذةُ به، والاستعانة (¬1)، يظهرُ ذلك في قوله: "بِاسْمِكَ رَبَّي وَضَعْتُ جَنْبِي، وَبِكَ أَرْفَعُهُ" (¬2)، فأضافَ (¬3) الوضعَ إلى الاسمِ (¬4)، والرفعَ إلى الذات، فدلَّ على أن الاسمَ هو الذات، وقد استعان وضعاً ورفعاً لا باللفظ (¬5). قلت: المشهورُ فيما بينَ الأكثرين: أن الخلاف في أن (¬6) الاسمَ هو نفسُ المسمى أو غيرُه إنما هو في اسم؛ لأن تمسكات الفريقين تُشعر بذلك؛ لأن القائلين بأن الاسم عينُ المسمَّى تمسكوا بمثل قوله (¬7) تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ} [البقرة: 31]، وقوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1]؛ أي: ذاته، وقوله تعالى: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً} [يوسف: 40]، إلى غير ذلك، والقائلون بأنه غيرُه تمسَّكوا بمثل قوله تعالى: {فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء: 110]، مع القطع بوحدة الذات، وأن لفظ الاسم مسمًّى بالاسم دون الفعل والحرف، فها هنا الاسمُ والمسمَّى واحد. ¬

_ (¬1) "والاستعانة": ليست في "ج". (¬2) رواه البخاري (6320)، ومسلم (2714) عن أبي هريرة رضي الله عنه. (¬3) في "ج": "فأصاب". (¬4) في "ج": "الوصف الاسم". (¬5) انظر: "التنقيح" (3/ 1265). (¬6) "أن" ليست في "ج". (¬7) في "ج": "تمسكوا بقوله".

قال بعض المحققين: إلا أن ما ذكروه من التفصيل، وهو أن من الاسم ما هو نفسُ المسمَّى؛ كقولك (¬1): الله، فإنه يدلُّ على الذات، ومنه ما هو غيرُه؛ كالخالق، والرازق، ونحو ذلك مما يدلُّ على فعل، ومنه لا يقال: إنه هو، ولا غيره؛ كالعالم، والقادر، وكلُّ ما يدل على الصفات القديمة يُشعر بأن الكلام ليس في (¬2) اسم، بل هو في مدلولاته؛ مثل: الإنسان، والفرس، والفيل، وكذا قولهم: إن أسماء الله متعددة، فكيف تكون نفسَ الذات؟ فإن قيل: فقد ظهر أن الخلاف في الأسماء التي من جملتها لفظُ الاسم، فظاهر أنها أصوات وحروف، وهي من الأعراض الزائلة، فكيف يُتصور كونُها نفسَ مدلولاتها التي هي الأعيانُ والمعاني؟ وإن أريد بالاسم المدلولُ، فلا خفاء في أنه نفسُ المسمَّى من غير أن يُتصور فيه خلاف، بل فائدة؛ لأنه بمنزلة قولك: ذاتُ الشيء. قلنا: الاسم الواقع في الكلام قد يراد به نفسُ لفظه؛ كما يقال: زيدٌ مُعْرَبٌ، وضَرَبَ فعلٌ ماضٍ، ومِنْ حرفُ جَرٍّ، وقد يراد معناه؛ كقولنا: زيدٌ كاتبٌ، وحينئذ، فقد (¬3) يراد نفسُ ماهية المسمى؛ مثل: الإنسانُ نوعٌ، والحيوانُ جنسٌ، وقد يُراد فردٌ منه؛ مثل: جاءني إنسانٌ، ورأيت حيواناً، وقد يراد جزؤُها؛ كالناطق، أو عارضٌ لها؛ كالضاحك، فلا يبعُد أن يحصل اختلافٌ واشتباهٌ في أن اسم الشيء نفسُ مسماه، أو غيرُه، وما أورد في بعض المواضع من الكلام في لفظ الاسم لا ينافي ذلك؛ لأنه أيضاً اسمٌ ¬

_ (¬1) في "ج": "كقوله". (¬2) "ليس في" ليست في "ج". (¬3) في "ج": "وقد".

من الأسماء، والمتمسكات - أيضاً - تدلُّ على هذا. انتهى كلامه (¬1). * * * 3018 - (7393) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ فِرَاشَهُ، فَلْيَنْفُضْهُ بِصَنِفَةِ ثَوْبِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَلْيْقُلْ: بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي، وَبِكَ أَرْفَعُهُ، إِنْ أَمْسَكْتَ نفسِي، فَاغْفِرْ لَهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا، فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَك الصَّالِحِينَ". تَابَعَهُ يَحْيَى، وَبِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَزَادَ زُهَيْرٌ، وأَبُو ضَمْرَةَ، وإسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وَرَوَاهُ ابْنُ عَجْلاَنَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. تابَعَهُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ، والدَّرَاوَرْدِيُّ، وأُسامَةُ بنُ حَفْصٍ. (بصَنِفَةِ ثوبه): بباء جر بعدها صاد مهملة مفتوحة فنون مكسورة ففاء فهاء تأنيث: طرفُ الثوب، وقيل: حاشيتُه. وقال الجوهري: طرفُه، وهو جانبُه الذي لا هُدْبَ له (¬2). * * * ¬

_ (¬1) وانظر: "شرح المقاصد" للتفتازاني (2/ 170). (¬2) انظر: "الصحاح" (4/ 1388)، (مادة: صنف).

باب: ما يذكر في الذات والنعوت وأسامي الله

3019 - (7397) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا فُضَيْل، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: سَألتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قُلْتُ: أُرْسِلُ كِلاَبِي الْمُعَلَّمَةَ؟ قَالَ: "إِذَا أَرْسَلْتَ كِلاَبَكَ الْمُعَلَّمَةَ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ، فَأَمْسَكْنَ، فَكُلْ، وإذَا رَمَيْتَ بِالْمِعْرَاضِ، فَخَزَقَ، فَكُلْ". (فخَزَق): - بخاء معجمة وزاي مفتوحتين وقاف، مبني للفاعل -؛ أي: شقَّ اللحمَ وقطعَه. * * * باب: مَا يُذْكَرُ في الذَّاتِ وَالنُّعُوتِ وأَسَامِي اللهِ 3020 - (7402) - حَدَّثَنَا أبو الْيمَانِ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيانَ بْنِ أَسِيدِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِيَّ - حَلِيفٌ لِبَنِي زُهْرَةَ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبي هُرَيْرَة -: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَشْرَةً، مِنْهُمْ: خُبَيْبٌ الأَنْصَارِيُّ، فَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عِيَاضٍ: أَنَّ ابْنَةَ الْحَارِثِ أَخْبَرتُهُ: أَنهمْ حِينَ اجْتَمَعُوا، اسْتَعَارَ مِنْهَا مُوسَى يَسْتَحِدُّ بِهَا، فَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ، قَالَ خُبَيْبٌ الأَنْصَارِيُّ: وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِماً ... عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي وَذَلِكَ في ذَاتِ الإلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ فَقَتَلَهُ ابْنُ الْحَارِثِ، فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَصْحَابَهُ خَبَرَهُمْ يَوْمَ أُصِيبُوا. (ابن أَسِيد بن جارية): بفتح الهمزة وكسر السين من "أسيد" (¬1)، وجارية: بالجيم. ¬

_ (¬1) في "ج": "أسد".

باب: قول الله تعالى: {ويحذركم الله نفسه} [آل عمران: 28]

باب: قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 28] وَقوله -جَلَّ ذِكْرُهُ -: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116] ({تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116]): قال الزمخشري: هو على طريق المشاكلة (¬1). وقد علم أنها ذكرُ الشيء بلفظِ غيرِه؛ لوقوعه في صحبته، فقيل: المعنى: ولا أعلم ما في ذاتك (¬2)، فعبر عن الذات بالنفس؛ لقوله: {تَعْلَمُ مَا} [المائدة: 116]. وظاهر قولِ الزمخشري: فقيل: {فِي نَفْسِكَ}؛ لقوله: {في نَفسي}، يُشعر (¬3) بهذا، وأنت خبير بأنَّ لا أعلمُ ما في ذاتك وحقيقتك ليس بكلام مرضِيٍّ، بل المراد: أنه عبر عن لا أعلمُ معلومَك بلا أعلم ما في نفسِك؛ لوقوع التعبير عن تعلَمُ معلومي بـ: تعلم ما في نفسي. * * * 3021 - (7404) - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ، كتبَ في كِتَابِهِ - هُوَ يَكْتُبُ عَلَى نَفْسِهِ، وَهْوَ وَضْعٌ عِنْدَهُ عَلَى الْعَرْشِ -: إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي". ¬

_ (¬1) انظر: "الكشاف" (1/ 726). (¬2) في "ج": "ذلك". (¬3) في "ج": "ليشعر".

(وهو وَضْع عنده على العرش): بإسكان الضاد وفتح الواو، وكذا (¬1) ضبطه القابسي وغيره، وعند أبي ذر بفتحهما معاً (¬2). * * * 3022 - (7405) - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَناَ عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ، ذَكرْتُهُ في نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ، ذَكَرْتُهُ في مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعاً، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعاً تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعاً، وَإِنْ أَتَانِي، يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً". (وإن تقرَّبَ إليَّ بشبرٍ، تقرَّبْتُ إليه ذراعاً): بلغني وأنا بالقاهرة أنه قُريء هذا الحديث بمجلس بعضِ أمرائها، فقال بعضُ القضاة الحاضرين هناك: هذا من المشاكلة، فعارضه بعضُ مَنْ يَدَّعي الحذقَ بأن قال: يُشترط في المشاكلة أن يكون أحدُ طرفيها - وهو الذي يقع في صحبة غيره - حقيقة لا مجازاً. قال: وأمثلتُهم شاهدةٌ بذلك، فلم يحر القاضي جواباً. ¬

_ (¬1) في "ج": "كذا". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1265).

باب: قول الله تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه} [القصص: 88]

قلت: وقد تقدم تقريرُ ردِّه في أول كتاب (¬1) الجنائز، فراجعْه. * * * باب: قَوْلِ الله تَعَالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88] 3023 - (7406) - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا نزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} [الأنعام: 65]، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَعُوذُ بِوَجْهِكَ". فَقَالَ: {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [الأنعام: 65]، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَعُوذُ بِوَجْهِكَ". قَالَ: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا} [الأنعام: 65]، فَقَالَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "هَذَا أَيْسَرُ". (أو يَلْبِسكم شيعاً): أي: يَخْلطكم فِرَقاً مختلفين على أهواءٍ شتى، كلُّ فرقةٍ مُشايعةٌ لإمام. قال الزمخشري: ومعنى خلطهم: أن ينشبَ القتالُ بينهم، فيختلطوا، ويشتبكوا في ملاحمِ القتال من قوله: وَكَتِيبَةٍ لبَّسْتُهَا بِكَتِيبَةٍ ... حَتَّى إِذَا الْتبَسَتْ نَفَضْتُ لَهَا يَدِي (¬2) (فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: هذه أَيْسَرُ): كذا لابن السكن. وعند غيره: "هذا" بإشارة المذكر. ¬

_ (¬1) "كتاب" ليست في "ج". (¬2) انظر: "الكشاف" (2/ 33).

باب: قول الله تعالى: {ولتصنع على عيني} [طه: 39]: تغذى وقوله - جل ذكره -: {تجري بأعيننا} [القمر: 14]

وسقطت كلمة الإشارة رأساً عند الأصيلي. قال الزركشي: وروايةُ غيرِه هي الصحيحة، وبها يستقل الكلام (¬1). قلت: وروايته - أيضاً - صحيحة، وقُصارى ما فيها حذفُ المبتدأ الذي ثبتَ في الروايتين الأخيرتين، وذلك جائزٌ بالإجماع، فكيف يحكم بعدم صحتها، ولا شاهدَ يستند إليه هذا الحكم؟! * * * باب: قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: 39]: تُغَذَّى وَقَوْلهِ - جَلَّ ذِكْرُهُ -: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر: 14] ({وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: 39]: تُغَذّى): بضم تاء المضارعة الفوقية وفتح (¬2) الغين والذال المشددة المعجمتين، على البناء للمفعول؛ من التغذية. قال القاضي: ثبتت هذه اللفظةُ عند الأصيلي والمستَمْلي، وسقطت لغيرهما (¬3). * * * باب: قَوْلِ الله تَعَالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} [الحشر: 24] 3024 - (7409) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1266). (¬2) في "ج": "وبفتح". (¬3) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 130). وانظر: "التنقيح" (3/ 1266).

باب: قول الله: {لما خلقت بيدي} [ص: 75]

حَدَّثَنَا مُوسَى - هُوَ ابْنُ عُقْبَةَ -، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ في غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ: أَنَّهُمْ أَصَابُوا سَبَايَا، فَأَرَادُوا أَنْ يَسْتَمْتِعُوا بِهِنَّ وَلاَ يَحْمِلْنَ، فَسَأَلُوا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْعَزْلِ، فَقَالَ: "مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوا، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ كَتَبَ مَنْ هُوَ خَالِقٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". وَقَالَ مُجَاهِدٌ: عَنْ قَزَعَةَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَتْ نَفْسٌ مَخْلُوقَةٌ إِلَّا اللَّهُ خَالِقُهَا". (أصابوا سَبايا): [جمع سَبِيئَة - بالهمزة -، وهي المرأةُ] (¬1) تُسبى؛ مثل: خَطيئة وخَطايا، وكان الأصل: سَبائِيء، وخَطائِيء على زنة (¬2) فَعائِل، فلما اجتمعت الهمزتان، قلبت الثانية ياء؛ لانكسار ما قبلها، ثم استُثقلت، والجمعُ ثقيل، وهو مع ذلك معتلٌّ، فقلبت الكسرة فتحة، ثم الياء ألفاً، ثم الهمزة ياء؛ لخفتها بوقوعها بين الألفين. * * * باب: قول الله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] 3025 - (7411) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَج، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يَدُ اللَّهِ مَلأى، لاَ يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ". وَقَالَ: "أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬2) في "ج": "وزن".

خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا في يَدِهِ". وَقَالَ: "عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَبِيَدِهِ الأُخْرَى الْمِيزَانُ، يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ". (لا يَغيضُها نفقةٌ): - بالغين والضاد المعجمتين -؛ أي: لا تَنْقُصُها. (سَحًّا): - بسين وحاء مهملتين مفتوحتين وبالتنوين -: منصوبٌ على المصدر؛ أي: تسحُّ سَحّاً، والمعنى: أنها دائمةُ الصَّبِّ والهَطْلِ بالعطاء. ويروى: "سَحَّاءُ" - بالمد [والرفع - على أنها خبر لـ "يد" لقوله: "يَدُ الله مَلأْى". ويحتمل أن تكون خبرَ مبتدأ مضمَر، أي: هي سَحَّاءُ] (¬1). واليدُ هنا كناية عن محلِّ عطائه، ووصفَها بالامتلاء؛ لكثرة منافعِها، وكمالِ فوائدها، فجعلَها كالعين التي (¬2) لا يَغيضها الاستقاءُ (¬3). (الليلَ والنهارَ): بالنصب على الظرف. * * * 3026 - (7414) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، سَمِعَ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ، وَسُلَيْمَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ يَهُودِيّاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ عَلَى ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬2) في "م": "الذي". (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1266).

إِصْبَعٍ، وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْجِبَالَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْخَلاَئِقَ عَلَى إِصْبَعٍ، ثُمَّ يَقُولُ: أَناَ الْمَلِكُ. فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: 91]. قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: وَزَادَ فِيهِ فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَعَجُّباً وَتَصْدِيقاً لَهُ. (إن الله يُمسك السمواتِ على إِصْبع): قيل: الإِصْبَعُ بعضُ خَلْقِ الله تعالى، قال هذا القائل: ودليلُه: أنه لم يقل: على إصبعه، بل أطلق ذلك مُنَكَراً، ولا يُنْكَر ذلك في مقدور الله تعالى أن يخلق خلقاً على هذا الوجه. وقال الداودي: يحتمل كونُ الإصبع مَلَكاً، أو خَلْقاً من خلق الله تعالى يُمَلِّكُه ذلك، ويُقدره عليه (¬1). وقال الخطابي: ذكرُ الإصبع لم يوجد في كتابٍ ولا سنةٍ مقطوعٍ بصحتها (¬2)، وليس معنى اليد الجارحة حتى يُتوهم ثبوتُها ثبوتَ الأصابع، بل هو توقيفٌ شرعي أطلقنا الاسمَ فيه على ما جاء في الكتاب العزيز من غير تكييف ولا تشبيه (¬3). ¬

_ (¬1) "عليه": ليست في "ج". (¬2) بل ثبت، كما في هذا الحديث وغيره، وهو توقيف شرعي - كما قال الخطابي في اليد - أطلقنا الاسم فيه على ما جاء في السنة الصحيحة من غير تكييف ولا تشبيه. (¬3) انظر: "التوضيح" (33/ 271).

(حتى بَدَتْ نواجِذُه): - بالجيم والذال المعجمة -، قيل: هي الضَّواحِكُ، وقيل: الأضراسُ، وقيل: الأنيابُ. (ثم قرأ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: 91]): قال الإمام ابن فورك: ضحكَ كالمتعجِّبِ منه أن يستعظمَ (¬1) ذلك في قدرة (¬2) الله، وإن ذلك يسيرٌ في جنب ما يَقْدِر عليه، ولذلك قرأ الآية؛ أي: ليس قدره في القدرة على ما يخلق على الحدِّ الذي ينتهي إليه الوهم، ويُحيط به الفعل والنظر. (فضحكَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - تعجُّباً وتصديقاً له): أنكر الخطابي هذا، وقال: الآيةُ محتملةٌ للرضا، وللإنكار (¬3)، وليس فيها للإصبع ذِكْرٌ، وقولُ من قال من الرواة: وتصديقاً له - أي: لليهودي - ظَنٌّ وحسبان. قال: وروى هذا الحديثَ غيرُ واحد من أصحاب عبدِ الله، فلم يذكروا فيه: تصديقاً له، وقد يستدلُّ المستدِلُّ بحمرةِ الوجه على الخجل، وبصفرتِه على الوَجَل، وذلك غالب مجرى العادة في مثله، لا يخلو ذلك (¬4) من ارتيابٍ وشكٍّ في صدق الشهادة بذلك بجواز أن تكون الحُمْرَةُ لأمر حادث ¬

_ (¬1) في "ج": "منه فيستعظم". (¬2) في "ج": "قوله". (¬3) في "ج": "والإنكار". (¬4) "ذلك" ليست في "ج".

في البدن، والصُّفْرَةُ لهيجانِ مَرارٍ، وثورانِ خِلْط (¬1)، والاستدلالُ بالتبسُّم في مثل هذا الاسمِ الجسيمِ قَدْرُه غيرُ سائغٍ مع تكافُؤ وجهَي الدلالة المتعارضين فيه، ولو صح الخبر، حملناه على تأويل قوله: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67]: أن قدرتَه على طَيِّها وسهولة الأمر في جميعها بمنزلة من جَمَعَ شيئاً في كفه، فلم يشتمل بجميع كَفِّه عليه، لكنه نقلَه ببعض أصابعه (¬2). وقال الزمخشري: الغرضُ: تصويرُ عظمته وكنه جلاله من غير ذهاب بالقبضة واليمين (¬3) إلى حقيقةٍ أو مجاز، وكذا الحديث أن حبراً من اليهود قال: إنَّ الله يُمسك السمواتِ على إصبع، الحديث، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعجباً مما قال الحبر، وإنما ضحكَ أفصحُ العرب؛ لأنه فهم منه ما فهمَه علماء البيان من غير إمساك، ولا يَدٍ، بل فهم من أول أمر (¬4) الزبدةَ والخلاصةَ، وهي الدلالةُ على القدرةِ الباهرة (¬5)؛ يريد: على طريقة التمثيل المقررة عند علماء هذا الفن. * * * ¬

_ (¬1) "وثوران خلط": ليست في "ج". (¬2) وانظر: "التوضيح" (33/ 274). (¬3) في "ج": واليمن. (¬4) في "ج": "فهم". (¬5) انظر: "الكشاف" للزمخشري (4/ 146).

باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا شخص أغير من الله"

باب: قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ" وقال عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو، عن عَبْدِ المَلِكِ: "لا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ الله". (باب: قولِ النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا شخصَ أغيرُ من الله): قال الداودي: لم يأتِ متصلًا، ولم تتلق الأُمَّةُ مثلَ هذا الحديث بالقبول، فإن صحَّ (¬1)، فيحتمل أن الله أغيرُ من خلقه، ليس أحدٌ منهم أغيرَ منه ولم يسمِّ نفسَه شخصاً (¬2). قلت: هذا ظاهر؛ إذ ليس في هذا اللفظ ما يقتضي إطلاقَ الشخص على الله تعالى، وما هو إلا بمثابة قولك: لا رجلَ أشجعُ من الأسد، وهذا لا يدلُّ على إطلاقِ الرجلِ على الأسد بوجهٍ من الوجوه، فأيُّ داعٍ بعدَ ذلك إلى تَوهم الراوي عن عبد الملك أو غيره في ذكر الشخص: أنه (¬3) تصحيفٌ من قوله: لا شيءَ أغيرُ من الله؛ كما صنعه الخطابي؟ فتأمله. * * * ¬

_ (¬1) قال الحافظ في "الفتح" (13/ 401): وطَعْنُ الخطابيَّ ومن تبعه في السند مبنيٌّ على تفرد عبيد الله بن عمرو به، وليس كذلك كما تقدم، وكلامه ظاهر في أنه لم يراجع "صحيح مسلم" ولا غيره من الكتب التي وقع فيها هذا اللفظ من غير رواية عبيد الله بن عمرو، ورد الروايات الصحيحة والطعن في أئمة الحديث الضابطين مع إمكان توجيه ما ورد من الأمور التي أقدم عليها كثير من غير أهل الحديث، وقد يقضى قصور فهم من فعل ذلك منهم، انتهى. (¬2) انظر: "التوضيح" (33/ 277). (¬3) في "م": "وأنه".

باب: {وكان عرشه على الماء} [هود: 7]. {وهو رب العرش العظيم} [التوبة: 129].

باب: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7]. {وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة: 129]. قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: {اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [البقرة: 29]: ارْتَفَعَ، {فَسَوَّاهُنَّ} [البقرة: 29]: خَلَقَهُنَّ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {اسْتَوَى}: عَلاَ {عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54]. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {الْمَجِيدُ} [البروج: 15]: الْكَرِيمُ، {الْوَدُودُ} [البروج: 14]: الْحَبِيبُ، يُقَالُ: حَمِيدٌ مَجيدٌ، كَأَنَّهُ فَعِيل مِنْ مَاجِدٍ، مَحْمُودٌ مِنْ حَمِيدٍ. (وقال مجاهد: {اسْتَوَى}: علا على العرش): المشَبِّهة والكَرَّامية والمجسِّمَة زعموا أن الله - سبحانه وتعالى - في مكانٍ مخصوص، وهو العرش، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، واستندوا إلى قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]، وهذا مُحتمل لا يصلح لأن يكون حجةً، وبيان كونه محتملًا: أن العرب يُطلقون الاستواء على الاستيلاء؛ كما في قول الشاعر: قَدِ اسْتَوَى بِشْرٌ عَلَى العِرَاقِ ... مِنْ غَيْرِ سَيْفٍ وَدَمٍ مُهْرَاقِ (¬1) وعلى التمام؛ كقوله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} [القصص: 14]. ويقال: استوى مُلْكُ فلان؛ أي: تَمَّ. وعلى (¬2) تقدير (¬3) الملك، يُقال: استوى الأميرُ على السرير؛ أي: ¬

_ (¬1) في "ج": "يهراق". (¬2) في "ج": "ويقال على". (¬3) كذا في جميع النسخ، ولعلها: "تقرير".

انتظمَ أَمْرُه، وتقرَّرَ مُلْكُه. وعلى الاستقرار في المكان؛ كقوله تعالى: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} [هود: 44]؛ أي: استقرت. وإذا ثبت كونُه محتملًا، لم يتمكن الخصمُ من تعيين الاستقرار، فلا يكون حجةً. على أن بعضَ المحققين قال: إن الترجيحَ للاستيلاء يشير إلى جواب ثانٍ، وتقريرُه (¬1) أن يقال: الراجح حملُ الاستواء على الاستيلاء، لا على الاستقرار؛ لأن الله تعالى تمدَّح بقوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]، فلو حُمل على الاستقرار، [لم يُفهم المدحُ؛ لأن هذه اللفظة لو استُعملت على سبيل المدح في حق من يجوزُ عليه الاستقرار] (¬2)، لم يجز حملُه عليه؛ إذ لا يُفهم منه المدحُ؛ لأن المدحَ إنما يكون بصفة يمتاز بها الممدوحُ، والاستقرارُ ليس بمختصٍّ به، بل يشاركُه كل دنيء وحقيرٍ، وما يُفْهَم منه: هو القهرُ والاستيلاء؛ إذ هو أشرفُ معاني الاستواء، فإذا مُدح (¬3) به مَنْ هو المنزه عن التمكن والجهات، فأولى أن يُفهم منه ما يَليق به من الصفات. قلت: وقولُ من قال: إنه لا يقال: استولى إلا لمن لم يكن مستولياً، ثم استولى، ممنوعٌ. ¬

_ (¬1) في "ج": "وتقرره". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬3) في "ج": "يمدح".

وما قاله مجاهد: من أنه بمعنى: [علا، ارتضاه غيرُ واحد من أئمة أهل السنة، ودفعوا اعتراض من: قال: علا بمعنى] (¬1): ارتفع من غير (¬2) فرق، وقد أبطلتموه؛ لما في ظاهره من الانتقال من سُفْلٍ إلى عُلْوٍ، وهو محالٌ على الله تعالى، فليكن عَلا كذلكَ، ووجهُ الدفع: أن الله - عز وجل - وصفَ نفسَه بالعلو بقوله (¬3): {تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل: 63]، فوصف نفسه بالتعالي، وهو من صفات الذات، ولم يصف نفسَه بالارتفاع (¬4). * * * 3027 - (7423) - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبي: حَدَّثَنِي هِلاَلٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولهِ، وَأَقَامَ الصَّلاَةَ، وَصَامَ رَمَضَانَ، كَانَ حَقّاً عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، هَاجَرَ في سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ جَلَسَ في أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أفلاَ نُنَبِّيءُ النَّاسَ بِذَلِكَ؟ قَالَ: "إِنَّ في الْجَنَّةِ مِئَةَ دَرَجَةٍ، أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ في سَبِيلِهِ، ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬2) "من غير" ليست في "ج". (¬3) في "ج": "وبقوله". (¬4) قلت: ومذهب السلف أنهم يؤمنون باستواء المولى جل جلاله على العرش، استواء يليق به، لا يماثله ولا يشابهه استواء المخلوقين، ويكلون علم ذلك إليه سبحانه، وتقصر الأفهام عن إدراك كنه ذلك وحقيقته.

كُلُّ دَرَجَتَيْنِ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ، فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ؛ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ، وَأَعْلَى الْجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ". (وفوقُه عرشُ الرحمن): - بضم القاف -؛ أي: أعلاه، كذا قيده الأصيلي. وعند غيره بالنصب على الظرفية، قاله القاضي (¬1). وأنكره ابنُ قرقول، وقال: إنما قيده الأصيلي - بالنصب (¬2) -، كذا في الزركشي (¬3). قلت: ولإنكار الضمِّ وجهٌ ظاهر، وهو أن "فوق" من الظروف العادمة للتصرُّف، وذلك مما يأبى رفعَه بالابتداء كما وقع في هذه الرواية (¬4). * * * 3028 - 7425 - حَدَّثَنَا مُوسَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ: أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 165). (¬2) في "ج": "وعند غيره بالنصب". (¬3) انظر: "التنقيح" (3/ 1268). (¬4) في "ج": "كما وقع هنا".

باب: قول الله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة (22) إلى ربها ناظرة} [القيامة: 22، 23]

ابْنِ السَّبَّاقِ: أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ حَدَّثَهُ، قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أبَو بَكْرٍ، فتتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ، حَتَّى وَجَدْتُ آخِرَ سُورةِ التَّوبَةِ مَعَ أَبي خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ، لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 128]، حَتَّى خَاتِمَةِ {بَرَاءَةٌ}. حَدَّثَنَا يَحْيىَ بْنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ بِهَذَا، وَقَالَ: مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ. [(حتى وجدتُ آخرَ سورةِ التوبة مع أبي خُزيمةَ): كذا وقع هنا] (¬1). قيل: والصوابُ: مع خزيمة (¬2) كما وقع في كتاب: التفسير، في آخر سورة براءة. * * * باب: قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22، 23] 3029 - (7434) - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ وَهُشَيْمٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: كُنَّا جُلُوساً عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، إِذْ نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، قَالَ: "إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ، لاَ تُضَامُّونَ في رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَصَلاَةٍ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَافْعَلُوا". ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬2) في "ج": "أبي خزيمة".

(لا تَضَامُّون في رؤيته): قال السفاقسي: رويناه بفتح التاء والتشديد في أول (¬1) الباب، وبعده بضمها والتخفيف، فمعنى التشديد مأخوذٌ من الازدحام؛ أي: لا ينضَمُّ بعضُكم إلى بعض كما تنضمُّون في رؤية الهلال رأسَ الشهر؛ لخفائه ودِقَّته، ومعنى التخفيف: لا يحصل لكم ضيمٌ (¬2). * * * 3030 - (7437) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّاسَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ تُضَارُّونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ؟ ". قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟ ". قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "فَإِنَّكمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ، يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئاً، فَلْيتَّبِعْهُ، فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ الْقَمَرَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا شَافِعُوهَا - أَوْ: مُنَافِقُوهَا شَكَّ إِبْرَاهِيمُ -، فَيَأتِيهِمُ اللَّهُ فَيقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا جَاءَنَا رَبُّنَا، عَرَفْنَاهُ، فَيَأتِيهِمُ اللَّهُ في صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَناَ رَبُّكُمْ، فَيقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، فَيَتْبَعُونَهُ، ويُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ، فَأكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُهَا، وَلاَ يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا الرُّسُلُ، وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ ¬

_ (¬1) في "ج": "الأول". (¬2) انظر: "التوضيح" (33/ 326).

سَلِّمْ سَلِّمْ. وَفِي جَهَنَّمَ كَلاَلِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، هَلْ رَأَيْتُمُ السَّعْدَانَ؟ "، قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ مَا قَدْرُ عِظَمِهَا إِلَّا اللَّهُ، تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمُ الْمُوبَقُ بَقِيَ بِعَمَلِهِ - أَوِ الْمُوثَقُ بِعَمَلِهِ - وَمِنْهُمُ الْمُخَرْدَل - أَوِ الْمُجَازَى، أَوْ نَحْوُهُ - ثُمَّ يَتَجَلَّى، حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ، وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ بِرَحْمَتِهِ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، أَمَرَ الْمَلاَئِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئاً، مِمَّنْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَرْحَمَهُ، مِمَّنْ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَيَعْرِفُونَهُمْ فِي النَّارِ بِأَثَرِ السُّجُودِ - تَأْكُلُ النَّارُ ابْنَ آدَمَ إِلَّا أثَرَ السُّجُودِ، حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أثَرَ السُّجُودِ - فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ قَدِ امْتُحِشُوا، فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءُ الْحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ تَحْتَهُ كمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ في حَمِيلِ السَّيْلِ، ثُمَّ يَفْرُغُ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ، وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ، هُوَ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولًا الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ! اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ، فَإِنَّهُ قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا، وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا، فَيَدْعُو اللَّهَ بمَا شَاءَ أَنْ يَدْعُوَهُ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ: هَلْ عَسَيْتَ إِنْ أُعْطِيتَ ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ؟ فَيَقُولُ: لاَ، وَعِزَّتِكَ! لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ - وَيُعْطِي رَبَّهُ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ مَا شَاءَ - فَيَصْرِفُ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ، فَإِذَا أَقْبَلَ عَلَى الْجَنَّةِ، وَرَآهَا، سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَيْ رَبِّ! قَدِّمْنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَيقُولُ اللَّهُ لَهُ: ألَسْتَ قَدْ أَعْطَيْتَ عُهُودَك وَمَوَاثِيقَكَ أَنْ لاَ تَسْأَلَنِي غَيْرَ الَّذِي أعطِيتَ أَبَداً؟! وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ! فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ! وَيَدْعُو اللَّهَ، حَتَّى يَقُولَ: هَلْ عَسَيْتَ إِنْ أُعْطِيتَ ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَه؟ فَيَقُولُ: لاَ، وَعِزَّتِكَ! لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، وَيُعْطِي مَا شَاءَ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ، فَيُقَدِّمُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا قَامَ إِلَى

بَابِ الْجَنَّةِ، انْفَهَقَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، فَرَأَى مَا فِيهَا مِنَ الْحَبْرَةِ وَالسُّرُورِ، فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ: أي رَبِّ! أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ، فَيقُولُ اللَّهُ: أَلَسْتَ قَدْ أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ أَنْ لاَ تَسْأَلَ غَيْرَ مَا أُعطِيتَ؟ فَيقُولُ: وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ! فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ! لاَ أكُونَنَّ أَشْقَى خَلْقِكَ، فَلاَ يَزَالُ يَدْعُو حَتَّى يَضْحَكَ اللَّهُ مِنْهُ، فَإِذَا ضَحِكَ مِنْهُ، قَالَ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَإِذَا دَخَلَهَا، قَالَ اللَّهُ لَهُ: تَمَنَّهْ، فَسَأَلَ رَبَّهُ وتَمَنَّى، حَتَّى إِنَّ اللَّهَ لَيُذَكِّرُهُ، يَقُولُ: كَذَا وَكَذَا، حَتَّى انْقَطَعَتْ بِهِ الأَمَانِيُّ، قَالَ اللَّهُ: ذَلِكَ لَكَ، وَمِثْلُهُ مَعَهُ". (هل تُضارُّون في القمر ليلة البدر): بضم تاء المضارعة وتشديد الراء أصلُه هل تُضارَرُونَ، بالبناء للمفعول، فسُكنت الراء الأولى، وأدغمت في الثانية. وفي نسخة: بتخفيف الراء من الضير؛ أي: هل يوقع بكم ضَيْرٌ؟ (الطواغيت): جمعُ طاغوت، وهو فَعَلُوتٌ من طَغَى، أصلُه طَغَيُوت، ثم طَيْغُوت، ثم طاغوت. وقال الجوهري: هو الكاهنُ (¬1)، والشيطانُ، وكلُّ رأس في الضلال، يكون واحداً؛ مثل: {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} [النساء: 60]، وجمعاً؛ مثل: {أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ} [البقرة: 257] (¬2). (فيأتيهم الله): ليس المرادُ بالإتيان هنا ما عُهد فيما بيننا من الانتقال والحركة؛ لاستحالته على الله تعالى، فإما أن يُحمل على أنه تعالى يفعل ¬

_ (¬1) "هو الكاهن" ليست في "ج". (¬2) انظر: "الصحاح" (6/ 2413)، (مادة: ط غ ى).

فعلاً يليقُ به، فسماه إتياناً، ووصفَ به نفسَه، وإما أن يُحمل على الإتيان المعروف عندَنا، لكن على معنى أن الله تعالى يخلُقه لملَكٍ من الملائكة، فأضافَه إلى نفسِه على جهةِ الإسنادِ المجازيِّ؛ مثل: قطعَ الأميرُ اللصَّ (¬1). (في صورته التي يعرفون): أي: في علامةٍ (¬2) جعلَها الله دليلًا على معرفته، والتفرقةِ بينه وبين مخلوقاته، فسمى الدليلَ والعلامةَ صورةً مجازاً؛ كما تقول العرب: صورةُ أمرِك كذا، وصورةُ حديِثكَ كذا، والأمرُ والحديثُ لا صورةَ لهما، وإنما يريدون: حقيقة أمرِك وحديثِك، وكثيراً ما يجري على ألسنة الفقهاء: صورةُ هذهِ المسألة كذا. (قد قشبني ريحها): قال السفاقسي: رويناه بتشديد الشين، وكذلك هو في "الصحاح" بالتشديد؛ أي: آذاني؛ كأنه قال: سَمَّني ريحُها (¬3)؛ لأن القِشْبَ (¬4): السَّم، وهو بكسر القاف (¬5). (وأحرقني ذَكاؤها): قال السفاقسي: كذا رويناه بالمد والضم والذال (¬6). قلت: في "المشارق" ما نصه: وقوله: أحرقني ذكاؤها؛ أي: شدةُ ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (33/ 330). والصواب في أمثال هذه الأحاديث: هو إمرارها كما جاءت دون تحريف أو تكييف أو تأويل أو تشبيه، ونؤمن بها، ونكل علمها إلى عالمها. (¬2) في "ج": "علامته". (¬3) انظر: "الصحاح" (1/ 201)، (مادة: قشب). (¬4) في "ج": "القشم". (¬5) انظر: "التوضيح" (33/ 337). (¬6) انظر: "المرجع السابق" (33/ 338).

حرها والتهابها، كذا هو - بفتح الذال ممدود - عند الرواة، والمعروف في شدة حر النار: - القصر -، إلا أن أبا حنيفة ذكر فيه المد، وخَطَّأَه فيه ابنُ حمزة في "ردوده" (¬1). (هل عَسِيْتَ إن أُعطيت ذلك أن تسألَني غيرَه؟ فيقول: لا، وعزتك! لا أسألُك غيرَه): عَسِيْتَ: بكسر السين وفتحها. فإن قلت: قد عُلم أن الدار الآخرة ليست دارَ تكليف، فما الحكمةُ في تكرير أخذِ العهود والمواثيق عليه أن لا يسألَ غيرَ ما أُعطيه، مع أن إخلافَه لقوله (¬2) ما يقتضيه يمينُه لا إثمَ عليه فيه؟ قلت: الحكمةُ فيه ظاهرة، وهي إظهار التمنُّنِ عليه، والإحسانِ إليه مع تكريره لنقضِ عهوده ومواثيقِه (¬3)، ولا شك أن للمنَّةِ في نفس العبد - مع هذه الحالة التي اتصف - وقعاً عظيماً. (انْفَهَقَتْ (¬4) له الجنةُ): أي انفتحَتْ واتسعَتْ. (حتى يضحكَ الله منه): أي: يفعلُ معه فِعْلُ من يضحكُ؛ من الرضا، والرحمة، وكثرة الأفضال. (تَمَنَّهْ): - الهاء للسكت -؛ كقوله تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90]. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 270). (¬2) في "ج": "بقوله". (¬3) في "ج": "عهود مواثيقه". (¬4) في "ج": "انفقهت".

3031 - (7438) - قَالَ عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ: وَأَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ مَعَ أبِي هُرَيْرَةَ، لاَ يَرُدُّ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِهِ شَيْئاً، حَتَّى إِذَا حَدَّثَ أبُو هُرَيرَةَ: أَنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - قَالَ: "ذَلِكَ لَكَ، وَمِثْلُهُ مَعَهُ"، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: "وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ مَعَهُ"، يَا أَبَا هُرَيْرَةَ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَة حَفظْتُ إِلَّا قَوْلَهُ: "ذَلِكَ لَكَ، وَمِثْلُهُ مَعَهُ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: شهدَ أنِّي حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَوْلَهُ: "ذَلِكَ لَكَ، وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَذَلِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الجَنَّةِ دخُولًا الْجَنَّةَ. (قال أبو هريرة: فذلك الرَّجلُ آخرُ أهلِ الجنةِ دخولًا الجنةَ): وقع في "صحيح أبي عوانة" في باب: صفة الشفاعة (¬1)، من طريق حذيفة بن اليمان، عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -، قال: أصبح النبي - صلى الله عليه وسلم - ذاتَ يومٍ، فصلى الغداةَ، ثم جلس، حتى إذا كان من الضحى، ضحكَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فذكر حديثَ الشفاعة، وفي آخره: "ثم يقول الله - تبارك وتعالى -: انْظُرُوا في النَّارِ هَلْ مِنْ أَحَدٍ عَمِلَ خَيْراً قَطُّ؟ قال: فَيَجِدُونَ في النَّارِ رَجُلًا، فيُقالُ لَهُ: هَلْ عَمِلْتَ مِنْ خَيْرٍ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لا، غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ أُسَامِحُ النَّاسَ في البَيْعِ، فَيَقُول: اسْمَحُوا لِعَبْدِي كَإِسْمَاحِهِ (¬2) إِلَى عَبِيدِي، ثُمَّ يُخْرِجُونَ مِنَ النَّارَ رَجُلًا آخَرَ، فيقولُ: هَلْ عَمِلْتَ خَيْراً قَطُّ؟ فَيقُولُ: لا، غَيْرَ أَنَّي أَمَرْتُ وَلدِي إذا مِتُّ فَأَحْرِقُوني ثُمَّ اطْحَنُوني، حَتَى إِذَا كُنْتُ مِثْلَ الكُحْلِ، فَذَرُّوني في الرِّيح، فَقَالَ اللهُ تَعَالَى: لِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ: مِنْ مَخَافَتِكَ، فَقَالَ: ¬

_ (¬1) في "ج": "الجماعة". (¬2) في "ج": "كما سماحه".

انْظُرْ إِلَى مُلْكِ أَعْظَمِ مَلِكٍ، فَإِنَّ لَكَ مِثْلَهُ وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهِ، قَال: فَيَقُولُ: لِمَ تَسْخَرُ بي وَأَنْتَ المَلِكُ؟ فَذَلِكَ الَّذِي ضَحِكْتُ مِنْهُ مِنَ الضَّحَى" (¬1). ولا يُعترض على هذا بقوله في الرواية التي وقعتْ في البخاري: "فَمَا تَلاَفَاهُ أَنْ رَحِمَهُ" (¬2)، وقولِه في رواية: "فَأمَرَ اللهُ البَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، وَالبَرَّ كَذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: لِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ؟ [قَالَ]: مِنْ مَخَافَتِكَ، فَغَفَرَ لَهُ" (¬3)؛ لجواز أن يُحمل ذلك على أن هذا القولَ يكون بعدَ إخراجه من النار؛ ليجمعَ بين الأحاديث. ووقع في "الزهد" لابن المبارك في زيادات الحسين، من طريق موسى بن عبيدة الزيدي، عن محمد بن كعب القرظيِّ، عن عوفِ بنِ مالكٍ الأشجعيَّ، قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "قد عَلِمْتُ آخِرَ أَهْلِ الجَنَّةِ دُخُولًا الجَنَّةَ: رَجُل كَانَ يَسْأَلُ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - في الدُّنْيا أَنْ يُجِيرَهُ مِنَ النارِ، وَلا يَقُولُ: أَدْخِلْني الجَنَّةَ، فَإِذَا دَخَلَ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةِ، وأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، بَقِيَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبَّ! مَا لِي هَا هُنَا؟ فَيَقُولُ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: عَبْدِي! هَذَا مَا كُنْتَ تَسْألنِي يَا بْنَ آدَمَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ (¬4)! قَرِّبْني إِلَى بَابِ الجَنَّةِ أَنْظُرُ إِلَيْهَا فَأجِدُ مِنْ رِيحِهَا، قَالَ (¬5): فَيُقَرَّبُ مِنْ بَابِ الجَنَّةِ، فَيَرَى ¬

_ (¬1) رواه أبو عوانة في "مسنده" (1/ 151). (¬2) رواه البخاري (7508) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. (¬3) رواه البخاري (7506) عن أبي هريرة رضي الله عنه. (¬4) "يا رب" ليست في "ج". (¬5) في "ج": "قال: فيقرب من ريحها قال".

شَجَرَةً عِنْدَ بَابِ الجَنَّةِ، فَيَقُولُ: يا رَبِّ! قَرِّبْني مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ أَسْتظِلُّ بِظِلِّهَا، وَآكُلُ مِنْ ثَمَرِهَا؟ فَيَقُولُ: يا بْنَ آدَمَ! أَلَمْ تَقُلْ؟ فَيَقُولُ: يا رَبِّ! وَأَيْنَ لي مِثْلُكُ؟ فَيُقَالُ (¬1) لَهُ: اذْهَبْ في الجَنَّةِ وَلَكَ مَا بَلَغَتْ قَدَمَاكَ، وَمَا نَظَرَتْ عَيْنَاكَ، قال: فَيَسْعَى في الجَنَّةِ حَتَّى إِذَا بَلَغَ، قالَ: ذَاكَ لي؟ فَيَقُولُ اللهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى -: ذَلِكَ لَكَ، وَمِثْلُهُ، وَعَشَرَةُ أمْثَالِهِ مَعَهُ" (¬2). ولا يعترض على ذلك بأن يقال: هذا لم يدخل النار، والذي في رواية أبي عوانة: "دخلَ النارَ، وأُخْرِجَ منها"؛ لجواز أن يُحمل ذلك على أن يُخرجَ من النار، ثم يُترك بينها وبين الجنة، ويُحمل دعاؤه بالإجارة على أنه أُجيرَ من الخلود (¬3)؛ كذا قال في "الإفهام". قلت: قولُه في الحديث: "فيقولُ الله - عز وجل -: عبدي! هذا ما كنتَ تسألُني" يقتضي إجابةَ دعائه في الإجارة من النار، ولا يخطُر ببالِ داعٍ يدعو بالإجارة من النار إلا الإجارةُ من الدخول إليها، لا من الخلود بها؛ لأن العبدَ إنما يسأل وقاية الشرِّ من أصله، ففي الجمع بما قاله نظر. ثم قال: وحيث يثبت (¬4) هذا فيكون هذا هو الذي يُعرض عليه صغارُ ذنوبه، ويُشْفِق من كبارها. ففي "صحيح مسلم" في أحاديث الإيمان قُبيل الوضوء: "إِنِّي لأَعْلَمُ ¬

_ (¬1) في "ج": "فقال". (¬2) رواه ابن المبارك في "الزهد" (ص: 446). (¬3) في "ج": "بالخلود". (¬4) في "ج": "ثبت".

آخِرَ أَهْلِ الجَنَّةِ دُخُولًا الجَنَّةَ، وَآخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجاً مِنْهَا: رَجُلٌ (¬1) يَؤْتَى بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيُقَالُ: اعْرِضُوا عَلَيْهِ صِغَارَ ذُنُوبِهِ، وَارْفَعُوا (¬2) عَنْهُ كِبَارَهَا، [فَتُعْرَضُ عَلَيْهِ صِغَارُ ذُنُوبِهِ، وَتُرْفَعُ عَنْهُ كِبَارُهَا"] (¬3) الحديث (¬4). وفي (¬5) "تذكرة القرطبي" (¬6): وقال ابن عمر: "آخرُ من يدخلُ الجنةَ رجلٌ من جُهينة يقالُ له: جهينة، يقولُ أهلُ الجنةِ: عندَ جُهينةَ الخبرُ اليقينُ" ذكره الميانشيُّ (¬7)، ورواه الخطيبُ من حديث عبدِ الملكِ بنِ الحكم، [قال: ثنا مالكُ بنُ أنس، عن نافع، عن ابن عمر، وذكره، وفي آخره: "سَلُوهُ: هَلْ بَقِيَ مِنَ الخَلائِقِ أَحَدٌ؟ "، ورواه] (¬8) الدارقطني في كتاب: رُواة مالك، ذكره السهيلي، وقد قيل: إن اسمه هناد، انتهى من "الإفهام" (¬9). * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "ورجل". (¬2) في "ج": "وترفع". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬4) رواه مسلم (190) عن أبي ذر رضي الله عنه. (¬5) في "ج": "ففي". (¬6) انظر: "التذكرة" للقرطبي (ص: 520) وقد ذكره عن أبي هريرة رضي الله عنه. (¬7) في "ج": "السفاقسي". (¬8) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬9) وانظر: "المقاصد الحسنة" للسخاوي (ص: 467).

3032 - (7439) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلاَلٍ، عَنْ زَيْدٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: "هَلْ تُضَارُونَ في رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ إِذَا كَانَتْ صَحْواً؟ "، قُلْنَا: لاَ، قَالَ: "فَإِنَّكمْ لاَ تُضَارُونَ في رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ يَوْمَئِذٍ، إِلَّا كَمَا تُضَارُونَ في رُؤْيَتِهِمَا". ثُمَّ قَالَ: "يُنَادِي مُنَادٍ: لِيَذْهَبْ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى مَا كَانوُا يَعْبُدُونَ، فَيَذْهَبُ أَصْحَابُ الصَّلِيبِ مَعَ صَلِيبِهِمْ، وَأَصْحَابُ الأَوْثَانِ مَعَ أَوْثَانِهِمْ، وَأَصْحَابُ كُلِّ آلِهَةٍ مَعَ آلِهَتِهِمْ، حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ، وَغُبَّرَاتٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، ثُمَّ يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ تُعْرَضُ كَأَنَّهَا سَرَابٌ، فَيُقالُ لِلْيَهُودِ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللَّهِ، فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ، لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبةٌ وَلاَ وَلَدٌ، فَمَا تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا، فَيُقَالُ: اشْرَبُوا، فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ. ثُمَّ يُقَالُ لِلنَّصَارَى: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ اللَّهِ، فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ، لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ وَلاَ وَلَدٌ، فَمَا ترِيدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا، فَيُقَالُ: اشْرَبُوا، فَيَتَسَاقَطُونَ، حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا يَحْبِسُكُمْ وَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ؟ فَيَقُولُونَ: فَارَقْنَاهُمْ وَنَحْنُ أَحْوَجُ مِنَّا إِلَيْهِ الْيَوْمَ، وَإِنَّا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي: لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، وَإِنَّمَا نَنْتَظِرُ رَبَّنَا. قَالَ: فَيَأْتِيهِمُ الْجَبَّارُ فَيقُولُ: أَناَ رَبُّكُمْ، فَيقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، فَلاَ يُكَلِّمُهُ إِلَّا الأَنْبِيَاءُ، فَيقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ تَعْرِفُونَهُ؟ فَيقُولُونَ: السَّاقُ، فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ، فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ كيْمَا يَسْجُدَ، فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقاً وَاحِداً، ثُمَّ يُؤْتَى بِالْجَسْرِ، فَيُجْعَلُ

بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ". قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَمَا الْجَسْرُ؟ قَالَ: "مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ، عَلَيْهِ خَطَاطِيفُ، وَكَلاَلِيبُ، وَحَسَكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ، لَهَا شَوْكَةٌ عُقَيْفَاءُ، تَكُونُ بِنَجْدٍ، يُقَالُ لَهَا: السَّعْدَانُ، الْمُؤْمِنُ عَلَيْهَا كالطَّوْفِ، وَكَالْبَرْقِ، وَكَالرِّيحِ، وَكأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْباً، فَمَا أَنْتُمْ بِأَشَدَّ لِي مُنَاشَدَةً فِي الْحَقِّ قَدْ تَبيَّنَ لَكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِ يَوْمَئِذٍ لِلْجَبَّارِ، وَإِذَا رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا في إِخْوَانِهِمْ، يَقُولُونَ: رَبَّنَا! إِخْوَانُنَا، كَانوُا يُصَلُّونَ مَعَنَا، وَيَصُومُونَ مَعَنَا، وَيَعْمَلُونَ مَعَنَا، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: اذْهَبُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَأَخْرِجُوهُ، ويُحَرِّمُ اللَّهُ صُوَرَهُمْ عَلَى النَّارِ، فَيَأْتُونَهُمْ، وَبَعْضُهُمْ قَدْ غَابَ في النَّارِ إِلَى قَدَمِهِ، وَإِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا، ثُمَّ يَعُودُونَ، فَيقُولُ: اذْهَبُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ، فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا، ثُمَّ يَعُودُونَ، فَيَقُولُ: اذْهَبُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَأخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَإِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي، فَاقْرَؤُوا: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} [النساء: 40]- "فَيَشْفَعُ النَّبِيُّون وَالْمَلاَئِكَةُ وَالْمُؤْمِنُونَ، فَيقُولُ الْجَبَّارُ: بَقِيَتْ شَفَاعَتِي، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ، فَيُخْرِجُ أَقْوَاماً قَدِ امْتُحِشُوا، فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرٍ بِأَفْوَاهِ الْجَنَّةِ، يُقَالُ لَهُ: مَاءُ الْحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ فِي حَافَتَيْهِ كمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ في حَمِيلِ السَّيْلِ، قَدْ رَأَيْتُمُوهَا إِلَى جَانِبِ الصَّخْرَةِ، إِلَى جَانِب الشَّجَرَةِ، فَمَا كَانَ إِلَى الشَّمْسِ مِنْهَا، كَانَ أَخْضَرَ، وَمَا كَانَ مِنْهَا إِلَى الظِّلِّ، كَانَ أَبْيَضَ، فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمُ اللُّؤْلُؤُ، فَيُجْعَلُ في رِقَابِهِمُ الْخَوَاتِيمُ، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، فَيقُولُ أَهْلُ الْجَنَّةِ: هَؤُلاَءِ

عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ، أَدْخَلَهُمُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ، وَلاَ خَيْرٍ قَدَّمُوهُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: لَكُمْ مَا رَأَيْتُمْ، وَمِثْلُهُ مَعَهُ". (هل تُضَارُون في رؤية الشمس إذا كانتْ صحواً): تُضَارُونَ: بتخفيف الراء؛ من الضير، والضميرُ المستكنُّ في قوله: إذا كانت؛ عائدٌ على السماء؛ لفهمها من السياق. (فإنكم لا تُضارون في رؤية ربكم يومئذ إلا كما تُضارون في رؤيتهما (¬1)): هذا من تأكيد المدح بما يشبه الذم، وهو من أفضل ضربيه، وذلك أنه استُثني من صفةِ ذمٍّ منفيةٍ عن الشيء صفةُ مدحٍ لذلك الشيءِ بتقدير دخولها فيها؛ أي: إلا كما تُضارون في رؤية الشمس في حال صحو السماء؛ أي: إن كان ذلك ضيراً، فأثبت شيئاً من العيب على تقدير كونِ رؤيةِ الشمس في [وقت الصَّحْو من العيب، وهذا التقديرُ المفروضُ محالٌ؛ لأنه من كمال التمكُّن من] (¬2) الرؤية دونَ ضررٍ يلحق الرائي، فهو في المعنى تعليقٌ بالمحال، فالتأكيدُ فيه من جهة أنه كدعوى الشيء ببينة (¬3)؛ لأنه علق نقيضَ المدَّعى، وهو إثباتُ شيء من العيب بالمحال، والمعلَّق بالمحال محالٌ، فعدم العيب متحقق، ومن جهة (¬4) أن الأصل في مطلق الاستثناء الاتصال؛ أي: كونُ المستثنى منه بحيثُ يدخلُ فيه المستثنى على تقدير السكوتِ عنه، وذلك لما تقرر في موضعه من أن الاستثناء المنقطع مَجازٌ، ¬

_ (¬1) في "ج": "رؤيتها". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬3) في "ج": "بينته". (¬4) في "ج": "جهته".

وإذا كان الأصل في الاستثناء الاتصال (¬1)، فذكرُ أداتهِ قبلَ ذكرِ ما بعدها يوهمُ إخراجَ الشيءِ مما قبلَها، فإذا وليها صفةُ مدح، وتحوَّلَ الاستثناءُ من الاتصال إلى الانقطاع، جاء التأكيد لما فيه من المدح على المدح، والإشعار بأنه لم يجد صفةَ ذمٍّ يستثنيها، فاضطُرَّ إلى استثناءِ صفة مدح، وتحول الاستثناء إلى الانقطاع. (وغُبَّراتٌ من أهل الكتاب): - بضم الغين المعجمة وتشديد الباء الموحدة المفتوحة وتخفيف الراء -: بقايا من أهل الكتاب. (كنا نعبد المسيحَ ابنَ الله، فيقال: كذبتُم، لم يكن لله صاحبةٌ ولا ولد): صرح أهلُ البيان بأن مورد الصدق والكذب هو النسبةُ التي تضمنها الخبر، فإذا قلت: زيدُ بنُ عمرٍو قائمٌ، فالصدقُ والكذبُ راجعانِ إلى القيام، لا إلى بُنُوَّةِ زيدٍ، وهذا الحديثُ يردُّ عليهم. وحاول بعضُ المتأخرين الجوابَ بأن قال: إما أن يراد: كذبتم في عبادتكم لمسيحٍ موصوفٍ بهذه الصفة، أو فهم عنهم: أن قولهم: ابنُ الله بَدَلٌ. (فيكشِفُ عن ساقِه): أي: عن شدةٍ يخلُقُها، أو يكشفُ عن أمر عظيم، يريد به: هولاً من أهوال يوم القيامة. (ثم يؤتى بالجَسر): بفتح الجيم وكسرها (¬2). (مَدْحَضَةٌ مزلة): المَدْحَضَةُ: بفتح الميم والحاء، والدَّحض: ما يكون عنه الزَّلَقُ، والمَزِلَّةُ - بفتح الميم، وفتح الزاي وكسرها -: موضعُ تلكَ الأقدام. ¬

_ (¬1) في "ج": "في الاتصال". (¬2) في "ج": "وبكسرها".

(وحَسَكَةٌ): - بفتحات -: هو شيء مفروشٌ ذو شوك يَنْشَبُ (¬1) فيه كلُّ ما مَرَّ بِهِ. (مُفَلْطَحَة): - بميم مضمومة ففاء مفتوحة فلام ساكنة فطاء مهملة مفتوحة فحاء مهملة فهاء تأنيث -؛ أي: فيها عرضٌ واتِّساع. وقال الأصمعي: واسعةُ الأعلى، دقيقةُ الأسفل (¬2). (لها شوكة عقيفة (¬3)): - بالفاء بعد القاف -؛ أي: مُعْوَجَّةٌ، والتعقيفُ: التَّعويج. (وكأجاويدِ الخيل): ظاهرُ كلام الجوهري (¬4): أن الأجاويدَ جمعُ جواد (¬5). * * * 3033 - (7440) - وَقَالَ حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ: حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يُحْبَسُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُهِمُّوا بِذَلِكَ، فَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا، فَيُرِيحُنَا مِنْ مَكَانِنَا، فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ آدَمُ أَبُو النَّاسِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَأَسْكَنَكَ جَنَّتَهُ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلاَئِكَتَهُ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، ¬

_ (¬1) في "ج": "ينشبك". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1269). (¬3) كذا في رواية أبي الوقت وأبي ذر الهروي، وفي اليونينية: "عقيفاء"، وهي المعتمدة في النص. (¬4) في "ج" "الزركشي". (¬5) انظر: "الصحاح" (2/ 461)، (مادة: جود).

لِتَشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا. قَالَ: فَيقولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، قَالَ: وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ: أكْلَهُ مِنَ الشَّجَرَةِ وَقَدْ نُهِيَ عَنْهَا - وَلَكِنِ ائْتُوا نُوحاً أَوَّلَ نبَيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ، فَيَأْتُونَ نُوحاً، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ - وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ: سُؤَالَهُ رَبَّهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ - وَلَكِنِ ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ، قَالَ: فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ - وَيَذْكُرُ ثَلاَثَ كَلِمَاتٍ كَذَبَهُنَّ - وَلَكِنِ ائْتُوا مُوسَى: عَبْداً آتَاهُ اللَّهُ التَّوْرَاةَ، وَكَلَّمَهُ، وَقَرَّبَهُ نَجِيّاً، قَالَ: فَيَأْتُونَ مُوسَى، فَيَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ - وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ: قَتْلَهُ النَّفْسَ - وَلَكِنِ ائْتُوا عِيسَى عَبْدَ اللَّهِ وَرَسُولَهُ، وَرُوحَ اللَّهِ وَكَلِمَتَهُ، قَالَ: فَيَأْتُونَ عِيسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَلَكِنِ ائْتُوا مُحَمَّداً - صلى الله عليه وسلم -، عَبْداً غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فَيَأْتُونِي، فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فِي دَارِهِ، فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتُهُ، وَقَعْتُ سَاجِداً، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي، فَيَقُولُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَ، قَالَ: فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأُثْنِي عَلَى رَبِّي بِثَنَاءٍ وَتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ، فَيَحُدُّ لِي حَدّاً، فَأَخْرُجُ فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ - قَالَ قتَادَةُ: وَسَمِعْتُهُ أَيْضاً يَقُولُ: فَأَخْرُجُ فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ، وَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ -، ثُمَّ أَعُودُ فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فِي دَارِهِ، فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتُهُ، وَقَعْتُ سَاجِداً، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يَقُولُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَ، قَالَ: فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأُثْنِي عَلَى رَبِّي بِثَنَاءٍ وَتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ، قَالَ: ثُمَّ أَشْفَعُ، فَيَحُدُّ لِي حَدّاً، فَأَخْرُجُ، فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ - قَالَ قَتَادَةُ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: فَأَخْرُجُ، فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ، وَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ -، ثُمَّ أَعُودُ الثَّالِثَةَ، فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي في دَارِهِ، فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتُهُ، وَقَعْتُ سَاجِداً، فَيَدَعُنِي

مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يَقُولُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ، قَالَ: فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأُثْنِي عَلَى رَبِّي بِثَنَاءٍ وَتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ، قَالَ: ثُمَّ أَشْفَعُ، فَيَحُدُّ لِي حَدّاً، فَأَخْرُجُ فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ - قَالَ قَتَادَةٌ: وَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: فَأَخْرُجُ، فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ، وَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ - حَتَّى مَا يَبْقَى فِي النَّارِ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ"، أَيْ: وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ. قَالَ: ثُمَّ تَلاَ هَذه الآيَةَ: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79]. قَالَ: وَهَذَا الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي وُعِدَهُ نَبِيُّكُمْ - صلى الله عليه وسلم -. (قال: يحبس المؤمنون يوم القيامة حتى يُهِمُّوا بذلك): قال الزركشي: هذه الإشارة إلى المذكور بعده، وهو حديث الشفاعة (¬1). قلت: هو تكلُّف لا داعي إليه، والظاهر أن الإشارة راجعةٌ إلى الحبس المدلول عليه بقوله: "يُحْبَسُ المؤمنونَ"؛ أي: حتى يهموا بذلك الحبس. (لو (¬2) استشفعنا إلى ربنا فيريحَنا): بنصب "يريح"؛ لوقوعه في جواب التمني المدلول عليه بـ "لو"؛ أي: ليت لنا (¬3) استشفاعاً فإراحةً. (لستُ هناكم): أي: لستُ في المحل الذي تطلبونه، وهو محل الشفاعة فيكم. (فأستأذنُ على ربي في داره): أي: أستأذنُ على ربي في حال كوني في جنته، فأضاف الدار إليه؛ تشريفاً لها؛ كما في الكعبة بيت الله. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1269). (¬2) في "ج": "إلا". (¬3) "لنا" ليست في "ج".

(وقعتُ ساجداً): في "مسند أحمد": أن هذه السجدة مقدارُ جمعةٍ من جمع الدنيا (¬1). * * * 3034 - (7443) - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أبو أُسَامَةَ، حَدَّثَنِي الأَعْمَشُ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ، وَلاَ حِجَابٌ يَحْجُبُهُ". (ليس بينه وبينه ترجمان): وهو بفتح التاء. قال في "الصحاح": ولك أن تضم التاء بضمة الجيم (¬2)، وقد سبق في أول الكتاب. * * * 3035 - (7447) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ أَبي بَكْرَةَ، عَنْ أَبي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "الزَّمَانُ قَدِ اسْتَدَارَ كهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ: اثْنَا عَشَرَ شَهْراً، مِنْهَا: أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثٌ مُتَوَالِياتٌ: ذُو الْقَعَدَةِ، وَذُو الْحَجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ. أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ "، قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ يُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: ¬

_ (¬1) رواه الإمام أحمد في "المسند" (1/ 4). (¬2) انظر: "الصحاح" (5/ 1928)، (مادة: رجم). وعنده: "لضمة الجيم".

باب: ما جاء في قول الله تعالى {إن رحمت الله قريب من المحسنين} [الأعراف: 56]

"أَلَيْسَ ذَا الْحَجَّةِ؟ "، قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: "أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ "، قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: "أَلَيْسَ الْبَلْدَةَ؟ "، قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: "فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ "، قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: "أليْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ "، قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ - قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: - وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، في بَلَدِكُمْ هَذَا، في شَهْرِكمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، أَلاَ فَلاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلاَّلاً، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلاَ لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْعَى مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ" - فَكَانَ مُحَمَّدٌ إِذَا ذَكَرَهُ قَالَ: صَدَقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قَالَ: "أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟ أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟ ". (أليس ذو الحجة): أي: هذا الشهر، فحذف خبر "ليس"، وأبقى اسمها، وفي نسخة: "أليس ذا الحجة"، فاسمها ضمير مستتر فيها، وذا الحجة - بالنصب - خبرها. * * * باب: مَا جَاءَ في قَوْلِ اللهِ تَعَالَى {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56] 3036 - (7449) - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "اخْتَصَمَتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ إِلَى ربِّهِمَا، فَقَالَتِ الْجَنَّةُ:

يَا رَبِّ! مَا لَهَا لاَ يَدْخُلُهَا إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ، وَقَالَتِ النَّارُ - يَعْنِي -: أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي، وَقَالَ لِلنَّارِ: أَنْتِ عَذَابِي، أُصِيبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا، قَالَ: فَأَمَّا الْجَنَّةُ، فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِنْ خَلْقِهِ أَحَداً، وَإِنَّهُ يُنْشِئُ لِلنَّارِ مَنْ يَشَاءُ، فَيُلْقَوْنَ فِيهَا، فتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ ثَلاَثاً، حَتَّى يَضَعَ فِيهَا قَدَمَهُ، فتَمْتَلِئُ، وَيُرَدُّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَتَقُولُ: قَطْ قَطْ قَطْ". (وإنه ينشئ للنار مَنْ يشاء، فيُلْقَوْنَ فيها): قال بعض الحفاظ: هذا غلطٌ انقلبَ على بعض الرواة من الجنة إلى النار، فإن الرواة الأثبات إنما أخبروا بذلك عن الجنة. قال القاضي: هذا الذي أُنْكِرَ ليس بمنْكَر، وأحد (¬1) التأويلات التي قدمناها في القَدَم: أنهم قوم تقدَّم في علم الله أنه (¬2) يخلقهم لها (¬3) مطابقٌ للإنشاء (¬4). ووقع في حديث أبي سعيد المتقدم: "فَيَقُولُ الجَبَّارُ: بَقِيَتْ شَفَاعَتي، ثم قال: فَيَقُولُ أَهْلُ الجَنَّةِ: هؤلاءِ عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ أَدْخَلَهُمُ الجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ، وَلا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ" (¬5)، فتمسك بها بعضُهم على (¬6) إخراج غير ¬

_ (¬1) "وأحد" ليست في "ج". (¬2) في "ج": "أنهم". (¬3) "لها" ليست في "ج". (¬4) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 321). (¬5) رواه البخاري (7439). (¬6) في "ج": "قال".

باب: ما جاء في تخليق السموات والأرض وغيرهما من الخلائق

المؤمنين، ولا متمسَّكَ (¬1) فيها لوجهين: أحدهما: أنها غيرُ متصلة كما قال عبدُ الحق في "الجمع بين الصحيحين". والثاني: أنها على تقدير اتصالها محمولةٌ على ما سوى التوحيد؛ كما تُبينه الأحاديثُ الأخرُ (¬2). * * * 3037 - (7450) - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَيُصِيبَنَّ أَقْوَاماً سَفْعٌ مِنَ النَّارِ، بِذُنُوبٍ أَصَابُوهَا عُقُوبَةً، ثُمَّ يُدْخِلُهُمُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ، يُقَالُ لَهُمُ: الْجَهَنَّمِيُّونَ". (ليصيبنَّ أقواماً سَفْعٌ من النار): أي: علامةٌ تُغير ألوانَهم، تقول: سَفَعْتُ الشيءَ: إذا جعلتُ عليه علامةً، يريد: أثراً من النار. * * * باب: مَا جَاءَ فِي تَخْلِيقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَغَيْرِهمَا مِنَ الْخَلاَئِقِ (باب: ما جاء في خلق السماوات والأرض وغيرهما): غرضُه من هذا الباب: أن يُعَرِّفَ أن السمواتِ والأرضَ وما بينهما كلُّ ذلك مخلوق؛ ¬

_ (¬1) في "ج": "يتمسك". (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1269 - 1270).

باب: {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين} [الصافات: 171]

لقيام دلائل الحدوث بها، ولقيام برهان العقل على أن لا خالقَ إلا الله، فيبطل قول من قال: إن الطبائعَ خالقةٌ للعالَم، وأن الأفلاكَ السبعة هي الفاعلةُ، وأن النور والظلمة خالقان، إلى غير ذلك من الآراء المضِلَّة، والأقوال الباطلة (¬1). وانظر هل في كلامه ما يدلُّ على أن (¬2) التكوين من صفات الذات، أو من صفات الفعل؟ وهي مسألةُ خلافٍ بين الحنفية والأشعري، مقررةٌ بأدلتها من الجانبين في محلها من علم الكلام، فلا نُطَوِّل بذكرها. * * * باب: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: 171] 3038 - (7454) - حَدَّثَنَا آدَمُ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ: وسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: "إِنَّ خَلْقَ أَحَدِكمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْماً، وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَهُ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَهُ، ثُمَّ يُبْعَثُ إلَيْهِ الْمَلَكُ، فَيُؤْذَنُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، فَيَكْتُبُ: رِزْقَهُ، وَأَجَلَهُ، وَعَمَلَهُ، وَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، حَتَّى لاَ يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، فَيَدْخُلُ النَّارَ. وَإِنَّ أَحَدكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (33/ 360). (¬2) "أن" ليست في "ج".

النَّارِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا". (إن خلقَ أحدِكم): قال أبو البقاء: لا يجوز في "أن" إلا الفتح؛ لأن ما قبله "حدثنا" (¬1). قلت: بل يجوز الأمران الفتحُ والكسر؛ أما الفتح، فلما قال. وأما الكسر، فإن بَنَينا على مذهب الكوفيين في جواز الحكايةِ بما فيه معنى القول دونَ حروفه، فواضح، وإن بنينا على مذهب البصريين، وهو المنع، فلا مانع (¬2) أن نقدر قولًا محذوفاً يكون ما بعده محكياً به، فتكسر همزة "إن" حينئذ بالإجماع، والتقديرُ حدثنا، فقال: "إن خلق أحدكم". (فيكتب رِزقَه، وأجلَه، وعملَه، وشقيٌّ أم سعيدٌ): "أم" هذه هي المتصلة، فلا بد من تقدير الهمزة محذوفة؛ أي: أَشقيٌّ أم سعيد؟ فإن قلت: كيف يصحُّ تسليطُ فعل الكتابة على هذه الجملة الإنشائية التي هي من كلام المَلَك؟ فإنه يسأل - ربه عز وجل (¬3) -: الجنينُ (¬4) أشقيٌّ هو (¬5) أم سعيدٌ؟ فما أخبر الله به من شقاوته أو سعادته، [كتبه الملك، ومقتضى الظاهر أن يقال: وشقاوته، أو سعادته] (¬6)، فما وجه ما وقع هنا؟ ¬

_ (¬1) انظر: "إعراب الحديث" (ص: 302). (¬2) "فلا مانع" ليست في "ج". (¬3) "عز وجل" ليست في "ج". (¬4) في "ج": "عن". (¬5) "هو" ليست في "ج". (¬6) ما بين معكوفتين ليس في "ج".

باب: قول الله تعالى: {إنما قولنا لشيء إذا أردناه} [النحل: 40]

قلت: ثَمَّ مضافٌ (¬1) محذوفٌ تقديرُه: وجواب: أشقيٌّ أم سعيدٌ، وجواب هذا اللفظ: هو شقيٌّ، أو هو سعيدٌ، فمضمونُ هذا الجواب: هو الذي يُكتب، وانتظم الكلامُ ولله الحمد، وهو نظير قولهم: علمتُ لزيدٌ قائم؛ أي: جوابَ هذا الكلام، ولولا ذلك، لم يستقم ظاهره؛ لمنافاةِ الاستفهامِ لحصولِ العلمِ وتحقُّقِه. * * * باب: قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ} [النحل: 40] 3039 - (7461) - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، حَدَّثَنَا ناَفِعُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَقَفَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى مُسَيْلِمَةَ في أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: "لَوْ سَأَلْتَنِي هَذ الْقِطْعَةَ، مَا أَعْطَيْتُكَهَا، وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ، وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ، لَيَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ". (ولن تعدوَ أمرَ الله فيك): بإثبات الواو مفتوحة على القاعدة؛ مثل: "أَن تغزَو (¬2) "، وفي بعض النسخ: بحذف (¬3) الواو، ويتخرج على الجزم بـ "لن"؛ مثل: "لن تُرَعْ" (¬4). * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "جواب". (¬2) في "ج": "يعود". (¬3) في "ج": "مفتوح". (¬4) في "ج": إن ترع".

باب: قول الله تعالى: {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا} [الكهف: 109]

باب: قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف: 109] {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [لقمان: 27]. {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54]. ({قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي} إلى قوله: {مَدَدًا}): وقع لبعضهم في قوله تعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ} [الرعد: 6]: أن قال: معنى الكلام (¬1): ويستعجلونك بالسيئة (¬2) دون الحسنة؛ لأن السيئة لو حلَّت بهم، وهي عقوبةُ الكافرين، لم يبق للنعمة موقعٌ، ولا في الرحمة مطمَعٌ، فلا ينبغي أن يفهم من "قَبْلَ" هنا ما يُفهم منها في قولك: وَفِّ الأَجِيرَ أَجْرَه قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ، ولا في قوله تعالى: {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ} [الشورى: 47]؛ فإن جفافَ العرق واقعٌ لا بد، وكذلك إتيانُ اليوم، وأما الحسنةُ في حق هؤلاء، فغيرُ واقعة أبداً، ونظير هذه الآية قولُ جرير: فَيَا لَكَ يَوْماً خَيْرُهُ قَبْلَ شَرِّهِ ... تَغَيَّبَ وَاشِيهِ وَأَقْصَرَ عَاذِلُهْ وذكر ابن رشيق في "العمدة": أن الأصمعي قرأ هذا البيت على خلف الأحمر كذلك، فقال له خَلَفٌ: أصلحْه: فيا لَكَ يوماً خيرُه دونَ شَرِّهِ، فإنه لا خيرَ بخيرٍ بعدَه شرٌّ، فقال له الأصمعي: هكذا حفظتهُ، فقال: صدقتَ، ¬

_ (¬1) "معنى الكلام" ليست في "ج". (¬2) في "ج": "معناه يستعجلونك بالسيئة".

باب: في المشيئة والإرادة وقول الله تعالى: {وما تشاءون إلا أن يشاء الله} [الإنسان: 30] {تؤتي الملك من تشاء} [آل عمران: 26].

وهكذا قاله جرير، ولكن ما زالت الرواة قبلَنا يُصلحون للعرب أشعارهم، فقال الأصمعي: واللهِ (¬1)! لا رويتُه إلا هكذا (¬2)؛ تصويباً لإصلاح خلف. قال ابن المنير: والظاهرُ تصويبُ جرير، وتخطئةُ ابنِ رشيق، ومَنْ روى عنه، وإنما غَلَّطْتُ هؤلاء على أنهم أكابر؛ لما هو أكبرُ من الخلق أجمعين، وهو كتابُ الله تعالى، ومثل هذه الآية قولُه تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} [الكهف: 109]. فإن "قَبْلَ" في هذا وأمثاله بمعنى دون كذا؛ إذ لا يُتوقع نفادُ كلمات الله تعالى، ولا يقع أبداً، فالمراد إذاً: لنفد البحرُ، ولا (¬3) تنفدُ كلمات الله (¬4)، وكذلك في البيت: فيا لك يوماً خيرُه لا شرَّ بعده، بل هذا المعنى هو الأصل في "قبل"، وإنما كثر استعمالها فيما يوجد متأخراً؛ كقولك: جاءني زيدٌ قبلَ عمرٍو، وقد جاءا جميعاً، لكن أحدهما قبلَ صاحبه، فالحقيقة منها: أن الأول جاء، ولم يجيء الثاني، وكونه لم يجيء أعمُّ من كونه يجيء بعدَ ذلك، أو لا. * * * باب: فِي المَشِيئَةِ وَالإرادَةِ وقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: 30] {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ} [آل عمران: 26]. {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 23، 24]. ¬

_ (¬1) "والله" ليست في "ج". (¬2) وأورد هذه الحكاية: العسكري في "ديوان المعاني" (1/ 353). (¬3) في "ج": "فلا". (¬4) في "ج": "ربي".

{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56]. قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبيهِ: نزَلَتْ في أَبِي طَالِبٍ. {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]. ({وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}): قال السهيلي: لا يتعلق الاستثناء بفاعل؛ إذ (¬1) لم يَنْه عن أن يفعل إلا أن يشاء الله بقوله ذلك، ولا بالنهي؛ لأنك إذا قلت: أنت مَنْهِيٌّ عن أن تقوم إلا أن يشاء الله، فلستَ بمنهيٍّ فقد سلطته على أن يقومَ ويقولَ: إن (¬2) شاء الله ذلك، وتأويلُ ذلك: أن الأصل إلا قائلاً: إلا أن يشاء الله، وحذفُ القول كثير. فتضمن كلامه - رحمه الله - حذفَ أداة الاستثناء والمستثنى جميعاً (¬3). وقال ابن الحاجب في "الأمالي": الوجه فيه أن يكون الاستثناء مفرغاً؛ كقولك: لا تَجِيءْ إلا بإذن زيد، ولا تخرجْ إلا بمشيئة فلانٍ، على أن يكون الأعمُّ المحذوفُ حالاً أو مصدراً، فتقديرُ الحالِ: لا تخرج على حالٍ إلا مستصحباً [ذلك، وتقدير المصدر: لا تخرج خروجاً إلا خروجاً مُستَصحباً] (¬4)؛ كقولك: ما كتبتُ (¬5) إلا بالقلم، ولا نَجَرْتُ إلا بالقَدُوم، وحذفت الباء من "أن يشاء الله"، والتقدير: إلا (¬6) بأن يشاء الله إلا بذكر ¬

_ (¬1) في "ج": "إن". (¬2) "إن" ليست في "ج". (¬3) انظر: "مغني اللبيب" لابن هشام (ص: 837). (¬4) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬5) في "ج": "لا تكتب". (¬6) "إلا" ليست في "ج".

المشيئة، وقد علم أن ذكر المشيئة المستَصْحَبة في الإخبار عن الفعل المستقبَل هي المشيئةُ المذكورة بحرف الشرط، أو في معناه؛ كقولك: لأفعلنَّ إن شاء الله، أو لأفعلنَّ بمشيئة الله، أو (¬1) إلا أن يشاء الله، وما أشبه ذلك. وما ذكر من أنه استثناء منقطع، أو متصل على غير ذلك، فبعيد. أما الانقطاعُ، فلا يتجه؛ لأنه يؤدي إلى نهي كلِّ أحدٍ عن (¬2) أن يقول: إني فاعل غداً كذا مطلقاً، قيدَه بشيء، أو لم يقيده، وهو خلاف (¬3) الإجماع؛ فإنه لا يختلف في جواز قول القائل: لأفعلن غداً كذا إن شاء الله، وجعلُه منقطعاً يُدرجه في النهي. وأما (¬4) ما ذكر من أنه متصل باعتبار النهي، فيؤدي إلى أن يكون المعنى: نهيتكم إلا أن أشاء، والنهيُ لا يُقيد بالمشيئة؛ لأنه إن أُريد تحقيقُ الإخبار عن نهي محقق، فلا يصح تعليقه بالمشيئة، وإن أُريد نفسُ النهي الذي هو إنشاءٌ، فلا يُقبل تعليقه على المشيئة، وإن أريد دوامُه إلى أن يأتي نقيضُه، فذلك معلومٌ من كل أمر ونهي، وكل حكم، ثم يلزم أن يكون كلُّ أحدٍ منهياً عن أن يقول: إني فاعل غداً مطلقاً؛ لأن الاستثناء بالمشيئة لم يَتعرض له، وإنما تعرض (¬5) لنفس النهي، أو دوام النهي كما تقدم. وأما ما ذكر من أنه متصل بقوله: إني فاعل، ففاسد؛ إذ يصير ¬

_ (¬1) "أو" ليست في "ج". (¬2) "عن" ليست في "ج". (¬3) في "ج": "بخلاف". (¬4) في "ج": "أما". (¬5) في "ج": "يتعرض".

المعنى: [إني فاعلٌ بكل حال إلا في حال المشيئة، فيصير منهياً عن ذلك، وهو خلاف الإجماع؛ إذ يصير المعنى] (¬1): النهي عن أن يقول: إني فاعل إن شاء الله، وإني فاعل إلا أن يشاء الله، وهذا لا يقوله أحد. وأما ما ذكر أن بعض المتأخرين زعمَ أن "إلا" هنا ليست باستثناء، فإن أراد أنها ليست باستثناء (اتصال، فقد تقدم الكلام عليه، وإن أراد أنها ليست باستثناء) (¬2) أصلاً، لا منقطعٍ ولا متصل، فلا يصدر ذلك إلا عن جهل وغباوة، والله أعلم بالصواب (¬3). * * * 3040 - (7464) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا دَعَوْتُمُ اللَّهَ، فَاعْزِمُوا فِي الدُّعَاءِ, ولاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِنِي، فَإِنَّ اللَّهَ لاَ مُسْتَكْرِهَ لَهُ". (ولا يقولَنَّ أحدُكم: إن شئتَ، فأعطني): أي: لا يشترطِ المشيئةَ لعطائه؛ لأنه أمرٌ متيقَّن أنه لا يعطي إلا أن يشاء، فلا معنى لاشتراط المشيئة؛ لأنها إنما تُشترط فيما يصحُّ أن يُفعل بدونها من إكراه أو غيره، وقد أشار - عليه السلام - في آخر الحديث بقوله: "فَإِنَّهُ لا مُسْتَكْرِهَ لَهُ". وأيضاً: ففي قوله: "إنْ شئتَ" نوعٌ من الاستغناء عن عطائه؛ كقول القائل: إن شئتَ أن تُعطيني كذا، فافعلْ، لا يستعمل هذا - غالباً - إلا في مقامٍ ¬

_ (¬1) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬3) انظر: "أمالي ابن الحاجب" (1/ 196 - 198).

يُشعر بالغِنى، وأما مقامُ الاضطرار، فإنما فيه عزمُ المسألة، وبَتُّ الطلب. * * * 3041 - (7466) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، حَدَّثَنَا هِلاَلُ ابْنُ عَلِيٍّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كمَثَلِ خَامَةِ الزَّرْعِ، يَفِيءُ وَرَقُهُ مِنْ حَيْثُ أَتَتْهَا الرِّيحُ تُكَفِّئُهَا، فَإِذَا سَكَنَتِ، اعْتَدَلَتْ، وَكَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ يُكَفَّأُ بِالْبَلاَءِ، وَمَثَلُ الْكَافِرِ كَمَثَلِ الأَرْزَةِ، صَمَّاءَ مُعْتَدِلَةً، حَتَّى يَقْصِمَهَا اللَّهُ إِذَا شَاءَ". (مثلُ المؤمنِ كمثلِ خامَةِ الزرعِ): أي: هي الطاقة الغَضَّة الرطبة أولَ ما تنبتُ على ساقٍ واحدة (¬1)، ضربها مثلاً للمؤمن؛ لأنه يُسَرُّ مرةً، ويُبتلى مرة، وكذلك خامةُ الزرع، تعتدل مرة عند سكون الريح، وتضطرب أخرى عند هبوبها. (تُكَفِّئُها): - بضم تاء المضارعة وتشديد الفاء -؛ أي: تُميلها وتَقلبها من جهة إلى أخرى. (ومثلُ الكافرِ كمثلِ الأَرْزَةِ): - بهمزة مفتوحة فراء ساكنة فزاي فهاء تأنيث -: شجر الصَّنَوْبَر، كذا قال أبو عبيدة. وقال الداودي: الأَرزة من أعظم الشجر، لا تُميل الريحُ أكبرها، ولا تهتزُّ من أسفلها. ورواها أصحاب الحديث بإسكان الراء. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1272).

وروي: "كمثل الآرِزَة" على وزن فاعلة؛ يريد: كمثل الشجرة الثابتة. ورويت بتحريك الراء، ورويناه بإسكانها، كذا في السفاقسي (¬1). * * * 3042 - (7470) - حَدَّثَنَا مُحَمَّد، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَى أَعْرَابِيٍّ يَعُودُهُ، فَقَالَ: "لاَ بَأْسَ عَلَيْكَ، طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ". قَالَ: قَالَ الأَعْرابِيُّ: طَهُورٌ؟ بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ، عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ، تُزِيرُهُ الْقُبُورَ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَنَعَمْ إِذاً". (لا بأسَ عليكَ): فهم الأعرابي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تَرَجَّى حياتَه، فلم يوافقْ على ذلك؛ لما وجده من المرض المؤذِنِ بموته. (فقال: بل هي حمى تفور، على شيخ كبير، تُزيره القبور): أي: ليس كما رجوتَ من تأخير الوفاة، بل الموتُ من هذا المرض واقعٌ ولا بد؛ لما أحسَّه من نفسه. (فنعم إذاً): فيه دليل على أن قوله: "لا بأس عليك" إنما كان على طريق الترجي، لا على طريق الإخبار عن الغيب. * * * 3043 - (7473) - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي عِيسَى، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (33/ 399).

قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الْمَدِينَةُ يَأْتِيهَا الدَّجَّالُ، فَيَجدُ الْمَلاَئِكَةَ يَحْرُسُونَهَا، فَلاَ يَقْرَبُهَا الدَّجَّالُ وَلاَ الطَّاعُونُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ". (فلا يقربها الطاعون ولا الدجال (¬1) إن شاء الله): هذا الاستثناء من باب التأدُّب، وليس على الشكِّ، والغرضُ تحريضُ الأمة على سُكْنى المدينة؛ ليحترسوا بها من الفتنة في الدين (¬2). * * * 3044 - (7475) - حَدَّثَنَا يَسَرَةُ بْنُ صَفْوَانَ بْنِ جَمِيلٍ اللَّخْمِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيبٍ، فَنَزَعْتُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَنْزِعَ، ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبي قُحَافَةَ، فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ، وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ، وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا عُمَرُ، فَاسْتَحَالَتْ غَرْباً، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيّاً مِنَ النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ، حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ حَوْلَهُ بِعَطَنٍ". (يَسَرَة بن صفوان): بمثناة تحتية فسين مهملة فراء كلها مفتوحة، وقد تقدم. * * * 3045 - (7476) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبي مُوسَى قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَتَاهُ ¬

_ (¬1) نص البخاري: "الدجال ولا الطاعون". (¬2) "في الدين" ليست في "ج".

باب: قول الله تعالى: {ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير} [سبأ: 23]: ولم يقل: ماذا خلق ربكم؟

السَّائِلُ - وَرُبَّمَا قَالَ: جَاءَهُ السَّائِلُ - أَوْ صَاحِبُ الْحَاجَةِ، قَالَ: "اشْفَعُوا، فَلْتُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مَا شَاءَ". (اشفعوا فَلْتُؤْجَروا): لم أتحرر الرواية في اللام، هل هي ساكنة، أو محركة؟ فإن كانت ساكنةً، تعينَ كونُها لامَ الطلب، وإن كانت مكسورة، احتمل كونها للطلب، وكونها حرف جر، وعلى الأول: ففيه دخولُ لام (¬1) الأمر على فعل (¬2) الفاعل المخاطَب، وهو قليل، وعلى الثاني: فيحتمل كون الفاء زائدة، واللام متعلقة بالفعل المتقدم، ويحتمل كون الفاء غير (¬3) زائدة، واللام متعلقة بفعل محذوف؛ أي: اشفعوا، فلأجل أن تؤجروا أمرتُكم (¬4) بذلك (¬5). * * * باب: قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ: 23]: وَلَمْ يَقُلْ: مَاذَا خَلَقَ رَبُّكُمْ؟ وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255]. ¬

_ (¬1) "لام" ليست في "ج". (¬2) "فعل" ليست في "ج". (¬3) "غير" ليست في "ج". (¬4) في "ج": "وأمرتكم". (¬5) قال الحافظ في "الفتح" (10/ 450): ينبغي أن تكون هذه اللام مكسورة؛ لأنها لام "كي"، وتكون الفاء زائدة؛ كما زيدت في حديث "قوموا فلأصلي لكم" ويكون معنى الحديث: اشفعوا كي تؤجروا، ويحتمل أن تكون لام الأمر. قال الحافظ: ووقع في رواية أبي داود: "اشفعوا لتؤجروا"، وهو يقوي أن اللام للتعليل.

وَقَالَ مَسْرُوقٌ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: إذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ، سَمِعَ أَهْلُ السَّمَوَاتِ شَيْئاً، فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوِبهِمْ، وَسَكَنَ الصَّوْتُ، عَرَفُوا أَنَّهُ الْحَقُّ، وَناَدَوْا: "مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ". وَيُذْكَرُ عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "يَحْشُرُ اللَّهُ الْعِبَادَ، فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ، كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ: أَناَ الْمَلِكُ، أَنَا الدَّيَّانُ". (ويُذكر عن جابر بن عبد الله، عن عبدِ الله بن أنيس، [قال]: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: يَحشر الله العبادَ، فيناديهم بصوتٍ يسمعه من بَعُدَ كما يسمعه من قَرُبَ: أنا الملك، أنا الديان): ذكر هذا التعليق هنا بصيغة التمريض، وقد علقه بصيغة الجزم في كتاب: العلم، في باب: الرحلة. قال القاضي: والمعنى: يَجعل مَلَكاً ينادي، أو يخلق صوتاً يسمَعُه الناس، وأما كلامُ الله، فليس بحرف ولا صوت (¬1). وقال القرطبي: هذا الحديث والذي قبلَه غيرُ صحيحين (¬2)، كلاهما معلَّقٌ مقطوعٌ، والأولُ موقوفٌ (¬3)، فلا يعتمد عليها في كون الله متكلماً ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (2/ 52)، وقول القاضي هناك: هو الصوت معلوم، ولا يجوز على كلام الله تعالى صفته بذلك، ومعناه: يجعل ملكاً من ملائكته يناديهم بصوته، أو صوت يحدثه الله تعالى فيسمع الناس، انتهى. وما نقله المؤلف عن القاضي فإنما أخذه عن الزركشي. (¬2) في "ج": "صحيح". (¬3) انظر "تغليق التعليق" للحافظ ابن حجر (5/ 355) والطرق التي ساقها في هذا الحديث.

بصوت؛ فإن كلامه الذي هو صفتُه منزهٌ عن الحروف والأصوات كما قامت عليه الأدلة القاطعة (¬1). قلت: فسواء ثبت هذان الحديثان، أو لم يثبتا، وسواء قُطعا، أو وُصِلا، لا يكونان مستَنَدَين للقول بأن الكلامَ القديمَ من قَبيل الأصوات والحروف، وإنما المعتمدُ عليه في الجواب، بتقدير ثبوت الحديث وصحته ورفعه، هو ما قرره القاضي من التأويل، والله أعلم بالصواب (¬2). * * * 3046 - (7481) - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "إِذَا قَضَى اللَّهُ الأَمْرَ فِي السَّمَاءِ، ضَرَبَتِ الْمَلاَئِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَاناً لِقَوْلِهِ، كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ - قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالَ غَيْرُهُ: صَفَوَانٍ - يَنْفُذُهُمْ ذَلِكَ -، فَإِذَا {فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ: 23] ". قَالَ عَلِيٌّ: وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، بِهَذَا. قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1272). (¬2) قال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل في كتاب "السنة": سألت أبي عن قوم يقولون {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] لم يتكلم بصوت، فقال لي أبي: بل تكلم بصوت، هذه الأحاديث تروى كما جاءت، انتهى. يعني دون تشبيه ولا تكييف. وانظر: "مجموع الفتاوى" لشيخ الإسلام (12/ 523)، و"فتح الباري" لابن حجر (13/ 460).

قَالَ عَلِيٌّ: قُلْتُ لِسُفْيَانَ: قَالَ سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ لِسُفْيَانَ: إِنَّ إِنْسَاناً رَوَى عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفعُهُ: أَنَّهُ قَرَأَ: {فُزِّعَ}. قَالَ سُفْيَانُ: هَكَذَا قَرَأَ عَمْرٌو، فَلاَ أَدْرِي سَمِعَهُ هَكَذَا، أَمْ لاَ؟ قَالَ سُفْيَانُ: وَهْيَ قِرَاءَتُنَا. (خُضعاناً): - بضم الخاء -: مصدر خَضَع (¬1)؛ كالكُفْران. (عن أبي هريرة يرفعه: أنه قرأ فُرِّغَ): بضم الفاء وكسر الراء المشددة وبغين معجمة. ويحكى عن الحافظ أبي ذر: أن هذا هو الصواب هنا. والقراءة المشهورة: "فُزِّعَ": بضم الفاء وبالزاي المكسورة المشددة وبالعين المهملة. وقرأ ابن عامر من السبعة بفتح الفاء والزاي. وقد روي عن الحسن بخلافٍ عنه: ["فُزِعَ": بضم الفاء وكسر الزاي مخففة وبالعين مهملة -. وقرأ: - بفتح الفاء والزاي المشددة والغين المعجمة: الحسن بخلاف عنه] (¬2)، وقتادة، وأبو المتوكل. وقرأ "فَزُغَ" - مخففاً مع إعجام الغين وضم الزاي - الحسن، و (¬3) قتادة بخلاف عنهما. وقد روي عن الحسن (فُرِّغَ) كما حكينا أولاً عن أبي ذر (¬4). ¬

_ (¬1) في "ج": "مصدر خضع - بضم الخاء -". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬3) الواو ليست في "م". (¬4) وانظر: "معجم القراءات القرآنية" (5/ 158).

باب: قول الله تعالى: {أنزله بعلمه والملائكة يشهدون} [النساء: 166]

3047 - (7482) - حَدَّثَنَا يَحْيى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي أبو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ، مَا أَذِنَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ". وَقَالَ صَاحِبٌ لَهُ: يُرِيدُ: أَنْ يَجْهَرَ بِهِ. (ما أَذِنَ اللهُ لشيء): - بكسر الذال المعجمة المخففة -؛ أي: ما استمعَ (¬1) لشيءٍ كاستماعِه لنبيٍّ. (يتغنى بالقرآن): أي: يتلوه يجهرُ به. (وقال صاحب له: يريد: أَنْ (¬2) يجهر): قال ابن نُباتة في كتاب "مطلع الفوائد ومجمع الفرائد": ووجدتُ في كتاب "الزاهر": يقال: تَغَنَّى الرجلُ: إذا جَهَرَ بصوته (¬3) فقط، قال: وهذا نقل غريب لم أجده في أكثر الكتب في اللغة. * * * باب: قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ} [النساء: 166] 3048 - (7490) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ أَبي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ ابْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110]. قَالَ: أُنْزِلَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مُتَوَارٍ بِمَكَّةَ، فَكَانَ إِذَا رَفَعَ صَوْتَهُ، سَمِعَ الْمُشْرِكُونَ، فَسَبُّوا الْقُرْآنَ، وَمَنْ أَنْزَلَهُ، وَمَنْ جَاءَ بِهِ، ¬

_ (¬1) في "ج": "أسمع". (¬2) "أن" ليست في "م". (¬3) في "ج" "صوته".

باب: قول الله تعالى: {يريدون أن يبدلوا كلام الله} [الفتح: 15] {إنه لقول فصل} [الطارق: 13] حق، {وما هو بالهزل} [الطارق: 14]: باللعب

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110]: {لَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} حَتَّى يَسْمَعَ الْمُشْرِكُونَ، {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} عَنْ أَصْحَابِكَ، فَلاَ تُسْمِعُهُمْ، {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [الإسراء: 110]: أَسْمِعْهُمْ، وَلاَ تَجْهَرْ، حَتَّى يَأْخُذُوا عَنْكَ الْقرْآنَ. (أسمعْهم ولا تجهر حتى يأخذوا عنكَ القرآن): قال أبو ذر: فيه تقديم وتأخير تقديره: أسمعهم حتى يأخذوا عنك القرآن، ولا تجهر به (¬1). * * * باب: قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ} [الفتح: 15] {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ} [الطارق: 13] حَقٌّ، {وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} [الطارق: 14]: بالَلَّعِبِ 3049 - (7503) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ صَالِحٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: مُطِرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "قَالَ اللَّهُ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي كَافِرٌ بِي، وَمُؤْمِنٌ بِي". (أصبح من عبادي كافرٌ بي، ومؤمنٌ بي): قال القاضي أبو بكر بن العربي: أدخل الإمامُ مالكٌ هذا الحديث في أبواب الاستسقاء لوجهين: أحدُهما: أن العرب كانت تنتظر السُّقيا في الأنواء، فقطع النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه العلاقةَ بينَ القلوبِ والكواكبِ. الثاني: أن الناس أصابهم القحطُ في زمن عمرَ بنِ الخطاب، فقال للعباس: كم بقي لنوء الثريا؟ فقال له العباس: زعموا - يا أمير المؤمنين - ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1273).

أنها تعترض في الأفق سبحاً، فما مرَّت حتى نزل المطر، فانظُروا إلى عمرَ والعباسِ، وقد ذكرا الثريا ونوءها، وتوكّفا ذلك في وقتها، ثم قال: إن من انتظر (¬1) المطر من الأنواء على أنها فاعلةٌ له من دون الله فيها، فهو كافرٌ، ومن اعتقد أنها فاعلةٌ بما جعلَ الله فيها، فهو كافر - أيضاً -؛ لأنه لا يصحُّ الخلقُ والأمرُ إلا لله؛ كما قال تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54]. ومن انتظرها، وتوكَّفَ المطرَ منها على أنها عادةٌ أجراها الله تعالى، فلا شيء عليه؛ لأن الله تعالى قد أجرى الفوائدَ في السحاب والرياح والأمطار؛ لمعانٍ ترتبت في الخلقة، وجاءت على نسق في العادة. * * * 3050 - (7507) - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي عَمْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "إِنَّ عَبْداً أَصَابَ ذَنْبًا. - وَرُبَّمَا قَالَ: أَذْنَبَ ذَنْباً - فَقَالَ: رَبِّ! أَذْنبتُ - وَرُبَّمَا قَالَ: أَصَبْتُ - فَاغْفِرْ لِي، فَقَالَ رَبُّهُ. أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبّاً يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي. ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَصَابَ ذَنْباً - أَوْ: أَذْنَبَ ذَنْباً - فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ - أَوْ: أَصَبْتُ - آخَرَ، فَاغْفِرْهُ، فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبّاً يَغْفِرُ الذنْبَ، وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي. ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْباً - وَرُبَّمَا قَالَ: أصابَ ذَنْباً - قَالَ: قَالَ: رَبِّ أَصَبْتُ - أَوْ: أَذْنَبْتُ - آخَرَ، فَاغْفِرْهُ لِي، فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَن لَهُ رَبّاً يَغْفِرٌ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بهِ؟ غفَرْتُ ¬

_ (¬1) في "ج": "أمطر".

لِعَبْدِي - ثَلاَثاً - فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ". (إن عبداً أصابَ ذنباً): ذكر في هذا الحديث (¬1) مواقعةَ العبدِ للذنب واستغفارَه، ومغفرةَ الله له، ففيه دليلٌ على أن المصرَّ (¬2) في مشيئة الله، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له؛ لحسنته التي جاء بها، وهي اعتقادُه أن له رباً خالقاً له يعذبه ويغفر له، واستغفارُه إياه يدل على ذلك، ولا حسنةَ أعظمُ من التوحيدِ والإقرار بوجوده، والتضرعِ إليه في المغفرة، وليس مجردُ استغفاره توبةً يقدح في كونه مُصِرّاً؛ لأن الاستغفارَ ليس شيئاً غيرَ طلب المغفرة، وقد يَطْلُبُ الغفرانَ المصرُّ والتائبُ، ولا دليل في الحديث على أنه كان قد تابَ مما (¬3) سألَ مغفرتَه (¬4). * * * 3051 - (7508) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، سَمِعْتُ أَبِي، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَبْدِ الْغَافِرِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَّهُ ذَكرَ رَجُلًا فِيمَنْ سَلَفَ - أَوْ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُم - قَالَ -كلِمَةً: يَعْنِي - أَعْطَاهُ اللَّهُ مَالًا وَوَلَداً، فَلَمَّا حَضَرَتِ الْوَفَاةُ، قَالَ لِبَنِيهِ: أَيَّ أَبٍ كنْتُ لَكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرَ أَبٍ، قَالَ: فَإِنَّهُ لَمْ يَبْتَئِرْ، أَوْ لَمْ يَبْتَئِزْ عِنْدَ اللَّهِ خَيْراً، وَإِنْ يَقْدِرِ اللَّهُ عَلَيْهِ يُعَذِّبْهُ، فَانْظُرُوا إِذَا مُتُّ، فَأَحْرِقُونِي، حَتَّى إِذَا صِرْتُ ¬

_ (¬1) "الحديث" ليست في "ج". (¬2) في "ج": "المصير". (¬3) في "ج": "عما". (¬4) انظر: "التوضيح" (33/ 454).

فَحْماً، فَاسْحَقُونِي، أَوْ قَالَ: فَاسْحَكُونِي، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ رِيحٍ عَاصِفٍ، فَأَذْرُونِي فِيهَا، فَقَالَ نبِيُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: فَأَخَذَ مَوَاثِيقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَرَبِّي! فَفَعَلُوا، ثُمَّ أَذْرَوْهُ في يَوْمٍ عَاصِفٍ، فَقَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: كُنْ، فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ قَائِمٌ، قَالَ اللَّهُ: أَيْ عَبْدِي! مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ؟ قَالَ: مَخَافَتُكَ، أَوْ: فَرَقٌ مِنْكَ، قَالَ: فَمَا تَلاَفَاهُ أَنْ رَحِمَهُ عِنْدَهَا". وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى: "فَمَا تَلاَفَاهُ غَيْرُهَا". فَحَدَّثْتُ بِهِ أَبَا عُثْمَانَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ هَذَا مِنْ سَلْمَانَ، غَيْرَ أَنَّهُ زَادَ فِيهِ: "أَذْرُونِي في الْبَحْرِ". أَوْ كَمَا حَدَّثَ. حَدَّثَنَا مُوسَى: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، وَقَالَ: "لَمْ يَبْتَئِرْ". وَقَالَ خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، وَقَالَ: "لَمْ يَبْتَئِزْ". فَسَّرَهُ قَتَادَةُ: لَمْ يَدَّخِرْ. (لم يبتئر أو لم يبتئز عندَ الله خيراً): المعروف في اللغة: "يَبْتَئِر" - بالراء -؛ أي: لم يَدَّخِر ولم يقدِّم، وأما بالزاي، فغير معروف، وليس المرادُ نفيَ كلِّ خيرٍ على العموم، بل المراد: نفيُ ما عدا التوحيد، ولذلك غفر له، وإلا، فلو كان التوحيد منتفياً أيضاً؛ لتحتم عقابه سمعاً، ولم يغفر له (¬1). (قال: مخافتُك، أو فَرَقٌ منك): بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: الحاملُ (¬2) لي على ذلك مخافتُك، أو فَرَقٌ منك. فإن قلت: هلا جعلته فاعلاً بفعلٍ مقدَّر؛ أي: حملَني على ذلك مخافتُك أو فرقٌ منك. قلت: لوجهين: ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (33/ 451). (¬2) في "ج": "الخليل".

أحدهما: أنه إذا دار (¬1) الأمر بين كونِ المحذوفِ فعلاً، والباقي فاعلاً، وكونِه مبتدأ، والباقي خبر، فالثاني أَوْلى؛ لأن المبتدأ عينُ (¬2) الخبر، فالمحذوفُ عينُ الثابت، فيكون حذفاً كَلاَ حذفٍ، وأما الفعل، فإنه غيرُ الفاعل. الثاني: أن التشاكلَ بين جملتي السؤال والجواب مطلوبٌ، ولا خفاء بأن قوله: "ما حملك على أن فعلتَ ما فعلت؟ " جملة اسمية، فليكن جوابها كذلك؛ لمكان المناسبة، ولك على هذا أن تجعل "مخافتك" مبتدأ، والخبر محذوف؛ أي: حملتني. (فما تلافاه أن رحمه): قد أسلفنا الكلام عليه، وخرجناه على رأي السهيلي في جواز حذف أداة الاستثناء، والمعنى: فما تلافاه إلا برحمته، ومما يؤيد هذا قوله: (وقال مرة أخرى: فما تلافاه غيرها): قال السفاقسي: وعند المعتزلة: إنما غفرَ له من أجل توبته التي تابها؛ لأن قبولَ التوبة واجبٌ عقلًا، والأشعريُّ قطعَ بقبولها سمعاً، وغيره: جوازُ القبول؛ كسائر الطاعات (¬3). قال ابن المنير: قبولُ التوبة عند المعتزلة واجبٌ على الله عقلًا. وعندنا: واجبٌ بحكم الوعد والتفضُّل والإحسان، لنا وجوه: الأول (¬4): أن الوجوبَ لا يتقرَّرُ معناه إلا إذا كان بحيثُ لو لم يفعلْه الفاعلُ استحقَّ الذمَّ، فلو وجبَ القبولُ على الله تعالى؛ لكان بحيثُ ¬

_ (¬1) في "ج": "أراد". (¬2) في "ج": "غير". (¬3) انظر: "التوضيح" (33/ 453). (¬4) في "ج": "أحدها".

لو لم يقبل؛ لصار مستحقاً للذم، وهو محال؛ لأن من كان كذلك، فإنه يكون مستكملًا بفعل القبول، والمستكمل بالغير ناقصاً لذاته، وذلك في حق الله محال. الثاني: أن الذم إنما يمنع من الفعل من كان يتأذى بسماعه، وينفر عنه طبعُه، ويظهر له بسببه نُقصان حال، أما من كان متعالياً عن الشهوة والنفرة، والزيادة والنقصان، لم يعقل تحققُ الوجوبِ في حقه بهذا المعنى. الثالث: أنه تعالى تمدَّحَ بقبول التوبة في قوله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} [التوبة: 104]، ولو كان ذلك واجباً، لما تمدَّح به؛ لأن أداء الواجب لا يفيدُ المدحَ والثناءَ والتعظيمَ. قال (¬1) بعضُ المفسرين: قبولُ التوبةِ من الكفرِ يُقطع به على الله تعالى إجماعاً، وهذه نازلةُ هذه الآية، وأما المعاصي، فيُقطع أن الله تعالى يقبل التوبة منها من (¬2) طائفة من الأمة، واختُلف هل (¬3) يقبلُ توبةَ (¬4) الجميع؟ وأما إذا عُيِّنَ إنسانٌ تائبٌ، فيرجى قبولُ توبته، ولا يُقطع به على الله تعالى. وأما إذا فرضنا تائباً غيرَ معينٍ صحيحَ التوبة، فقيل: يُقطع على الله بقبول توبته، وعليه طائفةٌ، فيها الفقهاءُ والمحدِّثون؛ لأنه تعالى أخبرَ بذلك عن نفسه، و (¬5) على هذا: يلزم أن يقبلَ توبةَ جميع التائبين. ¬

_ (¬1) في "ج": "وقال". (¬2) "من" ليست في "ج". (¬3) في "ج": "فيها هل". (¬4) "توبة" ليست في "ج". (¬5) الواو ليست في "ج".

باب: كلام الرب يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم

وذهب أبو المعالي وغيره إلى أن ذلك لا يُقطع به على الله تعالى، بل يقوى في الرجاء. والقول الأول أرجحُ (¬1)، ولا فرقَ بين التوبة من الكفر، والتوبةِ من المعاصي؛ بدليل: "إِنَّ الإِسْلامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ" (¬2)، والتوبةُ تجبُّ ما قبلها. * * * باب: كلاَمِ الرَّبِّ يومَ القِيَامَةِ مع الأَنْبِياءِ وغَيْرِهِمْ 3052 - (7509) - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ رَاشِدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَساً - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، شُفِّعْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ! أَدْخِلِ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ خَرْدَلَةٌ، فَيَدْخُلُونَ، ثُمَّ أَقُولُ: أَدْخِلِ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ أَدْنَى شَيْءٍ". فَقَالَ أَنسٌ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَصَابعِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. (أبو بكر بن عياش): بمثناة تحتية وشين معجمة. * * * باب: قَوْلِهِ: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] (باب: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164]): هذا مما استُدل به ¬

_ (¬1) انظر "المحرر الوجيز" لابن عطية (3/ 79). (¬2) تقدم تخريجه.

أن تكليم الله تعالى لموسى - عليه الصلاة والسلام - واقعٌ على سبيل الحقيقة، لا المجاز؛ من جِهة أن الفعلَ إذا أُكِّدَ بالمصدر، امتنعَ حملُه على المجاز، وممن نصَّ على ذلك ابن عصفور في "المقرب". واعتُرض بقوله تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا} [النمل: 50]، وقوله تعالى: {وَأَكِيدُ كَيْدًا} [الطارق: 16]. وقول الشاعر: بَكَى الخَزُّ مِنْ رَوْحٍ وَأَنْكَرَ جِلْدَهُ ... وَعَجَّتْ عَجِيجاً مِنْ جِذامِ المَطَارِفُ فإن ذلك كلَّه مجاز، مع وجود التأكيد بالمصدر، ولهذا قال بعضهم: والتأكيدُ بالمصدر يدفعُ المجازَ في الأمرِ العامَّ؛ يريد: الغالب. قلت: وكان الشيخُ بهاءُ الدين بنُ عَقيل - رحمه الله - يقول: الجوابُ عن هذا البيت يريد تحقيقاً سمعناه من (¬1) شيخنا علاءِ الدينِ القونويِّ، فيقول (¬2): لا تخلو الجملة التي أُكِّدَ الفعلُ فيها بالمصدر من أن تكونَ صالحةً بأن تُستعمل لكلٍّ من المعنيين - يريد: الحقيقةَ، والمجاز -، أو لا يصلح استعمالها إلا في المعنى المجازي فقط، فإن كان الأول (¬3)، كان التأكيد بالمصدر يرفعُ المجاز، وإن كان الثاني، لم يكن (¬4) التأكيد رافعاً له، ¬

_ (¬1) في "ج": "عن". (¬2) في "ج": "يقول". (¬3) "كان الأول" ليست في "ج". (¬4) "الثاني لم يكن" ليست في "ج".

فمثال (¬1) الأول: قولُك (¬2): ضربَ زيدٌ ضرباً، ومثال (¬3) الثاني: البيتُ المذكور (¬4)؛ لأن عجيجَ المطارف لا يقع إلا مجازاً. * * * 3053 - (7517) - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ، إِنَّهُ جَاءَهُ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ، وَهْوَ نَائِمٌ في الْمَسْجدِ الْحَرَامِ، فَقَالَ أَوَّلُهُمْ: أيُّهُمْ هُوَ؟ فَقَالَ أَوْسَطُهُمْ: هُوَ خَيْرُهُمْ، فَقَالَ آخِرُهُمْ: خُذُوا خَيْرَهُمْ، فَكَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَلَمْ يَرَهُمْ حَتَّى أَتَوْهُ لَيْلَةً أُخْرَى، فِيمَا يَرَى قَلْبُهُ، وَتَنَامُ عَيْنُهُ وَلاَ يَنَامُ قَلْبُهُ، وَكَذَلِكَ الأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلاَ تَنَامُ قُلُوبُهُمْ، فَلَمْ يُكَلِّمُوهُ حَتَّى احْتَمَلُوهُ، فَوَضَعُوهُ عِنْدَ بِئْرِ زَمْزَمَ، فَتَوَلَّاهُ مِنْهُمْ جِبْرِيلُ، فَشَقَّ جِبْرِيلُ مَا بَيْنَ نَحْرِهِ إِلَى لَبَّتِهِ، حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَدْرِهِ وَجَوْفِهِ، فَغَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ بِيَدِهِ، حَتَّى أَنْقَى جَوْفَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ تَوْرٌ مِنْ ذَهَبٍ، مَحْشُوّاً إِيمَاناً وَحِكْمَةً، فَحَشَا بِهِ صَدْرَهُ وَلَغَادِيدَهُ - يَعْنِي: عُرُوقَ حَلْقِهِ - ثُمَّ أَطْبَقَهُ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَضَرَبَ بَاباً مِنْ أَبْوَابِهَا، فَنَادَاهُ أَهْلُ السَّمَاءِ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: ¬

_ (¬1) في "ج": "له في الفعل". (¬2) في "ج": "كقولك". (¬3) في "ج": "والمثال". (¬4) "البيت المذكور" ليست في "ج".

جِبْرِيلُ، قَالُوا: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مَعِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: وَقَدْ بُعِثَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: فَمَرْحَباً بِهِ وَأَهْلًا، فَيَسْتَبْشِرُ بِهِ أَهْلُ السَّمَاءِ، لاَ يَعْلَمُ أَهْلُ السَّمَاءِ بِمَا يُرِيدُ اللَّهُ بِهِ في الأَرْضِ حَتَّى يُعْلِمَهُمْ، فَوَجَدَ في السَّمَاءِ الدُّنْيَا آدَمَ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: هَذَا أَبُوكَ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَرَدَّ عَلَيْهِ آدَمُ، وَقَالَ: مَرْحَباً وَأَهْلًا بِابْنِي، نِعْمَ الاِبْنُ أَنْتَ، فَإِذَا هُوَ في السَّمَاءِ الدُّنْيَا بِنَهَرَيْنِ يَطَّرِدانِ، فَقَالَ: "مَا هَذَانِ النَّهَرَانِ يَا جِبْرِيلُ؟ "، قَالَ: هَذَا النِّيلُ وَالْفُرَاتُ عُنْصُرُهُمَا، ثُمَّ مَضَى بِهِ في السَّمَاءِ، فَإِذَا هُوَ بِنَهَرٍ آخَرَ، عَلَيْهِ قَصْرٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدٍ، فَضَرَبَ يَدَهُ، فَإِذَا هُوَ مِسْكٌ، قَالَ: "مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ "، قَالَ: هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي خَبَأَ لَكَ رَبُّكَ، ثُمَّ عَرَجَ إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَقَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَتْ لَهُ الأُولَى: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قَالُوا: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم -، قَالُوا: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: مَرْحَباً بِهِ وَأَهْلًا، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، وَقَالُوا لَهُ مِثْلَ مَا قَالَتِ الأُولَى وَالثَّانِيَةُ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى الرَّابِعَةِ، فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ، فَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّادِسَةِ، فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، كُلُّ سَمَاءِ فِيهَا أَنْبِيَاءُ قَدْ سَمَّاهُمْ، فَأَوْعَيْتُ مِنْهُمْ إِدْرِيس في الثَّانِيَةِ، وَهَارُونَ فِي الرَّابِعَةِ، وَآخَرَ في الْخَامِسَةِ لَمْ أَحْفَظِ اسْمَهُ، وَإِبْرَاهِيمَ في السَّادِسَةِ، وَمُوسَى فِي السَّابِعَةِ بِتَفْضِيلِ كلاَمِ اللَّهِ، فَقَالَ مُوسَى: رَبِّ! لَمْ أَظُنَّ أَنْ يُرْفَعَ عَلَيَّ أَحَدٌ، ثُمَّ عَلاَ بِهِ فَوْقَ ذَلِكَ بِمَا لاَ يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، حَتَّى جَاءَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى، وَدَنَا الْجَبَّارُ رَبُّ الْعِرةِ، فَتَدَلَّى حَتَّى كانَ مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، فَأَوْحَى اللَّهُ

فِيمَا أَوْحَى إِلَيْهِ: خَمْسِينَ صَلاَةً عَلَى أُمَّتِكَ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، ثُمَّ هَبَطَ حَتَّى بَلَغَ مُوسَى، فَاحْتَبَسَهُ مُوسَى، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! مَاذَا عَهِدَ إِلَيْكَ رَبُّكَ؟ قَالَ: "عَهِدَ إِلَيَّ خَمْسِينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ". قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ رَبُّكَ وَعَنْهُمْ، فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى جِبْرِيلَ كَأَنَّهُ يَسْتَشِيرُهُ في ذَلِكَ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ: أَنْ نَعَمْ إِنْ شِئْتَ، فَعَلاَ بِهِ إِلَى الْجَبَّارِ، فَقَالَ وَهْوَ مَكَانَهُ: "يَا رَبِّ! خَفِّفْ عَنَّا؛ فَإِنَّ أُمَّتِي لاَ تَسْتَطِيعُ هَذَا"، فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مُوسَى، فَاحْتَبَسَهُ، فَلَمْ يَزَلْ يُرَدِّدُهُ مُوسَى إِلَى رَبِّهِ حَتَّى صَارَتْ إِلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ، ثُمَّ احْتَبَسَهُ مُوسَى عِنْدَ الْخَمْسِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! وَاللَّهِ! لَقَدْ رَاوَدْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَوْمِي عَلَى أَدْنىَ مِنْ هَذَا، فَضَعُفُوا فَتَرَكُوهُ، فَأُمَّتُكَ أَضْعَفُ أَجْسَاداً وَقُلُوباً، وَأَبْدَاناً وَأَبْصَاراً وَأَسْمَاعاً، فَارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ رَبُّكَ، كُلَّ ذَلِكَ يَلْتَفِتُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى جِبْرِيلَ لِيُشِيرَ عَلَيْهِ، وَلاَ يَكْرَهُ ذَلِكَ جِبْرِيلُ، فَرَفَعَهُ عِنْدَ الخَامِسَةِ فَقَالَ: "يَا رَبِّ! إِنَّ أُمَّتِي ضُعَفَاءُ، أَجْسَادُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ وَأَسْمَاعُهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ، فَخَفِّفْ عَنَّا"، فَقَالَ الْجَبَّارُ: يَا مُحَمَّدُ! قَالَ: "لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ". قَالَ: إِنَّهُ لاَ يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ، كَمَا فَرَضْتُ عَلَيْكَ في أُمِّ الْكِتَابِ، قَالَ: فَكُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، فَهْيَ خَمْسُونَ في أُمِّ الْكِتَابِ، وَهْيَ خَمْسٌ عَلَيْكَ، فَرَجَعَ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: كَيْفَ فَعَلْتَ؟ فَقَالَ: "خَفَّفَ عَنَّا، أَعْطَانَا بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا". قَالَ مُوسَى: قَدْ - وَاللَّهِ - رَاوَدْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ فَتَرَكُوهُ، ارْجِعْ إِلَى ربِّكَ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ أَيْضاً، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا مُوسَى! قَدْ - وَاللَّهِ - اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي مِمَّا اخْتَلَفْتُ إِلَيْهِ". قَالَ:

فَاهْبِطْ بِاسْمِ اللَّهِ، قَالَ: وَاسْتَيْقَظَ وَهْوَ في مَسْجدِ الْحَرَامِ. (عن شَريك بنِ عبدِ اللهِ، قال: سمعتُ ابنَ مالكٍ): وساق حديثَ الإسراء على الوجه المذكور في المتن، وقد نسبَ الناسُ شريكاً في هذا الحديث إلى التخليط، وأنه ساقَ فيه ألفاظاً منكرةً، وقَدَّم (¬1) وأَخَّر، ووضع الأنبياء في غير مواضعهم من السَّموات، وقد (¬2) خالفه عامةُ الحفاظ (¬3) عن أنس، وقد رواه قتادة (¬4) عن أنس، وأتى به ملخصاً مرتباً على ما تقدم في حديث المعراج (¬5)، وكذلك رواه مسلم من حديث ثابت عن أنس على نحو رواية قتادة (¬6)، فليتمسك برواية هذين الإمامين عن أنس، ولا يقول على رواية شريك. قاله أبو العباس القرطبي. وانتقد القاضي في رواية شريك أشياء: منها: ذكرُه مجيءَ الملَكِ له، وشق بطنه، وغسله بماء زمزم، وهذا إنما كان وهو صبي، وقبل (¬7) الوحي. ومنها: قوله: "وذلكَ قبلَ أن يُوحى إليه"، وذكر قصة الإسراء، ¬

_ (¬1) في "ج": "وقد مر وقدم". (¬2) في "ج": "قد". (¬3) في "ج": "الأصحاب الحفاظ". (¬4) في "ج": "عن قتادة". (¬5) رواه البخاري (3887). (¬6) رواه مسلم (162). (¬7) في "ج": "قبل".

باب: كلام الرب مع أهل الجنة

ولا (¬1) خلاف أنها كانت بعد الوحي (¬2). وقد قال غير (¬3) واحد: إنها كانت قبل الهجرة بسنة، وقيل: قبل هذا. وأجيب عن الثاني: بأن المراد: قبل أن يوحى إليه في بيان الصلاة، أو الإسراء، ونحو هذا. وأجراه ابنُ أبي شامة على ظاهره ملتزماً أن الإسراء كان مرتين: قبل النبوة، وبعدها. وانتقد ابنُ حزم فيه أيضاً قولَه: "ودَنَا الجبارُ"، وعائشة تروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أن الذي دنا منه هو جبريل. وأجاب ابن الجوزي: بأن هذا كان مناماً، وحكمُ المنام غيرُ حكمِ اليقظة. ورده الزركشي بأن رؤيا الأنبياء وحي (¬4) (¬5). * * * باب: كلاَمِ الرَّبِّ مَعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ 3054 - (7519) - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، حَدَّثَنَا هِلاَلٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَوْماً يُحَدِّثُ، وَعِنْدَهُ رَجُل مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ: "أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ ¬

_ (¬1) في "ج": "على". (¬2) انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (1/ 497). (¬3) في "ج": "بعض". (¬4) في "ج": "حق". (¬5) انظر: "التنقيح" (3/ 1275).

فِي الزَّرْعِ، فَقَالَ: أَوَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ، فَأَسْرَعَ وَبَذَرَ، فَتَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ وَتَكْوِيرُهُ أَمْثَالَ الْجبَالِ، فَيقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: دُونَكَ يَا بْنَ آدَمَ؛ فَإِنَّهُ لاَ يُشْبِعُكَ شَيْءٌ"، فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لاَ تَجدُ هَذَا إِلَّا قُرَشِيّاً أَوْ أَنْصَارِيّاً؛ فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ، فَأَمَّا نَحْنُ، فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ زَرْعٍ. فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. (فيقول الله - عز وجل -: دونك يا بن آدم؛ فإنه لا يُشبعك شيء): هذا هو الباعثُ على إدخالِ هذا الحديث في ترجمة كلام الله تعالى مع أهل الجنة. فإن قيل: قولُه: "لا يُشبعك شيءٌ" معارَض بقولِه تعالى: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى} [طه: 118]. فالجواب: أن نفي الشبع أعمُّ من الجوع؛ لثبوت الواسطة، وهي الكفاية، وأكلُ أهلِ الجنة لا عن جوعٍ أصلاً؛ لنفي الله له عنهم. واختُلف في الشبع، والمختار: أن لا شِبَعَ (¬1)؛ لأنه لو كان فيها (¬2)؛ لمنعَ طولُ الأكلِ المُسَتلذِّ منها مدةَ الشِّبَع، وإنما أراد بقوله (¬3) لابن (¬4) آدم: "لا يُشبعك شيءٌ": ذَمَّ تركِ القناعة مما كان فيه، وطلب (¬5) الزيادة عليه (¬6)، وروي: "لا يَسَعُكَ شَيْءٌ"؛ من الوُسْع. ¬

_ (¬1) في "ج": "يشبع". (¬2) في "ج": "منهما". (¬3) في "ج": "أراد الله بقوله". (¬4) في "ج": "ابن". (¬5) في "ج": "طلب". (¬6) انظر: "التوضيح" (33/ 487).

باب: ذكر الله بالأمر، وذكر العباد بالدعاء، والتضرع والرسالة والإبلاغ

باب: ذِكْرِ اللَّهِ بِالأَمْرِ، وَذِكْرِ الْعِبَادِ بِالدُّعَاءِ، وَالتَّضَرُّعِ وَالرِّسَالَةِ وَالإبْلاغِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152]. {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (71) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: 71، 72]. غُمَّةٌ: هَمٌّ وَضِيقٌ. قَالَ مُجَاهِدٌ: {اقْضُوا إِلَيَّ} [يونس: 71] مَا فِي أَنْفُسِكُمْ، يُقَالُ: افْرُقِ اقْضِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة: 6]: إِنْسَانٌ يَأْتِيهِ، فَيَسْتَمِعُ مَا يَقُولُ، وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ، فَهْوَ آمِنٌ حَتَّى يَأْتِيَهُ فَيَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ، وَحَتَّى يَبْلُغَ مَأْمَنَهُ حَيْثُ جَاءَهُ. {النَّبَإِ الْعَظِيمِ} [النبأ: 2]: الْقُرْآنُ. {صَوَابًا} [النبأ: 38]: حَقّاً في الدُّنْيَا، وَعَمَلٌ بِهِ. (فاذكروني أذكركم): قال السفاقسي: قال ابن عباس: ما مِنْ عبدٍ يذكرُ الله تعالى، إلا ذكره تعالى، لا يذكرُهُ مؤمنٌ، إلا ذكره برحمته، ولا يذكره كافر، إلا ذكره بعذابه (¬1). وقيل: المراد: ذكره (¬2) باللسان، وذكره بالقلب عندما يهم (¬3) العبدُ ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (33/ 489). (¬2) في "ج": "بذكره". (¬3) في "ج": "هم".

بالسيئة، فيذكرُ مقامَ ربه. وقال قوم: إن هذا الذكر أفضلُ، وليس كذلك، بل ذكره بلسانه، وقوله: لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه أعظمُ من ذكره (¬1) بالقلب دون (¬2) اللسان. قلت: وسمعت شيخَنا قاضيَ القضاة وليَّ الدين بنَ خلدون (¬3) - رحمه الله - يَحكي أنه كان حاضراً بمجلس شيخِه القاضي ابنِ عبدِ السلام شارحِ "ابنِ الحاجبِ" الفقهي (¬4)، وكان به الشريفُ التَّلمساني في أُخريات الناس، فتكلم ابنُ عبدِ السلام على آية وقعَ فيها الأمرُ بذكر الله تعالى، ورجَّحَ أن يكون المرادُ بالذكر فيها: الذكرَ (¬5) اللسانيَّ لا القلبيَّ. فقال له الشريف: يا سيدي! رضي الله عنكم، قد عُلم أن الذكرَ ضدُّ النسيان، وتقرر في محله أن الضدَّ إذا تعلق بمحلٍّ، وجبَ تعلُّقُ (¬6) ذلك [الضدِّ الآخرَ بعينِ ذلك] (¬7) المحل، ولا نزاعَ في أن النسيان محلُّه القلبُ، فليكنِ الذكرُ بذلك عملًا بهذه القاعدة. فقال له ابن عبد السلام على الفور: يمكن أن يعارض هذا بمثله، ¬

_ (¬1) في "ج": "ذكر". (¬2) في "ج": "لولا". (¬3) في "ج": "سيدون". (¬4) في "ج": "الفقيه". (¬5) "فيها الذكر" ليست في "ج". (¬6) في "ج": "تعيين". (¬7) ما بين معكوفتين ليس في "ج".

باب: قوله تعالى: {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم} [فصلت: 22]

فيقال: قد عُلم أن الذكر ضدُّ الصمتِ، ومحلُّ الصمتِ اللسانُ، فليكنِ الذكرُ كذلك (¬1)؛ عملًا بهذه القاعدة. * * * باب: قولهِ تعالى: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ} [فصلت: 22] 3055 - (7521) - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: اجْتَمَعَ عِنْدَ الْبَيْتِ ثَقَفِيَّانِ وَقُرَشِيٌّ، أَوْ قُرَشِيَّانِ وَثَقَفِيٌّ، كَثِيرَةٌ شَحْمُ بُطُونِهِمْ، قَلِيلَةٌ فِقْهُ قُلُوِبهِمْ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَتَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ يَسْمَعُ مَا نقُولُ؟ قَالَ الآخَرُ: يَسْمَعُ إِنْ جَهَرْنَا، وَلاَ يَسْمَعُ إِنْ أَخْفَيْنَا، وَقَالَ الآخَرُ: إِنْ كَانَ يَسْمَعُ إِذَا جَهَرْنَا، فَإِنَّهُ يَسْمَعُ إِذَا أَخْفَيْنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ} [فصلت: 22] الآيَةَ. (اجتمع عند البيت ثَقَفِيَّانِ وقُرَشِيٌّ، أو قُرشيانِ وثقفيٌّ): ذكر الثعلبي والبغوي في "تفسيريهما (¬2) ": أن الثقفي اسمه عبدُ يا ليل بنُ عمرِو بنِ عُمير، وختناه القرشيان (¬3) ربيعةُ، وصفوانُ بنُ أمية (¬4)، وقال ابن بشكوال: ¬

_ (¬1) في "ج": "فليكن ذلك". (¬2) في "ج": "تفسيرهما". (¬3) في "ج": "قرشيان". (¬4) انظر: "تفسير البغوي" (4/ 137)، و"تفسير الثعلبي" (8/ 291).

القرشيُّ: الأسودُ بنُ عبد يغوث، و (¬1) الثقفيُّ الأَخْنسُ بنُ شَريقٍ (¬2). قلت: بقي عليه تفسيرُ الثالث. وفي "تفسير ابن الجوزي": نزلت في صفوانَ بنِ أميةَ، وربيعةَ، وخُبيبِ ابنِ عمرٍو الثقفيينِ (¬3). (كثيرةٌ شحم بطونهم، قليلة فقهُ قلوبهم): ظن الزركشي أن هذا من باب اكتسابِ المذكرِ المضافِ التأنيثَ من المضاف إليه، فأنَّثَ الشحمَ؛ لإضافته إلى البُطون، وأَنَّثَ الفقهَ؛ لإضافته إلى القلوب (¬4). قلت: وهذا غلط؛ لأن المسألة مشروطةٌ بصلاحية المضاف للاستغناء عنه، فلا يجوز: غلامُ هندٍ ذهبتْ. ومن ثَمَّ ردَّ ابنُ مالكٍ في "التوضيح" (¬5) قولَ أبي الفتح في توجيه قراءةِ أبي العالية: {يوم لا تنفع نفساً (¬6) إيمانها} [الأنعام: 158] بتأنيث الفعل (¬7) أنه ¬

_ (¬1) الواو ليست في "ج". (¬2) انظر: "غوامض الأسماء المبهمة" (2/ 713). (¬3) لم يذكر ابن الجوزي هذا في "تفسيره" (7/ 250): وإنما قال: روى البخاري ومسلم في "الصحيحين" من حديث ابن مسعود قال: كنت مستتراً بأستار الكعبة، فجاء ثلاثة نفر، قرشي وختناه؛ ثقفيان أو ثقفي، وختناه قرشيان، انتهى. وقد تقدم للمؤلف - رحمه الله - هذا التعليق بحروفه فيما مضى من هذا الكتاب. (¬4) انظر: "التنقيح" (3/ 1277). (¬5) في "التوضيح" ليست في "ج". (¬6) في "ج": "نفس". (¬7) في "ج": "الفاء".

باب: قول الله تعالى: {كل يوم هو في شأن} [الرحمن: 29] و {ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث} [الأنبياء: 2]. وقوله تعالى: {لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا} [الطلاق: 1].

من باب: قطعتْ بعضُ أصابعه؛ لأن المضافَ لو سقط هنا (¬1)، لقيل: نفساً (¬2) لا ينفع - بتقديم (¬3) المفعول -؛ ليرجع إليه الضميرُ المستترُ المرفوع الذي نابَ عن الإيمان في الفاعلية، ويلزم من ذلك تعدِّي فعلِ المضمَرِ المتصلِ إلى ظاهره، نحوَ قولك: زيداً ظلمَ؛ تريد: أنه ظلمَ نفسَه وذلك لا يجوز، وإنما الوجه في الحديث: أن يكون أفرد الشحم والفقه، والمراد: الشحوم والفهوم (¬4)، لأَمْنِ (¬5) اللَّبس؛ ضرورة أن البطون لا تشترك في شحم واحد، بل لكل بطنٍ (¬6) منها شحمٌ يخصه، وكذا الفقهُ بالنسبة إلى القلوب (¬7). * * * باب: قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29] وَ {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأنبياء: 2]. وَقَوْلهِ تَعَالَى: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1]. وَأَنَّ حَدَثَهُ لاَ يُشْبِهُ حَدَثَ الْمَخْلُوقينَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]. ¬

_ (¬1) في "ج": "لو سقطهما". (¬2) "نفساً" ليست في "ج". (¬3) في "ج": "تقديم". (¬4) في "ج": "والمفهوم". (¬5) في "ج": "إلا من". (¬6) في "ج": "شحم". (¬7) انظر: "شواهد التوضيح" (ص: 85 - 86).

وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ، وَإِنَّ مِمَّا أَحْدَثَ: أَنْ لاَ تَكَلَّمُوا فِي الصَّلاَةِ". (باب: قول الله - عز وجل -: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29]): قال المهلَّب وغيرُه: غرضُ البخاري بهذا الباب الفرقُ بين وصفِ (¬1) كلامِ الله بأنه مخلوق، وبينَ وصفِه بأنه مُحْدَث، وهذا قولٌ لبعض المعتزلة، وبعضِ أهل الظاهر، وهو خطأ من القول؛ لأن الذكرَ الموصوفَ بالإحداث في قوله تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأنبياء: 2] [ليس هو نفس كلام الله تعالى] (¬2)؛ لقيام الدَّليل على أن المحدَثَ والمخلوقَ والمنشَأَ والمخترَعَ ألفاظٌ مترادفةٌ على معنى واحد، فإذا لم يجز وصف كلامه القائم بذاته بأنه مخلوقٌ، لم يجز وصفُه بأنه محدَث، وإذا كان كذلك، كان الذكرُ الموصوف في الآية بأنه محدَث يرجع إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه قد سُمِّي: ذكرٌ، قال الله تعالى: {قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) رَسُولًا} [الطلاق: 10، 11] فسماه: ذِكْراً، فيكون المعنى: ما يأتيهم من ذكرٍ من ربهم؛ أي: ما يأتيهم من رسولٍ من (¬3) ربهم، ويحتمل أن يكون المراد بالذكر في الآية: هو (¬4) وعظُ الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتحذيرُه إياهم عن معاصي الله، فسمَّى وعظَه ذِكْراً، وأضافه إليه تعالى؛ لأنه فاعلُه في الحقيقة (¬5). ¬

_ (¬1) "وصف" ليست في "ج". (¬2) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬3) "من" ليست في "م". (¬4) في "ج": "وهو". (¬5) انظر: "التوضيح" (33/ 502).

باب: قول الله تعالى: {وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور (13) ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} [الملك: 13، 14]

باب: قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 13، 14] {يَتَخَافَتُونَ} [طه: 103]، و [القلم: 23]: يَتَسَارُّونَ. (باب: قول الله - عز وجل -: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [الملك: 13] إلى آخره): قال ابن بطال: معنى تبويبه بهذه الآية إثباتُ العلمِ صفةً ذاتيةً لله (¬1) تعالى؛ لاستواء علمِه بالسر (¬2) والجهر، وقد بينه تعالى في آية أخرى في قوله تعالى: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ} [الرعد: 10] (¬3). قال الزركشي: ورُدَّ: بأنه لو كان كذلك؛ لكان أجنبياً من هذه التراجم، وإنما قصدَ الإشارةَ إلى النكتة التي كانت بسبب محنته؛ حيث قيل عنه: إنه قال: لفظي بالقرآن مخلوقٌ، فأشار بالترجمة إلى أن تلاواتِ الخلق تتصف بالسرِّ والجهر، وذلك يستدعي كونَها مخلوقةً. قال الزركشي: وهذا، وإن كان بحسب الحقيقة العقلية، لكنه لا (¬4) يسوغ شرعاً إطلاقُه لفظاً (¬5). قال ابن المنير: وكان محمدُ بنُ يحيى الذهليُّ يقول: من قالَ: إن لفظي ¬

_ (¬1) في "ج": "الله". (¬2) في "ج": "للسر". (¬3) انظر: "شرح ابن بطال" (10/ 528). (¬4) "لا" ليست في "ج". (¬5) انظر: "التنقيح" (3/ 1279).

مخلوقٌ، فهو مبتدعٌ يُزْجَرُ ويُهْجَر، و (¬1) من قال: إن القرآن مخلوقٌ، فهو كافر يُقتل ولا يُنظر. وقال: والذي صح عن البخاري - رحمه الله - أنه سئل عن اللفظ، وضايقه السائل، فقال: أفعالُ العباد كلُّها مخلوقة، وكان يقول مع ذلك (¬2): القرآنُ كلامُ الله تعالى غيرُ مخلوقٍ. وذُكر أن مسلمَ بنَ الحجاج - رحمه الله - ثبتَ معه في المحنة، وقال يوماً الذهليُّ ومسلمٌ في مجلسه: من كان يختلفُ إلى هذا الرجل، فلا يختلفْ إلينا، فعلم مسلمٌ أنه المراد، فأخذ طيلسانَه، وقام على رؤوس الأشهاد، وبعث إلى الذهليِّ بجميع الأجزاء التي كان أخذَها عنه. ومن تمامِ رسوخِ البخاري في الورع: أنه كان يحلفُ بعدَ هذه المحنة أن الحامدَ عنده والذامَّ من الناس (¬3) سواء، يريد: أنه لا يكره ذامه طبعاً، ويجوز أن يكرهه شرعاً، فيقوم بالحق لا بالحظ، ويحقق ذلك من حاله أنه لم يمحُ اسمَ الذهليِّ من "جامعه"، بل أثبتَ روايتَه عنه، غيرَ أنه لم يوجد في كتابه إلا على أحد وجهين: إما أن يقول: حدثنا محمدٌ، ويقتصر. وإما أن يقول: حدثنا محمدُ بنُ خالد، فينسبه إلى جد أبيه. ثم سئل عن وجه إجماله واتقاء ذكره بنسبه المشهور؟ ¬

_ (¬1) الواو ليست في "ج". (¬2) في "ج": "وكان مع ذلك يقول". (¬3) "من الناس": ليست في "ج".

باب: قول الله تعالى: {ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته} [المائدة: 67]

وأجاب بأن قال: لعله لما اقتضى التحقيقُ عنده أن يُبقي روايته عنه خشيةَ أن يكتم علماً رزقه الله إياه على يديه، وعذره في قدحه بالتأويل، خشيَ على الناس أن يقعوا فيه بأنه قد عدَّلَ من جَرَحه، وذلك يوهم أنه صَدَّقه على نفسه، فيجر ذلك إلى البخاري وهناً، فأخفى اسمه، وغَطَّى رَسْمه، وما كتم علمَه، واللهُ أعلمُ بمراده من ذلك. ولو فتحنا باباً في تعديد (¬1) مناقبه الجميلة، ومآثره الجليلة؛ لخرجنا عن غرض الكتاب، لكن ألمعنا بهذه البارقة قبلَ الفراغ من هذا التأليف؛ لئلا نُخليه من الثناء عليه، جزاه الله عن هذا الدين الشريف وأهله أفضلَ الجزاء بمنِّه وكرمه. * * * باب: قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: 67] وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: مِنَ اللَّهِ الرِّسَالَةُ، وَعَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْبَلاَغُ، وَعَلَيْنَا التَّسْلِيمُ. وَقَالَ: {لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ} [الجن: 28]. وَقَالَ {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي} [الأعراف: 62 أو 68]. وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، حِينَ تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: {وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 94]. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِذَا أَعْجَبَكَ حُسْنُ عَمَلِ امْرِيءٍ، فَقُلِ: {اعْمَلُوا فَسَيَرَى ¬

_ (¬1) في "ج": "باب تعديد".

اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 105]، وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ أَحَدٌ. وَقَالَ مَعْمَر: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة: 2] هَذَا الْقُرْآنُ {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2]: بَيَانٌ وَدِلاَلَةٌ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ} [الممتحنة: 10]: هَذَا حُكْمُ اللَّهِ. {لَا رَيْبَ} [البقرة: 2]: لاَ شَكَّ. {تِلْكَ آيَاتُ} [لقمان: 2]: يَعْنِي: هَذِهِ أَعْلاَمُ الْقُرْآنِ، وَمِثْلُهُ: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} [يونس: 22]: يَعْنِي بِكُمْ. وَقَالَ أَنَسٌ: بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَالَهُ حَرَاماً إِلَى قَوْمِهِ، وَقَالَ: أَتُؤْمِنُونِي أُبَلِّغُ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُمْ. ({يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: 67]): وجهُ التغاير بين الشرط والجزاء: أن الجزاء مما أُقيم فيه السببُ مقامَ المسبب؛ إذ عَدَمُ التبليغ سببٌ لتوجُّه (¬1) العَتْب، وهذا المسبب في الحقيقة هو الجزاء، فالتغايرُ حاصلٌ، لكن نكتة العدول عنه إلى ذكر السبب إجلالُ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وترفيع محلِّه عن أن يواجَهَ بعَتْبٍ، أو شيءٍ مما يتأثَّرُ منه، ولو على سبيل الفرض، فتأمله. (وقالت عائشة: إذا أعجبك حسنُ عملِ امريءٍ، فقل: اعملوا، فسيرى الله عملَكم ورسولهُ والمؤمنون، ولا يستَخِفَّنَّكَ أحدٌ): أي: لا يستخفنك بعمله، فتسارعَ إلى مدحِه وظَنَّ الخيرية (¬2)، لكن تَثبَّتْ حتى تراه عاملًا على ما يرضاه الله ورسوله والمؤمنون. (قال معمر: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة: 2]: هو القرآن): يعني: أن الإشارة ¬

_ (¬1) في "ج": "لتوجيه". (¬2) في "ج": "الخير به".

باب: قول الله تعالى: {إن الإنسان خلق هلوعا} [المعارج: 19] أي: ضجورا {وإذا مسه الخير منوعا} [المعارج: 21]

إلى الكتاب المرادُ به القرآنُ، وليس ببعيد، فكان مقتضى الظاهر أن يشار إليه بهذا، لكن أتى بـ "ذلك" التي يُشار بها إلى البعيد؛ لأن القصدَ فيه إلى تعظيمِ المشار إليه، وبُعْدِ درجته. وفي كلام الزركشي هنا خبط (¬1). * * * 3056 - (7530) - حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرِّقِّيُّ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِي، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ، وَزِيَادُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ حَيَّةَ، عَنْ جُبَيْرِ ابْنِ حَيَّةَ، قَالَ الْمُغِيرَةُ: أَخْبَرَنَا نبَيُّنَا - صلى الله عليه وسلم -، عَنْ رِسَالَةِ رَبِّنَا: "أَنَّهُ مَنْ قُتِلَ مِنَّا، صَارَ إِلَى الْجَنَّةِ". (ثنا عبد الله بنُ جعفر الرقيُّ، ثنا المعتمرُ بنُ سليمان): قيل: هذا وهم؛ لأن عبد الله بنَ جعفر لا يروي عن المعتمرِ بنِ سليمان، وصوابه: "المُعَمَّر"، بتشديد الميم الثانية (¬2) وفتحها وضم الميم الأولى (¬3). * * * باب: قَوْلِ اللهِ تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا} [المعارج: 19] أي: ضجوراً {وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} [المعارج: 21] 3057 - (7535) - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنِ ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1279). (¬2) "الثانية" ليست في "ج". (¬3) المرجع السابق، (3/ 1280).

الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - مَالٌ، فَأَعْطَى قَوْماً، وَمَنَعَ آخَرِينَ، فَبَلَغَهُ أَنَّهُمْ عَتَبُوا، فَقَالَ: "إِنِّي أُعْطِي الرَّجُلَ، وَأَدَعُ الرَّجُلَ، وَالَّذِي أَدَعُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنَ الَّذِي أُعْطِي، أُعْطِي أَقْوَاماً لِمَا في قُلُوبِهِمْ مِنَ الْجَزَعِ وَالْهَلَعِ، وَأَكِلُ أَقْوَاماً إِلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ في قُلُوبِهِمْ مِنَ الْغِنَى وَالْخَيْرِ، مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ". فَقَالَ عَمْرٌو: مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِكَلِمَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حُمْرَ النَّعَمِ. (وأَكِلُ أقواماً إلى ما جعلَ الله في قلوبهم من الغِنى والخير): قال (¬1) ابن بطال: فيه أن المنع قد لا (¬2) يكون مذموماً، ويكون أفضلَ [للممنوع؛ لقوله: "وأكل أقواماً" الحديث، وهذه المنزلة التي شهد لهم بها - صلى الله عليه وسلم - أفضلُ] (¬3) من العطاء الذي هو عَرَضُ الدنيا، ألا ترى أن عمرو بن تغلبَ اغتبط بذلك بعد (¬4) جزعه منه؟ وفي استئلاف مَنْ يُخشى منه، والاعتذارِ إلى من ظَنَّ ظناً، والأمرُ بخلافِ ما ظنه (¬5). (عمرو بن تغلب): بمثناة فوقية فغين معجمة، لا ينصرفُ للعلمية، ووزنِ الفعل. * * * ¬

_ (¬1) في "ج": "وقال". (¬2) في "ج": "فلا". (¬3) ما بين معكوفتين ليس في "ج". (¬4) "بعد" ليست في "ج". (¬5) انظر: "شرح ابن بطال" (10/ 536).

باب: ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - وروايته عن ربه

باب: ذِكْرِ النبي - صلى الله عليه وسلم - ورِوَايَتِهِ عنْ رَبِّهِ 3058 - (7537) - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَنَسِ ابْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ، رُبَّمَا ذَكَرَ النَّبِيَّ، - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "إِذَا تَقَرَّبَ الْعَبْدُ مِنِّي شِبْراً، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعاً، وَإِذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعاً، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعاً"، أَوْ "بُوعاً". وَقَالَ مُعْتَمِرٌ: سَمِعْتُ أَبِي: سَمِعْتُ أَنَساً، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -. (باعاً أو بوعاً): كلاهما بمعنى واحد. قال القاضي: والبوع: طولُ ذِراعَي الإنسانِ وعَضُدَيه وعَرْضِ صدره، وذلك أربعةُ أَذْرُع، قاله الباجي (¬1). * * * 3059 - (7539) - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ. وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ، قَالَ: "لاَ يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّهُ خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى"، وَنسَبَهُ إِلَى أَبِيهِ. (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يروي عن ربه، قال: لا ينبغي لعبد أن يقول: إنه خيرٌ من يونُسَ بْنِ مَتَّى): قال الزركشي: هذه الرواية تجعلُه من الأحاديث ¬

_ (¬1) انظر: "مشارق الأنوار" (1/ 104).

باب: قول الله تعالى: {بل هو قرآن مجيد (21) في لوح محفوظ} [البروج: 21، 22]

الإلهية، وتردُّ قولَ مَنْ جعلَ الضمير في رواية: "أنا" يرجع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1). * * * باب: قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج: 21، 22] {وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} [الطور: 1، 2]: قَالَ قَتَادَةُ: مَكْتُوبٌ. {يَسْطُرُونَ} [القلم: 1]: يَخُطُّونَ. {فِي أُمِّ الْكِتَابِ} [الزخرف: 4]: جُمْلَةِ الْكِتَابِ وَأَصْلِهِ. {مَا يَلْفِظُ} [ق: 18]: مَا يَتَكَلَّمُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا كُتِبَ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُكْتَبُ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ. {يُحَرِّفُونَ} [النساء: 46]: يُزِيلُونَ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُزِيلُ لَفْظَ كتَابٍ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ - عَزَّ وجلَّ -، وَلَكِنَّهُمْ يُحَرِّفُونَهُ: يتأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْرِ تأوِيله. {دِرَاسَتِهِمْ} [الأنعام: 156]: تِلاَوَتِهِمْ. {وَاعِيَةٌ} [الحاقة: 12]: حَافِظَةٌ، {وَتَعِيَهَا} [الحاقة: 12]: تَحْفَظُهَا. {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ} [الأنعام: 19]؛ يَعْنِي: أَهْلَ مَكَّةَ، {وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19]: هَذَا الْقُرْآنُ، فَهْوَ لَهُ نَذِيرٌ. (وليس أحدٌ يزيلُ لفظَ كتابٍ من كُتُبِ الله، ولكنهم يحرِّفونه يتأوَّلُونه على غير تأويله): الصحيحُ أنهم بَدَّلوا ألفاظاً كثيرة، وأتوا بغيرها من قِبَلِ أنفسِهم، وحَرَّفوا أيضاً كثيراً من المعاني بتأويلها على غيرِ الوجه، فالاشتغالُ بالتوراةِ والإنجيلِ وكتابتُهما ونظرُهما لا يجوز بالإجماع، على ما (¬2) نقله بعضُهم. وقد أجاز الشافعيةُ الاستنجاءَ بأوراقِها، ومقتضاه يحقق تبديلَ اللفظِ بغيره، وفيه نظر. ¬

_ (¬1) انظر: "التنقيح" (3/ 1280). (¬2) "على ما" ليست في "ج".

باب: قول الله تعالى: {والله خلقكم وما تعملون} [الصافات: 96] {إنا كل شيء خلقناه بقدر} [القمر: 49].

وقد غضب النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - حين رأى مع عمرَ صحيفةً من التوراة، وقال: "لَوْ كَانَ مُوسَى حَيّاً، لَمَا وَسِعَهُ إِلَّا اتَّبَاعِي" (¬1). * * * باب: قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49]. وَيُقَالُ لِلْمُصَوِّرِينَ: "أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ". {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54]. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: بَيَّنَ اللَّهُ الْخَلْقَ مِنَ الأَمْرِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54]. وَسَمَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الإِيمَانَ عَمَلًا. قَالَ أَبُو ذَرٍّ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ: سُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "إِيمَانٌ بِاللَّهِ، وَجِهَادٌ في سَبِيلِهِ". وَقَالَ: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17]. وَقَالَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: مُرْنَا بِجُمَلٍ مِنَ الأَمْرِ، إِنْ عَمِلْنَا بِهَا، دَخَلْنَا الْجَنَّةَ، فَأَمَرَهُمْ بِالإِيمَانِ، وَالشَّهَادَةِ، وإقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ. فَجَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ عَمَلًا. ¬

_ (¬1) رواه الإمام أحمد في "المسند" (3/ 338)، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

({وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96]: استُدل به على أن أفعالَ العباد مخلوقةٌ لله تعالى. وأخذ الزمخشري يحاول (¬1) تنزيل الآية على معتقده الفاسد، فقال (¬2): {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96]؛ أي: وما تعملون من الأصنام؛ كقوله: {بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ} [الأنبياء: 56]، ويكون الشيء الواحد مخلوقاً لله، معمولًا لهم؛ كقولكَ: عملَ النجارُ البابَ؛ أي: عملَ شكلَه، لا جوهَرَه، ولا يصح أن تكون "ما" مصدرية؛ لأدلة العقل، ولأن الله تعالى احتجَّ عليهم بكونه خالقاً للعابِد والمعبود، فكيف يكون مخلوق (¬3) خالقاً (¬4)، فلو قال: وخلقَ عملَكم، لم يكن للكلام طباق، ولأن "ما" في قوله: {مَا تَنْحِتُونَ} [الصافات: 95] موصولة، فالفرق بينها وبين الثانية تعسُّف، ولا يصحُّ أن تكون موصولة بمعنى: وما تعملون من أعمالكم، فتوافق الأولى في كونها موصولة؛ لبقاء الإلزامين في عنقك، لا يفُكُّهما إلا إِذْعانُك للحق، فإنها، وإن كانت موصولة، فقد أردت بها المصدر الذي هو العمل، وأردتَ بالأولى عين المنحوت وفيه فَكُّ النظمِ كما لو جعلْتَها مصدرية (¬5). قال صاحب "الانتصاف": يتعين حملُها على المصدرية؛ إذ لم يعبدوا ¬

_ (¬1) في "ج": "محال". (¬2) في "ج": "قال". (¬3) في "م": "فكيف مخلوق". (¬4) في "م": "مخلوقاً". (¬5) انظر: "الكشاف" (4/ 54).

الأصنامَ من حيث هي حجارةٌ عاريةٌ عن الصورة، ولولا ذلك، لما خَصُّوا حَجَراً دون غيره، بل عبدوها باعتبار أشكالها، وهي أثرُ عملِهم، فعلى الحقيقة إنما عبدوا عملَهم، فوضحت الحجة في أنهم وعملَهم مخلوقان لله، فكيف يعبدُ مخلوقٌ مخلوقاً؟ وقوله: هي موصولة، فالمراد: عملُ أشكالها، مخالفةٌ للظاهر، واحتياجٌ إلى حذف مضاف؛ أي: وما تعملونَ شكلَه وصورته، وهو موضعُ لَبْس، وإذا جعل المعبود نفسَ الجوهر، فكيف يُطابق توبيخَهم ببيان (¬1) أن المعبودَ من صنعةِ العابد، وهم يوافقون على أن (¬2) جواهر الأصنام ليست من خَلْقهم، فيكون على هذا ما هو من عملهم ليس معبوداً لهم، وما هو معبود، وهو الجوهر، ليس عملاً لهم. وقوله: المطابقةُ تنفكُّ على رأي أهل السنة؛ فإنا نحمل الأولى على المصدر، وهم في الحقيقة عبدوا نحتَهم؛ لأنها قبلَ النحت لم تُعبد، والمطابقةُ والإلزام على هذا أبلغُ، ولو كان كما قال؛ لقامت الحجة لهم، ولكافحوا، وقالوا: ما خلقَ الله ما نعمل؛ لأنا عملْنا التشكيلَ والصورة، ولله الحجة البالغة، ولهم الأكاذيب الفارغة (¬3). {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49]: جعله ابنُ الحاجب مثالاً لما يجبُ فيه النصبُ في باب: الاشتغال؛ حذراً من لبس المفسر بالصفة، فيوقع ذلك في خلاف المقصود. ¬

_ (¬1) في "ج": "بيان". (¬2) في "ج": "يوافقون أن". (¬3) "الفارغة" ليست في "ج".

ونازعه الرضيُّ في ذلك، وقال: المعنى في الآية لا يتفاوت بجعل الفعل خبراً، أو صفةً، وذلك لأن مراد الله تعالى بكل شيء: كلُّ مخلوق، نصبتَ كُلاًّ، أو (¬1) رفعته، سواءٌ جعلتَ "خلقناه" صفتُه كائناً مع الرفع، أو خبراً عنه، وذلك أن قوله: (خلقنا كلَّ شيء بقدر) (¬2) لا يريد به: خلقنا كلَّ ما يقع عليه اسمُ شيء، فكلُّ شيء في هذه الآية ليس كما في قوله تعالى: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 284]؛ لأن معناه: أنه قادر على كل ممكن غير متناهٍ، فإذا تقرر هذا، قلنا: إن معنى {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49]: على أن "خلقناه" هو الخبر: كلُّ مخلوقٍ مخلوقٌ بقَدَر، وعلى أن "خلقناه" صفة: كلُّ شيء مخلوق كائن بقدر، والمعنيان واحد (¬3). * * * 3060 - (7555) - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، وَالْقَاسِم التَّمِيمِيِّ، عَنْ زَهْدَمٍ، قَالَ: كَانَ بَيْنَ هَذَا الْحَيِّ مِنْ جُرْم وَبَيْنَ الأَشْعَرِيِّينَ وُدٌّ وَإِخَاءٌ، فَكُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، فَقُرِّبَ إِلَيْهِ الطَّعَامُ فِيهِ لَحْمُ دَجَاجٍ، وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ، كَأَنَّهُ مِنَ الْمَوَالِي، فَدَعَاهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ شَيْئاً، فَقَذِرْتُهُ، فَحَلَفْتُ: لا آكُلُهُ، فَقَالَ: هَلُمَّ فَلأُحَدِّثْكَ عَنْ ذَاكَ، إِنِّي أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي نَفَرٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ نستَحْمِلُهُ، قَالَ: "وَاللَّهِ! لاَ أَحْمِلُكُمْ، ¬

_ (¬1) "أو" ليست في "م". (¬2) "بقدر" ليست في "ج". (¬3) انظر: "شرح الرضي على الكافية" (1/ 463).

وَمَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ". فَأُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِنَهْبِ إِبلٍ، فَسَأَلَ عَنَّا، فَقَالَ: "أَيْنَ النَّفَرُ الأَشْعَرِيُّونَ؟ "، فَأَمَرَ لَنَا بِخَمْسِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَا، ثُمَّ انْطَلَقْنَا، قُلْنَا: مَا صَنَعْنَا؟ حَلَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لاَ يَحْمِلُنَا، وَمَا عِنْدَهُ مَا يَحْمِلُنَا، ثُمَّ حَمَلَنَا، تَغَفَّلْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمِينَهُ، وَاللَّهِ! لاَ نُفْلِحُ أَبَداً، فَرَجَعْنَا إِلَيْهِ، فَقُلْنَا لَهُ، فَقَالَ: "لَسْتُ أَناَ أَحْمِلُكُمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ حَمَلَكُمْ، إِنِّي - وَاللَّهِ - لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، وَتَحَلَّلْتُهَا". (وعنده رجلٌ من بني تَيْم الله، كأنه من الموالي): وقع في "السنن الكبير" للبيهقي: أن أخرج بإسنادٍ إلى محمدِ بنِ إسحاقَ الصنعانيِّ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ بنُ المبارك، قال: ثنا الصَّعِقُ بنُ حَزْنٍ، قال: ثنا مطرٌ الوراقُ، عن زهدم الجرميِّ: قال: دخلتُ على أبي موسى وهو يأكلُ لحمَ دجاج، قال: ادْنُ فَكُلْ، فقلت: إني حلفتُ لا آكله، فقال: ادنُ فكل، وسأخبرك عن يمينِك هذه، قال: فدنوتُ فأكلتُ، وساقَ حديثَ سؤالِ الحملان، ثم أخرجه من طريق أخرى إلى شيبانَ بنِ فروخ، قال: ثنا الصعقُ ابنُ حزن، فذكره، وقال: رواه مسلمٌ في "الصحيح" (¬1). وحديثُ شيبانَ عن الصعقِ بنِ حزنٍ في "مسلم" كما ذكره، لكن لم يذكر التصريح بأن الممتنعَ من الأكل هو زهدمٌ، بل ساقه محالًا على حديث أبي قلابةَ، والقاسمِ، عن زهدم الذي فيه: "فدخل رجلٌ من بني تيم الله أحمرُ شبيهٌ بالموالي، فقال له: هَلُمَّ، فتلكَّأَ، فقال له: هَلُمَّ؛ فإني رأيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (10/ 31).

يأكل منه، فقال الرجل: إني رأيتُه يأكل شيئاً فقذرته" الحديث، فذكر ثلاثة طرق محالة عليها ثم قال: ثنا شيبانُ بنُ فروخ، قال: ثنا الصعقُ - يعني: ابنَ حَزْنٍ -، قال: حدثنا مطرٌ الوراقُ، قال: ثنا زهدمٌ الجرميُّ، قال: دخلتُ على أبي موسى وهو يأكلُ لحمَ دجاج، وساق الحديث بنحو حديثهم (¬1)، والظاهر أنهما معاً امتنعا زهدمٌ، والرجلُ التيميُّ. وقال الدارقطني: الصعقُ ومطرٌ ليسا بالقويين، ومع ذلك فمطرٌ لم يسمعه من زهدم، وإنما رواه عن القاسم بنِ عاصمٍ، عنه (¬2). وقد أخرج الترمذي قصة زهدم مختصرة عن زيدِ بنِ أخزم، قال: ثنا أبو قتيبة، عن أبي العوام، عن قتادة، عن زهدم، قال: دخلتُ على أبي موسى وهو يأكلُ دجاجاً، فقال: ادْنُ فكُلْ؛ فإني رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأكله (¬3). وأخرجه أبو عوانة في "صحيحه" من طريق الحميدي، قال: ثنا سفيان، عن أيوب، عن أبي، قال: عن زهدم الجرمي، قال: قُرِّبَ إلى أبي موسى لحمُ دجاج، فقال: ادنُ فكُلْ، فقلتُ: إني لا أُريد، إني حلفتُ أن لا آكلَها، إني رأيتها تأكلُ قَذَراً، فقال أبو موسى: أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نَسْتحمله، الحديث (¬4). انتهى من "الإفهام". (فقال: والله! لا أحملكم، وما عندي ما أحملُكُم): الظاهر أنه - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1649). (¬2) نقله عنه النووي في "شرح مسلم" (11/ 113). (¬3) رواه الترمذي (1826). (¬4) رواه أبو عوانة في "مسنده" (4/ 34).

باب: قراءة الفاجر والمنافق وأصواتهم وتلاوتهم لا تجاوز حناجرهم

لم يحلفْ على عدم حملانهم مطلقاً؛ لأن مكارم أخلاقه ورأفتَه بالمؤمنين ورحمتَه بهم تأبى ذلك، والذي يظهر لي أن قوله: "وما عندي ما أحمِلُكُم" جملة حالية من فاعل الفعل المنفي بـ "لا"، أو مفعوله؛ أي: لا أحملكم في حالة عدمِ وجداني لشيءٍ أحملُكم عليه؛ أي: إنه لا يتكلَّفُ حملَهم بقرضٍ أو غيره؛ لِمَا رآه من المصلحة المقتضيةِ لذلك، وهذا في الحقيقة توجيهٌ لكلام ابن المنيرِ السابقِ، وتنزيلٌ له على ما تقتضيه قواعدُ العربية، وحينئذٍ فحملُه لهم على ما جاءه من مال الله لا يكون مقتضياً لحنثه، فيكون قوله: إني - والله - لا أَحْلِفُ على يمينٍ فأَرى غيرَها خَيْراً مِنْها، إلا أَتَيْتُ الذي هو خيرٌ، وتحللتها" تأسيس قاعدة في الأيمان، لا أنه ذكر ذلكَ لبيان أنه حنثَ في يمينه، وأنه يُكَفِّرُها، وقد سبق الكلام في ذلك مسبقاً. * * * باب: قِرَاءَةِ الفاجرِ والمُنَافِقِ وأَصْواتِهم وَتلاوتِهم لا تجاوز حَنَاجِرَهُم 3061 - (7561) - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ (ح) وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْر، قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: سَأَلَ أُناَسٌ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْكُهَّانِ، فَقَالَ: "إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِشَيْءٍ"، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ بِالشَّيْءِ يَكُونُ حَقّاً؟ قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ، يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ، فَيُقَرْقِرُهَا في أُذُنِ وَلِيِّهِ كقَرْقَرَةِ الدَّجَاجَةِ، فَيَخْلِطُونَ فِيهِ أكثَرَ مِنْ مِئَةِ كَذْبَةٍ".

(فيُقَرْقِرُها في أذن وليه كقرقرة الدجاجة): أي: يضعُها في أذنه بصوتٍ شبيهٍ بقرقرةِ الدجاجة. قال الأصمعي: قَرْقَرَ البعير: إذا صفر ورَجَّع. قال الحافظ مغلطاي: وقد روي: "كقَزْقَزَةِ الدَّجَاجَةِ"، وكلتا الروايتين صواب، يدل على صحة الرواية بالزاي روايةُ من روى، كما تقرقر القارورةُ؛ لأن القزقزةَ قد تكونُ من القارورة عند وضعِ الأشياء فيها كما تقرقرُ الدجاجة أيضاً (¬1). (أكثر من مئة كَذْبَة): بفتح الكاف وكسرها مع إسكان الذال المعجمة. * * * 3062 - (7562) - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ يُحَدِّثُ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "يَخْرُجُ ناَسٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، وَيَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لاَ يَعُودُونَ فِيهِ حَتَّى يَعُودَ السَّهْمُ إِلَى فُوقِهِ". قِيلَ: مَا سِيمَاهُمْ؟ قَالَ: "سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ، أَوْ قَالَ: التَّسْبِيدُ". (التَّسْبِيد): - بمثناه فوقية مفتوحة فسين مهملة ساكنة فباء موحدة مكسورة فمثناه تحتية فدال مهملة -: حلقُ الشعرِ واستئصالُه من الرأس، وقيل: هو تركُ غسلِ الرأس وتركُ دَهْنِه (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: "التوضيح" (33/ 585). (¬2) انظر: "التنقيح" (3/ 1282).

باب: قول الله تعالى: {ونضع الموازين القسط} [الأنبياء: 47] وأن أعمال بني آدم وقولهم يوزن

باب: قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ} [الأنبياء: 47] وَأَنَّ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ وَقَوْلَهُمْ يُوزَنُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْقُسْطَاسُ: الْعَدْلُ بِالرُّومِيَّةِ، وَيُقَالُ: الْقِسْطُ مَصْدَرُ الْمُقْسِطِ، وَهْوَ الْعَادِلُ، وَأَمَّا الْقَاسِطُ، فَهْوَ الْجَائِرُ. (وأن أعمال بني آدم وقولَهم يوزنُ): يشير بذلك إلى الردِّ على المعتزلة في إنكارهم الميزانَ، ومذهبُ أهل السنة الإيمانُ به، وأنه حق؛ لقوله تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ} [الأعراف: 8]؛ أي: وزنُ الأعمال يومئذ الحق، {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [القارعة: 6، 7]، إلى غير ذلك من الآيات، والأخبار الدالة عليه، وقد عرفه بعضهم بقوله: ما تُعرف به مقاديرُ الأعمال؛ لأن الأعمالَ أعراضٌ يستحيلُ بقاؤها، فلا توصف بالخفةِ والثقل، لكن لما وردَ الدليلُ على ثبوته، وجبَ أن نعتقده، ونَكِلَ علمَ ذلك إلى الله تعالى، ولا نشتغل بكيفيته، بل نقول: إن الله تعالى قادر على أن يعرف عباده مقاديرَ أعمالهم يوم القيامة بأي طريق شاء، ويكون ذلك ميزاناً لأعمال العبادة، على أن الموازين لا يجب أن تكون متماثلة، بل تختلف باختلاف الموزونات، ألا ترى أن الموازين غير متماثلة، بل تختلف باختلاف الموزونات؟ ألا ترى أن ميزان الحنطة والشعير ليس كميزان الذهب والفضة، وميزان أهل النحو ليس ميزان غيرهم؟ وما قالوا: من أن الله تعالى يخلق من كلِّ حسنةٍ نوراً، ومن كلِّ سيئةٍ ظُلْمَةً، فتوزن تلك الأنوارُ والظُّلَم، غيرُ سديد؛ لأن الموزون حينئذ غيرُ الأعمال، هكذا قرره بعضهم.

وصرَّحَ غيرُ واحدٍ بإجماع أهل السنة على أن الإيمان بالميزان، وأن أعمال العباد توزن يوم القيامة. قال: وإن الميزان له لِسان وكِفَّتان، وإن الأعمال تمثل وتوزن. وحكى الزركشي عن بعضهم: أن رجحانَ الوزن في الآخرةِ بصعودِ الراجح، عكس الوزن في الدنيا، وهو غريب (¬1). ويقال: القِسْط مصدرٌ للمُقْسِط؛ يريد: بحذف الزائد، وإلا، فالمصدرُ الجاري عليه من غير حذف هو الإسقاط، لا القِسْط. * * * 3063 - (7563) - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِشْكَابٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "كلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ، خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ في الْمِيزَانِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيم". (كلمتان): خبرٌ مقدَّم. (وخفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن): صفة، والمبتدأ هو قوله: "سبحانَ اللهِ وبحمدهِ، سبحانَ اللهِ العظيمِ". فإن قلت: المبتدأ مرفوع، وسبحانَ اللهِ في المحلين مرفوعٌ، أو معرب منصوبٌ، فكيف وقع مبتدأ مع ذلك؟ ¬

_ (¬1) انظر "التوضيح" (33/ 589).

قلت: المرادُ لفظُهما محكيٌّ. فإن قلت: كلمتان مثنى، والمخبَرُ عنه غيرُ متعدد؛ ضرورةَ أنه ليس ثَمَّ حرفُ عطفٍ يجمعهما، ألا ترى أنه لا يصحُّ قولك: زيدٌ عمرٌو قائمان. قلت: هو على حذف العاطف؛ أي: "سبحان الله وبحمده، وسبحان الله العظيم، كلمتان خفيفتان على اللسان"، إلى آخره. وحُذِفَ ناصبُ "سبحانَ الله" على الوجوب؛ لأنَّه من المصادر التي وقع تبيين مفعولها بالإضافة. قال الرضي: وإنما حُذف؛ إبانةً لقصدِ الدوام واللزوم بحذفِ ما هو موضوعٌ للحدوث والتجدُّد (¬1). قلت: وقع له في باب الميزان من شرح الحاجبية ما ناقض هذا، وذلك أنه قال: الأصل في السلام عليكم: سلَّمَكَ الله سلاماً، ثم حذف الفعل لكثرة الاستعمال، فبقي المصدرُ منصوباً، وكان النصبُ يدل على الفعل، والفعلُ يدل على الحدوث، فلما قصدوا دوامَ نزولِ سلام الله عليه واستمراره، أزالوا النصبَ الدال على الحدوث، فرفعوا سلام (¬2). وهذا الذي قاله هنا هو الحق، والأولُ غير مَرْضِيٍّ. وقد نص أهلُ المعاني على أنه من جملة الأسباب المقتضية لتقديم المسند تشويقَ السامع إلى المبتدأ، بأن يكون في المسنَد المقدَّمِ طولُ تشويق النفس إلى ذكر المسند إليه، فيكون أوقعَ في النفس، وأدخلَ في ¬

_ (¬1) انظر: "شرح الرضي على الكافية" (1/ 306). (¬2) المرجع السابق، (1/ 236).

القول؛ لأن الحاصلَ بعدَ الطلب أعزُّ من المنساقِ بلا تعب، ولا يخفى أن ما ذكره القوم متحقق في هذا الحديث، بل هو أحسنُ من المثال الذي أورده بكثير، وهو قول الشاعر: ثَلاثةٌ (¬1) تُشْرِقُ الدُّنْيَا بِبَهْجَتِهَا ... شَمْسُ الضُّحَى وَأَبُو إِسْحَاقَ وَالقَمَرُ وفيه السجعُ، والمطابقة. ولقد أحسنَ البخاريُّ - رحمه الله - حيثُ افتتحَ كتابَه بحديث: "إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ"؛ إشعاراً لنفِسه بالإخلاص في جمعِ هذا الكتاب، وخَتَمَه بما يقتضي أن أعمالَ العبدِ وأقوالَه توزَنُ؛ رجاءَ أن يكون تأليفُه هذا من الحسنات التي توضَعُ في ميزانه، حَقَّقَ اللهُ رجاءَهُ، ونفعَنا بما فيه، ورزقَنا عِلْمَه والعملَ به على أحسنِ الوجوه وأكملِها، والحمدُ لله وحدَه، وسبحانَ اللهِ وبحمدِه، سبحانَ اللهِ العظيم، وليكنْ هذا آخرَ تعليقِ المصابيح، ومنتهى ما رَوَّحْنا به القلوبَ من فوائدِ هذا الكتاب، فحَبَّذَا هو من جامع، وحَبَّذا هي من تراويح على أَنَّا انتهينا إلى هذا الموضع، وفؤادُ المصابيح بالتلهُّب على بَسْطِ العبارة محدود، ولسانُها يتلو في جوابه هذا الجامع سورة النور، ويدُ الإسراع تدفع في صدر التأني، وتمنعُ أقدامَ الآمالِ أن تسلكَ ما تشاء من خلق التمني، والآلام قد ألمَّت بالجسد من كل مكان، وأَجْلَبَتْ فيه بَخْيلِها ورَجِلِها بحسب الإمكان، والله المسؤول أن يطوي شُقَّةَ البَيْن، ويُرينا بعدَ أهوال البحر ما تَقَرُّ به العينُ، بمنِّه وكرمِه. ¬

_ (¬1) في "م" و"ج": "ثلاثٌ"، والصواب ما أثبت.

وكان انتهاء هذا التأليف بِزَبيد من بلاد اليمن قبلَ ظهر يوم الثلاثاء العاشرِ من شهر ربيعٍ الأولِ سنةَ عشرين وثمانِ مئة، على يد مؤلفه العبدِ الفقيرِ إلى الله تعالى محمدِ بنِ أبي بكرِ بنِ عمرَ بنِ أبي بكرٍ المخزوميِّ الدمامينيِّ المالكيِّ، حامداً لله ربَّ العالمين، ومصلِّياً على رسوله محمدٍ خاتمِ النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومسلماً، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وكان فراغ من نساخة هذا التأليف المبارك في الخامس عشر من شهر ربيع الأول سنة أربع وسبعين وثماني مئة، أحسن الله عاقبتها ببلدة كهمايت من نسخة على نسخة نصه. * * *

§1/1