مشيخة أبي المواهب الحنبلي

ابن عبد الباقي الحنبلي

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم، على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، عدد خلق الله بدوام ربنا الكريم رب العالمين، وعلينا معهم بهم أجمعين والمسلمين يا أرحم الراحمين. أما بعد، فإن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلّى الله عليه وسلّم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. هذا وقد التمس بعض المحبين الموفقين من هذا المذنب الحقير الفقير الكسير المسرف على نفسه الراجي رحمة ربه ولطفه به في الدنيا والآخرة وما بينهما وحين يوضع في رمسه، أن أذكر له تراجم مشايخي وما قرأته عليهم وما أخذته عنهم، دراية ورواية بأي نوع من أنواع الإجازة فأجبته لذلك سائلاً من الله التوفيق والرحمة، لأنه عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة فأقول: تقي الدين عبد الباقي بن عبد الباقي الحنبلي البعلي أول مشايخي، والدي نسباً، عبد الباقي تقي الدين بن عبد الباقي بن عبد القادر بن عبد الباقي بن إبراهيم بن عمر بن محمد الحنبلي، البعلي الأزهري الدمشقي، المحدث المقرئ الأثري، الشهير بابن بدر، ثم بابن فقيه فصة، وهي بفاء مكسورة ومهملة: قرية ببعلبك من جهة دمشق نحو فرسخ، وكان أحد أجداده يتوجه ويخطب بها فلذلك اشتهر بها، وأجداده كلهم حنابلة. وقد ولد ببعلبك قال والدي: رأيت على هوامش بعض الكتب للجد الشيخ إبراهيم: ملكه الفقير إبراهيم بن تيمية. ولم أدر غير ذلك، ولم يعهد لنا جدّ إلا وهو حنبلي. وقال في الثبت الذي جمعه وتعب عليه كثيراً: وجدت بخط والداي رحمة الله على ظهر كتاب الإقناع: (ولد الولد المبارك عبد الباقي ابن كاتبه الفقير عبد الباقي بن عبد القادر ابن فقيه فصة الحنبلي ليلة السبت 18 ربيع الثاني من شهور سنة 1005 للهجرة جعله الله من العلماء العاملين) . وحفظت

القرآن على والداي، تولى قراءتي بنفسه اعتناءً بي، وعمري إذ ذاك عشر سنين، وتيتمت بعد ذلك وشرعت في الاشتغال بطلب العلم سنة 1017 للهجرة فأخذت الفقه عن القاضي أحمد الوفائي المفلحي، وأخذت طريق الصوفية عن ولد عمي الشيخ نور الدين خليفة الشيخ محمد العلمي، ولقنني العلم وأجازني الشيخ محمد العلمي في القدس بالبداءة في الأوراد والأذكار والمحيا إذا كنت بين إخواني، ورحلت إلى مصر سنة 1029، فأخذت الفقه عن الشيخ منصور البهوتي الحنبلي والشيخ عبد القادر الدنشوري، والشيخ يوسف الفتوحي سبط ابن النجار وأخذت القراءة عن الشيخ عبد الرحمن اليمني، والحديث عن الشيخ إبراهيم اللقاني والشيخ أحمد المقري، والفرائض عن الشيخ الشمرلسي، وعن زين العابدين بن أبي دريّ المالكي، وعن كثير من مشايخ الجامع الأزهر من أجلهم: عبد الجواد الجنبلاطي، والعروض وغيره من العلوم عن الشيخ محمد الحموي، وقرأت شيئاً من المنطق والعربية على الشيخ محمد البابلي وحضرته كثيراً. وأشياخي غيرهم كثير ثم عدت إلى دمشق سنة 1032 للهجرة اثنتين وثلاثين وألف بإجازات الأشياخ بالفنون المزبورة. وغيرها وبالإفتاء والتدريس، فدرست في جامع بني أمية زمن قدومي، وقرأت بعد ذلك في الشام على شيخ الإسلام شيخ عمر بن محمد القاري في النحو والمعاني والحديث والأصول، وأجازني، وحججت حجة الإسلام سنة 1036 فأخذت عن جماعة من أهل مكة من أجلهم مولانا الشيخ محمد علي بن علان الصديقي وأجازني، والشيخ عبد الرحمن المرشدي وأخذت عن أهل الحرم المدني عن جماعة من أجلهم الشيخ عبد الرحمن الخياري، فقد أجازني والله الحمد أهل مكة والمدينة ومصر ودمشق وأهل بيت المقدس، وأعلى أسانيدي في جميع مرويات ابن حجر وفي جميع كتب الحديث عن الشيخ حجازي الواعظ عن أحمد بن أركماس من أهل غيط العدة بمصر عن الحافظ العسقلاني. على أن هذا الفقير المترجم نفسه أوثقته الذنوب عن اللحاق بكل مصحوب، غره طول الأمل، فانقطع عن كثير من العمل، يسوف أعماله بالمهلة، يتردد بين الفتور والغفلة، مع ما يسر الله له من صحبة الرجال ومحبة أرباب المعارف والأحوال، ولكن عقله عقل الأطفال في حركاته، وسمته سمت العوام في سكناته، ليله يذهب في المنام، ونهاره يذهب فيما لا يجدي من الكلام، ينسب إلى الزهاد مع تخلفه عن طريقهم، ويحسب في العباد وهو بمعزل عن تحقيقهم، قد قصر عن إدراكهم مسير جواده مما حشاه من الأدواء في فؤاده، وكلما لام نفسه على التسويف أسرعت إليه، وإذا استنهضها إلى الاجتهاد أجمحت عليه، وإن أمت مؤمناً فيا فوزي، وأرجو ذلك من فضل سيدي ومعبودي، إنه جواد كريم غفور رحيم: من الطويل فليس له عَونٌ عليها يردّها ... إلى الخير إلاّ اللهُ واللهُ يغفرُ فيا ربّ أيقظنا وإغفر ذنوبنا ... فقد كثرت لكنّ عفوك أكثرُ أتيناك فاقبلنا دعوناك فاعطنا ... على الخير فاقبضنا فجودك أغزرُ انتهى كلام الوالد رحمه الله في ثبته وأقول الفقير: وتصدر والداي للإقراء في الجامع الأموي سنة 1041 بكرة النهار وبين العشائين، فقرأ الجامع الصغير في الحديث مرتين، وتفسير الجلالين مرتين، وقرأ صحيح البخاري بتمامه، ومسلم والشفا، والمواهب، والترغيب والترهيب، والتذكرة للقرطبي، وشرح البرأة، والمنفرجة، والشمائل، والإحياء جميع ذلك بطرفيه، ولازم ذلك ملازمة كلية بمحراب الحنابلة أولاً، ثم بمحراب الشافعية ولم ينفصل عن ذلك شتاء ولا صيفاً ولا ليلة عيد، حتى ليلة وفاة والدتنا زوجته أبقاها ميتة في الدار ليدفنها في غد ذلك اليوم، وحتى ليلة عرس الفقير وأخيه، وكان فيه نفع عظيم، وأخذ عنه خلق كثير أجلهم: الأستاذ الكبير واحد الدنيا في المعارف إبراهيم الكوراني نزيل المدينة المنورة والسيد العالم محمد بن عبد الرسول البرزنجي وغيرهم من العلماء الأجلاء والطلبة والمنتهون منهم المرحوم الشيخ مصطفى شيخ المحيا ابن سوار، ومنهم الشيخ محمد البطنيني، ومنهم الشيخ محمد الداراني، ومنهم الشيخ عبد الحق الصفوري، ومنهم الشيخ رمضان بن موسى العطيفي وأخوه الشيخ حسن. ومن أهل البلدة والمصريين والحلبيين والنجديين والأغراب والمترددين والآفاقيين خلائق كثيرون.

الشيخ محمد بن يحيى الخباز

وله من المؤلفات والتحريرات والمسودات أشياء كثيرة بخطه وغير خطه. وعلى هوامش الكتب، من ذلك قطعة مسودة على البخاري. وكان مدرس العادلية الصغرى، وكان خطيباً بجامع منجك الذي بمسجد الأقصاب خارج دمشق. وكان شيخ القراء بدمشق. توفي ليلة الثلاثاء 27 ذي الحجة سنة 1071 ودفن بتربة الغرباء في مقبرة باب الفراديس. هذا وكان معظم انتفاعي منه وتخرجي عليه من قراءة الرسائل والمؤلفات والمقدمات في غالب العلوم مثل: الجزرية والآجرومية وشروحهما المشهورة كالقاضي زكريا وغيره والشاطبية، والألفية لابن مالك وجميع ما يوجد من شروحها، وما يوجد من شروح الشاطبية كالجعبري وأبي شامة والهمداني والفاسي والأندلسي وشعلة وابن القاصح وغيرها من الشروح مما يوجد. وأيضا قرأت عليه لطائف الإشارات للقسطلاني في الأربعة عشر، وأجازني بما فيه. وقرأت عليه إفراداً وجمعاً، وقرأت عليه عرضا ختمين كاملين أحدهما للسبعة من طريق الشاطبي، وللثلاثة من طريق الدرة. وأجازني بجميع كتب خاتمة المتأخرين الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن محمد الجزري ورسائله كالنشر وطيبته والتقريب وباقي تآليفه، وبالقراءة والإقراء من هذه الطرق أيضا، ومقدمات الفقه كدليل الطالب للشيخ مرعي الحنبلي وزاد المتقنع للشيخ موسى الحجاوي وغيرهما من المقدمات، وكتاب منتهى الإرادات، وكتاب الإقناع ومفردات الحنابلة وغير ذلك من كتب الفقه للمتقدمين والمتأخرين، وحواشي الكتابين المرقومين وشروحهما للشيخ منصور البهوتي الحنبلي وغيره، ومن كتب الحديث رواية قراءة للبعض وسماعا وعرضا وإجازة وحضورا كالبخاري ومسلم، وغالب الكتب المسطرة آنفا، وأجازني بجميع ما انطوى عليه ثبته الذي صنفه في حياته بالتماس من الشيخ إبراهيم الكوراني من كتب الحديث والقراءات والفقه وغيرها، وكذلك ألفية العراقي في المصطلح وشروحها وغير ذلك مما يطول ذكره، والمانع من استيعاب ذلك كثرة الاشتغال وضيق الأوقات. وعلى كل حال فقد رباني حق التربية، وأدبني حق التأديب، وخرجني أحسن التخريج، وأحسن إلى غاية الإحسان، لم يبق شيئا من أنواع الإكرام إلا وقام به حق القيام. فجزاه الله تعالى ووالدتي خير ما جازى أبوين عن ولدهما. وأجزل الله له ولها الثواب. إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين أمين يا جواد يا رؤوف يا رحيم. وقد أجزت كل واقف على هذه المشيخة بجميع ما انطوى عليه ثبته المذكور من كتب الحديث والتفسير والفقه والقراءات وكتب العربية بأسانيدها إلى مؤلفيها، وبما انطوى عليه من الآثار والأخبار والحكايات والظرف والنكات والله سبحانه وتعالى أعلم. الشيخ محمد بن يحيى الخباز البطنيني ومنهم الشيخ محمد بن يحيى بن أحمد بن علي بن محمد بن محمد ابن محمد الخباز المعروف بالبطنيني الدمشقي الشافعي المحدث الفقيه الورع الصالح الناسك. كان في غاية الورع والصلابة في إنكار المنكر. كان في بداية أمره خبازا بدمشق مع طلب العلم، يحفظ المنظومات حال تعاطي الخبازة، ثم ارتحل إلى مصر وجاور بجامع الأزهر سنين، وأخذ عن الشيخ سلطان المزاحي ومحمد البابلي، وأحمد القيلوبي ومن عاصرهم من طبقتهم، وعن الشمس الميداني والنجم الغزي ومعاصريهم جميعا، وبعد مجاورته في الديار المصرية عاد إلى الشام ودرس في جامع بني أمية في غالب الفنون. وله من التحريرات والمباحثات والتدقيقات والتفريعات خصوصا في الفقه اليد الطولى في ذلك. وما رأت عيناي مثله في ذلك، وأخذت عنه جماعات كثيرة من أهل الشام وغيرهم من هنود وأكراد ونجديين وآفاقيين رسائل وتآليف. وجلس تحت قبة النسر بعد المرحوم الشيخ محمد المحاسني وانتهت إليه رئاسة الشافعية والتحديث وتوفي سنة 1075. وحضرته في كتاب الشفا للقاضي عياض وصحيح البخاري ومسلم وألفية العراقي في المصطلح وشروح الورقات في الأصول، وشرح جمع الجوامع مع قراءته للآيات البينات. وقرأت عليه كثيرا من كتب العربية كالألفية لابن مالك وشروح القطر والشذور وغيرها، مع حضوري غالب دروسه الحديثية في المصطلح أيضا كشيخ الإسلام والعراقي لمؤلفها على الألفية والسخاوي عليها وكتب المعاريج ليلة المعراج وغيرها. وانتفعت منه كثيرا. الشيخ منصور بن علي السطوحي المحلي

الشيخ محمد بن بركات

ومنهم الشيخ منصور بن علي السطوحي المحلي، نزيل مصر، ثم القدس، ثم دمشق. الشافعي العالم الكامل، صحب في مصر الشيخ مبارك، وأخذ عنه طريق السادة الشاذلية، وسلك مسالك القوم وهجر المألوف من المأكول والنوم، وجاهد وشاهد وجاور بالجامع الأزهر. من مشايخه نور الدين الزيادي، والشيخ أحمد الغنيمي، والشيخ أبو بكر الشنواني، والقاضي يحيى الشامي الحنبلي، والشيخ إبراهيم اللقاني، والشيخ يوسف الزرقاني، والشيخ سالم الشبشيري، والشيخ سليمان البابلي، والشيخ محمد الجابري، وعبد الله الدنوشري، والشيخ سراج الدين الشنواني، والشيخ عبد المنعم بن الشيخ طه المالكي، والشيخ محمد القصري، والشيخ محمد الكلبي، والشيخ محمد البكري، والشيخ محمد بن الشاشي، والشيخ حجازي الواعظ، وهو أولهم ومن أولهم أيضا الذي اشتهر أنه يقرئ الجن الشيخ ياسين المالكي، والشيخ موسى الدهشيتي، والشيخ إبراهيم العمري، والشيخ محمد الخباز، والشيخ مجد الدين المنزلاوي، والشيخ محمد الخوانكي وغيرهم من مصريين وحجازيين وآفاقيين. وأقام بالقدس معتكفا على العبادة، وتلاوة كلام الله تعالى، وإلقاء حديث النبي صلّى الله عليه وسلّم، فحسده أهل القدس على حبه الخفاء وشهرته تأباه، وإقبال الكبراء والأعيان عليه، وأظهروا عليه الشرور، وأسندوا إليه أمورا هو منها بريء فهاجر إلى دمشق فاستقبله أهل الشام الاستقبال الكلي، وأقام بالصابونية قرب باب النصر يقصد ويزار، وعكفوا عليه واعتقدوه وأحبوه ورغب الناس في حفظ القرآن في مدته حتى صاروا أكثر من أربع مئة نفر بنفسه المبارك. وكانت الحكام تأتي إلى منزله يلتمسون منه الدعاء، وتحمل إليه الأطعمة والهدايا والإحسانات، لا يدخر منها شيئا، وكان كثيرا ما يحج في غالب السنين، وحج في سنة 1065 للهجرة وجاور بالمدينة تلك السنة وهي السنة التي مات فيها وكانت وفاته في 21 رمضان سنة 1066 ودفن بالبقيع بالقرب من مرقد سيدنا إبراهيم ابن النبي صلّى الله عليه وسلّم. تجاه الباب من قبر الخياري والشيخ غرس الدين الخليلي. هذا وقد كان جامعا بين الطريقة والشريعة، ما رأت عيناي مثله في كل علم، إذا تكلم في علم من العلوم قلت: لا يعرف غيره، على الخصوص علم التصوف علما وتعليما وتخلقا وتحققا، وعلم العقائد وعلم المعاني والبيان وباقي علوم العربية بأسرها. وعلم الحديث رواية ودراية. وقد قرأت عليه ألفية ابن مالك في النحو وشروحها كالمرادي وابن المصنف، وشرح التوضيح، وتلخيص المعاني للخطيب القزويني، والسنوسية وشرحها، وجوهرة التوحيد وشرحها المختصر. وحضرت قراءة أخينا الشيخ حمزة عليه رسالة القشيري في التصوف. وحضرت قراءة أخينا الشيخ كريم العطار الجامع الصغير. وقرأت عليه كتاب الحكم لابن عطاء الله الإسكندري وشروحه وغير ذلك، وشرح العقائد للسعد، والقاضي زكريا على إيساغوجي، وغير ذلك مما لا يحضرني من المطولات والمختصرات. وأرشدني لحفظ القرآن فجزاه الله عني خير الجزاء خير ما جازى شيخا عن تلميذه ومعلما عن معلمه. وكثيرا ما كان يدعو لي. جزاه الله خيرا بقوله: الله يا ولد يزيدك توفيقا. وأرجو الآن السعادة بدعائه ودعاء والدي آمين يا أرحم الراحمين. الشيخ محمد بن بركات الكوافي

الشيخ إبراهيم بن منصور

ومنهم الشيخ محمد بن بركات بن مفرج الشهير بالكوافي الحمصي الدمشقي الشافعي، كان من العلماء الصلحاء، قدم إلى دمشق في أيام كهولته، وقطن في مدرسته الطيبة بمحلة القيمرية مدة أربعين سنة، وأخذ عن الأجلاء ومن مشايخه الشيخ محمد البطنيني في الفقه والقرآن، ورحل إلى مصر خمس مرات، وأخذ عن علمائها، وكان صوفي المشرب، قادري الطريقة، من الراقين الرفاعيين. وكان أعيان دمشق يقصدون زيارته ويتبركون به، لا يخرج إلا لصلاة الجمعة، ويؤذن للصلوات الخمس في مدرسته ويصلي بمن حضر من جماعات المسلمين، ملازما للقرآن ليلا ونهارا، مداوما على الصيام والذكر والأوراد والتسبيح والصمت، يقرئ في الأصول والنحو، ولم يكن أحد أمهر منه في تعليم البلداء مثلي، فحضرته في غالب الرسائل في العربية تفهما وإعرابا للألفاظ كألفية ابن مالك والقطر والقواعد وشروحها والنبذة مختصرها والملحة وغيرها وكان لا يخرج من مدرسته المذكورة إلا لأمر مهم. وكتب بخطه الكثير من الكتب هو وتلامذته. واتفق له من العجائب أنه أقرأ النحو وسمع القرآن وكتب الفقه في آن واحد. وكان يكتب الصحيفة من الورق بغطة واحدة وختم القرآن ختمتين وثمن ختمه في يوم واحد ومن توسلاته: من البسيط ربّاه ربّاه أنتَ الله معتمدي ... في كل حالٍ إذا حالت بي الحال يا واسع اللطف قد قدمت معذرتي ... إن كان يغني عن التفصيل إجمال ماذا أقول ومني كل معصية ... ومنك يا سيدي حلم وإمهال وما أكون وما قدري وما عملي ... في يوم توضع في الميزان أعمال ولد سنة 1005 وتوفي بعد عشاء ليلة الأحد 27 شوال سنة 1076 ودفن بمقبرة الشيخ أرسلان. هذا وقد قرأت عليه غالب المختصرات وكتب العربية، وحصل لي عليه غاية الرياضة في العربية والتجويد، وأدبني آدابا كثيرة، ونصحني ونفعني ووعظني مواعظ كثيرة، ونصحني نصائح عظيمة. وأجازني بسائر مروياته فجزاه الله عني خيرا. الشيخ إبراهيم بن منصور الفتال ومنهم الشيخ إبراهيم بن منصور المعروف بالفتال الدمشقي الحنفي العالم الباهر البحر الحبر المحقق المدقق، أفضل أهل زمانه علما وأدبا وفقها وعربية وله المهارة الباهرة في علم الكلام والمعاني والبيان والمنطق وغيرها من بقية علوم العربية، مع الوقار والأدب والتواضع والاتصاف، صاحب الأجوبة المسددة عن المشكلات المعضلة. أخذ عن جماعات منهم الملا محمود الكردي وعبد الوهاب الفرفوري، وأحمد بن محمد القلعي، وحضر دروس النجم الغزي، وتصدر للإقراء في ابتداء أمره فكبت عليه الطلبة، وانتفع به من الطلبة ما لا يحصى، وغالب طلبة العلم من أهل الشام وغيرها من الآفاقيين من مصريين وهنود وأكراد وغيرهم، وكان يدرس عند باب الخطابة، ثم تحول إلى دار الحديث الأحمدية بالمشهد الشرقي، وكان أيام الصيف يدرس بالرواق الشرقي مما يلي باب جيرون، ثم لزم داره بالكلاسة غالبا، جامعا بين الدروس العامة والخاصة. هذا وقد قرأت عليه عدة رسائل في العربية وغيرها، ومقدمات في فقه الحنفية ومقدمات في المنطق، وحضرته في المغني لابن هشام وشروحه في البيضاوي، وحضرت عليه حصة في كتاب المطول للسعد، مع اشتغاله بالدعاء لي كثيرا مع زيادة المحبة والمودة وحسن المجابرة لي ولولدي عبد الجليل. وكانت وفاته نهار السبت 17 ذي القعدة سنة 1098 وقد ناهز السبعين ودفن بمقبرة باب الفراديس. الشيخ محمد بن محمد العيثاوي محمد بن محمد بن أحمد العيثاوي الدمشقي الشافعي، كان علامة فهامة في جميع العلوم الشرعية وعلوم العربية والأصول والعقائد والمنطق مع التحقيق وتدقيق النظر والإنصاف في جميع مجالسه ودروسه العامة والخاصة. أخذ عن النجم الغزي وأخيه أبي الطيب وعبد الرحمن العمادي وأحمد البهنسي ورمضان العكاري وعلي القبردي وملا حسن الكردي وعبد الكريم الضميراني. وانتفع به جماعة من العلماء من أهل الشام وغيرهم من الآفاقيين، وكان زجارا للحكام يعاملهم بيده، ربما مسك الباشا من طوقه ويجذبه، فعل ذلك مع الحكام مرارا مع نفاذ كلمته وإجابتهم طلبته بوجه الحق مع بقاء مهابته وجلالته عندهم.

نقيب الأشراف محمد بن كمال الدين بن حمزة

وله تحريرات على التفاسير وغيرها. وباشر تدريس البخاري في أواخر عمره تحت قبة النسر. توفي ليلة الخميس رابع شهر ربيع الأول سنة ثمانين وألف بداء الاستسقاء ودفن بتربة باب الصغير. هذا وقد قرأت عليه في مقدمات في العربية والمنطق ومنهاج البيضاوي في الأصول، وحضرت في التفسير وأجازني رحمه الله وباقي مشايخنا رحمة واسعة. نقيب الأشراف محمد بن كمال الدين بن حمزة ومنهم الشيخ السيد محمد نقيب الأشراف بن كمال الدين بن حسين بن محمد بن حمزة نقيب الأشراف في الشام، وعلامة العلماء الأعلام ابن حسين الحنفي. رئيس فرقته علما وجاها، كان عالما محققا وحبرا مدققا، غواصا على المسائل كثير التبحر مملؤا معارف وفنونا. ولد بدمشق، وربي في حجر والده، وقرأ القرآن على الشيخ المعمر الصالح أبي بكر السليمي الحنفي، وجوده على الشيخ عبد الباقي الحنبلي، وقرأ عليه لأهل سما إفرادا وجمعا من طريقي الشاطبية والتيسير إلى أواخر سورة البقرة، وأحضره والده على محمد بن منصور بن محب الدين الحنفي الدمشقي، وأجازه بما تجوز له روايته وأخذ عن الشمس الميداني، وحضره تحت قبة النسر وأجازه، وأخذ عن الشهاب أحمد بن محمد العرعاني البقاعي، وأجازه بسائر مروياته وسمع بعض البخاري على النجم الغزي، والشيخ محمد الحريري والشيخ علي القبردي، والشيخ رمضان العكاري، والشيخ يوسف بن أبي الفتح، والشيخ عبد الرحمن العمادي في الفقه والحديث، والملا عبد الكريم في علم الكلام والمعقولات. ولما ورد الحافظ المقرئ الأثري أحمد إلى دمشق سنة ألف وسبع وثلاثين لازمه في الحديث رواية ودراية، وأجازه بسائر مروياته، وحضر في الديار الرومية دروس الشيخ حسين بن عبد النبي الشعال الدمشقي، ولما حج سنة ألف وخمسين حضر ابن علاَّن الشيخ محمد بن علي محدث مكة وأجازه بما تجوز له روايته، واجتمع بمحدث المدينة المنورة الشيخ محمد الخياري وقرأ عليه وأجازه بسائر مروياته وله حاشية على شرح الخلاصة لابن المصنف من باب الاستثناء إلى آخر الكتاب، وله التحريرات الكثيرة على أماكن شتى من التفسير والحديث، وأخذ عنه الإمام الهمام الشيخ رمضان بن موسى. ولد في غرة رجب سنة أربع وعشرين وألف. وتوفي ختام صفر الخير سنة ألف وخمس وثمانين ودفن بمقبرة باب الفراديس رحمة الله تعالى. هذا وقد حضرته في حصة من كتب العربية منها شرح الخلاصة لابن المصنف، ومختصر المعاني والبيان وغيرها من المقدمات، وقبل ذلك في حال البداية بالآجرومية وشروحها وقواعد الإعراب ودروس التفسير في البيضاوي في مدرسة التقوية، وفي منزله أيضا. محمد بن أحمد الخلوتي ومنهم محمد بن أحمد بن علي الخلوتي، ابن أخت منصور البهوتي الحنبلي، العالم الإمام إمام المعقول والمنقول، المفتي والمدرس بمصر، المحرر المحقق المدقق، أخذ الفقه عن العلامة عبد الرحمن البهوتي الحنبلي تلميذ الشمس الشامي صاحب السيرة تلميذ الجلال السيوطي، ولازم خاله العلامة الورع الزاهد الفهامة الشيخ منصور البهوتي الحنبلي شيخ والدنا شارح المنتهى والإقناع ومحشيها، وأخذ العلوم العقلية عن الشهاب الغنيمي، وعليه تخرج وانتفع، واختص بعده بالنور الشبراملسي، ولازمه في درسه في كثير من العلوم، وكان يجري بينهما في الدرس من المحاورات والنكات الدقيقة لا يفهمها من الحاضرين إلا من كان من أكابر المحققين، وكان الشبراملسي يثني عليه ويجله ويعظمه ويحترمه، ولا يخاطبه إلا بغاية التعظيم، وكان رفيقه في الطلب، ولم يزل ملازما له حتى مات. وله حاشية على الإقناع وحاشية على المنتهى جردتا بعد موته من هامشيهما، وله شعر منه قوله: من الخفيف سمحت بعد قولها لفؤادي ... ذُب أسى يا فؤادَه وتفتَّتِ ونجا القلب من حبائل هجر ... نصبتها لسيره ثم حلت وقوله أيضا: من الوافر كأن الدهر في خفض الأعالي ... وفي رفع الأسافلة اللئامِ فقيه عنده الأخبار صحت ... بتفضيل السجود على اللئامِ وكانت وفاته بمصر بعد نصف ليلة الجمعة تاسع عشر ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وألف.

محمد بن بدر الدين بن بلبان البعلي الحنبلي

هذا وقد حضرته في دروسه العامة في الأزهر المعمر في كتاب منتهى الإرادات مع حواشيه وشروحه وتحريراته بقراءة الشيخ إسماعيل والشيخ إبراهيم الحنبليين القاطنين الآن في نواحي جنين. وأجازني لفظا وكتابة بسائر مروياته سنة إحدى وسبعين وألف. محمد بن بدر الدين بن بلبان البعلي الحنبلي ومنهم محمد بن بدر الدين بن بلبان البعلي الأصل الدمشقي الصالح، الحنبلي المذهب، المعمر، أحد الأئمة الزهاد من كبار أصحاب الشهاب ابن أبي الوفا الوفائي الحنبلي وكان يقرئ في المذاهب الأربعة، وسمع الحديث ببعلبك، وبدمشق على الشهاب العيثاوي الكبير والشمس الميداني وأفتي وانتهت إليه رئاسة العلم بالصالحية بعد وفاة الشيخ علي القبردي، وكان عالما ورعا عابدا، قطع أوقاته في العلم والكتابة والدرس والطلب، حتى مكن الله محبته من القلوب والخاص والعام، وكان يورد كلام أبي الحسن علي بن أحمد الزيدي نسبة لزيد بن علي بن علي وهو قوله: اجعلوا النوافل كالفرائض والمعاصي كالكفر، والشهوات كالسم، ومخالطة الناس كالنار، والغذاء كالدواء. وكانت أوقاته منقسمة إلى صلاة وقراءة قرآن وإقراء. وانتفع به خلق كثيرون. وممن أخذ عنه الإمام محمد بن محمد بن سليمان والشيخ عبد القادر بن عبد الهادي. وولي خطابة الجامع المظفري المعروف بالحنابلة. ولد سنة 1006 للهجرة ألف وست وكانت وفاته سنة ثلاث وثمانين وألف. هذا وقد حضرته في الدروس الفرادية. وأجازني لفظا وكتابة بما تجوز له روايته رحمه الله تعالى. الشيخ محمد بن أحمد العمري ابن عبد الهادي ومنهم الشيخ محمد بن أحمد بن محمد العمري المعروف بابن عبد الهادي الدمشقي الصوفي، الشيخ البركة المعمر بقية السلف وكان من خير خلق الله، مهاب الشكل، عليه نور الولاية والصلاح، وكان عالما بالعقائد والتصوف وكلام القوم، حسن الفهم، وانتفع به خلق، متواضعا، ولم يكن أحد أصبر منه على الفاقة، وله وقائع وكرامات جدا، وكان يستسقى به الغيث، وللناس فيه الاعتقاد العظيم الواقع في محله. ولد سنة ست وألف. وتوفي سابع صفر الخير سنة ثمان وتسعين وألف. ودفن بمقبرة الفراديس. هذا وقد حضرت غالب مجالسه في الحديث والوعظ والتصوف، وأجازني بما تجوز له روايته رحمه الله رحمة واسعة آمين. الشيخ رمضان بن موسى العطيفي ومنهم الشيخ رمضان بن موسى بن أحمد المعروف بابن عطيف، الدمشقي الحنفي، كان صاحب فنون، أديبا فقيها نحويا، فائقا بارعا، حسن المعاشرة، لطيف المنادمة، له رواية الشعر وأيام العرب وأخبار الملوك والشعراء، له مشايخ. منهم: الشيخ رمضان العكاري، والعمادي، والشيخ مصطفى المحبي وغيرهم، وتصدر للإقراء في جامع السنانية والدرويشية، وانتفع به خلق كثير، وله تعليقات ورسائل كثيرة، وأخذ عن والدي علوم العربية والحديث. ولد في شهر رمضان سنة تسع عشرة وألف. وتوفي نهار الخميس عاشر جمادى الآخرة سنة خمس وتسعين وألف. ودفن بمقبرة باب الصغير بمسجد النازنج. وقد حضرته في دروسه في العربية وفقه السادة الحنفية، وقرأت عليه مقدمات كثيرة في النحو، كالآجرومية وشروحها وحواشيها، والقواعد وشروحها، وغير ذلك من كتب العربية، وتحريرات له على مغني اللبيب، ولازمته وقتين من كل نهار، خصوصا حال ابتدائي وشبابي، وانتفعت منه كثيرا، وتخرجت عليه والله الحمد. رحمه الله وأخاه الشيخ حسن رحمة واسعة. الشيخ رجب بن حسين بن علوان الحموي ومنهم الشيخ رجب بن حسين بن علوان الحموي الأصل، الدمشقي الميداني، الشافعي الفرضي، الفلكي، أعجوبة الزمان في العلوم الغربية، وكان لديه منها فنون عديدة، خصوصا العلوم الرياضية كالفرائض والحساب والفلك والهيئة والموسيقى. معظم أخذه لهذه العلوم في رحلته إلى القاهرة ثم عاد لدمشق وانتفع به خلق كثيرون من أهل عصره، وكان يتجر وله إيثارات توفي سنة سبع وثمانين وألف. هذا وقد قرأت عليه كتاب النزهة والمرشدة في علم الغبار، وكتاب الرحبية في الفرائض وشروحها، وحصة كثيرة من شرح الترتيب في الفرائض والحساب، وغير ذلك من كتب الفرائض للبسط وابن الهايم، وانتفعت منه انتفاعا كثيرا. وجزاه الله خيرا ورحمه رحمة واسعة. الشيخ محمد بن أحمد الأسطواني

الشيخ محمد بن تاج الدين بن أحمد المحاسني

ومنهم الشيخ محمد بن أحمد بن محمد بن حسين بن سليمان المعروف بالأسطواني، الدمشقي الحنفي الفقيه، الواعظ والأخباري، كان آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، ناسكا عابدا، واعظا متقشفا، كثير العبوس في وجوه الناس لما يكرهه منهم، شديد الإنكار عليهم فيما يخالف الشرع. هذا وقد حضرته في شرح الجوهرة في درسه العام وفي وعظه ونصائحه، كان في الأصل على مذهب أسلافه حنبليا، ثم انتقل إلى مذهب الشافعي فأخذ عن الشمس الميداني والنجم الغزي وغيرهما، والعربية والمعقولات عن الشيخ عبد الرحمن العمادي والشيخ عبد اللطيف الجالقي والشيخ عمر القاري، والإمام يوسف بن أبي الفتح، والحديث عن أبي العباس المقرئ في مقدمته لدمشق، ودرس بالجامع الأموي، ثم رحل إلى مصر وأخذ عن البرهان اللقاني والنور علي الحلبي والشيخ عبد الرحمن اليمني، والشمس البابلي، وقدم إلى دمشق سنة تسع ثلاثين وألف، ودرس بها وأفاد، ثم وقع بينه بين النجم الغزي في مسألة، فسافر إلى الروم بحرا فأسرته الفرنج، ثم خلص بعد مدة قليلة، ووصل إلى دار الخلافة فأقام بها وحسن حاله وحصل له جهات وعلوفات، وتزوج وصار ذا أولاد وتحنف وصار إماما بجامع السلطان أحمد، ثم قدم حاجا سنة ثلاث وستين وألف، وعاد إلى الروم فصار واعظا بجامع السلطان محمد خان ثم عاد إلى دمشق فوردها سنة سبع وستين وألف، ولزم التدريس تحت قبة النسر بالجامع الأموي بين العشائين وبعد الظهر، ورفع بعض منكرات كانت في الشام فتقيد بإزالتها أو تخفيفها حسب الاستطاعة، ومنها لبس السواد خلف الميت، ورفع الأصوات بالصياح والنياحة، وأمر بحمل العصي تحت الأصواف لضربهن على ذلك. وكانت ولادته ليلة سبع عشرة المحرم سنة ست عشرة وألف. وتوفي سادس عشري المحرم سنة اثنتين وسبعين وألف بالحمى المحرقة، ودفن بمقبرة باب الفراديس. هذا وقد حضرته في دروسه في السليمية في البيضاوي ووصايا الشيخ محيي الدين قدس الله سره في الجامع الأموي، قريبا من المنارة الشرقية في جوهرة التوحيد للقاني، وحضرته في الدروس الفرادية كالقراءات وغيرها. واستجزته فأجازني بسائر مروياته ولله الحمد. الشيخ محمد بن تاج الدين بن أحمد المحاسني ومنهم محمد بن تاج الدين بن أحمد المحاسني الدمشقي الحنفي الخطيب بجامع دمشق، كان فاضلا عالما ورعا زاهدا متقنا متضلعا من المعقولات وعلوم العربية كالمعاني والبيان وباقيها كالنحو والصرف وغيرها، وكذلك كان متبحرا في العلوم الشرعية كالتفسير والحديث والفقه مع اللين والتواضع وحلاوة المنطق والملاطفة للطلبة والإحسان إليهم، وأخذه خواطرهم ومعاملتهم بالمجابرة، مباشرا للتدريس في الجامع الأموي عامة وخاصة مع إحسان تجويده للقرآن وترتيله له، وكانت الطلبة أيضا تذهب إلى منزله وتقرأ عليه إفرادا في غالب الأوقات النهارية. أخذ عن عبد اللطيف الجالقي، والشرف الدمشقي، والعمادي المفتي، والجمال الفتحي إمام السلطان، والنجم الغزي، وعمر القاري، وأبي العباس المقرئ، وولي خطابة الجامع الأموي. هذا وقد حضرته في دروسه الفرادية في العربية، ودروسه العامة الحديثية كالبخاري ومسلم في الثلاثة أشهر وغيرها. وأجازني بسائر مروياته عن جده لأمه الشيخ حسن البوريني ولله الحمد. وانتفع به جماعة منهم الشيخ علاء الدين ابن محمد بن علي الحصكفي مفتي الشام، وشيخنا إبراهيم بن منصور الفتال وغيرهما. وله تحريرات تدل على علمه وتحقيقه. الشيخ محمد بن علاء الدين البابلي أبو عبد الله محمد الشمس البابلي بن علاء الدين القاهري الزهري الشافعي الحافظ الرحلة، أحد الأعلام في الحديث والفقه، أحفظ أهل عصره لمتون الحديث والشروح، وأعرفهم بجرحها ورجالها وصحيحها وسقطها. حكي أنه رأى ليلة القدر ودعا بأشياء منها أن يكون مثل ابن حجر العسقلاني في الحديث، وكان حافظا نبيها ما وقع نظره قبل انكفافه على شيء إلا حفظه بسرعة، والذي وقع من محفوظاته القرآن بالروايات والشاطبية، والبهجة، وألفية العراقي في المصطلح، وألفية ابن مالك، وجمع الجوامع، ومتن التلخيص وغيرها. وكتب بخطه كتبا كثيرة منها فتح الباري لابن حجر.

الشيخ إسماعيل بن عبد الغني بن إسماعيل النابلسي

وكان قدم به أبوه من قريته بابل من أعمال مصر إلى القاهرة وهو صغير دون التمييز وسنه دون أربع سنين، وأتى به إلى خاتمة الفقهاء الشمس الرملي وهو منقطع في بيته، فدعا له بخير ودخل في عموم إجازته لأهل عصره، ولما ترعرع لزم النور الزيادي والشيخ علي الحلبي، والشيخ عبد الرؤوف المناوي. وأخذ العربية والحديث وغيرهما عن البرهان اللقاني، وأبي النجا سالم السنهوري، والنور علي الأجهوري المالكيين. وأخذ علم الأصول والمنطق والمعاني والبيان عن الشهاب الغنيمي والشهاب بن خليل السبكي والشهاب ابن الشلبي، وخاله الشيخ سليمان البابلي والشيخ صالح بن شهاب الدين البلقيني. ومشايخه في العلوم الشيخ حجازي الواعظ، والشيخ أحمد بن عيسى المطلبي، والجمال يوسف الزرقاني، والشيخ عبد الله بن محمد النحريري، والشيخ سالم الشبشيري، والشيخ موسى الدهشيتي والشيخ محمد الجابري، والشيخ عبد الله الدنوشري، والشيخ سيف الدين البعيد المقرئ، والشيخ أحمد السنهوري. وكان مواظبا على التهجد، وكان مواظبا على التدريس والنفع التام. قيل: إن الشيخ يحيى بن عمر المنقاري شيخ الإسلام يقول: كنت وأنا قاضٍ بمصر وجهت إلى البابلي تدريس المدرسة الصلاحية بعد موت الشمس الشوبري وهي مشروطة لأعلم علماء الشافعية، وقال: وكتبت تقريرها وأرسلتها إليه فجاء إلي وامتنع من قبولها جدا مع الإقدام عليه مرات، وادعى أنه لا يعرف نفسه أنه أعلم علماء الشافعية. قال: فقلت: حينئذ: تنظر لنا المستحق لها من هو حتى نوجهها؟ فقال: اعفني من هذا أيضا وانصرف. وأخذ عنه جماعات لا يحصون، فممن أخذ عنه من أهل القاهرة الشيخ منصور الطوخي، والشيخ أحمد البشبيشي، والشيخ محمد بن خليفة الشوبري. ومن أهل الشام الشيخ عبد القادر الصفوري، والشيخ محمد البطنيني، والشيخ محمد بن علي المكتبي. ومن أهل مكة الشيخ محمد بن عبد الرؤوف، والشيخ عبد الله بن طاهر العباسي، والشيخ علي الأيوبي، والشيخ علي بن أبي البقا، والشيخ إسكندر المقرئ، والشيخ سعيد بن عبد الله باقشير، والشيخ عبد المحسن القلعي، والشيخ إبراهيم بن محمد الزنجبيلي، والشيخ علي باحاج. ومن أهل المدينة الشيخ إبراهيم الخياري. وحصل له عارض في عينيه أذهب بصره قبل انتقاله بنحو ثلاثين سنة، وكان إذا طالع له أحد حثه على الإسراع بحيث أن السامع لا يفهم ما يقرأه القارئ، وإذا توقف القارئ في محل سابقه بالفتح عليه، حتى كان يحفظ ذلك الكتاب عن ظهر قلب، وكان كثير العبادة يواظب على قراءة القرآن سرا وجهرا. وكان راتبه في كل يوم وليلة نصف القرآن، ويختم يوم الجمعة ختمة كاملة. وكان كثير البكاء عند قراءة القرآن، ولا يفارقه خوف الله في جميع الأحيان. وكانت ولادته سنة ألف. وتوفي عصر يوم الثلاثاء خامس عشري جمادى الأول سنة ألف وسبع وسبعين. هذا وقد حضرته في دروسه في مكة سنة خمس وخمسين وألف في العقائد، ودروسه في البخاري في الجامع الأزهر في مجالس عديدة سنة إحدى وسبعين وألف. ودخلت في عموم إجازته. وله الحمد. الشيخ إسماعيل بن عبد الغني بن إسماعيل النابلسي ومنهم شيخنا إسماعيل النابلسي بن عبد الغني بن إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم نابلسي الأصل دمشقي المولد، العلامة الفقيه الحنفي، كان إماما فقيها مفسرا محدثا، نبيها متيقظا، حافظا فطنا ذكيا، أديبا مربيا، يحفظ التفسير ويمليه إملاء من حفظه من غير كراسة، محررا مدققا له المعرفة بالتاريخ والأدب، وله كثرة المودة والصحبة الأكيدة مع والدي مع رفعة الكلفة بينهما في كثرة التزاور وتردد كل منهما إلى دار الآخر. له مصنفات منها كتاب الإحكام شرح الدرر. وبعد أن كان شافعيا عدل إلى مذهب أبي حنيفة، قرأ على الشيخ محمود الكردي وعمر القاري والشرف الدمشقي والعمادي المفتي، وأخذ عن النجم الغزي، وألقى الدروس في الجامع الأموي مرارا، وقرأ المواهب اللدنية والتفسير، وأخذ عن الشهاب الشوبري الحنفي والشيخ حسن الشرنبلالي، وأعطي تدريس السليمية بصالحية دمشق وقرأ فيها الدروس التفسير في البيضاوي بحضور جمهور أهل دمشق من علمائها مع المباحثة والمناظرة. ولد سنة ألف وسبع عشرة، وتوفي ليلة الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي القعدة سنة اثنتين وستين وألف. ودفن بمقبرة باب الصغير بالمدفن المعروف بهم بالقرب من جامع الجراح.

نجم الدين محمد بن محمد الغزي

هذا وقد حضرته في جميع دروسه المسطورة ودخلت في عموم إجازته. نجم الدين محمد بن محمد الغزي ومنهم شيخنا محمد بن محمد الشيخ الإمام نجم الدين أبو المكارم وأبو السعود بن بدر الدين رضي الدين الغزي العامري الدمشقي الشافعي، شيخ الإسلام. ترجم نفسه كما رأيته بخطه في كتاب بلغة الواجد في ترجمة الوالد وهو البدر فقال: مولدي كما رأيته بخط شيخ الإسلام والدي يوم الأربعاء الحادي والعشرون شعبان المكرم سنة تسع مئة وسبع وسبعين، أوسط النهار وقت الظهيرة قال: ربيت في حجر والدي حتى بلغت ست سنوات وقرأت عليه من كتاب الله قصار المفصل، وحضرت بين يديه يوم الفطر عام وفاته وقلت: يا سيدي أريد أن أقرأ عليك من أول سورة البقرة قال: وتعرف تقرأها؟ قلت: نعم، قال: هات المصحف، فجئت به فقرأت عليه الفاتحة ثم من أول البقرة إلى المفلحون. فقال: يكفيك إلى هنا، فأطبقت المصحف بعد أن لقنني: سبحان ربك رب العزة عما يصفون إلى آخرها، وأنعم علي حينئذ بأربع قطع فضة ترغيبا لي، وأمرني وأنا ابن ست سنوات أن أصوم رمضان ويعطيني كل يوم قطعة فضة، فصمت معظم الشهر، وكان ذلك ترغيبا منه وحسن تربية، وصمت رمضان السنة التي مات إلا يوما أو يومين وأنا ابن سبع سنين، وبقيت أجلس معه للسحور، وكان يدعو لي كثيرا، وأحضرني دروسه أنا وأخي الشيخ كمال الدين في سنة اثنتين وثمانين، وسنة ثلاث وثمانين، وسنة أربع وثمانين، وحدثتني والدتي عنه أنه كان يقول: إن أحياني الله حتى يكبر نجم الدين أقرأته في كتاب التنبيه، وأجازني فيمن حضر درسه إجازة خاصة، وأجازني في حزبه الذي كتبه لمفتي مكة الشيخ قطب الدين إجازة عامة في عموم أهل عصره من المسلمين. ثم ربيت بعد وفاته في حجر والدتي أنا وإخواتي، فأحسنت تربيتنا ووفرت حرمتنا، وعلمتنا الصلوات والآداب، وحرصت على تعليمنا القرآن، وجازت شيوخنا على ذلك وكافأتهم، وقامت في كفالتنا بما هو فوق ما تقوم به الرجال مترملة علينا، راغبة من الله حسن الثواب والنوال، جزيلة الحظ من قوله صلّى الله عليه وسلّم: (أنا أول من يفتح باب الجنة إلا أني أرى امرأة تبادرني فأقول لها: مالك؟ ومن أنت؟ فتقول: أنا امرأة قعدت على أيتام لي) رواه أبو يعلي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال الحافظ المنذري: وإسناده حسن إن شاء الله تعالى. وقال صلّى الله عليه وسلّم: (أنا وامرأة سفعاء الخدين كهاتين يوم القيامة - وأومأ بيده يزيد بن زريع السبابة والوسطى - وامرأة آمت من زوجها ذات منصب وجمال حبست نفسها على يتامى حتى باتوا أو ماتوا) رواه أبو داود، عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه. قال الخطابي: السعفاء: هي التي تغير لونها إلى الكمودة والسواد عن طول، الايحة، يريد بذلك أنها حبست نفسها على أولادها ولم تتزوج فتحتاج إلى الزينة والتصنع للزواج. وساعدها شقيقها الخواجة زين الدين عمر ابن الخواجة بدر الدين حسن ابن سبت، ولم تحملنا منة أحد من خلق الله وتقول: هو تركة والدهم من وقفهم ومن إرثهم منه. واشتغلنا بقراءة القرآن وطلب العلم، فقرأت القرآن على عثمان اليماني وعلى يحيى الغماري والجزرية والآجرومية والشاطبية. وحفظت عليه المعظم من القرآن وكان من أوليا الله كما ترجمه في الكواكب، وكان ممن تطوى له الأرض - فقرأت على الشيخ زين الدين عمر بن سلطان الآجرومية. وشرحها للشيخ خالد. ثم دروس شيخ الإسلام الشهاب العيثاوي، وقرأت عليه شرح الآجرومية للمكودي، وشرح المنهاج إلا شيئا يسيرا، ونصف شرح المنهاج الأول الصغير لوالدي، ومواضع من شرح المحلي، وشرح البهجة للقاضي زكريا، وشرح الإرشاد وعقيدة الشيباني، وأوائل البخاري من كتب الحديث سماعا وقراءة. ولزمت مفتي الفرق محمد محب الدين الحنفي فقرأت عليه منظومة ابن الشحنة والمطول وربع البخاري. وأجازني كتابة ولفظا، وقرأت على الشريف العلامة السيد محمد السعودي حين قدم دمشق سنة ثمان وتسعين وتسع مئة مواضع من تفسير البيضاوي وأجازني بمروياته. وأجازني من المصريين الشمس الرملي وزين العابدين البكري.

ومن مؤلفاتي نظم الآجرومية وشرح القطر لابن هشام وشرح القواعد لابن هشام. وشرح المنظومة لوالدي في النحو أربعة آلاف بيت. ومنظومة في التصريف والخط، ونظم قلائد العقيان في مورثات الفقر والنسيان للناجي. وهو غير نظم الجد الشيخ رضي الدين، ومختصر في النحو سميته البهجة، وكتبت قطعة على التوضيح لابن هشام، وقطعة على الشافية لابن الحاجب، وشرح لامية الأفعال لابن مالك في التصريف في شرحين ممزوجين، ونظم فرائض المنهاج في الفقه، ورسالة في شروط تكبيرة الإحرام، وخصائص الجمعة، والمختار من طب المختار. وأعظم مؤلفاتي شرحي على ألفية التصوف لشيخ الإسلام الجد وسميته منبر التوحيد ومظهر التفريد في شرح الجوهر المفيد في أدب الصوفي والمريد. وكتاب حافل جمعت فيه أحكام الطريق. وبلغة الواجد في ترجمة شيخ الإسلام الوالد، وفي ضمنها أربعون حديثا من مسموعاتي في الباب السابع. وعن الشافعي أنه قال: ما أفلح في العلم إلا من طلبه في القلة. ولقد كنت أطلب القرطاس فيعسر علي. وقال: لا يطلب هذا العلم أحد بالمال وعز النفس فيفلح، ولكن من طلبه بذلة النفس وضيق العيش وخدمة المعلم وتواضع النفس افلح. وله كتاب تحبير العبارات وتحرير الإمارات، وذكر فيه ما نصه: يبتلى المغتاب بما يغتاب فعن أنس رضي الله عنه (كان عندنا بالمدينة قوم لا عيوب لهم تكلموا في عيوب الناس، فصارت لهم عيوب. وكان عندنا قوم لهم عيوب فسكتوا عن عيوب الناس فنسيت عيوبهم.) وروى أبو الشيخ أيضا عن مطرف قال: (قال قال لي مالك أنس رضي الله عنه قال: ما يقول الناس فيّ، قلت: أما الصديق فيثني، وأما العدو فيقع فقال: ما زال الناس كذلك لهم صديق وعدو، ولكن نعوذ بالله من تتابع الألسن كلها) . وله كتاب التنبيه في التشبيه، وهو كتاب بديع في سبع مجلدات، يذكر ما ينبغي للإنسان أن يتشبه من أفعال الأنبياء والملائك والحيوانات المحمودة، وما يتشبه به من اجتناب ما يذم فعله، نقلت منه أشياء لطيفة منها قوله: لقد مر بي في بعض مجالسي من نحو عشرين سنة، أني دعوت الله تعالى فقلت: الله اجعلني من الصالحين فإن لم تجعلني من الصالحين فاجعلنا من المخلطين الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا أو ما هذا معناه فبعد انقضاء المجلس اعترض على بعض السامعين فقال: يا سيدي كيف تدعو الله أن يجعلنا من المخلطين الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا والمعصية مقررة فيهم أيضا قلت: سبحان الله والعمل الصالح مقررة فيهم أيضا. وهو أولى أن يكون من المصريين (فإن لم يصبها وابل فطل) . ثم وقفت على كلام مطرف وهو ما روى البيهقي عن مطرف قال: إني أستلقي من الليل على فراشي وأتدبر القرآن فأعرض على نفسي أعمال أهل الجنة فإذا أعمالهم شديدة (كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون) (الذاريات 17) ، (يبيتون لربهم سجداً وقياماً) (الفرقان 64) ، (أمّن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً) (الزمر 9) فلا أراني منهم، فأعرض على نفسي هذه الآية: (ما سلككم في سقر قالوا: لم نك من المصلين) إلى قوله: (وكنا نكذب بيوم الدين) (المدثر 42) . فأرى القوم مكذبين فلا أراني منهم، فأمر بهم الآية: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئا) (التوبة 102) ، فأرجو أن أكون أنا وأنتم يا إخوتاه منهم فحمدت الله تعالى على موافقته أن المخلطين المذكورين كانوا من أعيان الأنصار والصحابة والأخيار، وأنى لنا اللحاق بهم. وقوله تعالى: (عسى الله أن يتوب عليهم) (التوبة 102) . عسى ولعل في القرآن تدل على تحقيق ما بعدهما بإجماع المحققين من المفسرين. فالتوبة مقبولة منهم بفضل الله تعالى انتهى. وله التاريخ الذي ألفه في أعيان المئة العاشرة وسماه الكواكب السائر، وذيل عليه ذيلا وسماه لطف السمر وقطف الثمر من تراجم أعيان الطبقة الأولى من القرن الحادي عشر.

محمد بن سليمان بن الفاسي

وقبل وفاة العيثاوي بخمسة أيام جاءت فتوى فدخل النجم فقال له العيثاوي: اكتب عليها، فقال: أكتب اسمكم؟ فقال: بل اكتب اسمك، فكتب ثم تتابعت عليه الفتاوى فاستمر يفتي من سنة خمس وعشرين إلى سنة واحد وستين وألف، وهي سنة وفاته. وكان مغرما بالحج إلى بيت الله الحرام وأول حجاته سنة ألف وواحد. وجلس مكان الشمس الميداني تحت قبة النسر لإلقاء صحيح البخاري في الثلاثة أشهر، وكان قارئ الدرس السيد أحمد بن علي الصفوري، ثم الشيخ رمضان العكاري، ثم الشيخ مصطفى بن سوار، وكانت مدة جلوسه تحت القبة سبعا وعشرين سنة، وذلك قدر جلوس الميداني، وأخبر الشيخ حمزة الحنبلي ابن يوسف الدومي: أن النجم لما حج سنة تسع وخمسين وألف، وكان الشيخ حمزة صحبة الشيخ منصور السطوحي المحلي، قال الشيخ حمزة: بينما أنا عند الشيخ منصور بخلوة له بباب الزيادة إذا بصيحة عظيمة قال: فخرجت ونظرت وإذا بالنجم والناس حوله يقولون: أجزنا فوقف عند باب الزيادة وقال لهم: أجزتكم بما تجوز لي روايته بشرطه عند أهله بشرط أن لا يلحقنا أحد حتى نطوف، ثم مشى إلى المطاف فما وصل إليه إلا وخلفه ناس أكثر من الأول، فوقف وأجازهم كما تقدم وقال لهم: بشرط أن لا يشغلنا أحد عن الطواف، قال: فوقف الناس وطاف، وطاف ولم يكن يطوف مع الشيخ إلا أناس قلائل كأنما أخلي له المطاف، فلما فرغ من الطواف طلبوا منه الإجازة أيضا فأجازهم، ثم أرسل الشيخ منصور ودعاه للخلوة، فذهب فلحقه الناس إلى باب الخلوة وطلبوا منه الإجازة فأجازهم ودخل الخلوة، ثم جاء الشيخ محمد البابلي ثم هنية جاء الشريف زيد صاحب مكة، فلما استقر بهم المجلس تذاكروا أمر الساعة، ثم أخذ البابلي في الكلام فأسكته النجم ثم جلس على ركبتيه وشرع يورد أحاديث الساعة بأسانيدها وعزوها لمخرجيها ويتكلم على معانيها حتى بهر العقول، ثم إن البابلي وكذلك الشيخ منصور والشريف وزيد استجازوه استجازة فأجازهم، ثم قد الشيخ منصور سماطا وأردفه الشريف زيد بأشياء من المآكل. وكان قبل موته بنحو ست سنوات اعتراه طرف فالج فكان لا يتكلم إلا قليلا فعد هذا المجلس وإيراده ما أورد من الكرامات له. وقد أخبر بعض الثقات أنه سال بعض الصالحين عن الأبدال بالشام فعد منهم ثلاثة أحدهم النجم. وما أشتهر أن سكوته بذلك لعارض كان من الشيخ حسين فرفرة لا يقدح في ولايته كما يظن، ولعل ذلك كان سببا للولاية في مقابلة انكسار حصل له. وتوجه إلى القدس هو والشيخ إبراهيم الصمادي في جمعية عظيمة وزار تلك المعاهد ثم رجعا إلى دمشق وتخلى للعبادة وترك التأليف وبلغت به السن إلى الهرم. وكانت وفاته ليلة الأربعاء ثامن عشر جمادى الآخرة سنة ألف وإحدى وستين عن ثلاث وثمانين سنة وعشرة أشهر وأربعة أيام. ودفن بمقبرة الشيخ أرسلان رضي الله عنه. ومن غريب ما اتفق في درسه تحت القبة أن الشمس الداودي كان وصل في إقرائه البخاري إلى باب: كان صلّى الله عليه وسلّم إذا صلى لا يكف شعراً ولا ثوباً، ودرس بعده الشمس الميداني من ذلك الباب إلى باب مناقب عمار بن ياسر، وتوفي. ودرس بعده النجم إلى أن أكمله في ثلاث سنوات ثم افتتحه وختمه وأعاد قراءته إلى أن وصل إلى باب البكاء على الميت، وقبل موته بيومين استبرأ الذمة من الناس وفلاحي بساتينه وأوقافه، ودار على أهله وأهل ابنته وبنتها وغيرهم وزارهم، وأتى إلى منزله بيت زوجته أم القاضي يحيى بن حميد بزقاق الوزير الآخذ إلى سوق جقمق. وصلى المغرب ثم جلس لقراءة الأوراد، وأخذ يسأل عن أذان العشاء، فلما أخبر به صلى العشاء وأخذ في ذكر لا إله إلا الله مستقبل القبلة، ثم سمع منه وهو يقول: بالذي أرسلك ارفق بي، فدخلوا عليه فوجدوه وقد قضى نحبه. وقد حضرته في دروسه العامة بعد العصر في الثلاثة أشهر تحت القبة في البخاري، المجالس التي لا تعد، وكنت أسأله ومن في المجلس إذ ذاك من العلماء الكبار عن كل ما يشكل علّي، وحضرته في شرح جمع الجوامع في الأصول في مدرسة الشامية البرانية. وتوجهت مع بعض إخواني من الطلبة إلى منزله بزقاق الوزير، وقرأت عليه الألفية للعراقي في المصطلح. وأجازني خصوصا بعد الإجازة العامة. محمد بن سليمان بن الفاسي

سلطان بن أحمد المصري المزاحي الأزهري

ومنهم محمد بن سليمان بن الفاسي. وهو اسم له لا نسبة إلى فاس بن طاهر السوسي الروداني المغربي المالكي، نزيل الحرمين، الإمام الجليل المحدث المفنن. ولد سنة خمس وثلاثين وألف بتارودنت بتاء مثناة من فوق بعدها ألف ثم راء مضمومة فواو ثم دال مفتوحة فنون ومثناة من فوق ساكنتان: قرية بسوس الأقصى. وقرأ بالمغرب على كبار المشايخ، من أجلهم قاضي القضاة مفتي مراكش ومحققها أبو مهدي عيسى الكناني والعلامة محمد بن سعيد الميرغني المراكشي ومحمد بن أبي بكر الدلاعي وشيخ الإسلام سعيد بن إبراهيم المعروف بقدورة مفتي الجزائر وهو أجل مشايخه، ومنه تلقن الذكر ولبس الخرقة، وأخذ عن الأجهوري وعن الشهابين الخفاجي والقليوبي وأحمد الشوبري والشيخ سلطان وغيرهم وأجازوه، ثم رحل إلى الحرمين وجاور بهما سنين عديدة مع الانكباب على التصنيف وأخذ برملة فلسطين عن شيخ الحنفية خير الدين الرملي. وبدمشق عن نقيبها الشيخ محمد الحسيني بن حمزة ومحمد بن بلبان الحنبلي. ولما كان بالروم حظي عند الوزير مصطفى بيك ومن دونه ومكث نحو سنة ورجع إلى مكة المشرفة مجللاً، وكانت له الكلمة النافذة في مكة، ثم أخرج إلى بيت المقدس فتوجه صحبة الحاج الشامي بعد طلب المهلة إلى موسم الحجاج تعللاً بخوف الطريق وأبقى أهله بمكة وأقام بدمشق في دار النقيب محمد أفندي الحسيني في حياته، وكان مهتما بجمع الكتب الخمسة والموطأ، وله مؤلفات عديدة في علوم العربية وعلم الهيئة والأفلاك والتوقيت والعروض والكرة والأسطرلاب، ووقع له غريبة بالمغرب وهو أنه مر على بلد العارض محمد بم محمد الدادرغتي الناوملي وهو قاصد بلدا آخر فسأل عن البلد فقيل له إن فيها شيخا مربيا..قال فدخلت بلده فلقيني رجل خارج إلي وقال: أمرني الشيخ أن أخرج إليك وآتيه بك، فلما دخلت إليه رفع إلي بصره فوقعت مغشياً علي بين يديه، وبعد حين أفقت فوجدته يضرب بيده بين كتفي وهو يقول: (وهو على جمعهم إذا يشاء قدير أفمن وعدناه وعداً حسناً فهو لاقيه) (الشورى 29) فأمرني بملازمته وشكوت إليه عدم الفتوح في شيء، وكنت إذا ذاك كذلك فقال لي: اجلس عندنا ودرس كل علم شئت في كل كتاب شئت، ونطلب من الله أن يفتح لك، فجلست فدرست طائفة من الكتب التي قرأتها، وكنت إذا توقفت أحس بمعاني تلقى في قلبي، فكأنها أجرام وكنت نازلاً قريباً منه وكنت أعرف أنه يختم القرآن بين المغرب والعشاء يصلي به النوافل ورأيته يوماً تصفح جميع المصحف الشريف، وجميع تنبيه الأنام وجميع دلائل الخيرات في مجلس، فعجبت من ذلك وسألت بعض الحاضرين فقال لي: من ورد الشيخ أن يختم ثلاثتها بعد صلاة الضحى، ومن غريب ما وقع أيضا: أنه لقي يوما عيسى المراكشي والناس مزدحمون عليه، فانحنى إلي دون الناس فقال: أجزتك بجميع مروياتي فكأنما طبعها في قلبي إلى الآن، وكان ذلك قبل اشتغالي بطلب العلم، ثم غبت عنه ثمانية أعوام ورجعت إليه لتجديد الأخذ عنه سنة ستين وألف قبل وفاته بسنة. وكان المترجم يعرف الفنون كلها حتى مما لا يتداوله الناس الآن حتى الحكمة والمنطق والهيئة وأنواع الحساب والجبر والمقابلة والارتماطيقي وطريق الخطأين والموسيقى والمساحة معرفة تامة، وله في التفسير وأسماء الرجال والتواريخ وأيام العرب ووقائعهم والأشعار والمحاضرات والعلوم الغربية كالرمل والأوفاق والحروف والسيمياء والكيمياء اليد الطولي، وقد أخذ عنه بمكة والمدينة والشام والروم خلق كثيرون وتوفي بدمشق يوم الأحد عاشر ذي القعدة سنة أربع وتسعين وألف ودفن بسفح قاسيون بالتربة المعروفة بالإيجية بوصية منه. هذا وقد اجتمعت به بخلوته في الحرم الشريف المكي المطلة على الكعبة المعظمة سنة تسع وسبعين وألف. وأجازني بمروياته كلها، ومنها الكتب الستة جمعني به شيخنا الشيخ حسن العجيمي بأمر من شيخنا الملا إبراهيم الكوراني، ثم اجتمعت به لما جاء لدمشق ونزول بدار السيد محمد بن حمزة النقيب، وحضرت إملاءه صحيح مسلم. ثم اجتمعت به ثانياً بدار النقيب السيد عبد الكريم الحسيني ولد السيد محمد المذكور رحمه الله رحمة واسعة. سلطان بن أحمد المصري المزاحي الأزهري

عبد السلام اللاقاني الأزهر

ومنهم الشيخ سلطان بن أحمد بن سلامة بن إسماعيل، أبو العزائم المزاحي الأزهري، المصري، الشافعي، بحر العلوم، خاتمة الحفاظ والقراء، العابد الزاهد الناسك الصوّام القوام، قرأ بالروايات على الشيخ المقرئ سيف الدين بن عطاء الله الفضالي، بفتح الفاء البصير، وأخذ عن النور الزيادي وسالم الشبشيري وأحمد بن خليل السبكي، وحجازي الواعظ ومحمد القصري تلميذ محمد الشربيني، واشتغل بالعلوم العقلية على شيوخ كثيرين ينوفون عن ثلاثين وأجيز بالإفتاء والتدريس سنة ثمان وألف، وتصدر بالأزهر للتدريس، يجلس كل يوم للفقه إلى قريب الظهر، موزعا أوقاته من نهاره على انتفاع الناس منه وعلى عباداته النهارية والليلية، وأخذ عنه الشمس البابلي والعلا والشبراملسي وعبد القادر الصفوري ومحمد الخباز البطنيني الدمشقيان ومنصور الطوخي، ومحمد البقري، ومحمد بن خليفة الشوبري، وإبراهيم المرحومي، والسيد أحمد الحموي، وعثمان النحراوي، وشاهين الارمناوي، ومحمد البهوتي الحنبلي، وعبد القادر الزرقاني المالكي، وأحمد البشبيشي وغيرهم ممن لا يحصى كثرة، وجميع الفقهاء بمصر في عصرنا لم يأخذوا الفقه إلا عنه، وكان يقول: من أراد أن يصير عالما فليحضر درسي، لأنه كان في كل سنة يختم عدة كتب في علوم عديدة، يقرؤها قراءة مفيدة وكان يأتي من داره من باب زويلة إلى الأزهر ثلث الليل الآخر فيستمر يصلي إلى طلوع الفجر، ثم يصلي الصبح إماما بالناس، ويجلس بعد الصبح لسماع القرآن بالأوجه من طرق الشاطبية والدرة والطبية والقباقبية، ثم يذهب بعد دخول وقت الضحى إلى فسقية الأزهر فيتوضأ ويصلي الضحى ويجلس للفقه لقريب الظهر. وهذا دأبه كل يوم، وكان يفطر كل يوم قبل جلوسه للفقه على الفطيرة بالسمن والسكر النبات، وكان بمفرده في الأزهر في عصره يختم المنهاج بشرحه للقاضي زكريا في ثمانية أشهر من أول ذي القعدة لختام جمادى الآخرة، ولم يره أحد يصلي قاعداً مع كبر سنه وضعفه، له حاشية على القاضي زكريا شرح المنهاج، ومؤلف في القراءات الزائدة الأربع على العشرة من طريق القباقبية. وذكره العلامة أحمد العجمي في مشايخه الذين أخذ عنهم. وكان مولده سنة خمس وثمانين وتسع مئة وألف. وتقدم للصلاة عليه البابلي. ودفن بتربة المجاورين. والمزاحي: بفتح الميم وتشديد الزاي وبعدها ألف مهملة نسبة إلى منية مزاح قرية بمصر. ومن كراماته أنه دخل عليه لص وهو يصلي ليلاً في الأزهر فأخذ عمامته عن رأسه فاستمر يصلي، وأراد اللص الخروج فوجد باب الأزهر قد انغلق فانحبس اللص، فأعادها إلى رأس الشيخ فوجد الباب قد انفتح فأخذها ثانياً وأراد الخروج فوجد الباب قد انفتح وهكذا مراراً، فوضعها اللص على رأس الشيخ بعد اليأس. هذا وقد قرأت عليه القرآن إفراداً وجمعاً للعشرة من طريق الطيبة جانبا من سورة البقرة. وحضرت سماعه لجماعة من المصريين والمغاربة ومن غالب الآفاق وقرايا مصر السبعة، وللثلاثة من طريق الدرة والشاطبية، وللعشرة من طريق طيبة النشر وللأربعة عشر إفرادا وجمعا من طريق القباقبية وغيرها. وأجازني من هذه الطرق كلها الله الحمد والمنة. وكان في مقام الاجتهاد في فن القراءات. وأيضا حضرت دروسه العامة في شرح المنهاج، وأيضا شرح جمع الجوامع. وأجازني بالإجازة الخاصة والعامة في سائر مروياته في أثناء سنة إحدى وسبعين وألف مدة مجاورتي بالأزهر. عبد السلام اللاقاني الأزهر ومنهم الشيخ عبد السلام اللاقاني بن إبراهيم بن إبراهيم المصري المالكي الحافظ المتقن الفهامة شيخ المالكية في وقته بالقاهرة. كان في أول أمره على ما حكى من أهل الأهواء المارقين. ولم يتفق أنه رئي بمصر في مكان إلا في درس والده البرهان، وكان إذا انتهى الدرس يتفقد ولا يوجد ويمضي لما كان عليه حتى مات أبوه فتصدر في مكانه بجامع الأزهر للتدريس، وترك ما كان عليه وظهر منه من العلوم الشرعية والانتهاء وغيرها ما لا يخمن عليه. ولزمه غالب الجماعة الذين كانوا يحضرون دروس والده وانتفع به خلق كثير. وله تآليف منها شرح المنظومة الجزائرية في العقائد، وثلاثة شروح على عقيدة والده الجوهرة، وكان ذا شهامة وهيبة وشدة ووقار حتى لا يقدر أحد من الحاضرين أن يسأله أو يرد عليه هيبة، وكان مشايخ وقته يحترمون ساحته وينقادون لرأيه.

علي بن إبراهيم القبردي الصالحي

ولد سنة إحدى وسبعين وتسع مئة، وتوفي نهار الجمعة خامس عشري شوال سنة ثمان وسبعين وألف، وحكى شيخنا يحيى الشاوي المغربي روح الله روحه أنه رآه بعد موته في المنام قائلا: مجزوء الرجز حدثني ذا المصطفى ... في لفظه ألف حديث وقصده بحفضها ... سَيري إليه بالحثيث هذا وقد حضرته بين المغرب والعشاء في قراءة المولد في أوائل شهر ربيع الأول سنة إحدى وسبعين وألف في الأزهر فرأيت من حافظته وتدقيقه واستطراده واطلاعه ما يبهر العقول ودخلت في عموم إجازته ولله الحمد. علي بن إبراهيم القبردي الصالحي ومنهم شيخنا الشيخ علي بن إبراهيم بن علي المنعوت بعلاء الدين أبو الحسن المعروف بالقبردي الدمشقي الصالحي الشافعي، صاحب التدقيق والتحقيق والتفهيم، وحسن التقرير والإحاطة بالعلوم الشرعية وآلاتها وباقي العلوم من العربية والعلوم العقلية فما انطوى عليه من ذلك مما يبهر العقول. أخذ العقليات عن الملا أبي بكر والملا نظام الدين السنديين، وأخذ الشرعيات عن إبراهيم بن الأحدب وأعاد درس الحديث تحت قبة النسر وشيخه الشمس الميداني وكان الميداني قد تلقى منه فنونا عديدة ويعرف حقه وإذا سأله سؤالا تلقاه بالقبول وأقام بالصالحية من حجرة من حجرات العمرية لا يتردد إلى إحد وهو راض بخشونة العيش ورقة الحال، ولزمه جماعة منهم السيد محمد بن السيد كمال الدين بن حمزة نقيب الشام، وغيره من الطلبة من أهالي الصالحية ودمشق، وغيرهم من الغرباء والآفاقيين يسارعون إليه من مدينة الشام في زمن الشتاء ولا يمنعهم المطر ولا الثلج، ومن فوائده المنقولة أن الشيخ يصغر على شييخ لا على شويخ لأن أصله الياء وه جموع سبعة قد نظمها بعضهم فقال: من الطويل إذا رمت جمع الشيخ وهو مجرد ... يصير مزيداً عندما ضمه الجمع شِيُوخٌ وأَشياخٌ وشِيخانُ شِيخةٌ ... مشايخُ مَشيُوخاءُ مَشيَخَةٌ سبع واعتراه مرض بركبتيه فانقطع مدة. ولد سنة أربع وثمانين وتسع مئة وعمي قبل موته بمقدار سنتين، وتوفي في ثالث عشري ذي القعدة سنة ستين وألف ودفن بسفح قاسيون هذا وقد حضر الفقير بين يديه بأمر والداي لي بذلك، والفقير ابن سبع سنوات تقريبا، وأظن ذلك سنة إحدى وخمسين وألف، وهو في منزلنا بزقاق البدرائية ليلاً في تهليلة مع جماعة من علماء الشام وغيرهم وقال لي والدي: اجلس بين يدي الشيخ واقرأ عشراً من القرآن، فجلست بين يديه متأدباً وقرأت: (الله نور السموات والأرض) (النور 35) ، فسر بي الشيخ ودعا لي وأجازني بسائر مروياته ولله الحمد. علي أبو الضياء الشبراملسي

محمد علان المكي الصديقي

ومنهم أستاذنا الشيخ علي أبو الضياء نور الدين الشبراملسي الشافعي القاهري، خاتمة المحققين، محرر العلوم النقلية والعقلية، وأعلم أهل زمانه لم يأت مثله في دقة النظر وجودة الفهم، واستخراج الأحكام من عبارات العلماء، وحسن التأني واللطف والحلم والإنصاف، ولم يعهد أنه أساء إلى أحد من الطلبة ولا بكلمة واحدة، وكان مجلسه مصانا من الغيبة وذكر الناس بسوء، وجميع أوقاته معروفة في الخير إما مطالعة، وإما تدريسا، وإما تقريرا، وإما سماعا للقرآن، لم يعهد مفارقته للخيرات المذكورة في حالة من الحالات ووقت من الأوقات ليلاً ولا نهاراً إلا حالة دخوله بيت الخلاء وحالة النوم واختلائه مع حريمه فقط، متخليا عن الناس مطلقا قي سائر الأحوال، لا يهمه إلا شأنه الذي هو فيه، وكان يزدحم على تقبيل يده المسلمون وأهل الذمة، وكان أهل عصره يراجعونه في المشكلات، وكان لا يكلمه أحد إلا علاه في كل فن. ومن مقولاته: (قيراط من أدب خير من أربعة وعشرين قيراطاً من العلم) ولد ببلدة شبراملس وحفظ بها القرآن، وكان أصابه الجدري وهو ابن ثلاث سنين فكف بصره، وكان يقول لا أعرف من الألوان إلا الحمرة لأنه كان يومئذ لابسه، ثم قدم مصر صحبة والده سنة ثمان وألف حفظ الشاطبية، والخلاصة، والبهجة الوردية، والمنهاج، ونظم التحرير للعمريطي، والغاية، والجزرية، والرحبية وغير ذلك. وتلا جميع القرآن للسبعة من طريقي التيسير والشاطبية وختمه سنة ست عشرة وألف، ثم للعشرة طريقي الشاطبية والدرة سنة خمس وعشرين، وألف وكذا للعشرة من طريق الطيبة على الشيخ عبد الرحمن اليمني، وحضر عبد الرؤوف المناوي في مختصر المزني في المدرسة الصلاحية جوار الإمام الشافعي، وأخذ الفقه والحديث عن النور الزيادي وسالم الشبشيري، ولازم النور الحلبي والشمس الشوبري، وعبد الرحمن الخياري، ومحيي الدين ابن شيخ الإسلام، وفخر الدين وسراج الشنوانيين وسليمان البابلي، الشهاب الغنيمي، وسمع الصحيحين والشفا على أحمد السبكي شارح الشفا، والبخاري والشمائل والمواهب وشرح عقائد النسفي وشرح جمع الجوامع ومغني اللبيب وشرح ابن ناظم الخلاصة والجوهرة على اللقاني، وحضر الأجهوري وعبد الله الدنوشري ولازمه. وأخذ عنه الأكابر من أهل عصره وغيرهم كالشيخ شرف الدين ابن شيخ الإسلام، والشيخ زين العابدين ومحمد البهوتي الحنبلي، وياسين الحمصي ومنصور الطوخي وعبد الرحمن المحلي والشهاب البشبيشي، والسيد أحمد الحموي وعبد الباقي الزرقاني وغيرهم. وله الحاشية على المواهب، وعلى شرح الشمائل للعلامة ابن حجر وحاشية على الورقات الصغير لابن قاسم، وحاشية على شرح أبي شجاع لابن قاسم، وحاشية على شرح الجزرية للقاضي زكريا، وحاشية على شرح المنهاج النهاية للشمس الرملي، وسبب كتابته عليه أنه كان يطالع التحفة لابن حجر فأتاه الشمس الرملي في المنام وقال له: يا شيخ علي أَحيِ كتابي النهاية يُحيِ الله قلبك، فاشتغل بمطالعتها في ذلك الحين وكتب عليه الحاشية ست مجلدات ضخام وكان لا يضجر من البحث في الدرس وإن لم يبحث معه الطلبة، ويقول لهم ما لنا اليوم، وكان إذا بحث مع أحد من المتقدمين بحث بالأدب للغاية، وكان إذا أتى للدرس في آخر عمره يجلس وهو في غاية التعب من الكبر بحيث لا يستطيع النطق إلا بصوت خفي ثم يقوى في الدرس شيئا فشيئا حتى يصير كالشاب. ولد سنة سبع وتسعين وتسع مئة. وتوفي ليلة الخميس ثامن عشر شوال سنة سبع وثمانين وألف. وتولى غسله تلميذه الولي الفاضل أحمد البنا الدمياطي، فإنه أتاه في المنام قبل موته بأيام وأمره أن يتولى غسله فتوجه من دمياط إلى مصر فأصبح بها يوم وفاته وباشر غسله وتكفينه بيده، ولما وضأه ظهر منه نور ملأ البيت بحيث إنه لم يستطع أحد النظر إليه. وصلى عليه بجامع يوم الخميس إماما بالناس الشيخ شرف الدين ابن شيخ الإسلام زكريا وكان له مشهد عظيم. والشبراملسي بشين معجمة فموحدة فراء مقصورة على وزن سكرى كما في القاموس، مضافة إلى ملس بفتح الميم وكسر اللام المشددة وبالسين المهملة. أو مركبة تركيب مزج، وهي قرية بمصر. محمد علان المكي الصديقي

محمد بن محمد بن إبراهيم بن علان بن عبد الملك بن علي مجدد المئة الثامنة - كما هو مشهور على الألسنة والأفواه الشيخ المحقق الطيبي والخطيب التبريزي صاحب المشكاة، وعلي بن مبارك شاه - البكري الصديقي العلوي سبط آل الحسن، الشافعي، واحد الدهر في الفضائل، المفسر المحدث، مقرئ كتاب صحيح البخاري من أوله إلى آخره في جوف الكعبة، عالم الربع المعمور. كان إذا سئل عن مسألة ألف بسرعة رسالة في الجواب عنها. ولد بمكة ونشأ بها. قارئا بالقراءات والأوجه، حافظا لسائر الرسائل المنظومات. أخذ النحو عن الشيخ عبد الرحيم بن حسان وعن الشيخ عبد الملك العصامي وعلوم العربية والمعقولات. وأخذ القراءات والحديث والفقه والتصوف عن عمه الإمام العارف بالله أحمد، وعن المحدث الكبير محمد بن محمد بن جار الله بن فهد الهاشمي، والسيد محمد بن عبد الرحيم البصري والصدر السعيد كمال الإسلام عبد الله الخجندي. وروى البخاري إجازة عن الولي جلال الدين عبد الرحمن بن محمد الشربيني العثماني الشافعي، وعن العلامة الحسن البوريني الدمشقي، وعن الشيخ عبد الرحمن النحراوي المصري، وعن محمد حجازي الواعظ. جلس للتدريس وعمره ثماني عشرة سنة، وأفتى وسنه أربع وعشرون سنة. وكان شبيها بالجلال السيوطي في معرفة الحديث وضبطه ومصطلحه وعلله وأسانيده. قال عبد الرحمن الخياري: كان سيوطي زمانه. وحكى تلميذه الفاضل محمد النبلاوي الدمياطي نقلاً عنه أنه رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو يعطي الناس عطايا، فقيل: يا رسول الله، وابن علان، فأخذ يحثو له بيده الشريفة حثيات. وقال المترجم أيضا: أخبرني بعض الصالحين عن بعضهم في عام سبع وثلاثين وألف أنه رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم ليلة السادس والعشرين من رجب على ناقته عند الحجون سائرا إلى مكة فقبل يده الكريمة وقال: يا سيدي، يا رسول الله، الناس قصدوا حضرتك الشريفة للزيارة فلماذا وصلت؟ قال: لختم البخاري، أو لختم ابن علان شك الرائي، ثم يوم الختم الثامن العشرين من رجب ذلك العام حضر الصالحون فحصلت له واقعة رأى خيمة خضراء بأعلى ما بين السماء والأرض فسأل فقيل له: هذا النبي صلّى الله عليه وسلّم حضر لختم البخاري. وقرأ البخاري في جوف الكعبة أيام بنائها سنة تسع وثلاثين وألف لما انهدمت من جهة الحطيم وكان سبب هدمها مجيء السيل، فقارب ختمه وكان البناؤون فيه جعلوا لهم سترا حال التعمير فخطر له أن يدخله ويختم فيه ويشرب فيه القهوة ففعل، فوشى به بعض أعدائه للشريف وقالوا له: إنه قد جعل بيت الله حانة للقهوة فأحضره وحبسه وأراد أن يوقع به فعلا فأخذ يتلو القرآن ويتوسل إلى الله ببيته أن يكشف عنه هذا الكرب، فاتفق أن الشريف كان قام لصلاة المغرب وهو بقصره فاهتز القصر فظن السامعون أنها زلزلة وقعت، فنادى الشريف وزيره وسأله عن الأمر فأجابه بأنها كرامة للشيخ ابن علان، فقال: السبي إلى أخذ خاطره إطلاقه هذه الساعة فناداه إليه، واستعفى عما فعل به وأنعم عليه، فاعتذر ابن علان بأن ما وقع منه كان هفوة، ولما كان الصباح وجده أعداؤه طائفا بالبيت وكانوا يظنون غير ذلك. وصنف في جواز التدريس داخل البيت مصنفا حافلا.

محمد نجم الدين بن يحيى الفرضي

وله من التآليف التفسير وسماه: (ضياء السبيل إلى معالم التنزيل) . وله كتاب: (رفع الالتباس ببيان اشتراك معاني الفاتحة وسورة الناس) وله: (رسالة في ختم البخاري) و (رسالة في فضائل عاشوراء) و (نظم أنموذج اللبيب للسيوطي) و (شرحه) شرحا عظيما (ونظم أم البراهين) و (نظم عقيدة النسفي) و (نظم مختصر المنار) و (نظم إيساغوجي) و (العقد والمدخل في علم البلاغة للعضد) وله (فتح الوهاب بنظم رسالة الآداب للعضد) وله (شرح على تصنيف الشيخ محمد البركلي المسمى بالكفاية سماه حسن العناية بالكفاية) و (شرح الأذكار للنووي) و (شرح رياض الصالحين له) وله (درر القلائد فيما يتعلق بزمزم وسقاية العباس من الفوائد) و (شرح منسك النووي الكبير سماه فتح الفتاح في شرح الإيضاح) و (شرح منظومة السيوطي في موافقات عمر رضي الله عنه للقرآن) وله مؤلف في رجال الأربعين النووية، ومؤلفات في التنباك أحدهما يسمى (تحفة ذوي الإدراك في المنع من التنباك) والآخر (إعلام الإخوان بتحريم الدخان) . و (الابتهاج في ختم المنهاج) و (نظم القطر والآجرومية) و (حاشية على شرحها للشيخ خالد) و (رشف الرحيق من شراب الصديق) و (مؤلف في أجداده إلى الصديق) و (مؤلف فيمن اسمه زيد) و (حسن النبا في فضل قبا) اختصره من (جواهر الأنبا للشيخ إبراهيم الوصابي) و (زهر الربا في مسجد قبا) و (النفحات الأحدية تصدير وتعجيز الكواكب الدرية. أمن تذكر جيران بذي سلم) و (العلم المفرد في فضل الحجر الأسود) وله (إتحاف الإسلام ببيان أن المصطفى عليه الصلاة والسلام لا يخلو عنه زمان ولا مكان) وشمس الآفاق فيما للمصطفى صلّى الله عليه وسلّم من كرم الأخلاق) و (خاتم الفتوة في خاتم النبوة) و (لطيف اللطائف بتاريخ وج والطائف) ومؤلف فيمن أردفهم النبي صلّى الله عليه وسلّم على سماه: (بغية الظرفا في معرفة الردفا) وبلغوا فوق الأربعين. وله (المنح الأحدية بتقريب معاني الهمزية) و (شرح قلادة العقيان بشعب الإيمان) للشيخ إبراهيم بن حسن مفتي ديار الشرف و (الأقوال المعرفة بفضائل يوم عرفة) وكتاب (الفتح المستجاد لبغداد) و (منهج من ألف فيما يرسم بالياء وما يرسم بالألف) و (مورد الصفافي مولد المصطفى) و (النفحات العنبرية في مدح خير البرية) و (عيون الإفادة في أحرف الزيادة) و (شرح منظومة ابن الشحنة في المعاني والبيان) و (شرح الزبد) وله (المنهل العذب المفرد في الفتح العثماني لمصر) و (من ولوا نيابة تلك البلد) وله ثلاثة تواريخ في بناء الكعبة أحدهما ألفه برسم خزانة السلطان مراد وسماه باسم فيه تاريخ عام عمارته هو (إنباء المؤيد الجليل مراد ببناء بيت الوهاب الجواد وأرسله إلى السلطان صحبة المشير بتأليفه السيد محمد الأنقروي، وسأله أن يعين له من الصدقات والجرايات ما يقوم له بالكفاية، وأن يجدد له درسا لتفسير الكتاب الكريم ولحديث المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، فما أحدث. وله رسالة في تعريف واجب الاستثناء وجائزه سماها (فتح المالك في تجويز طريق ابن مالك) . وغير ذلك من الرسائل. ولد في عشرين صفر سنة ست وتسعين وتسع مئة. وتوفي نهار الثلاثاء لتسع بقين من ذي الحجة سنة سبع وخمسين وألف. ودفن بالمعلاة بالقرب من قبر شيخ الإسلام ابن حجر المكي. هذا وقد حضرت درسه في التفسير عند الكعبة تجاه الحجر. ودخلت حجرته وأجازني إجازة خاصة بعد أن أجازني عامة بسائر مروياته ليلة دخولنا إلى مكة وأنا داخل أنا ووالدي من باب السلام، فوجدناه متوجها من الطواف في طريق مدخلنا إلى الطواف بالتماس والدي لي منه ذلك، وأنا ابن إحدى عشرة سنة. وذلك سنة خمس وخمسين وألف على مهاجرها أفضل صلاة وأكمل تحية. محمد نجم الدين بن يحيى الفرضي

الملا محمود الكردي

ومنهم شيخنا الشيخ محمد نجم الدين الفرضي. كان ماهرا في تفهيم الطلبة وجبر خواطرهم، حاد المزاج سريع الإتقان قريب الرجوع مباركا. ما قرأ عليه أحد إلا انتفع. محدث فقيه حسابي فرضي. لزم الشرف الدمشقي والشيخ عبد الرحمن العمادي والنجم الغزي، يدرس في جامع بني أمية في الفنون العديدة الدروس الخاصة والعامة، أجرى الله على يديه الخيرات التي لا تنقطع، فأجرى من ماله نحوا من مئة وأربعين قناة كانت دائرة، وكان يحضر دروسه جمع نحو أربعين ويجاوزونهم، أخذ عنه غالب طلبة العلم الشاميين وغيرهم، ورئيت له المنامات العظيمة والمبشرات العزيزة منها: أن رجلاً من الصالحين رأى بعض أصحابه من الموتى لابساً حلة عظيمة لم ير مثلها في الدنيا، فسأله عن حاله قال: كنا بأسوء حال فلما دفن الشيخ نجم الدين الفرضي في جبانتنا ألبس الله جميع أهل جبانته حللاً مثل هذه الحلة وغفر لهم ببركته. هذا وقد حضرت تقريره في دروس العربية، وفي أسماء الرجال، ودخلت في عموم إجازته ولله الحمد. ولد ثالث عشر جمادى الآخرة سنة ثمان عشرة وألف، وتوفي ليلة الجمعة حادي عشر صفر الخير سنة تسعين وألف. ودفن بمقبرة باب الصغير ومن غريب الاتفاق أن بعض الأدباء أرخ وفاته بلفظ: فرضي. وكان للمترجم أخ يدعى بالكمال الفرضي، وكان فرضياً إماماً في الحديث والفقه والحساب والأدب أيضا، توفي سادس عشر ذي القعدة الحرام سنة ثمان وثمانين وألف رحمهما الله تعالى. الملا محمود الكردي ومن مشايخي الملا محمود الكردي نزيل دمشق، أعلم العلماء المحققين في علوم العربية وصاحب حل المشكلات على التفاسير، يملي عليه الطلبة لضعف بصره عبارات الكتب والحواشي فيمليها وقت التدريس بأحسن إيرادا في مواقعها. وقد أقام بدمشق نحو ستين سنة منهمكاً عاكفاً على التدريس والتعليم والتفهيم والتحقيق، كان مباركا في غاية الصلاح والزهد والتَّغَفُّل في أمور الدنيا حتى إذا خرج من المسجد يصير يسأل عن البيت من يلقاه، فكان إذا سئل عن عمره يقول خمس وثلاثون ومئة ظناً. وخمس وعشرون ومئة قطعاً. ولما ورد دمشق كان في أساتذة الأكراد كالخلخالي وأضرابه، أخذ عنه العلامة شيخنا إبراهيم بن منصور الفتال وباقي معاصريه. وكانت وفاته في سنة أربع وسبعين وألف. ودفن بباب الفراديس. هذا وقد قرأت عليه في مختصر المعاني. وحضرت غالب الدروس التي كانت تقرأ عليه من علوم العربية كالمختصر والمطول وكتب المنطق كإيساغوجي وغالب شروحه. ودروسه في البيضاوي مع حله للحواشي التي عليه ولله الحمد. رمضان بن عبد الحق العكاري ومنهم الشيخ رمضان العكاري بن عبد الحق الدمشقي الفقيه الحنفي. كان جيد التعليم أصولياً فروعياً محدثاً، أخذ عن المحدث محمد بن داود المقدسي نزيل دمشق، وعن محمد بن علي المقدسي ثم الدمشقي العلمي. والمعقولات والعربية عن الملا أبي بكر السندي نزيل دمشق، وكان يفتي في حياة العمادي. قبل إنه أخبر في مرضه الذي مات فيه أنه لما حج اجتمع برجل في الحرم الكي فقال له: أنت إمام العصر، قال: ثم غاب عني في محله فتبين لي أنه الخضر. ورئي في المنام بعد وفاته جالساً بمحراب السنانية فنظر إلى الرائي وأنشد بلفظ عريض: من الوافر مضى عصر الصبا لا في انشراحِ ... ولا وصل يطيب مع الملاحِ ولا في خدمة المولى تعالى ... ففيها كل أنواع الفلاحِ وكنت أظن يصلحني مشيبي ... فشبت فأين آثار الصلاحِ وسئل العطيفي عن هذه الأبيات هل هي من نظمه أو من نظم غيره؟ فتوقف. ثم بعد ذلك رويت منسوبة لبعض بني السبكي. هذا وقد أجازني في صفر سنة بعد أن قبلت يده اللينة بسائر مروياته ولله الحمد. الشيخ أيوب بن أحمد الخلوتي

الشيخ عيسى بن محمد المغربي الثعالبي

ومنهم شيخنا وأستاذنا في الطريق الخلوتية والشريعة الشيخ أيوب بن أحمد، الأستاذ الكبير، الحنفي الخلوتي. أصله من البقاع العزيز، يتصل نسبة بسيدي عدي بن مسافر. ولد بصالحية دمشق ونشأ بها واشتغل بسائر العلوم على القاضي محب الدين، والملا نظام والملا أبي بكر السنديين، وعبد الحق الحجازي والحديث عن المعمر إبراهيم بن الأحدب، وطريق الخلوتية عن العارف أحمد العسالي، وكان شيخ وقته حالاً وقالاً، له رسالة سماها ذخيرة الفتح ودونها عقيلة التغريد وخميلة التوحيد. جامعا بين الشريعة والحقيقة، كان يقول: أعرف ثمانين علماً. توجه إلى بلاد الروم سنة خمسين وألف بطلب من السلطان إبراهيم فكان يقول: أظلمت في وجهي الدنيا منذ خرجت من دمشق إلى أن عدت إليها، كان متواضعا طارحا للتكلف، حسن المعاملة مع خلق الله جميعا، وله وقائع كثيرة في الكشف، وزار الشيخ محيي الدين بن عربي في منامه بعد أن قطع أربعين حجابا فدخل عليه بعدها فقال له الشيخ: أنت على قدمي يا أيوب، ما دخل علّي غيرك. ورأى النبي صلّى الله عليه وسلّم في المنام والعشرة وهو صلّى الله عليه وسلّم قائل لابن عمه علي بن أبي طالب رضي الله عنه: قل لأيوب طوبى لعصر أنت فيه، وكان ملازما لا إله إلا الله حتى امتزجت به، فكان إذا نام سمع هديره بها، وكان يقول: لو كنت في مبدأ أمري أعلم ما في لا إله إلا الله من الأسرار ما طلبت شيئا من العلوم، وسورة الإخلاص ملازمتها أقهر للنفس الأمارة وأشد تأثيراً في فنائها فهي أولى للمتوسط في سلوك الطريق. وكان الناس ينكرون عليه مخالطة المرد فوقع أنه كان ليلة نائماً وقريب من أمرد نائم فأنكر عليه غاية الإنكار فخرج المنكر خارج الدار فصادف الشيخ قائماً يصلي فحقق شخصه، ثم دخل فرآه نائماً فتكرر ذلك منه مراراً فسلم للشيخ حاله ورجع عن الإنكار، وهذا من صفات البدلية، فإن الأولياء يكونون في مكان وشبههم في مكان آخر، وقد يكون ذلك من الكشف الصوري الذي ترتفع فيه الجدران وينتفي الاستطراف. ووقع له من هذا في الخلوة بجامع السليمية أنه كبر وعظم حتى ملأ الخلوة رآه على هذه الحالة بعض حفدته من العلماء. ولد سنة أربع وتسعين وتسع مئة. وتوفي نهار الأربعاء مستهل صفر سنة إحدى وسبعين وألف. ودفن بمقبرة باب الفراديس. هذا وقد قسم لي النصيب فأخذت عنه طريق الخلوتية بالمبايعة المعتادة، وحضرت دروسه الفرادية، ومذاكرته لبعض الطلبة في مسائل التصوف والحديث والقراءات. وأجازني بسائر ما تجوز له روايته كما يعلم ذلك من ثبت ابن الأحدب والله سبحانه أعلم. الشيخ عيسى بن محمد المغربي الثعالبي

الشيخ يحيى بن محمد الشاوي الجزائري

ومن مشايخي الشيخ عيسى المغربي بن محمد بن أحمد بن عامر جار الله، أبو مكتوم المغربي الجعفري الثعالبي الهاشمي، نزيل المدينة المنورة ثم مكة المكرمة، إمام الحرمين الشريفين، وعالم المغربين والمشرقين. ولد في مدينة زواوة بالمغرب، وحفظ بها المتون وعلوم العربية والمنطق والأصلين أخذ فقع المالكية عن الشيخ عبد الصادق، ثم رحل إلى الجزائر وأخذ بها عن الشيخ سعيد بن إبراهيم الجزائري المفتي الشهير بقدورة، وحضر درسه وروى عنه الحديث المسلسل بالأولية وتلقين الذكر ولبس الخرقة والمصافحة والمشابكة، ولازم دروس السلجماسي الأنصاري مدة تزيد على عشر سنين، وأخذ عنه البخاري والمواليد والمصطلح والشفا وشروحه والأصلين وعلوم العربية والتفسير والآداب والعروض، وأجازه مرات واستنابه في التدريس وزوجه ابنته، وتبعه في القراءة عليه شيخنا يحيى الشاوي، ودخل تونس وأخذ عن الشيخ زين العابدين وغيره، ولما دخل إلى قسطنطينية أخذ بها عن الشيخ عبد الكريم اللكوني. وحج في سنة اثنتين وستين وألف. وجاور سنة ثلاث وستين وألف ثم رحل إلى مصر. وأخذ عن الأجهوري وأحمد الخفاجي والشمس الشوبري وأخيه الشهاب والبرهان المأموني والشيخ سلطان والشبراملسي، وأجازوه بمروياتهم. ثم رحل إلى مكة، وأخذ عن أجلائها كتاج الدين المالكي وزين العابدين الطبري وغيرهم، ولازم الشمس البابلي، وكان يزور النبي صلّى الله عليه وسلّم كل سنة، ويتردد على الصفي أحمد القشاشي. ومكث بمكة سنين عزباً، وكانت أوقاته معمورة بالعبادة وانتفع به جماعات من العلماء منهم مولانا وشيخنا الملا إبراهيم الكوراني نزيل المدينة، والشيخ حسن العجيمي وأحمد النخلي وغيرهم. وله مؤلفات توفي يوم الأربعاء رابع عشري رجب سنة ثمانين وألف ودفن بالحجون عند قبر الأستاذ المشهور محمد بن عراق. وقد اجتمعت به في حجرته المشرفة على الكعبة المشرفة وأجازني بسائر ما تجوز له روايته كالكتب الستة وغيراها سنة تسع وسبعين وألف. الشيخ يحيى بن محمد الشاوي الجزائري ومنهم الشيخ يحيى ابن الفقيه الصالح محمد بن محمد بن عبد الله بن عيسى أبو زكريا الشاوي الجزائري المالكي، المحدث المفسر الأصولي المنطقي المتكلم الجامع بين العلوم النافعة، مولده مليانة، قرأ على الشيخ محمد بن محمد ابن بهلول السعدي وغيره من أهل بلده، وأخذ عنهم الحديث والفقه والأصول وغيرها، وكانت له الحافظة العجيبة، ثم رحل إلى مصر سنة أربع وسبعين وألف وأخذ عن علمائها كالشيخ سلطان والبابلي والشبراملسي، ثم تصدر للإقراء في الأزهر، وقرأ بالأزهر فقه المالكية وبقية الفنون ثم رحل إلى الروم فمر على دمشق والقى فيها العلوم من الحديث والتفسير والتصوف وعلوم العربية من الدروس العامة والخاصة، وأقرأ في الديار الرومية من الدروس العامة والخاصة وفي سائر العلوم حتى بحضور السلطان محمد والمباحثة مع علماء الروم. وسافر في آخر أمره إلى الحج في البحر فمات هو في السفينة يوم الثلاثاء عشرين شهر رمضان سنة ست وتسعين وألف. وأراد الملاحون إلقاءه في البحر لبعد البر عنهم فقامت عليهم ريح شديدة قطعت شراع السفينة فقصدوا البر وأرسوا بمكان يقال له رأس أبي محمد فدفنوه به، ثم نقله ولده الشيخ الفاضل عيسى بعد بلوغ خبره إلى مصر ودفنه بها بالقرافة الكبرى بتربة السادات المالكية ووصل إلى مصر ولم يتغير جسده، واتفق أنه لما أرسل ولده بعض العرب ليكشف عنه القبر ويأتوا به إلى مصر تاهوا في قبره فإذا هم برجل يقول لهم: ما تريدون؟ قالوا: نريد قبر الشيخ يحيى فأراهم إياه فكشفوا عنه فوجوده بحاله لم منه شيء فوضعوه في تابوت فأتوا به مصر فدفنوه بتربة المالكية التي كان جددها ورممها، ولم يلبث ولده الشيخ عيسى إلا نحو ستة أشهر فمات فدفنوه على أبيه ووجدوه على حاله لم يتغير منه شيء رحمه الله رحمة واسعة. ولما قدم الشام حضرت دروسه في علوم العربية والكلام والمنطق والتصوف لأنه قرأ تجاه نبي الله سيدي يحيى الحصور عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام كتاب الحكم لابن عطاء الله الإسكندري. وأيضا حضرت دروسه في التسهيل في العربية لابن مالك. وأجازني ومن حضر بسائر مروياته رحمه الله رحمة واسعة. الشيخ غرس الدين بن محمد الخليلي

الشيخ أحمد القشاشي

ومنهم الشيخ غرس الدين بن محمد بن أحمد بن محمد بن غرس الدين ابن محمد بن إبراهيم بن محمد بن محمد بن عبد الله بن عبد الله بن عبد الله بن عبد الوهاب بن عبد الفتاح بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن ابن عبد الرحمن بن أبي سعيد بن مالك بن سنان بن ثعلبة بن عبيد بن الأبجر خدرة بن عوف بن الحارث بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عامر بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد، الخليلي، ثم المدني الأنصاري، الشافعي المحدث، الفقية الأديب، صاحب كتاب كشف الالتباس فيما خفي على كثير من الناس في الأحاديث الموضوعة، وقد شاكله كثير من الناس في نحو ذلك كالزركشي والسيوطي والنجم الغزي الدمشقي كتابه إتقان ما يحسن في الأحاديث الجارية على الألسن. أخذ عن الشيخ محمد الدجاني والشيخ يحيى بن قاضي الصلت ثم رحل إلى مصر وأخذ عن سالم السنهوري وعن زين العابدين البكري، ومحمد حجازي الواعظ، وكانت وفاته سنة سبع وخمسين. ودفن إلى جانب الخياري وبينهما الشيخ منصور السطوحي في البقيع المنور. هذا وقد اجتمعت به سنة حجتي مع والدي قبل الحلم، واستجازه لي، ودخلت أيضا في عموم إجازته. وكان ذلك سنة خمس وخمسين وألف. وسني إذ ذاك إحدى عشرة سنة. الشيخ أحمد القشاشي ومنهم أحمد القشاشي بن محمد بن يونس المدعو عبد النبي بن أحمد بن السيد علاء الدين علي ابن السيد الحسيب النسيب محمد بن يوسف بن حسن ابن ياسين البدري نسبة إلى السيد بدر المشهور المدفون بزاويته بوادي النور ظاهر القدس الشريف، وله ذرية لا يحصون كثرة. وساق في أنس الجليل نسب السيد بدر فقال: بدر بن محمد بن يوسف بن بدر بن يعقوب بن مظفر بن سالم بن محمد ابن محمد بن محمد بن زيد بن علي بن الحسن بن العريض الأكبر ابن زيد بن زين العابدين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. إلا أن الشيخ كان يخفي نسبه اكتفاء بنسب التقوى. وكانت والدة الشيخ محمد المدني من ذرية تميم الداري ووالده أحمد المترجم من بيت الأنصاري، ولهذا كان يكتب بخطه تارة أحمد المدني الأنصاري، وتارة سبط الأنصاري. ورباه والده وأقرأه بعض المقدمات في فقه المالكية وكان من كبار العلماء والأولياء بالمدينة. رحل به والده إلى اليمن سنة إحدى عشرة وألف، فأخذ عن الأمين بن الصديق الرواحي، والشيخ أحمد السطحية الزيلعي، والسيد علي القبلي، وعلي بن مطير. وساح من اليمن حتى أتى مكة وصحب جماعة كالسيد أبي الغيث والشيخ سلطان المجذوب، ثم أتى المدينة وصحب بها الشيخ أحمد بن الفضل بن عبد النافع بن محمد بن عراق، ثم لزم أحمد بن علي الشهير بالشناوي والشهير بالجامي، وتمذهب بمذهبه وسلك طريقته، وقرأ كتباً في مذهبه وأخذ عنه الحديث وغيره. ثم أخذ عن رفيق شيخه السيد أسعد البلخي. أخذ عن نحو مئة شيخ منهم عبد الحكيم الكحراني خاتمة أصحاب الغوث مؤلف الجواهر الخمس، ومنهم الملا شيخ الكردي، وصار مفرد وقته كالشيخ أيوب الدمشقي. وأخذ عنه كبار الشيوخ كالعارف عبد الرحمن المغربي والشيخ عيسى المغربي الجعفري السابق آنفاً، والشيخ مهنا بن عوض بامزروع، وله مؤلفات كثيرة، الموجود منها نحو خمسين مؤلفاً: حاشيته على المواهب اللدنية، وحاشيته على الإنسان الكامل للجيلي، وحاشية على الكمالات الإلهية له، وشرح الحكم، وشرح عقيدة ابن عفيف وكتاب الفصوص والكنز الأسنى في الصلاة والسلام على الذات المكملة الحسنى، وعقيدة منظومة. ولد في المدينة في اثني عشرة من ربيع الأول سنة إحدى وتسعين وتسع مئة، وتوفي نهار الاثنين آخر سنة إحدى وسبعين وألف مريضا بالحصر ودفن بالبقيع شرقي السيدة حليمة السعدية. والدجاني بالدال والجيم المفتوحتين، والألف والنون نسبة إلى دجانة، قرية من قرى بيت المقدس. هذا وقد جمعني به والدي رحمه الله سنة خمس وخمسين وألف وكنت صحبته في الحج، وأنا ابن إحدى عشرة سنة، واستجازه لي فأجازني بجميع مروياته، ثم أرسل إلي إجازة مستقلة إلى الشام بمكاتبة منه إثر الطلب مني بشرح الحكم له وغيره من مروياته. ولله الحمد. تم والله أعلم. ملحق خير الدين الرملي

وأعلم أن من جملة مشايخ شيخنا المرحوم أبي المواهب صاحب هذه المشيخة: العلامة الهمام والنحرير الإمام شيخ الإسلام وبركة الأنام، علامة مصر والشام، مرجع الخاص والعام، المفسر المحدث الفقيه اللغوي الصرفي النحوي البياني، العروضي المعمر الشيخ خير الدين بن الشيخ أحمد بن الشيخ نور الدين علي بن زين الدين بن بن عبد الوهاب الأيوبي العليمي الفاروقي الرملي. مولده رحمه الله تعالى بالرملة في أوائل شهر رمضان سنة 993 تسع مئة وثلاث وتسعين، قرأ بها القرآن، ثم اشتغل بقراءة التجويد على القدوة المسلك الولي الصالح الشيخ موسى بن الشيخ حسن القبي الشافعي الرملي، وقرأ عليه أشياء من متن أبي شجاع في فقه الشافعي ولازمه في صغره، وانتفع به ولاحظته بركته، وكان يحبه كثيراً حتى كان يميزه على أولاده، ثم ارتحل إلى مصر لطلب العلم صحبة أخيه الكبير الحاج عبد النبي سنة 1007 ولما دخل الجامع الأزهر حل عليه نظر ولي الله الشيخ فايد، وكان مقيما دائما بباب الجامع، وكانت كبار العلماء تعتقده حتى إن الواحد منهم كان يقف بين يديه، فإن أشار إليه بالجلوس جلس وإلا وقف حتى يقول له: انصرف. وتأتي الوزر لتقبيل يديه والتبرك به فلا يلتفت إليهم، واتفق له مرة أنه نادى المترجم: تعال يا شيخ الإسلام وكرر وذلك، قال المترجم: فما عرفت لمن النداء، وإذا به يشير إلي فجئت إليه وقبلت يده فهش لي، وكان بعدها إذا جئت إليه استقبلني وأجلسني واستنشدني من كلام القوم حتى كنت إذا أردت القيام لا يمكنني إلا بعد الجهد وحصلت لي بركته. ثم تفقه المترجم للإمام الشافعي واشتغل به أياماً فوقع بينه وبين أخيه في سبب ذلك فشاروا في ذلك بعض أكابر الجامع من العلماء فقال للشيخ المترجم: اكتب رقعة بواقعة الحال وتوجه لزيارة الإمام الشافعي رضي الله عنه وألق الرقعة على قبره واجلس هناك، فكتب رقعة وتوجه بها فألقاها وجلس فأخذته سنة من النوم، فرأى الإمام الشافعي رضي الله عنه قائلاً له: كلنا على هدى، فقيل له: هذه إجازة بأن توافق أخاك في القراءة على مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه، فوافق أخاه وجد واجتهد ودأب في تحصيل العلوم ولازم العلامة الشيخ عبد الله بن شيخ الإسلام محمد النحريري الحنفي، وقرأ عليه شرح الكنز للعيني، وغالب صدر الشريعة، والأشباه والنظائر، والاختيار شرح المختار وغير ذلك من كتب النحو والفرائض، ولازمه مدة إقامته بمصر، وكان يجله ويكرمه كثيرا، وممن أخذ عنه من أجلاء الحنفية الشيخ محمد بن محمد سراج الدين الحانوتي صاحب الفتاوى المشهورة، ومن مشايخه أيضا العلامة أحمد ابن أمين الدين بن عبد العال، وأخذ الأصول على العلامة محمد بن بنت محب، وعن العلامة الشيخ محمد بن بنت الشلبي، وعن العلم الجليل سالم السنهوري، والقرآن على مقرئ زمانه الشيخ عبد الرحمن اليمني نسبة إلى كفر اليمن من بلاد مصر من ناحية القليوبية، وأخذ النحو عن نادرة زمانه الشيخ أبي بكر الشنواني، وعن الشيخ سليمان بن عبد الدائم البابلي، ولم يزل في أخذ العلوم وملازمة الدروس والشايخ والمباحثة معهم حتى أفتى وهو بالجامع الأزهر، ثم توجه إلى بلاده بإجازات الأشياخ، وقدم بلده الرملة في ذي الحجة سنة 1013 واجتمع في رجوعه بعلماء غزة وغيرهم. ثم أخذ في الإقراء والتعليم والتدريس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واشتهر علمه وبعد صيته، وجاءت إليه الأسئلة من الآفاق كمصر والشام والروم والحجاز والعراق، بحيث استغرق في ذلك جميع أوقاته، وكان يأكل من غراس كرومه وما غرسه فيها بيده من أشجار الفواكه، غرس ألوفا من الأشجار المختلفة من الفواكه باشر غرسها بيده، وحصل أملاكا وعقارات غالبها من بنائه، ولم يتعرض من الأوقاف والجهات لشيء، وفي ذلك يقول: أرجوزة بورك لي في المّر والمسحاة ... فما هو الملجئ للجهات وهي إذا قام عليها صدقه ... وللذي فرط نار محرقة

وصار له من ذلك دنيا طائلة، ومع ذلك لا يقبض منها شيئا، ولا يصرفه من يده، بل تصرف فيها ابن أخيه الشيخ عبد الحق ابن الحاج عبد النبي، ثم من بعده ولده الشيخ محيي الدين حتى مات في حياته سنة ألف وإحدى وسبعين بعد أن صار من العلماء الكبار، ودرس وأفتى في حياة والده، وكان أعجوبة زمانه، ثم بعد موت ولده المذكور صرف في ذلك الشيخ نور الله ابن أخيه الشيخ شمس الدين، ولم يعهد له أنه حاسب أحداً منهم على ما قبض ديناًودنياً، ورمم وأصلح كثيرا من مساجدها ومدافن الأولياء بها، وحصل من الكتب أشياء كثيراً من نفائسها ومشاهيرها من كل علم، وكانت تسعى إليه الولاة والأمراء والموالي والعلماء والمشايخ، وعظمت بركته وعم نفعه، وكثر أخذ الناس عنه من الأقطار الشاسعة. وممن أخذ عنه ولده العلامة المرحوم الشيخ محيي الدين المتقدم ذكره، والشيخ محمد الخطيب ابن أخيه الحاج عبد النبي، ومنهم ولده العلامة الشيخ محمد تولى إفتاء الرملة من الدولة في أيام والده، فلم يفت في والده إلى أن مات، وعلماء غزة والرملة وبيت المقدس من أجلهم السيد عبد الرحيم بن الشيخ أبي اللطف مفتي الحنفية ببيت المقدس، وأخذ عنه غالب علماء دمشق وفضلائها، منهم من رحل إليه، ومنهم من استدعاه للإجازة منهم: العالم الهمام السيد محمد بن السيد كمال الدين بن حمزة النقيب بها وأولاده الثلاثة السيد عبد الرحمن والسيد عبد الكريم والسيد إبراهيم. وهذا الثالث رحل إليه ومكث عنده مدة وقرأ عليه ومنهم السيد الكامل والعمدة الفاضل محمد بن عجلان نقيب دمشق، ومنهم العلامة علاء الدين الحصكفي، ومنهم العلامة الشيخ أحمد الصفدي، ومنهم الشيخ سعودي بن تاج الدين القباقبي، ومنهم الشيخ محمد المكتبي، والشيخ إبراهيم السؤالاتي، والشيخ درويش الحلواني. وأخذ عنه من أهل الحرمين جماعة كالشيخ عيسى بن محمد الثعالبي المغربي نزيل مكة، والشيخ محمد بن سليمان المغربي نزيلها أيضا، والسيد محمد ابن رسول البرزنجي نزيل المدينة المنورة، والشيخ إبراهيم بن الشيخ عبد الرحمن الخياري المدني، والشيخ محمد الأنصاري المدني والشيخ حسن العجيمي المكي. ومن أهل الروم خلق: كصدر الأعاظم مصطفى باشا ابن الوزير الأعظم محمد باشا الكبرلي، وأخيه الوزير الأعظم أحمد باشا، والمولى عبد الباقي أفندي قاضي القدس. ومن المغاربة جماعات أجلاء: كالشيخ يحيى بن محمد بن عبد الله الشاوي، وعبد الله بن محمد بن أبي بكر العياشي وغيرهم. وانتفع الناس به وألحق الأصاغر بالأكابر، والأحفاد بالأجداد. وكان رحمه الله سمحا بالإجازة ما طلبها أحد منه ورده، حريصا على إفادة الناس وجبر خواطرهم، مكرما للعلماء وطلبة العلم، غيورا عليهم ناصرا لهم، دافعا عنهم ما استطاع، وكان ذا هيئة حسنة، لم ير الناظر أبهى منه وجها، يتلألأ وجهه نورا، من اجتمع إليه لا يكاد ينساه من كثرة تواضعه ولين جانبه وكثرة فوائده وفصاحة منطقه وإكرامه الوارد عليه، مجالسه محفوظة من الفحش والغيبة لا تخلو أوقاته من الكتابة إو الإفادة أو المراجعة للمسائل، متين الدين، تهابه الحكام من الولاة والقضاة. وكانت الرملة في زمنه أعدل البلاد وللشرع بها ناموس عظيم، بل وسائر البلاد والقريبة منها، وقل أن تقع واقعة مشكلة في دمشق وبيت المقدس وما والاهما من المدن والقرى غلا ويستفتى بها مع كثرة العلماء والمفتين خصوصا أهل البوادي والأجلاف، إذا وصلت إليهم فتواه لا يختلفون فيها، وكان كلمته نافذة، وشفاعته مقبولة، وكتابته ميمونة، ما كتب لأحد شيئا إلا وانتفع به لصدق نيته وحسن سريرته. وله الفتاوى المشهورة، جمع فيها ما أشكل وعز نقله واختلف فيه التصحيح. وحواشي على منح الغفار رد فيها غالب اعتراضاته على الكنز. وحواشي على شرح الكنز للعيني، وعلى الأشباه والنظائر، وله على البحر كتابات، وكذلك على الزيلعي وجامع الفصولين. ورسالة سماها مسلك الإنصاف في عدم الفرق بين مسألتي السبكي والخصاف التي في الأشباه، والفوز والغنم في مسألة الشرف من الأم، ورسالة فيمن قال: إن فعلت كذا فأنا كافر، وديوان شعر مرتب على حروف المعجم. وغير ذلك من الكتابات. وكان بحاثا ما باحثه أحد إلا وظهر عليه. والحاصل أنه خاتمة العلماء الكبار. ما ذكر من أحواله بالنسبة لى جلالة قدره وعلو شأنه قطرة من بحر أو شذرة من عقد.

الشيخ محمد البقري الأزهري

مات رحمه الله تعالى أواخر ليلة الأحد السابع والعشرين من شهر رمضان سنة ألف وإحدى وثمانين بداء البطن. وصلي عليه بالجامع الكبير المعروف بجامع السوق بالرملة، بعد صلاة الظهر، وحصل للناس عليه غاية الانزعاج والتأسف حتى أهل الذمة من اليهود والنصارى رجالا ونساء. وصلى عليه ابن أخته وتلميذه العلامة تاج الدين، ودفن بمكان بحارة الباشقردي قريبا من مدفن الشيخ أبي عبد الله محمد البطائحي من جهة القبلة بوصية منه ورثاه الناس في غالب البلاد رحمه الله تعالى. الشيخ محمد البقري الأزهري ومنهم الشيخ المعمر قطب الوجود، شيخ الإقراء في البلاد المصرية الشيخ الإمام محمد بن الشيخ قاسم بن إسماعيل البقري الأزهري. أخذ القراءات بسائر أنواعها عن الإمام العلامة الشيخ عبد الرحمن ركن الدين اليمني شيخ الإقراء في البلاد المصرية عن والده شحادة اليمني، وعن الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد الحق السنباطي. عن شحادة اليمني المزبور، وإنما أخذ عن الشيخ أحمد بن عبد الحق لأنه مات والده وهو يقرأ عليه في سورة الأنعام فأكمله على ابن عبد الحق، وشحادة أخذه عن الشيخ ناصر الدين الطبلاوي، عن شيخ الإسلام القاضي زكريا الأنصاري، عن الشيخ عثمان الزبيدي، عن الحافظ أبي الخير محمد شمس الدين بن الجزري إمام كل مقرئ. قال شيخنا المرحوم صاحب هذه المشيخة: قرأت على الشيخ محمد البقري حين توجهت إلى مصر سنة 1071 للهجرة إفراداً وجمعاً للعشرة من طريق الطيبة ختماً كاملاً، وأفرد لي للأربعة التي فوق العشرة. ويروي الشيخ محمد البقري الحديث وغيره من العلوم عن الجماعات منهم الشيخ شمس الدين الفيومي، عن الحافظ عبد الرحمن ابن أبي بكر السيوطي رحمه الله تعالى رحمة واسعة. ومنهم العلامة برهان الدين إبراهيم اللاقاني المالكي عن سالم السنهوري، عن النجم الغيطي، عن الشيخ زكريا. الشيخ الإمام محمد بن داود العناني الأزهري قال شيخنا: ومن مشايخي مفخر العلماء العاملين، وفخر الصلحاء المتجردين: الشيخ المعمر، منهل الواردين، الشيخ محمد العناني المصري، عن الشهاب الخفاجي، عن الشيخ إبراهيم العلقمي، عن أخيه الشمس العلقمي مُحَشيِّ الجامع الصغير، عن الحافظ السيوطي. قال: أذن لي أن أروي عنه أبياتاً أنشدها بمكة المشرفة: من الطويل روينا وصايا عن هداة كثيرة ... تضوع إذا استعملتها ضوع عنبر وما الوعظ من كل الخلائق شافياً ... ولكن ما ترويه من ذاك عن بري وذكر أبياتاً أخرى. ويروي الشيخ إبراهيم العلقمي أيضا عن شيخ الإسلام شهاب الدين أحمد بن حمزة الرملي، والناصر اللاقاني، والشهاب البلقيني، والشمس العلقمي. وهؤلاء الثلاثة عن شيخ الإسلام القاضي زكريا، عن الحافظ ابن حجر العسقلاني، وأخذ الشهاب الرملي عن الحافظ محمد بن عبد الرحمن السخاوي، وعن العلامة الشيخ خالد الأزهري رحمه الله عن الحافظ العسقلاني. قال في كتابه مقدمة فتح الباري: أخبرنا أحمد بن أبي بكر بن عبد الحميد الحافظ، عن أبي ربيع بن أبي طاهر قدامة عن الحسن ابن السيد العلوي، عن أبي الفضل بن طاهر الحافظ، عن أحمد بن محمد بن رميح النسفي، عن حماد بن شاكر، عن الإمام الحجة محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري الجعفي رحمه الله تعالى. قال الحافظ في المقدمة أيضا: أخبرني أبو محمد عبد الله بن محمد بن سليمان المكي، قال: أخبرنا إمام المقام أبو أحمد إبراهيم بن محمد بن أبي بكر الطبري، قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن أبي حرمي المكي، قال: أخبرنا أبو الحسين علي بن حميد بن عمار، قال: أخبرنا أبو مكتوم عيسى ابن الحافظ أبي ذر عبد بن أحمد الهروي، عن أبيه أبي ذر المذكور قال: أخبرني الشيوخ الثلاثة الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المستملي، وأبو محمد عبد الله بن أحمد السرخسي، وأبو الهيثم محمد بن مكي الكُشمِيَهني قالوا: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن يونس بن مطر بن صالح الفربري قال: أخبرني أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري بالجامع الصحيح وذلك بقراءتي عليه مرتين مرة بفربر ومرة ببخارى انتهى.

الشيخ إبراهيم الكوراني المدني

ويروي الشيخ محمد العناني أيضا عن البرهان الشيخ إبراهيم اللاقاني، عن سالم السنهوري، عن النجم الغيطي، عن الشيخ زكريا، وعن الشيخ عبد الجواد الجنبلاطي، عن الشيخ أبي بكر الشنواني، عن الشهاب بن قاسم العبادي، عن الشهاب الرملي، عن الشيخ زكريا، وعن النور علي الحلبي المذكور، عن الشيخ أبي محمد عبد الله الشنشوري، عن والده المعمر بهاء الدين، عن الجلال السيوطي، وعن الشيخ سلطان، عن أحمد بن خليل السبكي الشافعي، عن الشيخ محمد الصفوي، عن عارف وقته الشيخ ابن عراق نفعنا الله تعالى به آمين. الشيخ إبراهيم الكوراني المدني قال شيخنا: ومن مشايخي العلامة المحقق والفهامة المدقق الأستاذ الكبير، واحد الدنيا في المعارف، برهان الدين إبراهيم بن حسن الكوراني الشهرزوري ثم المدني، روح الله روحه. قال رحمه الله تعالى في آخر كتابه الأمم لإيقاظ الهمم ما نصه وخلاصته: من مشايخي على حسب التيسير لا الاستيعاب: شيخنا الإمام العارف بالله المحقق الشيخ صفي الدين أحمد بن العارف بالله محمد المدني المعروف بالقشاشي، أخذ أولاً عن والده محمد المذكور ثم بعده أخذ الحديث والأصول وكتب القوم والجواهر الخمس للشيخ محمد الغوث قدس سره، واختص به وزوجه بكريمته وألبسه الخرقة واستخلفه بحق أخذ الشيخ أبي المواهب المذكور ما تقدم عن والده الشيخ علي المذكور وغيره كالشيخ محمد بن أبي الحسن البكري والشمس الرملي والعلامة ابن القاسم العبادي والشيخ حسن الدنجيهي وغيرهم بحق أخذ والده الشيخ علي، عن الشهاب ابن حجر المكي والشيخ عبد الوهاب الشعراني كلاهما عن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري، وبحق أخذ الشيخ البكري عن والده أبي الحسن، عن الشيخ زكريا، وكذلك الشمس الرملي عن والده، وعن الزين زكريا، وبحق أخذ الشيخ الدنجيهي، عن الجلال السيوطي رحمه الله تعالى. قال الشيخ إبراهيم: ومن مشايخي الأستاذ العالم العامل ملا محمد شريف ابن القاضي محمود بن ملا كمال الدين الكوراني الصديقي قدس سره، أخذ والده القاضي محمود المذكور، وعن الفقيه علي بن محمد الحكمي بالإجازة العامة عن الشيخ شهاب الدين أحمد بن حجر المكي. ومنهم الأستاذ الفاضل ملا عبد الكريم ابن العلامة ملا أبي بكر شارح المحرر المشهور بالمصنف، ابن السيد هداية الله الحسيني الكوراني، أخذ عن والده، ثم رحل إلى الفاضل ملا أحمد الكردي المجلي، تلميذ ملا ميرزاجان الشيرازي، تلميذ جمال الدين محمود الشيرازي، تلميذ جلال الدين محمد الدواني قدس الله أسرارهم. فأخذ عن الملا أحمد العلوم كشرح العضد لمختصر ابن الحاجب. ثم عاد وأبوه موجود. ومنهم شيخ الإسلام نجم الدين ابن شيخ الإسلام بدر الدين الغزي. ومنهم العلامة الشيخ سلطان المزاحي المصري. ومنهم العلامة الشيخ عبد القادر بن مصطفى الصفوري الدمشقي، عن الشمس الميداني. ومنهم الشيخ العلامة الشيخ عيسى بن محمد الجعفري المغربي المكي. وغيرهم من أكراد وشاميين ومصريين ويمانيين وآفاقيين يطول استيعابهم. نزل في المدرسة البدرائية بخلوة موسومة بوالد شيخنا الشيخ عبد الباقي الحنبلي بدمشق، وأقام بها مدة من السنين، واشتغل عليه جماعة من الفضلاء، وتخرج لديه كثير من السادة النبلاء، قال الإمام عبد الباقي المذكور: منهم ولدنا محمد أبو المواهب، ثم حج إلى البيت الحرام وأقام بالمدينة المنورة من أول سنة اثنتين وستين بعد الألف. ولد في شوال سنة ألف وخمس وعشرين من الهجرة. هذا ويروي شيخنا صاحب هذه المشيخة عن غير من تقدم ذكرهم من مشايخ الإسلام كالشيخ عبد القادر الصفوري والشيخ عبد الباقي الزرقاني الأزهري. وعن الشيخ الإمام رمضان بن عبد الحق العكاري. وغيرهم من العلماء الأعلام أئمة الإسلام. رضي الله عنه وعنهم وعن سائر أئمة المسلمين. ترجمة صاحب المشيخة بخط تلميذه ناسخ الكتاب

سند صاحب المشيخة بمؤلفات ابن عربي

وكان مولده سنة أربع وأربعين وألف، رحل مع والده الشيخ عبد الباقي رحمه الله إلى الحج في سنة خمس وخمسين وألف. وعمره يومئذ إحدى عشرة سنة. وجمعه والده بعلماء مكة، وأخذ عنهم كما تقدم أيضا. ثم رحل رحلة ثانية إلى مصر سنة إحدى وسبعين وألف واجتمع بعلمائها، وأخذ عنهم كما تقدم أيضا. ثم في سنة اثنتين وسبعين وألف جلس لإفتاء الحنابلة لموت والده في ذلك العام. وتصدر للإقراء في الجامع الأموي بكرة النهار وبين العشائين، فقرأ الجامع الصغير في الحديث وصحيح البخاري بتمامه وغير ذلك، ولازم ذلك ملازمة كلية لم ينفصل عن ذلك شتاء ولا صيفا ولا ليلة عيد، مع ملازمة الجد والاجتهاد وغاية العبادة، وكان مجلسه مصانا من الغيبة وذكر الناس بسوء، وجميع أوقاته مصروفة في الخير إما مطالعة وإما تدريسا وإما تقريرا وإما سماعا للقرآن، وكان كثير الصدقات، ولم يعهد مفارقته للخيرات في حالة من الحالات، كثير الصمت إلا في ذكر أو قراءة، دائم الحضور والمراقبة، كثير الخوف من الله، لا يرى ضاحكا إلا نادرا، مهابا، ما رآه أحد إلا هابه، مجالسه كمجالس الملوك، وكان على قدم الصحابة والسلف والصالحين، عليه نور الولاية والصلاح، ما قرأ عليه أحد إلا فتح الله عليه، وكان يستسقى به الغيث، وللناس فيه الاعتقاد العظيم، وله وقائع وكرامات. أخبرني من أثق به أنه كان متصرفا في بلاد نجد، وكان فيه نفع عظيم. وأخذ عنه خلق كثير من أجلهم الشيخ عبد القادر التغلبي المجلد الحنبلي وشيخنا العلامة الشيخ محمد الكفيري البصير، وشيخنا الفهامة الشيخ مصطفى ابن سوار، والشيخ عثمان بن الشمعة، وشيخنا شيخ الإسلام العلامة أحمد الغزي، والشيخ عثمان النحاس، والشيخ إسماعيل العجلوني وغيرهم من العلماء الأجلاء والمنتهين من أهل الشام والحرمين: منهم أستاذنا محمد عقيلة قدس سره. ومن بيت المقدس والبلاد الرومية، ومن الحلبيين والنجديين والأغراب الآفاقيين خلق كثيرون. وانتهت إليه الصدارة بدمشق الشام ومشيخة الإقراء بحيث أنه لم يمت حتى رأى علماء الشام إما تلميذا له أو تلميذا لتلميذه. وولي خطابة الشامية الكبرى ظاهر دمشق ولم يزل في علو وترق مما ذكر إلى أن توفاه الله تعالى إلى رحمته. وذلك في شوال سنة ست وعشرين ومئة وألف. وصلي عليه في الجامع الأموي. ودفن بتربة الغرباء في مقبرة باب الفراديس بالقرب من ضريح والده الشيخ عبد الباقي، وولده الشيخ عبد الجليل رحمهم الله تعالى ونفعنا بهم في الدنيا والآخرة. سند صاحب المشيخة بمؤلفات ابن عربي هذا ويروي شيخنا صاحب هذه المشيخة رحمه الله تعالى تآليف الإمام الهمام أستاذ المحققين العارف بالله تعالى أبي عبد الله محيي الدين محمد بن علي بن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي ثم المكي ثم الدمشقي قدس سره العزيز عن سادات كرام منهم نور الدين علي الشبراملسي المصري، والشيخ عبد القادر بن الشيخ مصطفى الفرضي الصفوري، وسيد النقباء بدمشق السيد محمد بن السيد كمال الدين بن حمزة، ووالده الشيخ عبد الباقي الحنبلي المتقدم ذكرهم برواية الأول عن نور الدين علي الحلبي، عن البرهان العلقمي، عن أخيه محمد العلقمي، عن الجلال السيوطي، عن محمد بن مقبل الحلبي، عن أبي طلحة الحراوي الزاهد، عن الشرف الدمياطي، عن سعد الدين محمد بن الشيخ محيي الدين بن العربي، عن والده الشيخ محيي الدين قدس سره. ورواية الثاني عن شهاب الدين أحمد بن عبد الرحمن الوارثي الصديقي، عن خاله عالم الإسلام وقطب الأولياء الكرام محمد بن أبي الحسن الصديقي. عن والده أبي الحسن، عن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري، عن الحافظ ابن حجر العسقلاني بروايته لذلك من طريقين: أحدهما عن السيد عبد الرحمن بن عمر القبابي، عن العز محمد بن إسماعيل بن عمر بن المسلم الحموي، عن العفيف سليمان بن علي التلمساني، عن شيخه صدر الدين محمد بن إسحاق القونوي، عن الإمام محيي الدين محمد بن العربي قدس سره. والثاني عن العلامة شمس الدين محمد بن حمزة الفناري الرومي، عن والده حمزة بن محمد بن محمد الفناري، عن الصدر القونوي، عن الشيخ محيي الدين قدس سره.

ورواية الثالث والرابع عن الشيخ المعمر أحمد العرعاني البقاعي، عن الشيخ العارف عبد الوهاب الشعراني الصوفي، عن زين الدين زكريا بن محمد القاهري الصوفي، عن العارف بالله أبي الفتح محمد بن زين الدين العثماني المراغي المدني الصوفي، عن العارف بالله شرف الدين إسماعيل بن إبراهيم بن أحمد، عن الشيخ محيي الدين قدس سره العزيز. وأعاد علينا وعلى المسلمين من بركاته. آمين.

§1/1