مسند الفاروق ت إمام

ابن كثير

مسند الفاروق أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأقواله على أبواب العلم للإمام الحافظ عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الشافعي المتوفى سنة 774 هـ يطبع كاملاً لأول مرَّة على نسخة بخط المؤلِّف وعليها تعليقات بخط الحافظ ابن حجر حقَّق نصوصه وخرَّج أحاديثه وعلَّق عليه إمام بن علي بن إمام

الجزء الأول الطهارة - الفرائض

[مقدمة التحقيق]

المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد، فإن من الأمور التي استفاضت واشتهرت عند أهل الإسلام أن أفضل هذه الأمة بعد نبيِّها هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبرُّ هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلُّفًا. وقد تنوعت النصوص الشرعية في ذِكر فضائلهم ومناقبهم، قال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100]. وقال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 18]. وقال تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي

التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 29]. وفي «الصحيحين» من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيرُ أمَّتي القَرْنُ الذين يَلُوني، ثم الذين يَلُونَهم، ثم الذين يَلُونَهم» (¬1). وفي «صحيح مسلم» من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «النجومُ أَمَنةٌ للسماءِ، فإذا ذهبت النجومُ أتى السماءَ ما توعَدُ، وأنا أَمَنةٌ لأصحابي، فإذا ذهبتُ أتى أصحابي ما يوعَدون، وأصحابي أَمَنةٌ لأُمَّتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أُمَّتي ما يوعَدون» (¬2). وفي «الصحيحين» من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسبُّوا أحدًا من أصحابي، فإنَّ أحدَكم لو أنفق مثلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، ما أدرك مُدَّ أحدِهِم ولا نَصِيفَه» (¬3). ومن بين هؤلاء الصَّحْب الكرام الذي جاءت النصوص في ذِكر مناقبه وفضائله: الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فمن ذلك: ¬

(¬1) أخرجه البخاري (5/ 259 رقم 2652) و (7/ 3 رقم 3651) و (11/ 244، 543 رقم 6429، 6658 - فتح) ومسلم (4/ 1962 رقم 2533) (210) واللفظ له. (¬2) أخرجه مسلم (4/ 1961 رقم 2531). (¬3) أخرجه البخاري (7/ 21 رقم 3673 - فتح) ومسلم (4/ 1967 رقم 2540) واللفظ له.

1 - ما ثبت في «الصحيحين» من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بَيْنا أنا نائمٌ إذ رأيتُ قَدَحًا أُتِيتُ به، فيه لبنٌ، فشربتُ منه حتى إني لأرى الرِّيَّ يجري في أظفاري، ثم أَعطيتُ فَضْلِي عُمرَ بنَ الخطابِ»، قالوا: فما أَوَّلتَ ذلك، يا رسولَ اللهِ؟ قال: «العلمَ» (¬1). 2 - ومنها: ما ثبت في «الصحيحين» من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بَيْنا أنا نائمٌ رأيتُ الناسَ يُعرَضون عليَّ وعليهم قُمُصٌ، منها ما يَبلغُ الثُّدِيَّ، ومنها ما يَبلغُ دون ذلك، ومرَّ عُمرُ بنُ الخطابِ، وعليه قميصٌ يَجُرُّهُ»، قالوا: فما أَوَّلتَ ذلك، يا رسولَ اللهِ؟ قال: «الدِّينَ» (¬2). 3 - ومنها: ما ثبت في «الصحيحين» من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أُريتُ كأني أنزع بدلوِ بَكْرةٍ على قليب، فجاء أبو بكر فنزع ذنوبًا أو ذنوبين، فنزع نزعًا ضعيفًا، والله تبارك وتعالى يغفر له، ثم جاء عمر فاستقى فاستحالت غَرْبًا، فلم أر عبقريًا يفري فَرِيَّه، حتى رَوِيَ الناس وضربوا العَطَن» (¬3). ¬

(¬1) أخرجه البخاري (1/ 180 رقم 82) و (7/ 40 رقم 3681) و (12/ 393، 394، 417، 420 رقم 7006، 7007، 7027، 7032 - فتح) ومسلم (4/ 1859 رقم 2391) واللفظ له. (¬2) أخرجه البخاري (1/ 73 رقم 23 - فتح) و (7/ 43 رقم 3691) و (12/ 395 رقم 7008، 7009 - فتح) ومسلم (4/ 1859 رقم 2390) واللفظ له. (¬3) أخرجه البخاري (7/ 41 رقم 3682 - فتح) ومسلم (4/ 1862 رقم 2393) واللفظ له.

4 - ومنها: ما ثبت في «الصحيحين» من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إيهًا يا ابنَ الخطابِ، والذي نفسي بيده ما لَقِيكَ الشيطانُ سالكًا فجًّا قطُّ إلا سلك فجًّا غيرَ فجِّك» (¬1). 5 - ومنها: ما ثبت في «الصحيحين» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوله صلى الله عليه وسلم: «إنه قد كان فيما مضى قبلَكم من الأمم محدَّثون، وإنَّه إنْ كان في أمتي هذه منهم، فإنه عمرُ بنُ الخطابِ» (¬2). بل بَلَغ من عظيم مكانته -رضي الله عنه- أن الوحي نزل بتصديقه في عدَّة من الوقائع، فمن ذلك: 1 - ما ثبت في «صحيح البخاري» (402) عن أنس بن مالك رضي الله عنه: قال عمر رضي الله عنه: وافقت ربِّي في ثلاث: قلت: يا رسول الله، لو اتَّخذنا من مقام إبراهيم مصلَّى، فنزلت: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّى} (¬3)، وآية الحجاب، قلت: يا رسولَ الله، لو أمرتَ نساءَك أن يحتجبن، فإنه يكلِّمهن البرُّ والفاجرُ، فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساءُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الغَيرة عليه، فقلت لهنَّ: {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ} (¬4)، فنزلت هذه الآية. 2 - ومنها: ما ثبت في «الصحيحين» من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: لما تُوفي عبد الله بن أُبَي ابن سَلُول جاء ابنُه عبد الله بن عبد الله إلى ¬

(¬1) أخرجه البخاري (7/ 41 رقم 3683 - فتح) -واللفظ له-، ومسلم (2396). (¬2) أخرجه البخاري (6/ 512 رقم 3469 - فتح). (¬3) البقرة: 125 (¬4) التحريم: 5

رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه قميصَه أن يكفِّن فيه أباه، فأعطاه، ثم سأله أن يُصلِّي عليه، فقام رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ليصلِّي عليه، فقام عمرُ فأخذ بثوبِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ اللهِ، أتصلِّي عليه وقد نهاك اللهُ أن تصلِّي عليه؟ فقال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إنما خيَّرني اللهُ، فقال: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة} وسأزيدُ على سبعين)). قال: إنه منافقٌ! فصلَّى عليه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله عزَّ وجلَّ: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره} (¬1). وهذا الكتاب الذي بين يديك صنَّفه الإمام الحافظ إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الشافعي ليجمع لك فيه ما استطاع إليه سبيلاً من فقه هذا الصحابي الجليل، سواء في ذلك ما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو ما أفتى به رضي الله عنه. ولفِقه عمر -رضي الله عنه- مزية خاصة، فقد طالت مدة خلافته، واتَّسعت رُقعة الإسلام في عهده، وكثُرَت الوقائع والمستجدات، فاحتاج إلى القول فيها، زد على هذا أن اللهَ تبارك تعالى حَبَاه بِثُلَّة من مشيخة المهاجرين والأنصار، فإذا نزلت بالمسلمين نازلةٌ جَمَعهم واستشارهم، فكانت فتاواه لا تمثل رأيه فحسب، بل تمثل رأي الجماعة من الصدر الأول. إذا تبين لك هذا؛ عرفتَ قدر هذا العمل الذي بين يديك، فشَكَرت لمؤلفه صنيعه، ودعوت الله أن يجزيه خيرًا على ما قام به من جمعٍ لفقه هذا ¬

(¬1) أخرجه البخاري (3/ 138 رقم 1269 - فتح) ومسلم (4/ 1865 رقم 2400) واللفظ له.

الصحابي الجليل، فليس من السهل أن تتتبَّع ما في بطون الكتب لتقف هنا أو هناك على فتوى أو رأي في مسألة، إن هذا العمل الذي بين يديك هو ثمرة رحلة طويلة وشاقة، لا يصبر عليها إلا رجلٌ يريد بعمله اللهَ والدارَ الآخرةَ، فجزى اللهُ مؤلفَه خيرًا، وجعل عمله في موازين حسناته، وجمعنا به في دار كرامته. وكتب إمام بن علي بن إمام في العاشر من شهر شعبان لعام 1425 هـ (الرياض) محمول: 00966559334920 منزل: 0096614490865 (مصر) هاتف: 0020822241220 ثم أعدت النظر فيه حتى تم بحمد الله تعالى في العاشر من شهر رمضان المبارك لعام 1430 هـ بدار الفلاح بالفيوم

منهج التحقيق يتلخص عملي في هذا الكتاب على النحو التالي: 1 - الترجمة للمؤلف، مع ذِكر بعض شيوخه، وتلاميذه، وثناء العلماء عليه، وذِكر أهم مصنَّفاته. 2 - إثبات صحَّة نسبة الكتاب للمؤلف. 3 - منهج المؤلِّف في كتابه. 4 - مزايا الكتاب. 5 - موارد المؤلِّف في كتابه. 6 - وصف النسخة الخطية المعتمدة في التحقيق. 7 - منهج التحقيق. 8 - نقد الطبعة الأولى للكتاب. 9 - شكر وعرفان.

المبحث الأول: التعريف بالمؤلف

المبحث الأول: التعريف بالمؤلِّف (¬1) هو الإمام الحافظ المؤرِّخ المفسِّر عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الشافعي. مولده: ولد الحافظ ابن كثير رحمه الله في سنة 700 هـ، فيما قاله الحافظ ابن حجر، وابن العماد، والسيوطي. ¬

(¬1) مصادر ترجمته:

حياته العلمية

وذهب ابن تغري بردي، والدَّاوودي إلى أن ولادته كانت في سنة 701 هـ (¬1). حياته العلمية: حفظ القرآن الكريم، وهو ابن إحدى عشرة سنة على شيخه شمس الدين البعلبكي الحنبلي، المتوفى سنة 730 هـ. وسمع «صحيح مسلم» في تسعة مجالس بقراءة الوزير أبي القاسم الأزدي الأندلسي على الشيخ نجم الدين القسطلاني. ودَرَس الفقه على الشيخ ابن الفركاح، وابن قاضي شهبة. وحفظ «التنبيه» للشيرازي، و «مختصر ابن الحاجب». وقرأ «تهذيب الكمال في أسماء الرجال» على شيخه الحافظ أبي الحجاج المزِّي. ودَرَس أصول الفقه على أبي البقاء الأصفهاني. ودَرَس النحو على عبد الله الزبيدي النحوي. وتولَّى التدريس في دار الحديث الأشرفية، وتربة أم الصالح، الصالحية (¬2). مشايخه: من أبرز مشايخه الذين تلقَّى عنهم العلم: 1 - ابن غيلان -شيخه في القرآن-: قال عنه ابن كثير: الشيخ الصالح العابد، شرف الدين أبي الحسن بن حسين بن غيلان البعلبكي الحنبلي، إمام مسجد السلالين بدار البطيخ العتيقة، سمع الحديث وأسمعه، وكان يقرئ القرآن طرفي النهار، وعليه ختمت القرآن في سنة أحد عشر وسبعمائة، وكان من الصالحين الكبار، والعُبَّاد الأخيار، توفي يوم السبت سادس صفر، وصلِّي عليه بالجامع، ودُفن بباب الصغير، وكانت جنازته حافلة (¬3). 2 - ابن اللبَّاد -شيخه في القراءات-: ¬

(¬1) انظر: «أنباء الغمر» (1/ 45) و «طبقات الحفاظ» (ص 259) و «شذرات الذهب» (6/ 131) و «النجوم الزاهرة» (11/ 123) و «طبقات المفسرين» (1/ 111). (¬2) انظر: «البداية والنهاية» (14/ 107، 149، 150، 179). (¬3) «البداية والنهاية» (14/ 150).

قال عنه ابن كثير: قرأت عليه شيئًا من القراءات، وكان متقلِّلاً من الدنيا، لا يقتني شيئًا، وليس له بيت ولا خزانة، إنما كان يأكل في السوق وينام في الجامع، توفي في مستهل صفر وقد جاوز السبعين، ودُفن في باب الفراديس رحمه الله (¬1). 3 - ابن الشِّحنة: قال عنه ابن كثير: الشيخ الكبير المسنِد المعمَّر الرُّحْلة شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أبي طالب بن نعمة بن حسن بن علي بن بيان الديرمقرني، ثم الصالحي، الحجار، المعروف بابن الشِّحنة، سمع البخاري علي الزبيدي سنة ثلاثين وستمائة بقاسيون، وإنما ظهر سماعه سنة ست وسبعمائة، ففرح بذلك المحدثون، وأكثروا السماع عليه، فقرئ البخاري عليه نحوًا من ستين مرة وغيره، وسمعنا عليه بدار الحديث الأشرفية في أيام الشتويات نحوًا من خمسمائة جزء بالإجازات والسماع (¬2). ¬

(¬1) «البداية والنهاية» (14/ 114). (¬2) «البداية والنهاية» (14/ 150).

4 - برهان الدين الفَزَاري: قال عنه ابن كثير: هو الشيخ الإمام العالم العلامة، شيخ المذهب وعَلَمه، ومفيد أهله، شيخ الإسلام، مفتي الفرق، بقيَّة السَّلَف، برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم، ابن الشيخ العلامة تاج الدين أبي محمد عبد الرحمن، ابن الشيخ الإمام المقرئ المفتي برهان الدين أبي إسحاق إبراهيم بن سباع بن ضياء الفزاري المصري الشافعي، ولد في ربيع الأول سنة ستين وستمائة، وسمع الحديث، واشتغل على أبيه، وأعاد في حلقته، وبرع وساد أقرانه وسائر أهل زمانه من أهل مذهبه في دراية المذهب ونقله وتحريره، ثم كان في منصب أبيه في التدريس بالبادرائية، وأشغل الطلبة بالجامع الأموي فانتفع به المسلمون، وقد عُرضت عليه المناصب الكبار فأباها ... ، وكان مقبلاً على شأنه، عارفًا بزمانه، مستغرقًا أوقاته في الاشتغال والعبادة ليلاً ونهارًا، كثير المطالعة، وإسماع الحديث، وقد سمعنا عليه «صحيح مسلم» وغيره ... ، وله تعليق كثير على «التنبيه»، فيه من الفوائد ما ليس يوجد في غيره، وله تعليق على «مختصر ابن الحاجب في أصول الفقه»، وله مصنَّفات في غير ذلك كبار، وبالجملة فلم أر شافعيًا من مشايخنا مثله، كان حسن الشكل، عليه البهاء والجلالة والوقار، حسن الأخلاق، فيه حدَّة، ثم يعود قريبًا، وكَرَمه زائد، وإحسانه إلى الطلبة كثير، وكان لا يقتني شيئًا ... ، توفي بُكرة يوم الجمعة سابع جمادى الأولى بالمدرسة المذكورة، وصلِّي عليه عقب الجمعة بالجامع، وحُملت جنازته على الرءوس وأطراف الأنامل، وكانت حافلة، ودُفن عند أبيه وعمه وذويه بباب الصغير رحمه الله تعالى (¬1). ¬

(¬1) «البداية والنهاية» (14/ 146).

عقيدته

5 - الإمام المزي: جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف القضاعي الدمشقي الشافعي، المتوفى سنة 742 هـ. 6 - شيخ الإسلام ابن تيمية: قال ابن قاضي شهبة: لازم ابن تيمية، وعُرف بصحبته (¬1). وقال ابن حجر: وأَخَذ عن ابن تيمية، ففُتن بحبِّه، وامتُحن لسببه (¬2). 7 - الإمام الذهبي: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز التركماني الدمشقي، المتوفى سنة 748 هـ. عقيدته: كان -رحمه الله تعالى- سَلَفيَّ العقيدة، ولو لم يكن لدينا دليلٌ على صحة ذلك إلا تتلمذه لشيخ الإسلام ابن تيمية لكان كافيًا، ناهيك عن كُتُبه التي تشهد بصحة هذه النسبة. فمن ذلك: تقريره لعقيدة السَّلَف في باب الأسماء والصفات: * فقد ذَكَر في «تفسيره» عند قوله تعالى: {ثم استوى على العرش} (¬3) ما نصُّه: للناس في هذا المقام مقالات كثيرة جدًّا، ليس هذا موضع بسطها، وإنما نسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح، مالك، والأوزاعي، والثوري، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد، وإسحاق بن راهويه، وغيرهم من أئمة المسلمين قديمًا وحديثًا، وهو إمرارها كما جاءت، من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل، والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله، فإن الله لا يُشبهه شيء من خَلْقه، ¬

(¬1) «الدُّرر الكامنة» (1/ 400) (¬2) «تاريخ ابن قاضي شهبة» (3/ 416). (¬3) الأعراف: 54

و {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}، بل الأمر كما قال الأئمة، منهم: نعيم بن حماد الخزاعي قال: مَن شبَّه الله بخَلْقه كَفَر، ومَن جَحَد ما وصف الله به نفسه فقد كَفَر، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه. فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة على الوجه الذي يليق بجلال الله ونفي عن الله تعالى النقائص؛ فقد سلك سبيل الهدى. * وذَكَر عند قوله تعالى: {لا تدركه الأبصار} (¬1) ما نصُّه: فيه أقوال للأئمة من السَّلَف: أحدهما: لا تدركه في الدنيا، وإن كانت تراه في الآخرة، كما تواترت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير ما طريق ثابت في الصحاح. ومن ذلك: ردُّه على الفلاسفة المنكرين للمعاد: * فقد ذَكَر في «تفسيره» عند قوله تعالى: {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر} (¬2) ما نصُّه: يخبر تعالى عن قول الدُّهرية من الكفار ومن وافقهم من مشركي العرب في إنكار المعاد، {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا} أي: ما ثَمَّ إلا هذه الدار، يموت قوم ويعيش آخرون، وما ثَمَّ معاد ولا قيامة، وهذا يقوله مشركو العرب المنكرون المعاد، وتقوله الفلاسفة الإلهيون منهم، ينكرون البداءة والرجعة، وتقوله الفلاسفة الدُّهرية الدورية المنكرون للصانع، المعتقدون أن في كل ستة وثلاثين ألف سنة يعود كل شيء إلى ما كان عليه، وزعموا أن هذا قد تكرر مرات لا تتناهى، فكابروا المعقول، وكذَّبوا المنقول، ولهذا قالوا: ¬

(¬1) الأنعام: 103 (¬2) الجاثية: 24

{وما يهلكنا إلا الدهر} قال الله تعالى: {وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون} أي: يتوهمون ويتخيَّلون. ومن ذلك: ردُّه على الرافضة: * فقد ذَكَر في «تفسيره» عند قوله تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار} (¬1) ما نصُّه: أخبر الله العظيم أنه قد رضي عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، فيا ويل من أبغضهم أو سبَّهم، أو أبغض أو سبَّ بعضهم، ولاسيما سيد الصحابة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وخيرهم وأفضلهم، أعني: الصديق الأكبر، والخليفة الأعظم، أبا بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه، فإن الطائفة المخذولة من الرافضة يعادون أفضل الصحابة، ويبغضونهم، ويسبونهم، عياذًا بالله من ذلك، وهذا يدل على أن عقولهم معكوسة، وقلوبهم منكوسة، فأين هؤلاء من الإيمان بالقرآن، إذ يسبُّون مَن رضي الله عنهم، وأما أهل السُّنة فإنهم يترضون عمن رضي الله عنه، ويسبُّون مَن سبَّه الله ورسوله، ويوالون من يوالي الله، ويعادون من يعادي الله، وهم متبعون لا مبتدعون، ويقتدون ولا يبتدعون، وهؤلاء هم حزب الله المفلحون، وعباده المؤمنون. * وذَكَر عند قوله تعالى: {ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا} (¬2) حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه في «الصحيحين» (¬3) قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يزال أمر الناس ماضيًا ما وليهم اثنا عشر رجلاً»، ثم تكلَّم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة خفيت عليَّ، فسألت أُبَي: ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: «كلهم من قريش». ¬

(¬1) التوبة: 100 (¬2) المائدة: 12 (¬3) «صحيح البخاري» (7222) و «صحيح مسلم» (1821).

وهذا لفظ مسلم. ومعنى هذا الحديث: البشارة بوجود اثني عشر خليفة صالحًا، يقيم الحق، ويعدل فيهم، ولا يلزم من هذا تواليهم وتتابع أيامهم، بل قد وُجد منهم أربعة على نسق، وهم الخلفاء الأربعة، أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي رضي الله عنهم، ومنهم عمر بن عبد العزيز بلا شك عند الأئمة، وبعض بني العباس، ولا تقوم الساعة حتى تكون ولايتهم لا محالة، والظاهر أن منهم المهدي المبشَّر به في الأحاديث الواردة بذكره أنه يواطئ اسمه اسم النبي صلى الله عليه وسلم، واسم أبيه اسم أبيه، فيملأ الأرض عدلاً وقِسطًا كما مُلئت جَورًا وظلمًا، وليس هذا بالمنتظر الذي يتوهم الرافضة وجوده، ثم ظهوره من سرداب سامرا، فإن ذلك ليس له حقيقة ولا وجود بالكلية، بل هو من هوس العقول السخيفة، وتوهُّم الخيالات الضعيفة، وليس المراد بهؤلاء الخلفاء الاثني عشر؛ الأئمة الذين يعتقد فيهم الاثنا عشرية من الروافض لجهلهم وقلة عقلهم. * وذَكَر عند قوله تعالى: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم} (¬1) ما نصُّه: ومن هذه الآية انتزع الإمام مالك رحمة الله عليه في رواية عنه بتكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة رضي الله عنهم، قال: لأنهم يغيظونهم، ومن غاظ الصحابة رضي الله عنهم فهو كافر لهذه الآية. ومن ذلك: ردُّه على الخوارج: * فقد ذَكَر في «تفسيره» عند قوله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} (¬2) ما نصُّه: فسمَّاهم مؤمنين مع الاقتتال، وبهذا ¬

(¬1) الفتح: 29 (¬2) الحجرات: 9

استدل البخاري وغيره على أنه لا يخرج عن الإيمان بالمعصية وإن عظمت، لا كما يقوله الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة، ونحوهم * وذَكَر عند قوله تعالى: {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله} (¬1) ما نصُّه: فإن أول بدعة وقعت في الإسلام فتنة الخوارج، وكان مبدأهم بسبب الدنيا، حين قَسَم النبي صلى الله علي وسلم غنائم حنين، فكأنهم رأوا في عقولهم الفاسدة أنه لم يعدل في القِسمة، ففاجأوه بهذه المقالة، فقال قائلهم، وهو ذو الخويصرة -بَقَر اللهُ خاصرتَه-: اعدل، فإنك لم تعدل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد خبتُ وخسرتُ إن لم أكن أعدل، أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني»، فلما قفا الرجل استأذن عمر بن الخطاب، وفي رواية: خالد بن الوليد في قَتْله، فقال: «دعه، فإنه يخرج من ضئضئ هذا -أي: من جنسه- قوم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وقراءته مع قراءتهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرًا لمن قَتَلهم» (¬2)، ثم كان ظهورهم أيام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقَتْلهم بالنهروان، ثم تشعبت منهم شعوب وقبائل وآراء وأهواء ومقالات ونحل كثيرة منتشرة، ثم انبعث القدرية، ثم المعتزلة، ثم الجهمية، وغير ذلك من البدع التي أخبر عنها الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم. ومن ذلك: ردُّه على عبَّاد القبور من الصوفية: * فقد ذَكَر في «البداية والنهاية (10/ 262 - 263) في ترجمة نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، ما نصُّه: قد بالغ ¬

(¬1) آل عمران: (¬2) أخرجه البخاري (3610) ومسلم (1064).

العامة في اعتقادهم فيها وفي غيرها كثيرًا جدًّا، ولا سيما عوام مصر، فإنهم يطلقون فيها عبارات بشيعة مجازفة تؤدي إلى الكفر والشرك، وألفاظًا كثيرة ينبغي أن يعرفوا أنه لا تجوز، وربما نسبها بعضهم إلى زين العابدين، وليست من سلالته، والذي ينبغي أن يُعتقد فيها ما يليق بمثلها من النساء الصالحات، وأصل عبادة الأصنام من المغالاة في القبور وأصحابها، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتسوية القبور وطمسها، والمغالاة في البشر حرام، ومن زعم أنها تفك من الخشب، أو أنها تنفع أو تضر بغير مشيئة الله فهو مشرك. * وذَكَر أيضًا (14/ 124) في حوادث سنة ست وعشرين وسبعمائة مسألة شد الرِّحال لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ما نصُّه: ثم يوم الخميس دخل القاضي جمال الدين بن جملة وناصر الدين مشد الأوقاف، وسألاه [أي: ابن تيمية] عن مضمون قوله في مسألة الزيارة، فكتب ذلك في درج، وكتب تحته قاضي الشافعية بدمشق: قابلت الجواب عن هذا السؤال المكتوب على خط ابن تيمية، إلى أن قال: وإنما المحزّ جعله زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبور الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم معصية بالإجماع، مقطوعًا بها، فانظر الآن هذا التحريف على شيخ الإسلام، فإن جوابه على هذه المسألة ليس فيه منع زيارة قبور الأنبياء والصالحين، وإنما فيه ذِكر قولين في شدِّ الرَّحْل والسَّفَر إلى مجرد زيارة القبور، وزيارة القبور من غير شدِّ رَحْل إليها مسألة، وشدُّ الرَّحْل لمجرد الزيارة مسألة أخرى، والشيخ لم يمنع الزيارة الخالية عن شدِّ رَحْل، بل يستحبها ويندب إليها، وكُتُبه ومناسكه تشهد بذلك، ولم يتعرض إلى هذه الزيارة في هذه الوجه في الفتيا، ولا قال إنها معصية، ولا حكى الإجماع على المنع منها، ولا هو جاهل قول الرسول: «زوروا القبور، فإنها تذكركم الآخرة»، والله سبحانه لا يخفى عليه شيء،

تلاميذه

ولا يخفى عليه خافية، {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون}. تلاميذه: من أشهر تلاميذه الذين تلقَّوا عنه العلم ما يلي: 1 - علي بن علاء الدين علي بن محمد بن أبي العز الحنفي. المتوفى سنة 792 هـ, وقد صرَّح بتتلمذه على المؤلِّف في عدة مواضع من كتابه «شرح العقيدة الطحاوية»، فانظر: (ص 277، 480، 603). 2 - أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي، المتوفى سنة 794 هـ. 3 - محمد بن علي بن الحسن بن حمزة بن أبي المحاسن الشافعي، المتوفى سنة 765 هـ. 4 - العراقي: عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن الكردي، المتوفى سنة 806 هـ. 5 - ابن الجزري: محمد بن محمد بن الجزري الدمشقي، المتوفى سنة 816 هـ. ثناء العلماء عليه: أثنى عليه جماعة من الأعيان، فقال الذهبي في «تذكرة الحفاظ» (4/ 1508): له عناية بالرجال والمتون والتفقه، وخرَّج، وناظر، وصنَّف، وفسَّر، وتقدَّم. وقال في «المعجم المختص» (ص 74): فقيه، متفنن، ومحدِّث متقن، ومفسِّر نقَّال، وله تصانيف مفيدة.

مؤلفاته

وقال ابن حجر في «الدُّرر الكامنة» (1/ 374): كان كثير الاستحضار، حَسَن المفاكهة، سارت تصانيفه في البلاد في حياته، وانتفع بها الناس بعد وفاته، ولم يكن على طريقة المحدِّثين في تحصيل العوالي وتمييز العالي من النازل ونحو ذلك من فنونهم، وإنما هو من محدِّثي الفقهاء. وقال ابن قاضي شهبة في «تاريخه» (3/ 416): شيخ المفسرين، عمدة المحدِّثين والمؤرخين، مفتي المسلمين ... ، أقبل على حفظ المتون والأسانيد، والعلل والرجال والتاريخ، حتى برع في ذلك وهو شاب. وقال ابن حجي في «تاريخه»: وكان أحفظ من أدركنا لمتون الأحاديث، وأعرفهم بجرحها ورجالها، وصحيحها وسقيمها، وكان أقرانه وشيوخه يعترفون له بذلك، وكان يستحضر شيئًا كثيرًا من التفسير والتاريخ، قليل النسيان، وكان فقيها جيد الفهم، صحيح الذهن، يستحضر شيئًا كثيرًا، ويشارك في العربية مشاركة جيدة، وينظم الشعر، وما أعرف أني اجتمعت به على كثرة ترددي إليه إلا وأفدت منه. وقال السيوطي في «طبقات الحفاظ» (ص 533): وقال ابن العماد الحنبلي في «شذرات الذهب» (6/ 231): مؤلفاته: للحافظ ابن كثير -رحمه الله- مؤلفات عديدة في شتى فنون العلم، فمن مؤلفاته المطبوعة: 1 - «الآداب والأحكام المتعلقة بدخول الحمَّام». 2 - «الاجتهاد في طلب الجهاد». 3 - «اختصار علوم الحديث». 4 - «إرشاد الفقيه إلى معرفة أدلة التنبيه».

5 - «البداية والنهاية». 6 - «تحفة الطالب بمعرفة أحاديث مختصر ابن الحاجب». 7 - «تفسير القرآن العظيم». 8 - «جامع المسانيد والسُّنن». 9 - «جزء في بيع أمهات الأولاد». 10 - «طبقات الفقهاء الشافعيين» 11 - «الفصول في سيرة الرسول». 12 - «فضائل القرآن». 12 - «مسند الفاروق» وهو كتابنا هذا. ومما ذُكر من مؤلفاته التي لم نقف عليها: 1 - «الأحكام الكبير». 2 - «التكميل في معرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل». 3 - «جزء في بطلان وضع الجزية عن يهود خبير». 4 - «جزء في زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من أم سلمة رضي الله عنها». 5 - «جزء في تحريم الجمع بين الأختين». 6 - «جزء في طرق وألفاظ وعلل وما يتعلق بحديث كفَّارة المجلس». 7 - «جزء في فضل يوم عرفة». 8 - «جزء في المراد بالصلاة الوسطى». 9 - «سيرة الصديق». 10 - «سيرة عمر وأيامه». 11 - «شرح صحيح البخاري». 12 - «كتاب الصِّيام، وما يتعلَّق برمضان من أحكام».

وفاته

13 - «كتاب العقائد». 14 - «مسند الصديق». وفاته: بعد حياة حافلة بالتدريس والتأليف والعطاء والبذل توفي الإمام الحافظ ابن كثير في يوم الخميس السادس والعشرين من شعبان، سنة 774 هـ، ودُفن في مقبرة الصوفية بجوار شيخه الإمام ابن تيمية. وقد رثاه أحد طلابه بهذين البيتين (¬1): لِفَقْدك طلابُ العلوم تأسَّفوا ... وجادوا بدمع لا يبيدُ غزيرُ ولو مَزَجوا ماءَ المدامعِ بالدماء ... لكان قليلاً فيك يا ابنَ كثير ¬

(¬1) انظر: «الدُّرر الكامنة» (3/ 397).

المبحث الثاني: إثبات صحة نسبة الكتاب إلى المؤلف

المبحث الثاني: إثبات صحة نسبة الكتاب إلى المؤلِّف لا أجدني في حاجة للتدليل على صحة نسبة الكتاب إلى مؤلفه، فقد ذكره في عدَّة مواضع من كتبه ونوَّه بشأنه، فقال في «البداية والنهاية» (5/ 154) عند حديثه عن تقبيل عمر للحجر الأسود وسجوده عليه: وقد أوردنا ذلك كله بطرقه وألفاظه وعزوه وعلله في الكتاب الذي جمعناه في «مسند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه»، ولله الحمد والمنَّة. وقال في (5/ 288) عند كلامه على حديث: «لانُورَث، ما تركنا صدقة»: وقد تقصَّيت طرق هذا الحديث وألفاظه في «مسنَدَي الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما»، فإني -ولله الحمد- جمعت لكل واحد منهما مجلدًا ضخمًا مما رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورآه من الفقه النافع الصحيح، ورتبتُه على أبواب الفقه المصطلح عليها اليوم. وقال في (7/ 81) في معرض حديثه عن أم كلثوم بنت علي -رضي الله عنها-: وقد ذكرنا في «سيرة عمر»، و «مسنده» صفة تزويجه بها، وأنه أمهرها أربعين ألفًا. وقال في «تفسيره» (3/ 256) عند قوله تعالى: {فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون}: وقد ذكرنا في «مسند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب» من طرق متعددة عنه -رضي الله عنه- أنه لما تزوَّج أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب -رضي الله عنهما- قال: أما والله ما بي إلا أني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل سَبَب ونَسَب فإنه منقطعٌ يومَ القيامةِ، إلا سَبَبي ونَسَبي».

وقال في «جامع المسانيد والسُّنن» (6/ 362 - ط ابن دهيش) في ترجمة عمر بن الخطاب: تقدم مسنده مع الخلفاء الأربعة -رضي الله عنه-، وقد أوردنا له مسندًا آخر مرتَّبًا على أبواب الفقه بما روي عنه من الأحاديث والآثار، ولله الحمد والمنَّة. وقال أيضًا في (5/ 352) في ترجمة أبي بكر الصديق رضي الله عنه: وقد أوردت «مسنده» على حِدَة في مجلد سيأتي على أبواب الأحكام، وكذلك «مسند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه». وقال في «اختصار علوم الحديث» (1/ 182 - النوع الثالث عشر) عند الكلام على حديث عمر رضي الله عنه: «إنما الأعمال بالنيات»: وقد ذكر له ابن منده متابعات غرائب، ولاتصح، كما بسطناه في «مسند عمر»، وفي «الأحكام الكبير».

المبحث الثالث: منهج المؤلف في كتابه

المبحث الثالث: منهج المؤلِّف في كتابه 1 - لم يضع الحافظ ابن كثير لكتابه مقدِّمة يبيِّن فيها منهجه، والسبب في ذلك واضح؛ لأن «مسند الفاروق» حلقة من حلقات كتابه «جامع المسانيد والسُّنن»، ولَبِنَة من لَبِنَاته، كما هو واضح من كلامه على هذا الكتاب عند ترجمته لعمر رضي الله عنه، كما سبق نقله قريبًا. 2 - اتَّبع المؤلِّف في ترتيبه لأبواب الكتاب طريقة أصحاب الجوامع مع تقديم وتأخير في بعض الأبواب. 3 - جمع المؤلِّف في كتابه هذا بين الأحاديث المرفوعة والآثار الموقوفة، ولم يقتصر على واحد منهما. 4 - اعتمد المؤلِّف في كتابه هذا على جمع مرويات عمر رضي الله عنه من نفس المصادر التي بنى عليها كتابه «جامع المسانيد والسُّنن»، وهي: 1 - «مسند الإمام أحمد». 2 - «صحيح البخاري». 3 - «صحيح مسلم». 4 - «سنن أبي داود». 5 - «سنن الترمذي». 6 - «سنن النسائي». 7 - «سنن ابن ماجه». 8 - «مسند أبي يعلى الموصلي». 9 - «المعجم الكبير» للطبراني. 10 - «مسند البزار».

إلا أنه توسع في هذا الكتاب، وزاد مصادر أخرى، سيأتي ذكرها عند الكلام على موارد المؤلِّف في كتابه. وكان منهجه في ذلك: أنه يبدأ بذكر الحديث أو الأثر من «مسند الإمام أحمد»، ثم يعزوه إلى باقي أصحاب المصنَّفات الأخرى، لا سيما الكتب الستة، ثم بعد ذلك يقوم بجمع مروياته من باقي المصادر الأخرى. 5 - برزت شخصية الحافظ ابن كثير في هذا الكتاب بوضوح وجلاء، فهو لا يسوق الروايات ساكتًا عنها، بل تراه يتكلَّم على الأسانيد والمتون كلام العالم الخبير، فيصحِّح ويضعِّف، ويعدِّل ويجرِّح، ويناقش الأقوال، وينقل من كلام الأئمة والعلماء ما يؤيد رأيه ويقوِّيه، إضافة إلى آرائه القيمة التي يبديها في ثنايا الكلام، ولا يخفى على كل باحث ودارس أهمية هذه الآراء، لما لهذا الإمام من مكانة سَنية. 6 - لم يكتف المؤلِّف بسرد الروايات، بل كان يعلِّق على هذه الروايات بذكر مذاهب أهل العلم، وبيان الراجح منها. 7 - دقته وتحرِّيه في سياق الأسانيد والمتون، فإذا أَشكل عليه لفظ كتب فوقه (كذا) إشارة منه إلى وجود خلل في الرواية. 8 - تنبيهه على مواضع الانقطاع في الروايات بوضع علامة التضبيب. 9 - اهتمامه بنقل كلام أئمة العلل على الروايات تصحيحًا وتعليلاً.

المبحث الرابع: مزايا الكتاب

المبحث الرابع: مزايا الكتاب 1 - مما تميز به هذا الكتاب نقله لنصوص كثيرة من كتب صارت في زماننا في عداد المفقود، وهذا مما يعطي الكتاب أهمية كبرى. فمن ذلك: - «تفسير عَبد بن حميد». - «تفسير أبي بكر بن مردويه». - «تفسير ابن أبي شيبة». - «السُّنة» للطبراني. - «الفرائض» للإمام أحمد. - «الفرائض» لأبي بكر بن داود الظاهري. - «فضائل الشيخين» لأسد بن موسى. - «مستخرج البَرقاني». - «مسند أحمد بن مَنيع». - «مسند عمر» لأبي بكر الإسماعيلي. - «مسند مسدَّد بن مُسَرهد». - «المسند المعلَّل» لابن المديني. - «المسند الكبير» لأبي يعلى. - «مسند ابن أبي عمر العَدَني». - «معجم الصحابة» للدَّغولي. 2 - ومن مزاياه: أنه يُعدُّ مصدرًا أصليًا من مصادر التخريج، لاشتماله

على أسانيدَ لكتبٍ صارت في زماننا في عداد المفقود، كما سبقت الإشارة إلى ذلك. 3 - ومن مزاياه: أنه ينقل من النسخ الخطية للكتب، ولهذا مزية كبرى حيث استطعنا مقارنة ما في هذا الكتاب بما في غيره من النسخ المطبوعة، وقد ظهر هذا جليًا عند المقارنة بين ما يورده المؤلف هنا وبين الموجود في الكتب المطبوعة، ومن أبرز هذه الكتب: «مسند الإمام أحمد»، فقد وقفت على حديث أورده المؤلِّف في هذا الكتاب، ولا وجود له في الطبعة التي تولَّت نشرها مؤسسة الرسالة، بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط، فانظر رقم (334).

المبحث الخامس: موارد المؤلف في كتابه

المبحث الخامس: موارد المؤلِّف في كتابه لقد اعتمد المؤلِّف في كتابه هذا على كثير من المصادر الحديثية والفقهية، وها أنا أوردها لك مرتبة على حروف المعجم: 1 - «الآداب» للدَّغولي. 2 - «الأحاديث المختارة» لضياء الدين المقدسي. 3 - «الأدب المفرد» للبخاري. 4 - «إرشاد الفقيه إلى معرفة أدلة التنبيه» للمؤلِّف. 5 - «الاستذكار» لابن عبد البر. 6 - «الاستيعاب» لابن عبد البر. 7 - «الإشراف على منازل الأشراف» لابن أبي الدُّنيا. 8 - «إصلاح المال» لابن أبي الدُّنيا. 9 - «الأم» للشافعي. 10 - «الأمالي» للمحاملي، رواية ابن البيِّع، وابن مهدي الفارسي. 11 - «الأمالي في آثار الصحابة» لعبد الرزاق الصنعاني. 12 - «الأموال» لأبي عبيد القاسم بن سلاَّم. 13 - «البحر الزخار» للبزار. 14 - «التاريخ» لابن معين. رواية الدُّوري. 15 - «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي. 16 - «التاريخ الكبير» للبخاري. 17 - «تاريخ مدينة دمشق» لابن عساكر. 18 - «تجريد الصحاح» لرَزين بن معاوية.

19 - «تحفة الأشراف» للمزِّي. 20 - «التحقيق في أحاديث الخلاف» لابن الجوزي. 21 - «تفسير القرآن العظيم» لابن أبي حاتم. 22 - «تفسير القرآن» لعَبد بن حميد. 23 - «تفسير القرآن» لابن دحيم. 24 - «تفسير ابن أبي شيبة». 25 - «التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد» لابن عبد البر. 26 - «التهجد وقيام الليل» لابن أبي الدُّنيا. 27 - «جامع البيان في تفسير القرآن» لابن جرير الطبري. 28 - «جامع الثوري». 29 - «جامع المسانيد» لابن الجوزي. 30 - «جامع المسانيد والسُّنن» للمؤلِّف. 31 - «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم. 32 - «جزء الحسن بن عرفة». 33 - «جزء الرافقي». 34 - «جزء علي بن حرب». 35 - «جزء ابن زَبر» في الشروط العمرية. 36 - «جزء ابن العلاَّف». 37 - «جزء أبي الجهم العلاء بن موسى». 38 - «الجعديات» لأبي القاسم البغوي. 39 - «جمهرة نسب قريش» للزبير بن بكَّار. 40 - «حديث خيثمة الأطرابلسي».

41 - «حديث محمد بن عبد الله الأنصاري». 42 - «حلية الأولياء» لأبي نعيم الأصبهاني. 43 - «دلائل النبوة» للبيهقي. 44 - «ذم المُسكر» لابن أبي الدُّنيا. 45 - «الزاهر في معاني كلمات الناس» لابن الأنباري. 46 - «الزهد» لأحمد بن حنبل. 47 - «الزهد والرقائق» لابن المبارك. 48 - «الزُّهريات» لمحمد بن يحيى الذُّهْلي. 49 - «الزيادات على كتاب المزني» لأبي بكر ابن زياد النيسابوري. 50 - «سنن ابن ماجه». 51 - «سنن أبي داود». 52 - «سنن الأثرم». 53 - «سنن الترمذي». 54 - «سنن الدارمي». 55 - «سنن الدارقطني». 56 - «سنن سعيد بن منصور». 57 - «سُّنن النسائي» الصغرى والكبرى. 58 - «السُّنن الكبرى» للبيهقي. 59 - «السُّنن المأثورة» للشافعي. 60 - «السُّنة» للطبراني. 61 - «السُّنة» لابن أبي عاصم. 62 - «سيرة الصِّدِّيق» للمؤلِّف.

63 - «السيرة» لابن إسحاق. 64 - «السيرة» لابن هشام. 65 - «سيرة ومناقب عمر بن عبد العزيز» لابن الجوزي. 66 - «الشمائل المحمدية» للترمذي. 67 - «الصحاح» للجوهري. 68 - «صحيح ابن حبان». 69 - «صحيح البخاري». 70 - «صحيح مسلم». 71 - «صفة المنافق» للفِريابي. 72 - «الصلاة» لأبي نعيم الفضل بن دُكَين. 73 - «الصيام» للفِريابي. 74 - «الضعفاء الكبير» للعقيلي. 75 - «الطبقات الكبرى» لابن سعد. 76 - «العقوبات» لابن أبي الدُّنيا. 77 - «علل الحديث» لابن أبي حاتم. 78 - «العلل ومعرفة الرجال» للإمام أحمد بن حنبل. 79 - «العلل الواردة في الأحاديث النبوية» للدارقطني. 80 - «العلل» لابن المديني. 81 - «عمل اليوم والليلة» للنسائي. 82 - «غريب الحديث» لأبي عبيد القاسم بن سلاَّم. 83 - «الغيلانيات» لأبي بكر الشافعي. 84 - «الفرائض» للإمام أحمد بن حنبل.

85 - «الفرائض» لأبي بكر بن داود الظاهري. 86 - «فضائل الشيخين» لأسد بن موسى. 87 - «فضائل القرآن» لأبي عبيد القاسم بن سلاَّم. 88 - «فوائد تمام الرازي». 89 - «فوائد عبد الوهاب الجوبري». 90 - «القبور» لابن أبي الدُّنيا. 91 - «الكامل في ضعفاء الرجال» لابن عدي. 92 - «كرامات أولياء الله» لأبي القاسم اللالكائي. 93 - «مجابو الدعوة» لابن أبي الدُّنيا. 94 - «المجروحين» لابن حبان. 95 - «محاسبة النفس» لابن أبي الدُّنيا. 96 - «المحلى» لابن حزم. 97 - «مختصر المزني». 98 - «المخلِّصيَّات» لأبي طاهر المخلِّص. 99 - «مداراة الناس» لابن أبي الدُّنيا. 100 - «المراسيل» لأبي داود السجستاني. 101 - «المراسيل» لابن أبي حاتم. 102 - «مسائل حرب الكِرماني». 103 - «المستخرج» للبَرقاني». 104 - «المستدرك» للحاكم. 105 - «مسند ابن أبي عمر العَدَني». 106 - «مسند أحمد بن مَنيع».

107 - «مسند الإمام أحمد بن حنبل». 108 - «مسند أبي داود الطيالسي». 109 - «مسند أبي يعلى الموصلي» رواية ابن حمدان، وابن المقرئ. 110 - «مسند إسحاق بن راهويه». 111 - «مسند إسماعيل الصفَّار». 112 - «مسند الحميدي». 113 - «مسند الشهاب» للقضاعي. 114 - «مسند الصدِّيق» للمؤلِّف. 115 - «مسند عَبد بن حميد». 116 - «مسند عمر» لأبي بكر الإسماعيلي. 117 - «مسند مسدَّد بن مُسَرهد». 118 - «المسند المعلَّل» لابن المديني. 119 - «مسند الهيثم بن كُلَيب». 120 - «مسند وكيع». 121 - «المصاحف» لابن أبي داود. 122 - «مصنَّف ابن أبي شيبة». 123 - «مصنَّف عبد الرزاق». 124 - «المطر والرعد والبرق» لابن أبي الدُّنيا. 125 - «المعجم الأوسط» للطبراني. 126 - «معجم الصحابة» للدَّغولي. 127 - «المعجم الصغير» للطبراني.

128 - «المعجم الكبير» للطبراني. 129 - «المعرفة والتاريخ» للفَسَوي. 130 - «معرفة السُّنن والآثار» للبيهقي. 131 - «مكائد الشيطان» لابن أبي الدُّنيا. 132 - «من عاش بعد الموت» لابن أبي الدُّنيا. 133 - «مناقب عمر بن الخطاب» لابن الجوزي. 134 - «المنتظم في تاريخ الأمم والملوك» لابن الجوزي. 135 - «الموطأ للإمام مالك» رواية يحيى الليثي وأبي مصعب الزهري. 136 - «الموفَّقيات» للزبير بن بكَّار. 137 - «الهواتف» لابن أبي الدُّنيا. 138 - «الورع» لابن أبي الدُّنيا.

المبحث السادس: الملحوظات على الكتاب

المبحث السادس: الملحوظات على الكتاب لقد وقفت أثناء عملي في هذا الكتاب على عدَّة ملحوظات، ألخصها فيما يلي: أولاً: هناك آثار عزاها المؤلِّف إلى مصادر غيرها أولى منها، فمن ذلك: عزوه بعض الآثار لـ «مناقب ابن الجوزي»، أو لـ «مسند عمر» للإسماعيلي، في حين أنها في مصادر أعلى، كـ «صحيح مسلم»، أو «موطأ مالك». وهذه بعض الأمثلة: المثال الأول: في (2/ 146) عزا أثرًا لعمر في استشارته الصحابة في إملاص المرأة إلى «غريب الحديث» لأبي عبيد، وهو عند البخاري في «صحيحه». المثال الثاني: في (2/ 540) عزا قول عمر رضي الله عنه: «وَجَدنا خير عيشنا في الصبر» لـ «جزء ابن العلاَّف»، وهو عند ابن المبارك في «الزهد والرقائق»، وأحمد في «الزهد»، وأبي نعيم في «الحلية»، بل وعلَّقه البخاري في «صحيحه» جازمًا به. المثال الثالث: في (2/ 584) عزا قول عمر: «كان أبو بكر أحبَّنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم» لـ «سنن الترمذي»، وهو في «صحيح البخاري». ثانيًا: صحَّح المؤلِّف أحاديث وآثارًا، وبالنظر في كلام أئمة العلل تبين خلاف ما ذهب إليه. وهذه بعض الأمثلة:

المثال الأول: عند الحديث رقم (3): ذَكَر ما أخرجه ابن ماجه وأحمد، من طريق رِشدين بن سعد وابن لهيعة، عن الضحاك بن شرحبيل، عن زيد بن أَسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه توضَّأَ عام تبوك واحدةً واحدةً. ثم قال: وهذا إسناد حسن. قلت: لكن له علَّة، فقد قال الترمذي في «سننه» بعد ذِكره لهذه الطريق: وليس هذا بشيء، والصحيح: ما روى ابن عَجْلان، وهشام بن سعد، وسفيان الثوري، وعبد العزيز بن محمد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. المثال الثاني: عند الحديث رقم (76): ذَكَر ما أخرجه أبو يعلى من طريق بشر بن منصور، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله». ثم قال: وهذا إسناد جيد من هذا الوجه. قلت: لكن له علَّة، فإنَّ أصحاب عبيد الله بن عمر خالفوا بشر بن منصور في روايته، فرووه عن عبيد الله بن عمر، فقالوا: عن نافع، عن ابن عمر. ليس فيه: عمر. المثال الثالث: عند الحديث رقم (183): ذَكَر ما أخرجه البيهقي في «دلائل النبوة» من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن مالك الدَّار قال: أصاب الناسَ قحطٌ في زمان عمرَ -رضي الله عنه-، فجاء رجلٌ إلى قبر النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ الله! استَسق اللهَ لأمَّتك، فإنهم قد هَلَكوا. فأتاه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال: ائت عمرَ، فأقرئه منِّي السلامَ، وأخبره أنهم مُسقَون، وقل له: «عليك بالكَيس الكَيس»، فأتى الرجل، فأخبر عمر، وقال: يا ربُّ، ما آلو إلا ما عَجِزتُ عنه. ثم قال:

هذا إسناد جيد قوي. قلت: لكن له علَّة، والصواب: أنه ضعيف منكر، وقد أُعلَّ بستِّ علل، كما بيَّنت ذلك في موضعه. ثالثًا: ذَكَر المؤلِّف في بعض الأبواب أحاديثَ وآثارًا ضعيفة واقتصر عليها، ومع البحث وَجَدت لها طرقًا أخرى صحيحة تغني عن الضعيف الذي أورده، أو تشدُّ من أزره وتقوِّيه، وهذه بعض الأمثلة: المثال الأول: عند الحديث رقم (499): ذَكَر ما أخرجه أبو جعفر بن ذَريح، عن هنَّاد، عن عَبدة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشَّعبي قال: أَتى عُمرَ بن الخطاب رجلٌ فقال: إنَّ ابنةً لي كنت وأدتها في الجاهلية، فاستخرجتها قبل أن تموت، فأدرَكَت معنا الإسلام، فأسلَمَت، فلمَّا أسلَمَت أصابها حدٌّ من حدود الله، فأَخَذَتْ الشَّفرةَ لتذبح نفسَها، فأدركناها، وقد قطعت بعض أوداجها، فداويناها حتى برئت، ثم أقبَلَتْ بعدُ بتوبة حسنة، وهي تُخطَب إلى قوم، فأُخبرهم من شأنها بالذي كان؟ فقال عمر رضي الله عنه: أَتَعمِد إلى ما ستره الله فتُبديه! والله لئن أخبرتَ بشأنها أحدًا من الناس؛ لأجعلنَّك نكالاً لأهل الأمصار، أَنكِحها نكاح العفيفة المسلمة. ثم قال: فيه انقطاع. قلت: له طريق أخرى صحيحة: أخرجها عبد الرزاق والطبري، من طريق الثوري، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب: أنَّ رجلاً خطب إليه ابنة له، وكانت قد أَحدَثَت، فجاء إلى عمر، فذكر ذلك له، فقال عمر: ما رأيتَ منها؟ قال: ما رأيتُ إلا خيرًا. قال: فزوِّجها، ولا تُخبِر. المثال الثاني: عند الحديث رقم (577): ذَكَر ما أخرجه مالك في «الموطأ» عن يحيى، عن سعيد: أنَّ عمر قال: أيُّما امرأة فَقَدت زوجها

فلم تدر أين هو؛ فإنها تنتظر أربع سنين، ثم تنتظر أربعة أشهر وعشرًا. ثم قال: وهذه آثار صحيحة عن عمر. والخلاف في سماع سعيد من عمر مشهور، ومع ذلك، له طريق أخرى صحيحة: أخرجها البيهقي، عن أبي الحسين بن بشران، أنا إسماعيل بن محمد الصفَّار، نا محمد بن عبد الملك، نا يزيد بن هارون، أنا سليمان التيمي، عن أبي عمرو الشيباني: أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- أجَّل امرأة المفقود أربع سنين. المثال الثالث: عند الحديث رقم (795): ذَكَر ما أخرجه ابن أبي شيبة، عن وكيع، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، عن عمر: أنه انقطع شِسع نعله، فاسترجع، وقال: كلُّ ما ساءك مصيبة. قلت: سكت عنه، وفي إسناده عبد الله بن خليفة، قال عنه الذهبي في «الميزان»: لا يكاد يُعرَف. وقال الحافظ في «التقريب»: مقبول. ومع ذلك فله طريق أخرى يتقوَّى بها، وذلك فيما أخرجه ابن أبي شيبة، عن عبيد الله بن موسى، عن شيبان، عن منصور، عن مجاهد، عن سعيد بن المسيّب قال: انقطع قِبَال نعل عمر، فقال: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون. فقالوا: يا أمير المؤمنين، أفي قِبَال نعلك؟! قال: نعم، كلُّ شيء أصاب المؤمن يكره، فهو مصيبة. رابعًا: ذَكَر المؤلِّف أحاديث وآثارًا ضعيفة، ولم ينبِّه على ضعفها، وهذه بعض الأمثلة: المثال الأول: عند الحديث رقم (501): ذكر ما أخرجه قال أبو القاسم البغوي، عن أبي نصر التَّمار، عن عبيد الله بن عمرو، عن عبد الملك بن عُمَير، عن زيدِ بنِ عَذَبَةَ قال: قال عمرُ بن الخطاب: الرِّجالُ ثلَاثةٌ،

والنساءُ ثلاثةٌ: امرأةٌ هنِّيةٌ، ليِّنةٌ، عفيفةٌ، مسلمةٌ، وَدُودٌ، وَلُودٌ، تُعينُ أهلَها على الدَّهر، ولا تُعينُ الدَّهرَ على أهلها، وقَلَّ ما تجدها، وأخرى وعاءٌ للولد، لا تزيدُ على ذلك شيئًا، وأخرى غُلُّ قَمِلٌ، يَجعلُهُ اللهُ في عُنُق من يشاءُ، ويَنزِعه إذا شاءَ. والرِّجالُ ثلاثةٌ: فرجلٌ عاقلٌ، إذا أَقبَلَت الأمورُ وتشبَّهت يُؤتَمَرُ فيها أمرُهُ، ويُنزَلُ عند رأيه، وآخرُ حائِرٌ بائِرٌ، لا يأتَمِرُ رُشْدًا، ولا يَسْمعُ مُرشِدًا. وهو مُعلّ، فقد اختُلف فيه على عبد الملك بن عمير اختلافًا بيَّنته في موضعه. المثال الثاني: عند الحديث رقم (507): ذكر ما أخرجه الخطيب البغدادي عن إبراهيم بن مَخلد بن جعفر، عن محمد بن أحمد بن إبراهيم الحُكَيمي، عن العباس بن محمد، عن محمد بن عبد الله الأَرُزِّي، عن عاصم بن هلال، عن أيوب، عن محمد بن سيرين: أنَّ عمرَ كان إذا سَمِعَ صوتَ دُفِّ أو كبَرٍ فقالوا: عُرسٌ أو ختانٌ، سَكَت. وهو مُعلّ، فقد اختُلف فيه على أيوب اختلافًا بيَّنته في موضعه. المثال الثالث: عند الحديث رقم (519): ذَكَر ما أخرجه مالك عن ابن شهاب وسليمان بن يسار: أنَّ عمر -رضي الله عنه- قال: أيما امرأة نكحت في عِدَّتها؛ فإن كان زوجها الذي تزوَّجها لم يدخل بها، فُرِّق بينهما، ثم اعتَدَّت بقيَّة عِدَّتها من زوجها الأوَّل، وكان خاطبًا من الخطَّاب، وإن كان دخل بها، فُرِّق بينهما، ثم اعتدَّت بقيَّة عِدَّتها من زوجها الأوَّل، ثم اعتَدَّت من الآخر، ثم لم ينكحها أبدًا. قلت: وهو معلّ، أعلَّه ابن حزم في «المحلى» فقال: وجاء هذا عن عمر من طرق ليس منها شيء يتَّصل.

أحاديث فاتت المصنف

أحاديث فاتت المصنِّف ومما يجدر الإشارة إليه: أن المؤلِّف -رحمه الله- لم يستوعب في عمله هذا كل ما ورد عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، بل فاته الكثير والكثير، وهذه بعض النماذج: من كتاب الطهارة: (1) عن أسلم مولى عمر: أنَّ عمرَ كان يُسخَّن له ماء في قُمقُم، فيغتسل به. (2) عن عبد الرحمن بن أَبزَي: أنَّ رجلاً أتى عمرَ، فقال: إني أجنبت فلم أجد ماء، فقال: لا تُصلِّ. فقال عمار: أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية، فأجنبنا، فلم نجد ماء، فأما أنت فلم تُصلِّ، وأما أنا فتمعَّكت في التراب، وصلَّيت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ، ثم تمسح بهما وجهك وكفَّيك». فقال عمر: اتق الله يا عمار! قال: إن شئتَ لم أحدِّث به، فقال عمر: نولِّيك ما تولَّيت. ومن كتاب الصلاة: (3) مرَّ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فركع ركعة واحدة، ثم انطلق، فلَحِقَه رجلٌ، فقال: يا أمير المؤمنين، ما ركعتَ إلا ركعة واحدة! قال: هو التطوع، فمن شاء زاد، ومن شاء نقص. (4) عن عبد الله بن حنظلة بن الراهب قال: صلَّى بنا عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه- المغرب، فلم يقرأ في الركعة الأولى شيئًا، فلما قام في الركعة الثانية قرأ بفاتحة الكتاب وسورة، ثم عاد فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة، فلما فرغ

ومن كتاب الجنائز

من صلاته سجد سجدتين بعد ما سلَّم. (5) عن عمر -رضي الله عنه- أنه سجد في الحج سجدتين. (6) وعن نُبيه بن صواب قال: صلَّيت مع عمر بن الخطاب بالجابية صلاة الصبح، فقرأ بسورة الحج، فسجد فيها سجدتين، ثم قال: إن هذه السورة فُضِّلت على السُّوَر بسجدتين. (7) عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: الخطبة موضع الركعتين، فمن فاتته الخطبة صلَّى ركعتين. (8) عن ثعلبة بن أبي مالك: أنهم كانوا في زمن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يوم الجمعة يصلون حتى يخرج عمر بن الخطاب، فإذا خرج وجلس على المنبر وأذَّن المؤذن، جلسوا يتحدَّثون، حتى إذا سكت المؤذن وقام عمر سكتوا، فلم يتحدَّث أحد. (9) عن وهب بن كَيسان قال: شهدت ابن الزبير بمكة وهو أمير، فوافق يوم فطر أو أضحى يوم الجمعة، فأخَّر الخروج حتى ارتفع النهار، فخرج، وصعد المنبر، فخطب، وأطال، ثم صلى ركعتين ولم يصل الجمعة، فعاتبه عليه ناس من بني أمية، فبلغ ذلك ابن عباس، فقال: أصاب ابن الزبير السُّنة. فبلغ ابن الزبير، فقال: رأيت عمر بن الخطاب إذا اجتمع عيدان صنع مثل هذا. ومن كتاب الجنائز: (10) أنَّ عمر -رضي الله عنه- كان يرفع يديه في التكبيرات. (11) عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: أعمقوا إلى قدر قامة وبسطة. (12) أنَّ امرأة نصرانية ماتت وفي بطنها ولد مسلم، فأمر عمر أن تدفن مع المسلمين من أجل ولدها.

ومن كتاب الزكاة

ومن كتاب الزكاة: (13) عن عمر -رضي الله عنه- قال: ابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الصدقة. (14) عن عمر -رضي الله عنه- قال: في الزيتون العُشْر. (15) أنَّ عمر -رضي الله عنه- كَتَب إلى أبي موسى: أن مُر مَن قِبلَك من نساء المسلمين أن يتصدَّقن من حُلُيِّهنَّ. (16) أنَّ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- شرب لبنًا فأعجبه، فسأل الذي سقاه: من أين هذا اللبن؟ فأخبره أنه ورد على ماء قد سمَّاه، فإذا نَعَم من نَعَم الصدقة وهم يسقون، فحلبوا له من ألبانها، فجعله في سقائه، فأدخل عمر بن الخطاب يده فاستقاءه. (17) عن عمر -رضي الله عنه- قال: إنا لا نُعطي على الإسلام شيئًا، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليَكفُر. ومن كتاب الصيام: (18) عن السائب بن يزيد: أنَّ الناس كانوا يقومون على عهد عمر -رضي الله عنه- بعشرين ركعة. (19) عن يزيد بن رومان قال: كان الناس يقومون في زمن عمر -رضي الله عنه- بثلاث وعشرين ركعة. ومن كتاب الحج: (20) عن عمر -رضي الله عنه- في قوله تعالى: {الحج أشهر معلومات} قال: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة. (21) عن عمر -رضي الله عنه- قال: إنَّ أتمَّ العمرة أن تُفردوها من أشهر الحج، {الحج أشهر معلومات} شوال، وذو القعدة، وذو الحجة، فأخلصوا فيهن

الحج، واعتمروا فيما سواهن من الشهور. (22) عن عمر -رضي الله عنه- قال: إتمام الحج والعمرة أن تُحرم بهما من دويرة أهلك. (23) عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: سمعت عمر يُهلُّ بالمزدلفة، قلت له: يا أمير المؤمنين، فيم الإهلال؟ قال: وهل قضينا نسكًا؟! (24) عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال عمر: إذا اعتمر في أشهر الحج ثم أقام فهو متمتع، فإن رجع فليس بمتمتع. (25) عن عُبيد بن عُمَير قال: قال علي بن أبي طالب لعمر بن الخطاب: أنهيتَ عن المتعة؟ قال: لا، ولكني أردت زيارة البيت. فقال علي: من أفرد الحج فحسن، ومن تمتع فقد أخذ بكتاب الله وسُنَّة نبيه. (26) عن عمر -رضي الله عنه- قال: من قدم منكم حاجًّا فليبدأ بالبيت فليطف به سبعًا، ثم ليصل ركعتين عند مقام إبراهيم، ثم ليأت الصفا فليقم عليها مستقبل القبلة، ثم ليكبر سبعًا بين كل تكبيرتين حمد الله وثناء عليه والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى المروة مثل ذلك. (27) عن العلاء بن المسيب، عن أبيه قال: كان عمر إذا مرَّ بالوادي بين الصفا والمروة سعى فيه حتى يجاوزه، ويقول: رب اغفر وارحم، وأنت الأعز الأكرم. (28) عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: الحج الأكبر يوم عرفة. (29) عن عمر رضي الله عنه: أنه مرَّ بقومٍ بعرفة فنهاهم عن صوم يوم عرفة. (30) عن سلمان بن ربيعة قال: نظرنا إلى عمر بن الخطاب يوم النفر الأول، فخرج علينا تقطر لحيته ماء، في يده حصيات، وفي حزمه حصيات، ماشيًا، يكبر في طريقه، حتى أتى الجمرة الأولى، فرماها،

ثم رماها، حتى انقطع من الحصيات، لا يناله حصى من رمى، ثم دعا ساعة، ثم مضى إلى الجمرة الوسطى، ثم الأخرى. (31) عن عمر -رضي الله عنه- قال: من أهدى هديًا تطوعًا فعطب نَحَره دون الحرم ولم يأكل منه شيئًا، فإن أكل فعليه البدل. (32) عن عمر -رضي الله عنه- قال: لا يبيتن أحد من الحاج ليالي منى من وراء العقبة. (33) اجتمع عمر وعلي وابن مسعود -رضي الله عنهم- على التكبير في دُبُر صلاة الغداة من يوم عرفة، فأما ابن مسعود فإلى صلاة العصر من يوم النحر، وأما عمر وعلي فإلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق. (34) عن عمر -رضي الله عنه- قال: أيها الناس، إن النَّفر غدًا، فلا ينصرف أحد حتى يطوف بالبيت، فإن آخر النسك الطواف بالبيت. (35) عن عمر -رضي الله عنه- قال: من أدركه المساء في اليوم الثاني من أيام التشريق فليقم إلى الغد حتى ينفر مع الناس. (36) أنَّ عمر -رضي الله عنه- قضى في النعامة يقتلها المحرم بَدَنة من الإبل. (37) عن طارق بن شهاب قال: أوطأ أربد ضبًّا فقتله وهو محرم، فأتى عمر ليحكم عليه، فقال له عمر: احكم معي، فحكما فيه جديًا قد جمع الماء والشجر، ثم قال عمر: {يحكم به ذوا عدل منكم}. (38) أنَّ عمر -رضي الله عنه- قضى في الجرادة بتمرة. (39) عن طارق بن شهاب قال: أصبنا حيات بالرمل ونحن محرمون، فقتلناهن، فقدمنا على عمر بن الخطاب فسألناه، فقال: هن عدو، فاقتلوهن حيث وجدتموهن. (40) عن سويد بن غَفَلة قال: أمرنا عمر بن الخطاب بقتل الحية،

ومن كتاب البيوع

والعقرب، والزنبور، والفأرة، ونحن مُحرمون. (41) عن عمير بن الأسود قال: سألت عمر، قلت: ما تقول في الخفين للمحرم؟ فقال: هما نعلا من لا نعل له. (42) عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أنه مرَّ به قوم مُحرمون بالرَّبَذة، فاستفتوه في لحم صيد وجدوا ناسًا أَحِلَّة يأكلونه، فأفتاهم بأكله، ثم قال: قدمتُ على ابن الخطاب، فسألته عن ذلك، فقال: بم أفتيتهم؟ قلت: أفتيتهم بأكله، فقال عمر: لو أفتيتهم بغير ذلك لأوجعتك. (43) عن عمر -رضي الله عنه- قال: من أدرك ليلة النحر قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج، ومن لم يقف حتى يصبح فقد فاته الحج. (44) عن سليمان بن يسار: أنَّ أبا أيوب الأنصاري خرج حاجًّا حتى إذا كان بالبادية من طريق مكة أضلَّ رواحله، ثم إنه قدم على عمر بن الخطاب يوم النحر، فذكر ذلك له، فقال له عمر: اصنع كما يصنع المعتمر، ثم قد حللت، فإذا أدركت الحج قابلاً فاحجج، واهد ما استيسر من الهدي. (45) عن سويد بن غَفَلة قال: قال لي عمر بن الخطاب: يا أبا أمية، حُجَّ واشترط، فإن لك ما اشترطت، ولله عليك ما اشترطت. (46) أنَّ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أخرج الرقيق والدواب من مكة، ولم يكن يدع أحدًا يبوِّب داره، حتى استأذنته هند بنت سهيل، قالت: إنما أريد بذلك إحراز متاع الحاج وظهرَهم، فأذن لها، فعملت بابين على دارها. ومن كتاب البيوع: (47) عن عمر -رضي الله عنه-: أنه كان يضمِّن الأجير المشترك. (48) أن ضوال الإبل في زمان عمر بن الخطاب كانت إبلاً مؤبَّلة

ومن كتاب الفرائض

تتناتج، لا يمسَّها أحد، حتى إذا كان زمان عثمان بن عفان أمر بتعريفها، ثم تباع، فإذا جاء صاحبها أعطي ثمنها. (49) أنَّ عمر -رضي الله عنه- قضى في أَمَة غرَّت بنفسها رجلاً، فذكرت أنها حُرَّة فولَدَت أولادًا، فقضى أن يُفدى ولده بمثلهم. (50) عن عمر -رضي الله عنه- قال: إذا تزوج المملوك الحُرَّة فولَدَت، فولدها يعتقون بعتقها، ويكون ولاؤهم لمولى أمهم، فإذا أعتق الأب جرَّ الولاء. ومن كتاب الفرائض: (51) عن عمر -رضي الله عنه- قال: يُحدِث الرجل في وصيته ما شاء، ملاك الوصية آخرها. (52) عن عمر -رضي الله عنه- قال: ذلك على ما قضينا، وهذا على ما نقضي. (53) عن عمر -رضي الله عنه- قال: إذا تحدثتم فتحدَّثوا بالفرائض، وإذا لهوتم فالهوا بالرمي. ومن كتاب النكاح: (54) عن عمر -رضي الله عنه-: أنَّ حذيفة نكح يهودية، فقال له: طلِّقها. (55) عن عمر -رضي الله عنه- فيمن قال لامرأته: حبلك على غاربك ... (56) عن عمر -رضي الله عنه- فيمن قال لامرأته: أنتِ عليَّ حرام ... (57) أنَّ عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان -رضي الله عنهما- قالا: أيما رجل ملَّك امرأته أمرها وخيَّرها فافترقا من ذلك المجلس فلم تحدث فيه شيئًا، فأمرها إلى زوجها. (58) عن عمر -رضي الله عنه- في رجل ظاهر من أربع نسوة، قال: كفَّارة واحدة. (59) عن عمر -رضي الله عنه- في عدَّة الحامل: لو وَضَعت وزوجها على السرير حلَّت.

ومن كتاب الحدود والديات

(60) عن عمر -رضي الله عنه-: أنه أتي بامرأة قد وَلَدت لستة أشهر، فهَمَّ برجمها، فبلغ ذلك عليًّا -رضي الله عنه-، فقال: ليس عليها رجم. فبلغ ذلك عمر -رضي الله عنه-، فأرسل إليه، فسأله، فقال: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} وقال: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرا} فستة أشهر حمله حولين تمام لا حدّ عليها، أو قال: لا رجم عليها. قال: فخلى عنها، ثم وَلَدت. (61) عن عمر -رضي الله عنه-: أنه خيرَّ غلامًا بين أبويه. (62) عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: طلَّق عمر بن الخطاب امرأته الأنصارية أم ابنه عاصم، فلقيها تحمله وقد فطم ومشى، فأخذ بيده لينزعه منها، وقال: أنا أحق بابني منك، فاختصما إلى أبي بكر، فقضى لها به، وقال: ريحها وحرُّها وفراشها خير له منك حتى يشبَّ ويختارَ لنفسه. ومن كتاب الحدود والديات: (63) عن عمر -رضي الله عنه- قال: لا عفوَ عن الحدود عن شيء منها بعد أن تبلغ الإمام، فإن إقامتها من السُّنَّة. (64) عن عمر -رضي الله عنه- قال: لأن أعطل الحدود بالشبهات أحب إلي من أن أقيمها في الشبهات. (65) عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: بينما أبو بكر في المسجد جاء رجل وهو دهش، فقال أبو بكر: قم إليه فانظر في شأنه، فإن له شأنًا. فقام إليه عمر، فقال: إنه ضافه ضيف فوقع بابنته، فصك عمر في صدره، وقال: قبَّحك الله، ألا سترتَ على ابنتك، فأمر بهما أبو بكر فضُرِبا الحدّ، ثم زوَّج أحدهما بالآخر، وأمر بهما، فغُرِّبا عامًا. (66) عن أبي واقِد الليثي: أنَّ عمر بن الخطاب أتاه رجل وهو

بالشام، فذكر له أنه وَجَد مع امرأته رجلاً، فبعث أبا واقِد إلى امرأته يسألها عن ذلك، فأتاها، فذكر لها الذي قال زوجها لعمر، وأخبرها أنها لا تؤخذ بقوله، وجعل يلقِّنها أمثال هذا لتنزع، فأَبَتْ أن تنزع، وثَبَتَتْ على الاعتراف، فأمر بها عمر بن الخطاب، فرُجمت. (67) أنَّ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أتي بامرأة لقيها راعٍ بفلاةٍ من الأرض وهي عطشى، فاستسقت، فأبى أن يسقيها إلا أن تتركه فيقع بها، فناشدته بالله، فلما بلغت جهدها أمكنته، فدرأ عنها عمر الحدَّ بالضرورة. (68) عن عمر -رضي الله عنه- قال: ليس على من أتى بهيمة حدّ. (69) عن عمر -رضي الله عنه- في الذي يموت في القصاص: لا دية له. (70) أنَّ رفاعة اليهودي قُتل بالشام، فجعل عمر ديته ألف دينار. (71) أنَّ عمر -رضي الله عنه- قضى على عليِّ -رضي الله عنه- بأن يَعقل عن موالي صفية بنت عبد المطلب، وقضى للزبير بميراثها. (72) عن عمر -رضي الله عنه- فيمن سرق من بيت المال: لا قطع عليه، ما من أحد إلا وله فيه حق. (73) عن عمر -رضي الله عنه- قال: يُقطع السارق من المِفصَل. (74) عن أبي عثمان النَّهدي قال: أتي عمر برجل في حدٍّ فأمر بسوط، فجيء بسوط فيه شدَّة، فقال: أريد ألين من هذا. فأُتي بسوط فيه لين، فقال: أريد سوطًا أشدَّ من هذا. فأُتي بسوط بين السوطين، فقال: اضرب به، ولا يُرى إبطك، وأعط كل عضو حقه. (75) عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: أول من اتُّهم بالأمر القبيح -تعني عمل قوم لوط- اتُّهم به رجلٌ على عهد عمر، فأمر شباب قريش أن لا يجالسوه.

ومن كتاب الجهاد

(76) عن ابن المسيّب قال: غرَّب عمر أبا بكر أمية بن خَلَف في الشراب إلى خيبر، فلحق بهرقل فتنصَّر، قال عمر: لا أغرِّب بعده مسلمًا أبدًا. (77) عن إسماعيل بن أمية: أنَّ عمر بن الخطاب كان إذا وَجَد شاربًا في رمضان نَفَاه مع الحدِّ. (78) عن صفية بنت أبي عبيد قالت: وَجَد عمر في بيت رويشد الثقفي خمرًا فحرَّق بيته، وقال: ما اسمك؟ قال: رويشد. قال: بل أنت فويسق. (79) عن عمر -رضي الله عنه- قال: إياكم واللحم، فإن له ضراوة كضراوة الخمر. (80) عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: شهدت عمر بن الخطاب قطع بعد يدٍ ورجلٍ يدًا في السرقة. (81) عن عبد الله بن عامر بن ربيعة: أنه وَجَد قومًا يختفون القبور باليمن على عهد عمر بن الخطاب، فكتب إلى عمر بن الخطاب، فكتب إليه عمر أن يقطع أيديهم. (82) عن عمر -رضي الله عنه- قال: من أخذ من التمر شيئًا فليس عليه قطع يؤوى إلى المرابد والجرائن، فإن أخذ منه بعد ذلك ما يساوي ربع دينار قُطع. (83) عن عمر -رضي الله عنه- قال: لا قطع في عذق، ولا في عام السَّنة. (84) عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: كان أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان لا يجلدون العبد في القذف إلا أربعين، ثم رأيتهم يزيدون على ذلك. ومن كتاب الجهاد: (85) عن عمر -رضي الله عنه- أنه ضعَّف الصدقة على بني تَغلِب. (86) عن عمر -رضي الله عنه- قال في المجوس: سنُّوا بهم سُنَّة أهل الكتاب.

ومن كتاب الإيمان

(87) عن عمر -رضي الله عنه- قال: أنا فئة كل مسلم. (88) عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال للهرمزان: تكلَّم، لا بأس عليك. (89) عن عمر -رضي الله عنه- قال: العبد المسلم رجل من المسلمين، ذمَّته ذمَّتهم. ومن كتاب الإيمان: (90) عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحسنوا، فإن غُلبتم فكتاب الله وقَدَره، لا تدخلوا اللو، فإن من أدخل اللو عليه، دخل عليه عمل الشيطان». (91) عن عمر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بُعثت داعيًا ومبلِّغًا، وليس إلي من الهدى شيء، وخُلق إبليس مزينًا، وليس إليه من الضلالة شيء». (92) عن عمر -رضي الله عنه- قال: عُرَى الإيمان أربع: الصلاة، والزكاة، والجهاد، والأمانة. ومن كتاب فضائل القرآن: (93) عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: يا رسول الله، ما لك أفصحنا ولم تخرج من بين أظهرنا؟! قال: «كانت لغة إسماعيل قد دَرَست، فجاء بها جبريل، فحفظتها». (94) عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: من قرأ البقرة وآل عمران والنساء في ليلة كُتب من القانتين. (95) عن المِسوَر بن مَخرمة: أنه سمع عمر بن الخطاب يقول: تعلَّموا سورة البقرة، وسورة النساء، وسورة المائدة، وسورة الحج، وسورة النور، فإن فيهن الفرائض.

(96) عن عُبادة بن نُسَيّ: أنَّ عمر كان يقول: لا تبيعوا المصاحف ولا تشتروها. (97) عن بَجَالة قال: مرَّ عمر بن الخطاب بغلام وهو يقرأ في المصحف: «النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم». فقال: ياغلام، حكَّها. قال: هذا مصحف أُبَي. فذهب إليه فسأله، فقال: إنه كان يلهيني القرآن، ويلهيك الصفق بالأسواق. (98) عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كنت عند عمر، فقرأت: «لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى الثالث، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب». فقال عمر: ما هذا؟! فقلت: هكذا أقرأنيها أُبَي، فجاء إلى أُبَي، وسأله عما قرأ ابن عباس، فقال: هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. (99) عن عمر -رضي الله عنه- أنه كان يقرأ: «أإذا كنا عظامًا ناخرة». بألف. (100) عن عمرو بن ميمون قال: صلَّيت مع عمر بن الخطاب المغرب فقرأ: «والتين والزيتون * وطور سيناء». وهكذا في قراءة عبد الله. (101) عن عمر -رضي الله عنه- أنه كان يقرأ: «سراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين». (102) عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه كان يقرأ: «ولا يضارر كاتب ولا شهيد». (103) عن عمرو بن دينار قال: سمعت ابن الزبير يقرأ: «في جنات يتساءلون عن المجرمين يا فلان ما سلككم في سقر». قال عمرو: وأخبرني لقيط قال: سمعت ابن الزبير قال: سمعت عمر بن الخطاب يقرؤها كذلك.

ومن كتاب التفسير

(104) عن أبي مِجلَز: أن أُبَي بن كعب قرأ: {من الذين استحق عليهم الأوليان}. فقال عمر: كذبتَ. قال: أنت أكذب. فقال رجل: تكذِّب أمير المؤمنين؟! قال: أنا أشد تعظيمًا لحق أمير المؤمنين منك، ولكن كذَّبته في تصديق كتاب الله تعالى، ولم أصدِّق أمير المؤمنين في تكذيب كتاب الله تعالى. فقال عمر: صدق. ومن كتاب التفسير: من سورة البقرة: (105) عن عمر -رضي الله عنه- في قوله تعالى: {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا} قال: النفقة في سبيل الله. (106) عن عمر -رضي الله عنه- أنه كان إذا تلا: {اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم} قال: مضى القوم فإنما يعني به أنتم. (107) عن عمر -رضي الله عنه- في قوله تعالى: {يتلونه حق تلاوته} قال: إذا مرَّ بذكر الجنة سأل الله الجنة، وإذا مرَّ بذكر النار تعوَّذ بالله من النار. (108) أنَّ عمر بن الخطاب كان إذا تلا هذه الآية: {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا} إلى قوله: {ومن الناس من يشرى نفسه} قال: اقتتل الرجلان. ومن سورة آل عمران: (109) في قوله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} قال: قال عمر بن الخطاب: لو شاء الله لقال: أنتم، فكنا كلنا، ولكن قال: {كنتم} خاصة في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ومن صنع مثل صنيعهم كانوا خير أمة أُخرجت للناس (110) عن عمر -رضي الله عنه-: أنه قيل له إن هنا غلامًا من أهل الحيرة حافظًا

ومن سورة النساء

كاتبًا، فلو اتخذته كاتبًا؟ قال: قد اتخذت إذًا كلبًا بطانة من دون المؤمنين. (111) عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قرأ: {زين للناس حب الشهوات ...} الآية، ثم قال: الآن يا رب، وقد زينتها في القلوب. ومن سورة النساء: (112) أنَّ عمر كان في سوق المدينة يومًا فطأطأ رأسه، فأخذ شق تمرة، فمسحها من التراب، ثم مرَّ أسود عليه قِربة، فمشى إليه عمر، وقال: اطرح هذه في فيك. فقال له أبو ذر: ما هذه يا أمير المؤمنين؟ قال: هذه أثقل أو ذرة؟ قال: لا، بل هي أثقل من ذرة. قال: فهمت ما أنزل الله في سورة النساء: {إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما} كان بدء الأمر مثقال ذرة، وكان عاقبته أجرًا عظيما. ومن سورة الأنعام: (113) عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: «يا عائشة، {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا}: هم أصحاب البدع وأصحاب الأهواء من هذه الأمة، ليس لهم توبة، يا عائشة، إن لكل صاحب ذنب توبة غير أصحاب البدع وأصحاب الأهواء ليس لهم توبة، أنا منهم بريء، وهم مني براء». ومن سورة براءة: (114) عن ابن عباس: أنَّ عمر قيل له: سورة التوبة؟ قال: هي إلى العذاب أقرب، ما أقلعت عن الناس حتى ما كادت تدع منهم أحدًا. ومن سورة الحج: (115) عن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر قال: قرأ عمر بن

ومن سورة النور

الخطاب: هذه الآية {ما جعل عليكم في الدين من حرج}، ثم قال: ادعوا لي رجلاً من بني مدلج، قال عمر: ما الحرج فيكم؟ قال: الضيق. ومن سورة النور: (116) عن عمر -رضي الله عنه-، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا} قال: «توبتهم: إكذابهم أنفسهم، فإن كذَّبوا أنفسَهم قُبِلَت شهادتهم». ومن سورة المؤمنون: (117) عن أبي إسحاق قال: أتى رجلٌ عمرَ، فقال: لقاتل المؤمن توبة، ثم قرأ: {غافر الذنب وقابل التوب}. ومن سورة الطور: (118) عن عمر -رضي الله عنه- في قوله تعالى: {وأدبار السجود} قال: ركعتان بعد المغرب. وفي قوله: {وإدبار النجوم} قال: ركعتان قبل الفجر. ومن سورة القمر: (119) عن عمر -رضي الله عنه- لما نزلت: {سيهزم الجمع ويولون الدبر} جعلت أقول: أي جمع يُهزَم؟ فلما كان يوم بدر رأيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع، وهو يقول: {سيهزم الجمع ويولون الدبر} فعرفت تأويلها يومئذ. ومن سورة الرحمن: (120) عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: أتدرون ما {حور مقصورات في الخيام}؟ دُرّ مجوَّف. ومن سورة الجن: (121) عن السُّدي قال: قال عمر -رضي الله عنه-: {وأن لو استقاموا على الطريقة

ومن سورة الانفطار

لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه} قال: حيث ما كان الماء كان المال، وحيثما كان المال كانت الفتنة. ومن سورة الانفطار: (122) عن عمر -رضي الله عنه- أنه قرأ هذه الآية: {يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم} قال: غرَّه والله جهلُهُ. ومن سورة قريش: (123) عن إبراهيم قال: صلَّى عمر بن الخطاب بالناس بمكة عند البيت، فقرأ: {لإيلاف قريش} قال: {فليعبدوا رب هذا البيت} وجعل يومئ بإصبعه إلى الكعبة، وهو في الصلاة. هذا بعض ما تيسَّر إيراده مما فات المؤلف -رحمه الله-، وهو من الكثرة بمكان، لأجل هذا فقد عَقَدت العزم على عمل موسوعة علمية تجمع شتات ما ورد عن عمر رضي الله عنه مرتَّبًا على أبواب العلم، وسمَّيته: «الجامع المسند لفقه عمر بن الخطاب وأقواله على أبواب العلم»، يسَّر الله إتمامه بمنِّه وكَرَمه.

المبحث السابع: وصف النسخة الخطية المعتمدة في التحقيق

المبحث السابع: وصف النسخة الخطية المعتمدة في التحقيق اعتمدت في تحقيق هذا الكتاب على صورة النسخة الخطية المحفوظة بدار الكتب المصرية -صانها الله من كل مكروه-، أحضرها لي الأخ الكريم الشيخ خالد بن محمود بن علي الرَّبَّاط، وهي النسخة الوحيدة للكتاب في حدود علمي واطلاعي، وتقع في 435 صفحة، عدد الأسطر في كل صفحة سبعة عشر سطرًا، في كل سطر عشر كلمات تقريبًا. وفي كثير من صفحات المخطوط استدراكات وزيادات، وقد عانيت كثيرًا في قراءة هذه الإلحاقات، وذلك لسوء تصوير النسخة التي وصلتني من دار الكتب المصرية، وبقيت على هذا بُرهة من الزمن، وأنا لا أجد حلاًّ لهذه المشكلة، إلى أن منَّ الله علي بأخ كريم، ألا وهو: الشيخ عمر بن سليمان الحفيان، فقام مشكورًا بزيارة لإحدى الجامعات، وقلَّب في سجلات المخطوطات، فعثر على نسخة مصورة عن نسخة دار الكتب المصرية، لكنها تمتاز بحسن التصوير مما حلَّ لي جُلَّ الإشكالات التي وقفت أمامها عاجزًا، فجزى اللهُ الشيخ عمر عني خيرًا، وجعل ذلك في موازين حسناته، فلولا مِنَّة الله تعالى عليَّ بهذه النسخة لما كان لإعادة إخراج الكتاب أدنى فائدة. وقد امتازت النسخة المعتمدة في تحقيق الكتاب بما يلي: 1 - أنها بخط المؤلِّف، وقد دلَّ على هذا عدَّة أمور: الأمر الأول: مقارنة خط المؤلِّف في هذا الكتاب بخطه في كتبه الأخرى، كما ستراه في صور المخطوطات التي وقفت من خلالها

على خط المؤلف. الأمر الثاني: كثرة الإلحاقات التي على هامش النسخة، والتي تمثل ثلث الكتاب تقريبًا، مما يستحيل معها القول بأنها من صنيع النُّسَّاخ، كما ستراه في صور المخطوط. الأمر الثالث: وجود أوراق ملحقة بين صفحات المخطوط، كان المؤلِّف يستدرك فيها ما فاته من الأحاديث والآثار. 2 - أن المؤلِّف قرأها على شيخه الحافظ المزي، وأثبت ذلك في عدة مواضع. 3 - أن على هامش النسخة تعليقات بخط الحافظ ابن حجر، وهي وإن كانت قليلة، إلا أنها تعليقات حديثية نافعة، وقد أثبتُّ هذه التعليقات في أماكنها. وقد دلَّلت على هذا كله بإيراد بعض صور المخطوط.

المبحث الثامن: منهج التحقيق

المبحث الثامن: منهج التحقيق 1 - نظرًا لأن الكتاب قد سبق طبعه، فلم أقم بإعادة نسخ المخطوط، ولكن قابلت المخطوط على المطبوع، وأصلحت ما في المطبوع، ثم دفعت الكتاب لولدي حذيفة -وفقه الله- فقام بصفِّه على الحاسب الآلي. 2 - عزوت الآيات القرآنية لأماكنها من كتاب الله العزيز. 3 - عزوت الأحاديث والآثار إلى مصادرها التي ذكرها المؤلِّف. 4 - ألحقت ما كتبه المؤلف بالحاشية إلى مواضعه من الكتاب، ولم أُشر إلى ذلك لكثرته، ولعدم الفائدة من التنبيه. 5 - خرَّجت الأحاديث والآثار من مصادر أخرى غير التي ذكرها المؤلِّف، وكنت قد تردَّدت في ذلك خوفًا من الإطالة إلا أن بعض إخواني طلب مني ذلك، وأيَّد رأيه بأن تخريج الآثار من الصعوبة بمكان، والله المسئول أن يأجرني على نيَّتي. 6 - عزوت أقوال أئمة الجرح والتعديل إلى مصادرها. 7 - وثَّقت الأقوال الفقهية وعزوتها إلى الكتب المعتمدة قدر الطاقة. 8 - شرحت الكلمات الغريبة، وعزوتها إلى مصادرها. 9 - قابلت نصوص الكتاب على الكتب المطبوعة، وأثبت الفروق المهمة، وقد أخذ ذلك مني وقتًا وجهدًا أحتسبه عند الله تعالى. 10 - إذا أورد المؤلِّف حديثًا أو أثرًا وفيه ضعف بيَّنت ما فيه، ثم اجتهدت في البحث عما يقويه أو التفتيش عما هو صحيح، فإن عثرت على شيء أثبتُّه، وإن لم أجد شيئًا يصح عن عمر -رضي الله عنه-؛ بحثت عما هو ثابت عن

غيره من الصحابة قدر الطاقة، فإن وَجَدت شيئًا أثبتُّه، وإن كان في الباب ما هو صحيح مرفوع أتيت به. وربما ذكرت بعض الشواهد وإن كان فيها ضعف؛ لأجل بيان عدم صلاحيتها للتقوية حتى لا يأتي من يستدرك أن للقصة شواهد تتقوى بها، فانظر على سبيل المثال رقم (95) فقد أوردت تحته عدَّة روايات مرفوعة لأبيِّن عدم صلاحيتها. 11 - ناقشت المؤلِّف فيما ذهب إليه من تصحيح لبعض الروايات، مسترشدًا في ذلك بكلام أئمة العلل، ولا أذكر إلا ما كان واضحًا جليًّا، أما المحتمل فلا أتعرَّض له. 12 - التزمت بنقل كلام الحفاظ على الروايات تصحيحًا وتعليلاً، بدءًا بعلمائنا الأوائل، وانتهاءً بالإمام الألباني، وما لم أجد لهم فيه كلامًا أو غاب عني، اجتهدت في دراسته حسب القواعد المقرَّرة في هذا الفن. 13 - وحرصًا مني على بلوغ أقصى ما يمكن أن أقوم به خدمة لهذا الكتاب، فقد قمت بجرد مجموعة كبيرة من المصنَّفات والأجزاء الحديثية، رجاء أن أظفر بكلام لأحد الأئمة، أو أن يقع تحت يدي مصدر عزيز من المصادر، أو أن أقف على طريق تشدُّ من أزر الطرق المتكلَّم فيها، وقد استغرق ذلك مني وقتًا وجهدًا لا يدركه إلا من مارس ذلك بنفسه، وها هي مرتَّبة على حروف المعجم: 1 - «أحكام أهل الملل» للخلاَّل. 2 - «أخبار القضاة» لوكيع محمد بن خلف. 3 - «أقضية الخلفاء الراشدين» للدكتور أر-كي - نور محمد بن أر - كي - محيي الدين.

3 - «إرواء الغليل» للألباني. 4 - «أمالي» ابن بشران. 5 - «أمالي المحاملي» رواية ابن البيِّع. 6 - «أمالي المحاملي» رواية ابن مهدي الفارسي. مخطوط. 7 - «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» للخلاَّل. 8 - «أنساب الأشراف» للبلاذُري -سيرة عمر. 9 - «البدر المنير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير» لابن الملقِّن. 10 - «التاريخ الأوسط» للبخاري. 11 - «تاريخ ابن معين» رواية الدُّوري. 12 - «تاريخ الإسلام» للذهبي. الجزء الخاص بترجمة عمر رضي الله عنه. 13 - «تاريخ دمشق» لابن عساكر، الجزء الخاص بترجمة عمر رضي الله عنه. 14 - «تاريخ الرَّقة» لأبي علي القشيري الحرَّاني. 15 - «التاريخ الكبير» لابن أبي خيثمة. 16 - «تاريخ المدينة النبوية» لعمر بن شبَّة. 17 - «التحجيل لما فات إرواء الغليل» للطريفي. 18 - «الترجُّل» للخلال. 19 - ترجمة عمر بن الخطاب من «الإصابة» لابن حجر. 20 - ترجمة عمر بن الخطاب من «حلية الأولياء» لأبي نعيم. 21 - ترجمة عمر بن الخطاب من «الطبقات الكبرى» لابن سعد. 22 - «تفسير ابن المنذر». 23 - «التكميل لما فات إرواء الغليل» لمعالي الشيخ صالح آل الشيخ. 24 - «تهذيب الآثار» للطبري. 25 - «التفسير من الجامع» لابن وهب. 26 - «جامع بيان العلم وفضله» لابن عبد البر.

27 - «جزء حنبل». 28 - «جزء في ذكر الإمام الحافظ ابن منده» لأبي موسى المديني. 29 - «جزء فيما انتقى ابن مردويه على الطبراني». 30 - «الجعديات» لأبي القاسم البغوي. 31 - «الجليس الصالح الكافي» للمعافى بن زكريا. 32 - جمهرة الأجزاء الحديثية، وتشتمل على 19 جزءًا، وهي: - «الأربعون» لابن المقرئ. - «من حديث أبي بكر ابن المقرئ». - «أحاديث بكر بن بكار». - «ستة مجالس من أمال الباغندي». - «حديث بدر بن الهيثم القاضي». - «من حديث أحمد بن سليمان بن حذلم». - «حديث الهميان». - «من حديث البغوي وابن صاعد وعبد الصمد». - «فوائد أبي الحسين أحمد بن محمد بن حمزة الثقفي». - «من مسند ابن زيدان». - «فوائد أبي الخير محمد بن أحمد الباغبان». - «حديث المصافحة» للسِّلَفي. - «كلام السِّلَفي على الأربعين الودعانية». - «حديث العثماني الديباجي». - «حديثان من إملاء أبي إسحاق الغساني السنهوري». - «أحاديث عن 19 من أصحاب ابن طبرزد».

- «من حديث التقي ابن المجد». - «خمسة أحاديث من إملاء العراقي». - «الاستعانة بالفاتحة على نجاح الأمور» ليوسف بن عبد الهادي. 33 - «حديث أبي الفضل الزهري» رواية الجوهري. 34 - «حديث السرَّاج». 35 - «حديث شعبة» لابن المظفر. 36 - «حديث إسماعيل بن جعفر» رواية علي بن حُجر. 37 - «حديث مصعب بن عبد الله الزبيري». 38 - «الزيادات على كتاب المزني» لأبي بكر ابن زياد النيسابوري. 39 - «سؤالات أبي عبيد الآجري» لأبي داود. 40 - «سنن الدارمي». 41 - «الطيوريات» للمبارك بن عبد الجبار الصوفي. 42 - «علل ابن أبي حاتم الرازي». 43 - «العلل» لابن المديني. 44 - «العلل» للإمام أحمد، رواية ابنه عبد الله. 45 - «العلل» للإمام أحمد، رواية المروذي وغيره. 46 - «فتوح البلدان» للبلاذُري. 47 - «فضائل القرآن» للفِريابي. 48 - «فضائل القرآن» للمستَغفِري. 49 - «فضائل القرآن» لابن الضريس. 50 - «فضائل القرآن» لأبي عبيد القاسم بن سلاَّم. 51 - «فقه عمر بن الخطاب موازنًا بفقه أشهر المجتهدين» للدكتور رُوَيعي بن راجح الرحيلي. 52 - «الفقيه والمتفقه» للخطيب البغدادي.

53 - «فوائد الخليلي». 54 - «فوائد أبي محمد الفاكهي». 55 - «الفوائد العوالي المؤرخة من الصحاح والغرائب» للتَّنوخي. 56 - «فوائد الفاكهي». 57 - «فوائد الفوائد» لابن خزيمة. 58 - «الفوائد المعلَّلة» لأبي زرعة الرازي. 59 - «مجموع فيه مصنَّفات أبي الحسن ابن الحمامي، وأجزاء حديثية أخرى». 60 - «محض الصواب في فضائل عمر بن الخطاب» ليوسف ابن عبد الهادي. 61 - «المزكيات». انتقاء الدارقطني. 62 - «مسائل أحمد» رواية إسحاق بن إبراهيم بن هانئ. 63 - «مسائل أحمد» رواية أبي داود السجستاني. 64 - «مسائل أحمد» رواية ابنه صالح. 65 - «مسائل أحمد» رواية ابنه عبد الله. 66 - «مسائل الكوسج». 67 - «مسند السَّرَّاج». 68 - مسند عمر بن الخطاب» للنَّجاد. 69 - مسند عمر بن الخطاب من «إتحاف المهرة». 70 - مسند عمر بن الخطاب من «تحفة الأشراف». 71 - مسند عمر بن الخطاب من «مسند الإمام أحمد». 72 - مسند عمر بن الخطاب من «مسند البزار». 73 - مسند عمر بن الخطاب من «علل الدارقطني». 74 - مسند عمر بن الخطاب من «المختارة» للضياء المقدسي. 75 - «مسند عمر بن الخطاب» ليعقوب بن شيبة.

76 - «مشيخة ابن عبد الباقي». 77 - «مشيخة الأبنوسي». 78 - «مشيخة ابن الحطاب الرازي». 79 - «مشيخة ابن أبي الصقر». 80 - «مشيخة ابن النَّقور». 81 - «مصارع العشَّاق» لأبي محمد السرَّاج. 82 - مصنَّفات ابن أبي الدُّنيا المطبوعة، وعددها (39) كتابًا، وهي: - «الاعتبار وأعقاب السرور والأحزان». - «الإخلاص والنيَّة». - «الإخوان». - «إصلاح المال». - «الإشراف في منازل الأشراف». - «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر». - «الأهوال». - «التوكل على الله». - «التهجد وقيام الليل». - «الجوع». - «حسن الظن بالله». - «الحِلم». - «ذكر الموت». - «ذم الدنيا». - «ذم الملاهي».

- «الرضا عن الله بقضائه». - «الرقة والبكاء». - «الشكر لله عزَّ وجلَّ». - «الصبر والثواب عليه». - «صفة النار». - «الصمت وآداب اللسان». - «العزلة والانفراد». - «العقوبات». - «العمر والشيب». - «العيال». - «فضائل رمضان». - «قرى الضبف». - «قصر الأمل». - «قضاء الحوائج». - «المتمنين». - «مجابو الدعوة». - «المحتضرين». - «مداراة الناس». - «المطر والرعد والبرق والريح». - «مقتل أمير المؤمنين». - «مكائد الشيطان». - «مكارم الأخلاق».

- «من عاش بعد الموت». - «الهواتف». - «الورع». - «اليقين». 83 - «معجم ابن الأعرابي». 84 - «معجم الإسماعيلي». 85 - «المعرفة والتاريخ» للفَسَوي. 86 - «المتفق والمفترق» للخطيب البغدادي. 87 - «المنتظم» لابن الجوزي. القسم المتعلِّق بخلافة عمر رضي الله عنه. 88 - «المطالب العالية» لابن حجر. 89 - «المنتخب من علل الخلاَّل» لابن قدامة. 90 - «المنتقى من الجزء الأول والثالث» لأبي القاسم المروزي المعروف بالحامض. 91 - «المهروانيات». 92 - «موسوعة أقوال الإمام أحمد في الطهارة والصلاة» لإبراهيم النحاس. 93 - «موسوعة فقه عمر بن الخطاب» لمحمد رواس قلعجي. 94 - «موطأ مالك». رواية يحيى الليثي. 95 - «الموطأ» لابن وهب (المحاربة، القضاء، البيوع). 96 - «الوقوف» للخلاَّل.

المبحث التاسع: نقد الطبعة السابقة للكتاب

المبحث التاسع: نقد الطبعة السابقة للكتاب قد يتساءل البعض قائلاً: ما الداعي لإعادة إخراج هذا الكتاب، وقد سبق طبعه؟ فأقول: نعم، لقد سبق طبع هذا الكتاب منذ عشرين عامًا تقريبًا بتحقيق الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي، وقبل الجواب على هذا السؤال أنقل للقارئ بعض آراء أهل العلم والمختصين في تحقيقات الدكتور قلعجي جملة، ثم أبيِّن وجه الخلل الواقع في النشرة المطبوعة، فأقول: قال الشيخ العلاَّمة حماد الأنصاري: كل الكتب التي يطبعها القلعجي لاتصلح، لابد أن يعاد تحقيقها، وتعاد طباعتها. وقال -أيضًا-: سألت عن القلعجي الذي يحقِّق كتب العلم -لما كنت بمصر- رجلاً ثقة، فقال لي: هذا رجل بيطري، ترك البيطرة، واشتغل بتحقيق كتب العلم ونشرها للتجارة وجمع المال، ويجمع الشباب والشابَّات المتبنطلات لهذا الغرض. انظر: «المجموع في ترجمة المحدِّث الشيخ حماد بن محمد الأنصاري» (2/ 594، 620). وقال الدكتور عبد الله عسيلان في كتابه: «تحقيق المخطوطات بين الواقع والنهج الأمثل» (ص 77): وقد ظهرت في ساحة التحقيق منذ أمد قريب شرذمة أقحمت نفسها في ميدانه ... ، وأقرب مثال على ذلك: ما خَرَج لنا من بعض كتب الحديث التي يزعم طبيب اسمه: عبد المعطي أمين قلعجي أنه تولَّى تحقيقها، وتربو في مجموعها على ستين جزءًا، وما تراه فيها من تحقيق ينم عن جهل بأصوله وأصول

العلم الذي تدور في فَلَكه؛ بل يؤكد محمد عبد الله آل شاكر أن المذكور يستحل جهود الآخرين، ويسطو عليها، حيث يكلِّفهم بالعمل على تحقيقها بدعوى المشاركة، ثم يطبعها باسمه وحده (¬1)، كما حدَّثه بذلك أحد أساتذة الأزهر ممن وقع في أحابيله، ويؤكد ذلك تقارب تاريخ صدور بعض هذه الكتب مع كثرة أجزائها، مثل كتاب «الثقات» للإمام العجلي، الذي صدر سنة 1405 هـ، وهو جزء واحد، وفي السَّنَة نفسها صدر كتاب «دلائل النبوة» للإمام البيهقي في ثمانية أجزاء، وصدر في عام 1412 هـ كتاب «معرفة السُّنن والآثار» للبيهقي في خمسة عشر جزءًا، وبعد أقل من عامين، أي في عام 1414 هـ يصدر كتاب «الاستذكار» لابن عبد البر، وهو كتاب ضخم يقع في ثلاثين جزءًا، فهل كان يحقِّق هذه الكتب في وقت واحد، أو أن هناك عددًا من الأشخاص يعملون خلف الكواليس ... ؟ وقد أخبرني الشيخ حماد بن محمد الأنصاري بأنه وقف في عمل مَن تولَّى إخراج هذه الكتب على طامات وعجائب من التصحيفات والتحريفات والأخطاء في التعليق والتخريج. اهـ ¬

(¬1) والحق يقال: ليس الدكتور قلعجي وحده في هذا الميدان، فما أكثر مكاتب التحقيق في عصرنا التي تصنع مثل صنيع الدكتور، يستحلون كتابة أسمائهم على مؤلفات لم يروها إلا بعد الانتهاء من تحقيقها، وبعض الأسماء توضع على الكتب لا لشيء إلا لأن المحقق المزعوم هو الذي تولى الإنفاق على طباعة الكتاب وتحقيقه!! وما أدري أين يذهب هؤلاء عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المتشبع بما لم يُعطَ كلابس ثَوبَي زُور». وقد حدثني الأخ الشيخ عمر بن سليمان الحَفيان أنه سأل الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- قبل وفاته عمن يقومون بوضع أسمائهم على الكتب لأجل أنهم تولوا الإنفاق على طبعها وتحقيقها، فقال له الشيخ: هذا غش وتدليس وخيانة، فإن كان ولابد؛ فليقل: موَّله فلان. كذا قال الشيخ، ولكن لا حياة لمن تنادي!

وممن قام بنقد أعماله: الدكتور زهير بن ناصر الناصر في كتابه: «القول المفيد في الذبِّ عن جامع المسانيد»، فقد عَقَد في كتابه هذا فصلاً كاملاً لبيان الأغلاط الواقعة في النشرة التي أخرجها الدكتور قلعجي لـ «جامع المسانيد والسُّنن»، وقد أجمل الدكتور هذه الأخطاء في عدَّة نقاط، ثم شرع في التفصيل، وإليكها مجملة: 1 - قصور المحقِّق في تخريجه للأحاديث وتعليقاته عليها. 2 - ضَعف المحقِّق في خدمة نص الحافظ ابن كثير. 3 - وجود الحديث في «مسند أحمد» مع عدم عزوه إليه. 4 - عدم استيعاب المحقِّق طرق الحديث الواحد. 5 - إيراد المحقِّق زيادات مخلَّة لا معنى لها في أسانيد الأحاديث متابعة للمطبوع. 6 - ذِكر المحقِّق ترجمة الراوي الواحد في موضعين، فيفرِّق بين مجتمع ظانًا أنهما اثنان. 7 - زيادة المحقِّق راويًا واحدًا في الإسناد متابعة للمطبوع. 8 - زيادته راويين في أول الإسناد. 9 - جعله الراويين راويًا واحدًا. 10 - سقوط راو أو أكثر من الإسناد مع عدم تنبُّه المحقِّق لذلك. 11 - إخلال المحقِّق بإغفاله ذكر بعض الأحاديث في مرويات التابعي عن الصحابي. 12 - استحداث المحقِّق تراجم خاطئة أو لا وجود لها نتيجة تحريف في المطبوع. 13 - جعل المحقِّق الحديث من رواية الإمام أحمد، والصواب أنه

من زيادات ابنه عبد الله. 14 - سقوط اسم شيخ الإمام أحمد من أول السند نتيجة متابعة المحقِّق للمطبوع. 15 - عدم توثيقه النص على الأصل للمخطوط. وقال عبد الله بن يوسف الجديع -هداه الله- في تعليقه على «المقنع في علوم الحديث» لابن الملقِّن (2/ 657) تعليقًا على نشرة الدكتور قلعجي لـ «الضعفاء الكبير» للعقيلي: واعلم أنه وقع في هذه النشرة سقط وتحريف ليس بالقليل، فالله المستعان. وقال الأستاذ مازن السرساوي في تحقيقه لـ «علل ابن المديني» (ص 7 - ط دار ابن الجوزي) عند الكلام على نشرات الكتاب السابقة: ثم تلاه [أي: الأعظمي]: الطبيبُ عبد المعطي قلعجي، فأعاد نشر الكتاب، وليته ما أتعب نفسه؛ فإنه ما فعل شيئًا يُذكَر، بل مسخ الكتاب، ولم يحسن قراءة المخطوط، وبعد ذلك أخرجه عن موضوعه بهذه الحواشي التي هي في وادٍ، والكتاب في وادٍ آخر، وهذا شأن الرجل في كل ما يطبعه أو يدعي أنه حقَّقه، والله يسامحه. وأما عن مبلغ علم الدكتور قلعجي بفن صناعة الحديث، فقد كفانا الجواب عن هذا الإمام الألباني، فقال في «السلسلة الضعيفة» (3/ 529) بعد كلام له: وهكذا فليكن تحقيق الدكتور! وكم له في تعليقاته من مثل هذا وغيره من الأخطاء والأوهام التي تدل على مبلغه من العلم. والله المستعان. وقال -أيضًا- في (4/ 17): وإنما أوقع الدكتور في هذا الخطإ الفاحش: افتئاته على هذا العلم، وظنه أنه يستطيع أن يخوض فيه تصحيحًا وتضعيفًا بمجرد أنه نال شهادة الدكتوراه.

وقال -أيضًا- في (5/ 235 - 237): ومثل هذا التخريج وغيره يدل دلالة واضحة على أن الدكتور ليس أهلاً للتخريج؛ بله التحقيق. وقال -أيضًا- في (7/ 23): وأما الدكتور القلعجي الجريء على تصحيح الأحاديث الضعيفة، وتضعيف الأحاديث الصحيحة، بجهل بالغ، وقلة خوف من الله عزَّ وجلَّ، فقد أورد هذا الحديث ... الخ. هذا ما قاله المختصون في تحقيقات الدكتور قلعجي على وجه الإجمال، وإليك الأمثلة التطبيقية على صحة ما قالوه من خلال تحقيقي لهذا الكتاب. فأقول، وبالله التوفيق: يمكن إجمال الأخطاء الواقعة في نشرة الدكتور قلعجي لـ «مسند الفاروق» في عدة نقاط رئيسة، وهي: 1 - إسقاطه لعشرات النصوص من النسخة الخطية. 2 - التصرف في النص بالزيادة والنقصان. 3 - التحريف والتصحيف في النصوص، وأسماء الرجال، ومتون الأحاديث. 4 - إسقاطه لجميع تعليقات الحافظ ابن حجر. 5 - إتيانه بنص لا وجود له في النسخة الخطية. ولا يخفى عليك -أيها القارئ- أن خطأ واحدًا من هذه الأخطاء كافٍ لإسقاط طبعة الدكتور، فكيف بها مجتمعة؟! وسأبرهن على كل نوع من هذه الأنواع بذكر عدَّة أمثلة، أما الاستقصاء فهذا مما لا سبيل إليه؛ لكثرته، وقد وضعت ذلك في آخر الكتاب مع الفهارس لمن يريد النظر فيها.

شكر وعرفان

شكر وعرفان وفي الختام أرى لزامًا عليَّ أن أقوم بالشكر والعرفان لكل من كان عونًا لي بعد الله تعالى في إخراج هذا الكتاب، وأخص منهم بالذِّكر: فضيلة الشيخ العلاَّمة عبد العزيز بن إبراهيم بن قاسم القاضي بالمحكمة الكبرى بالرياض الذي كان نِعم العون لي في تثبيتي في طريق طلب العلم، ولقد تشرَّفت بالعمل في مكتبه حين أوكل إليَّ القيام بتخريج أحاديث كتاب «كشاف القناع عن الإقناع» في الفقه الحنبلي، الذي تقوم الآن بطبعه وزارة العدل بالمملكة العربية السعودية في (15) مجلدًا، واللهَ أسأل أن يجزيه عني خير الجزاء، وأن يبارك له في ذريته، وأن يجعله يوم القيامة فوق كثيرٍ من خَلْقه، إنه ولي ذلك والقادر عليه. والشكر موصول لأصحاب الفضيلة: الشيخ عمر بن سليمان الحَفْيان الذي دلَّني على العمل في هذا الكتاب، ونبَّهني على الأغلاط الواقعة في النسخة المطبوعة، ثم حثَّني على العمل على إخراجه، وإليه يعود الفضل فى تنبيهي على أن الاستدراكات التي على حواشي النسخة هي من خط الحافظ ابن حجر، فجزاه اللهُ عني خيرًا. والشيخ عبد الرحمن بن أحمد الجُميزي الذي قام معي بمقابلة المخطوط، وقراءة الكتاب بتمامه بعد الفراغ من تحقيقه، وقدَّم لي ملحوظات قيِّمة أفدت منها كثيرًا في إقامة نصِّ الكتاب،

فجزاه الله عني خيرًا. والشيخ خالد بن محمود بن علي الربَّاط الذي أحضر لي صورة النسخة الخطية من دار الكتب المصرية، والذي تولَّى إخراج الكتاب في داره العامرة بمصر. والشيخ عبد الحق التركماني، والشيخ ساعد غازي، والشيخ فتحي الجندي على ما قدَّموا لي من ملحوظات وتنبيهات. كما أشكر ولدي حذيفة الذي قام بصفِّ الكتاب على الحاسب الآلي، فجزاه اللهُ عني خيرًا، وجعله مباركًا أينما كان، وحفظَه وإخوانَه من جميع الشرور والآثام، اللهم آمين. وأخيرًا، فكما قال المزني رحمه الله: «لو عُورض كتابٌ سبعين مرَّة؛ لوُجد فيه خطأ، أَبَى اللهُ أن يكون كتابٌ صحيحًا غيرَ كتابِهِ»، فما كان في هذا الكتاب من حق وصواب؛ فذلك من فضل الله عليَّ، وهو المانُّ به،

وما كان فيه من خطإ أو خَلَل؛ فهو مني، وأنا المسئول عنه، واللهَ أسأل أن يغفر لي خطئي وزللي، والمرجو من إخواني ألا يبخلوا عليَّ بنصحي وتقويمي. والحمد لله أولاً وآخرًا، باطنًا وظاهرًا، كما يحبُّ ويرضى، وصلَّى الله وسلَّم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه.

إسنادي إلى الحافط ابن كثير

إسنادي إلى الحافط ابن كثير أروي هذا الكتاب وغيره من مصنَّفات الحافظ ابن كثير عن شيخنا عبد الله بن عبد العزيز العقيل إجازة في الرياض سنة 1423 هـ، قال: أنبأنا عبد الحق بن عبد الواحد الهاشمي إجازة، عن أحمد بن عبد الله بن سالم البغدادي، عن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، عن جدِّه شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، عن عبد الله بن إبراهيم بن سيف الفرضي. وأنبأنا شيخنا زهير الشاويش مكاتبة من بيروت سنة 1423 هـ، قال: أنبأنا السيد محمد بدر الدين بن يوسف الحسني الدمشقي، عن عبد القادر بن عبد الرحيم الخطيب، عن عبد الرحمن الكُزبري، عن أحمد بن عبيد العطار، عن صالح الجِينيني. كلاهما (عبد الله بن إبراهيم بن سيف الفرضي، وصالج الجِينيني) عن أبي المواهب محمد بن عبد الباقي البعلي، عن النجم محمد بن البدر محمد الغزِّي، عن أبيه، عن أبي الفتح محمد الِمزِّي العوفي، عن الشمس محمد بن الجزري المقرئ، عن الإمام الحافظ ابن كثير.

نماذج خطية

نماذج خطية ظهرية النسخة الخطية للكتاب

اللوحة الأولى

اللوحة الأخيرة

نموذج تتداخل الحواشي والإلحاقات

حاشية بخط الحافظ ابن حجر

صورة من مخطوط (طبقات الشافعية) للحافظ ابن كثير وعليها إجازة بخط يده بتاريخ 746 هـ

النص محقَّقًا

كتاب الطهارة

/ (ق 2) بسم الله الرحمن الرحيم رب يسِّر مسند أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتاب الطهارة (1) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا سفيان بن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم التَّيمي، عن علقمة بن وقَّاص اللَّيثي قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: سَمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما الأعمالُ بالنِّيَّةِ، ولكلِّ امرئٍ ما نَوَى، فمَن كانت هجرتُهُ إلى اللهِ، فهجرتُهُ إلى ما هاجَرَ إليه، ومَن كانت هجرتُهُ لدنيا يُصيبُها أو امرأةٍ يَنكحُها، فهجرتُهُ إلى ما هاجَرَ إليه». هكذا رواه عن سفيان. ورواه في موضع آخر (¬2) عن يزيد بن هارون، عن يحيى بن سعيد، به، ولفظه: «إنما العملُ بالنِّيَّةِ، وإنما لامرئٍ ما نَوَى، فمَن كانت هجرتُهُ إلى اللهِ وإلى رسولِهِ، فهجرتُهُ إلى اللهِ وإلى رسولِهِ، ومَن كانت هجرتُهُ لدنيا يُصيبُها أو امرأةٍ يتزوَّجُها، فهجرتُهُ إلى ما هاجَرَ إليه». وهذا حديثٌ عظيمٌ جليلٌ، اتَّفق الأئمَّة كلُّهم على إخراجه في كُتُبِ الإسلامِ وتلقِّيه بالقَبول من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري القاضي. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 25 رقم 168). (¬2) (1/ 43 رقم 300).

فرواه أبو عبد الله البخاري -رحمه الله- في سبعة مواضعَ من كتابه «الصحيح»: ففي أول الكتاب (¬1) عن الحميدي -وهو: عبد الله بن الزبير-، عن سفيان (مـ) (¬2) / (ق 3) بن عيينة، به، ولفظه: «إنما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ، وإنما لكلِّ امرئٍ ما نَوَى، فمن كانت هجرتُهُ إلى دنيا يُصيبُها أو إلى امرأةٍ يَنكحُها، فهجرتُهُ إلى ما هاجَرَ إليه». ورواه في كتاب الإيمان (¬3)، عن القَعْنبي (مـ س) (¬4). وفي النكاح (¬5)، عن يحيى بن قَزَعة. كلاهما عن مالك بن أنس (س) (¬6)، عن يحيى بن سعيد، به. ولفظه في الإيمان: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «الأعمالُ بالنِّيَّةِ، ولكلِّ امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرتُه إلى اللهِ ورسولِهِ، فهجرتُه إلى اللهِ ورسولِهِ، ومَن كانت هجرتُه إلى دُنيا يُصيبها أو إلى امرأةٍ (¬7) يتزوَّجُها، فهجرتُه إلى ما هاجر إليه». ¬

(¬1) (1/ 9 رقم 1 - فتح) في بدء الوحي، باب كيف الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. (¬2) هذا الرمز وما يتلوه من الرموز من صنيع المؤلِّف، ومراده هنا: بيان أن رواية مسلم (3/ 1515 رقم 1907) من طريق ابن عيينة. (¬3) (1/ 135 رقم 54 - فتح) باب ما جاء أنَّ الأعمال بالنِّيَّة والحسبة، ولكل امرئ ما نوى. (¬4) هذا الرمز لبيان أن رواية مسلم (3/ 1515 رقم 1907) والنسائي (1/ 62 رقم 75) من طريق القَعْنبي. (¬5) (9/ 115 رقم 5070 - فتح) باب من هاجر أو عمل خيرًا لتزويج امرأة فله ما نوى. (¬6) هذا الرمز لبيان أن رواية النسائي (1/ 62 رقم 75) و (6/ 470 رقم 3437) من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (ص 341 رقم 983 - رواية محمد بن الحسن). (¬7) في المطبوع: «أو امرأة».

ثم رواه البخاري في الهجرة (¬1)، عن مُسدَّد. وفي ترك الحيل (¬2)، عن محمد بن الفضل عارِم. كلاهما عن حماد بن زيد (مـ س) (¬3)، عن يحيى بن سعيد، به. ورواه في العتق (¬4)، عن محمد بن كثير (د) (¬5)، عن الثوري، عن يحيى بن سعيد، به. وفي النذور (¬6)، عن قتيبة، عن عبد الوهاب الثَّقَفي، عن يحيى بن سعيد، به. بألفاظ متقاربة. وأخرجه مسلم في أواخر كتاب الجهاد من «صحيحه» (¬7)، عن ابن أبي عمر، عن سفيان بن عيينة. وعن محمد بن عبد الله بن نُمَير، عن حفص بن غياث ويزيد بن هارون. كلُّهم عن يحيى بن سعيد, به. ورواه -أيضًا- من حديث الليث بن سعد (ق) (¬8)، وعبد الله بن ¬

(¬1) (7/ 226 رقم 3898 - فتح) في مناقب الأنصار، باب هجرة النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة. (¬2) (12/ 327 رقم 6953 - فتح) باب في ترك الحيل. (¬3) هذا الرمز لبيان أن رواية مسلم (3/ 1515 رقم 1907) والنسائي (1/ 62 رقم 75) من طريق حماد بن زيد. (¬4) (5/ 160 رقم 2529) باب الخطإ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه. (¬5) هذا الرمز لبيان أن رواية أبي داود (3/ 75 رقم 2201) من طريق محمد بن كثير. (¬6) (11/ 572 رقم 6689) باب النِّيَّة في الأيمان. (¬7) هكذا عزا المؤلِّف هذا الحديث لكتاب الجهاد من «صحيح مسلم» تبعًا لشيخه المزي في «تحفة الأشراف» (8/ 92)، وليس في «صحيح مسلم» كتاب بهذا الاسم، وإنما أخرجه في كتاب الإمارة. انظر: «صحيح مسلم» (3/ 1515 رقم 1907) كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنِّيَّة». (¬8) هذا الرمز لبيان أن رواية ابن ماجه (2/ 1413 رقم 4227) من طريق الليث بن سعد.

المبارك (س) (¬1)، وأبي خالد الأحمر، ومن طرق أخر قد رَمَزنا له عليها. كلُّهم عن يحيى بن سعيد. ولفظ مسلم: «إنما الأعمالُ بالنِّيَّةِ، وإنما لامرئٍ ما نوى / (ق 4) فمن كانت هجرتُه إلى اللهِ ورسولِهِ، فهجرتُه إلى اللهِ ورسولِهِ، ومن كانت هجرتُه لدنيا يُصيبها أو امرأةٍ يتزوَّجُها، فهجرتُه إلى ما هاجر إليه». وأخرجه أصحاب السُّنن الأربعة: أبو داود السِّجستاني (¬2)، وأبو عيسى الترمذي (¬3)، وأبو عبد الرحمن النسائي (¬4)، وأبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القَزويني (¬5) من الطرق التي رَمَزنا لهم عليها، وألفاظهم متقارِبة. وقد حرَّرناها في أول «شرح البخاري» (¬6)، ولله الحمد. وقد رواه الإمام علي ابن المديني في «مسنده» (¬7)، عن سفيان بن ¬

(¬1) هذا الرمز لبيان أن رواية النسائي (1/ 62 رقم 75) من طريق عبد الله بن المبارك. (¬2) تقدم تخريجه في الصفحة السابقة، تعليق رقم 5 (¬3) في «سننه» (4/ 154 رقم 1647) في فضائل الجهاد، باب ما جاء فيمن يُقاتل رياءً وللدنيا. (¬4) في «سننه» (6/ 470 رقم 3437) في الطلاق، باب الكلام إذا قصد به فيما يحتمل معناه، و (7/ 18 رقم 3803) في الأيمان، باب النِّيَّة في اليمين. (¬5) تقدم تخريجه في الصفحة السابقة، تعليق رقم 5. (¬6) ذَكَره المؤلِّف في عدَّة مواضع من هذا الكتاب، وقال في «البداية والنهاية» (11/ 24) في ترجمته للإمام البخاري: وقد ذكرنا له ترجمةً حافلةً في أول شرحنا لـ «صحيحه». قلت: لكنه لم يتمَّه، كما ذَكَر ذلك ابن حجر في «الدُّرر الكامنة» (1/ 399)، والداوودي في «طبقات المفسِّرين» (1/ 112). (¬7) قد أكثر المؤلِّف -رحمه الله- في كتابه هذا النقل من «مسند علي ابن المديني». وفي بعض المواضع سماه: «المسند المعلَّل». وفي أحد المواضع قال: «قال علي ابن المديني في مسند عمر». وبالنظر في هذه المواضع تبيَّن أن الحافظ ابن كثير ينقل من «مسند علي ابن المديني المعلَّل»، وهو مرتَّب على مسانيد الصحابة، وهذا «المسند» في عداد المفقود الآن.

عيينة، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثَّقَفي، ويزيد بن هارون. كلُّهم عن يحيى بن سعيد، به. ثم قال: هذا حديث صحيح جامع، وهو من أصحِّ حديث روي عن عمرَ مرفوع، ولا نرويه من وجه من الوجوه إلا من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري. ورواه أبو داود الطيالسي في «مسنده» (¬1) عن حماد بن زيد، وزُهَير بن محمد التميمي. كلاهما عن يحيى بن سعيد، به. ورواه أبو يعلى الموصلي في «مسنده» (¬2) عن أبي خيثمة زُهَير بن حرب، عن يزيد بن هارون، عن يحيى بن سعيد، به. وعن إسحاق بن إسماعيل، عن سفيان بن عيينة، ويزيد بن هارون، وجعفر بن عَون. كلُّهم عن يحيى بن سعيد، به. وعن القَوَاريري، عن حماد بن زيد، عن يحيى، به. ورواه الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزَّار في «مسنده» (¬3) عن محمد بن عبد الملك القرشي بن أبي الشَّوارب. ¬

(¬1) (1/ 41 - 42 رقم 37). (¬2) لم أجده في المطبوع من «مسنده»، وهو من رواية ابن حمدان، فلعله في مسنده الكبير. (¬3) (1/ 380 رقم 257) عن محمد بن عبد الملك القرشي، عن حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، به.

(ق 5) ......... (¬1) وعبد الرحمن. وكُلٌّ منهم قد تكلِّم فيه. (2) وقد رواه الدارقطني (¬2) عن الحسين بن إسماعيل، عن أحمد بن إبراهيم البُوشَنجي، عن سفيان بن عيينة قال: حدَّثونا عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: لما كنَّا بالشام أتيتُ عمرَ بن الخطاب بماءٍ، فتوضَّأ منه ... ، وذَكَر الحديث (¬3). ¬

(¬1) في هذا الموضع خرم بالأصل. (¬2) في «سننه» (1/ 32). (¬3) ولفظ رواية الدارقطني: لما كنَّا بالشام أتيتُ عمرَ بماءٍ فتوضَّأ منه، فقال: من أين جئتَ بهذا؟ فما رأيتُ ماءً عَذبًا، ولا ماءَ سماءٍ أطيبَ منه! قال: قلت: من بيتِ هذه العجوزِ النصرانيةِ. فلما توضَّأ، أتاها، فقال: أيَّتُها العجوزُ، أَسلِمِي تَسلَمِي، بَعَثَ اللهُ محمدًا صلى الله عليه وسلم بالحقِّ. قال: فكَشَفَت رأسَها، فإذا مثلُ الثَّغَامةِ، قالت: وأنا أموتُ الآن! قال: فقال عمرُ: اللهمَّ اشْهَدْ.

وهكذا رواه علي بن حرب الطائي (¬1)، عن سفيان بن عيينة. لكن هذا الأثر مشهور عن عمرَ، متداولٌ بين الأئمَّة، والله أعلم (¬2). حديث آخر (3) قال الإمام أحمد (¬3): ثنا يحيى بن غَيْلان، ثنا رِشدين بن سعد، ¬

(¬1) في «جزئه» (ص 265 رقم 27). وهذا الأثر يَرويه ابن عيينة، واختُلف عليه: فقيل: عنه، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ! وقيل: عنه، عمَّن حدَّثه عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ! وقيل: عنه، عن ابن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جدِّه، عن عمرَ! أما الوجه الأول: فأخرجه الشافعي في «الأم» (1/ 8) -ومن طريقه: ابن المنذر في «الأوسط» (1/ 314 رقم 237) والبيهقي (1/ 32) - وعلي بن حرب في «جزئه» (ص 265 رقم 27) وعبد الرزاق (1/ 78 رقم 254). والدارقطني (1/ 32) من طريق خلاَّد بن أسلم. أربعتهم (الشافعي، وعلي بن حرب، وعبد الرزاق، وخلاَّد) عن ابن عيينة، عن زيد بن أسلم، عن أبيه ... ، فذكره. تنبيه: تحرَّف خلاَّد بن أسلم في مطبوع الدارقطني إلى «ابن خلاَّد بن أسلم»! وجاء على الصواب في النسخة المحققة (1/ 39 رقم 64 - ط مؤسسة الرسالة). ورواية الشافعي وعلي بن حرب مقتصرة على قصة الوضوء فقط. قال الحافظ في «تغليق التعليق» (2/ 131): وهذا إسناد ظاهره الصحة، وهو منقطع. وقال في «الفتح» (1/ 299): لم يَسْمعه ابن عيينة من زيد بن أسلم، فقد رواه البيهقي من طريق سعدان بن نصر، عنه، قال: حدَّثونا عن زيد بن أسلم ... ، فذكره مطولاً. ورواه الإسماعيلي من وجه آخر عنه بإثبات الواسطة، فقال: عن ابن زيد بن أسلم، عن أبيه، به. وأما الوجه الثاني: فأخرجه الدارقطني (1/ 32) من طريق أحمد بن إبراهيم البُوشنجي. والبيهقي (1/ 32) من طريق سعدان بن نصر. وعلي بن حرب في «جزئه» (ص 266 رقم 31). ثلاثتهم (البُوشنجي، وسعدان، وعلي بن حرب) عن ابن عيينة قال: حدَّثونا عن زيد بن أسلم، عن أبيه ... ، فذكره. وأما الوجه الثالث: فأخرجه الإسماعيلي، كما في «تغليق التعليق» (2/ 132). قال الحافظ: وأولاد زيد بن أسلم هم: عبد الله، وعبد الرحمن، وأسامة، وهم ضعفاء، وأمثلهم عبد الله، والله أعلم من عَنَى ابن عيينة منهم. وقال في «الفتح» (1/ 299): وأولاد زيد هم: عبد الله، وأسامة، وعبد الرحمن، وأوثقهم وأكبرهم عبد الله، وأظنه هو الذي سَمِعَ ابن عيينة منه ذلك، ولهذا جزم به البخاري. قلت: وهو عند البخاري في «صحيحه» (1/ 298 - فتح) معلقًا، ولفظه: وتوضأ عمر بالحميم من بيت نصرانية. وجوَّد إسناده الشيخ الألباني في «مختصر صحيح البخاري» (1/ 86). (¬2) كتب المؤلِّف بعد هذا الأثر: «يتلوه الورقة»، ولم أعثر على هذه الورقة بين صفحات المخطوط، ومن عادة المؤلِّف في هذا الكتاب أن يضيف أوراقًا ليَستدرك ما فاته من الأحاديث والآثار، كما نبَّهت على ذلك في المقدمة. (¬3) في «مسنده» (1/ 23 رقم 151).

حدثني أبو عبد الله الغافِقي، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه-، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنَّه توضَّأ عامَ تبوكَ واحدةً واحدةً. ورواه ابن ماجه (¬1)، عن أبي كُرَيب، عن رِشدين بن سعد المصري، به. ثم رواه أحمد (¬2)، عن حسن بن موسى الأشيب، عن ابن لَهِيعة، ثنا الضحاك بن شُرَحبيل -وهو: أبو عبد الله الغافِقي-، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ قال: رأيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم توضَّأَ مرَّةً مرَّةً. وهذا إسناد حسن (¬3). ¬

(¬1) في «سننه» (1/ 143 رقم 412) في الطهارة، باب ما جاء في الوضوء مرَّة مرَّة. (¬2) في «مسنده» (1/ 23 رقم 149). (¬3) له علَّة، فقد قال الترمذي في «سننه» (1/ 61) بعد ذِكره لهذه الطريق: وليس هذا بشيء، والصحيح: ما روى ابن عَجْلان وهشام بن سعد وسفيان الثوري وعبد العزيز بن محمد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يَسَار، عن ابن عباس، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وقال أبو حاتم، كما في «العلل» لابنه (1/ 26 رقم 72): هذا خطأ، إنما هو زيد، عن عطاء بن يَسَار، عن ابن عباس، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وقال البزَّار في «مسنده» (1/ 416): هذا الحديث خطأ، وأَحسَبُ أن خطأه أتى من قِبَلِ الضحاك بن شُرَحبيل، والصواب: مارواه الثقات عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يَسَار، عن ابن عباس. قلت: ومن هذا الوجه الذي أشار إليه البزَّار: أخرجه البخاري (1/ 258 رقم 157 - فتح) في الوضوء، باب الوضوء مرَّة مرَّة. ولم يتنبَّه لعلَّته محقِّقو «مسند الإمام أحمد» (1/ 23 - ط مؤسسة الرسالة)، فصحَّحوا رواية ابن لَهِيعة لمتابعة رِشدين، وغفلوا عن علَّته. وانظر للفائدة: «الضعفاء الكبير» للعقيلي (2/ 263) و «علل الدارقطني» (2/ 144 رقم 170).

حديث آخر (4) قال الإمام أحمد (¬1)، وأبو محمد الدَّارمي (¬2)، وهذا لفظه: ثنا عبد الله بن يزيد، ثنا حَيوة، أنا أبو عَقيل زُهرة بن مَعبد، عن ابن عمِّه، عن عُقبة بن عامر: أنَّه خَرَج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوكَ، فجَلَس رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يومًا يحدِّثُ أصحابَه، فقال: «مَن قام إذا استقلَّتِ الشمسُ فتوضَّأَ، فأَحسَنَ الوُضوءَ، ثم قام فصلَّى ركعتين، خَرَج من ذنوبه كيومِ ولَدَتْهُ أُمُّه». قال عُقبة: فقلتُ: الحمدُ لله الذي رَزَقني أن أسمعَ هذا من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. فقال عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه -وكان تُجَاهي جالسًا- أَتَعجبُ / (ق 6) من هذا؟ فقد قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أَعجَبَ من هذا قبلَ أن تأتي؟ فقلتُ: وما ذاك بأبي أنت وأمِّي؟ فقال عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن توضَّأَ فأَحسَنَ الوُضوءَ، ثم رَفَع بصرَه -أو نظرَه- إلى السماء، فقال: أشهدُ أنَّ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، فُتِحَتْ له ثمانيةُ أبوابِ الجنَّةِ يَدخلُ من أيِّهنَّ شاءَ». وأخرجه أبو داود (¬3)، والنسائي (¬4) من حديث حَيوة -وهو: ابن شُريح-، عن زُهرة بن مَعبد، به. وقال علي ابن المديني: هذا حديث حسن (¬5). ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 19 - 20 رقم 121). (¬2) في «سننه» (1/ 558 رقم 743) في الطهارة، باب القول بعد الوضوء. (¬3) في «سننه» (1/ 230 رقم 170) في الطهارة، باب ما يقول الرجل إذا توضأ. (¬4) في «سننه الكبرى» (6/ 25 رقم 9912). (¬5) في إسناده راوٍ لم يُسمَّ، وقد تفرَّد بزيادة لم يُتابَع عليها، وهي قوله: «ثم رفع بصرَه =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = إلى السماء»، وقد نصَّ الشيخ الألباني في «ضعيف سنن أبي داود» (1/ 57) على نكارة هذه الزيادة، فقال: والحديث في «صحيح مسلم» وغيره دون رفع البصر إلى السماء، فلم نجدها إلا في هذه الطريق، فكانت منكرة. وقال في «الإرواء» (1/ 135): وهذه الزيادة منكرة؛ لأنه تفرَّد بها ابن عمّ أبي عقيل هذا، وهو مجهول. وممن نصَّ على جهالته: ابنُ دقيق العيد في «الإمام» (2/ 66) والمنذريُّ في «مختصر سنن أبي داود» (1/ 127). وَوَصْف هذه الزيادة بالنكارة لا يتنافى مع قول الإمام ابن المدينيِّ: «هذا حديث حسن» -فيما ظهر لي-؛ لأن مراده بالحُسْن هنا: الغرابة، ذلك لأن علماء الحديث يطلقون مصطلح الحَسَن، ويريدون به عدَّة إطلاقات: فيطلقونه، ويريدون به: الغرابة. ويطلقونه، ويريدون به: الصحيح الثابت. ويطلقونه، ويريدون به: الحُسْن الاصطلاحي. ويطلقونه، ويريدون به: الحُسْن اللُّغوي. ويطلقونه، ويريدون به: جريان العمل. ولهذه الإطلاقات أمثلة كثيرة مبسوطة في كتب العلل، ومن نازع في هذا، ورأى أن مقصود الإمام ابن المديني في هذا المثال الحُسْن الاصطلاحي لا الغرابة؛ فلا حرج، فالمسألة اجتهادية، وقد ذكر الدكتور خالد بن منصور الدِّريس في كتابه «الحديث الحسن لذاته ولغيره» أن الإمام ابن المديني ممن يستعمل مصطلح الحَسَن بمعنى الصحيح الثابت، واستبعد استعماله بمعنى الغرابة، وتوصل إلى هذه النتيجة بعد استقرائه للنصوص الواردة عن ابن المديني، وبالأخص من خلال كتابنا هذا «مسند الفاروق»، إلا أنه لم يجزم بهذا، فقد قال في نهاية بحثه (1/ 175 - 176): لا أستبعد أنه لو أتيح لنا الاطلاع على نصوص عن الإمام ابن المديني أكثر مما وصلنا فلربَّما تغيَّر حُكمُنا، أو لتنبَّهنا لأشياء كانت خافية علينا. وخالف في هذا الشيخ عمرو عبد المنعم سليم، فذكر في كتابه: «الحَسَن بمجموع الطرق في ميزان المتقدمين والمتأخرين» أن ابن المديني وغيره من أئمة العلل يستعملون مصطلح الحَسَن ويريدون به الغرابة، لا الحُسْن الاصطلاحي. وفيما ذهب إليه نظر؛ فقد نصَّ الحافظ ابن حجر في «النكت على ابن الصلاح» =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = (1/ 426) على أن ابن المديني ممن استعمل الحَسَن بمعناه الاصطلاحي، وسيرد في هذا الكتاب بعض الأمثلة التي تؤيد رأي الحافظ، فانظر رقم (163) و (268). ومما يعاب على الشيخ عمرو أنه أساء العبارة في حق الحافظ ابن حجر، فقال في (ص 29) تعليقًا على رأي الحافظ في أن ابن المديني يستعمل الحَسَن بالمعنى الاصطلاحي: «وهذه دعوى مجرَّدة عارية عن الدليل، فأين اطلع ابن حجر على «مسند علي ابن المديني»، وقد أكلته الأرضة؟»!! هذا ما قاله، وفيه نظر، فابن كثير أكثر النقل في هذا الكتاب عن ابن المديني، والحافظ ابن حجر ممن قرأه وعلَّق عليه، كما بيَّنت ذلك في المقدمة. ثم هَب أن الحافظ لم يطلع على «مسند ابن المديني»، فقد اطلع على غيره من كُتُبه، وفَهِمَ من إطلاقاته إرادة المعنى الاصطلاحي، ووافقه على هذا الفَهم من سَبَقه، ومنهم: الحافظ ابن كثير، كما في المثال رقم (268) من هذا الكتاب. وإذا كان الحافظ لم يطلع على «مسند ابن المديني»، فكذلك الشيخ عمرو لم يطلع عليه، فمن أين له أن ابن المديني لا يعني إلا الغرابة؟ وإليك بعض الأمثلة التي يتضح من خلالها استعمال الحفاظ لمصطلح الحسن بمعناه الاصطلاحي: 1 - فقد أخرج البخاري (1565) ومسلم (1221) (154) (156) من طريق قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن أبي موسى قال: قَدِمْتُ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وهو بالبطحاءِ، فقال: «بِمَ أَهْلَلْتَ؟». فقلتُ: بإهلالٍ كإهلالِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: «هل سُقْتَ من هَدْيٍ؟»، قلتُ: لا. قال: «طُفْ بالبيتِ، وبالصَّفا والمروةِ، ثم حِلَّ» ... الحديث. وقد سُئل عنه ابن المديني -كما سيأتي عند الحديث رقم (320) -، فقال: هذا إسناد حسن. أفيصح بعد هذا أن يقال بأن ابن المديني أراد الغرابة، والحديث في «الصحيحين»؟! 2 - وسُئل ابن المديني -أيضًا- عن حديث علي الآتي (1/ 300): أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أخذ حريرًا فجعله في يمينه، وذهبًا في شماله، ثم رفع يده، وقال: «هذان حرامٌ على ذُكُورِ أُمَّتي»، فقال: حديث حسن، رجاله معروفون. وهذا تحسين بالمعنى الاصطلاحي؛ لأنه أردفه بقوله: رجاله معروفون. 3 - وقال ابن أبي حاتم في «العلل» (2/ 50 رقم 1636): سَمِعتُ أبا زرعة، وذكر حديث المِقدام بن معدي كرب، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «الخال وارث من لا وارث له»، فقال: هو حديث حسن. قال له الفضل الصَّائغ: أبو عامر الهَوْزَني مَن هو؟ قال: معروف، روى عنه راشد بن سعد، لا بأس به. وهذا ـ أيضًا ـ تحسين بالمعنى الاصطلاحي؛ لأنه عقَّبه بتقوية حال الهَوْزَني. 4 - وأخرج الترمذي في «العلل الكبير» (ص 161 رقم 273) من طريق عبد الله بن جعفر المخرَمي، عن عثمان بن محمد، عن المَقْبري، عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله المحلِّلَ والمحلَّلَ له»، ثم قال: سألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: هو حديث حسن، وعبد الله بن جعفر المخرَمي صدوق ثقة، وعثمان بن محمد الأخنسي ثقة، وكنت أظن أن عثمان لم يَسْمع من سعيد المَقْبري. وهذا -أيضًا- تحسين بالمعنى الاصطلاحي؛ لأنه عقَّبه بتوثيق رواته. وجوَّد إسناده ابن تيمية في «بيان الدليل على بطلان التحليل» (ص 396). 5 - وأخرج الدارقطني في «سننه» (3/ 172) حديثًا من رواية أبي عُبيدة، عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: دية الخطأ خمسة أخماس، عشرون حِقَّة، وعشرون جَذَعة، وعشرون بنات مخاض، وعشرون بنات لبون، وعشرون بنو لبون ذكور. ثم قال: وهذا إسناد حسن، ورواته ثقات، وقد روي عن علقمة، عن عبد الله، نحوه. فهؤلاء خمسة من الحفاظ استعملوا مصطلح الحسن بمعناه الاصطلاحي، وهذا كافٍ في إبطال دعوى أن المتقدمين لا يعنون بمصطلح الحسن إلا الغرابة، ومن أراد المزيد فليطالع كتب العلل.

ورواه أبو داود -أيضًا- (¬1)، عن هارون بن عبد الله، عن عبد الله بن يزيد -وهو: أبو عبد الرحمن المقرئ-، عن سعيد بن أبي أيوب، عن زُهرة بن مَعبد. وأخرجه مسلم في «صحيحه» (¬2)، وأبو داود (¬3)، والنسائي (¬4) من طرق، عن معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخَوْلاني، عن عُقبة بن عامر. قال معاوية بن صالح: وحدَّثني أبو عثمان -وهو: سعيد بن هانئ-، عن جُبَير بن نُفَير، عن عُقبة بن عامر، عن عمرَ بن الخطاب، به. ولفظ مسلم: قال عُقبة: كانت علينا رعايةُ الإبلِ، فجاءت نَوْبَتي، ¬

(¬1) لم أجده في مطبوع «السُّنن»، وأورده المزِّي في «تحفة الأشراف» (9974)، وقال: «حديث هارون في رواية أبي سعيد ابن الأعرابي، ولم يَذكره أبو القاسم». وأخرجه -أيضًا- البزَّار (1/ 361 رقم 242) عن محمد بن المثنى، عن عبد الله بن يزيد، به. (¬2) (1/ 209 رقم 234) في الطهارة، باب الذكر المستحب عقب الوضوء. (¬3) في «سننه» (1/ 228 رقم 169) في الطهارة، باب ما يقول الرجل إذا توضأ. (¬4) في «سننه» (1/ 102 رقم 151) في الطهارة، باب ثواب من أحسن الوضوء ثم صلَّى ركعتين.

فَرَوَّحتُها بعَشِيٍّ، فأدركتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قائمًا يُحدِّثُ الناسَ، فأَدرَكْتُ من قوله: «ما مِن مسلمٍ يَتوضَّأُ، فيُحسِنُ وُضوءَه، ثم يقومُ فيُصلِّي ركعتين، مُقبِلاً عليهما بقلبِهِ ووجهِهِ إلا وَجَبَت له الجنَّةُ)). / (ق 7) قال: قلت: ما أجودَ هذه! فإذا قائلٌ بين يَدَيَّ يقول: التي قبلَها أجودُ. فنَظَرتُ، فإذا عمرُ، فقال: إنِّي قد رأيتُك جئتَ آنفًا، قال: «ما منكم من أحدٍ يتوضَّأُ فيُبلِغُ -أو: فيُسبِغُ- الوُضوءَ، ثم يقول: أشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وأنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، إلا فُتِحَتْ له أبوابُ الجنَّةِ الثمانيةِ يَدخلُ من أيِّها شاءَ». وقد رواه ابن ماجه (¬1)، عن علقمة بن عمرو الدَّارمي، عن أبي بكر بن ¬

(¬1) في «سننه» (1/ 159 رقم 470) في الطهارة، باب ما يُقال بعد الوضوء. وله علَّة نبَّه عليها الدارقطني، فقال في «العلل» (2/ 113 - 114): وروي عن عبد الله بن عطاء، عن عُقبة، حدَّث به أبو إسحاق السَّبيعي، واختُلف عن أبي إسحاق، فرواه إسرائيل، وأبو الأحوص، وعَبيدة بن مُعتِّب، ومِسْعَر، ويوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق، وسَلَمة بن صالح الأحمر، وغيرهم، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن عطاء، عن عُقبة بن عامر. ورواه أُنيس بن خالد، وهلال الوزَّان، عن أبي إسحاق، عن عُقبة بن عامر. ورواه شعبة، ففحص عن إسناده، وبيَّن علَّته، وذكر أنه سَمِعَه من أبي إسحاق، عن عبد الله بن عطاء، عن عُقبة بن عامر، وأنه لقي عبد الله بن عطاء، فسأله عنه، فأَخبَرَه أنه سَمِعَه من سعد بن إبراهيم، وأنه لقي سعد بن إبراهيم فسأله، فأَخبَرَه أنه سَمِعَه من زياد بن مِخراق، وأنه لقي زياد بن مِخراق، فأَخبَرَه أنه سَمِعَه من شَهر بن حَوشب، وأن الحديث فسد عند شعبة بذِكر ابن حَوشَب فيه. اهـ. تنبيه: هذه القصة التي ساقها الدارقطني عن شعبة أسندها الرَّامهُرمُزي في «المحدِّث الفاصل» (ص 313 رقم 209) والمُعافَى بن زكريا في «الجليس الصالح» (2/ 425) وأبو نعيم في «الحلية» (7/ 148) والخطيب في «الكفاية» (2/ 465 رقم 1247) وفي «الرحلة في طلب الحديث» (ص 59)، ومدارها على نصر بن حماد الورَّاق، وهو متَّهم، كذَّبه ابن معين، وقال مسلم: ذاهب الحديث. وقال البخاري: يتكلَّمون فيه. وقال أبو حاتم: متروك الحديث. انظر: «تهذيب الكمال» (29/ 342) و «الجرح والتعديل» (8/ 470 رقم 2155). والصحيح في هذا: ما رواه ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (1/ 167) قال: نا علي بن الحسين قال: قال علي ابن المديني، نا بِشر بن المُفضَّل، قال: قَدِمَ علينا إسرائيل، فحدَّثنا عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن عطاء، عن عُقبة بن عامر بحديثين، فذهبتُ إلى شعبة، فقلت: ما تصنعُ شيئًا! حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله، عن عُقبة بكذا. فقال: يا مجنون! هذا حدَّثنا به أبو إسحاق. فقلت لأبي إسحاق: مَن عبد الله بن عطاء؟ قال: شابٌ من أهل البصرة قَدِمَ علينا. فقَدِمْتُ البصرةَ، فسألتُ عنه، فإذا هو جليس فلان، وإذا هو غائب في موضع، فقَدِمَ، فسألته، فحدثني به، فقلت: مَن حدَّثك؟ قال: حدثني زياد بن مِخراق. فأحالني على صاحب حديث، فلقيت زياد بن مِخراق، فسألته، فحدثني به، قال: حدثني بعض أصحابنا، عن شَهر بن حَوشَب. وانظر: «المعرفة والتاريخ» للفَسَوي (2/ 426).

عيَّاش، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن عطاء، عن عُقبة بن عامر، عن عمرَ بن الخطاب، به. وروي من طريق أخرى عن عمرَ، فقال الترمذي (¬1): ثنا جعفر بن محمد بن عمران الثعلبي الكوفي، عن زيد بن الحُبَاب، عن معاوية بن ¬

(¬1) في «سننه» (1/ 77 رقم 55) في الطهارة، باب فيما يُقال بعد الوضوء. وزاد في آخره: «اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين»، وقد أعلَّ هذه الزيادة الحافظ ابن حجر، فقال في «نتائج الأفكار» (1/ 241):لم تثبت هذه الزيادة في هذا الحديث؛ فإنَّ جعفر بن محمد بن محمد شيخ الترمذي تفرَّد بها، ولم يَضبط الإسناد، فإنه أسقط بين أبي إدريس وبين عمر جُبَير بن نُفَير وعُقبة، فصار منقطعًا، بل معضلاً، وخالفه كل من رواه عن معاوية بن صالح، ثم عن زيد بن الحُبَاب، وقد رواه عن زيد سوى من تقدم ذكره: موسى بن عبد الرحمن، وحديثه عند النسائي [1/ 25]، وأبو بكر الجُعفي، وعباس بن محمد الدُّوري، وحديثهما عند أبي عوانة [1/ 28]، وأبو كُرَيب محمد بن العلاء، وحديثه عند أبي نعيم في «المستخرج» [1/ 297]، فاتفاق الجميع أولى من انفراد الواحد.

صالح، عن ربيعة بن يزيد الدِّمشقي، عن أبي إدريس الخَوْلاني وأبي عثمان. كلاهما عن عمرَ بن الخطاب، به. ثم قال: في إسناده اضطراب (¬1). قال محمد -يعني: البخاري- (¬2): أبو إدريس لم يَسْمع من عمر شيئًا. قلت: الظاهر أنَّه قد سَقَط على بعض الرواة عُقبة بن عامر، فقد تقدَّم من رواية مسلم ذِكر عُقبة بينهما (¬3)، والله أعلم. ¬

(¬1) ونصُّ عبارته كما في «السُّنن»: وهذا حديث في إسناده اضطراب، ولا يصح عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في هذا الباب كبير شيء. قلت: وقد نوزع الإمام الترمذي في دعوى الاضطراب، فقال الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه لـ «سنن الترمذي» (1/ 79): وقد أخطأ الترمذي فيما زَعَم من اضطراب الإسناد في هذا الحديث، ومن أنه لا يصح في هذا الباب كبير شيء، وأصل الحديث صحيح، مستقيم الإسناد، وإنما جاء الاضطراب في الأسانيد التي نقلها الترمذي. وقال الشيخ الألباني في «ضعيف سنن أبي داود» (1/ 300 - 302): إن الاضطراب إنما هو في رواية زيد بن الحُبَاب وحده، وأن رواية الجماعة عند مسلم، وأبي عَوَانة، والمؤلِّف [يعني: أبا داود] سالمة منه، فلا يجوز تضعيف الحديث لمجرد اضطراب راو واحد فيه ... ، ولذلك قال الحافظ في «التلخيص الحبير» (1/ 454) متعقِّبًا كلام الترمذي المذكور: لكن رواية مسلم سالمة من هذا الاعتراض. قلت: وقد سرد الدارقطني في «العلل» (2/ 111 رقم 149) طرق هذا الحديث، ثم قال: وأحسن أسانيده: ما رواه معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخَوْلاني وعن أبي عثمان، عن جُبَير بن نُفَير، عن عُقبة بن عامر. قلت: وهذا الوجه الذي رجَّحه الدارقطني، هو الذي خرَّجه الإمام مسلم في «صحيحه». (¬2) انظر: «سنن الترمذي» (1/ 79) و «تحفة التحصيل» (ص 167). (¬3) هذا ما رجَّحه المؤلِّف، وقد تبيَّن من كلام الحافظ السابق أن رواية الترمذي مضطَّربة.

حديث آخر (5) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا موسى بن داود، ثنا ابن لَهِيعة، عن أبي الزبير، عن جابر: أنَّ عمرَ بن الخطاب أَخبَرَه أنَّه رأى رجلاً توضَّأَ للصلاة، فتَرَك موضعَ ظُفْرٍ على ظَهْر قدمِهِ، فأَبصَرَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقال: «ارجِعْ، فأَحسِنْ وُضوءَك». فرَجَع فتوضَّأ، / (ق 8) ثم صلَّى. ثم رواه أحمد (¬2)، عن حسن بن موسى، عن ابن لَهِيعة، ثنا أبو الزبير، عن جابر، عن عمرَ، به. وأخرجه ابن ماجه (¬3)، عن حَرمَلَة، عن ابن وهب. وعن محمد بن حميد، عن زيد بن الحُبَاب. كلاهما عن ابن لَهِيعة، به. وهذا إسناد جيد حسن من هذا الوجه، لأنَّ ابن لَهِيعة إنما يُخشى من تدليسه، فإذا صرَّح بالسماع -كما ههنا-، فقد زال المحذور (¬4). ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 21 رقم 134). (¬2) (1/ 23 رقم 153). (¬3) في «سننه» (1/ 218 رقم 666) في الطهارة، باب من توضأ فترك موضعًا لم يُصبه الماء. (¬4) لكن تصريح ابن لَهِيعة بالسماع ليس بكافٍ في قبول روايته، فقد رُمي بالاختلاط والتدليس وقَبول التلقين، قال الحافظ ابن حجر في «نتائج الأفكار» (2/ 34): هو في الأصل صدوق، لكن احتَرَقت كُتُبه، فحدَّث من حفظه فخلَّط، وضعَّفه بعضهم مطلقًا، ومنهم من فصَّل، فقَبِلَ عنه ما حدَّث به عنه القدماء، ومنهم من خصَّ ذلك بالعبادلة من أصحابه، وهم: عبد الله بن المبارك، وعبد الله بن وهب، وعبد الله بن يزيد المقرئ ... ، والإنصاف في أمره: أنه متى اعتضد كان حديثه حسنًا، ومتى خالف كان حديثه ضعيفًا، ومتى انفرد توقِّف فيه. وقال الذهبي في «تذكرة الحفاظ» (1/ 238): ولم يكن على سعة علمه بالمُتقن، حدَّث عنه ابن المبارك، وابن وهب، وأبو عبد الرحمن المقرئ، وطائفة قبل أن يكثر الوهم في حديثه، وقبل احتراق كُتُبه، فحديث هؤلاء عنه أقوى، وبعضهم يصحِّحه، ولا يرتقي إلى هذا. إلى أن قال: يُروى حديثه في المتابعات، ولا يحتج به. قلت: وقد اضطَّرب ابن لَهِيعة في سياقه للفظ هذا الحديث: فرواه عنه ابن وهب، وزيد بن الحُبَاب، -كما عند ابن ماجه (666) -، بلفظ: «فأمره أن يعيدَ الوضوءَ والصلاةَ»! ورواه موسى بن داود، والحسن بن موسى، عنه، -كما عند أحمد (1/ 21، 22) -، بلفظ: «ارجع، فأحسِن وضوءَك»! ولم يتنبَّه لهذا الاختلاف الواقع في لفظ رواية ابن لَهِيعة محقِّقو «مسند الإمام أحمد» (1/ 283، 295 - ط مؤسسة الرسالة) فزعموا أن الحسن بن موسى قد توبع على روايته عن ابن لهيعة من قِبَل ابن وهب وزيد بن الحُبَاب، وغفلوا عن الاختلاف في لفظ الرواية!

وقد أخرجه مسلم في «صحيحه» (¬1)، عن سَلَمة بن شَبيب، عن الحسن ¬

(¬1) (1/ 215 رقم 243) في الطهارة، باب وجوب استيعاب جميع أجزاء محل الطهارة، ولفظه: «ارجِعْ، فأَحسِنْ وُضوءَك». ولهذا الإسناد علَّة، فقد قال البزار في «مسنده» (1/ 350): وهذا الحديث لا نعلم أحدًا أسنده عن عمرَ إلا من هذا الوجه، وقد رواه الأعمش، عن أبي سفيان، عن عمرَ، موقوفًا. وقال أبو الفضل ابن عمار في «علل الأحاديث في كتاب الصحيح» (ص 55): وهذا الحديث إنما يُعرَف من حديث ابن لَهِيعة، عن أبي الزبير، بهذا اللفظ، وابن لَهِيعة لا يحتج به، وهو خطأ عندي؛ لأن الأعمش رواه عن أبي سفيان، عن جابر، فجعله من قول عمرَ. وقال الحافظ في «النكت الظراف» (8/ 16): وقد أعلَّ بعض الحفاظ صحته، فقد نقل الدقَّاق الأصبهاني الحافظ عن أبي علي النيسابوري أن هذا الحديث مما عِيب على مسلم إخراجه، وقال: الصواب: ما رواه أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: رأى عمر في يد رجل مثل موضع ظُفر ... ، فذكره، موقوفًا. قال أبو علي: هذا هو المحفوظ، وحديث مَعقِل خطأ لم يُتابَع عليه. وقال البيهقي في «سننه» (1/ 84): ورواه أبو سفيان، عن جابر، بخلاف ما رواه أبو الزبير. قلت: والرواية الموقوفة على عمر رضي الله عنه: أخرجها ابن أبي شيبة (1/ 46 رقم 454) في الطهارة، باب في الرجل يتوضأ أو يغتسل فينسى اللُّمعة من جسده، عن أبي معاوية. والبيهقي (1/ 84) من طريق الثوري. كلاهما (أبو معاوية، والثوري) عن الأعمش، عن أبي سفيان طلحة بن نافع، عن جابر قال: رأى عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه- رجلاً يتوضأُ، فبقي في رِجله لمُعة، فقال: أَعِد الوُضوءَ. وهذا إسناد صحيح، الأعمش وإن رواه بالعنعنة، فقد ذكر ابن عدي أنه روى عن أبي سفيان أحاديث مستقيمة. انظر: «تهذيب الكمال» (13/ 440) و «هدي الساري» (ص 411). واختُلف في سماع أبي سفيان من جابر، فروى البخاري في «التاريخ الكبير» (4/ 346 رقم 3079) بسند صحيح عن أبي سفيان أنه قال: جاورتُ جابرًا ستة أشهر بمكة. لكن ذكر ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (1/ 46) عن ابن عيينة أن روايته عن جابر صحيفة. وقال في «المراسيل» (ص 100): يقال: إن أبا سفيان أخذ صحيفة جابر عن سليمان اليَشكُري. كذا بصيغة التمريض، وهذا إن صح؛ فلا يمنع من صحة حديثه؛ لأن الواسطة بينهما ثقة. وطلحة بن نافع: صدوق، روى له الجماعة، كما قال الحافظ في «التقريب». وقارن ماذكرته هنا بصنيع محقِّقي مسند الإمام أحمد (1/ 294 - 295 رقم 153 - ط مؤسسة الرسالة).

بن محمد بن أَعْين، عن مَعقِل بن عبيد الله، عن أبي الزبير، عن جابر، عن عمرَ، بمثله سواء (¬1). ¬

(¬1) انظر التعليق السابق.

ورواه الدارقطني في «سننه» (¬1) من حديث المغيرة بن سِقْلاَب، عن الوازع بن نافع، عن سالم، عن ابن عمرَ، عن عمرَ، عن أبي بكر، به. وليس هذا الإسناد شيئًا، والصحيح: الأول، والله أعلم. حديث آخر (6) قال الحافظ أبو يعلى الموصلي في «مسنده» (¬2): ثنا أبو هشام، ثنا النضر -يعني: ابن منصور-، ثنا أبو الجَنوب قال: رأيتُ عليًّا -رضي الله عنه- ¬

(¬1) (1/ 109)، ولفظه: جاء رجلٌ قد توضأ وبَقِيَ على ظَهْر قدمِهِ مثلُ ظُفرِ إبهامِهِ لم يمسَّهُ الماءُ، فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «ارجِع، فأتمَّ وضوءَكَ». ففَعَل. وقد سأل ابن أبي حاتم أباه عنه، فقال: هذا حديث باطل بهذا الإسناد، والوازع بن نافع ضعيف الحديث. انظر: «العلل» (1/ 67 رقم 167)، (¬2) (1/ 200 رقم 231). وأخرجه -أيضًا- البزار (1/ 136 رقم 260 - كشف الأستار) وابن حبان في «المجروحين» (3/ 53) وابن عدي (7/ 23 - ترجمة النضر بن منصور) وأبو جعفر مُطيَّن في «مسند علي بن أبي طالب»، كما في «الإمام» لابن دقيق العيد (2/ 52) من طريق النضر بن منصور، به. وقد أعلَّ هذا الخبرَ جماعةٌ من الحفاظ: فقال البزار -كما في «الإمام» -: وهذا الفعل لا نعلمه يُروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد، وأبو الجَنوب لا نعلم حدَّث عنه إلا النضر بن منصور، والنضر حدَّث عنه غير واحد، وهذا الحديث إنما ذكرناه؛ لأنه لا يُروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه. وقال ابن الجوزي في «الإعلام في ناسخ الحديث ومنسوخه»: هذا حديث ليس بقوي. وقال ابن الصلاح في كلامه على «المهذَّب»: هذا لم أجد له أصلاً، ولا وَجَدتُ له ذِكرًا في شيء من كتب الحديث المعتمدة. انظر: «البدر المنير» لابن الملقن (2/ 244 - 245). وقال النووي في «المجموع» (1/ 339): باطل، لا أصل له، ويُغني عنه الأحاديث الصحيحة المشهورة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بغير استعانة.

يَستقي ماءً لوُضوء، فبَادَرتُهُ أَستقي له، فقال: مَه! يا أبا الجَنوب، فإني رأيتُ عمرَ يَستقي ماءً لوُضوء، فبَادَرتُهُ أَستقي له، فقال: مَه! يا أبا الحسن، فإني رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَستقي ماءً لوُضوء، فبَادَرتُهُ أَستقي له، فقال: «مَه! يا عمرُ، فإني أكرهُ أن يَشرَكَني في طُهُوري أحدٌ». النضر بن منصور الباهلي: ضعَّفه غير واحد من الأئمة (¬1)، وشيخُهُ أبو الجَنوب عُقبة بن علقمة: ضعَّفه أبو حاتم الرازي (¬2). ¬

(¬1) قال عنه أبو حاتم: شيخ مجهول، يروي أحاديث منكرة. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال الدارمي: قلت ليحيى بن معين: فالنضر بن منصور العنزي تعرفُه؟ يروي عنه ابن أبي معشر، عن أبي الجَنوب، عن علي، مَن هؤلاء؟ قال: هؤلاء حمَّالة الحطب. وقال ابن عدي: والنضر بن منصور هذا يُعرَف بهذه الأحاديث التي أمليتُها في الوضوء، وفي طلحة والزبير، وفي ذِكر عثمان، فلا يأتي بها غيرُه، عن أبي الجَنوب. انظر: «تهذيب الكمال» (29/ 405) و «الجرح والتعديل» (8/ 479 رقم 2196). (¬2) انظر: «الجرح والتعديل» (6/ 313 رقم 1743). وقد ثَبَتَ عن عمرَ -رضي الله عنه- أنه استعان على وضوئه، وذلك فيما أخرجه البخاري (5/ 114 - 115 رقم 2468 - فتح) -واللفظ له-، ومسلم (2/ 1110 - 1111 رقم 1479) (33) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: لم أزل حريصًا أنْ أسألَ عمرَ عن المرأتين من أزواج النبيِّ صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} حتى حجَّ عمرُ، وحَجَجتُ معه، فلما كنا ببعض الطريق عَدَل عمرُ، وعَدَلتُ معه بالإداوة، فتبرَّز، ثم أتاني، فسَكَبتُ على يديه، فتوضأ ... ، الحديث.

أثر في انتقاض الوضوء من المذي

أثر في انتقاض الوضوء من المذي (7) قال علي بن حرب الطَّائي (¬1): ثنا سفيان -هو: ابن عيينة-، عن زيد بن أسلم: سَمِعتُ أبي يقول: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب على المنبر يقول: إنَّه يخرجُ من أحدِنا مثلُ الخُرَيزة (¬2)، فإذا وَجَد أحدُكم ذلك، فليَغسِلْ ذَكَرَه، ولْيَتَوضَّأْ. إسناده صحيح. وسيأتي (¬3) مرفوعًا عن عليٍّ، والمقداد (¬4). ¬

(¬1) في «جزئه» (ق 77 /ب)، وفي المطبوع (ص 265 رقم 27) وتصحَّف فيه «الخُرَيزة» إلى «الحريرة». وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (1/ 158 رقم 605) عن معمر، وابن عيينة. ومالك في «الموطأ» (1/ 83) في الطهارة، باب الوضوء من المذي. ثلاثتهم (معمر، وابن عيينة، ومالك) عن زيد بن أسلم، به. ولفظ رواية عبد الرزاق: مثل الجُمَانة. وصحَّحه -أيضًا- ابن حزم في «المحلى» (1/ 234 - 235). (¬2) الخُرَيزة: تصغير خَرَزة، وهي الجوهر، وما يُنظَم. «القاموس المحيط» (ص 510 - مادة خرز)، وأظنه عَنَى المذي. (¬3) انظر: «جامع المسانيد والسُّنن» (8/ 197 رقم 10230). (¬4) أخرجه البخاري (1/ 230، 283 رقم 132، 178) في العلم، باب من استحيا فأمر غيره بالسؤال، وفي الوضوء، باب من لم ير الوضوء إلا من المخرَجين القُبُل والدُّبُر، ومسلم (1/ 247 رقم 303) في الحيض، باب المذي، من حديث علي -رضي الله عنه- قال: كنتُ رجلاً مذَّاءً، وكنتُ أستحي أنْ أسألَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لمكانِ ابنتِهِ، فأَمَرتُ المقدادَ بن الأسود فسأله، فقال: «يَغسلُ ذَكَرَهُ، ويَتَوضأُ».

أثر آخر فيه (8) قال أبو عبيد (¬1): ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن سليمان بن مُرَّة (¬2)، عن خَرَشة بن الحُرِّ، عن عمرَ: أنَّه سُئل عن المذي (¬3)؟ فقال: هو الفَطْرُ، وفيه الوُضوءُ. قال أبو عبيد: مأخوذٌ مِن فَطَرتُ الناقةَ، أَفْطُرُها فَطْرًا، وهو الحلبُ ¬

(¬1) في «غريب الحديث» (4/ 196). (¬2) قوله: «عن الأعمش، عن سليمان بن مُرَّة» كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «عن الأعمش، عن إبراهيم، عن سليمان». وقد أشار محقق «غريب الحديث» إلى أنَّ ذِكر إبراهيم ساقط من بعض النسخ. وقد أخرج هذا الأثر: ابن أبي شيبة (1/ 87 رقم 970) في الطهارة، باب في المني والمذي والودي، عن أبي معاوية. ولم يَذكر إبراهيم في إسناده. وأخرجه كذلك: عبد الرزاق (1/ 158 رقم 607) وابن المنذر في «الأوسط» (1/ 135 رقم 22) من طريق الثوري. ولم يَذكرا إبراهيم. فإن كان الصواب ذِكر إبراهيم؛ فالإسناد صحيح؛ لأن إبراهيم من كبار شيوخ الأعمش، وإن كان الصواب حذف إبراهيم من الإسناد، فهو مُعلّ. تنبيه: جاء هذا الأثر في رواية عبد الرزاق، وابن أبي شيبة: «عن عثمان»، وهو تحريف، والصواب: «عن عمرَ». وجاء على الصواب في «مصنَّف ابن أبي شيبة» (1/ 530 - 531 رقم 975 - تحقيق محمد عوامة). ويؤكِّده: أن خَرَشة بن الحُرِّ معروف بالرواية عن عمرَ، وليس له رواية عن عثمان. انظر: «تهذيب الكمال» (8/ 237 - 238). وخالف محقِّقا «مصنِّف ابن أبي شيبة» (1/ 167 - ط مكتبة الرشد) فجَزَما بأن الصواب: «عن عثمان»! (¬3) المذي: البَلَل اللَّزج الذي يخرج من الذَّكَر عند ملاعبة النساء. «النهاية» (4/ 312).

بأطراف الأصابع، فلا يَخرجُ اللَّبنُ إلا قليلاً، وكذلك يخرجُ المذيُّ، فأما المنيُّ، فإنَّه يَخرجُ خَذْفًا، يقال: أَمْنى الرجلُ يُمني: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ} (¬1). وأما المذي، فيقال فيه: أمذى ويُمذي، لغتان. قال: وأما الوَدْي: فهو شيءٌ يَخرجُ من الذَّكَر بعد البول، ولم أسمع بفعلٍ اشتُقَّ منه إلا في حديثٍ يُروى عن عائشةَ (¬2). حديث آخر (9) عن يزيد بن هارون أنَّه قال: أنا عمرو، عن عمران بن مسلم، عن سُوَيد بن غَفَلة قال: كنتُ عند عمرَ، وعنده عليّ -رضي الله عنهما- فقالا: سمعنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يجبُ على مسلمٍ وُضوءٌ من طعامٍ أَحلَّ اللهُ له أكلَه». هكذا رواه الحافظ أبو بكر الإسماعيلي (¬3) في «مسند عمر» من حديث يزيد بن هارون (¬4). ¬

(¬1) الواقعة: 58 (¬2) لم أقف عليه. (¬3) هو الإمام الحافظ الحجَّة الفقيه أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل، شيخ الشافعية في زمانه، وصنَّف تصانيف تشهد له بالإمامة في الفقه والحديث، منها: «المستخرَج على الصحيح»، و «مسند عمر»، الذي قال عنه الذهبي: طالعتُه، وعلَّقتُ منه، وانبهرتُ بحفظ هذا الإمام، وجزمتُ بأن المتأخرين على إياس من أن يلحقوا المتقدِّمين في الحفظ والمعرفة. ولد سنة 277 هـ، وتوفي سنة 371 هـ. انظر: «تذكرة الحفاظ» (3/ 947) و «معجم المؤلفين» (1/ 135). (¬4) في إسناده عمرو، وهو: ابن شَمِر، وقد اضطرب فيه: فمرَّة قال: عن عمران بن مسلم، عن سُوَيد بن غَفَلة، عن عمر! كما ذكر المؤلِّف. ومرَّة قال: عن عمران بن مسلم، عن سُوَيد بن غَفَلة قال: سَمِعتُ بلالاً يقول: حدَّثني مولاي أبو بكر قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: لا يُتَوضأُ من طعامٍ أحلَّه اللهُ عزَّ وجلَّ. ومن هذا الوجه: أخرجه ابن عدي (5/ 1781 - ترجمة عمرو بن شَمِر) والخطيب البغدادي في «الموضح لأوهام الجمع والتفريق» (1/ 465) و (2/ 295) وفي «المتفق والمفترق» (3/ 1664، 1665 رقم 1154، 1155). ومرَّة قال: عن جابر الجُعفِي، عن سُوَيد بن غَفَلة، عن بلال، عن أبي بكر! ومن هذا الوجه: أخرجه الخطيب في «الموضح» (2/ 295). وعمرو بن شَمِر هذا: ضعيف جدًّا، قال عنه ابن معين: ليس بثقة. وقال أبو حاتم الرازي: منكر الحديث جدًّا، ضعيف الحديث، لا يُشتغل به، تركوه. وقال الفلاَّس: منكر الحديث، حدَّث بأحاديث منكرة. وقال ابن حبان: رافضي، يَشتم الصحابة. انظر: «الجرح والتعديل» (6/ 239 رقم 1324) و «ميزان الاعتدال» (3/ 268 رقم 6384).

(10) وذَكَر البخاري في «صحيحه» (¬1) أثرًا معلَّقًا في معناه، فإنَّه قال: وأَكَل أبو بكرٍ، وعمرُ، وعثمانُ -رضي الله عنهم- لحمًا، فلم يتوضَّأوا. ¬

(¬1) (1/ 310 - فتح) في الوضوء، باب من لم يتوضأ من لحم الشاة والسَّويق. وَوَصَله الطبراني في «مسند الشاميين» (3/ 281 رقم 2262) عن إبراهيم بن محمد بن عِرق، عن عمرو بن عثمان، عن عبد الملك بن محمد، عن ثابت بن عَجْلان، عن سُليم بن عامر قال: رأيتُ أبا بكرٍ، وعمرَ، وعثمانَ أكلوا مما مسَّت النارُ، ولم يتوضَّأوا. وحسَّن إسناده الحافظ في «الفتح» (1/ 311). قلت: عبد الملك بن محمد، هو: الحِميَري البَرسَمي، قال عنه الحافظ نفسه في «التقريب»: ليِّن الحديث. وأيضًا: إبراهيم بن محمد شيخ الطبراني، قال عنه الذهبي في «الميزان» (1/ 63 رقم 199): شيخ للطبراني، غير معتمد. لكن له طرق أخرى: منها: ما أخرجه عبد الرزاق (1/ 165 رقم 639، 640) -وعنه: أحمد (3/ 322) - وابن حبان (3/ 415، 418 رقم 1132، 1135، 1136 - الإحسان) من طريق محمد بن المنكدر، عن جابر قال: أكل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من لحم، ومعه أبو بكر، وعمر، ثم قاموا إلى الصفِّ، ولم يتوضؤوا. قال جابر: ثم شهدتُ أبا بكرٍ أكل طعامًا، ثم قام إلى الصلاةِ ولم يتوضأ، ثم شهدتُ عمرَ أكل من جَفنة، ثم قام فصلَّى، ولم يتوضأ. وصحَّح إسناده الحافظ في «تغليق التعليق» (2/ 138). ومنها: ما أخرجه مالك في «الموطأ» (1/ 62) في الصلاة، باب ترك الوضوء مما مسَّت النار-ومن طريقه: ابن المنذر في «الأوسط» (1/ 221 رقم 114) والطحاوي (1/ 68) والبيهقي (1/ 157) - عن ضَمرة بن سعيد المازني، عن أبان بن عثمان: أنَّ عثمان بن عفان أكل خبزًا ولحمًا، ثم مضمض، وغسل يديه، ومسح بهما وجهه، ثم صلَّى، ولم يتوضأ. وهذا إسناد صحيح، وقد ثبت سماع أبان بن عثمان عن أبيه، خلافًا لمن نفى سماعه منه، فانظر: «صحيح مسلم» (2/ 1030 رقم 1409) و «تاريخ ابن أبي خيثمة» (2/ 369) و «تحفة التحصيل» (ص 13) و «شرح علل الترمذي» لابن رجب (1/ 367). ومنها: ما أخرجه الطحاوي (1/ 68) عن ابن أبي داود، عن أيوب بن سليمان بن بلال، عن أبي بكر بن أبي أويس، عن سليمان، عن عُتبة بن مسلم، عن عُبيد بن حُنين قال: رأيتُ عثمان أُتي بثريد فأكل، ثم مضمض، ثم غسل يده، ثم قام، فصلَّى بالناس، ولم يتوضأ. وهذا إسناد صحيح.

أثر عن عمر (11) قال عبد الرزاق (¬1): عن ابن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن ¬

(¬1) في «المصنَّف» (1/ 135 رقم 512). ومداره على يحيى بن سعيد، وقد اختُلف عليه في متنه وإسناده: فأخرجه عبد الرزاق -كما ذكر المؤلِّف-، فقال: عن ابن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر: أنَّ عاتكة ابنة زيد قبَّلَت عمرَ بن الخطاب وهو صائم، فلم ينهها. وقد خولف ابن عيينة في روايته، خالَفَه مالك، فرواه عن يحيى بن سعيد: أن عاتكة كانت تُقبِّل رأسَ عمرَ بن الخطاب وهو صائم، فلا ينهاها. ليس فيه أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، ولا عبد الله بن عبد الله بن عمر، ولم يَذكر فيه وضوءًا ولا صلاة. وهو عنده في «الموطأ» (1/ 393). وقد قال ابن عبد البر في «الاستذكار» (1/ 296) تعقيبًا على رواية مالك: لم يُقِم إسنادَه، وحذف من متنه ما لم يذهب إليه. قلت: وهو على الوجهين لا يصح، أما رواية مالك، فظاهرة الانقطاع، وأما رواية ابن عيينة فمنقطعة أيضًا؛ لأن عبد الله بن عبد الله بن عمر لم يُدرك أيام عمر، فقد وُلد بعد وفاة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وذكره ابن حجر في الطبقة الثالثة، وهي الطبقة الوسطى من التابعين.

أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر: أنَّ عاتِكَةَ ابنةَ زيد قبَّلَتْ عمرَ بن الخطاب، وهو صائمٌ، فلم يَنهَهَا. قال: وهو يريدُ إلى الصلاة، ثم مضى وصلَّى، ولم يتوضَّأ. صحَّحه أبو عمر ابن عبد البر في «الاستذكار» (¬1). (12) وقال أبو القاسم البغوي: ثنا الحكم بن موسى، ثنا يحيى بن حمزة، عن زيد بن واقِد، حدثني بُسر بن عبيد الله (¬2) قال: كانت تحتَ عمرَ بن الخطاب امرأةٌ تسمَّى عاصيةً، فسمَّاها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: جميلةً -وكانت امرأةً جميلةً-، وكان عمرُ يحبُّها، فكان إذا خَرَج إلى صلاةٍ مَشَت معه من فراشها إلى الباب، فإذا / (ق 9) أراد الخروجَ قبَّلَتْهُ، ثم مضى، ورَجَعتْ إلى فراشِها. وهذا إسناد رجاله كلُّهم ثقات، إلا أنَّ بُسرًا لم يُدرك أيام عمر. وقد رواه أسد بن موسى، عن قيس بن الرَّبيع، عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن عمرَ ... ، فذَكَره. وسيأتي في العقيقة (¬3). ¬

(¬1) (1/ 296). (¬2) ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه بين بُسر بن عبيد الله وعمر. (¬3) انظر ما سيأتي (ص 540 رقم 379)، لكن ليس فيه محل الشاهد.

ومن زوجات أمير المؤمنين عمر: جميلةُ بنت ثابت بن أبي الأقلح الأنصاري، أخت عاصم، أمير سَريَّة الرَّجيع، وهي: أُمُّ عاصم بن عمر، فلعلَّها هذه (¬1)، والله أعلم. ثم رأيت حماد بن سَلَمة قد روى عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمرَ قال: كان اسم أُمِّ عاصم: عاصيَة، فسمَّاها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم جميلةً (¬2). وهذا صحيح. وهذا يقتضي أنَّ عمرَ كان لا يرى القُبْلةَ ناقضةً للوُضوءِ. لكن قد روى الدارقطني (¬3) عنه ما يقتضي خلاف هذا، فقال: (13) ثنا القاضي الحسين بن إسماعيل، ثنا عبد الله بن شَبيب، حدَّثني يحيى بن إبراهيم بن أبي قُتيلة، حدَّثني عبد العزيز بن محمد، عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمرَ: أنَّ عمرَ بن الخطاب قال: إنَّ القُبْلةَ من اللَّمسِ، فتوضَّأؤا منها. وهذا بهذا الإسناد لا يثبت؛ لأنَّ عبد الله بن شَبيب هذا: ضعَّفه الحافظ أبو أحمد الحاكم، وابن حبان، وابن عدي، وغيرهم (¬4)، حتى قال فَضْلَك الرازي: يَحِلُّ ضَرْبُ عُنُقِهِ (¬5)! ¬

(¬1) انظر: «معرفة الصحابة» لأبي نعيم الأصبهاني (6/ 3285) و «الإصابة» (12/ 176). (¬2) ومن هذا الوجه: أخرجه مسلم (3/ 1687 رقم 2139) (15) في الآداب، باب استحباب تغيير الاسم القبيح إلى حسن. (¬3) في «سننه» (1/ 144). (¬4) انظر: «المجروحين» (2/ 47) و «الكامل» (4/ 62) و «الميزان» (2/ 438). (¬5) وهذه مبالغة، كما قال الذهبي، ومع ذلك، فلم يتفرَّد به عبد الله بن شَبيب، فقد تابَعَه إبراهيم بن حمزة. وروايته عند الحاكم (1/ 135) وعنه: البيهقي في «سننه» (1/ 124) وفي «الخلافيات» (2/ 156 رقم 427) وفي «المعرفة» (1/ 373 رقم 958). وتابَعَه -أيضًا- أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري، وروايته عند البيهقي في «المعرفة» (1/ 373 رقم 958). فتبين بهذا: أن علَّته تفرُّد محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان به عن الزهري دون بقيَّة أصحاب الزهري المتقنين، الذين رووه عن الزهري، فجعلوه من رواية ابن عمر، كما سيأتي في كلام المؤلِّف. وممن نبَّه على هذه العلِّة ابنُ عبد البر، فقال في «الاستذكار» (1/ 297): وهذا عندهم خطأ؛ لأن أصحاب ابن شهاب يجعلونه عن ابن عمرَ، لا عن عمرَ.

ومع هذا، فقد رواه الإمام مالك (¬1)، وعبيد الله العُمَري (¬2)، وعبد الرزاق (¬3)، عن معمر. كلُّهم عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمرَ، قولَه. وهذا أصح. ¬

(¬1) في «الموطأ» (1/ 87) في الصلاة، باب الوضوء من قُبلة الرجل امرأته، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه عبد الله بن عمر: أنه كان يقول: قُبلة الرجل امرأته، وجسُّها بيده من الملامسة، فمَن قبَّل امرأته، أو جسَّها بيده، فعليه الوُضوء. ومن طريق مالك: أخرجه الشافعي في «الأم» (1/ 15) وابن المنذر في «الأوسط» (1/ 117 رقم 10) والدارقطني (1/ 145) والبيهقي في «الخلافيات» (2/ 157 رقم 428) وفي «معرفة السُّنن والآثار» (1/ 371 رقم 948). قال البيهقي في «الخلافيات»: ولا يشك في صحَّته أحد. (¬2) ومن طريقه: أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 49 رقم 491) في الطهارة، باب من قال: فيها الوضوء، عن عَبدة بن سليمان، عن عبيد الله بن عمر، عن سالم، عن الزهري، عن ابن عمرَ: أنه كان يرى القُبلة من اللَّمس، ويأمر منها بالوُضوء. تنبيه: سقط من رواية ابن أبي شيبة ذِكر سالم، وجاء على الصواب في الطبعة المحققة (1/ 84 رقم 495 - ط مكتبة الرشد) و (1/ 390 رقم 495 - ط دار القبلة)، وكذلك ورد عند الدارقطني (1/ 145 رقم 39)، فقد أخرجه من طريق ابن أبي شيبة. (¬3) في «المصنَّف» (1/ 132 رقم 496) عن معمر، عن الزهري، عن سالم: أنَّ ابن عمرَ كان يقول: مَن قبَّل امرأته وهو على وُضوء، أعاد الوُضوء.

(14) وقال أبو بكر بن أبي شيبة (¬1): ثنا هشيم، وحفص، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي عُبيدة قال: قال عبد الله: القُبْلةُ من اللَّمسِ، وفيها الوُضوءُ. حديث آخر (15) قال الإمام أحمد (¬2): ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا ابن لَهِيعة، عن ¬

(¬1) في «المصنَّف» (1/ 49 رقم 492). وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (1/ 133 رقم 499، 500) وسعيد بن منصور (4/ 1259 رقم 639 - ط الصميعي) والطبري في «تفسيره» (5/ 104) وابن المنذر في «الأوسط» (1/ 117 رقم 11) والحاكم (1/ 135) والدارقطني (1/ 145) والبيهقي في «سننه» (1/ 124) وفي «الخلافيات» (2/ 158 رقم 429) من طريق الأعمش، به. وقد أعلَّه البيهقي، فقال في «الخلافيات»: فيه إرسال، أبو عُبيدة لم يَسْمع من أبيه. قلت: كما قد خولف الأعمش في روايته، خالَفَه حماد بن أبي سليمان، فرواه عن إبراهيم، عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: الملامسة ما دون الجماع، أن يمسَّ الرَّجل جسد امرأته بشهوة، ففيه الوضوء. ليس فيه أبو عُبيدة! ومن هذا الوجه: أخرجه الطبراني في «معجمه الكبير» (9/ 249 رقم 9229) عن علي بن عبد العزيز، عن حجَّاج بن المنهال، عن حماد بن سَلَمة، عن حماد بن أبي سليمان، به. قلت: وهذا إسناد ظاهره الصحة، ورواية إبراهيم النَّخَعي عن ابن مسعود، وإن كان ظاهرها الانقطاع؛ فإنها متصلة، فقد روى الترمذي في «العلل الصغير» (5/ 709 - الملحق بالسُّنن) عن أبي عُبيدة بن أبي السَّفَر، عن سعيد بن عامر، عن شعبة، عن الأعمش أنه قال: قلت لإبراهيم النَّخَعي: أَسنِد لي عن عبد الله بن مسعود، فقال: إذا حدَّثتكم عن رجل، عن ابن مسعود، فهو الذي سمَّيت، وإذا قلت: «قال عبد الله»، فهو عن غير واحد، عن عبد الله. قال ابن رجب في «شرح علل الترمذي» (1/ 294): وهذا يقتضي ترجيح المرسل على المسند، لكن عن النَّخَعي خاصَّة فيما أرسله عن ابن مسعود خاصَّة. وقال الدارقطني في «سننه» (3/ 174): فإبراهيم النخعي هو أعلم الناس بعبد الله وبرأيه وبفُتياه، قد أخذ ذلك عن أخواله علقمة، والأسود، وعبد الرحمن ابني يزيد، وغيرهم من كبراء أصحاب عبد الله، وهو القائل: إذا قلت لكم: قال عبد الله بن مسعود، فهو عن جماعة من أصحابه عنه، وإذا سَمِعتُهُ من رجل واحد سَمَّيتُهُ لكم. وله طريق أخرى: أخرجها الطبري في «تفسيره» (5/ 104) وابن المنذر في «الأوسط» (1/ 118 رقم 12) والبيهقي في «سننه» (1/ 124) وفي «الخلافيات» (2/ 160 رقم 430) وفي «معرفة السُّنن والآثار» (1/ 373 رقم 955) من طريق مخارق، عن طارق بن شهاب: أن عبد الله قال في قوله: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} قال قولاً معناه: ما دون الجماع. قال البيهقي في «الخلافيات»، و «المعرفة»: صحيح موصول. وقارن ما ذكرته ههنا بصنيع الشيخ عبد العزيز الطريفي في «التحجيل في تخريج ما لم يخرَّج من الأحاديث والآثار في إرواء الغليل» (ص 28 - 29). (¬2) في «مسنده» (1/ 14 - 15 رقم 87).

أبي النضر، عن أبي سَلَمة، عن ابن عمرَ أنَّه قال: رأيتُ سعدَ بن أبي وقاص يَمسحُ على خُفَّيه بالعراق حين يتوضَّأ، فأَنكَرْتُ ذلك عليه، قال: فلما اجتَمَعنا عند عمرَ، قال لي: سَلْ أباك عمَّا أَنكَرْتَ عليَّ من مسحِ الخُفَّين. قال: فذَكَرتُ ذلك له، فقال: إذا حدَّثك سعدٌ بشيء فلا تَرُدَّ عليه، فإنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يَمسحُ على الخُفَّين. هذا حديث جيد الإسناد، محفوظ من حديث أبي النضر سالم مولى أبي أميَّة المديني أحد الأئمَّة الثقات. فقد رواه عبد الله بن أحمد (¬1) / (ق 10)، عن هارون بن معروف، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن أبي النضر، به. ولهذا الحديث طرق أخر عن عمرَ -رضي الله عنه-، فمنها: (16) قال الإمام أحمد (¬2): ثنا عبد الرزاق (¬3)، ثنا عبد الله (¬4) بن عمر، عن نافع قال: رأى ابنُ عمر سعدَ بن مالك يَمسحُ على خُفَّيه، ¬

(¬1) في «زوائده على المسند» (1/ 15 رقم 88). وهو عند البخاري في «صحيحه» (1/ 305 رقم 202 - فتح) في الوضوء، باب المسح على الخفين، عن أصبغ بن الفَرَج المصري، عن ابن وهب، به. وكان الأولى بالمؤلِّف عزوه إليه. (¬2) في «مسنده» (1/ 35 رقم 237). (¬3) وهو في «المصنَّف» (1/ 196 - 197 رقم 763). (¬4) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «عبيد الله»، وما في الأصل موافق لما في مطبوع «المصنَّف»، والله أعلم بالصواب. ولم ينبِّه على هذا الاختلاف محققو «المسند» (1/ 357 رقم 237 - ط مؤسسة الرسالة)، وكذا محققو «المسند» (1/ 150 - ط عالم الكتب).

فأنكره عليه (¬1)، حتى اجتَمَعا عند عمرَ ... ، فذَكَره. قال نافع: فكان ابنُ عمر يَمسحُ على الخُفَّين ما لم يَخلَعْهُما، ولم يوقِّت لذلك وقتًا. قال عبد الرزاق: فحدَّثت به معمرًا، فقال: حدَّثنيه أيوب، عن نافع، مثله. قلت: هذا ظاهره أنَّه منقطع، وهو في المعنى متَّصل؛ لأن نافعًا إنما سَمِعَه من ابن عمر (¬2). وهكذا وقع في رواية ابن ماجه (¬3)، فإنَّه قال: (17) حدثنا عمران بن موسى اللَّيثي، ثنا محمد بن سَوَاء، ثنا سعيد ¬

(¬1) قوله: «فأنكره عليه» ليس في المطبوع من «المسند». (¬2) الذي يظهر أن هناك اختلافًا على نافع في إسناده، فوَصَله أيوب، وأرسَلَه عبيد الله بن عمر، وهما من أثبت أصحاب نافع، فالله أعلم بالصواب. انظر: «علل الترمذي» لابن رجب (2/ 474). لكن له طرق أخرى صحيحة: منها: ما أخرجه عبد الرزاق (1/ 196 رقم 762) عن ابن جريج قال: أخبرني نافع، عن ابن عمرَ قال: أَنكرتُ على سعد بن أبي وقاص وهو أمير بالكوفة المسح على الخفين ... ، فذكره، بنحوه. ومنها: ما أخرجه مالك (1/ 77) وإسماعيل بن جعفر في «حديثه» (ص 153 رقم 40 - رواية علي بن حُجر) عن عبد الله بن دينار -زاد مالك: ونافع-: أنه سمع ابن عمرَ يقول: قَدِمْتُ العراقَ، وسعدُ بن أبي وقاص أميرُها، فرأيته يتوضأ ورجلاه في الخفين ... ، فذكره، بنحوه. (¬3) في «سننه» (1/ 181 رقم 546) في الطهارة، باب ما جاء في المسح على الخفين. وأخرجه -أيضًا- ابن خزيمة (1/ 93 رقم 184) من طريق محمد بن سَوَاء، به. وصحَّح إسناده الشيخ الألباني في تعليقه على «صحيح ابن خزيمة». قلت: ابن أبي عَروبة وإن كان ممن اختَلَط، لكن سماع محمد بن سَوَاء منه قبل اختلاطه، كما قال أحمد، وأبو داود. انظر: «علل أحمد» (2/ 472 رقم 3092 - رواية عبد الله) و «سؤالات الآجري» (1/ 350 رقم 612). وهذا النقل مما فات صاحب «الكواكب النيِّرات» (ص 198) فليُستدرَك.

بن أبي عَروبة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمرَ: أنَّه رأى سعدَ بن مالك يَمسحُ على الخُفَّين، قال: إنكم لتفعلون ذلك؟! فاجتَمَعا عند عمرَ، فقال سعدٌ لعمرَ: أَفْتِ ابنَ أخي في المسحِ على الخُفَّين. فقال عمرُ: كنا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم نمسحُ على خفافِنا، لم نَرَ بذلك بأسًا. فقال ابن عمر: وإنْ جاء من الغائط؟ قال: نعم. طريق أخرى (18) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا عفَّان، ثنا خالد، عن يزيد بن أبي زياد، عن عاصم بن عبيد الله، عن أبيه، أو عن جدِّه، عن عمرَ قال: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بعد الحَدَثِ توضَّأ، / (ق 11) ومَسَح على الخُفَّين. ثم رواه (¬2) عن أبي داود الطيالسي (¬3)، عن شريك، عن عاصم، عن أبيه، عن عمرَ قال: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَمسحُ على الخُفَّين. وقال -أيضًا- (¬4): ثنا وكيع، عن حسن بن صالح، عن عاصم بن عبيد الله، عن سالم، عن ابن عمرَ قال: قال عمرُ رضي الله عنه: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَمسحُ على خُفَّيه في السَّفرِ. إسناده جيد (¬5). ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 20 رقم 128). (¬2) (1/ 32 رقم 216). (¬3) وهو في «مسنده» (1/ 18 رقم 14) لكن قال: «عن شريك، عن عاصم، عن رجل، عن ابن عمرَ، عن عمرَ»! (¬4) أي: الإمام أحمد (1/ 54 رقم 387). (¬5) مداره -كما ترى- على عاصم بن عبيد الله، ومع ضعفه، فقد اضطَّرب فيه، كما هو ظاهر من سياق الروايات: فمرَّة يرويه عن أبيه، عن جدِّه، عن عمر! ومرَّة يرويه عن أبيه، عن عمر! ومرَّة يرويه عن سالم، عن ابن عمر! وانظر للفائدة: «علل ابن أبي حاتم» (1/ 15 رقم 11) و «علل الدارقطني» (2/ 20 - 22).

طريق أخرى (19) قال أبو يعلى الموصلي (¬1): ثنا أبو كُرَيب، ثنا زيد بن الحُبَاب، ثنا خالد بن أبي بكر بن عبيد الله العُمَري، ثنا سالم، عن ابن عمرَ، عن عمرَ قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يأمُرُنا بالمسحِ على الخُفَّين، للمسافرِ ثلاثةُ أيامٍ ولياليهِنَّ، وللمقيمِ يومٌ وليلةٌ. قال الإمام علي ابن المديني: لم يَرفَعْ هذا الحديثَ أحدٌ إلا شيخٌ ضعيفٌ، يقال له: خالد بن أبي بكر بن عبيد الله (¬2)، فقد رواه سالم، ونافع، وعبد الله بن دينار، وأبو سَلَمة، فلم يَرفعوه (¬3). وقال الدارقطني (¬4): ليس هذا الحديث بالقوي. قلت: إنما يُنكَر من هذا الحديث ذِكرُ التوَّقيت فيه، وإلا فأصلُه محفوظ، ثم إنَّ المحفوظَ عن عمرَ -رضي الله عنه- عدمُ التوَّقيت في مسح الخُفَّين: (20) كما رواه الدارقطني في «سننه» (¬5): حدثنا أبو بكر النَّيسابوري، ثنا يونس بن عبد الأعلى، أنا ابن وهب، أخبرني حَيوة، سَمِعتُ يزيد بن ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 158 رقم 171). (¬2) قال عنه البخاري: له مناكير عن سالم. انظر: «تهذيب التهذيب» (3/ 81). (¬3) انظر تفصيل هذه الطرق في «علل الدارقطني» (2/ 18 - 26). (¬4) في «العلل» (2/ 22). (¬5) (1/ 199).

أبي حبيب، حدثني عبد الله بن الحكم، عن عُلَي بن رباح: أن عُقبة بن عامر حدَّثه: أنَّه / (ق 12) قَدِمَ على عمرَ بفتح دمشق، قال: وعليَّ خُفَّان، فقال لي عمر: كم لك يا عُقبةُ، منذ (¬1) لَم تَنْزع خُفَّيك؟ فذَكَرتُ (¬2) من الجمعة إلى الجمعة، فقلت: منذُ ثمانيةِ أيامٍ؟ فقال: أَحسنتَ، وأَصبتَ السُّنَّةَ. ورواه ابن ماجه (¬3) من حديث أبي عاصم، عن حَيوة بن شُريح، عن يزيد بن أبي حبيب، به (¬4). ورواه الدارقطني -أيضًا- (¬5)، عن أبي بكر النَّيسابوري، عن سليمان بن شعيب، عن بِشر بن بكر، عن موسى بن عُلَي، عن أبيه، عن عُقبة، به. وقال فيه: أَصبتَ السُّنَّةَ. ثم قال: وقال أبو بكر النَّيسابوري: هذا حديث غريب. قال الدارقطني: وهو صحيح الإسناد. وقال الدارقطني في «العلل» (¬6): وهكذا رواه مفضَّل بن فضالة، وابن ¬

(¬1) قوله: «منذ»، ليست في مطبوع «السُّنن» (1/ 199)، وهي مثبتة في مطبوع «السُّنن» (1/ 366 - 367 - ط مؤسسة الرسالة). (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «فتذكرت». (¬3) في «سننه» (1/ 185 رقم 558) في الطهارة، باب ما جاء في المسح بغير توقيت. (¬4) لكن جاء فيه: «عن الحكم بن عبد الله البَلَوي»، وكذا ورد في «تحفة الأشراف» (8/ 90 رقم 10610). وقد أشار المزي في «تحفة الأشراف» و «تهذيب الكمال» (7/ 108) إلى اختلاف الرواة عن يزيد بن أبي حبيب في اسمه، وصوَّب قول من قال: «عبد الله بن الحكم». (¬5) في «سننه» (1/ 196). (¬6) (2/ 110 - 111).

لَهِيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبد الله بن الحكم البَلَوي، عن عُلَي بن رباح، عن عُقبة، عن عمرَ، به (¬1). وكذا رواه موسى بن عُلَي، عن أبيه. وقال يحيى بن أيوب (¬2): عن يزيد، عن عُلَي بن رباح. لم يَذكر عبد الله بن الحكم. وكلُّهم قالوا: «أَصبتَ السُّنةَ». وقال عمرو بن الحارث، ويحيى بن أيوب، والليث بن سعد: عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبد الله بن الحكم، عن عُلَي بن رباح، عن عُقبة، عن عمرَ: أنَّه قال: «أَصبتَ». ولم يقولوا: «السُّنَّةَ». قال الدارقطني: وهو المحفوظ (¬3). قلت: هذا مذهب طائفة من العلماء عدم توقيت المسح، وهو المشهور عن مالك (¬4)، وقول قديم للشافعي (¬5). ولكنَّ الجمهور على التَّوقيت (¬6). ¬

(¬1) لكن ليس في رواية ابن لَهِيعة ذِكر: «السُّنة»، بل روايته عند الطحاوي (1/ 80) والبيهقي (1/ 380)) بلفظ: «أَصبتَ»، وممن نبَّه على هذا الشيخ الألباني في «السلسلة الصحيحة» (6/ 239). (¬2) وروايته شاذة؛ لمخالفتها لرواية الجماعة الذين رووه عن يزيد بن أبي حبيب بذكر عبد الله بن الحكم في روايته، وقد قال الشيخ الألباني في الموضع السابق: ولا شك أن الصواب في إسناده إثبات البَلَوي فيه؛ لاتفاق الثقات الخمسة عليه كما رأيت. (¬3) في هذا الإطلاق نظر، فلو سلَّمنا بأن المحفوظ في رواية يزيد بن أبي حبيب الوقف على عمر؛ ففي رواية بِشر بن بكر، عن موسى بن عُلَي، عن أبيه، عن عُقبة بن عامر التصريح بلفظ: «السُّنة»، وهي رواية صحيحة لامطعن فيها، كما قال الإمام الدارقطني نفسه. (¬4) انظر: «الذخيرة» للقرافي (1/ 322). (¬5) انظر: «روضة الطالبين» (1/ 244). (¬6) انظر: «حاشية ابن عابدين» (1/ 271) و «روضة الطالبين» (1/ 243) و «المغني» (1/ 365).

ورخَّص بعضُهم في عدم التَّوقيت في السَّير الجادِّ، كما فعل عُقبة بن عامر، واستَصوَبَه عمرُ رضي الله عنه. وإن صحَّ قولُه: «أَصبتَ السُّنةَ»؛ كان في حكم المرفوع عند جمهور الأصوليين، وغيرهم. (21) وله شاهد من حديث أُبَي بن عُمَارة -رضي الله عنه-، / (ق 13) كما سيأتي (¬1) عند أبي داود (¬2)، وابن ماجه (¬3)، وإن كان في إسناده غرابة. ¬

(¬1) انظر: «جامع المسانيد والسُّنن» (1/ 77 - 78 رقم 16، 17). (¬2) في «سننه» (1/ 222 رقم 158) في الطهارة، باب التوقيت في المسح. (¬3) في «سننه» (1/ 184 رقم 557) في الطهارة، باب ما جاء في المسح بغير توقيت، ولفظه: يا رسول الله، أمسح على الخُفَّين؟ قال: «نعم». قال: يومًا؟ قال: «نعم». قال: ويومين؟ قال: «ويومين». قال: وثلاثةً؟ قال: «نعم، وما شئتَ». واختُلف في إسناده: فقيل: عن عمرو بن الربيع بن طارق، عن يحيى بن أيوب، عن عبد الرحمن بن رزين، عن محمد بن يزيد، عن أيوب بن قَطَن، عن أُبي بن عمارة! وقيل: عن ابن وهب، عن يحيى بن أيوب، عن عبد الرحمن بن رزين، عن محمد بن يزيد، عن أيوب بن قَطَن، عن عُبادة بن نُسَي، عن أُبي بن عُمارة! ولأجل هذا الاضطراب أعلَّه أبو داود، فقال: قد اختُلف في إسناده، وليس بالقوي. وقال: قال ابن معين: إسناده مظلم. وقال ابن حبان في «الثقات» (3/ 6): لست أعتمد على إسناد خبره. وقال الدارقطني في «سننه» (1/ 198): هذا الإسناد لا يثبت، وقد اختُلف فيه على يحيى بن أيوب اختلافًا كثيرًا قد بيَّنته في موضع آخر، وعبد الرحمن ومحمد بن يزيد وأيوب بن قَطَن مجهولون كلهم. وأعلَّه ابن عبد البر بالاضطراب. انظر: «الاستيعاب» (1/ 135). وقال في «الاستذكار» (1/ 262): حديث لا يثبت، وليس له إسناد قائم. وانظر للفائدة: «البدر المنير» لابن الملقن (3/ 41 - 48) و «نصب الراية» (1/ 177 - 178) و «بيان الوهم والإيهام» (3/ 323 - 325 رقم 1070).

حديث آخر (22) قال الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزَّار (¬1): ثنا الحسين بن مهدي، ثنا عبد الرزاق (¬2)، ثنا معمر، عن عبد الكريم، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ قال: رآني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبولُ قائمًا، فقال: «مَه!» ‍‍. قال عمرُ: فما عُدتُ لها بعدُ. ورواه ابن ماجه (¬3)، عن محمد بن يحيى الذُّهْلي، عن عبد الرزاق، به (¬4)، ولفظه: قال: رآني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبولُ قائمًا، فقال: «يا عمرُ، لا تَبُلْ قائمًا». فما بُلْتُ قائمًا بعدُ. وقال الترمذي (¬5): عبد الكريم بن أبي المُخارِق أبو أُميَّة هذا: ضعيف عند أهل الحديث (¬6). قال: وروى عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمرَ قال: قال عمرُ: ما بُلْتُ قائمًا منذُ أسلمتُ (¬7). ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 267 رقم 165). (¬2) وهو في «المصنَّف» (8/ 467 رقم 15924). (¬3) في «سننه» (1/ 112 رقم 308) في الطهارة، باب في البول. (¬4) قوله: «به» ليست في محلِّها؛ لأن رواية ابن ماجه: «عن ابن جريج، عن عبد الكريم»، فصار التقاء الإسنادين في «عبد الكريم» لا معمر. (¬5) في «سننه» (1/ 18). (¬6) قال عنه النسائي والدارقطني: متروك. وقال أيوب: ليس بثقة. وقال ابن عبد البر: مجمع على ضعفه. انظر: «تهذيب التهذيب» (6/ 376). (¬7) ومن هذا الوجه: أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 116 رقم 1324) في الطهارة، باب من كره البول قائمًا، والطحاوي (4/ 268) من طريق ابن إدريس -زاد ابن أبي شيبة: وابن نُمَير- والبزَّار في «مسنده» (1/ 254 - 255 رقم 149) وأبو بكر النَّجاد في «مسند عمر» (ص 62 رقم 23، 24) من طريق يحيى بن سعيد. ثلاثتهم (ابن إدريس، وابن نُمَير، ويحيى بن سعيد) عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ ... ، فذكره. وهذا إسناد صحيح، كما قال الشيخ الألباني في «السلسلة الضعيفة» (2/ 338).

وهذا أصح. كذا قال. وقد قال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي: (23) ثنا أحمد بن إبراهيم الشُلاثائي، ثنا إبراهيم بن بشَّار، ثنا سفيان، ثنا الزهري، عن سالم، عن أبيه: أنَّ عمرَ أتى سُباطة (¬1) قومٍ، فبال قائمًا، ففَجَجَ (¬2)، حتى رَحِمتُهُ. وهذا إسناد جيد قوي (¬3). طريق أخرى (24) قال عبد الرزاق (¬4): عن ابن عيينة، عن الأعمش، عن زيد بن ¬

(¬1) السُّباطة: الموضع الذي يُرمى فيه التراب والأوساخ، وما يُكنس من المنازل. انظر: «النهاية» (2/ 335). (¬2) الفَجَج: هو المبالغة في تفريج ما بين الرِّجلين. انظر: «النهاية» (3/ 412). (¬3) في هذا نظر؛ فشيخ الإسماعيلي قال عنه الدارقطني: ليس هو بالقوي. انظر: «سؤالات السَّهمي» (ص 145 رقم 141) لكن يشهد له ما بعده. (¬4) لم أجده في «المصنَّف». وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (1/ 115 رقم 1310) في الطهارة، باب من رخَّص في البول قائمًا، عن ابن إدريس. وابن المنذر في «الأوسط» (1/ 334 رقم 275) من طريق جعفر بن عَون. والطحاوي (4/ 268) من طريق شعبة. ثلاثتهم (ابن إدريس، وجعفر بن عَون، وشعبة) عن الأعمش، به، بنحوه. فإن قيل: فما وجه الجمع بين قول عمر رضي الله عنه: مابُلتُ قائمًا منذ أسلمت، وبين بوله قائمًا؟ فيقال: لعل هذا وقع من عمرَ -رضي الله عنه- بعد قوله المتقدِّم، وبعد ما تبيَّن له أنه لاشيء في البول قائمًا. قاله الشيخ الألباني في «السلسلة الضعيفة» (2/ 339).

وهب قال: رأيتُ عمرَ بن الخطاب يَبولُ قائمًا، ففَرَّجَ حتى رَحِمتُهُ. وهذا -أيضًا- صحيح. أثر آخر (25) قال عبد الرزاق (¬1): عن ابن عيينة، عن مُطرِّف، عن سعيد بن عمر (¬2) بن سعيد قال: قال عمرُ بن الخطاب: البولُ قائمًا أحصنُ للدُّبُر. قال: وأَحسَبُهُ قال: والبولُ جالسًا أَرخى للدُّبُر. رواهما أبو بكر ابن زياد النَّيسابوري (¬3)، عن إسحاق بن منصور، عن عبد الرزاق. وقد روي البول قائمًا عن علي (¬4)، ¬

(¬1) لم أجده في «المصنَّف»، ومن طريق عبد الرزاق: أخرجه ابن المنذر في «الأوسط» (1/ 322 رقم 253). وأخرجه -أيضًا- البيهقي (1/ 102) من طريق إسحاق، عن سفيان، به. (¬2) كذا ورد بالأصل. والصواب: «عمرو»، كما في مصادر التخريج، وكُتُب الرجال. انظر: «تهذيب الكمال» (11/ 18 - 19). ثم هو منقطع بين سعيد بن عمرو وعمر؛ لأن سعيد هذا من صغار الطبقة الثالثة، وهي طبقة ما بعد الحسن وابن سيرين. (¬3) لم أجده في كتاب «الزيادات» له. (¬4) أخرجه مُسدَّد في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (1/ 67 رقم 42) وعبد الرزاق (1/ 201 رقم 783) وابن أبي شيبة (1/ 115 رقم 1311) وأحمد في «العلل ومعرفة الرجال» (3/ 166 رقم 4739) وابن المنذر في «الأوسط» (1/ 334 رقم 276) والطحاوي (4/ 268) من طريق أبي ظَبيان حُصَين بن جُندب قال: رأيتُ عليًّا بال قائمًا. وهذا إسناد حسن، كما قال البوصيري في «إتحاف الخيرة المهرة» (1/ 277).

وابن عمر (¬1)، وزيد بن ثابت (¬2). وروي عن حذيفة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في «الصحيح» (¬3). أثر آخر (26) قال أبو عبيد في كتابه «الغريب» (¬4): ثنا ابن عُليَّة، عن أيوب، ¬

(¬1) أخرجه مالك (1/ 110) في الصلاة، باب ما جاء في البول قائما وغيره، عن عبد الله بن دينار قال: رأيت عبد الله بن عمر يبول قائمًا. وهذا إسناد صحيح. (¬2) أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 115 رقم 1312) عن ابن عيينة. وابن المنذر في «الأوسط» (1/ 335 رقم 277) من طريق معمر. كلاهما (ابن عيينة، ومعمر) عن الزهري، عن قَبيصة بن ذُؤَيب: أنه رأى زيد بن ثابت يبول قائمًا. وهذا إسناد صحيح. قال الحافظ في «الفتح» (1/ 330): وقد ثبت عن عمرَ وعلي وزيد بن ثابت وغيرهم أنهم بالوا قيامًا. (¬3) أخرجه البخاري (1/ 328، 329 رقم 224، 225، 226) في الوضوء، باب البول قائمًا وقاعدًا، وباب البول عند صاحبه والتستر بالحائط، وباب البول عند سُباطة قوم، و (5/ 117 رقم 2471 - فتح) ومسلم (1/ 228 رقم 273) (73) في الطهارة، باب المسح على الخفين، من حديث حذيفة -رضي الله عنه- قال: كنتُ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم فانتهى إلى سُباطة قوم، فبال قائمًا ... الحديث. (¬4) «غريب الحديث» (4/ 133). وفي إسناده انقطاع بين ابن سيرين وعمر. وله طريق أخرى: أخرجها الحميدي، كما في «المطالب العالية» (3/ 67 رقم 2428). والبيهقي في «شعب الإيمان» (10/ 367 رقم 5426) من طريق سعدان بن نصر. كلاهما (الحميدي، وسعدان) عن سفيان، عن هشام، عن أبيه: أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- أتى الغائطَ، ثم خَرَج، فأُتي بطعام، فقيل له: ألا تتوضَّأ؟ قال: إنما استَطَبتُ بشمالي، وأكلتُ بيميني. وهذا منقطع أيضًا بين عروة وعمر.

عن ابن سيرين، عن عمرَ: أنَّه خَرَج من الخلاء فدعا بطعامٍ، فقيل له: ألا تتوضَّأُ؟ فقال: لولا التَّنَطُّسُ لما بالَيتُ ألا أَغسِلَ يَدَيَّ. فسُئل ابن عُليَّة عن التَّنَطُّس، فقال: هو التَّقذُّر. وقال الأصمعي: هو المبالغة في الطُّهور، وكُلُّ مَن أدقَّ النَّظرَ في الأمور واستَقصَى عِلمَها، فهو مُتَنَطِّسٌ، ومنه قيل: طبيبٌ نِطَاسِيّ، ونِطِّيسُ. أثر آخر (27) قال أبو القاسم البغوي: ثنا هُدبة، ثنا حماد بن سَلَمة، عن أيوب، عن محمد بن سيرين (¬1): أنَّ عمرَ بن الخطاب خَرَج من الخلاء، فقرأ القرآنَ، فقال له أبو مريم: يا أميرَ المؤمنين، أتقرأُ وأنت غيرُ طاهرٍ؟ / (ق 14) فقال له: مُسَيلمةُ أَمرَكَ بهذا؟ إسناد جيد، وفيه انقطاع (¬2). ¬

(¬1) ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه بين محمد بن سيرين وعمر. (¬2) وقد اختُلف فيه على ابن سيرين: فقيل: عنه، عن عمرَ! وقيل: عنه، عن أبي مريم الحنفي، عن عمرَ! أما الوجه الأول: فأخرجه مالك (1/ 276) في الصلاة، باب الرخصة في قراءة القرآن على غير وضوء. وعبد الرزاق (1/ 339 رقم 1318) عن معمر. وأبو عبيد في «فضائل القرآن» (ص 98 - ط دار الكتب العلمية) من طريق منصور ويونس وإسماعيل بن إبراهيم. وابن أبي شيبة (1/ 98 رقم 1104) في الطهارة، باب في الرجل يقرأ القرآن وهو غير طاهر، عن عبد الوهاب الثَّقَفي. ستتهم (مالك، ومعمر، ومنصور، ويونس، وإسماعيل، وعبد الوهاب) عن أيوب, به. زاد بعضهم: وكانوا يرون أن في قلب عمر عليه بعض الشدة، وكانوا يرون أنه قَتَل زيد بن الخطاب يوم اليمامة، فقال: يا أميرَ المؤمنين، إن اللهَ أكرم زيدًا بيدي، ولم يُهنِّي بيده. وأخرجه ابن بشكوال في «الغوامض والمبهمات» (1/ 457 رقم 427) من طريق يزيد بن إبراهيم، عن محمد بن سيرين قال: نُبِّئت أنَّ عمر بن الخطاب ... ، فذكره. وأما الوجه الثاني: فأخرجه البخاري في «التاريخ الكببر» (1/ 437) والدُّولابي في «الكنى والأسماء» (3/ 1000 رقم 1752) من طريق عبد الأعلى. وابن سعد (7/ 91) وابن أبي شيبة (1105) في الموضع السابق، عن يزيد بن هارون. كلاهما (عبد الأعلى، ويزيد بن هارون) عن هشام بن حسَّان، عن محمد بن سيرين، عن أبي مريم الحنفي، عن عمرَ ... ، فذكره. وصحَّح هذا الوجه الحافظُ في «الإصابة» (1/ 191)، فقال: إسناده صحيح. والذي يظهر -والله أعلم- أن الصواب ترجيح رواية أيوب على رواية هشام بن حسان؛ لأن أيوب -باتفاق الحفاظ- أثبت من هشام بن حسان، كما نقل ذلك الحافظ ابن رجب في «شرح علل الترمذي» (2/ 497 - 499) وعليه؛ فالرواية منقطعة. وقد فات الأخ الفاضل الدكتور أحمد بن فارس السلوم التنبيه على هذا الاختلاف على أيوب في تخريجه لـ «فضائل القرآن» للمستَغفِري (1/ 212).

أثر في الاستطابة بالماء

أثر في الاستطابة بالماء (28) قال عبد الرزاق (¬1): عن معمر، عن الزهري (¬2): أنَّ عمرَ بن الخطاب أتى الغائطَ وهو في سَفَر، ثم استطاب بالماء بين راحلتين، فجعل أصحابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يَضحكون، ويقولون: يَتَوضَّأُ كما تَتَوضَّأُ المرأةُ! هذا منقطع، بل معضل بين الزهري وعمر (¬3). وإنما أَنكَروا من ذلك ندوره، لأنهم كان يَغلِبُ عليهم الاستنجاءُ بالحجارة، لا سيَّما في الأسفار، وإلا فقد ثَبَتت السُّنةُ بذلك في غير ما حديثٍ عن أنس (¬4)، وغيره. ¬

(¬1) لم أجده في «المصنَّف». وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (1/ 141 رقم 1627) في الطهارة، باب من كان يقول: إذا خَرَج من الغائط فليستنج بالماء، عن يحيى بن آدم، عن ابن المبارك، عن معمر، به. (¬2) ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه بين الزهري وعمر. (¬3) لكن له طريق أخرى: أخرجها مالك في «الموطأ» (1/ 53) في الصلاة، باب العمل في الوضوء، عن يحيى بن محمد بن طحلاء، عن عثمان بن عبد الرحمن: أن أباه حدَّثه: أنه رأى عمرَ بن الخطاب يتوضَّأُ بالماء وُضوءًا لما تحت إزاره. قال ابن عبد البر في «الاستذكار» (1/ 180): يريد الاستنجاء. وهذا إسناد صحيح، يحيى بن محمد بن طحلاء روى عنه مالك وجماعة، ووثَّقه ابن شاهين في «تاريخه» (ص 261 رقم 1602). وعثمان بن عبد الرحمن ثقة، كما قال الحافظ في «التقريب». وأبوه: عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي، صحابي، قُتل مع ابن الزبير. فائدة: قال ابن عبد البر في «الاستذكار»: أدخل مالك هذا الحديث في «الموطأ» ردًّا على من قال عن عمرَ: إنه كان لا يستنجي بالماء، وإنما كان استنجاؤه هو وسائر المهاجرين بالأحجار. (¬4) أخرجه البخاري (1/ 252 رقم 152 - فتح) في الوضوء، باب حمل العنزة مع الماء في الاستنجاء، ومسلم (1/ 227 رقم 270، 271) في الطهارة، باب الاستنجاء بالماء من التبرز، من حديث أنس -رضي الله عنه- قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا خَرَج لحاجته، أجِيء أنا وغلام معنا إداوة من ماء. يعني: يستنجِي به.

أثر آخر (29) قال عبد الرزاق (¬1): عن عبد الله بن كثير، عن شعبة، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كان عمرُ بن الخطاب يبولُ، ثم يَمسحُ ذَكَره بحَجَر أو بغيره، فإذا توضَّأ لم يمسَّ ذَكَرَه بالماء. هذا أثر جيد الإسناد، مع أنَّ فيه انقطاعًا (¬2) على قول، والله أعلم. وقد روي مثلُه عن جماعة من السَّلف، وليس فيه نزاع. ¬

(¬1) لم أجده في «المصنَّف». وأخرجه -أيضًا- ابن المنذر في «الأوسط» (1/ 346 رقم 299) من طريق شعبة، عن الحكم، به. ووقع في مطبوع «الأوسط» سقط، حيث جاء من رواية ابن المنذر، عن شعبة مباشرة! (¬2) يعني: بين عبد الرحمن بن أبي ليلى وعمر، والراجح عدم صحَّة سماعه من عمر، وسيأتي تحقيق القول في ذلك عند الحديث رقم (147). ... لكن لهذا الأثر طريق أخرى يتقوَّى بها: أخرجها ابن أبي شيبة (1/ 56 رقم 585) في الطهارة، باب من كان إذا بال لم يمس ذكره بالماء، عن أبي الأحوص. وابن المنذر في «الأوسط» (1/ 346 رقم 298) من طريق شعيب بن خالد البَجَلي. والبيهقي (1/ 111) من طريق غَيْلان بن جامع. ثلاثتهم (أبو الأحوص، وشعيب، وغَيْلان) عن أبي إسحاق السَّبيعي قال: سَمِعتُ يَسَار بن نُمَير قال: كان عمرُ -رضي الله عنه- إذا بال قال: ناولني شيئًا أستنجي به، قال: فأناوله العود والحجر، أو يأتي حائطًا يتمسَّح به، أو يمسَّ الأرض، ولم يكن يغسله. قال البيهقي: وهذا أصح ما روي في هذا الباب وأعلاه. قلت: ويَسَار بن نُمَير ثقة، كما قال الحافظ في «التقريب»، فالإسناد صحيح.

حديث آخر (30) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا يعقوب، ثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني نافع، عن عبد الله بن عمر، عن أبيه قال: سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: كيف يَصنعُ أحدُنا إذا هو أَجنَبَ ثم أراد أن ينامَ قبل أن يَغتَسِلَ؟ قال: فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لِيَتَوضَّأْ وُضوءَهُ للصلاة، ثم لِيَنَمْ». ثم رواه أحمد (¬2)، عن عَبيدة بن حميد، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ قال: سُئل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أَيَرقُدُ الرجلُ إذا أَجَنبَ؟ قال: «نعم، إذا توضَّأَ». وكذا رواه مسلم (¬3)، والترمذي (¬4)، والنسائي (¬5) من حديث عبيد الله. وأخرجه النسائي -أيضًا- (¬6) من حديث أيوب. كلاهما عن نافع، به. قال الترمذي: وهو أحسن وأصح. طريق أخرى (31) قال أحمد (¬7): ثنا سفيان، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمرَ، ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 16 رقم 94). (¬2) (1/ 17 رقم 105). (¬3) في «صحيحه» (1/ 248 رقم 306) (23) في الحيض، باب جواز نوم الجُنُب واستحباب الوضوء. (¬4) في «سننه» (1/ 206 رقم 120) في الطهارة، باب في الوضوء للجنب إذا أراد أن ينام. (¬5) في «سننه الكبرى» (5/ 333 رقم 9058 - 9061). (¬6) في الموضع السابق (5/ 334 رقم 9063). (¬7) في «مسنده» (1/ 24 - 25 رقم 165).

عن عمرَ: أنَّه سأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: ينامُ أحدُنا وهو جُنُبٌ؟ قال: «يَتَوضَّأُ، وينامُ إنْ شاءَ». قال سفيان مرَّة: «لِيَتَوضَّأ، وَلْيَنَمْ». إسناد صحيح. ورواه أحمد -أيضًا- (¬1)، عن أبي أحمد الزُّبيري، عن سفيان، عن عبد الله بن دينار، به. طريق أخرى (32) قال النسائي (¬2): ثنا هلال بن العلاء، عن معلَّى بن أسد، عن أيوب (¬3)، عن أبي قِلاَبة عبد الله بن زيد الجَرمي البصري (¬4)، عن عمرَ: أنَّه سأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: أينامُ أحدُنا وهو جُنُبٌ ... ؟ الحديث. وهذا منقطع، فإن أبا قِلاَبة لم يُدرك عمرَ رضي الله عنه. طريق أخرى (33) رواه النسائي (¬5) من حديث الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي سَلَمة، عن ابن عمرَ، عن عمرَ ... ، فذَكَره. ¬

(¬1) (1/ 38 رقم 263). (¬2) في «سننه الكبرى» (8/ 215 رقم 9014 - ط مؤسسة الرسالة). (¬3) قوله: «عن معلَّى بن أسد، عن أيوب» كذا ورد بالأصل. وفي مطبوع «السُّنن»: «عن معلَّى بن أسد، عن وهيب، عن أيوب»، هكذا بإثبات وهيب بين معلَّى وأيوب. وكذا ورد في «تحفة الأشراف» (8/ 38 رقم 10485). (¬4) ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه بين أبي قِلاَبة وعمر. (¬5) في «سننه الكبرى» (8/ 216 رقم 9018 - ط مؤسسة الرسالة) عن إسحاق بن منصور، عن أبي المغيرة، عن الأوزاعي، به.

طريق أخرى (34) قال / (ق 15) النسائي (¬1): ثنا محمد بن عبد الله بن المبارك المُخرِّمي، عن قُرَاد أبي نوح، عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمرَ، عن عمرَ: أنَّه سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم: أينامُ أحدُنا وهو جُنُبٌ؟ فقال: «اغْسِلْ ذَكَركَ، ثم توضَّأ ونَمْ». هكذا رواه من حديث مالك. وقد رواه جماعة عن مالك (¬2)، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمرَ، فجعلوه من مسنده، كما سيأتي بيانه (¬3). وكذا رواه الدَّارمي (¬4)، عن عبيد الله بن موسى، عن سفيان، عن عبد الله بن دينار. وكذلك هو في «الصحيح» (¬5) من حديث اللَّيث، وعبيد الله، عن نافع، ¬

(¬1) في الموضع السابق (8/ 213 رقم 9006 - ط مؤسسة الرسالة). وهذه الرواية شاذة، تفرَّد بها قُرَاد دون بقيَّة أصحاب مالك الذين رووه عنه، فلم يَذكروا فيه عمر، كما سيأتي. (¬2) منهم: عبد الله بن يوسف، ويحيى بن يحيى، والقَعْنبي، وقتيبة. انظر: «صحيح البخاري» (1/ 393 رقم 290 - فتح) في الغسل، باب الجُنُب يتوضأ ثم ينام، و «صحيح مسلم» (1/ 249 رقم 306) (25) في الحيض، باب جواز نوم الجُنُب واستحباب الوضوء له و «سنن أبي داود» (1/ 256 رقم 223) في الطهارة، باب الجُنُب ينام، و «سنن النسائي» (1/ 153 رقم 260) في الطهارة، باب وضوء الجُنُب. (¬3) انظر: «جامع المسانيد والسنن» (28/ 352 رقم 728 - ط قلعجي). (¬4) في «سننه» (1/ 587 رقم 783) في الطهارة، باب الجُنُب إذا أراد أن ينام. (¬5) أخرجه البخاري (1/ 392 رقم 287 - فتح) في الغسل، باب نوم الجُنُب، من طريق ليث. ومسلم (1/ 248 رقم 306) (23) في الحيض، باب جواز نوم الجُنُب واستحباب الوضوء له، من طريق عبيد الله. كلاهما (ليث، وعبيد الله) عن نافع، به.

عن ابن عمرَ من مسنده. وقد تكلَّم الإمام علي ابن المديني في «علله» في كونه من مسند عبد الله بن عمر أو أبيه بكلام طويل، والأمر في ذلك سهل. ولعلَّ عبد الله بن عمر سَمِعَ أباه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فتارة يَرويه عن أبيه، وتارة لا يَذكر أباه. والترمذي (¬1) يميل إلى أنَّ الحديث من مسند عمر رضي الله عنه. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. أثر آخر (35) قال أبو عبيد القاسم بن سلاَّم -رحمه الله- في كتاب «فضائل القرآن» (¬2): ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن شقيق بن سَلَمة، عن عَبيدة السَّلماني، عن عمرَ: أنَّه كَرِهَ للجُنُب أنْ يقرأَ شيئًا من القرآنِ. هذا إسناد صحيح. ¬

(¬1) في «سننه» (1/ 206 - 207). ورجَّح الدارقطني في «العلل» (2/ 37) أنه من مسند ابن عمر. لكن قال الحافظ في «الفتح» (1/ 393): ليس في هذا الاختلاف ما يقدح في صحة الحديث. (¬2) (ص 196). وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (1/ 97 رقم 1080) في الطهارة، باب من كره أن يقرأ الجُنُب القرآن، من طريق أبي معاوية وحفص بن غياث. وابن المنذر في «الأوسط» (2/ 96 رقم 618) من طريق محمد بن داسة. والطحاوي (1/ 90) من طريق زائدة. والمستَغفِري في «فضائل القرآن» (1/ 213 رقم 150) من طريق ابن نُمَير. جميعهم (أبو معاوية، وحفص بن غياث، ومحمد بن داسة، وزائدة، وابن نُمَير) عن الأعمش، به. تنبيه: تحرَّف «شقيق بن سَلَمة» عند المستَغفِري إلى «سفيان»!

(36) وقال أبو عبيد (¬1): ثنا ابن أبي مريم، وسعيد بن عُفَير، كلاهما عن ابن لَهِيعة، عن عبد الله بن سليمان، عن ثعلبة أبي الكَنود، أو: ابن أبي الكَنود. قال ابن أبي مريم، عن مالك بن جُنادة الغافِقِي. وقال ابن عُفَير، عن عبد الله بن مالك: أنَّه سَمِعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول لعمرَ: «إذا توضَّأتُ وأنا جُنُبٌ أَكَلتُ وشَربتُ، ولا أُصلِّي ولا أَقرأُ حتى أَغتَسِلَ». إسناده مقارب (¬2). ¬

(¬1) في الموضع السابق. (¬2) يَرويه ابن لَهِيعة، وقد اضطَّرب فيه: فقيل: عنه، عن عبد الله بن سليمان، عن ثعلبة أبي الكَنود، عن مالك بن عُبادة الغافِقِي! وقيل: عنه، عن عبد الله بن سليمان، عن ثعلبة أبي الكَنود، عن عبد الله بن مالك الغافِقِي! وقيل: عنه، عن ثعلبة أبي الكَنود، عن مالك بن عبد الله الغافِقِي، ليس فيه: عبد الله بن سليمان! ... أما الوجه الأول: فأخرجه الطحاوي (1/ 88) من طريق عمرو بن خالد، ويحيى بن بُكَير. وابن قانع في «معجم الصحابة» (3/ 54) من طريق هشام بن سعيد الطَّالْقاني. ثلاثتهم (عمرو بن خالد، ويحيى بن بُكَير، وهشام الطَّالْقاني) عن ابن لَهِيعة، به. وأما الوجه الثاني: فأخرجه البغوي في «معجم الصحابة»، كما في «الإصابة» (6/ 205) وابن قانع في «معجم الصحابة» (2/ 87) والبيهقي (1/ 89) من طريق ابن وهب. والدارقطني (1/ 119) من طريق أبي الأسود. وابن عبد الحكم في «فتوح مصر» (ص 148) وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (4/ 1778 رقم 4513) من طريق أسد بن موسى. وابن عبد الحكم -أيضًا- (ص 148) عن سعيد بن عُفَير وعثمان بن صالح. خمستهم (ابن وهب، وأبو الأسود، وأسد بن موسى، وسعيد بن عُفَير، وعثمان بن صالح) عن ابن لَهِيعة، به. ... وأما الوجه الثالث: فأخرجه الطبراني في «الكبير» (19/ 295 رقم 656) من طريق عبد الله بن يوسف، عن ابن لَهِيعة، به. ... وهذا الاضطِّراب راجع إلى سُوء حفظ ابن لَهِيعة. زِد على هذا: أن عبد الله بن سليمان، أبو حمزة الطويل، قال عنه البزَّار: حدَّث بأحاديث لم يُتابَع عليها. انظر: «كشف الأستار» (1/ 26 رقم 31). وقال الحافظ في «التقريب»: صدوق يخطئ. وثعلبة أبو الكَنود: مجهول الحال، روى عنه اثنان، وذكره البخاري في «التاريخ الكبير» (2/ 175 رقم 2109) وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (2/ 463 رقم 1879) وسكتا عنه. وذكره ابن حبان في «الثقات» (4/ 99). وقد ضعَّف هذا الأثر النووي في «المجموع» (2/ 159) وفي «خلاصة الأحكام» (1/ 207 - 208 رقم 530). وقال أبو محمد الغسَّاني في «تخريج الأحاديث الضعاف من سنن الدارقطني» (ص 34): لا يثبت، وابن لَهِيعة لا يحتج به. وانظر: «السلسلة الضعيفة» للشيخ الألباني (6/ 7).

حديث آخر (37) قال الحافظ أبو يعلى الموصلي (¬1): ثنا عبيد الله، ثنا معمر (¬2) بن سليمان، عن ليث، عن عاصم، عن أبي المُستَهل، عن عمرَ -رضي الله عنه-، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «إذا أتى الرَّجلُ أهلَه ثم أراد أن يعودَ، فليَغسِلْ فَرْجَهُ». هذا حديث غريب من هذا الوجه، وأبو المُستَهل هذا: لا أعرفه، ولم يَذكره ابن أبي حاتم (¬3). ¬

(¬1) لم أجده في المطبوع من «مسنده»، وهو من رواية ابن حمدان، وأورده الهيثمي في «المقصد العلي» (2/ 343 رقم 777 - رواية ابن المقرئ). وأخرجه -أيضًا- إسحاق بن راهويه، ومُسدَّد في «مسنديهما»، كما في «المطالب العالية» (1/ 111 رقم 190) والبيهقي (7/ 192) من طريق معتمر بن سليمان، به، لكن جاء عند إسحاق ومُسدَّد: «أبو المُشمَعِل». (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي «المقصد العلي»: «معتمر»، وهو الموافق لما في كُتُب الرجال ومصادر التخريج. (¬3) ذكره ابن حبان في «الثقات» (5/ 571) وأورد له هذا الحديث. والحديث قال عنه الترمذي في «العلل الكبير» (ص 61): سألت محمدًا [وهو: البخاري] عن هذا الحديث، فقال: هو خطأ، ولا أدري مَن أبو المُستَهِل؟ وإنما روى عاصم، عن أبي عثمان، عن سلمان بن ربيعة، عن عمرَ، قولَه. وهو الصواب، وروى عاصم، عن أبي المتوكِّل، عن أبي سعيد، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وسُئل عنه أبو حاتم الرازي، كما في «العلل» لابنه (1/ 34 رقم 67) فقال: هذا يرون أنه عاصم، عن أبي المتوكِّل، عن أبي سعيد، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو أشبه. وقال الدارقطني في «العلل» (2/ 240 رقم 242): كذا رواه ليث، عن عاصم، عن أبي المُستهِل، عن عمرَ. ووَهِمَ فيه، ورواه الثقات الحفَّاظ عن عاصم، عن أبي الصِّديق النَّاجي، عن أبي سعيد الخُدْري. منهم: شعبة، والثوري، وابن المبارك، وجرير، وإسماعيل بن زكريا، وعبدالواحد بن زياد، وابن عيينة، ومروان الفزاري، وغيرهم، وقولهم أولى بالصواب من قول ليث. وقال البيهقي: هذا أصح، وليث بن أبي سُليم لا يحتج به، وفي حديث أبي سعيد كفاية.

(38) وله شاهد في «صحيح مسلم» (¬1) عن أبي سعيد / (ق 16): أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أَتى أحدُكم أهلَه ثم أراد أن يعودَ؛ فليُحدِثْ بينهما وُضوءًا». حديث آخر (39) قال الإمام أحمد (¬2): ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، سَمِعتُ عاصم بن عمرو البَجَلي يحدِّث عن رجل، عن القوم (¬3) الذين سألوا عمرَ بن الخطاب، فقالوا له: إنما أَتيناكَ نسألُكَ عن ثلاثٍ: عن صلاة الرَّجل ¬

(¬1) (1/ 249 رقم 308) في الحيض، باب جواز نوم الجُنُب واستحباب الوضوء له. وفي قول المؤلِّف رحمه الله: «وله شاهد» نظر؛ لأنه حديث واحد، اختُلف فيه على عاصم، ورجَّح الحفاظ كونه من حديث أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه. (¬2) في «مسنده» (1/ 14 رقم 86). (¬3) قوله: «عن رجل، عن القوم» كذا ورد بالأصل. وهو موافق لما في «إطراف المُسنِد المُعتَلِي» (5/ 91 رقم 6687) و «إتحاف المهرة» (12/ 421 رقم 15878). ووقع في مطبوع «المسند» و «غاية المقصد في زوائد المسند» (1/ 159 رقم 413): «عن رجل من القوم»! وقد نبَّه على هذا الاختلاف محقِّقو «مسند الإمام أحمد» (1/ 101 - ط عالم الكتب) إلا أنهم اختاروا أن الصواب: «عن رجل من القوم»، وأيَّدوا رأيهم بأن أبا الحسن الدارقطني قال في «العلل» (2/ 198): وقال المسعودي وشعبة: عن عاصم بن عمرو، عمن لم يسمِّه، عن عمرَ. قلت: لكن قول ابن كثير الآتي: «إنما رواه عن رجل، عن الرَّهط الذين سألوه» يرجِّح أن الصواب: «عن رجل، عن القوم»، والله أعلم. وأما محقِّقو «مسند الإمام أحمد» (1/ 247 - ط مؤسسة الرسالة) فلم يشيروا إلى شيء من هذا الاختلاف!

في بيته تطوُّعًا، وعن الغُسل من الجنابة، وعن الرَّجل ما يَصلحُ له من امرأته إذا كانت حائضًا؟ فقال: أسُحَّار أنتم؟! لقد سألتُموني عن شيء ما سألني عنه أحدٌ منذ سألتُ عنه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «صلاةُ الرَّجلِ في بيته تطوَّعًا نُورٌ، فمَن شاء نَوَّرَ بيتَه». وقال في الغُسل من الجنابة: «يَغسلُ فَرْجَه، ثم يتوضَّأُ، ثم يُفيضُ على رأسِه ثلاثًا». وقال في الحائض: «له ما فوقَ الإزارِ». قال علي ابن المديني: هذا حديث مرسل، وعاصم بن عمرو لم يلق عمرَ بن الخطاب. قلت: إنما رواه عن رجل، عن الرَّهط الذين سألوه. وقد رواه ابن ماجه (¬1)، عن محمد بن أبي الحسين، عن عبد الله بن جعفر، عن عبيد الله (¬2) بن عمرو الرَّقِّي، عن زيد بن أبي أُنَيسة، عن أبي ¬

(¬1) في «سننه» (1/ 437 رقم 1375) في إقامة الصلاة، باب ما جاء في التطوع في البيت. (¬2) قوله: «عبيد الله» تحرَّف في مطبوع «سنن ابن ماجه» إلى: «عبد الله»! انظر: «تحفة الأشراف» (8/ 97 رقم 10621).

إسحاق، عن عاصم بن عمرو، عن عُمَير مولى عمر، عن عمرَ، به. (40) وقال الحافظ أبو يعلى (¬1): ثنا أبو خالد (¬2)، عن زياد، عن معاوية بن قُرَّة قال: حدَّثني الثلاثةُ الرَّهطُ الذين سألوا عمرَ بقصَّة الصلاة / (ق 17) فقط. فهذه شواهد تدلُّ على صحَّة هذا الحديث (¬3)، والله سبحانه وتعالى أعلم. ¬

(¬1) لم أجده في المطبوع من «مسنده»، وهو من رواية ابن حمدان، وأورده الهيثمي في «المقصد العلي» (1/ 129 رقم 249 - رواية ابن المقرئ). (¬2) كذا ورد بالأصل. وكَتَب المؤلِّف فوقها «كذا»، إشارة إلى وجود سقط، وقد جاء على الصواب في «المقصد العلي» هكذا: «ثنا عثمان، ثنا أبو خالد». قلت: وعثمان هو: ابن أبي شيبة. وأبو خالد هو: سليمان بن حيَّان الأحمر. (¬3) مداره -كما ترى- على عاصم بن عمرو، وقد اضطرب فيه، كما هو ظاهر من سياق الروايات: فمرَّة يرويه عن رجل، عن القوم، عن عمر! ومرَّة يرويه عن عمير مولى عمر، عن عمر! وقد قال الدارقطني في «العلل» (2/ 196 رقم 216): هو حديث رواه أبو إسحاق السَّبيعي، وطارق بن عبد الرحمن البَجَلي، والحجَّاج بن أرطاة، وعبد الرحمن المسعودي، ومالك بن مِغْول، وشعبة، والعلاء بن المسيّب، وغيرهم، عن عاصم بن عمرو البَجَلي، فاختَلَفوا عليه: فأما أبو إسحاق؛ فرواه عنه زيد بن أبي أُنيسة، ورَقَبة بن مَصقلة، وأبو حمزة السُّكَّري، فقالوا: عن عاصم بن عمرو، عن عُمَير، أو ابن عُمَير. ورواه زُهَير، ويونس بن أبي إسحاق، وأبو بكر بن عيَّاش، وعبد الكبير بن دينار، وغيرهم، فرووه عن أبي إسحاق، عن عاصم بن عمرو، عن نَفَر لم يسمِّهم عن عمرَ، إلا أن يوسف بن أبي إسحاق، وأبا بكر بن عياش لم يَذكرا بين عاصم وعمر أحدًا. ورواه ابن عَجْلان، عن أبي إسحاق، فأرسله عن عمرَ. ورواه طارق بن عبد الرحمن، وحجَّاج بن أرطاة، ومالك بن مِغول، عن عاصم، مرسلاً، عن عمرَ. وقال المسعودي وشعبة: عن عاصم بن عمرو، عمَّن لم يسمِّه، عن عمرَ. وقد أدرك عبد الله بن نُمَير عاصمَ بنَ عمرو هذا. والحديث حديث زيد بن أبي أُنيسة، ومن تابَعَه. وروى هذا الحديث معاوية بن قُرَّة قال: حدَّثني أحد الرَّهط الثلاثة الذين سألوا عمر. انتهى كلام الدارقطني. قلت: ورواية زيد بن أبي أنيسة التي رجَّحها الدارقطني في إسنادها عُمَير مولى عمر، وهو مجهول، لم يرو عنه غير عاصم بن عمرو، ولذا قال عنه الحافظ في «التقريب»: مقبول. أي حيث يُتابَع، وإلا فليِّن. وقد ضعَّفه الشيخ الألباني في تعليقه على «ضعيف الترغيب والترهيب» (1/ 130 رقم 237).

حديث آخر (41) قال الحافظ أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي: ثنا محمد بن عُمَير، ثنا إبراهيم بن الحجَّاج بن نخرة الصَّنَعاني، ثنا محمد بن يوسف الحُذافي، ثنا عبد الملك الذّمَاري، عن أبي عصام رَوَّاد بن الجرَّاح العسقلاني، عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية (¬1)، عن عمرَ قال: قال رجل: يا رسولَ الله، إنَّ امرأتي لا تزالُ تحتاضُ عليَّ، وإني وَقَعتُ عليها في بعض كَذِبها من ذلك، فإذا هي حائضٌ. فأَمَره أن يَتصدَّقَ بخُمس دينار. إسناده غريب جدًّا، وفيه انقطاع (¬2). ¬

(¬1) ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه بين حسان بن عطية وعمر. (¬2) يَرويه الأوزاعي، واختُلف عليه: فقيل: عنه، عن حسان بن عطية، عن عمرَ! وقيل: عنه، عن يزيد بن أبي مالك، عن عبد الحميد بن زيد بن الخطاب، عن عمرَ! وقيل: عن زيد بن عبد الحميد، عن أبيه، عن عمرَ! أما الوجه الأول: فأورده المؤلِّف من رواية الإسماعيلي. وفي إسناده روَّاد بن الجرَّاح صدوق اختَلَط بآخرة، فتُرك، كما قال الحافظ في «التقريب». وأما الوجه الثاني: فأخرجه إسحاق بن راهويه في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (1/ 122 رقم 217) عن بقيَّة. والدَّارمي (1/ 721 رقم 1150) في الطهارة، باب من قال: عليه الكفَّارة، عن محمد بن يوسف. والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (10/ 438 رقم 4236) من طريق محمد بن كثير. ثلاثتهم (بقيَّة، ومحمد بن يوسف، ومحمد بن كثير) عن الأوزاعي، عن يزيد بن أبي مالك، عن عبد الحميد بن زيد بن الخطاب، عن عمرَ ... ، فذكره. وحسَّن هذا الوجه الحافظ في «المطالب العالية». وأما الوجه الثالث: فأخرجه إسحاق بن راهويه في الموضع السابق، والحارث بن أبي أسامة في «مسنده»، كما في «بغية الباحث» (ص 46 رقم 98) من طريق عيسى بن يونس، عن زيد بن عبد الحميد، عن أبيه، عن عمرَ ... ، فذكره، إلا أن رواية الحارث بلفظ: تصدَّق بنصف دينار. وقد أعلَّه البيهقي بالانقطاع بين عبد الحميد وعمر. وقال الذهبي في «المهذَّب في اختصار السُّنن الكبير» (1/ 314): منكر. وقد أورد هذا الحديثَ البيهقي، والمنذري في «مختصر سنن أبي داود» (1/ 175) وحَكَما على متنه بالاضطراب، وعدَّاه إحدى الروايات المضطَّربة التي روي بها حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- في كفَّارة من أتي امرأته وهي حائض، وهو حديث مشهور، اختَلَف الرواة في رفعه ووقفه.

حديث في الأمر بغسل الجمعة وتأكيده

حديث في الأمر بغسل الجمعة وتأكيده (42) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا أسد بن موسى وحسين بن محمد (¬2)، قالا: ثنا شيبان، عن يحيى، عن أبي سَلَمة، عن أبي هريرة: أنَّ عمرَ بن ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 15 رقم 91). (¬2) قوله: «ثنا أسد بن موسى، وحسين بن محمد» كذا ورد بالأصل. وورد في مطبوع «المسند»: «حسن بن موسى وحسين بن محمد». وكذا ورد في «إطراف المُسنِد المُعتَلِي» (5/ 86 رقم 6679) و «إتحاف المهرة» (12/ 415). وقد استوعَبَ الدكتور عامر حسن صبري شيوخ الإمام أحمد في كتابه «معجم شيوخ الإمام أحمد بن حنبل في المسند»، ولم يَذكر فيهم أسد بن موسى.

الخطاب بَيْنا هو يخطبُ يومَ الجمعةِ، إذ جاء رجلٌ، فقال عمرُ: لم تحتبسونَ عن الصلاة؟ فقال الرجل: ما هو إلا أنْ سَمِعتُ النداءَ فتوضَّأتُ. فقال: أيضًا! ‍أَوَ لَمْ تسمعوا أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا جاء (¬1) أحدُكُم إلى الجمعةِ فَلْيَغْتَسِلْ». ورواه البخاري (¬2)، عن أبي نعيم، عن شيبان -وهو: ابن عبد الرحمن-، به. ثم رواه أحمد (¬3)، عن عبد الصمد، عن أبيه، عن حسين المعلِّم. وعن عبد الصمد، عن حرب بن شدَّاد. كلاهما عن يحيى بن أبي كثير، به. وأخرجه مسلم (¬4)، عن إسحاق بن راهويه، عن الوليد / (ق 18) بن مسلم، عن الأوزاعي. وأبو داود (¬5)، عن أبي توبة الربيع بن نافع، عن معاوية بن سلاَّم. كلاهما عن يحيى بن أبي كثير، به. طريق أخرى (43) رواه الإمام أحمد (¬6)، والبخاري (¬7) من حديث مالك، عن الزُّهري، عن سالم، عن ابن عمرَ: أنَّ عمرَ بن الخطاب بينما هو قائمٌ ¬

(¬1) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «راح». (¬2) في «صحيحه» (2/ 371 رقم 882 - فتح) في الجمعة، باب منه. (¬3) في «مسنده» (1/ 46 رقم 319، 320). (¬4) في «صحيحه» (2/ 580 رقم 845) (49) في الجمعة. (¬5) في «سننه» (1/ 318 رقم 340) في الصلاة، باب في الغسل للجمعة. (¬6) في «مسنده» (1/ 29، 45 رقم 199، 312). (¬7) في «صحيحه» (2/ 356 رقم 878 - فتح) في الجمعة، باب فضل الغسل يوم الجمعة.

في الخطبة يومَ الجمعةِ، إذ دخل رجلٌ من المهاجرين الأوَّلين من أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فناداه عمرُ: أيةُ ساعةٍ هذه؟! قال: إني شُغِلتُ فلم أَنقلِبْ إلى أهلي حتى سَمِعتُ التأذينَ، فلم أزد على أن توضَّأتُ. فقال: والوُضوءُ أيضًا! وقد عَلِمتَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يأمُرُ بالغُسلِ. وهذا لفظ البخاري. ورواه مسلم (¬1) من حديث يونس بن يزيد. والنسائي (¬2) من حديث الزُّبيدي. كلاهما عن الزهري، بمثله. ورواه الإمام أحمد (¬3)، عن عبد الرزاق (¬4)، عن معمر، عن الزهري، به. وقد رواه الترمذي (¬5) من حديث معمر، ويونس، عن الزهري، حدَّثني آل عبد الله بن عمر، عن ابن عمرَ، به. قال الإمام علي ابن المديني: هذا الحديث صالح. ثم ساقه من طريق المدنيين عن ابن عمرَ. ومن طريق البصريين، عن أبي هريرة، كما تقدَّم. ثم قال: ولا يُحفظ عن عمرَ إلا من هذين الوجهين، وقد رواه غيره من الصحابة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم (¬6). ¬

(¬1) في «صحيحه» (2/ 580 رقم 845) في الجمعة. (¬2) في «سننه الكبرى» (1/ 520 رقم 1670). (¬3) في «مسنده» (1/ 29 - 30 رقم 202). (¬4) وهو في «المصنَّف» (3/ 195 رقم 5292). (¬5) في «سننه» (2/ 366 رقم 494). (¬6) منها: ما أخرجه البخاري (2/ 356، 382، 397 رقم 877، 894، 919 - فتح) في الجمعة، باب فضل الغسل يوم الجمعة، وباب هل على من يشهد الجمعة غُسل من النساء والصبيان وغيرهم، وباب الخطبة على المنبر، ومسلم (2/ 579 رقم 844) في الجمعة، من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، ولفظه: إذا أراد أحدُكم أن يأتي الجمعةَ فليغتسل. ومنها: ما أخرجه البخاري (2/ 344، 357، 364، 382 رقم 858، 879، 880، 895) في الأذان، باب وضوء الصبيان، وفي الجمعة، باب فضل الغسل يوم الجمعة، وباب الطيب للجمعة، وباب هل على من يشهد الجمعة غُسل من النساء والصبيان، و (5/ 277 رقم 2665 - فتح) في الشهادات، باب بلوغ الصبيان وشهادتهم، ومسلم (2/ 580 رقم 846) في الجمعة، باب وجوب غسل الجمعة على كل بالغ، من حديث أبي سعيد الخُدْري -رضي الله عنه-، ولفظه: الغُسل يوم الجمعة واجبٌ على كلِّ محتَلمٍ.

قلت: هذا الرجل الذي دخل وعمر يخطب هو أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، كما جاء مصرَّحًا به (¬1). / (ق 19) حديث آخر (44) قال الحافظ أبو حاتم محمد بن حبَّان البُستي في «صحيحه» (¬2) الموسوم بـ «الأنواع والتقاسيم»: حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصُّوفي، ثنا الهيثم بن خارجة -وكان يقال له: شعبة الصغير- البغدادي، ثنا محمد بن حِميَر، عن ثابت بن عَجْلان، عن سُليم بن عامر قال: رأيتُ أبا بكرٍ يَخضِبُ بالحنَّاء والكَتَم (¬3)، وكان عمرُ بن الخطاب لا يَخضِبُ (¬4). ¬

(¬1) أخرجه مسلم (2/ 579 رقم 845) (4) في الجمعة. (¬2) (7/ 251 رقم 2983 - الإحسان). (¬3) الكَتَم: نبات باليمن يُخرج الصبغ أسود يميل إلى الحُمْرة. «الفتح» (10/ 355). (¬4) قوله: «رأيتُ أبا بكرٍ يَخضِبُ بالحنَّاء والكَتَم، وكان عمرُ بن الخطاب لا يَخضِبُ» ليس في مطبوع «الإحسان». وقد أخرجه الضياء في «المختارة» (1/ 235 رقم 130) من طريق الهيثم بن خارجة، وفيه هذه الزيادة.

وسَمِعتُهُ يقول: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن شاب شَيبةً في الإسلام، كانت له نورًا يوم القيامة». وأنا لا أُغيِّر. ورواه الحافظ أبو نعيم الأصبهاني (¬1)، عن عبد الله بن جعفر، عن إسماعيل بن عبد الله العبدي، عن إسماعيل (¬2) بن يوسف، عن محمد بن حِميَر، به. فهو محفوظ من حديث محمد بن حِميَر الحمصي أحدِ الثقات الذين احتجَّ بهم البخاري في «صحيحه» (¬3). وكذا شيخه ثابت بن عَجْلان أيضًا (¬4). وأما سُليم بن عامر، ويكنى بأبي عامر، فقال أبو حاتم الرازي (¬5): روى عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعمار، وعنه: ثابت بن عَجْلان (¬6). ¬

(¬1) لم أقف عليه في مظانِّه من مصنَّفاته المطبوعة، ومن طريقه: أخرجه الضياء في «المختارة» (1/ 234 رقم 129). (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي «المختارة»: «عبد الله». (¬3) قال الحافظ في «هدي الساري» (ص 438): ليس له في البخاري سوى حديثين، أحدهما: عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن عُقبة بن وسَّاج، عن أنس، في خضاب أبي بكر، وذكر له متابِعًا. والآخر: عن ثابت بن عَجْلان، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس قال: مرَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعَنزٍ ميتة، فقال: «ما على أهلها لو انتفعوا بإهابها»، أورده في الذبائح، وله أصل من حديث ابن عباس عنده في الطهارة. (¬4) ليس له في البخاري سوى حديثين، وقد توبع عليهما. انظر: «هدي الساري» (ص 394، 438). (¬5) كما في «الجرح والتعديل» (4/ 210 - 211 رقم 908). (¬6) وقال البخاري في «التاريخ الكبير» (4/ 126 رقم 2194): وكان أبو بكر أخدمه عمار بن ياسر، وكان في الخُمُس مما أفاء الله على خالد بن الوليد في فَيء حاضر قَنسرين، وشهد فتح دمشق والقادسية في سفرته تلك، وقَدِمَ المدينة وهو في الخُمُس، فصلَّى مع أبي بكر تسعةَ أشهرٍ.

وقد اختار هذا الحديثَ من هذا الوجه الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبدالواحد المقدسي في كتابه المستخرَج على الصِّحاح (¬1). طريق أخرى (45) قال أبو القاسم الطبراني في «معجمه الكبير» (¬2): ثنا إبراهيم بن عمر (¬3) بن عِرق الحمصي، ثنا محمد بن مصفَّى، ثنا سُوَيد بن عبد العزيز، ثنا ثابت بن عَجْلان، عن مجاهد، عن ابن عمرَ: أنَّ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان لا يُغيِّر شيبَه، فقيل: يا أميرَ المؤمنين، ألا تُغيِّر؟ فقد كان / (ق 20) أبو بكرٍ يُغيِّر. فقال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن شَابَ شَيبةً في الإسلامِ، كانت له نورًا يومَ القيامةِ». وما أنا بمُغيِّرٍ شَيبي (¬4). إسناده فيه ضعف (¬5)، وهو شاهد للذي قبله. لكن قد يقال: قد اختُلف فيه على ثابت بن عَجْلان، وقد قال فيه أبو أحمد ابن عدي (¬6): له ثلاثة أحاديث غرائب. والجواب: أنَّه قد روى له البخاري. وإن صحَّ هذا السند الثاني إليه؛ فلعلَّه عنده من وجهين عن عمرَ رضي الله عنه (¬7). ¬

(¬1) تقدم تخريجه في الصفحة السابقة، تعليق رقم 2. (¬2) (1/ 67 رقم 58). (¬3) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «محمد». (¬4) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «شيبتي». (¬5) فيه سُوَيد بن عبد العزيز، قال عنه البخاري: في حديثه نظر لا يُحتَمَل. انظر: «الضعفاء الصغير» (ص 57 رقم 151). (¬6) في «الكامل» (2/ 97). (¬7) هذا الخبر يَرويه ثابت بن عَجْلان، وقد اضطرب فيه: فمرَّة قال: عن سُليم بن عامر، عن أبي بكر وعمر! ومرَّة قال: عن مجاهد، عن ابن عمرَ، عن عمرَ! ومرَّة قال: عن مجاهد، عن عمرَ. ليس فيه: ابن عمر! أما الوجه الأول والثاني: فقد ذكرهما المؤلِّف. وأما الوجه الثالث: فأخرجه إسحاق بن راهويه في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (3/ 24 رقم 2283) وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (1/ 47 رقم 180،176). وقد تكلَّم الأئمة في ثابت بن عَجْلان، فوثَّقه ابن معين، وقال أبو حاتم: صالح. وقال أحمد: أنا متوقِّف فيه. وقال العقيلي: لا يُتابَع في حديثه. وقال عبدالحق الإشبيلي: لا يحتج به. فناقَشَه أبو الحسن ابن القطَّان، وقال: قول العقيلي -أيضًا- فيه تحامُلٌ عليه، وقال: إنما يُمَسُّ بهذا مَن لا يُعرَف بالثقة مطلقًا، أما مَن عُرِفَ بها، فانفراده لا يضرُّه، إلا أن يكثُر منه. وردَّ الذهبي مقولة ابن القطان هذه، فقال: أما مَن عُرف بالثقة فنعم، وأما مَن وُثِّق، ومثلُ أحمدَ الإمامِ يتوقَّف فيه، ومثل ابن أبي حاتم يقول: صالح الحديث؛ فلا نُرقِّيه إلى رتبة الثقة، فتفرُّد هذا يُعدُّ مُنكرًا، فرَجَح قول العقيلي، وعبد الحق. انظر: «الميزان» (1/ 364 رقم 1367) و «بيان الوهم والإيهام (5/ 363). قلت: ومما يؤيِّد نكارة هذا الخبر: ما ثبت عن عمرَ -رضي الله عنه- أنه كان يَخضب، وذلك فيما أخرجه مسلم في «صحيحه» (4/ 1821 رقم 2341) (103) من طريق حماد بن سَلَمة، عن ثابت، عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنه سُئل عن خضاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: لو شئتُ أن أعُدَّ شمطاتٍ كنَّ في رأسه فعلتُ، وقال: لم يختضب، وقد اختضب أبو بكر بالحنَّاء والكَتَم، واختضب عمر بالحنَّاء بحتًا. ... وللمرفوع شاهد من حديث عمرو بن عَبَسة رضي الله عنه: أخرجه الطيالسي (2/ 470 رقم 1250) وأحمد (4/ 113) وابن حبان (7/ 252 رقم 2984 - الإحسان) والحاكم (3/ 49 - 50) والبيهقي (9/ 161) و (10/ 272) من طريق هشام الدَّستوائي، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجَعْد، عن مَعْدان بن أبي طلحة، عن عمرو بن عَبَسة -رضي الله عنه- مرفوعًا: «مَن شاب شيبةً في الإسلامِ، كانت له نورًا يومَ القيامةِ». قال الحاكم: صحيح عال. ووافقه الذهبي. وصحَّح إسناده الشيخ الألباني في «السلسلة الصحيحة» (4/ 350 رقم 1756).

وقد روي من وجه آخر عن عمرَ من غير رفع: (46) فقال بَحير بن سعد: ثنا خالد بن مَعْدان، حدَّثني عبد الرحمن بن جُبَير -هو: ابن نُفَير-، عن أبيه، عن عمرَ: أنَّه عرَّضت مولاتُه بخضاب لحيته، فقال: ما رَابَكِ إلى أن تُطفئي نوري، كما يُطفئ فلانٌ نورَه (¬1). أثر آخر (47) قال محمد بن سعد كاتب الواقدي (¬2)، يرفعه إلى العلاء بن أبي ¬

(¬1) ومن هذا الوجه: أخرجه الحاكم (3/ 89) من طريق بقيَّة بن الوليد، عن بَحير بن سعد، به. وقد خلَّط بقيَّة في إسناده: فمرَّة قال: عن بَحير بن سعد، عن خالد بن مَعْدان، عن عبد الرحمن بن جُبَير، عن أبيه، عن عمرَ! كما ذكر المؤلِّف. ومرَّة قال: عن بَحير بن سعد، عن خالد بن مَعْدان، عن عبد الرحمن بن عمرو السُّلمي، عن عمرَ! وروايته عند الطبراني في «الكبير» (1/ 66 رقم 56). ومرَّة قال: عن بَحير بن سعد، عن خالد بن مَعْدان، عن عبد الله بن عمر، عن عمرَ! وروايته عند أبي نعيم في «معرفة الصحابة» (1/ 47 رقم 182). (¬2) في «طبقاته» (3/ 291). وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (1/ 105 رقم 1192) في الطهارة، باب في الاطلاء بالنورة، والبلاذُري في «أنساب الأشراف» (ص 229) من طريق محمد بن قيس، عن العلاء بن أبي عائشة، به. وفي إسناده: العلاء بن أبي عائشة، وهو مجهول الحال، روى عنه اثنان، وذكره البخاري في «التاريخ الكبير» (6/ 508 رقم 3140) وسكت عنه، وذكره ابن حبان في «الثقات» (5/ 247).

عائشة: أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- دعا بحلاَّق فحَلَقه، فاستَسرَقَ له (¬1)، فقال: إنَّ هذا ليس من السُّنَّة، ولكنَّ النُّورةَ (¬2) من النعيم، فكرهتُها. أثر آخر فيه أنَّ مَن به سَلَس البول أو الاستحاضة أو قُرُوح أو غير ذلك، لا يَنتقض طُهرُهُم، وإن خَرَج منهم شيء. (48) قال البخاري (¬3): وصلَّى عمرُ، وجُرحه يَثعَبُ (¬4) دمًا. رواه هشام بن عروة عن أبيه، عن سليمان بن يَسَار، عن المِسْوَر بن مَخْرَمة: أنَّه دخل مع ابن عباس ليلةَ طُعِنَ عمرُ، فلمَّا أصبح بالصلاة من الغدِ فزَّعوه، فقالوا: الصلاةَ! ففزع، وقال: نعم، ولاحظَّ في الإسلام ¬

(¬1) قوله: «فاستسرق له» كذا ورد بالأصل. وكَتَب المؤلِّف فوقها: «كذا»، والذي يظهر أنَّ صوابه: (فاستُشرِف له)، أي: رفع الناسُ أبصارَهم ليتطلعوا إليه، ويتبيَّنوا فعله. انظر: «النهاية» (2/ 462). ويؤيد هذا: لفظ رواية «الطبقات»: «عن العلاء بن أبي عائشة: أنَّ عمرَ بن الخطاب دعا بحلاَّق، فحَلَقه بالموسى -يعني جسده- فاستشرَفَ له الناسُ، فقال: أيها الناسُ، إنَّ هذا ليس من السُّنة، لكن النُّورة من النعيم فكرهتُها». (¬2) النُّورة: بضم النون: الهُنَاء، وهو من الحجر، يُحرَقُ ويُسوَّى منه الكِلسُ، ويُحلَقُ به شعرُ العانةِ. انظر: «لسان العرب» (14/ 324 - مادة نور). (¬3) لم أقف عليه في «صحيح البخاري» لا مسندًا، ولا معلَّقًا، لكن أصله عند البخاري (7/ 43 رقم 3692) في فضائل الصحابة، باب مناقب عمر بن الخطاب، من طريق أيوب، عن ابن أبي مُلَيْكَة، عن المِسْوَر بن مَخْرَمة قال: لما طُعِنَ عمرُ ... ، الحديث، دون قوله: فصلَّى، وجُرحه يَثعَب دمًا. وأخرجه البلاذُري في «أنساب الأشراف» (ص 356 - 357) عن سُريج بن يونس وعمرو الناقد، حدثنا إسماعيل بن عُليَّة، عن أيوب، به، وزاد: فصلَّى، وإن جُرحه لَيَثَعب دمًا. (¬4) أي: يجري. «النهاية» (1/ 212).

لمن ترك الصلاةَ. فصلَّى وجُرْحُهُ يَثعَبُ دمًا (¬1). ¬

(¬1) هذا الأثر يَرويه هشام بن عروة، واختُلف عليه: فقيل: عنه، عن عروة، عن سليمان بن يَسَار، عن عمرَ! وقيل: عنه، عن عروة، عن المِسْوَر! أما الوجه الأول: فأخرجه عبد الرزاق (1/ 151 رقم 579) عن الثوري. وابن أبي شيبة (2/ 227 رقم 8388) في الصلاة، باب في الرُّعاف إذا لم يسكن، والدارقطني (1/ 406) من طريق أبي معاوية. ومحمد بن نصر المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (2/ 893 رقم 925) والدارقطني (2/ 52) من طريق عَبدة بن سليمان. وابن عساكر في «تاريخه» (44/ 419) من طريق الليث بن سعد. جميعهم (الثوري، وأبو معاوية، وعَبدة، والليث) عن هشام بن عروة، به. وأما الوجه الثاني: فأخرجه مالك (1/ 81) في الصلاة، باب العمل فيمن غَلَبه الدمُ من جُرح أو رُعاف، وابن سعد (3/ 350) وأحمد في «مسائله» (1/ 192 رقم 239 - رواية عبد الله) والخلاَّل في «أحكام أهل الملل» (ص 475 رقم 1386) من طريق وكيع. وابن أبي شيبة في «المصنَّف» (6/ 164 رقم 30352) في الإيمان، باب منه، وفي «الإيمان» (ص 69 رقم 103) عن ابن نُمَير. ثلاثتهم (مالك، ووكيع، وابن نُمَير) عن هشام بن عروة، به، ليس فيه: سليمان بن يَسَار! وقد أعلَّ هذا الوجه الثاني الدارقطنيُّ، فقال في كتابه «الأحاديث التي خولف فيها مالك بن أنس» (ص 81): وهذا لم يَسْمعه عروة من المِسْوَر، وقد خالف مالكًا جماعةٌ، منهم: سفيان الثوري، والليث بن سعد، وحميد بن الأسود، ومحمد بن بِشر العَبدي، وعبد العزيز الدَّرَاوردي، وحماد بن سَلَمة، وغيرهم، رووه عن هشام، عن أبيه، عن سليمان بن يَسَار، عن المِسْوَر بن مَخْرَمة، عن عمرَ بهذا، وهو الصواب، أدخلوا بين عروة وبين المِسْوَر سليمان بن يَسَار، وهو الصواب، والله أعلم، وكذلك رواه الزهري، عن سليمان بن يَسَار، عن المِسْوَر، عن عمرَ. وقال في «العلل» له (2/ 209): وقول مالك: عن هشام، عن أبيه: أن المِسْوَر أَخبَرَه. وَهْمٌ منه -والله أعلم-؛ لكثرة من خالَفَه ممن قدَّمنا ذكره. قلت: ورواية الزهري التي أشار إليها الدارقطني: أخرجها ابن سعد (3/ 351) من طريق محمد بن أبي عَتيق، وموسى بن عُقبة. والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (923) وابن المنذر في «الأوسط» (1/ 167 رقم 58) والآجري في «الشريعة» (2/ 647 رقم 271) والدارقطني (1/ 224) من طريق يونس بن يزيد. ثلاثتهم (محمد بن أبي عَتيق، وموسى بن عُقبة، ويونس) عن الزهري، عن سليمان بن يَسَار، عن المِسْوَر، عن عمرَ ... ، فذكره.

وقد ذَكَرناه في مقتله أيضًا (¬1). أثر آخر (49) قال أبو عبيد القاسم بن سلاَّم (¬2): ثنا يحيى بن سعيد ويزيد بن هارون، عن ابن أبي ذِئب، عن الزهري، عن القاسم بن محمد، عن أسلم، عن عمرَ: أنَّه خَطَب، فقال: لا يَحِلُّ خلٌّ من خمرٍ أُفسِدَت حتى يَبدأَ اللهُ إفسادَها، فعند ذلك يَطيبُ الخلُّ (¬3). وروي عن أسلم مرسلاً (¬4). ورجَّح أبو حاتم وأبو زرعة أنَّه من كلام الزهري نفسه (¬5)، فالله أعلم. ¬

(¬1) يعني: في كتابه: «سيرة عمر وأيامه»، وهو في عداد المفقود. (¬2) في «الأموال» (ص 105 رقم 288). (¬3) وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (9/ 253 رقم 17111) والبيهقي (6/ 37) وابن عبد البر في «التمهيد» (1/ 262) من طريق ابن أبي ذِئب، به. (¬4) أخرجه ابن أبي شيبة (5/ 99 رقم 24091) في الأشربة، باب في الخمر تحول خلاًّ، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن القاسم، عن أسلم قال: لا بأس بخلٍّ وَجَدته مع أهل الكتاب ما لم تعلم أنهم تعمَّدوا إفسادها بعد ما صارت خمرًا. (¬5) انظر: «علل ابن أبي حاتم» (1/ 380 رقم 1133) و (2/ 30 رقم 1566). ورواية الزهري: أخرجها الحاكم في «معرفة علوم الحديث» (ص 248 رقم 116) وابن عبد البر في «التمهيد» (1/ 262) و (4/ 151) من طريق ابن وهب. وابن أبي حاتم في «العلل» (1133) تعليقًا عن ابن المبارك. كلاهما (ابن وهب، وابن المبارك) عن يونس، عن الزهري، قولَه.

كتاب الصلاة

كتاب الصلاة وقت الصلاة (50) قال الدارقطني (¬1): ثنا محمد بن مَخلد، ثنا محمد بن عبد الملك بن زَنْجويه، ثنا زيد بن الحُبَاب، عن موسى بن عُبيدة، حدثني هود بن عطاء، عن أنس بن مالك: أنَّ عمرَ بن الخطاب قال: نهانا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن ضرب المصلِّين. إسناده فيه غرابة (¬2). ¬

(¬1) في «سننه» (2/ 54). (¬2) اختُلف في إسناده: فقيل: عن زيد بن الحُبَاب، عن موسى بن عُبيدة، عن هود بن عطاء، عن أنس، عن عمرَ! وقيل: عن زيد بن الحُبَاب، عن موسى بن عُبيدة، عن هود بن عطاء، عن أنس، عن أبي بكر! أما الوجه الأول: فأورده المؤلِّف من رواية محمد بن عبد الملك بن زَنْجويه. وقد تابع زيد بن الحُبَاب على هذا الوجه: محمد بن الزّبرقان، فيما أخرجه أبو يعلى (1/ 90 رقم 90) و (7/ 168 رقم 4143) والدارقطني (2/ 54). وأما الوجه الثاني: فأخرجه ابن أبي شيبة في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (1/ 168 رقم 355) و (5/ 54 رقم 4442) وأبو بكر المروزي في «مسند أبي بكر» (ص 119 رقم 75). وقد تابع زيد بن الحُبَاب على هذا الوجه: الضحاك بن مَخلد، وأبو تميلة، وإسحاق بن سليمان، فيما أخرجه البزار في «مسنده» (1/ 100، 194 رقم 39) ومحمد بن نصر المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (1/ 336 رقم 330) و (2/ 921، 922 رقم 969، 970) وأبو يعلى (1/ 89 رقم 89) و (7/ 169 رقم 4144). قلت: ومداره على موسى بن عُبيدة، وهود بن عطاء، أما موسى بن عُبيدة؛ فقد قال عنه أحمد: ما تحلُّ الرواية عنه. وقال هو وأبو حاتم: منكر الحديث. وقال ابن معين: لا يحتج به. وقال ابن المديني: ضعيف الحديث، يحدِّث بأحاديث مناكير. وضعَّفه مسلم، والنسائي، والترمذي، وأبو زرعة. انظر: «تهذيب الكمال» (29/ 104) و «الجرح والتعديل» (8/ 151 رقم 686) و «البحر الزخار» (1/ 75). وأما هود بن عطاء، فقال عنه ابن حبان: لايحتج به، منكر الرواية على قلَّته، يروي عن أنس ما لا يشبه حديثه، والقلب من مثله إذا أكثر المناكير عن المشاهير ألا يحتج فيما انفرد، وإن اعتُبر بما وافق الثقات، فلا ضير. «المجروحين» (3/ 96). وفي الباب عن أبي أُمَامة رضي الله عنه: أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (ص 66 رقم 163) وأحمد (5/ 250، 259) ومحمد بن نصر المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (2/ 922 رقم 971، 972) والطبراني في «الكبير» (8/ 275 رقم 8057) وابن عدي (2/ 455 - ترجمة أبي غالب) من طريق حماد بن سَلَمة. والطبراني في «الكبير» (8/ 286 رقم 8100) والبيهقي في «شعب الإيمان» (6/ 87 رقم 2542) من طريق الحسين بن واقِد. كلاهما (حماد بن سَلَمة، والحسين بن واقِد) عن أبي غالب صاحب أبي أُمَامة، عن أبي أُمَامة -رضي الله عنه- قال: أقبل النبيُّ صلى الله عليه وسلم معه غلامان، فوَهَبَ أحدهما لعلي، وقال: لا تَضربه، فإني نُهيتُ عن ضرب أهل الصلاة، وإنِّي رأيته يصلِّي منذ أقبَلْنا ... ، الحديث. قال الشيخ الألباني في «السلسلة الصحيحة» (3/ 414): وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال مسلم غير أبي غالب، وهو حسن الحديث.

حديث آخر (51) قال الهيثم بن كُلَيب الشَّاشي رحمه الله (¬1): ثنا محمد بن عبيد الله بن المنادي، ثنا داود بن رشيد، ثنا الوليد بن مسلم، عن ابن أبي ذِئب، عن مسلم بن جُندب، عن الحارث الهُذَلي: أنَّ عمرَ بن الخطاب كَتَب إلى أبي موسى الأشعري: إنَّ أحقَّ ما تعاهدَ المسلمون دينُهم، وقد / (ق 21) رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يصلِّي، حَفِظتُ من ذلك ما حَفِظتُ، ونسيتُ ما نسيتُ، فصلِّ الظهرَ بالهجير (¬2)، والعصرَ والشمسُ حيَّةٌ. الحارث بن عمرو الهُذَلي: ذَكَره ابن أبي حاتم، ولم يَذكر فيه جرحًا (¬3). ¬

(¬1) ليس في القسم المطبوع من «مسنده»، ومن طريقه: أخرجه الضياء في «المختارة» (1/ 202 رقم 105). وأخرجه -أيضًا- إسحاق بن راهويه في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (1/ 138 رقم 262) عن عثمان بن عمر. والبيهقي (1/ 456) من طريق الضحاك بن مَخلد. كلاهما (عثمان بن عمر، والضحاك بن مَخلد) عن ابن أبي ذِئب، به. (¬2) الهجير: اشتداد الحَرِّ نصف النهار. «النهاية» (5/ 246). (¬3) انظر: «الجرح والتعديل» (3/ 82 رقم 376). وله طريق أخرى: أخرجها مالك في «الموطأ» (1/ 37) في الصلاة، باب وقوت الصلاة، -ومن طريقه: عبد الرزاق (1/ 536 رقم 2036) وابن المنذر في «الأوسط» (2/ 375 رقم 1047) - عن عمِّه أبي سهيل بن مالك، عن أبيه: أنَّ عمرَ بن الخطاب كَتَب إلى أبي موسى: أنْ صلِّ الظهرَ إذا زاغتِ الشمسُ، والعصرَ والشمسُ بيضاءُ نقيَّةٌ قبل أن يَدخُلَها صُفرةٌ، والمغربَ إذا غربتِ الشمسُ، وأخِّر العشاءَ مالم تَنَمْ، وصلِّ الصبحَ والنجومُ باديةٌ مشتبكةٌ، واقرأ فيها بسورتين طويلتين من المُفصَّل. وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، أبو سهيل هو نافع بن مالك بن أبي عامر ثقة روى له الجماعة. وأبوه مالك ثقة -أيضًا- روى له الجماعة، وقد ثبت سماعه من عمر، كما في «التقريب».

وقال الحافظ أبو عبد الله المقدسي في كتابه «المختارة» (¬1): لهذا الحديث شاهد في «الصحيح» من حديث أبي بَرزة الأَسلميِّ رضي الله عنه (¬2). أثر (52) قال الإمام أحمد في «الزهد» (¬3): ثنا أسباط، ثنا ليث، عن نافع، عن ابن عمرَ، قال: خَرَج عمرُ -رضي الله عنه- إلى حائطٍ له، فرَجَع وقد صلَّى الناسُ العصرَ، فقال: إنما خَرَجتُ إلى حائطي، فرَجَعتُ، وقد صلَّى الناسُ، حائطي على المساكين صدقةٌ. قال ليث: إنما فاتته في الجماعة. أثر آخر (53) قال عبد الله بن المبارك (¬4): أنا حَيوة بن شُريح، ثنا الحسن بن ¬

(¬1) (1/ 203). (¬2) أخرجه البخاري (2/ 22، 72، 251 رقم 541، 599، 771 - فتح) في مواقيت الصلاة، باب وقت الظهر عند الزوال، وباب ما يكره من السَّمَر بعد العشاء، وفي الأذان، باب القراءة في الفجر، ومسلم (1/ 447 رقم 647) في المساجد، باب استحباب التبكير بالصبح، من حديث أبي بَرزة -رضي الله عنه- قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يصلِّي الهجيرَ التي تَدْعونها الأُولى حين تَدحضُ الشمسُ، ويصلِّي العصرَ ثم يَرجعُ أحدُنا إلى رَحْله في أقصى المدينة والشمسُ حيَّةٌ ... ، الحديث. (¬3) لم أجده في المطبوع منه، وفي إسناده ليث بن أبي سُليم: صدوق اختَلَط. (¬4) في «الزهد والرقائق» (ص 187 رقم 529). وأخرجه -أيضًا- البخاري في «التاريخ الكبير» (1/ 151) وابن المنذر في «الأوسط» (2/ 335 رقم 957) من طريق الحسن بن ثوبان، به. وإسناده ضعيف؛ محمد بن عبد الرحمن بن أبي مسلم مجهول الحال، أورده البخاري في «التاريخ الكبير» (1/ 151 رقم 448) ولم يَذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً، وذكره ابن حبان في «الثقات» (7/ 410). وأبو مسلم لم أقف له على ترجمة، إضافة إلى جهالة من حدَّثه، والشك الواقع في روايته.

ثوبان: أنَّ محمد بن عبد الرحمن بن أبي مسلم الأزدي أَخبَرَه، عن جدِّه أبي مسلم، أنَّه صلَّى مع عمرَ بن الخطاب، أو حدَّثه عمَّن صلَّى مع عمرَ بن الخطاب المغربَ، فمسَّى بها، أو شَغَله بعضُ الأمر حتى طلع نجمان، فلمَّا فرغ من صلاته تلك أعتَقَ رقبتين. قلت: معناه: أنَّه أخَّر ابتداءَها حتى أمسى، لا أنَّه مدَّها، فإنَّه قد ثبت في «الصحيح» جواز ذلك (¬1)، والله أعلم. أثر آخر (54) قال أبو نعيم الفضل بن دُكَين في «الصلاة» له (¬2): ثنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن نافع بن جُبَير بن مُطعِم قال: كَتَب عمرُ إلى أبي موسى: أنْ صلِّ العشاء أيَّ الليلِ شئتَ، ولا تُغفلها. هذا منقطع، إن لم يكن سَمِعَه نافع بن جُبَير من أبي موسى الأشعري. ويُحتج به لمذهب الشافعي (¬3): أنَّ وقت العشاء ممتدٌّ إلى طلوع الفجر الثاني. ¬

(¬1) لعلَّه يشير إلى: ما أخرجه البخاري (2/ 246 رقم 764) في الأذان، باب القراءة في المغرب، من حديث زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة المغرب بطُولَى الطُّولَيَين. (¬2) لم أجده في المطبوع منه، ومن طريقه: أخرجه الطحاوي (1/ 159). (¬3) انظر: «روضة الطالبين» (1/ 293) و «المجموع» (3/ 39).

أثر في النهي عن السمر بعد العشاء

أثر في النهي عن السَّمَر بعد العشاء (55) قال أبو عبيد (¬1): ثنا هشيم، أنا مغيرة، عن إبراهيم، عن أبي وائل، عن حذيفة، عن عمرَ: أنَّه جَدَبَ السَّمَر بعد عَتَمة. ¬

(¬1) في «غريب الحديث» (4/ 206) وجاء فيه: «عن إبراهيم، وأبي وائل»! وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (2/ 79 رقم 6685) في الصلاة، باب من كره السَّمر بعد العتمة، عن ابن فضيل، عن مغيرة، به، ولفظه: جاء رجلٌ إلى حذيفةَ فدَقَّ البابَ، فخرج إليه حذيفة، فقال: ما جاء بك؟ فقال: جئتُ للحديث، فَسَفَقَ حذيفةُ البابَ دونَه، ثم قال: إنَّ عمرَ جَدَب لنا السمرَ بعد صلاةِ العشاءِ. وفي إسناده: مغيرة بن مِقسم الضبِّي، وهو كثير التدليس عن إبراهيم، ولم يصرِّح بالسماع، لكنه لم يتفرَّد به، فقد تابَعَه الأعمش، لكن اختُلف عليه: فقيل: عنه، عن أبي وائل، عن حذيفة، عن عمرَ! وقيل: عنه، عن أبي وائل، عن سلمان بن ربيعة، عن عمرَ! وقيل: عنه، عن سليمان بن مُسْهِر، عن خَرَشة بن الحُرِّ، عن عمرَ! أما الوجه الأول: فأخرجه عبد الرزاق (1/ 562 رقم 2136) عن يحيى بن العلاء، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة ... ، فذكره، بنحوه. وأما الوجه الثاني: فأخرجه ابن أبي شيبة (2/ 79 رقم 6678، 6679) في الموضع السابق، عن عَبدة وأبي حصين، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن سلمان بن ربيعة قال: كان عمرُ بن الخطاب يتجدَّب لنا السَّمر بعد صلاةِ العتمةِ. وفي لفظ: قال لي عمر: يا سلمان، إني أذمّ لك الحديث بعد صلاة العتمة. وقد توبع الأعمش على هذا الوجه، تابَعَه منصور فيما ذكره الحافظ ابن رجب في «فتح الباري» (5/ 158). وهذا الوجه هو أصح الوجوه، كما سيأتي نقله عن الإمام مسلم، وأبي بكر الأثرم. وأما الوجه الثالث: فأخرجه ابن أبي شيبة (2/ 79 رقم 6680) في الموضع السابق، عن وكيع، عن الأعمش، عن سليمان بن مُسْهِر، عن خَرَشة بن الحُرِّ قال: رأيتُ عمرَ بن الخطاب يَضربُ الناسَ على الحديث بعد العشاء، ويقول: أسَمَرٌ أولُ الليل ونومٌ آخره! واختُلف فيه -أيضًا- على أبي وائل: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = فقيل: عنه، عن حذيفة، عن عمرَ! وقيل: عنه، عن ابن مسعود، عن عمرَ، قولَه! وقيل: عنه، عن ابن مسعود، مرفوعًا! أما الوجه الأول: فقد أورده المؤلِّف. وأما الوجه الثاني: فأخرجه الطحاوي (4/ 330) عن محمد بن خزيمة، عن حجاج، عن حماد بن سَلَمة، عن عاصم، عن أبي وائل، عن ابن مسعود قال: جَدَب لنا عمرُ بن الخطاب السَّمرَ بعد العشاء. ... وأما الوجه الثالث: فأخرجه ابن ماجه (1/ 230 رقم 703) في الصلاة، باب النهي عن النوم قبل صلاة العشاء وعن الحديث بعدها، والطيالسي (1/ 204 رقم 250) وابن أبي شيبة (2/ 79 رقم 6677) في الموضع السابق، وأحمد (1/ 388، 410 رقم 410) والبزار (5/ 148 رقم 1740، 1741) وابن خزيمة (2/ 291 رقم 1340) والشاشي في «مسنده» (2/ 90، 91 رقم 614، 615) وأبو يعلى، كما في «مصباح الزجاجة» (1/ 88) -ومن طريقه: ابن حبان (5/ 377 رقم 2031 - الإحسان) - والبيهقي (1/ 452) من طريق عطاء بن السائب، عن أبي وائل، عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: جَدَب لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم السَّمَر بعد صلاةِ العتمةِ. ورواه عن عطاء: همام، والجرّاح والد وكيع، وجرير، ومحمد بن فضيل، وخالد الواسطي، ووهيب، وزياد بن عبد الله، ورواية هؤلاء عن عطاء بعد اختلاطه، وبه أعلَّه البوصيري في «مصباح الزجاجة» (1/ 88) والشيخ الألباني في تعليقه على «صحيح ابن خزيمة». وقال الحافظ ابن رجب في «فتح الباري» له (5/ 158): وهذا الحديث وَهِمَ عطاء بن السائب في إسناده، فقد رواه الأعمش، ومنصور، وأبو حصين [وروايته عند ابن أبي شيبة 2/ 79 رقم 6678]، عن أبي وائل، عن سلمان بن ربيعة قال: جَدَب لنا عمر السَّمر، وخالَفَهم عطاء بن السائب، وعاصم، فقال: عن أبي وائل، عن ابن مسعود، ثم اختلفا، فرفعه عطاء، ووقفه عاصم، ووَهِمَا في ذلك، والصحيح: قول منصور، والأعمش، قاله أبو بكر الأثرم، وذكر مسلم نحوه في كتاب «التمييز»، وزاد: أن المغيرة رواه عن أبي وائل، عن حذيفة، من قوله، قال: ولم يرفعه إلا عطاء بن السائب، وأشار إلى أن رواية الأعمش، وحبيب بن أبي ثابت، وأبي حصين، عن أبي وائل، عن سليمان، عن عمرَ هي الصحيحة؛ لأنهم أحفظ وأولى بحسن الضبط للحديث. قلت: وأصح هذه الوجوه: ما رواه الأعمش، عن أبي وائل، عن سلمان بن ربيعة، عن عمرَ، قولَه. وهو الذي رجَّحه الإمام مسلم وأبو بكر الأثرم. انظر: «فتح الباري» لابن رجب (5/ 158).

قال أبو عبيد: معناه: عابَهُ وذَمَّه، وكلُّ عائبٍ جادبٍ. قال ذو الرُّمَّة: فَيَالَكَ مِن خدٍّ أسِيلٍ ومَنْطِقٍ ... رَخيمٍ ومن خَلْق تَعَلَّلَ جَادِبُهْ أي: تعلَّل بالكلام الذي لا يُجدي، حيثُ ذمَّ ما لا يُذَمّ. (56) قال أبو عبيد (¬1): وحدثنا حجَّاج، عن شعبة، عن قتادة -هو: أبو رافع (¬2) -، عن عمرَ: أنَّه كان يَنُشُّ الناسَ بعد العشاء بالدِّرَّة، ويقول: انصرفوا إلى بيوتكم. قال أبو عبيد: ويُروى بالسين المهملة، أي: يَسوقُهُم. قال أبو عبيد: ... (¬3) أراد سوق الناس ... (¬4) يتناولهم بالدِّرَّة. ¬

(¬1) في «غريب الحديث» (4/ 206 - 207). (¬2) قوله: «عن قتادة، هو: أبو رافع» كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع من «غريب الحديث»: «قتادة، عن أبي رافع»، وهو الصواب، الموافق لما في كُتُب الرجال، وأبو رافع اسمه نفيع أدرك الجاهلية، ولم ير النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وهو مولى ابنة عمر بن الخطاب، وقيل: مولى ليلى بنت العجماء. انظر: «تهذيب الكمال» (30/ 14 - 15). وقد نص شعبة وأحمد وأبو حاتم وأبو داود والدارقطني على أن قتادة لم يَسْمع من أبي رافع. انظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص 170) و «تحفة التحصيل» (ص 263) و «علل الدارقطني» (11/ 209) و «فتح الباري» (11/ 31). (¬3) في هذا الموضع طمس في الأصل. (¬4) في هذا الموضع طمس في الأصل.

أثر آخر (57) قال الدارقطني (¬1): ثنا أبو طالب الحافظ، ثنا أبو عمرو عثمان بن محمد البصري، ثنا إبراهيم بن بشَّار الرَّمادي، ثنا أبو بكر بن عيَّاش، عن أبي حَصِين، عن سُوَيد بن غَفَلة قال: كان عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه- يُغلِّس (¬2) بالفجر ويُنوِّر، ويُصلِّي بين ذلك، ويقرأ سورة هود وسورة يوسف، ومن قصار المثاني من المفصَّل. إسناد جيد (¬3). (58) وقد علَّق البخاري في «صحيحه» (¬4) نحو هذا، فقال: وقرأ عمرُ ¬

(¬1) لم أجده في مظانِّه من مصَّنفاته المطبوعة، ومن طريقه: أخرجه الخطيب في «تاريخه» (11/ 291). (¬2) الغَلَس: ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح. «النهاية» (3/ 377). (¬3) لكن له علَّة، فقد خولف إبراهيم بن بشَّار الرَّمادي في روايته، خالَفَه أبو نعيم، وعبد الرزاق، وأحمد بن المُفضَّل، وابن الأصبهاني، فرووه عن أبي بكر بن عيَّاش، عن أبي حَصِين، عن خَرَشة بن الحُرِّ، عن عمرَ، بنحوه. انظر رواياتهم عند أبي نعيم في كتاب «الصلاة» له (ص 223 رقم 337) وعبد الرزاق (1/ 570 رقم 2168) وابن أبي داود في «المصاحف» (ص 506 رقم 508) وابن المنذر في «الأوسط» (2/ 378 رقم 1058) والطحاوي (1/ 180). وقد توبع أبو بكر بن عياش على هذا الوجه، فأخرجه ابن أبي شيبة (1/ 284 رقم 3260) في الصلاة، باب من كان يُنوِّر بها ويُسفر ولا يرى به بأسًا، عن حسين بن علي، عن زائدة، عن أبي حَصِين، عن خَرَشة قال: صلَّى عمر بالناس فغلَّس ونوَّر، وصلَّى بهم فيما بين ذلك. (¬4) (2/ 255 - فتح) في الأذان، باب الجمع بين السورتين في الركعة. وَوَصَله ابن أبي شيبة (1/ 311 رقم 3563) في الصلاة، باب ما يقرأ في صلاة الفجر، عن عبد الأعلى، عن الجُرَيري، عن أبي العلاء، عن أبي رافع: كان عمرُ يقرأ في صلاة الصبح بمائة من «البقرة»، ويتبعها بسُورة من المثاني، أو من صُدور المفصَّل، ويقرأ بمائة من «آل عمران»، ويتبعها بسُورة من المثاني، أو من صُدور المفصَّل.

في الركعة الأولى بمائةٍ وعشرينَ آيةً من البقرة، وفي الثانية بسورةٍ من المثاني. وقرأ الأحنف (¬1) بـ «الكهف» في الأولى، وفي الثانية بـ «يوسفَ» أو «يونسَ»، وذَكَر أنَّه صلَّى مع عمرَ الصبحَ بهما. أثر آخر (59) قال إسماعيل بن محمد الصفَّار (¬2) في «مسنده»: ثنا سعدان بن نصر، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن المعرور بن سُوَيد قال: خَرَجنا مع عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- في الحجِّ، فقَرَأَ بِنَا في الصبح: «الفيل»، و «لإيلاف / (ق 22) قريش»، فلما فَرَغ رَأَوا مسجدًا، فبادَرُوا. فقال: ما هذا؟ قالوا: مسجدٌ صلَّى فيه النبيُّ صلى الله عليه وسلم. فقال: هكذا هَلَك أهلُ الكتاب قبلَكم، اتَّخذوا آثارَ أنبيائهم بِيَعًا (¬3)، مَن عَرَضتْ له فيه صلاةٌ، ¬

(¬1) وَصَله الفِريابي في كتاب «الصلاة»، كما في «الفتح» (2/ 257) -ومن طريقه: أخرجه الحافظ في «تغليق التعليق» (2/ 313) - عن قتيبة، عن حماد بن زيد، عن بُدَيل، عن عبد الله بن شقيق قال: صلَّى بِنَا الأحنف بن قيس الغداة، فقرأ في الركعة الأولى بـ «الكهف»، وفي الثانية بـ «يونس»، وزَعَم أنه صلَّى خلفَ عمرَ بن الخطاب، فقرأ في الأولى بـ «الكهف»، وفي الثانية بـ «يونس». وأخرجه ابن أبي شيبة (1/ 310 رقم 3546) في الصلاة، باب ما يقرأ في صلاة الفجر، عن معتمر بن سليمان، عن الزبير بن خريت، عن عبد الله بن شقيق، عن الأحنف قال: صلَّيتُ خلفَ عمرَ الغداةَ فقرأ «يونس» و «هود»، ونحوهما. (¬2) هو الإمام النَّحوي الأديب، مُسنِد العراق، أبو علي إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن صالح البغدادي الصفَّار، وُلد سنة 247 هـ، وتوفي سنة 341 هـ قال عنه الدارقطني: كان ثقةً، متعصِّبًا للسُّنة. انظر: «سير أعلام النبلاء» (15/ 440) و «البداية والنهاية» (11/ 226). (¬3) البِيعة: بالكسر: كنيسة النصارى، وقيل: كنيسة اليهود. انظر: «لسان العرب» (1/ 558 - مادة بيع).

فليُصَلِّ، ومَن لم تَعرِضْ له صلاةٌ، فلْيَمضِ (¬1). هذا إسناد صحيح، والله أعلم. حديث آخر (60) قال الحافظ أبو يعلى (¬2): ثنا زُهَير، ثنا محمد بن الحسن (¬3) بن أبي الحسن المخزومي، أخبرني أسامة بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جدِّه، عن عمرَ بن الخطاب: أنَّ أبا محذورة أَذَّن بالظهر -وعمرُ بمكة-، فرفع صوتَه حين زالتِ الشمسُ، فقال: يا أبا محذورة، أَمَا خِفتَ أن تَنشقَّ مُرَيطاؤك؟! قال: أحببتُ أن أُسمعك. فقال عمرُ: إني سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «أبردوا بالصلاة إذا اشتدَّ الحرُّ، فإنَّ شدَّة الحرِّ من فَيح (¬4) جهنمَ، وإنَّ جهنمَ تحاكَّت (¬5) حتى أَكَلَ بعضُها بعضًا، فاستأذنتِ اللهَ في ¬

(¬1) وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (2/ 153 رقم 7549) في الصلاة، باب في الصلاة عند قبر النبيِّ صلى الله عليه وسلم وإتيانه، عن أبي معاوية، به. وأخرجه عبد الرزاق (2/ 118 رقم 2734) -ومن طريقه: المستَغفِري في «فضائل القرآن» (2/ 683 رقم 1014) - عن معمر. والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (12/ 544، 545) من طريق جرير بن حازم، وحفص بن غياث. ثلاثتهم (معمر، وجرير، وحفص) عن الأعمش، به. وصحَّحه -أيضًا- أبو العباس ابن تيمية في «قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة» (ص 203). (¬2) لم أجده في المطبوع من «مسنده»، وهو من رواية ابن حمدان، وأورده الهيثمي في «المقصد العلي» (1/ 106 رقم 189 - رواية ابن المقرئ). ومن طريق أبي يعلى: أخرجه ابن عدي (6/ 2180). (¬3) قوله: «الحسن» تحرَّف في مطبوع «المقصد العلي» إلى: «الحسين»! وجاء على الصواب في «الكامل» لابن عدي، و «المطالب العالية» (1/ 128 رقم 234). (¬4) الفَيْح: سُطوع الحَرِّ وفَوَرانه. «النهاية» (3/ 484). (¬5) كذا ورد بالأصل. وفي «المقصد العلي»: «تحاجَّت».

نَفَسين، فأَذن لها، فشدَّة الحرِّ من فيحِ جهنمَ، وشدَّة البردِ من زَمهريرِها (¬1)». هذا حديث غريب من هذا الوجه، وأسامة بن زيد بن أسلم تكلَّموا فيه (¬2)، لكن له شاهد في «الصحيح» من وجوه كثيرة (¬3). قال الأصمعي: المُرَيطاء ممدودة، وهي ما بين السُّرَّة إلى العانة. وكان الأحمر يقول: هي مقصورة. وقال أبو عمرو: تُمدُّ وتُقصر. قال أبو عبيد (¬4): ولا أرى المحفوظ إلا قول الأصمعي، وهي كلمة لا يتكلَّم بها العرب إلا بالتصغير، كالثُّريَّا، والحُميَّا، والقُصَيرى، والسُّكيت، وهو الذي يجيء آخرًا في المسابقة. ¬

(¬1) الزَّمْهَرير: شدَّة البَرْد. «النهاية» (2/ 314). (¬2) وفيه أيضًا: محمد بن الحسن المخزومي -المعروف: بابن زبالة-، كذَّبه أبو داود، وابن معين. انظر: «تهذيب الكمال» (25/ 60 - 61)، وإعلال الحديث به أولى من إعلاله بأسامة بن زيد بن أسلم. (¬3) منها: ما أخرجه البخاري (2/ 15 رقم 533، 534) في مواقيت الصلاة، باب الإبراد بالظهر في شدة الحر، من حديث أبي هريرة وابن عمر -رضي الله عنهم- قالا: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إذا اشتدَّ الحرُّ فأبرِدوا عن الصلاة، فإنَّ شدَّة الحرِّ من فَيح جهنمَ». وأخرجه مسلم (1/ 430 رقم 615) في المساجد، باب استحباب الإبراد بالظهر، من حديث أبي هريرة وحده. ومنها: ما أخرجه البخاري (2/ 18 رقم 535، 538) ومسلم (1/ 431 رقم 616) من حديث أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إذا اشتدَّ الحرُّ فأبرِدوا عن الصلاة». (¬4) في «غريب الحديث» (4/ 195).

في الأذان

في الأذان (61) قال الحافظ أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي: ثنا القاسم بن زكريا، ثنا محمد بن عمرويه الهروي، ثنا غسَّان بن سليمان، ثنا إبراهيم بن طَهْمان، عن مَطَر، عن الحسن البصري، عن عمرَ بن الخطاب / (ق 23) -رضي الله عنه- قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهمَّ اغفر للمؤذِّنين» -مرتين-. فقلت: يا رسولَ الله، تَرَكتَنا ونحن نختلفُ على الأذانِ بالسيوفِ؟ قال: «كلاَّ يا عمرُ، إنَّه سيأتي على الناسِ زمانٌ يَتركون الأذانَ على ضعفائِهِم، وتلك لحومٌ حرَّمها اللهُ على النارِ، لحومُ المؤذِّنين». قالت عائشة رضي الله عنها: وفيهم نَزَل قولُه تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا} الآية (¬1). هكذا رواه الحافظ الإسماعيلي في «مسند عمر»، وإسناده غريب (¬2). ¬

(¬1) فصلت: 33 (¬2) وله طرق أخرى: منها: ما أخرجه المستَغفِري، كما في «الإصابة» (12/ 92) من طريق صالح بن سليمان، عن غياث بن عبد الحميد، عن مَطَر، عن الحسن، به، ولفظه: «إن اللهَ حرَّم لحومَ المؤذِّنين على النارِ». وأعلَّه الحافظ بضعف صالح بن سليمان، وغياث بن عبد الحميد. وفيه أيضًا: مَطَر، وهو: ابن طَهْمان الورَّاق: صدوق كثير الخطإ، والحسن لم يَسْمع من عمر. ومنها: ما أخرجه أبو الشيخ في كتاب «الأذان»، كما في «كنز العمال» (8/ 339 رقم 23162) عن إسحاق بن أحمد، حدَّثتنا ابنة حميد، ثنا هارون بن المغيرة، عن [الوصَّافي]، عن زياد بن كُلَيب، عن عمرَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنها لحومٌ محرَّمةٌ على النار، لحومُ المؤذِّنين ودماؤهم، وما من رجلٍ يؤذِّنُ سبعَ سنينَ يصدق في ذلك نيَّته، إلا عُتِقَ من النار». وهذا إسناد ضعيف؛ لانقطاعه بين زياد بن كُلَيب وعمر، وضَعْف بعض رواته.

(62) وله شاهد من وجه آخر عن عمرَ قولَه: رواه أبو إسماعيل المؤدِّب، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم قال: قَدِمنا على عمرَ -رضي الله عنه-، فقال: مَن مؤذِّنوكم؟ قلنا: عبيدُنا. فقال بيده يُقلِّبها: إنَّ ذلك بكم لنقصٌ شديدٌ، لو أَطَقتُ الأذانَ مع الخلِّيفى لأَذَّنتُ (¬1). ¬

(¬1) ومن هذا الوجه: أخرجه البيهقي (1/ 426) من طريق حنبل بن إسحاق، عن إبراهيم بن أبي الليث، عن أبي إسماعيل المُؤدِّب، به. وأخرجه -أيضًا- مُسدَّد في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (1/ 130 رقم 241) عن عيسى بن يونس. وابن سعد (3/ 290) -وعنه: البلاذُري في «أنساب الأشراف» (ص 225) - من طريق زُهَير بن معاوية. وابن أبي شيبة (1/ 204 رقم 2345) في الأذان والإقامة، باب في فضل الأذان وثوابه، عن يزيد ووكيع. والبيهقي (1/ 433) من طريق جعفر بن عَون. خمستهم (عيسى، وزُهَير، وجعفر، ويزيد، ووكيع) من طريق إسماعيل بن أبي خالد، به. وجوَّد إسناده ابن الملقن في «خلاصة البدر المنير» (1/ 106) وصحَّحه الحافظ في «الفتح» (2/ 77) و «المطالب العالية» (1/ 130). وله طريقان آخران: أما الطريق الأولى: فأخرجها -أيضًا- مُسدَّد في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» برقم (242) عن عيسى بن يونس. وعبد الرزاق (1/ 486 - 487 رقم 1871) عن الثوري. وابن أبي شيبة (1/ 204 رقم 2346) في الأذان والإقامة، باب في فضل الأذان وثوابه، عن يزيد ووكيع. أربعتهم (عيسى بن يونس، والثوري، ويزيد، ووكيع) عن إسماعيل بن أبي خالد، عن شبيل بن عوف قال: إنَّ عمرَ -رضي الله عنه- قال لجلسائه: مَن مؤذِّنوكم؟ قالوا: عبيدنا وموالينا. قال: موالينا وعبيدنا! إن ذلك بكم لنقص كثير. وأما الطريق الثانية: فأخرجها عبد الرزاق (1/ 486 رقم 1869) عن الثوري. وابن أبي شيبة (1/ 203 رقم 2334) في الأذان والإقامة، باب في فضل الأذان وثوابه، عن محمد بن فضيل. كلاهما (الثوري، ومحمد بن فضيل) عن بَيَان بن بِشر، عن قيس، عن عمرَ -رضي الله عنه- قال: لو أطقتُ الأذانَ مع الخلِّيفى لأَذَّنتُ.

ورواه هشيم (¬1)، عن إسماعيل، بنحوه. وقال هشيم -أيضًا-، عن حُصَين: نبِّئت أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- قال: لولا أن تكونَ سُنَّةً ما أذَّن غيري (¬2). حديث آخر (63) قال مسلم بن الحجاج (¬3): حدثني إسحاق بن منصور، أنا أبو جعفر محمد بن جَهضَم الثَّقَفي، ثنا إسماعيل بن جعفر، عن عُمارة بن غَزية، عن خُبيب بن عبد الرحمن بن إسَاف، عن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، عن أبيه، عن جدِّه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قال المؤذِّنُ: اللهُ أكبرُ،/ (ق 24) اللهُ أكبرُ، فقال أحدُكم: اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، ثم قال: أشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، فقال: أشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، ثم قال: أشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ الله، فقال: أشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ الله، ثم قال: حيِّ على الصلاةِ، فقال: لا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ، ثم قال: حيِّ على الفلاحِ، فقال: لا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ، ثم قال: اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، فقال: اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، ثم قال: لا إلهَ إلا اللهُ، فقال: لا إلهَ إلا اللهُ، من قلبِهِ دخل الجنَّةَ». وهكذا رواه النسائي في «اليوم والليلة» (¬4)، عن إسحاق بن منصور -وهو: الكَوسَج-، به. ¬

(¬1) ومن هذا الوجه: أخرجه سعيد بن منصور، كما في «التلخيص الحبير» (1/ 212) عن هشيم، به. (¬2) ومن هذا الوجه: أخرجه سُنيد بن داود، كما في «التمهيد» (19/ 225) عن هشيم، به. (¬3) في «صحيحه» (1/ 289 رقم 385) في الصلاة، باب استحباب القول مثل قول المؤذن. (¬4) من «سننه الكبرى» (6/ 15 رقم 9868).

ورواه أبو داود (¬1)، عن محمد بن مثنَّى، عن محمد بن جَهضَم، به (¬2). فقد تضمَّن هذا الحديث كيفية إجابة المؤذِّن على أصحِّ أقوال العلماء، وكيفية الأذان في قول بعضهم. (64) وقد قرأت على شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزِّي: أخبَرَتكم الشيخة الصالحة فاطمة بنت عساكر، أنا فَرْقد بن عبد الله، أنا الحافظ أبو طاهر السِّلفي، أنا ابن البَطِر، أنا أبو الحسن بن رَزقويه قال: ثنا محمد بن جعفر الأَدَمي القارئ، ثنا أحمد بن عبيد النَّحْوي، ثنا أبو بكر الحنفي، عن عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمرَ قال: كان بلال يقول إذا أذَّن: أشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، حيِّ على الصلاة. فقال عمرُ بن الخطاب: قُلْ في إثرها: أشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ الله. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «قُل كما أَمَرَكَ عمرُ» (¬3). وهذا فيه منقبة عظيمة لعمرَ -رضي الله عنه-، لكن عبد الله / (ق 25) بن نافع فيه ضعف، تكلَّم فيه علي ابن المديني، ويحيى بن معين، والبخاري، وغيرهم من الأئمَّة (¬4). (65) .... (¬5) لمَّا رأى عمرُ الأذانَ في النوم فذهب إلى رسول الله ¬

(¬1) في «سننه» (1/ 402 رقم 527) في الصلاة، باب ما يقول إذا سمع المؤذن. (¬2) وانظر للفائدة: «علل الدارقطني» (2/ 182 رقم 205) و «فتح الباري» (2/ 94). (¬3) وأخرجه -أيضًا- ابن خزيمة (1/ 188 رقم 362) من طريق أبي بكر الحنفي، به. وقال الشيخ الألباني في تعليقه على «صحيح ابن خزيمة»: إسناده ضعيف جدًّا، والحديث باطل؛ لأن قوله: «أشهدُ أن محمدًا رسولُ الله» ثابت في حديث عبد الله بن زيد. (¬4) انظر: «تهذيب الكمال» (16/ 213) و «الضعفاء الكبير» للعقيلي (2/ 895). (¬5) في هذا الموضع طمس لم أستطع قراءته.

ليخبره بما رأى، فسَمِعَ بلالاً يؤذِّن، وقال له رسولُ الله حين أَخبَرَه: «قد سَبَقك بذلك الوحيُّ». ذَكَره ابن هشام في «السيرة» (¬1) قبل بدر. أثر آخر (66) قال الحسن بن عرفة (¬2): ثنا مَرحوم بن عبد العزيز، عن أبيه، ¬

(¬1) (1/ 509)، وهذا نصُّه: وذَكَر ابن جريج قال لي عطاء: سَمِعتُ عُبيد بن عُمَير الليثي يقول: ائتمرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابُهُ بالناقوس للاجتماع للصلاة، فبينما عمرُ بن الخطاب يريد أن يشتري خشبتين للناقوس، إذ رأى عمرُ في المنام: لا تجعلوا الناقوسَ، بل أذِّنوا للصلاة. فذهب عمرُ إلى النبيِّ لِيُخبرَهُ بالذي رأى، وقد جاء النبيَّ الوحيُّ بذلك، فما راع عمرَ إلا بلالٌ يؤذِّن، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حين أَخبَرَه بذلك: «قد سَبَقَكَ بذلك الوحيُّ». وأخرجه -أيضًا- أبو داود في «المراسيل» (ص 81 رقم 20) من طريق حجاج بن محمد المِصِّيصي. وعبد الرزاق (1/ 456 رقم 1775). كلاهما (حجاج، وعبد الرزاق) عن ابن جريج، به. وهو مرسل صحيح الإسناد. (¬2) لم أجده في المطبوع من «جزء الحسن بن عرفة»، ومن طريقه: أخرجه الدارقطني (1/ 238). وأخرجه -أيضًا- أبو نعيم الفضل بن دُكَين في «كتاب الصلاة» له (ص 174، 175 رقم 226، 228) وابن أبي شيبة (1/ 195 رقم 2234) في الأذان، باب من قال: يترسل في الأذان، والبلاذُري في «أنساب الأشراف» (ص 234 - 235، 239) من طريق مَرحوم، به. وإسناده ضعيف؛ عبد العزيز بن مِهران العطَّار والد مَرحوم: مجهول الحال، روى عنه اثنان، وذكره ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (5/ 400 رقم 1854) ولم يَذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً. وقال عنه الحافظ في «التقريب»: مقبول. وأبو الزبير مؤذِّن بيت المقدس، قال عنه الحافظ في «التلخيص الحبير» (1/ 200): تابعي قديم مشهور.

عن أبي الزبير مؤذِّن بيت المقدس قال: جاءنا عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال: إذا أَذَّنتَ فتَرَسَّلْ، وإذا أَقمتَ فاحذِم. ورواه أبو عبيد (¬1)، عن الأنصاري، عن مَرحوم. وحكى عن الأصمعي أنَّه قال: الحَذْم: الحَدْر (¬2). أثر آخر (67) قال الدارقطني (¬3): ثنا ابن مِرداس، ثنا أبو داود، ثنا أيوب بن منصور، ثنا شعيب بن حرب، ثنا عبد العزيز بن أبي رَوَّاد، عن نافع، عن مؤذِّن لعمرَ، يقال له: مَسروح، أنَّه أذَّن قبل الصبح، فأمره عمرُ أن يَرجِعَ فينادي: أَلاَ إنَّ العبدَ نام -ثلاثًا-، فرَجَع، فنادى: أَلاَ إنَّ العبدَ نامَ. ثلاث مرات. وهكذا رواه أبو داود في «السُّنن» (¬4)، عن أيوب بن منصور. ثم قال: وقد رواه حماد بن زيد، عن عبيد الله، عن نافع أو غيره: أن مؤذِّنًا لعمرَ، يقال له: مَسروح، أو غيره. ورواه الدَّرَاوَردِي، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمرَ قال: كان لعمرَ مؤذِّن، يقال له: مسعود، فذَكَر نحوه. وهذا أصح من ذاك. ¬

(¬1) في «غريب الحديث» (4/ 145). (¬2) قال ابن الأثير: يريد: عجِّل إقامة الصلاة ولا تُطوِّلها كالأذان. «النهاية» (1/ 357). (¬3) في «سننه» (1/ 244 رقم 49) وتصحَّف فيه: «روَّاد» إلى: «راود»! وجاء على الصواب في النسخة المحققة (1/ 457 رقم 955 - ط مؤسسة الرسالة). وأخرجه -أيضًا- البلاذُري في «أنساب الأشراف» (ص 154) عن أحمد بن هشام، عن شعيب بن حرب، به. (¬4) (1/ 406 رقم 533) في الصلاة، باب في الأذان قبل دخول الوقت.

يعني: من الحديث الذي رواه هو والدارقطني (¬1) من حديث حماد بن سَلَمة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمرَ: أنَّ بلالا أذَّن قبل طلوع الفجر، فأَمَره رسولُ الله أن يرجع فينادي: أَلا إنَّ العبدَ نام ... ، الحديث. قال أبو داود: لم يروه عن أيوب، إلا حماد بن سَلَمة. وقال الترمذي (¬2): قال علي ابن المديني: هو غير محفوظ، وأخطأ فيه حماد بن سَلَمة (¬3). وقال الدارقطني (¬4): ورواه سعيد بن زَربي -وكان ضعيفًا-، عن أيوب، كذلك. ورواه عبد الرزاق (¬5)، عن معمر، عن أيوب، مرسلاً. وكذا رواه هشيم (¬6)، عن يونس بن عبيد، عن حميد بن هلال، مرسلاً. ثم رواه الدارقطني (¬7) من حديث عامر بن مُدرِك، ثنا عبد العزيز بن أبي رَوَّاد، عن نافع، عن ابن عمرَ: أنَّ بلالا أذَّن قبلَ طلوعِ الفجرِ، فغضب رسولُ الله، وأَمَرَه أنْ ينادِي: إنَّ العبدَ نامَ. فوَجَد بلالُ وَجْدًا شديدًا. ثم قال: وَهِمَ فيه عامر بن مُدرِك، والصواب قد تقدَّم عن شعيب بن حرب، عن عبد العزيز بن أبي رَوَّاد، عن نافع، عن مؤذِّن عمر، عن عمرَ، قولَه. ¬

(¬1) انظر: «سنن أبي داود» (532) و «سنن الدارقطني» (1/ 244 رقم 48). (¬2) في «سننه» (1/ 395). (¬3) وأنكره الإمام أحمد على حماد بن سَلَمة. انظر: «فتح الباري» لابن رجب (3/ 512). (¬4) في «سننه» (1/ 244 رقم 48). (¬5) في «المصنَّف» (1/ 491 رقم 1888). (¬6) كما في «سنن الدارقطني» (1/ 244 رقم 51). (¬7) في الموضع السابق برقم (52).

ثم رواه (¬1) من حديث أبي يوسف القاضي، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس: أنَّ بلالاً أذَّن قبل طلوع الفجر، فأَمَره رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يَصعَدَ فينادِي: إنَّ العبدَ نامَ. ففَعَلَ، وقال: ليتَ بلالاً لم تَلِدْهُ أُمُّه ... وابتلَّ من نَضحِ دَمٍ جَبِينُه ثم رواه الدارقطني (¬2)، عن عثمان بن أحمد، عن يحيى بن أبي طالب، عن عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة، مرسلاً، وقال: هذا أصح. ثم أَسنَدَه (¬3) من وجه آخر، عن أنس مرفوعًا، فالله أعلم. ولكنه من رواية محمد بن القاسم الأسدي، وهو ضعيف (¬4). ¬

(¬1) في الموضع السابق برقم (53) وقال عقب روايته: تفرَّد به أبو يوسف، عن سعيد، وغيره يُرسِله عن سعيد، عن قتادة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. (¬2) في الموضع السابق برقم (54). وانظر «العلل» له (4/ 111/أ - ب). (¬3) في الموضع السابق، برقم (55). (¬4) كذَّبه الإمام أحمد. انظر: «العلل ومعرفة الرجال» (2/ 171 رقم 1899 - رواية عبد الله).

في ستر العورة

في ستر العورة (68) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا يعقوب، ثنا أبي، عن ابن إسحاق، ثنا نافع قال: كان عبد الله بن عمر يقول: إذا لم يكن للرجلِ إلا ثوبٌ واحدٌ فلْيأْتزِرْ به، ثم ليُصلِّ، فإني سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يقول ذلك، ويقول: لا تَلتَحِفوا بالثوب إذا كان وحدَه، كما تفعلُ يهودُ. قال نافع: ولو قلتُ لك إنَّه أَسنَدَ ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لَرَجَوتُ ألا أكونَ كَذَبتُ. هذا إسناد جيد، وليس في شيء من الكتب السِّتة. طريق أخرى (69) قال الهيثم بن كُلَيب (¬2): ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، ثنا شيبان، ثنا جرير بن حازم، ثنا نافع قال: دخل ابنُ عمر وأنا أصلِّي في إزارٍ، فقال: أَلَم تُكس ثوبين؟ قلت: بلى. قال: أَفَرأيتَ لو بَعثتُك في حاجة، أكنتَ تذهبُ هكذا كما صَلَّيتَ؟ قلت: لا. قال: فربُّك أحقُّ أن تَزَيَّن له. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 16 رقم 96). (¬2) ليس في القسم المطبوع من «مسنده»، ومن طريقه: أخرجه الضياء في «المختارة» (1/ 309 رقم 200). وأخرجه -أيضًا- أبوداود (1/ 446 رقم 636) وابن خزيمة (1/ 376 رقم 766) والطحاوي (1/ 377) والبيهقي (2/ 236) من طريق نافع، به. ورواية أبي داود مقتصرة على المرفوع. وصحَّح إسناده أبو العباس ابن تيمية في «اقتضاء الصراط المستقيم» (1/ 289). واشتمال اليهود: هو أن يُجلِّلَ بدنَه الثوبَ من غيرِ أن يرفعَ طرفَه. انظر: «النهاية» (2/ 501).

ثم حدَّث، فلا أدري، رَفَعه إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أم حدَّث عن عمرَ -نافع شكَّ- قال: إذا لم يكُن لأحدكم غيرَ ثوبٍ واحدٍ، فأراد أن يصلِّي؛ فليشدَّ به حِقويه (¬1)، ولا يشتملْ اشتمالَ اليهود. حديث آخر (70) قال الحافظ أبو بكر البزَّار (¬2): ثنا أحمد بن عثمان بن حكيم، والعباس بن جعفر قالا: ثنا مالك بن إسماعيل، ثنا مسعود بن / (ق 26) سعد الجُعفِي، عن مُطرِّف، عن زيد العمِّي، عن أبي الصِّدِّيق النَّاجي، عن ابن عمرَ، عن عمرَ قال: ذَكَر نساءُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ما يذيِّلن من الثياب، فقال: «شبرًا». فقلن: شبرًا قليل، تخرجُ منه العورةُ. قال: «فذراع». قلن: تبدو أقدامُهن. قال: «ذراعًا، لا يزدن على ذلك». ثم قال: اختُلف فيه على ابن عمر، وهذا حديث مُطرِّف، عن زيد العمِّي. قلت: وفيه ضعف. قال ابن عدي (¬3):لم يرو شعبة عن أضعف من زيد العمِّي. وهكذا روى هذا الحديث النسائي في الزينة (¬4)، عن أحمد بن عثمان بن حكيم ومعاوية بن صالح الدمشقي. كلاهما عن مالك بن إسماعيل، به. ¬

(¬1) حِقويه: تثنية حِقو، وهو موضع الإزار. «النهاية» (1/ 417). (¬2) في «مسنده» (1/ 279 رقم 176). (¬3) في «الكامل» (3/ 201). (¬4) من «سننه الكبرى» (5/ 493 رقم 9733).

ولكن رواه أبو داود (¬1)، وابن ماجه (¬2) من حديث الثوري، عن زيد العمِّي، عن أبي الصِّديق، عن ابن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، لم يَذكر عمر بن الخطاب. وهذا أشبه (¬3)، والله أعلم. أثر عن عمر (71) قال محمد بن عبد الله الأنصاري (¬4): ثنا سليمان التَّيمي، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن عمرَ بن الخطاب قال: تصلِّي المرأةُ في ثلاثةِ أثوابٍ: درعٍ، وخمارٍ، وإزارٍ. إسناد صحيح على شرطهما. ¬

(¬1) في «سننه» (4/ 429 رقم 4119) في اللباس، باب قدر الذيل. (¬2) في «سننه» (2/ 1185 رقم 3581) في اللباس، باب ذيل المرأة كم يكون؟ (¬3) ورجَّحه -أيضًا- الدارقطني في «العلل» (2/ 75). وفي الباب عن أم سَلَمة -رضي الله عنها-: أخرجه مالك (2/ 698) في اللباس، باب ما جاء في إسبال المرأة ثوبها، وأبو داود (4/ 428 رقم 4114) والنسائي (8/ 598 رقم 5353) في الزينة، باب ذيول النساء، وابن حبان (12/ 265 رقم 5451 - الإحسان) من طريق نافع مولى ابن عمر، عن صفية بنت أبي عبيد، عن أم سَلَمة -رضي الله عنها- قالت: سُئل النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن ذيل المرأة، فقال: «شبرًا». فقلت: يا رسولَ الله، إذًا تبدو أقدامُهُنَّ. قال: «فذراعًا، لا يزِدن عليه». وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، كما قال الشيخ الألباني في «السلسلة الصحيحة» (4/ 478). (¬4) في «جزئه» (ص 34 رقم 11). وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (2/ 36 رقم 6167) في الصلاة، باب المرأة في ثوب تصلي، وأحمد بن مَنيع في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (1/ 162 رقم 332) كلاهما (ابن أبي شيبة، وابن منيع) عن ابن عُليَّة، عن سليمان التَّيمي، به.

أثر آخر (72) قال أبو عبيد (¬1): يُروى عن عوف بن أبي جميلة، عن أنس بن ¬

(¬1) في «غريب الحديث» (4/ 239). وله طرق أخرى موصولة: منها: ما أخرجه عبد الرزاق (3/ 136 رقم 5062) عن ابن جريج. والبيهقي (2/ 226) من طريق الوليد بن كثير. كلاهما (ابن جريج، والوليد بن كثير) عن نافع، عن صفية بنت أبي عُبيد، عن عمرَ ... ، فذكره، بنحوه. وهذا إسناد صحيح، كما قال الحافظ في «الدراية» (1/ 124) ومنها: ما أخرجه عبد الرزاق (5064) عن معمر. وابن أبي شيبة (2/ 41 رقم 6235) في الصلاة، باب في الأمة تصلي بغير خمار، عن وكيع، عن شعبة. كلاهما (معمر، وشعبة) عن قتادة، عن أنس -رضي الله عنه- قال: رأى عمرُ أَمَةً لنا متقنِّعة فضربها، وقال: لا تشبَّهي بالحرائر. وهذا صحيح -أيضًا-، كما قال الشيخ الألباني في «الإرواء» (6/ 203). ومنها: ما أخرجه ابن أبي شيبة (6239) عن علي بن مُسْهِر، عن المختار بن فُلفُل، عن أنس بن مالك قال: دَخَلَت على عمرَ بن الخطاب أَمَةٌ قد كان يعرفها لبعض المهاجرين أو الأنصار، وعليها جلبابٌ مُتقنِّعةٌ به، فسألها: عَتَقتِ؟ قالت: لا. قال: فما بال الجلباب! ضَعيه عن رأسِكِ، إنما الجلبابُ على الحرائرِ من نساءِ المؤمنين. فتَلكَّأَت، فقام إليها بالدِّرة فضَرَبَ بها رأسَها، حتى ألقته عن رأسِها. وهذا صحيح -أيضًا-، كما قال الشيخ الألباني في الموضع السابق. ومنها: ما أخرجه البيهقي (2/ 226) عن أبي القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله الحرفي ببغداد، أنبأ علي بن محمد بن الزبير الكوفي، ثنا الحسن بن علي بن عفان، ثنا زيد بن الحُبَاب، عن حماد بن سَلَمة قال: حدثني ثمامة بن عبد الله بن أنس، عن جدِّه أنس بن مالك قال: كُنّ إماءُ عمرَ -رضي الله عنه- يَخدُمننا كاشفاتٌ عن شعورِهِن، تَضطربُ ثُدُيُّهُنَّ. قال الشيخ الألباني في الموضع السابق: إسناده جيد، رجاله كلهم ثقات، غير شيخ البيهقي أبي القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله الحربي، وهو صدوق، كما قال الخطيب (10/ 303). قلت: وقد قال ابن المنذر في «الأوسط» (5/ 76): ثبت أنَّ عمرَ بن الخطاب ضَرَبَ أَمَةً لآل أنس رآها مُتقنِّعة، وقال: اكشفي عن رأسِكِ، لا تشبَّهين بالحرائر. وقال البيهقي: والآثار عن عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- في ذلك صحيحةٌ، وأنها تدل على أن رأسَها ورقبتَها وما يظهر منها في حال [المهنة] ليس بعورة. تنبيه: قال ابن القيم في «إعلام الموقعين» (3/ 284 - 285): وأما تحريم النظر إلى العجوز الحُرَّة الشوهاء القبيحة وإباحته إلى الأَمَة البارعة الجمال فكَذِبٌ على الشارع، فأين حرَّم الله هذا وأباح هذا؟! والله سبحانه إنما قال: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} ولم يُطلق الله ورسوله للأعين النظر إلى الإماء البارعات الجمال، وإذا خَشِيَ الفتنة بالنظر إلى الأَمَة حَرُم عليه بلا ريب، وإنما نشأت الشبهة أن الشارع شرع للحرائر أن يسترن وجوههن عن الأجانب، وأما الإماء فلم يوجب عليهن ذلك، لكن هذا في إماء الاستخدام والابتذال، وأما إماء التسري اللاتي جرت العادة بصونهن وحجبهن فأين أباح الله ورسوله لهن أن يكشفن وجوههن في الأسواق والطرقات ومجامع الناس وأذن للرجال في التمتع بالنظر إليهن؟! فهذا غلط محض على الشريعة، وأكَّد هذا الغلط أن بعض الفقهاء سَمِعَ قولَهم: إن الحُرَّة كلها عورة إلا وجهها وكفيها، وعورة الأَمَة ما لا يظهر غالبًا، كالبطن والظهر والساق، فظن أن ما يظهر غالبًا حكمه حكم وجه الرجل، وهذا إنما هو في الصلاة لا في النظر، فإن العورة عورتان، عورة في النظر، وعورة في الصلاة، فالحُرَّة لها أن تصلي مكشوفة الوجه والكفين، وليس لها أن تخرج في الأسواق ومجامع الناس كذلك، والله أعلم.

سيرين، عن عمرَ: أنَّه رأى جاريةً مملوكةً مُتَكَمْكِمَةً، فسَأَل عنها، فقالوا: أَمَةُ آلِ فلانٍ. فضَرَبها بالدِّرَّة ضرباتٍ، وقال: يالكعاءُ (¬1)، (أتشبَّهين) (¬2) بالحرائر؟! قال أبو عبيد: الأصلُ أن يقال: مُتَكَمِّمَةً، وهو من الكُمَّة، وهو القَلَنْسُوة، أي: رآها مغطيةً رأسَهَا كالحرائرِ، فضَرَبها. ¬

(¬1) اللَّكع عند العرب: العَبْد، ثم استعمل في الحُمْق والذَّمِّ. «النهاية» (4/ 268). (¬2) في المطبوع: «أتتشبهين».

حديث آخر (73) روى أبو داود (¬1) عن سليمان بن حرب، عن حماد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمرَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، أو قال: قال عمرُ: «إذا كان لأحدِكم ثوبانِ؛ فليُصلِّ فيهما». (74) وقال البخاري (¬2): ثنا سليمان بن حرب، ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة قال: قام رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فسأله عن الصلاة في الثوب؟ فقال: «أوكُلُّكم يجدُ ثوبين؟». ثم سأل رجلٌ عمرَ، فقال: إذا وسَّع اللهُ فأَوسِعوا، جَمَع رجلٌ عليه ثيابه، صلَّى رجلٌ في إزارٍ ورداءٍ، في إزارٍ وقميصٍ، في إزارٍ وقَبَاءٍ (¬3)، في سراويلَ ورداءٍ، في سراويلَ وقميصٍ، في سراويلَ وقَبَاءٍ، في تُبَّانٍ (¬4) وقباءَ، في تُبَّانٍ وقميصٍ. قال: وأَحسَبُهُ قال: في تُبَّانٍ ورداءٍ. هكذا رواه البخاري. وهو عند مسلم (¬5) بدون ذِكر سؤال عمر رضي الله عنه. ¬

(¬1) في «سننه» (1/ 446 رقم 635) في الصلاة، باب من قال: يتزر به إذا كان ضيِّقًا. (¬2) في «صحيحه» (1/ 475 رقم 365 - فتح) في الصلاة، باب الصلاة في القميص والسراويل والتُّبَّان والقَبَاء. (¬3) الَقَباء: بالقصر والمدِّ، قيل: هو فارسي معرَّب، وقيل: عربي مشتق من قَبَوتَ الشيءَ، إذا ضَمَمتَ أصابعَك عليه، سمِّي بذلك لانضمام أطرافه. «الفتح» (1/ 475). (¬4) التُّبَّان: سروال صغير، يستر العورة المغلَّظة فقط. «النهاية» (1/ 181). (¬5) في «صحيحه» (1/ 367 رقم 515) في الصلاة، باب الصلاة في ثوب واحد وصفة لُبسه.

في المساجد ومواطن الصلاة

في المساجد ومواطن الصلاة (75) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن يحيى بن أبي إسحاق، عن سالم بن عبد الله قال: كان عمرُ بن الخطاب رجلاً غَيورًا، وكان إذا خَرَج إلى الصلاةِ اتَّبَعَتْهُ عاتكةُ بنت زيد، وكان يَكره خروجَها، ويَكره مَنْعَها، وكان يُحدِّث أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا استأذَنَكُم نساؤكم إلى الصلاة فلا تَمنَعُوهُنَّ». هذا إسناد جيد، وإن كان فيه انقطاع، فإنَّ سالمًا لم يُدرك جدَّه عمر (¬2). قاله الحافظ أبو زرعة الرازي (¬3) (¬4). وقد جاء من طريق أخرى: ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 40 رقم 283). (¬2) وله علَّة أخرى، وهي تفرَّد يحيى بن أبي إسحاق بروايته عن سالم على هذا الوجه، وقد خالَفَه الزهري، ـ وحنظلة بن أبي سفيان، فروياه عن سالم، عن ابن عمرَ، ليس فيه: عمر! ومن هذا الوجه: أخرجه البخاري (2/ 347، 351 رقم 865، 873) في الأذان، باب خروج النساء إلى المساجد بالليل والغلس، وباب استئذان المرأة زوجها بالخروج إلى المسجد، و (9/ 337 رقم 5238) في النكاح، باب استئذان المرأة زوجها في الخروج إلى المسجد وغيره، ومسلم (1/ 326 رقم 442) (134) (135) في الصلاة، باب خروج النساء إلى المساجد ... ، ولفظه: «إذا استأذنكم نساؤكم بالليل في المسجد فأذنوا لهن». ولم يتنبَّه لعلَّة هذا الخبر محقِّقو «مسند الإمام أحمد» (1/ 381 - ط مؤسسة الرسالة) فأعلّوه أولاً بالانقطاع بين سالم وعمر، ثم قالوا: «وفي الباب عن ابن عمرَ»!! والواقع أنه هو حديث واحد، اختَلَف فيه أصحاب سالم، كما ترى. (¬3) انظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص 81 رقم 291). (¬4) جاء بحاشية الأصل تقييد بخط الحافظ ابن حجر، هذا نصُّه: «هذا الحديث مخرَّج من وجه آخر».

(76) كما قال الحافظ أبو يعلى الموصلي (¬1) / (ق 27): ثنا عبد الأعلى بن حماد، ثنا بِشر بن منصور، ثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ قال: قال عمرُ: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا تمنعوا إمَاءَ اللهِ مساجدَ اللهِ». وهذا إسناد جيد من هذا الوجه (¬2)، وقد اختاره الحافظ الضياء في كتابه (¬3). وهو في «الصحيح» من حديث عبد الله بن عمر، كما سيأتي (¬4). حديث آخر (77) قال الحافظ أبو يعلى (¬5): ثنا جُبَارة بن المغلِّس، ثنا عبد الكريم البَجَلي، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عمرَ بن الخطاب قال: ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 143 رقم 154). (¬2) له علَّة، فقد رواه أصحاب عبيد الله بن عمر، وهم: حماد بن أسامة، وعبد الله بن نُمَير، وعبد الله بن إدريس، وعَبدة بن سليمان، ويحيى القطان، عنه، عن نافع، عن ابن عمرَ، ليس فيه: عمر! انظر روايتهم عند البخاري (2/ 382 رقم 900) في الجمعة، باب منه، ومسلم (1/ 327 رقم 442) (136) في الصلاة، باب خروج النساء إلى المساجد ... ، وابن أبي شيبة (2/ 158 رقم 7610) في الصلاة، باب من رخص للنساء في الخروج إلى المسجد، وأحمد (2/ 16). وعليه؛ فرواية بشر بن منصور شاذة لمخالفتها لرواية الجماعة. (¬3) «المختارة» (1/ 302 رقم 193). (¬4) انظر: «جامع المسانيد والسُّنن» (28/ 158 رقم 294) و (29/ 105 رقم 1635 - ط قلعجي). (¬5) لم أجده في المطبوع من «مسنده»، وهو من رواية ابن حمدان، فلعلَّه في مسنده الكبير.

قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ما ساءَ عملُ قومٍ قطُّ إلا زَخرَفُوا (¬1) مساجدَهم». وكذا رواه ابن ماجه في «سننه» (¬2)، عن جُبارة بن المغلِّس، وفيه ضعف (¬3). (78) وقال البخاري (¬4): قال عمرُ: أَكِنَّ (¬5) الناسَ من المطر، وإيَّاك أن تُحمِّرَ أو تُصفِّرَ، فتَفتنَ الناسَ. قال (¬6): ورأى عمرُ بن الخطاب أنسَ بن مالك يصلِّي عند قبر، فقال: القبرَ! القبرَ! ولم يأمُره بالإعادة. ¬

(¬1) الزَّخْرفة: النَّقْش والتمويه بالذهب. انظر: «النهاية» (2/ 299). (¬2) (1/ 244 رقم 741) في المساجد، باب تشييد المساجد. (¬3) وله علَّة أخرى، وهي تفرَّد عبد الكريم البَجَلي بروايته عن أبي إسحاق السبيعي دون بقية أصحابه المتقنين، ولذا قال أبو نعيم في «الحلية» (4/ 152) عقب إخراجه لهذا الحديث: غريب من حديث عمرو وأبي إسحاق، تفرَّد به عنه عبد الكريم. (¬4) في «صحيحه» (1/ 539 - فتح) في الصلاة، باب بنيان المسجد. ولم أقف عليه موصولاً، ولم يَصله الحافظ. (¬5) الكِنُّ: ما يَرُدّ الحَرَّ والبَرْد من الأبنية والمساكن. «النهاية» (4/ 206). (¬6) أي: البخاري في «صحيحه» (1/ 523 - فتح) في الصلاة، باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ويُتخذ مكانها مساجد؟ ووَصَله عبد الرزاق (1/ 404 رقم 1581) عن معمر، عن ثابت. وإسماعيل بن جعفر في «حديثه» (ص 199 رقم 97 - رواية علي بن حُجر) وابن أبي شيبة، وأحمد بن مَنيع في «مسنديهما»، كما في «المطالب العالية» (1/ 137، 167 رقم 258، 350) والبيهقي (2/ 435) من طريق حميد -زاد مُسدَّد: والحسن البصري- ثلاثتهم (ثابت، وحميد، والحسن) عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: رآني عمرُ بن الخطاب وأنا أصلِّي عند قبر، فجعل يقول: القبر! قال: فحسبته يقول: القمر! قال: فجعلت أرفع رأسي إلى السماء، فأنظر! فقال: إنما أقول: القبر؛ لا تُصلِّ إليه. قال ثابت: فكان أنس بن مالك يأخذ بيدي إذا أراد أن يُصلِّي، فيتنحَّى عن القبور. وهذا إسناد صحيح، كما قال البوصيري في «الإتحاف» (2/ 106) والحافظ في «المطالب العالية»، والشيخ الألباني في «تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد» (ص 36) و «مختصر صحيح البخاري» (1/ 155). فائدة: قال الإمام ابن القيِّم في «إغاثة اللهفان» (1/ 352): وهذا يدلُّ على أنه كان من المستقرِّ عند الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين- ما نهاهم عنه نبيُّهم من الصلاة عند القبور، وفعل أنس لا يدلُّ على اعتقاده جوازه، فإنه لعلَّه لم يره، أو لم يعلم أنه قبر، أو ذهل عنه، فلمَّا نبَّهه عمر تنبَّه.

قال (¬1): وقال عمرُ: إنَّا لا نصلِّي في البِيعة (¬2)، لا نَدخلُ كنائسَكم من أجل التماثيل التي فيها الصُّور. قال (¬3): وقال عمرُ: المصلُّون أحقُّ بالسَّواري من المتحدِّثين إليها. ورأى ابن عمر (¬4) رجلاً يصلِّي بين اسطوانتين، فأدناه إلى سارية، فقال: صَلِّ إليها. ¬

(¬1) أي: البخاري في «صحيحه» (1/ 531 - فتح) في الصلاة، باب الصلاة في البيعة، وليس عنده: لا نصلِّي في البِيعة. وَوَصَله في «الأدب المفرد» (ص 458 رقم 1248) وعبد الرزاق (1/ 411 رقم 1611) من طريق نافع، عن أسلم، عن عمرَ ... ، فذكره. ورواه عن نافع: أيوب، ومحمد بن إسحاق. وهذا إسناد صحيح، ولم يقف الشيخ الألباني على متابعة أيوب لابن إسحاق، فضعَّف الأثر في تحقيقه لـ «الأدب المفرد» لعنعنة ابن إسحاق. (¬2) تقدم تعريفها (ص 81). (¬3) أي: البخاري في «صحيحه» (1/ 577 - فتح) في الصلاة، باب الصلاة إلى الأسطوانة. وَوَصَله ابن أبي شيبة (2/ 149 رقم 7511) في الصلاة، باب من رخَّص فيه، والحميدي في «كتاب النوادر»، كما في «تغليق التعليق» (2/ 246) عن وكيع، عن ربيعة بن عثمان التَّيمي قال: نا إدريس الصنعاني، عن رجل، يقال له: همدان، وكان بَريد أهل اليمن إلى عمر، قال: قال عمرُ: ... ، فذكره. (¬4) قوله: «ورأى ابن عمر» كذا ورد بالأصل. وهو الموافق لبعض فروع النسخة اليونينية لـ «صحيح البخاري» (1/ 106 - ط دار طوق النجاة)، وجاء في أصل النسخة اليونينية: «ورأى عمر». وقد أشار إلى هذا الاختلاف الحافظ في «الفتح»، فقال تعليقًا على قوله: (ورأى ابن عمر): كذا ثبت في رواية أبي ذر والأَصيلي وغيرهما، وعند بعض الرواة: (ورأى عمر) بحذف ابن، وهو أشبه بالصواب. ورواية عمر: وَصَلها ابن أبي شيبة (2/ 148 رقم 7501) في الصلاة، باب من كان يكره الصلاة بين السواري، عن محمد بن يزيد، عن أيوب، عن أبي العلاء، عن معاوية بن قرَّة، عن أبيه قال: رآني عمرُ وأنا أصلي بين اسطوانتين، فأخذ بقفاي، فأدناني إلى سُترة، فقال: صلِّ إليها.

قلت: وقد روي نحو هذا في حديث آخر عن عمرَ مرفوع: (79) كما روى الحافظ أبو بكر الإسماعيلي من حديث بُرد بن سنان، عن إسحاق بن سُوَيد -وكان شيخًا كبيرًا- قال: مَرَّ عمرُ -رضي الله عنه- برجل يصلِّي، فقال: اُدْنُ من قِبْلتِكَ، / (ق 28) لايُفسِدُ الشيطانُ عليك صلاتَكَ، لستُ أقولُهُ برأيي، ولكني سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُهُ (¬1). ¬

(¬1) وأخرجه -أيضًا- بقيُّ بن مَخلد، كما في «بيان الوهم والإيهام» (2/ 243) وأبو أحمد الحاكم في «فوائده» (ص 144 - 145 رقم 90) من طريق هشام بن عمار، عن يحيى بن حمزة، عن بُرد بن سِنَان. والحارث بن أبي أسامة في «مسنده»، كما في «بغية الباحث» (ص/62 رقم 163) من طريق عبد الوارث. كلاهما (بُرد بن سِنَان، وعبد الوارث) عن إسحاق بن سُوَيد، به. وهو منقطع بين إسحاق بن سُوَيد وعمر، كما قال عبد الحق في «الأحكام الوسطى» (1/ 343). وأورده الدارقطني في «العلل» (2/ 253) وقال: يَرويه إسحاق بن سُوَيد العدوي، واختُلف عنه، فرواه معتمر، عن إسحاق، عمَّن حدَّثه، عن عمرَ، مرفوعًا، ورواه عبد الوارث، عن إسحاق بن سُوَيد مرسلاً، عن عمرَ، مرفوعًا، وقوله أشبه بالصواب. تنبيه: رواية معتمر بن سليمان لم أقف عليها، وقد ذكرها المؤلِّف على خلاف ما ذكره الدارقطني، وكيفما كان؛ فالأثر لايصح، لانقطاعه.

وهكذا رواه معتمر بن سليمان، عن إسحاق بن سُوَيد، عن رجل، عن عمرَ، به. أثر آخر (80) قال الحافظ أبو يعلى (¬1): ثنا عبيد الله، ثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ: أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- كان يُجمِّرُ (¬2) مسجدَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كلَّ جُمُعة. أثر آخر (81) قال أبو عبيد (¬3): حدِّثت عن عيسى بن يونس، عن هشام بن عروة، عمَّن حدَّثه، عن عمرَ: أنَّه لمَّا حَصَّبَ المسجدَ قال له فلان: لِمَ فعلتَ هذا؟ قال: هو أَغفَرُ للنُّخامة، وألينُ في المَوْطئ. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 170 رقم 190). وحسَّن إسناده المؤلِّف في «تفسيره» (3/ 293) مع أن فيه العُمَري، وهو ضعيف! (¬2) التجمير: التبخير بالطِّيب. انظر: «النهاية» (1/ 293). (¬3) في «غريب الحديث» (4/ 243). وإسناده ضعيف؛ لإبهام بعض رواته. وقد خولف عيسى بن يونس في روايته، خالَفَه عبد الله بن نُمَير، وعَبدة بن سليمان، فروياه عن هشام بن عروة، عن أبيه: أنَّ عمرَ أراد ألا يحصِّب المسجد، فأشار عليه سفيان بن عبد الله الثَّقَفي، قال: بلى، يا أميرَ المؤمنين، فإنه أغفر للنخامة، وأوطأ للمجلس، فقال عمرُ: احصبوه. ومن هذا الوجه: أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 267 رقم 8834) في الصلاة، باب من كان يخط إذا سجد في صلاته، وأبو عَروبة الحرَّاني في «الأوائل» (ص 143 رقم 122). وهذا منقطع بين عروة وعمر. وله طرق أخرى: منها: ما أخرجه ابن أبي شيبة (7/ 258 رقم 35851) في الأوائل، عن هشام بن حسَّان، عن الحسن، عن أبيه، عن رجل من ثقيف قال: استشار رجلٌ من ثقيف عمرَ أن يحصِّب المسجد ... ، فذكره، بمعناه. وهذا ضعيف؛ لجهالة بعض رواته. ومنها: ما أخرجه أبو عَروبة الحرَّاني في «الأوائل» (123) عن ابن بشَّار وابن المثنَّى، عن معاذ بن هشام، عن أبيه، عن قتادة، عن أنس بن مالك: أنَّ عمرَ أوَّل من أمر بحصبة البطحاء في المسجد. وهذا إسناد رجاله ثقات. ومنها: ما أخرجه أبو داود (1/ 371 رقم 459) -ومن طريقه البيهقي (2/ 440) - عن سهل بن تمام بن بَزيع، عن عمر بن سُليم الباهلي، عن أبي الوليد قال: سألت ابن عمر عن الحصى الذي في المسجد؟ فقال: مُطرنا ذات ليلة، فأصبحت الأرض مبتلَّة، فجعل الرجل يأتي بالحصى في ثوبه، فيبسطه تحته، فلما قَضَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: «ما أحسنَ هذا». قال البيهقي: حديث ابن عمر متصل، وإسناده لا بأس به. وتعقَّبه ابن التركماني، فقال: كيف يكون كذلك؟! وأبو الوليد هذا مجهول، كذا قال ابن القطان [«بيان الوهم والإيهام» (5/ 194)]، والذهبي [«المغني في الضعفاء» (2/ 815 رقم 7816)]، وفي «أحكام عبد الحق» [1/ 290]: لا أعلم روى عنه إلا عمر بن سُليم، -ويقال: عمرو-، ثم إن عمر هذا لم يصرِّح بالسماع من أبي الوليد، وقد حكى ابن القطان عن ابن الجارود أنه لم يَسْمعه. وضعَّفه الشيخ الألباني في «ضعيف سنن أبي داود» (9/ 162) لجهالة أبي الوليد. وقال الذهبي في «المهذَّب في اختصار السُّنن الكبير» (2/ 869): إسناده ضعيف.

قال الأصمعي: أَصل الغَفر: التغطية، يعني: أنَّه أستر للنُّخامة. ودلَّ على جواز ذلك في المسجد بشرط التغطية، ويشهد له الحديث الصحيح (¬1): «البُزَاق في المسجدِ خطيئةٌ، وكفَّارتها دفنُها». وقوله: حَصَّبَ المسجدَ: يعني: جعل فيه الحصباءَ، وهي: الحصى. ¬

(¬1) أخرجه البخاري (1/ 511 رقم 415 - فتح) في الصلاة، باب كفَّارة البزاق في المسجد، ومسلم (1/ 390 رقم 552) في المساجد، باب النهي عن البصاق في المسجد في الصلاة وغيرها، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

أثر آخر (82) قال ابن أبي الدُّنيا (¬1): ثنا إسحاق بن إسماعيل، ثنا يزيد بن هارون، أنا الجُرَيري، عن أبي نَضرة، عن أبي سعيد مولى أبي أَسيد قال: كان عمرُ -رضي الله عنه- يَعُسُّ المسجدَ بعد العشاءِ، فلا يَرى فيه أحدًا إلا أَخرَجَهُ، إلا مَن يصلِّي، فمَرَّ بنفرٍ من أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فيهم أُبَيّ بن كعب فقال: ما خلَّفَكُم بعد الصلاة؟ قالوا: جَلَسنا نذكرُ اللهَ تعالى. فجلس معهم، ثم قال لأدناهم إليه: هاتِ. قال: فدعا، فاستَقرَأَهم واحدًا واحدًا (¬2) يَدعون، حتى انتهى إليَّ، وأنا إلى جنبه، فقال: هاتِ. فحَصِرتُ، وأخذني من الرِّعدة إفكِلٌ (¬3)، حتى جعل يجدُ مَسَّ ذلك منيِّ، فقال: ولو أن تقولَ: اللهمَّ اغفر لنا، اللهمَّ ارحمنا. قال: ثم أُخِذَ عمر، فما كان في القوم أكثرَ دمعةً منه، ولا أشدَّ بكاءً، ثم قال: إيهًا! الآن فتَفَرَّقوا. ¬

(¬1) لم أقف عليه في مظانِّه من مصنَّفاته المطبوعة. وأخرجه -أيضًا- ابن سعد (3/ 294) -ومن طريقه: ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (ص 263) - والبلاذُري في «أنساب الأشراف» (ص 236) من طريق يزيد بن هارون، به. وفي إسناده الجُرَيري، سعيد بن إياس، وكان ممَّن اختَلَط، ورواية يزيد بن هارون عنه بعد اختلاطه. انظر: «الكواكب النيِّرات» (ص 187). (¬2) قوله: «واحدًا واحدًا» كذا ورد بالأصل. وكَتَب المؤلِّف بجوارها في حاشية الأصل: «رجلاً رجلاً»، وكَتَب فوقها «خ»، إشارة إلى وروده في نسخة. (¬3) كذا ضبطها المؤلِّف بكسر الكاف، وضبطها ابن الأثير في «النهاية» (1/ 56) بالفتح، وقال: الأَفكَل: الرِّعدة من برد أو خوف، ووزنه: أفعل.

أثر آخر (83) قال البخاري (¬1): ثنا علي بن عبد الله، ثنا يحيى بن سعيد، أنا الجُعَيد بن عبد الرحمن، عن يزيد بن خُصيفة، عن السائب بن يزيد الكِندي / (ق 29) قال: كنتُ قائمًا في المسجد، فحَصَبني رجلٌ، فنَظَرتُ، فإذا عمرُ بن الخطاب، فقال: اذهب، فائتني بهذين، فجئتُهُ بهما. فقال: ممَّن أنتما؟ أو من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف. قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتُكُما، ترفعانِ أصواتَكما في مسجدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم! طريق أخرى (84) قال النسائي (¬2): ثنا سُوَيد بن نصر، عن عبد الله بن المبارك (¬3)، عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: سَمِعَ عمرُ صوتَ رجلٍ في المسجد، فقال: أتدري أين أنت؟! وهذا -أيضًا- صحيح. ¬

(¬1) في «صحيحه» (1/ 560 رقم 470 - فتح) في الصلاة، باب رفع الصوت في المساجد. (¬2) في «سننه الكبرى»، كما في «تحفة الأشراف» (8/ 4 رقم 10382). (¬3) وهو في «الزهد والرقائق» له (ص 136 رقم 405).

حديث في كراهة دخول المسجد لآكل الثوم والبصل

حديث في كراهة دخول المسجد لآكل الثوم والبصل (85) قال أبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدي (¬1): حدثنا سفيان، ثنا يحيى بن صَبيح الخراساني، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجَعْد، عن مَعْدان بن أبي طلحة، عن عمرَ بن الخطاب أنَّه قال: إنِّي لأَحسَبُ أنكم تأكلون شجرتين -يعني: خبيثتين-، البصلَ والثومَ، فإن كنتم لابدَّ فاعلين؛ فاقتُلُوهما بالنضج، ثم كُلُوهما، فلقد رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يجدُ ريحَهُ من الرجل، فيأمُرُ به، فيُخرَجَ إلى البقيع. هكذا رواه الحميدي مختصرًا، وفيه زيادات كثيرة، ستأتي في موضعها (¬2) من هذا الحديث، وهو في «الصحيح» (¬3). وقد نقل الترمذي (¬4) عن عليٍّ وشريك بن الحنبل أنهما كرها البصل والثوم النِّيئ. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 77 رقم 10). (¬2) انظر: (2/ 284 رقم 731). (¬3) أخرجه مسلم في «صحيحه» (1/ 396 رقم 567) في المساجد، باب نهي من أكل ثومًا أو بصلاً أو كُراثًا أو نحوها، من طريق هشام الدَّستوائي، عن قتادة، به، مطولاً. (¬4) في «سننه» (4/ 230 رقم 1808، 1809) في الأطعمة، باب ما جاء في الرخصة في الثوم مطبوخًا، لكن من رواية شريك بن الحنبل، عن علي رضي الله عنه. وهو حديث يرويه أبو إسحاق السَّبيعي، وقد اختُلف عليه في رفعه ووقفه: فقيل: عنه، عن شريك بن حنبل، عن علي، مرفوعًا! وقيل: عنه، عن شريك بن حنبل، عن علي، موقوفًا! وقيل: عنه، عن عُمَير بن قميم، عن شريك بن حنبل، عن علي، مرفوعًا! =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = أما الوجه الأول: فأخرجه أبو داود (4/ 309 رقم 3824) -ومن طريقه: البيهقي (3/ 78) - والترمذي (4/ 230 رقم 1808) في الأطعمة، باب ما جاء في الرخصة في أكل الثوم مطبوخًا، وابن عبد البر في «التمهيد» (6/ 420) من طريق مُسدَّد، عن أبي وكيع الجرَّاح بن ملِيح، عن أبي إسحاق، عن شريك بن حنبل، عن عليٍّ -رضي الله عنه- قال: نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الثوم إلا مطبوخًا. هذا لفظ ابن عبد البر. ولفظ أبي داود والترمذي: نُهِيَ عن أكل الثوم إلا مطبوخًا. بالبناء للمجهول. وأما الوجه الثاني: فأخرجه الترمذي (1809) عن وكيع، عن أبيه، عن أبي إسحاق، به، موقوفًا، ولفظه: لا يصلح أكل الثوم إلا مطبوخًا. وقد توبع وكيع على هذا الوجه، تابَعَه يحيى الحِمَّاني، كما عند الدارقطني في «العلل» (3/ 242). وأما الوجه الثالث: فعلَّقه الدارقطني عن قيس بن الربيع، عن أبي إسحاق، عن عُمَير بن قميم، عن شريك بن حنبل، عن علي، مرفوعًا، ولم يسق لفظه. ولقيس بن الربيع إسناد آخر: فأخرجه البزار (3/ 50 رقم 805) والطحاوي (4/ 237) من طريق قيس بن الرَّبيع، عن أبي إسحاق، عن شريك بن حنبل، عن علي مرفوعًا: من أكل من هذه البَقلة، فلا يقربنَّا أو يؤذينا في مسجدنا. ليس فيه: عُمَير بن قميم! ورجَّح الدارقطني رواية قيس بن الربيع، عن أبي إسحاق، عن عُمَير بن قميم، عن شريك بن حنبل، عن علي، فقال: ويُشبه أن يكون قول قيس أولى بالصواب، لأن يونس بن أبي إسحاق رواه عن أبي هلال، وهو عُمَير بن قميم، عن شريك بن حنبل، عن عليٍّ رضي الله عنه. قلت: رواية يونس بن أبي إسحاق هذه التي ذكرها الدارقطني لم أجدها، وقد سأل ابن أبي حاتم أباه عن رواية قيس بن الربيع، فقال أبو حاتم: هذا حديث خطأ، منهم من يقول: عن أبي إسحاق، عن شريك بن حنبل، عن علي، قوله، موقوف، ورواه عبد الرحمن بن مهدي، عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن شريك بن حنبل، لم يقل: عن علي: لايحلُّ أكل الثوم، وهو أشبه عندى؛ لأن الثوري أحفظهم. «علل ابن أبي حاتم» (2/ 6 رقم 1490). قلت: وعُمَير بن قميم -ويقال: ابن تميم-: مجهول الحال، روى عنه اثنان، وذكره البخاري في «التاريخ الكبير» (6/ 536 رقم 3239) وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (6/ 378 رقم 2092) وسكتا عنه، وذكره ابن حبان في «الثقات» (5/ 254). وقد قال الترمذي عقب روايته: هذا الحديث ليس إسناده بذلك القوي، وقد روي هذا عن عليٍّ قولَه، وروي عن شريك، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، مرسلاً! وضعَّفه الشيخ الألباني في «الإرواء» (8/ 155) لاختلاط أبي إسحاق وتدليسه.

ونقله ابن حزم (¬1) عنهما: أنهما حرَّماه. وقد يقال: إنَّ كلام عمر يقتضيه. وأما نهي آكلهما عن دخول المسجد، فقد صحَّ في غير ما حديث: «من أَكل البصلَ والثومَ والكُرَّاث؛ فلا يَقربنَّ مسجدَنا» (¬2). ولمسلم (¬3): «مساجدَنا». وقد كَرِهَ الفقهاءُ ذلك (¬4)، ومقتضى قواعد مذهب الإمام أحمد (¬5) أنَّه لا تصحُ صلاةُ آكلهما في المسجد ومعه الريحُ، لأنه قد نُهي عن الكون فيه، فيقتضي ألا تصحَّ صلاتُهُ فيه، كالدار المغصوبة، والله أعلم. ¬

(¬1) في «المحلى» (4/ 49). (¬2) أخرجه مسلم (1/ 395 رقم 564) (74) في المساجد، باب نهي من أكل ثومًا أو بصلاً أو كُراثًا أو نحوها، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. (¬3) (1/ 394 رقم 561) (69) من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- مرفوعًا: «من أكل هذه البَقلة فلا يقربنَّ مساجدَنا حتى يذهب ريحُها». يعني: الثوم. (¬4) انظر: «المجموع» للنووي (2/ 174) و «الفروع» لابن مفلح (2/ 43) و «إعلام الساجد بأحكام المساجد» للزركشي (ص 329). (¬5) انظر: «المسوَّدة» (ص 74) و «شرح الكوكب المنير» (1/ 391).

حديث آخر (86) قال أحمد (¬1): ثنا حماد الخيَّاط، ثنا عبد الله، عن نافع: أنَّ عمرَ زاد في المسجد من الأُسطوانة إلى المقصورة، وزاد عثمان، وقال عمرُ: لولا أني سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن يزيدُ في مسجدِنا؟» (¬2)؛ ما زِدْتُ فيه. وهذا وإن كان منقطعًا، إلا أن الظاهر أن نافعًا سَمِعَه من ابن عمر، وقد روي كذلك مرفوعًا من طريق أخرى: (87) كما قال الحافظ أبو يعلى (¬3): ثنا موسى بن حيَّان، ثنا سَلم بن قتيبة، ثنا عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ قال: قال عمرُ: لولا أنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «إني أريدُ أن أزيدَ في قِبْلَتِنا»؛ ما زِدتُ. وهذا إسناد حسن، وعبد الله بن عمر العُمَري في كلتا الطريقين ضُعِّف. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 47 رقم 330). (¬2) قوله: «مَن يزيد في مسجدنا» كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «نبغي نزيد في مسجدنا». (¬3) لم أجده في المطبوع من «مسنده»، وأورده الهيثمي في «المقصد العلي» (1/ 121 رقم 22)، وتصحَّف فيه «سَلم» إلى: «سالم»! وأخرجه -أيضًا- البزَّار في «مسنده» (1/ 262 رقم 157) وأبو بكر النَّجاد في «مسند عمر» (ص 87، 88 رقم 63، 64) من طريق عبد الله بن سَلَمة، عن عبد الله بن عمر العُمَري، به. قال البزار: لا نعلم رواه إلا العُمَري عن نافع.

صفة توسيع عمر في المسجد

صفة توسيع عمر في المسجد (88) قال الشيخ أبو الفرج / (ق 30) ابن الجوزي -رحمه الله- في آخر الباب الثالث والثلاثين من كتاب «مناقب عمر رضي الله عنه» (¬1): وروى يزيد بن هارون، ثنا أبو أُميَّة ابن يعلى، عن سالم أبي النَّضر، قال: كانت دارُ العباس بن عبد المطلب إلى جنب المسجد، وكان ميزابُها يشرع إلى الطريق، فقال له عمر: إنَّ ميزابَك يؤذي المسلمين، فحوِّله إلى دارك. فقال: إنما هو ماء المطر. فقال عمرُ: إنَّ المسلمين لا يحبُّون أن تَبلَّ السماءُ ثيابَهم، فحوِّله. وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أقَطَعَها العباسَ، ثم رأى عمرُ في المسجد ضِيقًا عن المسلمين، فاشترى ما حولَه من المنازل، وبقيت حُجَر نساء النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ودار العباس، فقال عمرُ للعباس: إنَّ مسجدَ المسلمين قد ضاق بهم، وقد ابتَعتُ ما حولَه من المنازل، غير حُجَر نساءِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فلا سبيلَ إليها، ودارِك، فبعنيها أُوسِّعُ بها مسجدَ المسلمين. فقال العباس: لستُ بفاعل. فأراده عمر، فأبَى. فقال له عمر: اختر منِّي واحدةً من ثلاث خصال. فقال العباس: هاتها، لعلَّ في بعضها فَرَجًا. فقال: اختر منِّي: إما أن تبيعنيها بحُكمكَ من بيت مال المسلمين، وإما أن أَخطَّك مكانَها خطَّةً حيث أَحببت، فأَبنيها لك مثلَ بناء دارك، وإما أن تصدَّقَ بها على المسلمين توسِّع بها عليهم مسجدَهم. فقال له العباس: ولا خصلةً من هذه الخصال. قال له عمر: اجعل بيني وبينك حَكَمًا. فقال: أُبَيّ بن كعب. فانطَلَقا إليه، فدَخَلا، فقال لعمرَ: أخصمًا جئتَ أم زائرًا؟ فقال: بل ¬

(¬1) المطبوع من «مناقب عمر» قد حذف المختَصِر أسانيدَه، ومع ذلك فقد بحثتُ عنه فيه، فلم أقف عليه. وأخرجه -أيضًا- ابن سعد (4/ 21) عن يزيد بن هارون، به.

خصمًا. / (ق 31) قال: فاجلس مجلسَ الخصومِ. فجَلَسا بين يديه، فقصَّ عليه عمرُ قصتَه. فقال أُبَيّ بن كعب: إنْ شئتُما حدَّثتُكما حديثًا سَمِعتُهُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمرُ: حدِّثنا. فقال أُبَيّ: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ الله أَوحى إلى داودَ عليه السلام أن ابْنِ لي بيتًا أُذكَرُ فيه، فاختَطَّ داودُ عليه السلام موضعَ بيتِ المقدسِ، فإذا خَطُّه يزِوي تَربيعتَها دارًا لبعض بني إسرائيل، فسأله أن يَخرُجَ له عنها، فيُدخِلُها في المسجدِ، فيُسوَّى تربيعتُه، فأَبَى، فهَمَّ داودُ عليه السلام بأخذها منه، فأوحى اللهُ تعالى إليه: إنِّي أَمَرتُك أن تَبنيَ لي بيتًا أُذكَرُ فيه، فأَردتَ أن تُدخِلَ بيتيَ الغصبَ، وليس من شأني الغصبُ، وإنَّ عقوبتَكَ ألاَّ تَبنيه، فقال: ياربّ، فمِن ذُريتي؟ قال: من ذُريتك، فأَوحى اللهُ إلى سليمانَ عليه السلام فبَنَاه». فأخذ عمرُ -رضي الله عنه- بمجامع قميص أُبَيّ، فقال: جئتُك بأمرٍ، فما جئتني به أشدَّ منه، لتأتينِّي على هذا ببيِّنة، أو لأفعلنَّ، ولأفعلنَّ، ولأفعلنَّ. فقال أُبَيّ: أَي عمر، أتَّتهمني على حديثِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: هو ما أقول لك. فخَرَج به، حتى أتى به المسجدَ، فإذا فيه حَلقة من أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فوَقَفَهُ عليهم، فقال أُبَيّ: أَنشُدُكم اللهَ، أيكم سَمِعَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَذكُرُ حديثَ داودَ حيثُ أَوحى اللهُ إليه أن يبني بيتَ المقدس؟ وحدَّثهم به. فقال / (ق 32) هذا من ههنا: أنا سَمِعتُهُ، وقال هذا من ههنا: أنا سَمِعتُهُ. فغضب أُبَيّ -رضي الله عنه-، وقال: أي عمر، أتَّتهمني على حديثِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ فأرسَلَه عمر، وقال: يا أبا المنذر، لا والله الذي لا إله إلا هو، ما اتَّهمتُك على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في حديثٍ ولا غيرِه، ولكني كرهتُ أن يجترئ (¬1) على ¬

(¬1) قوله: «ولكني كرهتُ أن يجترئ» كذا ورد بالأصل. وتقرأ غير ذلك، وأورد هذه القطعة السيوطي في «جامع الأحاديث» (13/ 425) هكذا: «ولكني كرهتُ أن يكونَ الحديثُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير ظاهر». وعند ابن سعد: «ولكني كرهتُ أن يكونَ الحديثُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهرًا».

رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ظاهرًا. وقال عمرُ للعباس: انطلِق إلى دارك، فقد تركتُها لا أَعرضُ فيها. فقال العباس: وتركتَها لا تعرضُ فيها؟ قال: نعم. قال: فإنِّي قد جعلتُها صدقةً على المسلمين أُوسِّع بها في مسجدِهم، فأما وأنت غاصبي، فما كنتُ لأفعل. فأَخطَّه عمر خطَّة في السُّوق، وبناها له من مال المسلمين بحذاء من بنائه، فهي لهم اليوم. وهذا سياق غريب، وفي إسناده ضعف وانقطاع (¬1). حديث آخر يتضمن وضعه المسجد في البيت المقدَّس (89) قال الإمام أحمد (¬2): ثنا أسود بن عامر، ثنا حماد بن سَلَمة، عن أبي سِنَان، عن عُبيد بن آدم، وأبي مريم، وأبي شعيب: أنَّ عمرَ بن ¬

(¬1) وله طريق أخرى: أخرجها إسحاق بن راهويه في «مسنده، كما في» المطالب العالية «(4/ 58 رقم 3474) وعبد الله بن الإمام أحمد في» زوائده على فضائل الصحابة «(2/ 939 رقم 1807) والفَسَوي في «المعرفة والتاريخ» (1/ 512) من طريق حماد بن سَلَمة، عن علي بن زيد بن جُدعان، عن يوسف بن مِهران، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كانت للعباس دارٌ إلى جنب المسجد في المدينة، فقال عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه: بِعنيها أو هَبْهَا لي حتى أدخلَها في المسجد. فأبى. فقال: اجعل بيني وبينك رجلاً من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم. فجعلا بينهما أُبَي بن كعب، فقَضَى للعباس على عمر، فقال عمرُ: ما أحدٌ من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أجرأُ عليَّ منك. فقال أُبَي بن كعب: أو أنصحُ لك مني. ثم قال: يا أميرَ المؤمنين، أَمَا بَلَغكَ حديثُ داودَ أنَّ الله عزَّ وجلَّ أمره ببناء بيت المقدس، فأدخلَ فيه بيتَ امرأةٍ بغير إذنها، فلما بَلَغَ حُجز الرجال مَنَعَهُ اللهُ بناءَه، قال داود: أي رب، إنْ منعتني بناءه؛ فاجعله في خَلَفي. فقال العباس: أليس قد قضيتَ لي بها وصارت لي؟ قال: بلى. قال: فإني أُشهِدُكَ أني قد جعلتُها للهِ. وإسناده ضعيف؛ لضعف علي بن زيد، ويوسف بن مِهران. (¬2) في «مسنده» (1/ 38 رقم 261).

الخطاب -رضي الله عنه- كان بالجابية (¬1) ... ، فذَكَر فتحَ بيتِ المقدسِ. قال: قال ابن سَلَمة (¬2): فحدَّثني أبو سِنَان، عن عُبيد بن آدم قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يقول لكعب: أين ترى أن أُصلِّي؟ قال: إنْ أَخذتَ عنِّي، صَلَّيتَ خلفَ الصخرةِ، فكانت القدسُ كلُّها بين يديك. فقال عمرُ: ضاهيْتَ (¬3) اليهودية، لا، ولكنْ أصلِّي حيثُ صلَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. فتَقدَّم إلى القِبْلة فصَلَّى، ثم جاء، فبَسَط رداءَه، وكَنَس الكُنَاسةَ في ردائه، وكَنَس الناسُ. / (ق 33) وهذا حديث حسن الإسناد، اختاره الحافظ الضياء في كتابه (¬4). وأبو سِنَان هذا: اسمه عيسى بن سِنَان الشَّامي الفلسطيني، روى عنه جماعة، وضعَّفه ابن معين، وأحمد بن حنبل، وأبو زرعة، ووثَّقه بعضهم، وقال أبو حاتم: ليس بقوي في الحديث. وروى له أهل السُّنن إلا النسائي (¬5). وعُبيد بن آدم هذا: قال أبو حاتم (¬6): اسمه: عبد العزيز بن آدم، يروي عن عمرَ وأبي هريرة، وعنه: أبو سِنَان القَسملي. وأما عُبيد بن آدم بن أبي إياس فمتأخِّر، يروي عن أبيه، وعنه: النسائي وأبو حاتم الرازي، وقال (¬7): صدوق. ¬

(¬1) الجابِية: قرية من أعمال دمشق. انظر: «معجم البلدان» (2/ 91). (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «أبو سَلَمة». (¬3) المضاهاة: المشابهة: انظر: «النهاية» (3/ 106). (¬4) «المختارة» (1/ 350 رقم 241). (¬5) انظر: «تهذيب الكمال» (22/ 608) و «الجرح والتعديل» (6/ 277 رقم 1537). (¬6) في «الجرح والتعديل» (5/ 401 رقم 1857). (¬7) في الموضع السابق (5/ 402 رقم 1862).

حديث آخر (90) قال أبو داود في «المراسيل» (¬1): ثنا مسلم بن إبراهيم، عن شعبة، عن عُمارة، عن أبي مِجْلَز: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أمر عمرَ أن ينهى أن يُبالَ في قِبلة المسجد. حديث آخر (91) قال الحافظ أبو بكر البزَّار (¬2): ثنا إبراهيم بن هانئ، ثنا عبد الله بن صالح، ثنا الليث، عن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «سبعُ مواطنَ لا تكونُ فيها الصلاةُ: ظَهْرُ بيتِ اللهِ، والمقبرةُ، والمجزرةُ، والمزبلةُ، والحمَّامُ، وعَطَنُ الإبلِ، ومحجَّةُ (¬3) الطريقِ». هكذا رواه البزَّار. وكذا رواه الحافظ أبو بكر الإسماعيلي من حديث الرَّمادي، وحَرمَلَة، وحميد بن زَنْجويه، والأَعْين. كلُّهم عن عبد الله بن صالح كاتب الليث، عنه، به. ثم قال البزَّار: لا نعرفه إلا من هذا الوجه، ولم يروه عن عبد الله بن عمر إلا الليث. ¬

(¬1) (ص 78 رقم 14). وأخرجه -أيضًا- عمر بن شبَّة في «تاريخ المدينة المنورة» (1/ 37) عن عمرو بن مرزوق، عن شعبة، به. وإسناده ضعيف؛ لإرساله. (¬2) في «مسنده» (1/ 264 رقم 161). (¬3) المَحَجَّة: جادَّة الطريق. «النهاية» (4/ 301).

وذَكَره الترمذي في «جامعه» (¬1) معلَّقًا عن الليث، عن عبد الله بن عمر العُمَري، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، به. قلت: والعُمَري الذي دار الحديث عليه ضعيف. لكن رواه ابن ماجه (¬2)، / (ق 34) فسقط من روايته العُمَري، فإنَّه قال: ثنا علي بن داود، ومحمد بن أبي الحسين، قالا: ثنا أبو صالح -يعني: عبد الله بن صالح-، حدثني الليث، ثنا نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فذَكَر مثله. فلو كان محفوظًا بهذا الإسناد؛ لكان على شرط البخاري، فإنَّ كاتب الليث روى عنه البخاري في «الصحيح» على الصحيح (¬3)، لكن لابدَّ من ذِكر العُمَري فيه، وسَقَط إما من حفظ ابن ماجه أو أحد شيخيه، والله أعلم بالصواب (¬4). وقد روى هذا الحديثَ الترمذي (¬5) وابن ماجه (¬6) من حديث زيد بن جَبِيرة -وهو: ضعيف-، عن داود بن الحُصين، عن نافع، عن ابن عمرَ، ¬

(¬1) (2/ 179). (¬2) في «سننه» (1/ 246 رقم 747) في المساجد، باب المواضع التي تُكره فيها الصلاة. (¬3) لكنه انتقى له من صحيح حديثه ما وافقه عليه الثقات، كما نبَّه على ذلك الحافظ ابن حجر في «هدى السارى» (ص 415)، و «الفتح» (13/ 160، 308). (¬4) قال الحافظ في «التلخيص الحبير» (1/ 215): وفي سند ابن ماجه عبد الله بن صالح، وعبد الله بن عمر العُمَري المذكور في سنده ضعيف -أيضًا-، ووقع في بعض النسخ بسقوط عبد الله بن عمر بين الليث ونافع، فصار ظاهره الصحة. (¬5) في «سننه» (2/ 178 رقم 347) في الصلاة، باب ما جاء في كراهية ما يصلَّى إليه وفيه. (¬6) في «سننه» (1/ 246 رقم 746) في المساجد، باب المواضع التي تُكره فيها الصلاة.

عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، لم يَذكر فيه عمرَ (¬1)، والله أعلم. ¬

(¬1) وقال الترمذي: حديث ابن عمر إسناده ليس بذاك القوي، وقد تُكلِّم في زيد بن جَبِيرة من قِبَل حفظه ... ، وقد روى الليث بن سعد هذا الحديث عن عبد الله بن عمر العُمَري، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مثله، وحديث داود، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أشبه وأصحُّ من حديث الليث بن سعد. وفي «النُّكت الظِراف» لابن حجر (6/ 95): قال الحسن بن علي الحُلواني في «المعرفة» له: ثنا سعيد بن أبي مريم، عن الليث: كَتَبتُ إلى عبد الله بن نافع أسأله عن هذا الحديث، فكَتَب إليِّ: لا أعلم مَن حدَّث بهذا عن نافع إلا أبطل، وقال عنه الباطل. وقال ابن أبي حاتم في «العلل» (1/ 147 رقم 412): سألت أبي عن حديث رواه الليث، عن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنه نهى أن يصلِّي الرجلُ في سبعِ مواطنَ: معاطنِ الإبلِ، وقارعةِ الطريقِ، والمجزرةِ، والمزبلةِ، والمقبرةِ. قلت: ورواه زيد بن جَبِيرة، عن داود بن حصين، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: جميعًا واهيين (كذا). وانظر للفائدة: «البدر المنير» لابن الملقن (3/ 440 - 445).

صفة الصلاة

صفة الصلاة (92) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا هشيم، ثنا أبو محمد -مولى قريش-، ثنا أبو عثمان النَّهدي قال: رأيتُ عمرَ -رضي الله عنه- إذا أقيمت الصلاةُ استَدبَرَ القِبْلةَ، ثم يقول: تقدَّم يا فلانُ، تأخَّر يا فلانُ، سوُّوا صفوفَكم. فإذا استوى الصفُّ، أَقبَلَ على القِبْلةِ، فكَبَّرَ. وقال نافع (¬2)، عن ابن عمرَ: أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- لم يكن يكبِّرُ بالصلاة حتى يسوِّي الصفوفَ، ويُوكِّلُ بذلك رجالاً. أثر في رفع اليدين في الابتداء فقط (93) قال أبو الحسن محمد بن أحمد الرافقي في «جزئه» (¬3) المشهور: ثنا سيَّار بن نصر، ثنا أبو عُبيدة بن أبي السَّفَر، ثنا عبد الله بن داود الخُرَيبي قال: قال عبد الملك بن أبجر، عن الزبير بن عدي، ¬

(¬1) لم أقف عليه في مظانِّه من مصنَّفاته المطبوعة، وذكره الترمذي في «سننه» (1/ 439) معلَّقًا، فقال: وروي عن عمرَ أنه كان يُوكِّل رجالاً بإقامة الصفوف فلا يكبِّر حتى يُخبَرَ أنَّ الصفوفَ قد استَوَت. وإسناده ضعيف؛ أبو محمد مولى قريش، وهو: زياد بن أبي زياد الجصَّاص، قال عنه أبو حاتم: منكر الحديث. وتركه الدارقطني، وقال النسائي: ليس بثقة. انظر: «الجرح والتعديل» (3/ 532 رقم 2405) و «تهذيب الكمال» (9/ 470). (¬2) وَصَله عبد الرزاق (2/ 47 رقم 2439) من طريق أيوب. ومالك (1/ 224 رقم 434) في الصلاة، باب ما جاء في تسوية الصفوف. وأبو الجهم العلاء بن موسى في «جزئه» (ص 34 رقم 21) وبكر بن بكَّار في «حديثه» (ص 171 رقم 39 - جمهرة الأجزاء) من طريق الليث بن سعد. ثلاثتهم (أيوب، ومالك، والليث) عن نافع، به. وإسناده صحيح. (¬3) (ق 12/أ).

عن إبراهيم، عن الأسود، عن عمرَ رضي الله عنه: أنَّه رفع يديه في أول تكبيرة، ثم لم يَعُد. وقد رواه الحاكم في «مستدركه» (¬1) من حديث ابن أبجَر، ثم قال: وهذه رواية شاذة، ولا تعارِض ما رواه الناس عن طاوس (¬2)، عن ابن عمرَ: أنَّ عمرَ كان يرفع يديه في الركوع والرفع منه. ¬

(¬1) لم أقف عليه في مظانه من مطبوع «المستدرك»، ولم يورده الحافظ في «إتحاف المهرة». وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (1/ 214 رقم 2454) في الصلاة، باب من كان يرفع يديه في أول تكبيرة ثم لا يعود، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (1/ 227) وفي «شرح مشكل الآثار» (15/ 50) من طريق يحيى بن آدم، عن الحسن بن عيَّاش، عن عبد الملك بن أبجر، به. وقد خولف يحيى بن آدم في روايته، خالَفَه الثوري، فرواه عن الزبير بن عدى، عن إبراهيم، عن الأسود: أنَّ عمرَ كان يرفع يديه في الصلاة حذو مَنكِبَيه. ومن هذا الوجه: أخرجه عبد الرزاق (2/ 71 رقم 2532) وابن أبي شيبة (1/ 211 رقم 2413) في الصلاة، باب إلى أين يبلغ بيديه؟ والبيهقي (2/ 25). وقد رجَّح هذه الرواية الإمامان أبو حاتم وأبو زرعة، فقال ابن أبي حاتم في «العلل» (1/ 95 رقم 256): سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه يحيى بن آدم، عن الحسن بن عيَّاش، عن ابن أبجر، عن الأسود، عن عمرَ: أنه كان يرفع يديه في أول تكبيرة ثم لا يعود، هل هو صحيح؟ أو يرفعه حديث الثوري، عن الزبير بن عدي، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عمرَ: أنه كان يرفع يديه في افتتاح الصلاة حتى تبلُغا مَنكِبَيه فقط؟ فقالا: سفيان أحفظ. وقال أبو زرعة: هذا أصح، يعني حديث سفيان، عن الزبير بن عدي، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عمرَ. تنبيه: فات الشيخ شعيب الأرناؤوط إعلال الرازيَيْن لرواية يحيى بن آدم، فتابَعَ الطحاوي على تصحيحها في تحقيقه لـ «شرح مشكل الآثار»، وفاته رواية الثوري. (¬2) أخرجها البيهقي (2/ 74) والخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي» (1/ 118 رقم 101) من طريق آدم بن أبي إياس، عن شعبة، عن الحكم قال: رأيتُ طاوسًا يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا رفع من الركوع رَفَعَهَا، فسألتُ بعض أصحابه، فقيل: إنه يحدِّثه عن ابن عمرَ، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم! ... وقد خولف آدم في روايته، خالَفَه علي بن الجَعْد، فرواه عن شعبة، عن الحكم ... ، فذكره، لم يُجاوِز به ابن عمر! ومن هذا الوجه: أخرجه أبو القاسم البغوي في «الجعديات» (1/ 336 رقم 260). وقد رجَّح الإمام أبو عبد الله الحاكم الوجهين جميعًا، فقال البيهقي في «سننه» (2/ 74): قال أبو عبد الله الحافظ: الحديثان كلاهما محفوظان، عن ابن عمرَ، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وابن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فإنّ ابنَ عمر رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَهُ، ورأى أباه فَعَلَهُ، ورواه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وقد نوزع الحاكم فيما ذهب إليه، فقال ابن دقيق العيد في «الإمام»، كما في «نصب الراية» (1/ 415): وفي هذا نظر؛ ففي «علل الخلال» عن أحمد بن أثرم قال: سألت أبا عبد الله -يعني أحمد بن حنبل- عن حديث شعبة، عن الحكم: أنَّ طاوسًا يقول: عن ابن عمرَ، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: مَن يقول هذا عن شعبة؟! قلت: آدم بن أبي إياس، فقال: ليس هذا بشيء، إنما هو عن ابن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وقال الدارقطني: هكذا رواه آدم بن أبي إياس، وعمار بن عبد الجبار المروزي، عن شعبة، وهُما وَهِما فيه، والمحفوظ عن ابن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

حديث آخر (94) قال عبد الله بن وهب (¬1): عن حَيوة، عن أبي عيسى سليمان بن ¬

(¬1) ومن طريقه: أخرجه البيهقي في «الخلافيات»، كما في «نصب الراية» (1/ 415 - 416). قال ابن دقيق العيد: ورجال إسناده معروفون، فسليمان بن كيسان، أبو عيسى التَّميمي، ذكره ابن أبي حاتم [4/ 137 رقم 602] وسمَّى جماعة روى عنهم، وجماعة رووا عنه، ولم يُعرِّف من حاله بشيء، وعبد الله بن القاسم، مولى أبي بكر الصديق، ذكره أيضًا [5/ 140 رقم 656]، وذكر أنه روى عن ابن عمرَ وابن عباس وابن الزبير، وروى عنه جماعة، ولم يُعرِّف من حاله -أيضًا- بشيء. «نصب الراية» (1/ 416). قلت: سليمان بن كيسان، وثَّقه الذهبي في «الميزان» (4/ 560 رقم 10494)، وعبد الله بن القاسم ذكره ابن خَلْفون في «الثقات»، كما في «إكمال مُغلطاي» (8/ 124)، وقال ابن القطان في «بيان الوهم والإيهام» (3/ 451): لا تُعرف حاله. وقال الحافظ في «التقريب»: مقبول.

كيسان، عن عبد الله بن القاسم (¬1) قال: بينما الناسُ يصلُّون على أنحى شيءٍ في القيام والركوع والسجود، إذ خَرَج عمرُ بن الخطاب، فلما رأى ذلك غضب، وهيَّت بهم (¬2)، حتى تجوَّزوا في الصلاة، فانصرَفوا، فقال عمرُ: أَقبِلُوا عليَّ بوجوهكم، وانظروا إليَّ كيف أصلَّي بكم صلاةَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم التي كان يصلِّي ويأمر بها. فقام مستقبِلَ القِبْلةِ، فرفع يديه حتى حاذى بهما مَنكبيه، فكَبَّر، ثم غَضَّ بصرَهُ، وخَفَضَ جناحَهُ. ثم قام قدرَ ما يقرأُ بأمِّ القرآن، وسورةٍ من المفصَّل، ثم رفع يديه حتى حاذى بهما مَنكبيه، فكَبَّرَ، ثم ركع، فوَضَع راحتيه على ركبتيه، وبَسَط يديه عليهما، ومدَّ عُنُقَه، / (ق 35) وخَفَضَ عَجُزَه، غيرَ مُصوِّبٍ ولا مُقنعٍ، حتى أنْ لو أنَّ قطرةَ ماءٍ وَقَعت في نَقرة قفاه لم تنته أن تقعَ، فيَمكثُ قدرَ ثلاثِ تسبيحاتٍ غيرَ عَجِلٍ، ثم كَبَّرَ ... ، وذَكَر الحديث (¬3). إلى أن قال: ثم كَبَّرَ، فرفع، واستوى على عقبيه، حتى وَقَع كلُّ عظمٍ منه موقعَهُ، ثم كَبَّرَ، فسَجَد قدرَ ذلك، ورفع رأسَه، فاستوى قائمًا، ثم صلَّى ركعةً أخرى مثلَها، ثم استوى جالسًا، فنَحَّى رجليه عن مَقعدتِهِ، ¬

(¬1) ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه بين عبد الله بن القاسم وعمر. (¬2) هيَّت بهم: أي صاح بهم. «القاموس المحيط» (ص 163 - مادة هيت). (¬3) كَتَب المؤلِّف فوقها: «كذا»، وكَتَب بجواره في حاشية الأصل: «سقط ... مرتين، وكذا وجدناه».

وألزم مَقعدتَهُ الأرضَ، ثم جَلَس قدرَ أن يتشهدَ بتسعِ كلماتٍ، ثم سلَّم، وانصرف، فقال للقوم: هكذا كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصلِّي بنا. حديث آخر (95) قال الدارقطني (¬1): ثنا عثمان بن جعفر بن محمد، ثنا محمد بن نصر المروزي، ثنا عبد الله بن شَبيب، حدثني إسحاق بن محمد، عن عبد الرحمن بن عمرو (¬2) بن شيبة، عن أبيه، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا كَبَّرَ للصلاة قال: «سبحانك اللهمَّ وبحمدك، وتبارك اسمُك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرُك». فإذا تعوَّذ، قال: «أعوذ بالله من هَمز الشيطان، ونَفخه، ونَفْثه». ثم قال الدارقطني: رَفَعه هذا الشيخ -يعني: عبد الرحمن بن عمرو-، والمحفوظ عن عمرَ، من قوله. قال: وكذلك رواه إبراهيم، عن علقمة، والأسود، عن عمرَ. وكذلك رواه يحيى بن أيوب، عن عمرَ بن شيبة، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ، من قوله، وهو الصواب. قال ابن الجوزي في «تحقيقه» (¬3): وعبد الرحمن هذا: ثقة، قد أخرج عنه البخاري في «صحيحه»، وإنما كان عمرُ يقوله اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم (¬4). ¬

(¬1) في «سننه» (1/ 299). (¬2) قوله: «عمرو» كذا ورد بالأصل. وفي مطبوع «السُّنن»، و «إتحاف المهرة» (12/ 257 رقم 15532): «عمر». (¬3) (1/ 340). (¬4) وفي كلام ابن الجوزي نظر، فقد قال ابن عبد الهادي في «تنقيح التحقيق» (1/ 340): عبد الرحمن بن عمر غير معروف، ولم يرو له البخاري. وقال -أيضًا-: عبد الله بن شَبيب تكلَّم فيه غير واحد، وإسحاق روى عنه البخاري في «صحيحه»، وله مناكير.

قلت: هذا الحديث روي مرفوعًا عن أنس (¬1)، ¬

(¬1) أخرجه أبو يعلى (6/ 389 رقم 3735) -ومن طريقه: ابن حبان في «كتاب الصلاة»، كما في «إتحاف المهرة» (1/ 616 رقم 900) - والدارقطني (1/ 300) عن أبي محمد ابن صاعد. كلاهما (أبو يعلى، وابن صاعد) عن الحسين بن علي بن الأسود، عن محمد بن الصَّلت، عن أبي خالد الأحمر، عن حميد، عن أنس قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاةَ كبَّر ورفع يديه حتى يحاذي بإبهاميه أذنيه، ثم يقول: «سبحانك اللهمَّ وبحمدك، وتبارك اسمُك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرُك». قال أبو حاتم الرازي: هذا حديث كذب، لا أصل له، ومحمد بن الصلت لا بأس به، كَتَبت عنه. «العلل» لابنه (1/ 135 رقم 374). وقال ابن حبان: خبر غريب. وقال الدارقطني -كما في «الإتحاف» -: هذا الحديث غير محفوظ. قلت: وقد دفع الشيخ الألباني إعلال أبي حاتم الرازي، فقال في «إرواء الغليل» (2/ 52): وهذا إسناد صحيح، فلا يُلتفت بعد هذا إلى قول أبي حاتم: «هذا حديث كذب لا أصل له، ومحمد بن الصلت لا بأس به، كَتَبتُ عنه»، وذلك لأمرين: الأول: أنه لم يَذكر الحجَّة في كذب هذا الحديث مع اعترافه بأن راويه ابن الصلت لا بأس به، بل وثَّقه هو وأبو زرعة وابن نُمَير، كما ذكر ابنه في «الجرح والتعديل» (3/ 2/289). الثاني: أنه لم يتفرَّد به ابن الصلت، بل توبع عليه من الطريقين المتقدِّمَين [سيأتي ذكرهما] فللحديث أصل أصيل عن أنس بن مالك رضي الله عنه. هذا ما قرَّره الشيخ الألباني -رحمه الله-، وفيما ذهب إليه نظر، لأمور: الأمر الأول: ظاهر كلام الشيخ -رحمه الله- ألا تُقبل أقوال أئمة العلل على الروايات إلا مبيَّنة السبب، ولا أظن أن هذا مراد الشيخ، لأن مؤدَّاه إهدار كلامهم على جميع الأحاديث التي تكلَّموا عليها غير مبيِّنة السبب إذا خالفت ظاهر الأسانيد، كما أن إلزام العالم بالكشف عن وجه الحجَّة لا دليل عليه، ومع ذلك فإن من تتبَّع أقوالهم تبيَّن له وجه الحجَّة في قولهم غالبًا، ثم أبو حاتم إمام، ولم يحكم عليه بالبطلان إلا بعد أن تبيَّن له، لا سيما ولم يخالَف من إمامٍ مثله. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الأمر الثاني: لم يتفرَّد أبو حاتم بردِّه، بل تابَعَه ابن حبان والدارقطني. الأمر الثالث: ركَّز الشيخ الألباني في كلامه على أن محمد بن الصلت ثقة، وأيَّد ذلك بقول من وثَّقه، وفيهم أبو حاتم نفسُه، وغاب عن الشيخ أن علَّة الحديث ليست في محمد هذا، وإنما علَّته فيمن دونه، ألا وهو الحسين بن علي بن الأسود، فقد قال عنه أحمد: لا أعرفه. وذكر له ابن عدي حديثين، ثم قال: وهذان الحديثان لا أعرفهما إلا من حديث حسين بن علي بهذا الإسناد، وللحسين بن علي بن الأسود أحاديث غير هذا مما سَرَقه من الثقات، وأحاديثه لا يُتابَع عليها. وقال ابن الموَّاق: رُمي بالكذب، وسرقة الحديث. وذكره ابن حبان في «الثقات»، وقال: ربما أخطأ. وضعَّفه أبو داود مع أنه من شيوخه، ولذا قال ابن حجر: وهذا يدل على أنَّ أبا داود لم يرو عنه، فإنه لا يروي إلا عن ثقة عنده. انظر: «الجرح والتعديل» (3/ 56 رقم 256) و «الكامل» (2/ 368 - 369) و «تهذيب التهذيب» (2/ 343) وحاشية «تهذيب الكمال» (6/ 393). فهذا الراوي -كما ترى- قد جُرح جرحًا شديدًا، فإنَّ سرقة الحديث مقاربة للتهمة بالكذب، ولا يبعد أن يكون هذا الحديث مما سرقه، وأبو حاتم الذي قال عنه صدوق، هو الذي رمى حديثه بالكذب، فتأمَّل. وعليه؛ فقد بان -بحمد الله- وجه الحجَّة فيما ذهب إليه هؤلاء الأئمة. الأمر الرابع: في بيان الطرق التي قوَّى بها الشيخ الألباني حديث محمد بن الصلت، وقبل ذلك يقال: ينبغي أن نعلم أن طريق محمد بن الصلت لا اعتبار لها في مجال التقوية، ولذلك سيكون النظر في الطرق الآتية على أنها حديث مُفرَد، وقد ساق الشيخ طريقين، وسأسوق كلتا الطريقين، وتعليق الشيخ عليهما، ثم أبيِّن ما فيهما: أما الطريق الأولى: فأخرجها الطبراني في «الدعاء» (2/ 1034 رقم 506) قال: حدثنا محمود بن محمد الواسطي، ثنا زكريا بن يحيى زحمويه، ثنا الفضل بن موسى السِّيناني، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة قال: «سبحانك اللهمَّ وبحمدك، وتبارك اسمُك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرُك». وأما الطريق الثانية: فأخرجها الطبراني في «الأوسط» (3/ 242 رقم 3039) وفي «الدعاء» (2/ 1034 رقم 505) عن أنس بن سَلم الخَوْلاني، ثنا أبو الأصبغ عبد العزيز بن يحيى الحرَّاني، ثنا مَخلد بن يزيد، عن عائذ بن شُريح، عن أنس، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا كبَّر رفع يديه حتى يحاذي أذنيه، يقول: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمُك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرُك». =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = قال الطبراني: لا يُروى هذا الحديث عن أنس إلا بهذا الإسناد، تفرَّد به مَخلد بن يزيد. أما الطريق الأولى، فقد قال الشيخ عقب إيرادها: وهذا إسناد صحيح. أقول: في إسنادها الفضل بن موسى السِّيناني، وهو وإن كان ثقة، إلا أن له مناكير تفرَّد بها، فقد قال عبد الله بن علي بن المديني: سألت أبي عن حديث الفضل بن موسى، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن الزبير قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن شَهَر سيفَه فدمُهُ هَدَر». فقال: منكر ضعيف. وقال الذهبي: ما علمتُ فيه لِينًا إلا ما روى عبد الله بن علي بن المديني: سَمِعتُ أبي وسُئل عن أبي تُميلة والسِّيناني، فقدَّم أبا تُميلة، وقال: روى الفضل أحاديث مناكير. ولذا قال الحافظ في «التقريب»: ثقة ثبت، وربما أغرب. وانظر: «الميزان» (3/ 360 رقم 6754) و «تهذيب التهذيب» (8/ 287). وأما الطريق الثانية، فقد أعلَّها الطبراني بتفرُّد مَخلد بن يزيد، وقد ردَّ هذا الإعلال الشيخ الألباني لأجل متابعة محمد بن الصلت لمَخلد. وجوابًا على هذا يقال: ليست العلَّة قاصرة على تفرُّد مَخلد بن يزيد، بل فيه -أيضًا- أبو الأصبغ الحرَّاني، صدوق ربما وَهِم، كما قال الحافظ في «التقريب». وفيه -أيضًا-: عائذ بن شُريح، قال عنه أبو حاتم الرازي: في حديثه صنعة. وقال ابن طاهر: ليس بشيء. انظر: «الجرح والتعديل» (7/ 16 رقم 79) و «الميزان» (2/ 363 رقم 4100). وعليه؛ فهذان الطريقان لا تصلحان لتقوية الرواية التي حكم عليها أبو حاتم بالبطلان.

وأبي سعيد (¬1)، وعائشة (¬2). ¬

(¬1) أخرجه أبو داود (1/ 503 رقم 775) في الصلاة، باب من رأى الاستفتاح بـ سبحانك، والترمذي (2/ 9 رقم 242) في الصلاة، باب ما يقول عند افتتاح الصلاة، والنسائي (2/ 469 رقم 898) في الافتتاح، باب نوع آخر من الذكر بين افتتاح الصلاة وبين القراءة، وعبد الرزاق (2/ 75 رقم 2554) وابن أبي شيبة (1/ 210 رقم 2401) في الصلاة، باب فيما يفتتح به الصلاة -وعنه: ابن ماجه (1/ 264 رقم 804) - وأحمد في «مسنده» (3/ 50، 69) وفي «الزهد» (ص 328 رقم 1268) والدارمي (2/ 789 رقم 1275) في الصلاة، باب ما يقال عند افتتاح الصلاة، وأبو يعلى (2/ 358 رقم 1108) وابن خزيمة (1/ 238 رقم 467) والطحاوي (1/ 197، 198) والطبراني في «الدعاء» (2/ 56 رقم 501) والدارقطني (1/ 298) والبيهقي (2/ 34) من طريق جعفر بن سليمان، عن علي بن علي الرِّفاعي، عن أبي المتوكِّل النَّاجي، عن أبي سعيد الخُدْري -رضي الله عنه- قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل كبَّر، ثم يقول: «سبحانك اللهمَّ وبحمدك، وتبارك اسمُك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرُك». زاد بعضهم: ثم يقول: «لاإله إلا الله -ثلاثًا-، الله أكبر -ثلاثًا- أعوذُ باللهِ السميعِ العليمِ من الشيطانِ الرجيمِ، من همزِهِ، ونفخِهِ، ونفثِهِ»، ثم يقرأ. وقد أعل هذا الخبرَ الإمامُ أبو داود، فقال عقب روايته: وهذا الحديث يقولون: هو عن علي بن علي، عن الحسن، الوَهْم من جعفر. وقال الترمذي: وحديث أبي سعيد أشهر حديث في هذا الباب ... ، وقد تكلِّم في إسناد حديث أبي سعيد، كان يحيى بن سعيد يتكلَّم في علي بن علي الرفاعي، وقال أحمد: لا يصح هذا الحديث. وأما رواية الحسن المرسلة التي أشار إليها أبو داود، فقد أخرجها في «المراسيل» (ص 88 رقم 32) عن أبي كامل أنَّ خالد بن الحارث حدَّثهم، حدثنا عمران بن مسلم، عن الحسن: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل قال قبلَ أن يُكبِّر: «لا إلهَ إلا اللهُ، لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ كبيرًا، أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ، من همزِهِ، ونفثِهِ، ونفخِهِ»، قال: ثم يقول: «اللهُ أكبرُ». (¬2) له طريقان: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الطريق الأولى: أخرجها الترمذي (243) في الصلاة، باب ما يقول عند افتتاح الصلاة، وابن ماجه (1/ 265 رقم 806) وإسحاق بن راهويه في «مسنده» (2/ 433 رقم 1000) وابن خزيمة (470) وابن المنذر في «الأوسط» (3/ 81 رقم 1265) والطحاوي (1/ 198) والعقيلي (1/ 288) وابن الأعرابي في «معجمه» (2/ 810 رقم 1653) والطبراني في «الدعاء» (2/ 56 رقم 502) والدارقطني (1/ 301) والحاكم، كما في «إتحاف المهرة» (17/ 731) والبيهقي (2/ 34) من طريق حارثة بن أبي الرِّجال، عن عمرة، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو مَنكِبَيه فكبَّر، ثم يقول: «سبحانك اللهمَّ وبحمدك، وتبارك اسمُك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرُك». قال الترمذي: هذا الحديث لا نعرفه من حديث عائشة إلا من هذا الوجه. وقال ابن خزيمة: وحارثة بن محمد -رحمه الله- ليس ممن يحتج أهل الحديث بحديثه. وأعلَّه العقيلي بتفرُّد حارثة بن أبي الرِّجال، فقال: وله غير حديث لا يُتابَع عليه، وقد روي من غير هذا الوجه بأسانيد جياد. وقال البيهقي: وهذا لم نكتبه إلا من حديث حارثة بن أبي الرِّجال، وهو ضعيف. الطريق الثانية: أخرجها أبو داود (776) -ومن طريقه: الدارقطني (1/ 299) والبيهقي (2/ 33) - عن حسين بن عيسى، عن طلق بن غنَّام، عن عبد السلام بن حرب، عن بُديل بن ميسرة، عن أبي الجوزاء، عن عائشة، فذكرته. قال أبو داود: وهذا الحديث ليس بالمشهور عن عبد السلام بن حرب، لم يروه إلا طلق بن غنَّام، وقد روى قصة الصلاة عن بُديل جماعة، لم يَذكروا فيه شيئًا من هذا. زاد الدارقطني نقلاً عن أبي داود: وليس هذا الحديث بالقوي وجاء في حاشية «السُّنن» بتحقيق محمد عوَّامة قوله: ((على حاشية ك: «نسخة: قال أبوسعيد: وبلغني عن أبي داود قال: هذان الحديثان -يعني: هذا والذي قبله- واهيان». وأبوسعيد هو: ابن الأعرابي)). قلت: مراده بالحديث الأول: حديث أبي سعيد الخُدْري المتقدِّم، ومقتضى كلام الإمام أبي داود أن تكون هذه الرواية مع رواية أبي سعيد الخُدْري منكرة، لا يعتدُّ بها.

فأما عن عمرَ، فالمحفوظ أنَّه موقوف عليه، كما قاله الحافظ أبو الحسن الدارقطني (¬1). وكذلك رواه مسلم في / (ق 36) «صحيحه» (¬2)، فقال: (96) ثنا محمد بن مِهران الرازي، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا الأوزاعي، عن عَبدة بن أبي لُبَابة: أنَّ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يجهرُ بهؤلاءِ الكلماتِ: سبحانك اللهمَّ وبحمدك، تبارك اسمُك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرُك. وعن قتادة: أنَّه كَتَب إليه يُخبِرُهُ عن أنس بن مالك أنَّه حدَّثه قال: صَلَّيتُ خلفَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأبي بكرٍ، وعمرَ، وعثمانَ، فكانوا يستفتحون بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، لا يَذكرون {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في أوَّل قراءةٍ ولا آخرِها. فعَبدة بن أبي لُبَابة لم يُدرك عمرَ بن الخطاب، وإنما لقي ابنَه عبد الله بن عمر، كما قاله الإمام أحمد بن حنبل (¬3)، وهو من ثقات المسلمين وأئمَّتهم. وهذا الأثر ثابت عن أمير المؤمنين عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- من غير وجه، كما رواه الدارقطني (¬4) من طرق، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن ¬

(¬1) في «سننه» (1/ 299). (¬2) (1/ 299 رقم 399) (52) في الصلاة، باب حجة من قال: لا يَجهر بالبسملة. وانظر للفائدة: «تذكرة المحتاج» لابن الملقن (ص 45) و «تنقيح التحقيق» لابن عبد الهادي (1/ 340) و «شرح صحيح مسلم» للنووي (4/ 111 - 112). (¬3) حكاه الميموني عن الإمام أحمد، كما في «تهذيب الكمال» (18/ 543). (¬4) في «سننه» (1/ 300). وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (1/ 209، 214 رقم 2389، 2455) في الصلاة، باب فيما يفتتح به الصلاة، وباب في التعوذ كيف هو ... ، والطحاوي (1/ 198) من طريق حفص بن غياث -زاد ابن أبي شيبة: ووكيع-. كلاهما (حفص، ووكيع) عن الأعمش، به. وقد توبع الأعمش على روايته، تابَعَه منصور بن المعتمر، وروايته عند عبد الرزاق (2/ 75 رقم 2557) وابن أبي شيبة (1/ 209 رقم 2395) في الصلاة، باب فيما يفتتح به الصلاة، والطحاوي (1/ 198).

الأسود قال: كان عمرُ -رضي الله عنه- إذا افتتح الصلاةَ قال: سبحانك اللهمَّ وبحمدك، وتبارك اسمُك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرُك. يُسْمِعُنا ذلك ويُعلِّمُنا. (97) وقال الحسن بن عرفة (¬1): ثنا هشيم، عن عبد الله بن عَون، عن إبراهيم، عن علقمة: أنَّه انطلَقَ إلى عمرَ بن الخطاب، قال: فرأيتُهُ قال حين افتتح الصلاةَ: سبحانك اللهمَّ وبحمدك، وتبارك اسمُك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرُك. وهذه أسانيد صحيحة، والله أعلم. حديث آخر (98) قال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي: ثنا الحسن / (ق 37) بن سفيان، حدثني أبو قُدَيد، ثنا حاتم بن أحمد، ثنا عمار بن زَربي -مؤذِّن مسجد الأصمعي-، ثنا معتمر، عن أبيه، عن أبي عثمان النَّهدي، عن عمرَ -رضي الله عنه- قال: كانت قراءةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إذا صلَّى بنا مَدًّا. ¬

(¬1) لم أجده في المطبوع من «جزء الحسن بن عرفة»، ومن طريقه: أخرجه الدارقطني (1/ 300). وقد توبع الحسن بن عرفة على روايته، تابَعَه وكيع، وروايته عند ابن أبي شيبة (1/ 209 رقم 2390) في الصلاة، باب فيما يفتتح به الصلاة. وهذه الرواية معلَّة؛ لمخالفتها لرواية الأعمش ومنصور.

فيه غرابة من جهة إسناده (¬1). حديث آخر (99) قال الإسماعيلي أيضًا: ثنا جعفر بن أحمد الواسطي، وابن صاعد قالا: ثنا نصر بن مالك الخُزَاعي، ثنا علي بن بكَّار، ثنا أبو خَلْدة، عن أبي العالية قال: قال عمرُ رضي الله عنه: تعلَّموا القرآنَ، خمسَ آياتٍ، خمسَ آياتٍ، كذلك أنزله جبريلُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم (¬2). قال علي بن بكَّار: قال بعض أهل العلم: مَن تعلَّمه هكذا لم ينسه أبدًا. ¬

(¬1) في إسناده عمار بن زَربي، قال عنه أبو حاتم: كذَّاب، متروك الحديث. وقال العقيلي: الغالب على حديثه الوَهم. انظر: «الجرح والتعديل» (6/ 392 رقم 2183) و «الضعفاء الكبير» (3/ 327). (¬2) وأخرجه -أيضًا- أبو نعيم في «الحلية» (9/ 319) والبيهقي في «شعب الإيمان» (4/ 512 رقم 1806) والخطيب في «تاريخه» (13/ 287) من طريق علي بن بكَّار، به. قال الدارقطني في «الأفراد»، كما في «أطرافه» لابن طاهر (1/ 156): تفرَّد به أبو خَلْدة، عن أبي العالية، عنه، وعنه علي بن بكَّار. قلت: وقد خولف علي بن بكَّار في روايته، فأخرجه ابن أبي شيبة (6/ 118 رقم 29921) في فضائل القرآن، باب في تعليم القرآن كم آية؟ عن وكيع. والمستَغفِري في «فضائل القرآن» (1/ 320 - 321 رقم 358) وأبو نعيم في «الحلية» (2/ 219) من طريق مسلم بن إبراهيم. كلاهما (وكيع، ومسلم بن إبراهيم) عن أبي خلدة، عن أبي العالية، قولَه. ليس فيه: عمر. وقد رجَّح هذه الرواية أبو زرعة الرازي والبيهقي. انظر: «علل ابن أبي حاتم» (2/ 85 رقم 1749) و «شعب الإيمان» (4/ 513).

أثر آخر (100) روى البخاري، ومسلم (¬1) من حديث أبي عِمران الجَوْني، عن عبد الله بن الصامت، عن عمرَ أنَّه قال: اقرأوا القرآنَ ما ائتلفت عليه قلوبُكُم، فإذا اختلفتُم، فقُومُوا. ثم قال البخاري: والصحيح: أنَّه عن أبي عِمران، عن جُندَب، مرفوعًا. قلت: وسيأتي (¬2) كذلك، وهو في «الصحيحين». ¬

(¬1) علَّقه البخاري في «صحيحه» (9/ 101 - فتح) جازمًا به، فقال: «وقال ابن عَون، عن أبي عمران، عن عبد الله بن الصَّامت، عن عمرَ، قولَه». قلت: ولم أجده عند مسلم، ولم يعزه إليه المزي في «تحفة الأشراف» (8/ 41 رقم 10489). وقد قال الحافظ في «الفتح» (9/ 102): وقد أخرج مسلم من وجه آخر، عن أبي عمران هذا حديثًا آخر في المعنى، أخرجه [2666] من طريق حماد، عن أبي عمران الجَوْني، عن عبد الله بن رباح، عن عبد الله بن عمرَ قال: هَجَّرتُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فسَمِعَ رجلين اختلفا في آية، فخَرَج يُعرَف الغضبُ في وجهه، فقال: «إنما هلك من كان قبلَكم بالاختلاف في الكتاب». فائدة: قال المزي في «تحفة الأشراف» (2/ 444): قال أبو بكر ابن أبي داود: لم يخطئ ابن عَون في حديث قط إلا في هذا، والصواب:» عن جُندَب «، وقال هو: «عن عبد الله بن الصَّامت». وقال الحافظ في «الفتح»: رواية ابن عون شاذة، لم يتابَع عليها. وانظر: «صحيح البخاري» (9/ 101 رقم 5060، 5061) في فضائل القرآن، باب اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، و (13/ 335، 336 رقم 7364، 7365 - فتح) في الاعتصام، باب كراهية الاختلاف. (¬2) انظر: «جامع المسانيد والسُّنن» (2/ 226 رقم 1901).

حديث آخر (101) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة قال: جاء رجلٌ إلى عمرَ -رضي الله عنه-، وهو بعَرَفة -قال (¬2): وحدثنا الأعمش، عن خيثمة، عن قيس بن مروان: أنَّه أتى عمرَ-، فقال: جئتُ يا أميرَ المؤمنين من الكوفة، وتَرَكتُ بها رجلاً يُملِي المصاحفَ عن ظَهر قلبِهِ، فغَضِبَ، وانتفخَ حتى كاد يملأُ ما بين شُعبَتَي الرَّحْلِ (¬3)، فقال: ومَن هو ويحك؟ قال: عبد الله بن مسعود. فما زال يُطْفَأُ ويُسرَّى (¬4) عنه الغضبُ حتى عاد إلى حاله التي كان عليها. ثم قال: ويحك، واللهِ ما أَعلمُهُ بَقِيَ من الناس أحدٌ هو أحقُّ بذلك منه، وسأحدِّثك عن ذلك، كان النبيُّ / (ق 38) صلى الله عليه وسلم لا يزال يَسمُرُ عند أبي بكر -رضي الله عنه- الليلةَ كذلك في الأمر من أمر المسلمين، وأنَّه سَمَر عنده ذاتَ ليلةٍ، وأنا معه، فخَرَج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وخَرَجنا معه، فإذا رجلٌ قائمٌ يصلِّي في المسجد، فقام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَسمعُ قراءتَه، فلما كِدْنا نَعرِفَهُ، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن سرَّه أن يَقرأ القرآنَ رَطْبًا كما أُنزلَ؛ فليَقرأْ على قراءةِ ابنِ أمِّ عَبْدٍ». قال: ثم جلس الرجل يدعو، فجعل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سَلْ تُعْطَهْ». قال عمرُ: قلت: واللهِ، لأَغدُونَّ إليه، فلأُبَشِّرنَّه، قال: فغَدَوتُ إليه لأُبَشِّره، فوَجَدتُ أبا بكر قد سَبَقَني إليه، فبَشَّره، ولا واللهِ ما سابَقْتُهُ إلى ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 25 رقم 175). (¬2) القائل هو: أبو معاوية، كما في المطبوع. (¬3) الرَّحْل: مركب البعير والناقة، ويقال أيضًا لأعواد الرَّحْل بغير أداة رَحْل. انظر: «لسان العرب» (5/ 168 - 169 - مادة رحل). (¬4) قوله: «ويُسرَّى» كذا ورد بالأصل. وكَتَب المؤلِّف بجوارها في حاشية الأصل: «ويتسرَّى»، وما في الأصل موافق للمطبوع.

خيرٍ قطّ، إلا سَبَقَني إليه. ورواه الترمذي (¬1)، والنسائي (¬2) من حديث أبي معاوية محمد بن خازم الضَّرير، به، بنحوه. قلت: وكذلك رواه الثوري، عن الأعمش (¬3). قال الدارقطني (¬4): رواية الأعمش هي الصواب. وقال الترمذي (¬5): رواه الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم، عن علقمة، عن رجل من جُعفي، يقال له: قيس، أو: ابن قيس، عن عمرَ، في قصة طويلة. وقال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر (¬6): رواه الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم، عن قَرثَع الضَّبي (¬7)، عن رجل من جُعفي، يقال له: قيس، أو: ابن قيس، عن عمرَ، به. ¬

(¬1) في «سننه» (1/ 315 رقم 169) في الصلاة، باب ما جاء في الرخصة في السَّمر بعد العشاء. (¬2) في «سننه الكبرى» (5/ 71 رقم 8256). (¬3) وروايته عند النسائي في الموضع السابق. (¬4) في «العلل» (2/ 204)، ونصُّ عبارته: وقد ضبط الأعمش إسنادَه وحديثَه، وهو الصواب. (¬5) في «سننه» (1/ 315)، ولم أقف على هذه الرواية موصولة، وانظر ما سيأتي. (¬6) في «تاريخه» (33/ 100 - 101) من طريق محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، عن عبد الواحد بن زياد، عن الحسن بن عبيد الله، به. (¬7) قوله: «عن إبراهيم، عن قَرثَع الضَّبي» كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «عن إبراهيم، عن علقمة، عن قَرثَع». وكذا ورد في «تاريخ ابن عساكر» (ص 51 - ط مجمع اللغة العربية بدمشق). وكذا أورده المزي في «تحفة الأشراف» (8/ 100). وكذا أخرج طريقَ الحسن بن عبيد الله الترمذيُّ في «العلل الكبير» (ص 351 رقم 653) وعبد الله ابن الإمام أحمد في «زوائده على المسند» (1/ 39 رقم 267) والبزار (1/ 461 رقم 328) عن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، به، ولم يَذكر قصة السَّمَر. ورجَّح طريقَ الحسن بن عبيد الله هذه الإمامُ البخاريُّ، فقال الترمذي في «العلل»: سألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث عبد الواحد، عن الحسن بن عبيد الله، والأعمش يروي هذا عن إبراهيم، عن علقمة، عن عمرَ، ولا يَذكر فيه قَرثَعا، وعبد الواحد بن زياد يَذكر عن الحسن بن عبيد الله هذا الحديث، ويزيد فيه: (عن قَرثَع)، وحديث عبد الواحد عندي محفوظ. وقد بيَّن الحافظ ابن حجر في «النكت الظِّراف» (8/ 100) وجهة نظر البخاري، فقال: وكأنه من أجل زيادة «القَرثَع». واختار الدارقطني طريق الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عمرَ، ولما سأله البَرقاني عن رأي البخاري، أجابه الدارقطني بقوله: وقول الحسن بن عبيد الله، عن قَرثَع؛ غير مضبوط، لأن الحسن بن عبيد الله: ليس بالقوي، ولا يُقاس بالأعمش. «علل الدارقطني» (2/ 203 - 204). ولم يتنبَّه لهذا الاختلاف بين رواية الأعمش والحسن بن عبيد الله محققو «مسند الإمام أحمد» (1/ 308 - 309، 311، 353 - 354، 371 - 372، 373 - 374 رقم 175، 178، 228، 265، 267 - ط مؤسسة الرسالة) فذكروا كلا الطريقين، وصحَّحاها، وغاب عنهم كلام البخاري والدارقطني.

وقد رواه النسائي في المناقب (¬1)، عن محمد بن زَنبور المكي، عن فضيل بن عياض، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة وخيثمة. كلاهما عن قيس بن مروان، به. وعن محمد بن أبان (¬2)، عن محمد بن فضيل، / (ق 39) عن الأعمش، ¬

(¬1) من «سننه الكبرى» (5/ 71 رقم 8255، 8257). (¬2) قوله: «محمد بن أبان» تحرَّف في المطبوع إلى: «عبد الله بن أبان»! وجاء على الصواب في «تحفة الأشراف» (8/ 99 رقم 10628).

عن خيثمة، عن قيس بن مروان، به، مختصرًا: «مَن سَرَّه أن يقرأَ القرآنَ كما أُنزِلَ، فليقرأهُ على قراءةِ ابنِ أمِّ عَبدٍ». وهذا الحديث لا يُشكُّ أنَّه محفوظ، وهذا الاضطراب لا يضرُّ صحته، والله أعلم. والغرض منه الاقتداء بعبد الله بن مسعود فيما صحَّ من قراءته عنه على مذهب من يرى ذلك. وقد قدَّمنا هذا الحديث في «مسند الصِّديق». حديث آخر (102) قال أبو داود الطيالسي في «مسنده» (¬1): ثنا شعبة، عن أبي حَصِين، عن أبي عبد الرحمن السُّلمي، قال: قال عمرُ رضي الله عنه: أمِسُّوا (¬2)، فقد سُنَّتْ لكم الرُّكَبُ. وهكذا رواه علي بن الجَعْد (¬3)، عن شعبة، عن أبي حَصِين قال: سَمِعتُ أبا عبد الرحمن يقول: قال عمرُ: أَمِسُّوا، فقد سُنَّت لكم الرُّكَبُ. وأما النسائي، فرواه في «سننه» (¬4)، عن بُندَار، عن أبي داود الطيالسي، عن شعبة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي عبد الرحمن السُّلمي، عن عمرَ أنَّه قال: إنَّ الرُّكَبَ قد سُنَّتْ لكم، فخُذُوا بالرُّكَبِ (¬5). ¬

(¬1) (1/ 63 رقم 62). (¬2) معناه: الإمساك بالرُّكَب عند الركوع. (¬3) وروايته عند أبي القاسم البغوي في «الجعديات» (1/ 410 رقم 592). (¬4) (2/ 529 رقم 1033، 1034) في التطبيق، باب الإمساك بالركب عند الركوع. (¬5) كذا بالأصل. وفي المطبوع: «سُنَّت لكم الرُّكَب، فأمسكوا بالرُّكَب».

وعن سُوَيد بن نصر، عن ابن المبارك، عن سفيان، عن أبي حَصِين، عن أبي عبد الرحمن، به (¬1). ورواه الترمذي (¬2)، عن أحمد بن مَنيع، عن أبي بكر بن عيَّاش، عن أبي حَصِين، به، وقال: حسن صحيح. واختاره الحافظ الضياء في كتابه المستخرَج على الصحيحين (¬3) من رواية الهيثم بن كُلَيب، عن أحمد بن حازم، عن جعفر بن عَون، عن مِسْعَر، عن أبي حَصِين، عن أبي عبد الرحمن قال: أَقبَلَ عمرُ على الناس، فقال: أيها الناسُ، سُنَّتْ لكم الرُّكَبُ، / (ق 40) فأَمِسُّوا بالرُّكَبِ. وقال الحافظ أبو الحسن الدارقطني (¬4): رواه جماعة، منهم شعبة، واختُلف عليه، فرواه أبو قتيبة، عنه، عن أبي إسحاق، عن أبي عبد الرحمن، عن عمرَ، ووَهِمَ فيه، ورواه أبو داود، عن شعبة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي عبد الرحمن، عن عمرَ، ولم يُتابَع عليه، والمحفوظ: حديث أبي حَصِين (¬5). ¬

(¬1) ولفظه: «إنما السُّنة الأخذ بالرُّكَب». (¬2) في «سننه» (2/ 43 رقم 258) في الصلاة، باب ما جاء في وضع اليدين على الركبتين في الركوع. (¬3) (1/ 260 رقم 149). (¬4) في «العلل» (2/ 243 رقم 244). (¬5) وهو منقطع، أبو عبد الرحمن السُّلمي لم يَسْمع من عمر، قاله شعبة وابن معين. انظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص 107 رقم 385) و «تحفة التحصيل» (ص 171).

قنوت عمر

قنوت عمر (¬1) (103) قال أبو عبيد (¬2): ثنا هشيم، أنا ابن أبي ليلى، عن عطاء، عن عُبيد بن عُمَير، عن عمرَ: أنَّه كان يقول في قنوت الفجر: وإليك نَسعى ونَحفِد، وقوله: إنَّ عذابَكَ بالكفارِ مُلحِقٌ (¬3). ورواه البيهقي (¬4) من حديث عُبيد بن عُمَير، عن عمرَ: أنَّه قَنَتَ بعد الركوع، فقال: اللهم اغفِرْ لنا، وللمؤمنين (¬5)، والمسلمين، والمسلمات، وألِّفْ بين قلوبهم، وأَصلحْ ذات بينهم، وانصُرهُم على عدوِّك، وعدوِّهم، اللهمَّ العَن كَفَرة أهلِ الكتابِ، الذين يَصدون عن سبيلِكَ، ويُكذِّبون ¬

(¬1) هذا الأثر جاء ضمن أوراق المخطوط ولم يحدِّد له المؤلِّف موضعًا، فرأيت الأنسب جعله ههنا. (¬2) في «غريب الحديث» (4/ 265). (¬3) قوله: «وإليك نَسعى ونَحفِد، وقوله: إنَّ عذابَكَ بالكفارِ مُلحِقٌ» كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «وإليك نسعى ونحفِد، نرجو رحمتك، ونخشى عذابك، إن عذابك بالكافرين مُلحِق». (¬4) في «سننه» (2/ 210 - 211) من طريق الثوري، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عُبيد بن عُمَير، عن عمرَ. وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (3/ 111 رقم 4969) وابن أبي شيبة (2/ 107 رقم 7030) في الصلاة، باب ما يدعو به في قنوت الفجر، وأحمد في «مسائله» (ص 98 رقم 480، 481 - رواية أبي داود) من طريق ابن جريج، عن عطاء، عن عُبيد بن عُمَير قال: سَمِعتُ عمرَ ... ، فذكره. وصرَّح ابن جريج بالسماع عند عبد الرزاق وأحمد، فانتَفَت شبهة تدليسه، ولذا قال البيهقي عقب روايته: صحيح موصول. ولم يقف الشيخ الألباني -رحمه الله- على تصريح ابن جريج بالسماع، فقال في «الإرواء» (2/ 170): ولولا عنعنة ابن جريج لكان حريًّا بالصحة. (¬5) زاد في المطبوع: «والمؤمنات».

رسلَكَ، ويُقاتِلونَ أولياءَكَ، اللهمَّ خالِفْ بين كلمتهم، وزلزِلْ أَقدامَهم، ونزِّل (¬1) بهم بأسَكَ الذي لا تردُّه عن القومِ المجرمينَ. بسم الله الرحمن الرحيم: اللهمَّ إنَّا نَستعينُكَ، ونَستغفرُكَ، ونُثني عليك، ولا نَكفرُكَ، ونَخلَعُ ونَتركُ مَن يَفجرُكَ. بسم الله الرحمن الرحيم: اللهمَّ إياك نعبدُ، ولك نُصلِّي ونَسجدُ، وإليك نَسعى ونَحفِدُ، نخشى عذابَكَ الجِدَّ، ونرجو رحمتَكَ، إنَّ عذابَكَ بالكفارِ مُلحِقٌ. قال أبو عبيد: أصل الحَفْد: الخدمة والعمل، يقول: إنا نعبدُكَ، ونسعى في طلب رضاك. وقوله: مُلحِقٌ: هكذا يُروى، وهو جائز في الكلام أن تقولَ: مُلحِقٌ، تريد: لاحِق. لأنهما لغتان (¬2). ¬

(¬1) في المطبوع: «وأنزل». (¬2) تنبيه: جاء بحاشية الأصل تقيِّيد بخط الحافظ ابن حجر هذا نصُّه: «أهمل القنوت في الصبح، وفي الوتر، وهو مشهور عن عمرَ: اللهمَّ إنَّا نستعينك». قلت: أما قنوته -رضي الله عنه- في الصبح؛ فقد ذكره، وأما القنوت في الوتر، فنعم لم يَذكره المؤلِّف، ولم أقف عليه مسنَدًا، وقد قال الشيخ الألباني في «الإرواء» (2/ 172): ولم أقف على رواية عنه في أنه كان يقنت بذلك في الوتر.

تشهد عمر رضي الله عنه

تشهد عمر رضي الله عنه (104) قال الإمام مالك (¬1): عن ابن شهاب، عن عروة، عن عبد الرحمن بن عَبدٍ: أنَّه سَمِعَ عمرَ -وهو على المنبر- يعلِّم الناسَ التشهدَ، يقول: قولوا: التحياتُ للهِ، الزاكياتُ للهِ، الطيباتُ، الصلواتُ للهِ، السلامُ عليك أيها النبيُّ ورحمةُ اللهِ (¬2)، السلامُ علينا، وعلى عباد الله الصالحين، أشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ الله ورسولُهُ. وهكذا رواه معمر، عن الزهري (¬3). ورواه ابن جريج، عنه، فقدَّم الشهادة على السلام (¬4). ¬

(¬1) في «الموطأ» (1/ 144) في الصلاة، باب التشهد في الصلاة. وصحَّح إسناده الزيلعي في «نصب الراية» (1/ 422). (¬2) زاد في المطبوع: «وبركاته». (¬3) وروايته عند عبد الرزاق في «المصنَّف» (2/ 202 رقم 3067) ولفظه: شَهدتُ عمرَ بن الخطاب وهو يعلِّم التشهدَ، فقال: التحياتُ لله، الزاكياتُ لله، الطيباتُ لله، السلامُ عليك أيها النبيُّ ورحمةُ الله وبركاتُه، السلامُ علينا، وعلى عباد الله الصالحين، أشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُهُ. (¬4) لم أقف على رواية ابن جريج هذه، والذي وقفت عليه بخصوص رواية ابن جريج روايتان: الرواية الأولى: أخرجها عبد الرزاق برقم (3068) عن ابن جريج، عن عروة، عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاري، عن عمرَ مثل رواية معمر، إلا أنه قال: «ورحمة الله، السلام علينا «. وليس في هذه الرواية موافقة لما ذكره المؤلِّف لا من جهة الإسناد، ولا من جهة المتن. والرواية الثانية: أخرجها الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (1/ 261) عن أبي بكرة، عن أبي عاصم، أخبرنا ابن جريج، أنا ابن شهاب، عن حديث عروة، عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاري، فذكر مثله. يعني مثل رواية مالك. وليس في هذه الرواية -أيضًا- موافقة لما ذكره المؤلِّف من جهة المتن، وإن وافقت من جهة الإسناد.

ورواه هشام بن عروة، عن أبيه، عن عمرَ، فزاد في أوله: بسم الله، خير الأسماء (¬1). قلت: أخذ الإمام مالك بهذا التشهد (¬2)؛ لأنَّ عمرَ علَّمه الناسَ على المنبر، ولم يُنكَر. وقد يقال: إنَّ مثل هذا لا يكون إلا عن توقيف. ¬

(¬1) ومن هذا الوجه: أخرجه البيهقي (2/ 142) من طريق عبد العزيز بن محمد، عن هشام بن عروة، به. وهذه الرواية معلَّة؛ لأن جماعة من الرواة رووه عن هشام بن عروة، فزادوا في إسناده عبد الرحمن بن عبدٍ القاري، وهم: 1 - محمد بن إسحاق: وروايته عند البيهقي (2/ 143). 2 - يعقوب بن عبد الرحمن: وروايته عند ابن المنذر في «الأوسط» (3/ 210 رقم 1524). 3 - معمر: وروايته عند عبد الرزاق (2/ 202 رقم 3069). إلا أنهم وافقوا عبد العزيز بن محمد في ذِكر التسمية في أول التشهد. وهذه الرواية معلَّة -أيضًا-، فقد قال البيهقي عقب روايته: كذا رواه محمد بن إسحاق بن يَسَار، ورواه مالك، ومعمر، ويونس بن يزيد، وعمرو بن الحارث، عن ابن شهاب، لم يَذكروا فيه التسمية. وقد نبَّه الحافظ في «الفتح» (2/ 316) إلى أن زيادة التسمية في تشهد عمرَ -رضي الله عنه- إنما وردت من طريق هشام بن عروة، دون طريق الزهري. قلت: وظاهر صنيع الدارقطني في «العلل» (2/ 180 - 181) أنه يُعلّ رواية هشام جملة، فقد أورد الخلاف بين الزهري وهشام، ورجَّح رواية الزهري، وقال: وهشام لا يَذكر في الإسناد عبد الرحمن بن عبدٍ. ومما ينبغي التنبُّه له: أن الدارقطني -رحمه الله- لم يَذكر رواية مَن رواه عن هشام بإثبات عبد الرحمن بن عبدٍ في إسناده، فلعله لم يقف عليها. فائدة: قال ابن المنذر في «الأوسط» (3/ 211): ليس في شيء من الأخبار الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذِكر التسمية قبل التشهد. (¬2) انظر: «مواهب الجليل» (1/ 543) و «عِقد الجواهر الثمينة» (1/ 105).

وأخذ الإمام أبو حنيفة (¬1) وأحمد بن حنبل (¬2) رحمهما الله بحديث ابن مسعود، وهو في «الصحيحين» (¬3). وأخذ الإمام الشافعي (¬4) بحديث ابن عباس، وهو في «صحيح مسلم» (¬5). وقد رُويت تشهداتٌ أخرُ عن جماعة من الصحابة، كأبي موسى (¬6) وجابر (¬7)، وكلٌّ منها مجزئٌ عندهم، وإنما اختلفوا في الأفضلية رضي الله عنهم أجمعين. ¬

(¬1) انظر: «بدائع الصنائع» (1/ 211) و «شرح فتح القدير» (1/ 312). (¬2) انظر: «المغني» (2/ 220) و «الكافي» (1/ 312). (¬3) أخرجه البخاري (2/ 311، 320 رقم 831، 835) في الأذان، باب التشهد في الآخرة، وباب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد، و (3/ 76 رقم 1202) في العمل في الصلاة، باب من سمَّى قومًا أو سلَّم في الصلاة، و (11/ 56 رقم 6265) في الاستئذان، باب الأخذ باليدين، و (13/ 365 رقم 7381 - فتح) في التوحيد، باب قول الله تعالى: {السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ} ومسلم (1/ 301 رقم 402) في الصلاة، باب التشهد في الصلاة، ولفظه: التَّحياتُ لله، والصَّلواتُ، والطَّيباتُ، السلامُ عليك أيها النبيُّ ورحمةُ الله وبركاتُه، السلامُ علينا، وعلى عباد الله الصالحين. (¬4) انظر: «روضة الطالبين» (1/ 368) و «نهاية المحتاج» (1/ 525). (¬5) (1/ 302 رقم 403) ولفظه: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يعلِّمنا التشهدَ، كما يعلِّمنا السورةَ من القرآن، فكان يقول: التَّحياتُ المباركاتُ، الصَّلواتُ الطَّيباتُ لله، السلامُ عليك أيها النبيُّ ورحمةُ الله وبركاتُه، السلامُ علينا، وعلى عباد الله الصالحين، أشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وأشهدُ أن محمدًا رسولُ الله. (¬6) أخرجه مسلم (404) ولفظه: التَّحياتُ الطَّيباتُ، الصَّلواتُ لله، السلامُ عليك أيها النبيُّ ورحمةُ الله وبركاتُه، السلامُ علينا، وعلى عباد الله الصالحين، أشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُهُ. (¬7) يَرويه أبو الزُّبير، واختُلف عليه: فأخرجه مسلم في «التمييز» (ص 188 رقم 58) والترمذي في «العلل الكبير» (ص 72 رقم 105) والنسائي (2/ 594 رقم 1174) في التطبيق، باب نوع آخر من التشهد، وابن ماجه (1/ 292 رقم 902) في إقامة الصلاة، باب ما جاء في التشهد، والبيهقي (2/ 141) من طريق أيمن بن نابِل، عن أبي الزُّبير، عن جابر ... ، فذكره، وزاد فيه التسمية. وقد خولف أيمن بن نابِل في روايته، خالَفَه الليث بن سعد، فرواه عن أبي الزُّبير، عن سعيد بن جُبَير وطاوس، عن ابن عباس ... ، فذكره، وليس فيه التسمية! ومن هذا الوجه: أخرجه مسلم في «صحيحه» (403) وفي «التمييز» (ص 189 رقم 59). وقد رجَّح الأئمة رواية الليث بن سعد، وحكموا على رواية أيمن بن نابِل بالخطإ، ومن هؤلاء الأئمة: البخاري، كما في «علل الترمذي»، ومسلم، والترمذي، والبيهقي، وحمزة الكناني، كما في «البدر المنير» (4/ 29) والنسائي، كما في «تحفة الأشراف» (2/ 288) وابن المنذر في «الأوسط» (3/ 212) والحافظ في «الفتح» (2/ 316).

/ (ق 41) وعند الإمام الشافعي (¬1): أنَّه لابدَّ من الصلاة على النبيِّ صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير، ويُحتجُّ له بأشياء، منها: (105) ما رواه الحافظ أبو عيسى الترمذي في «جامعه» (¬2) حيث قال: ثنا أبو داود البَلخي، أنا النَّضر بن شُمَيل، عن أبي قُرَّة الأسدي، عن سعيد بن المسيّب، عن عمرَ بن الخطاب قال: الدعاءُ موقوفٌ بين السماء والأرض لا يَصعدُ منه شيءٌ حتى تُصلِّي على نبيِّك. ¬

(¬1) انظر: «روضة الطالبين» (1/ 366) و «نهاية المحتاج» (1/ 523). (¬2) (2/ 356 رقم 486) في الصلاة، باب ما جاء في فضل الصلاة على النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وأخرجه -أيضًا- إسحاق بن راهويه في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (4/ 5 رقم 3338) والإسماعيلي في «مسند عمر»، كما في «جلاء الأفهام» (ص 138) من طريق النَّضر بن شُمَيل، به. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

وهذا إسناد جيد (¬1). وكذا رواه أيوب بن موسى، عن سعيد بن المسيّب، عن عمرَ، قولَه (¬2). ورواه معاذ بن الحارث (¬3)، عن أبي قُرَّة الأسدي، عن سعيد، عن عمرَ، مرفوعًا، والأوَّل أصح. وقد رواه رَزين بن معاوية (¬4) في كتابه مرفوعًا، ولفظه: عن عمرَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «الدعاءُ موقوفٌ بين السماءِ والأرضِ، لا يَصعدُ حتى يُصلَّى عليَّ، فلا تجعلوني كغُمَرِ الراكبِ (¬5)، صلُّوا عليَّ أوَّلَ الدعاءِ، وأوسطَه، وآخرَه». ¬

(¬1) في إسناده أبو قرَّة الأسدي، وهو مجهول الحال، تفرَّد بالرواية عنه النَّضر بن شُمَيل، وقد قال عنه ابن خزيمة في «صحيحه» (4/ 95): لا أعرفه بعدالة ولاجرح. وجهَّله الذهبي في «الميزان» (4/ 564 رقم 10531). وقال الحافظ، كما في «الفتوحات الربانية» (3/ 334): في سنده أبو قُرَّة الأسدي لا يُعرف اسمه ولا حاله، وليس له عند الترمذي ولا أصحاب السُّنن إلا هذا الموقوف. وضعَّفه الشيخ الألباني في «الإرواء» (2/ 177). وقد قال الحافظ أبو اليُمن ابن عساكر، كما في «القول البديع» للسخاوي (ص 421): لا يثبت في هذا الباب حديث مرفوع عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. (¬2) لم أجده من هذه الطريق. (¬3) لم أجده من هذه الطريق، وعزاها الحافظ، كما في «الفتوحات الربانية» (3/ 334) إلى الواحدي، وعبدالقادر الرُّهاوي في «الأربعين»، وقال: وفي سنده -أيضًا- من لا يُعرَف رجاله. (¬4) انظر: «جامع الأصول» (4/ 155) لابن الأثير. (¬5) قال ابن الأثير: الغُمَر: بضم الغين وفتح الميم: القَدَح الصغير، أراد أن الراكب يَحمل رَحْلَه وأزواده على راحلته، ويترك قَعْبَه إلى آخر تَرْحاله، ثم يُعلِّقه على رَحْله كالعِلاوة، فليس عنده بمُهمّ، فنهاهم أن يجعلوا الصلاة عليه كالغُمَر الذي لا يُقدَّم في المهام ويُجعل تَبَعًا. «النهاية» (3/ 385).

حديث آخر في فضل الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم

حديث آخر في فضل الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم (106) قال أبو القاسم الطبراني (¬1): ثنا محمد بن عبدالرحيم بن بحير بن عبد الله بن معاوية بن بحير بن رَيسان، ثنا يحيى بن أيوب (¬2)، حدثني عبيد الله بن عمر، عن الحكم بن عُتيبة، عن إبراهيم النَّخَعي، عن الأسود بن يزيد، عن عمرَ بن الخطاب قال: خَرَج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لحاجتِهِ، فلم يجد أحدًا يَتبعُهُ، ففَزِعَ عمرُ، فأتاه بمِطهرةٍ من خلفِهِ، فوَجَد النبيَّ صلى الله عليه وسلم ساجدًا في شَرَبةٍ (¬3)، فتنحَّى عنه من خلفِهِ، حتى رَفَع النبيُّ صلى الله عليه وسلم رأسَهُ، فقال: «أَحسنتَ يا عمرُ حين وَجَدتني ساجدًا فتَنحَّيتَ عنِّي، إنَّ جبريلَ أتاني، فقال: مَن صلَّى عليك مِن أمَّتكَ واحدةً، صلَّى اللهُ عليه عشرًا، ورفَعَه بها عشرَ درجاتٍ». ثم قال الطبراني: تفرَّد به يحيى بن أيوب، ولم يروه / (ق 42) عنه ¬

(¬1) في «معجمه الأوسط» (6/ 353 رقم 6602) و «الصغير» (2/ 90) ومن طريقه: أخرجه الضياء في «المختارة» (1/ 186 - 187 رقم 93). (¬2) قوله: «ثنا محمد بن عبد الرحيم بن بحير بن عبد الله بن معاوية بن بحير بن رَيسان، ثنا يحيى بن أيوب» كذا ورد بالأصل، والصواب: «ثنا محمد بن عبد الرحيم بن بحير بن عبد الله بن معاوية بن بحير بن رَيسان، نا عمرو بن الربيع بن طارق، ثنا يحيى بن أيوب» بإثبات عمرو بن الربيع بن طارق بين محمد بن عبدالرحيم، ويحيى بن أيوب، كما في «معجمي الطبراني»، و «المختارة» للضياء، وقد ضبَّب الحافظ ابن حجر على هذا الموضع، وكَتَب بحاشية الأصل: «سَقط». (¬3) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع من «معجمي الطبراني»: «مشربة»، وما في الأصل موافق لما في «المختارة» للضياء. والشَرَبة: حوض يكون في أصل النَّخلة وحولها، يملأ ماءً لتشربه. «النهاية» (2/ 455).

إلا عمرو بن الربيع (¬1). وقد اختاره الحافظ الضياء من هذا الوجه (¬2). قلت: وله شواهد عن غير واحد من الصحابة مرفوعة (¬3)، والله أعلم. ¬

(¬1) وشيخ الطبراني أورده الذهبي في «الميزان» (3/ 621 رقم 7840) وسمَّاه: «محمد بن عبد الرحمن بن بحير بن عبد الرحمن بن معاوية بن بحير بن ريسان»، وقال: اتَّهمه أبو أحمد ابن عدي، وقال ابن يونس: ليس بثقة. وقال أبو بكر الخطيب: كذَّاب. تنبيه: حسَّن محقِّق «المختارة» هذا الحديث، وقال: إن شيخ الطبراني لم يضعِّفه الذهبي في «الميزان»، ومن كان هذا حاله فهو ثقة أو صدوق (!) قلت: كذا قال، وقد سبق نقل كلام الذهبي في شيخ الطبراني هذا. وانظر للفائدة: «مجمع البحرين في زوائد المعجمين» للهيثمي (2/ 328 رقم 1145). (¬2) تقدم تخريجه (ص 148، تعليق رقم 5). (¬3) منها: ما أخرجه مسلم في «صحيحه» (1/ 306 رقم 408) في الصلاة، باب الصلاة على النبيِّ صلى الله عليه وسلم بعد التشهد، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: «مَن صلَّى عليَّ واحدةً، صلَّى الله عليه عشرًا». ومنها: حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: وهو حديث يَرويه عاصم بن عبيد الله، ومع ضعفه، فقد اضطَّرب فيه: فقيل: عنه، عن عامر بن ربيعة، عن عمرَ! وقيل: عنه، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه، ليس فيه عمر! أما الوجه الأول: فأخرجه ابن أبي عاصم في «فضل الصلاة على النبيِّ صلى الله عليه وسلم» (ص 35 رقم 38) من طريق شعبة. وابن شاهين في «الترغيب في فضائل الأعمال» (1/ 85 رقم 13) من طريق عبد الله بن شريك. كلاهما (شعبة، وعبد الله بن شريك) عن عاصم بن عبيد الله، عن عامر بن ربيعة، عن عمرَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن صلَّى عليَّ صلاةً، صلَّى الله عليه بها عشرًا». وأما الوجه الثاني: فأخرجه ابن ماجه (1/ 294 رقم 907) في إقامة الصلاة، باب =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الصلاة على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، من طريق خالد بن الحارث. والطيالسي (2/ 460 رقم 1338). وابن المبارك في «الزهد والرقائق» (ص 363 رقم 1026). وأبو القاسم البغوي في «الجعديات» (1/ 476 رقم 896) عن علي بن الجَعْد. وأحمد (3/ 445) عن محمد بن جعفر، ووكيع، وحجَّاج بن محمد. جميعهم (خالد بن الحارث، والطيالسي، وابن المبارك، ومحمد بن جعفر، وعلي بن الجَعْد، ووكيع، وحجَّاج بن محمد،) عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه، به، ليس فيه: عمر بن الخطاب! قلت: ومع هذا الاضطِّراب في رواية عاصم بن عبيد الله، فقد حسَّنه المنذري في «الترغيب والترهيب» (2/ 498 رقم 2480) وابن القيم في «جلاء الأفهام» (ص 142) وابن حجر في «الأمالي المطلقة» (ص 118). ومنها: حديث أنس رضي الله عنه: وهو حديث يَرويه سَلَمة بن وَرْدان، وقد اضطَّرب فيه: فقيل: عنه، عن أنس بن مالك! وقيل: عنه، عن مالك بن أوس، عن عمرَ! وقيل: عنه، عن مالك بن أوس وأنس! أما الوجه الأول: فأخرجه إسماعيل القاضي في «فضل الصلاة على النبيِّ صلى الله عليه وسلم» =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = (ص 98 رقم 4) عن عبد الله بن مسلمة. وأبو بكر الإسماعيلي في «مسند عمر»، كما في «جلاء الأفهام» (ص 136) من طريق أبي ضَمرة أنس بن عِياض. وابن أبي شيبة في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (4/ 7 رقم 3344) عن أبي نعيم الفضل بن دُكَين. والبزَّار (4/ 46 رقم 3159 - كشف الأستار) من طريق جعفر بن عَون. جميعهم (عبد الله بن مسلمة، وأنس بن عياض، وأبو نعيم، وجعفر بن عَون) عن سَلَمة بن وَرْدان، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: خَرَج النبيُّ صلى الله عليه وسلم يتبرَّز، فلم يجد أحدًا يتبعه، فهرع عمر، فاتَّبعه بمِطهرة، فوَجَده ساجدًا في شَرَبة، فتنحَّى عمرُ فجلس وراءَه حتى رفع رأسَه، قال: فقال: أحسنتَ يا عمرُ حين وَجَدتَني ساجدًا فتَنَحيتَ عني، إنَّ جبريلَ عليه السلام أتاني، فقال: مَن صلَّى عليك واحدةً صلَّى اللهُ عليه عشرًا، وَرَفَعَهُ عشرَ درجاتٍ. وأما الوجه الثاني: فأخرجه إسماعيل القاضي في «فضل الصلاة على النبيِّ صلى الله عليه وسلم» (ص 99 رقم 5) وابن أبي عاصم في «فضل الصلاة على النبيِّ صلى الله عليه وسلم» (ص 33 رقم 33) من طريق يعقوب بن حميد بن كاسب، عن أبي ضَمرة أنس بن عياض، عن سَلَمة بن وَرْدان، عن مالك بن أوس بن الحَدَثان، عن عمرَ رضي الله عنه ... ، فذكره. وأما الوجه الثالث: فأخرجه أبو بكر الإسماعيلي في «مسند عمر»، كما في «جلاء الأفهام» (ص 136) من طريق يعقوب بن حميد. والبخاري في «الأدب المفرد» (ص 220 رقم 642) وأبو بكر الإسماعيلي في «مسند عمر»، كما في «جلاء الأفهام» (ص 137) من طريق أبي نعيم. كلاهما (يعقوب بن حميد، وأبو نعيم) عن سَلَمة بن وَرْدان، عن أنس بن مالك، ومالك بن أوس كليهما. قلت: ومع اضطراب سَلَمة بن وَرْدان فيه، فقد حسَّنه الحافظ العراقي في «الأربعين العُشَارية» (ص 204). وقال ابن القيم في «جلاء الأفهام» (ص 135): وهذا الحديث يحتمل أن يكون في مسند أنس، وأن يكون في مسند عمر، وجَعْله في مسند عمر أظهر لوجهين: أحدهما: أنَّ سياقه يدل على أنَّ أنسًا لم يحضر القصة، وأن الذي حضرها عمر. والثاني: أن القاضي إسماعيل قال: حدثنا يعقوب بن حميد: حدثني أنس بن عِياض، حدثني مالك بن أوس بن الحَدَثان، عن عمرَ بن الخطاب ... ، فذكره. فإن قيل: فهذا الحديث الثاني علَّة الحديث الأول؛ لأن سَلَمة بن وَرْدان أخبر أنه سَمِعَه من مالك بن أوس بن الحَدَثان، قيل: ليس بعلَّة له، فقد سَمِعَه سَلَمة بن وَرْدان منهما. انتهى كلام ابن القيم. قلت: الأظهر -والله أعلم- أن الحديث منكر؛ لتفرَّد سَلَمة بن وَرْدان به، وقد قال عنه أبو حاتم: ليس بقوي، تدبَّرت حديثَه فوَجَدتُ عامَّتها منكرة، لا يوافِق حديثُه عن أنس حديثَ الثقات إلا في حديث واحد، يُكتب حديثه. وقال ابن عدي: وفي متون بعض ما يَرويه أشياء منكرة، يخالِف سائر الناس. وضعَّفه النسائي، وأبو داود. انظر: «الجرح والتعديل» (4/ 174 رقم 761) و «تهذيب الكمال» (11/ 326) والحديث الذي شُورك فيه سَلَمة بن وَرْدان ذكره أبو حاتم، وأبو زرعة، وهو حديث أنس عن معاذ: «من مات لا يشرك بالله شيئًا».

حديث في الأدعية

حديث في الأدعية (107) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا أبو سعيد، وحسين بن محمد قالا: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عمرَ رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يتعوَّذ من خمس: من البُخلِ، والجُبْنِ، وفتنةِ الصَّدرِ، وعذابِ القبرِ، وسُوءِ العُمْرِ. ثم رواه أحمد (¬2)، عن وكيع، عن إسرائيل. قال وكيع: فتنة الصَّدر: أن يموت الرَّجل، وذَكَر وكيع الفتنة لم يتب منها. وأخرجه أبو داود (¬3)، والنسائي (¬4)، وابن ماجه (¬5) من حديث إسرائيل، عن أبي إسحاق، به. ورواه النسائي -أيضًا- (¬6)، وابن حبان في «صحيحه» (¬7) من حديث يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، به. وقال أبو داود (¬8): أسنده إسرائيل، ويونس، ورواه سفيان الثوري ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 22 رقم 145). (¬2) (1/ 54 رقم 388). (¬3) في «سننه» (2/ 303 رقم 1539) في التطوع، باب في الاستعاذة. (¬4) في «سننه» (8/ 647، 660 رقم 5458، 5495) في الاستعاذة، باب الاستعاذة من فتنة الصدر، وباب الاستعاذة من الدنيا. (¬5) في «سننه» (2/ 1263 رقم 3844) في الدعاء، باب ما تعوَّذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم. (¬6) في «سننه» (8/ 660 رقم 5496) في الاستعاذة، باب الاستعاذة من الدنيا. (¬7) (3/ 300 - 301 رقم 1024 - الإحسان). (¬8) هذا النص عن أبي داود لم أجده في مطبوع «السُّنن»، وأورده المزِّي في «تحفة الأشراف» (8/ 95 رقم 10617).

وشعبة، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون قال: قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ... ، فأرسَلاه. قلت: هكذا رواه النسائي (¬1)، عن أحمد بن سليمان، عن أبي داود، عن الثوري، به. ورواه -أيضًا- (¬2) من حديث زُهَير، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون قال: حدَّثني أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ... ، فذَكَره (¬3). ¬

(¬1) في «سننه» (8/ 660 رقم 5498) في الاستعاذة، باب الاستعاذة من الدنيا. (¬2) في الموضع السابق برقم (5497). (¬3) هذا الحديث -كما ترى- يَرويه أبو إسحاق السَّبيعي، وقد اختُلف عليه في وَصْله وإرساله، وفي صحابيه: فقيل: عنه، عن عمرو بن ميمون، عن عمرَ! وقيل: عنه، عن عمرو بن ميمون، عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم! وقيل: عنه، عن عمرو بن ميمون، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مرسلاً! وقيل: عنه، عن عمرو بن ميمون، عن ابن مسعود! أما الوجه الأول والثاني والثالث: فقد ذكرهم المؤلِّف. وأما الوجه الرابع: فأخرجه النسائي (8/ 648 - 649 رقم 5461) في الاستعاذة، باب الاستعاذة من البخل، من طريق زكريا بن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن ابن مسعود رضي الله عنه. ورجَّح أبو حاتم وأبو زرعة رواية من رواه عن عمرو بن ميمون، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مرسلاً، فقال ابن أبي حاتم في «العلل» (2/ 166، 186 رقم 1990، 2056): سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه زكريا بن أبي زائدة وزُهَير، فقال أحدهما: عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم! وقال الآخر: عن عمرو بن ميمون، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنه كان يتعوَّذ من خمس ... ، فأيهما أصح؟ فقالا: لا هذا، ولا هذا، روى هذا الحديث الثوريُّ، فقال: عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يتعوَّذ. مرسل! والثوري أحفظهم. وقال أبي: أبو إسحاق كبُر وساء حفظه بآخره، فسماع الثوريِّ منه قديمًا (كذا). وقال أبو زرعة: تأخَّر سماع زُهَير وزكريا من أبي إسحاق. وخالَفَهما الدارقطني، فقال في «العلل» له (2/ 187 - 188 رقم 209): والمتَّصل صحيح. وفيما قاله الدارقطني نظر؛ إذ لا يمكن أن يقاس إسرائيل ويونس بالثوريِّ، فالصواب ما رجَّحه أبو حاتم وأبو زرعة رحم الله الجميع. ولم يتنبَّه لهذا الاختلاف على أبي إسحاق السبيعي محقِّقو «مسند الإمام أحمد» (1/ 290، 447 رقم 145، 388 - ط مؤسسة الرسالة) فصحَّحوا رواية عمرو بن ميمون، عن عمرَ على شرط الشيخين، وفاتهم كلام أبي حاتم، وأبي زرعة، والدارقطني.

قلت: وسيأتي (¬1) في مسند سعد وابن مسعود رضي الله عنهما (¬2). حديث آخر (108) قال الحافظ أبو يعلى (¬3): ثنا زُهَير، ثنا أحمد بن إسحاق، ثنا عبدالواحد بن زياد، حدثني عبد الرحمن بن إسحاق، حدثني شيخ من ¬

(¬1) انظر: «جامع المسانيد والسُّنن» (3/ 390 رقم 4054). (¬2) وحديث سعد رضي الله عنه: أخرجه البخاري (6/ 35 رقم 2822) في الجهاد، باب ما يتعوذ من الجبن، و (11/ 174، 178، 181، 192 رقم 6365، 6370، 6374، 6390) في الدعوات، باب التعوذ من البخل، وباب الاستعاذة من أرذل العمر ... ، وباب التعوذ من فتنة الدنيا، من طريق عمرو بن ميمون قال: كان سعد يُعلِّم بَنِيهِ هؤلاء الكلمات، كما يعلِّمُ المعلِّمُ الغلمانَ الكتابةَ، ويقول: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوَّذ منهن دُبُرَ الصلاة: اللهم، إني أعوذُ بكَ من الجبنِ، وأعوذُ بكَ أن أردَّ إلى أرذلِ العُمْرِ، وأعوذُ بكَ من فتنةِ الدنيا، وأعوذُ بكَ من عذابِ القبرِ. وأما حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- فقد مضى تخريجه. (¬3) لم أجده في المطبوع من «مسنده»، وهو من رواية ابن حمدان، فلعلَّه في مسنده الكبير. وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (6/ 105 رقم 29815) في الدعاء، باب ما أمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم عمرَ بن الخطاب أن يدعو به، وأبو نعيم في «الحلية» (1/ 53) من طريق عبد الواحد بن زياد، به.

قريش، عن / (ق 43) ابن عُكَيم قال: قال عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه: قال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «قل: اللهمَّ اجعَل سَريرتي خيرًا من علانيتي، واجعَل علانيتي صالحةً». هكذا رواه أبو يعلى، وهو غريب من هذا الوجه. وقد رواه الترمذي (¬1) من طريق أخرى، عن محمد بن حميد، عن علي بن أبي بكر، عن الجرَّاح بن الضَّحاك الكندي، عن أبي شيبة، عن عبد الله بن عُكَيم ... ، فذَكَره. ثم قال: ليس إسناده بقوي (¬2). حديث آخر (109) قال أبو حاتم ابن حبان في «صحيحه» (¬3): أنا ابن قتيبة، أنا حَرمَلَة، أنا عبد الله بن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، حدثني المعلَّى بن رُؤبة التَّميمي، عن هاشم بن عبد الله بن الزُّبير أنَّه أَخبَرَه: أنَّ عمرَ بن الخطاب أَصابَتْهُ مصيبةٌ، فأتى رسولَ الله، فشكا إليه ذلك، فسأله أنْ يأمُرَ له بوَسْقٍ (¬4) من تمر، فقال له: «إنْ شئتَ أَمَرتُ لك بَوسْقٍ، وإنْ شئتَ علِّمتُك كلماتٍ هُنَّ خيرٌ لك)). فقال: علِّمنيهُنَّ، ¬

(¬1) في «سننه» (5/ 534 رقم 3586) في الدعوات، باب منه. (¬2) وقال الشيخ الألباني في تعليقه على «المشكاة»، كما في «هداية الرواة» (3/ 37 رقم 2438): وعلَّته: أن فيه أبا شيبة، وهو الواسطي، عبد الرحمن بن إسحاق، وهو ضعيف، ومحمد بن حميد الرازي ضعيف أيضًا. (¬3) (3/ 214 - 215 رقم 934 - الإحسان). وأخرجه -أيضًا- الفَسَوي في «المعرفة والتاريخ» (1/ 403) والبيهقي في «الدعوات الكبير» (1/ 165 رقم 221) والضياء في «المختارة» (1/ 416 رقم 296) من طريق ابن وهب، به. (¬4) الوَسْق: ستون صاعًا، والصاع: مكيال يسع أربعة أمداد. انظر: «النهاية» (3/ 60) و (5/ 185).

ومُرْ لي بوَسْقٍ، فإني ذو حاجةٍ إليه. فقال: «أفعل» (¬1). فقال: «قل: اللهمَّ احفظني بالإسلام قاعدًا (¬2)، واحفظني بالإسلام راقدًا، ولا تُطِعْ فيَّ عدوًّا حاسدًا، وأعوذُ بك من شرِّ ما أنت آخذٌ بناصيتِهِ، وأسألُكَ من الخير الذي هو بيدِكَ كلِّه». هذا حديث غريب (¬3). ¬

(¬1) قوله: «فقال: أفعل». ليس في المطبوع. (¬2) زاد في المطبوع: «واحفظني بالإسلام قائمًا». (¬3) علَّته الانقطاع بين هاشم بن عبد الله بن الزبير وعمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وبه أعلَّه ابن حبان، فقال عقب روايته: تُوفي عمر بن الخطاب وهاشم بن عبد الله بن الزبير ابن تسع سنين. وله شاهد من حديث ابن مسعود رضي الله عنه: أخرجه الحاكم (1/ 525) والطبراني في «الدعاء» (3/ 1474 رقم 1445) من طريق عبد الله بن صالح. واللالكائي في «أصول الاعتقاد» (4/ 720 رقم 1183) من طريق سعيد بن أبي مريم. كلاهما (عبد الله بن صالح، وسعيد بن أبي مريم) عن الليث بن سعد، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن أبي الصَّهباء، (وعند الطبراني واللالكائي: أبي المصفَّى) عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن ابن مسعود رضي الله عنه ... ، فذكره. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري. وتعقَّبه الذهبي بقوله: أبو الصَّهباء لم يخرِّج له البخاري. وقال الشيخ الألباني في «السلسلة الصحيحة» (4/ 54): ولم أعرف مَن هو؟ قلت: صوابه: «أبو المصفَّى»، كما عند الطبراني واللالكائي، وهو مجهول، كما قال الذهبي في «الميزان» (4/ 573 رقم 10608) والحافظ في «التقريب». وانظر: «تهذيب الكمال» (34/ 296)، وبمجموع هذين الطريقين -أعني طريق عمر وابن مسعود رضي الله عنهما- حسَّنه الشيخ الألباني في الموضع السابق.

حديث آخر (110) قال الإسماعيلي بإسناده عن شعبة (¬1)، عن خالد، سَمِعَ عبد الله بن الحارث: أنَّ ابنَ عمر أمر رجلاً أَخذ مَضجعه أن يقولَ: اللهمَّ أنت خَلَقتَ نفسي، وأنت توفَّاها، لك محياها ومماتها، إنْ أحييتَها فاحفَظْها، وإنْ أمتَّها فاغفِرْ لها، اللهمَّ إنِّي أسألُكَ العافيةَ. فقال رجلٌ: سَمِعتَهُ من عمرَ؟ قال: نعم، وسَمِعَه عمرُ من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. حديث آخر (111) قال الحافظ أبو بكر البزَّار (¬2): ثنا الفضل بن سهل، ثنا عثمان بن زُفَر، عن صفوان بن أبي الصَّهباء -هكذا قال-، عن سالم، عن أبيه، / (ق 44) عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «يقول اللهُ تعالى: إذا شَغَل عبدي ذِكري عن مسألتي أعطيتُه أفضلَ ما أعطي السائلين». هذا حديث غريب من هذا الوجه، ولم يخرِّجوه (¬3). ¬

(¬1) ومن هذا الوجه: أخرجه مسلم في «صحيحه» (4/ 2083 رقم 2712) في الذكر والدعاء، باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع. (¬2) في «مسنده» (1/ 247 رقم 137). (¬3) اختُلف في إسناده: فرواه البزار، كما سبق. وأخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» (2/ 115) وفي «خلق أفعال العباد» (ص 174 رقم 544) عن ضِرَار بن صُرَد، عن صفوان بن أبي الصَّهباء، عن بُكير بن عَتيق، عن سالم، عن أبيه، عن عمرَ، فذكره، وزاد فيه: «بُكير بن عَتيق» بين صفوان، وسالم! وضِرار بن صُرَد: متروك، كما قال البخاري، والنسائي، وقال ابن معين: ليس حديثه بشيء. وقال أبو حاتم: صدوق، صاحب قرآن وفرائض، يكتب حديثه، ولايحتج به. انظر: «الجرح والتعديل» (4/ 465 رقم 2044) و «تهذيب التهذيب» (4/ 456). وتابَعَه يحيى بن عبد الحميد الحِمَّاني، فرواه عن صفوان بن أبي الصَّهباء، عن بُكير بن عَتيق، به، كما عند أبي نعيم في «معرفة الصحابة» (1/ 56 رقم 216) والبيهقي في «شعب الإيمان» (2/ 462 رقم 567) وابن شاهين في «فضائل الأعمال» (1/ 188 رقم 153). لكن هذه المتابعة لا يُفرَح بها؛ لأن يحيى بن عبد الحميد الحِمَّاني متَّهمٌ بسرقة الحديث. انظر: «الجرح والتعديل» (9/ 168 رقم 695) و «تهذيب الكمال» (31/ 419). فهذا الحديث -كما ترى- قد اختَلَف الرواة فيه على صفوان بن أبي الصهباء، وصفوان هذا مختَلَف فيه، فوثَّقه ابن معين، وذكره ابن شاهين في «الثقات» (ص 176 رقم 558) وقال ابن خَلْفون، كما في «إكمال مغلطاي» (6/ 383): أرجو أن يكون صدوقًا. واختَلَف فيه قول ابن حبان، فأورده في «الثقات» (8/ 321) ثم عاد فذكره في «المجروحين» (1/ 376) وقال: منكر الحديث، يروي عن الأثبات ما لا أصل له من حديث الثقات، لا يجوز الاحتجاج به، إلا فيما وافق الثقات من الروايات. ثم ذكر له هذا الحديث، وقال: هذا موضوع، ما رواه إلا هذا الشيخ بهذا الإسناد. وأقرَّه ابن الجوزي في «الموضوعات» (3/ 421). وقال الدارقطني في تعليقه على «المجروحين» لابن حبان (ص 136): صفوان بن أبي الصَّهباء لا يُعرف له حديثًا مسندًا (كذا) غير هذا، حدَّث عنه مع عثمان بن زُفَر يحيى الحِمَّاني. وقال ابن عبد البر في «التمهيد» (6/ 46): ليس يجيء هذا الحديث -فيما علمت- مرفوعًا إلا بهذا الإسناد، وصفوان بن أبي الصَّهباء، وبُكَير بن عَتيق رجلان صالحان. وضعَّفه الشيخ الألباني في «السلسلة الضعيفة» (3/ 508). واختَلَف النقل عن الحافظ ابن حجر حول هذا الحديث، فذكره في «الفتح» (9/ 66) وقال: صفوان بن أبي الصهباء مختَلَف فيه. ونقل عنه السيوطي في «اللآلئ المصنوعة» (2/ 342) وابن عرَّاق في «تنزيه الشريعة» (2/ 323) أنه قال: إسناده حسن.

حديث آخر (112) قال عَبد بن حميد (¬1): ثنا حماد بن عيسى البصري، حدثني حنظلة بن أبي سفيان قال: سَمِعتُ سالم بن عبد الله بن عمر يحدِّث عن أبيه، عن جدِّه قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا مَدَّ يديه في الدُّعاء لم يردَّهما حتى يَمسحَ بهما وجهَهُ. وقد رواه الترمذي في الدَّعوات (¬2) عن جماعة من شيوخه، عن حماد بن عيسى الجُهَني، وقال: تفرَّد به، ولا نَعرفه إلا من حديثه (¬3). ¬

(¬1) في «المنتخب من مسنده» (1/ 90 - 91 رقم 39). (¬2) من «سننه» (5/ 432 رقم 3386) باب ما جاء في رفع الأيدي عند الدعاء. (¬3) وقال أبو زرعة وابن معين: هو حديث منكر. زاد أبو زرعة: أخاف ألا يكون له أصل. وقال البزار: وهذا الحديث إنما رواه عن حنظلة حماد بن عيسى، وهو ليِّن الحديث، وإنما ضعِّف حديثه بهذا الحديث، ولم نجد بُدًّا من إخراجه، إذ كان لا يُروى عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه، أو من وجه دونه. وقال الذهبي: أخرجه الحاكم في «مستدركه» [1/ 536] فلم يُصِب. وقال ابن تيمية: وأما مسحه وجهه بيديه، فليس عنه فيه إلا حديث أو حديثان، لا يقوم بهما حجَّة. انظر: «علل بن أبي حاتم» (2/ 205 رقم 2106) و «العلل المتناهية» (2/ 357) و «مسند البزار» (1/ 243) و «سير أعلام النبلاء» (16/ 67) و «مجموع الفتاوى» (22/ 519) و «الإرواء» (2/ 178).

حديث في صلاة التطوع

حديث في صلاة التَّطوع (113) قال عَبد بن حميد (¬1): ثنا علي بن عاصم، عن يحيى البكَّاء، حدثني عبد الله بن عمر قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أربعٌ قبلَ الظهرِ بعدَ الزوالِ، تُحسَبُ بمثلهنَّ في صلاةِ السَّحَرِ». قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «وليس من شيءٍ إلا وهو يُسبِّحُ اللهَ تلكَ الساعةِ»، ثم قرأ: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ} (¬2) الآية كلُّها. ورواه الترمذي في التفسير (¬3)، عن عَبد، وقال: غريب، لا نعرفه إلا من حديث عليِّ بن عاصم. ¬

(¬1) في «المنتخب من مسنده» (1/ 68 رقم 24). (¬2) النحل: 48 (¬3) في «سننه» (5/ 279 رقم 3128) باب: ومن سورة النحل.

قلت: وقد كان من الحفَّاظ الذين بلغوا المائة الألف، ومع هذا تكلَّم فيه يحيى بن معين، والفلاَّس، والبخاري، والنسائي، وغيرهم من الأئمَّة (¬1)، / (ق 45) فالله أعلم. حديث آخر (114) قال الإمام أحمد (¬2): ثنا سليمان بن داود -يعني أبا داود الطيالسي (¬3) -، ثنا أبو عَوَانة، عن داود الأَوْدي، عن عبد الرحمن المُسْلِي، عن الأشعث بن قيس قال: ضِفْتُ عمرَ، فتناول امرأتَهُ، فضَرَبها، فقال: يا أشعثُ، احفظْ عنِّي ثلاثًا حفظتهنَّ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: «لا تَسألِ الرَّجلَ فيمَ ضَرَبَ امرأتَهُ، ولا تَنَمْ إلا على وِتْرٍ». ونسيتُ الثالثة. وأخرجه أبو داود (¬4)، والنسائي (¬5)، وابن ماجه (¬6) من حديث ابن مهدي، عن أبي عَوَانة. ¬

(¬1) انظر: «تهذيب الكمال» (20/ 504) و «تاريخ بغداد» (11/ 446). وفي إسناده أيضًا: يحيى البكَّاء، وهو ضعيف جدًّا، قال عنه النسائي: ليس بثقة. وقال مرة: متروك الحديث. وقال أحمد: هو غير ثقة. وقال ابن معين: ليس بذاك. وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي، قلت: يحيى البكَّاء أحب إليك أو أبو جناب؟ قال: لا هذا، ولا هذا. قلت: إذا لم يكن في الباب غيرهما أيهما أكتب؟ قال: لا تكتب منه شيئًا. قلت: ما قولك فيه؟ قال: هو شيخ. انظر: «الجرح والتعديل» (9/ رقم 775) و «تهذيب الكمال» (31/ 533 - 535). وله طريق أخرى عن يحيى البكَّاء: أخرجها أبو محمد العدل في «الفوائد» (ق 277/ 1)، كما في «السلسلة الصحيحة» (3/ 417) عن علي بن عاصم، عن يحيى البكَّاء قال: أخبرني ابن عمرَ ... ، فذكره. وهذا يدل على اضطراب يحيى في هذا الخبر، فمرَّة يجعله من رواية عمر! ومرَّة يجعله من رواية ابن عمر! وقد أورد هذا الخبرَ الشيخ الألباني في «السلسلة الصحيحة» (3/ 416 - 714 رقم 1431) وحسَّنه بعد أن ساق له شاهدًا مرسلاً من رواية جرير، عن أبي سنان، عن أبي صالح قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أربعُ ركعاتٍ قبلَ الظهرِ يَعدلن بصلاةِ السَّحَرِ». والناظر في طريق يحيى البكَّاء يرى أنها لا تصلح للتقوية، لسوء حاله، واضطرابه. (¬2) في «مسنده» (1/ 20 رقم 122). (¬3) وهو في «مسنده» (1/ 52 - 53 رقم 47). (¬4) في «سننه» (3/ 49 رقم 2147) في النكاح، باب في ضَرْب النساء. (¬5) في «سننه الكبرى» (5/ 372 رقم 9168). (¬6) في «سننه» (1/ 639 رقم 1986) في النكاح، باب ضَرْب النساء.

ورواه ابن ماجه -أيضًا- (¬1)، وعَبد بن حميد (¬2) من حديث أبي عَوَانة، عن داود الأَوْدي. ورواه الإمام علي ابن المديني (¬3)، عن ابن مهدي، عن أبي عَوَانة، عن داود الأَوْدي، به، ثم قال: وهذا إسناد مجهول، وداود بن عبد الله الأَوْدي لا أعلم أحدًا روى عنه إلا زُهَير وأبو عَوَانة. قال: وعبد الرحمن المُسْلي، ويكنى بأبي وَبرة، لا أعلم روى عنه غير هذا. حديث آخر (115) قال عبد الله بن الإمام أحمد (¬4): حدثني أبي، ثنا عتَّاب بن زياد، ثنا عبد الله -يعني: ابن المبارك-، أنا يونس، عن الزهري، عن السائب بن يزيد، وعبيد الله بن عبد الله بن عُتبة، عن عبد الرحمن بن عَبْدٍ، عن عمرَ بن الخطاب -قال عبد الله: وقد بَلَغ أبي إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم-، قال: «مَن فاته شيءٌ من وِرْدِهِ -أو قال: جزئه (¬5) - من الليل، فقرأهُ ما بين صلاةِ الفجرِ إلى الظهرِ، فكأنما قَرَأَهُ من لَيلَتِهِ». وهكذا رواه / (ق 46) مسلم (¬6)، وأهل السُّنن (¬7) من حديث ابن وهب، ¬

(¬1) في الموضع السابق. (¬2) في «المنتخب من مسنده» (1/ 87 رقم 37). (¬3) في «العلل» له (ص 229). (¬4) «مسند أحمد» (1/ 32 رقم 220). (¬5) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «حزبه». (¬6) في «صحيحه» (1/ 515 رقم 747) في صلاة المسافرين، باب جامع صلاة الليل، ومن نام عنه أو مرض. (¬7) أخرجه أبو داود (2/ 202 رقم 1313) في التطوع، باب من نام عن حزبه، وابن ماجه (1/ 426 رقم 1343) في إقامة الصلاة، باب ما جاء فيمن نام عن حزبه من الليل، من طريق ابن وهب، به. ولم أجده عند الترمذي والنسائي من رواية ابن وهب، وإنما أخرجه الترمذي (2/ 474 رقم 581) في الصلاة، باب ما ذكر فيمن فاته حزبه من الليل فقضاه بالنهار، والنسائي (3/ 288 رقم 1789) في قيام الليل، باب متى يقضي من نام عن حزبه من الليل، من رواية أبي صفوان عبد الله بن سعيد بن عبد الملك، عن يونس.

عن يونس، عن الزهري، به. وقال الترمذي: حسن صحيح. ولفظ مسلم: عن عبد الرحمن بن عَبْدٍ القاري: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يقول: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن نام عن حزبِهِ، أو عن شيءٍ منه، فقَرَأهُ فيمَا بين صلاةِ الفجرِ وصلاةِ الظهرِ، كُتِبَ له كأنما قَرَأهُ من الليلِ». ثم قال الترمذي (¬1): ورواه ابن المبارك، عن يونس، عن الزهري، فوَقَفه. كذا قال، وقد تقدَّم في رواية أحمد رَفْعه من حديث ابن المبارك، وكأن وَقْفه من هذا الوجه أصح، فقد رواه النسائي (¬2) عن سُوَيد بن نصر، عن ابن المبارك، عن يونس، به، موقوفًا. ورواه -أيضًا- (¬3)، عن سُوَيد، عن ابن المبارك، عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن عمرَ ¬

(¬1) لم أجد كلام الترمذي في «السُّنن»، ولم يَذكره المزِّي في «تحفة الأشراف» (8/ 82 رقم 10529)، وإنما وجدت هذه العبارة للنسائي في «سننه الكبرى» (1/ 457). (¬2) في «السنن الكبرى» (1/ 457 رقم 1464). (¬3) في «سننه الصغرى» (3/ 289 رقم 1792).

موقوفًا، أيضًا. ورواه -أيضًا- (¬1)، عن محمد بن رافع، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عروة. وعن قتيبة (¬2)، عن مالك (¬3)، عن داود بن الحُصَين، عن الأعرج. كلاهما عن عبد الرحمن بن عَبْدٍ، عن عمر، موقوفًا أيضًا. وقد روى هذا الحديثَ الإمام علي ابن المديني، عن أبي صفوان عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان (د) (¬4) -، قال: ولم نر أحدًا ¬

(¬1) في «سننه الكبرى» (1/ 458 رقم 1464). (¬2) وروايته عند النسائي في «سننه الصغرى» (3/ 289 رقم 1791) و «الكبرى» (1/ 458 رقم 1465). (¬3) وهو في «الموطأ» (1/ 276) في الصلاة، باب ما جاء في تحزيب القرآن، -ومن طريقه: أخرجه المستَغفِري في «فضائل القرآن» (1/ 419 رقم 517) - ولفظه: من فاته حزبه من الليل، فقرأه حين تزول الشمس إلى صلاة الظهر، فإنه لم يفته. أو كأنَّه أدركه. وقد أعلَّ هذه الرواية ابنُ عبد البر، فقال في «الاستذكار» (2/ 462): هكذا هذا الحديث في «الموطأ» عن داود بن الحصين، وهو عندهم وَهْم من داود، والله أعلم؛ لأن المحفوظ من حديث ابن شهاب، عن السائب بن يزيد وعبيد الله بن عبد الله، عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاري، عن عمر بن الخطاب قال: من نام عن حزبه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل ... ، وهذا عند أهل العلم أولى بالصواب من حديث داود بن الحصين حين جعله من زوال الشمس إلى صلاة الظهر؛ لأن ضيق ذلك الوقت لا يدرك فيه المرء حزبه من الليل، ورب رجل حزبه نصف، وثلث، وربع، ونحو ذلك ... وابن شهاب أتقن حفظًا، وأثبت نقلاً. (¬4) هذا الرمز لبيان أن رواية أبي داود (2/ 202 رقم 1307) من طريق أبي صفوان عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان.

أقعدَ منه، وكان عندنا ثقة- قال: أخبرني يونس بن يزيد، عن الزهري، عن السائب بن يزيد وعبيد الله بن عبد الله. كلاهما عن عبد الرحمن بن عَبدٍ، عن عمر، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، به. ثم قال: ورواه غير واحد عن عمر، ولم يَرفعه، ورَفَعه الزهري، وجوَّد إسناده، وصحَّحه. وقد حدثنا (¬1) يحيى بن سعيد، ومعاذ بن هشام. كلاهما عن هشام الدَّستَوائي، عن يحيى، عن أبي سَلَمة، عن عبد الرحمن بن عَبدٍ، عن عمر، قولَه، موقوفًا. ورواه أبو داود (¬2)، عن قتيبة، عن أبي صفوان الأُمَوي، عن يونس، عن الزهري، به، مرفوعًا (¬3). ¬

(¬1) القائل هو: ابن المديني. (¬2) تقدَّم تخريجه (ص 556) تعليق رقم 5. (¬3) وممَّن رجَّح رفعَهُ: الترمذي، والبزَّار في «مسنده» (1/ 428 - 429)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (4/ 70) وابن عبد البر، كما في «شرح الزُّرقاني على الموطأ» (2/ 91). وهو اختيار الإمام مسلم، كما تقدَّم (ص 255)، تعليق رقم 1 وخالَفَهم الدارقطني فرجَّح وقفَه. انظر: «العلل» له (2/ 179).

أثر في قيام الليل

/ (ق 47) أثر في قيام الليل (116) قال أبو بكر ابن أبي الدُّنيا رحمه الله (¬1): ثنا محمد بن الحسين، ثنا الفضل بن دُكَين، ثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم قال: أخبرني أبي، قال: كنَّا نَبيتُ عند عمرَ، أنا ويَرْفَأ، قال: فكانت له ساعةٌ من الليل يُصلِّيها، وكان إذا استيقظَ قرأَ هذه الآية: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} (¬2) الآية، حتى إذا كان ذاتَ ليلةٍ قام فصلَّى، ثم انصرَفَ، فقال: قُوما فَصَلِّيا، فواللهِ ما أستطيعُ أن أُصلِّيَ، وما أستطيعُ أنْ أَرقُدَ، وإنِّي لأفتتحُ السورةَ، فما أدري في أوَّلها أنا، أو في آخرِها. قلنا: ولِمَ يا أميرَ المؤمنين؟ قال: من هَمِّي بالناسِ منذ جاءني هذا الخبرُ عن أبي عُبيدةَ. ثم رواه (¬3)، عن أبي خيثمة، عن ابن مهدي، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه: أنَّ أبا عُبيدةَ كَتَب إلى عمرَ، فذَكَر جموعًا من الرُّوم وشدَّة، فكان يُصلِّي من الليل، ثم يُوقظني، فيقول: قُمْ فَصَلِّ، فإنِّي لأقومُ فأصلِّي وأَضطجعُ، فما يأتيني النومُ. ثم يَغدو إلى الثنيِّة (¬4) فيَستَخبِرُ. هذا صحيح عنه رضي الله عنه. وفيه دلالةٌ على أنَّه إذا نَعَسَ المصلِّي، أو غَلَبَهُ هَمٌّ، أو فَتَرَ عن الصلاة، أو اعتَرَاهُ كَسَلٌ أو ملالٌ؛ أنَّه يتركُ الصلاةَ إلى أنْ يثوبَ إليه نشاطُهُ. ¬

(¬1) في «التَّهجد وقيام الليل» (ص 107 رقم 213). (¬2) طه: 132 (¬3) لم أقف عليه من هذه الطريق. (¬4) الثَّنية: كالعقبة في الجبل، وقيل: هو الطريق العالي فيه. «النهاية» (1/ 226).

وله أن يَفعلَ، كما رواه محمد بن سعد (¬1)، عن عمرَ -رضي الله عنه- حيث قال: (117) أخبرنا عمرو بن عاصم، ثنا أبو هلال، عن محمد بن سيرين قال: كان عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه- قد اعتَرَاهُ نسيانٌ في الصلاة، فجعل رجلاً خلفَهُ يُلقِّنُهُ، / (ق 48) فإذا أَومَأَ إليه أنْ يَسجدَ أو يَقومَ فَعَلَ. وهذا إن صحَّ مع انقطاعه؛ فمحمولٌ على أنَّه عَرَضَ له حينًا من الدَّهر، ولعلَّه في أيام اليرموك، حين بعث إليه أبو عُبيدة بتألُّب جيوش الرُّوم على المسلمين، كما تقدَّم، والله أعلم. (118) وكما علَّقه البخاري (¬2) عنه، حيث قال: وقال عمرُ: إنِّي لأجهِّز جيشي وأنا في الصلاةِ. ¬

(¬1) في «الطبقات الكبرى» (3/ 286) وعنه: البلاذُري في «أنساب الأشراف» (ص 216). (¬2) في «صحيحه» (3/ 89 - فتح) في العمل في الصلاة، باب تفكُّر الرجل الشيء في الصلاة. ووَصَله ابن أبي شيبة (2/ 188 رقم 7951) عن حفص بن غياث، عن عاصم بن أبي النَّجود، عن أبي عثمان النَّهدي قال: قال عمرُ: إني لأجهِّز جيوشي، وأنا في الصلاة. وصحَّح إسناده الحافظ في «الفتح» (3/ 90) والشيخ الألباني في «مختصر صحيح البخاري» (1/ 357).

صلاة التراويح

صلاة التراويح (119) قال البخاري رحمه الله (¬1): ثنا عبد الله بن يوسف، أنا مالك (¬2)، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن قام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبِه». قال ابن شهاب: تُوفي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم والأمرُ على ذلك، ثم كان الأمرُ على ذلك (¬3) في خلافة أبي بكر، وصدرًا من خلافة عمرَ. وعن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عَبدٍ القاري أنَّه قال: خَرَجتُ مع عمرَ بن الخطاب ليلةً في رمضانَ إلى المسجدِ، فإذا الناسُ أوزاعٌ مُتَفرِّقونَ، يُصلِّي الرَّجلُ لنفسِهِ، ويُصلِّي الرَّجلُ فيُصلِّي بصلاتِهِ الرَّهطُ، فقال عمرُ رضي الله عنه: إنِّي أرى لو جَمَعتُ هؤلاء على قارئٍ واحدٍ لكان أمثلَ، ثم عَزَمَ، فجَمَعَهُم علي أُبَي بن كعبٍ -رضي الله عنه-، ثم خَرَجتُ معه ليلةً أخرى، والناسُ يُصلُّون بصلاةِ قارئِهِم، فقال عمرُ: نعمَ البدعةُ هذه، والتي ينامون عنها أفضلُ من التي يقومون -يريدُ: آخرَ الليلِ-، وكان الناسُ يقومون أوَّلَهُ. هكذا أتبع البخاري هذا الأثر عن عمرَ، موطِّئًا بحديث أبي هريرة قبله، وهو صنيع حسن رحمه الله. ¬

(¬1) في «صحيحه» (4/ 250 رقم 2009، 2010 - فتح) في صلاة التراويح، باب فضل من قام رمضان. (¬2) وهو في «الموطأ» (1/ 170، 171) في الصلاة في رمضان، باب ما جاء في قيام رمضان، لكن قال: «عن ابن شهاب، عن أبي سَلَمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة». ... وانظر حول هذا الاختلاف: «علل الدارقطني» (9/ 225 رقم 1731) و «التمهيد» (7/ 95) و «فتح الباري» (4/ 251). (¬3) قال الحافظ في «الفتح» (4/ 252): أي: على ترك الجماعة في التراويح.

طريق أخرى (120) قال أبو داود (¬1): ثنا شجاع بن مَخلد، ثنا هشيم، أنا يونس بن عبيد، عن الحسن (¬2): أنَّ عمرَ بن الخطاب جَمَعَ الناسَ على أُبَي بن كعب، فكان يُصلِّي بهم عشرينَ ليلةً، لا يَقنتُ إلا في النصفِ الباقي، فإذا كانت العشرُ الأواخرُ تخلَّف فصَلَّى في بيته، فكانوا يقولون: أَبَقَ أُبَي. / (ق 49) طريق أخرى (121) قال إمام الأئمَّة محمد بن إسحاق بن خزيمة (¬3): ثنا عبد الله بن أبي زياد القَطَواني، ثنا سيَّار بن حاتم، ثنا جعفر بن سليمان، ثنا قَطَن بن ¬

(¬1) في «سننه» (2/ 256 رقم 1424) في الصلاة، باب القنوت في الوتر. (¬2) ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه بين الحسن وعمر. وله شاهد: أخرجه أبو الحسن بن رَزقويه، كما في «التلخيص الحبير» (2/ 24) عن عثمان بن السمَّاك، عن محمد بن عبد الرحمن بن كامل، عن سعيد بن حفص قال: قَرَأنا على مَعقِل، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عَبدٍ القاري: أنَّ عمرَ خَرَج ليلةً في شهر رمضانَ ... ، فذَكَر حديثًا طويلاً، وفيه قول عمر: السُّنَّةُ إذا انتَصَفَ شهرُ رمضانَ أن يَلعنَ الكفرةَ في آخرِ ركعةٍ في الوتر، بعد ما يقولُ القارئُ: سَمِعَ اللهُ لمن حمده، ثم يقولُ: اللهمَّ العَن الكفرةَ. قال الحافظ: وإسناده حسن. (¬3) لم أقف عليه في مظانِّه من مصنَّفاته المطبوعة، ومن طريقه: أخرجه ابن الجوزي في «المنتظم» (4/ 180). وأخرجه -أيضًا- ابن أبي الدُّنيا في «فضائل رمضان» (ص 58 رقم 30) وأبو الطاهر بن أبي الصَّقر في «مشيخته» (ص 106 رقم 35) وأبو القاسم الأصبهاني في «الترغيب والترهيب» (2/ 368 رقم 1792) من طريق سيَّار بن حاتم، به. تنبيه: تحرَّف «سيار بن حاتم» عند ابن الجوزي إلى: «سنان بن جاثمة»! وعند ابن أبي الدُّنيا إلى: «سنان بن حاتم»! وتحرَّف «قطن» عند ابن الجوزي إلى: «قطر»! وعند أبي القاسم الأصبهاني إلى: «قطن أو فطر»! وعند ابن أبي الدُّنيا إلى: «حباب القطيعي»! وتحرَّف «الهمداني» عند ابن الجوزي إلى: «الهمذاني»!

كعب القُطَعي، عن أبي إسحاق الهَمْداني قال: خَرَج عليُّ بن أبي طالب في أوَّل ليلةٍ في رمضانَ، فسَمِعَ القراءةَ في المساجد، ورأى القناديلَ تَزهَرُ (¬1)، فقال: نَوَّر اللهُ لعمرَ بن الخطاب في قبرِهِ، كما نَوَّر مساجدَ اللهِ بالقرآنِ. هذا منقطع بين أبي إسحاق وعليّ. وقد رواه بِشر بن موسى، عن عبد الرحمن بن واقِد، عن عمرو بن جُمَيع، عن ليث، عن مجاهد، عن عليٍّ، مثله. وهذا منقطع. حديث آخر (122) قال أبو يعلى (¬2): ثنا أبو خالد (¬3)، ثنا زياد، عن معاوية بن قُرَّة ¬

(¬1) هكذا ضبطها المؤلِّف بفتح التاء، والذي وَجَدته في بعض كتب اللُّغة: «تُزهِرُ». انظر: «لسان العرب» (6/ 98 - مادة زهر). (¬2) لم أجده في المطبوع من «مسنده»، وهو من رواية ابن حمدان، وأورده الهيثمي في «المقصد العلي» (1/ 129 رقم 249 - رواية ابن المقرئ). وهذا الخبر منكر، تفرَّد به زياد، وهو: ابن أبي زياد الجصَّاص، قال عنه أبو حاتم: منكر الحديث. ووهَّاه أبو زرعة، وقال النسائي: ليس بثقة. انظر: «تهذيب الكمال» (9/ 472) و «الجرح والتعديل» (3/ 532 رقم 2405). ثم هو مُعلّ بجهالة هؤلاء النفر الذين حدَّثوا عن عمرَ رضي الله عنه. وانظر ما تقدم تعليقه (ص 157)، تعليق رقم 5 (¬3) قوله: «ثنا أبو خالد» كذا ورد بالأصل. والصواب: «ثنا عثمان، ثنا أبو خالد»، كما في «المقصد العلي».

قال: حدَّثني الثلاثة الرَّهط الذين سألوا عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- عن الصلاة في المسجد -يعني: التَّطوع-، فقال: سألتموني عمَّا سألتُ عنه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: قال: «الفريضةُ في المسجدِ -أو: المساجدِ- والتَّطوعُ في البيوتِ تُنوِّر» (¬1). وقد تقدَّم له طريق أخرى في الطهارة (¬2)، وسيأتي له شاهد في موقف الإمام والمأموم (¬3). حديث آخر (123) قال الحافظ أبو يعلى (¬4): ثنا محمد بن إسحاق المُسيَّبي، ثنا عبد الله بن نافع، عن حماد بن أبي حميد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بَعَثَ بَعْثاً قِبلَ نجد (¬5)، فغنموا غنائمَ كثيرةً، ورَجَعوا، فأسرَعوا الرَّجعَةَ، فقال رجلٌ ممَّن لم يَخرج: ما رأيتُ بَعْثًا أسرعَ رَجعَةً، ولا أفضلَ غنيمةً من هذا البَعث! فقال النبيُّ ¬

(¬1) قوله: «تنور» كذا ورد بالأصل. وليست في المطبوع من «المقصد العلي». (¬2) انظر ما تقدَّم (ص 156 رقم 39). (¬3) انظر ما سيأتي (ص 281 رقم 144). (¬4) لم أجده في المطبوع من «مسنده»، ومن طريقه: أخرجه ابن عدي (2/ 241 - ترجمة حماد بن أبي حميد). وأخرجه -أيضًا- الترمذي (5/ 522 رقم 3561) في الدعوات، باب منه، من طريق عبد الله بن نافع، به، وتحرَّف فيه «زيد بن أسلم» إلى: «يزيد بن سُليم»! وجاء على الصواب في نسخة الخطية (ل 241/ أ -نسخة المكتبة الوطنية بباريس)، و «تحفة الأشراف» (8/ 9 رقم 10400). (¬5) قال ابن الأثير: النَّجْد: ما ارتفع من الأرض، وهو اسم خاص لما دون الحجاز مما يلي العراق. «النهاية» (5/ 19).

صلى الله عليه وسلم: «أَلاَ أَدلُكُم على قومٍ أفضلَ غنيمةً، وأسرعَ رَجعَةً؟ قومٌ شَهِدوا صلاةَ الصبحِ، ثم جَلَسوا يَذكرون اللهَ حتى طَلَعتِ الشمسُ، فأولئك أسرعُ رَجعَةً، وأفضلُ غنيمةً». هذا حديث غريب من هذا الوجه، وحماد بن أبي حميد هذا هو: محمد بن أبي حميد المدني، وهو ضعيف في الحديث (¬1)، والله أعلم. ¬

(¬1) هذا الإعلال هو نصُّ عبارة الترمذيِّ في «السُّنن». وقال ابن عدي: ولحماد بن أبي حميد غير ما ذكرت من الحديث، وضَعْفه يبين على ما يَرويه. وانظر للفائدة: «السلسلة الصحيحة» للشيخ الألباني (6/ 71 - 72 رقم 2531).

حديث في سجود التلاوة

حديث في سجود التلاوة (124) روى أبو بكر الإسماعيلي من حديث بقيَّة بن الوليد: حدثني عبد الحميد بن إبراهيم، عن غالب، عن ابن المسيّب، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قرأ أحدُكم القرآنَ فلا يَختَلِجِ (¬1) السجدةَ، يَقرأُ ما قبلَها وما بعدَها، فيُختَلَجُ الحقُّ من قلبِهِ». هذا حديث غريب. أثر عن عمر (125) قال البخاري (¬2): ثنا إبراهيم بن موسى، ثنا هشام بن يوسف، أنَّ ابن جريج أَخبَرَهم قال: أخبرني أبو بكر ابن أبي مُلَيْكَة، عن عثمان بن عبد الرحمن التَّيمي، عن ربيعة بن عبد الله بن الهُدَير التَّيمي -قال أبو بكر: وكان ربيعةُ من خيارِ الناسِ-، عمَّا حَضَرَ ربيعةُ من عمرَ بن الخطاب، قرأ يومَ الجمعةِ على المنبرِ سورةَ النَّحلِ، حتى إذا جاء السجدةُ نَزَل فسَجَدَ، وسَجَدَ الناسُ، حتى إذا كانت الجمعةُ القابلةُ قرأ بها، حتى إذا جاء السجدةُ، قال: يا أيها الناسُ، إنا نَمرُّ بالسُّجودِ، فمَن سَجَدَ فقد أصابَ، ومَن لم يَسجُدْ فلا إثمَ عليه. ولم يَسجُدْ عمرُ رضي الله عنه. وزاد نافع، عن ابن عمرَ: إنَّ اللهَ لم يَفرضْ السُّجودَ إلا أنْ نشاءَ. وهذا يدل على عدم وجوبه، لأنه لم يُنكره أحدٌ من الصحابة، فكان كالإجماع السُّكوتي. ¬

(¬1) الخَلَج: المنازعة. انظر: «المصباح المنير» (ص 150 - مادة خلج). (¬2) في «صحيحه» (2/ 557 رقم 1077 - فتح) في سجود القرآن، باب من رأى أنَّ الله عزَّ وجلَّ لم يوجب السجود.

(126) وفي «صحيح البخاري» (¬1): عن زيد بن ثابت: أنَّه قرأ النجمَ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فلم يَسجُدْ. أثر آخر (127) قال الدارقطني (¬2): ثنا أبو بكر النَّيسابوري، ثنا يوسف بن سعيد بن مسلم، ثنا حجَّاج، عن ابن جريج، أنا عكرمة بن خالد: أنَّ سعيدَ بن جُبَير أَخبَرَه: أنَّه سَمِعَ ابنَ عباس يقول: رأيتُ عمرَ قَرَأَ على المنبرِ {ص}، فنَزَل فسَجَدَ، ثم رَقَى على المنبرِ. إسناد صحيح. ¬

(¬1) (2/ 554 رقم 1072، 1073 - فتح) في سجود القرآن، باب من قرأ السجدة ولم يسجد. وهو عند مسلم (1/ 406 رقم 577) في المساجد، باب سجود التلاوة، بنحوه. (¬2) في «سننه» (1/ 407).

حديث يذكر في سجود الشكر

حديث يُذكر في سجود الشكر (128) قال أبو بكر البزَّار (¬1): ثنا بِشر بن معاذ العَقَدي، ومحمد بن عبد الملك، وعبد الواحد بن غياث، قالوا: ثنا حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار -قَهْرمان (¬2) دار الزُّبير-، عن سالم، عن أبيه، عن عمرَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَن رأى مُبتلًى، فقال: الحمدُ للهِ الذي عافاني مما ابتلاكَ به، وفَضَّلني على كثيرٍ ممَّن خَلَقَ تفضيلاً؛ إلا عافاه اللهُ من ذلك البلاءِ، كائنًا ما كان، أبدًا ما عاش». ورواه الترمذي في الدَّعوات (¬3)، عن محمد بن عبد الله بن بَزيع، عن عبد الوارث بن سعيد، عن عمرو بن دينار، به، وقال: هو شيخ بصري، وليس هو بالقوي. وقال البزَّار: لا يُتابَع عليه (¬4). ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 237 رقم 124). (¬2) القَهْرمان: الخازن والوكيل والحافظ لما تحت يده، والقائم بأمور الرجل بلُغة الفُرس. «النهاية» (4/ 129). (¬3) من «سننه» (5/ 459 رقم 3431). (¬4) اضطَّرب فيه عمرو بن دينار قَهْرمان آل الزبير، فرواه كما سبق. ورواه مرَّة، فجعله من مسند ابن عمرَ، وروايته عند ابن ماجه (2/ 1281 رقم 3892) في الدعاء، باب ما يدعو به الرجل إذا نظر إلى أهل البلاء، وابن الأعرابي في «معجمه» (3/ 1098 رقم 2364). ورواه أيوب، واختُلف عليه: فأخرجه معمر في «جامعه» الملحق بـ «المصنَّف» (10/ 445 رقم 19655) عن أيوب، عن سالم قولَه! ورجَّح المرسلَ الحِنَّائي في «فوائده» (ق 34/ب). وقد خولف معمر في روايته، خالَفَه المغيرة بن مسلم، فرواه عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمرَ مرفوعًا! وروايته عند البزار، كما في «أحكام النظر» لابن القطان (ص 420) والطبراني في «الأوسط» (5/ 283 رقم 5324). وهذا منكر، تفرَّد به المغيرة بن مسلم عن أيوب، وتفرُّد مثله عن أيوب لا يُحتمل، وقد قال الطبراني عقب روايته: لم يرو هذا الحديث عن أيوب إلا المغيرة بن مسلم. وخالف ابن القطان، فقال في «النظر في أحكام النظر» (ص 421): المغيرة بن مسلم مشهور، ليس به بأس، وإسناده حسن. وانظر: «علل الدارقطني» (4/ 112/ب) و «السلسلة الصحيحة» للشيخ الألباني (6/ 532).

أثر فيمن ترك القراءة في الصلاة ناسيا أنه لا تبطل صلاته، وأنه لا يسجد

أثر فيمن ترك القراءة في الصلاة ناسيًا أنَّه لا تبطل صلاته، وأنَّه لا يسجد وهو القول القديم عن الشافعيّ (¬1)، وحجَّته: (129) ما رواه (¬2) عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سَلَمة: أنَّ عمرَ بن الخطاب صلَّى (¬3)، فلم يَقرأْ (¬4)، فقال لهم: كيف كان الركوعُ والسُّجودُ؟ قالوا: حَسَنًا. قال: فلا بأسَ إذًا. ¬

(¬1) انظر: «روضة الطالبين» (1/ 350). (¬2) في «الأم» (7/ 237). وأخرجه -أيضًا- الإمام أحمد في «مسائله» (2/ 200 رقم 769 - رواية صالح) لكن قال: عن يحيى بن سعيد، عن عبد الله بن عمر العُمَري، عن محمد بن إبراهيم، به. فزاد في إسناده: العُمَري! وقد توبع العُمَري على هذا الوجه، تابَعَه أخوه عبيد الله، وروايته عند ابن أبي شيبة (1/ 348 رقم 4006). (¬3) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «صلَّى بالناس المغرب». (¬4) زاد في المطبوع: «فلما انصرف قيل له: ما قرأت».

قال الشافعي: ولم يَذكر أنَّه سَجَدَ للسَّهو، ولم يُعدِ الصلاةَ، وإنما فعل ذلك بين ظَهْراني المهاجرين والأنصار. قلت: وهو منقطع، أبو سَلَمة لم يُدرك عمر (¬1). سيأتي (¬2) في مسند ابن عمر من حديث يحيى بن المتوكِّل، عن إبراهيم بن يزيد، عن سالم، عن أبيه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وأبا بكرٍ، وعمرَ -رضي الله عنهما- قالوا: لا يَقطَعُ صلاةَ المسلمِ شيءٌ، وادْرَأْ ما استطعتَ. رواه الدارقطني (¬3). ¬

(¬1) وقد ضعَّفه الإمام البخاري في جزء «القراءة خلف الإمام» (ص 84). وقال ابن عبد البر في «التمهيد» (20/ 193): حديث منكر اللفظ، منقطع الإسناد ... ، لا حجَّة فيه عند أحد من أهل العلم بالنَّقل، وقد روي من وجوه متَّصلة أنه أعاد تلك الصلاة. وانظر: «السُّنن الكبرى» للبيهقي (2/ 382) مع حاشية ابن التركماني. (¬2) يعني: في كتابه «جامع المسانيد والسُّنن»، ولم أجده في القسم الذي أخرجه قلعجي. (¬3) في «سننه» (1/ 367 - 368). وإسناده ضعيف جدًّا، إبراهيم بن يزيد، هو: الخُوزي: متروك. وقد قال البيهقي في «سننه» (2/ 279): ورواه أبو عقيل يحيى بن المتوكل الباهلي، عن إبراهيم بن يزيد المكي، عن سالم بن عبد الله، فرَفَعه، والصحيح موقوف. قلت: والرواية الموقوفة على ابن عمرَ رضي الله عنهما: أخرجها مالك (1/ 222) في الصلاة، باب الرخصة في المرور بين يدي المصلي، عن الزهري. وعبد الرزاق (2/ 30 رقم 2366) عن معمر. وابن أبي شيبة (1/ 251 رقم 2885) في الصلاة، باب من قال: لا يقطع الصلاة شيء ... ، عن ابن عيينة. جميعهم (مالك، ومعمر، وابن عيينة) عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمرَ، قولَه. وهذا إسناد صحيح. وأما عن أبي بكر، وعمر -رضي الله عنهما- فلم أقف عليه. وقد ثبت في «صحيح مسلم» (1/ 365 رقم 510) في الصلاة، باب قدر ما يستر المصلي، من حديث أبي ذرٍّ -رضي الله عنه- مرفوعًا: «إذا قام أحدُكم يصلِّي، فإنه يَستُرُهُ إذا كان بين يديه مثلُ آخرة الرَّحْل، فإذا لم يكن بين يديه مثلُ آخرةِ الرَّحْل، فإنه يقطع صلاتَه الحمارُ، والمرأةُ، والكلبُ الأسودُ». وأما قوله: «وادرأ ما استطعت»؛ فقد أخرجه مسلم في «صحيحه» (1/ 362 رقم 505) (258) في الصلاة، باب منع المار بين يدي المصلي، من حديث أبي سعيد الخُدْري -رضي الله عنه- مرفوعًا: «إذا كان أحدُكم يصلِّي، فلا يَدَعْ أحدًا يمرُّ بين يديه، ولْيَدرَأْهُ ما استطاع، فإن أَبَى فليُقاتِلْهُ، فإنما هو شيطانٌ».

حديث في سجود السهو

حديث في سجود السَّهو (130) قال الدارقطني (¬1): حدثنا علي بن الحسن بن هارون بن رستم السَقَطي، ثنا محمد بن سعيد أبو يحيى العطَّار، ثنا شبابة، ثنا خارجة بن مصعب، عن أبي الحسن المديني (¬2)، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: «ليس على مَن خلفَ الإمامِ سهوٌ، فإن سَهَا الإمامُ؛ فعليه وعلى مَن خلفَهُ السَّهوُ، وإنْ سَهَا مَن خلفَ الإمامِ؛ فليس عليه سهوٌ، والإمامُ كافِيْهِ». هذا حديث لا يَثبت إسناده؛ لأنَّ خارجة بن مصعب الضُّبَعيِّ أبا الحجَّاج الخراساني السَّرَخسي تَرَكه الأئمَّة، كأحمد، وابن معين، ويحيى بن يحيى، وغيرهم، وكذَّبه ابن معين في رواية عنه (¬3)، وأما شيخه أبو الحسن المديني فلا أعرفه (¬4). ¬

(¬1) في «سننه» (1/ 377). (¬2) كذا ورد بالأصل. والذي في «سنن الدارقطني»، و «سنن البيهقي» (2/ 352) و «إتحاف المهرة» (12/ 274 رقم 1556): «أبو الحسين المديني». (¬3) انظر: «تهذيب الكمال» (8/ 61) و «الجرح والتعديل» (3/ 375 رقم 1716). (¬4) قد تبين من مصادر التخريج أنه أبو الحسين المديني، وقد قال عنه البيهقي في الموضع السابق: مجهول. وقال الذهبي في «الميزان» (4/ 515 رقم 10107): لا يُعرَف. قلت: وقد خولف خارجة بن مصعب في روايته، خالَفَه سليمان بن بلال، فرواه عن أبي الحسين، عن الحكم بن عبد الله، عن سالم بن عبد الله قال: جاء جُبَير بن مُطعِم إلى ابن عمر، فقال: يا أبا عبد الرحمن، كيف قال أمير المؤمنين عمر في الإمام يؤمُّ القوم؟ فقال ابن عمر: قال عمرُ: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ... ، فذكره. ومن هذا الوجه: أخرجه البيهقي (2/ 352) وقال: الحكم بن عبد الله: ضعيف. وقال الشيخ الألباني في «الإرواء» (2/ 132): والحكم هذا هو: أبو سَلَمة العاملي الشامي، وقد اختُلف في اسمه، وهو واهٍ جدًّا، فقد اتُّهم بالكذب والوضع.

قلت: وأقرب ما يُحمل هذا على أنَّه من فتاوى سالم، أو أبيه، والله أعلم.

حديث في النهي عن الصلاة في أوقات

حديث في النهي عن الصلاة في أوقات (131) / (ق 50) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا بهز، ثنا أبان، عن قتادة، عن أبي العالية، عن ابن عباس قال: شَهِدَ عندي رجال مَرْضيُّون، منهم: عمرُ، وأرضاهم عندي عمر: أن نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «لا صلاةَ بعد العصرِ حتى تَغرُبَ الشمسُ، ولا صلاةَ بعد صلاةِ الصبحِ حتى تَطلُعَ الشمسُ». أخرجه الجماعة في كتبهم (¬2) من طرق، عن قتادة، عن أبي العالية، به. وقال الترمذي: حسن صحيح. ورواه الحافظ علي ابن المديني، عن خالد بن الحارث، عن سعيد بن أبي عَروبة، عن قتادة، به. وقال: هذا حديث صحيح مثبت. وقد حدَّثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة: قال: لم يَسْمع قتادة من أبي العالية إلا أربعة أحاديث، هذا منها. قال عليّ: ولولا ما قال شعبة كان هذا الحديث مضطَّربًا، وهو إسناد بصري، وقد روي في الصلاة بعد العصر وبعد الصبح أحاديثٌ، ولا نحفظه عن عمرَ إلا من هذا الوجه. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 18 رقم 110). (¬2) أخرجه البخاري (2/ 58 رقم 581 - فتح) في مواقيت الصلاة، باب الصلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس، ومسلم (1/ 566 رقم 826) في صلاة المسافرين، باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها، وأبو داود (2/ 184 رقم 1270) في الصلاة، باب من رخص فيها إذا كانت الشمس مرتفعة، والترمذي (1/ 343 رقم 183) في الصلاة، باب ما جاء في كراهية الصلاة بعد العصر وبعد الفجر، والنسائي (1/ 299 رقم 561) في المواقيت، باب النهي عن الصلاة بعد الصبح، وابن ماجه (1/ 396 رقم 1250) في إقامة الصلاة، باب النهي عن الصلاة بعد الفجر وبعد العصر.

قلت: قد روي هذا الحديثُ عن عمرَ من غير هذا الوجه: (132) فقال الإمام أحمد (¬1): ثنا سلمة (¬2) بن نافع الباهلي، ثنا صالح، عن الزهري، حدَّثني ربيعة بن درَّاج: أنَّ عليَّ بن أبي طالب سبَّح بعد العصر ركعتين في طريق مكةَ، فرآه عمرُ، فتَغيَّظَ عليه، ثم قال: أمَا واللهِ لقد عَلِمتَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها. غريب من هذا الوجه، وربيعة بن درَّاج لا يُعرف إلا برواية الزهريِّ عنه، ولم يَذكره أبو حاتم (¬3). ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 17 رقم 101). (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «السَّكَن»، وهو الصواب الموافق لما في «إطراف المسند المعتلي» (5/ 27 رقم 6553). (¬3) يَرويه الزهري، واختُلف عليه، فرواه صالح بن أبي الأخضر -كما هنا-، عن الزهري قال: حدَّثني ربيعة بن درَّاج. وصالح بن أبي الأخضر: ضعيف، وربيعة بن دَرَّاج اختُلف في سماع الزهري منه، والذي يظهر أنه لم يَسْمع منه؛ لأنَّ ربيعة بن درَّاج من مسلمة الفتح، كما رجَّح ذلك الحافظ في «الإصابة» (3/ 261). وعليه؛ فقول صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري: حدَّثني ربيعة. من أوهام صالح. ... وقد رواه ابن المبارك -كما في «مسند أحمد» (1/ 17 رقم 106) و «تاريخ ابن عساكر» (18/ 60) -، عن معمر، عن الزهري، عن ربيعة: أنَّ عليًّا صلَّى بعد العصر ركعتين، فتغيَّظ عليه عمرُ ... ، ولم يقل: حدَّثني. ورواه الذُّهْلي في «الزُّهريات» -كما في «تاريخ ابن عساكر» (18/ 61) - قال: ثنا أبو صالح، ثنا الليث، حدثني يزيد بن أبي حبيب: أنَّ ابنَ شهاب كَتَب يَذكر: أنَّ ابنَ مُحَيريز أَخبَرَه عن ربيعة بن درَّاج أَخبَرَه: أنَّ عمرَ بن الخطاب ... ، الحديث وأخرجه أبو زرعة الدمشقي -كما في «تاريخ ابن عساكر» (18/ 61) - قال: ثنا أبو صالح، حدثني الليث قال: حدثني يونس، عن ابن شهاب قال: حدَّثني ابن درَّاج، عن عمرَ ... ، فذكره. وأخرجه الطحاوي (1/ 303) من طريق سَلاَمة بن رَوْح، عن عُقيل بن خالد، عن الزهري، عن حِزَام بن درَّاج: أنَّ عليَّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- سبَّح بطريقِ مكةَ، فدعاه عمرُ، فتغيَّظ عليه، وقال: لقد علمتَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان ينهانا عنهما. قال الحافظ في «الإصابة» (3/ 261): فهذا الاختلاف على الزهري من أصحابه، وأرجحها رواية أبي صالح، عن الليث. وانظر: «التاريخ الكبير» (3/ 115 رقم 389) و «علل الدارقطني» (2/ 149 رقم 173).

طريق أخرى (133) ورواه أحمد (¬1)، عن أبي المغيرة، عن صفوان، عن عبد الرحمن بن جُبَير بن نُفَير، عن الحارث بن معاوية: أنَّه سأل عمرَ عن الركعتين بعد العصر، فقال: نهاني عنها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. طريق أخرى (134) قال الحافظ / (ق 51) أبو بكر الإسماعيلي: ثنا يحيى بن محمد الحِنَّائي، ثنا شيبان، ثنا حماد بن سَلَمة، عن الأسود بن قيس، عن عبد الله بن الحارث: أنَّ أبا بكرٍ وعمرَ -رضي الله عنهما- كانا إذا دخل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة بادَرَا، أيهما يكون حيالَهُ، فصلَّى ذاتَ يومٍ، فلما فَرَغ قام رجلٌ يُصلِّي ركعتين بعد العصر، فقام إليه عمرُ -رضي الله عنه-، فأخذ بمنكبه، وقال: إنما هلك بنو إسرائيل أنَّه لم يكن لصلاتهم فَصْلٌ، النبيُّ صلى الله عليه وسلم (¬2)، وقال: «صَدَق عمرُ» (¬3). ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 18 رقم 111). وصحَّح إسناده الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه لـ «مسند أحمد» (1/ 203)، وقال: الحارث بن معاوية ذَكَره بعضهم في الصحابة، ورجَّح الحافظ أنه تابعي مخضرم. (¬2) قوله: «فَصْلٌ، النبيُّ صلى الله عليه وسلم» كذا ورد بالأصل. وضبَّب عليه المؤلِّف، إشارة إلى وجود سقط. (¬3) لم أقف عليه من هذه الطريق، وقد أخرج عبد الرزاق (2/ 432 رقم 3973) عن عبد الله بن سعيد قال: أخبرني الأزرق بن قيس قال: سَمِعتُ عبد الله بن رباح الأنصاري يحدِّث عن رجل من الأنصار من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى العصرَ، فقام رجلٌ يُصلِّي بعدَها، فأخذ عمرُ بن الخطاب بردائِهِ أو بثوبِهِ، وقال: اجلس، فإنما هلك أهلُ الكتاب قبلَكم لم يكن لصلاتهم فَصلٌ. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «صَدَقَ ابنُ الخطابِ». قال الشيخ الألباني في «السلسلة الصحيحة» (7/ 1/522): وهذا إسناد صحيح، وعبد الله بن سعيد، هو ابن أبي هند الفزاري، ثقة من رجال الشيخين، ذكره الحافظ المزِّي في شيوخ عبد الرزاق. ... وأخرجه -أيضًا- أحمد (5/ 368 رقم 23121) وأبو يعلى (13/ 107 رقم 7166) من طريق شعبة، عن الأزرق بن قيس، به، ولفظه: «أَحسَنَ ابنُ الخطاب». قال الشيخ الألباني في الموضع السابق: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلُّهم ثقات على شرط مسلم، غير الصحابيِّ الذي لم يُسمَّ، وذلك لا يضرُّ؛ لأنَّ الصحابة كلَّهم عدول.

طريق أخرى (135) قال أحمد (¬1): ثنا أبو المغيرة، ثنا الأوزاعي، ثنا عمرو بن شعيب (¬2)، عن عبد الله بن عمرو، عن عمر: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا صلاةَ بعد صلاةِ الصبحِ إلى طلوعِ الشمسِ، ولا بعدَ العصرِ حتى تَغيبَ الشمسُ». فهذه طرق مقوِّية للحديث من أصله، مع أنَّه قد اختاره صاحبا «الصحيح»، فجاز القنطرة. وسيأتي (¬3) من طريق أخرى في حديث موقف الإمام والمأموم. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 19 رقم 118). (¬2) كَتَب المؤلِّف فوقها «كذا»، وكأنه يشير إلى انقطاعه. (¬3) انظر: (ص 281 رقم 144).

وقد رواه أحمد بن مَنيع في «مسنده» بلفظ آخر، فقال: (136) ثنا هشيم، أنا منصور بن زَاذَان، عن قتادة، عن أبي العالية، عن ابن عباس، عن عمرَ قال: قلت: يا رسول الله، أيُّ الليل أَسمع؟ قال: «جوف الليل الآخر، فصّلِّ ما شئتَ، فإن الصلاةَ مشهودةٌ مكتوبةٌ حتى تُصلِّيَ الصبحَ، ثم اقصُر عن الصلاةِ حتى تطلُعَ الشمسُ، فتَرتفعُ قِيسَ رُمحٍ (¬1) أو رُمحين، فإنها تطلُعُ بين قَرني شيطانٍ، ثم صَلِّ حتى يَعدِلَ الرُمحُ ظِلَّه ثم اقصُر، فإنَّ جَهنَّمَ تُسَجَّرُ أو تُفتَّحُ أَبوابُها، فإذا زاغتِ / (ق 52) الشمسُ فصَلِّ العصرَ، ثم اقصُر حتى تَغرُبَ الشمسُ، فإنها تَغرُبُ بين قَرني شيطانٍ، ويُصلِّي لها الكفارُ». إسناده جيد، وهو غريب من هذا الوجه. أثر في ذلك (137) قال يعقوب بن سفيان (¬2): ثنا عيسى بن هلال السِّلَيحي، عن أبي حَيوة شُريح بن يزيد، عن شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، عن عروة -يعني: ابن الزُّبير-، قال: كنتُ غلامًا لي ذؤابتان (¬3)، فقمتُ أركع ركعتين بعد العصر، فبَصُرَ بي عمرُ بن الخطاب ومعه الدِّرَّة، فلمَّا رأيتُهُ فَرَرتُ منه، فأَحضَرَ في طلبي، حتى تعلَّق بذؤابتي، قال: فنهاني. فقلتُ: يا أميرَ المؤمنين، لا أَعودُ. هذا غريب جدًّا، فإنَّ عروة لم يُدرك أيام عمر، ولا وُلِدَ في حياته، ¬

(¬1) قِيس رمح: بكسر القاف، أي قدر رمح. انظر: «القاموس المحيط» (ص 569 - مادة قوس). (¬2) في «المعرفة والتاريخ» (1/ 364). (¬3) الذؤابة: هي الشَّعر المضفور من شعر الرأس. «النهاية» (2/ 151).

فلهذا قال شيخنا (¬1): هذا وَهْم، والأشبه أنَّ هذا جرى لأخيه عبد الله، وإنما سقط اسمه على بعض الرواة (¬2). ¬

(¬1) هو: الحافظ المزِّي، انظر: «تهذيب الكمال» (20/ 22 - 23). (¬2) وقال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (4/ 437): الأشبه أن هذا جرى لأخيه عبد الله، أو جرى له مع عثمان. وقال في «تاريخ الإسلام» (ص 425، حوادث سنة 81 - 100): هذا حديث منكر مع نظافة رجاله.

حديث في فضل الجماعة

حديث في فضل الجماعة (138) قال الحافظ أبو يعلى (¬1): ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا إسماعيل بن عيَّاش، عن عُمارة بن غَزية، عن أنس، عن عمرَ -رضي الله عنه-، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَن صلَّى أربعينَ ليلةً لا تفوتُهُ الركعةُ الأُولى من صلاةِ العشاءِ، كُتِبَ له بها عِتقٌ من النارِ». ورواه ابن ماجه (¬2)، عن عثمان بن أبي شيبة، به، ولفظه: «مَن صَلَّى في مسجدٍ جماعةً أَربعينَ ليلةً ...». الحديث. ورجاله ثقات، إلا أنَّ عُمارة بن غَزية مدني، وإسماعيل بن عيَّاش إذا روى عن غير الشَّاميين فإنَّه ضعيف عند الجمهور (¬3)، ولكن هذا في باب ¬

(¬1) لم أجده في المطبوع من «مسنده»، وهو من رواية ابن حمدان، فلعلَّه في مسنده الكبير. (¬2) في «سننه» (1/ 261 رقم 798) في المساجد، باب صلاة العشاء والفجر في جماعة. وأخرجه -أيضًا- أبو أحمد الحاكم في «فوائده» (ص 77، 121 رقم 24، 61) من طريق إسماعيل بن عياش، به. ولفظه: «لم تفته الركعة الأولى من صلاة الظهر»! (¬3) وله علَّة أخرى، وهي الانقطاع بين عُمارة بن غَزية وأنس، قال الترمذي في «سننه» (2/ 9): وهذا حديث غير محفوظ، وهو حديث مرسل، عُمارة بن غَزية لم يُدرك أنس بن مالك. قلت: وقد خولف ابن عياش في روايته، خالَفَه يحيى بن أيوب، فرواه عن عُمارة بن غَزية، عن رجل، عن أنس بن مالك، عن عمرَ! انظر: «علل الدارقطني» (2/ 118). وله طريق أخرى: أخرجها الترمذي (2/ 7 رقم 241) في الصلاة، باب ما جاء في فضل التكبيرة الأولى، من طريق سَلْم بن قتيبة، عن طعمة بن عمرو، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أنس، ولفظه: «مَن صلى للهِ أربعينَ يومًا يُدركُ التكبيرةَ الأولى كُتِبَت له براءتان: براءةٌ من النارِ، وبراءةٌ من النفاقِ». ولم يَذكر العشاء ولا الظهر! وهذا منكر، فقد قال الترمذي عقب روايته: وروي هذا الحديث عن أنس موقوفًا، لا أعلم أحدًا رفعه إلا ما روى سَلْم بن قتيبة، عن طعمة بن عمرو، وإنما يُروى هذا عن حبيب بن أبي حبيب البَجَلي، عن أنس، قولَه. حدثنا بذلك هنَّاد، حدثنا وكيع، عن خالد بن طَهْمان، عن حبيب بن أبي حبيب، عن أنس، نحوه، ولم يرفعه. قلت: كما قد خولف خالد بن طَهْمان في روايته، خالَفَه قيس بن الربيع، وعطاء بن مسلم، فروياه عن أبي العلاء، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أنس، فرفعاه. ذكره الدارقطني في «العلل» (2/ 119)، ثم قال: وهذا وَهْم من قائله، وإنما رواه أبو العلاء الخفَّاف، عن حبيب أبي عُمَيرة الإِسكافي الكوفي، عن أنس. قلت: وحبيب الإسكاف، قال عنه الدارقطني: متروك. «سؤالات البَرقاني» (ص 23 رقم 90). وبالنظر في هذه الطرق يتبين أنها تالفة، لا يصح منها شيء، ثم في لفظه اضطراب: فمنهم من يقول: «أربعين يومًا في جماعة يُدرك التكبيرة الأولى»! ومنهم من يقول: «لا تفوته الركعة الأولى من صلاة العشاء»! ومنهم من يقول: «لم تفته الركعة الأولى من صلاة الظهر»! وقد أورد هذا الحديث الشيخ الألباني في «السلسلة الصحيحة» (4/ 628 رقم 1979) و (6/ 314 رقم 2652) من رواية أنس وعمر -رضي الله عنهما-، وحسَّنه بمجموع الطريقين، ولا يخفى ما فيه.

الرغائب مقبول (¬1)، والله أعلم. حديث آخر (139) قال الهيثم بن كُلَيب الشاشي في «مسنده» (¬2): ثنا شعيب بن الليث، ثنا يعقوب بن حميد بن كَاسِب، ثنا عبد العزيز بن محمد، عن أبي ¬

(¬1) لو كان ضَعفه ضعفًا محتملاً لقيل ذلك، أَمَا والحالُ ما ذُكر؛ فلا، لأن من شرط العمل بالضعيف -عند القائلين به-: أن يكون الضعفُ غيرَ شديدٍ. وهذا الشرطُ غير متحقق هنا. (¬2) ليس في القسم المطبوع من «مسنده»، ومن طريقه: أخرجه الضياء في «المختارة» (1/ 245 رقم 138). وأخرجه -أيضًا- البخاري في «التاريخ الأوسط» (3/ 416 رقم 632 - ط مكتبة الرشد) والطبراني في «الأوسط» (9/ 76 رقم 9172) من طريق عبد العزيز بن محمد، به.

بكر بن نافع، عن أبيه، عن صفية بنت أبي عُبيد: أنها سَمِعتْ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- على المنبرِ يقول: سَمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن أَتى عَرَّافًا لم تُقبَل له صلاةٌ أربعينَ ليلةً». ثم رواه الهيثم، عن عباس الدُّوري، عن إبراهيم بن حمزة بن محمد بن حمزة بن مصعب بن الزُّبير، عن الدَّرَاوَردي، عن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن أبيه، عن صفية، عن عمرَ، به. واختاره / (ق 53) الحافظ أبو عبد الله المقدسي في كتابه المستخرَج (¬1). وقال علي ابن المديني: هذا حديث ضعيف الإسناد من طريق أبي بكر بن نافع، عن نافع، عن صفية، عن عمرَ، وإنما رواه نافع (¬2)، عن صفية، عن بعض أزواج النبيِّ صلى الله عليه وسلم. كذلك حدَّثناه يحيى بن سعيد، عن عبيد الله، عن نافع، به. قال: وهذا هو الصحيح. (140) قد روى البخاري (¬3): أنَّ أميرَ المؤمنين عمرَ -رضي الله عنه- لما طَعَنَهُ أبو لؤلؤةَ وهو قائمٌ يُصلِّي بالناس أَخَذَ بيد عبد الرحمن بن عوف فقَدَّمَهُ، فأتمَّ الصلاةَ. ¬

(¬1) تقدم تخريجه في الصفحة السابقة، تعليق رقم 2. (¬2) وروايته عند مسلم (4/ 1751 رقم 2230) في السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان. (¬3) في «صحيحه» (7/ 59 رقم 3700 - فتح) في فضائل الصحابة، باب قصة البيعة.

واشتَهَر هذا وذاع، ولم يُنكره أحدٌ، فدلَّ على جوازه، وسيأتي هذا الحديث مطوَّلاً في مقتل عمرَ -رضي الله عنه-، في آخر «سيرته وأيامه» (¬1). حديث آخر (141) قال الإمام أحمد (¬2): ثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عمرَ قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَسمُرُ عند أبي بكر الليلةَ كذلك في الأمرِ من أمورِ المسلمين وأنا معه. ورواه الترمذي (¬3)، عن أحمد بن مَنيع. والنسائي (¬4)، عن إسحاق بن إبراهيم. كلاهما عن أبي معاوية، به. وقد رواه علي ابن المديني، عن أبي معاوية وغيره، عن الأعمش، به، وعلَّله. وقد تقدَّم في «مسند الصِّديق». (142) وقال حماد بن سَلَمة: عن عاصم، عن أبي وائل، عن ابن مسعود قال: جَدَبَ لنا عمرُ بن الخطاب السَّمَرَ بعد العشاءِ (¬5). ¬

(¬1) هكذا جاء هذا الأثر في هذا الموضع من المخطوط، ولا علاقة له بما سبق، وأثبته كما ورد. (¬2) في «مسنده» (1/ 26 رقم 175). وقد تقدَّم تخريجه والكلام عليه (ص 231 رقم 102). (¬3) في «سننه» (1/ 315 رقم 169) في الصلاة، باب ما جاء من الرخصة في السَّمر بعد العشاء. (¬4) في «سننه الكبرى» (5/ 71 رقم 8256). (¬5) ومن هذا الوجه: أخرجه الطحاوي (4/ 330) عن محمد بن خزيمة، عن حجَّاج، عن حماد بن سَلَمة، به. وقد تقدم تخريجه والكلام عليه (ص 176 - 178).

ففي هذا دليلٌ على جواز السَّمَر في الخير بعد صلاة العشاء، فأما في غيره؛ فلا، لما جاء في «الصحيح» (¬1): أنَّه عليه السلام كان يَكره النومَ قبلَها، والحديثَ بعدَها. (143) وفي «المسند» (¬2) عن شدَّاد بن أوس مرفوعًا: «مَن قَرَض بيتَ شِعرٍ بعدَ العشاءِ، فلا صلاةَ له». ¬

(¬1) أخرجه البخاري (2/ 26 رقم 547 - فتح) في مواقيت الصلاة، باب وقت العصر، من حديث أبي بَرزة الأسلمي رضي الله عنه. (¬2) أخرجه أحمد في «مسنده» (4/ 125 رقم 17134) -ومن طريقه: عبدالغني المقدسي في «جزء أحاديث الشعر» (ص 95 - 96 رقم 42) - عن يزيد بن هارون، عن قَزَعة بن سُوَيد الباهلي، عن عاصم بن مَخلد، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن شداد بن أوس رضي الله عنه ... ، فذكره. وأخرجه -أيضًا- الخلاَّل في «العلل»، كما في «المنتخب» لابن قدامة (ص 108 رقم 45) والبزار (2/ 453 رقم 2094 - كشف الأستار) والعقيلي (3/ 339) والطبراني في «الكبير» (7/ 278 رقم 7133) من طريق قَزَعة، به. وأعلَّه العقيلي (3/ 339) بتفرُّد عاصم بن مَخلد، وقال: لا يُتابَع عليه، ولا يُعرَف إلا به. وقال المؤلِّف في «تفسيره» (3/ 580): هذا حديث غريب من هذا الوجه، ولم يخرِّجه أحد من أصحاب الكتب السِّتة، والمراد بذلك نظمه لا إنشاده. وقد بالغ ابن الجوزي، فذكره في «الموضوعات» (1/ 426 رقم 506) وقال: هذا حديث موضوع، وعاصم في عداد المجهولين. وردَّ عليه الحافظ في «تعجيل المنفعة» (1/ 702 رقم 504) فقال: وقد اجترأ ابن الجوزي، فذكر الحديث في «الموضوعات»، ولم ينفرد عاصم به، بل تابَعَه عبد القدوس بن حبيب [وروايته عند أبي القاسم البغوي في «الجعديات» 2/ 1188 رقم 3585] ذَكَر ذلك الذهبي في ترجمته [الميزان 2/ 643] لكن عاصم أصلح من عبد القدوس، فكأنَّ عبد القدوس سَرَقه منه. قلت: إنْ كان عبد القدوس بن حبيب قد سَرَقه من عاصم؛ فلا تفيد متابعته شيئًا، لا سيما وعبد القدوس هذا قال عنه الفلاَّس: أجمعوا على ترك حديثه. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال ابن عدي: أحاديثه منكرة الإسناد والمتن. وصرَّح ابن حبان بأنه كان يضع الحديث. انظر: «لسان الميزان» (4/ 420 - 422). وانظر للفائدة: «القول المسدَّد» (ص 36) و «علل ابن أبي حاتم» (2/ 263 رقم 2285).

حديث في موقف الإمام والمأموم

/ (ق 54) حديث في موقف الإمام والمأموم (144) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا أبو المغيرة، ثنا صفوان، ثنا عبد الرحمن بن جُبَير بن نُفَير، عن الحارث بن معاوية الكندي: أنَّه رَكِبَ إلى عمرَ بن الخطاب يسألُهُ عن ثلاثِ خلالٍ، قال: فقَدِمَ المدينةَ، فسأله عمَّا أقدَمَك؟ (¬2)، قال: لأَسألَك عن ثلاث، قال: وما هنَّ؟ قال: ربما كنتُ أنا والمرأة في بناءٍ ضيِّقٍ، فتَحضرُ الصلاةُ، فإنْ صلَّيتُ أنا وهي كانت بحذائي، وإنْ صلَّتْ خلفي خَرَجَتْ من البناء؟ فقال عمرُ: تَستُر بينك وبينها بثوب، ثم تصلِّي بحذائك إنْ شئتَ. وعن الركعتين بعد العصر؟ فقال: نهاني عنهما رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. قال: وعن القصص، فإنهَّم أرادوني على القصص؟ قال: ما شئتَ -كأنَّه كان كره أن يمنعَهُ-. قال: إنما أردتُ أن أنتهي إلى قولك. قال: أخشى عليك أن تَقُصَّ فتَرتفعَ عليهم في نفسك، ثم تَقُصُّ فتَرتفعَ، حتى يُخيَّلَ إليك أنك فوقَهم بمنزلة الثُّرَيَّا، فيَضَعكَ اللهُ عزَّ وجلَّ تحتَ أقدامِهِم يومَ القيامةِ بقدرِ ذلك. إسناده شامي حسن، وقد تقدَّم له شواهد (¬3). واختاره الحافظ الضياء (¬4) من هذا الوجه. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 18 رقم 111). (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي مطبوع «المسند»: «فسأله عمر: ما أقدمك؟». (¬3) انظر ما تقدم (ص 156، 262 رقم 39، 122). (¬4) في «المختارة» (1/ 204 رقم 106).

حديث في قصر الصلاة

حديث في قصر الصلاة (145) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا ابن إدريس، ثنا ابن جريج، عن ابن أبي عمَّار، عن عبد الله بن بابَيْه، عن / (ق 55) يَعلى بن أُميَّة قال: سألتُ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه-، قلت: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} (¬2)، وقد أَمِنَ الناس؟ (¬3) فقال لي عمر: عَجِبتُ مما عَجِبتَ منه، فسألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: «صدقةٌ، تصدَّقَ اللهُ بها عليكُم، فاقبَلُوا صدقتَه». ورواه مسلم (¬4)، وابن ماجه (¬5) من حديث عبد الله بن إدريس، به. ورواه مسلم -أيضًا- (¬6)، عن محمد بن أبي بكر المُقدَّمي، عن يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، به. ورواه أبو داود (¬7)، عن أحمد بن حنبل (¬8) ومُسدَّد. كلاهما عن يحيى بن سعيد -وهو: القطَّان- عن ابن جريج، به. وعن أحمد، عن عبد الرزاق (¬9)، ومحمد بن بكر. كلاهما عن ابن جريج، به. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 25 رقم 174). (¬2) النساء: 101 (¬3) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «وقد آمن اللهُ الناسَ». (¬4) في «صحيحه» (1/ 478 رقم 686) في صلاة المسافرين، باب صلاة المسافرين وقصرها. (¬5) في «سننه» (1/ 339 رقم 1065) في إقامة الصلاة، باب تقصير الصلاة في السفر. (¬6) في الموضع السابق. (¬7) في «سننه» (2/ 149 رقم 1200) في الصلاة، باب صلاة المسافر. (¬8) وهو في «مسنده» (1/ 36 رقم 244، 245). (¬9) وهو في «المصنَّف» (2/ 517 رقم 4275).

وأخرجه الترمذي (¬1)، والنسائي (¬2) من حديث ابن جريج، به. وقال الترمذي: حسن صحيح. وقد رواه علي ابن المديني، عن يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، به، وقال: صحيح من حديث عمر، ولا يُحفظ إلا من هذا الوجه، ورجاله معروفون، ثم تكلَّم عليهم واحدًا واحدًا. قلت: ابن أبي عمَّار هذا: اسمه عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمَّار كان أحدَ الثقاتِ النبلاءِ (¬3)، وكان يقال له: القَسّ؛ لكثرة عبادته وتنسُّكه. حديث آخر (146) قال الإمام أحمد (¬4): ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة: سَمِعتُ يزيد بن خمير يحدِّث عن حبيب بن عُبيد، عن جُبَير بن نُفَير، عن ابن السِّمط: أنَّه أتى أرضًا، يقال لها: دَومين -من حمص على ثمانيةَ عشرَ / (ق 56) ميلاً، فصلَّى ركعتين، فقلتُ له: أتصلِّي ركعتين؟ فقال: رأيتُ عمرَ بن الخطاب بذي الحليفة يصلِّي ركعتين، فسألتُهُ، فقال: إنما أفعلُ كما رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَفعلُ. ورواه مسلم (¬5)، عن محمد بن مثنَّى، عن غُندَر. وعن زُهَير بن حرب وبُندَار. كلاهما عن ابن مهدي. ¬

(¬1) في «سننه» (5/ 227 رقم 3034) في التفسير، باب: ومن سورة النساء. (¬2) في «سننه» (3/ 131 - 132 رقم 1432) في تقصير الصلاة في السفر. (¬3) انظر: «تهذيب الكمال» (17/ 229). (¬4) في «مسنده» (1/ 29 رقم 198). (¬5) في «صحيحه» (1/ 481 رقم 692) في صلاة المسافرين، باب صلاة المسافرين وقصرها.

والنسائي (¬1) عن إسحاق بن إبراهيم، عن النَّضر بن شُمَيل. ثلاثتهم عن شعبة، به. ورواه علي ابن المديني، عن غُندَر، عن شعبة، وقال: هذا من صالح حديث أهل الشَّام. قلت: وابن السِّمط هذا هو: شُرَحبيل بن السِّمط الكندي، وهو صحابي أيضًا (¬2). حديث آخر (147) قال أحمد (¬3): ثنا وكيع، وسفيان (¬4)، وعبد الرحمن، ثنا سفيان (¬5)، عن زُبيد الإيَامي، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عمرَ -رضي الله عنه- قال: صلاةُ السَّفرِ ركعتان، وصلاةُ الأضحى ركعتان، وصلاةُ الفطرِ ركعتان، وصلاةُ الجمعةِ ركعتان، تمامٌ غيرُ قصرٍ، على لسانِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم. ورواه النسائي (¬6)، وابن ماجه (¬7) من حديث شريك القاضي. والنسائي -أيضًا- (¬8) من حديث سفيان الثوري، وشعبة. ¬

(¬1) في «سننه» (3/ 133 رقم 1436) في تقصير الصلاة في السفر. (¬2) انظر: «الطبقات الكبرى» لابن سعد (7/ 445) و «الإصابة» (5/ 61). (¬3) في «مسنده» (1/ 37 رقم 257). (¬4) هو: ابن عيينة. (¬5) هو: الثوري. (¬6) في «سننه» (3/ 123 رقم 1419) في الجمعة، باب عدد صلاة الجمعة. (¬7) في «سننه» (1/ 338 رقم 1063) في إقامة الصلاة، باب تقصير الصلاة في السفر. (¬8) في «سننه» (3/ 133، 203 رقم 1439، 1565) في تقصير الصلاة في السفر، وفي العيدين، باب عدد صلاة العيدين.

ثلاثتهم عن زُبَيد الإيَامي، به. وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» (¬1)، عن أبي يعلى (¬2)، عن أبي خيثمة، ثنا وكيع، عن سفيان الثوري، به. ورواه ابن ماجه -أيضًا- (¬3)، عن محمد بن عبد الله بن نُمَير، عن محمد بن بِشر، عن يزيد بن زياد بن أبي الجَعْد، عن زُبيد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن عمرَ بن الخطاب، به. وهذا أشبه بالصواب، فإن عبَّاسًا / (ق 57) الدُّوري قال (¬4): سُئل يحيى بن معين، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عمر؟ قال: لم يره. فقلت له: الحديث الذي يُروى عنه قال: كنَّا مع عمر نتراءى الهلال؟ فقال: ليس بشيء. وقال أبو حاتم الرازي (¬5): لا يصحُّ له سماع من عمر. وقال النسائي (¬6): لم يَسْمعه من عمر. ويؤيِّد ما قاله النسائي: ما رواه الحافظ أبو يعلى (¬7)، عن القَوَاريري، عن يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن زُبيد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن الثقة، عن عمر، فذَكَر هذا الحديث. ¬

(¬1) (7/ 22 رقم 2783 - الإحسان). (¬2) وهو في «مسنده» (1/ 207 رقم 241). (¬3) في «سننه» (1/ 338 رقم 1064) في الموضع السابق. (¬4) «تاريخ ابن معين» (2/ 356 - رواية الدُّوري). (¬5) كما في «المراسيل» لابنه (ص 125 رقم 450). (¬6) في «سننه» (3/ 123). (¬7) لم أجده في المطبوع من «مسنده»، وهو من رواية ابن حمدان، فلعله في مسنده الكبير. وأخرجه الطحاوي (1/ 422) عن ابن أبي داود، عن القَوَاريري، به.

وأما مسلم بن الحجَّاج فأثبت سماع ابن أبي ليلى من عمر في مقدمة كتابه «الصحيح» (¬1)، فقال: وأسند عبد الرحمن بن ليلى (¬2)، وحفظ عن عمر. ويؤيِّد ما ذهب إليه: (148) ما رواه الهيثم بن كُلَيب في «مسنده» (¬3) حيث قال: ثنا عيسى بن أحمد العسقلاني، عن يزيد بن هارون، عن سفيان الثوري، عن زُبيد، عن عبد الرحمن بن ليلى (¬4) قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب ... ، فذَكَره. لكن قال الدارقطني (¬5): لم يُتابَع يزيد بن هارون على قوله: سَمِعتُ عمرَ. قلت: يزيد بن هارون أحد أئمَّة الإسلام فيُقبل تفرُّده (¬6). ¬

(¬1) (1/ 34). (¬2) كذا ورد بالأصل. والصواب: «ابن أبي ليلى». (¬3) ليس في القسم المطبوع من «مسنده»، ومن طريقه: أخرجه الضياء في «المختارة» (1/ 347 رقم 240). (¬4) كذا ورد بالأصل. والصواب: «ابن أبي ليلى»، وكذا جاء على الصواب في «المختارة». (¬5) في «العلل» (2/ 116). (¬6) هذا هو الأصل، إلا إذا قامت قرينة تدل على خلاف ذلك، وهنا وُجد ما يمنع من قبول هذه الزيادة، إذ في الإسناد إليه مَن هو متكلَّم فيه، ألا وهو عيسى بن أحمد العسقلاني، راوي القصَّة عن يزيد بن هارون، فهو وإن كان ثقة؛ إلا أن له غرائب وإفرادات، كما قال الخليلي. انظر: «تهذيب التهذيب» (8/ 206). زد على هذا: تصريح الحفاظ بعدم ثبوت سماع ابن أبي ليلى من عمر، ومثل هذا التصريح لا يمكن دفعه إلا بحجة أقوى، وهذا منتفٍ هنا، والرواية التي ساقها المؤلِّف من طريق ابن ماجه وأبي يعلى، وفيها رواية ابن أبي ليلى عن عمرَ بواسطة؛ حجة ظاهرة يستدل بها المحدِّثون في مثل هذه المواضع على عدم ثبوت السماع. وأما قول الإمام مسلم عن ابن أبي ليلى أنه أسند وحفظ عن عمرَ، فليس صريحًا في إثبات السماع، والله أعلم.

وسماع عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عمر قد ثبت في غير هذا الحديث: (149) كما قال الحافظ أبو يعلى الموصلي (¬1): ثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق، سَمِعتُ أبي، ثنا الحسين بن واقِد، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت: أنَّ عبد الرحمن بن أبي ليلى حدَّثه قال: خَرَجتُ مع عمرَ إلى مكةَ، قال: فاستَقبَلَنا أميرُ مكةَ نافعُ بن علقمة، فقال له عمرُ: مَن استَخلفتَ / (ق 58) على مكةَ؟ فقال: ابنُ أَبزَى ... ، وذَكَر الحديث، كما سيأتي في تفسير المجادلة (¬2). وهذا صريح في ذلك (¬3)، وقد أُثبت سماعُ جماعة من الصحابة بدون هذا، والله أعلم. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 186 رقم 211). (¬2) انظر ما سيأتي (2/ 472 - 474 رقم 877 - 879). (¬3) له علَّة؛ وهي عنعنة الأعمش، وقد تفرَّد بروايته عنه الحسين بن واقِد دون بقيَّة أصحابه المتقنين، كالثوري، وشعبة، ووكيع، وأبي معاوية. ولذا أعلَّه الحافظ ابن حجر، فقال في «المطالب العالية» (2/ 380): رجاله ثقات، وفيه نظر؛ لأن عبد الرحمن يصغر عن ذلك، وقد أخرجه مسلم [1/ 559 رقم 817] من طريق الزهري، عن أبي الطُّفيل، عن عمرَ -رضي الله عنه- بغير هذا السياق، وفيه القصة بالمعنى، وقال فيه: فتلَّقاه نافع بن عبد الحارث الخزاعي، وهو المحفوظ.

حديث في اللباس

/ (ق 59) حديث في اللِّباس (¬1) (150) قال الإمام أحمد (¬2): ثنا يحيى بن سعيد، ثنا التَّيمي، عن أبي عثمان قال: كنَّا مع عُتبة بن فَرْقَد، فكَتَب إليه عمرُ بأشياءَ، يحدِّثه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم (¬3) قال: «لا يَلبسُ الحريرَ في الدُّنيا إلا مَن ليس له في الآخرة منه شيءٌ، إلا» (¬4)، وقال بإصبعيه: السَّبابة والوسطى. قال أبو عثمان: فرأيتُ أنها أزرارُ الطَّيالسةِ (¬5). ثم رواه / (ق 60) أحمد -أيضًا- (¬6)، عن خَلَف بن الوليد، عن خالد (¬7)، عن خالد (¬8)، عن أبي عثمان، به. وأخرجه الجماعة إلا الترمذي (¬9) من طرق، عن أبي عثمان النَّهدي، به. ¬

(¬1) تنبيه: جاءت أحاديث الجمعة في الأصل قبل أحاديث اللِّباس، لكنَّ المؤلِّف كَتَب في حاشية الأصل: «تقدَّم أحاديث اللِّباس بكمالها على أحاديث الجمعة»، وبناء على ذلك حدث تقديم وتأخير في صفحات المخطوط. (¬2) في «مسنده» (1/ 36 رقم 243). (¬3) زاد في المطبوع: «فكان فيما كَتَب إليه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم». (¬4) في المطبوع: «إلا هكذا». (¬5) زاد في المطبوع: «حين رأينا الطيالسة». (¬6) (1/ 36 رقم 242). (¬7) هو: ابن عبد الله الواسطي. (¬8) هو: ابن مِهران الحذَّاء. (¬9) أخرجه البخاري (10/ 284 رقم 5825 - 5830 - فتح) في اللباس، باب لُبس الحرير للرجال، ومسلم (3/ 1642 رقم 2069) في اللباس، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء ... ، وأبو داود (4/ 397 رقم 4039) في اللباس، باب في الحرير، والنسائي (8/ 589 رقم 5327) في الزينة، باب الرخصة في لُبس الحرير، وابن ماجه (2/ 942 رقم 2820) في الجهاد، باب لُبس الحرير والديباج، و (2/ 1188 رقم 3593) في اللباس، باب الرخصة في العَلَم في الثوب.

منها: ما رواه البخاري، عن مُسدَّد، عن يحيى بن سعيد، عن سليمان بن طَرخان -وهو: التَّيمي-، عن أبي عثمان النَّهدي، به. ورواه البخاري، ومسلم -أيضًا- من حديث قتادة، وعاصم الأَحول، عن أبي عثمان، به. طريق أخرى (151) قال الهيثم بن كُلَيب (¬1): ثنا محمد بن عبيد الله بن المُنادي، ثنا وهب بن جرير، ثنا شعبة، عن أبي بكر بن حفص، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: شهدتُ عمرَ بن الخطاب دَخَل عليه عبد الرحمن بن عوف، وعليه قميصٌ من حرير، فقال له عمر: دَعْ هذا عنك، أو انزَع هذا، فإنَّه ذكر النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن لَبِسَ الحريرَ والدِّيباجَ في الدُّنيا لم يَلبَسهُ في الآخرةِ، ومَن شَرِبَ في آنيةِ الذَّهبِ والفضَّةِ في الدُّنيا لم يَشرب منها في الآخرةِ». فقال عبد الرحمن بن عوف: إنِّي لأَرجو أنْ أَلبسَهُ في الدُّنيا والآخرة. وهذا إسناد جيد. وقول عبد الرحمن يُحمل على ما أباحه له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من لُبس الحرير لأجل الحِكَّة التي حصلت له وللزُّبير بن العوَّام رضي الله عنهما (¬2). ¬

(¬1) ليس في القسم المطبوع من «مسنده»، ومن طريقه: أخرجه الضياء في «المختارة» (1/ 271 رقم 159). (¬2) جاء ذلك صريحًا فيما أخرجه البخاري (6/ 100 - 101 رقم 2919 - 2922) في الجهاد والسير، باب الحرير في الحرب، و (10/ 295 رقم 5839 - فتح) في اللباس، باب ما يرخص للرجال من الحرير للحِكَّة، ومسلم (2076) في اللباس والزينة، باب إباحة لبس الحرير للرجل إذا كان به حكة أو نحوها -واللفظ له- من حديث أنس رضي الله عنه: أنَّ رسولَّ الله صلى الله عليه وسلم رخَّص لعبد الرحمن بن عوف والزُّبيِر بن العوَّام في القُمُص الحريرِ في السَّفر من حِكَّة كانت بهما، أو وَجَعٍ كان بهما.

طريق أخرى (152) قال أحمد (¬1): ثنا يحيى، عن شعبة، ثنا أبو ذُبيان (¬2) قال: سَمِعتُ عبد الله بن الزُّبير يقول: لا تُلبِسوا نساءَكم الحريرَ (¬3)، فإنِّي سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- يحدِّثُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: / (ق 61) «مَن لَبِسَ الحريرَ في الدُّنيا لم يَلبَسْهُ في الآخرةِ». قال عبد الله بن الزُّبير من عنده: ومَن لم يَلبَسْهُ في الآخرة، لم يَدخل الجنَّة، قال الله تعالى: {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} (¬4). رواه البخاري (¬5)، ومسلم (¬6)، والنسائي (¬7) من طرق، عن شعبة، عن أبي ذُبيان -واسمه: خليفة بن كعب-، به. والزيادة من كلام ابن الزُّبير عند النسائيِّ فقط. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 37 رقم 251). (¬2) كذا ضبطها المؤلِّف بضم الذال، وحكى ابن ماكولا في «الإكمال» (3/ 348 - 349) فيها وجهين، بضم الذال وكسرها، ونقل عن ابن الأعرابي: أن الكسر أفصح. (¬3) قال النووي في «شرح صحيح مسلم» (14/ 44): وهذا مذهب ابن الزبير، وأجمعوا بعده على إباحة الحرير للنساء. (¬4) الحج: 23 (¬5) في «صحيحه» (10/ 284 رقم 5834 - فتح) في اللباس، باب لُبس الحرير للرجال وقدر ما يجوز منه. (¬6) في «صحيحه» (3/ 1641 رقم 2069) (11) في اللباس، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة. (¬7) في «سننه» (8/ 587 رقم 5320) في الزينة، باب التشديد في لُبس الحرير.

طريق أخرى (153) قال أحمد (¬1): ثنا عبد الصمد، ثنا أبي، ثنا يزيد الرِّشْك، عن معاذة، عن أم عمرو بنت عبد الله: أنها سَمِعتْ عبد الله بن الزُّبير يقول: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يقول في خطبته: أنَّه سَمِعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن لَبِسَ الحريرَ في الدُّنيا؛ فلا يُكْسَاهُ في الآخرةِ». ورواه الإمام أحمد -أيضًا- (¬2)، عن عفان، عن عبد الواحد، عن يزيد الرِّشْك، به. وقد علَّق البخاري (¬3) هذه الطريق، فقال: وقال أبو معمر: عن عبد الوارث، عن يزيد الرِّشك، عن معاذة، عن أم عمرو بنت عبد الله بن الزُّبير، عن أبيها، بهذا. ورواه النسائي (¬4)، عن عبيد الله بن فَضَالة، عن أبي معمر، به. قلت: وقد رواه ثابت (¬5)، عن عبد الله بن الزُّبير، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، كما سيأتي (¬6) في مسنده إن شاء الله تعالى. طريق أخرى (154) قال أحمد (¬7): ثنا يحيى، عن عبد الملك، ثنا عبد الله - مولى ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 20 رقم 123). (¬2) في الموضع السابق (1/ 39 رقم 269). (¬3) في «صحيحه» (10/ 284 - فتح). (¬4) في «سننه الكبرى» (5/ 466 رقم 9587). (¬5) وروايته عند البخاري في «صحيحه» (10/ 284 رقم 5833 - فتح) في اللباس، باب لُبس الحرير وافتراشه للرجال. (¬6) انظر: «جامع المسانيد والسُّنن» (5/ 198 رقم 6324). (¬7) في «مسنده» (1/ 26 رقم 181).

أسماء -، قال: أرسَلَتني أسماءُ إلى ابن عمر: إنَّه بَلَغنا أنك تحرِّمُ أشياءَ ثلاثةً: العَلَمَ في الثوب، ومِيثرةَ الأُرجُوان (¬1)، وصومَ رجبٍ كلِّه. فقال: أمَّا ما ذَكَرتِ / (ق 62) من صوم رجب، فكيف بمن يَصومُ الأبدَ؟ وأما ما ذَكَرتِ من العَلَم في الثوب، فإنِّي سَمِعتُ عمرَ يقول: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن لَبِسَ الحريرَ في الدُّنيا لم يَلبَسْهُ في الآخرة». ورواه مسلم (¬2)، والترمذي (¬3)، والنسائي (¬4) من طرق عن عبد الملك -وهو: ابن أبي سليمان-، به. وقال الترمذي: حسن صحيح. طريق أخرى (155) قال أحمد (¬5): ثنا عبد الصمد، ثنا حرب، ثنا يحيى، عن عمران بن حطَّان -فيما يَحسَبُ حرب-، أنَّه سأل ابنَ عباس عن لَبُوس الحرير، فقال: سَلْ عنه عائشةَ، فسأل عائشةَ، فقالت: سَلْ ابنَ عمر (¬6)، فقال: حدَّثني أبو حفص: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَن لَبِسَ الحريرَ في الدُّنيا، فلا خَلاَقَ له في الآخرة». ¬

(¬1) المِيثَرَةُ: وِطاء محشوٌّ يُترك على رحل البعير تحت الراكب، والأُرجُوان: صِبغ أحمر يتَّخذ كالفراش الصغير، ويحشى بقطن أو صوف، يجعلها الراكب تحته على الرِّحال فوق الجِمَال. انظر: «لسان العرب» (15/ 211 - مادة وثر). (¬2) في «صحيحه» (3/ 1641 رقم 2069) (10) في اللباس، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء. (¬3) في «سننه» (5/ 113 رقم 2817) في الأدب، باب ما جاء في كراهية الحرير والديباج. (¬4) في «سننه الكبرى» (5/ 466 رقم 9588، 9589). (¬5) في «مسنده» (1/ 46 رقم 321). (¬6) زاد في المطبوع: «فسأل ابن عمر».

وقد رواه البخاري (¬1)، عن بُندَار، عن عثمان بن عمر، عن علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير، عن عمران بن حطَّان، به. قال: وقال عبد الله بن رجاء: حدثني حرب (¬2) -يعني: ابن شدَّاد-، عن يحيى، حدَّثني عمران، بهذا. ورواه النسائي (¬3)، عن عمرو بن منصور، عن عبد الله بن رجاء، به. طريق أخرى (156) قال أحمد (¬4): ثنا محمد بن بكر، أنا عيينة، عن علي بن زيد قال: دَخَلتُ المدينةَ، فدَخَلتُ على سالم بن عبد الله، وعليَّ جُبَّة خَزّ، فقال لي سالم: ما تَصنعُ بهذه الثياب؟! سَمِعتُ أبي يحدِّث عن عمرَ بن الخطاب، أنَّه سَمِعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما يَلبسُ الحريرَ مَن لا خَلاَقَ له». غريب من هذا الوجه. / (ق 63) حديث آخر (157) قال مسلم بن الحجَّاج (¬5): حدثني زُهَير بن حرب، ثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة قال: أخبرني أبو بكر بن حفص، عن سالم، عن ¬

(¬1) في «صحيحه» (10/ 285 رقم 5835 - فتح) في اللباس، باب لُبس الحرير وافتراشه للرجال. (¬2) كذا ورد بالأصل. وهو الموافق لرواية أبي ذرّ. وفي أصل النسخة اليونينية: «جرير». انظر: «صحيح البخاري» (7/ 150 - ط دار طوق النجاة). (¬3) في «سننه» (8/ 587 - 588 رقم 5321) في الزينة، باب التشديد في لبس الحرير ... (¬4) في «مسنده» (1/ 49 رقم 345). (¬5) في «صحيحه» (3/ 1640 رقم 2068) (9) في اللباس، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء.

ابن عمرَ: أنَّ عمرَ رأى على رجلٍ من آلِ عُطَاردٍ قَبَاءً من ديباجٍ أو حريرٍ، فقال لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم: لو اشتَريتَهُ! فقال: «إنما يَلبسُ هذا مَن لا خَلاقَ له». فأُهدِيَ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حُلَّةٌ سِيَرَاءُ، قال: فأَرسَلَ بها إليَّ. قال: قلتُ: أَرسَلتَ بها إليَّ، وقد سَمِعتُك قلتَ فيها ما قلتَ؟! قال: «إنما بَعَثتُ بها إليك لِتَستَمتِعَ بها». وقد أخرجه البخاري (¬1)، ومسلم -أيضًا- (¬2) من حديث شعبة، به. وإنما ذَكَره أصحاب الأطراف في مسند ابن عمر (¬3)، وما ذَكَرته هنا إلا لأن أبا الفرج ابن الجوزي أورده في كتابه «جامع المسانيد» (¬4) في مسند عمرَ، فذَكَرته لئلاَّ يتوهَّم أنَّه سقط، والله الموفِّق للصواب. حديث آخر (158) قال الإمام أحمد (¬5): ثنا محمد بن جعفر، ثنا سعيد، عن قتادة، عن الشَّعبي، عن سُوَيد بن غَفَلة: أنَّ عمرَ خَطَب الناسَ بالجابية (¬6)، فقال: نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن لُبس الحريرِ، إلا موضعَ إصبعين أو (ثلاثةٍ أو أربعةٍ) (¬7). وأشار بكفِّه. ¬

(¬1) في «صحيحه» (4/ 325 رقم 2104 - فتح) في البيوع، باب التجارة فيما يُكره لُبسه للرجال والنساء. (¬2) في الموضع السابق. (¬3) انظر: «تحفة الأشراف» (5/ 416 رقم 7037) و «إتحاف المهرة» (8/ 430 رقم 9708). (¬4) (6/ 244 رقم 5693). (¬5) في «مسنده» (1/ 51 رقم 365). (¬6) الجابِية: قرية من أعمال دمشق. انظر: «معجم البلدان» (2/ 91). (¬7) كَتَب المؤلِّف فوقها: «كذا». وعند مسلم: «ثلاث أو أربع».

ورواه مسلم (¬1)، عن محمد بن عبد الله الأَرُزِّي، عن عبد الوهاب بن عطاء، عن سعيد -وهو: ابن أبي عَروبة-، عن قتادة، به. ورواه مسلم -أيضًا- (¬2)، والترمذي (¬3)، والنسائي (¬4) من طرق، عن معاذ بن هشام، عن أبيه، / (ق 64) عن قتادة، عن الشَّعبي، به. ورواه النسائي -أيضًا- (¬5) من حديث إسماعيل بن أبي خالد، وداود بن أبي هند، ووَبرة بن عبد الرحمن. ثلاثتهم عن الشَّعبي، عن سُوَيد بن غَفَلة، عن عمر، من كلامه، موقوفًا. ورواه -أيضًا- (¬6)، عن أحمد بن سليمان، عن عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي حَصِين، عن إبراهيم، عن سُوَيد بن غَفَلة، عن عمر، قولَه (¬7). حديث آخر (159) قال الإمام أحمد (¬8): ثنا حسن بن موسى، ثنا زُهَير، ثنا ¬

(¬1) في «صحيحه» (3/ 1644 رقم 2069) (15) في اللباس، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء. (¬2) في «صحيحه» (3/ 1643 رقم 2069) (14) (15). (¬3) في «سننه» (4/ 189 رقم 1721) في اللباس، باب ما جاء في الحرير والذهب. (¬4) في «سننه الكبرى» (5/ 475 رقم 9630). (¬5) في الموضع السابق (9631) و (9632) و (9633). (¬6) في «سننه الصغرى» (8/ 590 رقم 5328) في الزينة، باب الرخصة في لُبس الحرير. (¬7) وانظر: «علل الدارقطني» (52/ 153 رقم 180). تنبيه: وضع المؤلِّف هنا علامة اللحق، ويوجد حاشية بهامش الأصل، إلا أنها لم تظهر في التصوير. (¬8) في «مسنده» (1/ 16 رقم 92).

عاصم الأَحول، عن أبي عثمان -وهو: النَّهدي-، قال: جاءنا كتابُ عمر ونحن بأذربيجان (¬1) مع عُتبة: يا عُتبة بن فَرقَد، إيَّاك والتنعُّمَ، وزِيَّ أهلِ الشِّركِ، ولباسَ الحريرِ، فإنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لَبوس الحريرِ إلا هكذا، ورَفَع لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إصبعيه. وقد أخرجه الجماعة (¬2) سوى الترمذي من حديث عاصم الأَحول. والباقون -أيضًا- (¬3)، إلا ابن ماجه من حديث سليمان التَّيمي، وقتادة. ثلاثتهم عن أبي عثمان النَّهدي -واسمه: عبد الرحمن بن مِلّ-، عن عمرَ، به. ورواه الإمام أحمد -أيضًا- (¬4)، بزيادة فيه، فقال: ثنا يزيد، أنا ¬

(¬1) أذربِيجان: هي إحدى الجمهوريات الإسلامية في الاتحاد السوفيتي. (¬2) أخرجه البخاري (10/ 284 رقم 5829 - فتح) في اللباس، باب لبس الحرير وافتراشه للرجال ... ، ومسلم (3/ 1642 رقم 2069) (12) في اللباس، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء ... ، وأبو داود (4/ 397 رقم 4042) في اللباس، باب في الحرير، والنسائي في «سننه الكبرى» (5/ 474 رقم 9626) وابن ماجه (2/ 942، 1188 رقم 2820، 3593) في الجهاد، باب لبس الحرير والديباج في الحرب، وفي اللباس، باب الرخصة في العَلَم في الثوب. (¬3) أخرجه البخاري (10/ 284 رقم 5828، 5830 - فتح) في الموضع السابق، ومسلم (3/ 1642، 1643 رقم 2069) (13) (14) في الموضع السابق، والنسائي (8/ 589 رقم 5327) في الزينة، باب ذكر النهي عن الثياب القِسِّيَّة، وفي «الكبرى» (5/ 474 - 475 رقم 9627، 9628، 9629). ولم أجده عند أبي داود من رواية سليمان التيمي وقتادة، ولم يذكرها المزي في «تحفة الأشراف» (8/ 85 رقم 10597). (¬4) في «مسنده» (1/ 43 رقم 301). وأخرجه -أيضًا- أبو القاسم البغوي في «الجعديات» (1/ 517 رقم 1030، 1031) وأبو عوانة في «مسنده» (5/ 456 - 457، 457، 459، 460) والبلاذُري في «أنساب الأشراف» (ص 275) من طريق عاصم -زاد بعضهم: وقتادة- عن أبي عثمان، به.

عاصم، عن أبي عثمان النَّهدي، عن عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- أنَّه قال: اتَّزروا، وارتَدُوا، وانتَعِلوا الخفافَ (¬1)، والسَّراويلاتِ، وأَلقوا الرُّكُبَ (¬2)، وانْزُوا نَزْوًا (¬3)، وعليكم بالمَعَدِّية (¬4)، وارمُوا الأغراضَ (¬5)، وذَروا التنعُّمَ، وزِيَّ العجمِ، وإياكم والحريرَ، فإنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عنه (¬6)، ولا / (ق 65) تَلبَسوا من الحرير إلا ما كان هكذا. وأشار رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بإصبعيه. أثر آخر (160) قال أبو عبيد (¬7): ثنا إسماعيل بن عيَّاش، عن حميد بن ربيعة، ¬

(¬1) كذا ورد بالأصل، و «إطراف المُسنِد المُعتَلِي» (5/ 83 رقم 9672). وفي مطبوع «المسند»، و «إتحاف المهرة» (12/ 312 - 313): «وانتعلوا، وألقوا الخفاف». (¬2) قال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على «مسند الإمام أحمد» (1/ 285): الرُّكُب بضمتين: جمع ركاب، يريد أن يدعوا الاستعانة بها على ركوب الخيل. (¬3) قال ابن الأثير: نَزَوت على الشيء أنزو نَزوًا، إذا وَثَبت عليه. «النهاية» (5/ 44). (¬4) أي: تشبَّهوا بعيش مَعَدِّ بن عدنان، وكانوا أهل غلظ وقَشف، أي: كونوا مثلهم، ودعوا التنعم، وزيَّ العَجَم. «النهاية» (4/ 342). (¬5) الأغراض: الهدف الذي يُرمى. انظر: «النهاية» (3/ 360). (¬6) زاد في المطبوع: «وقال». (¬7) في «غريب الحديث» (4/ 227). وهو منقطع بين سليمان بن موسى وعمر، فإن سليمان بن موسى عدَّه الحافظ من الطبقة الخامسة، وهي الطبقة الوسطى من التابعين الذين رأوا الواحد والإثنين من الصحابة، ولم يثبت لهم السماع

عن سليمان بن موسى: أنَّ عمرَ كَتَب إلى خالدِ بن الوليد: أنَّه بَلَغني أنك دَخَلتَ حمَّامًا بالشَّامِ، وأنَّ مَن بها من الأعاجمِ أعدُّوا لك دَلُوكًا (¬1) عُجِنَ بخمرٍ، وإنِّي لأظنُّكُم آلَ المغيرةِ ذَرْءَ النَّارِ (¬2). قال أبو عبيد: مَن روى: ذَرْءَ النارِ: أي ممَّا ذَرَأ اللهُ للنَّارِ، من الذريّة. ومَن روى: ذَرْوَ النارِ: فممَّا يُذرَى به في النَّارِ. (161) وقال عبد الله بن المبارك في كتاب «الزهد» (¬3): ثنا بقيَّة، حدَّثني أرطأة بن المنذر، حدَّثني بعضهم: أنَّ عمرَ بن الخطاب قال: إياكُم وكثرةَ الحمَّامِ، وكثرةَ طلاءِ النُّورةِ، والتَّوطِّي على الفُرُشِ، فإنَّ عبادَ الله ليسوا بالمتنعمين. (162) وقال أبو عبيد (¬4): ثنا أبو بكر بن عيَّاش، عن عاصم بن أبي النَّجود، عن أبي العدبَّس، عن عمرَ: أنَّه قال: فَرِّقوا عن المنيَّةِ، واجعلوا الرأسَ رأسين، ولا تُلِثُّوا بدارِ مَعجَزَةٍ، وأَصلِحوا مَثَاوِيَكُم، وأَخيفوا الهَوَامَّ قبلَ أنْ تُخيفَكُم. وقال: اخشَوْشِنُوا، أواخشَوْشِبُوا، وتَمَعدَدُوا. ¬

(¬1) الدَّلوك: اسم لما يُتدلَّك به من الغَسولات، كالعَدَس، والأُشْنان، والأشياء المُطيِّبة. «النهاية» (2/ 130). (¬2) ذَرءُ النَّارِ: أي خَلقُها الذين خُلقوا لها. انظر: «النهاية» (2/ 156). (¬3) (ص 263 رقم 759). وإسناده ضعيف؛ لجهالة مَن حدَّث به عن عمرَ. (¬4) في «غريب الحديث» (4/ 224). وأخرجه -أيضًا- معمر في «جامعه» الملحق بـ «المصنَّف» (10/ 435 رقم 19618) وعبد الرزاق (5/ 162 رقم 9250) وابن أبي شيبة (5/ 305 رقم 26319) من طريق عاصم، به. وفي إسناده أبو العدبَّس، واسمه: مَنيع بن سليمان، ويقال: تُبيع بن سليمان، وهو مجهول الحال، أورده البخاري في «التاريخ الكبير» (8/ 29 رقم 2042) وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (8/ 414 رقم 1886) وقالا: روى عن عمرَ، روى عنه عاصم بن بهدلة. وقال الحافظ في «التقريب»: مقبول. وله طرق أخرى: منها: ما أخرجه عمر بن شبَّة في «تاريخ المدينة» (3/ 793) عن عثمان بن عمر، أنبأنا عثمان بن مُرَّة، عن معاذ بن عبد الله بن خُبيب، عن أبيه قال: قلَّما خَطَبنا عمرُ -رضي الله عنه- على هذا المنبر إلا قال: أيها الناسُ، أصلحوا مثاويكم، وأخيفوا هذه الدوابَّ قبل أن تُخيفكم، وخذوا على أيدي سفهائكم، ولا تدرعوا نساءكم القُبَاطي، فإنه إن لم يَشفَّ فإنه يَصِف. وهذا إسناد صحيح. ومنها: ما أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (ص 153 رقم 446) عن عبد الله بن يوسف، عن الليث، عن ابن عَجْلان، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: كان عمرُ يقول على المنبر: يا أيها الناسُ، أصلحوا عليكم مثاويَكم، وأخيفوا هذه الجِنَّانَ قبل أنْ تخيفَكم، فإنَّه لن يبدو لكم مسلموها، وإنَّا -واللهِ- ما سالمناهنَّ منذُ عاديناهنَّ. وهذا إسناد حسن، كما قال الشيخ الألباني في «صحيح الأدب المفرد» (ص 172). ومنها: ما أخرجه عبد الرزاق (5/ 164 رقم 9253) عن الثوري، عن الأعمش، عن مسلم البَطين قال: قال عمرُ: إذا اشترى أحدُكم جملاً فليشترِهِ طويلاً عظيمًا، فإنْ أخطأه خيرُهُ لم يُخطه سُوقُهُ، ولا تُلبسوا نساءَكم القُبَاطيّ، فإنَّه إلا يَشِفَّ يَصِفْ، وأصلحوا مثاويَكم، وأخيفوا الهوامَ قبل أنْ تخيفَكم، فإنه لا يبدو منه مسلم. وهذا صحيح أيضًا.

ثم فسَّر قولَه: فرِّقوا عن المنيَّة، واجعلوا الرأسَ رأسين: أي: إذا أردتُم أن تشتروا شيئًا من الرَّقيق أو البهائم، فلا تُغالوا في الأثمان، ومكانَ ما يَشتري أحدُكم واحدًا، فليَأخُذْ بثمنِهِ اثنين، فإنْ مات أحدُهما بَقِيَ الآخرُ. وقوله: ولا تُلِثُّوا بدار مَعجَزَةٍ: أي لا تُقيموا بدارٍ قد أَعْجَزَكُم فيها الرِّزقُ.

والمثاوي: هي المنازل. وأَخيفوا الهَوَامَّ: من الحيَّات والعقارب. واخشَوْشِنُوا: من الخشونة. واخشَوْشِبُوا: من الصَّلابة. وتَمَعدَدُوا: أي: تشبَّهوا بأبناءِ مَعَدِّ بن عدنان في العيشِ الخشنِ والتقشُّفِ. حديث آخر (163) قال الحافظ أبو بكر البزَّار (¬1): ثنا داود بن سليمان أبو سليمان المؤدِّب، ثنا عمرو بن جرير، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن عمرَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خَرَج عليهم، وفي إحدى يديه حرير، وفي الأخرى ذَهَب، فقال: «هذانِ حرامٌ على ذُكُورِ أُمَّتي، حِلٌّ لإِناثِها». ثم قال البزار: عمرو بن جرير ليِّن الحديث (¬2)، وقد احتُمل حديثه، وروي عنه، وقد روي هذا الكلام عن غير عمرَ، ولا نعلم في ذلك حديثًا ثابتًا عند أهل النَّقل. هكذا قال، والحديث في «المسند»، وفي «السُّنن» من حديث عليّ (¬3)، ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 467 رقم 333). (¬2) كذَّبه أبو حاتم، وقال الدارقطني: متروك الحديث. انظر: «الجرح والتعديل» (6/ 224 رقم 1242) و «لسان الميزان» (5/ 294 رقم 6307). (¬3) أخرجه النسائي (8/ 540 رقم 5162) في الزينة، باب تحريم الذهب على الرجال، والطحاوي (4/ 250) من طريق الليث بن سعد. والبزَّار (3/ 102 رقم 886) وأبو يعلى (1/ 235، 237 رقم 272، 325) والمحاملي في «الأمالي» (ص 209 رقم 193 - رواية ابن البيِّع) والبيهقي (2/ 425) من طريق محمد بن إسحاق. كلاهما (الليث بن سعد، ومحمد بن إسحاق) عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبد العزيز بن أبي الصَّعبة، عن رجل من هَمْدان، يقال له أفلح -وعند بعضهم: أبو أفلح- عن عبد الله بن زُرَير، عن عليٍّ رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أخذ حريرًا فجعله في يمينه، وذَهَبًا في شماله، ثم رفع يده، وقال: «هذان حرامٌ على ذُكُورِ أُمَّتي». قال الإمام علي ابن المديني، كما في «التمهيد» لابن عبد البر (14/ 284) و «الأحكام الوسطى» لعبدالحق الإشبيلي (4/ 184): حديث حسن، رجاله معروفون. وقال ابن دقيق العيد في «الإمام»، كما في «نصب الراية» (4/ 222): وعبد الله بن زُرَير ذكره ابن سعد في «الطبقات» [7/ 510]، ووثَّقه، وقال: تُوفي سنة إحدى وثمانين في خلافة عبد الملك بن مروان. وقال الحافظ في «التلخيص الحبير» (1/ 53): وبيَّن النسائي الاختلافات فيه على يزيد بن أبي حبيب، وهو اختلاف لا يضرُّ. ثم قال: ورجَّح النسائي رواية ابن المبارك، عن الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن ابن أبي الصَّعبة، عن رجل من هَمْدان، يقال له: أفلح، عن عبد الله بن زُرَير، به، قال: لكن قوله: «أفلح» الصواب فيه: «أبو أفلح». قلت [أي: الحافظ]: وهذه رواية أحمد في «مسنده» عن حجاج، عن وهيب، والله أعلم، وأعلَّه ابن القطان [بيان الوهم والإيهام 5/ 179] بجهالة حال رواته ما بين علي ويزيد بن أبي حبيب، فأما عبد الله بن زُرَير فقد وثَّقه العِجلي [ص 257 رقم 811] وابن سعد [7/ 510] وأما أبو أفلح فيُنظر فيه، وأما ابن أبي الصَّعبة، فقد ذكره ابن حبان في «الثقات» [7/ 111] واسمه عبد العزيز بن أبي الصعبة. قلت: تحسين ابن المديني لهذا الإسناد، وقوله: «رجاله معروفون»، كافٍ في رفع جهالة أبي أفلح وابن أبي الصَّعبة، والأئمة الحفاظ لا يعوِّلون في رفع الجهالة عن الراوي على عدد الرواة عنه، بل المعوَّل عندهم في ذلك على شهرة الراوي، ورواية الحفاظ الثقات عنه، فرُبَّ راوٍ روى عنه جمع ويجهِّلونه، ورُبَّ راوٍ لم يرو عنه إلا واحد ويوثِّقونه، وانظر في ذلك: ما كَتَبه الحافظ ابن رجب في «شرح علل الترمذي» (1/ 81 - 85). وهذا التحسين من ابن المديني فيه ردٌّ على من يزعم أن المتقدمين لايطلقون مصطلح الحَسَن إلا على إرادة الغرابة فقط! وسيأتي ذكر مثال آخر لهذا عند الحديث رقم (268).

وأبي موسى الأشعري (¬1). وقد صحَّحه الترمذي من طريق الأشعري، وإسناده جيد على شرط الشيخين. والله أعلم. ¬

(¬1) يَرويه نافع، واختُلف عليه: فقيل: عنه، عن سعيد بن أبي هند، عن أبي موسى الأشعري! وقيل: عنه، عن سعيد بن أبي هند، عن رجل، عن أبي موسى! أما الوجه الأول: فأخرجه الترمذي (4/ 189 رقم 1720) في اللباس، باب ما جاء في الحرير والذهب، والنسائي (8/ 575 رقم 5280) في الزينة، باب تحريم لُبس الذهب، وأحمد (4/ 394، 407) والبزَّار في «مسنده» (8/ 80 رقم 3078) من طريق عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن سعيد بن أبي هند، عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «حُرِّمَ لباسُ الحريرِ والذَّهبِ على ذُكُورِ أُمَّتي، وأُحِلَّ لإناثِهِم». وأما الوجه الثاني: فأخرجه أحمد (4/ 292) والسَّهمي في «تاريخ جرجان» (ص 174) والبيهقي (3/ 275) من طريق أيوب، عن نافع، به. وقد توبع أيوب على هذا الوجه، تابَعَه: عبد الله بن سعيد بن أبي هند -وهو ثقة-، وروايته عند أحمد (4/ 392). ورجَّح الدارقطني الوجه الثاني، فقال في «العلل» (7/ 241 رقم 1320): وهو أشبه بالصواب؛ لأن سعيد بن أبي هند لم يَسْمع من أبي موسى شيئًا. وقال ابن حبان في «صحيحه» (12/ 250): خبر سعيد بن أبي هند، عن أبي موسى في هذا الباب معلول لا يصح. وقال الحافظ في «التلخيص الحبير» (1/ 53): ومشى ابن حزم على ظاهر الإسناد فصحَّحه، وهو معلول بالانقطاع. وعليه؛ فقول المؤلِّف الآتي: «وإسناده جيد على شرط الشيخين» محل نظر.

حديث آخر (164) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا يزيد بن هارون، أنا أَصبغ، عن أبي العلاء الشَّامي قال: لَبِسَ أبو أُمَامة ثوبًا جديدًا، فلمَّا بَلَغ تَرْقُوتَهُ قال: الحمدُ لله الذي كَسَاني ما أُواري به / (ق 66) عورتي، وأَتجمَّلُ به في حياتي. ثم قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يقول: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن استَجَدَّ ثوبًا فلَبِسَه، فقال حين يَبلغُ تَرقُوتَه: الحمدُ للهِ الذي كساني ما أُواري به عورتي، وأَتجمَّلُ به في حياتي، ثم عَمَدَ إلى الثوبِ الذي أَخلَقَ (¬2) - أو قال: أَلْقى - فتصدَّقَ به، كان في ذمَّة اللهِ، وفي جِوارِ اللهِ، وفي كَنَفِ اللهِ، حيًّا وميِّتًا، حيًّا وميِّتًا، حيًّا وميِّتًا». ورواه الترمذي في الدَّعوات (¬3)، عن يحيى بن موسى، وسفيان بن وكيع. وابن ماجه في اللِّباس (¬4)، عن أبي بكر بن أبي شيبة. ثلاثتهم عن يزيد بن هارون، به. وعندهما: عن أبي أُمَامة قال: لَبِسَ عمرُ يومًا ثوبًا، فقال: ... ، ثم ذَكَره مرفوعًا. وقال الترمذي: هذا حديث غريب. قلت: بل هو حسن على شرطه، فإن أصبغ بن زيد هذا هو: الجُهَني، وقد وثَّقه ابن معين وغيره، وإنما ضعَّفه ابن سعد، وابن حبان (¬5). ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 44 رقم 305). (¬2) أَخلَق: أي: تقطَّع. انظر: «النهاية» (2/ 71). (¬3) من «سننه» (5/ 521 رقم 3560) باب منه. (¬4) من «سننه» (2/ 1178 رقم 3557) باب ما يقول الرجل إذا لبس ثوبًا جديدًا. (¬5) انظر: «تهذيب الكمال» (3/ 301 - 304) و «الجرح والتعديل» (2/ 320 - 321 رقم 1216) و «طبقات ابن سعد» (7/ 312) و «المجروحين» (1/ 174).

وأما شيخه أبو العلاء الشَّامي فهو وإن لم يُعرَف إلا بهذا الحديث، لكنه لم يجرحه أحد، فهو مستور الحال، والله أعلم. وقد رواه الحافظ أبو بكر الإسماعيلي من حديث يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن زَحر، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أُمَامة، عن عمر، به (¬1). وروي من وجه آخر (¬2)، عن القاسم، عن أبي أُمَامة، عن عمرَ ... ، فذَكَره. وفيه: أنَّه مَدَّ كُمَّ قميصِهِ، فأَبصَرَ فيه فضلاً عن أصابعه، فقال لعبد الله بن عمرَ: أي بني، هاتِ الشَّفرةَ -أو المُدْيةَ (¬3) -، فقام، فجاء بها، فمدَّ كُمَّ قميصِهِ على يده، فنَظَرَ ما فَضَلَ عن أصابعه، / (ق 67) فَقَدَّه. قال أبو أُمَامة: قلنا: يا أميرَ المؤمنين، ألا تأتي بخيَّاط فيَكُفُّ هذا؟ قال: لا. قال أبو أُمَامة: ¬

(¬1) ومن هذا الوجه: أخرجه ابن المبارك في «مسنده» (ص 12 رقم 22) وفي «الزهد والرقائق» (ص 259 رقم 749) عن يحيى بن أيوب، به. ومن طريق ابن المبارك: أخرجه هنَّاد في «الزهد» (1/ 350 رقم 656) -وعنه: ابن النَّقور في «مشيخته» (ص 84 رقم 42) - والبلاذُري في «أنساب الأشراف» (ص 153) والحاكم (4/ 193)، وقال: هذا حديث لم يحتجَّ الشيخان -رضي الله عنهما- بإسناده، ولم أذكر -أيضًا- في هذا الكتاب مثلَ هذا، على أنه حديث تفرَّد به إمام خراسان عبد الله بن المبارك، عن أئمَّة أهل الشام -رضي الله عنهم أجمعين-، فآثرت إخراجه، ليرغب المسلمون في استعماله (!) (¬2) أخرجه هنَّاد في «الزهد» (1/ 350 - 351 رقم 657) عن المحاربي، عن مُطَّرح بن يزيد، عن عبيد الله بن زَحر، عن القاسم، به. وإسناد ضعيف؛ لضعف مُطَّرح بن يزيد، وعبيد الله بن زَحر، وقد أورد الدارقطني في «العلل» (2/ 137 رقم 160) الاختلاف فيه على عبيد الله بن زَحر، ثم قال: وعبيد الله بن زَحر: ضعيف، والحديث غير ثابت. (¬3) الشَّفرة والمُدية: هي السِّكين. انظر: «النهاية» (4/ 310).

فلقد رأيتُ عمرَ بعد ذلك، وإنْ هُدبَ ذلك القميصَ لَيَنتشرُ على أصابعه ما يَكُفُّهُ (¬1). حديث آخر (165) قال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني (¬2): ثنا سليمان بن أحمد -يعني: الطَّبراني-: ثنا المقدام بن داود، ثنا أسد بن موسى، ثنا يحيى بن المتوكِّل، ثنا أبو سَلَمة، عن عبيد الله (¬3) بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن جدِّه عبد الله بن عمرَ قال: لَبِسَ عمرُ قميصًا جديدًا، ثم دعاني بشَفرة، فقال: خُذ يا بنيَّ كُمَّ قميصي، والزق يديك بأطراف أصابعي، ثم اقطَعْ ما فَضَل عنها. قال: فقَطَعتُهُ من الكمَّين من جانبيه جميعًا، (فصار كُمُّ القميص) (¬4) بعضُه فوقَ بعضٍ. فقلتُ: يا أبَتَاه، لو سَوَّيتَه (بالقَصِّ؟) (¬5). فقال: دَعْهُ يا بني، هكذا رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَفعلُ، فما زال عليه حتى تَقطَّع، وكان ربما رأيتُ الخيوطَ تَساقَطُ على قدميه. هذا سياق غريب، وإسناده فيه ضعف (¬6)، والله أعلم ¬

(¬1) تنبيه: جاء بحاشية الأصل تقيِّيد بخط الحافظ ابن حجر، هذا نصُّه: أخرجه الطبراني في كتاب «الدعاء» [2/ 977 رقم 393] والحاكم في «المستدرك» [4/ 193] من هذا الوجه، واعتذر الحاكم عن تخريجه. (¬2) في «حلية الأولياء» (1/ 45). (¬3) قوله: «أبو سلمة، عن عبيد الله» كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «أبو سَلَمة بن عبيد الله»، وهو الصواب. انظر: «تهذيب الكمال» (31/ 511 - 512). (¬4) في المطبوع: «فصار فم الكُمّ». (¬5) في المطبوع: «بالمقص». (¬6) شيخ الطَّبراني، قال عنه النسائي: ليس بثقة. وقال ابن يونس وغيره: تكلَّموا فيه. وضعَّفه الدارقطني. وقال مسلمة بن قاسم: رواياته لا بأس بها. انظر: «لسان الميزان» (7/ 38 رقم 8615). ويحيى بن المتوكِّل، هو: أبو عقيل المدني، ضعَّفه أحمد، وابن معين، وابن المديني، والنسائي، وأبو حاتم، والسَّاجي. وقال ابن عدي: عامة أحاديثه غير محفوظة. انظر: «تهذيب الكمال» (31/ 511) و «الجرح والتعديل» (9/ 189 رقم 788).

وقد قال الإمام علي ابن المديني: وأما حديث عمرَ: أنَّه لَبِسَ ثوبًا جديدًا ... ، فهو مضطَّرب الإسناد، ليس بمتَّصل، لا نحفظه من وجه. حديث آخر (166) قال عبد الله بن وهب: أخبرني محمد بن عمرو -هو: اليافِعِي-، قال ابن جريج: أَخبَرَني عمرُ بن حفص: أنَّ عامرَ بن عبد الله بن الزُّبير أَخبَرَه: / (ق 68) أنَّ مولاةً لهم ذَهَبتْ بابنةٍ إلى عمرَ بن الخطاب، فتَحَرَّكتِ الجاريةُ، فإذا في رجليها أجراسٌ، فقَطَعها عمرُ، ثم قال: إني سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «مع كلِّ جرسٍ شيطانٌ». وأخرجه أبو داود في كتاب الخاتم (¬1)، عن عليِّ بن سهل، وإبراهيم بن الحسن. كلاهما عن حجَّاج بن محمد الأعور، عن ابن جريج، به. ¬

(¬1) من «سننه» (4/ 471 رقم 4230) باب في الجلاجل. وضعَّفه المنذري في «مختصر سنن أبي داود» (6/ 121) بقوله: ومولاة لهم مجهولة، وعامر بن عبد الله بن الزُّبير لم يُدرك عمر. وضعَّفه الشيخ الألباني في تعليقه على «مشكاة المصابيح» (2/ 1256 رقم 4398). وقد أخرج مسلم في «صحيحه» (3/ 1672 رقم 2114) في اللباس، باب كراهة الكلب والجرس في السفر، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: «الجرسُ مزاميرُ الشيطانِ».

حديث آخر (167) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا عفان، ثنا حماد، أنا عمَّار بن أبي عمَّار، أنَّ عمرَ بن الخطاب قال: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رأى في يد رجلٍ خاتمًا من ذَهَب، فقال: «أَلقِ ذا». فأَلقاه، فتختَّم بخاتمٍ من حديد، فقال: «ذا شرٌّ منه». فتختَّم بخاتمٍ من فضَّة، فسكت عنه. هكذا رواه أحمد. وقد قال أبو زرعة الرازي (¬2): عمَّار هذا لم يُدرك عمر بن الخطاب. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 21 رقم 132). (¬2) انظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص 152 رقم 553). وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (ص 367 رقم 1021) من طريق سليمان بن بلال. وأحمد (2/ 163، 179) عن يحيى القطان. والطحاوي (4/ 261) من طريق أبي غسان محمد بن عمرو بن نافع المصري. ثلاثتهم (يحيى القطان، وسليمان، وأبو غسان) عن محمد بن عَجْلان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى على بعض أصحابه خاتمًا من ذَهَب، فأَعرَضَ عنه، فألقاه، واتَّخذ خاتمًا من حديد، فقال: «هذا شرٌّ، هذا حِليةُ أهلِ النَّارِ». فألقاه، فاتخذ خاتمًا من وَرِق، فسَكَتَ عنه. وحسَّنه الشيخ الألباني في «صحيح الأدب المفرد» (ص 390) و «آداب الزفاف» (ص 217).

أثر فيه جواز اتخاذ الخلع التي يعطيها الإمام للأمراء ونحوهم

أثر فيه جواز اتخاذ الخِلَع التي يعطيها الإمام للأمراء ونحوهم (168) قال علي ابن المديني: ثنا المغيرة بن سَلَمة، ثنا وهب، ثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ: أنَّه كان يُنفقُ على الحُلَّةِ ألفَ درهمٍ، وثمانمائةِ درهمٍ، يَكسوها أصحابَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. ورواه الدَّرَاوَردي، عن عبيد الله، به، ولفظُه: كان يأمُرُ بالحلالِ (¬1) فتُنْسَجُ باليمن، تَبلُغُ الحُلَّةُ الواحدةُ منها ألفَ درهمٍ، ثم يلبسها، ويَكسوها أصحابَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. ورواه وكيع، عن عثمان بن واقِد، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمر، به (¬2). وهذا صحيح عنه، والله أعلم. ¬

(¬1) الحِلاَل: جمع حُلَّة، وهي إزار ورداء، وقيل: رداء وقميص وعمامة. انظر: «لسان العرب» (3/ 302 - مادة حلل). (¬2) وأخرجه -أيضًا- ابن المقرئ في «معجمه» (ص 387 رقم 1282) من طريق محمد بن غَنج، عن نافع، به، بنحوه. وجاء فيه: وأنه كان يستقبح الحُلَل!! وهو تحريف قبيح.

أثر عن عمر فيه إرشاد إلى التدبير في اللباس

أثر عن عمر فيه إرشاد إلى التدبير في اللِّباس (169) قال عبد الرزاق (¬1): ثنا عبد الله بن عمر، ثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس قال: كنتُ عند عمرَ، فجاءته امرأةٌ من الأنصارِ، فقالت: اُكْسُني يا أميرَ المؤمنين. قال: فما هذا أوانُ كُسْوَتِكِ؟ قالت: واللهِ ما عليَّ ثوبٌ يُواريني. فدخل خزانتَهُ، فأَخرَجَ درعًا قد خيط وجيّب (¬2)، فقال: البَسي هذا، وارقعي خَلِقَكِ، وخِيطيه، فالبَسيه على بُرْمتِكِ (¬3) وعملِكِ، إنَّه لا جديدَ لمن لا خَلِقَ له. حديث آخر (170) قال الحافظ أبو يعلى الموصلي (¬4): ثنا أبو كُرَيب، / (ق 69) ثنا وكيع، ثنا إسحاق بن عثمان الكِلابي، ثنا إسماعيل بن عبد الرحمن بن عطية الأنصاري، حدَّثتني جدَّتي أمُّ عطية قالت: لما قَدِمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم المدينة جَمَعَ نساءَ الأنصارِ، ثم بعث إلينا عمرُ، فقام، فسلَّم، فرَدَدْنا عليه السلامَ، فقال: ¬

(¬1) لم أقف عليه في «المصنَّف»، ومن طريقه: أخرجه ابن أبي الدُّنيا في «إصلاح المال» (ص 217 رقم 155). وأخرجه -أيضًا- البيهقي في «شعب الإيمان» (11/ 165 رقم 5775) من طريق عبد الله بن عمر (وهو العُمَري)، به. وإسناده ضعيف؛ لضعف العُمَري. (¬2) أي: جعل له جيبًا. «المصباح المنير» (ص 103 - مادة جيب). (¬3) البُرمَة: القِدر مطلقًا، وجمعها بِرَام،، وهي في الأصل المتَّخذة من الحَجَر المعروف بالحجاز واليمن. انظر: «النهاية» (1/ 121). (¬4) في «مسنده» (1/ 196 رقم 226).

إنِّي رسولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إليكنَّ. فقلنا: مرحبًا برسولِ الله، وبرسولِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. قالت: فقال: أَتُبايعنني على ألا تَزنينَ، ولا تَسرقنَ، ولا تَقتلُنَ أولادكنَّ، ولا تَأتينَ ببهتانٍ تَفترينَهُ بين أيديكِنَّ وأرجلكِنَّ، ولا تَعصينَ في معروفٍ؟ قلنا: نعم، فمَدَدْنا أيدينا من داخلِ البيتِ، ومَدَّ يدَهُ من خارجه، وأَمَرَنا أنْ نُخرِجَ الحيَّضَ والعواتقَ (¬1) في العيدينِ، ونهانا عن اتباعِ الجنائزِ، ولا جُمُعةَ علينا. قال: قلت: فما المعروفُ الذي نُهيتنَّ عنه؟ قالت: النِّياحةُ. ورواه أبو داود (¬2)، عن أبي الوليد، ومسلم بن إبراهيم. كلاهما عن إسحاق بن عثمان، به. وأخرجه ابن خزيمة في «صحيحه» (¬3)، عن محمد بن أبان، عن وكيع. وابن حبان في «أنواعه» (¬4)، عن أبي خليفة، عن أبي الوليد الطيالسي، به. ¬

(¬1) العواتق: جمع عاتق، وهي الشابَّة أول ما تُدرك. «النهاية» (3/ 179 - 180). (¬2) في «سننه» (2/ 119 - 120 رقم 1139) في الصلاة، باب خروج النساء في العيد. (¬3) (3/ 112 رقم 1722، 1723). (¬4) (7/ 313 رقم 3041 - الإحسان). ومداره على إسماعيل بن عبد الرحمن بن عطيَّة، وهو مجهول الحال، لم يرو عنه سوى إسحاق بن عثمان، وقال الحافظ في «التقريب»: مقبول. وأعلَّه ابن خزيمة، فقال: إن ثبت هذا الخبر من جهة النَّقل، وإن لم يثبت؛ فاتفاق العلماء على إسقاط فرض الجمعة عن النساء كافٍ من نقل خبر الخاص فيه.

حديث في غسل الجمعة

/ (ق 58) حديث في غسل الجمعة (¬1) تقدَّم في كتاب الطهارة (¬2): لمَّا أَقبَلَ عثمانُ وعمرُ -رضي الله عنه- على المنبرِ، فقال: أيةُ ساعةٍ هذه؟! فقال: شُغِلتُ، فلمَّا سَمِعتُ التأذينَ توضَّأتُ. فقال: والوُضوءُ أيضًا؟! وقد سَمِعتَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يأمُرُ بالغُسلِ! أثر (171) قال البخاري في باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس (¬3): وكذلك يُذكر عن عمرَ (¬4)، ¬

(¬1) تنبيه: جاءت أحاديث الجمعة في الأصل قبل أحاديث اللِّباس، لكن كَتَب المؤلِّف بحاشية الأصل: «يؤخَّر هذا وما بعده على أحاديث اللِّباس»، ومن ثَمَّ حدث تقديم وتأخير في أرقام لوحات المخطوط، فاقتضى التنبيه. (¬2) (ص 48). (¬3) (2/ 386 - فتح). (¬4) وروي موصولاً من عدة طرق: الطريق الأولى: أخرجها مالك في «الموطأ» (1/ 40) في الصلاة، باب وقت الجمعة، عن عمِّه أبي سهيل بن مالك، عن أبيه أنه قال: كنتُ أرى طِنفَسة لعقيل بن أبي طالب يوم الجمعة، تُطرحُ إلى جدار المسجد الغربيِّ، فإذا غشي الطِّنفَسَة كلَّها ظِلُّ الجدار، خَرَج عمرُ بن الخطاب، وصلَّى الجمعة. وهذا إسناد صحيح، كما قال الحافظ في «الفتح» (2/ 387). الطريق الثانية: أخرجها عبد الرزاق (3/ 174 رقم 5209) عن معمر. وسعيد بن منصور في «سننه»، كما في «تغليق التعليق» (2/ 356) وأحمد بن مَنيع في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (1/ 286 رقم 720) عن الثوري. كلاهما (معمر، والثوري) عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: هجَّرتُ يومَ الجمعةِ، فلمَّا زالتِ الشمسُ خَرَج عمرُ، فصَعِدَ المنبرَ، وأخذ المؤذِّنُ في أذانه. وهذا صحيح -أيضًا-، كما قال الحافظ في «المطالب»، والبوصيري في «إتحاف الخيرة» (1/ 208). الطريق الثالثة: أخرجها مُسدَّد في «مسنده» كما في «المطالب العالية» (1/ 287 رقم 722) عن يحيى، عن شعبة قال: حدَّثني خبيب بن عبد الرحمن، عن عمَّته أُنيسة -رضي الله عنها-، وكانت حجَّت مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قالت: كان رجالُنا يجمِّعون مع عمرَ -رضي الله عنه-، ثم يرجعون وأرديتُهُم على رؤوسِهِم يتبّعون فَيء الحيطان، يَقيلون بعدَها. وهذا صحيح -أيضًا-، كما قال الحافظان ابن حجر والبوصيري.

وعليٍّ (¬1)، والنُّعمان بن بشير (¬2)، وعمرو بن حُرَيث (¬3). هكذا علَّقه البخاري في «صحيحه». (172) فأما الأثر الذي رواه الإمام أحمد (¬4) حيث قال: ثنا وكيع، ¬

(¬1) وَصَله سعيد بن منصور، كما في «تغليق التعليق» (2/ 358) وابن أبي شيبة (1/ 445 رقم 5144) في الصلاة، باب من كان يقول: وقتها زوال الشمس، من طريق إسماعيل بن سُمَيع، عن أبي رزينٍ قال: كنَّا نصلِّي مع عليِّ الجمعة، فأحيانًا نجدُ فَيئًا، وأحيانًا لا نجده. هذا لفظ ابن أبي شيبة. ولفظ سعيد: كنَّا نجمِّع مع عليٍّ إذا زالتِ الشمسُ. وإسناده صحيح على شرط مسلم، كما قال الشيخ الألباني في «الأجوبة النافعة» (ص 25). (¬2) وَصَله ابن أبي شيبة (1/ 446 رقم 5145) في الموضع السابق، عن عبيد الله بن موسى، عن الحسن بن صالح، عن سمَاك قال: كان النُّعمان بن بشير يصلِّي الجمعةَ بعد ما تزولُ الشمسُ. وصحَّح إسناده -أيضًا- الحافظ في «الفتح» (2/ 387) والشيخ الألباني في «مختصر صحيح البخاري» (1/ 274). (¬3) وَصَله ابن أبي شيبة (1/ 446 رقم 5146) في الموضع السابق، عن محمد بن بِشر العَبدي، عن عبد الله بن الوليد، عن الوليد بن العَيزار قال: ما رأيتُ إمامًا كان أحسنَ صلاةً للجمعة من عمرو بن حُرَيث، كان يصلِّيها إذا زالتِ الشمسُ. وصحَّح إسناده -أيضًا- الحافظ في «الفتح» (2/ 387) والشيخ الألباني في «مختصر صحيح البخاري» (1/ 274). (¬4) هكذا عزاه المؤلِّف إلى الإمام أحمد، وكذا عزاه إليه المجد في «المنتقى» (3/ 295 - مع النيل)، فقال: «رواه الدارقطني، والإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله». لكن قال الشيخ عبد الرحمن البنَّا الساعاتي في «بلوغ الأماني» (6/ 41): لم أجد هذا الحديث في «مسند الإمام أحمد»، ولا رجلاً مسمًّى بهذا الاسم -أي: ابن سِيدان- في ترجمة من تراجم «المسند»، ولا في «مجمع الزوائد» الذي التزم صاحبه الإتيان بما زاد على الكتب السِّتة في «مسند الإمام أحمد»، وغيره، فلعله من رواية عبد الله، عن أبيه، في غير «المسند» من كُتُب أبيه الأخرى. قلت: وقد بحثت عنه في «مسائل عبد الله»، فلم أجده فيه. وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (3/ 175 رقم 5210) وأبو نعيم في «كتاب الصلاة» له، كما في «تغليق التعليق» (2/ 356) وابن أبي شيبة (1/ 444 رقم 5132) في الصلاة، باب من كان يقيل بعد الجمعة، وابن المنذر في «الأوسط» (2/ 354 رقم 995) والعقيلي (2/ 265) من طريق جعفر بن بُرقان، به.

عن جعفر بن بُرقان، عن ثابت بن حجَّاج، عن عبد الله بن سِيدان، قال: شَهِدتُ الجمعةَ مع أبي بكر -رضي الله عنه- فكانت صلاتُهُ وخُطبتُهُ قبل نصفِ النهارِ، وشهدتُها مع عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- فكانت صلاتُهُ وخُطبتُهُ إلى أنْ أقولَ: قد انتَصَفَ النهارُ، وصلَّيتها مع عثمان بن عفان -رضي الله عنه- فكانت صلاتُهُ وخُطبتُهُ إلى أنْ أقولَ: قد زالَ النهارُ. ثم قال أحمد: وكذلك روي عن ابن مسعود (¬1)، وجابر (¬2)، وسعد (¬3)، ومعاوية (¬4): أنهم صلَّوا قبل الزوال. ¬

(¬1) سيأتي تخريجه في الحديث التالي. (¬2) لم أقف عليه. (¬3) أخرجه مُسدَّد في «مسنده» كما في «المطالب العالية» (1/ 287 رقم 721) وابن أبي شيبة (1/ 444 رقم 5121) من طريق شعبة، عن سَلَمة بن كُهَيل، عن مصعب بن سعد قال: كان سعد يَقيل بعد الجمعة. وهذا إسناد صحيح، كما قال الحافظ في «المطالب»، والبوصيري في «إتحاف الخيرة» (2/ 310). (¬4) أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 445 رقم 5135) والبخاري في «التاريخ الكبير» (3/ 477) وابن المنذر في «الأوسط» (2/ 354 رقم 998) من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مُرَّة، عن سعيد بن سُوَيد قال: صلَّى بنا معاويةُ الجمعةَ في الضُّحى. وأعلَّه البخاري بقوله: لا يُتابَع عليه. يعني سعيد بن سُوَيد. وقال الشيخ الألباني في «الأجوبة النافعة» (ص 25): وسعيد هذا لم يَذكروا له راويًا غير عمرو هذا، ومع ذلك ذكره ابن حبان في «الثقات» (1/ 62)!

فإنَّه إسناد جيد (¬1)، فإنَّ ثابت بن الحجَّاج هذا: جَزَري ثقة (¬2)، وشيخه عبد الله بن سِيدان -كما ترى- قد أدرك أَيام الصِّديق، ولكن قال البخاري (¬3): لا يُتابَع على حديثه هذا. وقال أبو القاسم اللاَّلَكَائي (¬4): هو مجهول، لا تقوم بروايته حجَّة، والله أعلم. ¬

(¬1) هذه العبارة متعلِّقة بحديث عبد الله بن سِيدان. (¬2) انظر: «تهذيب التهذيب» (2/ 4) و «طبقات ابن سعد» (7/ 479). (¬3) في «التاريخ الكبير» (5/ 110 رقم 328). (¬4) كما في «ميزان الاعتدال» (2/ 437). وردَّ ذلك أبو الخطاب الكَلوذاني، فقال في «الانتصار في المسائل الكبار» (1/ 581): بل هو معروف من كبار التابعين من بني سُليم، وقد صحَّح أحمد حديثه وأخذ به. وقال الحافظ ابن رجب في «فتح الباري» له (8/ 173): وهذا إسناد جيد، وجعفر حديثه عن غير الزهريِّ حجَّة يحتجُّ به، قاله الإمام أحمد، والدارقطني، وغيرهما، وثابت بن الحجَّاج: جزري تابعي معروف، لا نعلم أحدًا تكلَّم فيه، وقد خرَّج له أبو داود، وعبد الله بن سِيدان السُّلمي المطرودي، قيل: إنه من الرَبَذة، وقيل: إنه جزري، يروي عن أبي بكر، وحذيفة، وأبي ذرٍّ، وثَّقه العِجلي، وذَكَره ابن سعد في طبقة الصحابة ممَّن نزل الشَّام، وقال: ذَكَروا أنه رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم. وقال القُشيري في «تاريخ الرَّقَّة» [ص 35]: ذَكَروا أنه أدرك النبيَّ صلى الله عليه وسلم. وأما البخاري فقال: لا يُتابَع على حديثه، كأنه يشير إلى حديثه هذا، وقول ابن المنذر [«الأوسط» (2/ 355)]: إنَّ هذا الحديث لا يثبت؛ هو متابعة لقول البخاري، وأحمد أعرف بالرِّجال من كلِّ مَن تكلَّم في هذا الحديث، وقد استدلَّ به، واعتمد عليه، وقد عضد هذا الحديث أنه قد صحَّ من غير وجه أنَّ القائلة في زمن عمرَ وعثمانَ كانت بعد صلاة الجمعة، وصحَّ عن عثمانَ أنه صلَّى الجمعة بالمدينة، وصلَّى العصرَ بمَلَل. خرَّجه مالك في «الموطأ» [1/ 41]، وبين المدينة ومَلَل اثنان وعشرون ميلاً، وقيل: ثمانية عشر ميلاً، ويبعد أن يلحق هذا السَّير بعد زوال الشمس. انتهى كلام الحافظ ابن رجب. وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (2/ 387) و «إرواء الغليل» (3/ 62).

(173) وقال الإمام أبو عبد الله الشافعي (¬1) ¬

(¬1) في «الأم» (7/ 185). وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (1/ 445 رقم 5134) في الصلاة، باب من كان يقيل بعد الجمعة، ويقول: هي أول النهار، عن غُندَر. وابن المنذر في «الأوسط» (2/ 100، 354 رقم 628، 997) من طريق الطيالسي. كلاهما (غُندَر، والطيالسي) عن شعبة، به. وأعلَّه البيهقي في «معرفة السُّنن والآثار» (4/ 335) فقال: عبد الله بن سَلِمة كان قد تغيَّر في آخر عمره، ويشبه أن يكون غير محفوظ، وأبو إسحاق رأى عليًّا وهو صبي، فيشبه أن يكون قد تعجَّل بها في أول وقتها، فحسبه نصف النهار من تعجيلها، ويحتمل أن يكون خطب بهم نصف النهار، ثم أتى منها بقدر الإجزاء بعد الزوال. قلت: هذا اختيار الإمام البيهقي، وخالَفَه الشيخ الألباني، فقال في «إرواء الغليل» (3/ 62 - 63): هذا سند حسن، رجاله كلهم ثقات، وفي عبد الله بن سَلِمة ضَعف من قِبَل أنه كان تغيَّر حفظه، لكنه هنا يروي أمرًا شاهده بنفسه، والغالب في مثل هذا أنه لا ينساه، وإن كان فيه ضعف، بخلاف ما إذا كان يروي أمرًا لم يشاهده، كحديث عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فإنه يخشى عليه أن يزيد فيه أو ينقص، وأن يكون موقوفًا في الأصل، فتخونه ذاكرته فيرفعه. وقال في «الأجوبة النافعة» (ص 24): ومثله إنما يُخشى منه الخطأ في رفع الحديث، أو في روايته عن غيره مما لم يشاهد، وهو هنا يروي حادثة شاهدها بنفسه، وهي في الواقع غريبة، لمخالفتها للمعهود من الصلاة بعد الزوال، فاجتماع هذه الأمور مما يرجِّح حفظه لما شاهد، فالأرجح أن هذا الأثر صحيح، ولعله من أجل ما ذكرنا احتجَّ به الإمام أحمد، فقال ابنه عبد الله في «مسائله» عنه (ص 112): سُئل عن وقت صلاة الجمعة؟ قال: إنْ صلَّى قبل الزوال فلا بأس، حديث عمرو بن مُرَّة، عن عبد الله بن سَلِمة: أنَّ عبد الله صلَّى بهم الجمعة ضحى، وحديث سهل بن سعد: كنا نصلِّي ونتغدَّى بعد الجمعة، كأنه يدل على أنه قبل الزوال.

فيما بَلَغه عن شعبة (¬1)، عن عمرو بن مُرَّة، عن عبد الله بن سَلِمة قال: صلَّى عبد الله -يعني: ابن مسعود- بأصحابه الجمعةَ ضحى، وقال: خَشِيتُ الحرَّ عليكم. ثم قال الشافعي: وليسوا -يعني أهل الكوفة- يقولون بهذا، يقولون: لا يقول بهذا أحد (¬2)، صلَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وأبو بكرٍ، وعمرُ، وعثمانُ، والأئمَّةُ بعدُ في كلِّ جُمُعةٍ بعد زوالِ الشمسِ. (174) ثم قال الشافعي (¬3) فيما بَلَغه عن ابن مهدي (¬4)، عن سفيان، عن أبي إسحاق قال: رأيتُ عليًّا يَخطبُ يومَ الجمعةِ نصفَ النهارِ. ثم قال: ولسنا ولا إياهم نقول بهذا، نقول: لا يَخطبُ إلا بعد الزوال. قال: وكذلك روِّينا عن عمرَ، وغيره (¬5). ¬

(¬1) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «أخبرنا شعبة»، وما في الأصل موافق لما في «معرفة السُّنن والآثار» (2/ 474 - ط دار الكتب العلمية). (¬2) كذا ورد بالأصل. وتحرَّف في المطبوع إلى: «ولا يقول به أحد»! وجاء على الصواب في النسخة المحققة (8/ 485 - ط دار الوفاء). (¬3) في «الأم» (7/ 167). وصحَّح إسنادَه الحافظ في «الفتح» (2/ 387). (¬4) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «أخبرنا ابن مهدي»، وما في الأصل موافق لما في «معرفة السُّنن والآثار» (2/ 474 - ط دار الكتب العلمية). (¬5) انظر ما تقدَّم (ص 311 - 312، تعليق رقم 2، 3

حديث آخر (175) روى أبو بكر الإسماعيلي من حديث مغيرة، عن الحارث العُكلي، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير (¬1) قال: بَعَث عمرُ جيشًا فيهم معاذ، فلمَّا ساروا إذا معاذ، قال: ما حَبَسَكَ؟ قال: أَردتُ الجمعةَ ثم أَخرُجُ. فقال عمرُ: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «لَغَدوةٌ في سبيل اللهِ أو رَوحةٌ، خيرٌ من الدُّنيا وما فيها» (¬2). فيه انقطاع. وفيه دلالة على جواز السَّفر قبل الزوال يوم الجمعة، وهو قول بعض العلماء (¬3). ¬

(¬1) ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه بين أبي زرعة بن عمرو بن جرير وعمر. (¬2) وأخرجه -أيضًا- إسحاق بن راهويه في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (9/ 257 رقم 1935 - ط العاصمة) عن جرير، عن مغيرة، به. وأخرجه البيهقي (3/ 187) من طريق معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن مغيرة، به. وقد أعلَّه المؤلِّف بالانقطاع. لكن له طريق أخرى صحيحة: أخرجها محمد بن الحسن في «السِّير الكبير» (1/ 50) والشافعي في «الأم» (1/ 189) عن ابن عيينة. وعبد الرزاق (3/ 250 رقم 5537) عن الثوري. وابن أبي شيبة (1/ 443 رقم 5106) في الصلاة، باب من رخَّص في السفر يوم الجمعة، عن شريك. ثلاثتهم (ابن عيينة، والثوري، وشريك) عن الأسود بن قيس، عن أبيه: أنَّ عمرَ أبصَرَ رجلاً عليه هيئة السَّفر، وهو يقول: لولا أنَّ اليومَ يومُ جمعة لَخَرجتُ. فقال له عمر: اُخرُجْ، فإنَّ الجمعةَ لا تحبسُ عن سفرٍ. وهذا إسناد صحيح، كما قال الشيخ الألباني في «الأجوبة النافعة» (ص 65). (¬3) انظر: «الذخيرة» (2/ 356) و «منهاج الطالبين» (1/ 265) و «الكافي» لابن قدامة (1/ 498).

حديث آخر يُذكر فيه مسألة الزِّحام (176) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا سليمان بن داود أبو داود (¬2)، ثنا سلاَّم -يعني: أبا الأحوص-، عن سمَاك بن حرب، عن سيَّار بن المَعْرور قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يَخطبُ، وهو يقول: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بنى هذا المسجد ونحن معه: المهاجرون والأنصار، فإذا اشتدَّ الزِّحامُ فلْيَسجُدِ / (ق 59) الرَّجلُ منكم على ظَهْر أخيه. ورأى قومًا يصلُّون في الطريق، فقال: صلُّوا في المسجد. ورواه علي ابن المديني، عن أبي الوليد الطيالسي، عن أبي الأَحوص، عن سمَاك، به. وقال (¬3): هذا إسناد مجهول، لا نحفظه إلا من هذا الطريق، وسيَّار بن المَعْرور مجهول، لا نعلم أحدًا روى عنه إلا سمَاك. وكان أبو نعيم يقول: سيَّار بن المَغْرور. والصواب: مَعْرور. وقال الحافظ أبو الحسن الدارقطني (¬4): هكذا رواه أبو الأحوص، وأسباط بن نصر، عن سمَاك بن حرب. واتفقا على أنَّه سيَّار بن مَعْرور. وقال يحيى بن معين (¬5): إنما هو سيَّار بن مَغْرور -بالمعجمة-، ولستُ أعلمُ من أين أخذ هذا؟ وسيَّار هذا: مجهول، لا نعلم حدَّث ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 32 رقم 217). (¬2) هو: الطَّيالسي، والحديث في «مسنده» (1/ 69 رقم 70). (¬3) في «العلل» له (ص 93) و (ص 671 - ط دار ابن الجوزي). (¬4) في «العلل» (2/ 153). (¬5) في «تاريخه» (2/ 244 - رواية الدُّوري).

عنه غير سمَاك بن حرب، ولا نعلمه أسند إلا هذا الحديث (¬1). قلت: وفيه دلالة لقول بعض المالكية (¬2): أنَّ مَن صلَّى الجمعة خارج المسجد وهو قادر على دخوله أنَّه لا تصحُّ جمعته، لأنه أمرهم بذلك، والله أعلم. ¬

(¬1) وله طريق أخرى صحيحة: أخرجها ابن أبي شيبة (1/ 237 رقم 2726) في الصلاة، باب في الرجل يسجد على ظَهْر الرجل، وابن المنذر في «الأوسط» (4/ 104 رقم 1856) وابن حزم في «المحلى» (4/ 84) والبيهقي (3/ 183) من طريق الأعمش، عن المسيّب بن رافع، عن زيد بن وهب: أنَّ عمرَ بن الخطاب قال: ... ، فذكره، دون قوله: ورأى قومًا يصلُّون في الطريق. وهذا إسناد صحيح، كما قال ابن الملقِّن في «خلاصة البدر المنير» (1/ 223). وقد احتجَّ به الإمام أحمد في «مسائله» (2/ 411 - 412 - رواية عبد الله). (¬2) انظر: «عِقد الجواهر الثمينة» (1/ 162) و «الذخيرة» (2/ 335).

أثر في كراهية تطويل الخطب والتقعر فيها

أثر في كراهية تطويل الخطب والتَّقعر (¬1) فيها (177) قال أبو عبيد (¬2): ثنا إسماعيل بن جعفر (¬3)، عن حميد، عن أنس، عن عمرَ: أنَّ رجلاً خَطَبَ، فأَكثَرَ، فقال عمرُ: إنَّ كثيرًا من الخُطَب من شَقَاشِقِ الشيطانِ (¬4). قال أبو عبيد: واحدتُها شِقْشِقةٌ، وهي التي إذا هَدَرَ البعيرُ من الإبلِ العرابِ خاصّةً خَرَجتْ من شِدقِهِ شبيهةٌ بالرِّئةِ. (178) حديث ابن عمر: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكرٍ، وعمرُ -رضي الله عنهما- يُصلُّون العيدينَ قبلَ الخطبةِ. سيأتي (¬5) في مسنده من حديث أبي لُبَابة، عن عبيد الله، عن نافع، عنه. وهو في «الصحيحين» (¬6). ¬

(¬1) التقعر: التشدق والتكلم بأقصى الفم. «لسان العرب» (11/ 242 - مادة قعر). (¬2) في «غريب الحديث» (4/ 194). (¬3) وهو في «حديثه» (ص 200 رقم 99 - رواية علي بن حُجر). وأخرجه -أيضًا- البخاري في «الأدب المفرد» (ص 305 رقم 876) من طريق محمد بن جعفر، عن حميد: أنه سَمِعَ أنسًا يقول: ... ، فذكره. وهذا إسناد صحيح، كما قال الشيخ الألباني في «صحيح الأدب المفرد». (¬4) نَسَبها إلى الشيطان لما يَدخل فيه من الكذب والباطل، وكونه لا يُبالي بما قال. «النهاية» (2/ 490). (¬5) انظر: «جامع المسانيد والسنن» (29/ 70 رقم 1533 - ط قلعجي). (¬6) أخرجه البخاري (2/ 451، 453 رقم 957، 963 - فتح) في العيدين، باب المشي والركوب إلى العيد ... ، وباب الخطبة بعد العيد. ومسلم (2/ 605 رقم 888) في صلاة العيدين. وانظر لزامًا: «فتح الباري» لابن رجب (6/ 97).

أثر آخر (179) قال البخاري (¬1): وكان عمرُ يُكبِّر في قبَّته بمنًى، فيَسْمَعُهُ أهلُ المسجدِ، فيُكبِّرون، ويُكبِّر أَهلُ الأسواقِ، حتى تَرْتَجَّ (¬2) مِنًى تكبيرًا. ¬

(¬1) في «صحيحه» (2/ 461 - فتح) في العيدين، باب التكبير أيام منى، وإذا غدا إلى عرفة. ووَصَله سعيد بن منصور، كما في «تغليق التعليق» (2/ 379) والبيهقي (3/ 312) والفاكهي في «أخبار مكة» (4/ 259 رقم 2580، 2582) من طريق عُبيد بن عُمَير، عن عمرَ ... ، فذكره. وهذا إسناد صحيح، كما قال الشيخ الألباني في «مختصر صحيح البخاري» (1/ 297). (¬2) ترتج: أي: تضطرب. «النهاية» (2/ 197).

أحاديث الاستسقاء

/ (ق 69) أحاديث الاستسقاء (180) قال أبو القاسم الطَّبراني (¬1): ثنا أبو مسلم الكَشِّي، ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال: حدثني أبي، عن ثمامة بن عبد الله بن أنس، عن أنس: أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- خَرَج يَستسقي، وخَرَج بالعباس معه يَستسقي، فيقول: / (ق 70) اللهمَّ إنَّا كنَّا إذا قَحَطنا على عهدِ نبيِّنا صلى الله عليه وسلم تَوَسَّلنا إليك بنبيِّنا، وإنَّا نتوسَّلُ إليك بعمِّ نبيِّنا صلى الله عليه وسلم. تفرَّد بإخراجه البخاري في «الصحيح» (¬2)، عن الحسن بن محمد، عن محمد بن عبد الله الأنصاري، به، ولفظه: أنَّ عمرَ بن الخطاب كان إذا قَحَطوا استسقى بالعباس بن عبد المطَّلب، فقال: اللهمَّ إنَّا كنَّا نَتَوسَّلُ إليك بنبيِّنا فتَسْقينا، وإنَّا نَتَوسَّلُ إليك بعمِّ نبيِّنا فاسْقِنا. قال: فيُسْقَونَ. (181) وقال أبو بكر ابن أبي الدُّنيا في كتابه «المطر» (¬3)، وكتابه «مجابي الدعوة» (¬4): ثنا أبو بكر النسائي (¬5)، ثنا عطاء بن مسلم، عن ¬

(¬1) في «معجمه الكبير» (1/ 72 رقم 84). (¬2) (2/ 494 رقم 1010) في الاستسقاء، باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا، و (7/ 77 رقم 3710 - فتح) في فضائل الصحابة، باب ذِكر العباس. (¬3) لم أجده في المطبوع. (¬4) (ص 53 رقم 43). ولم أجده في مطبوع «المطر والرَّعد». وإسناده ضعيف؛ عطاء بن مسلم، هو: الخفَّاف، قال عنه أبو حاتم الرازي: كان شيخًا صالحًا يشبه يوسف بن أسباط، وكان دفن كُتُبه، فلا يثبت حديثه، وليس بقوي. انظر: «الجرح والتعديل» (6/ 336 رقم 1859). (¬5) كذا ورد بالأصل. وكَتَب المؤلِّف فوقها: «النَّيسابوري»، وكَتَب فوقها: «خ»، إشارة إلى وروده في نسخة، وفي مطبوع «مجابو الدعوة»: «الشَّيباني»! وقد أخرجه اللالكائي في «كرامات أولياء الله» (ص 129 رقم 69) من طريق ابن أبي الدُّنيا، وجاء فيه: «أبو بكر السُّلمي»!

العُمَري، عن خوَّات بن جُبَير قال: خَرَج عمرُ يَستسقي بهم، فصلَّى ركعتين، فقال: اللهمَّ إنا نَستغفرك، ونَستسقيك. فما بَرَح من مكانه حتى مُطِرُوا، فقَدِمَ أعرابٌ، فقالوا: يا أميرَ المؤمنين، بينا نحن بِوادِينا في ساعةِ كذا، إذ أظلَّتنا غمامةٌ، فسمعنا منها صوتًا: أتاكَ الغوثُ أبا حفصٍ. أتاك الغوثُ أبا حفصٍ. (182) وقال -أيضًا- (¬1): ثنا إسحاق بن إسماعيل، ثنا سفيان، عن مُطرِّف بن طَريف، عن الشَّعبي قال: خَرَج عمرُ يَستسقي بالناس، فما زاد على الاستغفار حتى رجع، قالوا: يا أميرَ المؤمنين! ما نَرَاكَ استسقيتَ؟ قال: طَلَبتُ المطرَ بمجاديحِ السماءِ التي يُستَنزَلُ بها المطرُ، ثم قرأ: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11)} (¬2)، / (ق 71) ¬

(¬1) في «المطر والرَّعد والبرق» (ص 106 رقم 84). وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (3/ 87 رقم 4902) وسعيد بن منصور (5/ 353 رقم 1095 - ط الصميعي) وابن سعد (3/ 320) وابن أبي شيبة (6/ 62 رقم 29476) في الدعاء، باب ما يُدعى به في الاستسقاء، وعمر بن شبَّة في «تاريخ المدينة» (2/ 737) والبلاذُري في «أنساب الأشراف» (ص 320) والطبري في «تفسيره» (29/ 93) من طريق مُطرِّف، به. وهو منقطع بين الشعبي وعمر، وبه أعلَّه الشيخ الألباني في «الإرواء» (3/ 141). وله طريق أخرى أصح من هذه: أخرجها ابن أبي شيبة (2/ 223 رقم 8343) في الصلاة، باب من قال: لا يصلي في الاستسقاء، و (6/ 62 رقم 29477) في الموضع السابق، وعمر بن شبَّة في «تاريخ المدينة» (2/ 736) وابن المنذر في «الأوسط» (4/ 315 رقم 2217) من طريق عيسى بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، عن عطاء بن أبي مروان، عن أبيه: أنه خَرَج مع عمرَ بن الخطاب يستسقي ... ، فذكره، بنحوه. وهذا إسناد صحيح، كما قال الشيخ الألباني في «الإرواء» (2/ 146). ولم يطلع الشيخ سليم الهلالي على هذا الشاهد، فضعَّف الأثر في تحقيقه لـ «الوابل الصيب» (ص 264 - 265). (¬2) نوح: 10، 11

ثم قرأ: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} (¬1). ورواه أبو عبيد (¬2)، عن هشيم، وأبي يوسف جميعًا، عن مُطرِّف، به. قال أبو عمرو: والمجاديح واحدها مِجدَح، وهو كلُّ نَجمٍ من النُّجومِ، كانت العربُ تقولُ: إنه يُمطَرُ به. أثر آخر (183) قال الحافظ أبو بكر البيهقي (¬3): ثنا أبو نصر بن قتادة، وأبو بكر الفارسي قالا: أنا أبو عمرو بن مَطَر، ثنا إبراهيم بن علي الذُّهْلي، ثنا يحيى بن يحيى، أنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن مالك الدَّار قال: أَصابَ الناسَ قحطٌ في زمانِ عمرَ -رضي الله عنه-، فجاء رجلٌ إلى قبر النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ الله، استَسقِ اللهَ لأمَّتك، فإنهم قد هَلَكوا. فأتاه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال: ائتِ عمرَ، فأَقْرِئْهُ منِّي السلامَ، وأَخبِرْهُ أنهم مُسْقَون، وقل له: عليكَ بالكيسِ (¬4) الكيسِ. (فأتى الرجلُ، فأَخبَرَ عمرَ، وقال:) (¬5) يا ربُّ، ما آلو إلا ما عَجِزتُ عنه. ¬

(¬1) هود: 3 تنبيه: جاء بحاشية الأصل تقييد بخط الحافظ ابن حجر، هذا نصُّه: خرَّجه سعيد بن منصور في «السُّنن»، عن سفيان. (¬2) في «غريب الحديث» (4/ 157). (¬3) في «دلائل النبوة» (7/ 47). وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (6/ 359 رقم 31993) في الفضائل، باب ما ذكر في فضل عمر، والبخاري في «التاريخ الكبير» (7/ 3044) وابن أبي خيثمة في «تاريخه» (2/ 80 رقم 1818) والخليلي في «الإرشاد» (1/ 313) من طريق أبي معاوية، به. (¬4) الكيس: العقل. «النهاية» (4/ 217). (¬5) في المطبوع: «فأتى الرجلُ عمرَ، فأخبَرَه، فبكى عمرُ، ثم قال».

هذا إسناد جيد قوي (¬1). ¬

(¬1) بل: ضعيف منكر، وقد أُعلَّ بست علل: العلَّة الأولى: جهالة الرَّجل الذي أتى إلى قبر النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وما ورد من تسميته ببلال بن الحارث المُزَني أحد الصحابة، فلا يصح؛ لأنه من رواية سيف بن عمر التميمي، وقد قال عنه ابن حبان في «المجروحين»: (1/ 345): يروي الموضوعات عن الأثبات ... ، وكان يضع الحديث. قال الشيخ الألباني في «التوسل» (ص 120): ومَن كان هذا شأنه لا تُقبل روايته، ولا كرامةَ، لا سيَّما عند المخالفة. قلت: ومما يستغرب إصرار القبوريين في زماننا هذا على أن فاعل هذا صحابي!! نعوذ بالله من الهوى. العلة الثانية: جهالة مالك الدَّار، فقد تفرَّد بالرواية عنه أبو صالح السمَّان، ولذا أورده ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (8/ 213 رقم 944) وسكت عنه. قال الشيخ الألباني في «التوسل» (ص 120): ففيه إشعار بأنه مجهول، ويؤيده: أن ابن أبي حاتم نفسه -مع سعة حفظه واطلاعه- لم يحك فيه توثيقًا، فبقي على الجهالة، ولا ينافي هذا قول الحافظ [الفتح 2/ 495]: «... بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمَّان ...»، لأننا نقول: إنه ليس نصًّا في تصحيح جميع السند، بل إلى أبي صالح فقط، ولولا ذلك لما ابتدأ هو الإسناد من عند أبي صالح، ولقال رأسًا: «عن مالك الدَّار ... ، وإسناده صحيح»، ولكنه تعمَّد ذلك، ليلفت النظر إلى أن ههنا شيئًا ينبغي النظر فيه ... ، ويؤيد ما ذهبت إليه: أن الحافظ المنذري أورد في «الترغيب» (2/ 41 - 42) قصة أخرى من رواية مالك الدَّار، عن عمرَ، ثم قال: «رواه الطبراني في الكبير، ورواته إلى مالك الدَّار ثقات مشهورون، ومالك الدَّار لا أعرفه». وكذا قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (3/ 125). انتهى كلام الشيخ الألباني. العلَّة الثالثة: أنَّ هناك إرسالاً بين أبي صالح ومالك الدَّار، قال الخليلي في «الإرشاد» (1/ 316): يُقال: إن أبا صالح سَمِعَ مالك الدَّار هذا الحديث، والباقون أرسلوه. فقوله: (يُقال) دليل على عدم صحة سماع مالك الدار من أبي صالح، وإلا لجزم به. العلة الرابعة: تفرُّد أبي معاوية بروايته عن الأعمش دون بقيَّة أصحابه المتقنين، لا سيما الثوري، فقد قال الإمام أحمد: أبو معاوية من أحفظ أصحاب الأعمش، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = فقيل له: مثل سفيان؟ فقال: لا، سفيان في طبقة أخرى، مع أنَّ أبا معاوية يخطئ في أحاديث من أحاديث الأعمش. وقال -أيضًا-: أبو معاوية عنده أحاديث يقلبها عن الأعمش. وسُئل ابن مهدي: مَن أثبت في الأعمش بعد الثوري؟ قال: ما أعدل بوكيع أحدًا، فقال له رجل: يقولون: أبو معاوية؟ فنَفَر من ذلك، وقال: أبو معاوية عنده كذا وكذا وَهمًا. انظر: «شرح علل الترمذي» لابن رجب (2/ 529 - 536). قلت: وقد خولف أبو معاوية في هذا الخبر، وذلك فيما ذكره الخليلي من أن باقي الرواة أرسلوه. العلَّة الخامسة: نكارة متنه، قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيميَّة في «اقتضاء الصراط المستقيم» (2/ 197): وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجدبوا مرَّات، ودَهَتهم نوائب غير ذلك، فهلاَّ جاؤوا فاستسقوا واستغاثوا عند قبر النبيِّ صلى الله عليه وسلم؟! وقال الشيخ عبد العزيز بن باز في تعليقه على «فتح الباري» (2/ 4459): صحتُه ليس بحجَّة على جواز الاستسقاء بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، لأن السائل مجهول، ولأن عمل الصحابة -رضي الله عنهم- على خلافه، وهم أعلم الناس بالشَّرع، ولم يأت أحد منهم إلى قبره يسألُهُ السُّقيا ولا غيرها، بل عدل عمر عنه لمَّا وقع الجدب إلى الاستسقاء بالعباس، ولم يُنكِر ذلك عليه أحدٌ من الصحابة، فعُلِمَ أنَّ ذلك هو الحقُّ، وأنَّ ما فعله ذلك الرَّجل منكر، ووسيلة إلى الشِّرك، بل قد جعله بعض أهل العلم من أنواع الشرك. قلت: وليس في الخبر ما يدلُّ على إخبار الرجل لعمر بصنيعه عند القبر -كما فَهِمَ ذلك بعض القبوريين-، ولو كان الأمر كما فَهِمَ هذا الضال؛ لبادر عمر بالذهاب إلى القبر يسأل السُّقيا، ولكان في غنًى عن الاستسقاء بالعباس. فتأمَّل. العلة السادسة: أنها رؤيا منام، والرؤى لا تُبنى عليها أحكام شرعية، اللهم إلا رؤى الأنبياء، فإنها وحي، كما هو مقرَّر عند أهل العلم. فائدة: قال الدَّميري في «النجم الوهاج في شرح المنهاج» (3/ 274): فرع: قال شخص: رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في النوم، وأخبرني أن الليلة أول رمضان!! لا يصح الصوم بهذا لصاحب المنام ولا لغيره بالإجماع، كما قاله القاضي عياض، وذلك لاختلال ضبط الرائي، لا للشك في الرؤية.

خبر نيل مصر

خبر نيل مصر (184) قال الحافظ أبو القاسم هبة الله بن الحسن اللاَّلكائي الطبري (¬1): أنا محمد بن أبي بكر، ثنا محمد بن مَخلد، ثنا محمد بن إسحاق، ثنا عبد الله بن صالح، حدثني ابن لَهِيعة، عن قيس بن حجَّاج، عمَّن حدَّثه قال: لما فُتحَت مصرُ أتى أهلُها عمرو بن العاص حين دخل بؤونةُ -من أشهر العجم-، فقالوا: أيها الأميرُ، إنَّ لِنيِلِنا هذا سُنَّةً لا يَجري إلا بها. قال: وما ذاك؟ قالوا: إذا كانت ثنتى (¬2) عشرةَ ليلةً خَلَتْ من هذا الشهرِ عَمَدنا إلى جاريةٍ بِكر بين أبويها، فأَرضَينا أبويها، / (ق 72) وجَعَلنا عليها من الحلي والثيابِ أفضلَ ما يكونُ، ثم ألقيناها في هذا النِّيل. فقال لهم عمرو رضي الله عنه: إنَّ هذا ما لا يكونُ في الإسلامِ، إنَّ الإسلامَ يَهدِمُ ما كان قبلَهُ. فأقاموا بَؤونة، والنِّيلُ لا يَجري قليلاً ولا كثيرًا! وفي رواية: قاموا بؤونة وأبيب ومسرى وهو لا يَجري، حتى همُّوا بالجلاءِ. فكَتَب عمرو إلى عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- بذلك. فكَتَب إليه: إنكَ قد أصبتَ بالذي فعلتَ، وإنِّي قد بَعثتُ إليكَ ببطاقةٍ داخلَ كتابي هذا، فأَلْقِهَا في النِّيلِ. فلما قَدِمَ كتابُهُ، أخذ عمرو البطاقةَ، فَفَتَحها، فإذا فيها: من عبد الله عمرَ أميرِ المؤمنينَ إلى نيلِ أهلِ مصرَ، أما بعدُ، فإنْ كنتَ إنما تَجري من قِبَلكَ فلا تَجْرِ، وإنْ كان اللهُ الواحدُ القهَّارُ هو الذي يُجريك، ¬

(¬1) في «كرامات أولياء الله» (ص 126 رقم 66). وأخرجه -أيضًا- ابن عبد الحكم في «فتوح مصر» (ص 176) وأبو الشيخ في «العظمة» (4/ 1424 رقم 937) من طريق ابن لَهِيعة، به. وإسناده ضعيف؛ لضعف ابن لَهِيعة، وجهالة مَن حدَّث عنه قيس بن الحجَّاج. (¬2) كَتَب المؤلِّف فوقها: «كذا». وفي المطبوع من «كرامات الأولياء»: «ثنتا».

فنسألُ اللهَ أَنْ يُجرِيكَ. قال: فأَلقى البطاقةَ في النِّيل، فأَصبَحوا يومَ السبتِ، وقد أجرى اللهُ النِّيلَ ستةَ عشرَ ذراعًا في ليلةٍ واحدةٍ، وقطع اللهُ تلك السُّنَّةَ عن أهلِ مصرَ إلى اليومِ. (185) ورواه خير بن عرفة (¬1)، عن هانئ بن المتوكِّل، عن ابن لَهِيعة، عن قيس بن الحجَّاج قال: لما فُتِحَتْ مصرُ، أتى أهلُها عمرو بن العاص ... ، وذَكَره. (186) وقال أبو الحسن محمد بن علي الحسني العَلَوي رحمه الله: سَمِعتُ يعقوب بن أحمد بمصر يقول: (ق 73) سَمِعتُ عبد الرحمن بن محمد -مولى بني أُميَّة- يقول: زاد نيلُ مصرَ حتى خَشِيَ الناسُ الغرقَ، قال: فوَقَفتُ عليه، فقلتُ: بحُرمةِ عمرَ بن الخطاب (¬2) عليك إلاَّ سَكَنتَ فسَكَنَ! أثر آخر (187) قال أبو بكر ابن أبي الدُّنيا رحمه الله (¬3): حدَّثني قاسم بن ¬

(¬1) ومن هذا الوجه: أخرجه المبارك بن عبد الجبار الطُّيوري في «الطيوريات» (ص 566 رقم 1005). وهذا الإسناد كسابقه. (¬2) القسم بحُرمة فلان منكر لا يجوز، قال ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (27/ 83): وأما القسم الثالث، وهو أن يقول: اللهمَّ بجاه فلان عندك، أو ببركة فلان، أو بحُرمة فلان عندك: افعل بي كذا وكذا. فهذا يفعله كثير من الناس، لكن لم ينقل عن أحد من الصحابة والتابعين وسَلَف الأمَّة أنهم كانوا يدعون بمثل هذا الدعاء. وقد فات الشيخ بكر أبو زيد التنبيه على هذه اللفظة في كتابه «معجم المناهي اللَّفظية»، فليُستدرك (¬3) في «المطر والرعد والبرق» (ص 90 رقم 56). وإسناده ضعيف؛ لضعف سعيد بن عُمارة. انظر: «تهذيب الكمال» (11/ 13).

هاشم، ثنا علي بن عيَّاش، ثنا سعيد بن عُمارة، عن الحارث بن النُّعمان قال: سَمِعتُ أنسَ بن مالك يقول: قال عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه: إنَّ الرَّجفَ (¬1) من كثرةِ الزِّنى، وإنَّ قحوطَ المطرِ من قضاةِ السُّوءِ وأئمَّةِ الجورِ. أثر آخر (188) قال ابن أبي الدُّنيا -أيضًا- (¬2): حدَّثني عبد الرحمن بن عبد الله الباهلي، ثنا سفيان بن عيينة، عن عُبيد بن عُمَير (¬3)، عن نافع، عن صفية -يعني: بنت أبي عُبيد-، زوجة عبد الله بن عمر، قالت: زُلزِلتْ الأرضُ على عهدِ عمرَ، فقال: أيها الناسُ، ما هذا؟! ما أسرعَ ما أحدثتُم! إنْ عادت لا أُساكنُكُم فيها. إسناد صحيح (¬4). ¬

(¬1) أصل الرَّجْف: الحركة والاضطراب، والمراد هنا: الزلازل. انظر: «النهاية» (2/ 203). (¬2) في «العقوبات» (ص 31 رقم 20). (¬3) كذا ورد بالأصل. والذي في مطبوع ابن أبي الدُّنيا، و «مصنَّف ابن أبي شيبة» (2/ 222 رقم 83359) في الصلاة، باب في الصلاة في الزلزلة، و «سنن البيهقي» (3/ 342): «عبيد الله بن عمر»، وهو الموافق لما في كُتُب الرجال. (¬4) تنبيه: جاء بحاشية الأصل ما نصُّه: بلغت قراءة على شيخنا.

كتاب الجنائز

كتاب الجنائز (189) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا عبد الله بن نُمَير، عن مُجالِد، عن عامر، عن جابر بن عبد الله قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يقول لطلحةَ بن عبيد الله رضي الله عنهما: ما لي أَراك قد شَعِثْتَ واغْبَرَرْتَ مُذ تُوفي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ لعلَّك ساءك إمارةُ ابنِ عمِّك؟ قال: معاذَ الله، إنِّي لأَجْدَرُكم ألا أفعلَ ذلك، إنِّي سَمِعتُ نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنِّي لأعلمُ كلمةً لا يقولُها رجلٌ عند حضرةِ الموتِ إلا وَجَد رُوحُه لها رَوْحًا حين تخرجُ من جسدِه، وكانت له نورًا يومَ القيامةِ». فلم أَسأَل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم / (ق 74) عنها، ولا أَخبَرَني بها، فذلك الذي دَخَلني. فقال عمرُ: فأنا أَعلمُهُ. قال: فللَّهُ الحمدُ. قال: فما هي؟! قال: هي الكلمةُ التي قالها لعمِّه: لا إلهَ إلا اللهُ. قال: صَدَقتَ. وكذا رواه النسائي في «اليوم والليلة» (¬2)، عن يحيى بن موسى، عن عبد الله بن نُمَير، به. وهذا إسناد حسن (¬3). ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 28 رقم 187). (¬2) (ص 590 رقم 1098). (¬3) في هذا نظر؛ فمُجالِد، وهو: ابن سعيد الهَمْداني قال عنه الحافظ في «التقريب»: ليس بالقوي، وقد تغيَّر في آخر عمره. وقد اختُلف فيه على الشعبي، كما هو ظاهر من سياق الروايات. ولذا قال الدارقطني في «العلل» (4/ 212): رواه مُجالِد، عن الشَّعبي، واختُلف عنه، فقال ابن نُمَير: عن مُجالِد، عن الشَّعبي، عن جابر بن عبد الله قال: سَمِعتُ عمرَ يقول لطلحة. وخالَفَه أبو أسامة، فرواه عن مُجالِد، عن الشَّعبي: سأل عمرُ طلحةَ، ولم يَذكر بينهما أحدًا. قلت: وهذا الاختلاف دلَّ على اضطِّراب مُجالِد.

ولكن رواه أحمد -أيضًا- (¬1)، عن محمد بن عبيد، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن رجل، عن الشَّعبي، عن عمر، به. وهذا منقطع، وفيه مبهم. طريق أخرى (190) قال أبو يعلى الموصلي (¬2): ثنا هارون بن إسحاق الهَمداني، ثنا محمد بن عبد الوهاب القنَّاد، عن مِسْعَر، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشَّعبي، عن يحيى بن طلحة، عن أُمِّه سُعدى المُريَّة قالت: مرَّ عمرُ بطلحةَ بعد وفاةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: مالَكَ مُكتَئِبٌ، أَساءَتكَ (¬3) إمْرَةُ ابنِ عمِّكَ؟ قال: لا ... ، وذَكَر الحديث. وقد رواه النسائي في «اليوم والليلة» -أيضًا- (¬4)، وابن ماجه (¬5). جميعًا عن هارون بن إسحاق، به. وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» (¬6)، عن عبد الله بن محمد بن سَلْم، عن هارون بن إسحاق. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 63 رقم 252). (¬2) في «مسنده» (2/ 14 رقم 642). (¬3) قوله: «ما لك مُكتئب، أساءتك» كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «ما لي أراك مُكتئبًا؟ أيسوؤك». (¬4) (ص 592 رقم 1101). (¬5) في «سننه» (2/ 1247 رقم 3795) في الأدب، باب فضل لا إله إلا الله. (¬6) (1/ 434 رقم 205 - الإحسان).

واختاره الضياء في كتابه (¬1). وقال علي ابن المديني: حدَّثنا بهذا الحديث أصحابنا، عن محمد بن عبد الوهاب الكوفي (¬2) -وكان رجلاً صالحًا ثقة-، عن مِسْعَر، عن إسماعيل، عن الشَّعبي، عن يحيى بن طلحة، / (ق 75) عن سُعدى بنت عوف المُريَّة، امرأة طلحة، عن طلحة، عن عمر ... ، فذَكَره، بنحوه. قال: ورواه شعبة (¬3)، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشَّعبي، عن رجل، عن سُعدى امرأة طلحة، عن طلحة: أنَّ عمرَ مَرَّ به ... ، فذَكَر نحوه. قال: وكذا حدَّثناه يحيى، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشَّعبي، به. قال: وحدَّثناه محمد بن عبيد، ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن رجل، عن الشَّعبي، وأرسله. قال عليّ: وإنما أراد محمد: عن الشَّعبي، عن رجل. فقال: عن رجل، عن الشَّعبي؛ لأنَّ يحيى من أثبت مَن روى عن ابن أبي خالد، وكان يتتبَّع السماع من الفقهاء، ويَشدُّه رواية شعبة -أيضًا- كذلك. ثم رواه علي، عن المعلَّى الرازي، وعَبثر بن القاسم. كلاهما عن مُطرِّف، عن الشَّعبي، عن يحيى بن طلحة، عن طلحة قال: مَرَّ بي عمر ... ، فذَكَره. ورواه، عن جرير بن عبد الحميد، عن مُطرِّف، عن عامر، عن ابنٍ لطلحةَ: أنَّ عمرَ مَرَّ على طلحةَ ... ، فذَكَره (¬4). ¬

(¬1) «المختارة» (1/ 226 - 229 رقم 121 - 126). (¬2) وروايته عند المحاملي في «أماليه» (ل 9/أ -رواية ابن مهدي). (¬3) وروايته عند المحاملي في «أماليه» (ل 9/أ -رواية ابن مهدي). (¬4) وأخرجها - أيضًا - المحاملي في «أماليه» (ل 8/ب -رواية ابن مهدي).

طريق أخرى (191) قال أحمد (¬1): ثنا أسباط، ثنا مُطرِّف -يعني: ابن طَريف-، عن عامر -هو: الشَّعبي-، عن يحيى بن طلحة، عن أبيه طلحة بن عبيد الله، عن عمرَ بن الخطاب، به. ورواه النسائي في «اليوم والليلة» (¬2)، عن علي بن حُجر، عن عليِّ بن مُسْهِر، عن مُطرِّف، به. ورواه أحمد بن مَنيع، وأبو يعلى الموصلي في «مسنديهما» (¬3) من حديث مُطرِّف، به. واختاره الضياء في كتابه (¬4) من هذا الوجه (¬5). ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 161 رقم 1384). (¬2) (ص 591 رقم 1100). (¬3) (2/ 22 رقم 655). (¬4) «المختارة» (3/ 38 رقم 837). (¬5) وهذا الحديث -كما ترى- قد اختَلَف فيه الرواة اختلافًا كثيرًا، وقد ساق الدارقطني في «العلل» (4/ 210 - 213) وجوه هذا الاختلاف، ثم قال: وأحسنها إسنادًا حديث علي بن مُسْهِر ومن تابَعَه، عن مُطرِّف، عن الشَّعبي، عن يحيى بن طلحة، عن أبيه. وحديث مِسْعَر، عن إسماعيل بن أبي خالد حسن الإسناد -أيضًا-، فإن كان محفوظًا؛ فإنَّ يحيى بن طلحة حفظه عن أبيه، عن أمِّه. وقال في «الأفراد»، كما في «أطرافه» لابن طاهر (1/ 309): غريب من حديث إسماعيل بن أبي خالد، عن الشَّعبي، عن يحيى بن طلحة، عن أمِّه سُعدى، عن طلحة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، تفرَّد به مِسْعَر بن كِدَام، عن إسماعيل، وهو غريب من حديث مِسْعَر، تفرَّد به محمد بن عبد الوهاب القنَّاد، وتفرَّد به هارون بن إسحاق، عن القنَّاد. وانظر: «تحفة الأشراف» (4/ 212 رقم 4995) و «المطالب العالية» (3/ 240 رقم 2877).

/ (ق 76) طريق أخرى (192) روى أبو بكر الإسماعيلي من حديث عبد الوهاب بن عطاء، عن سعيد، عن قتادة، عن مسلم بن يَسَار، عن حُمران، عن عثمان، عن عمرَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إني لأعلَمُ كلمةً، لا يقولها عبدٌ حقًا من قلبِه فيموتُ على ذلك؛ إلا حرَّمه اللهُ على النَّارِ: لا إلهَ إلا اللهُ» (¬1). وهذا إسناد جيد. حديث آخر (193) قال الإمام أحمد (¬2): ثنا مؤمَّل، ثنا حماد، ثنا زياد بن مِخراق، عن شَهر، عن عُقبة بن عامر، حدَّثني عمر: أنَّه سَمِعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من مات يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ، قيل له: اُدخُلِ الجنَّةَ من أيِّ أبوابِ الجنَّةِ الثمانيةِ شئتَ». هذا إسناد حسن (¬3)، وليس في شيء من الكتب السِّتة. ¬

(¬1) وأخرجه -أيضًا- أحمد (1/ 63 رقم 447) وابن خزيمة في «التوحيد» (2/ 774) وابن حبان (1/ 434 رقم 204 - الإحسان) والحاكم (1/ 172، 351) وأبو نعيم في «الحلية» (2/ 296) والضياء في «المختارة» (1/ 361، 457 - 458 رقم 250، 332، 333) من طريق عبد الوهاب بن عطاء، به. وقد توبع عبد الوهاب بن عطاء، تابَعَه يزيد بن زُرَيع، كما عند الضياء في «المختارة» (1/ 360 رقم 249). وانظر: «علل الدارقطني» (2/ 7 رقم 82) و (3/ 29 رقم 264). (¬2) في «مسنده» (1/ 16 رقم 97). وأخرجه -أيضًا- إسحاق بن راهويه في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (3/ 241 رقم 2880) عن مؤمَّل، به. (¬3) في إسناده: شَهْر، وهو: ابن حَوشب، وهو كثير الأوهام والإرسال، ولم أجد من نصَّ على سماعه من عُقبة، وقد قال الحافظ في «المطالب العالية»: حديث عُقبة عن عمرَ في «الصحيح» [«صحيح مسلم» 1/ 209 رقم 234] بغير هذا السِّياق.

حديث آخر (194) قال ابن ماجه (¬1): ثنا جعفر بن مُسَافر، حدثني كثير بن هشام، ثنا جعفر بن بُرقان، عن ميمون بن مِهران، عن عمرَ بن الخطاب قال: قال لي النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إذا دَخَلتَ على مريضٍ، فمُرْهُ يَدعُو لكَ، فإنَّ دعاءَه كدعاءِ الملائكةِ». إسناده حسن، ولكن ميمون بن مِهران لم يُدرك عمرَ بن الخطاب (¬2). حديث آخر (195) قال الإمام أحمد (¬3): ثنا يعقوب، ثنا أبي، عن صالح، قال ابن شهاب: قال سالم: فسَمِعتُ عبد الله بن عمر يقول / (ق 77): قال عمرُ: أَرسِلُوا إليَّ طبيبًا يَنظُرُ إلى جُرحي هذا. قال: فأَرسَلُوا إلى طبيبٍ من العرب، فسقى عمرَ نبيذًا (¬4)، فشَبِهَ النبيذُ بالدَّم حين خَرَج من الطعنة التي تحت السُّرَّة. قال: فدَعَوتُ طبيبًا من الأنصار من بني معاوية، ¬

(¬1) في «سننه» (1/ 463 رقم 1441) في الجنائز، باب ما جاء في عيادة المريض. (¬2) تنبيه: جاء بحاشية الأصل تقيِّيد بخط الحافظ ابن حجر، هذا نصُّه: له علَّة خفية، رواه الحسن بن عرفة، عن كثير بن هشام، فأدخل بينه وبين جعفر رجلاً ضعيفًا جدًّا، وهو: عيسى بن إبراهيم، أخرجه ابن السُّني، والبيهقي من طريق الحسن بن عرفة، والحسن أتقن من جعفر بن مُسافِر، وكان كثير بن هشام حدَّثه بالعنعنة، ولكن جعفر بن مُسافِر أسقط الضعيف، فقال: عن كثير: حدَّثنا! وخفي عليه أن بينهما واسطة، وأكَّد ذلك عنه أن كثير بن هشام ذكر الرواية عن جعفر بواسطة. وانظر: «النكت الظِّرَاف» (8/ 111) و «السلسلة الضعيفة» (3/ 53 رقم 1004). (¬3) في «مسنده» (1/ 42 رقم 294). (¬4) النبيذ: ما يُعمل من الأشربة من التمر والزبيب والعسل والحِنطة والشَّعير وغير ذلك. «النهاية» (5/ 7).

فسقاه لبنًا، فخَرَج اللَّبنُ من الطعنة يَصلِدُ (¬1) أبيض. فقال له الطبيب: يا أميرَ المؤمنين، اعهَدْ. فقال عمرُ: صَدَقني أخو بني معاوية، ولو قلتَ غيرَ ذلك كذَّبتُك. قال: فبكى عليه القومُ حين قال ذلك، فقال: لا تَبكوا علينا، مَن كان باكيًا؛ فليَخرُجْ، ألم تَسمعوا ما قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: «يُعذَّبُ الميِّتُ ببكاءِ أهلِه عليه». فمن أجل ذلك كان عبد الله لا يُقِرُّ أن يُبْكى عنده على هالكٍ من ولده ولا غيرهم. ورواه الترمذي (¬2)، عن عبد الله بن أبي زياد. والنسائي (¬3)، عن سليمان بن سيف الحرَّاني. كلاهما عن يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه، به. وقال الترمذي: حسن صحيح. طريق أخرى (196) قال أحمد (¬4): ثنا يحيى، ومحمد بن جعفر قالا: ثنا شعبة، ثنا قتادة، عن سعيد بن المسيّب، عن ابن عمرَ، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «الميِّتُ يُعذَّبُ في قبره بالنياحةِ عليه». وقال محمد بن جعفر: «بما نِيحَ عليه». ورواه أحمد -أيضًا- (¬5)، عن يحيى، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمر، به. ¬

(¬1) يَصلِدُ: أي يَبرُقُ ويَبِصُّ. انظر: «النهاية» (3/ 46). (¬2) في «سننه» (3/ 326 رقم 1002) في الجنائز، باب ما جاء في كراهية البكاء على الميت. (¬3) في «سننه» (4/ 314 رقم 1849) في الجنائز، باب النهي عن البكاء على الميت. (¬4) في «مسنده» (1/ 26، 50 رقم 180، 354). (¬5) في الموضع السابق (1/ 36 رقم 248).

وقد رواه مسلم (¬1)، عن بُندَار، عن غُندَر. وابن ماجه (¬2)، عن بُندَار، ومحمد بن الوليد. / (ق 78) كلاهما عن غُندَر، عن شعبة، به. ورواه النسائي (¬3) عن الفلاَّس، عن يحيى بن سعيد -وهو: القطَّان-، عن شعبة، به. وأخرجه البخاري (¬4)، عن عَبدان، عن أبيه، عن شعبة. قال: وقال آدم، عن شعبة: «الميِّتُ يُعذَّبُ ببكاءِ الحيِّ». قال: وتابَعَه عبد الأعلى -يعني: ابن حماد-، عن يزيد بن زُرَيع، عن سعيد، عن قتادة. ورواه ابن ماجه -أيضًا- (¬5)، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أسود بن عامر -شاذان-. وعن نصر بن علي، عن عبد الصمد، ووهب بن جرير. كلُّ هؤلاء عن شعبة، بإسناده، نحوه. وقد رواه الإمام أحمد -أيضًا- (¬6)، عن غُندَر، عن سعيد بن أبي عَروبة، عن قتادة، بإسناده، مثله. ¬

(¬1) في «صحيحه» (2/ 638 رقم 927) (17) في الجنائز، باب الميت يُعذَّب ببكاء أهله عليه. (¬2) في «سننه» (1/ 508 رقم 1593) في الجنائز، باب ما جاء في الميت يُعذَّب بما نِيح عليه. (¬3) في «سننه» (4/ 315 رقم 1852) في الجنائز، باب النياحة على الميت. (¬4) في «صحيحه» (3/ 161 رقم 1292 - فتح) في الجنائز، باب ما يُكره من النياحة. (¬5) في «سننه» (1/ 508 رقم 1593) في الموضع السابق. (¬6) في «مسنده» (1/ 51 رقم 366).

وهكذا رواه مسلم (¬1)، عن محمد بن المثنَّى، عن محمد بن أبي عدي، عن سعيد بن أبي عَروبة، عن قتادة، به. ورواه أحمد -أيضًا- (¬2)، عن عثمان بن عمر، عن يونس، عن الزهري، عن سعيد بن المسيّب (¬3): أنَّ عمرَ قال: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «الميِّتُ يُعذَّبُ ببكاءِ أهلِهِ عليه». وهذا منقطع. ورواه أحمد -أيضًا- (¬4)، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن ابن المسيّب قال: لما مات أبو بكرٍ بُكِيَ عليه، فقال عمرُ: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ الميِّتَ يُعذَّبُ ببكاءِ الحيِّ». قلت: ورواه همام (¬5)، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب، عن ابن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، لم يَذكر عمرَ، لكن قال في عقبه: قال قتادة: وأخبرني يحيى بن رُؤبة قال: قلت لابن عمر: يُعذَّبُ هذا / (ق 79) الميِّتُ ببكاء هذا الحيِّ؟ قال: حدَّثنيه عمرُ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ووالله ما كَذَبتُ على عمرَ، ولا كَذَب عمرُ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. طريق أخرى (197) قال أحمد (¬6): ثنا عفان، ثنا همام، عن قتادة، عن قَزَعة قال: قلت لابن عمر: يُعذِّبُ اللهُ هذا الميِّت ببكاء هذا الحيِّ؟ فقال: حدَّثني ¬

(¬1) في «صحيحه» (2/ 639 رقم 927) (17). (¬2) في «مسنده» (1/ 45 رقم 315). (¬3) ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه بين سعيد بن المسيّب وعمر. (¬4) في الموضع السابق (1/ 47 رقم 334). (¬5) لم أقف على هذه الطريق. (¬6) في «مسنده» (1/ 38 رقم 264).

عمرُ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ما كَذَبتُ على عمرَ، ولا كَذَب عمرُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا إسناد صحيح على شرط الجماعة، ولم يخرِّجه أحد منهم إلا من هذا الوجه، وقَزَعة هذا هو: ابن يحيى، أخرجوا له كلُّهم. طريق أخرى (198) قال أحمد (¬1): حدثنا يحيى، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «يُعذَّبُ الميِّتُ ببكاءِ أهلِه عليه». وهكذا رواه النسائي (¬2) عن عبيد الله بن سعيد، عن يحيى -وهو: ابن سعيد القطَّان-، به. وأخرجه مسلم (¬3)، عن أبي بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن عبد الله بن نُمَير. كلاهما عن محمد بن بِشر، عن عبيد الله -وهو: ابن عمر العُمَري-، به. طريق أخرى (199) قال أحمد (¬4): ثنا إسماعيل، ثنا أيوب، عن عبد الله بن أبي مُلَيْكَة قال: كنت عند عبد الله بن عمرَ، ونحن ننتظر جنازة أمِّ أَبَان بن (¬5) عثمان، وعنده عمرو بن عثمان، فجاء ابن عباس يقوده قائده، قال: فأُراه ¬

(¬1) في الموضع السابق (1/ 36 رقم 248). (¬2) في «سننه» (4/ 314 رقم 1847) في الجنائز، باب النهي عن البكاء على الميت. (¬3) في «صحيحه» (2/ 638 رقم 927) (16) في الجنائز، باب الميت يُعذَّب ببكاء أهله عليه. (¬4) في «مسنده» (1/ 41 رقم 288). (¬5) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «ابنة»، وهو الصواب.

أُخبِرَ بمكان ابن عمر، فجاء حتى جلس إلى جنبي، وكنتُ بينهما، فإذا صوتٌ من الدَّار، فقال ابن عمر: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ الميِّتَ يُعذَّبُ ببكاءِ / (ق 80) أهلِه عليه». فأرسلها عبد الله مرسلة (¬1). قال ابن عباس: كنَّا مع أمير المؤمنين عمرَ، حتى إذا كنَّا بالبيداء إذا هو برجلٍ نازلٍ في ظلِّ شجرةٍ، فقال لي: انطلِق، فاعلَمْ مَن ذاك. فانطلقتُ، فإذا هو صهيبٌ، فرَجَعتُ إليه، فقلت: إنك أمرتني أن أَعلَمَ لك مَن ذاك، وإنَّه صهيبٌ. قال: مُرْه (¬2) فليَلحَق بنا. فقلتُ: إنَّ معه أهلُه. فقال: وإنْ كان معه أهلُه -وربما قال أيوب: مُرْه فلْيَلْحَق بنا-، فلمَّا بَلَغنا المدينةَ، لم يَلبَثْ أميرُ المؤمنين أنْ أُصيبَ، فجاء صهيب، فقال: واأَخاهُ! واصاحِباهُ! فقال عمرُ: ألَمْ تَعلَمْ، أو: ألَمْ تَسمعْ -أو قال: أَوَ لَمْ تَعلَمْ، أَوَ لَمْ تَسمعْ (¬3) -: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ الميِّتَ ليُعذَّبُ ببعضِ بكاءِ أهلِه عليه». فأما عبد الله فأرسَلَها مرسَلَةً، وأما عمرُ فقال: «ببعض»، فأتيت عائشة، فذَكَرتُ لها قولَ عمرَ، فقالت: لا والله ما قاله رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنَّ الميِّتَ ليُعذَّب ببكاءِ أحدٍ، ولكنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ الكافرَ لَيَزيدُهُ اللهُ ببكاءِ أهلِه عذابًا». وإنَّ اللهَ لهو أضحك وأبكى، {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (¬4). ¬

(¬1) سيأتي تفسيرها قريبًا في كلام ابن عباس رضي الله عنهما. (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «مُرُوه». (¬3) تنبيه: هكذا جاءت هذه العبارة، وهي موافقة للمطبوع من «المسند»، إلا أن المؤلِّف وضع فوقها علامة التضبيب، ولم يظهر لي وجهه. (¬4) الأنعام: 164، والإسراء: 15، وفاطر: 18، والزمر: 7

قال أيوب: وقال ابن أبي مُلَيْكَة: حدَّثني القاسم، قال: لمَّا بَلَغ عائشةَ قولُ عمرَ وابنِ عمرَ، قالت: إنكم لتُحدِّثونني عن غير كاذِبَين، ولا مكذَّبَين، ولكنَّ السمعَ يُخطئُ (¬1). ثم رواه أحمد (¬2)، عن عبد الرزاق (¬3)، عن ابن جريج، عن ابن أبي مُلَيْكَة، قال: تُوفيت ابنة عثمان بن عفان بمكَّة ... ، وساق الحديث، بنحوه. ورواه البخاري (¬4)، ومسلم (¬5)، والنسائي (¬6) من طرق، عن ابن أبي مُلَيْكَة، عنه. طريق أخرى (200) قال مسلم (¬7): / (ق 81) ثنا علي بن حُجر، ثنا علي بن مُسْهِر، عن الشَّيباني، عن أبي بُرْدة، عن أبيه قال: لما أُصيبَ عمرُ جعل صهيبٌ يقول: وا أخاهُ! فقال له عمر: يا صهيبُ، أَمَا عَلِمتَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ الميِّتَ ليُعذَّبُ ببكاءِ الحيِّ». ¬

(¬1) انظر وجه اعتراض عائشة -رضي الله عنها- والجواب عنه في «فتح الباري» (3/ 153 - 156) و «أحكام الجنائز» للشيخ الألباني (ص 41 - 42). (¬2) في «مسنده» (1/ 42 رقم 290). (¬3) وهو في «المصنَّف» (3/ 554 رقم 6675). (¬4) في «صحيحه» (3/ 151 رقم 1286 - فتح) في الجنائز، باب قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم يعذَّب الميت ببعض ببكاء أهله عليه. (¬5) في «صحيحه» (2/ 640 رقم 928) في الجنائز، باب الميت يعذَّب ببكاء أهله عليه. (¬6) في «سننه» (4/ 317 رقم 1856، 1857) في الجنائز، باب النياحة على الميت. (¬7) في «صحيحه» (2/ 639 رقم 927) (19) في الموضع السابق.

وهكذا رواه البخاري (¬1)، عن إسماعيل بن الخليل، عن علي بن مُسْهِر، عن أبي إسحاق الشَّيباني، به. ثم رواه مسلم (¬2)، عن علي بن حُجر، عن شعيب بن صفوان، عن عبد الملك بن عُمَير، عن أبي بُرْدة بن أبي موسى، عن أبيه، به. طريق أخرى (201) قال الحافظ أبو يعلى الموصلي (¬3): ثنا هُدبة، ثنا حماد بن سَلَمة، عن ثابت، عن أنس: أنَّ عمرَ لما طُعِنَ أَعوَلَتْ عليه حفصةُ، فقال: يا حفصةُ، أَمَا سَمِعتِ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ المُعوَّلَ عليه يُعذَّبُ». ورواه مسلم (¬4)، عن عمرو بن محمد النَّاقد، عن عفان بن مسلم، عن حماد بن سَلَمة، به، وزاد (¬5): وأَعوَلَ عليه صهيبُ ... ، وذَكَر الحديث. فهذه الطرق تفيد التوكيد عند كثيرين من أئمَّة هذا الشأن وغيرهم عن عمرَ رضي الله عنه وأرضاه. ¬

(¬1) في «صحيحه» (3/ 152 رقم 1290 - فتح) في الجنائز، باب قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم يعذَّب الميت ببعض ببكاء أهله عليه. (¬2) في «صحيحه» (2/ 639 رقم 927) (20) في الجنائز، باب الميت يعذَّب ببكاء أهله عليه .. (¬3) في «مسنده» (1/ 201 رقم 233). (¬4) في «صحيحه» (2/ 640 رقم 927) (21) في الموضع السابق. (¬5) لم أجد هذه الزيادة في «صحيح مسلم».

أثر في جواز البكاء من غير صوت

أثر في جواز البكاء من غير صوت (202) قال أبو عبيد (¬1): ثنا جرير، عن منصور، عن أبي وائل، عن عمرَ: أنَّه قيل له: إنَّ النساءَ قد اجتمعن يبكين على خالد بن الوليد، فقال: وما على نساءِ بني المغيرةِ أنْ يَسْفِكْنَ من دموعِهِنَّ على أبي سليمان ما لم يكن نَقْعٌ ولا لَقْلَقَةٌ. قال الكسائي: النَّقْعُ: صَنْعَةُ الطعامِ للمأتمِ. وأَنكَرَ ذلك أبو عبيد، وقال: إنما النَّقيعةُ صَنْعَة الطعام عند قدوم الغائب، وإنما المراد منه هنا: رفع الصوت، وهو الذي رأيت عليه قول أكثر أهل العلم، ومنه قول لَبيد: فمتى يَنقَعْ صُراخٌ صادقٌ ... يُحلِبوها ذاتَ جَرْسٍ وزَجَلْ قال: وقال بعضهم: المراد به ههنا: وضع التراب على الرأس. وضعَّفه. وقيل: شقُّ الجيوب. وأَنكَرَه. قال: وأما اللَقْلَقَة: فشدَّة الصوت. لم أسمع فيه اختلافًا. ¬

(¬1) في «غريب الحديث» (4/ 172). وأخرجه -أيضًا- البخاري في «التاريخ الصغير» (1/ 71) وعبد الرزاق (3/ 558 رقم 6685) وابن أبي شيبة (2/ 486 رقم 11342) في الجنائز، باب ما ينهى عنه مما يصنع على الميت، والحاكم (3/ 297) والبيهقي (4/ 71) من طريق الأعمش، عن أبي وائل، به. وأورده البخاري في «صحيحه» (3/ 160 - فتح) معلَّقًا بصيغة الجزم. وصحَّحه الحافظ، كما في «الفتوحات الربانية» (4/ 105).

حديث آخر (203) قال الزهري: عن سالم، عن أبيه عبد الله بن عمرَ قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكرٍ، وعمرُ -رضي الله عنهما- يمشون أمامَ الجنازةِ (¬1). ¬

(¬1) يَرويه الزهري، واختُلف عليه في وَصْله وإرساله: فأخرجه أبو داود (4/ 45 رقم 3179) في الجنائز، باب المشي أمام الجنازة، والترمذي (3/ 329 رقم 1007، 1008) في الجنائز، باب ما جاء في المشي أمام الجنازة، والنسائي (4/ 358 رقم 1943، 1944) في الجنائز، باب مكان الماشي من الجنازة، وابن ماجه (1/ 475 رقم 1482) في الجنائز، باب ما جاء في المشي أمام الجنازة، وأحمد (2/ 8 رقم 4539) وأبو بكر ابن زياد النيسابوري في «الزيادات على كتاب المُزَني» (ص 306 - 307 رقم 148) والبيهقي (4/ 24) وابن أبي خيثمة في «تاريخه» (1/ 125) من طريق الزهري، عن سالم، عن أبيه، موصولاً! ورواه عن الزهري جماعة، وهم: ابن عيينة، ومنصور، وبكر الكوفي، وزياد بن سعد، وابن أخي الزهري. وقد خولف هؤلاء في روايتهم، خالفهم مالك، ومعمر، ويونس، فرووه عن الزهري، مرسلاً. انظر: «موطأ مالك» (1/ 308) في الجنائز، باب المشي أمام الجنازة، و «مصنَّف عبد الرزاق» (3/ 444 رقم 6259). ورجَّح المرسل جماعة من الحفاظ، وهم: 1 - الترمذي: قال: حديث ابن عمر: هكذا رواه ابن جريج، وزياد بن سعد، وغير واحد، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، نحو حديث ابن عيينة، وروى معمر، ويونس بن يزيد، ومالك، وغير واحد من الحفاظ عن الزهري: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يمشي أمام الجنازة ... ، وأهل الحديث كلُّهم يرون أنَّ الحديث المرسل في ذلك أصح. 2 - ابن المبارك: فقد روى الترمذي بسنده عنه أنه قال: حديث الزهري في هذا مرسل أصح من حديث ابن عيينة. 3 - البخاري: قال الترمذي في «العلل»: سألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: الصحيح عن الزهري: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وأبا بكرٍ، وعمرَ كانوا يمشون أمام الجنازة. 4 - النسائي: قال عقب ذكره لرواية همام المتَّصلة: هذا خطأ، والصواب مرسل. 5 - الإمام أحمد: قال: رواه عُقيل بن خالد، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمرَ: أنه كان يمشي أمام الجنازة، وأنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وأبا بكرٍ، وعمرَ كانوا يمشون أمام الجنازة، وما هو إلا فعل ابن عمر، والنبي مرسل عن الزهري. وقال -أيضًا-: كان هذا من قول الزهري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر ... الحديث. انظر: «مسائل الإمام أحمد» (2/ 484 - رواية عبد الله) و (2/ 191 - رواية ابن هانئ) و (ص 408 رقم 1920 - رواية أبي داود). وانظر: «التلخيص الحبير» (2/ 111).

وسيأتي (¬1) في مسند ابن عمر إن شاء الله. ¬

(¬1) انظر: «جامع المسانيد والسُّنن» (28/ 141، 176، 204، 228 رقم 266، 325، 380، 428 - ط قلعجي).

حديث في كلام الميت على سريره

حديث في كلام الميِّت على سريره (204) قال أبو بكر ابن أبي الدُّنيا رحمه الله (¬1): حدثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي، ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي (¬2)، عن رجل من أهل البصرة، عن زيد بن أسلم (¬3)، عن عمرَ بن الخطاب قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَا من ميِّتٍ يُوضعُ على سريرِهِ، فيُخطَى به ثلاثَ خُطًى، إلا تكلَّم بكلامٍ يُسمعُ مَن شاءَ اللهُ إلا الثقلين، الجنَّ والإنسَ، يقول: يا إخوتاه، ويا إخواناه، ويا حملةَ نَعشَاهُ، لا تَغرنَّكُمُ الدُّنيا كما غَرَّتني، ولا يَلعَبَنَّ بكم الزمانُ كما لَعِبَ بي، خَلَّفتُ ما تَرَكتُ لِوَرَثتي، والدَّيانُ يومَ القيامةِ يُخاصِمُني، وأنتم تُشيِّعوني وتَدَعُوني». فيه انقطاع، وفي إسناده مَن لم يُسمّ، ولكن له شاهد في «الصحيح» (¬4). ¬

(¬1) في «القبور» (ص 61 - 62 رقم 25). (¬2) في المطبوع: «البخاري». (¬3) قوله: «عن رجل من أهل البصرة، عن زيد بن أسلم» كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «عن رجل من أهل البصرة، عن الخليل بن مُرَّة، عن زيد بن أسلم». (¬4) لعلَّه يشير إلى: ما أخرجه البخاري (3/ 181، 184، 244 رقم 1314، 1316، 1380 - فتح) في الجنائز، باب حمل الرجال الجنازة دون النساء، وباب قول الميت وهو على الجنازة: قدِّموني، وباب كلام الميت على سريره، من حديث أبي سعيد الخُدْري -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إذا وُضِعَت الجنازةُ فاحتَمَلها الرِّجالُ على أعناقهم، فإن كانتْ صالحةً قالت: قدِّموني، قدِّموني. وإن كانت غيرَ صالحة قالت: يا ويلَهَا، أين يذهبون بها؟! يَسْمع صوتَها كلُّ شيءٍ إلا الإنسانَ، ولو سَمِعَها الإنسانُ لصَعِقَ».

حديث آخر (205) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا يحيى بن سعيد -أنا سألتُهُ-، ثنا سليمان بن المغيرة، ثنا ثابت، عن أنس قال: كنَّا مع عمرَ بين مكةَ والمدينةَ، فتراءَيْنا الهلالَ، وكنتُ حديدَ البصر، فرأيتُهُ، فجَعَلتُ أقولُ لعمرَ: أما تَرَاهُ؟ قال: سأَراهُ وأنا مُستلقٍ على فراشي، / (ق 82) ثم أخذ يحدِّثنا عن أهل بدر، قال: إنْ كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لَيُرينا مصارِعَهم بالأمس، يقول: «هذا مَصرعُ فلانٍ غدًا، إنْ شاء اللهُ، وهذا مَصرعُ فلانٍ غدًا، إنْ شاء اللهُ». قال: فجعلوا يُصرَعون عليها. قال: قلتُ: والذي بَعَثك بالحقِّ ما أخطأوا تيكَ، كانوا يُصرَعون. ثم أمر بهم فطُرحُوا في بئر، فانطَلَق إليهم: «يا فلانُ، يا فلانُ، هل وَجَدتُم ما وَعدَكُمُ اللهُ حقًّا، فإنِّي وَجَدتُ ما وَعدَني اللهُ حقًّا». قال عمرُ: يارسولَ الله، ما تكلِّمُ (¬2) قومًا قد جَيَّفوا؟! قال: «ما أنتم بأسمعَ لما أَقولُ منهم، ولكن لا يستطيعون أن يُجيبُوا». وهكذا رواه النسائي (¬3)، عن عمرو بن علي الفلاَّس، عن يحيى بن سعيد القطَّان. وأخرجه مسلم (¬4)، عن إسحاق بن عمر بن سليط، وشيبان بن فرُّوخ. كلاهما عن سليمان بن المغيرة، به. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 26 رقم 182). (¬2) وضع المؤلِّف فوق «ما» علامة التضبيب، وفي المطبوع: «أتكلِّم». (¬3) في «سننه» (4/ 416 رقم 2073) في الجنائز، باب أرواح المؤمنين وغيرهم. (¬4) في «صحيحه» (4/ 2202 رقم 2873) في الجنة، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار ...

وقد رواه حميد، عن أنس، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولم يَذكر عمرَ (¬1)، وسيأتي (¬2) في مسنده، إن شاء الله تعالى. حديث آخر (206) قال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي: حدثني محمد بن عُمَير، ثنا ابن قتيبة، ثنا محمد بن آدم، ثنا محمد بن فضيل، ثنا إسماعيل بن أبي خالد وليث، عن سالم، عن ابن عمرَ، عن عمر، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «مَن صَلَّى على جنازةٍ فله قِيرَاطٌ، ومَن شَهِدَها حتى تُدفَنَ فله قِيرَاطان». غريب من هذا الوجه (¬3). ¬

(¬1) ومن هذا الوجه: أخرجه النسائي (4/ 416 رقم 2074) وعبد بن حميد في «المنتخب من مسنده» (3/ 188 رقم 1403) وأحمد (3/ 104، 182 رقم 12022، 12873، 13773) وابن أبي عاصم في «السُّنة» (2/ 412 رقم 881) وأبو يعلى (6/ 433، 460 رقم 3808، 3857) وابن أبي عاصم في «السُّنة» (2/ 412 رقم 879) وابن حبان (14/ 458 رقم 6525 - الإحسان) من طريق حميد، به. ورواه عن حميد جماعة، وهم: ابن المبارك، ويزيد بن هارون، وابن أبي عدي، ويحيى بن سعيد، وعبد الله بن بكر، ومعتمر بن سليمان، وإسماعيل بن جعفر. وقد توبع حميد على روايته، تابعه ثابت البُناني، وروايته عند مسلم (4/ 2203 رقم 2874) في الموضع السابق. (¬2) انظر: «جامع المسانيد والسُّنن» (21/ 138، 165 - 166 رقم 242، 311 - ط قلعجي). (¬3) يَرويه إسماعيل بن أبي خالد وسالم البرَّاد، واختُلف عليهما: فقيل: عن إسماعيل بن أبي خالد وليث، عن سالم، عن ابن عمرَ، عن عمرَ! وقيل: عن إسماعيل، عن سالم البرَّاد، عن ابن عمرَ، ليس فيه عمر! وقيل: عن عبد الملك بن عُمَير، عن سالم البرَّاد، عن أبي هريرة! أما الوجه الأول: فقد ذكره المؤلِّف. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وأما الوجه الثاني: فأخرجه الترمذي في «العلل الكبير» (ص 148 رقم 257) وابن أبي شيبة (3/ 13 رقم 11620،11617) في الجنائز، باب في ثواب من صلَّى على الجنازة وتَبعها حتى تُدفن، وأحمد (2/ 16 رقم 4650) والدُّولابي في «الكنى والأسماء» (2/ 56) من طريق إسماعيل بن أبي خالد، عن سالم البرَّاد، عن ابن عمرَ ... ، فذكره. ورواه عن إسماعيل جماعة، وهم: يزيد بن هارون، ووكيع، ومحمد بن بِشر العَبدي، ويحيى بن سعيد، وابن المبارك. ورواية وكيع موقوفة! وأما الوجه الثالث: فأخرجه إسحاق بن راهويه في «مسنده» (1/ 396 رقم 343) وأحمد (2/ 458) من طريق شعبة، عن عبد الملك بن عُمَير، عن سالم البرَّاد، عن أبي هريرة ... ، فذكره. ورجَّح هذا الوجه: الإمام ابن المديني، فقال في «العلل» (ص 76 - ط الأعظمي) و (ص 167 - ط دار غراس): رواه سنان (وتحرَّف عند الأعظمي إلى: سفيان!)، عن عبد الملك بن عُمَير، عن سالم البرَّاد، عن أبي هريرة. ورواه ابن أبي خالد، عن سالم البرَّاد، عن ابن عمرَ. والحديث عندي حديث أبي هريرة، وحديث ابن أبي خالد وَهْم وقال البخاري، كما في «العلل الكبير» للترمذي (ص 149): رواه عبد الملك بن عُمَير، عن سالم البرَّاد، عن أبي هريرة، وهو الصحيح، وحديث ابن عمر ليس بشيء، أنكر ابنُ عمر على أبي هريرة حديثَه. وفي «التاريخ الكبير» للبخاري (2/ 274): لا يصح؛ لأن الزهري قال: عن سالم: أنَّ ابنَ عمرَ أنكر على أبي هريرة حتى سأل عائشة. قلت: مراد البخاريِّ إنكار أن يكون ابنُ عمرَ حدَّث بهذا؛ لأنه لما أُخبِرَ عن أبي هريرة بهذا الحديث أنكره عليه، ولو كان الحديث عنده لما أنكره على أبي هريرة، ورواية أبي هريرة التي فيها إنكار ابن عمر: خرَّجها البخاري في «صحيحه» (3/ 193 رقم 1323، 1324) في الجنائز، باب فضل اتباع الجنائز، ومسلم (2/ 653 رقم 945) (55) في الجنائز، باب فضل الصلاة على الجنازة واتباعها- واللفظ له - من طريق نافع قال: قيل لابن عمرَ: إنَّ أبا هريرة يقول: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن تبع جنازةً فله قيراطٌ من الأجر»، فقال ابنُ عمرَ: أَكثَرَ علينا أبو هريرة، فبَعَث إلى عائشةَ فسألها، فصدَّقت أبا هريرة، فقال ابن عمر: لقد فرَّطنا في قراريطَ كثيرة. فائدة: قال الحافظ في «إتحاف المهرة» (8/ 435) بعد ذِكره لإعلال البخاري: وقد راح (كذا، ولعل الصواب: راج) هذا السند على الحافظ الضياء فأخرج هذا الحديث في «المختارة»، وهو معلول، كما ترى. وانظر: «علل الدارقطني» (4/ق 61).

أثر عن عمر (207) قال الشافعي (¬1): أنا مالك (¬2)، عن نافع، عن ابن عمرَ: أنَّ عمرَ غُسِّل وكُفِّن وصُلِّي عليه. قال الشافعي: وهو شهيد، ولكنه صار إلى الشهادة في غير حرب. قلت: وروى البيهقي (¬3): أنَّ عليًّا غُسِّل وكُفِّن أيضًا. وفي هذا دلالة على أنَّ مَن قَتَله أهلُ البغيِّ يُغسَّل ويُصلَّى عليه. حديث آخر فيه ذِكر عمر (208) قال الدارقطني (¬4): ثنا محمد بن مَخلد، ثنا محمد بن الوليد القَلاَنسي أبو جعفر المُخرَّمي، ثنا الهيثم بن جميل، ثنا مبارك بن فَضَالة، عن الحسن، عن أنس قال: كَبَّرَتِ الملائكةُ على آدمَ أربعًا، وكَبَّرَ أبو بكرٍ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم أربعًا، وكَبَّرَ عمرُ على أبي بكرٍ أربعًا، وكَبَّرَ صهيبٌ على عمرَ ¬

(¬1) في «الأم» (1/ 268). (¬2) وهو في «الموطأ» (1/ 596) في الجهاد، باب العمل في غسل الشهيد. وأخرجه -أيضًا- عمر بن شبَّة في «تاريخ المدينة» (3/ 924) من طريق موسى بن عقبة، عن نافع، به. (¬3) انظر: «السنن الكبرى» (4/ 17) و «معرفة السُّنن والآثار» (5/ 261). (¬4) في «سننه» (2/ 71 - 72).

أربعًا، وكَبَّرَ الحسنُ بن عليٍّ على عليٍّ أربعًا، وكَبَّرَ الحسينُ على الحسنِ أربعًا. ثم قال: محمد بن الوليد هذا: ضعيف (¬1). ثم روى (¬2) من حديث خُنَيس بن بكر بن خُنَيس، عن فُرَات بن سلمان الجَزَري (¬3)، عن ميمون بن مِهران، عن ابن عباس، نحوه (¬4). ¬

(¬1) بل: وضَّاع، قال ابن عدي: يضع الحديث، ويُوصله، ويسرق، ويُقلب الأسانيد والمتون. انظر: «الكامل» (6/ 285). وقد قال الحافظ في «التلخيص الحبير» (2/ 120 - 121): وفيه موضعان منكَرَان: أحدهما: أنَّ أبا بكرٍ كبَّرَ على النبيِّ! وهو يُشعر أنَّ أبا بكرٍ أمَّ الناسَ في ذلك؛ والمشهور أنهم صلُّوا على النبيِّ صلى الله عليه وسلم أفرادًا. والثاني: أنَّ الحسين كبَّرَ على الحسن، والمعروف أنَّ الذي أمَّ في الصلاة عليه سعيد بن العاص. (¬2) أي: الدارقطني في «سننه» (2/ 72) عن محمد بن مَخلد، عن أحمد بن الوليد الفحَّام، ويحيى بن زيد بن يحيى الفزاري، عن خُنيس، به. (¬3) قال الدارقطني: إنما هو فُرَات بن السائب: متروك الحديث. (¬4) وأخرجه الحارث بن أبي أسامة في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (1/ 344 رقم 890) عن حفص بن حمزة، عن فُرَات بن السَّائب، عن ميمون بن مِهران، عن عبد الله بن عمرَ رضي الله عنهما ... ، فذكره! وضعَّفه الحافظ في «المطالب العالية». وجاءت رواية توهم متابعة فُرَات بن السائب، لكنها ساقطة: أخرجها العقيلي (4/ 67) وابن حبان في «المجروحين» (2/ 251) وابن عدي (6/ 129) وأبو نعيم في «الحلية» (4/ 96) من طريق محمد بن زياد اليشكري، عن ميمون بن مِهران، به. ومحمد بن زياد هذا: كذَّاب، كذَّبه أحمد وابن معين والفلاَّس وأبو زرعة والنسائي. انظر: «تهذيب الكمال» (25/ 222).

أثر آخر (209) قال الشافعي (¬1): ويُذكر عن يحيى بن عبد الله بن أبي بُكَير: أنَّ أُسَيد بن حُضَير مات -ويُكنى: أبا يحيى-، وحَمَلَهُ عمرُ بين عمودي السَّرير حتى وَضَعَهُ. (210) ثم رواه الشافعي (¬2) عن عثمان (¬3)، وسعد بن أبي وقاص (¬4)، ¬

(¬1) لم أقف عليه في مظانِّه من مصنَّفاته المطبوعة، وأورده البيهقي في «معرفة السُّنن والآثار» (5/ 265) وعزاه إلى الشافعي في القديم. ووَصَله الطبراني في «الكبير» (1/ 203 رقم 548) -ومن طريقه: الضياء في «المختارة» (4/ 264 رقم 1462) - عن أبي الزِّنباع رَوْح بن الفرج المصري، عن يحيى بن بُكَير قال: ... ، فذكره، بنحوه. وإسناده ضعيف؛ لإعضاله. وأخرج أبو نعيم في «معرفة الصحابة» (1/ 258 رقم 877) عن أبي حامد بن جبلة، ثنا أبو العباس السرَّاج، ثنا أبو يونس المديني، ثنا إبراهيم بن المنذر قال: قال أبو واقِد، ثنا محمد بن صالح قال: تُوفي أُسيد بن حُضير -ويكنى: أبا يحيى- سنة عشرين، وحَمَلَهُ عمرُ بن الخطاب بين عمودي السرير حتى وَضَعَهُ بالبقيع، وصلَّى عليه. (¬2) في «الأم» (1/ 269). (¬3) أثر عثمان رضي الله عنه: أخرجه الشافعي في الموضع السابق، عن الثقة، عن إسحاق بن يحيى بن طلحة، عن عمِّه عيسى بن طلحة قال: رأيتُ عثمان بن عفان يحمل بين عمودي سرير أُمه. وإسناده ضعيف؛ لجهالة شيخ الشافعي. (¬4) له ثلاثة طرق: الطريق الأولى: أخرجها الشافعي في الموضع السابق، والفَسَوي في «المعرفة والتاريخ» (1/ 222) عن نوح بن الهيثم العسقلاني. كلاهما (الشافعي، ونوح) عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن جدِّه قال: رأيتُ سعد بن أبي وقاص في جنازة عبد الرحمن بن عوف قائمًا بين العمودين المقدَّمين، واضعًا السَّريرَ على كاهله. الطريق الثانية: أخرجها ابن سعد (3/ 135) وابن أبي شيبة (2/ 473 رقم 11185) في الجنائز، باب في وضع الرجل عنقه فيما بين عمودي السرير، وأبو بكر ابن زياد النيسابوري في «الزيادات على كتاب المُزَني» (ص 306 رقم 147) من طريق شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه قال: رأيتُ سعدَ بن مالك وَضَع جنازةَ عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنهما- على كاهله، وهو يقول: واجبلاه. الطريق الثالثة: أخرجها ابن سعد (3/ 135) عن معن بن عيسى قال: أخبرنا إبراهيم بن المهاجر بن مسمار، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه قال: رأيتُ سعدَ بن أبي وقاص بين عمودي سرير عبد الرحمن بن عوف. وصحَّحه النووي في «خلاصة الأحكام» (2/ 994) على شرط الشيخين. وقال ابن الملقن في «تحفة المحتاج» (1/ 591): هذا إسناد على شرط الصحيح.

وأبي هريرة (¬1)، وابن عمر (¬2)، وابن الزُّبير (¬3): أنهم حَمَلوا بين العمودين. ¬

(¬1) أخرجه الشافعي في الموضع السابق، عن بعض أصحابه، عن عبد الله بن ثابت، عن أبيه قال: رأيتُ أبا هريرةَ يحمل بين عمودي سرير سعد بن أبي وقاص. وهذا إسناد ضعيف، لجهالة من حدَّث عنهم الشافعي. (¬2) له طريقان: الطريق الأولى: أخرجها الشافعي عن بعض أصحابه، عن ابن جريج. وابن أبي شيبة (2/ 473 رقم 11182) في الموضع السابق، والفَسَوي في «المعرفة والتاريخ» (1/ 223) مختصرًا، والبيهقي (4/ 20) من طريق أبي بِشر جعفر بن أبي وحشية. كلاهما (ابن جريج، وأبو بِشر) عن يوسف بن ماهَك: أنه رأى ابنَ عمرَ في جنازة رافع بن خَديج قائمًا بين قائمتي السَّرير. وهذا إسناد صحيح. الطريق الثانية: أخرجها ابن حزم في «المحلى» (5/ 168 - 169) من طريق سعيد بن منصور، نا أبو عَوَانة، عن أبي بِشر، عن يوسف بن مالك قال: خَرَجتُ مع جنازة عبد الرحمن بن أبي بكر، فرأيتُ ابنَ عمرَ جاء فقام بين الرجلين في مقدَّم السرير، فوَضَع السريرَ على كاهله، فلما وُضِعَ ليصلَّى عليه خلَّى عنه. وصحَّحه ابن حزم. (¬3) أخرجه الشافعي عن بعض أصحابه، عن شُرَحبيل بن أبي عَون، عن أبيه قال: رأيت ابن الزُّبير يحمل بين عمودي سرير المِسْوَر بن مَخْرَمة. وهذا إسناد ضعيف؛ لجهالة من حدَّث عنه الشافعي.

وأشار إلى تثبيت ذلك. قال (¬1): وروى بعض أصحابنا عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه حَمَلَ في جنازة سعد بن معاذ بين العمودين. أثر عن عمر (211) قال البخاري (¬2) في النِّياحة على الميِّت: وكان عمرُ يَضربُ فيه بالعصا، وَيرمي بالحجارة، ويَحثي بالتراب. (212) وقال الأوزاعي (¬3) / (ق 83): بَلَغني أنَّ عمرَ سَمِعَ صوتَ بكاءٍ في بيتٍ، فدخل ومعه غيرُهُ، فمَالَ عليهم ضربًا، حتى بَلَغ النائحةَ، فضَرَبَها حتى سَقَطَ خمارُها، وقال: اضرِبْ، فإنها نائحةٌ، ولا حُرْمةَ لها، إنها ¬

(¬1) أي: الشافعي، ولم أقف عليه في مظانِّه من مصنَّفاته المطبوعة، وذكره البيهقي في «معرفة السُّنن والآثار» (5/ 264) معلَّقًا. وأخرجه -أيضًا- ابن سعد (3/ 431) عن الواقدي، عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، عن شيوخ من بني عبد الأشهل: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حمل جنازة سعد بن معاذ من بيته بين العمودين حتى خَرَج به من الدار. وفي سنده: الواقدي، وهو: متروك. (¬2) في «صحيحه» (3/ 175 رقم 1304 - فتح) في الجنائز، باب البكاء عند المريض، عقب حديث لابن عمر، وفيه قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ لا يعذِّبُ بدمع العين، ولا بحزنِ القلبِ، ولكنْ يعذِّبُ بهذا -وأشار إلى لسانه- أو يَرحَمُ، وإنَّ الميتَ يعذَّبُ ببكاءِ أهلِهِ عليه». ثم قال: وكان عمرُ ... ، إلى آخره. ولم يتعرَّض لوَصْله الحافظ؛ لأنه متصل، وقد نبَّه على هذا بقوله: قوله: «وكان عمرُ» هو موصول بالإسناد المذكور إلى ابن عمرَ، وسقطت هذه الجملة، وكذا التي قبلها من رواية مسلم، ولهذا ظن بعض الناس أنهما معلَّقان. (¬3) وَصَله عمر بن شبَّة في «تاريخ المدينة» (3/ 799) عن الحكم بن موسى، عن مُبشِّر (وتصحَّف في المطبوع إلى: مَعشر) بن إسماعيل، عن الأوزاعي ... ، فذكره. وهذا معضل.

لا تَبكي بشَجْوكُم، إنها تُهرِيقُ دموعَها على أخذِ دراهِمِكُم، إنها تُؤذي أمواتَكُم في قبورِهِم، وأحياءَكُم في دُورِهِم، إنها تَنهى عن الصَّبر، وقد أَمَرَ اللهُ به، وتأمُرُ بالجزعِ، وقد نَهَى اللهُ عنه! فأما البكاء المجرَّد، فقد قال البخاري في «صحيحه» (¬1): وقال عمرُ رضي الله عنه: دَعهنَّ يَبكين على أبي سليمانَ، ما لم يَكُن نَقْعٌ أو لَقْلَقَةٌ. والنَّقْعُ: الترابُ على الرأسِ. واللَقْلَقَة: الصوتُ. قلت: وأبو سليمان هذا هو: خالد بن الوليد. ورواه أبو عبيد (¬2)، عن جرير، عن منصور، عن أبي وائل، عن عمر. (213) وقال البخاري (¬3): قال عمرُ: نِعمَ العِدْلانِ، ونِعمتِ العِلاوةُ: ¬

(¬1) (3/ 160 - فتح) في الجنائز، باب ما يُكره من النياحة على الميت، وقد تقدَّم الكلام على وَصْله (ص 155، تعليق رقم 6). (¬2) تقدم تخريجه (ص 342 رقم 202). (¬3) في «صحيحه» (3/ 171 - فتح) في الجنائز، باب الصبر عند الصدمة الأولى. وأثر عمر هذا: يَرويه منصور بن المعتمر، واختُلف عليه: فقيل: عنه، عن مجاهد، عن سعيد بن المسيّب، عن عمرَ! وقيل: عنه، عن مجاهد، عن عمرَ! أما الوجه الأول: فأخرجه عَبد بن حميد في «تفسيره»، كما في «تغليق التعليق» (2/ 470) من طريق إسرائيل. والحاكم (2/ 270)) من طريق جرير بن عبد الحميد. كلاهما (إسرائيل، وجرير) عن منصور، عن مجاهد، به. وأما الوجه الثاني: فأخرجه سعيد بن منصور (2/ 634 رقم 233 - ط دار الصميعي) عن ابن عيينة، عن منصور، عن مجاهد، به. وهذا الوجه أرجح؛ لأن ابن عيينة أوثق من جرير وإسرائيل، وكيفما كان، فالأثر منقطع؛ لأنَّ رواية مجاهد وابن المسيّب عن عمرَ منقطعة، وقد قال الحاكم عقب روايته: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ولا أعلم خلافًا بين أئمَّتنا أنَّ سعيدَ بن المسيّب أدرك أيام عمرَ -رضي الله عنه-، وإنما اختلفوا في سماعه منه. وصحَّحه الحافظ في «تغليق التعليق» (2/ 470) من رواية ابن المسيّب عن عمرَ. فائدة: قال المؤلِّف في «تفسيره» (1/ 197) في معنى الآية: قوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ}: فهذان العِدلان. {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}: فهذه العِلاوة، وهي ما توضع بين العِدلَين، وهي زيادة في الحمل، فكذلك هؤلاء أعطوا ثوابهم، وزِيدوا أيضًا.

{الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (¬1). أثر آخر (214) قال ابن أبي الدُّنيا (¬2): حدثنا محمد بن عاصم، أخبرني أبو مَعشر، عن محمد بن المنكدر قال: مَرَّ عمرُ بن الخطاب بحفَّارين يَحفرونَ قبرَ زينبَ بنت جحش -رضي الله عنها- في يومٍ صائفٍ، فضَرَبَ عليهم فُسْطاطًا (¬3)، فكان أوَّلَ فُسْطاطٍ ضُرِبَ على قبرٍ. ¬

(¬1) البقرة: 156، 157 (¬2) لم أقف عليه في مظانِّه من مصنَّفاته المطبوعة. وأخرجه -أيضًا- ابن سعد (8/ 112، 113) وأبو عَروبة الحرَّاني في «الأوائل» (ص 146 رقم 126) من طريق أبي مَعشر، به. وإسناده ضعيف؛ لضعف أبي مَعشر، وانقطاعه بين ابن المنكدر وعمرَ رضي الله عنه. وله طريق أخرى: أخرجها ابن سعد (8/ 113) وعبد الرزاق (3/ 431 رقم 6207) والحاكم (4/ 24) من طريق محمد بن إبراهيم بن الحارث التَّيمي قال: أمر عمرُ بفُسطاطٍ فضُرِبَ بالبقيع على قبرها لشدَّة الحرِّ يومئذ، فكان أولَ فُسطاطٍ ضُرِبَ على قبرٍ بالبقيع. هذا لفظ ابن سعد. وهذا منقطع -أيضًا-؛ محمد بن إبراهيم التيمي عدَّه الحافظ في الطبقة الرابعة، وأصحاب هذه الطبقة جُلُّ روايتهم عن كبار التابعين. (¬3) الفُسطاط: بضم الفاء وكسرها، بيتٌ من الشَّعر. انظر: «المصباح المنير» (2/ 647).

أثر آخر (215) قال أحمد في «الزهد» (¬1): ثنا هشيم، أنا مُجالِد، عن الشَّعبي، عن ابن عمرَ قال: أوصاني عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: إذا وَضَعتني في لَحْدي، فَافْضِ بخَدِّي إلى الأرضِ حتى لا يكونَ بين خدِّي وبين الأرض شيءٌ. حديث آخر (216) قال أبو بكر ابن أبي داود رحمه الله (¬2): ثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي، ثنا مفضَّل -يعني: ابن صالح بن جميلة (¬3) -، ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي شَهْر، عن عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنتَ إذا كنتَ في أربعةِ أذرعٍ في ذراعين، فرأيتَ مُنكَرًا ونَكيرًا؟!». قال: قلت: يارسولَ الله، وما / (ق 84) مُنكَرُ ونَكيرُ؟ قال: «فتَّانا القبرِ، يَبحثانِ الأرضَ بأنيابِهِما، ويَطَآن في أَشعارِهما، أصواتُهما كالرَّعدِ ¬

(¬1) (ص 177 رقم 632). وأخرجه -أيضًا- أحمد بن مَنيع في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (1/ 328 رقم 849) عن هشيم، به. وضعَّفه البوصيري في «إتحاف الخيرة المهرة» (2/ 487 رقم 1948) لضعف مُجالِد. (¬2) في كتاب «البعث» (ص 35 - 37 رقم 7). وأخرجه -أيضًا- البيهقي في «الاعتقاد» (ص 291) وفي «إثبات عذاب القبر» (ص 82 رقم 105) وأبو القاسم الأصبهاني في «الحجَّة في بيان المحجَّة» (1/ 476، 477 رقم 324، 325) وسِبط ابن الجوزي في «الجليس الصالح» (ص 134) من طريق مُفضَّل بن صالح، به. (¬3) «ابن جميلة» كذا ورد بالأصل. وصوابه: «أبو جميلة»، انظر: «تهذيب الكمال» (28/ 409).

القاصفِ، وأبصارُهما كالبرقِ الخاطفِ، معهما مِرْزبَّةٌ، لو اجتَمَعَ عليها (أهلُ الأرضِ) (¬1) لم يُطيقوا رَفعَها، هي أيسرُ عليهما مِن عصاي هذه». قال: قلت: يارسولَ الله، وأنا على حالتي هذه؟ قال: نعم». قلت: فإذًا أَكفيكهما. هذا حديث مشهور، وهو غريب الإسناد (¬2)، وقد ورد من طريق أخرى: (217) فقال عبد الله بن وهب (¬3): حدَّثني حُيَيّ بن عبد الله المُعَافري، عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي، عن عبد الله بن عمرو: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ذَكَر ¬

(¬1) في المطبوع: «أهل مِنًى». (¬2) في إسناده مُفضَّل بن صالح، قال عنه البخاري وأبو حاتم: منكر الحديث. انظر: «تهذيب الكمال» (28/ 409) وأبو شهر: اختُلف في اسمه، فقيل: أبو شهم. وقيل: أبو شمر. وقيل: أبو سهيل. وقد أورده الذهبي في «الميزان» (4/ 537 رقم 8729) وقال: لا يُعرَف، وساق له هذا الخبر، وعدَّه من مناكيره. وأخرجه الحارث بن أبي أسامة في «مسنده»، كما في «بغية الباحث» (ص 100 رقم 278) والآجري في «الشريعة» (3/ 1291 رقم 861) والبيهقي في «إثبات عذاب القبر» (ص 81 رقم 103) من طريق إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن عطاء بن يَسَار، مرسلاً، بنحوه. وصحَّح هذا المرسلَ البيهقيُّ في «الاعتقاد» (ص 291). وقال الحافظ في «المطالب العالية» (5/ 97): رجاله ثقات مع إرساله. (¬3) ومن طريقه: أخرجه ابن حبان (7/ 384 رقم 3115 - الإحسان) والآجرى في «الشريعة» (3/ 1292 رقم 862) والطبراني في «الكبير» (13/ 44 رقم 106) وابن عدي (2/ 450). وأخرجه أحمد (2/ 172 رقم 6603) من طريق ابن لَهِيعة، عن حُييّ، به وجوَّد إسناده المنذري في «الترغيب والترهيب» (4/ 226 رقم 5217). وحسَّنه الشيخ الألباني في «صحيح الترغيب والترهيب» (3/ 393 رقم 3553). وخالف ابن عدي، فأورد هذا الحديث في ترجمة حُييّ بن عبد الله، مع جملة أحاديث أخر، ثم قال: عامَّتها لا يُتابَع عليها. وردَّ ذلك الذهبي في «الميزان» (1/ 624) وقال: ما أنصفَه ابن عدي.

فتَّاني القبر، فقال عمرُ بن الخطاب: أتُردَّ إلينا عقولُنا يارسولَ الله؟ قال: «نعم، كهيئتِكُمُ اليومَ». قال عمرُ: بِفِيْهِ الحَجَرُ.

حديث في بعث الأجساد ليوم الحشر والمعاد

حديث في بعث الأجساد ليوم الحشر والمعاد (218) قال أبو بكر ابن أبي الدُّنيا (¬1): حدثنا هارون (¬2) بن عمر القرشي، ثنا الوليد بن مسلم، حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر (¬3): أنَّ شيخًا من شيوخِ الجاهليةِ القساةِ (¬4) قال: يا محمدُ، ثلاثٌ قد بَلَغني أنك تقولُهُنَّ، لا يَنبغي لذي عقلٍ أنْ يُصدِّقك بهنَّ، بَلَغني أنك تقولُ: إنَّ العربَ تاركةٌ ما كانت تَعبدُ هي وآباؤها، وأنَّا سَنَظهَرُ على كنوزِ كِسْرَى وقيصرَ، وأنَّا سنُبعَثُ بعد أن نَرِمَّ (¬5). فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَجَل، والذي نفسي بيده، لَتَترُكَنَّ العربُ ما كانت تَعبدُ هي وآباؤها، ولَتَظهَرنَّ على كنوزِ كِسْرَى وقيصرَ، ولَتَموتَنَّ، ثم لَتُبعَثنَّ، ثم لآخُذنَّ بيدكَ يومَ القيامةِ، فلأُذَكِرنَّك مقالتَكَ هذه». قال: ولا تُضلَّني في الموتى ولا تَنساني؟! قال: «ولا أُضِلَّكَ في الموتى ولا أنساكَ». قال: فبَقِيَ الشيخُ حتى قُبِضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأى ظهورَ المسلمينَ على كِسْرَى وقيصرَ، فأسلَمَ، فحَسُنَ إسلامُهُ، فكان عمرُ بن الخطاب كثيرًا ما يَسْمع نَحيبَهُ في مسجدِ رسولِ الله لإعظامِهِ ما كان واجهَ به رسولَ الله، فكان عمرُ ممَّا يأتيه (¬6) فيُسَكِّنُ منه، ويقول: قد أَسلَمْتَ، وَوَعَدَكَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يأخُذَ بيدِكَ، ولا يأخذُ رسولُ الله بيدِ أحدٍ يومَ القيامةِ إلا أَفلَحَ وسَعِدَ، إن شاء الله. ¬

(¬1) في كتاب «القبور» (ص 60 - 61 رقم 24). (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «مروان». (¬3) ضبَّب عليه المؤلِّف لإعضاله. (¬4) في المطبوع: «العتاة». (¬5) في المطبوع: «من بعد أن نموت». (¬6) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «فكان عمرُ ربما يأتيه».

أثر عن عمر في المرأة إذا ماتت وفي جوفها ولد ترجى حياته

أثر عن عمر في المرأة إذا ماتت وفي جوفها وَلَد ترجى حياته (219) قال ابن أبي الدُّنيا في كتاب «من عاش بعد الموت» (¬1): ثنا محمد بن الحسين، حدثني عبيد بن إسحاق، حدثني عاصم بن محمد العُمَري، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: بينا عمرُ يَعرِضُ الناسَ، إذ مَرَّ به رجلٌ معه ابنٌ له على عاتقِهِ، فقال عمرُ: ما رأيتُ غُرابًا بغُرابٍ أشبهُ من هذا بهذا! فقال الرجل: أما واللهِ يا أميرَ المؤمنين، لقد وَلَدَتهُ أُمُّه وهي ميتةٌ! قال: وَيْحكَ! ما هذا؟! وكيف ذلك؟! قال: خَرَجتُ في بَعثِ / (ق 85) كذا وكذا، وتَركتُها حاملاً، فقلت: أَستَودِعُ اللهَ ما في بطنِكِ. فلمَّا قَدِمْتُ من سفري أُخبِرْتُ أنها قد ماتت، فبينا أنا ذاتَ ليلةٍ قاعدٌ في البقيع مع بني عمٍّ لي، إذ نَظَرتُ، فإذا ضوءٌ شبيهٌ بالسِّراج في المقابر، قلت لبني عمِّي: ما هذا؟ قالوا: لا ندري، غير أنَّا نرى هذا الضوءَ كلَّ ليلةٍ عند قبرِ فلانةٍ، فأَخَذتُ معي فأسًا، ثم انطَلَقتُ نحو القبرِ، فإذا القبرُ مفتوحٌ، وإذا هو في ¬

(¬1) (ص 44 رقم 25). وأخرجه -أيضًا- في «القبور» (ص 125 رقم 135) وفي «مجابو الدعوة» (ص 57 - 58 رقم 47). وأخرجه الطبراني في «الدعاء» (2/ 1183 رقم 824) والخرائطي في «مكارم الأخلاق» (2/ 776 رقم 859) من طريق عبيد بن إسحاق، به. وهو منكر، قال ابن أبي حاتم في «العلل» (2/ 303 رقم 2422): قال أبي: هذا الحديث الذي أَنكروا على عبيد، لا أعلم رواه غير عبيد، وعاصم ثقة، وزيد بن أسلم ثقة. وقال الحافظ ابن حجر، كما في «الفتوحات الربانية» (5/ 114): هذا حديث غريب موقوف.

حِجْرِ أُمِّهِ، فدَنَوتُ، فناداني منادٍ: أيها المستَودِعُ ربَّهُ، خُذْ وَديعَتَكَ، أَمَا لو استَودَعتَهُ أُمَّهُ، لوَجَدتَها. فأَخَذتُ الصبيَّ، وانضمَّ القبرُ. قال أبو جعفر (¬1): سألت عثمان بن زُفَر عن هذا الحديث؟ فقال: لقد سَمِعتُهُ من عاصم (¬2). حديث آخر (220) قال الإمام أحمد (¬3): ثنا يونس بن محمد، ثنا داود -يعني: ابن أبي الفُرَات-، عن عبد الله بن بُرَيدة، عن أبي الأسود أنَّه قال: أتيتُ المدينةَ، فوافقتُها (¬4)، وقد وقع فيها مرضٌ، فهم يموتون موتًا ذريعًا، فجَلَستُ إلى عمرَ بن الخطاب، فمَرَّت به جنازةٌ، فأُثْنِيَ على صاحبها خيرٌ، فقال: وَجَبَتْ، وَجَبَتْ (¬5). ثم مُرَّ بأُخرى (¬6)، فأُثْنِيَ شرٌّ، فقال عمرُ: وَجَبَتْ. فقال أبو الأسود: ما وَجَبَتْ يا أميرَ المؤمنين؟ قال: قلتُ كما قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أيُّما مسلمٍ شَهِدَ له أربعةٌ بخيرٍ أَدخَلَهُ اللهُ الجنَّةَ». قال: فقلنا: وثلاثةٌ؟ قال: فقال: «وثلاثةً». قال: فقلنا: واثنان؟ فقال: «واثنان». / (ق 86) قال: ثم لم نسأله عن الواحد. ثم قال أحمد (¬7): ثنا عبد الصمد، وعفَّان قالا: ثنا داود بن أبي الفُرَات ... ، وذَكَره. ¬

(¬1) هو: محمد بن الحسين البُرْجُلاني، شيخ ابن أبي الدُّنيا. (¬2) وهذه متابعة حسنة لعبيد بن إسحاق. (¬3) في «مسنده» (1/ 21 رقم 139). (¬4) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «فوافيتُها». (¬5) زاد في المطبوع: «ثم مُرَّ بأخرى، فأُثْنِيَ على صاحبها خيرٌ، فقال عمرُ: وَجَبَتْ». (¬6) في المطبوع: «بالثالثة». (¬7) في الموضع السابق (1/ 45 رقم 318).

وكذا رواه البخاري في كتاب الجنائز (¬1)، فقال: وقال عفان (¬2). وفي الشهادات (¬3): عن موسى بن إسماعيل. كلاهما عن داود بن أبي الفُرَات، به. ورواه الترمذي (¬4) من حديث أبي داود الطيالسي (¬5)، عن داود بن أبي الفُرَات، به، وقال: حسن صحيح. وأخرجه النسائي (¬6)، عن إسحاق بن إبراهيم، عن هشام بن عبد الملك، وعبد الله بن يزيد المقرئ. كلاهما عن داود بن أبي الفُرَات، به. وقد رواه علي ابن المديني، عن عبد الصمد بن عبدالوارث، عن داود بن أبي الفُرَات، به، وقال: لا نحفظه إلا من هذا الوجه، وفي إسناده بعض الانقطاع؛ لأنَّ عبد الله بن بُرَيدة يُدخل بينه وبين أبي الأسود يحيى بن ¬

(¬1) في «صحيحه» (3/ 229 رقم 1368 - فتح) باب الثناء على الميت. (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «حدثنا عفان»! قال الحافظ في «الفتح»: كذا للأكثر [يعني: بصيغة التحديث] وذكر أصحاب الأطراف [انظر: تحفة الأشراف 8/ 33 رقم 10472] أنه أخرجه قائلاً فيه: «قال عفان»، وبذلك جزم البيهقي [سنن البيهقي 4/ 75]، وقد وَصَله ابن أبي شيبة في «مسنده» [وهو في «المصنَّف» 3/ 49 رقم 11995]، عن عفان، به، ومن طريقه: أخرجه الإسماعيلي، وأبو نعيم. وقال في «النكت الظِّراف»: قوله: «وقال عفان»: قلت: وقع في رواية أبي ذر عن شيوخه الثلاثة: «حدثنا عفان»، وكذا في سماعنا من رواية أبي الوقت. (¬3) (5/ 252 رقم 2643) باب تعديل كم يجوز؟ (¬4) في «سننه» (3/ 373 رقم 1059) في الجنائز، باب ما جاء في الثناء الحسن على الميت. (¬5) وهو في «مسنده» (1/ 26 رقم 22). (¬6) في «سننه» (4/ 352 - 353 رقم 1933) في الجنائز، باب الثناء.

يَعمَر، وقد أدرك أبا الأسود، ولم يقل فيه: سَمِعتُ أبا الأسود. وهو حديث حسن الإسناد؛ إن كان سَمِعَه من أبي الأسود. انتهى كلامه (¬1). وقد رواه الإمام أحمد -أيضًا- (¬2)، عن وكيع، عن عمر بن الوليد الشَّنِّي، عن عبد الله بن بُرَيدة قال: جَلَس عمرُ مجلسًا كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَجلِسُهُ تَمرُّ عليه الجنائزُ ... ، وذَكَر الحديث، هكذا منقطعًا (¬3). حديث آخر (221) قال أبو بكر الإسماعيلي: أخبرني الحسن بن سفيان، ثنا سفيان بن وكيع، ثنا أبي، عن مِسْعَر، عن عمرو بن مُرَّة، / (ق 87) عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عُجْرة قال: كان معي رجلٌ من المدينة، فذَكَر عبد الله بن أُبَيٍّ، وما أُنزِلَ فيه، وأخذ يَشتمُهُ وأنا ساكتٌ، ثم حكى لعمرَ، فطَلَبني، فقلت: يا أميرَ المؤمنين، بيني وبين عبد الله قرابةٌ وصِهرٌ، وظَنَنُتُه إنما يريدني بذاك. فقال عمرُ للرَّجل: أما عَلِمتَ أنَّه نُهي أنْ يؤذَى الأحياءُ بسبِّ الأمواتِ؟! ثم قال: ألا رَفَعتَ يدَكَ فكَسَرتَ أنفَهُ! ¬

(¬1) وقال الحافظ في «الفتح» (3/ 230): ولم أره من رواية عبد الله بن بُرَيدة عنه إلا معنعنًا، وقد حكى الدارقطني في كتاب «التتُّبع» عن علي ابن المديني: أنَّ ابن بُرَيدة إنما يروي عن يحيى بن يَعمَر، عن أبي الأسود، ولم يقل في هذا الحديث: سَمِعتُ أبا الأسود. قلت [أي: ابن حجر]: وابن بُرَيدة وُلِدَ في عهد عمرَ، فقد أدرك أبا الأسود بلا ريب، لكن البخاري لا يكتفي بالمعاصرة، فلعلَّه أخرجه شاهدًا، واكتفى للأصل بحديث أنس الذي قبله، والله أعلم. (¬2) في «مسنده» (1/ 54 رقم 389). (¬3) وأعلَّ هذه الطريق الدارقطني، فقال في «العلل» (2/ 248): رواه عمر بن الوليد، عن عبد الله بن بُرَيدة مرسلاً عن عمرَ، لم يَذكر بينهما أحدًا، والمحفوظ من ذلك: ما رواه عفَّان، ومَن تابَعَه، عن داود بن أبي الفُرَات.

هذا غريب من هذا الوجه، ورجاله كلُّهم ثقات إلا سفيان بن وكيع؛ فإنهم تكلَّموا فيه من جهة وَرَّاق له كان يُدخل في أحاديثه المنكرات ويقال له في ذلك فلا يُغيِّر، فضُعِّف حديثه (¬1)، والله أعلم. ¬

(¬1) لكن له طريق أخرى: أخرجها ابن أبي شيبة (6/ 193 رقم 30594) في الأمراء، باب ما ذُكر من حديث الأمراء والدخول عليهم، عن ابن إدريس، عن مِسْعَر، عن عمرو بن مُرَّة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: جاء رجل إلى كعب بن عُجرة، فجعل يَذكر عبد الله بن أُبَي، وما نزل فيه من القرآن، ويسبُّه، وكان بينه وبينه حرمة وقرابة، وكعب ساكت، قال: فانطلق الرجل إلى عمر ... ، فذكره. وهذا إسناد رجاله ثقات، إلا أن صورته صورة المرسل؛ لأن ابن أبي ليلى لم يسمع من عمر.

كتاب الزكاة

كتاب الزكاة (222) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا عصام بن خالد وأبو اليَمَان قالا: أنا شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري: ثنا عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة بن مسعود: أنَّ أبا هريرة قال: لما تُوفي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكرٍ -رضي الله عنه- (¬2)، وكَفَر مَن كَفَر من العرب، قال عمرُ: يا أبا بكرٍ، كيف تُقاتِلُ النَّاسَ، وقد قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أُمِرْتُ أَن أُقاتِلَ النَّاسَ حتى يقولوا: لا إلهَ إلا اللهُ، فمَن قال: لا إلهَ إلا اللهُ (¬3)، عَصَم مني مالَهُ ونفسَهُ إلا بحقِّه وحسابُهُ على اللهِ»؟ قال أبو بكر: والله لأُقَاتِلَنَّ - قال أبو اليَمَان: لأقتُلَنَّ - مَن فرَّق بين الصلاة / (ق 88) والزكاة، فإنَّ الزكاةَ حقُّ المال، وواللهِ لو مَنَعوني عَنَاقًا (¬4) كانوا يؤدُّونها إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؛ لقاتلتُهُم على مَنعِها. قال عمرُ: فواللهِ ما هو إلا أنْ رأيتُ أنَّ اللهَ قد شرح صدرَ أبي بكرٍ للقتالِ، فعَرَفتُ أنَّه الحقُّ. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 19 رقم 117). (¬2) زاد في المطبوع: «بعده». (¬3) زاد في المطبوع: «فقد». (¬4) العَنَاق: هي الأنثى من أولاد المعز ما لم يتم له سَنَة. «النهاية» (3/ 311).

هذا حديث جليل كبير المحلّ، اتفق الجماعة على إخراجه في كتبهم سوى ابن ماجه. فرواه البخاري في الزكاة (¬1)، عن أبي اليَمَان الحكم بن نافع، عن شعيب، عن الزهري، به. ورواه -أيضًا- في الاعتصام (¬2). ومسلم في الإيمان (¬3). وأبو داود في الزكاة (¬4). والترمذي في الإيمان (¬5). والنسائي فيه (¬6)، وفي المحاربة (¬7). كلهم عن قتيبة بن سعيد، عن الليث، عن عُقيل، عن الزهري، به. ورواه البخاري -أيضًا- في استتابة المرتدين (¬8)، عن يحيى بن يحيى (¬9)، عن الليث، به. ¬

(¬1) (3/ 262 رقم 1399 - فتح) باب وجوب الزكاة. (¬2) (13/ 250 رقم 7284، 7285 - فتح) باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم. (¬3) (1/ 50 رقم 20) باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، محمد رسول الله، ويقيموا الصلاة. (¬4) (2/ 310 رقم 1556). (¬5) (5/ 5 رقم 2607) باب ما جاء أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله. (¬6) (5/ 16 رقم 2443) في الزكاة، باب مانع الزكاة. ولم يخرِّجه في كتاب الإيمان، كما قال المؤلِّف، وانظر: «تحفة الأشراف» (8/ 123). (¬7) (7/ 88 رقم 3980) باب منه. (¬8) (12/ 275 رقم 6924 - فتح) باب قتل من أَبَى قبول الفرائض وما نُسبوا إلى الردة. (¬9) قوله: «يحيى بن يحيى» كذا ورد بالأصل. وصوابه: «يحيى بن بُكير»، كما في «تحفة الأشراف» (8/ 122) و «صحيح البخاري» (6924 - تحقيق زهير الناصر).

قال البخاري (¬1): وقال الليث: حدثني عبد الرحمن بن خالد بن مسافر، عن الزهري ... ، فذَكَره. ورواه النسائي -أيضًا- (¬2) من طرق أخر، عن شعيب، وسفيان بن عيينة، وآخر. كلهم عن الزهري، به. ثم رواه الإمام أحمد (¬3)، عن عبد الرزاق (¬4)، عن معمر، عن الزهري، عن عبيد الله، مرسلاً. قال الترمذي (¬5): وروي هذا الحديث عن عمران القطَّان، عن معمر، عن الزهري، عن أنس، عن أبي بكر (¬6). وهو خطأ، وقد خولف عمران في روايته عن معمر. ¬

(¬1) (3/ 321 - فتح) في الزكاة، باب أخذ العناق في الصدقة. (¬2) (6/ 313 رقم 3093) في الجهاد، باب وجوب الجهاد، و (7/ 90 رقم 3985) في تحريم الدم، باب منه. (¬3) في «مسنده» (1/ 35 رقم 239). (¬4) وهو في «المصنَّف» (10/ 172 رقم 18718). (¬5) في «سننه» (5/ 6) في الإيمان، باب ما جاء أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله. (¬6) ومن هذا الوجه: أخرجه النسائي (6/ 313 رقم 3094) و (7/ 88 رقم 3979) وابن خزيمة (4/ 22 رقم 2274) والبزَّار في «مسنده» (1/ 98 رقم 38) والمروزي في «مسند أبي بكر» (ص 120، 173 رقم 77، 140) وأبو يعلى (1/ 69 رقم 68) وابن بَشران في «الأمالي» (1/ 410 رقم 954) من طريق عمران القطَّان، عن معمر، عن الزهري، عن أنس بن مالك، عن أبي بكر ... ، فذكره. قال النسائي: هذا الحديث خطأ. وقال البزَّار: هذا الحديث لا نعلمه يُروى عن أنس، عن أبي بكر، إلا من هذا الوجه، وأحسب أنَّ عمران أخطأ في إسناده. وقال أبو حاتم وأبو زرعة: هذا خطأ، إنما هو الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة، عن أبي هريرة: أنَّ عمرَ قال لأبي بكر. «علل ابن أبي حاتم» (2/ 147 رقم 1937): وانظر: «علل الدارقطني» (1/ 162 رقم 3).

قلت: وقد روي -أيضًا-، عن أبي هريرة، مرفوعًا، كما سيأتي (¬1). وفي بعض ألفاظهم: والله لو منعوني عِقَالاً (¬2). ¬

(¬1) انظر: «جامع المسانيد والسُّنن» (9/ 335 رقم 1920 - مسند أبي هريرة). وهو حديث يَرويه سفيان بن حسين، وقد اضطَّرب فيه: فقيل: عنه، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة، عن أبي هريرة! وقيل: عنه، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة، مرسلاً! أما الوجه الأول: فأخرجه النسائي (7/ 89 رقم 3981) في تحريم الدم، وأحمد (1/ 11 رقم 67) من طريق محمد بن يزيد الكِلاعي، عن سفيان بن حسين، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة، عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أُمرِتُ أنْ أقاتلَ النَّاسَ حتى يقولوا لا إلهَ إلا اللهُ ...». الحديث. وأما الوجه الثاني: فأخرجه ابن أبي شيبة (5/ 552 رقم 28936) في الحدود، باب فيما يحقن به الدم ويرفع به عن الرجل القتل، عن يزيد بن هارون، عن سفيان بن حسين، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة، مرسلاً. قال النسائي: سفيان في الزهري ليس بقوي. تنبيه: ذكر محقِّقو «مسند الإمام أحمد» (1/ 229 رقم 67 - ط مؤسسة الرسالة) عند تخريجهم لهذه الرواية أنَّ سفيان بن حسين قد تابَعَه غير واحد، وفي هذا نظر؛ فقد قال الدارقطني في «العلل» (1/ 164): واختُلف عن سفيان بن حسين، فأَسنَدَه عنه محمد بن يزيد الواسطي، عن الزهري، عن عبيد الله، عن أبي هريرة، وأرسَلَه يزيد بن هارون، فأَسقَطَ منه أبا هريرة. اهـ. فأين هذه المتابعة؟! وعلى أي الوجهين قد تُوبع، على الوصل أم على الإرسال؟! (¬2) أخرجه البخاري (13/ 250 رقم 7285 - فتح) في الاعتصام، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن قتيبة بن سعيد، عن ليث، عن عُقيل، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة، عن أبي هريرة ... ، فذكره، ثم قال البخاري: قال ابن بُكَير وعبد الله عن الليث: «عَنَاقًا»، وهو أصحُّ.

وقد نبَّهنا على معنى العِقَال (¬1)، وما المراد منه ههنا في «مسند الصِّديق»، في أول كتاب الزكاة منه، ولله الحمد. أثر آخر (223) قال الإمام مالك (¬2): عن ثَور بن زيد، عن ابن لعبد الله بن سفيان الثَّقَفي، عن جدِّه سفيان بن عبد الله: أنَّ عمرَ بن الخطاب بَعَثَهُ مُصدِّقًا، وكان يَعُدُّ على النَّاسِ بالسَّخل (¬3)، قالوا: تَعتَدُّ علينا بالسَّخلِ، ولا تأخُذُ منه شيئًا؟! فلما قَدِمَ على عمرَ بن الخطاب ذَكَر له ذلك، فقال له عمر: نعم، تَعتَدُّ عليهم بالسَّخلةِ يَحمِلُها الراعي، ولا تأخُذُها، ولا تأخُذُ الأَكُولة (¬4)، ولا الرُّبَّى (¬5)، ولا الماخِضَ (¬6)، ولا فَحْلَ الغنمِ، وتأخُذُ ¬

(¬1) اختُلف في معناه، فقيل: زكاة عام. قاله النسائي والنَّضر بن شُمَيل وأبو عُبيدة معمر بن المثنَّى والمُبرِّد. وقيل: هو الحبل الذي يُعقل به البعير. وهو قول مالك وابن أبي ذِئب. انظر: «شرح صحيح مسلم» للنووي (1/ 208 - 209). (¬2) في «الموطأ» (1/ 356) في الزكاة، باب ما جاء فيما يعتد به من السخل على الصدقة. وأعلَّه ابن حزم في «المحلى» (5/ 276) بجهالة ابن عبد الله بن سفيان. وله علَّة أخرى، نبَّه عليها الدارقطني في كتابه «الأحاديث التي خولف فيها مالك بن أنس» (ص 103 رقم 46) فقال بعد ذكره لرواية مالك: خالَفَه الدَّرَاوَردي، رواه عن ثور بن زيد، عن بِشر بن عاصم بن سفيان بن عبد الله الثَّقَفي، عن أبيه، عن جدِّه سفيان، وتابَعَه محمد بن إسحاق. ورواه عبيد الله بن عمر، عن بِشر بن عاصم بن سفيان بن عبد الله، عن أبيه، عن جدِّه. (¬3) السَّخلُ: وَلَدُ الغنمِ. «النهاية» (2/ 350). (¬4) الأكولة: التي تُسمَّن للأكل. «النهاية» (1/ 58). (¬5) الرُّبَّى: التي تُربَّى في البيت من الغنم لأجل اللَّبن. وقيل: هي الشاة القريبة العهد بالولادة. «النهاية» (2/ 180). (¬6) الماخض: التي أخذها المخاض لِتَضَع. «النهاية» (4/ 306).

الجَذَعةَ (¬1)، والثَّنيَّةَ (¬2)، وذلك عَدْلٌ بين غَذِيّ (¬3) المالِ (¬4) وخِيَارهِ. وقد رواه الإمام الشافعي (¬5)، عن سفيان بن عيينة (¬6)، عن يونس (¬7) بن عاصم بن سفيان بن عبد الله الثَّقَفي، عن أبيه، عن جدِّه، به. حديث آخر (224) قال الإمام أحمد (¬8): ثنا أبو اليَمَان، / (ق 89) ثنا أبو بكر بن عبد الله، عن راشد بن سعد، عن عمرَ بن الخطاب وحذيفة بن اليَمَان رضي الله عنهما: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يأخُذْ من الخيل والرَّقيق صدقةً. هكذا رواه الإمام أحمد، وهو منقطع، فإنَّ راشد بن سعد المِقْرائي الحمصي وإن كان ثقةً نبيلاً، إلا أنَّه من صغار التابعين، ولم يُدرك أيام ¬

(¬1) الجَذَعَة: من الإبل ما دخل في السَّنة الخامسة، ومن البقر والمعز مادخل في السَّنة الثانية، وقيل: البقر في الثالثة، ومن الضأن ما تمَّت له سنة، وقيل: أقل منها. «النهاية» (1/ 250). (¬2) الثَّنيَّة: من الغنم والبقر ما دخل في السَّنة الثالثة، ومن الإبل في السادسة. «النهاية» (1/ 226). (¬3) الغذي: السِّخال الصغار. «النهاية» (3/ 348). (¬4) قوله: «المال» كذا ورد بالأصل. وهو الموافق لرواية أبي مصعب الزهري، والقَعْنبي. وفي رواية يحيى بن يحيى الليثي: «الغنم». انظر: «الموطأ بالروايات الثمانية» (2/ 265 - تحقيق سليم الهلالي). (¬5) في «الأم» (2/ 16). وجوَّد إسناده المؤلِّف في «إرشاد الفقيه» (1/ 249)، وصحَّحه النووي في «المجموع» (5/ 372). (¬6) وهو في «جزئه» (ص 104 رقم 37 - رواية زكريا المروزي). (¬7) قوله: «يونس» كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «بِشر»، وهو الموافق لما في «جزء سفيان بن عيينة» و «تهذيب الكمال» (4/ 130 رقم 693). (¬8) في «مسنده» (1/ 18 رقم 113).

عمرَ، بل ولا حذيفة، بل قد نصَّ أحمد بن حنبل (¬1) على أنَّه لم يَسْمع من ثوبان. وقال أبو زرعة (¬2): روايته عن سعد بن أبي وقاص مرسلة، وهما قد ماتا بعد الخمسين من الهجرة. لكن قد روي معناه من طريق أخرى: (225) فقال أحمد أيضًا (¬3): ثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن حارثة قال: جاء ناسٌ من أهل الشام إلى عمرَ، فقالوا: إنا قد أَصَبْنا أموالاً وخَيْلاً ورَقيقًا نحبُّ أن يكونَ لنا فيها زكاةٌ وطُهورٌ. قال: ما فَعَلَهُ صاحباي قبلي فأَفعَلَهُ. فاستَشَارَ أصحابَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وفيهم عليّ -رضي الله عنه-، فقال عليّ: هو حَسَنٌ، إن لم يكن جزيةً راتبةً يُؤخَذون بها من بعدِك. فهذا الإسناد جيد قوي، ولله الحمد والمنَّة. وقد رواه الدارقطني (¬4) من طرق، عن أبي إسحاق، عن حارثة -وهو: ابن مُضَرِّب-، وعاصم بن ضَمرة، كلاهما عن عمرَ، به. وزاد: فوَضَع على كلِّ فرسٍ دينارًا. (226) وقال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي: ثنا المنيعي، ثنا يحيى بن الربيع المكي، ثنا سفيان، عن عبد الله بن دينار، عن الزهري، عن السائب بن يزيد: أنَّ عمرَ أخذ عن كلِّ فرسٍ شاتين (¬5). ¬

(¬1) انظر: «العلل ومعرفة الرجال» (3/ 129 رقم 4552). (¬2) كما في «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص 59 رقم 208). (¬3) في «مسنده» (1/ 14 رقم 82). (¬4) في «سننه» (2/ 137). (¬5) وأخرجه -أيضًا- الشافعي في «الأم» (7/ 237) عن ابن عيينة، عن الزهري، به، ولفظه: أَمَرَ أنْ يُؤخذَ في الفرس شاتين، أو عشرةً، أو عشرين درهمًا.

حديث آخر (227) قال أبو الحسن الدارقطني رحمه الله (¬1): قرئ على عليِّ / (ق 90) بن إسحاق المادرائي بالبصرة، وأنا أسمع: حدَّثكم الحارث بن محمد، ثنا عبد العزيز بن أبان، عن محمد بن عبيد الله، عن الحكم، عن موسى بن طلحة، عن عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: إنما سَنَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الزكاةَ في هذه الأربعة: الحنطةِ، والشعيرِ، والزَّبيبِ، والتمرِ. ¬

(¬1) في «سننه» (2/ 96). وفي إسناده محمد بن عبيد الله، وهو: العَرْزمي، وهو متروك. وموسى بن طلحة لم يَسْمع من عمر. كما قال الإمام أبو زرعة. انظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص 209 رقم 779). لكن أخرج يحيى بن آدم في «الخراج» (ص 149 رقم 537) عن الأشجعي (عبيد الله بن عبيدالرحمن). وأبو يعلى في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (1/ 363 رقم 940) من طريق حميد بن الأسود. والحاكم (1/ 401) والدارقطني (2/ 98) والبيهقي (4/ 125) من طريق أبي حذيفة (موسى بن مسعود). ثلاثتهم (الأشجعي، وحميد بن الأسود، وأبو حذيفة) عن الثوري، عن طلحة بن يحيى، عن أبي بُرْدة، عن أبي موسى ومعاذ بن جبل -رضي الله عنهما-، حين بعثهما النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى اليمن يعلِّمان الناسَ أمر دينهم: «لا تأخذوا الصدقةَ إلا من هذه الأربعة: الشعير، والحنطة، والزبيب، والتمر». هذا لفظ الحاكم والدارقطني والبيهقي. وعند يحيى بن آدم: أنهما حين بُعثا إلى اليمن لم يأخذا إلا من الحنطة والشعير والتمر والزبيب. قال الحاكم: إسناده صحيح. ووافقه الذهبي. وقال البيهقي: رواته ثقات، وهو متَّصل. «تحفة المحتاج» (2/ 50). وأقرَّهم على تصحيحه الشيخ الألباني في «الإرواء» (3/ 277 - 278).

أثر آخر (228) قال الدارقطني (¬1): ثنا أبو بكر -يعني: النَّيسابوري-، ثنا عبد الرحمن بن بِشر، ثنا عبد الرزاق (¬2)، ثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ -رضي الله عنه- قال: فيما سَقَتِ السماءُ والأنهارُ والعيونُ العُشْرُ، وما سُقِيَ بالرِّشاء (¬3) نصفُ العُشْرِ. هذا إسناد صحيح، وقد جاء في أحاديث مرفوعة مثلُه (¬4)، ولله الحمد. ¬

(¬1) في «سننه» (2/ 130). (¬2) وهو في «المصنَّف» (4/ 134 رقم 7235). (¬3) الرِّشاء: الحبل الذي يُتوصل به إلى الماء. «النهاية» (2/ 226). (¬4) منها: ما أخرجه البخاري (3/ 347 رقم 1483 - فتح) في الزكاة، باب العشر فيما يُسقى من ماء السماء وبالماء الجاري، من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- مرفوعًا: «فيما سَقَتِ السماءُ والعيونُ، أو كان عَثَريًا العُشْرُ، وما سُقِيَ بالنَّضح نصفُ العُشْرِ».

حديث في زكاة العسل

حديث في زكاة العسل (229) قال عبد الله بن وهب: ثنا أسامة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه: أنَّ بَطنًا (¬1) من سَهْمٍ كانوا يؤدُّونَ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم من نَحْلٍ عندهم العُشْرَ ... ، فذَكَر حديثًا، إلى أنْ قال: وكَتَب إليه -يعني: عمرَ رضي الله عنه- إلى سفيان بن عبد الله الثَّقَفي: إنما النَّحْلُ ذُبَابُ غَيْثٍ، يَسُوقُهُ اللهُ رِزقًا إلى مَن شاءَ، فإنْ أدُّوا إليك ما كانوا يؤدُّونَ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؛ فاحْمِ لهم وادِيَهم، وإلا فَخَلِّ بين الناسِ وبينَهُ. إسناده حسن جيد (¬2). ¬

(¬1) البطن: ما دون القبيلة وفوق الفخذ. «النهاية» (1/ 137). (¬2) له علَّة، وهي الاختلاف في وَصْله وإرساله: فقيل: عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه! وقيل: عن عمرو بن شعيب، مرسلاً! أما الوجه الأول: فأخرجه أبو داود (2/ 342 رقم 1596 - 1598) في الزكاة، باب زكاة العسل، والنسائي (5/ 48 رقم 2498) في الزكاة، باب زكاة النحل، وأبو عبيد في «الأموال» (ص 444 رقم 1488) وابن خزيمة (4/ 45 رقم 2324، 2325) والطبراني في «الكبير» (7/ 67 رقم 6393) وأبو الفضل الزهري في «حديثه» (2/ 509 رقم 529) والدارقطني في «المؤتلف والمختلف» (3/ 1373) وابن زَنْجويه في «الأموال» (3/ 1089 رقم 2015) وابن الجارود (2/ 16 رقم 350) من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه ... ، فذكره. ورواه عن عمرو بن شعيب جماعة، وهم: أسامة بن زيد الليثي، وعمرو بن الحارث، وعبد الرحمن بن الحارث، وعبيد الله بن أبي جعفر. وأما الوجه الثاني: فأخرجه ابن أبي شيبة (2/ 373 رقم 10051) في الزكاة، باب في العسل هل فيه زكاة أم لا؟ عن عبَّاد بن العوَّام، عن يحيى بن سعيد، عن عمرو بن شعيب: أنَّ أمير الطائف كَتَب إلى عمرَ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = قال الدارقطني في «العلل» (2/ 110): هو حديث رواه عبد الرحمن بن الحارث، وعبد الله بن لَهِيعة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه مسنَدًا عن عمرَ. ورواه يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عمرو بن شعيب، مرسلاً عن عمرَ. قال الحافظ في «التلخيص الحبير» (2/ 168): فهذه علَّته، وعبد الرحمن وابن لَهِيعة ليسا من أهل الإتقان، لكن تابَعَهما عمرو بن الحارث أحد الثقات، وتابَعَهما أسامة بن زيد، عن عمرو بن شعيب. وقال في «الفتح» (3/ 348): وإسناده صحيح إلى عمرو، وترجمة عمرو قوية على المختار، لكن حيث لا تعارض ... ، ثم ذكر أنه محمول على أنه في مقابلة الحِمَى؛ كما يدل عليه كتاب عمر بن الخطاب. وقال ابن خزيمة: هذا الخبر إن ثَبَت، ففيه ما دلَّ على أنَّ بني شبابة إنما كانوا يؤدُّون من العسل العُشْر لعلَّة، لا لأنَّ العُشْر واجب عليهم في العسل، بل متطوِّعين بالدفع لحِمَاهم الواديين. وقال ابن زَنْجويه (3/ 1095): أحسن ما سمعنا في العسل والزيتون أنه ليس فيهما صدقة، وذلك لأنَّ السُّنَّة قد مضت بأنه لا صدقة إلا في الأصناف الأربعة: الحنطة والشعير والنخل والكَرم، وأنَّ معاذًا وأبا موسى حين بُعثا إلى اليمن لم يأخذا إلا منهما، وأنَّ معاذًا سُئل عن العسل باليمن، وهي من أكثر الأرضين عَسَلاً، فقال: لم أُومَر فيه بشيء. وأنه ليس له ولا للزيتون ذِكر في شيء من الصدقات، وأما حديث عمرو بن شعيب: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يؤخذ في زمانه من قِرَب العسل من كل عشر قِربات قِربة من أوسطها، وحديث بني شَبَابة: أنهم كانوا يؤدُّون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحل ألف عليهم العُشْر، فليسا بثابتين، ولو كانا ثابتين لم يكن فيهما -أيضًا- حجَّة؛ لأنه قد بين لك أنَّ بني شَبَابة هم الذين كانوا يؤدُّون لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقل إنَّ رسولَ الله فرض ذلك عليهم ... ، ومن أبين الحجج وأوضعها (كذا، ولعل الصواب: وأوضحها) في العسل أنه لا صدقة فيه؛ أنا لم نجد في شيء من الآثار أنه ليس فيما دون كذا من العسل صدقة، فإذا بلغ كذا وكذا، ففيه كذا وكذا، كما وَجَدنا في العين، والحرث، والثمار، والماشية، ولم نجد له ذِكرًا في كُتُب الصدقات.

أثر في قيام الإمام على نعم الصدقة، وخدمتها، وحياطتها

أثر في قيام الإمام على نَعَم الصدقة، وخدمتها، وحياطتها (230) قال أبو بكر ابن أبي الدُّنيا رحمه الله (¬1): حدَّثني القاسم بن هاشم، عن عبد الله بن بَكر السَّهمي، حدثني الفضل بن عَميرة: أنَّ الأحنفَ بن قيس قَدِمَ على عمرَ بن الخطاب في وفدٍ من العراقِ، قَدِموا عليه في يومٍ صائفٍ، شديدِ الحرِّ، وهو مُحتَجِزٌ بعَبَاءةٍ يَهنَأ (¬2) بعيرًا من إبلِ الصدقةِ، فقال: يا أحنفُ، ضَعْ ثيابَكَ، وهلمَّ، فأَعِنْ أميرَ المؤمنينَ على هذا البعيرِ، فإنه / (ق 91) لمن إبلِ الصدقةِ، في حقِّ اليتيمِ، والأَرمَلةِ، والمسكينِ. فقال رجلٌ من القوم: يَغفِرُ اللهُ لكَ يا أميرَ المؤمنينَ! فهلاَّ تأمُرُ عبدًا من عبيد الصدقةِ فليكقك (¬3) هذا؟ ‍‍! قال عمرُ: وأيُّ عبدٍ هو أَعبَدُ منِّي، ومن الأحنفِ؟ إنَّه مَن وَلِيَ أمرَ المسلمينَ في عدِّ (¬4) المسلمين يجبُ عليه لهم ما يجبُ على العبدِ لسيدِهِ من النصيحةِ وأداءِ الأمانةِ. أثر آخر (231) وقال ابن أبي الدُّنيا أيضًا (¬5): حدثني عبد الله بن أبي بدر، ثنا ¬

(¬1) لم أقف عليه في مظانِّه من مصنَّفاته المطبوعة، وعزاه صاحب «كنز العمال» (5/ 761 رقم 14307) إلى كتاب «المداراة» له، ولم أجده في المطبوع منه. (¬2) يَهنَأُ: من الهِناء، وهو القَطِران، والمعنى: أنه يعالج جَرَب الإبل بطلائه بالقَطِران. «النهاية» (5/ 277). (¬3) هكذا رُسمت في الأصل. وجاء في «كنز العمال»: «فيَكفِيك». (¬4) هكذا رُسمت في الأصل، وكَتَب المؤلِّف فوقها: «كذا». وفي «كنز العمال»: «إنه مَن ولي أمر المسلمين، فهو عَبد للمسلمين». (¬5) في «الهواتف» (ص 119 رقم 165).

يحيى بن يمان، عن سفيان، عن عمر بن محمد، عن سالم بن عبد الله قال: أَبطَأَ خبرُ عمرَ على أبي موسى، فأتى امرأةً في بطنِها شيطانٌ، فسألها عنه، فقالت: حتى يَجِيءَ إليَّ شيطاني. فجاء، فسألتُهُ عنه؟ فقال: تَرَكتُهُ مُؤتَزِرًا بكساءٍ يَهَنَأُ إبلَ الصدقةِ، وذاك لا يَرَاهُ شيطانٌ إلا خَرَّ لمنخريه، المَلَكُ بين عينيه، وروحُ القُدُسِ يَنطِقُ على لسانِهِ. إسناده جيد قوي (¬1). أثر آخر (232) قال الإمام أبو عبد الله الشافعي رحمه الله (¬2): أنا عمِّي، عن الثقة -أحسبه محمد بن عليِّ بن الحسين، أو غيره-، عن مولىً لعثمان قال: بينما أنا مع عثمانَ بالعاليةِ في يومٍ صائفٍ، إذ رأى رجلاً يَسوقُ بَكرَينِ، وعلى الأرضِ مثلُ الفراشِ من الحرِّ، فقال: ما على هذا لو ¬

(¬1) له علَّة، فقد تفرَّد بروايته يحيى بن يمان دون بقيَّة أصحاب الثوري المتقنين، وقد قال ابن معين: ربما عارضت بأحاديث يحيى بن يمان أحاديث الناس، فما خالف فيها الناس ضربتُ عليه، وقد ذكرت لوكيع شيئًا من حديثه عن سفيان، فقال: ليس هذا سفيان الذي سمعنا نحن منه. وقال أحمد: ليس بحجَّة. وقال أبو حاتم: مضطرب الحديث، في حديثه بعض الصنعة، ومحلُّه الصدق. وقال -أيضًا-: رأيت محمد بن نُمَير يضعِّف يحيى بن يمان، ويقول: كأن حديثه خيال. انظر: «تاريخ ابن معين -رواية الدُّوري» (2/ 667) و «الجرح والتعديل» (9/ 199 رقم 830) و «تهذيب الكمال» (32/ 55). ولم أقف على ما يثبت سماع سالم من أبي موسى، وأما روايته عن جدِّه عمر بن الخطاب فمنقطعة. انظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص 81 رقم 291). (¬2) في «الأم» (4/ 48)، وفي إسناده جهالة.

أقامَ بالمدينةِ حتى يُبرِدَ؟! ثم قال: انظر مَن هو؟ (¬1) فنَظَرتُ، فإذا هو عمرُ -رضي الله عنه-، فقلت: هذا أميرُ المؤمنين! فقام عثمانُ -رضي الله عنه- فأَخرَجَ رأسَهُ من الباب، فآذاه لَفْحُ / (ق 92) السَّمومِ (¬2)، فأعاد رأسَهُ حتى حَاذَاهُ، فقال: ما أَخَرَجَكَ هذه الساعةَ يا أميرَ المؤمنين؟ فقال: بَكرَانِ (¬3) من إبلِ الصدقةِ تَخَلَّفَا، فأَردتُ أنْ أُلحِقَهُمَا بالحِمَى، خشيتُ أن يَضيعا، فيَسأَلُني اللهُ عنهما! فقال: هَلمَّ إلى الماءِ والظلِّ، ونَكفيكَ. فقال: عُدْ إلى ظِلِّكَ. فقال: عندنا مَن يَكفيكَ. ومضى (¬4). فقال عثمان رضي الله عنه: مَن أحبَّ أنْ يَنظرَ إلى القويِّ الأمينِ؛ فليَنظُرَ إلى هذا. ثم عاد إلينا، فألقَى نفسَهُ، رضي الله عنه وأرضاه. ¬

(¬1) زاد في المطبوع: «فقلت: أرى رجلاً معمَّمًا بردائه يسوق بَكْرين. ثم دنا الرجل، فقال: انظر». (¬2) السَّموم: الريح التي تهب حارَّة بالنهار. «النهاية» (2/ 404). (¬3) البَكر: الفتي من الإبل. «النهاية» (1/ 149). (¬4) قوله: «فقال: عندنا من يكفيك. ومضى» كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «فقلت: عندنا من يكفيك، فقال: عُد إلى ظِلِّك، فمضى».

أثر في زكاة العروض

أثر في زكاة العروض (233) قال الإمام الشافعي (¬1): أنا سفيان، ثنا يحيى بن سعيد، عن عبد الله بن أبي سَلَمة، عن أبي عمرو بن حِمَاس: أن أباه قال: مَرَرتُ بعمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه-، وعلى عُنُقي أدمةٌ (¬2) أَحمِلُها، فقال عمرُ: ألا تؤدِّي زكاتَكَ ياحماسُ؟ فقلت: يا أميرَ المؤمنين، ما لِي غير هذه التي على ظَهْري، وأهبةٌ في القَرَظ (¬3). فقال: ذلك مال، فَضَعْ. قال: فوَضَعتُها بين يديه، فحَسَبَها، فوَجَدَ قد وَجَبَتْ فيها الزكاةُ، فأخذ منها الزكاةَ. ورواه الدارقطني (¬4) من حديث حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، عن أبي عمرو بن حِمَاس -أو: عن عبد الله بن أبي سَلَمة، عن أبي عمرو بن حِمَاس-، وذَكَر نحوه. ثم قال الشافعي (¬5): وأنا سفيان، ثنا ابن عَجْلان، عن أبي الزِّناد، عن أبي عمرو بن حِمَاس، عن أبيه، مثلَه. ورواه سعيد بن منصور في «سننه» (¬6)، بنحوه. ¬

(¬1) في «الأم» (2/ 46). (¬2) الأدمة: جمع أديم، مثل رغيف وأرغفة، والمشهور في جمعه أَدَم. «النهاية» (1/ 32). (¬3) الأهبة: جمع إهاب، وهو الجلد. وقيل: إنما يقال للجلد إهاب قبل الدَّبغ، فأما بعده فلا. «النهاية» (1/ 83). والقَرَظ: شجر يُدبغ به، وهو ورق السَّلَم. انظر: «لسان العرب» (11/ 117 - مادة قرظ). (¬4) في «سننه» (2/ 125). (¬5) في «الأم» (2/ 46). (¬6) ليس في القسم المطبوع من «سننه»، ومن طريقه: أخرجه ابن عبد البر في «التمهيد» (17/ 131). وهذا الأثر جوَّد إسناده المؤلِّف في «إرشاد الفقيه» (1/ 259). وفي تجويده نظر؛ لأن مداره على أبي عمرو بن حماس، وهو مجهول، كما قال الذهبي في «الميزان» (4/ 557 رقم 10465). وحماس والد أبي عمرو: مجهول أيضًا، لم يرو عنه سوى ابنه، وقد أورده البخاري في «التاريخ الكبير» (3/ 130 رقم 439) وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (3/ 314 رقم 1402) وسكتا عنه، وقال الحسيني في «التذكرة بمعرفة رجال الكتب العشرة» (1/ 37): ليس بالمشهور. فتعقَّبه الحافظ في «تعجيل المنفعة» (1/ 466 رقم 229) بقوله: هو مخضرم، كان رجلاً كبيرًا في عهد عمر، وذكره ابن حبان في «الثقات». قلت: هذا يرفع جهالة العين، فتبقى جهالة حاله، والأثر ضعَّفه ابن حزم في «المحلى» (5/ 235) والشيخ الألباني في «الإرواء» (3/ 311 رقم 828) لجهالة أبي عمرو بن حماس، وأبيه. وخالف الشيخ أحمد شاكر، فقال في تعليقه على «المحلى»: بل هما معروفان ثقتان (!)

حديث في جواز سلف الإمام الزكاة

حديث في جواز سَلَف الإمام الزكاة (234) قال النسائي (¬1): ثنا عمران بن بكَّار، ثنا علي بن عيَّاش، عن شعيب، عن أبي الزَّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنهما- قال: أَمَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بصدقةٍ، فقيل: مَنَعَ ابنُ جميلٍ وخالدُ بن الوليد والعباسُ عمُّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ... ، فذَكَر الحديث، كما سيأتي (¬2) في مسند أبي هريرة. كما أخرجه صاحبا «الصَّحيح» (¬3) من حديث جماعة، عن أبي الزِّناد، عن الأعرج، عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. ¬

(¬1) في «سننه» (5/ 34 رقم 2463) في الزكاة، باب إعطاء السيد المال بغير اختيار المصدِّق. (¬2) انظر: «جامع المسانيد والسُّنن» (9/ 288 رقم 1603، 1604 - مسند أبي هريرة). (¬3) أخرجه البخاري (3/ 331 رقم 1468 - فتح) في الزكاة، باب قول الله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ}، ومسلم (2/ 676 رقم 983) في الزكاة، باب في تقديم الزكاة ومنعها، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

حديث في غلول الصدقة

حديث في غُلُول الصدقة (235) قال عبد الله بن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث: أنَّ موسى بن جُبَير حدَّثه، أنَّ عبد الله بن عبد الرحمن بن الحُبَاب حدَّثه، أنَّ عبد الله بن أُنَيس حدَّثه، أنَّه تذاكر هو وعمرُ بن الخطاب يومًا، فقال عمرُ: ألم تَسمع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حين يَذكر غُلُولَ الصَّدقةِ: «مَن غَلَّ منها بعيرًا، أو شاةً، أتى به يومَ القيامةِ يَحمِلُهُ»؟ فقال عبد الله بن أُنَيس: بلى. ورواه ابن ماجه (¬1)، عن عمرو بن سوَّاد المصري، عن ابن وهب. واختاره الضياء في كتابه (¬2). ¬

(¬1) في «سننه» (1/ 579 رقم 1810) في الزكاة، باب ما جاء في عمال الصدقة. (¬2) «المختارة» (1/ 258 رقم 148). وفي إسناده موسى بن جُبَير الأنصاري، قال عنه ابن القطان في «بيان الوهم والإيهام» (3/ 257): لا يُعرف حاله. وذكره ابن حبان في «الثقات» (7/ 451) وقال: يُخطئ ويُخالِف. وعبد الله بن عبد الرحمن: مجهول، لم يرو عنه سوى موسى بن جُبَير، وذكره ابن حبان في «الثقات» (5/ 26) و (7/ 44). وفي الباب عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: «لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رُغاء، يقول: يا رسول الله، أغثني. فأقول: لا أملكُ لك شيئًا، قد أبلغتُك ...». الحديث. أخرجه البخاري (6/ 185 رقم 3073 - فتح) في الجهاد، باب الغُلُول، ومسلم (3/ 1461 رقم 1831) في الإمارة، باب غلظ تحريم الغُلُول.

حديث في الفقراء

حديث في الفقراء (236) قال أبو حاتم محمد بن حبَّان البُستي في «صحيحه» (¬1): أنا أبو عَروبة، ثنا المغيرة بن عبد الرحمن الحرَّاني، ثنا يحيى بن السَّكَن، ثنا حماد بن سَلَمة، عن داود بن أبي هند، عن الشَّعبي، عن مسروق / (ق 93) قال: قال عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَن سأل النَّاسَ لِيُثْرِيَ به مالَهُ؛ فإنَّما هو رَضْفٌ (¬2) من النَّارِ يَتَلقَّفُهُ (¬3)، مَن شاءَ فَلْيُقِلَّ، ومَن شاءَ فَلْيُكْثِرْ». هكذا رواه الحافظ أبو عبد الله المقدسي في كتابه «المختارة» (¬4). وقد أورده الحافظ أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان البغدادي (¬5)، عن محمد بن محمد بن سليمان الباغَندي، عن أيوب بن سليمان السُّلَمي، عن يحيى بن السَّكَن، به. ثم قال: تفرَّد به يحيى بن السَّكَن، عن داود (¬6)، لا أعلم حدَّث به غيره، وهو حديث صحيح غريب (¬7). فيه دلالة على أن الفقير هو الذي لا يجد ما يكفيه. ¬

(¬1) (8/ 185 رقم 3391 - الإحسان). (¬2) الرَّضْف: الحجارة المحمَّاة على النار، واحدتها رَضْفة. «النهاية» (2/ 231). (¬3) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «يَتَلَهَّبُهُ». وفي مطبوع «المختارة» -كما سيأتي-: «يَتَلَقَّمُهُ». (¬4) (1/ 399 رقم 282). (¬5) هو الإمام أبو حفص ابن شاهين، انظر ترجمته في «سير أعلام النبلاء» (16/ 431). (¬6) قوله: «يحيى بن السَّكَن، عن داود» كذا ورد بالأصل. وفي مطبوع «المختارة»: «يحيى بن السَّكَن، عن حماد، عن داود». (¬7) في إسناده: يحيى بن السَّكَن ضعَّفه صالح جَزَرة، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي. انظر: «الجرح والتعديل» (9/ 155 رقم 643) و «ميزان الاعتدال» (4/ 380 رقم 9525). وقد أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 425 رقم 10675) في الزكاة، باب من كره المسألة ونهى عنها ... ، عن أبي معاوية، عن الشَّعبي، عن عمرَ، موقوفًا. وهذا منقطع بين الشَّعبي وعمر. وفي الباب: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: «مَن سأل الناس أموالهم تَكثُّرًا؛ فإنما يسأل جَمرًا، فليستقل أو ليستكثر». أخرجه مسلم (2/ 720 رقم 1041) في الزكاة، باب كراهة المسألة للناس.

حديث في العامل

حديث في العامل (237) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا أبو اليَمَان: أنا شعيب، عن الزهري قال: أخبرني السائب بن يزيد ابنُ أختِ نَمِر: أنَّ حُوَيْطِب بن عبد العُزَّى أَخبَرَه أنَّ عبد الله بن السَّعدي أَخبَرَه أنَّه قَدِمَ على عمرَ بن الخطاب في خلافته، فقال له عمر: ألَمْ أُحدَّث أنك تلي من أعمال الناس أعمالاً، فإذا أُعطيتَ العمالةَ كرهتَها؟ قال: فقلت: بلى. فقال عمرُ: فما تريدُ إلى ذلك؟ قال: قلت: إنَّ لي أفراسًا وأعبُدًا، وأنا بخير، وأريدُ أن تكونَ عمالتي صدقةً على المسلمين. فقال عمرُ: فلا تفعل، فإنِّي كنتُ أردتُ الذي أردتَ، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاءَ، فأقول: أَعطِهِ أفقرَ إليه منِّي، حتى أعطاني مرةً مالاً، فقلت: أَعطِهِ أفقرَ إليه منِّي. فقال (له) (¬2) النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «خُذه فتَموَّلْهُ، وتصدَّقْ به، / (ق 94) فما جاءك من هذا المالِ وأنت غيرُ مُشرِفٍ (¬3) ولا سائلٍ؛ فخُذْهُ، ومَا لاَ، فلا تُتْبِعْهُ نفسَكَ». ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 17 رقم 100). (¬2) ضبَّب عليه المؤلِّف، وما في الأصل موافق لما في المطبوع، فالله أعلم. (¬3) مُشْرِف: أي: مُتطلع وطامع فيه. «النهاية» (2/ 462).

ثم رواه أحمد (¬1)، عن عبد الرحمن -يعني: ابن مهدي-، عن معمر (¬2)، عن الزهري، به. وعن عبد الرزاق (¬3)، عن معمر، عن الزهري، عن السائب قال: لَقِيَ عمرُ عبد الله بن السَّعدي ... ، فذَكَر معناه، إلا أنَّه قال: «تَصدَّقْ به». وقال: «لا تُتْبِعْهُ نَفسَكَ». هذا حديث جليل، قليل النَّظير؛ لأنه اجتمع في إسناده أربعة من الصحابة يروي بعضهم عن بعض، فإنَّ السائب بن يزيد، وشيخه، وشيخ شيخه، وعمر بن الخطاب كلُّهم صحابة رضي الله عنهم. وهكذا رواه البخاري (¬4)، عن أبي اليَمَان الحكم بن نافع. وأخرجه النسائي (¬5) من حديثه أيضًا. ورواه مسلم (¬6)، عن أبي الطَّاهر، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن الزهري، به. ¬

(¬1) في الموضع السابق (1/ 40 رقم 279). (¬2) قوله: «عن عبد الرحمن -يعني: ابن مهدي-، عن معمر» كذا ورد بالأصل. والصواب: «عن عبد الرحمن بن مهدي، عن عبد الله بن المبارك، عن معمر»، كما في مطبوع «المسند»، و «إطراف المُسنِد المُعتَلِي» (5/ 41 رقم 6579) و «إتحاف المهرة» (12/ 226 رقم 15463). (¬3) (1/ 40 رقم 280)، وهو في «المصنَّف» (1/ 40 رقم 280). (¬4) في «صحيحه» (13/ 150 رقم 7163 - فتح) في الأحكام، باب رَزْق الحاكم والعاملين عليها. (¬5) في «سننه» (5/ 109 رقم 1606) في الزكاة، باب من آتاه الله عزَّ وجلَّ مالاً من غير مسألة. (¬6) في «صحيحه» (2/ 723 رقم 1045) (111) في الزكاة، باب إباحة الأخذ لمن أُعطي من غير مسألة ولا إشراف.

وكذا رواه النسائي (¬1) من حديث الزُّبيدي، عن الزهري. ثم رواه مسلم (¬2)، والنسائي (¬3)، عن قتيبة. وأبو داود (¬4)، عن أبي الوليد الطيالسي. كلاهما عن الليث، عن بُكَير بن الأشج، عن بُسر بن سعيد، عن ابن السَّاعدي المالكي قال: استعملني عمرُ على الصَّدقة ... ، فذَكَره. ثم رواه مسلم (¬5)، عن هارون بن سعيد، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن بُكَير بن الأشج، عن بُسر بن سعيد، عن ابن السَّعدي. كذا قال الليث: عن ابن السَّاعدي. وقال غيره: عن ابن السَّعدي (¬6). طريق أخرى (238) قال الحافظ البيهقي في «السُّنن الكبير» (¬7): أنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أبي عمرو، ثنا أبو العباس الأصمّ، ثنا محمد بن إسحاق الصاغاني، ثنا عبد الله بن صالح، حدثني الليث، حدثني هشام بن ¬

(¬1) في «سننه» (5/ 109 رقم 2605) في الموضع السابق. (¬2) في «صحيحه» (2/ 723 رقم 1045) (112) في الموضع السابق. (¬3) في «سننه» (5/ 108 رقم 2603) في الموضع السابق. (¬4) في «سننه» (2/ 366 رقم 1647) في الزكاة، باب في الاستعفاف، و (3/ 431 رقم 2944) في الخراج والإمارة، باب في أرزاق العمال. (¬5) في «صحيحه» (2/ 724 رقم 1045) (11) في الموضع السابق. (¬6) قال الحافظ في «الفتح» (13/ 151): ووقع عند مسلم في رواية اللَّيث، عن بُكَير بن الأشج، عن بُسر بن سعيد، عن ابن السَّاعدي، وخالَفَه عمرو بن الحارث، عن بُكَير فقال: عن ابن السَّعدي. وهو المحفوظ. (¬7) (6/ 354 - 355).

سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه أسلم أنَّه قال: لمَّا كان عامُ الرَّماداتِ وأَجدَبَتْ بلادُ العربِ، كَتَبَ عمرُ بن الخطاب إلى عمرو بن العاص: من عبد الله عمر أميرِ المؤمنين، إلى العاصِ بن العاصِ، إنَّكَ لَعَمري ما تُبالِي إذا سَمِنتَ ومَن قِبَلَك، أنْ أَعجَفَ أنا ومَن قِبَلي، ويا غَوثَاهُ ... ، فذَكَر الحديث، وما فيه. ثم دعا أبا عُبيدة بن الجرَّاح، فخَرَج في ذلك، فلمَّا رجع بعث إليه بألفِ دينارٍ، فقال أبو عُبيدة: إنِّي لم أَعمَلْ لك يا ابنَ الخطاب، إنما عَمِلتُ للهِ، ولستُ آخذُ في ذلك شيئًا. فقال عمرُ: قد أعطانا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في أشياءَ بَعَثَنا لها، فكَرِهْنَا ذلك، فأَبَى علينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فاقْبَلْهَا أيُّها الرَّجلُ، فاستَعِنْ بها على دينِكَ ودنياكَ، فقَبِلَها أبو عُبيدة. ثم رواه -أيضًا- (¬1)، عن الحاكم (¬2)، عن أبي إسحاق إبراهيم بن فراس الفقيه، عن بكر بن سهل، عن شعيب بن يحيى التُّجيبي، عن الليث، بإسناده ومعناه، وذَكَر ما ترك من الأول، فقال: فكَتَب عمرو: السلام (¬3)، أمَّا بعدُ، لبَّيكَ، لبَّيكَ، أَتَتكَ عِيْرٌ أوَّلُها عندَكَ، وآخرُها عندي، مع أنِّي أرجو أنْ أجدَ سبيلاً أنْ أَحمِلَ في البحرِ، فلما قَدِمَ أوَّلُ عِيْرٍ دعا عمرُ الزُّبيرَ، فأَمَرَهُ أن يُخرِجَ لِيُفرِّقُها على الأحياءِ، فأَبَى، ثم دعا طلحةَ فأَبَى، فدعا أبا عُبيدة، فخَرَج فيها ... ، وذَكَر بقيَّتَه. ¬

(¬1) لم أقف عليه. (¬2) وهو في «المستدرك» (1/ 405 - 406). وقال: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وهو عند ابن خزيمة في «صحيحه» (4/ 68 رقم 2367)، (¬3) في «المستدرك»: «السلام عليك».

طريق أخرى (239) قال أحمد (¬1): ثنا أبو اليَمَان، أنا شعيب، عن الزهري، ثنا سالم بن عبد الله: أنَّ عبد الله بن عمر قال: سَمِعتُ عمرَ يقول: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاءَ، فأقول: أَعطِهِ أفقرَ إليه منِّي، حتى أعطاني مرَّةً مالاً، فقلت: أَعطِهِ أفقرَ إليه منِّي. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «خُذْهُ فتَموَّلْهُ، وتَصدَّقْ بهِ، فما / (ق 95) جاءك من هذا المال وأنت غيرُ مُشرفٍ ولا سائلٍ، فخُذْهُ، ومَا لاَ، فلا تُتْبِعْهُ نفسَكَ». ورواه البخاري (¬2)، عن الحكم بن نافع أبي اليَمَان. والنسائي (¬3)، عن عمرو بن منصور، عن أبي اليَمَان. ورواه أحمد (¬4)، والبخاري -أيضًا- (¬5)، ومسلم (¬6) من حديث يونس، عن الزهري، عن سالم، به. وقد رواه عمرو بن الحارث، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فجعله من مسند عبد الله (¬7)، كما سيأتي (¬8). ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 21 رقم 136). (¬2) في «صحيحه» (13/ 150 رقم 7164 - فتح) في الأحكام، باب رَزْق الحاكم والعاملين عليها. (¬3) في «سننه» (5/ 110 رقم 2607) في الزكاة، باب من آتاه الله عزَّ وجلَّ مالاً من غير مسألة. (¬4) في «مسنده» (1/ 21 رقم 137). (¬5) في «صحيحه» (3/ 337 رقم 1473 - فتح) في الزكاة، باب من أعطاه الله شيئًا من غير مسألة ولا إشراف نفس. (¬6) في «صحيحه» (2/ 723 رقم 1045) (110) في الزكاة، باب إباحة الأخذ لمن أُعطي من غير مسألة ولا إشراف. (¬7) ومن هذا الوجه: أخرجه مسلم (2/ 723 رقم 1045) (111) في الموضع السابق. (¬8) انظر: «جامع المسانيد والسُّنن» (28/ 218، 219 رقم 410، 411 - ط قلعجي).

أثر في أن العامل يستعمل بعض ظهر الصدقة لمصلحته في العمالة

أثر في أن العامل يستعمل بعض ظَهْر الصَّدقة لمصلحته في العمالة (240) قال أبو عبيد (¬1): يُروى من حديث ابن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم، عن أسلم: أنَّ عمرَ رآه يَحمِلُ متاعَهُ على بعيرٍ من إبلِ الصَّدقةِ، قال: فهلاَّ ناقةً شَصُوصًا أو ابنَ لَبُونٍ بَوَّالاً؟ النَّاقةُ الشَّصُوص: التي قد انقَطَع لبنُها. وابنُ اللَّبُون البوَّالُ، مع أنَّ كلَّ الإبل تَبولُ: أي: ليس فيه نفعٌ سوى ذلك. ¬

(¬1) في «غريب الحديث» (4/ 171). وقد توبع ابن عيينة على روايته، تابعه مالك، وروايته عند الدارقطني في «الأحاديث التي خولف فيها مالك» (ص 95 رقم 39) من طريق أشهب، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، به. لكن رواه بعضهم عن ابن عيينة، فقال: عن يحيى بن سعيد قال: أخبرني سالم، عن أسلم ... ، فذكره، ليس فيه القاسم، وجعل مكانه سالمًا! ومن هذا الوجه: أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 423 رقم 10650) في الزكاة، باب في الركوب على إبل الصدقة، والطبري في «تاريخه» (4/ 202) عن يونس بن عبد الأعلى. كلاهما (ابن أبي شيبة، ويونس) عن ابن عيينة، به. وقد توبع ابن عيينة على هذا الوجه، تابعه حماد بن زيد فيما ذكره الدارقطني، والله أعلم بالصواب.

حديث في المؤلفة قلوبهم

حديث في المؤلَّفة قلوبهم (241) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا بكر بن عيسى، ثنا أبو عَوَانة، عن المغيرة، عن الشَّعبي، عن عدي بن حاتم قال: أتيتُ عمرَ بن الخطاب في أناسٍ من قومي، فجعل يَفرِضُ للرَّجل من طيِّئ في ألفين، ويُعرِضُ عنِّي. قال: فاستَقبلتُهُ، فأعرَضَ عنِّي. ثم أَتيتُهُ من حيالِ وجهِهِ، فأَعرَضَ عنِّي. قال: فقلتُ: يا أميرَ المؤمنينَ، أَتعرِفُني؟ قال: فضَحِكَ حتى استَلقى لِقَفَاهُ، ثم قال: نعم والله، إنِّي لأَعرِفُكَ، آمَنتَ إذ كَفَروا، وأَقبَلتَ إذ أَدبَروا، ووَفَّيتَ إذ غَدَروا، وإنَّ أوَّل صدقةٍ بَيَّضَتْ وجهَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ووجوهَ أصحابِهِ، صدقةُ طيِّئ، جئتَ بها إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ثم أَخذ يَعتذرُ، ثم قال: إنما فَرَضتُ لقومٍ أَجحَفَتْ بهمُ الفاقةُ، وهم سادةُ عشائرِهِم لما يَنُوبُهُم من الحقوقِ. ورواه مسلم (¬2)، عن زُهَير بن حرب، عن أحمد بن إسحاق الحضرمي، عن أبي عَوَانة، به. وأخرجه البخاري (¬3)، عن موسى بن إسماعيل، عن أبي عَوَانة، / (ق 96) عن عبد الملك بن عُمَير، عن عمرو بن حُرَيث، عن عدي بن حاتم، به. فيه دلالة على إعطاء المؤلَّفة، وعلى نقل الزكاة، والله أعلم. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 45 رقم 316). (¬2) في «صحيحه» (4/ 1957 رقم 2523) في فضائل الصحابة، باب من فضائل غفار وأسلم. (¬3) في «صحيحه» (8/ 102 رقم 4394 - فتح) في المغازي، باب قصة وفد طيئ.

حديث آخر (242) قال علي ابن المديني: ثنا يحيى بن آدم، ثنا عبد الرحمن المحاربي، عن الحجَّاج بن دينار، عن محمد بن سيرين، عن عَبيدة قال: جاء عيينةُ بن حصن والأقرعُ بن حابِس إلى أبي بكرٍ -رضي الله عنه-، فقالا: يا خليفةَ رسولِ الله، إنَّ عندنا أرضًا سَبِخَةً، ليس فيها كلأٌ ولا منفعةٌ، فإنْ رأيتَ أن تُقطعناها؟ قال: فأَقطَعَها إيَّاهما، وكَتَب لهما عليه كتابًا، وأَشهَدَ عمرَ وليس في القوم، فانطَلَقَا إلى عمرَ ليُشهِدَاهُ، فلمَّا سَمِعَ عمرُ ما في الكتاب تناولَهُ من أيديهما، ثم تَفَلَ فيه، فمَحَاهُ، فتَذَمَّرا، وقالا له مقالةً سيِّئةً. فقال: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يَتَألَّفكما والإسلامُ يومئذٍ قليلٌ، وإنَّ اللهَ قد أعزَّ الإسلامَ، فاذهَبَا، فاجْهَدَا جهدَكُما، لا أرعى اللهُ عليكما إنْ أرعيتُمَا، ثم أتى أبا بكرٍ، فقال له: أكُلَّ المسلمينَ رَضُوا بهذا؟ فقال له أبو بكرٍ رضي الله عنه: قد قلتُ لك إنَّكَ أقوى على هذا الأمرِ منِّي (¬1). ثم قال: هذا حديث منقطع الإسناد؛ لأنَّ عَبيدة لم يُدرك، ولم يرو عنه أنَّه سَمِعَ عمر ولا رآه، والحجَّاج بن دينار واسطي، ولا يحفظ هذا الحديث عن عمرَ بأحسنَ من هذا الإسناد، وقد رواه طاوس مرسلاً، وأوَّل هذا الحديث كوفي، ثم يرجع إلى واسطي، ثم يرجع / (ق 97) إلى بصري، ثم يرجع إلى عَبيدة وهو كوفي. انتهى كلامه رحمه الله. ¬

(¬1) وأخرجه -أيضًا- البخاري في «التاريخ الصغير» (1/ 81) والمحاملي في «أماليه»، كما في «الإصابة» (7/ 197) والفَسَوي في «المعرفة والتاريخ» (3/ 372) والبيهقي (7/ 20) والخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي» (2/ 204 رقم 1623) من طريق المحاربي، به.

حديث آخر (243) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا عفَّان، ثنا أبو عَوَانة، عن سليمان الأعمش، عن شقيق، عن سلمان بن ربيعة قال: سَمِعتُ عمرَ -رضي الله عنه- يقول: قَسَمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قسمةً، فقلت: يا رسولَ الله، لَغَيرُ هؤلاءِ أحقُّ منهم: أهلُ الصَّدقةِ (¬2). فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنهم يُخيِّروني بين أن يَسألوني بالفُحشِ، وبين أن يُبخِّلُوني، ولستُ بباخلٍ». ورواه مسلم (¬3)، عن عثمان بن أبي شيبة، وزُهَير بن حرب، وإسحاق بن إبراهيم. ثلاثتهم عن جرير، عن الأعمش، به. حديث آخر (244) قال أبو يعلى الموصلي (¬4): ثنا داود بن رُشَيد، ثنا مُعمَّر بن سليمان، عن عبد الله بن بِشر، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، عن عمرَ قال: دخل رجلانِ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يسألانِهِ في شيءٍ، فأعانَهُما بدينارين، فخَرَجا، فإذا هما يُثنيانِ خيرًا، فدَخَلتُ عليه، فقلت: يا رسولَ الله، رأيتُ فلانًا وفلانًا خَرَجَا من عندِكَ يُثنيانِ خيرًا. قال: «لكنَّ فلانًا ما يقولُ ذاك! وقد أَعطيتُهُ ما بين عشرةٍ إلى مائةٍ، فما يقولُ ذاك، وإنَّ أَحدَكم لَيَخرُجُ بصدقتِهِ من عندي مُتأبِّطُهَا (¬5)، وإنما هي له نارٌ». قلت: ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 20 رقم 127). (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «الصُّفَّة». (¬3) في «صحيحه» (2/ 730 رقم 1056) في الزكاة، باب إعطاء من سأل بفحش وغلظة. (¬4) لم أجده في المطبوع من «مسنده»، وهو من رواية ابن حمدان، وأورده الهيثمي في «المقصد العلي» (1/ 219 رقم 494 - رواية ابن المقرئ). (¬5) متأبِّطها: أي: يجعلها تحت إبطه. «النهاية» (1/ 15).

يا رسولَ الله، كيف تُعطيه، وقد عَلِمتَ أنها له نارٌ؟ قال: «فما أَصنَعُ، يأتُوني، فيَسألُوني، ويأبَى اللهُ لِيَ البخلُ». وهكذا رواه أبو بكر بن أبي عاصم (¬1)، عن / (ق 98) محمد بن فضيل، عن مُعمَّر بن سليمان، به. طريق أخرى (245) قال ابن حبان في «صحيحه» (¬2): ثنا محمد بن زُهَير أبو يعلى ¬

(¬1) لم أقف عليه في مظانه من كُتُبه المطبوعة، ومن طريقه: أخرجه الضياء في «المختارة» (1/ 200 رقم 104). وأخرجه -أيضًا- البزَّار (1/ 352 رقم 235). وقال: هذا الحديث لا نعلم رواه عن جابر، عن عمرَ، إلا عبد الله بن بِشر، عن الأعمش، عن أبي سفيان، ولا نعلم رواه عن عبد الله بن بِشر إلا مُعمَّر (وتحرَّف في المطبوع إلى: معتمر). قلت: ومُعمَّر، هو: ابن سليمان النَّخَعي، أبو عبد الله الرَّقي، وهو ثقة فاضل، وقد ورد اسمه على الصواب في «المقصد العلي»، وفي نسختين خطيتين من «مسند البزار «، لكن غيَّره محقِّقه إلى «معتمر»! وقد سأل ابن أبي حاتم الرازي أباه عن هذا الحديث، فقال: سألت أبي عن حديث رواه عبد الله بن بِشر الرَّقِّي، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: قال عمرُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم ... ، ورواه أبو بكر بن عيَّاش، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد قال: قال عمرُ: يا رسول الله ... ، أيهما أصح؟ قال: لا يعلم هذا إلا الله عزَّ وجلَّ! كلاهما ثقتين (كذا) وأبو بكر أوثق منه وأحفظ. «العلل» (2/ 247 رقم 2233). (¬2) (8/ 201 - 202 رقم 3412 - الإحسان). وأخرجه -أيضًا- أحمد (3/ 4، 16 رقم 11004، 11123) والبزَّار (1/ 342 رقم 224) وأبو يعلى، كما في «المقصد العلي» (1/ 220 رقم 495) والطبري في «تهذيب الآثار» (1/ 3، 4 رقم 1، 2 - مسند عمر) والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (15/ 182 رقم 5936) وابن الأعرابي في «معجمه» (1/ 190 رقم 330) و (3/ 1032 رقم 2215) والحاكم (1/ 46) من طريق أبي بكر بن عيَّاش، به. ورواه عن أبي بكر بن عياش جماعة، وهم: الأسود بن عامر، ويحيى الحِمَّاني، وأحمد بن عبد الله بن يونس، وضِرَار بن صُرَد، ويحيى بن آدم. وخالَفَهم عيسى بن يوسف بن الطبَّاع، فرواه عن أبي بكر بن عيَّاش، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخُدْري، ليس فيه: عمر! ومن هذا الوجه: أخرجه الطبري في «تهذيب الآثار» (1/ 5 رقم 1 - مسند عمر).

بالأُبُلَّة (¬1)، ثنا سَلم بن جُنَادة، ثنا أبو بكر بن عيَّاش، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، عن عمرَ بن الخطاب قال: قلت للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: إنِّي رأيتُ فلانًا يَدعو ويَذكرُ خيرًا، ويَذكرُ أنَّكَ أَعطيتَهُ دينارين. قال: «لكنَّ فلانًا أَعطيتُهُ ما بين كذا إلى كذا، فما أَثنى، ولا قال خيرًا». قال الدارقطني (¬2): ورواه جرير بن عبد الحميد (¬3)، عن الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد. ¬

(¬1) الأُبُلَّة: بلدة على شاطئ دجلة. «معجم البلدان» (1/ 77). (¬2) في «العلل» (2/ 101 رقم 141). (¬3) أخرجه أبو يعلى (2/ 490 رقم 1327) وابن أبي الدُّنيا في «مكارم الأخلاق» (ص 98 رقم 398) والبزَّار (1/ 436 رقم 924 - كشف الأستار) والبيهقي في «شعب الإيمان» (16/ 137 رقم 8707) من طريق جرير، عن الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد ... ، فذكره. ورواه عن جرير جماعة، وهم: زُهَير بن حرب، ويوسف بن موسى، وعلي ابن المديني. وفي إسناده عطية، وهو: ابن سعد العَوفي، وهو ضعيف، وقد قال ابن المديني، كما في «شعب الإيمان»: روى هذا الحديث أبو بكر بن عيَّاش فيما حدَّثوا عنه، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، وحديث جرير عندي هو الحديث. قلت: قد اختُلف في هذا الحديث -كما ترى-، فرجَّح أبو حاتم الرازي طريق أبي بكر بن عيَّاش. ورجَّح ابن المديني طريق جرير. وحكى الدارقطني في «العلل» (2/ 102 رقم 141) الاختلاف فيه، ولم يرجِّح شيئًا. وأما محقِّقو «مسند الإمام أحمد» (17/ 40 رقم 11004 - ط مؤسسة الرسالة) فصحَّحوه من طريق أبي بكر بن عيَّاش على شرط البخاري، ولم يشيروا إلى شيء من الاختلاف الوارد في طرق الحديث!

وروي عن أبي كُرَيب (¬1)، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، ثم ذَكَر رواية أبي يعلى، وابن حبان، والله أعلم. ¬

(¬1) لم أجده من هذه الطريق.

حديث فيه أنه إذا فضل عند الإمام فاضلة من مال الزكاة أو الفيء أن الأولى المبادرة إلى إنفاذها في محالها

حديث فيه أنَّه إذا فضل عند الإمام فاضلة من مال الزكاة أو الفيء أنَّ الأولى المبادرة إلى إنفاذها في محالِّها (246) قال الإمام أحمد -في غير مسند عمر- (¬1): ثنا وهب بن جرير، حدثني أبي، قال: سَمِعتُ الأعمش يحدِّث عن عمرو بن مُرَّة، عن أبي البَختَري، عن عليِّ قال: قال عمرُ بن الخطاب للناس: ما تَرَون في فضلٍ فَضَلَ عندنا من هذا المال؟ فقال الناس: يا أميرَ المؤمنين، قد شَغَلْناك عن أهلِكَ وضَيعتِكَ وتجارتِكَ، فهو لك. فقال لي: ما تقولُ أنت؟ فقلتُ: قد أَشاروا عليك. فقال لي: قُل. فقلتُ: لِمَ تَجعلُ يَقينَكَ ظنًّا؟ فقال: لَتَخرُجَنَّ ممَّا قلتَ. فقلتُ: أجل، واللهِ لأَخرُجَنَّ منه، أَتذكُرُ حين بَعَثَكَ رسولُ الله / (ق 99) صلى الله عليه وسلم سَاعيًا، فأتيتَ العبَّاسَ بن عبد المطَّلب فمنَعَك صدقتَهُ، فكان بينكما شيءٌ، فقلتَ لي: انطَلِقْ معي إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فوَجَدناهُ خَاثِرًا (¬2)، فرَجَعنا، ثم غَدَونا عليه، فوَجَدناهُ طيِّبَ النَّفسِ، فأخبرتَهُ بالذي صَنَع، فقال لك: «أَمَا عَلِمتَ أنَّ عمَّ الرَّجلِ صِنْوُ أبيه؟». وذَكَرنا له الذي رأينا من خُثُورِهِ في اليومِ الأوَّلِ، والذي رأينا من طيبِ نَفْسِهِ في اليومِ الثاني، فقال: «إنكما أتيتُماني في اليومِ الأوَّلِ، وقد بَقِيَ عندي من الصَّدقة ديناران، فكان الذي رأيتُما من خُثُوري له، وأتيتُماني اليومَ الثاني وقد وجَّهتُهُما، فذاك الذي رأيتُما من طيبِ نَفْسي». ¬

(¬1) (1/ 94 رقم 725). وأخرجه -أيضًا- الفَسَوي في «المعرفة والتاريخ» (1/ 500) والمحاملي في «الأمالي» (ص 174 رقم 145 - رواية ابن البيِّع). (¬2) خاثرًا: أي ثقيل النَّفس، غير طيِّب ولا نشيط. «النهاية» (2/ 11).

فقال عمرُ رضي الله عنه: صدقتَ، واللهِ لأَشكُرنَّ لك الأولى والآخرةَ. هذا حديث حسن الإسناد جيِّده (¬1)، وهو لائق أن يكون في مسند عليِّ، ولكن لمَّا صدَّقه عمر على ذلك صلح لأن يكون في كلٍّ من المسنَدَين، فأحببنا تقديمه سَلَفًا وتعجيلاً، ولله الحمد والمنَّة. ¬

(¬1) في هذا نظر؛ لأنَّ أبا البَختَري، واسمه سعيد بن فيروز، لم يُدرك عليًّا. قاله شعبة، وأبوحاتم الرازي. انظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص 74 رقم 258، 259). ولقوله صلى الله عليه وسلم: «عمُّ الرَّجلِ صِنو أبيه»: شاهد من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عند مسلم (2/ 676 رقم 983) في الزكاة، باب في تقديم الزكاة ومنعها.

حديث في الأمر بكثرة الإعطاء

حديث في الأمر بكثرة الإعطاء (247) قال البزَّار (¬1): ثنا يحيى بن قطن الأَيلي، ثنا إسحاق بن إبراهيم الحُنَيني، ثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ بن الخطاب قال: جاء رجلٌ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فسأله، فقال: «ما عندي شيءٌ أُعطِيكَ، ولكنْ استَقرِضْ حتى يأتينا شيءٌ فنُعطِيكَ». قال عمرُ: ما كلَّفَكَ اللهُ هذا، أَعطيتَ ما عندك، فإذا لم يكن عندك فلا تَكلَّف. قال: فكَرِهَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قولَ عمرَ حتى عُرِفَ في وجهه، فقال الرَّجل: يا رسولَ الله، بأبي أنت وأُمِّي، فأعْطِ، ولا تَخشَ من ذي العرش إقلالاً. قال: فتبسَّم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وقال: «بهذا أُمِرتُ». ثم قال البزَّار: تفرَّد به إسحاق بن إبراهيم -وليس بالحافظ-، عن هشام بن سعد، لا نعلم رواه عنه غيره (¬2). وقد رواه الترمذي في «الشمائل» (¬3)، عن هارون بن موسى الفَرْوي، عن أبيه، عن هشام بن سعد، به. كما رواه إسحاق بن إبراهيم. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 396 رقم 273). (¬2) إسحاق بن إبراهيم هذا قال عنه البخاري: في حديثه نظر. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال أبو حاتم: رأيت أحمد بن صالح لا يرضاه. انظر: «التاريخ الكبير» (1/ 379 رقم 1207) و «الضعفاء والمتروكين» للنسائي (ص 153 رقم 44) و «الجرح والتعديل» (2/ 208 رقم 708). (¬3) (ص 294 رقم 256). ومن طريقه: أخرجه الضياء في «المختارة» (1/ 180 رقم 88). وأخرجه -أيضًا- ابن أبي الدُّنيا في «مكارم الأخلاق» (ص 96 رقم 389) عن هارون بن موسى، به وهذه المتابعة من موسى بن أبي علقمة الفَرْوي، والد هارون لا تفيد شيئًا؛ لأنه مجهول، لم يرو عنه سوى ابنه هارون، كما قال الذهبي في «الميزان» (4/ 214 رقم 8898). وضعَّفه الشيخ الألباني في «مختصر الشمائل المحمدية» (ص 186 رقم 305).

حديث في جواز الصدقة بجميع المال لمن أطاق الصبر على الفاقة

حديث في جواز الصَّدقة بجميع المال لمن أطاق الصبر على الفاقة (248) قال الإمام عَبد بن حميد رحمه الله (¬1): ثنا أبو نعيم، ثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: سَمِعتُ عمرَ -رضي الله عنه- قال: أَمَرنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ نَتَصدَّقَ، ووافَقَ ذلك مالاً عندي، فقلت: اليومَ أَسبِقُ أبا بكرٍ -رضي الله عنه- إنْ سَبَقْتُهُ / (ق 100) يومًا، فجئتُ بنصفِ مالي، فقال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ما أَبقيتَ لأهلكَ؟»، فقلتُ: مثلَه. وأتى أبو بكرٍ -رضي الله عنه- بكلِّ ما عنده، فقال له: «يا أبا بكرٍ، ما أَبقيتَ لأهلكَ؟»، فقال: أَبقيتُ لهم اللهَ ورسولَهُ. قلت: لا أُسابِقُكَ إلى شيءٍ أبدًا. وهكذا رواه أبو بكر بن أبي شيبة (¬2) عن أبي نعيم. ورواه أبو داود (¬3)، عن أحمد بن صالح وعثمان بن أبي شيبة. ورواه الترمذي في المناقب (¬4)، عن هارون بن عبد الله. ثلاثتهم عن أبي نعيم، به. وقال الترمذي: صحيح (¬5). ¬

(¬1) في «المنتخب من مسنده» (1/ 49 رقم 14). (¬2) لم أجده في «المصنَّف»، ومن طريقه: أخرجه ابن أبي عاصم في «السُّنة» (2/ 565 رقم 1240) وأبو نعيم في «الحلية» (1/ 32). (¬3) في «سننه» (2/ 379 رقم 1678) في الزكاة، باب الرخصة في ذلك. (¬4) من «سننه» (5/ 574 رقم 3675) باب في مناقب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. (¬5) وصحَّحه الحاكم (1/ 414) على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. وقال ابن الملقن في «البدر المنير» (6/ 413): وهو حديث صحيح. وأشار إلى صحَّته الإمام البخاري، فقال في «صحيحه» (3/ 294): باب لا صدقة إلا عن ظَهْر غنىً ... ، إلا أن يكون معروفًا بالصَّبر، فيؤثر على نفسه، ولو كان به خصاصة، كفعل أبي بكر -رضي الله عنه- حين تصدَّق بماله. وقال البزَّار في «مسنده» (1/ 394): هذا الحديث لا نعلم رواه عن هشام بن سعد، عن زيد، عن أبيه، عن عمرَ، إلا أبو نعيم، وهشام بن سعد حدَّث عنه عبد الرحمن بن مهدي، والليث بن سعد، وعبد الله بن وهب، والوليد بن مسلم، وجماعة كثيرة من أهل العلم، ولم نر أحدًا توقَّف عن حديثه، ولا اعتلَّ عليه بعلَّة توجب التوقُّف عن حديثه. وأما قول الحافظ في «الفتح» (3/ 295): «تفرَّد به هشام بن سعد، عن زيد، وهشام صدوق، فيه مقال من جهة حفظه»؛ فيجاب عنه بأن هشام من أثبت الناس في زيد بن أسلم، كما قال أبو داود، فلا يضرُّ تفرُّده. انظر: «تهذيب الكمال» (30/ 208).

طريق أخرى (249) قال الحافظ ابن عساكر (¬1): أنا أبو القاسم علي بن إبراهيم، ثنا رَشَأ بن نظيف، أنا الحسن (¬2) بن إسماعيل، ثنا أحمد بن مروان، ثنا محمد بن مسلمة الواسطي، ثنا يعقوب بن محمد الزهري، ثنا يحيى بن محمد بن حكيم، ثنا عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أَمَر بالصَّدقة، فقال عمرُ بن الخطاب -وعندي مالٌ كثيرٌ- فقلت: والله لأَفضُلَنَّ أبا بكرٍ هذه المرَّة، فأَخَذتُ نصفَ مالي، وتَرَكتُ نصفَهُ، فأتيتُ به النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: «هذا مالٌ كثيرٌ، فما تَرَكتَ لأهلكَ؟»، قال: ¬

(¬1) في «تاريخه» (30/ 63 - 64). (¬2) قوله: «أنا الحسن» تحرَّف في المطبوع إلى: «أنا الحسين»! وجاء على الصواب في «تاريخ ابن عساكر» (ص 154 - ط مجمع اللغة العربية بدمشق -ترجمة أبي بكر الصديق).

تَرَكتُ له (¬1) نصفَهُ. وجاء أبو بكرٍ بمالٍ كثيرٍ، فقال رسولُ الله: «ما تَرَكتَ لأهلكَ؟»، قال: تَرَكتُ لهم اللهَ ورسولَهُ. فيه ضعف. طريق أخرى (250) قال ابن عساكر -أيضًا- (¬2): أنا أبو بكر ابن المزرَفي، ثنا أبو الحسين بن المهتدي، أنا أبو القاسم عبيد الله بن أحمد بن علي الصَّيدلاني، عن يعقوب بن إبراهيم البزَّاز (¬3)، ثنا عبيد الله بن الحجَّاج بن المنهال، ثنا أبي، ثنا حماد بن سَلَمة، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيّب: أنَّ عمرَ بن الخطاب قال: ما سَابَقتُ أبا بكرٍ إلى شيءٍ إلا سَبَقَني إليه، فأَمَر رسولُ الله ذاتَ يومٍ بالصَّدقة، وحَضَّ عليها. فقلت: هذا اليومُ أَسبِقُ فيه أبا بكرٍ، فقلت: يا رسولَ الله، عندي كذا وكذا، فهو في سبيل ... (¬4) أبو بكر، فقال: يا رسولَ الله، عندي كذا وكذا فهو في سبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ولِي عند الله معادٌ. فقال رسولُ الله: «يا عمرُ، ما وتَرْتَ القوسَ بوَتَرِها (¬5)». فيه انقطاع، وعلي بن زيد بن جُدعان فيه كلام، لكن هذا له شواهد، فهو صحيح. ¬

(¬1) كذا ورد بالأصل. وفي «تاريخ دمشق»: «لهم»، وهو الموافق للسِّياق. (¬2) في «تاريخه» (30/ 66). (¬3) قوله: «البزاز» تحرَّف في المطبوع إلى: «البراء»! وجاء على الصواب في «تاريخ ابن عساكر» (ص 156 - ط مجمع اللغة العربية بدمشق -ترجمة أبي بكر الصديق). (¬4) في هذا الموضع طمس بالأصل، وفي «تاريخ ابن عساكر»: «فهو في سبيل الله، ولِي عند الله معاد، ثم قام». (¬5) أي: نَقَصت حظَّك. انظر: «النهاية» (5/ 149).

حديث آخر في الحث على مواساة الفقراء من الجيران وغيرهم

حديث آخر في الحثِّ على مواساة الفقراء من الجيران وغيرهم (251) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا سفيان، عن أبيه، عن عَبَاية بن رفاعة، عن عمر قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يَشبَعُ الرَّجلُ دونَ جارِهِ». إسناد صحيح، إلا أنَّ عَبَاية بن رفاعة بن رافع بن خديج الأنصاري لم يُدرك عمر بن الخطاب. قاله أبو زرعة الرازي، والدارقطني (¬2). قال الدارقطني (¬3): ورواه قيس بن الربيع، عن سعيد بن مسروق، عن عَبَاية بن رفاعة، عن جدِّه رافع بن خديج، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. والأوَّل هو الصواب (¬4). ¬

(¬1) في «الزهد» له (ص 175 رقم 618). (¬2) انظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص 151 رقم 551) و «علل الدارقطني» (2/ 120). (¬3) في الموضع السابق (2/ 121). (¬4) يعني: الطريق المرسلة. وله علَّة أخرى؛ وهي الوقف، فقد أخرجه ابن المبارك في «الزهد والرقائق» (ص 181 رقم 516، 517، 518) من طريق التَّيمي (وهو يحيى بن سعيد بن حَيَّان) عن عَبَاية بن رِفَاعة بن رافع، عن عمرَ، موقوفًا. وقد أشار الدارقطني في «العلل» (2/ 122) إلى هذه الرواية الموقوفة، وبيَّن أنَّ الصواب رواية مَن أرسَلَه. ولقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يَشبعُ الرجلُ دون جارِهِ»: شاهد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (ص 50 رقم 112) و «التاريخ الكبير» (5/ 195) وأبو يعلى (5/ 92 رقم 2699) والطبراني في «الكبير» (12/ 119 رقم 1274) والحاكم (4/ 167) والخطيب في «تاريخه» (10/ 391) والضياء في «المختارة» (11/ 128، 129 رقم 121، 122، 1123) من طريق سفيان الثوري، عن عبد الملك بن أبي بشير، عن عبد الله بن مُسَاوِر (وعند بعضهم: عبد الله بن أبي المُسَاوِر) عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ليس المؤمنُ الذي يَشبعُ وجارُهُ جائعٌ إلى جنبِهِ». قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. قلت: عبد الله بن مُساوِر مجهول، كما قال ابن المديني. انظر: «تهذيب الكمال» (6/ 27). وانظر: «السلسلة الصحيحة» للشيخ الألباني (1/ 278 رقم 149).

وقد اختاره الحافظ الضياء المقدسي في كتابه (¬1). قلت: وقد رواه الإمام أحمد (¬2)، بإسناده المتقدِّم في موضع آخر، وفيه قصَّة، فقال: ثنا عبد الرحمن، ثنا سفيان، عن أبيه، عن عَبَاية بن رفاعة قال: بَلَغ عمرَ أنَّ سعدًا لما بنى القصرَ قال: انقطَعَ الصُّوَيْتُ (¬3)، فبَعَث إليه محمدَ بن مسلمة، / (ق 101) فلما قَدِمَ أَخرَجَ زَنْدَه (¬4)، وأَورَى نارَه، وابتاع حَطَبًا بدرهمٍ، وقيل لسعد: إنَّ رجلاً فَعَل كذا وكذا. فقال: ذاك محمدُ بن مسلمة، فخَرَج إليه، فحَلَف بالله ما قاله، فقال: نؤدِّي عنك الذي تقولُ، ونفعلُ ما أُمِرْنا به. فأَحرَقَ البابَ، ثم أَقبَلَ يَعرِضُ عليه أن يَزوره (¬5)، فأَبَى، فخَرَج، فقَدِمَ على عمرَ، فهجَّر إليه (¬6)، فسار ذهابُهُ ورجوعُهُ تسعَ ¬

(¬1) لم أجده من هذه الطريق في المطبوع من «المختارة». (¬2) في «مسنده» (1/ 54 رقم 390). (¬3) الصَّوَيت: تصغير صوت، وذلك أن سعدًا صنع على داره بابا مبوبًا من خشب، وكان السُّوق مجاورًا له، فكان يتأذى بأصواتهم، فزعموا أنه قال: لينقطع الصُّوَيت. انظر: «عمدة القاري» (6/ 6). (¬4) الزَّند: العُود الذي تُقدَح به النار. «مختار الصحاح» (ص 171 - مادة زند). (¬5) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «يُزوِّده». (¬6) هجَّر: من التهجير، أراد المبادرة إلى السفر. «النهاية» (5/ 246).

عشرةَ، فقال: لولا حسنُ الظنِّ بك لرأينا أنك لم تُؤدِّ عنَّا. قال: بلى، أَرسَلَ يقرأُ عليك السلامَ يَعتذرُ، ويَحلِفُ بالله ما قالَه. قال: فهل زَوَّدك شيئًا؟ قال: لا. قال: فما مَنَعكَ أنْ تزوِّدني أنت؟ قال: إني كَرِهتُ أن آمُرَ لك، فيكونَ لك الباردُ، ويكونَ لي الحارُّ، وحولي أهلُ المدينة قد قَتَلهم الجوعُ، وقد سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يَشبَعُ الرَّجلُ دون جارِه». ورواه أبو يعلى (¬1)، عن القَوَاريري، عن ابن مهدي. واختاره الضياء في كتابه (¬2). أثر في ذلك عن عمر (252) قال ابن أبي الدُّنيا رحمه الله (¬3): ثنا إسماعيل بن أبي الحارث، ثنا ¬

(¬1) لم أجده في المطبوع من «مسنده»، وأورده الحافظ في «المطالب العالية» (3/ 199 رقم 2764 - ط دار الوطن). (¬2) «المختارة» (1/ 354 رقم 243). (¬3) لم أقف عليه في مظانِّه من مصنَّفاته المطبوعة. وفي إسناده عبد الله بن جعفر المديني والد عليّ، وهو ضعيف، كما قال الحافظ في «التقريب». وله طريق أخرى: أخرجها الطبري في «تهذيب الآثار» (2/ 718 رقم 1038 - مسند عمر) عن يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب، عن عبد الله بن عمر، عن وهب بن كيسان، عن جابر بن عبد الله قال: لقيني عمرُ بن الخطاب ومعي لحم اشتريته بدرهم، فقال: ما هذا؟ فقلت: يا أميرَ المؤمنين، اشتريته للصبيان والنساء. فقال عمرُ: لا يشتهي أحدكم شيئًا إلا وقع فيه -مرتين أو ثلاثًا- ثم قال: لولا يطوي أحدكم بطنه لجاره وابن عمِّه! ثم قال: أين تذهب عنكم هذه الآية: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ}. وفي إسناده عبد الله بن عمر، وهو العُمَري، ضعيف، كما قال الحافظ في «التقريب». وانظر ما سيأتي (2/ 463 رقم 867).

يحيى بن إسماعيل، ثنا عبد الله بن جعفر، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمرَ قال: كان عمرُ -رضي الله عنه- يأتي مَجزَرَةَ الزُّبيرِ بن العوَّام بالبقيعِ، ولم يكن بالمدينة مَجزَرَةٌ غيرُها، فيأتي معه بالدِّرَّة، فإذا رأى رجلاً اشترى لحمًا يومين متتابعين ضَرَبَهُ بالدِّرَّة، وقال: ألا طَوَيتَ بطنَكَ لجارِكَ، وابنِ عمِّكَ.

كتاب الصيام

/ (ق 102) كتاب الصيام (253) قال سعيد بن منصور (¬1): ثنا أبو عَوَانة، عن هلال بن أبي حميد، عن عبد الله بن عُكَيم الجُهَني قال: كان عمرُ بن الخطاب إذا دخل شهرُ رمضانَ صلَّى لنا صلاةَ المغربِ، ثم تشهَّد لخطبة خفيفة، ثم قال: أمَّا بعدُ، فإنَّ هذا الشهرَ شهرٌ كَتَب اللهُ عليكم صيامَهُ، ولم يَكتب عليكم قيامَهُ، من استطاع منكم أن يقومَ؛ فإنها من نوافل الخير التي قال اللهُ تعالى، ومن لم يستطع منكم أن يقومَ؛ فليَنَمْ على فراشه، وليتقِّ منكم إنسانٌ أن يقولَ: أصومُ إن صام فلانٌ، وأقومُ إن قام فلانٌ، مَن صام منكم أو قام فليَجعل ذلك للهِ تعالى، وأقلِّوا اللَّغوَ (¬2) في بيوتِ اللهِ عزَّ وجلَّ، واعلموا أنَّ أحدَكم في صلاةٍ ما انتظر الصلاةَ، ألا لا يتقدَّمنَّ الشهرَ منكم أحدٌ -ثلاث مرات-، ألا لا تصوموا حتى تَرَوه، وألا وإن أُغمِيَ عليكم، فلن يُغَمَّ عليكم العددُ، فعدُّوا ثلاثين ثم أَفطِرُوا، ألا ولا تُفطِرُوا ¬

(¬1) ليس في القسم المطبوع من «سننه». وأخرجه -أيضًا- ابن أبي الدُّنيا في «فضائل رمضان» (ص 59 رقم 31) والبيهقي (4/ 208) من طريق هلال بن أبي حميد، به. (¬2) اللغو: الكلام المُطْرَح من القول وما لا يعني. «النهاية» (4/ 257).

حتى تَرَوا الليلَ يَغسقُ على الظِّرابِ (¬1). هذا إسناد جيد حسن. ¬

(¬1) الغسق: هو الظَّلام، والظِّراب، واحدها ظَرِبٌ، وهي: الجبال الصغار. والمعنى: حتى يغشى الليل بظُلمته الجبال الصِّغار. «النهاية» (3/ 156، 367).

أثر فيه استحباب أمر الصبيان بالصيام

أثر فيه استحباب أمر الصبيان بالصيام (254) قال البخاري (¬1): قال عمرُ لِنَشْوان (¬2) في رمضان: ويلك! وصبيانُنا صيام! وضَرَبه. وهذا الأثر قد رواه الثوري في «جامعه» (¬3)، عن عبد الله بن سنان (¬4)، عن عبد الله بن أبي الهذيل، عن عمرَ بن الخطاب: أنَّه أُتِيَ بشيخٍ شرب الخمرَ في رمضانَ، فقال: للمنخرين! للمنخرين! وولدانُنا صيامٌ! ثم ضَرَبه ثمانينَ، وسيَّره إلى الشام. ورواه أبو عبيد (¬5)، عن أبي إسماعيل المؤدِّب، عن الأجلح، عن ابن أبي الهذيل، عن عمر، به. قوله: للمنخرين: معناه: الدعاءُ عليه، كقوله: بُعْدًا، وسُحْقًا، أي: أَبعَدَهُ اللهُ، وأَسحَقَهُ، وكذلك: كبَّهُ اللهُ للمنخرين. ¬

(¬1) في «صحيحه» (4/ 200 - فتح). (¬2) الانتشاء: أول السُّكر ومقدِّماته. وقيل: هو السُّكر نفسه، ورجل نَشْوان بيِّن النَّشْوة. «النهاية» (5/ 60). (¬3) وعنه: أخرجه عبد الرزاق (7/ 382 رقم 13557) و (9/ 231 رقم 17043). وأخرجه -أيضًا- سعيد بن منصور، كما في «تغليق التعليق» (3/ 196) عن هشيم. وأبو القاسم البغوي في «الجعديات» (1/ 415 رقم 614) من طريق شعبة. كلاهما (هشيم، وشعبة) عن عبد الله بن أبي سِنَان، به. وهذا إسناد صحيح. (¬4) كذا ورد بالأصل. والصواب: «عبد الله بن أبي سِنَان»، كما في مصادر التخريج. (¬5) في «غريب الحديث» (4/ 286).

حديث في رؤية الهلال

حديث في رؤية الهلال (255) قال الإمام أحمد رحمه الله (¬1): ثنا يزيد بن هارون، أنا وَرقاء، عن عبد الأعلى، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كنتُ مع البراءِ بن عازب، وعمرُ بن الخطاب بالبقيع يَنظرُ إلى الهلالِ، / (ق 103) فأَقبَلَ راكبٌ، فتلقَّاه عمرُ، فقال: من أين جئتَ؟ فقال: من الغَرب، فقال: أَهلَلْتَ؟ قال: نعم. فقال عمرُ: الله أكبر، إنما يَكفي المسلمينَ الرَّجلُ، ثم قام عمرُ فتوضَّأ، ومسح على خُفَّيه، ثم صلَّى المغربَ، ثم قال: هكذا رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم صَنَع. وقال أبو النَّضر، عن وَرقاء: وعليه جُبَّةٌ ضيِّقةُ الكُمَّين، فأَخرَجَ يدَه من تحتها ومَسَحَ. ثم رواه أحمد (¬2) عن يزيد، عن إسرائيل، عن عبد الأعلى -وهو: ابن عامر الثعلبي-، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كنتُ عند عمرَ ... ، فذَكَره. وهذا إسناد جيد قوي. وعبد الأعلى هذا: ثقة في نفسه، ولكن في حفظه شيء، وقد ضعَّفه أحمد، وأبو زرعة، وغيرهما. وأنكر يحيى بن معين هذا الحديث، وقال: لم يَسْمع ابن أبي ليلى من عمرَ شيئًا ولم يَرَه. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 44 رقم 307). (¬2) في «مسنده» (1/ 28 رقم 193).

وكذا قال أبو زرعة، والنسائي (¬1). وأما الحاكم أبو عبد الله النَّيسابوري فأخرج هذا الحديثَ في «مستدركه» (¬2)، وقال: إسناده على شرط مسلم. قلت: فيما قاله نظر من جهة اتِّصاله، ومن جهة: أنَّ عبد الأعلى هذا لم يخرِّج له مسلم شيئًا، وإنما روى له أهل السُّنن الأربعة فقط. وقد رواه الحافظ أبو الحسن الدارقطني (¬3) من حديث إسرائيل، عن عبد الأعلى، عن ابن أبي ليلى قال: كنتُ عند عمرَ فأتاه راكبٌ، فزَعَم أنَّه رأى الهلالَ، فأمر الناسَ أن يُفطِرُوا. ومن حديث سفيان الثوري، عن عبد الأعلى، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: أنَّ عمرَ أجاز شهادةَ رجلٍ واحدٍ في رؤية الهلالِ في فطرٍ أو أضحى. ثم قال: هكذا رواه عبد الأعلى، وهو ضعيف، وابن أبي ليلى لم يُدرك عمرَ، وقد خالَفَه أبو وائل، رواه عن عمرَ أنَّه قال: لا تُفطِرُوا حتى يشهدَ شاهدان، ثم أَفرَدَهُ -كما سيأتي-، وقال: هو أصح (¬4). ¬

(¬1) انظر: «العلل ومعرفة الرجال» للإمام أحمد (1/ 394 رقم 8787) و (2/ 476 رقم 3120 - رواية عبد الله) و «الجرح والتعديل» (6/ 25 - 26 رقم 134) و «سنن النسائي» (3/ 123) و «تاريخ ابن معين» (3/ 97 رقم 393 - رواية الدُّوري). (¬2) لم أجده في مطبوع «المستدرك»، ولم يورده الحافظ ابن حجر في «إتحاف المهرة». (¬3) في «سننه» (2/ 168). وانظر: «العلل» له (2/ 105 - 106). (¬4) وقال ابن معين: حديث أبي وائل أصح إسنادًا عن عمرَ منه، رواه الأعمش ومنصور، عن أبي وائل. انظر: «السُّنن الكبرى» للبيهقي (4/ 249).

أثر في حكمه إذا رؤي نهارا

أثر في حكمه إذا رؤي نهارًا (256) قال أبو بكر الشافعي (¬1): ثنا عبد الله بن أحمد، ثنا أبي (¬2)، ثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن أبي وائل قال: كنا بخانِقين (¬3)، فأَهلَلْنا هلالَ شوال (¬4) -يعني: نهارًا-، فمنَّا من صام، ومنَّا من أَفطَرَ، فأتانا كتابُ عمرَ: إنَّ الأهلَّةَ بعضُها أكبرُ من / (ق 104) بعض، فإذا رأيتم الهلالَ نهارًا فلا تُفطِرُوا، إلا أن يَشهدَ رجلان أنهما أهلاَّه أمس. ¬

(¬1) في «الغيلانيات» (1/ 220 رقم 197). (¬2) وهو عنده في «مسائله» (2/ 609 رقم 829 - رواية عبد الله). وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (4/ 162 رقم 7331) وسعيد بن منصور (2/ 230 رقم 2599) وابن أبي شيبة (2/ 321 رقم 9473) في الصيام، باب من كان يقول: لا يجوز إلا بشهادة رجلين، والطبري في «تهذيب الآثار» (2/ 764 رقم 1132 - مسند ابن عباس) وأبو القاسم البغوي في «الجعديات» (2/ 968 - 969 رقم 2788) والدارقطني (2/ 168) والبيهقي (4/ 248) من طريق الأعمش، به. وقد توبع الأعمش على روايته، تابَعَه منصور بن المعتمر، وروايته عند الطبري في «تهذيب الآثار» (2/ 765 رقم 1134 - مسند ابن عباس) والدارقطني (2/ 169) والبيهقي (4/ 213،212). ... قال البيهقي: هذا أثر صحيح عن عمرَ رضي الله عنه. وصحَّحه -أيضًا- الحافظ في «التلخيص الحبير» (2/ 211) والنووي في «المجموع» (6/ 27). (¬3) خَانِقين: بلدة من نواحي السَّواد في طريق هَمَذان من بغداد. «معجم البلدان» (2/ 340). (¬4) كذا ورد بالأصل. وجاء في مطبوع «الغيلانيات»، وباقي مصادر التخريج: «رمضان». قال البيهقي: يريد به هلال آخر رمضان.

طريق أخرى (257) وقال أبو بكر الشافعي (¬1): ثنا عبد الله، ثنا أبي، ثنا هشيم، ثنا مغيرة، عن إبراهيم قال: كَتَب عمرُ إلى عُتبة بن فَرْقَد: إذا رأيتم الهلالَ من أوَّل النهار فأَفطِرُوا، فإنَّه من اللَّيلةِ الماضيةِ، وإذا رأيتموه من آخر النهار؛ فأتمُّوا صومَكم، فإنَّه للَّيلةِ المقبلةِ. طريق أخرى (258) وقال -أيضًا- (¬2): ثنا عبد الله، ثنا أبي (¬3)، ثنا ابن مهدي، ثنا سفيان، عن مغيرة، عن شِبَاك، عن إبراهيم (¬4) قال: بَلَغ عمرَ أنَّ قومًا رأَوا ¬

(¬1) في «الغيلانيات» (1/ 222 رقم 203). وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (2/ 319 رقم 9457) في الصيام، باب في الهلال يُرى نهارًا، أيُفطر أم لا؟ من طريق مغيرة، به. وهذا إسناد ضعيف؛ مغيرة، وهو: ابن مِقسم الضَّبي مدلِّس، ولا سيَّما عن إبراهيم، ولم يصرِّح بالسَّماع، وقد قال الإمام أحمد: عامَّة حديثه عن إبراهيم مدخول، عامة ما روى عن إبراهيم إنما سَمِعَه من حماد، ومن يزيد بن الوليد، والحارث العُكلي، وعن عبيدة، وعن غيره. انظر: «العلل ومعرفة الرجال» (1/ 207 رقم 217 - رواية عبد الله). وهذا الحديث إنما سَمِعَه من شِبَاك، كما سيأتي في الطريق التالية. وأيضًا: إبراهيم، وهو: ابن يزيد النَّخَعي لم يُدرك عمر بن الخطاب، كما قال أبو حاتم وأبو زرعة. انظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص 10 رقم 23، 24). (¬2) في «الغيلانيات» (2/ 224 رقم 206). (¬3) وهو عنده في «مسائله» (2/ 613 رقم 836 - رواية عبد الله)، وتصحَّف فيه «شِبَاك» إلى «سمَاك». وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (4/ 163 رقم 7322) ومن طريقه: البيهقي (4/ 312) عن الثوري، به. قال البيهقي: هكذا رواه إبراهيم النَّخَعي منقطعًا، وحديث أبي وائل أصح من ذلك. (¬4) ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه بين إبراهيم وعمر.

الهلالَ بعد زوالِ الشمسِ فأَفطَرُوا، فكَتَب إليهم يَلومُهمُ، وقال: إذا رأيتم الهلالَ قبلَ زوالِ الشمسِ فأَفطِرُوا، وإذا رأيتموه بعدَ زوالِ الشمسِ فلا تُفطِرُوا. هذه آثار جيدة، وإن كان إبراهيم لم يُدرك عمرَ. أثر آخر (259) قال ابن جريج: أُخبِرتُ عن معاذ بن عبد الرحمن التَّيمي: أن رجلاً قال لعمرَ: إني رأيتُ هلالَ رمضانَ، فقال: أرآه معك أحدٌ؟ قال: لا، قال: فكيف صَنَعتَ؟ قال: صُمتُ بصيام الناس. فقال عمرُ: يا لَكَ فقيهًا (¬1). وهذا فيه انقطاع. (260) وقد روى سعيد في «سننه» (¬2) من حديث معمر، عن أبي قِلاَبة: أنَّ رجلين رأيا الهلالَ في سفرٍ، فقَدِمَا المدينةَ ضُحى الغدِ، فأَخَبَرا عمرَ، فقال لأحدهما: أصائمٌ أنتَ؟ قال: نعم، كَرِهتُ أن يكونَ الناسَ صيامٌ، وأنا مُفطِرٌ، كَرِهتُ الخلافَ عليهم. وقال للآخر: فأنتَ؟ قال: أَصبحتُ مُفطِرًا؛ لأني رأيتُ الهلالَ. فقال له عمر: لولا هذا لأَوجعنا رأسَك، ورَدَدنا شهادَتَك، ثم أمر الناسَ فأَفطَرُوا. وهذا -أيضًا- منقطع. ¬

(¬1) ومن هذا الوجه: أخرجه عبد الرزاق (4/ 168 رقم 7349) عن ابن جريج، به. (¬2) وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (4/ 165 رقم 7338) عن معمر. والطبري في «تهذيب الآثار» (2/ 761 رقم 1126 - مسند ابن عباس) من طريق عبد الوهاب. كلاهما (معمر، وعبد الوهاب) عن أيوب، عن أبي قِلاَبة، به.

والغرض من هذا: أنَّه -رضي الله عنه- كان يرى أنَّ مَن انفرد برؤية الهلال؛ فإنَّه لا يصوم ولا يُفطر حتى يراه الناس. وهو مذهب عطاء (¬1)، والحسن البصري (¬2). وقال الأئمَّة الأربعة (¬3): يصوم وحده. واختلفوا في الفطر، فقال الشافعي وأحمد: يُفطر. وقال مالك وأبو حنيفة: لا يُفطر إلا مع الناس (¬4). حديث آخر (261) قال الإمام أحمد (¬5): ثنا وكيع، ثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عاصم بن عمر، عن أبيه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أَقبَلَ الليلُ من ههنا، وذهب النهارُ من ههنا، فقد أَفطَرَ الصائمُ». يعني: المشرقَ والمغربَ. ¬

(¬1) أخرجه عبد الرزاق (4/ 167 رقم 7348) عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أرأيتَ لو أن رجلاً رأى هلال رمضان قبل الناس بليلةٍ أيصومُ قبلَهم ويفطر قبلَهم؟ قال: لا، إلا إنْ رآه الناس، أخشى أن يكون شبِّه عليه حتى يكونا اثنين. (¬2) أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 321 رقم 9471) في الصيام، باب من يقول: لا يجوز إلا بشهادة رجلين. (¬3) انظر: «شرح فتح القدير» لابن الهمام (2/ 320) و «المدونة الكبرى» (1/ 193) و «مختصر المُزَني» (ص 57) و «مسائل الكوسَج» (1/ 285) و «مسائل أحمد» (1/ 129 - رواية ابن هانئ). (¬4) انظر: «شرح فتح القدير» لابن الهمام (2/ 322) و «الذخيرة» للقرافي (2/ 491) و «مختصر المُزَني» (ص 57) و «مسائل الكوسج» (1/ 285) و «مسائل أحمد» (1/ 129 - رواية ابن هانئ) و «شرح العمدة» لابن تيمية (1/ 154 - كتاب الصيام) و «مجموع الفتاوى» (25/ 204). (¬5) في «مسنده» (1/ 28 رقم 192).

وأخرجه الجماعة (¬1) سوى ابن ماجه من طرق أخر، عن هشام بن عروة، به. فمن ذلك: أبو داود، عن أحمد، به. والنسائي، عن إسحاق بن إبراهيم، عن وكيع، عن هشام، به. ورواه علي ابن المديني، عن سفيان، وأبي معاوية، ووكيع، قالوا: ثنا هشام بن عروة، به. / (ق 105) ثم قال: لا نحفظه إلا من طريق هشام، وهو إسناد متَّصل، وهو من صحيح ما يُروى عن عمر. قلت: وهكذا رواه أبو معاوية (مـ ت) (¬2)، وأبو أسامة، وعبد الله بن نُمَير (مـ) (¬3)، وعبد الله بن داود (د ت) (¬4)، وعَبدة بن سليمان (ت) (¬5). كلُّهم عن هشام بن عروة، به. ¬

(¬1) أخرجه البخاري (4/ 196 رقم 1954 - فتح) في الصوم، باب متى يحل فطر الصائم؟ ومسلم (2/ 772 رقم 1100) في الصيام، باب بيان وقت انقضاء الصوم وخروج النهار، وأبو داود (3/ 146 رقم 2351) في الصيام، باب وقت فطر الصائم، والترمذي (3/ 81 رقم 698) في الصوم، باب ما جاء إذا أقبل الليل وأدبر النهار فقد أفطر الصائم، والنسائي في «الكبرى» (2/ 252 رقم 3310). (¬2) هذا الرمز لبيان أن رواية مسلم، والترمذي من طريق أبي معاوية، ولم أجده في مطبوع الترمذي من هذه الطريق، وذكرها المزي في «تحفة الأشراف» (8/ 34 رقم 10474). (¬3) هذا الرمز لبيان أن رواية مسلم المتقدِّمة من طريق أبي أسامة وعبد الله بن نُمَير. (¬4) هذا الرمز لبيان أن رواية أبي داود، والترمذي من طريق عبد الله بن داود، ولم أجده في مطبوع الترمذي من هذه الطريق، وذكرها المزي في «تحفة الأشراف» (8/ 34 رقم 10474). (¬5) هذا الرمز لبيان أن رواية الترمذي من طريق عَبدة بن سليمان.

وقال الترمذي: صحيح. وقال في موضع آخر (¬1): ولا نَعلمه يُروى عن عمرَ بن الخطاب إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد، وإسناده صحيح. أثر في ذلك عن عمر (262) قال جعفر بن محمد الفِريابي (¬2): ثنا عباس العَنْبري، ثنا عبد الرزاق (¬3) عن معمر، عن الزهري، عن ابن المسيّب، عن أبيه قال: كنتُ جالسًا عند عمرَ، إذ جاءه راكبٌ من أهلِ الشامِ، فطَفِقَ عمرُ يَستخبِرُه عن حالهم، فقال: هل يُعجِّلُ أهلُ الشَّامِ الإفطارَ؟ قال: نعم. قال: لن يزالوا بخيرٍ ما فَعَلوا ذلك، ولم ينتظروا النجومَ انتظارَ أهلِ العراقِ. (263) وقال سفيان بن عيينة (¬4): عن زياد بن سعد، عن الزهري، عن سعيد: أنَّ عمر قال: عجِّلوا الفطرَ، ولا تنطَّعوا تَنَطُّعَ أهلِ العراق. ¬

(¬1) لم أجد هذا النصَّ في مطبوع «السُّنن»، وذكره المزِّي في «تحفة الأشراف» (8/ 34 رقم 10474). (¬2) في كتاب «الصِّيام» له (ص 54 رقم 47). (¬3) وهو في «المصنَّف» (4/ 225 رقم 7589). وقد توبع معمر على روايته، تابَعَه عبد الرحمن بن إسحاق ويونس بن يزيد، وروايتهما عند الفِريابي في «الصيام» (ص 53 - 54، 55 رقم 46، 48) وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (58/ 182 - 183). (¬4) لم أقف عليه من هذه الطريق، وهذه الرواية شاذة، خالف فيها زياد بن سعد أصحاب الزهري الذين رووه بإثبات والد سعيد بن المسيّب بين سعيد وعمر.

حديث في استحباب تأخير السحور

حديث في استحباب تأخير السَّحور (264) قال أبو القاسم الطَّبراني (¬1): ثنا أحمد بن القاسم بن مُسَاور الجوهري، ثنا محمد بن إبراهيم الجوهري، أخو أبي معمر، قال: أنا سفيان بن عيينة، عن إبراهيم بن ميسرة، عن طاوس، عن ابن عباس قال: أرسَلَ إليَّ عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه- إلى السَّحور (¬2)، وقال / (ق 106): إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم سمَّاه الغداءَ المبارَك. ثم قال الطَّبراني: لا يُروى عن عمر إلا من هذ الوجه، ولا نعلم رواه عن ابن عيينة إلا محمد بن إبراهيم أخو أبي معمر عيسى بن السَّري الحَجواني كوفي. ¬

(¬1) في «الأوسط» (1/ 160 رقم 501). ومن طريقه: أخرجه الضياء في «المختارة» (1/ 291 رقم 180). وصحَّح إسناده الشيخ الألباني في «السلسلة الصحيحة» (6/ 1204 - 1205). (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «يَدعوني إلى السَّحور».

حديث فيمن أصبح جنبا

حديث فيمن أصبح جُنُبًا (265) قال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني (¬1): ثنا عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس، ثنا أبو بِشر إسماعيل بن عبد الله العَبدي، ثنا يحيى بن عبد الله بن بُكَير المصري، حدثني عبد الرحمن بن القاسم، عن عبد الملك بن يزيد النَّوفلي، عن يزيد بن خُصَيفة، عن السائب بن يزيد، عن عمرَ بن الخطاب قال: صلَّى بنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الصبحَ، وإنَّه لَيَنفضُ رأسَه، يتطايرُ منه الماءُ من غُسلِ الجنابةِ في رمضانَ. قال الحافظ الضياء في «المختارة»: لا أعلم أنِّي كَتَبتُ هذا الحديثَ إلا بهذا الإسناد، وعبد الملك بن يزيد لم يَذكره البخاري ولا ابن أبي حاتم في كتابيهما، أخاف أن يكون هو يزيد بن عبد الملك النَّوفلي. قلت: هُوَ هُوَ، وقد تكلَّموا فيه (¬2)، وله نسخة يَرويها عن يزيد بن خُصَيفة، عن السائب بن يزيد، عن عمرَ، قد أفرد منها الحافظ أبو بكر البزَّار في «مسنده» قطعة، سيأتي منها في كتاب الجامع أحاديث، والله أعلم. ¬

(¬1) لم أقف عليه في مظانِّه من مصنَّفاته المطبوعة، ومن طريقه: أخرجه الضياء في «المختارة» (1/ 222 رقم 118). (¬2) قال أحمد: عنده مناكير. وقال البخاري: أحاديثه شبه لا شيء. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، منكر الحديث جدًّا. وقال النسائي: متروك الحديث. وضعَّفه يحيى بن معين، وأبو زرعة. انظر: «تهذيب الكمال» (32/ 196) و «الجرح والتعديل» (9/ 279 رقم 1171).

وقد ورد معنى هذا الحديث في الصِّحاح من طرق أخر عن أُمِّ سَلَمة، وعائشة -رضي الله عنهما-، وغيرهما (¬1). ¬

(¬1) منها: ما أخرجه البخاري (4/ 143 رقم 1925، 1926 - فتح) في الصيام، باب الصائم يصبح جُنُبًا، ومسلم (2/ 779 رقم 1099) في الصيام، باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جُنُب، من حديث أم سَلَمة وعائشة -رضي الله عنهما- قالتا: إنْ كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لَيُصبحُ جُنُبًا من جماعٍ غيرَ احتلامٍ في رمضانَ، ثم يصومُ.

أثر فيمن أكل قبل الغروب، هل عليه قضاء أم لا؟

أثر فيمن أكل قبل الغروب، هل عليه قضاء أم لا؟ (266) قال عبد الرزاق (¬1): ثنا معمر، عن الأعمش، عن زيد بن وهب قال: أَفطَرَ النَّاسُ في زمنِ عمرَ بن الخطاب، فرأيتُ عِسَاسًا (¬2) أُخرِجَت من بيتِ حفصةَ، فشَرِبُوا، ثم طلعتِ الشمسُ من سَحَابٍ، فكأنَّ ذلك شقَّ على النَّاسِ، فقالوا: نَقضي هذا اليومَ، فقال عمرُ رضي الله عنه: لِمَ؟ واللهِ ما تَجَانفنَا لإثمٍ. هذا إسناد صحيح. وكذا رواه أبو عبيد (¬3). لكن رواه بعضهم عن الأعمش (¬4)، عن المسيّب، عن زيد بن وهب، فأدخل بينهما رجلاً. ¬

(¬1) في «المصنَّف» (4/ 179 رقم 7395). وأخرجه -أيضًا- الفَسَوي في «المعرفة والتاريخ» (2/ 765) من طريق أبي معاوية وحفص بن غياث، عن الأعمش، به. (¬2) العِسَاس: بكسر العين، وتخفيف السِّين المهملتين، جمع عُسٍّ، وهو القدح الضخم، يسع ثمانية أرطال أو تسعة. «النهاية» (3/ 236). (¬3) «غريب الحديث» (4/ 210 - 211) عن أبي معاوية، عن الأعمش، به، بنحوه. (¬4) ومن هذا الوجه: أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 287 رقم 9050) في الصيام، باب ما قالوا في الرجل يرى أن الشمس قد غربت، من طريق منصور بن أبي الأسود. والفَسَوي في «المعرفة والتاريخ» (2/ 765) والبيهقي (4/ 217) من طريق شيبان. كلاهما (منصور، وشيبان) عن الأعمش، عن المسيّب بن رافع، عن زيد بن وهب قال: بينما نحن جلوسٌ في مسجد المدينة في رمضانَ، والسماءُ متغيِّمةٌ، فرأينا أنَّ السماءَ قد غابت، وأنَّا قد أمسينا، فأُخرِجَت لنا عِسَاسٌ من لبن من بيت حفصة، فشرب عمرُ، وشربنا، فلم نلبث أنْ ذهب السَّحابُ، وبَدَت الشمسُ، فجعل بعضُنا يقول لبعض: نَقضي يومنا هذا. فسَمِعَ ذلك عمرُ، فقال: والله لا نَقضيه، وما تَجَانَفنا لإثمٍ. قلت: وهذه الرواية صحيحة -أيضًا-، ووجود واسطة بين الأعمش وزيد بن وهب لا يمنع من صحتها، لأن زيد بن وهب من كبار شيوخ الأعمش، فلو شاء لأسقط الواسطة، فدلَّ هذا على صحَّة الوجهين جميعًا.

ورواه زيد بن أسلم (¬1)، عن أخيه خالد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر، نحوه. ولم يَذكر قضاءً. قلت: وروي عن عمر القضاء من طريق علي بن حنظلة، عنه (¬2)، فالله أعلم. وعلى هذا جمهور الأئمة (¬3). ¬

(¬1) ومن هذا الوجه: أخرجه مالك (1/ 407) في الصيام، باب ما جاء في قضاء رمضان والكفارات. وابن أبي شيبة (2/ 288 رقم 9056) في الصيام، باب ما قالوا في الرجل يرى أن الشمس قد غربت، وسعيد بن منصور، كما في «المعرفة والتاريخ» للفَسَوي (2/ 768) عن ابن عيينة. كلاهما (مالك، وابن عيينة) عن زيد بن أسلم، به. وفيه قول عمر: الخطبُ يسيرٌ، وقد اجتَهَدنا. (¬2) قوله: «من طريق علي بن حنظلة، عنه» كذا ورد بالأصل. وصوابه: «من طريق علي بن حنظلة، عن أبيه»، كذا أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 287 رقم 9045، 9046) في الموضع السابق، والفَسَوي في «المعرفة والتاريخ» (2/ 766، 767) والبيهقي (4/ 217) من طريق جَبَلة بن سُحَيم، عن علي بن حنظلة، عن أبيه قال: كنَّا عند عمرَ بن الخطاب في شهرِ رمضانَ، فجيء بجفنة، فقال المؤذِّن: يا هؤلاءِ! إنَّ الشمسَ طالعةٌ، فقال عمرُ: أعاذنا اللهُ من شرِّك، إنَّا لم نُرسِلكَ راعيًا للشمسِ، ولكنَّا أرسَلنَاكَ داعيًا للصلاةِ. يا هؤلاءِ، من كان أَفطَرَ، فإنَّ قضاءَ يومٍ يسيرٌ، ومن لم يكن أَفطَرَ؛ فليتمَّ صومَهُ. وعلي بن حنظلة، لم يرو عنه سوى جَبَلة بن سُحَيم، وسُئل عنه ابن معين، فقال: مشهور. انظر: «التاريخ الكبير» (6/ 267) و «الجرح والتعديل» (6/ 181 رقم 995) و «الثقات» لابن حبان (7/ 208). (¬3) انظر: «شرح فتح القدير» لابن الهمام (2/ 372) و «عِقد الجواهر الثمينة» لابن شاس (1/ 253) و «منهاج الطالبين» للنووي (1/ 424) و «الكافي» لابن قدامة (2/ 245).

والقول الأول اختاره ابن حزم (¬1)، وعزاه إلى أكثر السَّلَف، فالله أعلم. ورجَّح رواية زيد بن وهب على رواية علي بن حنظلة بأن زيدًا صحابيٌّ، وليس كما زَعَم، فإن زيد بن وهب لم يَعدَّه أحدٌ من الصحابة، وإنما هو تابعي كبير، أدرك زمانَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولم يَرَه، والله أعلم. وقال أبو عبيد (¬2): الجَنَف: الميل، أي: لم نَمِل إلى إثم. أثر آخر (267) قال أبو عبيد (¬3): حدثني ابن مهدي، عن سفيان، عن ¬

(¬1) انظر: «المحلى» (6/ 223). وقال ابن القيم في «تهذيب السُّنن» (3/ 237): الرواية لم تتظاهر عن عمرَ بالقضاء، وإنما جاءت من رواية علي بن حنظلة، عن أبيه، وكان أبوه صديقًا لعمرَ، فذَكَر القصة، وقال فيها: «من كان أفطر، فليصم يومًا مكانه»، ولم أر الأمر بالقضاء صريحًا إلا في هذه الرواية، وأما رواية مالك، فليس فيها ذكر للقضاء، ولا لعدمه، فتعارضت رواية حنظلة، ورواية زيد بن وهب، وتفضلها رواية زيد بن وهب بقدر ما بين حنظلة وبينه من الفضل. وقال أبو العباس ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (20/ 572 - 573): وثبت عن عمرَ أنه أفطر، ثم تبيَّن النهار، فقال: لا نَقضي، فإنَّا لم نَتَجانَفْ لإثمٍ. وروي عنه أنه قال: نقضي. ولكن إسناد الأوَّل أثبت، وصحَّ عنه أنه قال: الخطب يسير. فتأوَّل ذلك من تأوَّله على خفَّة أمر القضاء، لكن اللفظ لا يدلُّ على ذلك. (¬2) في «غريب الحديث» (4/ 211). (¬3) في «غريب الحديث» (4/ 279). وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (4/ 206 رقم 7506) عن الثوري. وابن أبي شيبة (2/ 299 رقم 9206) في الصيام، باب في الصائم يمضمض فاه عند فطره، عن جرير. كلاهما (الثوري، وجرير) عن منصور، به، بنحوه. لكن جاء عند عبد الرزاق: «عن سالم بن أبي الجَعْد، عن عمرَ»، ليس فيه عطاء! فلعله ساقط من المطبوع. وكيفما كان، فهو منقطع؛ لأن عطاء، وهو: ابن أبي رباح لم يُدرك أيام عمر، فقد وُلِدَ في خلافة عثمان رضي الله عنه. انظر: «تهذيب الكمال» (20/ 70).

منصور، عن سالم بن أبي الجَعْد، عن عطاء، عن عمر: أنَّه قال في المضمضة للصائم قال: لا يَمُجُّه، ولكن فلْيَشرَبه، فإنَّ أوَّلَه خيرُهُ. قال أبو عبيد: وهذا في المضمضة عند الإفطار، وإنما أمر بشُربه لما فيه من بركة الخُلُوف. قال: وقد روي عن عثمان بن أبي العاص أنَّه رخَّص للصائم إذا خشي العطشَ أن يتمضمض (¬1). ¬

(¬1) أخرجه عبد الرزاق (4/ 206 رقم 7505) عن معمر، عمَّن سَمِعَ الحسن يقول: رأيتُ عثمانَ بن أبي العاص بعرفةَ وهو صائمٌ، يمُجُّ الماءَ، ويَصُبُّ على نفسِهِ الماءَ. وفي إسناده جهالة.

حديث في القبلة للصائم

حديث في القُبلة للصائم (268) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا حجَّاج، / (ق 107) ثنا ليث، ثنا بُكَير، عن عبد الملك بن سعيد الأنصاري، عن جابر بن عبد الله، عن عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: هَشِشْتُ (¬2) يومًا، فقَبَّلتُ وأنا صائمٌ، فأتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: صَنَعتُ اليومَ أمرًا عظيمًا، قَبَّلتُ وأنا صائمٌ. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَرأيتَ لو تَمضمَضتَ وأنت صائمٌ؟»، قلت: لا بأسَ بذلك. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «فَفِيمَ؟». ورواه علي ابن المديني، عن أبي الوليد الطيالسي، عن الليث بن سعد، به. ثم قال: لا أحفظه إلا من هذا الوجه، وهو حديث مصري، يرجع إلى أهل المدينة، وهو إسناد حسن. وأخرجه أبو داود في الصيام من «سننه» (¬3)، عن أحمد بن يونس، وعيسى بن حماد. والنسائي (¬4) فيه، عن قتيبة. ثلاثتهم عن الليث بن سعد، عن بُكَير -وهو: ابن عبد الله الأشجِّ المدني-، عن عبد الملك بن سعيد بن سُوَيد الأنصاري المديني، عن جابر، عن عمرَ، به. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 21 رقم 138). (¬2) هَشِشْت: بكسر الشين، أي: فَرِحتُ واشتهيتُ. «لسان العرب» (15/ 94 - مادة هشش). (¬3) (3/ 158 رقم 2385) باب القُبلة للصائم. (¬4) في «سننه الكبرى» (3/ 293 رقم 3036 - ط مؤسسة الرسالة).

وهذا إسناد حسن، كما قال علي ابن المديني (¬1). ولهذا أخرجه ابن حبان في «صحيحه» (¬2) عن ابن خليفة (¬3) الفضل بن الحُبَاب الجُمَحي، عن أبي الوليد الطيالسي، عن اللَّيث، به. واختاره الضياء في كتابه (¬4). ولكن قال النسائي: هذا حديث منكر، وبُكَير مأمون، وعبد الملك بن سعيد روى عنه غير واحد، ولا يدرى ممَّن هذا (¬5)! وممَّا يؤيِّد ما قاله النسائي: الحديث الآخر الذي رواه أبو محمد ¬

(¬1) هكذا فَهِمَ المؤلِّف من كلام ابن المديني أنه يحسِّن الحديث، وخالف في هذا بعض الأفاضل، فحمل تحسين ابن المديني على إرادة الغرابة، ومستنده في ذلك: قول النسائي: هذا حديث منكر. ولا أدري بأي حجَّة نحمل مراد ابن المديني على مراد النسائي؟! لا سيما والحافظ ابن كثير -وهو أحد الحفاظ الكبار- لم يفهم هذا الفَهم. انظر: «الحسن بمجموع الطرق» للشيخ عمرو عبد المنعم سليم (ص 27). (¬2) (8/ 313 رقم 3544 - الإحسان). (¬3) قوله: «عن ابن خليفة» كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «عن أبي خليفة»، وهو الصواب الموافق لما في كتب الرجال. انظر: «ميزان الاعتدال» (3/ 350 رقم 6717) و «سبر أعلام النبلاء» (14/ 7). (¬4) «المختارة» (1/ 195، 196 رقم 99، 100). (¬5) وقال ابن عبد الهادي في «تنقيح التحقيق» (2/ 310): وقد ضعَّف الإمام أحمد هذا الحديث؛ لأنَّ عمر بن الخطاب كان يَنهى عن القُبلة للصائم. تنبيه: فات محقِّقو «مسند الإمام أحمد» (1/ 286 - ط مؤسسة الرسالة) استنكار الإمام النسائي لهذا الحديث، وتضعيف الإمام أحمد، بل وتحسين ابن المديني، واكتفوا بتصحيح الحاكم وموافقة الذهبي، وصدَّروا الحكم عليه بقولهم: «إسناده صحيح على شرط مسلم»! وقالوا في الموضع الثاني (1/ 439): «إسناده صحيح على شرط البخاري»! مع أنهم عابوا على الحاكم تصحيحه على شرط الشيخين!

يحيى بن محمد بن صاعد -رحمه الله-، / (ق 108) فإنَّه قال: (269) ثنا أحمد بن مَنيع، ثنا أبو أحمد الزُّبيري، ثنا زيد بن حِبَّان، أنا الزهري، عن سعيد بن المسيّب قال: كان عمرُ بن الخطاب ينهى الصائمَ أن يُقبِّلَ، ويقول: إنَّه ليس لأحدٍ منكم من الحفظِ والعفَّةِ، ما كان لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم (¬1). ولكن زيد بن حِبَّان هذا هو: الرَّقِّي، وقد تَرَكه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وغيرهما، واتَّهموه بأنه كان يَشرَبُ المُسكرَ حتى يَسكرَ، ووثَّقه ابن معين في رواية عنه. وقال ابن عدي: لا أرى برواياته بأسًا، يَحمِلُ بعضُها بعضًا (¬2). حديث آخر في معناه (270) قال الحافظ أبو بكر البزَّار (¬3): ثنا بِشر بن خالد العسكري، ثنا ¬

(¬1) وأخرجه -أيضًا- الطبراني في «الأوسط» (5/ 164 رقم 4956) وأبو زرعة الدمشقي في «الفوائد المعللة» (ص 161 رقم 125) من طريق الفضل بن دُكَين، عن زيد بن حِبَّان الرَّقي، به. وقد توبع زيد بن حِبان على روايته، تابَعَه الزُّبيدي، ومعمر، وابن أبي ذِئب. انظر رواياتهم عند إسحاق بن راهويه في «مسنده» (2/ 164 رقم 663) وعبد الرزاق (4/ 182 رقم 8406) والطحاوي (2/ 88). (¬2) انظر: «الجرح والتعديل» (3/ 561 رقم 2536) و «تهذيب الكمال» (10/ 48) و «الكامل» لابن عدي (3/ 204، 205). وأما شُربه للمُسكِر فلا يقدح في روايته؛ لأنه كوفي، وأهل الكوفة كانوا يرخِّصون في شرب النبيذ، فمثل هذا لا يُعدُّ جرحًا، قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (2/ 26): سَمِعتُ أبي يقول: جاريت أحمد بن حنبل مَن شرب النبيذ من محدِّثي الكوفة، وسمَّيت له عددًا منهم، فقال: هذه زلاتٌ لهم، ولا تَسقطُ بزلاتِهِم عدالتُهم. (¬3) في «مسنده» (1/ 229 رقم 118). وأخرجه -أيضًا- إسحاق بن راهويه في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (1/ 413 رقم 1085) وابن أبي شيبة (2/ 317 رقم 9423) في الصيام، باب من كَره القُبلة للصائم ولم يرخِّص فيها، و (6/ 180 رقم 30495) في الإيمان والرؤيا، باب ما عبَّره عمر، والطحاوي (2/ 88) وأبو نعيم في «الحلية» (1/ 45) من طريق عمر بن حمزة، به ..

أبو أسامة، عن عمر بن حمزة، عن سالم، عن أبيه، عن عمرَ قال: رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في النوم، فرأيتُهُ لا يَنظرُ إليَّ، فقلتُ: يا رسولَ الله، ما شأني؟ فقال: «أَوَ لَستَ المُقبِّلُ وأنت صائمٌ؟!». فقلت: والذي نفسُ عمرَ بيده، لا أُقبِّلُ وأنا صائمٌ أبدًا. ثم قال البزَّار: لا أعرفه يُروى إلا بهذا الإسناد (¬1)، وقد روي عن عمرَ خلافه. يعني: الحديث المتقدِّم في إباحة ذلك. وقال أبو محمد ابن حزم الظاهري في كتابه (¬2) ما معناه: أنَّ هذا لا يعوَّل عليه؛ لأنَّه قد ثبتت الرخصة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فلا ينسخه حُكمُ المَنَام. وهذا الذي قاله قاله جمهور العلماء (¬3) في حُكم المَنَام / (ق 109) إذا ¬

(¬1) وأعلَّه البيهقي (4/ 232) بتفرَّد عمر بن حمزة، وقال: فإن صحَّ؛ فعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان قويًّا مما يتوهَّم تحريك القُبلة شهوته. وقال الذهبي في «المهذَّب في اختصار السُّنن الكبير» (4/ 1608): هذا لم يخرِّجوه، وقال أحمد بن حنبل: عمر بن حمزة أحاديثه مناكير. وضعَّفه ابن معين، وقوَّاه غيره، وروى له مسلم، وتحايده النسائي. وقال الطحاوي (2/ 89): وحديث عمر بن حمزة إنما هو على قول حكاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم، وذلك مما لا تقوم به الحجة. (¬2) «المحلى» (6/ 28). (¬3) انظر: «مدارج السالكين» لابن القيم (1/ 50 - 51) و «الاعتصام» للشاطبي (2/ 77 - 85).

خالف حُكمًا ظاهرًا، وإنما ذهب إلى خلاف هذا شذوذ من الناس، والله أعلم. أثر آخر (271) قال الدارقطني (¬1): ثنا إسحاق بن محمد بن الفضل الزيَّات، ثنا محمد بن عبد الله المُخرِّمي، ثنا يحيى بن سعيد، عن سيف بن سليمان، سَمِعتُ قيس بن سعد، حدثني داود بن أبي عاصم، سَمِعَ سعيدَ بنَ المسيّب: أنَّ عمرَ بن الخطاب خرج على أصحابه، فقال: ما تَرَون في شيء صَنَعتُهُ اليومَ؟ أَصبحتُ صائمًا، فمَرَّت بي جاريةٌ، فأَعجبتني، فأَصبتُ منها. فعَظَّم القومُ عليه ما صَنَع، وعليُّ -رضي الله عنه- ساكتٌ، فقال: ما تقولُ؟ قال: أَتيتَ حلالاً، ويومٌ مكانَ يومٍ. قال: أنت خيرُهُم فُتيا. ¬

(¬1) في «سننه» (2/ 181).

حديث في حكم الصيام في السفر والإفطار

حديث في حكم الصيام في السَّفر والإفطار (272) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا أبو سعيد، ثنا ابن لَهِيعة، ثنا بُكَير، عن سعيد بن المسيّب، عن عمرَ قال: غَزَونا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في رمضانَ والفتحَ في رمضانَ، فأَفطَرْنا فيهما. هكذا رواه أحمد ههنا، وقد صرَّح ابن لَهِيعة بالسماع، فجاد الإسناد؛ لأنَّه إنما يُخشى من تدليسه، وسوء حفظه، فزال أحدهما. (273) ورواه أحمد -أيضًا- (¬2)، عن حسن بن موسى الأشيب. والترمذي (¬3)، عن قتيبة. كلاهما عن ابن لَهِيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن معمر بن أبي حَبيبة (¬4)، عن ابن المسيّب: أنَّه سُئل (¬5) عن الصوم في السَّفر، فحدَّث أنَّ عمرَ بن الخطاب قال: غَزَونا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في رمضانَ غَزوتين: يومَ بدرِ، والفتحَ، فأَفطَرْنا فيهما. وهذان طريقان إلى سعيد بن المسيّب، وروايته عن عمر مرسلة، فيما نصَّ عليه يحيى بن معين، وأبو حاتم، وغيرهما، لأنَّه وُلِدَ لسنتين خلتا من ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 22 رقم 140). (¬2) في «مسنده» (1/ 22 رقم 142). (¬3) في «سننه» (3/ 93 رقم 714) في الصوم، باب ما جاء في الرخصة للمحارب في الإفطار. (¬4) قوله: «ابن أبي حبيبة» كذا ورد بالأصل. وكَتَب المؤلِّف بجواره في حاشية الأصل: «حُييَّة»، وكَتَب فوقها: «خ»، إشارة إلى وروده في نسخة. ومعمر هذا: يقال له: «ابن أبي حبيبة»، و «ابن أبي حُييَّة». انظر: «تهذيب الكمال» (28/ 302). (¬5) كَتَب المؤلِّف فوقها: «سأله». وهو لفظ الترمذي.

خلافة عمر، فكان صغيرًا، ولهذا استبعد يحيى بن معين أن يكون حفظ عنه شيئًا (¬1). قلت: قد روِّينا أنَّه حفظ عنه أشياء، كما سيأتي في مواضعها من كتاب الحج وغيره، ولهذا قال أحمد بن حنبل: مَن يُنكر أن يكون سَمِعَ منه. وقد استَوعبنا الكلامَ في ذلك وحرَّرناه في ترجمة سعيد بن المسيّب من كتاب «التكميل» (¬2)، ولله الحمد والمنَّة. أثر في ذلك عن عمر (274) قال الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله: أنا المبارك بن علي، أنا محمد بن علي بن مَيمون، ثنا محمد بن علي العلوي، أنا علي بن عبد الرحمن البكَّائي، أنا ابن مُلَيل محمد بن عبد العزيز الكِلابي، ثنا أبي، ثنا أبو أسامة، حدثني صدقة بن أبي عمران، ثنا إياد بن لقيط، ثنا البراء بن ¬

(¬1) انظر: «الجرح والتعديل» (4/ 61). وقد صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الفطر في السَّفر، وذلك فيما أخرجه مسلم (2/ 789 رقم 1120) في الصيام، باب أجر المفطر في السفر إذا تولى العمل، من حديث أبي سعيد الخُدْري -رضي الله عنه- قال: سافرنا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إلى مكةَ ونحن صيامٌ، قال: فنزلنا منزلاً، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّكم قد دَنَوتم من عدوِّكم، والفطرُ أقوى لكم». فكانت رخصةً، فمنَّا من صام، ومنَّا من أفطر، ثم نزلنا منزلاً آخر، فقال: «إنكم مصبِّحو عدوَّكم، والفطرُ أَقوى لكم، فأَفطِرُوا». وكانت عزمةً، فأَفطَرْنا. قال أبو سعيد: لقد رأيتُنا نصومُ مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بعدَ ذلك في السَّفرِ. (¬2) ذَكَره الحسيني في «ذيل تذكرة الحفاظ» (ص 58) وقال: جمع فيه بين كتاب «التهذيب» و «الميزان»، وهو خمس مجلدات. وقال الدَّاوودي في «طبقات المفسرين» (1/ 111): اختصر «تهذيب الكمال»، وأضاف إليه ما تأخَّر في «الميزان»، وسمَّاه: «التكميل».

عازب (¬1) قال: كنتُ مع سلمانَ بن ربيعة في بَعثٍ، وأنَّه بعثني إلى عمرَ في حاجةٍ له في أشهرِ الحُرُمِ، فقال عمرُ: أَيصومُ سلمانُ؟ فقلت: نعم. فقال: لا يَصُمْ، فإنَّ التقوِّي على الجهادِ أفضلُ من الصومِ (¬2). ¬

(¬1) كذا ورد بالأصل. وانظر التعليق الآتي. (¬2) وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (6/ 465 رقم 32915) في السير، باب من كان يستحب الإفطار إذا لقي العدو، والبخاري في «التاريخ الكبير» (4/ 137) من طريق معاوية بن هشام، عن سفيان، عن إياد بن لقيط، عن البراء بن قيس قال: أَرسَلَني عمرُ بن الخطاب إلى سلمان بن ربيعة آمره أن يفطر، وهو محاصر. هكذا قالوا: «عن البراء بن قيس «! وهو خلاف رواية ابن الجوزي التي ذكرها المؤلِّف، وبالرجوع إلى «تهذيب الكمال» (4/ 34 - 36) تبين أن للبراء بن عازب رواية عن عمر، ويروي عنه إياد بن لقيط. وأما البراء بن قيس فيروي عن حذيفة وسعد، ويروي عنه إياد بن لقيط، وهو مجهول الحال، أورده البخاري في «التاريخ الكبير» (2/ 117 رقم 1889) وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (2/ 399 رقم 1569) وسكتا عنه، وذكره ابن حبان في «الثقات» (4/ 77)، فالله أعلم بالصواب.

أثر فيمن تعمد إفطار يوم من رمضان، بماذا يقضيه؟

أثر فيمن تعمَّد إفطار يوم من رمضان، بماذا يقضيه؟ (275) قال وكيع بن الجراح في «مسنده» (¬1): عن جعفر بن بُرْقان، عن ثابت بن الحجَّاج الكِلابي، عن عوف بن مالك قال: قال عمرُ بن الخطاب: صومُ يومٍ من غيرِ رمضانَ، وإطعامُ ستينَ مسكينًا يَعدِلُ صيامَ يومٍ من رمضانَ. وجَمَع بين إصبعيه. وهذا إسناد جيد. وفي هذه المسألة أقوال كثيرة قد بَسَطناها في كتاب الصِّيام، وما يتعلَّق برمضانَ من أحكام. ¬

(¬1) ومن طريقه: أخرجه ابن حزم في «المحلى» (6/ 189)، لفظه: صوم يوم من غير رمضان، وإطعام مسكين يَعدِلُ يومًا من رمضان، وجَمَع بين إصبعيه»، وعليه؛ فما ذكره المؤلِّف هنا من قوله: «وإطعام ستين مسكينًا»؛ محل نظر. وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (2/ 344 رقم 9746) في الصيام، باب ما قالوا في صوم يوم وإطعام مسكين، وأبو علي السرَّاج في «تاريخ الرَّقَّة» (ص 62، 63 رقم 75، 76) وابن عساكر في «تاريخه» (47/ 53) من طريق جعفر بن بُرقان، به، ولفظه: صيام يومٍ من غيرِ رمضانَ، وإطعام مسكينٍ، يَعدِلُ صيامَ يومٍ من رمضانَ. وجَمَع بين إصبعيه.

أثر في كراهية السفر في أواخر الشهر إذا لم يكن ثم ضرورة

أثر في كراهية السَّفر في أواخر الشهر إذا لم يكن ثَمَّ ضرورة (276) قال محمد بن إسحاق (¬1) عن الزهري، عن سالم، عن عمرَ: أنَّه سافر في عقب شهر رمضان، وقال: إنَّ الشهر قد تَسَعسَع فلو صُمْنا بقيَّتَهُ. قال أبو عبيد (¬2): معناه: أدبَر وفَنِيَ. قال: وبعضهم يقول: تَشَعشَعَ -بمعجمتين-، وأظنه ذهب إلى الطُّول، كما يقال: ناقة شَعشَعَانة، وعُنُق شَعشَعَان. قال: ومنهم من يقول: تَشَعسَعَ -بشين معجمة، ثم مهملة-، وأظنه ذهب إلى الشاسع، يقول: إنَّ الشهرَ قد ذهب وبَعُدَ، ولو كان من هذا لكان تَشَسَّعَ، والأوَّل هو المعروف، ولا معنى له عندي سواه. ¬

(¬1) ومن طريقه: أخرجه الطبري في «تفسيره» (2/ 152) وفي «تهذيب الآثار» (1/ 135 رقم 202 - مسند ابن عباس). وإسناده ضعيف؛ لعنعنة محمد بن إسحاق، وانقطاعه بين سالم وعمر. (¬2) في «غريب الحديث» (4/ 192).

أثر في قضاء رمضان في عشر ذي الحجة

/ (ق 110) أثر في قضاء رمضان في عشر ذي الحجَّة (277) قال أبو عبيد (¬1): حدثني ابن مهدي، عن سفيان، عن الأسود بن قيس، عن أبيه، عن عمرَ: أنَّه كان يَستحب قضاءَ رمضانَ في عشر ذي الحجَّة. أو قال: ما من أيام أقضي فيهن رمضانَ أحبُّ إليَّ منها. قال أبو عبيد: معناه: أنَّه لا يتحرَّى التأخير إلى العَشر، ولكنه كان يَستحب صيام العَشر، فإذا دخل على مَن عليه قضاء صام قضاء، لئلاَّ يكون قد تطوَّع وعليه قضاء فيجتمع له الأمران. قال: وإنما كره عليٌّ القضاءَ في العَشر (¬2)؛ لما كان يراه من القضاء على الولاء، وقد يدخل العيد وقد بقي عليه شيء فيفرِّق. ¬

(¬1) في «غريب الحديث» (4/ 289). وأخرجه -أيضًا- البيهقي (4/ 285) من طريق عبد الله بن الوليد، عن الثوري، عن الأسود بن قيس، به. وأخرجه مُسدَّد في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (1/ 402 رقم 1052) عن سلام بن أبي مطيع. وابن أبي شيبة (2/ 325 رقم 9515) في الصيام، باب ما قالوا في قضاء رمضان في العشر، عن شريك. كلاهما (سلام، وشريك) عن الأسود بن قيس، به. وصحَّح إسناده الحافظ في «الفتح» (4/ 189). (¬2) يَرويه أبو إسحاق السَّبيعي، واختُلف عليه: فقيل: عنه، عن الحارث، عن علي! وقيل: عنه، عن علي! أما الوجه الأول: فأخرجه ابن أبي شيبة (2/ 325 رقم 9516) عن أبي الأَحوص، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن عليٍّ -رضي الله عنه- قال: مَن كان عليه صومٌ من رمضانَ؛ فلا يَقضه في ذي الحجَّة، فإنه شهرُ نُسُكٍ. وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف الحارث، وهو الأعور. وأما الوجه الثاني: فأخرجه البيهقي (4/ 285) من طريق يعلى بن عبيد، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن عليٍّ -رضي الله عنه-، ولفظه: لا تَقض رمضانَ في ذي الحجَّة، ولا تَصمْ يومَ الجمعةِ -أظنُّه منفردًا- ولا تَحتجم، وأنت صائمٌ. وهذا -أيضًا- لا يصح، لأن أبا إسحاق السبيعي لم يَسْمع من علي -رضي الله عنه-، كما قال ابن المديني. انظر: «جامع التحصيل» (ص 245) و «تهذيب الكمال» (22/ 106).

حديث في كراهة الصوم يومي العيدين

حديث في كراهة الصوم يومي العيدين (278) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا سفيان، عن الزهري، أنَّه سَمِعَ أبا عبيد (¬2) قال: شَهِدتُ العيدَ مع عمرَ بن الخطاب، فبدأ بالصلاةِ قبلَ الخطبةِ، وقال: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام هذين اليومين، أمَّا يوم الفطرِ فَفِطرُكُم من صيامِكم، وأما يوم الأضحى فكُلُوا من لحم نُسُكِكُم. ثم رواه أحمد (¬3)، عن عبد الرزاق (¬4)، عن معمر. ومن حديث محمد بن إسحاق. كلاهما عن الزهري، به. وأخرجه الجماعة في كتبهم من طرق عن الزهري، فمنها: ما رواه أبو داود (¬5)، عن قتيبة، وزُهَير بن حرب. والنسائي (¬6)، عن إسحاق بن إبراهيم. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 24 رقم 163). (¬2) هو: سعد بن عبيد الزهري مولى عبد الرحمن بن أزهر. (¬3) في «مسنده» (1/ 34 رقم 224، 225). (¬4) وهو في «المصنَّف» (4/ 302 رقم 7879). (¬5) في «سننه» (3/ 173 رقم 2416). (¬6) في «سننه الكبرى» (2/ 149 رقم 2789).

وابن ماجه (¬1)، عن سهل بن أبي سهل. أربعة (¬2) عن سفيان بن عيينة، عن الزهري. ومنها: ما رواه الشيخان (¬3) من حديث مالك، عن الزهري، به. وقال الترمذي (¬4): حسن صحيح. ¬

(¬1) في «سننه» (1/ 549 رقم 1722) في الصيام، باب في النهي عن صيام يوم الفطر والأضحى. (¬2) كذا ورد بالأصل. والصواب: «أربعتهم «. (¬3) أخرجه البخاري (4/ 238 رقم 1990 - فتح) في الصوم، باب صوم يوم الفطر، ومسلم (2/ 799 رقم 1137) في الصيام، باب النهي عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى. (¬4) في «سننه» (3/ 141).

حديث آخر في كراهة صوم الدهر

حديث آخر في كراهة صوم الدَّهر (279) قال الحافظ أبو يعلى الموصلي (¬1): ثنا شيبان، ثنا أبو هلال، ثنا غَيْلان بن جرير، حدثني عبد الله بن مَعبَد الزِّمَّاني، عن عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: كنَّا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إذ أتى على رجلٍ، فقالوا: ما أَفطَرَ مُذ كذا وكذا، فقال: «لا صام، ولا أَفطَرَ، أو ما صام، ولا أَفطَرَ» (¬2) -شك غَيْلان-. فلمَّا رأى عمرُ غَضَبَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: يا رسولَ الله، صومُ يومين، وإفطارُ يومٍ؟ قال: «ويُطِيقُ ذلك أحدٌ؟». قال: قلتُ: يا رسولَ الله / (ق 111) صومُ يومٍ، وإفطارُ يومٍ؟ قال: «ذاك صومُ أخي داود». قال: يا رسولَ الله، صومُ يومٍ، وإفطارُ يومين؟ قال: «ومَن يُطِيقُ ذلك؟». قال: يا رسولَ الله، صومُ يومِ الإثنينِ؟ قال: «ذاك يومٌ وُلِدتُ فيه، ويومٌ أُنِزلَ عليَّ النبوةُ». قال: يا رسولَ الله، صومُ يومِ عرفةَ ويومِ عاشوراءَ؟ قال: «أحدُهما يُكفِّر». وقال: «الآخرُ ما قَبلَهَا، أو ما بعدَها» (¬3). شكَّ أبو هلال. هكذا رواه الحافظ أبو يعلى. وقد رواه النسائي في الصوم (¬4)، عن هارون بن عبد الله، عن الحسن ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 133 - 134 رقم 144). (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «وما أفطر». (¬3) قوله: «أحدُهما يُكفِّر. وقال: الآخرُ ما قَبلَهَا، أو ما بعدَها»: كذا ورد بالأصل، و «مسند أبي يعلى»، وقد أخرجه ابن عدي (6/ 213) من طريق أبي يعلى، وجاء فيه: «أحدُهما يُكفِّرُ السَّنَةَ، والآخرُ يُكفِّرُ ما قبلَها أو ما بعدَها». وكذا أورده الحافظ في «المطالب العالية» (1/ 430). (¬4) من «سننه الكبرى» (2/ 124 رقم 2685).

بن موسى، عن أبي هلال، عن غَيْلان بن جرير، عن عبد الله بن مَعبَد الزِّمَّاني، عن أبي قتادة، عن عمرَ بن الخطاب، به. وهذا أقرب وأشبه بالصواب (¬1). وقد رواه مسلم في «الصحيح» (¬2)، وأهل السُّنن الأربعة (¬3) من حديث حماد بن زيد، وشعبة بن الحجَّاج. كلاهما عن غَيْلان بن جرير، عن عبد الله بن مَعبَد الزِّمَّاني، عن أبي قتادة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، من غير ذِكر عمرَ، كما سيأتي (¬4) في مسند أبي قتادة، إن شاء الله تعالى. ¬

(¬1) ومداره على أبي هلال الراسبي، وهو: محمد بن سُليم الراسبي، قال النسائي: ليس بالقوي. وقال أبو زرعة: ليِّن، وليس بالقوي. وضعَّفه ابن مهدي، والدارقطني. وقال أحمد: مضطَّرب الحديث. وقال ابن حبان: كان أبو هلال الراسبي شيخًا صدوقًا، إلا أنه كان يخطئ كثيرًا من غير تعمُّد، حتى صار يرفع المراسيل ولا يعلم، وأكثر ما يحدِّث من حفظه، فوقع المناكير في حديثه من سوء حفظه. انظر: «تهذيب الكمال» (9/ 196) و «المجروحين» (2/ 283). وقد خولف في روايته، خالفه جمع من الثقات -كما سيذكر المؤلِّف-، فرووه عن غَيلان، عن عبد الله بن مَعبَد الزِّمَّاني، عن أبي قتادة رضي الله عنه. ليس فيه عمر! قال الحافظ في «المطالب العالية» (1/ 431): المحفوظ بهذا الإسناد عن عبد الله بن مَعبَد، عن أبي قتادة، بطوله، أخرجه من ذلك الوجه مسلم، وأصحاب السُّنن. (¬2) (2/ 818 رقم 1162) في الصيام، باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر. (¬3) أخرجه أبو داود (3/ 178، 179 رقم 2425، 2426) في الصيام، باب في صوم الدهر، والترمذي (3/ 124، 126، 138 رقم 749، 752، 767) في الصوم، باب ما جاء في فضل صوم عرفة، وباب ما جاء في الحث على صوم يوم عاشوراء، والنسائي (4/ 525 رقم 2386) في الصيام، باب صوم ثلثي الدهر، وابن ماجه (1/ 546، 551، 553 رقم 1730، 1731، 1738) في الصيام، باب ما جاء في صيام داود عليه السلام، وباب صيام يوم عرفة، وباب صيام يوم عاشوراء. (¬4) انظر: «جامع المسانيد والسُّنن» (10/ 157 رقم 12822).

أثر عن عمر في تأديبه من صام الدهر

أثر عن عمر في تأديبه مَن صام الدَّهر (280) قال أبو محمد ابن صاعد رحمه الله: ثنا الحسين بن الحسن المروزي، ثنا المعتمر، سَمِعتُ إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي عمرو الشَّيباني قال: أُخبِرَ عمرُ برجلٍ يَصومُ الدَّهرَ، فجعل يَضربُهُ بِمِخفَقَتِهِ، ويقولُ: كُلْ يا دَهرُ، خُذْ يا دَهرُ. (¬1). إسناد صحيح. ¬

(¬1) وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (2/ 328 رقم 9556) في الصيام، باب من كره صوم الدهر، عن وكيع، عن إسماعيل بن أبي خالد، به.

أثر آخر فيه أن عمر صام الدهر

أثر آخر فيه أن عمر صام الدَّهر (281) قال محمد بن عمر / (ق 112) الواقدي (¬1): عن عبد الله بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جدِّه قال: كان عمرُ -رضي الله عنه- يَصومُ الدَّهرَ. الواقدي وشيخه: ضعيفان. لكن قد روي من طريق أخرى: (282) قال جعفر بن محمد الفِريابي (¬2): ثنا هشام بن عمَّار، عن حاتم بن إسماعيل، عن موسى بن عُقبة، عن نافع: قال عبد الله: كان عمرُ يَسرُدُ الصومَ، إلا يومَ الأضحى، ويومَ الفطر، أو في السَّفَرِ. وهذا إسناد صحيح. طريق أخرى (283) قال جعفر (¬3): ثنا إسحاق بن راهويه، ثنا وكيع، ثنا الثوري، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمرَ، قال: ما مات عمرُ حتى سَرَدَ الصومَ. صحيح أيضًا. طريق أخرى (284) قال جعفر (¬4): ثنا إسحاق بن موسى الأنصاري، ثنا عَبدة، عن عبيد الله، به. وقال: قبل موته بسنتين. ¬

(¬1) ومن طريقه: أخرجه ابن سعد (3/ 312) -وعنه: البلاذُري في «أنساب الأشراف» (ص 294) - وسِبط ابن الجوزي في «الجليس الصالح» (ص 143). (¬2) في كتاب «الصِّيام» له (ص 97 رقم 123). (¬3) في الموضع السابق برقم (121). (¬4) في الموضع السابق برقم (122).

وهذا صحيح أيضًا. وكأنَّه -والله أعلم- سَرَدَ الصومَ بُرهةً من الدَّهر، فوَافَقَه أَجَلُهُ وهو كذلك، لا أنَّه أراد صيامَ الدَّهرِ دائمًا، جمعًا بينه وبين ما تقدَّم، والله أعلم.

أثر في كراهة صيام رجب كله

أثر في كراهة صيام رجب كلّه (285) قال سعيد بن منصور في «سننه» (¬1): ثنا سفيان، عن مِسْعَر، عن وَبرة بن عبد الرحمن، عن خَرَشة بن الحُرِّ قال: رأيتُ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- يَضرِبُ أيدِيَ الرِّجالَ إذا رَفَعوها عن الطعامِ في رجبٍ حتى يَضَعوها فيه، ويقول: إنما هو شهرٌ كان أهلُ الجاهليةِ يُعظِّمونَهُ. هذا إسناد جيد. وكذا روِّيناه من حديث سعدان بن يحيى، وشعبة، وأبي نعيم. كلُّهم عن مِسْعَر، به. ¬

(¬1) ومن طريقه: أخرجه ابن الجوزي في «التحقيق في أحاديث الخلاف» (2/ 107). فائدة: قال الحافظ في «تبيين العجب بما ورد في شهر رجب» (ص 70): هذا النهي منصرف إلى من يصومه معظِّمًا لأمر الجاهلية، أما إنْ صامه لقصد الصوم في الجملة، من غير أن يجعله حتمًا، أو يخصَّ منه أيامًا معيَّنة يواظب على صومها، فلا بأس به.

حديث في استحباب صيام أيام الليالي البيض

حديث في استحباب صيام أيام الليالي البيض (286) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا أبو النضر، ثنا المسعودي، عن حكيم بن جُبَير، عن موسى بن طلحة، عن ابن الحَوتكيَّة، قال: أُتِيَ عمرُ بن الخطاب بطعامٍ، فدعا إليه رجلاً، فقال: إني صائمٌ. فقال: وأيَّ الصيامِ تصومُ؟ لولا كراهيةُ أن أَزيدَ أو أَنقُصَ لحدَّثتُكم بحديث النبيِّ صلى الله عليه وسلم حين جاءه الأعرابيُّ بالأرنبِ، ولكن أَرسِلُوا إلى عمَّار. فلما جاء عمَّار قال: / (ق 113) أشاهدٌ أنت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يوم جاءه الأعرابيُّ بالأرنبِ؟ قال: نعم. قال: إني رأيتُ بها دمًا، فقال: «كُلُوها». قال: إني صائمٌ، قال: «وأيَّ الصِّيامِ تَصومُ؟». قال: أوَّلَ الشهرِ وآخرَه. قال: «إنْ كنتَ صائمًا فصُمْ الثلاثَ عشرةَ، والأربعَ عشرةَ، والخمسَ عشرةَ». هذا إسناد حسن جيد، وليس في الكتب السِّتة، والمسعودي وشيخه فيهما كلام، وابن الحَوتكيَّة اسمه: يزيد. وقد رواه يوسف بن يعقوب القاضي، عن محمد بن بكر، عن سفيان بن عيينة (¬2)، عن محمد بن عبد الرحمن وحكيم بن جُبَير، كلاهما عن موسى بن طلحة، عن ابن الحَوتكِيَّة قال: قال عمرُ: مَن حاضرنا يوم ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 31 رقم 210). وأخرجه -أيضًا- الضياء في «المختارة» (1/ 421 رقم 300) والطيالسي (1/ 49 رقم 44) والبيهقي (9/ 321) من طريق المسعودي، به. (¬2) ومن هذا الوجه: أخرجه النسائي (4/ 541 رقم 2425) في الصيام، باب ذكر الاختلاف على موسى بن طلحة في الخبر ... ، و (7/ 223 رقم 4322) في الصيد، باب الأرنب، وأحمد (5/ 150 رقم 21334، 21335) وابن خزيمة (3/ 302 رقم 2127) والضياء في «المختارة» (1/ 420 رقم 299).

القاحَة (¬1)؟ قال أبو ذر: أنا، أتى رجلٌ بأرنب، فقال رجل: أنا رأيتها تَدمَى (¬2)، فكأنَّه اتَّقاها، فأمر أن يأكلوا منها، وكان الرجلُ صائمًا، فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فذَكَر شيئًا، لا أدري ما هو؟ قال: «فأين أنت عن الغُرِّ البيض: ثلاثَ عشرةَ، وأربعَ عشرةَ، وخمسَ عشرةَ». وقد رواه حماد بن سَلَمة (¬3)، عن حجَّاج بن أرطاة، عن عثمان بن عبد الله بن مَوهَب، عن موسى بن طلحة، عن يزيد بن الحَوتكِيَّة، به. قال عبد الرحمن بن أبي حاتم (¬4): لا أعلم أحدًا سمَّى ابنَ الحَوتكِيَّة غيرَ حجَّاج بن أرطاة. حكاه الضياء في كتابه «المختارة» (¬5) في مسند عمر منها (¬6). ¬

(¬1) القاحَة: مدينة على ثلاث مراحل من المدينة. «معجم البلدان» (4/ 290). (¬2) تَدمَى: أي: أنها ترمي الدم، وذلك أن الأرنب تحيض كما تحيض المرأة. «النهاية» (2/ 135). (¬3) لم أقف عليه مسندًا، وأروده الدارقطني في «العلل» (2/ 227) تعليقًا، وقال: خالَفَه هشام الدَّستوائي، فرواه عن حجَّاج، عن موسى، لم يَذكر بينهما أحدًا. قلت: رواية هشام الدَّستوائي: أخرجها الحارث بن أبي أسامة في «مسنده»، كما في «بغية الباحث «(ص 116 رقم 336) عن عبد الوهاب بن عطاء، عن هشام، عن الحجَّاج بن أَرطاة، عن موسى بن طلحة، عن يزيد بن الحَوتَكِيَّة: أن عمر. قال الحافظ في «المطالب العالية» (1/ 428): هكذا رواه الحجَّاج، وهو مدلِّس، ورواه محمد بن عبد الرحمن وحكيم بن جُبَير، عن موسى بن طلحة، عن ابن الحَوتَكِيَّة، عن أبي ذرٍّ، وبيَّن أن الرجلَ المذكور الذي حدَّث بهذا الحديث هو أبو ذرٍّ رضي الله عنه. (¬4) في «الجرح والتعديل» (9/ 256 رقم 1077). (¬5) (1/ 421). (¬6) ومدار هذه الرواية التي ذكرها المؤلِّف على يزيد بن الحَوتَكِيَّة، وقد قال عنه الذهبي في «الميزان «(4/ 421 رقم 9682): لا يُعرَف، تفرَّد عنه موسى بن طلحة. =

قلت: وهذا الحديث مناسَب أن يُذكر في مسند أبي ذرّ، أو عمَّار بن ياسر، وفي مسند عمرَ رضي الله عنه، فقدَّمناه سَلَفًا وتعجيلاً. ¬

= وقال الحافظ في «التقريب»: مقبول. يعني حيث يُتابَع، وإلا فليِّن. وقد وقع اختلاف على موسى بن طلحة في روايته لهذا الحديث: فقيل: عنه، عن ابن الحَوتَكِيَّة، عن عمرَ، كما سبق! وقيل: عنه، عن عمرَ! وقيل: عنه، عن أبي ذرٍّ! وقيل: عنه، عن أبي هريرة! وقيل: عنه، عن أبيه طلحة بن عبيد الله! وقيل: عنه، مرسلاً! وقيل: عن الحكم بن عُتيبة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أُبيّ بن كعب! ... أما الوجه الأول: فقد تقدَّم بيانه، وأنه ضعيف. وأما الوجه الثاني: فعلَّقه الدارقطني في «العلل» (2/ 227) من طريق سفيان بن حسين، وسعيد بن محمد، عن الحكم بن عُتيبة، عن موسى بن طلحة، عن عمرَ، ليس فيه: ابن الحَوتَكِيَّة! وهذا الوجه لا يعتدُّ به؛ لأنَّ موسى بن طلحة لم يلق عمر. انظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص 209 رقم 779). وأما الوجه الثالث: فأخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» (5/ 407) والترمذي (3/ 134 رقم 761) في الصوم، باب ما جاء في صوم ثلاثة أيام من كل شهر، والنسائي (4/ 540 رقم 2421، 2422، 2423) في الصيام، باب ذكر الاختلاف على موسى بن طلحة في الخبر ... ، وأحمد (5/ 152، 162، 177) وابن خزيمة (3/ 302 رقم 2128) وابن حبان (8/ 414 - 415، 415 رقم 3655، 3656 - الإحسان) وابن عبد الباقي في «مشيخته» (2/ 386 رقم 5) من طريق يحيى بن سام، عن موسى بن طلحة، عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه. ليس فيه: ابن الحَوتَكِيَّة! قال الترمذي: حديث أبي ذرٍّ حديث حسن. وحسَّنه -أيضًا- الشيخ الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (7/ 210). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وقال في «الإرواء» (4/ 102) بعد ذكر تحسين الترمذي: وهو كما قال -إن شاء الله-، ويحيى بن سام لا بأس به. قلت: وقد صرَّح ابن خزيمة في «صحيحه» (3/ 302) بسماع موسى بن طلحة لهذا الخبر من أبي ذرٍّ. وأما الوجه الرابع: فأخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» (5/ 407) والنسائي (4/ 539 رقم 2420) في الموضع السابق، و (7/ 222 رقم 4321) في الصيد، باب الأرنب، وأحمد (2/ 336) وابن حبان (8/ 410 رقم 3650 - الإحسان) من طريق أبي عَوَانة، عن عبد الملك بن عُمَير، عن موسى بن طلحة، عن أبي هريرة رضي الله عنه. قلت: عبد الملك بن عُمَير قال عنه الحافظ في «التقريب»: ثقة فقيه، لكنه تغيَّر حفظه، وربما دلَّس. وقد سُئل أبو زرعة، كما في «العلل» لابن أبي حاتم (1/ 266) عن رواية أبي هريرة وأبي ذرٍّ، فقال: الصحيح عندي حديث أبي ذرٍّ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وقد أعلَّ الشيخ الألباني في «الإرواء» (4/ 100) رواية أبي هريرة هذه، فقال: ومما يرجِّح أنَّ الحديث ليس عن أبي هريرة ما تقدَّم في بعض الروايات من الطريق الأولى عن أبي هريرة أنه كان يصوم الثلاثة أيام في أول الشهر، فلو كان الحديث: «فصُم الغُرَّ»، وهي الأيام البيض لم يخالِف ذلك إن شاء الله تعالى. وأما الوجه الخامس والسادس: فيرويه طلحة بن يحيى، واختُلف عليه: فعلَّقه الدارقطني في «العلل» (2/ 230) من طريق يحيى بن أبي بُكَير، عن أبي الأحوص، عن طلحة بن يحيى، عن موسى بن طلحة، عن أبيه طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه! وأعلَّه بقوله: ووَهِمَ فيه. يعني: أبا الأحوص. وقال في «الأفراد»، كما في «أطرافه» لابن طاهر (1/ 305): غريب من حديث موسى، عن أبيه، تفرَّد به أبو الأحوص، عن طلحة بن يحيى، عن موسى، وتفرَّد به عيسى بن أبي حرب، عن يحيى بن أبي بُكَير، عن أبي الأحوص. قلت: وقد خولف أبو الأحوص في روايته، خالَفَه القاسم بن مَعن، ويعلى بن عبيد، ويحيى القطان، فرووه عن طلحة بن يحيى، عن موسى بن طلحة، مرسلاً. =

حديث في ليلة القدر

/ (ق 114) حديث في ليلة القَدر (287) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا حسين بن علي، عن زائدة، عن ¬

= ومن هذا الوجه: أخرجه النسائي (4/ 541 رقم 2427، 2428) والدارقطني في «العلل» (2/ 230). ورجَّح هذا الوجه المرسلَ الإمامُ الدارقطني، فقال: وقول القطان أصحُّ. وأما الوجه السابع: فعلَّقه الدارقطني في «العلل» (2/ 230) من طريق سليمان بن أبي داود، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أُبيّ بن كعب رضي الله عنه. وأعلَّه الدارقطني بقوله: ولم يصنع شيئًا، والصواب: عن الحكم، عن موسى بن طلحة، عن ابن الحَوتَكِيَّة، عن عمرَ، كما تقدَّم. وأخرجه النسائي (4/ 541 رقم 2426) عن أحمد بن عثمان بن حكيم، عن بكر، عن عيسى، عن محمد، عن الحكم، عن موسى بن طلحة، عن ابن الحَوتَكِيَّة، عن أُبيّ رضي الله عنه. ثم قال: والصواب عن أبي ذرٍّ، ويشبه أن يكون وقع من الكتاب «ذرّ»، فقيل «أُبيّ». قلت: وأصحُّ هذه الوجوه -والله أعلم- الوجه الثالث، وأما باقي الوجوه فلا تخلو من مقال. ولم يتنبه لهذا الاختلاف على موسى بن طلحة محقِّقو «مسند الإمام أحمد» (1/ 337) و (14/ 154 - ط مؤسسة الرسالة) فجعلوا من هذه الطرق المتباينة المعلَّة طرقًا يقوِّي بعضها بعضًا! وقد صحَّ عن عمرَ -رضي الله عنه- أنه كان يصومهن، وذلك فيما أخرجه الطبري في «تهذيب الآثار» (2/ 856 رقم 1210 - مسند عمر) من طريق محمد بن جعفر. والحارث بن أبي أسامة في «مسنده»، كما في «بغية الباحث» (ص 117 رقم 337) عن سليمان بن حرب. كلاهما (محمد بن جعفر، وسليمان بن حرب) عن شعبة، عن قتادة قال: سَمِعتُ موسى بن سَلَمة قال: سألت ابن عباس -رضي الله عنهما- عن صيام ثلاثة أيام البيض، فقال: كان عمرُ -رضي الله عنه- يصومهن. وهذا إسناد صحيح. (¬1) في «مسنده» (1/ 43 رقم 298).

عاصم، عن أبيه، عن ابن عباس قال: قال عمرُ رضي الله عنه: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن كان منكم مُلتَمِسًا ليلةَ القَدرِ، فليَلتَمِسْها في العَشرِ الأواخرِ وِترًا». وهكذا رواه علي ابن المديني، عن حسين بن علي الجُعفِي، به. وقال: هو حديث صالح، ليس مما يسقط، وليس ممَّا يحتجُّ به، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تثبيت هذا الحديث (¬1). ورواه الهيثم بن كُلَيب الشاشي (¬2)، عن عباس بن محمد بن حاتم، عن حسين الجُعفِي، به. والحافظ أبو يعلى الموصلي (¬3)، عن أبي خيثمة، عن معاوية بن عمرو، عن زائدة، به. (288) وقال الإمام أبو بكر بن أبي شيبة (¬4): ثنا ابن إدريس، عن عاصم بن كُلَيب، عن أبيه، عن ابن عباس، عن عمرَ قال: لقد عَلِمتُم أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «اطلُبُوها في العَشرِ الأواخِر وِتْرًا». ¬

(¬1) وقال يعقوب بن شيبة في «مسند عمر بن الخطاب» (ص 93 - ط الحوت) و (ص 164 - ط دار الغرباء): حديث إسناده وسط، ليس بالثَّبت ولا الساقط، هو صالح. وقال: قال علي ابن المديني: وعاصم بن كُلَيب صالح ليس مما يسقط، ولا مما يحتج به، وهو وسط. قلت: وأخرج ابن خزيمة في «صحيحه» (3/ 322، 323 رقم 2172، 2173) حديث عاصم هذا مصحِّحًا له. (¬2) ليس في القسم المطبوع من «مسنده»، وأشار إلى روايته الضياء في «المختارة» (1/ 276). (¬3) لم أجده في المطبوع من «مسنده»، وأورده الهيثمي في «المقصد العلي» (2/ 234 رقم 1522). (¬4) في «المصنَّف» (2/ 251 رقم 8670) في الصيام، باب في ليلة القدر وأي ليلة هي؟

قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبدالواحد المقدسي في كتابه «المختارة» (¬1): ولهذا الحديث شاهد من حديث ابن عمر (¬2)، وابن عباس رضي الله عنهما (¬3). ¬

(¬1) (1/ 277). (¬2) أخرجه البخاري (3/ 40 رقم 1158 - فتح) في التهجد، باب فضل من تعارَّ من الليل فصلَّى، ومسلم (2/ 823 رقم 1165) (207) في الصيام، باب فضل ليلة القدر، ولفظه: «أرى رؤياكم قد تواطأت في العشر الأواخر، فمن كان متحرِّيها؛ فليتحرَّها من العشر الأواخر». (¬3) أخرجه البخاري (4/ 260 رقم 2021، 2022 - فتح) في فضل ليلة القدر، باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر، ولفظه: «التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، ليلة القدر في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى».

حديث في الاعتكاف

حديث في الاعتكاف (289) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا يحيى، عن عبيد الله، حدثني نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ أنَّه قال: يا رسولَ الله، إنِّي نَذَرتُ في الجاهلية أنْ أَعتَكِفَ في المسجدِ الحرامِ ليلةً، فقال له: «فأَوْفِ بنَذرِكَ». وأخرجه الجماعة (¬2) من طرق، / (ق 115) عن عبيد الله بن عمر العُمَري، به. وقد روى هذا الحديثَ علي ابن المديني، عن يحيى بن سعيد القطَّان -شيخ الإمام أحمد-، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، به، فجعله من مسند عبد الله، ولم يَذكر عمرَ (¬3). وكذلك رواه -أيضًا-، عن سفيان بن عيينة (س ق) (¬4)، عن أيوب، عن نافع، عنه. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 37 رقم 255). (¬2) أخرجه البخاري (4/ 274، 284 رقم 2032، 2042، 2043 - فتح) في الاعتكاف، باب الاعتكاف ليلاً، وباب من لم ير إذا اعتكف صومًا، وباب إذا نذر في الجاهلية أن يعتكف ثم أسلم، ومسلم (3/ 1277 رقم 1656) (27) في الأيمان، باب نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم، وأبو داود (4/ 110 رقم 3325) في الأيمان والنذور، باب من نذر في الجاهلية ثم أدرك الإسلام، والترمذي (4/ 96 رقم 1539) في النذور والأيمان، باب ما جاء في وفاء النذر، والنسائي (7/ 28 رقم 3831) في الأيمان، باب إذا نذر ثم أسلم قبل أن يفي، وابن ماجه (1/ 687 رقم 2129) في الكفارات، باب الوفاء بالنذر. (¬3) ومن هذا الوجه: أخرجه مسلم في الموضع السابق. (¬4) هذا الرمز لبيان أن رواية النسائي (7/ 28 رقم 3830) وابن ماجه من طريق ابن عيينة، لكن لم أجده من رواية ابن ماجه، ولم يَذكرها المزِّي في «تحفة الأشراف» (6/ 66 - 67 رقم 7521). وأخرجه -أيضًا- ابن خزيمة (3/ 347 رقم 2229) عن عبد الجبار بن العلاء، عن سفيان، به.

ثم قال: وحدَّثناه حفص بن غياث، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ، به (¬1). قال: ولم أسمعه عن عمرَ إلا من هذا الوجه، فإن كان حفص حفظه؛ فهو من مسند عمر، وإلا، فإنَّ يحيى قد خالَفَه. هكذا قال، وقد رواه الإمام أحمد (¬2) عن يحيى، فجعله من مسند عمرَ، فالله أعلم. وقال مسلم بن الحجَّاج في «صحيحه» (¬3): ثنا محمد بن عمرو بن جَبَلة، ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن نافع (¬4)، عن ابن عمرَ، عن عمرَ: أنَّه جعل على نفسه يومًا يعتكفه، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أوْفِ بنَذرِكَ». فهذه طريق أخرى عن عبيد الله، فيها أنَّه من مسند عمرَ (¬5). وسنورد هذا الحديث بتمام طرقه وألفاظه في مسند عبد الله بن عمر إذا وَصَلنا إليه، إن شاء الله تعالى (¬6). ¬

(¬1) ومن هذا الوجه: أخرجه مسلم (3/ 1277 رقم 1656) (27). (¬2) في «مسنده» (1/ 37 رقم 255) و (2/ 20 رقم 4705). (¬3) (3/ 1277 رقم 1656) (27). (¬4) قوله: «عن شعبة، عن نافع» كذا ورد بالأصل. وصوابه: «عن شعبة، عن عبيد الله، عن نافع»، كذا ورد في «صحيح مسلم»، وانظر: «تحفة الأشراف» (6/ 141 رقم 3916). (¬5) وانظر للفائدة: «علل الدارقطني» (2/ 26 رقم 93). (¬6) يعني: في كتابه «جامع المسانيد والسُّنن»، ولم أجده في القسم الذي أخرجه قلعجي.

كتاب الحج

كتاب الحجِّ قال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} الآية (¬1). ذِكر بيان أنَّ عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه هو أوَّل من وَضَع التاريخَ، وجعله منوطًا بالأهلَّة الهجرية، ووافقه على ذلك الصحابةُ / (ق 116) رضوان الله عليهم. (290) قال الإمام أحمد (¬2): ثنا خالد بن حيَّان، ثنا فُرَات بن سلمان، عن ميمون بن مِهران قال: رُفِعَ إلى عمرَ -رضي الله عنه- صَكٌّ (¬3) مَحَلُّه في شعبان، ¬

(¬1) البقرة: 189. (¬2) لم أقف عليه في مظانِّه من مصنَّفاته المطبوعة، ومن طريقه: أخرجه ابن عساكر في «تاريخه» (1/ 40 - 41). وأخرجه -أيضًا- الطبري في «تاريخه» (2/ 388) وأبو عَروبة الحرَّاني في «الأوائل» (ص 147 رقم 127) من طريق خالد بن حيَّان، به. وهذا إسناد رجاله ثقات؛ إلا أن ميمون بن مِهران لم يَسْمع من عمر. انظر: «تهذيب الكمال» (29/ 211). (¬3) الصَّكُّ: هو الكتاب، وذلك أنَّ الأمراء كانوا يكتبون للناس بأرزاقهم وأَعطياتهم كُتُبًا فيبيعونها قبل أن يَقبِضوها تعجُّلاً، ويعطون المشتريَ الصَّكَّ ليمضي ويقبضه، فنُهُوا عن ذلك، لأنه بيع ما لم يُقبَض. «النهاية» (3/ 43).

فقال عمرُ: أيُّ شعبانٍ؟ هذا الذي مَضَى، أو الذي هو آتٍ، أو الذي نحن فيه؟ ثم جَمَع أصحابَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقال: ضَعُوا للناس شيئًا يَعرفونه. فقال قائلٌ: اكتُبُوا على تاريخِ الرُّومِ. فقيل: إنَّه يَطولُ، وإنهم يَكتبون من عند ذي القَرنين. وقال قائلٌ: اكتُبُوا تاريخَ الفُرْسِ، كُلَّما قام مَلِكٌ طَرَح ما كان قبلَه (¬1). فاجتَمَع رأيُهُم على أن يَنظُرُوا: كم أقام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة؟ فوَجَدوه أقامَ بها عشرَ سنينَ، فكَتَب أو كُتِبَ التاريخُ على هجرةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. (291) وقال حنبل بن إسحاق (¬2): ثنا هارون بن معروف، ثنا عبد العزيز بن محمد، أخبرني عثمان بن عبيد الله قال: سَمِعتُ سعيدَ ¬

(¬1) قوله: «اكتُبُوا تاريخَ الفُرْسِ، كُلَّما قام مَلِكٌ طَرَح ما كان قبلَه «كذا ورد بالأصل. والذي في «تاريخ دمشق»: «اكتبوا على تاريخ الفُرْس. فقيل: إنَّ الفُرْس كلَّما قام مَلِك طرح ما كان قبله». (¬2) ومن طريقه: أخرجه ابن عساكر في «تاريخه» (1/ 43). وأخرجه -أيضًا- البخاري في «التاريخ الصغير» (1/ 41) وعمر بن شبَّة في «تاريخ المدينة» (2/ 758) والطبري في «تاريخه» (/391) والحاكم (3/ 14) من طريق عبد العزيز بن محمد، به. قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وله طرق أخرى: منها: ما أخرجه الطبري في «تاريخه» (2/ 389) عن أُميَّة بن خالد وأبي داود الطيالسي، عن قُرَّة بن خالد السَّدوسي، عن محمد بن سيرين، عن عمرَ ... ، فذكره. وهذا إسناد رجاله ثقات، إلا أنه مرسل، ابن سيرين لم يَسْمع من عمر. ومنها: ما أخرجه الطبري -أيضًا- (2/ 389) والبلاذُري في «أنساب الأشراف» (ص 189) من طريق مُجالِد، عن الشَّعبي قال: كَتَب أبو موسى الأشعري إلى عمرَ: إنَّه تأتينا منك كُتُب ليس لها تاريخ ... ، فذكره. وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف مُجالِد بن سعيد، والشَّعبي لم يَسْمع من عمر.

بن المسيّب قال: جَمَع عمرُ بن الخطاب المهاجرينَ والأنصارَ، فقال: متى نكتبُ التاريخَ؟ فقال عليُّ بن أبي طالب: منذُ خَرَج النبيُّ صلى الله عليه وسلم من أرض الشِّرك. يعني: من يوم هاجَرَ. قال: فكَتَب ذلك عمرُ بن الخطاب. (292) قال حنبل (¬1): وحدثني أبي -إسحاق-، ثنا محمد بن عمر، ثنا ابن أبي سَبِرَة، عن عثمان بن عبد الله (¬2) بن رافع، عن ابن المسيّب قال: أوَّلُ مَن كَتَب التاريخَ عمرُ لسنتين ونصفٍ من خلافته، فكُتِبَ لستَّ عشرةَ من الهجرة بمشورةٍ من عليِّ بن أبي طالب. (293) / (ق 117) قال محمد بن عمر -وهو: الواقدي- (¬3): وحدثنا ابن أبي الزِّناد، عن أبيه، قال: استشار عمرُ في التاريخ، فأَجمَعوا على الهجرة. ¬

(¬1) ومن طريقه: أخرجه ابن عساكر في «تاريخه» (1/ 44). (¬2) قوله: «عثمان بن عبد الله» كذا ورد بالأصل، و «تاريخ دمشق». وصوابه: «عثمان بن عبيد الله». انظر: «التاريخ الكبير» (1/ 9) و (6/ 236)، وانظر الأثر السابق. (¬3) ومن طريقه: أخرجه ابن عساكر في «تاريخه» (1/ 44).

أثر عن عمر في وجوب الحج

أثر عن عمر في وجوب الحجِّ (294) قال الإمام أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي رحمه الله: حدثني إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر، قال: حدثني عبد الرحمن بن غَنم، سَمِعَ عمرَ بن الخطاب يقول: مَن أطاق الحجَّ فلم يحجَّ، فسواءٌ عليه يهوديًا مات أو نصرانيًا. رواه الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في «مسند عمر» من حديث الأوزاعي (¬1). وهو إسناد صحيح عنه. وقد روي من وجوه أخر مرفوعًا (¬2)، والله أعلم. ¬

(¬1) ومن طريقه: أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (9/ 252) وأخرجه -أيضًا- البيهقي (4/ 334) من طريق الضحاك بن عبد الرحمن الأشعري، عن عبد الرحمن بن غَنم، به. وإسناده صحيح، كما قال المؤلِّف، والحافظ في «التلخيص الحبير» (2/ 223). (¬2) منها: ما أخرجه الدَّارمي (2/ 1122 رقم 1826) في المناسك، باب من مات ولم يحج، والرُّوياني في «مسنده» (2/ 301 رقم 1246) والبيهقي (4/ 333) وابن المقرئ في «الأربعين» (ص 122 رقم 62 - جمهرة الأجزاء) من طريق شريك، عن ليث بن أبي سُليم، عن عبد الرحمن بن سَابِط، عن أبي أُمَامة -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يمنعه عن الحجِّ حاجةٌ ظاهرةٌ، أو سلطانٌ جائِرٌ، أو مرضٌ حابِسٌ، فمات ولم يحجَّ، فليَمتْ إنْ شاءَ يهوديًا، وإنْ شاء نصرانيًا». وقد اضطرب فيه ليث، فرواه هكذا موصولاً. ورواه مرَّة عن عبد الرحمن بن سَابِط، مرسلاً! وروايته عند ابن أبي شيبة (3/ 929 رقم 14447) في الحج، باب في الرجل يموت ولم يحج وهو موسِر. وله طريق أخرى عن أبي أُمَامة رضي الله عنه: أخرجها أبو يعلى في «معجمه» (ص 961 رقم 231) -ومن طريقه: ابن عدي (5/ 72) - من طريق عمَّار بن مَطَر، عن شريك، عن منصور، عن سالم بن أبي الجَعْد، عن أبي أُمَامة، به. قلت: وهذا منكر، كما قال ابن عدي، والذهبي في «الميزان» (3/ 169). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ومنها: ما أخرجه الطبري في «تفسيره» (4/ 17) والبزَّار في «مسنده» (3/ 87 رقم 861) والعقيلي (4/ 348) وابن عدي (7/ 120) من طريق هلال بن عبد الله مولى ربيعة، عن أبي إسحاق الهَمْداني، عن الحارث الأعور، عن عليٍّ -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن ملك زادًا وراحلةً تُبلِّغه إلى بيتِ اللهِ، ولم يحجَّ؛ فلا عليه أنْ يموتَ يهوديًا أو نصرانيًا». قلت: وهذا منكر -أيضًا-، قال ابن عدي: ليس الحديث بمحفوظ. وقال العقيلي: لا يُتابَع عليه، وهذا يُروى عن عليٍّ موقوفًا، ويُروى مرفوعًا من طريق أصلح من هذا. وعدَّه الذهبي من مناكير هلال بن عبد الله. انظر: «الميزان» (4/ 315). وقد قال ابن الملقِّن في «خلاصة البدر المنير» (1/ 344): قال الدارقطني والعقيلي: لا يصحُّ في هذا الباب شيء. وقال في «البدر المنير» (6/ 29): وقال ابن المنذر: لا يثبت الحديث الذي ورد فيه ذِكر الزاد والراحلة، وليس بمتصل؛ لأن الصحيح من الروايات رواية الحسن البصريِّ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وقال الطبري في «تفسيره» (4/ 18): الأخبار التي رُويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك بأنه الزَّاد والراحلة، فإنها أخبار في أسانيدها نظر، لا يجوز الاحتجاج بمثلها في الدِّين. وقال ابن دقيق العيد: وليس فيها إسناد يحتج به. «نصب الراية» (3/ 10). وقال المؤلِّف في «تفسيره» (1/ 386): وقد روي هذا الحديث من طرق أخرى، من حديث أنس، وعبد الله بن عباس، وابن مسعود، وعائشة، كلُّها مرفوعة، ولكن في أسانيدها مقال. وضعَّف الشيخ الألباني في «الإرواء» (4/ 160 - 167) طرقه كلَّها، ثم قال: ويظهر أن ابن تيمية -رحمه الله تعالى- لم يُعط هذه الأحاديثَ والطرقَ حقَّها من النظر والنقد، فقال في «شرح العمدة» [1/ 129 - كتاب الحج] بعد سرده إياها: «فهذه الأحاديث مسنَدَة من طرق حسان، ومرسلة، وموقوفة، تدل على أن مناط الوجوب الزاد والراحلة ... «، فإنه ليس في تلك الطرق ما هو حسن، بل ولا ضعيف منجبر، فتنبَّه. وانظر: «علل الدارقطني» (5/ق 156/ب).

أثر آخر (295) قال محمد بن إسماعيل البصلاني: أنا محمد بن يحيى القُطَعي، ثنا عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة قال: ذُكِر لنا أنَّ عمرَ بن الخطاب قال: لقد هَمَمتُ أنْ أَبعثَ إلى الأمصارِ، فلا يُوجدُ رجلٌ قد بَلَغ سنًّا، وله سَعَةٌ ولم يحجَّ؛ إلا ضَرَبتُ عليه الجزيةَ، والله ما أولئكَ بمسلمينَ. والله ما أولئكَ بمسلمينَ. ورواه سعيد في «سننه». هذا منقطع بين قتادة وعمر رضي الله عنه. أثر آخر (296) قال الدارقطني (¬1): ثنا أبو محمد ابن صاعد، ثنا أبو عبيد (¬2) المخزومي، ثنا هشام بن سليمان وعبد المجيد، عن ابن جريج (¬3) قال: أخبرني عمر بن عطاء، عن عكرمة، عن ابن عباس، مثل قول عمر بن الخطاب: السَّبيلُ: الزَّادُ والراحلةُ. وقد رواه ابن ماجه في «سننه» (¬4) من حديث ابن جريج، حدَّثنيه عمر ¬

(¬1) في «سننه» (2/ 218). (¬2) قوله: أبو عبيد» كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «أبو عبيد الله»، وهو الصواب الموافق لما في كتب الرجال. انظر: «تهذيب الكمال» (10/ 526). (¬3) قوله: «ابن جريج» تحرَّف في المطبوع إلى: «ابن جرير»! وجاء على الصواب في النسخة المحققة (3/ 219 رقم 2427 - ط مؤسسة الرسالة). (¬4) (2/ 967 رقم 2897) في الحج، باب ما يوجب الحج. ومداره على عمر بن عطاء، وقد قال عنه أحمد: ليس بقويٍّ في الحديث. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال ابن عدي: قليل الحديث، ولا أعلم يروي عنه غير ابن جريج. انظر: «تهذيب الكمال» (21/ 463).

بن عطاء، -وهو: ابن وَرَاز، وهو ضعيف-، عن عكرمة، عن ابن عباس، فرَفَعه. وسيأتي (¬1) الكلام على ذلك في مسند ابن عباس إن شاء الله. أثر آخر (297) قال أبو عبيد (¬2): ثنا يحيى بن سعيد، ويزيد بن هارون، عن سَلِيم (¬3) بن حيَّان، عن موسى بن قطن، عن أُميَّة بن مُحرِز (¬4)، عن عمرَ أنَّه قال: حجُّوا بالذُّريَّة، لا تأكلوا أرزاقَها، وتَذَرُوا أربَاقَهَا في أعناقِها. قال أبو عبيد: قلت ليحيى: ما وجه هذا الحديث؟ فقال: لا أعرفه. فقلت: إنَّه لم يُرد بالذُّريَّة الصبيانَ، وإنما أراد النساءَ، كما في الحديث: أنَّه رأى امرأةً مقتولةً، فقال: «مُرُوا خالدًا: ألا يَقتُلَ ذُرِيَّةً ولا عَسِيفًا» (¬5). ¬

(¬1) انظر: «جامع المسانيد والسُّنن» (ص 446 رقم 1425 - مسند ابن عباس). (¬2) في «غريب الحديث» (4/ 256). وأخرجه -أيضًا- مُسدَّد في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (2/ 13 رقم 1163) وابن سعد (8/ 470) وابن أبي شيبة (3/ 203 رقم 13528) في الحج، باب في الرجل عليه أن يحج بامرأته أم لا؟ والبخاري في «التاريخ الكبير» (7/ 293) والفاكهي في «أخبار مكة» (1/ 385 رقم 816) من طريق سَلِيم بن حيَّان، به. وجوَّد إسناده الحافظ في «الإصابة» (13/ 147). (¬3) قوله: «سليم» تحرَّف في المطبوع إلى: «سليمان «! وانظر: «تهذيب الكمال» (11/ 348). (¬4) كذا ورد بالأصل. وصوابه: «آمنة بنت مُحرِز «، كما جاء في مصادر التخريج، إلا أنه وقع اختلاف في اسمها، فقال بعضهم: «أُميَّة»! وعند بعضهم: «ميَّة»! (¬5) أخرجه البخاري في «التاريخ الصغير» (1/ 142، 143) وأبو داود (2669) في الجهاد، باب في قتل النساء، والنسائي في «الكبرى» (5/ 186 رقم 8625، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = 8626) وابن ماجه (2842) في الجهاد، باب الغارة والبيات وقتل النساء والصبيان، وأحمد (3/ 488) و (4/ 179، 346) وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (5/ 221 رقم 2751) والروياني في «مسنده» (2/ 440 رقم 1464) وأبو يعلى (3/ 115 رقم 1546) -وعنه: ابن حبان (11/ 110 رقم 4789 - الإحسان) - والطبري في «تهذيب الآثار» (ص 562 رقم 1032 - القسم المفرد) والحاكم (2/ 122) من طريق المرقَّع بن صيفي، عن جدِّه رباح بن الربيع قال: كنَّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمررنا على امرأة مقتولة، قد اجتمع عليها الناس، فأفرَجوا له، فقال: «ما كانت هذه تقاتل فيمن يُقاتِلُ!»، ثم قال لرجل: «انطلِق إلى خالد بن الوليد، فقل له: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يأمركَ، يقول: لا تقتلنَّ ذريَّة ولا عَسِيفًا». ورواه عن المرقِّع بن صيفي جماعة، وهم: عمرو بن المرقِّع، وأبو الزِّناد، وموسى بن عُقبة. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. وتعقَّبهما الشيخ الألباني، فقال في «السلسلة الصحيحة» (2/ 314): كلاَّ، بل هو صحيح فقط، المرقَّع بن صيفي لم يرو له الشيخان شيئًا، وهو ثقة. اهـ. وصحَّح إسناده البوصيري في «مصباح الزجاجة «(3/ 172). وحسَّنه ابن الملقن في «البدر المنير» (9/ 80). وقال البيهقي في «معرفة السُّنن والآثار» (13/ 252): وهذا إسناد لا بأس به، إلا أن الشافعيَّ قال: لست أعرف مرقِّع هذا. وكذا ردّه ابن حزم في «المحلى» (7/ 298) وابن القطان في «بيان الوهم والإيهام» (5/ 80) لجهالة مرقِّع. قلت: المرقِّع بن صَيفي ذكره ابن حبان في «الثقات» (5/ 460) وقال: يروي عن ابن عباس وأبي ذرّ، وكان شاعرًا، روى عنه أبو الزِّناد، وموسى بن عُقبة، وابنه عمر بن المرقِّع. وقال ابن الملقن في «البدر المنير» (9/ 83): ولك أن تقول: قد روى عنه جماعة، وسَمِعَ ابن عباس ورباحًا، ووثِّق كما سلف، وخرَّج ابن حبان والحاكم له في «صحيحيهما «، وصحَّحا حديثه، فهو إذًا معروف الحال. =

قال: والأرباق: هي التي تُوضَع في أعناق الأسارى. قال زُهَير: أَشَمُّ أبيضُ فيَّاضٌ يُفَكِّكُ عن ... أيدي العُناةِ وعن أعناقِها الرِّبقَاَ ¬

_ = ووثَّقه الذهبي في «الكاشف». وقال الحافظ في «التقريب»: صدوق. وقال في «تهذيب التهذيب» (10/ 88) متعقبًا على ابن حزم: وهو من إطلاقاته المردودة. والعَسيف: الأَجير، وقيل: الشيخ الفاني، وقيل: العَبد. «النهاية» (3/ 236). وقال السِّندي في حاشيته على «سنن ابن ماجه» (3/ 381 - ط دار المعرفة): وكأن المراد الأجير على حفظ الدواب ونحوه، لا الأجير على القتال. وقد أخرج البخاري (6/ 148 رقم 3014، 3015 - فتح) في الجهاد، باب قتل الصبيان في الحرب، وباب قتل النساء في الحرب، ومسلم (1744) في الجهاد، باب تحريم قتل النساء والصبيان في الحرب، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ امرأةً وُجِدَت في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم مقتولةً، فأَنكَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قتلَ النساءِ والصبيانِ. قال النووي في «شرح صحيح مسلم» (12/ 48): أجمع العلماء على العمل بهذا الحديث، وتحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتِلوا، فإن قاتَلوا؛ قال جماهير العلماء: يُقتلون.

حديث في فرضية الحج والعمرة

حديث في فرضية الحجِّ والعمرة (298) قال الإمام أحمد رحمه الله (¬1): ثنا سفيان، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، يحدِّث عن عمر، يَبلُغُ به -وقال سفيان مرَّة: عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال-: «تَابِعوا بين الحجِّ والعمرةِ، فإنَّ مُتابَعةً بينهما يَنفِيانِ الفقرَ والذنوبَ، كما يَنفِي الكِيرُ الخَبَثَ». وهكذا رواه ابن ماجه (¬2)، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن سفيان / (ق 119) -وهو: ابن عيينة-، به. ورواه الحافظ أبو يعلى (¬3)، عن القَوَاريري، وأبي خيثمة، عن سفيان بن عيينة، به. وقد رواه ابن ماجه -أيضًا- (¬4)، عن ابن أبي شيبة، عن محمد بن بِشر، عن عبيد الله بن عمر، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه، عن عمر، به. ورواه علي ابن المديني، عن سفيان بن عيينة، عن عاصم -قال سفيان: مرَّة كان يقول:- عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه، عن عمر! ومرَّة: عن عبد الله بن عامر، عن عمر، ولا يقول: «عن أبيه». وزاد فيه مرَّة: «ويَزيدانِ في العمرِ». وضعَّفه سفيان جدًّا. قال ابن المديني: وعاصم بن عبيد الله: ضعيف. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 25 رقم 167). (¬2) في «سننه» (2/ 964 رقم 2887) في المناسك، باب فضل الحج والعمرة. (¬3) في «مسنده» (1/ 176 رقم 198). (¬4) في الموضع السابق.

قلت: عاصم بن عبيد الله هذا هو: العُمَري، وهو ضعيف جدًّا، وقد اختلفوا عليه في هذا الحديث، كما قال الحافظ أبو الحسن الدارقطني رحمه الله (¬1): روى هذا الحديث زُهَير، وابن نُمَير، وعَبدة بن سليمان، وأبو حفص الأبَّار، وأبو بدر، ومحمد بن بِشر، كلُّهم عن عبيد الله بن عمر، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر، عن أبيه، عن عمرَ بن الخطاب، به. وخالَفَهم علي بن مُسْهِر، وأبو أسامة، ويحيى بن سعيد، فرَوَوه عن عبيد الله بن عمر، لم يَذكروا في الإسناد: «عن أبيه». ورواه سفيان بن عيينة فجوَّد إسنادَه، وبيَّن أن عاصمًا كان يضطَّرب فيه، فمرَّة يُنقص من إسناده رجلاً، ومرَّة يزيد فيه، ومرَّة يَقِفه على عمر. قال ابن عيينة: وأكثر ذلك كان يقوله: «عن عبد الله بن عامر، عن أبيه، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم». قال الدارقطني: وعاصم بن عبيد الله: ليس بحافظ. ثم أَطنَبَ الدراقطنيُّ / (ق 119) في تعليله هذا الحديث، وقد ذَكَرنا من كلامه ما فيه كفاية إن شاء الله، وبه الثقة (¬2). ¬

(¬1) في «العلل» (2/ 127). (¬2) وفي الباب عن ابن مسعود -رضي الله عنه- مرفوعًا: «تابعوا بين الحجِّ والعمرةِ، فإنهما ينفيانِ الفقرَ والذنوبَ، كما ينفي الكِيرُ خبثَ الحديدِ، والذَّهبِ، والفضَّةِ، وليس للحجِّ المبرورِ ثوابٌ دون الجنَّةِ»: أخرجه الترمذي (3/ 175 رقم 810) في الحج، باب ما جاء في ثواب الحج والعمرة، والنسائي (5/ 122 رقم 2630) في المناسك، باب فضل المتابعة بين الحج والعمرة، وأحمد (1/ 387 رقم 3669) وابن خزيمة (4/ 170 رقم 2512) وابن حبان (9/ 6 رقم 3693 - الإحسان) من طريق عمرو بن قيس، عن عاصم، عن شقيق، عن ابن مسعود، به. قال الترمذي: حسن صحيح غريب من حديث ابن مسعود. وحسَّنه الشيخ الألباني في «السلسلة الصحيحة» (3/ 197).

أثر في فضل الحج والعمرة والجهاد

أثر في فضل الحجِّ والعمرة والجهاد (299) قال أبو عبيد (¬1): ثنا ابن عُليَّة، عن إسحاق بن سُوَيد، عن حُرَيث بن الربيع -وهو أخو حُجَير بن الرَّبيع-، عن عمرَ أنَّه قال: كَذَب عليكم الحجُّ، كَذَب عليكم العمرةُ، كَذَب عليكم الجهادُ، ثلاثةُ أسفارٍ كَذَبنَ عليكم. قال ابن عُليَّة: قال إسحاق بن سُوَيد: العرب تقول للمريض: كَذَب عليك العسلُ، كَذَب عليك كذا وكذا، أي: عليك به. وكذلك حكى أبو عبيد عن الأصمعي: أنَّ معناه: الإغراء. ¬

(¬1) في «غريب الحديث» (4/ 148). وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (5/ 172 رقم 9276) وعمر بن شبَّة في «تاريخ المدينة «(2/ 746) من طريق حُرَيث، به. وهذا إسناد رجاله ثقات، ولم أجد من نصَّ على سماع حُرَيث بن الربيع من عمر.

أثر في استحباب الحج عاما والغزو عاما

أثر في استحباب الحجِّ عامًا والغزو عامًا (300) قال أبو عبيد (¬1): ثنا يحيى بن سعيد، عن ثابت بن يزيد الأودي، عن عمرو بن ميمون، عن عمر أنَّه قال: حَجَّةٌ ههنا، ثم احْدِجْ ههنا، حتى تَفْنَى. قال أبو عبيد: قوله: ثم احْدِجْ ههنا: يعني: إلى الغزو، والحَدْجُ: شدُّ الأحمالِ وغيرُها، أَحْدِجُها حَدْجًا. قال طَرَفَة: كأنَّ حُدوجَ المالِكِيَّة غُدْوَةً ... خَلايَا سَفينِ بالنَّواصفِ من دَد قال أبو عبيد: والذي يراد من هذا الحديث أنَّه فضَّل الغزو بعد حجَّة الإسلام على الحجِّ، ولهذا قال: حتى تَفْنَى: أي: تَهرِمَ. وهذا الذي قاله أبو عبيد -رحمه الله- أَظهر ممَّا ترجمت به الأثر، وإن كان ذاك محتملاً، والله أعلم. ¬

(¬1) في «غريب الحديث» (4/ 191). وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (4/ 230 رقم 19495) في الجهاد، باب ما ذكر في فضل الجهاد والحث عليه، من طريق ثابت، به. وثابت بن يزيد الأَودي، ضعَّفه ابن معين، وأبو حاتم، والنسائي، وأحمد، وغيرهم. انظر: «تهذيب التهذيب» (2/ 18).

حديث في جواز الحداء في السفر من حج وغيره

حديث في جواز الحُدَاء في السَّفر من حجٍّ وغيره (301) قال الإمام محمد بن عبد الرحمن المخلِّص: ثنا يحيى بن محمد بن صاعد، ثنا محمد بن يحيى بن كثير الحرَّاني بها، ثنا محمد بن موسى بن أَعْين، ثنا عبد الله بن إدريس، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس قال: قال عمرُ: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن رواحة: «لو حَرَّكتَ بنا الرِّكابَ». فقال: لقد تَرَكتُ قولي. فقال له عمر: اسمَعْ وأَطِعْ. فقال: اللهمَّ لولا أنت ما اهْتَدَينا ... ولا تَصدَّقنا ولا صَلَيْنا فأَنْزِلَنْ سكينةَ علينا ... وثبِّتِ الأقدامَ إن لاَقَيْنا فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «اللهمَّ ارْحَمْهُ». فقال عمرُ: وجَبَتْ. ورواه النسائي (¬1)، عن محمد بن يحيى بن كثير الحرَّاني، به. واختاره الضياء في كتابه (¬2). ¬

(¬1) في «سننه الكبرى» (5/ 69 رقم 8250). (¬2) «المختارة» (1/ 381 رقم 264) ولهذا الخبر علَّة ذكرها الدارقطني في «العلل» (2/ 199 رقم 218) فقال: رواه محمد بن موسى بن أَعْين، وسعيد بن عبد الملك بن واقِد، عن ابن إدريس، عن إسماعيل، عن قيس، عن عمرَ. ورواه عمر بن علي المُقدَّمي، عن إسماعيل، عن قيس: أنَّ عبد الله بن رواحة. وغيرهما يَرويه عن إسماعيل، عن قيس قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن رواحة. مرسلاً، وهو أشبه بالصواب.

أثر في ذلك عن عمر (302) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا أبو النَّضر، ثنا شريك، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر قال: سَمِعَ عمرُ -رضي الله عنه- صوتَ ابن المُغتَرِف الحادي في جوف الليل، ونحن منطلقون إلى مكةَ، فأَوْضَعَ عمرُ راحلتَهُ حتى دخل مع القوم، فإذا هو مع عبد الرحمن -يعني: ابن عوف-، فلما طلع الفجرُ، قال عمرُ: الآن اسْكُتْ، الآن قد طلع الفجرُ، اذكروا اللهَ. أثر آخر (303) قال أبو عبد الله ابن بطَّة رحمه الله: ثنا ابن أبي العقب، ثنا أبو زرعة، أنا ابن أبي مريم، أنا أسامة بن زيد، عن أبيه، / (ق 120) عن ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 192 رقم 1668). ومن طريقه: أخرجه الضياء في «المختارة» (3/ 131 رقم 933)! وإسناده ضعيف؛ لضعف شريك، وعاصم. وله طريق أخرى: أخرجها البيهقي (5/ 69) وابن عبد البر في «الاستيعاب» (3/ 210) من طريق يونس بن محمد المُؤدِّب، عن فليح، عن ضَمرة بن سعيد، عن قيس بن أبي حذيفة، عن خوَّات بن جُبَير قال: خَرَجنا حجَّاجًا مع عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه-، فسِرنا في ركبٍ فيهم أبو عُبيدة بن الجرَّاح، وعبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنهما-، قال: فقالوا: غَنِّنَا من شِعر ضِرَار. فقال عمرُ رضي الله عنه: دعوا أبا عبد الله يتغنَّى من بُنيَّاتِ فؤاده -يعني من شِعره-. قال: فما زلت أغنيِّهم حتى إذا كان السَّحَر، فقال عمرُ رضي الله عنه: ارفع لسانَك يا خَوَّات، فقد أسحرنا. وفي سنده قيس بن أبي حذيفة، -ويقال: قيس بن حذيفة-: مجهول الحال، ذكره البخاري في «التاريخ الكبير» (7/ 151 رقم 675) وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (7/ 95 رقم 544) وسكتا عنه. وفليح بن سليمان: صدوق، كثير الخطإ، كما قال الحافظ في «التقريب». وبمجموع هذين الطريقين يحسَّن الأثر.

جدِّه قال: خَرَجنا مع عمرَ للحجِّ، فسَمِعَ رجلاً يغنِّي، فقيل: يا أميرَ المؤمنين، إنَّ هذا يغنِّي، وهو مُحرِمٌ! فقال: دَعُوهُ، فإنَّ الغناءَ زادُ الراكبِ (¬1). أسامة بن زيد بن أسلم قد تكلَّموا فيه. أثر آخر (304) قال يعقوب بن سفيان (¬2): ثنا ابن بَشَّار، ثنا محمد بن عبد الله بن الزُّبير، ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد قال: كان عمرُ ينهى أن يُعرِّضَ الحادِي بذِكرِ النساءِ، وهو مُحرِمٌ. هذا منقطع. ¬

(¬1) وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (3/ 244 رقم 13953) في الحج، باب في الحُدَاء للمُحرِم، والبيهقي (5/ 68) من طريق أسامة بن زيد، به. (¬2) في «المعرفة والتاريخ» (2/ 171). وهذا الأثر يَرويه الثوري، واختُلف عليه، فرواه محمد بن عبد الله بن الزُّبير -كما هنا- وتابَعَه كل من: 1 - وكيع: وروايته عند أحمد في «العلل ومعرفة الرجال» (2/ 7 - رواية عبد الله). 2 - أبو نعيم: وروايته عند الفَسَوي في «المعرفة والتاريخ» (2/ 170). وخالَفَهما يحيى بن سعيد القطان، وابن مهدي، وعبد الرزاق، فرَوَوه عن الثوري، عن منصور، عن مجاهد قال: كان ابن عمر يقول للحادي: لا تُعرِّض بذكر النساء. فجعلوه من مسند ابن عمر. ومن هذا الوجه: أخرجه الطبري في «تفسيره» (2/ 264) والفَسَوي في «المعرفة والتاريخ» (2/ 171) والبيهقي (5/ 67). وقد عزا الإمام أحمد هذا الاختلاف إلى الثوري، فقال أبو داود: سَمِعتُ أحمد ذكر حديث سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، قول عمر، واختلافهم على سفيان، قال: أراه من سفيان، يعني حديثه: أنه سَمِعَ رجلاً يتغنى، فقال: لا تُعرِّض بذكر النساء. انظر: «مسائل أحمد» (ص 441 رقم 2017 - رواية أبي داود).

أثر في قلة الكلفة في طريق الحج

أثر في قلة الكلفة في طريق الحج (305) قال محمد بن إسحاق بن خزيمة (¬1): ثنا أحمد بن عَبدة، عن حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: خَرَجت مع عمرَ بن الخطاب حاجًّا إلى أن رَجَعنا، فما ضَرَبَ فُسْطاطًا (¬2) ولاخِباءً، كان يُلقِي الكساءَ والنِّطعَ على الشجرةِ، فيَستَظِلُّ به. إسناده صحيح. ¬

(¬1) لم أقف عليه في مظانِّه من مصنَّفاته المطبوعة، ومن طريقه: أخرجه ابن عساكر في «تاريخه» (44/ 305). وأخرجه -أيضًا- ابن سعد (3/ 279) وابن أبي شيبة (3/ 274 رقم 14251) في الحج، باب في المُحرِم يستظل، والبلاذُري في «أنساب الأشراف» (ص 181 - 182) والبيهقي (5/ 70) من طريق يحيى بن سعيد، به. (¬2) الفُسْطاط: ضَرْب من الأبنية في السفر دون السُّرادق. «النهاية» (3/ 445).

أثر آخر في خروج المرأة في الحج مع من تأمن معه على نفسها

أثر آخر في خروج المرأة في الحجِّ مع من تأمن معه على نفسها (306) قال البخاري (¬1): قال لي أحمد بن محمد: ثنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن جدِّه قال: أَذِنَ عمرُ -رضي الله عنه- لأزواجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في آخرِ حجَّةٍ حجَّها، فبَعَثَ معهنَّ عثمانَ بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما. هذا يُعدُّ من تعليقات البخاري الجيِّدة القوية (¬2). ¬

(¬1) في «صحيحه» (4/ 72 رقم 1860 - فتح) في جزاء الصيد، باب حج النساء. (¬2) في عدِّ هذا معلَّقًا نظر، فقد قال الحافظ في «تغليق التعليق» (2/ 10): إذا قال البخاري: ((قال لنا)) أو ((قال لي)) أو ((زادنا)) أو ((زادني)) أو ((ذَكَر لنا)) أو ((ذُكِرَ لي)) فهو وإنْ ألحقه بعض من صنَّف في الأطراف بالتعاليق، فليس منها، بل هو متَّصل، صريح في الاتصال، وإن كان أبو جعفر ابن حمدان قد قال: إن ذلك عَرْض ومناولة! وكذا قال ابن منده: إنَّ ((قال لنا)) إجازة! فإن صحَّ ما قالاه؛ فحكمه الاتصال -أيضًا- على رأي الجمهور، مع أنَّ بعض الأئمَّة ذكر أنَّ ذلك مما حمله عن شيخه في المذاكرة، والظاهر أن كلَّ ذلك تحكُّم، وإنما للبخاري مقصد في هذه الصِّيغة وغيرها، فإنه لا يأتي بهذه الصِّيغة إلا في المتابعات والشواهد، أو في الأحاديث الموقوفة، فقد رأيته في كثير من المواضع التي يقول فيها في «الصحيح «: ((قال لنا)) قد ساقها في تصانيفه بلفظ ((ثنا))، وكذا بالعكس، فلو كان مثل ذلك عنده إجازة، أو مناولَة، أو مكاتبة، لم يَستجِز إطلاق ((ثنا)) فيه من غير بيان. وقال في «الفتح» (1/ 156): وقد ادَّعى ابن منده أنَّ كل ما يقول البخاري فيه: ((قال لي)) فهي إجازة، وهي دعوى مردودة، بدليل أني استقريت كثيرًا من المواضع التي يقول فيها في «الجامع «: ((قال لي)) فوَجَدته في غير الجامع يقول فيها: ((حدثنا))، والبخاري لا يستجيز في الإجازة إطلاق التحديث، فدل على أنها عنده من المسموع، لكن سبب استعماله لهذه الصيغة ليفرِّق بين ما يبلغ شرطه، وما لا يبلغ، والله أعلم.

وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، ففيه انقطاع بين إبراهيم بن عبد الرحمن وبين عمر (¬1)، اللهمَّ إلا أن يقال: إنَّه سَمِعَه من أبيه، وهذا هو الظاهر, ولهذا اختاره البخاري من تعليقات كتابه «الصحيح». / (ق 121) أثر آخر (307) قال الشيخ أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي: أنا سعد الخير بن محمد الأنصاري، أنا طُرَاد بن محمد، أنا ابن رَزقويه، أنا محمد بن يحيى بن عمر، ثنا علي بن حرب (¬2) قال: ثنا سفيان بن عيينة، ¬

(¬1) قال الحافظ في «الفتح» (4/ 73): وإدراكه لذلك ممكن؛ لأن عمره إذ ذاك كان أكثر من عشر سنين، وقد أثبت سماعه من عمر يعقوب بن شيبة، وغيره. (¬2) وهو في «جزئه» (ق 82 / ب). وأخرجه -أيضًا- مالك (2/ 107) في الطلاق، باب مقام المتوفى عنها زوجها في بيتها حتى تحلَّ، -ومن طريقه: ابن أبي شيبة (4/ 159 رقم 18847) في الطلاق، باب ما قالوا في المطلقة لها أن تحج في عدَّتها، من كرهه، والطحاوي (3/ 80) والبيهقي (7/ 435) - عن حميد، به. قال الشيخ الألباني في «الإرواء» (7/ 208): وهذا إسناد رجاله ثقات، على الخلاف في سماع سعيد من عمر. قلت: وقد خولف ابن عيينة ومالك في روايتهما، خالَفَهما ابن جريج، فرواه عن حميد، عن مجاهد، عن عمرَ وعثمان. ومن هذا الوجه: أخرجه عبد الرزاق (7/ 33 رقم 12071) وابن أبي شيبة (3/ 311 رقم 14644) في المناسك، باب من كره أن تحج في عدَّتها، و (4/ 159 رقم 18842) ولفظه: أنَّ عمرَ وعثمانَ ردَّا نسوةً حواجَّ أو معتمراتٍ حتى اعتدَدْنَ في بيوتهن. وهذا منقطع بين مجاهد وعمر وعثمان. تنبيه: سقط ذِكر «مجاهد «من رواية ابن أبي شيبة، وجاء على الصواب في (10/ 117 رقم 19179 - ط دار القبلة) ولم ينِّبه عليه محقِّقا «المؤلِّف «(6/ 569 رقم 19061 - ط مكتبة الرشد). وقيل: عن منصور، عن مجاهد، عن ابن المسيّب، عن عمرَ! ومن هذا الوجه: أخرجه عبد الرزاق (12072) وابن أبي شيبة (14642) و (18841) وسعيد بن منصور (1/ 317 رقم 1343) ولفظه: أنَّ عمرَ بن الخطاب ردَّ نسوةً حاجَّاتٍ أو معتمراتٍ خرجنَ في عدَّتهن. هذه الطرق على اختلافها ليس فيها شيء متصل. وله طريق أخرى: أخرجها ابن أبي شيبة (6/ 569 رقم 19065 - ط دار الرشد) في الطلاق، باب ما قالوا في المطلَّقة لها أن تحج في عدَّتها؟ من كرهه، عن أبي خالد الأحمر، عن أشعث بن سوَّار، عن أبي الزبير، عن جابر قال: ردَّ عمرُ بن الخطاب نسوةً من ذي الحليفة حاجَّات قُتِلَ أزواجُهُن في بعض تلك المياه. وإسنادها ضعيف؛ لضعف أشعث، وتدليس أبي الزُّبير.

عن حميد الأعرج، عن عمرو بن شعيب، عن سعيد بن المسيّب قال: رَدَّ عمرُ بن الخطاب نسوةً من البَيداءِ خَرَجنَ مُحرِمَاتٍ في عِدَّتِهِنَّ.

حديث في المواقيت

حديث في المواقيت (308) قال البخاري (¬1): ثنا علي بن مسلم، ثنا عبد الله بن نُمَير، ثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ قال: لما فُتِحَ هذان المِصْران (¬2) أَتَوا عمرَ، قالوا: يا أميرَ المؤمنين، إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حَدَّ لأهلِ نجدٍ قَرْنًا (¬3)، وهو جَوْرٌ عن طريقنا، وإنَّا إنْ أَرَدْنا قَرْنًا شَقَّ علينا. قال: فانظُرُوا حَذْوَهَا من طريقكم، فحَدَّ لهم ذاتَ عِرْقٍ (¬4). تفرَّد به البخاري. وهو في «صحيح مسلم» (¬5) عن جابر، كالمرفوع (¬6): أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حَدَّ لأهلِ العراقِ ذاتَ عِرْقٍ. ¬

(¬1) في «صحيحه» (3/ 389 رقم 1531 - فتح) في الحج، باب ذات عِرق لأهل العراق. (¬2) المِصران: الكوفة والبصرة. «النهاية» (4/ 336). (¬3) أي: قَرْن المنازل، وهو قَرْن الثعالب، ميقات أهل نجد. «معجم البلدان» (4/ 332). (¬4) ذات عِرق: سُمِّي بذلك لأنَّ فيه عِرقًا، وهو الجبل الصغير، وهي أرض سَبِخة تُنبِت الطَرفاء، بينها وبين مكة مرحلتان. «الفتح» (3/ 389). (¬5) (2/ 841 رقم 1183) في الحج، باب مواقيت الحج والعمرة، من طريق ابن جريج قال: أخبرني أبو الزُّبير: أنه سَمِعَ جابرَ بن عبد الله يُسأل عن المُهَلِّ، فقال: سَمِعتُ -أَحسَبُهُ رَفَع إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم- فقال: ... ، فذكر الحديث، وفيه: «ومُهَلُّ أهل العراق من ذات عِرق». قال الشافعي في «الأم» (2/ 137): ولم يُسمّ جابر بن عبد الله النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وقد يجوز أن يكون سَمِعَ عمرَ بن الخطاب. وقال الحافظ في «الفتح» (3/ 390): وقد وقع في حديث جابر عند مسلم إلا أنه مشكوك في رفعه. (¬6) يَرويه أبو الزُّبير، واختُلف عليه في رفعه ووقفه: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وقد رواه غير ابن جريج فرفعه، فأخرجه أحمد (3/ 336) من طريق الحسن بن موسى. والبيهقي (5/ 27) من طريق ابن وهب. كلاهما (الحسن، وابن وهب) عن ابن لَهِيعة، عن أبي الزُّبير، عن جابر، مرفوعًا، دون شكٍّ. وهذا إسناد ضعيف؛ لتدليس أبي الزُّبير، وضعف ابن لَهِيعة. وأخرجه ابن ماجه (2/ 972 رقم 2915) في المناسك، باب مواقيت أهل الآفاق، من طريق إبراهيم بن يزيد (وهو: الخُوزي) عن أبي الزُّبير، به، مرفوعًا! وهذا إسناد تالف، الخُوزي: متروك الحديث، وقد قال البيهقي عقب روايته: كذا قاله عبد الله بن لَهِيعة، وكذلك قيل: عن ابن أبي الزِّناد، عن موسى بن عُقبة، عن أبي الزُّبير. والصحيح: رواية ابن جريج. وهذه الروايات لا عبرة بها، لما فيها من الضعف. وقد حسَّن محقِّقو «مسند الإمام أحمد» (22/ 459 رقم 14615 - ط مؤسسة الرسالة) رواية ابن لَهِيعة، لمجيئها من طريق ابن وهب، لكن لم يتنبهوا لعنعنة أبي الزُّبير، ومخالفة ابن لَهِيعة لابن جريج، ولم يعرِّجوا على كلام الإمام البيهقي في إعلاله لرواية ابن لَهِيعة مع اطلاعهم عليه! وله طريق أخرى عن جابر، يرويها الحجَّاج بن أرطاة، ومع ضَعفه؛ فقد اضطَّرب فيها: فمرة قال: عن عطاء، عن جابر. وعن أبي الزُّبير، عن جابر. وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه، مرفوعًا! انظر: «مسند أحمد» (2/ 181 رقم 6697) و «سنن الدارقطني» (2/ 236) و «سنن البيهقي» (5/ 28). ومرة قال: عن عطاء، عن جرير بن عبد الله البَجَلي، مرفوعًا! وروايته عند إسحاق بن راهويه في «مسنده»، كما في «نصب الراية» (3/ 14). ومرة قال: عن عطاء مرسلاً! وروايته عند الشافعي في «الأم» (2/ 137). قال الزَّيلعي: والظاهر أن هذا الاضطِّراب من الحجَّاج، فإن من دونه ومن فوقه ثقات. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وصحَّح الوجهَ المرسل البيهقي، فقال في «سننه» (5/ 28) بعد أن رواه من طريق الشافعي: هذا هو الصحيح عن عطاء، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وقد رواه الحجَّاج بن أرطاة -وضَعفه ظاهر-، عن عطاء وغيره، فوَصَله. قلت: وفي الباب عن عائشة، والحارث بن عمرو السَّهمي، وابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهم: أما حديث عائشة: فأخرجه أبو داود (2/ 411 رقم 1739) والنسائي (5/ 131، 133 رقم 2652، 2655) في المناسك، باب ميقات أهل مصر، وباب ميقات أهل العراق، وابن الأعرابي في «معجمه» (3/ 1082 رقم 2335) وابن عدي (1/ 417) وأبو الفضل الزهري في «حديثه» (1/ 397 رقم 398) والدارقطني (2/ 236) والبيهقي (5/ 28) من طريق المُعافَى بن عمران، عن أفلح بن حميد، عن القاسم بن محمد، عن عائشة -رضي الله عنها-: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل العراق ذاتَ عِرق. قال ابن عدي: قال لنا ابن صاعد: كان أحمد بن حنبل يُنكِر هذا الحديث مع غيره على أَفلح بن حميد، فقيل له: تروي (كذا، ولعل الصواب: روى) عنه غير المُعافَى؟ فقال: المُعافَى بن عمران ثقة. ثم قال ابن عدي: وإنكار أحمد على أفلح في هذا الحديث قوله: «ولأهل العراق ذات عِرق»، ولم يُنكِر الباقي من إسناده ومتنه شيئًا. وأما حديث الحارث بن عمرو السَّهمي: فأخرجه أبو داود (2/ 413 رقم 1742) والدارقطني (2/ 236) والبيهقي (5/ 28) من طريق عبدالوارث بن سعيد، عن عُتبة بن عبد الملك السَّهمي، عن زُرارة بن كريم، عن الحارث بن عمرو السَّهمي -رضي الله عنه- قال: أتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو بمنىً أو بعرفات، وقد أطاف به الناس ... ، الحديث، وفيه: ووقَّت ذات عِرق لأهل العراق. قال البيهقي في «معرفة السُّنن والآثار» (7/ 96): وفي إسناده مَن هو غير معروف. وأما حديث ابن عمر: فأخرجه أحمد (2/ 78) قال: حدثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، سَمِعتُ صدقة بن يَسَار، سَمِعتُ ابن عمر يحدِّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنَّه وقَّت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قَرنًا، ولأهل العراق ذات عِرق، ولأهل اليمن يلملم. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وهذا إسناد صحيح، إلا أن ذِكر ميقات أَهل العراق فيه شاذ، وبيان ذلك كالتالي: فقد أخرجه الطيالسي (3/ 430 رقم 2033) عن شعبة، به، ولم يَذكر ميقات أَهل العراق. وأخرجه أحمد (2/ 140،11) عن ابن عيينة وجرير بن عبد الحميد، عن صدقة بن يَسَار، به، ولم يَذكر ميقات أهل العراق، وفيه: أنهم قالوا لابن عمر: فأين أهل العراق؟ فقال: لم يكن يومئذ. كما قد خالف صدقةُ كبارَ أصحاب ابن عمر المتقنين، الذين لم يَذكروا هذه الزيادة، وهم: 1 - نافع مولى ابن عمر: وروايته عند مالك (1/ 444) في الحج، باب مواقيت الإهلال، والبخاري (3/ 387 رقم 1525 - فتح) في الحج، باب ميقات أهل المدينة ... ، ومسلم (2/ 839 رقم 1182) في الحج، باب مواقيت الحج والعمرة. 2 - عبد الله بن دينار: وروايته عند مالك (1/ 445) والبخاري (13/ 305 رقم 7344 - فتح) ومسلم (2/ 840 رقم 1182) (16). 3 - سالم بن عبد الله بن عمر: وروايته عند البخاري (3/ 388 رقم 1527، 1528 - فتح) ومسلم (2/ 840 رقم 1183) (13) (14). وممَّن أعلَّ ذكر ذات عِرق في رواية ابن عمر: الإمام مسلم، فقال في كتاب «التمييز» (ص 215): وفي رواية سالم، ونافع، وابن دينار: «ولأهل نجد قَرنًا»، وميَّزوا في رواياتهم لأهل اليمن (كذا؟): أنَّ ابن عمر لم يَسْمع ذلك من النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وفي رواية ميمون: «جعل لأهل المشرق ذات عِرق». وسالم، ونافع، وابن دينار، كلُّ واحد منهم أولى بالصحيح عن ابن عمرَ من ميمون الذي لم يَسْمعه من ابن عمر. اهـ. وأما ما أخرجه إسحاق بن راهويه في «مسنده»، كما في «نصب الراية» (3/ 13) عن عبد الرزاق قال: سَمِعتُ مالكًا يقول: وقَّت رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لأهل العراق ذات عِرق. فقلت له: من حدَّثك بهذا؟ قال: حدَّثني به نافع، عن ابن عمرَ. فهي رواية شاذة، قال الدارقطني في «العلل»، كما في «نصب الراية» (3/ 13): روى عبد الرزاق، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمرَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل العراق ذات عِرق، ولم يُتابَع عبد الرزاق على ذلك، وخالَفَه أصحاب مالك فرووه =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = عنه، ولم يَذكروا فيه ميقات أهل العراق. وكذلك رواه أيوب السَّختياني، وابن عَون، وابن جريج، وأسامة بن زيد، وعبد العزيز بن أبي روَّاد، عن نافع. وكذلك رواه سالم، عن ابن عمرَ. وعمرو بن دينار، عن ابن عمرَ. وأما حديث ابن عباس: فأخرجه أبو داود (2/ 412 رقم 1740) والترمذي (3/ 194 رقم 832) في الحج، باب ما جاء في مواقيت الإحرام لأهل الآفاق، وأحمد (1/ 344) والبيهقي (5/ 28) من طريق يزيد بن أبي زياد، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: وقَّت رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لأهل المشرق العقيق. قال الترمذي: هذا حديث حسن. قلت: تفرَّد به يزيد بن أبي زياد، وقد قال الإمام مسلم في «التمييز» (ص 215): وأما حديث يزيد بن أبي زياد، عن محمد بن علي، عن ابن عباس، فيزيد هو ممَّن قد اتَّقى حديثه الناس، والاحتجاج بخبره إذا تفرَّد، للَّذين (كذا! والصواب: للذي) اعتبروا عليه من سوء الحفظ، والمتون في رواياته التي يَرويها، ومحمد بن عليٍّ لا يُعلَم له سماع من ابن عباس، ولا أنه لقيه، أو رآه. وقال ابن القطان في «بيان الوهم والإيهام» (2/ 558): إن محمد بن على بن عبد الله بن عباس إنما هو معروف الرواية عن أبيه، عن جدِّه ابن عباس، وبذلك ذُكِرَ في كُتُب الرجال. وممَّا يدل على نكارة حديث يزيد بن أبي زياد: أنَّ حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- مروي في «الصحيحين «، وليس فيه ذكر لذات عِرق، فأخرجه البخاري (1524) في الحج، باب مهل أهل مكة للحج والعمرة، ومسلم (1181) في الحج، باب مواقيت الحج والعمرة، من طريق طاوس، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: وقَّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة: ذا الحليفة، ولأَهل الشام: الجحفة، ولأهل نجد: قرن المنازل، ولأهل اليمن: يلملم. قال الإمام مسلم في «التمييز» (ص 214): فأما الأحاديث التي ذكرناها من قبلُ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل العراق ذات عِرق. فليس منها واحد يثبت. وقال الإمام ابن خزيمة في «صحيحه» (4/ 160): قد روي في ذات عِرق أنه ميقات أهل العراق أخبار غير ابن جريج، لا يثبت عند أهل الحديث شيء منها. =

أثر في كراهية الإحرام قبل الميقات

أثر في كراهية الإحرام قبل الميقات (309) قال محمد بن إسماعيل البصلاني: ثنا محمد بن يحيى القُطَعي، ثنا عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن: أنَّ عمرانَ ابن حصين أَحرَمَ من البصرةِ، فقَدِمَ على عمرَ بن الخطاب، فأَغلَظَ له، ونَهَاهُ عن ذلك، وقال: يَتَحدَّثُ الناسُ أنَّ رجلاً من أصحابِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم أَحرَمَ من مصرٍ من الأمصارِ (¬1)! هذا منقطع، اللهمَّ إلا أن يكون الحسن قد سَمِعَه من عمران بن حصين (¬2)، والله أعلم. ¬

= وقال ابن المنذر: لم نجد في ذات عِرق حديثًا ثابتًا. «الفتح» (3/ 390). وخالف الحافظ ابن حجر، فقال: وقد وقع في حديث جابر عند مسلم إلا أنه مشكوك في رفعه ... ، وقد أخرجه أحمد من رواية ابن لَهِيعة، وابن ماجه من رواية إبراهيم بن يزيد. كلاهما عن أبي الزُّبير، فلم يشكَّا في رفعه، ووقع في حديث عائشة، وفي حديث الحارث بن عمرو السَّهمي، كلاهما عند أحمد، وأبي داود، والنسائي، وهذا يدل على أن للحديث أصلاً، فلعلَّ من قال: إنه غير منصوص لم يبلغه، أو رأى ضعف الحديث، باعتبار أن كلَّ طريق لا يخلو عن مقال ... ، لكن الحديث بمجموع الطرق يقوى. كذا قال -رحمه الله-، والطرق التى ذَكَرها لاتصلح للتقوية؛ لأن مدارها على ضعفاء ومتروكين، فمثل هذا لا تقوم به الحجَّة. وجملة القول: أنَّ الذي وقَّت لأهل العراق ذاتَ عِرق، هو الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه. (¬1) وأخرجه -أيضًا- سعيد بن منصور، كما في «المحلى» (7/ 77)، ومُسدَّد في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (2/ 18 رقم 1180) والطبراني في «الكبير» (8/ 107 رقم 204) والبيهقي (5/ 31) من طريق قتادة، به. (¬2) قد أنكر سماعه من عمران بن حصين: الإمام أحمد، وابن المديني، وابن معين، وأبو حاتم، وابن القطان. انظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص 38) و «جامع التحصيل» (ص 162).

حديث في أفضلية القران

/ (ق 122) حديث في أفضلية القِران (310) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا الوليد بن مسلم، ثنا الأوزاعي، أنَّ يحيى بن أبي كثير حدَّثه عن عكرمة مولى ابن عباس قال: سَمِعتُ ابن عباس يقول: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يقول: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول -وهو بالعقيق (¬2) -: «أتاني الليلةَ آتٍ من ربِّي عزَّ وجلَّ، فقال: صَلِّ في هذا الوادي المُبارَكِ، وقُل: عمرةً في حجَّةٍ». قال الوليد: يعني: ذا الحُلَيفة (¬3). ورواه البخاري في الحجِّ (¬4)، عن الحميدي، عن الوليد بن مسلم وبِشر بن بكر. وفي المزارعة (¬5)، عن إسحاق بن إبراهيم، عن شعيب بن إسحاق. وأبو داود في الحج (¬6)، عن النُّفَيلي، عن مسكين بن بُكَير. وابن ماجه (¬7)، عن دحيم، عن الوليد بن مسلم. وعن أبي بكر بن أبي شيبة، عن محمد بن مصعب القُرْقُسَاني. خمستهم، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، به. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 24 رقم 161). (¬2) العقيق: واد بناحية المدينة. «معجم البلدان» (4/ 138). (¬3) ذو الحُلَيفة: ميقات أهل المدينة، بينه وبين المدينة ستة أميال أو سبعة. «معجم البلدان» (4/ 138). (¬4) من «صحيحه» (3/ 392 رقم 1534 - فتح) باب قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «العقيق واد مبارَك». (¬5) (5/ 20 رقم 2337 - فتح) باب منه. (¬6) من «سننه» (2/ 444 رقم 1800) باب الإقران. (¬7) في «سننه» (2/ 991 رقم 2976) في المناسك، باب التمتع بالعمرة إلى الحج.

ورواه البخاري -أيضًا- في كتاب الاعتصام (¬1)، عن سعيد بن الرَّبيع، عن علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير، به. وقد رواه علي ابن المديني، عن الوليد بن مسلم، به، وقال: هذا حديث جيِّد الإسناد، وهو صحيح من حديث عمر. حديث آخر (311) قال الإمام أحمد (¬2): ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن الحكم، عن أبي وائل: أنَّ الصُّبَيَّ بن مَعبَد كان نَصرانيًا تَغْلِبيًا أَعرابيًا، فأَسلَمَ، (فقال) (¬3): أيُّ العملِ أفضلُ؟ فقيل له: الجهادُ في سبيل الله عزَّ وجلَّ. فأراد أن يجاهدَ، فقيل له: حَجَجتَ؟ فقال: لا. فقيل: حُجَّ واعتَمر، ثم جاهِد في / (ق 123) سبيل الله. فانطَلَق، حتى إذا كان بالحوائطِ أَهَلَّ بهما جميعًا، فرآه زيد بن صُوْحَان، وسلمان بن ربيعة، فقالا: لَهُوَ أَضلُّ من جَمَلِهِ. أو: ما هذا بأَهدى من ناقتِهِ. فانطَلَق إلى عمرَ، فأَخبَرَه بقولهما، فقال له: هُدِيتَ لسُنَّة نبيِّكَ صلى الله عليه وسلم. قال الحكم، فقلت لأبي وائل: أحدَّثك الصُّبَيُّ؟ فقال: نعم. ثم رواه أحمد (¬4)، عن سفيان (¬5)، عن منصور، عن أبي وائل. وعن سفيان (¬6)، عن عَبدة بن أبي لُبَابة، عن أبي وائل، به. ¬

(¬1) (13/ 303 رقم 7343 - فتح) باب ما ذَكَر النبيُّ صلى الله عليه وسلم وحضَّ على اتفاق أهل العلم. (¬2) في «مسنده» (1/ 14 رقم 83). (¬3) في المطبوع: «فسأل». (¬4) في «مسنده» (1/ 37 رقم 256). (¬5) قوله: «أحمد، عن سفيان» كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «أحمد، عن عبد الرزاق، عن سفيان»، وهو الموافق لما في «إطراف المُسنِد المُعتَلِي» (5/ 36 رقم 6569). (¬6) (1/ 25 رقم 169). وهو عند ابن عيينة في «جزئه» (ص 84 رقم 20 - رواية زكريا المروزي).

وفي آخره: قال عَبدة: قال أبو وائل: كثيرًا ما ذهبتُ أنا ومسروق إلى الصُّبَيِّ نسألُهُ عنه. ورواه أبو داود (¬1)، والنسائي (¬2) من حديث جرير -زاد النسائي: وزائدة-. كلاهما عن منصور، عن أبي وائل -واسمه: شقيق بن سَلَمة-، قال: قال الصُّبَيُّ بن مَعبَد ... ، فذَكَره. ورواه النسائي -أيضًا- (¬3) من حديث ابن جريج، عن الحسن بن مسلم، عن مجاهد وغيره، عن رجلٍ من أهل العراق، يقال له: شقيق، بمعناه. ورواه ابن ماجه (¬4)، عن أبي بكر بن أبي شيبة، وهشام بن عمَّار. كلاهما عن سفيان بن عيينة، عن عَبدة بن أبي لُبَابة، عن أبي وائل، به. وعن علي بن محمد، عن وكيع، وأبي معاوية، ويعلى بن عبيد. ثلاثتهم عن الأعمش، عن شقيق، بمعناه. وقال الإمام أحمد -أيضًا- (¬5): ثنا يحيى، عن الأعمش، ثنا شقيق، ثنا الصُّبي بن مَعبَد -وكان رجلاً نَصرانيًا من بني تَغْلِب- قال: كنتُ نصرانيًا، فأَسلَمْتُ، فاجتَهَدتُ، فلم آلُ، فأَهلَلتُ بحجَّةٍ وعمرةٍ، فمَرَرتُ بالعُذَيبِ (¬6) على سلمان بن ربيعة، وزيد بن صُوْحَان، فقال أحدهما: أبهما جميعًا؟! فقال له صاحبه: دَعْهُ، فلَهُوَ أَضلُّ من بعيره. ¬

(¬1) في «سننه» (2/ 443 رقم 1799) في المناسك، باب في الإقران. (¬2) في «سننه» (5/ 160 رقم 2718) في المناسك، باب القِران. (¬3) في «سننه» (5/ 161 رقم 2720). (¬4) (2/ 989 رقم 2970) في المناسك، باب من قرن الحج والعمرة. (¬5) في «مسنده» (1/ 37 رقم 254). (¬6) العُذَيب: اسم ماء لبني تميم على مرحلة من الكوفة. «النهاية» (3/ 195).

قال: فكأَنما بعيري / (ق 124) على عُنُقي، فأَتيتُ عمرَ -رضي الله عنه-، فذَكَرتُ ذلك له، فقال لي عمر: إنهما لم يقولا شيئًا، هُدِيتَ لسُنَّةِ نبيِّكَ صلى الله عليه وسلم. ورواه أحمد بن مَنيع في «مسنده» (¬1)، عن هشيم، عن سيَّار، عن أبي وائل، به. قلت: فهو محفوظ، بل متواتر إلى أبي وائل، وقد صرَّح فيه بالتحديث عن الصُّبَيِّ بن مَعبَد، فهو على شرط البخاري ومسلم، فعَجَبًا لهما إذ لم يخرجاه! والظاهر أنهما عَدَلا عنه، لأنَّه لم يَرو عن الصُّبي بن مَعبَد إلا أبو وائل وحده، لكن في «الصحيحين» من هذا الضرب من الأحاديث قطعة، ثم قد سَمِعَه منه مسروق. ولهذا قال الإمام علي ابن المديني: لا أعلم أحدًا رواه عن الصُّبَيِّ بن مَعبَد غير أبي وائل، ومما حسَّن الحديثَ: أنَّ مسروقًا سأل الصُّبَيَّ بن مَعبَد عن هذا الحديث، ثم أَسنَدَ ذلك، كما تقدَّم، ثم قال: وهو عندي حديث صحيح، ثم قال: (312) ثنا يزيد بن زُرَيع، ثنا سعيد، عن أبي مَعشر، عن إبراهيم النَّخَعي: أنَّ عمرَ بن الخطاب أمَرَ الصُّبَيَّ أنْ يَذبَحَ شاةً. ثم قال: فهذا مما يقوِّي حديث الصُّبَيِّ، لأن إبراهيمَ من الفقهاء. قلت: وقد روى هذا الحديث الحافظ أبو حاتم محمد بن حبان البُستي في كتابه «الصحيح» (¬2). وقال الحافظ أبو الحسن الدارقطني -رحمه الله- (¬3)، وقد سُئل عن هذا ¬

(¬1) وأخرجه -أيضًا- أحمد (1/ 34 رقم 227) عن هشيم، به. (¬2) (9/ 219 رقم 3911،3910 - الإحسان). (¬3) في «العلل» (2/ 164 رقم 192).

الحديث: رواه عن أبي وائل منصور بن المعتمر، وسليمان الأعمش، والحكم بن عُتيبة، وحماد بن أبي سليمان، وحبيب بن أبي ثابت، وعمرو بن مُرَّة، ومغيرة، وسَلَمة بن كُهَيل، وجندب بن حسان، وسيَّار، وثُوَير / (ق 125) بن أبي فاخِتَة، ويزيد بن أبي زياد، وعاصم بن أبي النَّجود، ومجاهد بن جَبْر. وقال في آخره شيئًا حسنًا لم يَذكره غيره: قال أبو وائل: كنتُ أختلفُ أنا ومسروقُ بن الأجدع إلى الصُّبَيِّ بن مَعبَد نَستذكره هذا الحديث. ثم قال الدارقطني: وهو حديث صحيح، وأحسنها إسنادًا حديث منصور، والأعمش، عن أبي وائل، عن الصُّبَيِّ، عن عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه. قلت: وقد تقدَّم في رواية عنه عن أبي وائل كما قال مجاهد عنه من ذهابه هو ومسروق إلى الصُّبَيِّ بن مَعبَد في هذا الحديث. وهو في «مسند أحمد»، ولم يطَّلع عليه الدارقطني رحمه الله.

حديث آخر في نهي عمر عن المتعة في الحج والنكاح

حديث آخر في نهي عمر عن المتعة في الحج والنكاح (313) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا عَبيدة بن حميد، عن داود بن أبي هند، عن أبي نَضرة، عن أبي سعيد (¬2) قال: خَطَب عمرُ -رضي الله عنه- الناسَ، فقال: إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ رخَّص لنبيِّه صلى الله عليه وسلم ما شاءَ، وإنَّ نبيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم قد مَضَى لسبيلِهِ، فأتموا الحجَّ والعمرةَ، كما أَمَرَكُمُ اللهُ، وحصِّنوا فُرُوجَ هذه النساءِ. هذا إسناد صحيح، ولم يخرِّجه أحد من أصحاب الكتب. لكن روى مسلم (¬3)، عن محمد بن مثنىَّ، ومحمد بن بشَّار. كلاهما عن غُندَر، عن شعبة، عن قتادة، عن أبي نَضرة قال: كان ابنُ عباسِ يأمُرُ بالمتعةِ، وكان ابنُ الزُّبير ينهى عنها، فذَكَرتُ ذلك لجابرِ بن عبد الله، فقال: على يَدَيَّ دارَ الحديثُ، تَمَتَّعنا على عهد رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فلمَّا قام عمرُ قال: إنَّ اللهَ كان يُحِلُّ لرسولِهِ ما شاءَ (¬4)، وإنَّ القرآنَ قد نَزَل منازلَهُ، فأتمُّوا الحجَّ والعمرةَ للهِ، كما أمَرَكُمُ اللهُ، / (ق 126) وأَبِتُّوا نكاحَ هذه النساءِ، فلن أُوتَى برجلٍ نَكَحَ امرأةً إلى أجلٍ إلا رَجَمْتُهُ بالحجارةِ. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 17 رقم 104). (¬2) هو: الخُدْري. (¬3) في «صحيحه» (2/ 885 رقم 1217) (245) في الحج، باب في المتعة بالحج والعمرة (¬4) زاد في المطبوع: «بما شاء».

حديث آخر (314) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا عبد الرزاق. وأخبرني هشيم، عن الحجَّاج بن أرطاة، عن الحكم بن عُتيبة، عن عُمارة، عن أبي بُرْدة، عن أبي موسى: أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- قال: هي سُنَّةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم -يعني: المتعةَ-، ولكنِّي أخشى أنْ يُعرِّسوا بهنَّ تحتَ الأَرَاكِ، ثم يَروحوا بهنَّ حُجَّاجًا. غريب من هذا الوجه، وحجَّاج بن أرطاة فيه ضَعف (¬2)، لكن يشهد له الحديث الذي قبله، والحديث الآخر: (315) قال النسائي في كتاب الحج (¬3): ثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق: ثنا أبي، عن أبي حمزة السُّكَّري، عن مُطرِّف، عن سَلَمة بن كُهَيل، عن طاوس، عن ابن عباس، عن عمرَ -رضي الله عنه- أنَّه قال: والله إني لأَنهاكُم عن المتعةِ، وإنها لفي كتابِ اللهِ، وقد فَعَلَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم. إسناد جيد (¬4). ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 49 رقم 342). (¬2) وله علَّة أخرى، أشار إليها الدارقطني في «العلل» (2/ 126 رقم 157) فقال: هو حديث رواه الحكم بن عُتيبة، واختُلف عنه، فرواه شعبة، عن الحكم، عن عمارة بن عُمَير، عن إبراهيم بن أبي موسى، عن أبيه، عن عمرَ! وخالَفَه الحجَّاج بن أرطاة من رواية هشيم عنه، فرواه عن الحكم، عن عُمارة، عن أبي بُرْدة، عن أبي موسى، وقول شعبة هو الصواب. قلت: ومن طريق شعبة: أخرجه مسلم (2/ 896 رقم 1222) في الحج، باب في نسخ التحلل من الإحرام والأمر بالتمام. (¬3) من «سننه» (5/ 167 رقم 2735) باب التمتع. (¬4) قد خولف مُطرِّف في روايته، خالفه الثوري -وهو أثبت-، فرواه عن سَلَمة بن كُهَيل، عن طاوس، به، ولفظه: لو اعتمرتُ، ثم اعتمرتُ، ثم حَجَجتُ، لتمتعتُ. ومن هذا الوجه: أخرجه مُسدَّد في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (2/ 24 رقم 1201). وإسناده صحيح، كما قال البوصيري في «إتحاف الخيرة» (3/ 171).

حديث فيه النهي عن الطيب للمحرم

حديث فيه النهي عن الطِّيب للمُحرِم (316) قال الحافظ أبو بكر البزَّار (¬1): ثنا إبراهيم بن الجنيد، حدثني عبد الرحمن بن مُطرِّف، حدثني عيسى بن يونس، عن إبراهيم بن يزيد، عن محمد بن عبَّاد بن جعفر، عن ابن عمرَ قال: (أَقبَلْنا حتى إذا كنَّا بذي الحليفة أَحْرَمْنا) (¬2)، فمَرَّ بنا راكبٌ يَنفَحُ طِيبًا، فقال عمرُ: مَن هذا؟ قالوا: معاوية. فقال: ما هذا يا معاوية؟! فقال: مَرَرتُ بأمِّ حبيبةَ، ففَعَلتْ بي هذا. فقال: ارْجِعْ، فاغْسِلهُ عنكَ، فإنِّي سَمِعتُ رسولَ الله / (ق 127) صلى الله عليه وسلم يقول: «الحاجُّ: الشَّعِثُ التَّفِلُ (¬3)». إبراهيم بن يزيد هذا هو: الخُوزي، وهو ضعيف (¬4). ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 285 رقم 182). (¬2) في المطبوع: «أقبلنا مع عمرَ حتى إذا كنا بذي الحليفة أهلَّ وأَهلَلْنا «. (¬3) الشَّعَث: انتشار الشعر وتفرُّقه. «المصباح المنير» (ص 258 - مادة شعث). والتَّفَل: ترك الطِّيب. «المصباح المنير» (ص 72 - مادة تفل). (¬4) وقد قال البزَّار عقب روايته: وهذا الحديث لا نعلمه يُروى إلا عن عمرَ، ولا نعلم له إسنادًا عن عمرَ إلا هذا الإسناد، وإبراهيم بن يزيد الخُوزي: ليس بالقويِّ. وأخرجه ابن حزم في «حجة الوداع» (ص 244 رقم 235) من طريق البزَّار، ثم قال: وهذا كما ترى، ولو صحَّ لم يكن فيه حُجَّة؛ لأنَّ الشَّعث والتَّفل ليس فيه منع الطِّيب للإحرام، ولا أمر بغسله عند الإحرام، مع أنه حديث فاسد مضطَّرب. وقال الترمذي في «سننه» (5/ 210): هذا حديث لا نعرفه من حديث ابن عمر إلا من حديث إبراهيم بن يزيد الخُوزي المكي، وقد تكلَّم بعض أهل الحديث في إبراهيم بن يزيد من قِبَلِ حفظه. وقال ابن عبد البر في «التمهيد» (9/ 125) تفرَّد به إبراهيم بن يزيد الخُوزي. =

والذي فَعَلَهُ معاويةُ هو السُّنَّة التي فَعَلَها رسولُ الله عند إحرامِهِ، فإنَّه تطيَّب عند إحرامه، وإنما خَشِيَ عمرُ أن يَقتدي بمعاوية مَن لا يَعلمُ ذلك، فيفيدُ جوازَ الطِّيبِ وتعاطيه في الإحرام، والله أعلم. ¬

_ = وأورده ابن عدي في «الكامل» (1/ 226) وعدَّه من مناكير إبراهيم. وقال البيهقي في «سننه» (4/ 330): وقد رواه محمد بن عبد الله بن عُبيد بن عُمَير، عن محمد بن عبَّاد، إلا أنه أضعف من إبراهيم بن يزيد، ورواه -أيضًا- محمد بن الحجَّاج، عن جرير بن حازم، عن محمد بن عبَّاد، ومحمد بن الحجَّاج: متروك. ولهذا الأثر طرق صحيحة: منها: ما أخرجه مالك في «الموطأ» (1/ 443) في الحج، باب ما جاء في الطيب في الحج، وابن أبي شيبة (3/ 200 رقم 13498) في الحج، باب من كره الطيب عند الإحرام، والطحاوي (2/ 126) من طريق نافع، عن أسلم مولى عمر بن الخطاب: أنَّ عمرَ بن الخطاب وَجَد ريحَ طيبٍ وهو بالشجرة، فقال: ممن ريحُ هذا الطِّيب؟ فقال معاوية بن أبي سفيان: منيِّ يا أميرَ المؤمنين. فقال عمرُ: منك! لعمر الله! فقال معاوية: إنَّ أمَّ حبيبة طيَّبتني يا أميرَ المؤمنين. فقال عمرُ: عزمتُ عليك لتَرجِعنَّ، فَلَتَغسِلنَّه. وهذا إسناد صحيح. ومنها: ما أخرجه مُسدَّد في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (2/ 26 رقم 1208) عن إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، عن نافع، عن أسلم مولى عمر بن الخطاب قال: رأى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على طلحة ثوبين مصبوغين وهو مُحرِم، فقال: ما هذا؟! قال: يا أميرَ المؤمنين، ليس به بأس، إنما هو مِشقٌ. قال: إنكم أيها الرَّهطُ أئمةٌ يَقتدي بكم الناسُ، ولعلَّ الجاهلَ أن لو رآك أن يقول: رأيتُ على طلحةَ ثوبين مصبوغين، فيلبسُ الثيابَ المصبوغةَ في الإحرام، فلا أَعرفنَّ، ما يلبسُ أحدٌ منكم ثوبًا مصبوغًا في الإحرام. قال البوصيري في «إتحاف الخيرة» (3/ 183): رواه مُسدَّد موقوفًا بسند صحيح، وهو أصل في سدِّ الذرائع. وقد اعتذر البيهقي عن نهي عمر -رضي الله عنه- عن الطِّيب للمُحرِم، فقال في «سننه» (5/ 35): يحتمل أنه لم يبلغه حديث عائشة -رضي الله عنها-، ولو بَلَغه لرجع عنه، ويحتمل أنه كان يكره ذلك كيلا يغترَّ به الجاهل، فيتوهَّم أنَّ ابتداء الطِّيب يجوز للمُحرِم، كما قال لطلحة في الثوب الممشَّق. ويغني عن الشطر الثاني: «الحاجُّ: الشَّعِث التَّفِل»: ما أخرجه أحمد (2/ 305) وابن خزيمة (4/ 263 رقم 2839) وابن حبان (9/ 163 رقم 2852 - الإحسان) والحاكم (1/ 465) والبيهقي (5/ 58) من طريق يونس بن أبي إسحاق، عن مجاهد، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: «إنَّ اللهَ يباهي بأهلِ عرفاتٍ ملائكةَ أهلِ السماءِ، فيقول: انظروا إلى عبادي جاءوني شُعثًا غُبرًا». قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وصحَّحه الشيخ الألباني في «صحيح الترغيب والترغيب» (2/ 21 رقم 1132).

أثر فيه جواز الاغتسال للمحرم، وانغماره بالماء حتى يغيب فيه

أثر فيه جواز الاغتسال للمُحرِم، وانغماره بالماء حتى يغيب فيه (317) قال الشافعي (¬1): أنا ابن عيينة، عن عبد الكريم الجَزَري، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ربما قال لي عمرُ بن الخطاب: تَعَالَ أُباقِيكَ في الماءِ، أَيُّنا أطولُ نَفَسًا، ونحن مُحرِمُون. إسناد صحيح. أثر آخر (318) قال الشافعي (¬2): أنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، أخبرني عطاء: أن صفوان بن يعلى أَخبَرَه عن أبيه يعلى بن أُميَّة أنَّه قال: بَيَنما عمرُ يَغتَسِلُ إلى بعيرٍ، وأنا أَسترُ عليه بثوبٍ، إذ قال له عمرُ: يا يعلى، أَصبُبْ على رأسي؟ فقلت: أميرُ المؤمنين أَعلَمُ. فقال عمرُ: والله ما يزيدُ الماءُ الشَّعرَ إلا شَعَثًا. فسمَّى اللهَ، ثم أفاض على رأسِهِ. إسناد جيد. وسيأتي (¬3) -إن شاء الله- في مسند ابن عباس، عن أبي أيوب: أنَّ ¬

(¬1) في «الأم» (2/ 146). وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (3/ 138 رقم 12847) في الحج، باب في المحرم يغتسل أو يغسل رأسه، عن ابن عُليَّة، عن عبد الكريم، به. (¬2) في الموضع السابق. (¬3) انظر: «جامع المسانيد والسُّنن» (9/ 59 - 60 رقم 11369 - 11371).

رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يَغتَسِلُ، وهو مُحرِمٌ (¬1). حديث آخر (319) قال الإمام أحمد (¬2): ثنا عبد الرحمن، ثنا سفيان، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن أبي موسى قال: قَدِمْتُ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وهو بالبطحاءِ (¬3)، فقال: «بِمَ أَهلَلْتَ؟». فقلت: بإهلالٍ، كإهلالِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم. فقال: «هل سُقْتَ من هَدْيٍ؟»، قلتُ: لا. قال: «طُفْ بالبيتِ، وبالصَّفا والمروةِ، ثم حِلَّ». قال: فطُفْتُ بالبيتِ، وبالصَّفا والمروةِ، ثم أتيتُ امرأةً من قومي فمَشَّطَتني، وغسَلَتْ رأسي، فكنتُ أُفتي الناسَ بذلك إمارةَ أبي بكرٍ، وإمارةِ عمرَ، فإنِّي لَقَائمٌ في الموسمِ، فجاءني رجلٌ، فقال: إنك لا تدري ما أَحدَثَ أميرُ المؤمنين في شأنِ النُّسُكِ. فقلتُ: أيها الناسُ، مَن كنَّا أَفتَينَاهُ فُتيا؛ فهذا أميرُ المؤمنين قادمٌ عليه، فَبِهِ فائتَمُّوا. فلما قَدِمَ قلتُ: ما هذا الذي أَحدَثْتَ في شأنِ النُّسُكِ؟ فقال: إنْ نأخُذْ بكتابِ اللهِ؛ فإن اللهَ قال: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (¬4)، وإنْ نأخُذْ بسُنَّةِ نبيِّنا صلى الله عليه وسلم، فإنَّه لم يَحِلَّ حتى نَحَرَ الهَدي. ورواه ابن المديني، عن غُندَر، عن شعبة، عن قيس بن مسلم، وقال: ¬

(¬1) أخرجه البخاري (4/ 55 رقم 1840 - فتح) في جزاء الصيد، باب الاغتسال للمُحرِم، ومسلم (2/ 864 رقم 1205) في الحج، باب جواز غسل المُحرِم بدنه ورأسه. (¬2) في «مسنده» (1/ 39 رقم 273). (¬3) البطحاء: أي: بطحاء مكة، وهو مسيل واديها. «النهاية» (1/ 134). (¬4) البقرة: 196

هذا إسناد حسن. وقد رواه مسلم (¬1)، والنسائي (¬2)، عن أبي موسى محمد بن مثنَّى، عن ابن مهدي، به. والبخاري (¬3)، عن محمد بن يوسف، عن سفيان / (ق 128) -وهو: الثوري-، به. وأخرجه الشيخان (¬4) من وجه آخر، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن أبي موسى الأشعري، به. لكن ذَكَره أصحاب الأطراف (¬5) في مسند أبي موسى. وذَكَروا في مسند عمر (¬6): ما رواه مسلم (¬7)، والنسائي (¬8)، وابن ¬

(¬1) في «صحيحه» (2/ 895 رقم 1221) (155) في الحج، باب في نسخ التحلل من الإحرام والأمر بالتمام. (¬2) في «سننه» (5/ 168 رقم 2737) في المناسك، باب التمتع. (¬3) في «صحيحه» (3/ 416 رقم 1559) في الحج، باب مَن أهلَّ في زمن النبيِّ صلى الله عليه وسلم كإهلال النبيِّ صلى الله عليه وسلم. (¬4) أخرجه البخاري (3/ 422، 559، 615 رقم 1565، 1724، 1795) في الحج، باب التمتع والقِران والإفراد بالحج ... ، وباب الذبح قبل الحلق، وباب متى يحل المعتمر؟ و (8/ 63، 104 رقم 4346، 4397 - فتح) في المغازي، باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن، وباب حجة الوداع، ومسلم (2/ 894، 896 رقم 1221 (154) (156) في الحج، باب نسخ التحلل من الإحرام والأمر بالتمام. (¬5) انظر: «تحفة الأشراف» (6/ 421 رقم 9008) و «إتحاف المهرة» (10/ 34 رقم 12226). (¬6) انظر: «تحفة الأشراف» (8/ 78 رقم 10584) و «إتحاف المهرة» (12/ 297 رقم 15620). (¬7) في «صحيحه» (2/ 896 رقم 1222) في الموضع السابق. (¬8) في «سننه» (5/ 197 رقم 2734) في المناسك، باب التمتع.

ماجه (¬1) من حديث شعبة، عن الحكم، عن عُمارة بن عُمَير، عن إبراهيم بن أبي موسى، عن أبيه، عن عمرَ ... ، فذَكَر الحديث. قال علي ابن المديني: وهذا إسناد صالح. قلت: والكل قريب، وقد كان عمرُ -رضي الله عنه- يَستحبُّ إفرادَ الحجّ عن العمرة ليُفَعَلا على الوجه الأكمل، وإن كان التمتعُ بهما جائزًا عنده -كما تقدَّم عنه-، وكما دلَّت على ذلك السُّنة النبوية، ولم يكن عمرُ -رضي الله عنه- ينهى عن ذلك مُحرِّمًا له، كما اعتقده بعضهم، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. فأما قول الدارقطني (¬2): (320) ثنا محمد بن مَخلد، ثنا علي بن محمد بن معاوية البزاز، ثنا عبد الله بن نافع، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم استَعمَلَ عتَّاب بن أَسِيد على الحجِّ، فأَفرَدَ، ثم استَعمَلَ أبا بكر سنةَ تسعٍ، فأَفرَدَ الحجَّ، ثم حجَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم سنةَ عشرٍ، فأَفرَدَ الحجَّ، ثم تُوفي النبيُّ صلى الله عليه وسلم واستَخلَفَ أبا بكر (¬3)، فبَعَث عمرَ، فأَفرَدَ الحجَّ، ثم حجَّ أبو بكر، فأَفرَدَ الحجَّ، وتُوفي أبو بكر فاستَخلَفَ عمرَ (¬4)، فبَعَث عبد الرحمن بن عوف، فأَفرَدَ الحجَّ، ثم حجَّ عمرُ سِنيَّهُ كلَّها، فأَفرَدَ الحجَّ، ثم تُوفي عمرُ واستُخلِفَ عثمانُ، فأَفرَدَ الحجَّ، ثم ¬

(¬1) في «سننه» (2/ 992 رقم 2979) في المناسك، باب التمتع بالعمرة إلى الحج. (¬2) في «سننه» (2/ 239). (¬3) قوله: «واستَخلَفَ أبا بكر» كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «واستُخلف أبو بكر»، وهو الصواب. (¬4) قوله: «فاستَخلَفَ عمرَ» كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «واستَخلفَ عمرَ».

حُصِرَ عثمانُ، فأقام عبد الله بن عباس بالناسِ، فأَفرَدَ الحجَّ. فهذا حديث غريب، وهو محمول على أنهم أَفرَدُوا ... (¬1)، والله أعلم. ¬

(¬1) موضع كلمة غير واضحة بالأصل.

حديث في كفارات الإحرام

حديث في كفَّارات الإحرام (321) قال الحافظ أبو يعلى الموصلي (¬1): ثنا أبو عُبيدة بن الفُضيل بن عياض، ثنا مالك بن سُعَير، عن الأجلح، عن أبي الزُّبير، عن جابر، عن عمرَ بن الخطاب -قال: ولا أَراه إلا أنَّه قد رَفَعه-: أنَّه حَكَم في الضَّبُع يُصيبُهُ المُحرِمُ شاةً، وفي الأرنبِ عَنَاقٌ (¬2)، وفي اليربوعِ (¬3) جَفْرةٌ (¬4)، وفي الظَّبي كَبشٌ. هكذا رواه الأَجلح بن عبد الله الكندي -وفيه ضعف (¬5) -، عن أبي الزُّبير، مع أنَّه شك في رفعه. وقد رواه الإمام أبو عبد الله الشافعي (¬6)، عن مالك (¬7): أنَّ أبا الزُّبير حدَّثه عن جابر: أنَّ عمرَ قَضَى في الضَّبعِ بكَبشٍ، وفي الغزالِ بعَنْزٍ، وفي الأرنبِ بعَنَاقٍ، وفي اليربوعِ / (ق 129) بجَفرةٍ. وهذا هو الصحيح موقوف. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 179 رقم 203). (¬2) العَنَاق: الأنثى من أولاد المعز ما لم يتم له سَنَة. «النهاية» (3/ 311). (¬3) اليَرْبوع: حيوان طويل الرجلين، قصير اليدين جدُّا، وله ذَنَب كذَنَب الجُرَذ يرفعه صُعُدًا، في طَرَفه شِبه النَّوَّارة، لَوْنه كَلَوْن الغزال. «حياة الحيوان الكبرى» للدَّميري (4/ 234). (¬4) الجَفْر: ما بلغ أربعة أشهر من ولد المعز. «النهاية» (1/ 277). (¬5) انظر: «تهذيب الكمال» (2/ 275 - 280) و «الجرح والتعديل» (2/ 346 رقم 1317). (¬6) في «الأم» (2/ 192، 193). (¬7) وهو في «الموطأ» (1/ 553) في الحج، باب فدية ما أصيب من الطير والوحش.

(322) وقد رواه الإمامان الشافعي (¬1)، وأحمد (¬2)، وأهل السُّنن (¬3) من حديث عبد الرحمن بن أبي عمَّار، عن جابر، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، بقصة الضَّبُع فقط. وقال البخاري والترمذي: هو حديث حسن صحيح (¬4). وحسَّنه -أيضًا- الدارقطني، والبيهقي (¬5). وسيأتي (¬6) تمام الكلام عليه في مسند جابر، إن شاء الله تعالى. أثر آخر (323) قال أبو عبيد (¬7): ثنا ابن مهدي، عن سفيان، عن سمَاك بن حرب، عن النعمان بن حميد، عن عمرَ: أنَّه قَضَى في الأرنب بحُلاَّن إذا قَتَلَهَا المُحرِم. يعني: الجَدْيَ. ¬

(¬1) في «الأم» (2/ 193). (¬2) في «مسنده» (3/ 318، 322 رقم 14425، 14449). (¬3) أخرجه أبو داود (4/ 298 رقم 3801) في الأطعمة، باب في أكل الضَّبُع، والترمذي (3/ 207 رقم 851) في الحج، باب ما جاء في الضَّبُع، والنسائي (5/ 209 رقم 2836) في المناسك، باب ما لا يقتله المحرم، و (7/ 227 رقم 4334) في الصيد، باب الضَّبُع، وابن ماجه (2/ 1078 رقم 3236) في الصيد، باب الضَّبُع. (¬4) انظر: «سنن الترمذي» (3/ 20) و «العلل الكبير» له (ص 298). (¬5) انظر: «معرفة السُّنن والآثار» (7/ 406) و «السُّنن الكبرى» (5/ 183)، ولم أقف على تحسين الدارقطني. (¬6) يعني: في كتابه «جامع المسانيد والسُّنن»، لكن مسند جابر ليس في المطبوع. (¬7) في «غريب الحديث» (4/ 188). وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (4/ 405 رقم 8231) والبخاري في «التاريخ الكبير» (2/ 81) من طريق سمَاك، به. وفي إسناده: النعمان بن حميد، وهو مجهول الحال، لم يرو عنه سوى سمَاك، وأورده البخاري في «التاريخ الكبير» (8/ 77 رقم 2234) وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (8/ 446 رقم 2045) وسكتا عنه، وذكره ابن حبان في «الثقات» (5/ 473).

حديث في النهي عن قطع حشيش الحرم

حديث في النهي عن قطع حشيش الحَرَم (324) قال أبو طاهر المُخلِّص: ثنا يحيى بن محمد بن صاعد، ثنا محمد بن يزيد أبو هشام الرِّفاعي، ثنا حفص بن غياث، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن عُبيد بن عُمَير: أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- رأى رجلاً يَحتشُّ في الحَرَم، فقال: أَمَا عَلِمتَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا؟ قال: فشَكى إليه الحاجةَ، فَرَقَّ له، وأَمَرَ له بشيءٍ. هكذا أورده الضياء المقدسي في كتابه «المختارة» (¬1) من هذا الوجه. وقال الدارقطني (¬2): ورواه بعضهم عن عبد الملك بن أبي سليمان موقوفًا على عمرَ (¬3). وكذا رواه الحجَّاج بن أرطاة (¬4)، عن عطاء، موقوفًا. ¬

(¬1) (1/ 352 رقم 242). (¬2) في «العلل» (2/ 174 رقم 198). (¬3) لم أقف عليه من هذه الطريق، ومداره على عبد الملك بن أبي سليمان، قال عنه أحمد: ثقة، إلا أنه رَفَع أحاديث عن عطاء. وقال أيضًا: عبد الملك بن أبي سليمان من الحفاظ، إلا أنه كان يخالِف ابن جريج في إسناد أحاديث، وابن جريج أثبت منه عندنا. انظر: «الجرح والتعديل» (5/ 366 رقم 1719) و «تاريخ بغداد» (10/ 394). (¬4) ومن هذا الوجه: أخرجه الطبري في «تهذيب الآثار» (1/ 16 رقم 23 - مسند ابن عباس) من طريق هشيم، عن حجَّاج، به.

والموقوف هو المحفوظ. ورواه ابن جريج، عن عطاء، عن عمرَ، قولَه (¬1). ¬

(¬1) ومن هذا الوجه: أخرجه عبد الرزاق (5/ 145 رقم 9204) والفاكهي في «أخبار مكة» (3/ 370 رقم 2226) من طريق ابن جريج. والأزرقي في «أخبار مكة» (2/ 143) من طريق ابن أبي نَجيح. كلاهما (ابن جريج، وابن أبي نَجيح) عن عطاء، عن عمرَ، قولَه. وهذا منقطع، عطاء بن أبي رباح لم يُدرك أيام عمر، فقد وُلِدَ في خلافة عثمان رضي الله عنه. انظر: «تهذيب الكمال» (20/ 70).

حديث في دخول مكة

حديث في دخول مكة (325) قال الحافظ أبو يعلى (¬1): ثنا زُهَير، ثنا جرير، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن صفوان قال: قلتُ لعمرَ بن الخطاب رضي الله عنه: كيف صَنَعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حين دخل مكةَ؟ قال: صلَّى ركعتين. ورواه أبو داود (¬2)، عن زُهَير -وهو: ابن حرب-، عن جرير، بإسناده، ولفظه: قلتُ لعمرَ: كيف صَنَعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حين دخل البيتَ؟ قال: صلَّى ركعتين. ورواه علي ابن المديني، عن جرير، به، ولفظه: قال: قال عمرُ: لمَّا افتتح رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مكةَ دخل البيتَ، فصلَّى ركعتين، ثم قال: هذا حديث صالح الإسناد، ولم يُرو عن عمرَ إلا من هذا الوجه (¬3). ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 191 رقم 216). (¬2) في «سننه» (2/ 533 رقم 2026) في المناسك، باب في الكعبة. (¬3) وقد أخرج البخاري (3/ 463 رقم 1598 - فتح) في الحج، باب إغلاق البيت ... ، ومسلم (2/ 966 رقم 1329) في الحج، باب استحباب دخول الكعبة، من حديث ابن عمرَ -رضي الله عنهما- قال: دخل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم البيت هو وأسامةُ بن زيد، وبلالُ، وعثمانُ بن طلحة ... ، الحديث، وفيه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم صلَّى في جوف الكعبة بين العمودين اليمانيين.

أثر في القول عند رؤية البيت

أثر في القول عند رؤية البيت (326) قال سعيد بن منصور ... (¬1) عن سعيد بن المسيّب قال: سَمِعتُ هذا من عمرَ، ما بَقِيَ على الأرض سَمِعَ هذا منه غيري: أنَّه نَظَرَ إلى البيت، فقال: اللهمَّ، أنت السلامُ، ومنك السلامُ، فحَيِّنا رَبَّنا بالسلام. هكذا رواه سعيد بن منصور في «سننه» (¬2). وقد رواه الإمام الشافعي (¬3)، عن سفيان بن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن سعيد بن المسيّب، عن أبيه، قولَه، فالله أعلم. ¬

(¬1) في هذا الموضع بياض بالأصل. (¬2) وأخرجه -أيضًا- أحمد في «العلل ومعرفة الرجال» (1/ 199 رقم 197 - رواية عبد الله) والبخاري في «التاريخ الكبير» (1/ 394) وابن سعد (5/ 120) وابن معين في «تاريخه» (3/ 211 - رواية الدُّوري) -ومن طريقه: البيهقي (5/ 73) - من طريق إبراهيم بن طَريف، عن حميد بن يعقوب: أنه سَمِعَ سعيدَ بن المسيّب يقول: سَمِعتُ من عمرَ كلمةً ... ، فذكره. وإبراهيم بن طَريف هذا: مجهول الحال، أورده البخاري في الموضع السابق من «تاريخه «، وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (2/ 108 رقم 308) ولم يَذكرا فيه جرحًا ولا تعديلاً. وحميد بن يعقوب: وثَّقه محمد بن إسحاق، كما في «الجرح والتعديل» (3/ 231 رقم 1013). وقد صحَّحه ابن المديني، كما سيأتي برقم (386). (¬3) في «الأم» (2/ 169). وأخرجه -أيضًا- الإمام أحمد في «مسائله» (ص 145 رقم 695 - رواية أبي داود) والمحاملي في «الأمالي» (ص 295 رقم 308 - رواية ابن البيِّع) والبيهقي (5/ 73) من طريق يحيى بن سعيد، به. ومحمد بن سعيد بن المسيّب: مجهول الحال، روى عنه جمع، وذكره ابن حبان في «الثقات» (7/ 421)، وقال الحافظ في «التقريب»: مقبول.

حديث في استلام الحجر عند افتتاح الطواف

حديث في استلام الحَجَر عند افتتاح الطَّواف (327) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا محمد بن عبيد، وأبو معاوية، قالا: ثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن عابس بن ربيعة قال: رأيتُ عمرَ -رضي الله عنه- أتى الحَجَرَ، فقال: أَمَا واللهِ، إنِّي لأَعلَمُ أنك حَجَرٌ، لا تَضرُّ ولا تَنفعُ، ولولا أنِّي رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَبَّلك ما قَبَّلتُكَ. ثم دنا فقَبَّلَهُ. ورواه أحمد -أيضًا- (¬2)، / (ق 130) عن أسود بن عامر، عن زُهَير، عن الأعمش، به. ورواه البخاري (¬3)، وأبو داود (¬4)، عن محمد بن كثير، عن سفيان الثوري. ومسلم (¬5)، والترمذي (¬6)، من حديث أبي معاوية. والنسائي (¬7)، عن إسحاق بن إبراهيم، عن عيسى بن يونس، وجرير. أربعتهم عن الأعمش، به. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 26، 46 رقم 176، 325). (¬2) (1/ 16 رقم 99). (¬3) في «صحيحه» (3/ 462 رقم 1597 - فتح) في الحج، باب ما ذكر في الحجر الأسود. (¬4) في «سننه» (2/ 471 - 472 رقم 1873) في المناسك، باب في تقبيل الحجر. (¬5) في «صحيحه» (2/ 925 رقم 1270) (251) في الحج، باب استحباب تقبيل الحجر الأسود في الطواف. (¬6) في «سننه» (3/ 214 رقم 860) في الحج، باب ما جاء في تقبيل الحجر. (¬7) في «سننه» (5/ 250 رقم 2937) في المناسك، باب تقبيل الحجر.

وقد رواه البخاري (¬1)، ومسلم (¬2)، والنسائي (¬3) من طرق عن زيد بن أسلم، عن أيبه، عن عمرَ، به. وقال علي ابن المديني: روي من غير وجه عن عمرَ رضي الله عنه. قلت: هي مفيدة للقطع عند كثير من الأئمَّة، وقد أوردتُ منها قطعةً كبيرةً ههنا. طريق أخرى (328) قال أحمد (¬4): ثنا عبد الرحمن، عن سفيان، عن إبراهيم بن عبد الأعلى، عن سُوَيد بن غَفَلة قال: رأيتُ عمرَ يُقبِّلُ الحَجَرَ، ويقول: إنِّي لأَعلَمُ أنك حَجَرٌ، لا تَضرُّ ولا تَنفعُ، ولكنِّي رأيتُ أبا القاسم صلى الله عليه وسلم بِكَ حَفِيًّا. وهكذا رواه أحمد -أيضًا- (¬5)، عن وكيع، عن سفيان، وزاد: فقبَّله، والتَزَمه. وأخرجه مسلم (¬6)، عن محمد بن المثنىَّ، عن عبد الرحمن بن مهدي، به. وعن أبي بكر بن أبي شيبة، وزُهَير بن حرب. والنسائي (¬7)، عن محمود بن غَيْلان. كلُّهم عن وكيع، عن سفيان الثوري، به. ¬

(¬1) (3/ 471 رقم 1605 - فتح) في الحج، باب الرَّمَل في الحج والعمرة. (¬2) (2/ 925 رقم 1270) (248) في الموضع السابق. (¬3) في «سننه الكبرى» (2/ 400 رقم 3919). (¬4) في «مسنده» (1/ 39 رقم 274). (¬5) (1/ 54 رقم 382). (¬6) (2/ 926 رقم 1271) في الموضع السابق. (¬7) (5/ 250 رقم 2936) في المناسك، باب استلام الحجر الأسود.

طريق أخرى (329) قال أحمد (¬1): ثنا عفان، ثنا وهيب، ثنا عبد الله بن عثمان بن خُثَيم، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس: أنَّ عمرَ بن الخطاب أَكَبَّ على الرُّكن، وقال: إنِّي لأَعلَمُ أنك حَجَرٌ، ولو لَمْ أَرَ حبيبي صلى الله عليه وسلم قَبَّلَكَ واسْتَلَمَكَ، ما اسْتَلَمْتُكَ، ولا قَبَّلتُكَ، لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حَسَنةٌ. وهذا إسناد صحيح، ولم يخرِّجوه. طريق أخرى (330) / (ق 131) قال أبو داود الطيالسي (¬2): ثنا جعفر بن عثمان القرشي -من أهل مكة- قال: رأيت محمد بن عبَّاد بن جعفر قبَّل الحَجَرَ، وسَجَدَ عليه، ثم قال: رأيتُ خالَكَ ابنَ عباس قَبَّلَهُ، وسَجَدَ عليه. وقال ابن عباس: رأيتُ عمرَ بن الخطاب قَبَّلَهُ، وسَجَدَ عليه، ثم قال عمرُ: لو لَمْ أَرَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَبَّلَهُ ما قَبَّلتُهُ. وهذا -أيضًا- حسن، ولم يخرِّجوه (¬3). ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 21 رقم 131). (¬2) في «مسنده» (1/ 32 رقم 28). (¬3) يَرويه جعفر بن عثمان القرشي، وقد اضطَّرب فيه: فقيل: عنه، عن محمد بن جعفر، عن ابن عباس، عن عمرَ! وقيل: عنه، عن محمد بن عبَّاد بن جعفر، عن ابن عباس مرفوعًا، ليس فيه: عمر! وقيل: عنه، عن محمد بن عبَّاد بن جعفر، عن عمرَ، ليس فيه: ابن عباس! أما الوجه الأول: فقد سبق تخريجه. وأما الوجه الثاني: فأخرجه العقيلي (1/ 183) من طريق بِشر بن السَّري، عن جعفر بن عبد الله بن عثمان القرشي، به. وأما الوجه الثالث: فأخرجه أبو يعلى (1/ 192 رقم 219) عن محمد بن بشَّار، عن الطيالسي، عن جعفر بن محمد المخزومي، به. قلت: ومداره -كما ترى- على جعفر بن عثمان، وقد قال عنه العقيلي بعد أن ساق له هذا الحديث: في حديثه وَهْم واضطِّراب. والصحيح في هذا: ما أخرجه عبد الرزاق (5/ 37 رقم 8912) والأزرقي في «أخبار مكة» (1/ 329) من طريق ابن عيينة. والفاكهي في «أخبار مكة» (1/ 114 رقم 84، 85) من طريق الثوري، ووكيع. أربعتهم (عبد الرزاق، وابن عيينة، والثوري، ووكيع) عن ابن جريج، عن محمد بن عبَّاد بن جعفر: أنه رأى ابنَ عباس قبَّل الحَجَرَ، وسَجَدَ عليه. قال العقيلي: حديث ابن جريج أولى. قلت: وقد صرَّح ابن جريج بالسماع في رواية عبد الرزاق، فأمنَّا تدليسه.

ولكن رواه النسائي (¬1)، عن عمرو بن عثمان، عن الوليد بن مسلم، عن حنظلة بن أبي سفيان، عن طاوس، عن ابن عباس، عن عمرَ، به. طريق أخرى (331) قال أحمد (¬2): ثنا عبد الرزاق، ثنا عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ: أنَّ عمرَ قَبَّلَ الحَجَرَ، ثم قال: قد عَلِمتُ أنك حَجَرٌ، ولولا أنِّي رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَبَّلَكَ ما قَبَّلتُكَ. ¬

(¬1) في «سننه» (5/ 250 رقم 2938) في الموضع السابق. وأخرجه -أيضًا- البزَّار (1/ 324 رقم 208) من طريق الوليد بن مسلم، به. وقد خولف الوليد بن مسلم في روايته، خالفه ابن المبارك، وعبيد الله بن موسى، وعثمان بن عمرو بن سَاج، فرَوَوه عن حنظلة، عن طاوس، عن عمرَ، ليس فيه ابن عباس! ومن هذا الوجه: أخرجه عبد الرزاق (5/ 37 رقم 8913) وإسحاق بن راهويه في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (2/ 38 رقم 1247). وإسناده ضعيف؛ لانقطاعه بين طاوس وعمر. انظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص 100 رقم 357). (¬2) في «مسنده» (1/ 34 رقم 226).

ورواه مسلم (¬1)، عن محمد بن أبي بكر المقدَّمي، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، به. وقال الدارقطني (¬2): اختُلف فيه على أيوب، وحماد بن زيد، وقد وَصَله مُسدَّد، والحَوَضي، عن حماد. وخالَفَهم سليمان بن حرب، وأبو الرَّبيع وعارِم، فأرسَلُوه عن حماد بن زيد. وقال ابن عُليَّة: عن أيوب: نُبِّئتُ أنَّ عمرَ ... ، ليس فيه نافع ولا ابن عمر. (قال: وهو صحيح من حديث عابس بن ربيعة، وسُوَيد بن غَفَلة، وعبد الله بن سَرجس، عن عمرَ ...) (¬3). قلت: ورواه أحمد (¬4)، عن أبي معاوية، عن عاصم الأَحول، عن عبد الله بن سَرجس، عن عمر، نحوه. وعن غُندَر (¬5)، عن شعبة، عن عاصم، به. ورواه مسلم (¬6)، والنسائي (¬7) من طرق عن حماد بن زيد، عن عاصم الأَحول، عن عبد الله بن سَرجس، عن عمرَ، به. ¬

(¬1) في «صحيحه» (2/ 925 رقم 1270) (249) في الحج، باب استحباب تقبيل الحجر الأسود في الطواف. (¬2) في «العلل» (2/ 13 رقم 86). (¬3) هذا النص ليس في مطبوع «العلل»، وقد قال الدارقطني بعد سياقه للاختلاف في إسناده: وقول حماد بن زيد أحبُّ إليَّ. (¬4) في «مسنده» (1/ 34 - 35 رقم 229). (¬5) في «مسنده» (1/ 51 رقم 361). (¬6) في «صحيحه» (2/ 925 رقم 1270) (250) في الحج، باب استحباب تقبيل الحجر الأسود في الطواف. (¬7) في «سننه الكبرى» (2/ 400 رقم 3918).

ورواه ابن ماجه (¬1)، عن أبي بكر بن أبي شيبة (¬2)، وعلي بن محمد. كلاهما عن أبي معاوية، عن عاصم الأَحول، به، نحوه. طريق أخرى (332) قال أحمد (¬3): ثنا وكيع ويحيى -واللفظ / (ق 132) لوكيع-، عن هشام، عن أبيه: أنَّ عمرَ أتى الحَجَرَ، فقال: إني لأَعلَمُ أنك حَجَرٌ، لا تَضرُّ ولا تَنفعُ، ولولا أني رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يُقبِّلُك ما قَبَّلتُك. قال: ثم قَبَّلَهُ. وهذا منقطع حسن. طريق أخرى (333) قال أحمد (¬4): ثنا وكيع، ثنا ابن أبي ليلى، عن عطاء، عن يعلى بن أُميَّة، عن عمرَ أنَّه قال: إني لأَعلَمُ أنك حَجَرٌ، لا تَضرُّ ولاتَنفعُ، ولولا أني رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَبَّلَكَ ما قَبَّلتُكَ. وهذا إسناد جيد حسن، ولم يخرِّجوه. ¬

(¬1) في «سننه» (2/ 981 رقم 2943) في المناسك، باب استلام الحجر. (¬2) وهو في «المصنَّف» (3/ 326 رقم 14750) في الحج، باب من قال: إذا قبَّل الحجر سجد عليه. (¬3) في «مسنده» (1/ 53 - 54، 54 رقم 380، 381). (¬4) «المسند» (1/ 196 رقم 398 - ط عالم الكتب)، وهو ساقط من الطبعة الميمنية، وقد فات محقِّقو «مسند الإمام أحمد» بمؤسسة الرسالة استدراكه. وانظر: «إطراف المُسنِد المُعتَلِي» (5/ 78 رقم 6662) و «إتحاف المهرة» (12/ 401 رقم 15843).

طريق أخرى (334) قال الحافظ أبو يعلى (¬1): ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا ابن إدريس، عن حِزَام بن هشام بن حُبَيش بن الأشعر الخزاعي قال: سَمِعتُ أبي يَذكر أنَّه رأى عمرَ بن الخطاب يُقبِّلُ الحَجَرَ، فقال: أَشهدُ أنك حَجَرٌ، ولكنِّي رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يُقبِّلُكَ. غريب حسن؛ لأن حِزَام بن هشام بن حُبَيش بن خالد بن الأشعر روى عنه غير واحد، منهم عبد الله بن إدريس، ووكيع، ويحيى بن يحيى. وقال أبو حاتم الرازي (¬2): محلُّه الصِّدق. وأما أبوه؛ فروى عن عمرَ، وعائشة، وسُرَاقة بن مالك، وعنه: ابنه حِزَام فقط. قاله أبو حاتم الرازي (¬3). حديث آخر (335) قال أحمد (¬4): ثنا وكيع، ثنا سفيان، عن أبي يَعْفور العَبدي، قال: سَمِعتُ شيخًا بمكة في إمارة الحجَّاج يحدِّث عن عمرَ بن الخطاب: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال له: «يا عمرُ، إنك رجلٌ قويٌّ، لا تُزَاحِمْ على الحَجَر، فتُؤذِيَ الضعيفَ، إنْ وَجَدتَ خَلْوةً فاستَلِمْهُ، وإلا فاستَقْبِلْهُ، فهَلِّلْ وكَبِّرْ». ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 193 رقم 221). (¬2) كما في «الجرح والتعديل» (3/ 298 رقم 1327) وجاء فيه: شيخ محلُّه الصِّدق. (¬3) انظر: «الجرح والتعديل» (9/ 53 رقم 227). (¬4) في «مسنده» (1/ 28 رقم 190). وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (5/ 36 رقم 8910) وابن أبي شيبة (3/ 166 رقم 13150) في الحج، باب من كان إذا حاذى بالحجر نظر إليه فكبَّر، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (2/ 178) والبيهقي (5/ 80) من طريق أبي يَعفور، به.

إسناده / (ق 133) جيد، لكن راويه عن عمرَ مبهم لم يسمَّ، فالله أَعلم به، والغالب أنَّه ثقة جليل، فقد رواه الإمام الشافعي (¬1)، عن سفيان بن عيينة، عن أبي يَعْفور العَبدي -واسمه: وَقْدان-، قال: سَمِعتُ رجلاً من خُزَاعة حين قُتِلَ ابن الزُّبير -وكان أميرًا على مكةَ- يقول: قال نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم لعمرَ: «يا أبا حفص، إنكَ رجلٌ قويٌّ؛ فلا تُزَاحِمْ على الرُّكنِ، فإنَّك تُؤذِيَ الضعيفَ، ولكنْ إنْ وَجَدتَ خَلْوةً فاستَلِمْ, وإلاَّ فكبِّر، وامْضِ». قال سفيان: هو: عبد الرحمن بن الحارث، كان الحجَّاج استَعمَلَهُ عليها مُنصَرفه منها حين قُتِلَ ابن الزُّبير (¬2). قلت: وقد كان جليلاً نبيلاً، وكان أحدَ النَّفَر الذين نَدَبَهُم عثمانُ في كتابة المصحف الإمام (¬3). حديث آخر (336) قال أحمد (¬4): ثنا رَوْح، ثنا ابن جريج، أخبرني سليمان بن عَتيق، عن عبد الله بن بابَيْه، عن بعض بني يعلى، عن يعلى بن أميَّة قال: ¬

(¬1) في «السنن المأثورة» (ص 375 رقم 510). (¬2) انظر: «تهذيب الكمال» (17/ 454) و «الإصابة» (7/ 211). (¬3) وهو تابعي، كما نصَّ على ذلك الحافظ في «الإصابة» (7/ 334) وعليه؛ فالحديث مرسل. وله طريق أخرى: أخرجها الطبري في «تهذيب الآثار» (1/ 85 رقم 106 - مسند ابن عباس) والبيهقي (5/ 80) من طريق المُفضَّل بن صالح، عن محمد بن المنكدر، عن سعيد بن المسيّب، عن عمرَ رضي الله عنه ... ، فذكره. وضعَّفه الذهبي في «المهذَّب في اختصار السُّنن الكبير» (4/ 1826). قلت: لكنه يتقوَّى بالذي قبله، وقد قوَّاه الشيخ الألباني في «مناسك الحج والعمرة» (ص 21). (¬4) في «مسنده» (1/ 45 رقم 313).

طُفْتُ مع عمرَ بن الخطاب، فاستَلَمَ الرُّكنَ، قال يعلى: فكنتُ ممَّا يلي البيتَ، فلمَّا بَلَغْنا الرُّكنَ الغربيَّ الذي يلي الأسودَ جَرَرتُ بيده ليَستَلِمَ، فقال: ما شأنُكَ؟ فقلتُ: ألا تَستَلمُ؟ قال: أَلَمْ تَطُفْ مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلتُ: بلى. فقال: أَفَرأيتَهُ يَستَلِمُ هذين الغربيَّين (¬1)؟ قلتُ: لا. قال: أفليس لك فيه أسوةٌ؟ (¬2). قال: قلتُ: بلى. قال: فانفُذْ عنك (¬3). وهذا إسناد جيد -أيضًا-، وليس هو في شيء من الكتب الستة، وجهالة ابن يعلى بن أميَّة لا تضر؛ لأنهم كلَّهم ثقات (¬4). وقد رواه الإمام أحمد -أيضًا- (¬5)، عن يحيى، عن ابن جريج، عن سليمان، عن عبد الله بن بابَيْه، عن يعلى بن أُميَّة نفسه، فالله أعلم. ¬

(¬1) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «هذين الركنين الغربيين». (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «أفليس لك فيه أسوةٌ حَسَنةٌ؟». (¬3) أي: دَعْه وتجاوزه. يقال: سِر عنك، وانفُذ عنك. أي: امض عن مكانك وجُزْه. «النهاية» (5/ 91). (¬4) قال الحافظ في «تعجيل المنفعة» (2/ 608): لعلَّه صفوان. قلت: وصفوان هذا وثَّقه ابن خَلْفون، كما في «إكمال تهذيب الكمال» (6/ 390). (¬5) (1/ 37 رقم 253). وقد اختُلف فيه على ابن جريج: فقيل: عنه، عن سليمان بن عَتيق، عن عبد الله بن بابَيْه، عن بعض بني يعلى، عن يعلى بن أميَّة! وقيل: عنه، عن سليمان، عن عبد الله بن بابَيْه، عن يعلى بن أُميَّة. ليس فيه بعض بني يعلى! أما الوجه الأول: فقد أخرجه الإمام أحمد، كما ذكر المؤلِّف، عن رَوْح، عن ابن جريج. وقد توبع رَوْح على هذا الوجه، تابَعَه كل من: 1 - عبد الرزاق: وروايته في «المصنَّف» (5/ 45 رقم 8945). 2 - أبو عاصم النَّبيل، وروايته عند الفَسَوي في «المعرفة والتاريخ» (2/ 205). 3 - محمد بن بكر: وروايته عند الإمام أحمد في «مسنده» (1/ 70 - 71 رقم 512). لكن في رواية محمد بن بكر: طُفت مع عثمان! وأما الوجه الثاني: فقد أخرجه الإمام أحمد، كما ذكر المؤلِّف، وأبو يعلى (1/ 163 - 164 رقم 182) عن يحيى بن سعيد، عن ابن جريج. وقد صرَّح ابن جريج بالسماع في رواية يحيى بن سعيد، وعليه؛ فيصح الوجهان جميعًا، لأن ابن جريج مُكثر، فلا يبعد أن يكون له إسنادان، واستظهر الشيخ مشهور بن حسن في تعليقه على «إعلام الموقعين «(4/ 57) أن في الرواية وَهْمًا لاتحاد مخرج القصة. وقد أعلَّ هذا الخبرَ الحافظُ ابن عبد الهادي، فقال في «تنقيح التحقيق» (2/ 456): في صحته نظر. فالله أعلم. ولم يتنبَّه لهذا الاختلاف على ابن جريج محقِّقو «مسند الإمام أحمد» (1/ 365، 403، 536 رقم 253، 313، 512 - ط مؤسسة الرسالة)، وكذا الأستاذ حسين أسد في تعليقه على «مسند أبي يعلى».

حديث في الاضطباع والرمل في الطواف

حديث في الاضطِّباع والرَّمَل في الطَّواف (¬1) (337) قال أحمد (¬2): ثنا عبد الملك بن عمرو، ثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يقول: فيمَ الرَّمَلانُ الآن، والكشفُ عن المناكب، وقد أَطَّأَ اللهُ الإسلامَ، ونَفَى الكفرَ وأهلَهُ، ومع ذلك لا نَدَعُ شيئًا كنَّا نَفعلُهُ على عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. ورواه أبو داود في الحجِّ من «سننه» (¬3)، عن أحمد بن حنبل، به. ¬

(¬1) الاضطِّباع: هو أن يأخذ الإزار أو البُرد فيجعل وسطه تحت إبطه الأيمن، ويلقي طرفيه على كتفه الأيسر من جهتي صدره وظَهْره، ويسمَّى بذلك لإبداء الضَّبعَين. والرَّمَل: هو أن يَهُزَّ مَنكبيه، ولا يسرع. انظر: «النهاية» (2/ 265) و (3/ 73). (¬2) في «مسنده» (1/ 45 رقم 317). (¬3) (2/ 477 رقم 1887) باب في الرَّمَل.

وأخرجه ابن ماجه (¬1)، عن أبي بكر بن أبي شيبة، / (ق 134) عن جعفر بن عَون، عن هشام بن سعد، به. طريق أخرى (338) قال مُسدَّد في «مسنده»: ثنا يزيد، عن يحيى، عن ابن جريج، عن عبد الله بن أبي مُلَيْكَة قال: جاء عمرُ إلى الحَجَر، فقال: عَلاَمَ نُبدي مناكبنا وقد جاء اللهُ بالإسلامِ؟ ثم قال: لأَرمُلَنَّ، كما رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَرمُلُ. إسناد حسن. (339) وقال ابن عباس: رَمَلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في حَجَّته، وفي عُمَرِهِ كلِّها، وأبو بكرٍ، وعمرُ، والخلفاءُ. رواه أحمد (¬2). ¬

(¬1) في «سننه» (2/ 984 رقم 2952) في المناسك، باب الرمل حول البيت. وصحَّحه ابن خزيمة (4/ 211 رقم 2708) والحاكم (1/ 454) ووافقه الذهبي. وقد روى البخاري في «صحيحه» (3/ 471 رقم 1605) في الحج، باب الرَّمَل في الحج والعمرة، من حديث عمر -رضي الله عنه- أنه قال: فما لنا وللرَّمَل، إنما كنَّا راءينا به المشركين، وقد أهلكهم اللهُ، ثم قال: شيءٌ صَنَعَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فلا نُحِبُّ أنْ نتركَهُ. (¬2) يَرويه ابن جريج، واختُلف عليه في وَصْله وإرساله: فقيل: عنه، عن عطاء، عن ابن عباس! وقيل: عنه، عن عطاء مرسلاً! أما الوجه الأول: فأخرجه أحمد (1/ 225 رقم 1972). وأبو يعلى (4/ 374 رقم 2492) عن ابن أبي شيبة. كلاهما (أحمد، وابن أبي شيبة) عن أبي معاوية، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس ... ، فذكره. وأما الوجه الثاني: فأخرجه أبو داود في «المراسيل» (ص 150 رقم 142) من طريق يحيى القطان. والشافعي في «الأم» (2/ 174) عن سعيد بن سالم. وابن أبي شيبة (3/ 205 رقم 13546) في الحج، باب في العمرة يرمل فيها أم لا؟ عن أبي خالد الأحمر. والفاكهي في «أخبار مكة» (2/ 221 رقم 1394) من طريق عبد المجيد بن أبي روَّاد. جميعهم عن ابن جريج، عن عطاء، مرسلاً. وقد صرَّح ابن جريج بالسماع في رواية أبي داود، فانتفت شبهة تدليسه. وصوَّب هذا المرسل الإمام أبو داود، فقال عقب روايته: وقد أُسندَ هذا الحديث، ولا يصح، وهذا هو الصحيح. أي: المرسل. قلت: ولم يتنبه لعلَّة هذه الرواية محقِّقو «مسند الإمام أحمد» (3/ 435 - ط مؤسسة الرسالة)، فقالوا بعد ذكرهم للرواية المتَّصلة: «إسناده صحيح على شرط الشيخين «! كما أنهم عزوه إلى «مصنَّف ابن أبي شيبة» (ص 407 - ط العمروي)، وبالرجوع إلى هذا الموضع تبيَّن أن المتن مختلف!

أثر آخر (340) قال أبو عبيد (¬1): ثنا أبو بكر بن عيَّاش، عن عاصم، عن حبيب بن صُهبان: أنَّه رأى عمر يطوفُ بالبيت وهو يقول: ربَّنا آتنا في الدنيا حَسَنَةً، وفي الآخرةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عذابَ النَّارِ. ما لَهُ هِجِّيرَى غيرُها. ¬

(¬1) في «غريب الحديث» (4/ 216). وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (6/ 44 رقم 29332) في الدعاء، باب من كان يحب إذا دعا أن يقول: ... ، وعبد الله بن أحمد في زوائده على «الزهد» لأبيه (ص 173 رقم 608) والخطيب في «الموضح لأوهام الجمع والتفريق» (2/ 408) من طريق أبي بكر بن عيَّاش، به. وقد خولف ابن عيَّاش في روايته، خالَفَه الثوري، فرواه عن عاصم، عن المسيّب بن رافع، عن حبيب بن صُهبان، به. فزاد في إسناده المسيّب بن رافع. ومن هذا الوجه: أخرجه مُسدَّد في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (2/ 34 رقم 1233) و «مصنَّف ابن أبي شيبة» (6/ 44 رقم 29333) في الموضع السابق. وهذا الوجه أصح؛ لأن الثوري أثبت من أبي بكر بن عيَّاش، لا سيَّما وابن عيَّاش متكلَّم في حفظه.

قال أبو عبيد: قال الكسائي وأبو زيد وغير واحد: هِجِّيرَاه: كلامُهُ ودَأْبُهُ وشأنُهُ. قال أبو عبيد: والهِجِّيرى: كالخِليِّفى، والخِطِّيبى، والرِمِّيى، والهِزِّيمى، والحِجِّيزى، والرِدِّيدى من الردِّ، والمِنِّينَى من المِنَّة. وكلُّها مقصورة.

حديث آخر في ترك الصلاة بين الطوافين

حديث آخر في ترك الصلاة بين الطوافين (341) قال الهيثم بن كُلَيب الشاشي في «مسنده» (¬1): ثنا أبو بكر ابن أبي خيثمة (¬2)، ثنا أحمد بن جُنَاب، ثنا عيسى، عن عبد السلام بن أبي الجَنوب (¬3)، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه قال: طُفْتُ مع عمرَ بالبيتِ، فلما أتممنا دَخَلنا في الثاني، فقلتُ له: إنَّا قد أتممنا. قال: إنِّي لم أَوْهَم، ولكنِّي رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقرِنُ، فأنا أُحبُ أن أَقْرِنَ. أورده الحافظ الضياء في كتابه «المختارة» (¬4) من هذا الوجه، وهو غريب (¬5). ¬

(¬1) ليس في القسم المطبوع من «مسنده»، ومن طريقه: أخرجه الضياء المقدسي في «المختارة»، كما سيأتي. (¬2) وهو في «تاريخه» (3/ 257 رقم 4727). (¬3) قوله: «ثنا عيسى، عن عبد السلام بن أبي الجنوب» تحرَّف في المطبوع من «المختارة» إلى: «عيسى بن عبد السلام بن أبي الجَنوب»! ونشأ عن هذا التحريف أن قال محقق «المختارة»: عيسى بن عبد السلام لم أقف على ترجمته. (¬4) (1/ 330 رقم 224). (¬5) وقال ابن أبي خيثمة: قال ابن جُنَاب: هذا حديث منكر، لا يُكتب حديث عبد السلام. وقد ذكر ابن عبد الهادي في «تنقيح التحقيق» (2/ 461) أن ابن أبي حاتم رواه في «سننه»، وقال: هو حديث منكر. قلت: وقد جاء عن ابن عمرَ خلافه، وذلك فيما أخرجه الفاكهي في «أخبار مكة» (1/ 217 رقم 382) عن محمد بن صالح، عن أبي حذيفة، عن سفيان، عن عمرَ بن محمد، عن سالم، عن ابن عمرَ قال: لم يَقرِن أبو بكر، ولا عمر رضي الله عنهما. يعني في الطَّواف. وهذا إسناد رجاله ثقات، خلا أبي حذيفة موسى بن مسعود، وهو صدوق سيئ الحفظ، وفي روايته عن الثوري خاصة ضَعف، لكن لا شك أن هذه الرواية مع ضعفها أمثل من الرواية السابقة.

(342) وقد رواه الحافظ أبو بكر الإسماعيلي من حديث ياسين بن معاذ، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن أبيه عمرَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَرَنَ ثلاثةَ أسابيعَ. لكن ياسين: ضعيف (¬1). ¬

(¬1) تركه النسائي، وأبو داود، وقال البخاري: منكر الحديث. انظر: «لسان الميزان» (7/ 359).

أثر عن عمر في تأخير صلاة الطواف

أثر عن عمر في تأخير صلاة الطَّواف (343) قال البخاري (¬1): وطاف عمرُ بعد صلاةِ الصبحِ فرَكِبَ حتى صلَّى الركعتين بذي طُوًى. ¬

(¬1) في «صحيحه» (3/ 488 - فتح). ووَصَله مالك في «الموطأ» (1/ 495) في الحج، باب الصلاة بعد الصبح والعصر في الطواف، وعبد الرزاق (5/ 63 رقم 9008) عن معمر. والحارث بن أبي أسامة في «مسنده»، كما في «بغية الباحث» (ص 126 رقم 374) من طريق ابن أبي ذِئب. جميهم (مالك، ومعمر، وابن أبي ذِئب) عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن عبد الرحمن بن عَبدٍ القاري: أنه طاف بالبيت مع عمرَ بن الخطاب بعد صلاة الصبح، فلما قَضَى عمرُ طوافَهُ نظر فلم ير الشمسَ، فركب حتى أناخ بذي طُوًى، فصلَّى ركعتين. وهذا إسناد صحيح، كما قال الشيخ الألباني في «مختصر صحيح البخاري» (1/ 480). وقد خولف مالك في روايته، خالَفَه ابن عيينة، فرواه عن الزهري، عن عروة، عن عبد الرحمن بن عَبدٍ القاري، عن عمرَ! ومن هذا الوجه: أخرجه الأثرم، كما في «الفتح» (3/ 489) عن أحمد بن حنبل. والطحاوي (2/ 187) والبيهقي (2/ 463) من طريق يونس بن عبد الأعلى. والحافظ في «تغليق التعليق» (3/ 78) من طريق إسحاق بن الفيض. ثلاثتهم (أحمد، ويونس، وإسحاق) عن ابن عيينة، به. وقد أعل هذه الطريق الإمام أحمد، فقال الأثرم: قال أحمد: أخطأ فيه سفيان. وقال الحافظ في «التغليق»: ورجَّح أحمد بن حنبل رواية مالك هذه على رواية سفيان، وقال: الصواب: أنه عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن. اهـ. وقال يونس بن عبد الأعلى -فيما حكاه البيهقي-: قال لي الشافعي: اتَّبَع سفيان بن عيينة في قوله للزهري: عن عروة، عن عبد الرحمن المَجَرَّة. يريد: لزوم الطريق. وقال أبو حاتم، كما في «العلل» لابنه (1/ 281 رقم 835): أخطأ في هذا الحديث [أي: ابن عيينة] روى كلُّ أصحاب الزهري، عن الزهري هذا الحديث، عن حميد بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن عَبدٍ القاري، عن عمرَ، وهو الصحيح. وذو طُوًى: واد بمكة. «مشارق الأنوار» (1/ 276).

أثر عن عمر فيما جدد عند الكعبة

أثر عن عمر فيما جُدِّد عند الكعبة (344) قال البخاري (¬1): ثنا أبو النعمان: ثنا حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، وعبيد الله بن أبي يزيد قالا: لم يكن حولَ البيتِ على عهدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم حائطٌ، كانوا يُصلُّون حولَ البيتِ، حتى كان عمرُ، فبَنَى حولَهُ حائطًا. قال عبيد الله: جَدرُهُ قصيرٌ، فبَنَاهُ ابنُ الزُّبير رضي الله عنه (¬2). / (ق 135) أثر آخر (345) قال الحافظ أبو بكر البيهقي (¬3): أنا أبو الحسين بن الفضل القطان، أنا القاضي أبو بكر أحمد بن كامل، ثنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل السُّلمي، ثنا أبو ثابت، ثنا الدَّرَاوَردي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها: أنَّ المَقَامَ كان في زمانِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وزمانِ أبي بكرٍ، مُلتَصقًا بالبيتِ، ثم أَخَّره عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه. هذا إسناد صحيح (¬4). ¬

(¬1) في «صحيحه» (7/ 146 رقم 3830 - فتح) في مناقب الأنصار، باب بنيان الكعبة. (¬2) قال الحافظ: هذا مرسل، وقيل: منقطع؛ لأن عمرو بن دينار، وعبيد الله بن أبي يزيد من أصاغر التابعين، وأما قوله: «حتى كان عمرُ «، فمنقطع؛ فإنهما لم يُدركا عمر -أيضًا- ... ، وقوله: «فبناه ابن الزُّبير «. هذا القدر هو الموصول من هذا الحديث. (¬3) لم أقف عليه في مظانِّه من مصنَّفاته المطبوعة، وأخرجه -أيضًا- ابن أبي حاتم في «العلل» (1/ 298 رقم 896) عن أبي زرعة، عن أبي ثابت محمد بن عبيد الله المَدِيني، به. (¬4) يَرويه الدَّرَاوَردي، واختُلف عليه: فقيل: عنه، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة! وقيل: عنه، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: أُراه عن عائشة! أما الوجه الأول: فقد ذكره المؤلِّف. وأما الوجه الثاني: فأخرجه الفاكهي في «أخبار مكة» (1/ 455 رقم 998) عن يعقوب بن حميد بن كاسب، عن الدَّرَاوَردي، عن هشام بن عروة، عن أبيه. قال: أُراه عن عائشة رضي الله عنها! وقد أَعلَّ هذه الرواية المعلِّمي اليماني في رسالته «مقام إبراهيم» (ص 75) فقال: يعقوب بن حميد متكلَّم فيه، ووثَّقه بعضهم، والاعتماد على حديث أبي ثابت. قلت: وروي من وجه آخر مرسلاً، وذلك فيما أخرجه الفاكهي في «أخبار مكة» (1/ 454 رقم 997) والأزرقي في «أخبار مكة» (2/ 35) من طريق عيسى بن يونس، وابن عيينة، عن هشام بن عروة، عن أبيه. ليس فيه: عائشة! ورجَّح هذا الوجه المرسلَ أبو زرعة، فقال: لا يروونه عن عائشة، إنما يروونه عن هشام، عن أبيه فقط. انظر: «علل ابن أبي حاتم» (1/ 298 رقم 896). وقد وقع في مطبوع «العلل» تحريف، صوَّبته من الطبعة المحقَّقة (1/ 631 - ط دار الرشد).

(346) وهكذا روى عبد الرزاق (¬1)، عن معمر، عن حميد الأعرج، عن مجاهد قال: أوَّل مَن أَخَّرَ المَقَامَ إلى موضعِهِ الآن عمرُ بن الخطاب. (347) وقال عبد الرزاق -أيضًا- (¬2)، عن ابن جريج: حدَّثني عطاء وغيره من أصحابنا قالوا: أوَّلُ مَن نَقَلَهُ عمرُ. أثر آخر فيه غرابة (348) قال الحافظ أبو العباس محمد بن عبد الرحمن الدَّغُولي (¬3) في ¬

(¬1) في «المصنَّف» (5/ 47 رقم 8953) وهو منقطع بين مجاهد وعمر. (¬2) في «المصنَّف» (5/ 48 رقم 8955). وهذا -أيضًا- معضل، لا يصح. (¬3) هو الإمام العلاَّمة شيخ خراسان أبو العباس محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله السَّرَخسي الدَّغولي، قال عنه الحاكم في كتاب «مزكِّي الأخبار «: كان أبو العباس أحد أئمَّة عصره بخراسان في اللغة والفقه والرواية. توفي عام 325 هـ. من تصانيفه: «الآداب»، و «فضائل الصحابة». انظر: «سير أعلام النبلاء» (14/ 557) و «شذرات الذهب» (2/ 307).

كتابه «الآداب»: ثنا محمد بن المهلَّب، ثنا علي بن جرير، ثنا حماد، عن ثابت، عن عبد الله بن عُبيد بن عُمَير (¬1) قال: قال عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه: المؤمنُ أكرمُ على اللهِ من الكعبةِ. وهذا منقطع. (349) لكن روي مثلُه عن ابن عمرَ (¬2)، وابن عباس (¬3)، وعبد الله بن عمرو (¬4): أنَّ كلاًّ منهم نَظَرَ إلى الكعبة، فقال: ما أَعظمَ حُرْمتَكِ! والمؤمنُ أعظمُ حُرْمةً منكِ. ¬

(¬1) ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه بين عبد الله بن عُبيد بن عُمَير وعمر. (¬2) أخرجه الترمذي (4/ 331 رقم 2032) في البر والصلة، باب ما جاء في تعظيم المؤمن، وابن حبان (13/ 75 رقم 5763 - الإحسان) والبغوي في «شرح السُّنة» (13/ 104 رقم 3526) من طريق الفضل بن موسى، عن الحسين بن واقِد، عن أوفى بن دلهم، عن نافع: أنَّ ابنَ عمرَ نظر يومًا إلى البيت، فقال: ما أعظمكَ! وأَعظمَ حُرمتكَ، وللمؤمنُ أعظمُ عند اللهِ حُرمةً منكَ. قال الترمذي: حسن غريب. وحسَّنه الشيخ الألباني في «غاية المرام» (ص 197). (¬3) أخرجه ابن وهب في «كتاب الجامع» (1/ 326 رقم 225) عن يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن زَحر، عن ليث بن أبي سُليم (وتحرَّف في المطبوع إلى: ليث بن سُليم!) عن سعيد بن جُبَير، أو غيره: أنه دخل مع ابن عباس البيت، فقال: واهًا لك! ما أطيبكَ! وأعظمَ حُرمتكَ! والمؤمنُ أعظمُ حُرمةً منكَ. وهذا إسناد ضعيف؛ ليث بن أبي سُليم، ومَن دونه ضعفاء. (¬4) أخرجه عبد الرزاق (5/ 139 رقم 9186) عن ابن جريج قال: أخبرني عبد الله بن عثمان: أنَّ سعيد بن مِيناء أَخبَرَه قال: إنِّي لأطوف بالبيت مع عبد الله بن عمرو بعد حريق البيت، إذ قال: أي سعيد! أَعظَمتُم ما صُنِعَ بالبيت؟ قال: قلت: وما أعظمَ منه؟! قال: دمُ المسلمِ يُسفَكُ بغيرِ حقِّهِ. وهذا إسناد حسن، وعبد الله بن عثمان، وهو ابن خُثَيم، صدوق، كما قال الحافظ في «التقريب».

وأسانيد ذلك جيِّدة، والله أعلم. (350) وقال سفيان الثوري: عن واصل الأَحدب، عن أبي وائل قال: جَلَستُ مع شيبةَ على الكرسي في الكعبة، فقال: لقد جَلَس هذا المجلسَ عمرُ، فقال: لقد هَمَمتُ ألا أَدعَ فيها صَفراءَ ولا بيضاءَ إلا قَسَمتُها. قلتُ: إنَّ صَاحِبَيكَ لم يَفْعلا. قال: هما المرآنِ أَقتدِي بهما. رواه البخاري (¬1). وسيأتي (¬2) بتمامه في مسند شيبة بن عثمان الحَجَبي رضي الله عنه. ¬

(¬1) في «صحيحه» (3/ 456 رقم 1594) في الحج، باب كسوة الكعبة، و (13/ 249 رقم 7275 - فتح) في الاعتصام بالكتاب والسُّنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم. (¬2) انظر: «جامع المسانيد والسُّنن» (4/ 258 رقم 5235، 5236).

حديث في السعي

حديث في السَّعي (351) قال سفيان الثوري (¬1)، عن عبد الكريم الجَزَري، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عمرَ قال: رأيتُ عمرَ يمشي بين الصَّفا والمروة، / (ق 136) وقال: إنْ مَشَيتُ؛ فقد رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يمشي، وإنْ سَعَيتُ؛ فقد رأيتُهُ يَسعى. إسناده صحيح. (352) وقال الدارقطني (¬2): ثنا أحمد بن محمد بن سعيد، ثنا حفص بن محمد بن مروان، ثنا عبد العزيز بن أبان قال لأبي بُرْدة عمَّا ذكر إبراهيم (¬3) عن عبد الله قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَطوفُ لعُمرتِهِ وحجَّتِهِ طوافين، ويَسعى سَعيَين، وأبو بكرٍ، وعمرُ، وعليٌّ، وابنُ مسعود رضي الله عنهم. ثم قال الدارقطني: أبو بُرْدة هذا هو: عمرو بن يزيد: ضعيف (¬4). ¬

(¬1) ومن طريقه: أخرجه النسائي (5/ 267 رقم 2977) في المناسك، باب المشي بينهما، وأحمد (2/ 151 - 152) وعَبد بن حميد في «المنتخب من مسنده» (2/ 34 رقم 798) وابن خزيمة (4/ 237 رقم 2772). (¬2) في «سننه» (2/ 264). (¬3) قوله: «ثنا حفص بن محمد بن مروان، ثنا عبد العزيز بن أبان قال لأبي بُرْدة عمَّا ذكر إبراهيم» كذا ورد بالأصل. وفي «سنن الدارقطني»، و «إتحاف المهرة» (10/ 376 رقم 12966): «ثنا جعفر بن محمد بن مروان، ثنا أبي، نا عبد العزيز بن أبان، ثنا أبو بُرْدة، عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة». وكذا ورد في «سنن الدارقطني» (3/ 307 رقم 2631 - ط مؤسسة الرسالة). (¬4) قوله: «أبو بُرْدة هذا هو: عمرو بن يزيد: ضعيف» كذا ورد بالأصل، ومطبوع «السُّنن». وفي «سنن الدارقطني» (3/ 307 رقم 2631 - ط مؤسسة الرسالة): «أبو بُرْدة هذا هو: عمرو بن يزيد: ضعيف، ومن دونه في الإسناد ضعفاء». وجاء في «إتحاف المهرة» هكذا: «أبو بُرْدة هذا هو: عمرو بن يزيد: متروك، ومن دونه في الإسناد كلهم ضعفاء». تنبيه: جاء بحاشية الأصل تقيِّيد بخط الحافظ ابن حجر، هذا نصُّه: فاته حديث عمر في الدعاء يوم عرفة: أخرجه البيهقي [شعب الإيمان 8/ 25 رقم 3786] من طريق بكر بن عَتيق، عن سالم بن عبد الله بن عمر، حدثني أبي، عن عمرَ ... ، فذكره، وفيه قصَّة لبكر مع عَتيق.

حديث في الدفع من المزدلفة

حديث في الدفع من المزدلفة (353) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا عبد الرزاق، وعبد الرحمن، أنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب قال: كان المشركون لا يُفيضون من جَمْعٍ حتى تُشرِقَ الشمسُ على ثَبِيرٍ، وكانوا يقولون: أَشرِقْ ثَبِير، كَيْما نُغِير، فخالَفَهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فأفاضَ قبلَ أنْ تطلُعَ الشمسُ. ورواه أحمد -أيضًا- (¬2): ثنا عفَّان، ثنا شعبة، عن أبي إسحاق قال: سَمِعتُ عمرو بن ميمون قال: صلَّى بنا عمرُ بجَمْعٍ الصبحَ، ثم وَقَف، قال: وقال: إنَّ المشركين كانوا لا يُفيضونَ حتى تَطلُعَ الشمسُ، وإنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خالَفَهم، ثم أفاضَ قبلَ أن تَطلُعَ الشمسُ. وقد رواه البخاري (¬3)، وأبو داود (¬4) من حديث سفيان -وهو: الثوري- به. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 39 - 40 رقم 275). (¬2) (1/ 14 رقم 84). (¬3) في «صحيحه» (7/ 148 رقم 3838 - فتح) في مناقب الأنصار، باب أيام الجاهلية. (¬4) في «سننه» (2/ 501 رقم 1938) في المناسك، باب الصلاة بجمع.

والبخاري -أيضًا- (¬1)، والترمذي (¬2)، والنسائي (¬3) من حديث شعبة، به. وابن ماجه (¬4) من حديث حجَّاج بن أرطاة. ثلاثتهم عن أبي إسحاق السَّبيعي، به. وقال الترمذي: حسن صحيح. ¬

(¬1) في «صحيحه» (3/ 531 رقم 1684 - فتح) في الحج، باب متى يدفع من جمع؟ (¬2) في «سننه» (3/ 242 رقم 896) في الحج، باب ما جاء أن الإفاضة من جمع قبل طلوع الشمس. (¬3) في «سننه» (5/ 293 رقم 3047) في المناسك، باب وقت الإفاضة من جمع. (¬4) في «سننه» (2/ 1006 رقم 3022) في المناسك، باب الوقوف بجمع.

حديث في رمي الجمرة

حديث في رمي الجمرة (354) قال أبو بكر الإسماعيلي: ثنا علي بن الحسين بن حبَّان - صاحب التاريخ -، ثنا ابن بكَّار، ثنا حُدَيج بن معاوية، ثنا أبو إسحاق الهَمْداني، عن عمرو بن ميمون قال: رأيتُ عمرَ -رضي الله عنه- رَمَى الجمرةَ من بطنِ الوادي، فقال: والذي أَنزَلَ على عبدِهِ سورةَ البقرةِ؛ لقد رأيتُهُ صلى الله عليه وسلم / (ق 137) رَماَها ببطنِ الوادي. قال: ورَمَى رجلٌ الجمرةَ، فأصاب رأسَ عمرَ، فوالله ما أَخطأتِ الصَّلعةَ، فَشَجَّتهُ، فرأيتُهُ رَفَع يدَه إلى رأسِهِ، ثم نَظَر، فإذا الدَّم قد سال، فواللهِ ما أَرسَلَ إلى أحدٍ ولا سَبَّ أحدًا (¬1). وقد روى من حديث يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيّب: أنَّه لما شجَّه ذلك الرجلُ قال بنو لهب -وكانوا يَعتَافون (¬2) -: والله لا يَرْمِها بعد عامِهِ هذا. فكان كذلك (¬3). ¬

(¬1) وفي إسناده: حُدَيج بن معاوية: قال أحمد: لا أعلم إلا خيرًا. وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال مرَّة: لا يُكتب حديثه، ليس بشيء، ليس بثقة. وقال البخاري: يتكلَّمون في بعض حديثه. وضعَّفه النسائي، وابن سعد، وأبو زرعة، والدارقطني، والبزَّار. انظر: «تهذيب الكمال» (5/ 488 - 490). ورَمْيه صلى الله عليه وسلم جمرة العقبة من بطن الوادي ثابت في «الصحيحين» من حديث ابن مسعود رضي الله عنه. انظر: «صحيح البخاري» (3/ 580 رقم 1747 - فتح) في الحج، باب رمي الجمار من بطن الوادي، و «صحيح مسلم» (2/ 942 رقم 1296) في الحج، باب رمي جمرة العقبة من بطن الوادي. (¬2) يعتافون: من العيافة، وهي صِدق الحَدَس والظنِّ. «النهاية» (3/ 330). (¬3) وهذا منقطع، وله طريق أخرى: أخرجها ابن سعد (3/ 333) من طريق إبراهيم بن إسماعيل بن مجمّع الأنصاري. وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (1/ 102 رقم 81) والبلاذُري في «أنساب الأشراف» (ص 336) من طريق معمر. وعمر بن شبَّة في «تاريخ المدينة» (3/ 875) من طريق إبراهيم بن سعد. ثلاثتهم (إبراهيم بن إسماعيل، ومعمر، وإبراهيم بن سعد) عن الزهري، عن محمد بن جُبير، عن جُبير بن مُطعِم قال: بينما عمرُ واقفٌ على جبال عرفة، سمع رجلاً يصرخ، يقول: يا خليفة، يا خليفة، فسمعه رجل آخر -وهم يعتافون- فقال: ما لك؟ فكَّ الله لهواتك! فأقبلتُ على الرجل، فصخبتُ عليه، قلت: لا تَسبنَّ الرجل. قال جُبير بن مُطعِم: فإني الغد واقف مع عمرَ على العقبة يرميها، إذ جاءت حصاة عائرة، فنَقَفَت رأس عمر، ففَصَدت، فسمعتُ رجلاً من الجبل يقول: أُشْعِرتَ، وربِّ الكعبة، لا يقفُ عمرُ هذا الموقفَ بعد العام أبدًا. قال جبير بن مطعم: فإذا هو الذي صرخ فينا بالأمس، فاشتدَّ ذلك عليَّ. وهذا إسناد صحيح.

أثر آخر (355) قال أبو عبيد (¬1): ثنا هشيم، أنا حجَّاج، عن ابن أبي مُلَيْكَة، عن ابن الزُّبير، عن عمرَ قال: مَن لبَّد، أو عَقَصَ، أو ضَفَرَ؛ فعليه الحَلْقُ. ¬

(¬1) في «غريب الحديث» (4/ 276). وفي إسناده: الحجَّاج (وهو: ابن أرطاة) صدوق، كثير الخطإ والتدليس، إلا أنه لم يتفرَّد به، فقد تابَعَه عبيد الله بن موسى، وروايته عند ابن أبي شيبة (3/ 298 رقم 14508) في الحج، باب من قال: إذا لبَّد، أو عَقَص، أو ضَفَر؛ فعليه الحَلْق، عن ابن أبي مُلَيْكَة قال: وَضَعتُ على رأسي طيبًا قبل أنْ أُحرِمَ، فلَقِيتُ ابنَ الزبير، فقال: أمَّا عمرُ، فكان يرى الحَلقَ على من لبَّدَ، وأمَّا أنا، فلا أرى إلا ما نَويتَ. وأخرج مالك (1/ 532) في الحج، باب التلبيد، -واللفظ له- عن نافع. وأبو القاسم البغوي في «الجعديات» (2/ 947 رقم 2727) من طريق أبي الزبير. كلاهما (نافع، وأبو الزبير) عن ابن عمرَ: أنَّ عمرَ بن الخطاب قال: مَن ضَفَر رأسَه فلْيَحلِقْ، ولا تشبَّهوا بالتلبيدِ. وهذه أسانيد صحيحة.

ثم روى مثلَه عن عليٍّ (¬1)، وابن عمرَ (¬2). قوله: لبَّد: يعني: أن يجعل في رأسه شيئًا من صَمغ أو عسل لِيَتَلبَّدَ فلا يَقْمَل. هكذا فسَّره يحيى بن سعيد، وسألته عنه. وقال غيره: إنما التَّلبيد بُقْيًا على الشَّعر لئَّلا يَشعَثَ في الإحرام، فلذلك وَجَبَ عليه الحَلْقُ شبيهًا بالعقوبة له. وكان سفيان بن عيينة يقول بعضَ هذا. وأما العَقص والضَّفر فهو: فَتلُهُ ونَسجُهُ، وكذلك: التجمير. قال إبراهيم النَّخَعي: العاقِصُ، والضَّافِرُ، والمُجمِّرُ: عليهم الحَلْقُ. ¬

(¬1) وإسناده هكذا: حدثنا هشيم، حدثنا حفص بن غياث، عن جعفر، عن أبيه، عن علي. وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (3/ 298 رقم 14505) في الموضع السابق، عن حفص بن غياث، به. وهو منقطع؛ والد جعفر هو محمد بن علي بن الحسين لم يُدرك جدَّه عليّ. قاله أبو زرعة. انظر: «تحفة التحصيل» (ص 282). (¬2) وإسناده هكذا: حدثنا هشيم، أخبرنا ليث، عن مجاهد، عن ابن عمرَ. وليث هو: ابن أبي سُليم: صدوق اختَلَط. لكن له طريق أخرى: أخرجها ابن أبي شيبة (3/ 298 رقم 14503) عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عمرَ قال: مَن ضَفَر أو لبَّدَ أو عَقَصَ؛ فلْيَحلِقْ. وقال ابن عباس: ما نَوَى. وهذا إسناد صحيح.

أثر آخر في بيان ما يحل بالتحلل الأول

أثر آخر في بيان ما يَحِلُّ بالتحلُّل الأوَّل (356) قال الشافعي (¬1): أنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن سالم بن عبد الله، عن عمرَ قال: إذا رميتُم الجمرةَ، فقد حَلَّ لكم ما حرُمَ عليكم، إلا النِّساءَ والطِّيبَ. إسناد جيد، وإن كان سالمًا لم يَسْمعه من عمرَ (¬2). ¬

(¬1) في «الأم» (2/ 151). (¬2) كذا أورده المؤلِّف، وورد في «مسند الشافعي» (1/ 299 رقم 779 - ترتيب السندي) هكذا: «عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن سالم بن عبد الله. وربما قال: عن أبيه. وربما لم يقله». وقد أخرجه الحميدي (1/ 105 رقم 212) وسعيد بن منصور، كما في «المحلى» (7/ 139). كلاهما عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن عمرَ -رضي الله عنهما- قال: إذا رميتم الجمرةَ بسبعِ حصياتٍ، وذبحتُم وحَلَقتُم، فقد حَلَّ لكم كلُّ شيء، إلا الطيبَ والنساءَ. قالت عائشة: أنا طيَّبتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فسُنَّة رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أحقُّ أنْ تُتَّبعَ. هكذا روياه بإثبات ابن عمر بين سالم وعمر، وبذكر الذبح والحلق مع رمي الجمرة! وصحَّح إسناده الشيخ الألباني في «السلسلة الصحيحة» (1/ 482). وله طرق أخرى: منها: ما أخرجه الطحاوي (2/ 231) من طريق أبي حذيفة موسى بن مسعود، عن سفيان، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عمرَ، عن عمرَ -رضي الله عنهما- قال: إذا رميتُم وحَلَقتُم، فقد حَلَّ لكم كلُّ شيءٍ، إلا النساءَ والطِّيبَ. وصحَّح إسناده الشيخ الألباني في «الإرواء» (4/ 239). ومنها: ما أخرجه ابن خزيمة (4/ 303 رقم 2939) والبيهقي (5/ 135) من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمرَ، عن عمرَ -رضي الله عنه- قال: إذا رميتُم الجمرةَ بسبعِ حصياتٍ، وذبحتُم وحَلَقتُم، فقد حلَّ لكم كلُّ شيءٍ إلا النساءَ والطيبَ. قال سالم: وكانت عائشةُ -رضي الله عنها- تقول: حَلَّ له كلُّ شيءٍ إلا النساءَ، أنا طيَّبتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم. قال الشيخ الألباني في «السلسلة الصحيحة» (1/ 481): وهذا سند صحيح على شرطهما. تنبيه: هكذا أخرجه ابن خزيمة والبيهقي من طريق عبد الرزاق، وجعلاه من مسند عمر، وهو كذلك في «إتحاف المهرة» (16/ 1/1083)، لكن أخرجه إسحاق بن راهويه في «مسنده» (2/ 539 رقم 1121) -ومن طريقه: النسائي في «الكبرى» (4/ 217 رقم 4152 - ط مؤسسة الرسالة) - عن عبد الرزاق. فجعله من فعل ابن عمر! وكذا جاء في «تحفة الأشراف» (11/ 400 رقم 16091). ومنها: ما أخرجه مالك (1/ 547) في الحج، باب الإفاضة، -ومن طريقه: البيهقي (5/ 204) - عن نافع وعبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر: أنَّ عمرَ بن الخطاب خَطَب الناسَ بعرفة، وعلَّمهم أمرَ الحجِّ، وقال لهم فيما قال: إذا جئتُم منًى، فمَن رَمَى الجمرةَ، فقد حَلَّ له ما حَرُم على الحاجِّ، إلا النساءَ والطيبَ، لا يمسَّ أحدٌ نساءً ولا طيبًا، حتى يطوفَ بالبيتِ. وأخرج مالك في الموضع السابق. وإسماعيل بن جعفر في «حديثه» (ص 151 رقم 36 - رواية علي بن حُجر) -ومن طريقه: الطحاوي (2/ 231) - كلاهما (مالك، وإسماعيل) عن عبد الله بن دينار -زاد مالك: ونافع- عن عبد الله بن عمر: أنَّ عمرَ بن الخطاب قال: مَن رَمَى الجمرة، ثم حَلَق، أو قَصَّر، ونَحَر هديًا إن كان معه، فقد حَلَّ له ما حَرُم عليه، إلا النساءَ والطيبَ حتى يطوفَ بالبيت. هذا لفظ مالك.

أثر في [حكم] النفر الأول

أثر في [حكم] (¬1) النَّفر الأول (357) قال أبو عبيد (¬2): حدثني يحيى بن سعيد، عن شريك، عن زياد بن عِلاَقة، عن المعرور بن سُوَيد، عن عمرَ أنَّه قال: مَن شاء فليَنفِر في النَّفر الأوَّل، إلا بني أسد بن خزيمة. ¬

(¬1) ما بين المعقوفين غير واضح تمامًا بالأصل، وهذا ما تبيَّن لي منه. (¬2) في «غريب الحديث» (4/ 287، 288). وقد أعلَّ هذا الخبر ابن عيينة، فقال: هذا حديث جاء من العراق، ولا يَعرفُ هذا أهلُ مكةَ. انظر: «تاريخ ابن أبي خيثمة» (1/ 289)

(358) وحدثني ابن مهدي، عن سفيان، عن واصل الأحدب، عن المعرور: أنَّه سَمِعَ عمر يقول: يا آلَ خزيمةَ، أَصبِحُوا. وفي بعض الحديث: حَصِّبوا. قال أبو عبيد: وإنما خصَّ بني خزيمة -وهم: قريش وكِنانة- بذلك؛ لقُرب منازلهم من الحَرَم. والتحصيب: هو المبيت في المحصَّب، وهو الشِّعْب الذي يُخرِجُ إلى الأَبطَح. قال: وكان هذا شيئًا يُفعَل، ثم تُرِكَ. (359) قالت عائشة: ليس التحصِّيبُ بشيءٍ، إنما كان منزلاً نَزَلَهُ رسولُ الله ليكونَ أَسمَحَ لخروجه (¬1). ¬

(¬1) أخرجه أبو عبيد في الموضع السابق، عن أبي معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، فذكرته. وهو عند البخاري (3/ 591 رقم 1765 - فتح) في الحج، باب المحصَّب، ومسلم (2/ 951 رقم 1311) (339) في الحج، باب استحباب نزول المحصَّب يوم النَّفْر والصلاة به، من طريق هشام بن عروة، به.

حديث في توصية الحاج أو المعتمر بالدعاء

حديث في توصية الحاج أو المعتمر بالدُّعاء (360) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن عاصم، عن سالم، عن عبد الله بن عمر، عن عمرَ -رضي الله عنه-، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه استأذنه في العمرة، فأَذِنَ له، وقال له: «يا أُخَيَّ، لا تَنْسَنَا من دعائِكَ». وقال بعدُ في المدينة: «يا أُخيَّ، أَشْرِكْنَا في دعائِكَ». قال عمرُ: ما أُحبُّ أنَّ لي بها ما طَلَعتْ عليه الشمسُ، لقوله: «يا أُخَيَّ». وهكذا رواه علي ابن المديني، عن غُندَر، وأبي الوليد. كلاهما عن شعبة، به، وقال: لا نحفظه إلا من هذا الوجه، وعاصم بن عبيد الله فيه ضعف، روى أحاديث مسندة. وأخرجه أبو داود في كتاب الصلاة من «سننه» (¬2). والحافظ أبو يعلى في «مسنده» (¬3). جميعًا عن سليمان بن حرب (¬4)، عن شعبة. ورواه الهيثم بن كُلَيب في «مسنده» (¬5)، عن أبي مسلم الكَشِّي، عن سليمان بن حرب، وحجاج بن نصير، وعمرو بن مرزوق. ثلاثتهم عن شعبة، به. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 29 رقم 195). (¬2) (2/ 285 رقم 1498) باب الدعاء. (¬3) لم أجده في المطبوع من «مسند أبي يعلى «من رواية شعبة، وإنما أخرجه من رواية سفيان (9/ 376، 405 رقم 5501، 5550). (¬4) تنبيه: جاء بحاشية الأصل تقييد بخط الحافظ ابن حجر، وهذا نصُّه: «شيخ أبي يعلى، ليس هو: ابن حرب». (¬5) ليس في القسم المطبوع من «مسنده»، ومن طريقه: أخرجه الضياء في «المختارة» (1/ 293 رقم 183).

/ (ق 138) ورواه ابن ماجه في الحجِّ من «سننه» (¬1)، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن وكيع، عن سفيان الثوري، عن عاصم بن عبيد الله العُمَري، به. وكذا رواه الترمذي في الدَّعوات من «جامعه» (¬2)، عن سفيان بن وكيع، عن أبيه، به. وقال: هذا حديث حسن صحيح. قلت: وكذا اختاره الحافظ الضياء المقدسي في كتابه (¬3). ¬

(¬1) (2/ 966 رقم 2894) باب فضل دعاء الحاج. (¬2) (5/ 523 رقم 3562) باب منه. (¬3) تقدم تخريجه.

أحاديث في فضل الحرمين الشريفين زادهما الله تعظيما

أحاديث في فضل الحَرَمين الشريفين زادهما الله تعظيمًا (361) قال الحافظ أبو بكر البزَّار (¬1): ثنا محمد بن يحيى بن السَّكَن (¬2)، ثنا حَبَّان بن هلال -وأملاه علينا من كتابه-، عن همام، عن قتادة، عن أبي العالية، عن ابن عباس، عن عمرَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلا إلى ثلاثةِ مساجدٍ: مسجدِ الحرامِ، ومسجدي هذا، ومسجدِ الأقصى». وهذا إسناد جيد، لكن قال البزَّار عقيب روايته له: أخطأ فيه حِبَّان؛ لأنَّ همامًا وغيره إنما يروونه عن قتادة، عن قَزَعة بن يحيى، عن أبي سعيد (¬3). (362) قلت: وروى الإسماعيلي من حديث الثوري، عن أبي سنان ضرار، عن عبد الله بن أبي الهذيل قال: سَمِعتُ عمرَ خَطَبنا بالرَّوْحاء (¬4)، فقال: لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلا إلى البيتِ العتيقِ (¬5). ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 291 رقم 187). (¬2) قوله: «محمد بن يحيى بن السكن» كذا ورد بالأصل. والذي في مطبوع «المسند»: «يحيى بن محمد بن السَّكن «، وهو الصواب، الموافق لما في كُتُب الرجال. انظر: «تهذيب الكمال» (31/ 518). (¬3) ومن هذا الوجه: أخرجه البخاري (3/ 70 رقم 1197) في فضل الصلاة في مسجد الكوفة والمدينة، وباب مسجد بيت المقدس، و (4/ 73، 420 رقم 1864، 1995 - فتح) في جزاء الصيد، باب حج النساء، وفي الصوم، باب صوم يوم النحر، ومسلم (2/ 975 رقم 827) عقب حديث (1338) في الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره. (¬4) الرَّوحاء: قرية على ليلتين من المدينة. «الفتح» (1/ 569). (¬5) وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (2/ 152 رقم 7539) في الصلاة، باب في الصلاة في بيت المقدس ومسجد الكوفة، عن يحيى بن يمان. وابن سعد (6/ 115) والفاكهي في «أخبار مكة» (2/ 102 رقم 1217) من طريق عبيد الله الأشجعي. كلاهما (يحيى بن يمان، وعبيد الله) عن سفيان، به. وهذا إسناد صحيح، لكن قال البخاري في «التاريخ الكبير» (5/ 223): وقال صلى الله عليه وسلم: «إلا إلى ثلاثة»، وحديث النبيِّ صلى الله عليه وسلم أولى.

هكذا رواه موقوفًا على عمرَ رضي الله عنه. حديث آخر (363) قال أبو داود الطيالسي في «مسنده» (¬1): ثنا سوَّار بن ميمون أبو الجرَّاح العَبدي قال: حدَّثني رجل من آل عمرَ، عن عمرَ -رضي الله عنه- قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن زار قبري -أو قال: / (ق 139) مَن زارني - كنتُ له شهيدًا -أو شفيعًا-، ومَن مات في أحدِ الحَرَمين، بَعَثَهُ اللهُ في الآمنينَ يومَ القيامةِ». قال الحافظ أبو بكر البيهقي (¬2): هذا إسناد مجهول، وقد اختُلف فيه، فقيل: ميمون بن سوَّار، وقيل: سوَّار بن ميمون. ¬

(¬1) (1/ 66 رقم 65). وقد خولف الطيالسي في روايته، خالَفَه وكيع، فرواه عن ميمون بن سوَّار، عن هارون بن قَزَعة، عن رجلٍ من آل حاطب، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. ومن هذا الوجه: أخرجه البخاري في «التاريخ الكبير «، كما في «الصارم المنكي» (ص 97) و «شعب الإيمان «(8/ 91). قال ابن عبد الهادي: هكذا سماه البخاري ميمون من رواية وكيع عنه، ولم يَذكر فيه عمرَ، وزاد فيه ذِكر هارون، وقال: «عن رجلٍ من ولد حاطب»، وفي هذا مخالفة لرواية أبي داود من وجوه. (¬2) انظر: «السُّنن الكبرى» (5/ 245) و «شعب الإيمان» للبيهقي (8/ 90). وقال الشيخ الألباني في «إرواء الغليل» (4/ 333): وهذا إسناد واهٍ من أجل الرَّجل الذي لم يُسمَّ، وسوَّار بن ميمون أغفلوه، فلم يَذكره ابن أبي حاتم، ولا الذهبي، ولا العسقلاني، نعم قَلَبه بعض الرواة، فقال: «ميمون بن سوَّار «، ومع ذلك لم يوردوه فيمن اسمه ميمون، وهذا يدلُّ على أنه رجل مغمور، مجهول. وقال العقيلي: والرواية في هذا الباب ليِّنة. وقال الحافظ ابن عبد الهادي في «الصارم المنكي في الرد على السُّبكي» (ص 97): وسوَّار بن ميمون شيخ يقبله (كذا؟ والصواب: يقلبه) بعض الرواة، ويقول: «ميمون بن سوَّار «، وهو شيخ مجهول، لا يُعرَف بعدالة ولا ضبط، ولم يشتهر بحمل العلم ونقله. وأما شيخ سوَّار في هذه الرواية، رواية أبي داود، فإنه شيخ مُبهَم، وهو أسوأ حالاً من المجهول، وبعض الرواة يقول فيه: «عن رجلٍ من آل عمر»، كما في هذه الرواية، وبعضهم يقول: «عن رجلٍ من ولد حاطب «، وبعضهم يقول: «عن رجل من آل الخطاب». وأخرجه العقيلي (4/ 362) والبيهقي في «شعب الإيمان» (8/ 91 رقم 2856) من طريق شعبة، عن سوَّار بن ميمون، عن هارون بن قَزَعة، عن رجل من آل حاطب -وعند العقيلي: عن رجل من آل الخطاب- عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. قال ابن عبد الهادي في «الصارم المنكي في الرد على السُّبكي» (ص 97 - 98): هكذا في هذه الرواية: «عن رجلٍ من آل حاطب «، وهو يوافق رواية الطيالسي: «عن رجل من آل عمرَ»، وكأنه تصحيف من حاطب، والذي في «تاريخ البخاري»: «عن رجلٍ من ولد حاطب»، وليس في هذه الرواية التي ذكرها العقيلي ذِكر عمرَ، كما في رواية الطيالسي، وكذلك رواية وكيع التي ذكرها البخاري، ليس فيها ذكر عمر -أيضًا-، فالظاهر أن ذِكره وَهْم من الطيالسي، وكذلك إسقاطه هارون من روايته وَهْم أيضًا.

ثم قال (¬1): أنا أبو عبد الله الحافظ، أنا أبو الحسن الدارقطني، أنا ابن عُقدةَ، حدثني داود بن يحيى، ثنا أحمد بن الحسن الترمذي، ثنا عبد الملك بن إبراهيم الجُدِّى، ثنا شعبة، عن سوَّار بن ميمون، عن هارون بن قَزَعة، عن رجل من آل الخطاب (¬2)، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه ¬

(¬1) أي: البيهقي في «شعب الإيمان» (8/ 91 رقم 3856). (¬2) كَتَب المصِّنف فوقها: «كذا»، وكَتَب بجوارها في حاشية الأصل: «حاطب»، ووضع فوقها: «خ»، إشارة إلى وروده في نسخة.

قال: «مَن زارني متعمدًا، كان في جِوَاري يومَ القيامةِ، ومَن مات في أحدِ الحَرَمينِ، بعَثَه اللهُ في الآمنينَ يومَ القيامةِ». وهكذا رواه الحافظ ابن عدي (¬1)، عن محمد بن موسى، عن أحمد بن الحسن الترمذي ... ، فذَكَره. أورده في ترجمة هارون بن قَزَعة، وحكى عن البخاري أنَّه قال: لا يُتابَع عليه. ¬

(¬1) لم أجد هذا الحديث في مطبوع «الكامل»، وراجعت له نسختين خطيتين، فلم أجده فيهما، ولم يَذكره ابن طاهر في «تذكرة الحفَّاظ». ووجدته عند العقيلي في «الضعفاء» (4/ 362) بالإسناد الذي ذكره الحافظ ابن كثير، فلعل قوله: «وهكذا رواه الحافظ ابن عدي» سبق قلم. والذي في مطبوع «الكامل» لابن عدي (7/ 128): سَمِعتُ ابن حماد يقول: قال البخاري: هارون أبو قَزَعة روى عنه ميمون بن سوَّار، لا يُتابَع عليه. ثم قال ابن عدي: وهارون أبو قَزَعة لم يُنسَب، وإنما روى الشيء اليسير الذي أشار إليه البخاري. وقد قال ابن عبد الهادي في «الصارم المنكي في الرد على السُّبكي» (ص 97 - 98): ومدار الحديث على هارون، وهو شيخ مجهول، لا يُعرَف له ذِكر إلا في هذا الحديث، وقد ذكره أبو الفتح الأَزدي، وقال: هو متروك الحديث، لا يحتج به. ثم قال: وقد تفرَّد (يعني: هارون) بهذا الحديث، عن هذا الرَّجل المُبهَم، الذي لا يُدرَى مَن هو، ولا يُعرَف ابن مَن هو؟ ومثل هذا لا يحتجُّ به أحدٌ ذاق طعم الحديث، أو عَقَل شيئًا منه، هذا مع أن راويه عن هارون شيخ مختَلَف في اسمه، غير معروف بحمل العلم ولا مشهور بنقله، ولم يوثِّقه أحدٌ من الأئمَّة، ولا قوَّى خبره أحدٌ منهم، بل طعنوا فيه، وردُّوه، ولم يَقبلوه. وقال -أيضًا- (ص 102): هذا الحديث ليس بصحيح، لانقطاعه، وجهالة إسناده، واضطِّرابه، ولأجل اختلاف الرواة في إسناده، واضطِّرابهم فيه ... ، وهو حديث واحد، ساقط الإسناد، لا يجوز الاحتجاج به، ولا يصلح الاعتماد على مثله.

وكذا قال ابن حبان، والأزدي (¬1). ثم رواه الدارقطني (¬2)، والقاسم ابن عساكر (¬3) من طرق صحيحة (¬4)، ¬

(¬1) انظر: «لسان الميزان» (7/ 237 رقم 8951). (¬2) في «سننه» (2/ 278). (¬3) لم أقف عليه في مظانِّه من «تاريخ دمشق»، فلعلَّه في كتاب آخر، ومن طريقه: أخرجه أبو اليُمن ابن عساكر في «إتحاف الزائر» (ص 25). ومما ينبغي التنبيه عليه هنا: أن محقِّق كتاب أبي اليُمن، حسينُ محمد علي شكري لم يتعرَّض لما في هذه الروايات من علل، وجعل جُلَّ همِّه منصرفًا إلى الترجمة للأعلام!! واكتفى بإحالة القارئ في تخريج أحاديث الكتاب إلى كتاب السُّبكي «شفاء السِّقام في زيارة خير الأنام»!! ونسي أو تناسى ردَّ ابن عبد الهادي عليه، وهذا إن دلَّ على شيء؛ فإنما يدل على نَفَس صوفي قبوري، نسأل الله السلامة من الأهواء. (¬4) لعل مراد المؤلِّف -رحمه الله- صحة أسانيد الدارقطني وابن عساكر إلى محمد بن الوليد، وإلا فهذه الطرق التي عند الدارقطني وابن عساكر هي واحدة من تلك الطرق التي شملها الاضطراب، وقد تلخَّص لنا مما سبق أن مدار الحديث على هارون بن قَزَعة، وقد اضطَّرب فيه: فمرَّة قال: عن رجلٍ من آل حاطب، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم! ومرَّة قال: عن رجلٍ من آل حاطب، عن حاطب! ومرَّة قال: عن مولى حاطب بن أبي بلتعة، عن حاطب! كما عند الدِّينوري في «المجالسة «(1/ 441 رقم 130). تنبيه: قال الحافظ البوصيري في «إتحاف الخيرة» (3/ 258) بعد ذكره لهذا الحديث: وله شاهد من حديث سُبيعة، أخرجه أبو يعلى، والطبراني في «الكبير» بسند صحيح (!) قلت: وفي هذا نظر؛ لأمرين: الأمر الأول: أن لفظ حديثها: «من استطاع أن يموتَ بالمدينةِ فليمت، فإنه لن يموتَ بها أحدٌ إلا كنتُ له شفيعًا أو شهيدًا يومَ القيامةِ»: أخرجه أبو يعلى في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (2/ 67 رقم 1336) والطبراني في «الكبير» (24/ 294 رقم 747) من طريق عبد العزيز بن محمد، عن أسامة بن زيد، عن عبد الله بن عكرمة، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن سبيعة، به. وهذا اللفظ ليس فيه تعرُّض للفظ الزيارة. الأمر الثاني: أن البوصيري نفسه أعلَّ إسناده، فقال في (3/ 253): رواه أبو يعلى، والطبراني في «الكبير «، ورجاله محتجٌّ بهم في الصحيح، إلا عبد الله بن عكرمة روى عنه جماعة، ولم أر مَن تكلَّم فيه، وقال البيهقي: هو خطأ، إنما هو عن صُميتة. وقال الحافظ في «المطالب العالية»: هذا حديث معروف من هذا الوجه، لكن عن صميتة الليثية بدل سبيعة الأسلمية، أخرجه النسائي. قلت: حديث صُميتة: أخرجه النسائي في «الكبرى» (2/ 488 رقم 4285) وابن حبان (9/ 58 رقم 3742 - الإحسان) من طريق يونس، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة، عن صُميتة، عن صفية بنت أبي عبيد، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. كلفظ حديث سُبيعة. فتأمَّل!

عن محمد بن الوليد البُسري: ثنا وكيع، ثنا خالد بن أبي خالد وابن عَون، عن الشَّعبي، والأسود بن ميمون، عن هارون بن قَزَعة (¬1)، عن رجل من آل حاطب، مرفوعًا: «مَن زراني بعد موتي، فكأنَّما زارني في حياتي». وهذه الطريق والتي قبلها أمثلُ من رواية أبي داود الطيالسي، والله أعلم. وقد روي هذا الحديث من طرق أخر عن جماعة من الصحابة، قد أَفرَدتُ في ذلك جزءًا على حِدَة، والله سبحانه وتعالى أعلم. / (ق 140) أثر عن عمر (364) قال ابن ماجه -في كتاب الجنائز- (¬2): ثنا عمر بن شَبَّة، ثنا عبيد بن الطُّفيل المقرئ، عن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي مُلَيْكَة ¬

(¬1) كَتَب المؤلِّف فوقها: «كذا». (¬2) من «سننه» (1/ 497 رقم 1558) باب في الشق. وفي إسناده عبيد بن الطُّفيل، وهو مجهول، تفرَّد بالرواية عنه عمر بن شبَّة. انظر: «التقريب» لابن حجر. وعبد الرحمن بن أبي بكر قال عنه النسائي: ليس بثقة. وقال مرَّة: متروك الحديث. وقال أحمد والبخاري: منكر الحديث. وقال أبو حاتم: ليس بقوي في الحديث. وضعَّفه ابن معين. انظر: «تهذيب الكمال» (16/ 553 - 555) مع الحاشية. ومع ذلك؛ فقد صحَّح إسناده البوصيري في «مصباح الزجاجة» (2/ 39)، وحسَّنه الشيخ الألباني في «صحيح سنن ابن ماجه» (2/ 33 رقم 1275).

-وهو: المُلَيكي-، عن ابن أبي مُلَيْكَة، عن عائشةَ -رضي الله عنه- قالت: لمَّا مات رسولُ الله صلى الله عليه وسلم اختَلَفوا في اللَّحدِ (¬1) والشَّقِّ، فتَكَلَّموا في ذلك، حتى ارتَفَعَتْ أصواتُهُم، فقال عمرُ رضي الله عنه: لا تَضجُّوا (¬2) عند رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حيًّا، ولا ميتًّا. حديث آخر (365) قال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني (¬3): ثنا عبد الله بن جعفر، أنا إسماعيل بن عبد الله، ثنا محمد بن سليمان القرشي، ثنا مالك بن أنس، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن سعيد بن المسيّب، عن ابن عمرَ، حدثني عمرُ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «وَضَعتُ مِنبَري على تُرعةٍ من تُرَعِ الجنَّةِ». ¬

(¬1) اللَّحْد: الشَّق الذي يُعمل في جانب القبر لموضع الميت؛ لأنه قد أُميل عن وسط القبر إلى جانبه. «النهاية» (4/ 236). (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «لا تَصْخَبوا». والضجيج: الصِّياح عند المكروه والمشقة والجزع. «النهاية» (3/ 74). (¬3) في «الحلية» (3/ 264) و (6/ 341). وأخرجه -أيضًا- العقيلي (4/ 72) وابن الأعرابي في «معجمه» (3/ 931 رقم 1970) والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (7/ 314 رقم 2871) والدارقطني في «غرائب مالك»، كما في «لسان الميزان» (5/ 185) من طريق محمد بن سليمان القرشي، به، ولفظه: «ما بين بيتي ومنبري روضةٌ من رياض الجنة». وعند ابن الأعرابي: «ما بين قبري ومنبري ...». وعند الطحاوي: «وُضع منبري على ترعة من ترعات الجنة، وما بين بيتي ومنبري ...». الحديث. تنبيه: لفظ رواية أبي نعيم الذي ساقه المؤلِّف مخالف لما في المطبوع من «الحلية»، ففي الموضع الأول: «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة». وفي الموضع الثاني: «ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة، وإن منبري على حوضي». وكذا ورد في «تقريب البغية في ترتيب أحاديث الحلية» للهيثمي (2/ 105 رقم 1768، 1769). وما ذكره المؤلِّف هو لفظ رواية الضياء في «المختارة».

ذَكَره الحافظ الضياء في «المختارة» (¬1)، وحكى عن ابن أبي حاتم أنَّه قال (¬2): محمد بن سليمان بن معاذ القرشي، عن مالك بن أنس وعثمان بن طلحة القرشي، سَمِعَ منه أبي في أيام الأنصاري، وروى عنه عبَّاد بن الوليد الغُبَري، ولم يَذكر فيه جرحًا (¬3). ¬

(¬1) (1/ 303 - 304 رقم 194). (¬2) انظر: «الجرح والتعديل» (7/ 269 رقم 1469). (¬3) وقال العقيلي: منكر الحديث. وقال الدارقطني في تعليقه على «المجروحين» لابن حبان (ص 246): وهذا حديث منكر -أيضًا- عن مالك، لم يُتابَع عليه. وقال أبو نعيم عقب روايته: غريب من حديث مالك وربيعة، تفرَّد به محمد بن سليمان. وقال ابن عبد البر في «التمهيد» (17/ 180): لم يُتابِعه (يعني: محمد بن سليمان) أحدٌ على هذا الإسناد عن مالك، ومحمد بن سليمان هذا ضعيف. تنبيه: هذا الحديث مما يعاب على الضياء إخراجه له في «المختارة»، لما فيه من النكارة، وقد رواه ثقات أصحاب مالك عنه هكذا: «عن مالك، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة، أو عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنهما»، ولفظه: «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي». =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وليس في رواية أحد منهم: «ما بين قبري ومنبري». وممن رواه عن مالك على هذا الوصف: 1 - يحيى الليثي: في روايته لـ «الموطأ» (1/ 272) في الصلاة، باب ما جاء في مسجد النبيِّ صلى الله عليه وسلم. 2 - أبو مصعب الزهري: في روايته لـ «الموطأ» (1/ 201 - 202 رقم 518). 3 - سُوَيد بن سعيد: في روايته لـ «الموطأ» (ص 147 رقم 168). 4 - القَعْنبي: في روايته لـ «الموطأ» (ص 238 - 239 رقم 291). 5 - إسحاق بن عيسى الطبَّاع: وروايته عند أحمد (2/ 465). 6 - عبد الرحمن بن مهدي: وروايته عند أحمد (2/ 465، 533). 7 - ابن وهب: وروايته عند الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (7/ 316 رقم 2875). 8 - مُطرِّف بن عبد الله المدني: وروايته عند الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (2876). ورواه ابن مهدي، عن مالك، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة وحده. وروايته عند البخاري (7335) في الاعتصام، باب ما ذَكَر النبيُّ صلى الله عليه وسلم وحضَّ على اتفاق أهل العلم، وأحمد (2/ 236) وابن عبد البر في «التمهيد» (2/ 286). ورواه جماعة عن مالك، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة وأبي سعيد الخُدْري جميعًا، وهم: 1 - رَوْح بن عُبادة: وروايته عند أحمد (3/ 4) والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (2876). 2 - مَعْن بن عيسى: وروايته عند ابن عبد البر في «التمهيد» (2/ 285). وتابع مالكًا على روايته عن أبي هريرة وحده: 1 - عبيد الله بن عمر: وروايته عند البخاري (1196) في فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل ما بين القبر والمنبر، ومسلم (1391) في الحج، باب ما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة. =

طريق أخرى (366) قال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي: أخبرني أحمد بن محمد بن الجَعْد، ثنا عبد الملك بن عبد ربِّه، ثنا عطاء بن زيد، حدثني سعيد، عن عمرَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ما بين قبري ومنبري واسطوانةِ التوبةِ روضةٌ من رياضِ الجنَّةِ» (¬1). ¬

= 2 - عبد الله بن عمر العُمَري: وروايته عند عبد الرزاق (5243) وأحمد (/401). 3 - محمد بن إسحاق: وروايته عند أحمد (2/ 397، 528) والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (2878). تنبيه: أورد الحافظ المزي في «تحفة الأشراف» (9/ 323 رقم 12267) حديث أبي هريرة هذا، وعزاه لـ «الصحيحين» بلفظ: «ما بين قبري ومنبري»، فرجعت إلى النسخة اليونينية لـ «صحيح البخاري» (3/ 23 - ط دار طوق النجاة) فوجدت في حاشية النسخة ما يبين أن هذه الرواية هي لفظ رواية ابن عساكر فقط، فرجعت إلى «فتح الباري» (4/ 100) فإذا بالحافظ يقول: ووقع في رواية ابن عساكر وحده: «قبري»، بدل: «بيتي»، وهو خطأ، فقد تقدم هذا الحديث في كتاب الصلاة قبيل الجنائز بهذا الإسناد، بلفظ: «بيتي»، وكذلك هو في «مسند مُسدَّد» شيخ البخاري فيه. قلت: ومما يبين بطلان رواية من رواه بلفظ: «ما بين قبري ومنبري»: ما قاله شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية في «قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة» (ص 141): والثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «ما بين بيتي ومنبري روضةٌ من رياض الجنة»، هذا هو الثابت الصحيح، ولكن بعضهم رواه بالمعنى، فقال: «قبري»! وهو صلى الله عليه وسلم حين قال هذا لم يكن قد قُبر بعدُ صلوات الله وسلامه عليه، ولهذا لم يحتج بهذا أحدٌ من الصحابة لما تنازعوا في موضع دفنه، ولو كان هذا عندهم؛ لكان هذا نصًّا في محل النزاع، ولكن دُفن في حجرة عائشة، في الموضع الذي مات فيه. (¬1) قال ابن عبد البر في «التمهيد» (17/ 180): هذا حديث كذب، موضوع، منكر، وضَعَه عبد الملك هذا، والصحيح فيه: ما في «الموطأ» عن عبد الله بن زيد المازني: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما بين بيتي ومنبري رَوضةٌ من رياض الجنَّة». قلت: حديث عبد الله بن زيد -رضي الله عنه- هذا: أخرجه مالك (1/ 273) في الصلاة، باب ما جاء في مسجد النبيِّ، والبخاري (3/ 70 رقم 1195) في فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل ما بين القبر والمنبر، ومسلم (2/ 1010 رقم 1390) في الحج، باب ما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة. وأما أثر ابن عمرَ -رضي الله عنهما- في إحفاء الشَّارب، فله طريق أجودُ من هذه: ذَكَرها البخاري في «صحيحه» (10/ 334 - فتح) معلَّقًا بصيغة الجزم، فقال: وكان ابن عمر يَحفي شاربَه، حتى ينظرَ إلى بياض الجلد، ويأخذ هذين. يعني بين الشَّارب واللحية. ووَصَله الأثرم، كما في «تغليق التعليق» (5/ 72) عن موسى بن إسماعيل، عن أبي عَوَانة، عن عمرَ بن أبي سَلَمة، عن أبيه قال: رأيتُ ابن عمر يَحفي شاربَه، حتى لا يتركُ منه شيئًا. وهذا إسناد صحيح.

قال عطاء: ورأيت ابن عمر يحفي شاربه. (367) / (ق 141) وبهذا الإسناد عن عمرَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن حُدِّث حديثًا فعُمِلَ به، أُعطِيَ ذلك، وإن كان باطلاً». فيه نكارة شديدة جدًّا، والحديث الأوَّل له شاهد في «الصحيحين» (¬1)، والله أعلم. حديث آخر (368) قال الحافظ أبو بكر البزَّار (¬2): ثنا محمد بن المثنىَّ، ثنا ¬

(¬1) يشير إلى حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه المتقدم. تنبيه: جاء بحاشية الأصل تقييد بخط الحافظ ابن حجر، هذا نصُّه: وللثاني: شاهد ضعيف في «جزء الحسن بن عَرفة». قلت: وقد راجعت المطبوع من «جزء الحسن بن عرفة «، فلم أجده فيه. (¬2) في «مسنده» (1/ 430 رقم 303). وفي إسناده اضطراب: فقيل كما سبق. =

إبراهيم بن أبي الوزير، ثنا عبد العزيز بن محمد، عن إسحاق بن المستورد، عن عبد الرحمن بن عمرو بن حارثة الأنصاري: أن عمر -رضي الله عنه- كان يأتي مسجدَ قُباءَ يوم الإثنين ويوم الخميس، فجاء يومًا، فلم يَجد فيه أحدًا من الناس، فقال: والذي نفسي بيده، لقد رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وأبا بكرٍ، وأناسًا من أصحابه، ونحن نَنقُلُ حجارتَهُ على بطوننا، وأنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لهو أسَّسَهُ بيدِهِ، وجبريلُ يؤُمُّ له الكعبةَ. إسناده غريب. وسيأتي في كتاب النكاح في باب الوليمة حديث مرفوع في فضل المدينة (¬1). أثر آخر (369) قال البخاري في آخر كتاب الحج من «صحيحه» (¬2): ثنا يحيى بن بُكَير، ثنا الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ -رضي الله عنه- أنَّه قال: اللهمَّ ارزقني شهادةً في سبيلك، واجعل موتي في بلدِ رسولِكَ. ¬

= وقيل: عن عبد العزيز بن محمد، عن المستورد، عن عبد الرحمن بن جارية، عن أبي غزية. ليس فيه عمر! وقيل: عن عبد العزيز بن محمد، عن المستورد، عن عبد الرحمن بن جارية، عن فلان بن غزية، عن عمر! وقيل: عن عبد العزيز بن محمد، عن إسحاق بن المستورد، عن محمد بن عبد الرحمن بن جارية، عن أبي غزية! أخرج هذه الطرق البخاري في «التاريخ الكبير» (1/ 401 - 402). (¬1) انظر (2/ 67 رقم 532). (¬2) (4/ 100 رقم 1890 - فتح) باب منه.

وقال ابن زُرَيع: عن رَوْح بن القاسم، عن زيد بن أسلم، عن أُمِّه، عن حفصة بنت عمرَ قالت: سَمِعتُ عمرَ ... ، نحوه. وقال هشام: عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن حفصة قالت: سَمِعتُ / (ق 142) عمرَ رضي الله عنه. انتهى ما ذَكَره البخاري. (370) وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني (¬1): ثنا سليمان بن أحمد (¬2)، ثنا إبراهيم بن هاشم، ثنا أُميَّة بن بسطام، ثنا يزيد بن زُرَيع، عن رَوْح بن القاسم، عن زيد بن أسلم، عن أُمِّه (¬3)، عن حفصةَ قالت: سَمِعتُ عمرَ يقول: اللهمَّ قَتْلاً في سبيلِكَ، ووفاةً في بلدِ نبيِّكَ صلى الله عليه وسلم. قلتُ: وأنَّى يكونُ هذا؟! قال: يأتي اللهُ به إذا شاءَ. قال الحافظ الدارقطني (¬4): رواه رَوْح بن القاسم، وحفص بن ميسرة، عن زيد بن أسلم، عن أُمِّه، عن حفصة. ورواه هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن حفصة. والصحيح: قول من قال: عن أُمِّه. قلت: وسنذكر باقي الكلام على هذا المعنى في وفاة عمر من «سيرته»، إن شاء الله تعالى. والغرضُ ههنا إنما هو سؤالُهُ -رضي الله عنه- الوفاةَ ببلدِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم، وقد استجاب اللهُ دعاءَه وتَقبَّلَ منه وجَعَلَهُ من أقربِ الخلائقِ إليه. ¬

(¬1) في «الحلية» (1/ 53). (¬2) هو: الطبراني، والحديث في «معجمه الأوسط «(3/ 159 رقم 2795). (¬3) قوله: «عن أمِّه» تحرَّف في المطبوع إلى: «عن أبيه»! وجاء على الصواب في «المعجم الأوسط». (¬4) في «العلل» (2/ 140).

حديث في فضل بيت المقدس

حديث في فضل بيت المقدس (371) قال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي: أنا الحسن بن سفيان، ثنا الحسن بن سهل الجعفري (¬1)، ثنا أبو أسامة، عن عيسى بن سِنَان، عن المغيرة بن عبد الرحمن بن محمد، عن أبيه قال: صلَّيتُ مع عمرَ في كنيسةٍ، يقال لها: كنيسةُ مريمَ، في وادي جهنَّمَ، فلمَّا انصرَفَ قال: لقد كنتُ غنيًّا أنْ أصلِّيَ على بابٍ من أبوابِ جهنَّمَ، ثم تَنخَّع، وعليه قميصان سُنبُلانيَان، فأخَرَج أحدَهما فبَزَق فيه، ودَلَك بعضَهُ / (ق 143) ببعض. قلنا: لو تَفَلتَ في الكنيسة، وهو مكان يُشرَكُ فيه، ثم صَنعتَ مارأينا؟ -يعني: من اتقائِهِ أن تَنَخَّعَ فيه- قال: فإنَّه وإنْ كان يُشرَكُ، فإنَّه يُذكَر فيه اسمُ اللهِ كثيرًا. قال: ثم دَخَلنا المسجدَ، فقال عمرُ: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «صَلَّيت ليلةَ أُسرِيَ بي في مُقدَّمِ المسجدِ، ثم دخلتُ إلى الصخرةِ، فإذا أنا بمَلَكٍ قائمٌ، معه آنيةٌ ثلاث، فقال: يا محمدُ -وأشار إليه بالآنية- قال: فتَنَاولتُ العسلَ، فشَرِبتُ منه قليلاً، ثم تَنَاولتُ الآخرَ، فشَرِبتُ منه حتى رَوِيتُ، فإذا هو لبنٌ، فقال: اشرَب من الآخر. فإذا هو خمرٌ، قلت: قد رَوِيتُ. قال: أمَا إنَّك لو شَرِبتَ من هذا لم تجتمع أُمَّتُك على الفطرةِ أبدًا. ثم انطَلَق بي إلى السماءِ، وفُرِضَتْ عليَّ الصلاةُ، ثم رَجَعتُ إلى خديجةَ، وما تَحَوَّلَتْ عن جانبها الآخرِ». هذا حديث غريب جدًّا. وفي «الصحيح»: أن خديجة ماتت قبل أن تُفرَضَ الصلاة. ¬

(¬1) ومن طريقه: أخرجه الضياء المقدسي في «فضائل بيت المقدس» (56).

وهو المشهور عند العلماء: أن الإسراء كان بعد موت خديجة رضي الله عنها وأرضاها (¬1). وقد قدَّمنا في ذِكر المساجد (¬2) وَضْعَ عمرَ المسجد قِبلِي بيت المقدس بعد ما أشار كعبُ أن يكونَ من وراءِ الصخرةِ، فأَبَى عليه ذلك وعنَّفَهُ، ومع ذلك لم يمتهن الصخرةَ، بل أزاح الزِّبالةَ التي كانت عليها بردائه، وكَنَس معه المسلمون، وذلك أنَّ النصارى لما كانوا / (ق 144) قد استحوذوا على بيت المقدس جعلوا الصخرةَ مزبلةً؛ لأنها كانت قِبْلةَ اليهود، ومرادُهم بذلك الاقتصاص منهم لما وَضَعوا القمامةَ على الموضعِ الذي زَعَمتِ النصارى واليهودُ أنَّه قبرُ المسيحِ صلى الله عليه وسلم، ولُعِنَ اليهودُ والنصارى في بُهْتانِهِم على اللهِ، وعلى رسولِهِ. ¬

(¬1) انظر: «سير أعلام النبلاء» (2/ 111) و «الإصابة» (12/ 218). (¬2) (ص).

أثر في كون الأضحية غير واجبة

أثر في كون الأضحية غير واجبة (372) قال الإمام الشافعي (¬1): وبَلَغنا عن أبي بكر وعمرَ -رضي الله عنهما- أنهما كانا لا يُضحِّيان كراهيةَ أن يُقتدَى بهما فيَظنُّ مَن رآهما أنها سُنَّة (¬2). وهذا قد رواه الحافظ أبو بكر البيهقي (¬3): فقال: (373) أنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني محمد بن أحمد بن بَالُويه، ثنا محمد بن غالب، ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا شعبة، عن سعيد بن مسروق، عن الشَّعبي، عن أبي سَرِيحة قال: أدركتُ أبا بكرٍ وعمرَ وكانا لي جَارَيْن، وكانا لا يُضحِّيان. وهذا إسناد صحيح. وقد رواه -أيضًا- (¬4) من حديث مُطرِّف وإسماعيل، عن الشَّعبي. قال بعضهم: كراهية أن يُقتدَى بهما. ¬

(¬1) في «الأم» (2/ 224). (¬2) قوله: «سُنَّة» كذا ورد بالأصل. وصوابه: «واجبة»، كما في «الأم» للشافعي. (¬3) في «معرفة السُّنن والآثار» (14/ 16 رقم 18893). (¬4) في «سننه الكبرى» (9/ 265) من طريق الفِريابي، عن سفيان (وهو: الثوري) عن أبيه، عن مُطرِّف وإسماعيل، عن الشَّعبي، عن أبي سَرِيحة (وهو: حذيفة بن أَسِيد) قال: لقد رأيتُ أبا بكرٍ وعمرَ -رضي الله عنهما- وما يُضحِّيان عن أهلهما، كراهيةَ أن يُقتدَى بهما. وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (4/ 381 رقم 8139) عن الثوري، به. وأخرجه الطبراني في «الكبير» (3/ 182 رقم 3058) من طريق ابن عيينة، عن مُطرِّف، به. وصحَّح إسناده الشيخ الألباني في «الإرواء» (4/ 355).

حديث يذكر في باب العقيقة، فيه الدلالة على تغيير الاسم لمصلحة راجحة

حديث يُذكر في باب العقيقة، فيه الدلالة على تغيير الاسم لمصلحة راجحة (374) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا عفَّان، ثنا أبو عَوَانة، ثنا هلال بن أبي حميد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: نَظَر عمرُ إلى أبي عبد الحميد -أو: ابن عبد الحميد، شكَّ أبو عَوَانة- وكان اسمه: محمدًا، ورجلٌ يقول: يا محمدُ، فَعَلَ اللهُ بك، وفَعَلَ، وفَعَلَ، وجعل يَسبُّهُ، فقال أميرُ المؤمنين عند ذلك: يا ابنَ زيد، اُدْنُ منيِّ، ألا أَرى محمدًا صلى الله عليه وسلم يُسَبُّ بك! لا واللهِ لا يُدعى (¬2) محمدًا، ما دُمتُ حيًّا، فسمَّاه: ¬

(¬1) في «مسنده» (4/ 216 رقم 17896). وأخرجه -أيضًا- ابن سعد (5/ 53) وعمر بن شبَّة في «تاريخ المدينة» (2/ 752) وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (2/ 6 رقم 670) والطبراني في «الكبير» (19/ 242 رقم 544) من طريق هلال، به. وهو منقطع بين عبد الرحمن بن أبي ليلى وعمر، انظر ما تقدم تعليقه على الحديث رقم (147، 255). لكن له طريق أخرى: أخرجها إسحاق بن راهويه في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (12/ 131 رقم 2796 - ط دار العاصمة) عن وكيع، عن أسامة بن زيد، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه قال: إنَّ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- جَمَعَ كلَّ غلامٍ اسمُهُ اسمَ نبيٍّ، فأَدخَلَهم دارًا، وأراد أن يُغيِّر أسماءَهم، فشَهِدَ آباؤهم أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم سمَّاهم. قال: وكان أبي محمدُ بن عمرو بن حزم فيهم. قال الحافظ: هذا إسناد حسن. وهذه الطريق الصحيحة مما فاتت محقِّقي «مسند الإمام أحمد» (29/ 428 - ط مؤسسة الرسالة). (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «لا تُدعى».

عبد الرحمن، ثم أَرسَلَ إلى ابن (¬1) طلحة، ليُغيِّر أسماءَهم (¬2)، وهم يومئذٍ سبعةٌ، وسيِّدُهم أكبرُهم محمد (¬3). فقال محمد بن طلحة: أنشدُكَ اللهَ يا أميرَ المؤمنين، فواللهِ إنْ سمَّاني محمدًا -يعني- إلا محمدٌ صلى الله عليه وسلم. فقال عمرُ: قوموا، لا سبيل لي إلى شيء سمَّاه محمدٌ صلى الله عليه وسلم. ¬

(¬1) ضبَّب عليه المؤلِّف. وفي المطبوع: «بني». (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «ليُغيِّر أهلُهم أسماءَهم». (¬3) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «وسيِّدهم وأكبرهم محمد».

حديث آخر فيه الدلالة على استحباب تغيير الاسم القبيح

حديث آخر فيه الدلالة على استحباب تغيير الاسم القبيح (375) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا أبو النَّضر، ثنا أبو عَقيل، ثنا مُجالِد بن سعيد، أنا عامر، عن مسروق بن الأَجدع قال: لَقِيتُ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه-، فقال لي: مَن أنت؟ قلت: مسروقُ بنُ الأَجْدَع. فقال عمرُ: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «الأَجْدعُ شيطانٌ»، ولكنَّك مسروقُ بن عبد الرحمن. قال عامر: فرأيتُهُ في الدِّيوان: مسروقُ بن عبد الرحمن، فقلت: ما هذا؟! فقال: هكذا سمَّاني عمرُ بن الخطاب. ورواه أبو داود (¬2)، وابن ماجه (¬3) جميعًا في الأدب، عن أبي بكر بن أبي شيبة (¬4)، عن أبي النَّضر -وهو: هاشم بن القاسم-، عن أبي عَقيل -واسمه: عبد الله بن عَقيل الثَّقَفي الكوفي-، عن مُجالِد بن سعيد. وقد تكلَّموا فيه، ولكنه أخرج له مسلم في المتابعات. وقد رواه علي ابن المديني، عن أبي النَّضر، به، وقال: هذا حديث صالح الإسناد وليس بالصَّافي، وهو حديث كوفي، لا نحفظه إلا من هذا / (ق 145) الوجه، وأبو عَقيل: ضعَّفه أبو أسامة. انتهى كلامه رحمه الله (¬5). ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 31 رقم 211). (¬2) في «سننه» (5/ 336 رقم 4957) في الأدب، باب في تغيير الاسم القبيح. (¬3) في «سننه» (2/ 1229 رقم 3731) في الأدب، باب ما يُكره من الأسماء. (¬4) وهو في «المصنَّف» (5/ 263 رقم 25893) في الأدب، باب ما يُكره من الأسماء. (¬5) وقال الدارقطني في «العلل» (2/ 220 رقم 232): يَرويه جابر الجُعفِي، عن الشعبي، عن مسروق، عن عمرَ قولَه. وخالَفَه مُجالِد، فرَفَعه، وزاد فيه: حدَّثنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أنَّ الأجدعَ شيطانٌ».

حديث آخر (376) قال أبو يعلى (¬1): ثنا موسى، ثنا أبو أحمد الزُّبيري، ثنا سفيان، عن أبي الزُّبير، عن جابر، عن عمرَ قال: إنْ عِشتُ -إنْ شاءَ اللهُ-؛ لأُخْرِجَنَّ اليهودَ من جزيرةِ العربِ. قال: وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لَئِن عِشتُ -إنْ شاءَ اللهُ- لأَنهينَّ أن يُسمَّى رَبَاحًا، ونَجِيحًا (¬2)، وأَفلَحَ، ويَسَارًا». ورواه الترمذي (¬3)، وابن ماجه (¬4) بدون قصَّة إخراج اليهود والنصارى من حديث أبي أحمد الزُّبيري. ثم قال الترمذي: غريب، وهكذا رواه أبو أحمد، وهو ثقة حافظ، والمشهور عند الناس في هذا الحديث: عن جابر. ليس فيه عمر (¬5). ¬

(¬1) لم أجده في المطبوع من «مسنده»، وهو من رواية ابن حمدان، فلعلَّه في مسنده الكبير. (¬2) كذا ضبطها المؤلِّف. (¬3) في «سننه» (5/ 122 رقم 2835) في الأدب، باب ما يُكره من الأسماء. (¬4) في «سننه» (2/ 1229 رقم 3729) في الأدب، باب ما يُكره من الأسماء. (¬5) وقال الدارقطني في «العلل» (2/ 95): رواه أبو أحمد الزُّبَيري، عن الثوري، عن أبي الزُّبير، عن جابر، عن عمرَ هذا الحديث، وألحق به كلامًا آخر، أدرجه فيه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «لأَنَهينَّ أن يُسمَّى رَبَاحًا، ونَجِيحًا»، ووَهِمَ في إدراجه هذا الكلام عن عمرَ، وغيره يَرويه عن الثوري، عن أبي الزُّبير، عن جابر، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو الصحيح. قلت: وحديث جابر رضي الله عنه: أخرجه مسلم (3/ 1686 رقم 2138) في الآداب، باب كراهة التسمية بالأسماء القبيحة، وبنافع، ونحوه، من طريق ابن جريج، أخبرني أبو الزبير: أنه سَمِعَ جابر بن عبد الله يقول: أراد النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ ينهى عن أن يُسمَّى بـ «يعلى»، وبـ «بركة»، وبـ «أفلح»، وبـ «يَسَار»، وبـ «نافع»، وبنحو ذلك، ثم رأيتُهُ سَكَتَ بعدُ عنها، فلم يقل شيئًا، ثم قُبِضَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ولم ينه عن ذلك، ثم أراد عمرُ أن ينهى عن ذلك، ثم تَرَكَهُ. قلت: وقد ورد النهي صريحًا، وذلك فيما أخرجه مسلم (3/ 1685 رقم 2136) من حديث سَمُرة بن جندب -رضي الله عنه- قال: نهانا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ نُسمِّيَ رَقِيقَنَا بأربعةِ أسماءٍ: أفلحَ، ورباحٍ، ويَسَارٍ، ونافعٍ. وفي لفظ: «لا تُسمِّ غلامَكَ رَبَاحًا، ولا يَسَارًا، ولا أفلحَ، ولا نافعًا».

حديث آخر (377) قال أبو داود (¬1): ثنا هارون بن زيد بن أبي الزَّرقاء، ثنا أبي، ثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه: أنَّ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- ضَرَبَ ابنًا له تكنَّى أبا عيسى، وأنَّ المغيرةَ بن شعبة تكنَّى بأبي عيسى، فقال له عمر: أَمَا يَكفيكَ أنْ تكتني بأبي عبد الله؟ فقال: رسولُ الله صلى الله عليه وسلم كنَّاني. فقال: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قد غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه، وإنَّا في جَلْجَبَتِنَا (¬2)، فلم يَزَل يكنى بأبي عبد الله حتى هَلَكَ. وهكذا رواه حبيب بن الشَّهيد، عن زيد بن أسلم (¬3)، به. وهو إسناد حسن. لكن قال الدارقطني (¬4): رواه حماد بن سَلَمة وغيره، عن زيد بن أسلم مرسلاً، وهو أشبه. قلت: هكذا أورده أصحاب الأطراف (¬5) في مسند عمر، وهو مناسَب أن يُذكر في مسند المغيرة بن شعبة رضي الله عنه. ¬

(¬1) في «سننه» (5/ 339 رقم 4963) في الأدب، باب فيمن يكنى أبا عيسى. (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي مطبوع: «جَلجَلَتِنَا «، وما في الأصل موافق لنسخة الخطيب، كما في حاشية «سنن أبي داود». (¬3) ومن هذا الوجه: أخرجه الضياء في «المختارة» (1/ 179 رقم 87). (¬4) في «العلل» (2/ 144). (¬5) انظر: «تحفة الأشراف» (8/ 8 رقم 10398).

حديث آخر (378) قال أسد بن موسى في «فضائل الشيخين»: حدثنا قيس بن الربيع، عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين قال: جاءت امرأةٌ إلى عمرَ، فقالت: إنَّ اسمي عاصية، فسمِّني باسمٍ غيره، فقال: اسمُكِ جميلة. فغَضِبتْ، وقالت: سمَّيتني اسمَ الولائدِ! قال: فأَتَتْ رسولَ الله، فذَكَرتْ ذلك له، فقالت: يا رسولَ الله، إنَّ اسمي عاصية، فحوِّل اسمي. قال: «أنتِ جميلةٌ»، فضَحِكتْ، وقالت: أتيتُ ابنَ الخطاب، فقال مثلَ ذلك! فقال: «أَمَا عَلِمتِ أنَّ اللهَ تعالى عند يدِ عُمرَ ولسانِهِ؟!» (¬1). وقد تقدَّم في كتاب الطهارة مثلُه من وجه آخر (¬2)، والله أعلم. ¬

(¬1) وإسناده ضعيف؛ لضعف قيس بن الربيع، وانقطاعه بين ابن سيرين وعمر. وله طريق أخرى، أخرجها ابن أبي عمر العَدَني في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (3/ 217 رقم 2820) -ومن طريقه: أبو نعيم في «الحلية» (8/ 301) - عن بِشر بن السَّري، عن حماد، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه: إنَّ أَمَةً لعمرَ -رضي الله عنه- كان لها اسمٌ من أسماءِ العجمِ، فسمَّاها عمرُ -رضي الله عنه- جميلةً، فقال عمرُ رضي الله عنه: بيني وبينكِ النبيَّ، فأتينا النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال لها: «أنتِ جميلةٌ»، فقال عمرُ رضي الله عنه: خُذيها على رغمِ أنفِكِ. قال أبو نعيم: غريب بهذا اللفظ، لم يروه عن حماد إلا بِشر. (¬2) انظر (ص 131).

أثر في كيفية الذبح

أثر في كيفية الذَّبح (379) قال الثوري (¬1): عن أيوب، عن يحيى بن أبي كثير، عن فُرافصَة الحنفي، عن عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- أنَّه قال: الذَّكاةُ في الحَلْقِ واللَّبَّةِ، ولا تُعجِلُوا الأَنفُسَ أنْ تَزهَقَ. أثر آخر (380) قال أبو عبيد (¬2): ثنا مروان بن معاوية الفَزَاري، عن هشام ¬

(¬1) ومن طريقه: أخرجه البيهقي (9/ 278). وفي إسناده فُرافصة الحنفي، وهو مجهول الحال، روى عنه اثنان، وذكره البخاري في «التاريخ الكبير» (7/ 141 رقم 634) وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (7/ 92 رقم 525) وابن حبان في «الثقات» (5/ 299) وقالوا: روى عن عثمان -زاد ابن حبان: وعمر- روى عنه القاسم بن محمد، وعبد الله بن أبي بكر. وذكره بعضهم في الصحابة، ورَدَّه الدارقطني. انظر: «الإنابة إلى معرفة المختلف فيهم من الصحابة» لمُغلَطاي (2/ 86). (¬2) في «غريب الحديث» (4/ 152). ومن طريقه: أخرجه البيهقي (9/ 279). ومداره على المعرور الكلبي، وهو مجهول الحال، روى عنه ثلاثة، وذكره البخاري في «التاريخ الكبير» (8/ 39 رقم 2074) وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (8/ 416 رقم 1896) وسكتا عنه، وذكره ابن حبان في «الثقات» (5/ 457). وقد نصَّ أبو حاتم الرازي على أن رواية معرور الكلبي عن عمرَ مرسلة. انظر: «الجرح والتعديل» (8/ 416 رقم 1896). ولم أقف على ما يدل على سماعه من عثمان، وعلى كلٍّ؛ فالرجل مجهول. لكن صحَّ عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: الذَّكاة في الحَلق واللبَّة. علَّقه البخاري في «صحيحه» (9/ 640 - فتح) جازمًا به، ووَصَله سعيد بن منصور، كما في «تغليق التعليق» (4/ 519) والبيهقي (9/ 278) من طريق أيوب، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس ... ، فذكره. وصحَّح إسناده الحافظ في «الفتح» (9/ 641) والشيخ الألباني في «مختصر صحيح البخاري» (3/ 454).

الدَّستَوائي، وحجَّاج بن أبي عثمان، عن يحيى بن أبي كثير، عن المعرور الكلبي، عن عمرَ: أنَّه نهى عن الفَرْسِ في الذَّبيحةِ. قال: وحدَّثناه عبد الله بن المبارك، عن الأوزاعي، عن المعرور الكلبي، عن عثمان بن عفان، بذلك. قال أبو عبيد: ولا أرى المحفوظَ إلا هذا. قال أبو عُبيدة: والفَرْسُ هو: النَّخعُ، وذلك أن ينتهي بالذَّبح إلى النُّخاع، وهو عظم في الرَّقَبة. قال أبو عبيد: أما النَّخعُ؛ فهو كما قال، وأما الفَرْسُ؛ فهو كَسر رقَبَة الذَّبيحة قبل أن تَبرُدَ، وممَّا يبيِّن ذلك أن في الحديث: «ولا تُعجلوا الأنفس حتى تَزهَقَ».

أثر في النهي عن الحذف، والأمر [بالذبح] بالمحدد

أثر في النهي عن الحذف، والأمر [بالذَّبح] (¬1) بالمحدَّد (381) قال أبو عبيد (¬2): ثنا أبو بكر بن عيَّاش، عن عاصم، عن زرٍّ قال: قَدِمْتُ المدينةَ في يوم عيدٍ، فإذا رجلٌ مُتلبِّب (¬3)، أعسَر أيسَر (¬4)، يمشي مع الناس كأنَّه راكب، وهو يقول: هاجِرُوا، ولا تَهَجَّرُوا، واتَّقوا الأرنبَ أن يَحذِفَهَا أحدُكُم بالعَصا، ولكنْ ليُذَكِّ لكم الأَسَلُ: الرِّماحُ والنَّبلُ. قال أبو عبيد: قوله: ولا تَهَجَّرُوا: أي: لا تَشبَّهوا بالمهاجرين في الصُّورةِ الظاهرةِ من غير إخلاصٍ، كما يقال: تَحَلَّمَ وتَكَرَّمَ وتَشَجَّعَ، وليس كذلك. قال: والأَسَل: إنما يطلق غالبًا على الرِّماح، ولكن قد احتمل ههنا فيها، وفي النَّبل أيضًا. ¬

(¬1) ما بين المعقوفين مطموس بعضه بالأصل، وهذا ما استظهرته. (¬2) في «غريب الحديث» (4/ 209). وقد توبع ابن عياش على روايته، تابَعَه جماعة، وهم: إسرائيل، والثوري، وحماد بن زيد، وأبو عَوَانة، وشعبة، وشيبان، ومِسْعَر. انظر رواياتهم في «الطبقات الكبرى» لابن سعد (3/ 322) و «مصنَّف عبد الرزاق» (4/ 477 رقم 8533) و «مصنَّف ابن أبي شيبة «(4/ 260 رقم 19818) في الصيد، باب من قال: إذا أنهر الدم فكُل ... ، و «أنساب الأشراف» للبلاذُري (ص 325) و «معرفة الصحابة» لأبي نعيم (1/ 44 رقم 164) و «المستدرك» للحاكم (3/ 81). وصحَّحه الذهبي في «تلخيص المستدرك». (¬3) مُتلبِّب: أي مُتحزِّم بثوبه عند صدره. انظر: «النهاية» (5/ 297). (¬4) أعسَر أيسَر: هو الذي يعمل بيديه جميعًا. انظر: «النهاية» (4/ 223).

حديث في الأطعمة

حديث في الأطعمة (382) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا محمد بن جعفر، ثنا سعيد، عن قتادة، عن سليمان اليَشكري، عن جابر بن عبد الله: أنَّ عمرَ بن الخطاب قال: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لم يُحرِّم الضَّبَّ وإنما قَذِرَه. هذا إسناد جيد قوي صحيح (¬2). تفرَّد بإخراجه ابن ماجه (¬3) من هذا الوجه، عن يحيى بن خَلَف، عن عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، به. ولكن رواه مسلم بن الحجَّاج (¬4) من طريق أخرى: (383) فقال: حدَّثني / (ق 146) سَلَمة بن شَبيب، ثنا الحسن بن أَعْين، ثنا مَعقِل، عن أبي الزُّبير قال: سألتُ جابرًا عن الضَّبِّ؟ فقال: قال عمرُ بن الخطاب (¬5): إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يُحرِّمْهُ، إنَّ اللهَ يَنفعُ به غيرَ واحد، وإنما هو ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 29 رقم 194). (¬2) له علة، فقد قال الترمذي في «العلل الكبير» (ص 297): سألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: قتادة لم يَسْمع من سليمان اليَشكري، سليمان مات قبل جابر بن عبد الله. وقال في «سننه» (1312): قال محمد: سليمان اليَشكري يقال: إنه مات في حياة جابر بن عبد الله، ولم يَسْمع منه قتادة، ولا أبو بِشر. وقال -أيضًا-: وإنما يحدِّث قتادة عن صحيفة سليمان اليَشكري، وكان له كتاب عن جابر بن عبد الله. وانظر: «تاريخ ابن معين» (2/ 233 رقم 3639 - رواية الدوري) و «العلل» للإمام أحمد (2/ 487 رقم 3207 - رواية عبد الله). (¬3) في «سننه» (2/ 1079 رقم 3239) في الصيد، باب الضبِّ. (¬4) في «صحيحه» (3/ 1545 رقم 1950) (49) في الصيد والذبائح، باب إباحة الضبِّ. (¬5) قوله: «فقال: قال عمرُ بن الخطاب «كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع من «صحيح مسلم»: «فقال: لا تَطعموه. وقَذِرَه، وقال: قال عمرُ ...».

طعامُ (¬1) عامَّة الرِّعاءِ منه، ولوكان عندي لَطَعِمتُهُ. انفرد به مسلم من هذا الوجه. وقد رواه -أيضًا- من طريق أخرى في الذَّبائح (¬2)، عن أبي موسى، عن ابن أبي عَدي، عن داود بن أبي هند، عن أبي نَضرة، عن أبي سعيد، عن عمرَ، بنحوه. ¬

(¬1) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «فإنما طعام». (¬2) (3/ 1546 رقم 1951) (50).

أثر آخر في إجادة العجن

أثر آخر في إجادة العجن (384) قال أبو عبيد (¬1): يُروى عن هشام بن عروة، عن أبي ليث مولى الأنصار، عن سعيد بن المسيّب، عن عمرَ: أنَّه قال: أَملِكُوا العجينَ، فإنَّه أحدُ الرَّيْعَيْن. قال أبو عبيد: يعني: أجيدوا عَجنَهُ وأَنعِمُوهُ، والرَّيع: الزيادة، والرَّيع الأوَّل عند الطَّحن، والآخر عند العجن. يقال: أَملَكتُ العجينَ إِملاكًا، ومَلَكتُهُ أَملِكُهُ مَلكًا. حديث عمر: إنِّي كنتُ نَذَرتُ في الجاهلية أنْ أعتكفَ يومًا في المسجدِ الحرامِ، فقال: أَوْفِ بنذرِكَ. ¬

(¬1) في «غريب الحديث» (4/ 228). ولم أقف على هذه الطريق التي ذكرها أبو عبيد موصولة، وقد اختُلف فيه على هشام بن عروة: فروي عنه كما سبق. وقيل: عنه، عن أبي الليث الأنصاري، عن عمرَ. ليس فيه: سعيد بن المسيّب! وقيل: عنه، عن أبيه، عن عمرَ! أما الوجه الأول: فأخرجه ابن أبي شيبة (7/ 115 رقم 34443) في الزهد، باب كلام عمر، عن وكيع، عن هشام بن عروة، به. وأما الوجه الثاني: فأخرجه عبد الرزاق (3/ 215 رقم 5383) عن معمر، عن هشام بن عروة، به. وقد قال ابن معين: حديث معمر عن هشام بن عروة مضطَّرب، كثير الأوهام. انظر: «شرح علل الترمذي» لابن رجب (2/ 491). وقد نصَّ الإمام مالك وأحمد على أن حديث أهل المدينة عن هشام أصحُّ من حديث العراقيين.

تقدَّم في باب الاعتكاف (¬1). وقد استدلوا به على صحة انعقاد النَّذر من الكافر حيث أَمَره بوفاء ما نَذَره في جاهليته. ¬

(¬1) انظر (ص 442 - 443 رقم 289).

حديث في نذر اللجاج والغضب

حديث في نذر اللَّجَاج والغضب (¬1) (385) قال مُسدَّد بن مُسَرهَد -رحمه الله- في «مسنده» (¬2): ثنا يزيد، عن حبيب المعلِّم، عن عمرو بن شعيب، عن سعيد بن المسيّب: أنَّ أخوين من الأنصار كان بينهما ميراثٌ، فسأل أحدُهما صاحبَه القسمةَ، فقال: لَئِنْ عُدتَ تسألُني القسمةَ لم أكلِّمْكَ أبدًا، وكلُّ مالِي في رِتَاج الكعبةِ (¬3)! فقال عمرُ رضي الله عنه: إنَّ الكعبةَ لَغَنيةٌ عن مالِكَ، كفِّرْ عن يمينِكَ وكلِّم أخاك، إنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يمينَ عليكَ، ولا نَذَر في معصيةِ الرحمنِ، ولا فيما لا تَملِكُ». ورواه أبو داود في الأيمان (¬4)، عن / (ق 147) محمد بن منهال، عن يزيد بن زُرَيع، عن حبيب المعلِّم، به. وزاد: «ولا في قطيعةِ الرحمِ». ورواه المُزَني (¬5)، عن الحميدي، عن ابن أبي روَّاد، عن المثنَّى بن الصبَّاح، عن عمرو بن شعيب، عن سعيد بن المسيّب: أنَّ عمرَ بن الخطاب قال فيمن جَعَلَ مالَه في سبيل الله: يمينٌ، يُكفِّرُها ما يُكفِّرُ اليمينَ. ¬

(¬1) نَذر اللَّجَاج: هو أن يحلف على شيء، ويرى أن غيره خير منه، فيُقيم على يمينه، ولا يحنث فيكفِّر، فذلك آثم له. وقيل: هو أن يرى أنه صادقٌ فيها مصيبٌ، فيَلَجُّ فيها، ولا يُكفِّرها. «النهاية» (4/ 233). (¬2) ومن طريقه: أخرجه ابن حبان (10/ 197 رقم 4355 - الإحسان) والحاكم (4/ 300). وقال: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. (¬3) في رِتَاج الكعبة: أي لها، فكنَّى عنها بالباب، لأن منه يدخل إليها. «النهاية» (2/ 192). (¬4) من «سننه» (4/ 84 رقم 3272) باب اليمين في قطيعة الرحم. (¬5) في «مختصره» (ص 298).

وقال علي ابن المديني: هذا منقطع؛ لأن سعيد لم يَسْمع من عمر إلا حديثًا عند رؤية البيت. قال: وقد روي عنه غير حديث: سَمِعتُ. ولم يصحَّ عندي، ومات عمر وسعيد ابن ثمان سنين. آثر آخر في معناه (386) قال أسد بن موسى في كتاب «فضائل أبي بكر وعمر»: حدثنا زيد بن أبي الزَّرقاء، عن قيس بن الرَّبيع، عن وائل، عن البَهِي، عن عمرَ: أنَّ عبيد الله بن عمرَ سَبَّ المِقدادَ بن الأسود وعمَّارًا، فقال عمرُ رضي الله عنه: عليَّ نذرٌ إنْ لم أقطعْ لسانَهُ، حتى تكونَ سُنَّةً، حتى لا يجترئَ أحدٌ أن يَسُبَّ أصحابَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم. فكُلِّم فيه، فتَرَكه (¬1). هذا إسناد لا بأس به (¬2). والقول بإجزاء الكفَّارة في نذر اللَّجاج والغضب يُروى عن عمرَ -كما ترى-، وابنه عبد الله، وحفصة، وعائشة أُمَّي المؤمنين، وابن عباس (¬3)، ¬

(¬1) وأخرجه -أيضًا- اللالكائي في «شرح أصول الاعتقاد» (7/ 1263 رقم 2375 - 2377) وابن بَشران في «الأمالي» (1/ 125 رقم 271) وابن عساكر في «تاريخه» (38/ 59، 60) من طريق قيس بن الربيع، به. (¬2) في إسناده قيس بن الرَّبيع، وهو إن كان صدوقًا، إلا أنه لمَّا كَبُر تغيَّر، وأَدخَلَ عليه ابنُه ما ليس من حديثه، فحدَّث به، كما قال الحافظ في «التقريب». والبَهي لم يَسْمع من عمر، قاله البخاري وأبو حاتم. انظر: «التاريخ الكبير» (6/ 19 رقم 1552) و «الجرح والتعديل» (5/ 384 رقم 1793). (¬3) أخرجه عن هؤلاء الصحابة: الأثرم في «سننه»، كما في «إعلام الموقعين» لابن القيم (4/ 436) وعبد الرزاق (8/ 486، 487 رقم 16000، 16001) والدارقطني (4/ 163 - 164) والبيهقي (10/ 66) من طريق بكر بن عبد الله المُزَني، عن أبي رافع: أنَّ مولاته أرادت أن تُفرِّق بينه وبين امرأته، فقالت: هي يومًا يهوديةٌ، ويومًا نصرانيةٌ، وكلُّ مملوكٍ لها حُرٌّ، وكلُّ مالٍ لها في سبيل الله، وعليها المشي إلى بيت الله إن لم تُفرِّق بينهما، فسَأَلتْ عائشةَ -رضي الله عنها-، وابنَ عمر، وابنَ عباس، وحفصةَ، وأُمَّ سلمة، فكلُّهم قال لها: أتريدينَ أن تكوني مثلَ هاروتَ وماروتَ، وأمروها أن تُكفِّر يمينَها، وتُخلِّي بينهما. وصحَّحه ابن حزم في «المحلى» (8/ 8)، وابن القيم في الموضع السابق.

وزينب ربيبة النبيِّ صلى الله عليه وسلم (¬1). وحكاه القاضي الماوردي وأبو يعلى الحنبلي عن جماعة آخرين من الصحابة، ثم ادَّعيا أنَّه إجماع من الصحابة قاطع. وهو قول طاوس، وعطاء، ومجاهد، وعكرمة، والحسن، وأبي الشعثاء، وأبي وائل، وغيرهم (¬2). وهو المشهور من مذهب الإمام الشافعي (¬3). ورواية عن أبي حنيفة، ومحمد بن الحسن. وبه قال أحمد بن حنبل (¬4)، وأبو عبيد القاسم بن سلاَّم، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور، ومحمد بن نصر، وابن المنذر (¬5)، وجمهور العلماء (¬6). ¬

(¬1) أخرجه عبد الرزاق (8/ 486 رقم 16000) والبيهقي (10/ 66) من طريق سليمان التَّيمي، عن بكر بن عبد الله المُزَني، عن أبي رافع، عن زينب، فذكرته، بنحو ما تقدم. وصحَّحه -أيضًا- ابن حزم في الموضع السابق. (¬2) انظر أقوالهم في «مصنَّف عبد الرزاق» (8/ 438، 440، 441، 443 رقم 15826، 15831، 15833، 15835، 15845) و «مصنَّف ابن أبي شيبة» (3/ 70، 71، 72 رقم 12162، 12164، 12166، 12169، 12184) في الأيمان والنذور، باب النذر ما كفَّارته وما قالوا فيه؟ وباب النذر إذا لم يسم له كفَّارة (¬3) انظر: «روضة الطالبين» (2/ 561) و «منهاج الطالبين» (3/ 380). (¬4) انظر: «مسائل الإمام أحمد» (2/ 72 - رواية ابن هانئ) و (ص 302 - رواية أبي داود). (¬5) انظر: «الإقناع» له (1/ 278). (¬6) انظر: «الاستذكار» لابن عبد البر (4/ 179).

حتى إنَّ الليث بن سعد -رحمه الله- طرد الكفَّارة في نذر التبرُّر (¬1). وهو غريب. وذهب الإمام مالك بن أنس، وشيخه ربيعة، وأبو حنيفة في المشهور عنه إلى أنَّه لا كفَّارة في نذر اللَّجاج والغضب، بل يجب الوفاء بما نذر (¬2)، والله أعلم. وقد روي عن أبي حنيفة أنَّه رجع عن ذلك، فالله أعلم. وفي المسألة قول ثالث: وهو أنَّه لا يلزمه شيء، لا الوفاء بما نذر، ولا كفَّارة يمين. وهو قول الشَّعبي، والحكم، والحارث العُكلي، وابن أبي ليلى، ورواية عن محمد بن الحسن، نقلها ابن عبد البر، وغيره. وإليه ذهب داود وأصحابه، وأبو جعفر ابن جرير الطَّبري، وابن حزم, وغيرهم (¬3). وأما ما جاء في توجيه هذه الأقوال ووجوه الترجيح فلسنا بصدده، وبالله المستعان. ¬

(¬1) نذرُ التبرُّر: هو أن يلتزمَ قُربةً إنْ حَدَثت نعمةٌ أو ذَهَبت نقمةٌ. «منهاج الطالبين» (3/ 381). (¬2) انظر: «المعونة على مذهب عالم أهل المدينة» (1/ 650) و «شرح فتح القدير» (5/ 62). (¬3) انظر: «الاستذكار» لابن عبد البر (15/ 47) و «مختصر اختلاف العلماء» للطحاوي (3/ 257) و «المحلى» لابن حزم (8/ 2)

حديث آخر في النذر

حديث آخر في النَّذر (387) قال الهيثم بن كُلَيب الشاشي في «مسنده» (¬1): ثنا ابن المنادي، ثنا علي بن بحر القطان، ثنا محمد بن سَلَمة، أخبرني أبو عبدالرحيم خالد بن أبي يزيد، عن جهم بن أبي الجارود (¬2)، عن سالم، عن أبيه: أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- أَهدَى نَجيبةً (¬3) له، فأُعطي بها ثلاثمائة دينار، فأتى عمرُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ الله، إنِّي أَهدَيتُ نَجيبةً لي، أُعطِيتُ بها ثلاثمائة دينار، فأَبيعُها وأَشتري بثمنها بُدْنًا فأَنْحَرُها؟ قال: «لا، انْحَرْهَا إيَّاها». ¬

(¬1) ليس في القسم المطبوع من «مسنده»، ومن طريقه: أخرجه الضياء في «المختارة» (1/ 315 رقم 208). وأخرجه -أيضًا- ابن خزيمة (4/ 292 رقم 2911) من طريق محمد بن سلمة، به. وفي إسناده: جهم بن الجارود، قال عنه ابن القطان في «بيان الوهم والإيهام» (3/ 58): مجهول الحال، لا يُعرَف روى عنه غير أبي عبدالرحيم خالد بن أبي يزيد، وبذلك من غير مزيد ذكره البخاري [التاريخ الكبير 2/ 230 رقم 2293] وابن أبي حاتم [الجرح والتعديل 2/ 522 رقم 2168]. وقال الذهبي في «الميزان» (1/ 426 رقم 1582): فيه جهالة. وقال في «المغني في الضعفاء» (1/ 209 رقم 1199): لا يُدرَى مَن هو. وقال البخاري في «التاريخ الكبير» (2/ 230 رقم 2293): لا يُعرَف له سماع من سالم. وقال ابن خزيمة: هذا الشيخ اختَلَف أصحاب محمد بن سلمة في اسمه، فقال بعضهم: جهم بن الجارود، وقال بعضهم: شهم. (¬2) كذا ورد بالأصل، ومطبوع «المختارة «. وصوابه: «جهم بن الجارود»، كما في كُتُب الرجال، ومصادر التخريج. (¬3) النَّجِيبَةُ: النجيب من الإبل، هو القوي الخفيف السريع. «النهاية» (5/ 17).

هكذا رواه الهيثم في مسند عمر. وذَكَره أصحاب الأطراف (¬1) في مسند ابن عمر من رواية أبي داود (¬2)، عن النُّفيلي، عن محمد بن سَلَمة، به. وهو في «مسند أحمد» (¬3)، كما سيأتي (¬4) إن شاء الله تعالى. وقد اختاره الحافظ الضياء في كتابه «المختارة» (¬5) من طريق الهيثم بن كُلَيب، والله أعلم. فيه دلالة على أن من نَذَر هَديًا معينًا أنَّه لا يجوز له إبداله بوجه من الوجوه حتى ولا بما هو أجودُ منه وأكثرُ ثمنًا. وقد رواه بعضهم فقال: بُختيَّة (¬6)، والصحيح: نَجيبة، واحدة النجايب، والله أعلم (¬7). ¬

(¬1) انظر: «تحفة الأشراف» (5/ 352 رقم 6748) و «إتحاف المهرة» (8/ 332 رقم 9489). (¬2) انظر: «سنن أبي داود» (2/ 419 رقم 1756) في المناسك، باب تبديل الهدي. (¬3) (2/ 145 رقم 6325). (¬4) انظر: «جامع المسانيد والسُّنن» (28/ 196 رقم 362 - ط قلعجي). (¬5) تقدم تخريجه في الصفحة السابقة، تعليق رقم. (¬6) منهم: البيهقي في «سننه» (9/ 288) وقال عقب الرواية: كذا قال: بُختِيَّة له. والبُختِيَّة: هي الأنثى من الجِمَال، وهي جِمَالٌ طوالُ الأعناقِ. «النهاية» (1/ 101). (¬7) تنبيه: جاء بحاشية الأصل تقييدان: أحدهما: بلغ مقابلة وقراءة على شيخنا الحافظ المزِّي. والثاني: بلغ الشيخ شمس الدين محمد بن عمر كاتب الحسبة، نفعه الله بالعلم، ونفع به، بتربة أُمَّ الصالح في مواعيد متعددة ... آخرها الخميس سادس جمادى الأولى سنة 758. كَتَبه ابن كثير.

كتاب البيوع

/ (ق 148) كتاب البيوع آثار عن عمرَ رضي الله عنه في الترغيب في التجارة (388) قال البخاري في كتاب «الأدب المفرد» (¬1): ثنا أبو نعيم، ثنا حَنَش بن الحارث، عن أبيه قال: كان الرَّجل منَّا تُنتج فرسُه، فينحرها، فيقول: أنا أعيشُ حتى أركبَ هذا؟! فجاءنا كتابُ عمرَ رضي الله عنه: أنْ أَصلِحُوا ما رَزَقَكُمُ اللهُ، فإنَّ في الأمرِ تنفيسًا (¬2). حَنَش هذا: روى عنه جماعة، منهم: وكيع، وأبو نعيم الفضل بن دُكَين، وقال: كان ثقة (¬3). وقال أبو حاتم الرازي (¬4): لا بأس به. ¬

(¬1) (ص 163 رقم 478). وأخرجه -أيضًا- ابن أبي الدُّنيا في «قصر الأمل» (ص 76 رقم 91) عن محمد بن الحسين، عن أبي نعيم، به. وصحَّح إسناده الشيخ الألباني في «صحيح الأدب المفرد» و «السلسلة الصحيحة» (1/ 38 - 39). (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «تَنَفُّسًا «. (¬3) انظر: «تهذيب الكمال» (7/ 428). (¬4) كما في «الجرح والتعديل» (3/ 291 رقم 1300).

(389) وقال أبو بكر ابن أبي الدُّنيا رحمه الله (¬1): ثنا محمد بن رزق الله، ثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي، ثنا هارون الأعور، عن الزُّبير بن الخرِّيت، عن محمد بن سيرين، عن أبيه قال: شَهِدتُ مع عمرَ -رضي الله عنه- المغربَ، فأتى عليَّ (¬2) ومعي رُزَيمةٌ لي (¬3)، فقال: ما هذا معك؟ فقلتُ: إنيِّ أقومُ في هذا السُّوق فأشتري وأبيعُ. فقال: يا معشرَ قريش، لا يَغلبنَّكم هذا وأمثالُه (¬4) على التجارةِ، فإنها ثُلُثُ المُلْكِ. إسناد جيد. (390) وقال أيضًا (¬5): ثنا علي بن الجَعْد، ثنا المسعودي، ثنا جوَّاب التَّيمي قال: قال عمرُ: يا معشرَ القرَّاءِ، ارفَعوا رؤوسَكم، فقد وَضَح لكم الطريقُ، واستبقوا الخيراتِ، ولا تكونوا عيالاً على المسلمين. (391) وقال أيضًا (¬6): / (ق 149) ¬

(¬1) في «إصلاح المال» (ص 248 رقم 218). (¬2) قوله: «فأتى عليَّ» تحرَّف في المطبوع إلى: «فأبى على»! (¬3) الرُزَيمة: تصغير رِزمة، بالكسر، ما شُدَّ في ثوبٍ واحدٍ. «لسان العرب» (5/ 205 - مادة رزم). (¬4) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «وأصحابه». (¬5) في «إصلاح المال» (ص 248 رقم 217). وأخرجه -أيضًا- أبو القاسم البغوي في «الجعديات» (2/ 766 رقم 1997) عن علي بن الجَعْد، به. وإسناده ضعيف؛ المسعودي ممن اختَلَط، ورواية علي بن الجَعْد عنه بعد الاختلاط. انظر: «الكواكب النيِّرات» (ص 290). وجَوَّاب التَّيمي لا يُعرَف له سماع من عمر، فجُلُّ روايته عن التابعين. انظر: «تهذيب الكمال» (5/ 159). (¬6) في «إصلاح المال» (ص 254 رقم 232). وقد حسَّن المؤلف إسناده، مع أنه قد نصَّ في مواضع من هذا الكتاب على أن الحسن لم يَسْمع من عمر.

ثنا يعقوب بن (عبيد) (¬1)، ثنا يزيد بن هارون، أنا هشام، عن الحسن قال: قال عمرُ رضي الله عنه: مَن تَجَرَ في شيءٍ ثلاثَ مراتٍ فلم يُصبْ فيه شيئًا فلَيَتحوَّلْ إلى غيرِهِ. إسناد حسن (!) (392) وقال أيضًا (¬2): حدثني أبو جعفر (محمد) (¬3) بن الحارث بن المبارك، عن شيخ من قريش (¬4)، قال: قال عمرُ رضي الله عنه: لو كنتُ تاجرًا ما اختَرتُ على العطرِ شيئًا، إنْ فاتني ربحُهُ لم يَفتني ريحُهُ. هذا منقطع عن عمرَ. ¬

(¬1) في المطبوع: «عبيد»! (¬2) في «إصلاح المال» (ص 262 رقم 249). (¬3) في المطبوع: «أحمد». (¬4) كَتَب المؤلِّف فوقها: «كذا».

حديث في النهي عن بيع الخمر، وما لا يحل أكله، ويستفاد منه أن بيع النجاسة لا يصح، وأن الحيل حرام

حديث في النهي عن بيع الخمر، وما لا يحلُّ أكله، ويستفاد منه أنَّ بيع النجاسة لا يصحُّ، وأنَّ الحيل حرام (393) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا سفيان، عن عمرو، عن طاوس، عن ابن عباس قال: ذُكِرَ لعمرَ -رضي الله عنه- أنَّ سَمُرةَ باع خمرًا، فقال: قاتَلَ اللهُ سَمُرةَ، إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَعَنَ اللهُ اليهودَ، حُرِّمت عليهم الشُّحومُ، فجَمَلُوها، فباعُوها». ورواه البخاري (¬2)، عن الحميدي (¬3)، وعلي ابن المديني. ومسلم (¬4)، عن أبي بكر بن أبي شيبة (¬5) / (ق 149) (¬6)، وزُهَير بن حرب، وإسحاق بن راهويه (س) (¬7). كلُّهم عن سفيان، به. ورواه مسلم -أيضًا- (¬8)، عن أميَّة بن بِسطام، عن يزيد بن زُرَيع، عن رَوْح بن القاسم، عن عمرو بن دينار، به. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 25 رقم 170). (¬2) في «صحيحه» (4/ 414 رقم 2223) و (6/ 496 رقم 3460 - فتح) في البيوع، باب لا يذاب شحم الميتة، ولا يباع وَدَكُه. (¬3) وهو في «مسنده» (1/ 9 رقم 13). (¬4) في «صحيحه» (3/ 1207 رقم 1582) في المساقاة، باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام. (¬5) وهو في «المصنَّف» (4/ 416 رقم 21608) في البيوع، باب ما جاء في بيع الخمر. (¬6) هذا الرمز لبيان أن رواية ابن ماجه (2/ 1122 رقم 3383) في الأشربة، باب التجارة في الخمر، عن ابن أبي شيبة. (¬7) هذا الرمز لبيان أن رواية النسائي (7/ 200 رقم 4268) في الفَرَع والعَتيرة، باب النهي عن الانتفاع بما حرَّم الله عزَّ وجلَّ، من طريق إسحاق بن راهويه. (¬8) في «صحيحه» (3/ 1207 رقم 1582) في الموضع السابق.

طريق أخرى (394) قال علي ابن المديني: وحدثناه عبيد الله بن موسى، أنا شيبان، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس، عن عمرَ، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَعَنَ اللهُ اليهودَ، / (ق 150) يحرِّمون شُحومَ الغَنَمِ، ويأكلون أثمانَها» (¬1). قلت: إسناد صحيح، ولم يخرِّجوه. حديث آخر (395) قال الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطَّبراني (¬2): ثنا ¬

(¬1) وأخرجه -أيضًا- يعقوب بن شيبة في «مسند عمر بن الخطاب» (ص 47 - 48) و (ص 115 - ط دار الغرباء) وأبو بكر الشافعي في «الغيلانيات» (1/ 619 رقم 821) والقَطيعي في «جزء الألف دينار» (ص 400 رقم 262) من طريق عبيد الله بن موسى، به. وإسناده ضعيف؛ لعنعنة الأعمش، وحبيب بن أبي ثابت. ولشيبان فيه إسناد آخر: فأخرجه يعقوب بن شيبة في «مسند عمر» (ص 49) و (ص 117 - ط دار الغرباء) وابن سعد (2/ 241) وابن أبي شيبة في «مسنده» (1/ 128 رقم 167) والبزَّار في «مسنده» (7/ 59 رقم 2608) والحاكم (4/ 194) وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (1/ 225 رقم 771) من طريق عبيد الله بن موسى، عن شيبان، عن الأعمش، عن جامع بن شدَّاد، عن كلثوم الخزاعي، عن أسامة بن زيد -رضي الله عنه- مرفوعًا، ولفظه: «لَعَن اللهُ اليهودَ يحرِّمون الشُّحومَ، ويأكلون أثمانَها». وفي لفظ: «شحوم الغنم». قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. واختاره الضياء في «المختارة» (4/ 139 رقم 1352). وقد توبع شيبان على هذ االوجه: تابَعَه عمَّار بن زريق، كما عند يعقوب بن شيبة (ص 50) و (ص 117 - ط دار الغرباء). (¬2) في «معجمه الكبير «(1/ 73 رقم 87).

محمد بن الفضل السَّقَطي، ثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي، ثنا يزيد بن عبد الملك النَّوفلي، عن يزيد بن خُصَيفة، عن السَّائب بن يزيد، عن عمرَ بن الخطاب: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثمنُ القَينةِ (¬1) سُحْتٌ (¬2)، وغِنَاؤها حرامٌ، والنظرُ إليها حرامٌ، وثمنُها مثلُ ثمنِ الكلبِ، وثمنُ الكلبِ سُحْتٌ، ومَن نَبَتَ لحمُهُ على السُّحْتِ، فالنَّارُ أولى به». غريب جدًّا، ويزيد بن عبد الملك هذا: ضعَّفوه (¬3). ¬

(¬1) لقَينة: الأَمَة المُغنية. انظر: «النهاية» (4/ 135). (¬2) السُّحْت: هو الحرام الذي لا يَحل كَسْبه؛ لأنه يَسْحت البركة. أي: يُذهبها. «النهاية» (2/ 345). (¬3) قال عنه أبو حاتم: ضعيف الحديث، منكر الحديث جدًّا. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال أحمد: عنده مناكير. وقال البخاري: أحاديثه شِبه لا شيء. وقال مرَّة: ذاهب الحديث. وقال ابن عدي: عامَّة ما يَرويه غير محفوظ. انظر: «تهذيب الكمال» (32/ 196) و «الجرح والتعديل» (9/ 278 رقم 1171).

حديث آخر في بيع الطعام

حديث آخر في بيع الطعام (396) قال الحافظ أبو يعلى الموصلي (¬1): ثنا زُهَير، ثنا يونس بن محمد، ثنا عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن اشترى طعامًا، فلا يَبِعْهُ حتى يَستوفِيَهُ». إسناده حسن، ولم يخرِّجه أهل السُّنن، فإنَّه على شرطهم، وإن كان في العُمَري كلام. ¬

(¬1) لم أجده في المطبوع من «مسنده»، وهو من رواية ابن حمدان، وأورده الهيثمي في «المقصد العلي» (2/ 288 رقم 658 - رواية ابن المقرئ).

حديث فيمن باع عبدا له مال

حديث فيمن باع عبدًا له مال (397) قال الحافظ أبو بكر البزَّار (¬1): ثنا الحسن بن عرفة، ثنا هشيم، ثنا سفيان بن حسين، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن عمرَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن باع عبدًا وله مالٌ، فمالُهُ للبائعِ إلا أن يَشترِطَ المُبتاعُ، ومَن باع نخلاً قد أُبِّرَت (¬2)، فثَمَرتُها للبائعِ، إلا أنْ يَشترِطَ المُبتَاعُ». وهكذا / (ق 151) رواه النسائي (¬3)، عن هلال بن العلاء، عن أبيه، عن هشيم، به. وهو إسناد جيد ظاهرًا، لكن قال الحافظ أبو بكر البزَّار عقيب ذلك: أخطأ فيه سفيان بن حسين على الزهري، فقد رواه الحفَّاظ عنه، عن سالم، عن أبيه فقط، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم (¬4). قلت: كذلك هو مخرَّج في «الصحيحين»، وغيرهما (¬5)، ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 224 رقم 112). (¬2) التأبير: هو التلقيح. «النهاية» (1/ 13). (¬3) في «سننه الكبرى» (3/ 189 - 190 رقم 4990). (¬4) وقال أبو زرعة: ليس هذا الحديث بمحفوظ، والصحيح: عن سالم، عن أبيه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. «علل ابن أبي حاتم» (1/ 392 رقم 1175). وانظر: «مسائل أحمد» (ص 42، 156 رقم 8، 274 - رواية المرُّوذي). (¬5) أخرجه البخاري (5/ 149 رقم 2379 - فتح) في المساقاة، باب الرجل يكون له ممر أو شِرب في حائط أو نخل، ومسلم (3/ 1173 رقم 1543) (80) في البيوع، باب من باع نخلاً عليها ثمر، وأبو داود (4/ 157 رقم 3425) في البيوع، باب العبد يباع وله مال، والترمذي (3/ 546 رقم 1244) في البيوع، باب ما جاء في ابتياع النخل بعد التأبير ... ، والنسائي (7/ 342 رقم 4649، 4650) في البيوع، باب النخل يباع أصلها ... ، وابن ماجه (2/ 745، 746 رقم 2210، 2211) في التجارات، باب ما جاء فيمن باع نخلاً ...

كما سيأتي (¬1). طريق أخرى (398) قال الهيثم بن كُلَيب في «مسنده» (¬2): ثنا حنبل بن إسحاق، ثنا عفَّان، ثنا عبدالوارث، ثنا أيوب، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَن باع عبدًا له مالٌ، فمالُهُ للذي باعَهُ، إلا أنْ يَشترِطَ المبتاعُ». وهكذا رواه النسائي في العتق من «سننه» (¬3)، عن هلال بن العلاء، عن أبيه، عن محمد بن سَلَمة، عن محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وزاد قصة النَّخل. وقد رواه أبو داود (¬4)، عن القَعْنبي، عن مالك (¬5)، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فجعله من مسند ابن عمر، كما سيأتي (¬6) في «الصحيحين» (¬7). ¬

(¬1) يعني: في كتابه «جامع المسانيد والسُّنن»، ولم أجده في القسم الذي أخرجه قلعجي. (¬2) ليس في القسم المطبوع من «مسنده»، ومن طريقه: أخرجه الضياء في «المختارة» (1/ 326 رقم 220). (¬3) «السنن الكبرى» (3/ 189 رقم 4989). (¬4) في «سننه «(4/ 157 رقم 3434) في الموضع السابق. (¬5) وهو في «الموطأ» (2/ 139) في البيوع، باب ما جاء في ثمر المال يباع أصله. (¬6) يعني: في كتابه «جامع المسانيد والسُّنن»، ولم أجده في القسم الذي أخرجه قلعجي. (¬7) أخرجه البخاري (4/ 401 رقم 2204) في البيوع، باب من باع نخلاً قد أُبِّرت، و (5/ 313 رقم 2716 - فتح) في الشروط، باب إذا باع نخلاً قد أُبِّرت، ومسلم (3/ 1172 رقم 1543) (77) في البيوع، باب من باع نخلاً عليها ثمر.

لكن رواه النسائي -أيضًا- (¬1) من حديث اللَّيث بن سعد وعبيد الله بن عمر، وأيوب. ثلاثتهم عن نافع، عن ابن عمرَ: أنَّ عمرَ قَضَى في العبدِ يُباعُ وله مالٌ: أنَّ مالَه للذي باعَهُ، إلا أنْ يَشترِطَ المبتاعُ. ثم قال (¬2): وهذا هو الصواب، وحديث هلال بن العلاء خطأ. وذَكَر الدارقطني في «العلل» (¬3) فيه اختلافًا كثيرًا، ثم قال: والصواب: عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ -رضي الله عنه-، قولَه (¬4). ¬

(¬1) في «سننه الكبرى» (3/ 189 رقم 4985، 4986، 4987). (¬2) هذا النص ساقط من مطبوع «السُّنن»، وذكره المزِّي في «تحفة الأشراف» (8/ 70). (¬3) (2/ 50 - 52 رقم 102). (¬4) وانظر للفائدة: «الفصل للوصل المدرج في النقل» (1/ 226 - 237 رقم 17) و «التمهيد» (13/ 282 - 285) و «فتح الباري» (4/ 401 رقم 403) و (5/ 49 - 50).

حديث في خيار الشرط

/ (ق 152) حديث في خيار الشَّرط (399) قال عبد الله بن وهب: عن ابن لَهِيعة، عن حَبَّان بن واسع، عن يزيد بن رُكَانةَ: أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- خَطَب، فقال: لا أَجدُ لكم في بيوعِكُم في الرَّقيقِ شيئًا أفضلَ ممَّا جَعَلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم للمُنقِذ بن عمرو: ثلاثةَ أيامٍ فيما اشتَرى وباع. ورواه عثمان بن سعيد الحمصي، عن ابن لَهِيعة: أنَّ حَبَّان حدَّثه عن طلحة بن يزيد بن رُكَانة أنَّه قال: كُلِّم عمرُ -رضي الله عنه- في البيوع، فقال: لا أجدُ لكم أوسعَ ممَّا قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لحَبَّان بن مُنقِذ، أنَّه كان رجلاً ضريرًا، فجعل له عهدَهُ ثلاثةَ أيامٍ فيما اشتَرى، إنْ رَضِيَ أَخَذَ، وإنْ سَخِطَ تَرَكَ (¬1). ¬

(¬1) وأخرجه -أيضًا- الطبراني في «الأوسط «، كما في «نصب الراية» (4/ 8) من طريق يحيى بن بُكير. والدارقطني (3/ 54) من طريق أسد بن موسى. والبيهقي (5/ 274) من طريق يحيى بن يحيى. ثلاثتهم (يحيى بن بكير، وأسد بن موسى، ويحيى بن يحيى) عن ابن لَهِيعة، به. ومداره على ابن لَهِيعة، وهو ضعيف الحديث، وقد قال الطبراني عقب روايته: لا يُروى عن عمرَ إلا بهذا الإسناد، تفرَّد به ابن لهيعة. وقال البيهقي: والحديث يتفرَّد به ابن لَهِيعة. ونقل الحافظ في «الفتح» (4/ 338) تضعيفه عن ابن العربي، وأقرَّه. ومما يدل على اضطراب ابن لَهِيعة: أنه رواه أخرى، فقال: عن حبَّان بن واسع، عن أبيه، عن جدِّه قال: قال عمر لما استُخلف: أيها الناسُ، إني نظرتُ فلم أجدُ لكم في بيوعكم شيئًا أمثلَ من العهدة التي جعلها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لحبَّان بن مُنقِذ ثلاثة أيام، وذلك في الرقيق. وروايته عند الدارقطني (3/ 57) من طريق عبيد بن أبي قُرَّة، وابن شاهين، كما في «الإصابة» (2/ 198) من طريق عبد الرحمن بن يوسف. كلاهما (عبيد بن أبي قُرَّة، وعبد الرحمن) عن ابن لَهِيعة، به. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ورواه محمد بن إسحاق، فاضطرب في متنه وإسناده: أما الاضطراب في متنه: فقد أخرجه أحمد (2/ 129) والحميدي (2/ 292 رقم 662) وابن الجارود (2/ 158 رقم 567) -ومن طريقه: ابن بشكوال في «الغوامض والمبهمات» (1/ 131 رقم 73) - والدارقطني (3/ 54 - 55) -ومن طريقه: الخطيب في «الأسماء المبهمة» (ص 365) - والحاكم (2/ 22) والبيهقي (5/ 273) من طريق محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمرَ: أن حبَّان بن مُنقِذ كان سُفع في رأسه مأمومة فثقلت لسانه، وكان يُخدع في البيع، فجعل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مما ابتاع فهو بالخيار ثلاثًا، وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بِع، وقل: لا خلابة». فسمعته يقول: لا خيابة، لا خيابة. وقد اضطرب في تعيين صاحب القصة: فمرَّة قال: «حبَّان بن مُنقِذ «! ومرَّة قال: «مُنقِذ بن عمرو «! ومرَّة قال: «عن رجل من الأنصار «! ومرَّة يذكر الاشتراط! ومرَّة لا يذكره! وأما الاضطراب في إسناده: فمرَّة قال: عن نافع، عن ابن عمر! كما سبق. ومرَّة قال: عن محمد بن يحيى بن حبَّان قال: كان جدِّي مُنقِذ بن عمرو قد أصابته آمة في رأسه، فكَسَرت لسانه، وكان لا يدع على ذلك التجارة، وكان لا يزال يغبن، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال له: «إذا أنت بايعتَ، فقل: لا خلابة، ثم أنت في كل سلعة ابتعتها بالخيار ثلاث ليال، فإن رضيت فأمسك، وإن سخطتَ فاردُدها على صاحبها». زاد بعضهم: وكان في زمن عثمان بن عفان حتى فشا الناس وكثروا شاع البيع في السوق، فيرجع إلى أهله وقد غُبن غَبنًا قبيحًا، فيلومونه، ويقولون: لم تبتاع؟ فيقول: أنا بالخيار ثلاثًا، فيرد السلعة على صاحبها من الغد، وبعد الغد، فيقول: والله لا أقبلها، قد أخذت سلعتي وأعطيتني دراهمي، قال: يقول: رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلني بالخيار ثلاثًا. ومن هذا الوجه: أخرجه البخاري في «التاريخ الأوسط» =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = (1/ 474 - 475 رقم 210 - ط مكتبة الرشد) وابن أبي شيبة في «مسنده» (2/ 95 رقم 594) -وعنه: ابن ماجه (2/ 789 رقم 2355) في الأحكام، باب الحجر على من يُفسد ماله- والدارقطني (3/ 55 - 56) -ومن طريقه: الخطيب في «الأسماء المبهمة» (ص 365) - والبيهقي (5/ 273) وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (5/ 2618 رقم 6302، 6303). وهذه الرواية مرسلة، قال الذهبي في «الميزان» (3/ 474): هذا غريب، وفيه انقطاع بين ابن حبَّان وبين جدِّ أبيه. وأما ما وقع في رواية ابن أبي شيبة من تصريح محمد بن يحيى بن حبَّان بالسماع من جدِّه، فلم يصرِّح ابن إسحاق فيها بالسماع، وقد قال ابن الصلاح عن رواية الاشتراط: منكرة لا أصل لها. انظر: «التلخيص الحبير» (3/ 21). ومرَّة قال: عن محمد بن يحيى بن حبَّان قال: إنما جعل ابنُ الزبير عهدةَ الرقيق ثلاثًا؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لمُنقِذ بن عمرو، قال: «لا خلابة إذا بِعت بيعًا، فأنت بالخيار ثلاثًا». ومن هذا الوجه: أخرجه ابن أبي شيبة (13/ 149 رقم 37324 - ط مكتبة الرشد) في الرد على أبي حنيفة، باب مسألة خيار الشرط، والدارقطني (3/ 56). وكل هذا يدلك على اضطراب ابن إسحاق، وقد أورده ابن القطان في «بيان الوهم والإيهام» (4/ 491 - 492) مستدرِكًا على عبدالحق الإشبيلي إيرادَه إيَّاه ساكتًا عنه. وقد أخرج هذا الحديثَ البخاريُّ (4/ 337 رقم 2117 - فتح) في البيوع، باب ما يُكره من الخداع في البيع، ومسلم (3/ 1165 رقم 1533) في البيوع، باب من ينخدع في البيع، من رواية عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، ولفظه: أنَّ رجلاً ذُكر للنبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه يُخدع في البيوع، فقال: «إذا بايعت، فقل: لا خلابة». ولم يأت للاشتراط ذِكر في هذه الرواية. ومع هذا الاختلاف الوارد في رواية ابن إسحاق؛ فقد صحَّحه محققو «مسند الإمام أحمد» (10/ 282 - 283 رقم 6134 - ط مؤسسة الرسالة) وحسَّنه الحويني في تعليقه على «منتقى ابن الجارود»؛ لأجل تصريح ابن إسحاق بالسماع!

حديث في الربا والصرف

حديث في الرِّبا والصَّرف (400) قال البخاري (¬1): ثنا عبد الله بن يوسف، أنا مالك (¬2)، عن ابن شهاب، عن مالك بن أوس أنَّه أَخبَرَه: أنَّه التَمَسَ صَرفًا بمائةِ دينارٍ، قال: فدعاني طلحةُ بن عبيد الله، فتَرَاوَضنا (¬3) حتى اصْطَرَف منيِّ، فأَخذ الذَّهَب يُقلِّبُها في يده، ثم قال: حتى يأتي خازني من الغابة. وعمرُ يَسْمع ذلك، فقال: واللهِ لا تفارقُهُ حتى تأخذَ منه، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «الذَّهَبُ بالوَرِقِ (¬4) رِبًا، إلا هَاءَ وهَاءَ (¬5)، والبُرُّ بالبُرِّ رِبًا، إلا هَاءَ وهَاءَ، والشَّعيرُ بالشَّعيرِ رِبًا، إلا هَاءَ وهَاءَ، والتَّمرُ بالتَّمرِ رِبًا، إلا هَاءَ وهَاءَ». ¬

(¬1) في «صحيحه» (4/ 377 رقم 2174 - فتح) في البيوع، باب بيع الشعير بالشعير. (¬2) وهو في «الموطأ» (2/ 162) في البيوع، باب ما جاء في الصرف. (¬3) المراوضة: هي أن تواصف الرَّجل بالسلعة ليست عندك، وهي بيع المواصفة. «القاموس المحيط» (ص 644 - مادة روض). (¬4) كذا ورد بالأصل، و «الموطأ «، وفروع النسخة اليونينية لـ «صحيح البخاري» (3/ 74 - ط دار طوق النجاة)، ونسخة الحافظ التي شرح عليها «صحيح البخاري» (4/ 278). وجاء في أصل النسخة اليونينية، و «إرشاد الساري» (4/ 79): «الذَّهب بالذَّهب «. وقد ذكر هذا الاختلاف ابنُ عبد البر في «التمهيد» (6/ 282) فقال: هكذا قال مالك، ومعمر، والليث، وابن عيينة في هذا الحديث عن الزهري: «الذَّهب بالوَرِق»، ولم يقولوا: «الذَّهب بالذَّهب، والوَرِق بالوَرِق»، وهؤلاء هم الحجَّة الثابتة في ابن شهاب على كلِّ من خالَفَهم. وقال -أيضًا- (6/ 286) -في معرض حديثه عن الفوائد المستنبطة من الحديث: وفيه: أن النَّسَأ لا يجوز في بيع الذَّهب بالوَرِق، وإذا كان الذَّهب والوَرِق -وهما جنسان مختلفان- يجوز فيهما التفاضل بإجماع؛ فأحرى ألا يجوز ذلك في الذَّهب بالذَّهب الذي هو جنس واحد، وهذا أمر مجتمع عليه، لا خلاف فيه، والحمد لله. (¬5) يعني: مقابضة في المجلس. انظر: «النهاية» (5/ 237).

ثم رواه البخاري / (ق 153) مع بقية الجماعة (¬1) من طرق متعددة، عن الزهري، عن مالك بن أوس بن الحَدَثان، به. وفي «مستخرج الحافظ أبي بكر البَرْقاني»: «الوَرِقُ بالوَرِقِ ربًا، إلا هَاءَ وهَاءَ، والذَّهَبُ بالذَّهَبِ ربًا، إلا هَاءَ وهَاءَ». أثر عن عمر (401) قال البخاري (¬2): ثنا محمد بن بشَّار، ثنا غُندَر، ثنا شعبة، عن عمرو بن مُرَّة، عن أبي البَختَري قال: سألتُ ابنَ عمرَ عن السَّلَم في النَّخل، فقال: نهى عمرُ (¬3) عن بيع الثَّمرِ حتى يَصلُحَ، ونهى عن الذَّهَب بالوَرِق نَسَاءً بناجزٍ. وسألتُ ابنَ عباس، فقال: نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن بيعِ النَّخلِ حتى يأكُلَ أو يُؤكَلَ، وحتى يُوزَن. قلت: وما يُوزَن؟ قال رجل عنده: حتى يُحرَزَ. ¬

(¬1) أخرجه البخاري (4/ 347، 377 رقم 2143، 2170 - فتح) في البيوع، باب ما يُذكر في بيع الطعام والحُكرة، وباب بيع التمر بالتمر، ومسلم (3/ 1209 رقم 1586) في المساقاة، باب الصرف ... ، وأبو داود (4/ 120 رقم 3348) في البيوع، باب الصرف، والترمذي (3/ 545 رقم 1243) في البيوع، باب ما جاء في الصرف، والنسائي (7/ 315 رقم 4572) في البيوع، باب التمر بالتمر متفاضلاً، وابن ماجه (2/ 759 رقم 2260) في التجارات، باب صرف الذهب بالورِق. (¬2) في «صحيحه» (4/ 432 رقم 2250 - فتح) في السَّلَم، باب السَّلَم في النخل. (¬3) قال الحافظ في «الفتح» (4/ 433): اختُلف في رواية غُندَر، فعند أبي ذرٍّ وأبي الوقت: «نهى عمرُ عن بيع الثَّمَر «. وفي رواية غيرهما: «نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم «. وانظر: النسخة اليونينية لـ «صحيح البخاري» (3/ 86 - ط دار طوق النجاة). قلت: وقد أخرجه أبو القاسم البغوي في «الجعديات» (1/ 300 رقم 132) عن علي بن الجَعد، عن شعبة، به، موقوفًا على عمر.

أثر آخر (402) قال أبو عبيد (¬1): ثنا هشيم، أنا المسعودي، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن عمرَ: أنَّه خَطَب، فذَكَر الرِّبا، فقال: إنَّ منه أبوابًا لا تخفى على أحد، منها: السَّلَمُ في السِّنِّ (¬2)، وأن تُباعَ الثَّمرةُ وهي مُغضَفَةٌ لمَّا تَطِبْ، وأن يُباعَ الذَّهبُ بالوَرِقِ نَسَاءً (¬3). قال أبو عمرو: المُغْضَفَة: المتدلية في شجرها، وكلُّ مُسْتَرخٍ أَغضَفُ، ومنه قيل للكلاب: غُضْفٌ، لأنها مُسْتَرخِيَة الآذانِ. قال أبو عبيد: [والكراهية (¬4)] من ذلك: النهيُّ عن بيعها قبل بُدُو الصَّلاح. ¬

(¬1) في «غريب الحديث» (4/ 181). وأخرجه -أيضًا- محمد بن الحسن في «الحجَّة على أهل المدينة» (2/ 484) وسحنون في «المدونة الكبرى» (8/ 441) والمروزي في «السُّنة» (ص 58 رقم 192) عن وكيع. وعبد الرزاق (8/ 26 رقم 14161) عن ابن عيينة. ثلاثتهم (محمد بن الحسن، ووكيع، وابن عيينة) عن المسعودي، به، بنحوه. وضعَّفه ابن حزم في «المحلى» (9/ 107) والبيهقي في «السُّنن الكبرى» (6/ 26) للانقطاع بين القاسم بن عبد الرحمن وعمر. (¬2) قال ابن الأثير: يعني: الرقيق والدواب وغيرهما من الحيوان، أراد ذوات السِّنِّ. «النهاية» (2/ 412). (¬3) النَّسَأ: التأخير. انظر: «النهاية» (5/ 44). (¬4) ما بين المعقوفين مطموس بعضه في الأصل، وهذا ما استظهرته.

حديث في النهي عن الاحتكار

حديث في النهي عن الاحتكار (403) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، ثنا الهيثم بن رافع الطَّاطَري، حدثني أبو يحيى -رجل من أهل مكة-، عن فَرُّوخ مولى عثمان: أنَّ عمرَ -وهو يومئذٍ أميرُ المؤمنين- خَرَج إلى المسجد، فرأى طعامًا منثورًا، فقال: ما هذا الطعامُ؟ فقالوا: طعامٌ جُلِبَ إلينا. قال: بارك اللهُ فيه، وفيمن جَلَبَهُ. قيل: يا أميرَ المؤمنين، فإنَّه قد احتُكِرَ. قال: ومَن احتَكَرَهُ؟ قالوا: فَرُّوخ مولى عثمان وفلان مولى عمر، فأَرسَلَ إليهما، فدعاهما، فقال: ما حَمَلكُما على احتكار طعام المسلمين؟ قالا: يا أميرَ المؤمنين، نشتري بأموالنا ونبيعُ. فقال عمرُ رضي الله عنه: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 21 رقم 135).

يقول: «مَن احتَكَرَ على المسلمين طعامَهم ضَرَبَهُ اللهُ عزَّ وجلَّ بالإفلاسِ أو بِجُذَامٍ». فقال فَرُّوخ عند ذلك: يا أميرَ المؤمنين، أُعاهدُ اللهَ وأُعاهِدُك ألا أعودَ في طعامٍ أبدًا. وأما مولى عمر، فقال: إنما نشتري بأموالنا ونبيعُ. قال أبو يحيى: فلقد رأيتُ / (ق 154) مولى عمرَ مجذومًا. وقد رواه ابن ماجه (¬1) -مختصرًا-، عن يحيى بن حكيم، عن أبي بكر الحنفي، عن الهيثم بن رافع، به، ولفظه: «مَن احتَكَرَ على المسلمين طعامَهم، ضَرَبَهُ اللهُ بالجُذَامِ والإفلاسِ». ورواه الحافظ أبو بكر الإسماعيلي، عن الحسن بن سفيان، عن القَوَاريري، عن الهيثم الطَّاطَري قال: حدثنا أبو يحيى مولى عمر بن الخطاب -وكان قد أدرك عمر-: أنَّ عمرَ قال: سَمِعتُ رسولَ الله يقول: «مَن احتَكَرَ على المسلمين طعامَهم، ضَرَبَهُ اللهُ بجُذَامٍ، أو بإفلاسٍ» (¬2). هكذا وَجَدتُهُ، ليس فيه ذِكر فَرُّوخ، فالله أعلم. طريق أخرى (404) قال علي ابن المديني: ثنا محمد بن عبد الله الأسدي، أنا إسرائيل، عن علي بن سالم بن ثوبان، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيّب، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «الجالِبُ مرزوقٌ، والمُحتَكِرُ ملعونٌ» (¬3). ثم قال: هذا حديث كوفي، ضعيف الإسناد، منكر، مع أنَّه منقطع من قِبَل سعيد بن المسيّب، وقد روي عن عمرَ قوله في الحكرة من طريق أخرى. ¬

(¬1) في «سننه» (2/ 728 رقم 2155) في التجارات، باب الحُكرة والجَلَب. (¬2) ومن هذا الوجه: أخرجه ابن أبي الدُّنيا في «إصلاح المال» (ص 268 رقم 263) وأبو يعلى في «مسنده الكبير»، كما في «إتحاف الخيرة» للبوصيري (3/ 281 رقم 2745/ 2) عن عبيد الله بن عمر الجُشَمي، عن الهيثم الطَّاطَري، به. ومداره على أبي يحيى المكِّي، وقد قال عنه الذهبي في «الميزان» (4/ 581 رقم 10732): لا يُعرَف، والخبر منكر. وممن جزم بنكارة هذا الخبر الإمام أبو داود، كما في «سؤالات الآجري» (2/ 92 رقم 1227) والبوصيري في «إتحاف الخيرة «. وخالف الضياء المقدسي، فأخرجه في «المختارة» (1/ 379 رقم 263) مصحِّحًا له، وحسَّنه الحافظ في «الفتح» (4/ 348)! (¬3) وأخرجه -أيضًا- ابن ماجه (2/ 728 رقم 2153) في الموضع السابق، والدارمي (3/ 1657 رقم 2586) في البيوع، باب في النهي عن الاحتكار، والحاكم (2/ 11) والعقيلي (3/ 332) وابن عدي (5/ 203) والبيهقي (6/ 30) من طريق إسرائيل، به.

قلت: هذه الطريق تقوى بالأولى، كما أنَّ تلك تقوى بهذه، فيُحسَّن الحديث (¬1)، والله أعلم. وأما ما روي عن عمرَ من قوله: (405) فقال أبو بكر ابن أبي الدُّنيا (¬2): ثنا علي بن الجَعْد (¬3)، ثنا ابن أبي ذِئب، عن كثير (¬4)، عن سعيد بن المسيّب قال: قال عمرُ بن الخطاب: نِعمَ الرَّجلُ فلانٌ لولا بيعُهُ. قلت لسعيد: وما كان يبيعُ؟ قال: / (ق 155) الطعام. قلت: وببيعِ الطعامِ بأسٌ؟ (¬5) قال: ما بَاعَهُ رجلٌ إلا وَجَدَ للناسِ. أثر آخر (406) قال الترمذي (¬6): ثنا عباس بن عبد العظيم، ثنا ابن مهدي، ثنا ¬

(¬1) في هذا نظر؛ لأن الحديث الأوَّل: منكر، -كما قال أبو داود وغيره-، والثاني: منكر، -كما قال ابن المديني-، وما كان بهذه المثابة فلا يتقوَّى. (¬2) في «إصلاح المال» (ص 264 رقم 254). (¬3) وعنه: أخرجه أبو القاسم البغوي في «الجعديات» (2/ 1008 رقم 2920). (¬4) كذا ورد بالأصل، ومطبوع «إصلاح المال «. وفي «الجعديات»: «عبيد بن سلمان»، وهو الصواب، الموافق لما في كُتُب الرجال. وعبيد هذا: ذكره البخاري في «التاريخ الكبير» (5/ 442 رقم 1439) وقال: حديثه لا يصحُّ. لكن قال أبو حاتم، كما في «الجرح والتعديل» (5/ 407 رقم 1888): لا أعلم في حديثه إنكارًا، يحوَّل من كتاب «الضعفاء «الذي ألَّفه البخاري. وقال الحافظ في «التقريب»: صدوق. وانظر: «تهذيب الكمال» (19/ 211 - 212). (¬5) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «والذي يبيع الطعام باغ؟!». (¬6) في «سننه» (2/ 357 رقم 487) في الصلاة، باب ما جاء في فضل الصلاة على النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

مالك (¬1)، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن جدِّه قال: قال عمرُ رضي الله عنه: لا يَبِعْ في سُوقنا هذا إلا مَن تَفَقَّه في الدِّين. هكذا ذَكَره الترمذي في كتاب الصلاة من «جامعه»، في باب فضل الصلاة على النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وهو إسناد حسن صحيح. ¬

(¬1) وهو في «الموطأ» (ص 283 - رواية محمد بن الحسن).

أثر في التسعير

أثر في التَّسعير (407) قال أبو يحيى المُزَني (¬1): ثنا أبو عبد الله الشافعي، ثنا الدَّرَاوَردي، عن داود بن صالح التَّمَّار، عن القاسم بن محمد، عن عمرَ: أنَّه مَرَّ بحاطبٍ بسوقُ المُصلَّى، وبين يديه غِرَارَتان (¬2) فيهما زبيب، فسأله عن سِعرهما، فسَعَّر له مُدَّين بكل درهم، فقال له عمر: قد حُدِّثتُ بعيرٍ مُقبلةٍ من الطائفِ تَحملُ زبيبًا، وهم يعتبرون بسعرِكَ، فإما أن ترفعَ في السِّعر، وإما أن تُدخِلَ زبيبكَ البيتَ فتَبيعُهُ كيف شئتَ. فلمَّا رجع عمرُ حاسَبَ نفسَهُ، ثم أتى حاطبًا في داره، فقال له: إنَّ الذي قلتُ ليس بعزمةٍ منيِّ ولا قضاءً، إنما هو شيء أردتُ به الخيرَ لأهل البلد، فحيثُ شئتَ فَبِعْ، وكيف شئتَ فَبِعْ. وقد رواه ابن وهب (¬3)، عن مالك (¬4)، عن يونس بن يوسف، عن سعيد بن المسيّب قال: مَرَّ عمرُ / (ق 156) بن الخطاب على حاطب بن أبي بَلتَعة وهو يبيعُ زبيبًا بالسُّوق، فقال له عمر: إمَّا أنْ تزيدَ في السعر، وإمَّا أنْ ترفعَ من سوقِنا. ¬

(¬1) في مختصره المسمَّى «مختصر المُزَني» (ص 92). وهو منقطع بين القاسم بن محمد بن أبي بكر الصِّديق وعمر. (¬2) الغِرَارة: واحدة الغرائر التي للتبن. «لسان العرب» (10/ 46 - مادة غرر). (¬3) ومن طريقه: أخرجه البيهقي (6/ 29). (¬4) وهو في «الموطأ» (2/ 180) في البيوع، باب الحُكرة والتربص. وإسناد رجاله ثقات، علَّته الخلاف في سماع ابن المسيّب من عمر.

حديث يذكر في كتاب الصلح، فيه الدلالة على جواز أن يشرع الرجل ميزابا إلى الطريق النافذة

حديث يُذكر في كتاب الصُّلح، فيه الدِّلالة على جواز أن يشرع الرَّجل ميزابًا إلى الطريق النافذة (408) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا أسباط بن محمد، ثنا هشام بن سعد، عن عبيد الله بن عباس قال: كان للعباسِ ميزابٌ على طريق عمرَ، فلَبِسَ عمرُ ثيابَه يومَ الجمعةِ، وقد كان ذُبِحَ للعباس فَرْخَانِ، فلمَّا وافَى الميزابَ صُبَّ ماءٌ بدمِ الفَرْخين، فأصاب عمرَ، فأمر عمرُ بِقَلْعِهِ، ثم رجع، وطَرَحَ ثيابَهُ، ولَبِسَ ثيابًا غيرَ ثيابِهِ، ثم جاء، فصلَّى بالناس، فجاءه العباسُ، فقال: والله إنَّه لَلْموضعُ الذي وَضَعَهُ فيه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. فقال عمرُ للعباس: وأنا أَعزِمُ عليك لما صَعَدتَ على ظَهْري حتى تَضَعَهُ في الموضعِ الذي وَضَعَهُ فيه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم (¬2). ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 210 رقم 1790) وفي «فضائل الصحابة» (2/ 920 - 921 رقم 1761) -ومن طريقه: أخرجه الضياء في «المختارة» (8/ 390 - 391 رقم 482) -. وأخرجه -أيضًا- ابن سعد (4/ 20) والرويًاني في «مسنده» (2/ 350 رقم 1332) من طريق أسباط بن محمد، به. قال الهيثمي في «المجمع «(4/ 206): رواه أحمد، ورجاله ثقات، إلا أن هشام بن سعد لم يَسْمع من عبيد الله. وقال ابن أبي حاتم في «العلل» (1/ 465 رقم 1398): سألت أبي عن حديث رواه السَّقَطي، عن أسباط بن محمد، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم. وعن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، عن أبيه (فذكره). قال: قال أبي: هذا خطأ، الناس لا يقولون هكذا. (¬2) زاد في المطبوع: «ففعل ذلك العباسُ رضي الله عنه «.

(409) ورواه أبو داود في «المراسيل» (¬1)، عن أحمد بن عَبدة، عن ¬

(¬1) (ص 293 رقم 406). وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (8/ 292 رقم 15264) عن سفيان، لكن جعله عن موسى بن أبي عيسى أو غيره، قال: نَزَعَ عمرُ بن الخطاب مِيزابًا ... ، فذكره، بنحوه. وله طرق أخرى: منها: ما أخرجه الحاكم (3/ 331) من طريق أبي يحيى الضرير زيد بن الحسن البصري، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جدِّه، عن عمرَ، بمعناه. قال الحاكم: لم نكتبه إلا بهذا الإسناد، والشيخان لم يحتجا بعبد الرحمن بن زيد بن أسلم. قال الشيخ الألباني في «الإرواء» (5/ 258): كيف؟! وهو متروك شديد الضعف، فراجِع ترجمته ونماذج من أحاديثه في المجلد الأول من كتابنا «سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة «مستعينًا على ذلك بفهرسته، ثم إن زيد بن الحسن هذا، قال الذهبي: «حدَّث عن مالك بمناكير، ولا يُدرى من هو؟ «وذَكَر الحافظ في «اللسان» تضعيفه عن الدارقطني، والحاكم أبي أحمد، وأبي سعيد بن يونس. اهـ. ومنها: ما أخرجه ابن سعد (4/ 20) والبيهقي (6/ 66) من طريق عبيد الله بن موسى، عن موسى بن عُبيدة، عن يعقوب بن زيد: أنَّ عمرَ بن الخطاب خَرَج يوم جمعة ... ، فذكره، بنحوه. قال الشيخ الألباني في «الإرواء» (5/ 256): وهذا إسناد ضعيف جدًّا؛ يعقوب بن زيد جُلُّ روايته عن التابعين، ولم يَذكروا له رواية عن أحد من الصحابة سوى أبي أُمَامة بن سهل، وهو صحابي صغير، لم يَسْمع من النبيِّ صلى الله عليه وسلم شيئًا. وموسى بن عُبيدة: متروك. قال الذهبي في «الضعفاء»: ضعَّفوه، وقال أحمد: لا تحل الرواية عنه. اهـ. ومنها: ما أخرجه الحاكم (3/ 332) من طريق شعيب الخراساني، عن عطاء الخراساني، عن سعيد بن المسيب: أنَّ عمرَ ... ، فذكره، بنحوه. قال الشيخ الألباني في «الإرواء» (5/ 257): وهذا إسناد ضعيف؛ شعيب هذا هو ابن رزيق، وهو أبو شيبة الشامي، ذكره ابن حبان في «الثقات «، وقال: يُعتَبَر حديثه من غير روايته عن عطاء الخراساني، وهذه من روايته عنه، فلا يُعتَبَر بها، ولا يُستَشهد. وقال الحافظ في «التقريب»: «صدوق يخطئ». وعطاء الخراساني، هو: ابن أبي مسلم، قال الحافظ: «صدوق، يَهِم كثيرًا، ويرسل، ويدلِّس». ثم هو منقطع، فإن سعيد بن المسيّب لم يُدرك القصة. وقال الحافظ في «التلخيص الحبير» (3/ 45): ورواه البيهقي من أوجه أخر ضعيفة أو منقطعة ... ، وأورده الحاكم في «المستدرك»، وفي إسناده عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهو ضعيف. اهـ. قلت: ولا يخفاك أن هذه الروايات الضعيفة والمنقطعة والمنكرة لا تصلح للتقوية، وهذا خلاف ما ذهب إليه محقِّقو «مسند الإمام أحمد» (3/ 309 - ط مؤسسة الرسالة)، ومحقِّق «فضائل الصحابة» من تحسينهم لهذا الأثر، اعتمادًا على هذه الروايات، كما قد فاتهم ذِكر إعلال أبي حاتم للرواية الأولى، وتضعيف الحافظ ابن حجر.

سفيان، عن أبي هارون المدني قال: كان في دارِ العباسِ ميزابٌ نُصِبَ في المسجدِ، فجاء عمرُ فقَلَعَهُ ... ، الحديث. وهذا الحديث أليق بمسند العباس، وإنما قدَّمناه ههنا لتصديق عمر إيَّاه على ذلك.

أثر في الفلس والحجر على المبذر

أثر في الفَلَس والحَجْر على المبذِّر (410) قال الإمام مالك (¬1): عن عمرَ بن عبد الرحمن بن دِلاَف المُزَني، عن أبيه: أنَّ عمرَ قال: أمَّا بعدُ، أيها الناسُ، فإن الأُسَيفعَ أُسَيفعُ جُهَينةَ، رَضِيَ من دِينِهِ وأمانتِهِ بأن يقال: سَبَقَ الحاجَّ، ألا وإنِّه ادَّان مُعرِضًا، فأصبحَ قد رِينَ به، فمَن كان له دَينٌ فليأْتنا بالغداة، نَقِسمُ مالَهُ بين غُرمائِهِ، ثم وإيَّاكم والدَّينَ، فإنَّ أوَّله هَمٌّ، وآخرَهُ حَرَبٌ (¬2). ورواه أبو عبيد (¬3)، عن أبي النَّضر، عن عبد العزيز بن عبد الله، ¬

(¬1) في «الموطأ» (2/ 319) في الوصية، باب جامع القضاء وكراهيته. (¬2) الحَرَب: كذا ضبطه المؤلِّف بفتح الراء، ومعناه: الخصومة والغضب. انظر: «النهاية» (1/ 359 (¬3) في «غريب الحديث» (4/ 168). وهذا الأثر يَرويه عمر بن عبد الرحمن بن عطية بن دِلاف، وقد اختُلف عليه: فقيل: عنه، عن أبيه، عن عمرَ! وقيل: عنه، عن أبيه، عن جدِّه، عن عمرَ! وقيل: عنه، عن أبيه، عن بلال بن الحارث، عن عمرَ! وقيل: عنه، عن عمرَ! وقيل: عن أيوب، نبِّئت عن عمرَ! أما الوجه الأول: فأخرجه مالك، كما تقدم. وعبد الرزاق، كما في «التلخيص الحبير» (3/ 42) عن ابن عيينة، عن زياد بن سعد. وعمر بن شبَّة في «تاريخ المدينة» (2/ 766 - 767) من طريق عبيد الله بن عمر. ثلاثتهم (مالك، وزياد بن سعد، وعبيد الله) عن عمرَ بن عبد الرحمن بن دِلاف المُزَني، عن أبيه: أنَّ رجلاً من جُهَينة ... ، فذكره. وهذا منقطع، كما قال الحافظ في «التلخيص الحبير» (3/ 40). وأما الوجه الثاني: فأخرجه الدارقطني في «غرائب مالك»، كما في «التلخيص الحبير» (3/ 41) من طريق عبد الرحمن بن مهدي، عن مالك، عن عمرَ بن عبد الرحمن، به. قال الدارقطني: رواه ابن وهب عن مالك، فلم يقل في الإسناد: «عن جدِّه «. وأما الوجه الثالث: فأخرجه ابن أبي شيبة (4/ 537 رقم 22905) في البيوع، باب في رجل يركبه الدَّين، عن ابن إدريس. والبلاذُري في «أنساب الأشراف» (ص 202 - 203) من طريق محمد بن عبيد الطَّنَافِسي. كلاهما (ابن إدريس، والطَّنَافِسي) عن عبيد الله بن عمر، عن عمرَ بن عبد الرحمن بن دِلاف، عن أبيه، عن عمِّ أبيه بلال بن الحارث ... ، فذكره. وقد توبع عبيد الله بن عمر على هذا الوجه، تابَعَه زُهَير بن معاوية، وعَبدة بن سليمان، وأبو حمزة، كما في «علل الدارقطني» (2/ 147)، وخالَفَهم يحيى القطان، فرواه عن عبيد الله بن عمر، عن عمرَ بن عبد الرحمن بن عطية، عن عمِّه، عن بلال بن الحارث. قال البخاري في «التاريخ الكبير» (6/ 172): ولا يُتابَع فيه بلال. وقال الدارقطني في «العلل»: والقول قول زُهَير، ومن تابَعَه عن عبيد الله. وأما الوجه الرابع: فأخرجه أبو عبيد، كما ذكره المؤلِّف. وأما الوجه الخامس: فأخرجه عبد الرزاق، كما في «التلخيص الحبير» (3/ 42) عن معمر، عن أيوب ... ، فذكره. قلت: وعلى الوجه الذي رجَّحه الدارقطني، يكون الأثر ضعيفًا؛ لأن والد عبد الرحمن بن عطية بن دِلاف مجهول الحال، فقد أورده ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (5/ 272 رقم 1292) وابن حبان في «الثقات» (7/ 66) ولم يَذكرا له راويًا سوى بكر بن سوادة، زاد ابن حبان: يروي المراسيل. قال الشيخ الألباني في «الإرواء» (5/ 262): وعلى هذا؛ فالأثر منقطع. قلت: وأما ابنه فثقة، وثَّقه ابن المديني، كما في «سؤالات محمد بن عثمان بن أبي شيبة» (ص 103 رقم 114).

عن (¬1) أبي سَلَمة، عن ابن دِلاف، عن عمرَ، به. ¬

(¬1) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «ابن»، وهو الصواب الموافق لما في كُتُب الرجال. انظر: «تهذيب التهذيب» (6/ 343).

قال: ادَّان مُعرِضًا: أي: استعرَضَ الناسَ، فاستَدَانَ ممَّن أمكنَهُ. وقوله: وقد رِينَ به: أي: وَقَع فيما لا يَستطيعُ الخروجَ منه، ولا قِبَلَ له به. قال أبو عبيد: وهذا مذهب أهل الحجاز، وبه كان يَحكم أبو يوسف، وأما أبو حنيفة، فقال: يُحبس أبدًا، أو يقضي دينَه. أثر آخر (411) قال إسحاق بن راهويه (¬1): أنا الوليد بن مسلم، عن ابن جريج، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه. وعن أبي الزِّناد، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة وغيرهم: أنَّ أبا بكرٍ وعمرَ -رضي الله عنهما- كانا يَستحلفانِ المعسرَ باللهِ ما يَجدُ مالاً يقضيه من عَرْضٍ (¬2) ولا قرضٍ -أو قال: ناضٍّ (¬3) -، ولئن وَجَدتَ من حيثُ لا يعلمُ لَتَقضينَّهُ، ثم يُخلِّيانِ سبيلَهُ. ¬

(¬1) ليس في القسم المطبوع من «مسنده»، ومن طريقه: أخرجه البيهقي (6/ 53). (¬2) العَرْض: المتاع. «المصباح المنير» (ص 329 - مادة عرض). (¬3) النَّاضُّ: الدراهم والدنانير. «القاموس المحيط» (ص 655 - مادة نضض).

أثر يذكر في باب الحجر على اليتيم

أثر يُذكر في باب الحَجْر على اليتيم (412) قال أبو بكر ابن أبي الدُّنيا (¬1): ثنا أبو خيثمة، ثنا وكيع، عن سفيان، وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مُضَرِّب قال: قال عمرُ رضي الله عنه: إنِّي أَنزَلتُ نَفْسي من هذا المال بمنزلةِ والي اليتيمِ، إنْ استَغنَيتُ استَعفَفْتُ، / (ق 157) وإن احتَجتُ استَقرَضتُ، فإذا أَيسَرتُ قَضَيتُ. طريق أخرى (413) قال سعيد بن منصور (¬2): ثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن البراء (¬3) قال: قال لي عمر: إنِّي أَنزَلتُ نَفْسي من مالِ اللهِ بمنزلةِ والي اليتيمِ، إنْ احتَجتُ أَخَذتُ منه، فإذا أَيسَرتُ رَدَدتُه، وإن استَغنَيتُ استَعفَفْتُ. كلٌّ من الإسنادين صحيح (¬4). ¬

(¬1) لم أقف عليه في مظانِّه من مصنَّفاته المطبوعة. وأخرجه -أيضًا- ابن سعد (3/ 276) وابن أبي شيبة (6/ 463 رقم 32904) في السير، باب ما قالوا في عدل الوالي ... ، والطبري في «تفسيره» (4/ 255) وابن المنذر في «تفسيره» (2/ 574 رقم 1394) والبلاذُري في «أنساب الأشراف» (ص 169) من طريق الثوري. وعمر بن شَبَّة في «تاريخ المدينة» (2/ 694) والطبري في «تفسيره» (4/ 255) من طريق إسرائيل. وابن سعد في الموضع السابق، من طريق زكريا بن أبي زائدة. ثلاثتهم (سفيان، وإسرائيل، وزكريا) عن أبي إسحاق، به. (¬2) في «سننه» (4/ 1538 رقم 788 - ط الصميعي). (¬3) قوله: «عن البراء» تحرَّف في المطبوع إلى: «عن اليَرْفَأ»! (¬4) في هذا نظر؛ والذي يظهر أنهما حديث واحد، اختَلَف الرواة فيه على أبي إسحاق السَّبيعي: فرواه عنه أبو الأحوص، عن البراء، عن عمرَ! وخالَفَه الثوري، وزكريا بن أبي زائدة، وإسرائيل -كما تقدَّم- فرووه عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مُضَرِّب، عن عمرَ! وهؤلاء أثبت وأكثر عددًا من أبي الأحوص، وعليه؛ فتكون رواية أبي الأحوص، والحالة هذه شاذة، لا سيما، وأبو الأحوص لا يقارَن بالثوري، ومن تابَعَه. وله طريق أخرى: أخرجها ابن سعد (3/ 276) من طريق زائدة بن قدامة. وابن بَشران في «الأمالي» (1/ 378 رقم 866) من طريق محمد بن فضيل. كلاهما (زائدة، وابن فضيل) عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عمرَ ... ، فذكره. وهذا إسناد صحيح.

أثر في كون الإنبات دليلا على البلوغ

أثر في كون الإنبات دليلاً على البلوغ (414) قال أبو عبيد (¬1): ثنا ابن عُليَّة، عن إسماعيل بن أُميَّة، عن محمد بن يحيى بن حِبَّان، عن عمرَ: أنَّ غلامًا ابتَهَرَ جاريةً في شِعرِهِ، فقال: انظُرُوا إليه، فلم يُوجَد أَنبَتَ، فدَرَأَ عنه الحدَّ. قال أبو عبيد: وبعضهم يَرويه عن عثمان (¬2). ¬

(¬1) في «غريب الحديث» (4/ 186). وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (7/ 338 رقم 13397) و (10/ 177 رقم 18734) والبيهقي (6/ 58) من طريق أيوب بن موسى، عن محمد بن يحيى، به. وهذا منقطع، محمد بن يحيى بن حِبَّان من الطبقة الرابعة، وهؤلاء جُلُّ رواياتهم عن كبار التابعين. (¬2) أخرجه عبد الرزاق (7/ 338 رقم 13398) و (10/ 177 رقم 18735) والبيهقي (6/ 58) من طريق الثوري. وابن أبي شيبة (5/ 477 رقم 28143، 28144) في الحدود، باب في الغلام يسرق أو يأتي الحد، عن شريك ومسروق. وعمر بن شبَّة في «تاريخ المدينة» (3/ 981) والطحاوي (3/ 217) من طريق شعبة. جميعهم (الثوري، وشريك، ومسروق، وشعبة) عن أبي حَصِين، عن عبد الله بن عُبيد بن عُمَير، عن أبيه: أنَّ عثمانَ أُتي بغلامٍ قد سَرَقَ، فقال: انظُروا، اخضَرَّ مِيزَره؟ فإنْ كان قد اخضَرَّ مِيزَره؛ فاقطَعوه، وإنْ لم يكن اخضَرَّ؛ فلا تَقطعوه. وجاء في رواية شعبة عند ابن شبَّة: «عن عبد الله بن عُبيد بن عُمَير، أظنه: عن أبيه»! قلت: وهو على الوجهين لا يصح، أما على رواية الجماعة؛ فلأنهم قالوا: إن عبد الله بن عُبيد بن عُمَير لم يلق أباه، ولم يَسْمع منه، انظر: «معرفة الرجال» لابن معين (1/ 130 رقم 657 - رواية ابن محرز) و «تهذيب الكمال» (19/ 224) و «تهذيب التهذيب» (5/ 308). وأما على رواية شعبة؛ فهو منقطع -أيضًا-؛ لأن عبد الله بن عُبيد بن عُمَير لم يُدرك زمن عثمان، فهو من الطبقة الثالثة، وهي الطبقة الوسطى من التابعين.

قوله: ابتَهَرَ، الابتهارُ: أنْ يَقذِفَهَا بنفسِهِ، فيقولُ: فَعَلتُ بها، كاذبًا، فإنْ كان قد فَعَل فهو الابتئارُ. قال الكُمَيت: قبيحٌ بمثلِي نَعتُ الفتاةِ ... إما ابتِهارًا وإمَّا ابتِئَارا (415) قال أبو عبيد: وهذا شبيه بما حدثنا هشيم، عن عبد الملك بن عُمَير، عن عطية القُرَظي: أنَّ رسولَ الله أَمَرَ بقتلِ مَن أنبت من بني قريظة (¬1). ¬

(¬1) وأخرجه -أيضًا- أحمد (4/ 383) و (5/ 311) والمحاملي في «الأمالي» (ص 196 رقم 177 - رواية ابن البَيِّع) من طريق هشيم، به. ووقع عندهما تصريح هشيم بالتحديث، فانتفت شبهة تدليسه. وقد توبع هشيم على روايته: تابَعَه جماعة، وهم: الثوري، وابن عيينة، وشعبة، وأبو عَوَانة الوضَّاح بن عبد الله اليشكري، وجرير بن عبد الحميد، وداود الطائي. انظر رواياتهم عند أبي داود (5/ 86 رقم 4404، 4405) في الحدود، باب في الغلام يصيب الحد، والترمذي (4/ 123 رقم 1584) في السير، باب في النزول على الحكم، والنسائي (6/ 467 رقم 3430) في الطلاق، باب متى يقع طلاق الصبي، و (8/ 467 رقم 4996) في قطع السارق، باب حد البلوغ ... ، وابن ماجه (2/ 849 رقم 2541) في الحدود، باب من لا يجب عليه الحد، وأحمد (4/ 383) و (5/ 312) وابن الأعرابي في «معجمه» (1/ 220 رقم 392) وابن حبان (11/ 104 رقم 4781، 4782 - الإحسان) والحاكم (2/ 123). والحديث قال عنه الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي، والحافظ في «التلخيص الحبير» (3/ 42).

ثم قال: والذي عليه العمل ما: (416) ثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ قال: عُرِضتُ على رسولِ الله يومَ بدرٍ، وأنا ابنُ ثلاثَ عشرةَ سنةَ؛ فرَدَّني, وعُرِضتُ عليه يومَ الخندقِ، وأنا ابنُ خمسَ عشرةَ؛ فأَجَازَني (¬1). فهذا حدٌّ، إلا أنْ يكونَ احتلامٌ قبلَ ذلكَ. قلت: هكذا روي هذا الحديث، وذِكر يوم بدر فيه غريبٌ جدًّا. ¬

(¬1) ورواه عن عبيد الله بن عمر جمع، فقالوا: «يوم أحد «، وهم: يحيى بن سعيد، وحماد بن أسامة، وعبد الله بن إدريس، وعبدالرحيم بن سليمان، وعبد الوهاب الثَّقَفي، وعبد الله بن نُمَير، وأبو معاوية. انظر روايتهم عند البخاري (5/ 276 رقم 2664) في الشهادات، باب بلوغ الصبيان وشهادتهم، و (7/ 392 رقم 4097 - فتح) في المغازي، باب غزوة الخندق، ومسلم (3/ 1490 رقم 1868) في الإمارة، باب بيان سن البلوغ، وابن ماجه (2/ 850 رقم 2543) في الحدود، باب من لا يجب عليه الحد. وغلَّط الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (3/ 209) قول من زَعَم أنه شهد بدرًا، فقال: هذا خطأ وغلط، ثَبَت أنه قال: عُرِضتُ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يومَ أُحُدٍ، وأنا ابنُ أربعَ عشرةَ سَنَةً، فلم يُجزني.

أثر في الشفعة

أثر في الشُّفعة (417) قال النسائي (¬1): ثنا محمد بن حاتم، عن سُوَيد، عن عبد الله بن المبارك، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن أبي بكر بن حفص، عن شُريح بن الحارث القاضي قال: أَمَرني عمرُ -رضي الله عنه- أنْ أَقضِيَ للجارِ بالشُّفعةِ. إسناد صحيح. ¬

(¬1) في «سننه الكبرى «، كما في «تحفة الأشراف» (8/ 29 رقم 10464)، ولم أقف عليه في المطبوع. وأخرجه -أيضًا- سعيد بن منصور، كما في «المحلى» (9/ 100) ومحمد بن الحسن في «الحجَّة على أهل المدينة «(3/ 74 - 75) من طريق ابن عيينة، به.

أثر في القراض

أثر في القِرَاض (418) قال الإمام مالك في «الموطأ» (¬1): عن زيد بن أسلم، عن أبيه أنَّه قال: خَرَج عبد الله وعبيد الله ابنا عمرَ بن الخطاب في جيش إلى العراق، فلمَّا قَفَلا مَرَّا على أبي موسى الأشعري، وهو أميرُ البصرة، فرَحَّبَ بهما وسَهَّل، وقال: لو قد أقدرُ لكما على أمرٍ أنفعُكُما به لفعلتُ. ثم قال: بلى، ههنا مالٌ من مالِ اللهِ، أريدُ أنْ أبعثَ به إلى أميرِ المؤمنينَ، فأُسلِفُكُماه، فتَبتاعَانِ به من متاعِ العراقِ، ثم تَبيعانِهِ بالمدينة، فتُؤَدِّيانِ رأسَ المالِ إلى أميرِ المؤمنينَ، فيكونُ لكما الرِّبحُ. فقالا: وَدِدْنا. ففعل، وكَتَبَ إلى عمرَ بن الخطاب أنْ يأخذَ منهما المالَ، فلمَّا قَدِمنا على عمرَ (¬2) قال: أَكُلُّ الجيشِ أَسلَفَهُ كما أَسلَفَكُما؟ فقالا: لا. فقال عمرُ: ابني (¬3) أميرِ المؤمنينَ، فأَسْلَفَكُما! أَدِّيا المالَ وربحَهُ. فأما عبد الله، فسَكَتَ، وأما عبيد الله فقال: ما ينبغي لك يا أميرَ المؤمنينَ، لو هَلَكَ المالُ أو نَقَصَ، / (ق 158) لَضَمنَّاهُ. فقال: أَدِّياهُ. فسَكَتَ عبد الله، وراجَعَهُ عبيد الله، فقال رجلٌ من جُلسَاءِ عمرَ: لو جَعَلتَهُ قِرَاضًا. فأخذ عمرُ رأسَ المالِ ونصفَ ربحِهِ، وأخذ عبد الله وعبيد الله نصفَ ربحِ ذلكَ المالِ. وهكذا رواه الإمام الشافعي (¬4)، عن مالك، وقال: مَرَّا على عاملٍ لعمرَ. ¬

(¬1) (2/ 221) في القِراض، باب ما جاء في القِراض. (¬2) قوله: «فلما قَدِمنا على عمر» كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «فلما دَفَعا ذلك إلى عمر». (¬3) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «ابنا». (¬4) في «الأم» (4/ 33 - 34).

ورواه الدارقطني (¬1) من وجه آخر، عن عبد الله بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جدِّه، به. وهو أصل كبير، اعتمد عليه الأئمَّة في هذا الباب، مع ما يعضده من الآثار. ¬

(¬1) في «سننه» (3/ 63).

حديث في المزارعة

حديث في المزارعة (419) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا يعقوب، ثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني نافع مولى عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر قال: خَرَجتُ أنا والزُّبير والمِقداد بن الأسود إلى أموالنا بخيبرَ نَتَعاهدُها، فلمَّا قَدِمْناها تَفَرَّقنا في أموالنا، قال: فعُدِيَ عليَّ تحتَ الليلِ، وأنا نائمٌ على فراشي، ففُدِعَتْ (¬2) يَدَاي من مِرْفَقَيَّ، فلمَّا أصبحتُ استُصْرِخَ عليَّ صاحِبَيَّ، فأتياني، فسألاني عمَّن صَنَعَ هذا بك؟ قلتُ: لا أدري. قال: فأصلَحَا من يَدَيَّ، ثم قَدِموا بي على عمرَ، فقال: هذا عملُ يهودَ، ثم قام في الناس خطيبًا، فقال: أيُّها الناسُ، إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان عامَلَ يهودَ خيبرَ على أنَّا نُخرجُهم إذا شئنا، وقد عَدَوا على عبد الله بن عمر، ففَدَعُوا يديه، كما علمتُم، مع عَدوَتهم على الأنصاريِّ قبلَهُ، لا نشكُّ أنَّهم أصحابُهُ، ليس لنا هناك عدوٌّ غيرُهم، فمَن كان له مالٌ / (ق 159) بخيبرَ؛ فلْيَلحَقْ به، فإنِّي مُخرجُ يهودَ. فأَخرَجَهم. هذا إسناد جيد قويّ؛ لأن ابن إسحاق قد صرَّح بالتحديث فيه. ورواه أبو داود (¬3)، عن أحمد، ببعضه. وقد رواه علي ابن المديني، عن يعقوب بن إبراهيم الزهري، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق، به. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 15 رقم 90). (¬2) لفَدَع: بالتحريك: زَيع بين القدم وعظم السَّاق، وكذلك في اليد، وهو أن تزول المفاصل عن أماكنها. «النهاية» (3/ 420). (¬3) في «سننه» (3/ 473 رقم 3007) في الخراج والإمارة، باب ما جاء في حكم أرض خيبر.

ثم قال: هذا إسناد مدني صالح، ولم نُصبه مسندًا إلا من هذا الطريق، وقد رواه غير واحد عن نافع، ولم يرفعه أحدٌ منهم إلى عمرَ بن الخطاب إلا محمد بن إسحاق. قلت: وقد رواه البخاري (¬1) من طريق أخرى عن عمرَ مرفوعًا، فقال: (420) حدثنا أبو أحمد، ثنا محمد بن يحيى أبو غسَّان، أنا مالك، عن نافع، عن ابن عمرَ قال: لمَّا فَدَعَ أهلُ خبيرَ عبد الله بن عمر، قام عمرُ خطيبًا، فقال: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان عامَلَ يهودَ خيبرَ على أموالهم، وقال: «نُقِرُّكُم ما أَقرَّكُمُ اللهُ». وإنَّ عبد الله بنَ عمرَ خَرَج إلى مالِهِ هناك، فعُدِيَ عليه من الليل، ففُدِعَتْ يداه ورجلاه، وليس لنا هناك عدوٌّ غيرَهم، هم عَدُوُّنا وتُهمَتُنا، وقد رأيتُ إجلاءَهم، فلمَّا أَجمَعَ عمرُ -رضي الله عنه- على ذلك، أتاه أحدُ بني أبي الحُقَيْق، فقال: يا أميرَ المؤمنين، أتُخرِجُنا، وقد أَقَرَّنا محمدٌ، وعامَلَنا على الأموال، وشَرَطَ لنا ذلك؟! فقال عمرُ: أَظَنَنتَ أنِّي نسيتُ قولَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: «كيف بك إذا أُخرِجتَ من خيبرَ تَعدُو بك قَلُوصُكَ (¬2) ليلةً بعدَ ليلةٍ». فقال: كانت هذه هُزَيلَةً من أبي القاسم. / (ق 160) قال عمرُ رضي الله عنه: كَذَبتَ، يا عدوَّ الله. فأجلاهم عمرُ، وأعطاهم قيمةَ ما كان لهم من الثَّمر مالاً، وإبلاً، وعُرُوضًا من أقتابٍ (¬3) وحبالٍ، وغير ذلك. ¬

(¬1) في «صحيحه» (5/ 327 رقم 2730 - فتح) في الشروط، باب إذا اشترط في المزارعة. (¬2) القَلُوص: الناقة الشابَّة. «النهاية» (4/ 100). (¬3) الأقتاب: جمع قَتَب، وهو الإكاف الصغير على قدر سنام البعير. «القاموس المحيط» (ص 122 - مادة قتب).

ثم قال: ورواه حماد بن سَلَمة عن عبيد الله قال: أَحسَبُهُ عن نافع، عن ابن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم (¬1) اختَصَرَهُ، قال: أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم أهلُ خيبرَ فقاتَلَهم حتى ألجأَهم إلى قَصرِهِم ... ، الحديث، بطوله (¬2). ¬

(¬1) قوله: «عن ابن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم» كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «عن ابن عمرَ، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم». (¬2) تنبيه: جاء بحاشية الأصل تقييد بخط الحافظ ابن حجر مطموس بعضه، وهذا نصه: ليس في رواية البخاري السياق المذكور، بل ذلك مقابل قوله اختصره. كما جاء بحاشية الأصل تقييد آخر هذا نصُّه: بلغ الشيخ شمس الدِّين قراءة بأمِّ الصالح في رابع عشر ذي القعدة سنة 758. كَتَبه ابن كثير.

حديث في الإجارة

حديث في الإجارة (421) قال أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن منده رحمه الله: ثنا أبو الحسن محمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي خراسان، أنا أحمد بن عبَّاد بن تميم، ثنا حامد بن آدم، ثنا أبو غانم يونس بن نافع، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَعطُوا الأَجيرَ أجرَهُ ما دامَ رَشْحُهُ». هذا إسناد غريب، وقد اختاره الحافظ الضياء في كتابه (¬1) من هذا الوجه. ¬

(¬1) «المختارة» (1/ 182 - 183 رقم 90). وقال الشيخ الألباني في «الإرواء» (5/ 321): حامد بن آدم: كذَّاب، كما قال ابن معين وغيره، وعدَّه أحمد بن علي السُّليماني فيمن اشتهر بوضع الحديث ... ، والعجب من الضياء، كيف شان كتابه بإيراد حديثه فيه؟! قلت: وقد اختُلف فيه على زيد بن أسلم: فقيل: عن يونس بن نافع، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ! وقيل: عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن ابن عمرَ مرفوعًا! وقيل: عن عاصم بن سليمان العَبدي، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يَسَار، عن أبي هريرة مرفوعًا! وقيل: عن عثمان بن عثمان القرشي، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يَسَار مرسلاً! أما الوجه الأول: فقد ذكره المؤلِّف. وأما الوجه الثاني: فأخرجه ابن ماجه (2/ 817 رقم 2443) في الرهون، باب أجر الأجراء، وابن بَشران في «الأمالي» (1/ 228 رقم 1400) والقضاعي في «مسند الشهاب» (1/ 433 رقم 744) والخطيب في «تلخيص المتشابه» (1/ 532) ولفظه: «أَعطوا الأجيرَ أجرَهُ قبل أنْ يجفَّ عرقُهُ». وإسناده ضعيف؛ لضعف عبد الرحمن بن زيد بن أسلم. =

قال: ويونس بن نافع هذا: روى عنه ابن المبارك، ومعاذ بن أسد، وأبو تُمَيْلة، وغيرهم. ¬

_ = وأما الوجه الثالث: فأخرجه ابن عدي (5/ 238 - ترجمة عاصم بن سليمان العَبدي) ولفظه: «أعطوا الأجير حقه قبل أن يجفَّ عرقُهُ». وعاصم هذا: عامَّة رواياته مناكير، كما قال ابن عدي. وأما الوجه الرابع: فأخرجه ابن عدي -أيضًا- (5/ 173 - ترجمة عثمان بن عثمان القرشي) وابن زَنْجويه في «الأموال» (3/ 1126 رقم 2091) من طريق عثمان بن عثمان، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يَسَار قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَعطوا الأجيرَ أجرَهُ قبلَ أنْ يجفَّ عرقُهُ». هكذا مرسلاً! وعثمان هذا: وثَّقه ابن معين، وقال أحمد: رجل صالح خيِّر من الثقات. وقال أبو زرعة: لا بأس به. وقال ابن عدي: لم أر في حديثه منكرًا، ومقدار ما ذكرته هو يُروى [من] حديث غيره. وقال عنه البخاري: مضطَّرب الحديث. وقال النسائي: ليس بالقويِّ. وقال أبو حاتم: هو شيخ، يُكتب حديثه. انظر: «تهذيب الكمال» (19/ 438) و «الجرح والتعديل» (6/ 159 رقم 879). وقال الحافظ في «التقريب»: صدوق ربما وَهِمَ. قلت: وهذا الوجه المرسل -على ضعفه- هو أصح الوجوه، وما سواه فمنكر، لا يعتدُّ به. وفي الباب عن أبي هريرة رضي الله عنه: وله طريقان: الطريق الأولى: أخرجها أبو يعلى (12/ 34 رقم 6682) وابن عدي (4/ 179 - ترجمة عبد الله بن جعفر المديني) وتمام في «فوائده» (2/ 315 رقم 703 - الروض البسام) والبيهقي (6/ 121) من طريق عبد الله بن جعفر المديني، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَعطوا الأجيرَ أجرَهُ قبلَ أنْ يجفَّ عرقُهُ». قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (4/ 97): رواه أبو يعلى، وفيه عبد الله بن جعفر بن نَجيح والد علي ابن المديني، وهو ضعيف. وقد توبع عبد الله بن جعفر على روايته: فأخرجه تمام في «فوائده» (2/ 316 رقم =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = 704 - الروض البسَّام) وأبو نعيم في «الحلية» (7/ 142) من طريق عبد العزيز بن أبان، عن الثوري، عن سهيل بن أبي صالح، به. قال أبو نعيم: غريب من حديث الثوري وسهيل، لم نكتبه إلا من هذا الوجه. قلت: وعبد العزيز بن أبان: متروك، كذَّبه ابن معين. كما في «التقريب». الطريق الثانية: أخرجها الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (8/ 13 رقم 3014) وابن عدي (6/ 230 - ترجمة محمد بن عمار) وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» (1/ 221) والبيهقي (6/ 121) من طريق محمد بن عمَّار المؤذِّن، عن المَقْبري، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَعطوا الأجيرَ أجرَهُ من قبلِ أن يجفَّ عرقُهُ». قال الزيلعي في «نصب الراية» (4/ 130): قال ابن طاهر: والحديث يُعرَف بابن عمَّار هذا، وليس بالمحفوظ. وتعقَّبه الشيخ الألباني، فقال في «الإرواء» (5/ 322): وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، فإن محمد بن عمَّار المؤذِّن، قال ابن المديني: ثقة. وقال أحمد: ما أرى به بأسًا. وقال ابن معين وأبو حاتم: لم يكن به بأس. وذكره ابن حبان في «الثقات» ولم يضعِّفه أحد، فلا أدري بعد هذا، ما وجه قول ابن طاهر الذي نقله الزيلعي؟! فإن مثل هذا القول: «ليس بالمحفوظ «، إنما يقال في حديث تفرَّد به ضعيف، أو خالَفَه فيه الثقات، وليس في هذا الحديث شيء من ذلك، والله أعلم. اهـ. قلت: أو يتفرد عن إمام مشهور بما لا يُتابَع عليه، ولسعيد المَقْبري أصحاب اعتنوا بحديثه، كالليث بن سعد، وابن أبي ذِئب، وعبيد الله بن عمر، فأين كان هؤلاء عن حديث يتفرد به عنهم محمد بن عمار هذا؟! فصح ما قاله ابن طاهر، والله أعلم. قلت: ويغني عن هذا كله ما أخرجه البخاري في «صحيحه» (4/ 417، 447 رقم 2227، 2270 - فتح) في البيوع، باب إثم من باع حُرًّا، وفي الإجارة، باب إثم من منع أجر الأجير، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى: ثلاثةٌ أنا خَصمُهُم يومَ القيامةِ: رجلٌ أَعطى بي ثم غَدَر، ورجلٌ باع حُرًّا فأكل ثمنَهُ، ورجلٌ استأجَرَ أجيرًا فاستَوفى منه ولم يُعطِهِ أجرَهُ».

أثر في ضمان البساتين

أثر في ضمان البساتين (¬1) (422) قال حرب بن إسماعيل الكِرْماني: ثنا سعيد بن منصور، ثنا عبَّاد بن عبَّاد المهلَّبي، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أنَّ أُسَيد بن حُضَير تُوفي وعليه ستةُ آلافِ درهمٍ دَينًا، فدعا عمرُ بن الخطاب غُرَماءَه، فقَبَّلَهم (¬2) أَرضَه سنين، وفيها النَّخلُ والشَّجرُ. هذا إسناد جيد، وإن كان فيه انقطاع (¬3). ¬

(¬1) تنبيه: جاء في هذا الموضع بالأصل قبل هذا الأثر حديث تحت عنوان: «حديث يُذكر في باب المسابقة «، إلا أن المؤلِّف كَتَب بجواره: «يؤخَّر إلى التفسير «، فحوَّلته إلى هناك، وسيأتي برقم (806). (¬2) ضبطها المؤلِّف بتشديد الباء، والذي وجدته في بعض كتب اللغة بتخفيف الباء. انظر: «لسان العرب» (11/ 24) و «القاموس المحيط» (ص 1045 - مادة قبل). (¬3) وله طرق أخرى: منها: ما أخرجه ابن سعد (3/ 606) عن خالد بن مَخلد البَجَلي، عن عبد الله بن عمر العُمَري، عن نافع، عن ابن عمرَ -رضي الله عنهما- قال: هَلَكَ أُسيد بن حُضَير وترك عليه أربعةَ آلافِ درهمٍ دَينًا، وكان مالُهُ يُغِلُّ كلَّ عامٍ ألفًا، فأرادوا بيعَهُ، فبلغ ذلك عمرَ بن الخطاب، فبعث إلى غُرمائِهِ، فقال: هل لكم أن تَقبضوا كلَّ عامٍ ألفًا فتَستوفوه في أربعِ سنينَ؟ قالوا: نعم، يا أميرَ المؤمنين. فأخَّروا ذلك، فكانوا يَقبضون كلَّ عامٍ ألفًا. وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف العُمَري. ومنها: ما أخرجه البخاري في «التاريخ الصغير» (1/ 401 رقم 141 - ط دار الرشد) عن عبد الله بن صالح، حدثني يحيى بن عبد الله بن سالم: أنَّ عبيد الله بن عمر حدَّثه عن نافع، عن ابن عمرَ: أنَّ أُسيد بن حُضير حين هَلَك، قال عمرُ لغُرمائه. هكذا مختصرًا لم يسق لفظه. وفي إسناده: عبد الله بن صالح، وهو صدوق كثير الغلط، لكنه يتقوى بالطريق التي قبله، ويصح الأثر. ومنها: ما أخرجه ابن سعد (3/ 606) عن معن بن عيسى، عن مالك، عن يزيد بن قسيط، عن محمود بن لبيد: أنَّ أُسيد بن حُضير هَلَكَ وتَرَك دينًا، فكلَّم عمرُ غرماءَهُ أنْ يُؤخِّروه. وهذا إسناد صحيح. ومنها: ما أخرجه أبو نعيم في «معرفة الصحابة» (1/ 258 رقم 116) عن إبراهيم بن عبد الله، ثنا محمد بن إسحاق، ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا بِشر بن المُفضَّل، عن محمد بن المنكدر قال: مات أُسيد بن حُضير فأُبسِلَ مالُهُ بدَينِهِ، فبلغ عمرَ بن الخطاب، فردَّه، فباعَهُ ثلاثَ سنينَ متوالياتٍ، فقَضَى دينَهُ. وهذا منقطع.

ومعنى قبَّلهم: أي: ضمَّنهم. وقد ذهب إلى مقتضاه بعض العلماء، ونصره ابن عقيل وغيره من متأخري أصحاب الأصحاب (¬1) الإمام أحمد رحمه الله. ¬

(¬1) كذا ورد بالأصل.

أثر يذكر في إحياء الموات وتملك المباحات

/ (ق 161) أثر يُذكر في إحياء الموات وتملُّك المباحات (423) قال حنبل بن إسحاق (¬1): ثنا داود بن شَبيب، ثنا حماد بن سَلَمة، عن ثابت: أنَّ أبا سفيان ابتنى دارًا بمكةَ، فأتى أهلُ مكةَ عمرَ، فقالوا: إنَّه قد ضيَّق علينا الوادي، وسيَّل علينا الماءَ. قال: فأتاه عمرُ، فقال: خُذْ هذا الحَجَرَ فَضَعْهُ ثمَّةَ، وخُذْ هذا الحَجَرَ فَضَعْهُ ثمَّةَ، ثم قال عمرُ: الحمدُ لله الذي أَذَّل أبا سفيانَ لأَبطحَ مكةَ. فيه انقطاع. طريق أخرى (424) / (ق 162) قال الهيثم بن عدي: أنا محمد بن عمرو، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن أبيه قال: قَدِمنا مكةَ مع عمرَ، فأَقبَلَ أهلُ مكةَ يَسعون: يا أميرَ المؤمنين، يا أميرَ المؤمنين، أبو سفيان حَبَسَ سيلَ الماءِ علينا لِيَهدمَ منازلَنا! فأَقبَلَ عمرُ ومعه الدِّرَّة، فإذا أبو سفيان قد نَصَبَ أحجارًا، فقال: ارفَعْ هذا. فرَفَعَهُ، وهذا. فَرَفَعَهُ، ثم قال: وهذا، وهذا. حتى رَفَعَ أحجارًا خمسةَ أو ستةَ، ثم استَقبَلَ عمرُ الكعبةَ فقال: الحمدُ لله الذي جعل عمرَ بن الخطاب يأمُرُ أبا سفيانَ ببطنِ مكةَ فيُطيعُهُ (¬2). ¬

(¬1) ومن طريقه: أخرجه ابن عساكر في «تاريخه» (23/ 469). وأخرجه -أيضًا- عمر بن شبَّة في «تاريخ المدينة» (2/ 686) من طريق سليمان بن المغيرة، عن ثابت، به، بمعناه. (¬2) وهذا إسناد حسن، محمد بن عمرو، وهو: ابن علقمة، صدوق حسن الحديث، وباقي رجاله ثقات.

حديث في ذلك (425) قال أبو داود (¬1): ثنا القَعْنبي، عن الدَّرَاوَردي، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يَسَار، عن أبي سعيد: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إيَّاكم والجلوسَ في الطُّرُقاتِ». قالوا: يا رسولَ الله، ما بُدٌّ لنا من مجالسنا، فقال: «إن أَبيتم؛ فأعطُوا الطريقَ حقَّه». قالوا: وما حقُّ الطريقِ يا رسولَ الله؟ قال: «غَضُّ البَصَرِ، وكَفُّ الأذى، ورَدُّ السَّلامِ، والأمرُ بالمعروفِ، والنهيُّ عن المنكرِ». (426) قال أبو داود (¬2): وثنا الحسن بن عيسى النَّيسابوري، أنا ابن المبارك، أنا جرير بن حازم، عن إسحاق بن سُوَيد، عن ابن حُجَير العدوي قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في هذه القصَّة، قال: «وتُغيثوا الملهوفَ (¬3)، وتَهدوا الضالَّ». وأخرجه البزَّار في «مسنده» (¬4) من حديث ابن المبارك، به. إسناده عن عمرَ جيد، انفرد / (ق 163) به أبو داود، واختاره الضياء في كتابه (¬5). وأما عن أبي سعيد؛ ففي «الصحيح» (¬6)، ¬

(¬1) في «سننه» (5/ 281 رقم 4815) في الأدب، باب في الجلوس في الطرقات. (¬2) (4817) في الموضع السابق. (¬3) الملهوف: المكروب. «النهاية» (4/ 282). (¬4) (1/ 472 رقم 338). (¬5) «المختارة» (1/ 429 رقم 308). (¬6) أخرجه البخاري (5/ 113 رقم 2465) في المظالم، باب أفنية الدور والجلوس فيها ... ، و (11/ 8 رقم 6229 - فتح) في الاستئذان، باب قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ}، ومسلم (3/ 1675 رقم 2121) في اللباس والزينة، باب النهي عن الجلوس في الطرقات ...

كما سيأتي (¬1) في مسنده إن شاء الله تعالى. وقد طَعَنَ علي ابن المديني في حديث عمرَ هذا، وقال: هذا عندنا وَهْم، فقد حدَّثناه وهب بن جرير، سَمِعتُ أبي يحدِّث عن إسحاق بن سُوَيد، عن يحيى بن يَعمَر: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِيَّاكم والجلوسَ على ظَهْرِ الطريقِ». ثم قال: ووهب أعلم بحديث أبيه من غيره، وعنده كتب أبيه. ثم رواه علي، عن المعتمر بن سليمان، وعبد الوهاب الثَّقَفي، عن إسحاق بن سُوَيد، عن يحيى بن يَعمر، مرسلاً. قال: وما أظنُّ الوَهْم أتى إلا من جرير (¬2). (427) ثم قال: ثنا عبد الوهاب الثَّقَفي، ثنا إسحاق بن سُوَيد، ثنا حجير بن الرَّبيع قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يقول: إيَّاكم والمزوَّجاتِ. قالوا: يا أميرَ المؤمنين، وما المزوَّجات؟ قال: المرأة تَخرجُ في أحسنِ زينتِها ... ، فذَكَر حديثًا لا أسوقه. كذا قال رحمه الله. أثر آخر (428) قال أبو القاسم البغوي: ثنا نعيم بن الهيصم، ثنا أبو عَوَانة، ¬

(¬1) يعني: في كتابه: «جامع المسانيد والسُّنن»، وقد راجعت المطبوع منه، فلم أجده فيه، والمطبوع منه ناقص. (¬2) وقال الدارقطني في «العلل» (2/ 250): هو حديث رواه عبد الله بن المبارك، عن جرير بن حازم، عن إسحاق بن سُوَيد، عن ابن حُجَير العدوي، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم! وغيره يَرويه عن إسحاق بن سُوَيد، عن يحيى بن يَعمر مرسلاً، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو أشبه بالصواب.

عن يونس، عن سعيد بن جُبَير: أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- قال: كُلْ من الحائطِ، ولا تتَّخذْ خُبْنَةً (¬1). ¬

(¬1) وهذا منقطع. لكن له طرق أخرى صحيحة: منها: ما أخرجه البيهقي (9/ 359) عن أبي بكر محمد بن إبراهيم الأردستاني، عن أبي نصر أحمد بن عمرو العراقي، عن سفيان بن محمد الجوهري، عن علي بن الحسن، عن عبد الله بن الوليد، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، عن أبي عياض: أنَّ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: مَن مَرَّ منكم بحائطٍ فليأكلْ في بطنِهِ، ولا يتَّخذْ خُبنةً. ومنها: ما أخرجه عبد الرزاق (5/ 168 رقم 9268) عن معمر. وابن أبي شيبة (4/ 481 رقم 22294) في البيوع، باب القوم يمرون بالإبل، والبيهقي (9/ 359) من طريق أبي معاوية. كلاهما (معمر، وأبو معاوية) عن الأعمش، عن زيد بن وهب قال: قال عمرُ رضي الله عنه: إذا كنتم ثلاثةً فأمِّروا عليكم واحدًا منكم، فإذا مررتم براعي الإبل، فنادوا: يا راعِيَ الإبلِ، فإنْ أجابكم فاستَسقوه، وإن لم يجبكم فأتوها، فحُلُّوها، واشربوا، ثم صُرُّوها. قال البيهقي: هذا عن عمرَ -رضي الله عنه- صحيح بإسناديه جميعًا، وهو عندنا محمول على حال الضرورة، والله أعلم. قلت: والخُبنة: معطف الإزار وطرف الثوب: أي لا يأخذ منه في ثوبه. «النهاية» (2/ 9).

أثر في جواز الحمى للإمام

أثر في جواز الحمى للإمام (429) قال البخاري (¬1): ثنا إسماعيل، ثنا مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه: أنَّ عمرَ استَعمَلَ مولىً له يُدعَى هُنيًّا على الحِمَى، قال: يا هُنيُّ، اضْمُمْ جَنَاحَكَ عن المسلمينَ (¬2)، واتَّقِ دعوةَ المسكينَ (¬3)، فإنَّ دعوةَ المظلومِ مستجابةٌ، وأَدخِلْ ربَّ الصُّريْمَةِ، وربَّ الغُنيمة (¬4)، وإيَّاي ونَعَمَ ابنِ عفانَ وابنِ عوفٍ، فإنهما إنْ تَهلِكْ ماشيتُهُما يرجعانِ إلى زرعٍ ونخلٍ، وإنَّ ربَّ الصُّريْمَة، وربَّ الغُنيمة إنْ تَهلِكْ ماشيتُهُما يأتيني بِبَنِيهِ (¬5)، فيقول: يا أميرَ المؤمنين؟ يا أميرَ المؤمنين؟ أَفَتَارِكُهُم أنا لا أَبَا لكَ، فالماءُ والكَلَأُ أَيسَرُ عليَّ من الذَّهبِ والوَرِقِ، إنهم لَيَرَون أنِّي قد ظلمتُهُم، إنها لَبِلادُهُم، قاتَلُوا عليها في الجاهلية، وأَسلَمُوا عليها في الإسلامِ، والذي نفسي بيدِهِ، لولا المالُ الذي أَحمِلُ ¬

(¬1) في «صحيحه» (6/ 175 رقم 3059 - فتح) في الجهاد، باب إذا أسلم قوم في دار الحرب ... (¬2) أي: اكفُف يدك عن ظلمهم. «الفتح» (6/ 176). (¬3) كذا ورد بالأصل، و «إرشاد الساري» (5/ 174). وجاء في أصل النسخة اليونينية: «المظلوم «. وفي بعض فروعها: «المسلمين «. انظر: «صحيح البخاري» (4/ 71 - ط دار طوق النجاة). (¬4) ربُّ الصُّريمة، وربُّ الغُنيمة: أي صاحب القطعة القليلة من الإبل والغنم. «النهاية» (3/ 27). (¬5) كذا ورد بالأصل، والنسخة اليونينية لـ «صحيح البخاري» (4/ 71) و «إرشاد الساري» (5/ 174). وجاء في نسخة الحافظ التي شرح عليها «الصحيح» (6/ 177): «بِبَيتِهِ «، ثم قال: كذا للأكثر بمثناة قبلها تحتانية ساكنة، بلفظ مفرد البيت، والكشميهني بنون قبل التحتانية، بلفظ جمع البنين، والمعنى متقارب.

عليه في سبيلِ اللهِ (¬1) ما حَمَيْتُ عليهم في بلادِهِم شِبْرًا. وقد رواه الحافظ أبو بكر البزَّار (¬2)، عن محمد بن عثمان الثَّقَفي، عن أميَّة بن خالد، عن هشام بن سعد، / (ق 164) عن زيد بن أسلم، به. (430) وقد روى البخاري (¬3)، وأبو داود (¬4)، والنسائي (¬5) من حديث الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن الصَّعب بن جثَّامة: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا حِمَى إلا للهِ ولرسولِه». (431) قال الزهري (¬6): وبَلَغنا أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حَمَى النَّقيعَ (¬7)، وأنَّ ¬

(¬1) قال الحافظ في «الفتح» (6/ 177): أي: من الإبل التي كان يحمل عليها مَن لا يجد ما يركب. (¬2) في «مسنده» (1/ 395 رقم 272). (¬3) في «صحيحه» (5/ 44 رقم 2370) في المساقاة، باب لا حمى إلا لله ولرسوله، و (6/ 146 رقم 3012 - فتح) في الجهاد، باب أهل الدار يبيتون ... (¬4) في «سننه» (3/ 514 رقم 3083، 3084) في الخراج والإمارة، باب في الأرض يحميها الإمام أو الرجل. (¬5) في «سننه الكبرى» (3/ 408 رقم 5775). (¬6) علَّقه البخاري (5/ 44 - فتح) في المساقاة، باب لا حمى إلا لله ولرسوله. ووَصَله أبو داود (3/ 515 رقم 3084) والطحاوي (3/ 269) والحاكم (2/ 61) من طريق سعيد بن منصور، عن عبد العزيز بن محمد، عن عبد الرحمن بن الحارث، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن الصَّعب بن جثَّامة: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم حَمَى النَّقيع، وقال: لا حِمَى إلا للهِ. قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وقال الحافظ في «الفتح» (5/ 45): وقد روى ابن أبي شيبة [5/ 6 رقم 23183] بإسناد صحيح عن نافع، عن ابن عمرَ: أنَّ عمرَ حَمَى الرَّبَذةَ لِنَعَمِ الصَّدقةِ. (¬7) النقيع: موضع قريب من المدينة. «النهاية» (5/ 108).

عمرَ حَمَى السَّرَفَ (¬1) والرَّبَذةَ (¬2). أثر آخر (432) قال القاسم بن الفضل الحُدَّاني (¬3)، عن محمد بن زياد قال: كان جدِّي مولىً لبني مظعون، قال: ربما أتاني عمرُ نصفَ النهارِ واضعًا ثوبَه على رأسِهِ يَتَعاهدُ الحِمَى، ألا يُعضَدَ شَجَرُهُ، فيَجلسُ إليَّ يحدِّثني، فأُطعِمُهُ من القِثَّاء والبَقل، فقال: أراك لا تَبرحُ ههنا؟ قلت: أَجَل. قال: إنِّي أَستَعملُكَ على ما ههنا، فمَن رأيتَ يَعضِدُ شَجَرًا أو يَخبِطُ فخُذْ فأسَهُ وحبلَهُ. قلت: آخذ رداءَه؟ قال: لا. أثر آخر (433) قال أبو عبيد (¬4): ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن عمرَ. وحدثنا هشيم، عن أبي بِشر، عن مجاهد، عن عمرَ: إذا مَرَّ أحدُكُم بحائطٍ؛ فلْيَأْكُلْ منه، ولا يَتَّخِذْ ثِبَانًا -وقال الآخر-: خُبْنَةً. ¬

(¬1) كذا ورد بالأصل، والنسخة اليونينية لـ «صحيح البخاري» (3/ 113) و «إرشاد الساري» (4/ 206). وجاء في بعض فروع اليونينية: «الشَّرَف». وانظر: «الفتح» (5/ 45). (¬2) الرَّبذة: قرية معروفة قرب المدينة، بها قبر أبي ذرٍّ الغفاري رضي الله عنه. «النهاية» (2/ 183). (¬3) ومن طريقه: أخرجه أبو القاسم البغوي في «الجعديات» (2/ 1168 رقم 3508) والبلاذُري في «فتوح البلدان» (1/ 7 رقم 22). وهذا إسناد رجاله ثقات، إلا أني لم أجد من نصَّ على سماع محمد بن زياد، وهو: القرشي الجمحي، من جدِّه. (¬4) في «غريب الحديث» (4/ 159). وهذا مرسل، مجاهد لم يَسْمع من عمر، وقد تقدَّمت له طريق أخرى صحيحة برقم (429).

قال أبو عمرو: الثِّبَان: هو الوِعَاءُ الذي تَحمِلُ فيه الشيءَ بين يديك، والخُبْنَة: ما تَحمِلُهُ في حِضْنِكَ. أثر آخر (434) قال أبو عبيد (¬1): ثنا حجَّاج، عن شعبة، عن محمد بن عبيد الله الثَّقَفي، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: أنَّ نَفَرًا من الأنصار مَرُّوا بحيٍّ من العرب، فسألوهم القِرَى، فأَبَوا، فسألوهم الشِّرى، فأَبَوا، فَضَبطوهم، فأصابوا منهم، فأتوا عمرَ، فذَكَروا ذلك له، فهَمَّ بالأعرابِ، وقال: ابنُ السَّبيلِ أحقُّ بالماءِ من التانئ (¬2) عليه. إسناد ... (¬3). ¬

(¬1) في «غريب الحديث» (4/ 161) وفي «الأموال» (ص 273 رقم 738). وأخرجه -أيضًا- عمر بن شبَّة في «تاريخ المدينة» (2/ 777) من طريق شعبة، به. (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «التَّأنِّي». والتانئ عليه: هو المقيم المستوطن، والمعنى: أنَّ ابنَ السبيل إذا مرَّ برَكِيَّة عليها قومٌ يسقون منها نَعَمَهم، وهم مقيمون عليها، فابنُ السبيل مارًّا أحقُّ بالماءِ منهم، يُبدَّا به، فيُسقى وظَهرُه، لأنه سائرٌ، وهم مقيمون، ولا يفوتهم السَّقي، ولا يُعجِلُهم السَّفرَ والمسيرُ. انظر: «إتحاف السالك برواة الموطأ عن مالك» لابن ناصر الدين (ص 143) و «لسان العرب» (2/ 56 - مادة تنأ). (¬3) في هذا الموضع كلمة مطموس بعضها، ويشبه أن تكون: «حسن» أو: «جيد»، وكيفما كان، فالإسناد منقطع؛ لأن ابن أبي ليلى لم يَسْمع من عمر، كما تقدم عند الحديث رقم (147، 255). وله طريق أخرى: أخرجها يحيى بن آدم في «الخراج» (ص 99 رقم 320) -ومن طريقه: البيهقي (10/ 4) - والدارقطني في «أخبار من حدَّث ونسي»، كما في «إتحاف السالك برواة الموطأ عن مالك» لابن ناصر الدين (ص 143) من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، عن أبيه، عن جدِّه، عن عمرَ ... ، فذكره. وهذا إسناد ضعيف؛ كثير هذا تَرَكه النسائي، والدارقطني، ورَمَاه الشافعي، وأبو داود بالكذب، وقال أحمد: منكر الحديث. وقال ابن عدي: عامة ما يَرويه لا يُتابَع عليه. وقال ابن حبان: روى عن أبيه عن جدِّه نسخة موضوعة لا يحلُّ ذكرها في الكتب ولا الرواية عنه إلا على وجه التعجب. انظر: «الجرح والتعديل» (7/ 154 رقم 858) و «تهذيب الكمال» (24/ 136).

حديث في اللقطة

حديث في اللُّقَطة (435) قال النسائي (¬1): ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنا عيسى بن يونس، ثنا الوليد بن كثير -قال عيسى: وكان ثقةً في الحديث- عن عمرو بن شعيب، عن عاصم، وعمر (¬2) ابني سفيان بن عبد الله: أنَّ سفيان بن عبد الله وَجَدَ عَيبَةً، فأتى بها عمرَ بن الخطاب، قال: عَرِّفْها سَنَةً، فإنْ عُرِفَتْ فذاك، وإلا فهي لك (¬3). فلَقِيَهُ من العامِ المُقبِلِ في الموسمِ، فذَكَرها له، فقال: هي لكَ، إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم / (ق 165) أَمَرَنا بذلك. قال: لا حاجةَ لي بها. فقَبَضهَا عمرُ، وجَعَلهَا في بيتِ المالِ. إسناد جيد. وكذا وقع في رواية النسائي: «عن عاصم وعمر ابني سفيان»، والصواب: «وعمرو». والله أعلم. ¬

(¬1) في «سننه الكبرى» (5/ 348 رقم 5788 - ط مؤسسة الرسالة). (¬2) كذا ورد بالأصل. و «تحفة الأشراف» (8/ 26 رقم 10456). وفي المطبوع: «عمرو»، وهو الصواب، كما سينبِّه المؤلِّف، وهو الموافق لرواية ابن الأحمر، كما ذَكَر ذلك الحافظ في «النكت الظِّرَاف». (¬3) زاد في المطبوع: «فلم تُعرَفْ».

أثر آخر فيها (436) قال القاسم بن أبي شيبة: ثنا حفص بن غياث، عن السَّيباني (¬1)، عن أبي عَون الثَّقَفي، عن السَّائب بن الأقرع: أنَّه كان جالسًا في إيوانِ كسرى، فنَظَر إلى تمثالٍ يُشيرُ بإصبعِهِ إلى موضعٍ، قال: فوَقَعَ في رُوْعي (¬2) أنَّه يُشيرُ إلى كنزٍ، فاحتَفَرتُ الموضعَ، فأَخرَجتُ كنزًا عظيمًا، فكَتَبتُ إلى عمرَ -رضي الله عنه- أُخبِرُهُ، فكَتَب إليَّ عمرُ: إنك أميرٌ من أمراءِ المسلمينَ فاقْسِمْهُ بين المسلمينَ (¬3). إسناد جيد أيضًا. ¬

(¬1) كذا ورد بالأصل. وفي مصادر التخريج الآتية: «الشيباني»، وهو الموافق لما في كُتُب الرجال. (¬2) الرُّوع: بالضمِّ: القلب، أو موضع الفزع منه، أو سواده. «القاموس المحيط» (ص 724 - مادة روع). (¬3) وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (7/ 12 رقم 33757) في التاريخ، باب في أمر القادسية وجلولاء، وأبو الشيخ في «طبقات المحدِّثين بأصبهان» (1/ 303) وأبو نعيم في «أخبار أَصبهان» (1/ 342) والخطيب في «تاريخه» (1/ 202) وابن الجوزي في «المنتظم» (4/ 211) من طريق حفص بن غياث، به.

أثر في اللقيط

أثر في اللَّقيط (437) قال الإمام مالك -رحمه الله- في «الموطأ» (¬1) عن الزهري: أنَّه سَمِعَ سُنَينًا أبا جَميلة يقول: وَجَدتُ مَنْبُوذًا على عهد عمرَ، فذَكَره عَرِيفي (¬2) لعمرَ، فأَرسَلَ إليَّ، فدَعَاني والعَرِيفُ عنده، فلمَّا رآني قال: «عَسَى الغُوَيرُ أَبْؤُسًا». قال عَرِيفي: إنَّه لا يُتَّهم. فقال عمرُ: ما حَمَلَكَ على أَخْذِ هذه النَّسَمَةِ؟ قال: قلتُ: وَجَدتُ نَفسًا بِمَضْيَعَةٍ فأَحبَبتُ أنْ يأجُرَنِي اللهُ فيها. قال: هو حُرٌّ، وولاؤه لك، وعلينا رَضَاعُهُ. ورواه الشافعي (¬3)، عن مالك، كذلك. وكذا رواه سفيان بن عيينة (¬4)، عن الزهري، عن سُنَين، بمثله. وذَكَره البخاري في / (ق 166) كتاب الشهادات من «صحيحه» (¬5) معلَّقًا بصيغة الجزم، فقال: وقال أبو جَميلة: وَجَدتُ مَنْبُوذًا، فلمَّا رآني عمرُ قال: «عَسَى الغُوَيرُ أَبْؤُسًا». كأنَّه يَتَّهِمُني، فقال عَرِيفي: إنَّه رجلٌ صالحٌ. قال: كذلك؟ اذهب، وعلينا نَفَقَتُهُ. وقد رواه الإمام أبو عبيد في «الغريب» (¬6)، عن يزيد بن هارون، عن ¬

(¬1) (2/ 282) في الأقضية، باب القضاء في المنبوذ. (¬2) العريف: هو القيِّمُ بأمورِ القبيلةِ أو الجماعةِ من الناسِ يلي أمورَهم، ويتعرَّف الأميرُ منه أحوالهَم. «لسان العرب» (9/ 154 - مادة عرف). (¬3) في «الأم» (4/ 71). (¬4) ومن طريقه: أخرجه عبد الرزاق (7/ 450 رقم 13839) وابن سعد (5/ 63) وابن أبي شيبة (6/ 298 رقم 31560) في الفرائض، باب اللقيط لمن ولاؤه، والبيهقي (10/ 298). (¬5) (5/ 274 - فتح) باب إذا زكَّى رجل رجلاً كَفَاه. (¬6) (4/ 218). وإسناده صحيح، كما قال الحافظ في «تغليق التعليق» (3/ 391) والشيخ الألباني في «الإرواء» (6/ 23).

محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن سُنَينٍ أبي جميلة، عن عمرَ، بنحوه. قال الأصمعي: الأَبْؤُسُ: جمع البأس، وأصل هذا: أنَّه كان غارٌ فيه ناسٌ فانْهَارَ عليهم، أو قال: فأتاهم فيه عدوٌّ لهم فقتلوهم، فصار مثلاً لكلِّ شيء يُخافُ أن يأتِيَ منه شرٌّ، ثم صُغِّر الغارُ، فقيل: غُوَيرٌ. وحكى أبو عبيد عن ابن الكلبي: أنَّ الغُويرَ ماءٌ لبني كلب بناحية (¬1)، وأنَّ أوَّل مَن تكلَّم بهذا المثل الزَّبَّاءُ حين وَجَّهتْ قَصِيرًا في تلك التجارة، فرجع وقد حَمَلَ الرِّجالَ في الصناديق، وقيل: في الغَرَائِرِ، ليأخذَ بثأر جَذِيمَةَ الأَبْرَشِ منها، وسلك في رجوعه إليها غير الطريق المنهج على الغُوَير، فلمَّا بَلَغ الزَّبَّاءَ رجوعُهُ على تلك الطريق التي هي خلاف العادة، قالت: «عَسَى الغُوَيرُ أَبْؤُسًا»، وكان الأمرُ كما ظنَّت. قال أبو عبيد: وهذا القول أشبه عندي صوابًا من الأوَّل، وإنما أراد عمرُ بهذا المثل أنْ يقولَ للرَّجل: لعلَّكَ أنت صاحبُ هذا المنبوذ، حتى أثنى عليه عَرِيفُهُ. قال: وجَعَله ولاءً له بسبب أنَّه أنقذه من الموت، أو أنْ يلتقطه أحدٌ فيدَّعي رقبته. قال: وهذا حُكْمٌ تَرَكه الناس، وصاروا إلى جَعْلِ ولائِهِ للمسلمين وجَرِيرَتِهِ عليهم. قال: ونَصَبَ أَبْؤُسًا بفعلٍ مُضمَر أو بحذف الجار، تقديره: عَسَى الغُوَير أن يُحدِثَ أَبْؤُسًا، أو يأتِيَ بأَبْؤُسٍ. ¬

(¬1) زاد في المطبوع: «السِّمَاوة».

قال الكُمَيت: قالوا: أساءَ بنو كُرزٍ فقلتُ لهم ... عَسَى الغُوَيرُ بإِبآسٍ وإغْوار

حديث في الوقف

حديث في الوقف (438) قال الحافظ أبو يعلى (¬1): ثنا عبيد الله، ثنا يزيد بن زُرَيع وسُليم جميعًا قالا: ثنا ابن عَون، عن نافع، عن ابن عمرَ قال: أصاب عمرُ أرضًا بخيبر، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فاسْتَأْمَرَهُ فيها، فقال: يا رسولَ الله، إنِّي أَصبتُ أرضًا بخيبرَ، لم أُصِبْ مالاً قطُّ هو أَنفَسُ عندي منه، فما تَرَى؟ قال: «إنْ شئتَ حَبَّستَ أَصلَهَا وتَصَدَّقتَ بها». قال: فتَصَدَّق بها عمرُ: لا يُباعُ أصلُها، ولا يُوهَبُ. فتَصَدَّق بها عمرُ في الفقراءِ، والقُربَى، وفي الرِّقابِ، وفي سبيلِ الله، وابنِ السَّبيلِ، وفي الضَّيفِ، لا جُنَاحَ على مَن وَلِيَهَا أنْ يأكُلَ بالمعروفِ، ويُطعِمَ صديقًا غيرَ مُتَمَوِّلٍ فيه. قال ابن عَون: فذَكَرت هذا لمحمد، فقال: غيرَ مُتَأَثِّلٍ مالاً. هكذا رواه أبو يعلى في مسند عمر. وهكذا رواه مسلم (¬2)، والنسائي (¬3) من حديث عبد الله بن عَون، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ قال: أَصَبتُ أرضًا من أرضِ خيبرَ ... ، وذَكَره. وهو في «الصحيحين» من حديث ابن عمر (¬4)، كما سيأتي (¬5) في مسنده، إن شاء الله تعالى. ¬

(¬1) لم أجده في المطبوع من «مسنده»، وهو من رواية ابن حمدان، فلعلَّه في مسنده الكبير. (¬2) في «صحيحه» (3/ 1255 رقم 1632) في الوصية، باب الوقف. (¬3) في «سننه» (6/ 540، 541 رقم 3599، 3601) في الإحباس، باب يكتب الحبس؟ (¬4) أخرجه البخاري (5/ 354 رقم 2737 - فتح) في الشروط، باب الشروط في الوقف، ومسلم (3/ 1255 رقم 1632) في الموضع السابق. (¬5) يعني: في كتابه «جامع المسانيد والسُّنن»، ولم أجده في القسم الذي أخرجه قلعجي.

صورة كتاب وقف عمر رضي الله عنه

/ (ق 167) صورة كتاب وقف عمر رضي الله عنه (439) قال أبو داود (¬1): ثنا سليمان بن داود المَهْري، أنا ابن وهب، أخبرني الليث، عن يحيى بن سعيد، عن صَدَقة عمرَ بن الخطاب قال: نَسَخَها لي عبد الله بن عبد الحميد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب (¬2): بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما كَتَبَ عبد الله عمرُ في ثَمْغٍ ... ، وقصَّ من خَبَرِهِ نحوَ حديث نافع، قال: غيرَ مُتَأَثّلٍ (¬3) مالاً، فما عَفَا عنه من ثَمَرِهِ فهو للسَّائلِ والمحرومِ ... ، وساق القصَّة: وإنْ شاءَ وَلِيُّ ثَمْغٍ (¬4) اشتَرَى من ثَمَرِهِ رَقِيقًا يَعمَلُهُ (¬5)، وكَتَبَ مُعَيقيب، وشَهِدَ عبد الله بن الأرقم. بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ماأَوصَى به عبد الله عمرُ أميرُ المؤمنين: إنْ حَدَث بي حَدَثٌ أنَّ ثَمغًا، وصِرْمَةَ ابنِ الأَكوع، والعبدَ الذي فيه، والمائةَ السَّهم الذي (¬6) بخيبرَ، وَرَقِيقَهُ الذي فيه، والمائةَ التي أَطعَمَهُ محمدٌ صلى الله عليه وسلم بالوادِ، تَلِيَهُ حفصةُ ما عاشت، ثم يَلِيَهُ ذو الرأي من أهلِهَا: ألا يُباعَ، ولا يُشتَرَى، فَيَضَعُهُ (¬7) حيثُ رأى من السَّائلِ والمحرومِ ¬

(¬1) في «سننه» (3/ 400 رقم 2879) في الوصايا، باب في الرجل يوقِف الوقف. وصحَّح إسناده ابن الملقن في «البدر المنير» (7/ 292). (¬2) قوله: «عبد الله بن عبد الحميد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب» كذا ورد بالأصل. والذي في مطبوع «السُّنن»، و «تحفة الأشراف» (8/ 80 رقم 10589): «عبد الحميد بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب». (¬3) قال الخطابي: أي: غير متخذ منه أصل مال. «معالم السنن» (4/ 86). (¬4) ثمغ: هي أرض تلقاء المدينة كانت لعمر. «معجم ما استعجم» للبكري (1/ 346). (¬5) كذا ورد بالأصل. والذي في المطبوع: «لعمله». (¬6) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «والمائة سهم التي». (¬7) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «ينفقه».

وذي القُربَى، ولا حَرَجَ على وَلِيِّهِ (¬1) إنْ أَكَلَ، أو آكَلَ، أو اشتَرَى له رَقِيقًا منه. ¬

(¬1) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «من وَلِيَهُ».

حديث في الهبة

حديث في الهبة (440) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا عبد الرحمن، عن مالك (¬2)، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- / (ق 168) قال: حَمَلتُ على فرسٍ في سبيل الله، فأَضاعَهُ صاحبُهُ، فأَردتُ أنْ أَبتاعَه، وظننتُ أنَّه بائِعُهُ برُخْصٍ، فقلت: حتى أسألَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: «لا تَبتَعْهُ، وإنْ أَعطاكَهُ بدرهمٍ، فإنَّ الذي يَعودُ في صَدَقتِهِ كالكلبِ يَعودُ في قَيْئِهِ». ثم رواه أحمد (¬3)، عن سفيان، عن زيد بن أسلم، بنحوه. ورواه -أيضًا- (¬4)، عن وكيع، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه (¬5) قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «الذي يعودُ في صدقتِهِ كمَثَلِ الذي يعودُ في قَيئِهِ». فذَكَره، مرسلاً. وقد رواه البخاري (¬6)، ومسلم (¬7)، والنسائي (¬8) من طرق عن مالك، كما تقدَّم. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 40 رقم 281). (¬2) وهو في «الموطأ» (1/ 378) في الزكاة، باب اشتراء الصدقة والعود فيها. (¬3) (1/ 25 رقم 166). (¬4) (1/ 37 رقم 258). (¬5) ضبَّب عليه المؤلِّف، إشارة إلى إرساله، لكن جاء موصولاً بذكر عمر في مطبوع «المسند» و «إطراف المُسنِد المُعتَلِي» (5/ 17 رقم 6528) و «إتحاف المهرة» (12/ 90 رقم 15141). وكذا أخرجه ابن ماجه -كما سيأتي-، وأبو يعلى (1/ 195 رقم 225). (¬6) في «صحيحه» (3/ 353 رقم 1490) في الزكاة، باب هل يشتري صدقته؟ و (5/ 235 رقم 2623) في الهبة، باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته، و (6/ 139 رقم 3003 - فتح) في الجهاد، باب إذا حمل على فرس فرآها تباع. (¬7) في «صحيحه» (3/ 1239 رقم 1620) في الفرائض، باب الهبات. (¬8) في «سننه» (5/ 114 رقم 2614) في الزكاة، باب شراء الصدقة.

ورواه البخاري -أيضًا- (¬1)، عن الحميدي (¬2)، عن سفيان قال: سَمِعتُ مالك بن أنس يسأل زيد بن أسلم ... ، فذَكَره. وكذا رواه مسلم (¬3)، عن ابن أبي عمر، عن سفيان، به. وعن أميَّة بن خالد، عن يزيد بن زُرَيع، عن رَوْح بن القاسم، عن زيد بن أسلم، به. ورواه ابن ماجه (¬4)، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن وكيع، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ، ببعضه. حديث آخر (441) قال أبو القاسم الطَّبراني (¬5): ثنا أحمد بن محمد بن صدقة، ثنا أبو الحطاب (¬6) زياد بن يحيى، ثنا مؤمَّل بن إسماعيل، ثنا شعبة، عن عاصم الأَحول، عن أبي عثمان النَّهدي، عن عمرَ بن الخطاب قال: أعطيتُ ناقةً في سبيلِ الله، فأَردتُ أنْ أشترِيَ من نَسْلِهَا -أو قال: من / (ق 169) ضِئْضِئها (¬7) - فسألتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: «دَعْها حتى تَجِيءَ يومَ القيامةِ هي وأولادُها في ميزانِكَ». ثم قال الطَّبراني: لم يروه عن شعبة إلا مؤمَّل. قلت: وهذا إسناد جيد (¬8)، وليس في شيء من الكتب السِّتة. ¬

(¬1) (6/ 123 رقم 2970 - فتح) في الجهاد، باب الجعائل والحُملان في السبيل. (¬2) وهو في «مسنده» (1/ 9 رقم 15). (¬3) (3/ 1239 رقم 1620) (2) في الموضع السابق. (¬4) في «سننه» (2/ 799 رقم 2390) في الصدقات، باب الرجوع في الصدقة. (¬5) في «معجمه الأوسط» (2/ 70 رقم 1281). (¬6) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «الخطاب». (¬7) الضِّئْضِئ: النَّسْل والعَقِب. انظر: «النهاية» (3/ 69). (¬8) وله علَّة، فقد تفرَّد به مؤمَّل بن إسماعيل عن شعبة دون بقية أصحابه المتقنين، وهو صدوق سيِّئ الحفظ، قال عنه البخاري: منكر الحديث. وقال أبو حاتم: صدوق كثير الخطإ. وقال محمد بن نصر المروزي: المؤمَّل إذا انفرَدَ وَجَب أن يُتوقَّف ويُتثبت فيه، لأنَّه كان سيِّئ الحفظ، كثير الغلط. انظر: «تهذيب التهذيب» (10/ 381).

وقد اختاره الحافظ الضياء في كتابه من هذا الوجه (¬1). أثر (442) قال سعيد بن منصور (¬2): ثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن سالم، عن أبيه، عن عمرَ قال: الرَّجلُ أَحقُّ بِهِبَتِهِ ما لم يُثَبْ منها. هذا إسناد صحيح. وقد رواه ابن ماجه (¬3) من حديث إبراهيم بن إسماعيل بن مجمِّع بن جارية -وهو ضعيف-، عن عمرو بن دينار، عن أبي هريرة، مرفوعًا. قال البخاري (¬4): والأوَّل هو الصحيح. طريق أخرى (443) قال ابن وهب (¬5): سَمِعتُ حنظلة، سَمِعتُ سالمًا، عن أبيه، عن عمرَ قال: مَن وَهَبَ هِبَةً فهو أحقُّ بها ما لم يُثَبْ منها. وهذا -أيضًا- صحيح. وقد رواه عبيد الله بن موسى، عن حنظلة، عن سالم، عن أبيه، مرفوعًا (¬6). ¬

(¬1) «المختارة» (1/ 345 رقم 237). (¬2) ومن طريقه: أخرجه البيهقي (6/ 181). (¬3) في «سننه» (2/ 798 رقم 2387) في الهبات، باب من وهب هبة رجاء ثوابها. (¬4) في «التاريخ الكبير» (1/ 271). (¬5) ومن طريقه: أخرجه البيهقي (6/ 181). (¬6) ومن هذا الوجه: أخرجه الحاكم (2/ 52) والدارقطني في «سننه» (3/ 43) وفي «العلل» (2/ 58).

قال البيهقي: والأوَّل هو المحفوظ (¬1). ثم رواه من وجه آخر عن عمرَ، قولَه. ¬

(¬1) وقال الدارقطني في «العلل» (2/ 57 رقم 108): يَرويه حنظلة بن أبي سفيان وعمرو بن دينار، عن سالم، عن ابن عمرَ، عن عمرَ، قولَه. واختُلف عن حنظلة، فحدَّث به علي بن سهل بن المغيرة -وكان ثقة- عن عبيد الله بن موسى، عن حنظلة، عن سالم، عن أبيه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ووَهِمَ فيه. وإنما هو عن ابن عمرَ، عن عمرَ. ورواه نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ، قولَه. وقال في «سننه «: لا يثبت هذا مرفوعًا، والصواب: عن ابن عمرَ، عن عمرَ، موقوفًا.

حديث في الوصية

حديث في الوصية (444) قال الحافظ أبو يعلى (¬1): ثنا زُهَير، ثنا يونس بن محمد، ثنا عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ (¬2)، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «ما حقُّ امرئٍ مسلمٍ أنْ يَبِيتَ ليلتين سَودَاوَينِ وعنده ما يُوصِي فيه إلا وَوَصِيَتُهُ مكتوبةٌ». غريب من هذا الوجه، والعُمَري له أوهام، فإنَّ هذا الحديث في «الصحيحين» (¬3) عن عبد الله بن عمر نفسه، كما سيأتي (¬4) في مسنده. ¬

(¬1) لم أجده في المطبوع من «مسنده»، وهو من رواية ابن حمدان، وأورده الهيثمي في «المقصد العلي» (2/ 313 رقم 709 - رواية ابن المقرئ). (¬2) قوله: «عن عمر «ساقط من مطبوع «المقصد العلي». (¬3) أخرجه البخاري (5/ 355 رقم 2738 - فتح) في الوصايا، باب الوصايا ... ، ومسلم (3/ 1249 رقم 1627) في الوصية. (¬4) يعني: في كتابه «جامع المسانيد والسُّنن»، ولم أجده في القسم الذي أخرجه قلعجي.

أثر في صحة وصية المميز من الصبيان

أثر في صحة وصية المميِّز من الصبيان (445) قال الإمام مالك في «موطئه» (¬1): ...... (¬2) عن عمرو بن سُليم الزُّرقي: أنَّه قيل لعمرَ: إنَّ ههنا غلامًا يَفاعًا (¬3) لم يَحتَلِم من غسَّانَ ¬

(¬1) (2/ 310) في الوصية، باب جواز وصية الصغير والضعيف. وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (9/ 77، 78 رقم 16409 - 16411) وسعيد بن منصور (1/ 127 رقم 431) والبيهقي (6/ 282) من طريق أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، به. وجاء عند عبد الرزاق: أنَّ عمرو بن سُليم الغَسَّاني! ... وقد أَعلَّ هذا الخبرَ البيهقيُّ، فقال: والخبر منقطع، فعمرو بن سُليم الزُّرقي لم يُدرك عمرَ -رضي الله عنه-، إلا أنه ذكر في الخبر انتسابه إلى صاحب القصة. وتعقَّبه ابن التركماني في «الجوهر النقي»، فقال: قلت: في «الثقات» لابن حبان [5/ 167]: قيل: إنه كان يوم قُتل عمر بن الخطاب قد جاوز الحُلُم. وقال أبو نصر الكلاباذي [الجمع بين رجال الصحيحين 1/ 365]: قال الواقدي: كان قد راهق الاحتلام يوم مات عمر. انتهى كلامه، وظهر بهذا أنه ممكن لقاؤه لعمر، فتُحمل روايته عنه على الاتصال على مذهب الجمهور. انتهى كلام ابن التركماني. وانظر «شرح مشكل الآثار» (2/ 137) لتقف على ما يثبت لقاء عمرو بن سُليم الزُّرقي لعمر. وممَّن صحَّح هذا الأثر الشيخ الألباني في «إرواء الغليل» (6/ 82) ونقل تعقُّب ابن التركماني على البيهقي، ثم قال: وكأنه لهذا قال الحافظ في «الفتح» [5/ 356]: وهو قوي، فإن رجاله ثقات، وله شاهد. قلت [أي: الألباني]: وجاء في «الدراية» (2/ 291) للحافظ ابن حجر استدراك آخر على البيهقي، فبعد أن ذكر إعلاله للخبر بالانقطاع تعقَّبه بأن عمرو بن سُليم ليس هو الزُّرَقي، وإنما هو الغسَّاني، واعتمد الحافظ في ذلك على ما ورد عند عبد الرزاق من تسميته بالغسَّاني، فقال: فظهر بهذا أن عمرو بن سُليم ليس هو الزُّرقي. اهـ. (¬2) في هذا الموضع بياض بالأصل. وفي «الموطأ»: «عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم، عن أبيه». (¬3) الغلام اليَفَاع: الذي شارف الاحتلام ولم يَحتلم. «النهاية» (5/ 299).

وَوَرَثَتُهُ (¬1) بالشَّام وهو ذو مال، وليس له ههنا إلا ابنةُ عمٍّ له، فقال عمرُ: فلْيُوصِ لها. فأَوصَى لها بمالٍ يقال له: بئر جُشَم. قال عمرو بن سُليم: فَبِيعَ ذلك المالُ بثلاثين ألفًا، وابنةُ عمِّهِ التي أَوصَى لها هي أم عمرو بن سُليم. وأما وصاة عمر بتلك الأمور التي ذَكَرها بعد ما طُعِنَ، فسيأتي إيرادها في مقتله -رضي الله عنه-، وهو في آخر سيرته (¬2). وقد استدلَّ العلماء بذلك على صحة وصية مَن لا يعيش مثله. ¬

(¬1) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «وَوَارِثُهُ». (¬2) يعني كتابه: «سيرة عمر وأيامه».

حديث في العتق

/ (ق 172) حديث في العتق (¬1) (446) قال أبو عبيد (¬2): ثنا ابن أبي عدي، ويزيد، عن سليمان التَّيمي، عن أبي عثمان النَّهدي، عن عمرَ -رضي الله عنه- قال: السَّائبةُ (¬3) والصَّدقةُ ليومِهِما. قال أبو عبيد: معناه: مَن أَعتَقَ سائبةً أو تَصَدَّق بشيءٍ، فهُما ليومِهِما إلى يومِ القيامةِ، لا يَرجِعُ إلى شيءٍ من الانتفاع بهما في الدُّنيا. قال: فإذا مات مَن أَعتَقَهُ سائبةً فرجع إليه مالُهُ بالإرث الشَّرعي فالأولى التورعُ عنه، فإنْ أَخَذَهُ فَلْيَصْرِفْهُ في مثله، وكذلك فَعَلَ ابنُ عمر (¬4)، وليس بمُحرَّمٍ عليه أَكلُهُ، والله أعلم. ¬

(¬1) هذا النص وما بعده إلى: «حديث في الولاء» الآتي برقم (388) تأخَّر ترتيبه في الأصل إلى ما بعد «حديث في الولاء» إلا أن المصنَّف كَتَب في حاشية الأصل: «يقدَّم»، وجاء عند «حديث في الولاء» وكان موضعه هنا، فكَتَب: «يؤخَّر»، وبناء على ذلك قدَّمت ما تأخَّر، وأخَّرت ما تقدَّم. (¬2) في «غريب الحديث» (4/ 262). وأخرجه -أيضًا- الثوري في «الفرائض» (ص 45 رقم 63) وعبد الرزاق (9/ 27 رقم 16229) وابن أبي شيبة (4/ 362 رقم 21007) في البيوع، باب الرجل يتصدق بالصدقة ... ، و (6/ 285 رقم 31420) في الفرائض، باب في الرجل يعتق الرجل سائبة ... ، وأحمد في «مسائله» (3/ 1198 رقم 1653 - رواية عبد الله) والدارمي (4/ 202 رقم 3161) في الفرائض، باب ميراث السائبة، والبيهقي (10/ 301) من طريق سليمان التَّيمي، به. وإسناده صحيح. (¬3) عتق السائبة: هو أن يقول الرجل لعبده: قد أعتقتك سائبة، كأنه يجعله لله، لا يكون ولاؤه لمولاه، قد جعله لله وسلَّمه. انظر: «المغني» لابن قدامة (9/ 221). (¬4) أخرجه عبد الرزاق (9/ 28 رقم 16231) وابن أبي شيبة (6/ 285 رقم 31421) والبيهقي (10/ 302) من طريق سليمان التَّيمي، عن بكر بن عبد الله المُزَني: أنَّ ابن عمر أُتي بمال مولىً كان له، فقال: إنما كنَّا أعتقناه سائبة، فأمر أن يُشتَرى به رقاب، فيُلحقونها به. أي: يُعتقونها. وهذا إسناد صحيح.

أثر آخر (447) قال أبو صالح (¬1): ثنا الليث، عن عمرَ بن عيسى المديني (الأسلمي) (¬2)، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباسٍ قال: جاءت جاريةٌ إلى عمرَ، وقالت: إنَّ سيدي اتَّهَمَني فأَقعَدَني على النَّار حتى أَحرَقَ فَرْجي. فقال: هل رأى ذلك عليكِ؟ قالت: لا. قال: أَفَاعتَرَفتِ له بشيءٍ؟ قالت: لا. قال: عليَّ به. فلمَّا رأى الرَّجلَ قال: أَتعذِّبُ بعذابِ اللهِ؟! قال: يا أميرَ المؤمنين، اتَّهمتُها في نفسِها. قال: رأيتَ ذلك عليها؟ قال: لا. قال: فَاعْتَرَفتْ؟ قال: لا. قال: والذي نفسي بيده، لو لم أَسمعْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يُقادُ مملوكٌ من مالكِهِ، ولا ولدٌ من والدِهِ»؛ لأَقَدتُها منكَ. فبَرَزَهُ (¬3)، فضَرَبَهُ مائةَ سوطٍ، ثم قال: اذهبي فأنتِ حُرَّةٌ، وأنتِ مولاةٌ للهِ ورسولِهِ، سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: / (ق 173) «مَن حُرِّقَ بالنَّارِ، أو مُثِّلَ به؛ فهو حُرٌّ، وهو مولىً للهِ ورسولِهِ». قال اللَّيث: هذا أمر معمول به. ¬

(¬1) ومن طريقه: أخرجه ابن أبي عاصم في «الدِّيات» (ص 111) والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (13/ 361 رقم 5329) وابن شاهين في «ناسخ الحديث ومنسوخه» (ص 426 رقم 563) والحاكم (2/ 215) و (4/ 368) والبيهقي (8/ 36) وابن عبد الباقي في «مشيخته» (2/ 809 رقم 279). (¬2) في الأصل: «الأسدي»، لكن ضبَّب عليه المؤلِّف، وكَتَب فوقها: «الأسلمي»، وكَتَب فوقها: «صح»، وهو الموافق لما في كُتُب الرجال، ومصادر التخريج. (¬3) أي: أظهره وأخرجه. انظر: «النهاية» (1/ 117).

هكذا رواه الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في «مسند عمر»، وهو إسناد حسن، إلا أنَّ البخاريَّ (¬1) قال في عمر بن عيسى هذا: هو منكر الحديث. وكذلك قال ابن عدي (¬2). وقال العقيلي (¬3): حديثه غير محفوظ. وقال ابن حبان (¬4): يروي الموضوعات، فالله أعلم. والحديث فيه دلالة ظاهرة -لو صح- لمذهب مالك وغيره من السَّلف في أن مَن مثَّل بعبده يُعتَقُ عليه، حتى عدَّاه بعضُهم إلى من لاَطَ بمملوكه أو زَنَى بأَمَة غيره أنها تُعتَقُ عليه. وفيه أيضًا: أنَّه لا ولاءَ له عليه والحالةُ هذه، لقوله: «وهو مولىً للهِ ورسولِهِ». وقد نصَّ الإمام اللَّيث بن سعد على قبول هذا الحديث، وأنَّه معمولٌ به عندهم. وأما قول قتادة، عن عمرَ أنَّه قال: مَن مَلَك ذا رَحِمٍ مَحْرَمٍ (¬5) فهو حُرٌّ؛ فرواه أبو جعفر الطَّحاوي (¬6) من حديث الأسود، عن عمرَ، فقال: ... (¬7). ¬

(¬1) في «التاريخ الكبير» (6/ 182 رقم 2108). (¬2) في «الكامل» (5/ 58). (¬3) في «الضعفاء الكبير» (3/ 181). (¬4) في «المجروحين» (2/ 87). (¬5) الرَّحِم المًحْرَم: هم الأقارب. «النهاية» (2/ 210). (¬6) في «شرح معاني الآثار» (3/ 110) وفي «شرح مشكل الآثار» (13/ 445، 446). (¬7) في هذا الموضع بياض بالأصل. وأخرجه -أيضًا- النسائي في «الكبرى» (3/ 174 رقم 4910) والبيهقي (10/ 290) من طريق أبي عاصم الضَّحَّاك بن مَخلد، عن أبي عَوَانة (الوضَّاح بن عبد الله اليشكري) عن الحكم بن عُتيبة، عن إبراهيم النَّخعي، عن الأسود، عن عمرَ -رضي الله عنه- قولَه. وقد توبع أبو عاصم على روايته، تابَعَه أبو الوليد الطيالسي، وروايته عند النسائي في «الكبرى» (4911) والطحاوي في «شرح المشكل» (13/ 446) والبيهقي (10/ 290). وقد خولف أبو عاصم وأبو الوليد في روايتهما، خالَفَهما ابن مهدي، فرواه عن أبي عَوَانة، عن الحكم، عن عمرَ. ليس فيه: النَّخَعي، ولا الأسود! والوجه الأوَّل أثبت؛ لاتفاق اثنين من الثقات على روايته، لا سيَّما وقد ذكر أبو الوليد الطيالسي في روايته أنه اطَّلع على كتاب أبي عَوَانة، فوجده هكذا، كما رواه عنه. وهناك وجه آخر من الاختلاف: فأخرجه أبو داود (4/ 358 رقم 3946) في العتق، باب فيمن ملك ذا رحم محرم، والنسائي في «الكبرى» (4903) و (4906) والبيهقي (10/ 289) من طريق سعيد بن أبي عَروبة، عن قتادة، عن عمرَ. وهذا منقطع، وبه أعلَّه المنذري في «مختصر سنن أبي داود» (5/ 409) فقال: وقتادة لم يَسْمع من عمر، فإنَّ مولده بعد وفاة عمر بنيِّف وثلاثين سنة.

وسيأتي (¬1) في مسند سَمُرة من رواية قتادة، عن الحسن، عن سَمُرة (¬2). ¬

(¬1) انظر: «جامع المسانيد والسُّنن» (3/ 658 رقم 4747). (¬2) يَرويه قتادة، واختُلف عليه: فقيل: عنه، عن الحسن، عن سَمُرة وقيل: عنه، عن الحسن، قولَه! أما الوجه الأول: فأخرجه أبو داود (3/ 358 رقم 3945) في الموضع السابق، والترمذي (3/ 646 رقم 1365) في الأحكام، باب ما جاء فيمن ملك ذا رحم محرم، والنسائي في «الكبرى» (4898 - 4901) وأحمد (5/ 15، 18، 20) والبيهقي (10/ 289) من طريق حماد بن سَلَمة، عن قتادة، عن الحسن، عن سَمُرة مرفوعًا: «من ملكَ ذا رَحِم فهو حرٌّ». وقد رواه عن حماد جماعة، وهم: بَهْز بن أسد، والطيالسي، وحجَّاج بن المنهال، وابن المبارك، ومسلم بن إبراهيم، وعبد الله بن معاوية، ويزيد بن هارون، وعارِم، وأبو كامل الجحدري، وأسد بن موسى، وإبراهيم بن الحجَّاج، وعبيد الله بن عائشة، وسريج بن النعمان، وموسى بن إسماعيل، إلا أنه شك في رفعه. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وخالَفَهم محمد بن بكر البُرساني، فرواه عن حماد، عن قتادة وعاصم الأَحول، عن الحسن، عن سَمُرة ... ، فذكره! ومن هذا الوجه: أخرجه الترمذي (3/ 647) والنسائي في «الكبرى» (4902) وابن ماجه (2/ 843 رقم 2524). وقد أَعلَّ هذه الطريق الإمامُ الترمذي، فقال عقب روايته: ولا نعلم أحدًا ذكر في هذا الحديث عاصمًا الأَحول، عن حماد بن سَلَمة، غير محمد بن بكر. وأما الوجه الثاني: فأخرجه أبو داود (3947) والنسائي في «الكبرى» (4905) من طريق سعيد بن أبي عَروبة، عن قتادة، عن الحسن قال: مَن مَلَكَ ذا رَحمٍ فهو حُرٌّ. ورواه عن ابن أبي عَروبة: ابن أبي عدي، وعبد الوهاب بن عطاء الخفَّاف. وقد رجَّح هذا الوجه الإمام أبو داود، فقال: سعيد أحفظ من حماد. انظر: «تحفة الأشراف» (4/ 66 رقم 4585). وقال البيهقي في «معرفة السُّنن والآثار» (14/ 406 - 407): والحديث إذا انفرد به حماد بن سَلَمة ثم يشكُّ فيه، ثم يخالفه فيه مَن هو أحفظ منه؛ وجب التوقف فيه، وقد أشار البخاري إلى تضعيف هذا الحديث، وقال علي ابن المديني: هذا عندي منكر. وقال الإمام مسلم في «التمييز»، كما في «شرح علل الترمذي» لابن رجب (2/ 623): حماد يخطئ في حديث قتادة كثيرًا. وانظز: «علل الترمذي الكبير» (ص 211). وخالف هؤلاء الحفاظ محقِّقو «مسند الإمام أحمد» (33/ 338 رقم 20167 - ط مؤسسة الرسالة) فصحَّحوا رواية سَمُرة المرفوعة، ولم يَذكروا شيئًا من كلام الحفاظ حول هذا الحديث، ثم زادوا الأمر ضغثًا على إبَّالة، فذكروا له شاهدًا من حديث ابن عمر -الآتي بعد قليل-، وقوَّوا به رواية سَمُرة!! مع أن حديث ابن عمر اتفق الحفاظ على إعلاله!! كما ستراه لاحقًا. وفي الباب عن ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه النسائي في «الكبرى» (4897) وابن ماجه (2525) في العتق، باب من ملك ذا رحم محرم فهو حر، وابن الجارود (972) والطحاوي (3/ 109) من طريق ضَمرة بن ربيعة، عن الثوري، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمرَ -رضي الله عنهما- مرفوعًا: «مَن ملك ذا رَحِمٍ مَحرَم فهو عَتِيق». =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وقد أعل هذا الحديث كبار الحفَّاظ، فقال الإمام أحمد: ضَمرة ثقة، إلا أنه روى حديثين ليس لهما أصل، أحدهما هذا الحديث. وقال -أيضًا-: ليس من ذا شيء، وَهِمَ ضَمرة. وقال الترمذي: لم يُتابَع ضَمرة على هذا الحديث، وهو حديث خطأ عند أهل الحديث. وقال النسائي: لا نعلم أنَّ أحدًا روى هذا الحديث عن سفيان غير ضَمرة، وهو حديث منكر. وقال البيهقي: المحفوظ بهذا الإسناد حديث نهى عن بيع الولاء وهبته. وقال -أيضًا-: هذا وَهْم فاحش، والمحفوظ بهذا الإسناد حديث النهي عن بيع الولاء وعن هبته، وضَمرة بن ربيعة لم يحتجَّ به صاحبا الصحيح. انظر: «مسائل الإمام أحمد» (ص 433 رقم 1999 - رواية أبي داود) و «سنن الترمذي» (3/ 647) و «السنن الكبرى» للبيهقي (10/ 289) و «معرفة السُّنن والآثار» (14/ 407) و «تهذيب سنن أبي داود» (5/ 409). قلت: ووجه هذا الإعلال ظاهر جدًّا؛ لأنَّ ضَمرة وإن كان ثقة، إلا أنه قد تفرَّد به عن الثوري، ومثل هذا التفرُّد يُعدُّ منكرًا، فلا التفات بعد ذلك إلى تصحيح من صحَّحه من المتأخرين، كالطحاوي، وابن التركماني، وعبد الحق الإشبيلي، وابن القطان، وابن حزم، لأنَّ مسلك هؤلاء في التعليل -غالبًا- خلاف مسلك الأئمة النُّقاد، فهم يقبلون كلَّ زيادة من الثقة، ولا يرون الإرسال علَّة للموصول، ولا الموقوف علَّة للمرفوع، وأهل الحديث الذين هم المرجع في هذا الفنِّ على خلاف ذلك، فتنبَّه. وتابَعَهم على تصحيحه جماعة من فضلاء العصر، منهم: الشيخ الألباني في «إرواء الغليل» (6/ 170) والشيخ شعيب الأرناؤوط في تحقيقه لـ «شرح مشكل الآثار» (13/ 441 رقم 5398، 5399) والشيخ الحويني في تخريجه لـ «منتقى ابن الجارود» (3/ 237 رقم 972) ومحقِّقو «مسند الإمام أحمد» (33/ 340 - ط مؤسسة الرسالة). ومما يبيِّن لك خطأ ضَمرة في هذا الحديث: أنه قد خولف في متنه، خالَفَه أبو نعيم الفضل بن دُكَين، وابن نُمَير، ووكيع، وابن مهدي، -وهم ثقات أثبات- فرووه عن الثوري، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمرَ -رضي الله عنهما-، بلفظ: نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن بيعِ الولاءِ وَهِبتِهِ.

أثر آخر في أحكام العتق

أثر آخر في أحكام العتق (448) قال أبو عبيد (¬1): ثنا أبو بكر بن عيَّاش، عن أبي حَصين، عن الشَّعبي قال: لمَّا قام عمرُ قال: ليس على عربيٍّ مِلْكٌ، ولسنا بنازعي من يدِ رجلٍ شيئًا أَسلَمَ عليه، ولكنَّا نقوِّمهم المِلَّةَ (¬2) خمسًا من الإبلِ. قال: فسألتُ محمدًا (¬3) عن تأويله، فَفَسَّرَهُ بالرَّجلِ يَسبِي الرَّجلَ في الجاهلية، ثم يُسلِمُ وهو في يدِهِ، كالمملوكِ له، فحَكَمَ عمرُ بأنَّ المَسْبِيَّ يُردُّ إلى نَسَبِهِ، لأنَّه عربيٌّ، وتكونُ قيمتُهُ عليه، يُؤدِّيها إلى الذي سَبَاهُ، لأنَّه أَسلَمَ وهو في يدِهِ. وهكذا وَجَّهَهُ أبو عبيد. أثر آخر (449) قال أبو عبيد (¬4): حدثنا ابن عُليَّة، عن أيوب، عن ابن سيرين: أنَّ الأشعثَ بن قيس خاصَمَ أهلَ نجرانَ إلى عمرَ في رقابِهِم، فقالوا: ¬

(¬1) في «غريب الحديث» (4/ 237). وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (7/ 278 رقم 13160) وابن أبي شيبة (6/ 430 رقم 32619) في السير، باب ما قالوا في سبي الجاهلية والقرابة، والبيهقي (9/ 74) من طريق أبي بكر بن عيَّاش، به. وهذا منقطع بين الشَّعبي وعمر، كما قال البيهقي. (¬2) الملَّة: الدِّية. «النهاية» (4/ 361). (¬3) هو: ابن الحسن الشَّيباني. (¬4) في «غريب الحديث» (4/ 238).

يا أميرَ المؤمنين، إنما كنَّا عَبِيدَ مَمْلكةٍ، ولم نكن عَبِيدَ قِنٍّ. قال: فتَغيَّظ عليه عمرُ، فقال: أردتَ أنْ تَغَفَّلَنِي (¬1). وكذلك ثنا معاذ، عن ابن عَون، عن ابن سيرين، عن عمرَ، إلا أنَّه قال: أردتَ أن تَعَنَّتَنِي (¬2). قال الكسائي: القِنُّ: أنْ يكونَ مُلِكَ وأبواه، والمَمْلكة: أنْ يَغلِبَ عليهم فيَستَعْبِدَهُم، وهم في الأصل أحرارٌ. قال أبو عبيد: فحَكَمَ فيهم عمرُ أنْ صَيَّرَهُم أحرارًا بلا عوضٍ؛ لأنَّه كان تَمَلُّكًا، وليس بِسِبَاءٍ. قال: وفي هذا الحديث أصلٌ لكلِّ مَن ادَّعى رَقَبَةَ رجلٍ وأَنكَرَ المُدَّعَى عليه أنْ القولَ فيه قولُهُ. قال: وقد كان الرَّجلُ من الملوك ربما غَلَبَ على البلادِ حتى يَستَعبِدَ أهلَهَا، فيَجوزُ حُكْمُهُ فيهم، كما يَجوزُ في مماليكه، وعلى هذا عامَّةُ ملوكِ العَجَمِ اليومَ الذين في أطرافِ الأرضِ، يَهَبُ منهم ما شاءَ، ويَصطفي لنفسه ما شاءَ، ولهذا ادَّعى الأشعثُ رقابَ أهلِ نجرانَ، وكان استَعبَدَهُم في الجاهليةِ، فلمَّا أَسلَمُوا أَبَوا عليه. أثر آخر (450) قال أبو عبيد (¬3): حدثني ابن مهدي، عن سفيان، عن أيوب ¬

(¬1) أي: تتحيَّن غفلتي. «النهاية» (3/ 376). (¬2) أي: تطلب عَنَتي وتُسقطني. «النهاية» (3/ 307). (¬3) في «غريب الحديث» (4/ 238). وأخرجه -أيضًا- سعيد بن منصور، كما في «المحلى» (8/ 138) وابن أبي شيبة (4/ 366 رقم 21053) في البيوع، باب في الأمة تزعم أنها حُرَّة، كلاهما عن ابن عيينة، عن أيوب بن موسى، عن ابن قُسَيط، عن سليمان بن يَسَار، به. هكذا روياه بإدخال ابن قُسَيط (وهو: يزيد بن عبد الله بن قُسَيط) بين أيوب بن موسى، وسليمان بن يَسَار، وكيفما كان؛ فالأثر منقطع؛ لأن سليمان بن يَسَار لم يَسْمع من عمر. انظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص 82 رقم 295).

بن موسى، عن سليمان (¬1) بن يَسَار، عن عمرَ: أنَّه قَضَى في وَلَدِ المَغْرورِ غُرَّةً (¬2). يعني: الرَّجلَ يُزوِّجُ رجلاً مملوكةً على أنها حُرَّة، فقَضَى أنْ يَغرَمَ الزوجُ لمولى الأَمَة غُرَّةُ، ويكونُ وَلَدُهُ حُرًّا، ويَرجعُ الزَّوجُ على مَن غَرَّهُ بما غَرِمَ. وسيأتي -أيضًا- (¬3) في تفسير قوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} (¬4) قصةُ أمرِ عمرَ أنسًا أنْ يُكاتِبَ سيرينَ لما دَعَاهُ إلى ذلك، وكان كثيرَ المالِ، وأنَّ ذلك محمولٌ على الوجوب عند طائفة من السَّلف (¬5). وهو قول عن الشافعيِّ رحمه الله (¬6). ¬

(¬1) قوله: «عن سليمان» تصحَّف في المطبوع إلى: «عن سلمان»، وجاء على الصواب في الطبعة الهندية (3/ 343). (¬2) الغُرَّة: عَبْدٌ أو أَمَة. انظر: «النهاية» (3/ 353). (¬3) (2/ 453 رقم 860). (¬4) النور: 33. (¬5) انظر: «المحلى» (9/ 222) و «بداية المجتهد» (2/ 377). (¬6) انظر: «روضة الطالبين» (8/ 465).

أثر في عتق أم الولد

أثر في عتق أُمِّ الولد (451) قال مالك (¬1) عن نافع، عن ابن عمرَ قال (¬2): أيُّما وَلِيدَةٍ وَلَدَتْ من سَيِّدِها، فإنَّه لا يَبيعُها، ولا يَهبُها، ولا يُورِّثُها، وهو يَستَمتِعُ بها، فإذا مات فهي حُرَّةٌ. هذا إسناد صحيح. وقد ورد من طرق أخر عن عمرَ (¬3). ¬

(¬1) في «الموطأ» (2/ 327) في العتق والولاء، باب عتق أمهات الأولاد ... (¬2) كذا ورد بالأصل. والذي في «الموطأ»: «عن ابن عمرَ: أنَّ عمرَ بن الخطاب قال «، وكذا ذكره المؤلِّف في جزئه في «بيع أمهات الأولاد» (ص 65). (¬3) منها: ما أخرجه عبد الرزاق (7/ 292 رقم 13228) وسعيد بن منصور (2/ 62 رقم 2054) وابن أبي شيبة (4/ 415 رقم 21589) والبيهقي (10/ 342، 343، 348) من طريق عبد الله بن دينار. وسفيان بن عيينة في «جزئه» (ص 117 رقم 50 - رواية زكريا المروزي) من طريق عبيد الله بن عمر. وابن أبي شيبة (21584) والبيهقي (10/ 349) من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري. وأبو القاسم البغوي في «الجعديات» (2/ 999 رقم 2893) من طريق ابن أبي ذئب. أربعتهم (عبد الله بن دينار، وعبيد الله بن عمر، ويحيى بن سعيد، وابن أبي ذئب) عن نافع قال: جاء رجلان إلى ابن عمرَ، فقال: من أين أقبلتُما؟ قالا: من قِبَلِ ابن الزُّبير، فأَحلَّ لنا أشياءَ كانت تحرمُ علينا، قال: ما أحلَّ لكم ممَّا كان يحرمُ عليكم؟ قال: أَحلَّ لنا بيعَ أمَّهاتِ الأولادِ. قال: أتعرفانِ أبا حفصٍ عمرَ -رضي الله عنه-؟ قالا: نعم. قال: فإنَّ عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه نهى أنْ تُباعَ، أو تُوهبَ، أو تُورثَ، يَستمتعُ بها ما كان حيًّا، فإذا مات فهي حُرَّةٌ. وهذا إسناد صحيح، كما قال المؤلِّف في جزئه في «بيع أمهات الأولاد» (ص 95). ومنها: ما أخرجه عبد الرزاق (7/ 291 رقم 13224) وسعيد بن منصور (2/ 61 رقم 2048) وعمر بن شبَّة في «تاريخ المدينة «(2/ 729، 730) والفَسَوي في «المعرفة والتاريخ» (1/ 442) والبيهقي (10/ 343، 348) وفي «المدخل إلى السُّنن الكبرى» (ص 133 رقم 86) من طريق محمد بن سيرين، عن عَبيدة السَّلماني، عن عليٍّ -رضي الله عنه- قال: اجتمع رأيي ورأيُّ عمر على عتقِ أمَّهاتِ الأولادِ، ثم رأيتُ بعدُ أن أَرقهنَّ. قال: فقلتُ له: رأيُك، ورأيُّ عمرَ في الجماعةِ؛ أحبُّ إليَّ من رأيكَ وحدكَ في الفتنةِ. وهذا إسناد صحيح، كما قال أبو العباس ابن تيمية في «منهاج السُّنة» (6/ 440) والحافظ في «التلخيص الحبير» (4/ 219).

وروي مرفوعًا من وجوه أخر (¬1). وقد تَقَصَّيتُ ذلك كلَّه في جزء مُفرَد، وبيَّنتُ اختلافَ الأئمَّةِ في هذه المسألةِ، وتحصَّلَ من أقوالِهِم قريبٌ من ثمانيةِ مذاهبَ، ولله الحمدُ والمنَّةِ. حديث آخر (452) قال أبو بكر بن أبي شيبة في «مصنَّفه» (¬2): ثنا معاوية بن هشام، ثنا أيوب بن عُتبة، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سَلَمة، عن جابر قال: كنَّا نَبيعُ أمَّهاتِ الأولادِ على عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذَكَر أنَّه زَجَر عن بيعهنَّ، وكان عمرُ -رضي الله عنه- يَشتَدُّ في بَيعِهِنَّ. أيوب بن عُتبة هذا هو: اليمامي، وهو ضعيف (¬3). ¬

(¬1) روي من حديث عمر، وابن عباس، وابن عمر -رضي الله عنهم-، وقد تكلَّم عليها المؤلِّف في جزئه في «بيع أمهات الأولاد» (ص 51 - 63) وبيَّن أنه لا يصحُّ منها شيء، فانظرها غير مأمور. (¬2) لم أجده في مطبوع «المصنَّف»، وعزاه البوصيري في «مصباح الزجاجة» (3/ 98) لـ «مسند ابن أبي شيبة «، ولم أجده في المطبوع منه. (¬3) وقال في جزئه في «بيع أمهات الأولاد» (ص 98): وقوله: «ثم ذَكَر أنه زَجَر عن بيعهن»؛ الظاهر أنه من كلام جابر؛ لأن مذهبه أنهن يُبَعن.

(453) وقد رواه أبو داود في «سننه» (¬1) من طريق أخرى، فقال: ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد، عن قيس، عن عطاء، عن جابر بن عبد الله قال: بِعْنا أمَّهاتِ الأولادِ على عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان عمرُ نهانا فَانْتَهَينا. وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم (¬2)، ولله الحمد. ¬

(¬1) (4/ 360 رقم 3954) في العتق، باب عتق أمهات الأولاد. وأخرجه -أيضًا- ابن حبان (10/ 166 رقم 4324 - الإحسان) والحاكم (2/ 18 - 19) والبيهقي (10/ 347) من طريق حماد، به. (¬2) وقال في جزئه في «بيع أمهات الأولاد» (ص 98): وهذا -أيضًا- على رسم مسلم؛ لأن حمادًا -هو: ابن سَلَمة- انفرد به مسلم، وقيس -هو ابن سعد المكي- ثقة، أخرج له أيضًا. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وجوَّد إسناده العقيلي في «الضعفاء» (2/ 74). لكن قال ابن عبد البر في «التمهيد» (3/ 136 - 138): وأما طريق الاتباع للجمهور الذي يشبه الإجماع، فهو المنع من بيعهنَّ، وعلى المنع من بيعهنَّ جماعة فقهاء الأمصار، منهم: مالك، وأبو حنيفة، والشافعي، وأصحابهم، والثوري، والأوزاعي، والليث بن سعد، وجمهور أهل الحديث، وقد قال الشافعي في بعض كُتُبه بإجازة بيعهن، ولكنه قطع في مواضع كثيرة من كُتُبه بأنه لا يجوز بيعهن، وعلى ذلك عامة أصحابه، والقول ببيع أمَّهات الأولاد شذوذ تعلَّقت به طائفة ... ، وقد صحَّ عن عمرَ في جماعة من الصحابة المنع من بيعهن ... ، إلى أن قال: والحجج متساوية في بيعهن للقولين جميعًا من جهة النظر، وأما العمل والاتباع فعلى مذهب عمرَ رضي الله عنه. وقال الحافظ في «الفتح» (5/ 165): ولم يستند الشافعي في القول بالمنع إلا إلى عمر، فقال: قلتُه تقليدًا لعمر. قال بعض أصحابه: لأنَّ عمر لمَّا نهى عنه فانتهوا صار إجماعًا، يعني فلا عبرة بندور المخالف بعد ذلك، ولا يتعيَّن معرفة سند الإجماع.

أثر آخر (454) قال أبو عبيد (¬1): ثنا ابن عُليَّة ومعاذ، عن ابن عَون قال: أنبأنا غاضِرة العَبْدي (¬2): أنهم أَتَوا عمرَ في نساءٍ أو إمَاءٍ سَاعَيْنَ في الجاهليةِ، فأَمَرَ بأولادِهِن أنْ يُقوَّمُوا على آبائِهِم، وألا يُستَرَقُّوا. قال: وأخبرني الأصمعي أنَّه سَمِعَ ابن عَون يَذكر هذا الحديث، قال: فقلتُ لابن عَون: إنَّ المساعاةَ لا تكونُ في الحرائرِ، وإنمَّا تكونُ في الإماءِ. قال: فجعل ابن عَون يَنظرُ إليَّ. قال أبو عبيد: ومعنى المساَعَاة: الزِّنى، يعني: أنَّ الأَمَة تَسعى في أداء الضَّريبة التي عليها لسيِّدها كلَّ يوم كما كانوا في الجاهلية، وكان الحُكم بينهم أنَّ مَن أَحبَلَ أَمَةَ آخرَ أنَّ الولدَ يَلحَقُهُ نَسَبُهُ إنْ ادَّعاه أو أحدٌ من عَصَباتِهِ، فحَكَم عمرُ -رضي الله عنه- أنَّ مَن زَنَى بأَمَة في الجاهليةِ ثم أَسلَمَ وادَّعاه أنَّه ولدُهُ، ويَلزمُهُ قيمتُهُ لسيِّدِ الأَمَةِ؛ لأنَّه وَطَأَها وهو يَعتقدُ أنَّ الولدَ حُرٌّ يَتبعُهُ، فإنْ ادَّعى سيِّدُ الأَمَةِ الولدَ أو أحدٌ من قراباتِهِ فهو أحقُّ، كما حَكَم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في ابن وَلِيدةِ زَمْعة أنَّه لِعَبْدِ بن زَمْعة لمَّا ¬

(¬1) في «غريب الحديث» (4/ 234). وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (7/ 278، 304 رقم 13159، 13275) وابن أبي شيبة (6/ 528 رقم 33511) من طريق ابن عَون، به. وغاضرة العَنْبري أورده البخاري في «التاريخ الكبير» (7/ 109 رقم 486) وقال: سَمِعَ عمر، روى عنه ابن عَون. وأورده الحافظ في «الإصابة» (8/ 49) وقال: قال ابن الكلبي: له صحبة، وبعثه النبيُّ صلى الله عليه وسلم على الصَّدقات، حكاه الرشاطي، وقال: لم يَذكره أبو عمر، ولا ابن فتحون. (¬2) كذا ورد بالأصل. وصوابه: «العنبري». انظر: «الجرح والتعديل» (7/ 56) و «ثقات ابن حبان» (5/ 293).

ادَّعاهُ مع ظهور شَبَهِهِ في عُتبة بن أبي وقاص (¬1). هذا حُكْم مُسَاعَاةِ الجاهلية، فأما إنْ كان الزِّنى بعد الإسلامِ فالولدُ رقيقٌ لسيِّدِ الأَمَةِ قولاً واحدًا، لقوله صلى الله عليه وسلم: «وللعَاهِرِ الحَجَرُ» (¬2). (455) وقال (¬3): ثنا أبو معاوية، عن يحيى بن سعيد، عن سليمان بن يَسَار: أنَّ عمرَ كان يُلحِقُ أولادَ الجاهليةِ بمن ادَّعَاهُم في الإسلامِ. ¬

(¬1) انظر: «صحيح البخاري» (4/ 293، 411 رقم 2053، 2218) و (5/ 74، 163، 371 رقم 2421، 2533، 2745) و (8/ 23 رقم 4303) و (12/ 32، 52، 127 رقم 6749، 6765، 6817) و (13/ 172 رقم 7182 - فتح) و «صحيح مسلم» (2/ 1080 رقم 1457). (¬2) تقدم تخريجه في التعليق السابق. (¬3) «غريب الحديث» (4/ 236). وأخرجه -أيضًا- مالك (2/ 284) في الأقضية، باب القضاء بإلحاق الولد بأبيه، عن يحيى بن سعيد، به. وهو منقطع بين سليمان بن يَسَار وعمر.

حديث في الولاء

/ (ق 169) حديث في الولاء (¬1) (456) قال أحمد (¬2): ثنا عبد الله بن يزيد، ثنا ابن لَهِيعة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه، عن عمرَ بن الخطاب قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «يَرِثُ الوَلاءَ مَن يَرِثُ المالَ من والدٍ أو وَلَدٍ». طريق أخرى (457) قال أحمد (¬3): ثنا يحيى، ثنا حسين المعلِّم، ثنا عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه قال: لما رَجَع عمرو جاء بنو معمر بن حبيب / (ق 170) يُخاصمونه في ولاءِ أختِهم إلى عمرَ بن الخطاب، فقال: أَقضي بينكم بما سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «ما أَحرَزَ الوَلَدُ أو الوَالِدُ فهو لِعَصَبتِهِ مَن كان». فقَضَى لنا به. وهكذا رواه أبو داود (¬4)، والنسائي (¬5)، وابن ماجه (¬6) من حديث عبدالوارث (د) (¬7)، وأبي أسامة (س ق) (¬8)، عن حسين بن ذكوان المعلِّم -أحد الثقات- عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه، عن عمرَ بن الخطاب، بأبسطَ من هذا. ¬

(¬1) انظر ما تقدَّم تعليقه (ص 616) تعليق رقم 1 (¬2) في «مسنده» (1/ 46 رقم 324). وسيأتي تخريجه، والكلام عليه عند الحديث رقم (586، 587). (¬3) في «مسنده» (1/ 27 رقم 183). (¬4) في «سننه» (3/ 418 رقم 2917) في الفرائض، باب في الولاء. (¬5) في «سننه الكبرى» (4/ 75 رقم 6348). (¬6) في «سننه» (2/ 912 رقم 2732) في الفرائض، باب ميراث الولاء. (¬7) هذا الرمز لبيان أن رواية أبي داود من طريق عبدالوارث. (¬8) هذا الرمز لبيان أن رواية النسائي وابن ماجه من طريق أبي أسامة.

وهذا لفظ أبي داود: عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه: أنَّ رِئابَ بنَ حذيفة تزوَّج امرأةً، فوَلَدَت له ثلاثَ غِلمةٍ، فماتت أُمُّهم، فورثوها رِباعَها، وولاءَ مواليها، وكان عمرو بن العاص عَصَبةَ بَنِيها، فأخرجهم إلى الشام، فماتوا، فقَدِمَ عمرو بن العاص، ومات مولىً لها وترك مالاً، فخاصمه إخوتُها إلى عمرَ بن الخطاب، فقال عمرُ: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ما أَحرَزَ الوَلَدُ أو الوَالِدُ، فهو لِعَصَبَتِهِ مَن كان». قال: فكَتَب له كتابًا فيه شهادةُ عبد الرحمن بن عوف وزيدِ بن ثابت ورجلٍ آخر، فلما استُخلِفَ عبد الملك -يعني: ابن مروان- اختصموا إلى هشام بن إسماعيل -يعني: والي المدينة- فرَفَعَهم إلى عبد الملك، فقال: هذا من القضاء الذي ما كنت أُراه. قال: فقَضَى لنا بكتابِ عمرَ بن الخطاب، فنحن فيه إلى الساعة. / (ق 171) وعند ابن ماجه قال: تزوَّج رِئابُ بن حذيفة بن سعيد بن سهم أُمَّ وائل بنت معمر الجُمَحيَّة، فوَلَدَت له ثلاثةً ... ، وذَكَر أنهم ماتوا مع عمرو بن العاص بالشام في طاعون عَمْواس (¬1). إلى أن قال: فأتيناه بكتاب عمرَ، فقال: إنْ كنتُ لأرى أنَّ هذا من القضاء الذي لا يُشكُّ فيه، وما كنتُ أَرى أنَّ أمير المدينة (¬2) بَلَغ هذا أنْ يشكُّوا في هذا القضاء. فقَضَى لنا به، فلم نَزَل فيه بعدُ. وقال علي ابن المديني: ثنا يحيى بن سعيد، ثنا حسين المعلِّم، ثنا عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه: أنَّ عمرَ بن الخطاب قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «ما أَحرَزَ الوَالِدُ أو الوَلَدُ؛ فهو لِعَصَبَتِهِ مَن كان». ¬

(¬1) طاعون عَمْواس: هو أوَّل طاعون كان في الإسلام ببلاد الشام، وعَمواس: قرية بين الرَّملة وبيت المقدس. «معجم البلدان» (4/ 157). (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي «سنن ابن ماجه «: «أنَّ أمرَ أهلِ المدينةِ «.

ثم قال: هذا من صحيح ما يُروى عن عمرو بن شعيب، رواه حسين المعلِّم، وهو حديث فيه كلام كثير، ولستُ أحفظ الكلام كلَّه، وإنما هذا مختصر منه. قال: وإنما صار هذا الحديث عندي متَّصل الإسناد؛ لأنَّ هذه القصةَ كانت فيهم، خاصَمَ فيها عمرو بن العاص إلى عمرَ بن الخطاب، وحدَّث بها عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وإنما روى هذه الأحاديثَ عن عبد الله بن عمرو شعيبٌ، عن جدِّه عبد الله بن عمرو، ولم يرو محمد بن عبد الله بن عمرو عن أبيه شيئًا، وليس يحفظ في هذا الوجه غيره. انتهى كلامه. وأما أبو بكر بن داود الظَّاهري، فقال: لا يَثبت هذا الحديثُ لضعف عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه. قلت: وهذا الحديث من غرائب الأحاديث على شهرة / (ق 172) إسناده، ولستُ أعلمُ أحدًا من الأئمَّة المشهورين من الفقهاء الأربعة ولا غيرهم قال به، ولهذا أَتبَعَهُ أبو داود بعد روايته له، بأن قال (¬1): أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت يورِّثون الكُبَرَ (¬2) من الولاء. ¬

(¬1) مقولة أبي داود ليست في مطبوع «السُّنن»، وذكرها المزي في «تحفة الأشراف» (8/ 77) على خلاف ما ذكر المؤلِّف هنا، فقال نقلاً عن أبي داود: وروي عن أبي بكر، وعمر، وعثمان خلاف هذا الحديث، إلا أنه روي عن علي بن أبي طالب بمثل هذا. قلت: وكذا أوردها صاحب «عون المعبود» (8/ 129). وانظر للفائدة: «التمهيد» لابن عبد البر (3/ 62) و «تهذيب سنن أبي داود» (4/ 184 - 186). (¬2) الكُبَر: أن يرث المولى المُعتَق من عَصَبات سيِّده أقربُهم إليه وأولادهم بميراثه يوم موت العبد. انظر: «المغني» لابن قدامة (9/ 249).

قال: ثم روى عن أبي سَلَمة، عن حماد، عن حميد قال: الناس يتَّهمون عمرو بن شعيب في هذا الحديث. ورواه النسائي -أيضًا- (¬1)، عن محمد بن عبد الأعلى، عن معتمر قال: سَمِعتُ الحسين، عن عمرو بن شعيب قال: قال عمرُ. مرسلاً! فالله أعلم (¬2). ¬

(¬1) في «سننه الكبرى» (4/ 75 رقم 6349). (¬2) فائدة: قال البيهقي في «سننه» (10/ 304): وقد روينا عن سعيد بن المسيّب، عن عمرَ بن الخطاب وعثمان بن عفان -رضي الله عنهما- أنهما قالا: الولاء للكُبَرِ. ومرسل ابن المسيّب، عن عمرَ -رضي الله عنه- أصحُّ من رواية عمرو بن شعيب، وأما الحديث المرفوع فيه، فليس فيه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال ذلك في الولاء. اهـ. قال ابن الملقن في «البدر المنير» (9/ 724): فائدة: الظاهر أن المراد من الكُبَر الأقرب، لا الأكبر سنًّا.

أثر في الولاء أيضا

أثر في الولاء أيضًا (458) قال أبو بكر بن داود (¬1): ثنا الحسن بن مكرم، ثنا يزيد بن هارون، أنا شعبة، عن الحكم، عن أبي وائل: أنَّه خاصَمَ إلى عمرَ في أَمَةٍ نصرانيةٍ فلم يُورِّثْهُ منها. قلت: وهو قول جمهور العلماء. قال الإمام مالك (¬2): وهو الأمر المجمع عليه عندنا. ¬

(¬1) هو أبو بكر محمد بن داود بن علي الظاهري، العلاَّمة البارع، ذو الفنون، كان أحد من يُضربُ المثل بذكائه، وله بصر تام بالحديث، وبأقوال الصحابة، وكان يجتهد، ولا يقلِّد أحدًا، تصدَّر للفتيا بعد والده، وكان يناظر أبا العبَّاس ابن سريج، ولا يكاد ينقطع معه. توفي سنة 297، وهو ابن ثلاث وأربعين سنة. من تصانيفه: «الزُّهرة في الآداب»، و «الفرائض»، و «اختلاف مصاحف الصحابة»، و «المناسك»، وغيرها. انظر: «سير أعلام النبلاء» (13/ 109 - 116) و «تاريخ بغداد» (4/ 181 - 183). (¬2) «الموطأ» (2/ 338) في العتق والولاء، باب جَرِّ العبد الولاء إذا أعتق

كتاب الفرائض

/ (ق 173) كتاب الفرائض (459) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا هشيم ويزيد، عن يحيى بن سعيد، عن عمرو بن شعيب (¬2) قال: قال عمرُ: لولا أني سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «ليس لقاتلٍ شيءٌ»؛ لَوَرَّثتُكَ. قال: / (ق 174) ودعا أخا المقتولِ فأَعطاهُ الإبلَ. وهكذا رواه النسائي (¬3)، عن الحارث بن مسكين، عن ابن القاسم، عن مالك (¬4)، عن يحيى بن سعيد، به. ورواه النسائي -أيضًا- (¬5)، عن علي بن حُجر، عن إسماعيل بن عيَّاش، عن ابن جريج ويحيى بن سعيد وذَكَر آخر (¬6)، ثلاثتهم عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه عبد الله بن عمرو، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «ليس للقاتلِ من الميراثِ شيءٌ». ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 49 رقم 347). (¬2) ضبَّب عليه المصنِّف لانقطاعه بين عمرو بن شعيب وعمر. (¬3) في «سننه الكبرى» (6/ 120 رقم 6334 - ط مؤسسة الرسالة). (¬4) وهو في «الموطأ» (2/ 438) في العقول، باب ما جاء في ميراث العقل والتغليظ. (¬5) في «سننه الكبرى» (6333 - ط مؤسسة الرسالة). (¬6) كَتَب المصنِّف بجوارها في حاشية الأصل: «هو المثنىَّ بن الصَّبَّاح».

ثم قال النسائي (¬1): وهذا خطأ، والصواب الأوَّل. يعني: عمرو بن شعيب، عن عمرَ، وهو منقطع. والعَجَب من الشيخ أبي عمر ابن عبد البر -رحمه الله- مع جَلالته كيف ادَّعى الاتفاقَ على صحةِ حديثِ عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه بهذا (¬2)، وهو من رواية إسماعيل بن عيَّاش عن الحجازيين، وهو غيرُ مقبولٍ في مثل هذا عند جمهور أئمَّة الإسلام، ثم قد صرَّح النسائيّ بأنَّه خطأ، وأنَّ الصحيحَ كونُهُ منقطعًا عن عمرَ. وسيأتي في كتاب الجنايات (¬3) من حديث الحجَّاج بن أرطاة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه، عن عمرَ، قولَه: لا يَرِث القاتل. وهكذا رواه الدارقطني (¬4) من حديث الشَّعبي (¬5)، عن عمرَ أنَّه قال: لا يَرِث خطأً ولا عَمْدًا. ¬

(¬1) مقولة النسائي ساقطة من مطبوع «السُّنن»، وأوردها المزِّي في «تحفة الأشراف» (6/ 341 رقم 8817). (¬2) انظر: «التمهيد» (23/ 436). (¬3) انظر: (ص 139 رقم 589). (¬4) في «سننه» (4/ 120). (¬5) ضبَّب عليه المصنِّف لانقطاعه بين الشعبي وعُمر رضي الله عنه.

أثر في توريث الزوجة مع الأبوين

أثر في توريث الزوجة مع الأبوين (460) قال الإمام أحمد بن حنبل -فيما قرأت بخطِّه من ورقة أُحضِرَت إليَّ في ذي القعدة من سَنَة إحدى وخمسين، عليها خطُّ الحافظ محمد بن ناصر السَّلاَمي يشهد بذلك، وأنها ورقة من «كتاب الفرائض» للإمام أحمد، وعَرَفَ ذلك الحفَّاظ: المِزِّي والذَّهبي والبِرزَالِي، قال فيها-: حدثنا وكيع وأبو معاوية قالا: ثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود قال: قال عبد الله: كان عمرُ إذا سَلَك طريقًا فاتَّبَعنَاهُ وَجَدْناه سَهْلاً، وأنَّه أُتي في امرأةٍ وأبوين فقَسَمَها في أربعة، فأَعطى المرأةَ الرُّبعَ، والأُمَّ ثُلُثَ ما بَقِيَ، وما بَقِيَ للأب (¬1). ثم رواه عن عثمان (¬2)، ¬

(¬1) وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (6/ 243، رقم 31045، 31052) في الفرائض، باب في امرأة وأبوين من كم هي؟ عن عبد الله بن إدريس. وعبد الله بن أحمد في «زوائده على فضائل الصحابة» (1/ 267 رقم 352) والبيهقي (6/ 228) من طريق وكيع -زاد البيهقي: وعيسى بن يونس-. ثلاثتهم (عبد الله بن إدريس، ووكيع، وعيسى بن يونس) عن الأعمش، به. وأخرجه -أيضًا- سعيد بن منصور (1/ 37 رقم 7، 8) عن هشيم وأبي معاوية. والدارمي (4/ 1892، 1895 رقم 2907، 2914) في الفرائض، باب في زوج وأبوين وامرأة وأبوين، من طريق شريك، والثوري. أربعتهم (هشيم، وأبو معاوية، وشريك، والثوري) عن الأعمش -زاد الدارمي: ومنصور- عن إبراهيم، عن ابن مسعود -رضي الله عنه-، فذكره. وهذه أسانيد صحيحة، وانظر ما سيأتي (ص 639). (¬2) أخرجه عبد الرزاق (10/ 252، 253 رقم 19014، 19016) وابن أبي شيبة (6/ 242 رقم 31041) في الفرائض، باب في امرأة وأبوين من كم هي؟ والدارمي (4/ 1893 رقم 2909، 2910) في الموضع السابق، والبيهقي (6/ 228) من طريق أيوب. وسعيد بن منصور (1/ 28 رقم 9، 10) من طريق خالد الحذَّاء. كلاهما (أيوب، وخالد الحَذَّاء) عن أبي قِلاَبة، عن أبي المهلَّب، عن عثمان رضي الله عنه: أنه أُتي في امرأةٍ وأبوين، فأَعطى المرأةَ الرُّبعَ، وأعطى الأُمَّ ثُلُثَ ما بَقِيَ، وأعطى الأبَ ما بَقِيَ. وهذا إسناد رجاله ثقات، وأبو المهلَّب، وهو عمرو بن معاوية، لم أجد من نصَّ على سماعه من عثمان رضي الله عنه.

وعلي (¬1)، وزيد بن ثابت (¬2)، والحسن (¬3)، وعطاء (¬4). وروى عن ابن عباس أنَّه خالف الناسَ في ذلك، فجعل للأُمِّ الثُّلُثَ كاملاً (¬5)، وتَبِعَهُ على ذلك محمد بن سيرين. ¬

(¬1) أخرجه سعيد بن منصور (1/ 39 رقم 15) وابن أبي شيبة (6/ 242، 243 رقم 31043، 31046) والدارمي (4/ 1895 رقم 2913) من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن الشَّعبي، عن عليٍّ -رضي الله عنه- في امرأةٍ وأبوين، قال: من أربعةٍ: للمرأةِ الرُّبعُ، وللأُمِّ ثُلُثُ ما بَقِيَ، وما بَقِيَ للأبِ. وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، ولانقطاعه بين الشَّعبي وعلي. (¬2) أخرجه أحمد في «العلل ومعرفة الرجال» (3/ 325، 334 رقم 5448، 5449، 5480 - رواية عبد الله) والدارمي (4/ 1893 رقم 2908) والبيهقي (6/ 228) من طريق يزيد بن هارون، عن همام بن يحيى، عن يزيد الرِّشْك قال: سألت سعيد بن المسيب عن رجل مات وتَرَكَ امرأةً وأبوين، فقال: قسَمَها زيد بن ثابت من أربعة. وهذا إسناد رجاله ثقات، وقد اختُلف في سماع سعيد بن المسيِّب من زيد بن ثابت، فأثبته علي بن المديني، ونَفَاه مالك. انظر: «علل ابن المديني» و «تحفة التحصيل» (ص 128). (¬3) لم أجده. (¬4) لم أجده. (¬5) أخرجه عبد الرزاق (10/ 254 رقم 19020) والبيهقي (6/ 254) والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1/ 496 رقم 541) من طريق الثوري، عن عبد الرحمن بن عبد الله الأصبهاني، عن عكرمة قال: أرسَلَني ابن عباس إلى زيد بن ثابت أسأله عن زوج وأبوين، فقال: للزَّوجِ النصفُ، وللأُمِّ ثُلُثُ ما بَقِيَ، وللأبِ الفَضلُ. فقال ابن عباس: أفي كتابِ اللهِ وَجَدتَهُ، أم رأيٌّ تَرَاهُ؟ قال: بل رأيٌّ أراهُ، لا أرى أن أُفضِّلَ أُمًّا على أبٍ، وكان ابن عباس يجعل لها الثُّلُثَ من جميع المال. وفي لفظ: فقال ابن عباس: للأُمِّ الثُّلُثُ كاملاً. وهذا إسناد صحيح؛ كما قال الحافظ في «موافقة الخُبْر الخَبَر» (1/ 162 - 163).

ونصَّ عليّ وزيد في مسألة زوج وأبوين على مثل ذلك، وأنَّ ابن عباس قال لزيد بن ثابت: بقولك من الكتاب أم من رأيك؟ قال: بل برأيي، لا أفضِّل أُمًّا على أبٍ. وقد رواه منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: كان عمرُ إذا سلك بنا طريقًا وَجَدناه سهلاً، وأنَّه أُتي في امرأةٍ وأبوين، فجعل للمرأة الرُّبعَ، وللأُمِّ ثُلُثَ ما بَقِيَ، وما بَقِيَ فللأب. رواه البيهقي (¬1). وقد تقدَّم مثلُه في اجتماع الجدَّتين، في «مسند الصِّديق». حديث آخر (461) قال أحمد (¬2): ثنا يحيى بن آدم، ثنا سفيان، عن عبد الرحمن بن عيَّاش، عن حكيم بن حكيم، عن أبي أُمَامة بن سهل قال: كَتَب عمرُ إلى أبي عُبيدة بن الجرَّاح: أنْ علِّموا غلمانَكم العَوْمَ، ومقاتلتَكم / (ق 175) الرَّميَ. فكانوا يختلفون إلى الأغراض (¬3)، فجاء سَهْمٌ غَرْبٌ (¬4) إلى غلامٍ فقَتَلَهُ، فلم يُوجَد له أصلٌ، وكان في حِجْرِ خالٍ له، فكَتَب فيه أبو عُبيدة إلى عمرَ، فكَتَب إليه عمرُ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «اللهُ ورسولُهُ مولى مَن لا مولى له، والخالُ وارثُ مَن لا وارثَ له». ¬

(¬1) في «سننه» (6/ 227). (¬2) في «مسنده» (1/ 46 رقم 323). (¬3) الأغراض: جمع غرض، وهو الهدف الذي يرمى بسهم. انظر: «النهاية» (3/ 360). (¬4) سَهْمٌ غَرْبٌ: هو السَّهمُ الذي لا يُعرَفُ راميه. «النهاية» (3/ 350).

ثم رواه أحمد (¬1)، عن وكيع، عن سفيان، به. ورواه الترمذي (¬2)، عن بُندَار، عن أبي أحمد الزُّبيري. والنسائي (¬3)، عن إسحاق بن إبراهيم. وابن ماجه (¬4)، عن أبي بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد. ثلاثتهم (¬5) عن وكيع. كلاهما (¬6) عن سفيان الثوري، عن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن الحارث بن أبي ربيعة المخزومي -وقد وثَّقه محمد بن سعد (¬7)، وقال ابن معين (¬8): صالح. وقال أحمد (¬9): متروك. وقال أبو حاتم (¬10): شيخ. وقال النسائي (¬11): ليس بالقوي. وذَكَره ابن حبان في «الثقات» (¬12) - عن حكيم بن حكيم بن عبَّاد بن حُنَيف الأنصاري المدني -وقد قال فيه محمد بن سعد (¬13): كان قليل الحديث، ولايحتجون بحديثه. ¬

(¬1) (1/ 28 رقم 189). (¬2) في «سننه» (4/ 367 رقم 2103) في الفرائض، باب ما جاء في ميراث الخال. (¬3) في «سننه الكبرى» (4/ 76 رقم 6351). (¬4) في «سننه» (2/ 914 رقم 2737) في الفرائض، باب ذوي الأرحام. (¬5) يعني: أبا بكر بن أبي شيبة، وعلي بن محمد، وإسحاق بن إبراهيم. (¬6) يعني: وكيعًا، وأبا أحمد الزبيري. (¬7) في «الطبقات الكبرى» (ص 269 - تحقيق زياد منصور). (¬8) كما في «الجرح والتعديل» (5/ 224). (¬9) نقله الذهبي في «ميزان الاعتدال» (2/ 554 رقم 4840). (¬10) كما في «الجرح والتعديل» (5/ 224 رقم 1057). (¬11) انظر: «تهذيب الكمال» (17/ 38). (¬12) (7/ 69). (¬13) انظر: «تهذيب الكمال» (7/ 193).

وذَكَره ابن حبان في «الثقات» (¬1) - عن أبي أُمَامة -،وهو: أسعد بن سهل بن حُنَيف الأنصاري، أحدِ الصحابة- عن عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه-، به. وقال الترمذي: هذا حديث حسن (¬2). وخرَّجه ابن حبان في «صحيحه» (¬3). واختاره الضياء في كتابه (¬4). وقال الغلاَّبي عن يحيى بن معين: ليس في الخال حديث قوي (¬5). قلت: قد روي من طرق عدَّة (¬6). وذهب إلى مقتضاه / (ق 176) طائفة من العلماء، والله أعلم. ¬

(¬1) (6/ 246). (¬2) كذا بالأصل، والنسخة الخطية لـ «سنن الترمذي» (ق/138/أ -نسخة المكتبة الوطنية بباريس) و «تحفة الأشراف» (8/ 4 رقم 10384) و «بيان الوهم والإيهام» (3/ 538) لابن القطان. وفي المطبوع: حسن صحيح. قال ابن القطان: ولم يبين لم لا يصح، وذلك -والله أعلم-؛ لأن حكيم بن حكيم بن عبَّاد بن حُنَيف ابن أخي عمرو بن حُنَيف لا تُعرف عدالته. (¬3) (13/ 400 رقم 3037 - الإحسان). (¬4) «المختارة» (1/ 167 - 169 رقم 74 - 77). (¬5) أَسنَدَه عن يحيى بن معين البيهقيُّ في «سننه» (6/ 215). (¬6) منها حديث عائشة، والمِقدام الكِندي رضي الله عنهما: أما حديث عائشة: فيَرويه ابن جريج، واختُلف عليه: فقيل: عن ابن جريج، عن عمرو بن مسلم، عن طاوس، عن عائشة! وقيل: عن ابن جريج، عن عبد الله بن طاوس، مرسلاً! وقيل: عن ابن جريج، عن عبد الله بن طاوس، عن رجل مصدَّقٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم! ورواه بعضهم عن ابن عيينة، عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه، مرسلاً! وإليك تفصيل هذه الطرق: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = أما الوجه الأوَّل: فقد أخرجه الترمذي (2104) في الفرائض، باب ميراث الخال، والنسائي في «الكبرى» (6352) والطحاوي (4/ 397) والدارقطني (4/ 85) من طريق أبي عاصم الضحاك بن مَخلد، عن ابن جريج، عن عمرو بن مسلم، عن طاوس، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الخالُ وارثُ مَن لا وارِثَ له». وجاء في بعض الروايات: أنَّ أبا عاصم شكَّ في رَفْعه! وفي بعضها التصريح بوَقفْه على عائشة رضي الله عنها! وقد توبع أبو عاصم على روايته: فأخرجه النسائي في «الكبرى» (6353) والحاكم (4/ 344) من طريق مَخلد بن يزيد، عن ابن جريج، به. لكن اختَلَفت الروايتان، فعند الحاكم: التصريح بالرفع! وعند النسائي: التصريح بالوقف! وأخرجه عبد الرزاق (16202) (19124) عن ابن جريج، به، موقوفًا! ولم يصرِّح ابن جريج بالسماع إلا في هذه الرواية! وباقي رواياته بالعنعنة! ومع هذا الاختلاف في رَفْع الحديث ووَقْفه، فمداره على عمرو بن مسلم، وقد قال عنه النسائي -كما في «تحفة الأشراف» (11/ 426) -: عمرو بن مسلم ليس بذاك القويِّ، وقد اختُلف على ابن جريج فيه. وقال الترمذي، كما في النسخة الخطية لـ «سنن الترمذي» (ق/138/أ - نسخة المكتبة الوطنية بباريس) و «تحفة الأشراف» (11/ 425) و «البدر المنير» (7/ 198): هذا حديث غريب. وفي المطبوع: هذا حديث حسن غريب. وأما الوجه الثاني: فأخرجه عبد الرزاق (16199) و (19122) عن معمر. وإسحاق بن راهويه في «مسنده» (3/ 647 رقم 1233) عن ابن عيينة. وإسحاق بن راهويه (1232) عن عبد الرزاق، عن ابن جريج. ثلاثتهم (معمر، وابن عيينة، وابن جريج) عن عبد الله بن طاوس، مرسلاً! وأما الوجه الثالث: فأخرجه محمد بن الحسن في «الحجَّة على أهل المدينة» (4/ 234) وسعيد بن منصور (1/ 72 رقم 171) كلاهما عن ابن عيينة، عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه، مرسلاً! =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وأما الوجه الرابع: فأخرجه عبد الرزاق (16201) و (19123) عن ابن جريج، عن عبد الله بن طاوس، عن رجل مصدَّق، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم! وقد أعلَّه النسائي بالاضطِّراب. ورجَّح الدراقطني والبيهقي وَقْفَه. انظر: «التلخيص الحبير» (3/ 80) و «مختصر الخلافيات» (4/ 10). واختار جماعة من المعاصرين تصحيح الرواية المرفوعة تمشيًا مع ظاهر الإسناد، مع تصريح البيهقيِّ بأنَّ الرفع غير محفوظ. وأما حديث المِقدام بن معدي كَرِب: فيَرويه راشد بن سعد، واختُلف عليه: فأخرجه أبو داود (3/ 411 رقم 2891، 2892) في الفرائض، باب في ميراث ذوي الأرحام، والنسائي في «الكبرى» (6355) و (6356) وابن ماجه (2/ 879، 914 رقم 2634، 2738) في الديات، باب الدية على العاقلة ... ، وفي الفرائض، باب ذوي الأرحام، وأحمد (4/ 131) والطحاوي (4/ 397) وابن حبان (13/ 397 رقم 6035 - الإحسان) والحاكم (4/ 344) والبيهقي (6/ 214) من طريق علي بن أبي طلحة، عن راشد بن سعد، عن أبي عامر الهَوْزَني (تحرَّف في المطبوع إلى: الهودي!) عن المِقدام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن تَرَكَ كَلاًّ؛ فإليَّ، ومَن تَرَكَ مالاً؛ فَلِوَرَثتِهِ، وأنا وارثُ مَن لا وارثَ له: أَعقِلُ له، وأَرِثُهُ، والخالُ وارثُ مَن لا وَارِثَ له: يَعْقِلُ عنه ويَرِثُهُ». قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. وتعقَّبه الذهبي بقوله: فيه علي بن أبي طلحة، قال أحمد: له أشياء منكرات، ولم يخرِّج له البخاري. وقال البيهقي: ليس بالقوي، رواه راشد بن سعد وأبو عامر عبد الله بن عامر الهَوْزَني، وهما ممن لم يحتج بهما الشيخان، وهو حديث مختَلَف فيه، رواه إسماعيل بن عياش، وإسناده ضعيف، غير محتج به. «مختصر الخلافيات» (4/ 9). وقد خولف علي بن أبي طلحة في روايته: فأخرجه النسائي في «الكبرى» (6354) وأحمد (4/ 133) والطحاوي (4/ 398) من طريق معاوية بن صالح، عن راشد بن سعد، عن المِقدام، فذكره، ليس فيه: أبو عامر الهَوْزَني. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وقد صرَّح معاوية بن صالح في روايته بالسماع من راشد بن سعد، وصرَّح راشد بالسماع من المِقدام، كما في رواية الطحاوي. وقد خولف -أيضًا- علي بن أبي طلحة، ومعاوية بن صالح في روايتهما، فأخرجه ابن حبان (13/ 400 رقم 6036 - الإحسان) والطبراني في «الكبير» (20/ 265 رقم 627) من طريق إسحاق بن إبراهيم بن العلاء بن زِبْرِيق، عن عمرو بن الحارث (وعند الطبراني: عبد الوارث!) عن عبد الله بن سالم، عن الزُّبيدي، عن راشد بن سعد، عن ابن عائذ، عن المِقدام، فذكره! ومدار هذه الرواية على إسحاق بن إبراهيم، وهو صدوق يَهِمُ كثيرًا، كما قال الحافظ في «التقريب». وأخرجه النسائي في «الكبرى» (6357) عن أحمد بن إبراهيم بن محمد القرشي، عن ابن عائذ، عن الهيثم بن حميد، عن ثَور بن يزيد، عن راشد بن سعد، مرسلاً! وأخرجه أبو داود (2893) من طريق إسماعيل بن عيَّاش، عن يزيد بن حُجر، عن صالح بن يحيى بن المِقدام، عن أبيه، عن جدِّه المِقدام، فذكره. وهذا إسناد ضعيف؛ لجهالة يزيد بن حُجر. وقد اختلفت أقوال العلماء في بيان الراجح من هذه الروايات: فالدارقطني في «العلل» (5/ق 93/ب) رجَّح رواية علي بن أبي طلحة. واختار ابن حبان، والطحاوي، وابن القطان في «بيان الوهم والإيهام» (3/ 541) صحة الروايتين جميعًا -أعني رواية علي بن أبي طلحة، ومعاوية بن صالح- وعلَّلوا ذلك بأنه لا مانع من أن يكون لراشد بن سعد فيه إسنادان، فمرَّة يَرويه عن المِقدام مباشرةً، ومرَّة يَرويه عن أبي عامر الهَوْزَني، عن المِقدام! واختار الشيخ الألباني في «الإرواء» (6/ 139) رواية راشد بن سعد، عن ابن عائذ، عن المِقدام! وقال ابن أبي حاتم في «العلل» (2/ 50 رقم 1636): سَمِعتُ أبا زرعة، وذَكَر حديث المِقدام بن معدي كَرِب، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((الخال وارث من لا وارث له))، قال: هو حديث حسن. قال له الفضل الصَّائغ: أبو عامر الهَوْزَني (تحرَّف في المطبوع إلى: الهودي!) مَن هو؟ قال: معروف، روى عنه راشد بن سعد، لا بأس به. وهذا تحسين بالمعنى الاصطلاحي، لا بمعني الغرابة؛ لأنه عقَّبه بتقوية حال الهَوْزَني. وحسَّنه -أيضًا- الحافظ في «الفتح» (12/ 30).

حديث آخر (462) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا عفَّان، ثنا حماد بن سَلَمة، عن علي بن زيد، عن أبي رافع: أنَّ عمرَ بن الخطاب كان مُستَندًا إلى ابن عباس، وعنده ابنُ عمر وسعيدُ بن زيد، فقال: اعلَموا أني لم أَقُلْ في الكَلاَلةِ (¬2) شيئًا، ولم أستَخلِفْ من بعدي أحدًا، وأنَّه من أَدرك وفاتي من سَبْي العربِ فهو حُرٌّ من مال الله. فقال سعيد بن زيد: أَمَا إنَّك لو أَشَرتَ برجلٍ من المسلمين لائْتَمَنَكَ الناسُ، وقد فَعَل ذلك أبو بكرٍ وائْتَمَنَهُ الناسُ. فقال عمرُ: قد رأيتُ من أصحابي حِرصًا سيّئًا، وإني جاعلٌ هذا الأمرَ إلى هؤلاء النَّفَرِ السِّتَة الذين مات رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ. ثم قال عمرُ: لو أَدرَكَني أحدُ رجلين ثم جَعَلتُ هذا الأمرَ إليه لَوَثِقْتُ به: سالم مولى أبي حذيفة، وأبو عُبيدة بن الجرَّاح. هذا الإسناد على شرط السُّنن، ولم يخرِّجوه. وعلي بن زيد بن جُدعان له غرائب وإفرادات، ولكن له شاهد (¬3)، والله أعلم. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 20 رقم 129). وأخرجه -أيضًا- ابن المنذر في «تفسيره» (2/ 592 رقم 1441) من طريق يحيى بن آدم، عن حماد، به. (¬2) الكلالة: هو أن يموت الرجل ولا يترك والدًا ولا ولدًا يرثانه، وأصله من تَكلَّه النَّسَب إذا أحاط به. «النهاية» (4/ 197). (¬3) يشير إلى: ما أخرجه الطيالسي (1/ 30 رقم 26) وابن سعد (3/ 353) والبلاذُري في «أنساب الأشراف» (ص 365) من طريق أبي عَوَانة، عن داود بن عبد الرحمن الأَوْدي، عن حميد بن عبد الرحمن الحِميَري، قال: حدَّثنا ابنُ عباس قال: أنا أولُ الناسِ أتى عمرَ -رضي الله عنه- حين طُعِنَ، فقال: يا ابنَ عباس، احفَظ عني ثلاثًا، فإني أخافُ ألا يُدرِكني الناسُ: إني لم أقضِ في الكلالةِ، ولم أَستَخلِفْ على الناسِ خليفةً، وكلُّ مملوكٍ لي عتيقٌ. فقيل له: استَخلِفْ. فقال: أيُّ ذلك فَعَلتُ فقد فَعَلَهُ مَن هو خيرٌ مني، إنْ استَخلِفْ؛ فقد استَخلَفَ مَن هو خيرٌ مني أبو بكرٍ -رضي الله عنه-، وإنْ أدعِ الناسَ إلى أمرِهِم؛ فقد تَرَكَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ... وهذا إسناد صحيح، كما قال الشيخ الألباني في «الإرواء» (6/ 129). ... وقد أخرج مسلم في «صحيحه» (1/ 396 رقم 567) في المساجد، باب نهي من أكل ثومًا أو بصلاً أو كُراثًا أو نحوها، و (3/ 1236 رقم 1617) في الفرائض، باب ميراث الكلالة، من طريق مَعدان بن أبي طلحة: أنَّ عمرَ بن الخطاب خَطَبَ يومَ الجمعةِ، فذَكَر نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم، وذَكَر أبا بكرٍ، قال: إنِّي رأيتُ دِيكًا نَقَرَني ثلاثَ نَقَراتِ، وإنِّي لا أراه إلا حُضُورَ أجلي، وإنَّ أقوامًا يأمرونني أنْ أَستَخلِفَ، وإنَّ اللهَ لم يكن لِيُضيِّعَ دينَهُ، ولا خلافتَهُ، ولا الذي بَعَث به نبيَّهُ صلى الله عليه وسلم، فإنْ عَجَل بي أمرٌ؛ فالخلافةُ شورى بين هؤلاء السِّتَة، الذين تُوفي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ ... ، ثم إنِّي لا أدعُ بعدي شيئًا أهمَّ عندي من الكَلاَلةِ ... الحديث.

حديث آخر (463) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا سفيان، عن عمرو، عن الزهري، عن مالك بن أوس قال: سَمِعتُ عمرَ -رضي الله عنه- يقول لعبد الرحمن بن عوف، وطلحة، والزبير، وسعد: نَشَدتُكُم بالله الذي تقومُ السماءُ والأرضُ به، أَعَلِمتُم أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّا لا نُورَثُ / (ق 177) ما تَرَكْنا صدقةٌ»؟ قالوا: نعم. وقد أخرجه الجماعة (¬2) من طرق، عن الزهري، به. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 25 رقم 172). (¬2) أخرجه البخاري (6/ 93، 297 رقم 3094، 4904) في الجهاد، باب المجن ... ، وفي فرض الخمس، باب فرض الخمس، و (7/ 334 رقم 4033) في المغازي، باب حديث بني النضير، و (8/ 629 رقم 4885) في التفسير، باب قوله: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} و (9/ 502 رقم 5358) في النفقات، باب حبس الرجل قوت سنة على أهله، و (12/ 6 رقم 6728) في الفرائض، باب قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «لا نُورَث»، و (13/ 277 رقم 7305 - فتح) في الاعتصام، باب ما يُكره من التعمق، ومسلم (3/ 1376 رقم 1757) في الجهاد، باب حكم الفيء، وأبو داود (3/ 441 - 444 رقم 2963، 2964) في الفرائض، باب صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والترمذي (4/ 135 رقم 610) في السير، باب ما جاء في تركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنسائي في «الكبرى» (4/ 64 رقم 6309، 6310). ولم يروه ابن ماجه، كما يُفهم من كلام المصنِّف.

وعند البخاري: عن مالك بن أوس، عن عمرَ، وعثمان، وعلي، وسعد، والعبَّاس، خمستهم، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وعند مسلم: عن هؤلاء الخمسة وعبد الرحمن بن عوف والزُّبير بن العوَّام. وله في رواية أبي داود (¬1): عن عمرَ، عن أبي بكرٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، كما تقدَّم في «مسند الصِّديق». طريق أخرى (464) قال أحمد (¬2): ثنا إسماعيل -هو: ابن عُليَّة- أنبأ أيوب، عن عكرمة بن خالد، عن مالك بن أوس بن الحَدَثان قال: جاء العبَّاسُ وعليٌّ إلى عمرَ يَختَصمانِ، فقال العبَّاس: اقْضِ بيني وبين هذا، الكذا وكذا! فقال الناس: افصِلْ بينهما، افصِلْ بينهما. قال: لا أَفصِلُ بينهما، قد عَلِما أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نُورَثُ، ما تَرَكْنا صدقةٌ». ¬

(¬1) رقم (2963). (¬2) في «مسنده» (1/ 49 رقم 349). وهذا إسناد صحيح، كما قال الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه لـ «المسند» (1/ 306).

أثر آخر (465) قال أبو بكر بن داود الظاهري: ثنا حمدان بن علي الورَّاق، ثنا عبيد الله بن موسى، أنا ابن أبي ليلى، عن الشَّعبي، عن عَبيدة السَّلماني: أنَّ أهلَ بيتٍ بالشامِ وَقَع عليهم بيتٌ، فورَّث عمرُ بعضَهم من بعض (¬1). إسناده صالح. ¬

(¬1) وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (6/ 278 رقم 31335) في الفرائض، باب في الغرقى، عن وكيع، عن ابن أبي ليلى، به. وابن أبي ليلى، هو: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى: صدوق سيئ الحفظ، وقد اضطَّرب فيه: فمرَّة قال: عن الشعبي، عن عَبيدة! كما ذَكَر المصنِّف. ومرَّة قال: عن الشعبي، عن عمر! ليس فيه: عَبيدة السَّلماني! ومن هذا الوجه: أخرجه سعيد بن منصور (1/ 84 رقم 232) والدارمي (4/ 1975 رقم 3090) في الفرائض، باب ميراث الغرقى. وهذا -مع ضعفه- منقطع بين الشَّعبي وعُمر، وبه أعلَّه الشيخ الألباني في «الإرواء» (6/ 153).

أثر في العول

أثر في العَوْل (¬1) (466) قال محمد بن إسحاق (¬2): ثنا الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس أنَّه قال: إنَّ الذي أحصى رملَ عالجٍ لم يجعل في مالٍ واحدٍ نصفًا، ونصفًا، وثلثًا. فقال له زُفَر بن أَوس: يا أبا عباس، مَن أوَّل مَن أعال الفرائضَ؟ قال: عمر. قال: ولم؟ قال: لمَّا تَدَافعت عليه، ورَكَب بعضُها بعضًا، قال: واللهِ ما أدري كيف أَصنعُ بكم؟ والله ما أدري أيَّكم قدَّم اللهُ، ولا أيَّكم أخَّر؟! قال: وما أَجدُ في هذا المال أحسنَ من أن / (ق 178) أَقسِمَهُ عليكم بالحِصَص. ثم قال ابن عباس: وايمُ اللهِ، لو قدَّم مَن قدَّم اللهُ، وأخَّر مَن أخَّر اللهُ، ما عَالَت فريضةٌ. فقال له زُفَر: وأَيُّهم قدِّم، وأَيُّهم أخِّر؟ فقال: كلُّ فريضةٍ لا تزولُ إلا إلى فريضةٍ فتلك التي قدَّم اللهُ. فقال له زُفَر: فما مَنَعَكَ أن تُشيرَ بهذا على عمرَ؟ ‍‍‍‍فقال: هِبْتُهُ، واللهِ. قال ابن إسحاق: فقال لي الزهري: وايمُ اللهِ، لولا أنَّه تَقَدَّمَهُ إمامُ هدًى كان أمرُهُ على الورع ما اختَلَف على ابن عباس اثنان من أهل العلم. ¬

(¬1) العَوْلُ: يُقال: عَالَت الفريضةُ: إذا ارتفعَت وزادت سهامُها على أصلِ حسابِها المُوجَبِ عن عَدَدِ وَارثِيها. «النهاية» (3/ 321). (¬2) ومن طريقه: أخرجه -أيضًا- إسماعيل بن إسحاق القاضي، كما في «المحلى» (9/ 264) والحاكم (4/ 340) والبيهقي (6/ 253) والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (2/ 123 رقم 750). قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. وحسَّنه الشيخ الألباني في «الإرواء» (6/ 145).

هذا إسناد جيد صحيح إلى عمرَ، وهو مشهور عنه، وقد وافق ابنَ عباس على ترك العَول طائفةٌ من السَّلف، ثم ادُّعي بعدُ الإجماعُ على ذلك، فالله أعلم.

أثر في توريث العصبات

أثر في توريث العَصَبات (467) قال أبو بكر بن داود الظاهري: ثنا محمد بن سعد العوفي، ثنا محمد بن كُناسة، ثنا الثوري، عن الأعمش، عن أبي وائل قال: كَتَب عمرُ إلى عبد الله: أيُّ العصبةِ كان أقربَ للأُمِّ فأَعطِهِ المالَ (¬1). ¬

(¬1) وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (10/ 288 رقم 19135) عن الثوري. وابن أبي شيبة (6/ 297 رقم 31546) في الفرائض، باب من قال: إذا كانت العصبة أحدهم أقرب ... ، عن وكيع. وسعيد بن منصور (1/ 64 رقم 133) عن أبي معاوية. ثلاثتهم (الثوري، ووكيع، وأبو معاوية) عن الأعمش، به. وهذا إسناد صحيح.

أثر في العمة

أثر في العَمَّة (468) قال مالك (¬1): عن محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن عمرَ أنَّه كان يقول: عَجَبًا للعمَّة تُورَثُ ولا تَرِثُ. طريق أخرى (469) قال أبو بكر بن داود: ثنا يحيى بن أبي طالب، أنا يزيد، أنا حبيب بن أبي حبيب، عن عمرو بن هَرِم، عن جابر بن زيد: أنَّ عمرَ قَضَى للعَمَّةِ الثُّلُثين، وللخالةِ الثُّلُثُ (¬2). ¬

(¬1) في «الموطأ» (2/ 19) في الفرائض، باب ما جاء في العمة. وأعلَّه ابن التركماني بالانقطاع، فقال في «الجوهر النقي» (6/ 213): هذا منقطع، أبو بكر لم يَسْمع من عُمر. (¬2) وأخرجه -أيضًا- الطحاوي (4/ 400) من طريق يزيد بن هارون، به. وهذا منقطع؛ جابر بن زيد لم يُدرك عمر، فهو من الطبقة الثالثة، وهي الطبقة الوسطى من التابعين. و-أيضًا-: حبيب بن أبي حبيب فيه لِين، كما قال الحافظ في «التقريب». وله شواهد: منها: ما أخرجه سعيد بن منصور (1/ 68 رقم 154) وابن سعد (7/ 100) وابن أبي شيبة (6/ 250 رقم 31105) في الفرائض، باب في الخالة والعمة، والطحاوي (4/ 399) من طريق داود بن أبي هند، عن الشَّعبي قال: أُتي زياد في رجل مات، وترك عمَّتَه وخالتَه، فقال: هل تدرون كيف قَضَى عمرُ فيها؟ قالوا: لا. قال: والله إنيِّ لأعلمُ الناسِ بقضاءِ عمرَ فيها، جَعَلَ العمَّةَ بمنزلةِ الأخِ، والخالةَ بمنزلةِ الأختِ، فأَعطى العمَّةَ الثلثين، والخالةَ الثلثَ. وإسناده ضعيف؛ زياد، وهو: ابن أبيه، أورد له الذهبي هذا الأثر في ترجمته من «الميزان» (2/ 86 رقم 2923) ونقل عن ابن حبان قوله فيه: ظاهر أحواله المعصية، وقد أجمع أهل العلم على ترك الاحتجاج بمن كان كذلك. وضعَّفه الشيخ الألباني في «الإرواء» (6/ 143). ومنها: ما أخرجه سعيد بن منصور (1/ 68 رقم 153) وعبد الرزاق (10/ 282 رقم 19113) وابن أبي شيبة (6/ 251 رقم 31112) والدارمي (4/ 1947 رقم 3022) من طريق يونس بن عبيد، عن الحسن، عن عمرَ: أنه أعطى العَمَّةَ الثلثين، والخالةَ الثلثَ. وهذا منقطع بين الحسن وعمر. ومنها: ما أخرجه ابن عبدالبر في «الاستذكار» (4/ 360) عن عبد الله بن محمد بن أسد، عن محمد بن أحمد بن محمد الخياش، عن مالك بن يحيى بن مالك أبي غسان، عن يزيد بن هارون، عن حميد الطويل، عن بكر بن عبد الله المُزَني: أنَّ عمرَ بن الخطاب قَضَى للعمَّة بثلثي الميراث، وللخالةِ بالثلثِ. وهذا منقطع، بكر المُزَني من الطبقة الثالثة، وهي الطبقة الوسطى من التابعين. وقد أشار إلى هذه الروايات الثلاث البيهقي في «سننه» (6/ 217) وأعلَّها، فقال: ورواه الحسن، وجابر بن زيد، وبكر بن عبد الله المُزَني، وغيرهم: أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- جعل للعمَّة الثلثين، وللخالةِ الثلثَ. وجميع ذلك مراسيل، ورواية المدنيين عن عمرَ أولى أن تكون صحيحة، والله أعلم. قلت: لعله يقصد برواية المدنيين رواية أبي بكر بن عمرو بن حزم عن عمرَ الماضية. وخالَفَه ابن التركماني، فقال في «الجوهر النقي» (6/ 217 - بهامش السُّنن الكبرى): فهذه وجوه كثيرة عن عمرَ يَشدُّ بعضها بعضًا أنه ورَّث ذوي الأرحام. قلت: وأخرج ابن أبي شيبة (6/ 250 رقم 31104) عن أبي بكر بن عيَّاش، عن عاصم، عن زِرٍّ، عن عمرَ: أنه قَسَمَ المالَ بين عمَّةٍ وخالةٍ. قال ابن التركماني: هذا سند صحيح متَّصل. وقال ابن عبد البر في «الاستذكار» (4/ 360): ولم يختلف أهل العراق عن عمرَ أنه ورَّث العمَّة والخالة، واختَلَفوا فيما قَسَمَهُ لهما.

أثر في المشركة، وهي الحمارية

أثر في المُشرَّكة، وهي الحِمَارية (470) قال محمد بن نصر المروزي: ثنا محمد بن مثنىَّ، ثنا معاذ بن معاذ، ثنا حسين المعلِّم، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب: أنَّ عمرَ أَشرَكَ بين الإخوة من الأب والأُمِّ، وبين الإخوة من الأُمِّ في الثُّلُثِ (¬1). وهذا إسناد صحيح. (471) وكذا رواه أبو بكر بن داود الظاهري، عن أحمد بن الوليد اللَّحام، عن عبد الوهاب، عن سليمان التَّيمي، عن أبي مِجْلَز: أنَّ عمرَ شَرَّكَ بينهم، ولم يُشرِّك بينهم عثمانُ، ولا عليٌّ. وهذا منقطع، يشهد له الأوَّل، وقد روي من وجه آخر عنه بأبسطَ منه. وصحَّ ذلك -أيضًا- عن عثمانَ، وهو قول ابنِ مسعود وزيد. ومَنَعَهُ عليٌّ وأبو موسى (¬2). ¬

(¬1) وأخرجه -أيضًا- أبو بكر ابن زياد النيسابوري في «الزيادات على كتاب المُزَني» (ص 431 - 432 رقم 354) عن أبي الأزهر، عن حسين المعلِّم، به. تنبيه: ذكر محقق «الزيادات» رواية محمد بن نصر هذه، وقال عند تخريجها: «وأخرجه ابن كثير في مسند الفاروق»!! وهذه هفوة لا يتصوَّر صدورها من المحقِّق الدكتور، فالحافظ ابن كثير لا يروي الحديث بإسناده، وإنما يعزوه إلى أصحاب المصنَّفات. (¬2) أما أثر عثمان وعلي: فأخرجه الحاكم (4/ 337) -وعنه البيهقي (6/ 256) - عن أبي العباس محمد بن يعقوب، ثنا يحيى بن أبي طالب، ثنا يزيد بن هارون، أنا سليمان التيمي، عن أبي مِجْلَز: أنَّ عثمانَ بن عفان -رضي الله عنه- شرَّك بين الأخوة من الأم والأخوة من الأب والأم، وأنَّ عليًّا -رضي الله عنه- لم يُشرِّك بينهم. وأما أثر زيد وابن مسعود: فأخرجه إسحاق الكوسج في «مسائله» (2/ 804) من طريق وكيع. والبيهقي (6/ 256) من طريق يزيد بن هارون. كلاهما (وكيع، ويزيد) عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن عمرَ وابن مسعود وزيد بن ثابت -رضي الله عنهم- قالوا في زوج وأم وإخوة لأم، وأخوات للأب والأم من الأم في ثلثهم، وكانوا يقولون: لم يزدهم الأبُ إلا قُربًا، وكانوا يجعلون ذَكَرهم وأُنثاهم فيه سواء. وأخرج إسحاق الكوسج في «مسائله» (2/ 804) عن أحمد، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: كان عمر وزيد وعبد الله -رضي الله عنهم- يُشرِّكون، وكان علي -رضي الله عنه- لا يُشرِّك. قلت: عثمان -رضي الله عنه- كان يُشرِّك في هذا؟ قال: نعم. وعن ابن مسعود -أيضًا-: أخرجه إسحاق الكوسج في الموضع السابق (2/ 804) والبيهقي (6/ 256) من طريق أبي قيس الأودي، عن هُزيل، عن عبد الله -رضي الله عنه- في زوج وأم وإخوة لأم وإخوة لأب وأم أنه لم يُشرِّك بينهم. قال الكوسج: قلت: أليس هذا خلافًا لحديث منصور؟ قال: نعم، نأخذ برواية منصور. وعن زيد -أيضًا-: أخرجه الحاكم (4/ 337) -وعنه البيهقي (6/ 256) - عن أبي العباس محمد بن يعقوب، ثنا يحيى بن أبي طالب، ثنا يزيد بن هارون، أبنا أبو أمية بن يعلى الثَّقَفي، عن أبي الزِّناد، عن عمرو بن [وهب]، عن أبيه، عن زيد بن ثابت في المشرَّكة قال: هَبُوا أن أباهم كان حمارًا، ما زادهم الأبُ إلا قُربًا. وأَشرَكَ بينهم في الثلث. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وأما أثر أبي موسى: فأخرجه البيهقي (6/ 27).

قوله في الجد

/ (ق 179) قوله في الجَدِّ (472) قد ثبت في «الصحيحين» (¬1) عن عبد الله بن عمرَ: أنَّ عمرَ قال: ثلاثٌ وَدِدِتُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان عهد إلينا فيهنَّ عهدًا ننتهي إليه: الجدُّ، والكلالة، وأبواب من أبواب الرِّبا. ولهذا اختَلَفت آراؤه في الجدِّ على وجوه، فكان أوَّلا يذهبُ إلى قول ¬

(¬1) أخرجه البخاري (10/ 45 رقم 5588 - فتح) في الأشربة، باب ما جاء في أن الخمر ما خامر العقل من الشراب، ومسلم (4/ 2322 رقم 3032) في التفسير، باب في نزول تحريم الخمر.

الصِّدِّيق فيه من إنزاله أَبًا، ثم رجع إلى التشريك بينه وبين الإخوة لما ناظره زيد بن ثابت في ذلك، كما نقله البيهقي في «سننه الكبير» (¬1)، وقد كان مذهب زيد إذ ذاك تقديم الأخوة عليه، فرجع كلٌّ منهما عن مذهبه، وصارا إلى التشريك، وهو قول ابن مسعود رضي الله عنهم. (473) قال أبو بكر بن داود الظاهري في كتاب «الفرائض»: ثنا يحيى بن أبي طالب، أنا يزيد بن هارون، أنا هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن عَبيدة قال: إنِّي لأحفظُ عن عمرَ -رضي الله عنه- في الجدِّ مائةُ قضيةٍ، كلُّها ينقضُ بعضُها بعضًا. هذا إسناد صحيح. ¬

(¬1) (6/ 247).

أثر في المعادة

أثر في المعادَّة (474) قال عبد الله بن المبارك (¬1): أنا يونس، عن الزهري، حدثني سعيد بن المسيّب وعبيد الله بن عبد الله بن عُتبة وقَبيصة بن ذُؤَيب: أنَّ عمرَ بن الخطاب قَضَى أنَّ الجَدَّ يقاسِمُ الإخوةَ للأبِ والأُمِّ، والإخوةِ للأبِ ماكانت المقاسمةُ خيرًا له من ثُلُثِ المالِ، فإن كَثُرَ الإخوةُ أَعطى الجَدَّ الثُّلُثَ، وكان للإخوة ما بَقِيَ، للذَّكَر مثلُ حظِّ الأنثيين، وقَضَى أنَّ بني الأب والأُمِّ أولى بذلك من بني الأبِ، ذكورِهِم وإناثِهِم، غيرَ أنَّ بني الأب يقاسمون الجَدَّ لبني الأب والأُمِّ / (ق 180) فيَردُّون عليهم، ولا يكونُ لبني الأب مع بني الأب والأُمِّ شيء، إلا أن يكونَ بنو الأب يردُّون على بنات الأب والأُمِّ، فإن بَقِيَ شيءٌ بعد فرائضِ بناتِ الأبِ والأُمِّ فهو للإخوةِ للأبِ، للذَّكَر مثلُ حظِّ الأنثيين. هذا إسناد صحيح (¬2). ¬

(¬1) ومن طريقه: أخرجه البيهقي (6/ 248). (¬2) جاء بحاشية الأصل ما نصُّه: بلغت قراءة على شيخنا أثابه الله تعالى.

أثر فيمن أسلم قبل قسمة ميراث أبيه

أثر فيمن أسلم قبل قسمة ميراث أبيه (475) قال أبو بكر بن داود: ثنا إسماعيل بن محمد القاضي، أنا أبو الربيع الزهراني، ثنا حماد، عن أيوب، عن أبي قِلاَبة، عن حسان بن بلال المُزَني: أنَّ يزيدَ بن قتادة حدَّث أنَّ رجلاً من أهله مات وهو على غير الإسلام، فوَرِثَتْهُ أختي دوني، وكانت على دينه، ثم إنَّ أبي أَسلَمَ، فشَهِدَ مع رسولِ الله حُنينًا، فمات، فأحرَزتُ ميراثَهُ سَنَةً، وكان ترك نخلاً، ثم إنَّ أختي أَسلَمَتْ، فخاصَمَتني في الميراث إلى عثمان بن عفان، فحدَّثه عبد الله بن الأرقم: أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- قَضَى أنَّ من أسلم على ميراث قبل أن يُقسَمَ فله نصيبه، فقَضَى به عثمان، فذَهَبت بذلك الأوَّل، وشارَكَتني في هذا (¬1). انتهى الجزء الأول، ويليه الجزء الثاني، وأوله: كتاب النكاح ¬

(¬1) وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (10/ 345 رقم 19320) والطبراني في «الكبير» (22/ 243 رقم 635) وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (5/ 2799 رقم 6635) وابن عبد البر في «التمهيد» (2/ 56) والمستَغفِري وأبو مسلم الكَجِّي، والشِّيرازي في كتاب «المصابيح في الصحابة»، كما في «الإصابة» (8/ 141) من طريق أيوب به. وفي رواية عبد الرزاق: «عن أبي قِلاَبة، عن رجل، عن يزيد بن قتادة»! وهذا المبهم يظهر أنه حسان بن بلال، كما في الروايات الأخرى. وهذا إسناد رجاله ثقات، وحسان بن بلال وثَّقه ابن المديني. ويزيد بن قتادة: ذكره الحافظ في «الإصابة» (10/ 358)، وقال: في صحبته نظر، وذكره الطبراني وأبو نعيم، واستدركه أبو موسى، وليس في سياق حديثه تصريح بصحبته، لكن يؤخذ ذلك بالتأمل. قلت: لكن قال إسماعيل بن إسحاق القاضي: هذا حكم لا يحتمل فيه على مثل حسان بن بلال ويزيد بن قتادة؛ لأن فقهاء الأمصار من أهل المدينة والكوفة على خلافه، ولأن ظاهر القرآن يدل على أن الميراث يجب لأهله في حين موت الميت. انظر: «التمهيد» (2/ 57).

كتاب النكاح

كتاب النكاح (476) قال الحافظ أبو بكر البزَّار (¬1): ثنا عمر بن الخطاب - يعني: السِّجستاني-، ثنا أبو اليَمَان، ثنا شعيب، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن عمرَ قال: تأيَّمَتْ حفصةُ من خُنَيس بن حُذافة ... ، وذَكَر الحديث، كما تقدَّم في «مسند الصِّدِّيق» في عَرْض الرَّجل ابنتَهُ على أهل الخير والصَّلاح. وكذا أورده أصحاب الأطراف (¬2) من حديث عمر في رواية البخاري (¬3)، والنسائي (¬4) من حديث الزهري، به. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 227 رقم 116). (¬2) انظر: «تحفة الأشراف» (8/ 56 رقم 10523) و «إتحاف المهرة» (12/ 280 رقم 15581). (¬3) أخرجه البخاري (7/ 317 رقم 4005) في المغازي، باب منه، و (9/ 175، 183، 201 رقم 5122، 5129، 5145 - فتح) في النكاح، باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح، وباب من قال: لا نكاح إلا بولي، وباب تفسير ترك الخطبة. (¬4) (6/ 386 رقم 3248) في النكاح، باب عرض الرجل ابنته على من يَرضى.

حديث في استئمار البنات

حديث في استئمار البنات (477) قال أبو القاسم الطَّبراني (¬1): ثنا محمد بن الفضل السَّقَطي، ثنا عبد العزيز بن عبد الله، ثنا يزيد بن عبد الملك، عن يزيد بن خُصَيفة، عن السائب بن يزيد، عن عمرَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أنْ يزوِّجَ امرأةً من نسائِهِ يأتيها من وراءِ الحجراتِ، فيقول: «يابُنيَّة، إنَّ فلانًا قد خَطَبَك، فإن كَرِهتِ فقولي: لا، فإنَّ أحدًا لا يَستحي أنْ يقولَ: لا، وإنْ أَحبَبتِ / (ق 181) فإنَّ سُكُوتَكِ إقرارٌ». هذا حديث غريب من هذا الوجه، ويزيد بن عبد الملك هو: النَّوفَلي، وقد تكلَّموا فيه، وضعَّفوه (¬2). ¬

(¬1) في «معجمه الكبير» (1/ 73 - 74 رقم 88). (¬2) قال النسائي: متروك الحديث. وقال أحمد: عنده مناكير. وقال أبو حاتم: منكر الحديث جدًّا. وساق له ابن عدي عدة روايات في ترجمته، منها هذا الحديث، ثم قال: عامَّة ما يَرويه غير محفوظ. انظر: «الجرح والتعديل» (9/ 278 رقم 1171) و «تهذيب الكمال» (22/ 196) و «الكامل» (7/ 261). والحديث ضعَّفه الشيخ الألباني في «السلسلة الضعيفة» (9/ 186 رقم 4166)، ونبَّه على أن قوله: «فإن كَرِهتِ، فقولي: لا»؛ زيادة منكرة.

أثر عن عمر في الأولياء

أثر عن عمر في الأولياء (478) قال الإمام الشافعي (¬1): أنا مالك (¬2) فيما بلغه، عن سعيد بن المسيّب، عن عمرَ -رضي الله عنه- أنَّه قال: لا تُنكَحُ المرأةُ إلا بإذنِ وليِّها، أو ذي الرأي من أهلِها، أو السُّلطانِ. وكذا رواه ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن بُكَير بن الأشجِّ، سَمِعَ سعيد بن المسيّب، عن عمرَ، به. ورواه الدارقطني في «سننه» (¬3). (479) وقال سعيد بن أبي عَروبة، عن قتادة، عن الحسن، وسعيد بن المسيّب: أنَّ عمرَ قال: لا نكاحَ إلا بوليٍّ، وشاهدَي عدلٍ (¬4). ¬

(¬1) في «الأم» (7/ 222). (¬2) وهو في «الموطأ» (2/ 29) في النكاح، باب استئذان البكر والأيم في أنفسهما. (¬3) (3/ 228 - 229) عن أبي بكر النَّيسابوري -وهو في كتابه «الزيادات على كتاب المُزَني» (ص 467 - 468 رقم 423) - عن يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب، به. (¬4) ومن هذا الوجه: أخرجه أبو بكر ابن زياد النيسابوري في «الزيادات على كتاب المُزَني» (ص 465 رقم 417) والبيهقي (7/ 126) من طريق محمد بن إسحاق، ثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن سعيد بن أبي عَروبة، به. قال البيهقي: هذا إسناد صحيح، وابن المسيّب كان يقال له: راوية عمر، وكان ابن عمر يُرسِل إليه يسأله عن بعض شأن عمر وأمره. قلت: وقد صحَّ عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: البغايا اللاتي ينكحن أنفسهن بغير بيِّنة: أخرجه الترمذي (3/ 411 رقم 1104) في النكاح، باب ما جاء لا نكاح إلا ببينة، وابن أبي شيبة (3/ 445 رقم 15961) في النكاح، باب في المرأة تزوِّج نفسها، من طريق سعيد بن أبي عَروبة، عن قتادة، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس ... ، فذكره. ورواه عن ابن أبي عَروبة: يزيد بن هارون وغُندَر، ورواية يزيد بن هارون عن ابن أبي عَروبة قبل اختلاطه. انظر: «الكواكب النيِّرات» (ص 195).

هذا ... (¬1). أثر آخر (480) روى أبو الحسن الدارقطني (¬2) من حديث إبراهيم بن محمد بن طلحة (¬3) قال: قال عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه: لأَمْنَعَنَّ فُرُوجَ ذواتِ الأحسابِ إلا من الأكفاءِ. فيه انقطاع. أثر آخر (481) قال ابن جريج (¬4): أخبرني عبد الحميد بن جُبَير بن شيبة، عن ¬

(¬1) موضع كلمة مطموسة في الأصل. (¬2) في «سننه» (3/ 298) عن الحسين بن إسماعيل، عن إسحاق بن بُهلول قال: قيل لعبد الله بن أبي رَوَّاد: يزوِّج الرَّجل كريمته من ذي الدِّين إذا لم يكن في الحَسَب مثله؟ قال: حدثني مِسْعَر، عن سعد بن إبراهيم، عن إبراهيم بن محمد بن طلحة قال: ... ، فذكره. وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (6/ 152 رقم 10324) وابن أبي شيبة (4/ 53 رقم 17696) في النكاح، باب ما قالوا في الأكفاء في النكاح، وابن أبي الدُّنيا في «العيال» (ص 39 رقم 118) والبيهقي (7/ 133) من طريق إبراهيم بن محمد بن طلحة، به. وقد نبَّه المؤلِّف على انقطاعه، لكن قال ابن رجب في «شرح علل الترمذي» (1/ 311): ونقل مهنَّا عن أحمد أنه ذكر حديث إبراهيم بن محمد بن طلحة، قال: قال عمرُ: لأَمنَعَنَّ فُرُوجَ ذواتِ الأحسابِ إلا من الأَكفاءِ. قال: فقلت له: هذا مرسل عن عمرَ؟ قال: نعم، ولكن إبراهيم بن محمد بن طلحة كبير. (¬3) ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه بين إبراهيم بن محمد بن طلحة وعمر. (¬4) ومن طريقه: أخرجه عبد الرزاق (6/ 198 رقم 10486) وسعيد بن منصور (1/ 149 رقم 530) وابن أبي شيبة (3/ 442 رقم 15936) في النكاح، باب في المرأة إذا تزوجت بغير ولي، وأبو بكر ابن زياد النيسابوري في «الزيادات على كتاب المُزَني» (ص 467 رقم 422) وعنه: الدارقطني (3/ 225). وهذا منقطع، كما قال المؤلِّف، فإنَّ عكرمة بن خالد، وهو: ابن العاص بن هشام المخزومي لم يَسْمع من عمر. قاله الإمام أحمد. انظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص 158 رقم 586). وقيل: عن ابن جريج، عن عكرمة بن خالد! ليس فيه: عبد الحميد بن جُبَير بن شيبة! ومن هذا الوجه: أخرجه الشافعي في «الأم» (5/ 13). وهو منقطع أيضًا.

عكرمة بن خالد قال: جَمَعَتْ الطريقُ رَكبًا، فجَعَلت امرأةٌ منهم ثيِّبٌ أَمرَها بيدِ رجلٍ غيرَ وليٍّ، فأَنكَحَها، فبَلَغ ذلك عمرَ بنَ الخطابِ، فجَلَدَ الناكِحَ والمُنكِحَ، ورَدَّ نكاحَهما. فيه انقطاع.

أثر في بطلان نكاح من تزوج وهو محرم

أثر في بطلان نكاح من تزوَّج وهو مُحرِم (482) قال الشافعي (¬1): أنا مالك (¬2)، عن داود بن الحصين، عن أبي غطفان بن طَرِيف المُزَني، أنَّه أَخبَرَه: أنَّ أباه طَرِيفًا تزوَّج امرأةً وهو مُحرِمٌ، فردَّ عمرُ بن الخطاب نكاحَهُ. صحيح. وقد روي عن عليِّ (¬3)، ¬

(¬1) في «الأم» (5/ 78). (¬2) وهو في «الموطأ» (1/ 469) في النكاح، باب نكاح المحرم. وأخرجه -أيضًا- أبو بكر ابن زياد النيسابوري في «الزيادات على كتاب المُزَني» (ص 507 رقم 506) من طريق يحيى بن سعيد، عن داود، به. (¬3) له طريقان: الطريق الأولى: أخرجها مُسدَّد في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (2/ 28، 152 رقم 1216، 1572) وأبو بكر ابن زياد النيسابوري في «الزيادات على كتاب المُزَني» (ص 507 - 508 رقم 507، 508) والبيهقي (7/ 213) من طريق مَطَر الورَّاق، عن الحسن، عن عليٍّ -رضي الله عنه- قال: أيُّما رجلٍ تزوَّج وهو مُحرِمٌ، انتزعنا منه امرأتَهُ، ولم نُجِز نكاحَهُ. وإسناده ضعيف؛ مَطَر، وهو: ابن طَهْمان، صدوق كثير الخطإ، كما قال الحافظ في «التقريب»، والحسن لم يَسْمع من عليٍّ. كما في «تحفة التحصيل» (ص 67). وأخرجه ابن عدي (6/ 415 - ترجمة ميمون المراثي) -ومن طريقه: البيهقي (5/ 66) - أنبأ الساجي، ثنا بندار، ثنا يحيى القطان، عن ميمون المراثي، عن الحسن، عن عليٍّ قال: من تزوَّج وهو مُحرِمٌ نزعنا منه امرأتَهُ. وهذا منقطع -أيضًا- بين الحسن وعلي، وميمون المرائي: متهم بالتدليس، ولم يصرِّح بالسماع من الحسن. الطريق الثانية: أخرجها البيهقي (5/ 66) من طريق القَعْنبي، عن سليمان بن بلال، عن جعفر بن محمد، عن أبيه: أنَّ عليًّا -رضي الله عنه- قال: لا يَنكِحُ المُحرِمُ، فإنَّ نكح رُدَّ نكاحُهُ. وهذا منقطع؛ والد جعفر، وهو: محمد بن علي بن الحسين لم يَسْمع من جدِّه عليٍّ رضي الله عنه. انظر: «تحفة التحصيل» (ص 282).

وابن عمر (¬1)، وزيد بن ثابت (¬2) مثله بأسانيد جيِّدة. ¬

(¬1) له طريقان: الطريق الأولى: أخرجها مالك (1/ 469) في النكاح، باب نكاح المحرم، عن نافع، عن ابن عمرَ قال: لا يَنكِحُ المُحرِمُ، ولا يَخطُبُ على نفسِهِ، ولا على غيرِهِ. الطريق الثانية: أخرجها أبو بكر ابن زياد النيسابوري في «الزيادات على كتاب المُزَني» (ص 509 رقم 510) عن أحمد بن منصور، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمرَ قال: لا يَتزوجُ المُحرِمُ، ولا يَخطبُ على غيرِهِ. وهذه أسانيد صحيحة. (¬2) أخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» (4/ 261) -ومن طريقه: البيهقي (5/ 66) - وأحمد في «مسائله» (2/ 790 رقم 1058 - رواية عبد الله) وأبو بكر ابن زياد النيسابوري في «الزيادات على كتاب المُزَني» (ص 508 - 509 رقم 509) والبيهقي (5/ 66) و (7/ 213) من طريق عبد العزيز بن محمد، عن قدامة بن موسى، عن شَوذب مولى زيد بن ثابت: أنه تزوَّجَ وهو مُحرِمٌ، ففرَّقَ زيد بن ثابت بينهما. وفي إسناده: شَوذب مولى زيد، وهو مجهول الحال، لم يرو عنه سوى قدامة بن موسى، وقد ذكره البخاري في المصدر السابق، وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (4/ 377 رقم 1649) ولم يَذكرا فيه جرحًا ولا تعديلاً. وذكره ابن حبان في «الثقات» (4/ 369)! وقد قال ابن حزم في «المحلى» (7/ 291): صحَّ عن عمرَ بن الخطاب وزيد بن ثابت فسخ نكاح المحرم إذا نكح.

حديث في الرغبة في ذات الحسب العريق والشرف

حديث في الرَّغبة في ذات الحسب العريق والشَّرَف وهو حديث: «كلُّ نَسَبٍ وسَبَبٍ، فإنَّه ينقطعُ يومَ القيامةِ إلا نَسَبي وَسَبَبي». (483) قال الحافظ أبو بكر البزَّار (¬1): ثنا سَلَمة بن شَبيب، ثنا الحسن بن محمد بن أَعْين، ثنا عبد الله بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جدِّه، عن عمرَ بن الخطاب قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «كلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ منقطعٌ يومَ القيامةِ إلا سَبَبي ونَسَبي». ثم قال البزَّار: رواه غير واحد عن زيد بن أسلم مرسلاً، ولم يَصله إلا عبد الله بن زيد بن أسلم. قلت: وقد تكلَّموا فيه، وضعَّفوه (¬2). طريق أخرى (484) قال الطَّبراني (¬3) في ترجمة الحسن بن علي رضي الله عنهما: حدثنا جعفر بن سليمان النَّوفلي المديني، ثنا إبراهيم بن حمزة الزُّبيري، ثنا عبد العزيز ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 397 رقم 274). (¬2) وثَّقه أحمد، وابن المديني، وقال أبو حاتم: ليس به بأس. وقال ابن سعد: أثبت ولد زيد بن أسلم. وضعَّفه ابن معين، وأبو زرعة، وقال البخاري: لا أروي عنه شيئًا. وقال مرَّة: لا بأس به. وقال النسائي: ليس بالقوي. انظر: «تهذيب الكمال» (14/ 535). وقال الحافظ في «التقريب»: صدوق، فيه لِين. (¬3) في «المعجم الكبير» (3/ 44 رقم 2633). قال الشيخ الألباني في «السلسلة الصحيحة» (5/ 62): وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات، رجال الصحيح، غير النَّوفلي شيخ الطبراني، فلم أجد له ترجمة. قلت: وقد خولف إبراهيم بن حمزة في روايته، خالَفَه سعيد بن منصور، فرواه عن الدَّرَاوَردِي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه: أنَّ عمرَ خَطَب إلى عليِّ بن أبي طالب ... ، فذكره، بمعناه. انظر: «سنن سعيد» (1/ 146 رقم 520). وهذا أصح؛ لأن سعيد بن منصور أثبت من إبراهيم بن حمزة، لكن في رواية جعفر بن محمد اختلاف آخر، سيأتي بيانه في الحديث التالي.

بن محمد الدَّرَاوَردِي، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: دعا عمرُ بن الخطاب عليَّ بن أبي طالب فسَارَّه، ثم قام عليٌّ، فجاء الصُّفَّةَ، فوَجَد عبَّاسًا، وعَقيلاً، والحسين، فشَاوَرَهم في تزوُّج أُمِّ كلثوم عمرَ، فغضب عَقيل، وقال: يا عليٌّ، ما تَزيدُكَ الأيامُ والشُّهورُ والسُّنونُ إلا العَمَى في أمرك، واللهِ لئن فَعَلتَ ليكُوننَّ، وليكُوننَّ. لأشياءَ ... (¬1)، ومضى يَجُرُّ ثوبَهُ. فقال عليٌّ للعبَّاس: واللهِ ما ذاك منه نصيحةً، و ... (¬2) دِرَّة عمرَ أَحوَجَتْهُ (¬3) إلى ما تَرَى، أما واللهِ ما ذاك رغبةً فيك يا عَقيل، ولكن قد أَخبَرَني عمرُ بن الخطاب أنَّه سَمِعَ رسولَ الله يقول: «كلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ منقطعٌ يومَ القيامةِ إلا سَبَبي ونَسَبي». فضَحِكَ عمرُ، وقال: وَيْح عَقيلٍ، سَفِيهٌ أحمقُ. طريق أخرى (485) قال الطَّبراني (¬4): ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا الحسن بن سهل الخيَّاط، ثنا سفيان بن عيينة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول للناس حين تزوَّج بنتَ عليٍّ: ألا تُهنِئوني، سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «يَنقطعُ يومَ القيامةِ كُلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ إلا سَبَبي ونَسَبي». ¬

(¬1) موضع كلمة مطموسة في الأصل، وعند الطبراني: «لأشياء عدَّدها». (¬2) موضع كلمة مطموسة في الأصل، وعند الطبراني: «ولكن». (¬3) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «أخرجته». (¬4) في «معجمه الكبير» (3/ 45 رقم 2635) و «الأوسط» (5/ 376 رقم 5606).

ثم قال الطَّبراني: لم يجوِّده إلا الحسن بن سهل، ورواه غيره عن سفيان بن عيينة، عن جعفر، عن أبيه، ولم يَذكروا جابرًا (¬1). واختاره الضياء في كتابه (¬2). / (ق 182) طريق أخرى (486) قال الهيثم بن كُلَيب الشَّاشي في «مسنده» (¬3): ثنا أبو قِلاَبة ¬

(¬1) ومن هذا الوجه: أخرجه سعيد بن منصور (1/ 147 رقم 521) وابن عبد البر في «الاستيعاب» (13/ 281 - بهامش الإصابة) من طريق ابن أبي عمر. وابن بَشكوال في «الغوامض والمبهمات» (2/ 771 رقم 803) من طريق محمد بن يزيد المقرئ. ثلاثتهم (سعيد بن منصور، وابن أبي عمر، والمقرئ) عن ابن عيينة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن عمرَ ... ، فذكره بمعناه، ليس فيه جابرًا! وقد توبع ابن عيينة على روايته، فأخرجه ابن سعد (8/ 463) عن أنس بن عياض. والقَطيعي في «زوائده على فضائل الصحابة» (2/ 625 رقم 1069) والبيهقي في «مناقب الشافعي» (1/ 64) من طريق وهيب بن خالد. كلاهما (أنس بن عياض، ووهيب) عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن عمرَ ... ، فذكره. ورجَّح هذا الوجه الإمام الدارقطني، فقال في «العلل» (2/ 190): هو حديث رواه محمد بن إسحاق، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جدِّه، عن عمرَ، وخالَفَه الثوري، وابن عيينة، ووهيب، وغيرهم، فرووه عن جعفر، عن أبيه، عن عمرَ، ولم يَذكروا بينهما جدَّه عليَّ بن الحسين، وقولهم هو المحفوظ. قلت: وهو منقطع بين محمد بن علي والد جعفر وعمر بن الخطاب. انظر: «تحفة التحصيل» (ص 282). (¬2) انظر: «المختارة» (1/ 197، 198 رقم 101، 102). (¬3) ليس في القسم المطبوع من «مسنده»، ومن طريقه: أخرجه الضياء في «المختارة» (1/ 398 رقم 281). وأخرجه -أيضًا- القَطيعي في «زوائده على فضائل الصحابة» (2/ 626 رقم 1070) وعنه: أبو نعيم في «معرفة الصحابة» (1/ 56 رقم 215) عن محمد بن يونس (وهو: الكُدَيمي) عن بِشر بن مِهران، به.

عبد الملك بن محمد الرَّقاشي، ثنا عمر بن عامر وبِشر بن مِهران قالا: ثنا شريك، ثنا شَبيب بن غَرقَدة، عن المُستَظِلِّ بن حصين: أنَّ عمرَ بن الخطاب خَطَب إلى عليٍّ ابنتَهُ، فاعتَلَّ بصغرِها، وقال: إني أَعددتُها لابن أخي جعفر، فقال عمرُ: إني واللهِ ما أردتُ بها الباهَ، إنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «كلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ يَنقطعُ يومَ القيامةِ غيرَ سَبَبي وَنَسَبي». إسناد حسن (¬1). واختاره الضياء أيضًا. طريق أخرى (487) قال الطَّبراني (¬2): ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا عُبادة بن زياد الأسدي، ثنا يونس بن أبي يعقوب (¬3)، عن أبيه، عن عبد الله بن عمر قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يقول: سَمِعتُ رسولَ اللهِ يقول: «كلُّ سَبَبٍ ونَسَبٍ يومَ القيامةِ منقطعٌ إلا سَبَبي ونَسَبي». ¬

(¬1) في إسناده شريك، وهو: ابن عبد الله النَّخَعي، صدوق، يخطئ كثيرًا، كما قال الحافظ في «التقريب». والمستظل بن الحصين: مجهول الحال، تفرَّد بالرواية عنه شَبيب بن غَرقَدة، وذكره البخاري في «التاريخ الكبير» (8/ 62 رقم 2158) وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (8/ 429 رقم 1959) وسكتا عنه. وذكره ابن حبان في «الثقات» (5/ 462). (¬2) في «معجمه الكبير» (3/ 45 رقم 2634). وأخرجه -أيضًا- أبو نعيم في «أخبار أصبهان» (1/ 199) من طريق محمد بن عبد الله الحضرمي، عن عُبادة بن زياد، به. قال الذَّهبي في «المهذَّب في اختصار السُّنن الكبير» (5/ 2632): إسناده صالح. (¬3) كذا ورد بالأصل. والذي في «المعجم»: «يَعْفور»، وهو الصواب الموافق لما في كُتُب الرجال. انظر: «تهذيب التهذيب» (11/ 452)

طريق أخرى (488) روى الحافظ أبو بكر البيهقي في «السُّنن الكبير» (¬1): عن أبي الحسين بن بَشران، عن دَعْلج بن أحمد، عن موسى بن هارون، عن سفيان بن وكيع، عن رَوْح بن عُبادة، عن ابن جريج، عن ابن أبي مُلَيْكَة، عن حسن بن حسن، عن أبيه: أنَّ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- لما خَطَب أُمَّ كلثوم بنتَ عليِّ بنِ أبي طالب، قال له عليٌّ رضي الله عنه: إنها صغيرةٌ. فقال: إني سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «كلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ منقطعُ يومَ القيامةِ إلا سَبَبي وَنَسَبي»، فأحببتُ أن يكونَ لي من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم سَبَبٌ وَنَسَبٌ. فزوَّجه عليّ رضي الله عنه. وفي رواية: فقال عليٌّ للحسن والحسين: زَوِّجا عمَّكما. فقالا: هي امرأةٌ من النساء تَختارُ لنفسها. فقام عليّ وهو مُغضَبٌ، فأمسك الحسنُ بثوبه، وقال: لا صبرَ على هجرانِكَ يا أَبَتاهُ. قال: فزَوَّجاه. (489) / (ق 183) وقد رواه الحافظ الإسماعيلي من طريق أخرى، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس، عن عمرَ، بنحوه. (490) ومن طريق أخرى عن إبراهيم بن مِهران بن رستم، عن الليث، عن موسى بن عُلَي بن رباح، عن أبيه، عن عُقبة بن عامر، عن ¬

(¬1) (7/ 64، 114). وأخرجه -أيضًا- الطَّبراني في «الأوسط» (6/ 357 رقم 6609) من طريق سفيان بن وكيع، به، وقال: لم يرو هذا الحديث عن ابن جريج إلا رَوْح، تفرَّد به سفيان بن وكيع. وقال الذَّهبي في «المهذَّب في اختصار السُّنن الكبير» (5/ 2631): ابن وكيع لا يعتمد عليه.

عمرَ، نحوه، أيضًا (¬1). فهذه طرق جيدة مفيدة للقطع في هذه القضية بما تضمَّنته، ولله الحمد. وأُم كلثوم هذه: هي ابنة عليِّ بن أبي طالب من فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والظاهر أنها وُلِدَت في حياته عليه السلام (¬2). (491) وقد ذَكَر الزُّبير بن بكَّار (¬3): أنَّ عمرَ بن الخطاب خَطَب أُمَّ ¬

(¬1) ومن هذا الوجه: أخرجه ابن عدي (1/ 272) والخطيب في «تاريخه» (6/ 182) من طريق أحمد بن الحسين الصُّوفي، عن إبراهيم بن رستم بن مِهران، عن الليث بن سعد، عن موسى بن عُلَي بن رباح، عن أبيه، عن عُقبة بن عامر قال: خَطَب عمرُ إلى عليِّ بن أبي طالب ابنتَه ... الحديث. وفي إسناده: إبراهيم بن رستم بن مِهران، قال عنه ابن عدي: ليس بمعروف، منكر الحديث عن الثقات. (¬2) وقال الذَّهبي في «السِّير» (3/ 500): وُلِدَت في حدود سنة ستٍّ من الهجرة، ورأت النبيَّ صلى الله عليه وسلم، ولم ترو عنه شيئًا. (¬3) في «جمهرة نسب قريش وأخبارها» (2/ 782). ومن طريقه: أخرجه ابن عساكر في «تاريخه» (19/ 483) وابن الجوزي في «المنتظم» (4/ 237). وهذه رواية معضلة لا تصح. وقصة كشف عمر لساق أُمِّ كلثوم لها طريق أخرى: أخرجها عبد الرزاق (6/ 163 رقم 10352) وسعيد بن منصور (1/ 147 رقم 521) عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن أبي جعفر قال: خَطَبَ عمرُ إلى عليٍّ ابنتَهُ، فقال: إنها صغيرةٌ. فقيل لعمرَ: إنما يريدُ بذلك مَنعَهَا، قال: فكلَّمه، فقال عليُّ: أَبعَثُ بها إليكَ، فإنْ رَضِيتَ فهي امرأتُكَ. قال: فبَعَثَ بها إليه، قال: فذهب عمرُ فكَشَفَ عن ساقِها، فقالت: أَرسِلْ، فلولا أنَّكَ أميرُ المؤمنينَ؛ لَصَكَكتُ عُنُقَكَ. وفي لفظ: لَلَطَمتُ عينيكَ. وهذا منقطع؛ أبو جعفر، وهو: محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب لم يُدرك جدَّه عليًّا، بَله عمر، وبه أَعلَّه الشيخ الألباني في «السلسلة الضعيفة» (3/ 434).

كلثوم إلى عليٍّ، فقال: إنها صغيرةٌ. قال: إني أُرْصِدُ كرامتَها. فقال: إنِّي أَبعثُها إليك، فإنْ رَضِيتَهَا فقد زَوجتُكَها. فبَعَثَها ببُرْدٍ، وقال: قولي له: هذا البُرْدُ الذي قلتُ. فقالت ذلك لعمرَ، فقال: قولي له: قد رَضيتُهُ رضي اللهُ عنكِ، ووَضَع يده على ساقِها فكَشَفَها، فقالت له: أتفعلُ هذا؟ لولا أنكَ أميرُ المؤمنين لكَسَرتُ أنفَكَ. ثم خَرَجتْ حتى أَتَتْ أباها، فأَخبَرَتْهُ الخبرَ، وقالت: بَعَثْتَني إلى شيخِ سوءٍ! قال: مَهلاً يابنيَّة، فإنه زَوجُكِ. ثم جاء عمرُ إلى مجلسٍ فيه المهاجرون والأنصار، فقال: رَفِّئِوني (¬1)، تَزوَّجتُ أُمَّ كلثوم بنتَ علي، سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «كُلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ وصِهرٍ منقطعُ يومَ القيامةِ إلا / (ق 184) سَبَبِي وَنَسَبِي وصِهري»، فكان لِيَ به السببُ والنَّسبُ، فأردتُ أن أَجمعَ إليه الصِّهرَ، فرَفَّئوه، فوَلَدَتْ له زيدًا ورُقيَّة. (492) وقال محمد بن سعد (¬2): عن الواقدي وغيره: أنَّ عمرَ لمَّا خَطَب إلى عليّ ابنتَهُ أُمَّ كلثوم قال: يا أميرَ المؤمنين، إنها صبيَّةٌ. قال: إنك واللهِ مابكَ ذلك، ولكن قد عَلِمْنا مابك. فأَمَرَ بها عليٌّ فصُنِعَت، ثم أمر ببُرْدٍ فَطَواهُ، ثم قال: انطَلِقِي بهذا إلى أميرِ المؤمنين ... ، وذَكَر نحو ما تقدَّم. (493) وقال أبو عبد الله محمد بن عيسى بن الحسن بن إسحاق التَّميمي البغدادي، المعروف بابن العلاَّف (¬3): ثنا علي -يعني: ابن بَيَان ¬

(¬1) أي: ادعو لي بالالتئام والاتفاق والبركة. انظر: «النهاية» (2/ 240). (¬2) في «الطبقات الكبرى» (8/ 464). (¬3) ذكره ابن السَّمعاني في «الأنساب» (3/ 383) وقال: من أهل بغداد، سكن مصر، وانتشر حديثه بها، وحدَّث بحلب ومصر، ومات فجأة لثمان عشرة خلت من جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وثلاثمائة، وصلِّي عليه في مصلَّى بني مسكين بمصر.

المقرئ، المعروف بالباقلاَّني- ثنا سعيد بن سليمان الواسطي، ثنا سيف بن هارون، ثنا فضيل بن كثير، ثنا عكرمة، عن ابن عباس قال: لما ابتنى عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه- بأُمِّ كلثوم، جاءه مشيخةٌ من المهاجرين، فكان تحيتُهُ إيَّاهم أنْ صَفَّرَ لحاهم بالمَلاَبِ (¬1). (494) وقال وكيع (¬2): عن هشام بن سعد، عن عطاء الخراساني (¬3): أنَّ عمرَ بن الخطاب أَمهَرَ أُمَّ كلثوم أربعينَ ألفًا. هذا منقطع (¬4). ¬

(¬1) وأخرجه -أيضًا- البلاذُري في «أنساب الأشراف» (2/ 137) والطبري في «تهذيب الآثار» (ص 466 رقم 834 - القسم المفرد) من طريق سيف بن هارون، به. وهذا إسناد ضعيف جدًّا؛ سيف بن هارون، قال عنه الدارقطني: ضعيف متروك. وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال أحمد: أحاديثه منكرة. وقال ابن حبان: يروي عن الأثبات الموضوعات. انظر: «الجرح والتعديل» (4/ 276 رقم 1191) و «تهذيب الكمال» (12/ 332). وفضيل بن كثير: مجهول الحال، روى عنه جمع، وذكره البخاري في «التاريخ الكبير» (7/ 123 رقم 553) وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (7/ 75 رقم 422) وسكتا عنه، وذكره ابن حبان في «الثقات» (5/ 295)! والمَلاَب: نوع من الطِّيب. انظر: «لسان العرب» (12/ 350 - مادة لوب). (¬2) ومن طريقه: أخرجه ابن سعد (8/ 463) وابن أبي شيبة (3/ 483 رقم 16381) في النكاح، باب مَن تزوَّج على المال الكثير وزوَّج به. (¬3) ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه بين عطاء الخراساني وعمر. (¬4) وله طريق أخرى: أخرجها البيهقي (7/ 233) من طريق ابن عدي، ثنا محمد بن داود بن دينار، ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا عبد الله بن زيد بن أسلم، عن أبيه زيد بن أسلم، عن أبيه: أنَّ عمرَ بن الخطاب أصدق أمَّ كلثوم بنت علي -رضي الله عنه- أربعين ألف درهم.

(495) وقد رواه إسحاق بن المنذر (¬1)، عن محمد بن عبد الملك، عن محمد بن المنكدر، عن جابر قال: تزوَّج عمرُ أُمَّ كلثوم بنتَ فاطمة على أربعينَ ألفًا. فهذا يقوِّي الذي قبله، والله أعلم. (496) وقال أبو العباس محمد بن عبد الرحمن الدَّغولي (¬2) في «معجم الصحابة»: ثنا أبو الأزهر أحمد بن الأزهر، ثنا زيد بن الحُبَاب، عن الربيع بن المنذر، حدثني أبي قال: سَمِعتُ محمد ابن الحنفية يقول: دخل عمرُ بن الخطاب على أُمِّ كلثوم أختي، فضَمَّني إليه، وقال لها: تَلطَّفيه بالحلواءِ (¬3). ¬

(¬1) ومن طريقه: أخرجه ابن الجوزي في «المنتظم» (4/ 237). وهو منقطع بين ابن المنكدر وجابر رضي الله عنه. وأخرجه -أيضًا- ابن أبي الدُّنيا في «إصلاح المال» (ص 347 رقم 428) عن خالد بن خِدَاش قال: حدثني عبد الله بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أسلم: أنَّ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- تزوَّج أُمَّ كلثوم بنت علي -رضي الله عنه- على أربعينَ ألفًا. وفي إسناده ضعف. (¬2) هو الإمام العلاَّمة، الحافظ، المجوِّد، شيخ خراسان، أبو العباس محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله السَّرخسي الدَّغولي، قال عنه الحاكم في كتابه «مزكِّي الأخبار»: كان أبو العباس أحد أئمَّة عصره بخراسان في اللُّغة والفقه والرواية، أقام بنيسابور مستفيدًا على محمد بن يحيى الذُّهْلي، وعبد الرحمن بن بِشر، وأقرانهما. توفي سنة 325 هـ. من تصانيفه: «الآداب» و «فضائل الصحابة». انظر: «تذكرة الحفَّاظ» (3/ 823) و «سير أعلام النبلاء» (14/ 557) و «تاريخ بغداد» (2/ 405). (¬3) وأخرج أبو طاهر المخلِّص في «سبعة مجالس من أماليه» (ص 155 رقم 79) والطَّبراني في «الكبير» (11/ 194 رقم 11621) والخطيب في «تاريخه» (10/ 271) من طريق عبد الرحمن بن بِشر بن الحكم، عن موسى بن عبد العزيز العَدَني، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- مرفوعًا: «كلُّ سَبَبٍ ونَسَبٍ مُنقطعٌ يومَ القيامةِ، إلا سَبَبي ونَسَبي». قال الشيخ الألباني في «السلسلة الصحيحة» (5/ 58): وهذا إسناد حسن في الشواهد، فإن الحكم بن أبان: صدوق عابد له أوهام، وموسى العَدَني: صدوق سيئ الحفظ. فائدة: قال الميموني: قلت لأحمد بن حنبل: أليس قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «كلُّ صِهرٍ وكلُّ نَسَبٍ مُنقطعٌ، إلا صِهري ونَسَبي»؟ قال: بلى. انظر: «السُّنة» للخلاَّل (2/ 433) و «شرح أصول الاعتقاد» للالكائي (8/ 1532).

أثر فيه الرغبة في ذات الدين والعقل والورع

/ (ق 185) أثر فيه الرَّغبة في ذات الدِّين والعقل والورع (497) قال أبو بكر محمد بن الحسين الآجري (¬1): ثنا أبو سعيد الحسن بن علي الجصَّاص، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم بن أَعْين، أخبرني أبي، ثنا عبد الله بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جدِّه أسلم قال: بينما أنا مع عمرَ بن الخطاب وهو يَعُسُّ المدينةَ (¬2) إذ أَعيا، فاتَّكأ على جانبِ جدارٍ في جوفِ الليلِ، فإذا امرأةٌ تقولُ لابنتها: ياابنتاه، قُومي إلى ذلك اللَّبنِ فامْذُقيهِ بالماء. فقالت لها: يا أمَّتاه، وما عَلمتِ (¬3) بما كان من عزمة أمير المؤمنين اليوم؟! قالت: وما كانت من عزمته يا بُنيَّة؟ قالت: إنَّه أمر مناديه فنادى: ألا يُشَابَ اللَّبنُ بالماء. فقالت لها: يابنتاه، قومي إلى اللَّبن فامْذُقيهِ بالماء، فإنك بموضعٍ لا يَراكِ عمرُ، ولا مُنادِي ¬

(¬1) في «أخبار عمر بن عبد العزيز» (ص 47 - 49). وفي إسناده: عبد الله بن زيد بن أسلم: صدوق، فيه لين، وقد تقدَّم الكلام عليه عند الحديث (484). (¬2) يَعُسُّ المدينة: أي: يطوف بالليل يحرسُ الناسَ، ويَكشِفُ أهلَ الرِّيبةِ. «النهاية» (3/ 236). (¬3) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «أو ما عَلِمتِ».

عمرَ. فقالت الصبيَّةُ لأمِّها: ياأمَّتاه، واللهِ ما كنتُ لأُطيعَهُ في الملأ، وأَعصِيَهُ في الخلا. وعمرُ يَسْمع كلَّ ذلك، فقال: يا أسلمُ، علِّمِ البابَ، واعرفِ الموضعَ. ثم مضى في عَسَسه، فلمَّا أصبح، قال: يا أسلمُ، امضِ إلى الموضعِ، فانظر مَن القائلة، ومَن المقول لها، وهل لهم من بَعْلٍ؟ فأتيتُ الموضعَ، فنَظَرتُ، فإذا الجاريةُ أَيِّمٌ لا بَعْلَ لها، وإذا تِيك أمُّها، وإذا ليس لهم (¬1) رجلٌ، فأتيتُ عمرَ بن الخطاب فأخبَرتُهُ، فدعا عمرُ وَلَدَهُ فجَمَعَهُم، فقال: هل فيكم مَن يحتاجُ / (ق 186) إلى امرأةٍ أُزوِّجُهُ، ولو كان بأبيكم حَرَكةٌ إلى النساء ما سَبَقَهُ فيكم (¬2) أحدٌ إلى هذه الجاريةِ. فقال عبد الله: لي زوجة. وقال عبد الرحمن: لي زوجة. وقال عاصم، يا أَبَتاهُ، لا زوجةَ لي، فزَوِّجني. فبَعَثَ إلى الجارية فزَوَّجها من عاصم، فوَلَدت لعاصم بنتًا، وَوَلَدت البنتُ بنتًا، وَوَلَدت الابنةُ عمرَ بن عبد العزيز رحمه الله. قال ابن الجوزي (¬3): كذا وقع في رواية الآجري، وهو غلط، وإنما الصواب: فوَلَدت لعاصمٍ بنتًا، وَوَلَدت البنتُ عمرَ بن عبد العزيز. قلت: فيه دلالة على ما ذَكَرناه، وعلى أنَّ مَن لا ولِيَّ لها يزوِّجها السُّلطان. ¬

(¬1) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «لها». (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «منكم» .. (¬3) في «سيرة ومناقب عمر بن عبد العزيز» (ص 5).

أثر في الستر على المخطوبة التي قد بدت منها هفوة في وقت، ثم تابت وأنابت

أثر في السَّتر على المخطوبة التي قد بَدَت منها هَفوة في وقت، ثم تابت وأنابت (498) قال أبو جعفر بن ذَرِيح: ثنا هنَّاد (¬1)، ثنا عَبدة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشَّعبي قال: أتى عمرَ بنَ الخطابِ رجلٌ، فقال: إنَّ ابنةً لي كنتُ وأدتُها في الجاهلية، فاستَخرَجتُها قبل أنْ تموتَ، فأدرَكَتْ معنا الإسلام، فأسلَمَتْ، فلمَّا أسلَمَتْ أصابَها حدٌّ من حدود الله، فأَخَذتِ الشَّفرةَ لِتَذبَحَ نفسَها، فأَدرَكناها وقد قَطَعت بعضَ أوداجِها (¬2)، فدَاوَيناها حتى بَرِئَت، ثم أَقَبَلتْ بعدُ بتوبةٍ حَسَنةٍ، وهي تُخطَبُ إلى قومٍ، فأُخبِرُهُم من شأنها بالذي كان؟ فقال عمرُ رضي الله عنه: أَتَعمِدُ إلى ما ستَرَهُ / (ق 187) اللهُ فتُبْدِيه! واللهِ لئن أَخبَرتَ بشأنها أحدًا من الناس لأَجعلنَّك نكالاً لأهلِ الأمصارِ، أَنكِحَها نكاحَ العفيفةِ المسلمةِ. فيه انقطاع. ¬

(¬1) وهو في «الزهد» له (2/ 647 رقم 1409). وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (6/ 247 - 248 رقم 10690) والطبري في «تفسيره» (6/ 104) والحارث بن أبي أسامة في «مسنده»، كما في «بغية الباحث» (ص 179 رقم 568) من طريق إسماعيل بن أبي خالد، به. وهو منقطع بين الشعبي وعمر، كما قال المؤلِّف. وله طريق أخرى صحيحة: أخرجها عبد الرزاق (6/ 246 رقم 10689). والطبري في «تفسيره» (6/ 104) من طريق ابن مهدي. كلاهما (عبد الرزاق، وابن مهدي) عن الثوري، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب: أنَّ رجلاً خُطِبَ إليه ابنةٌ له، وكانت قد أَحدَثَت، فجاء إلى عمرَ، فذكر ذلك له، فقال عمرُ: ما رأيتَ منها؟ قال: ما رأيتُ إلا خيرًا، قال: فزوِّجها، ولا تُخبِرْ. (¬2) الأوداج: ما أحاط بالعنق من العروق. «النهاية» (5/ 165).

(499) حديث من «تاريخ الخطيب» (¬1) في ترجمة الفضل بن أحمد الزُّبيدي -ثقة-، قال (¬2): نا زياد بن أيوب، قال ابن عُليَّة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ (¬3): أنَّه تزوَّج امراةً، فأصابَها شمطاءَ، فطَلَّقها، وقال: حَصيرٌ في بيتٍ، خيرٌ من امرأةٍ لا تَلِدُ، واللهِ ما أقربُكُنَّ شهوةً، لكنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «تزوَّجُوا الودُودَ، الولُودَ، فإنِّي مكاثِرٌ بكم الأُممَ يومَ القيامةِ». رواه عنه ابن شاهين، وأبو محمد ابن معروف، وذَكَره الدارقطني، فقال: ثقة مأمون. ¬

(¬1) (12/ 377). (¬2) القائل هو: الزُّبيدي. (¬3) كذا ورد بالأصل. والذي في مطبوع «التاريخ»، وطبعة الدكتور بشَّار المحقَّقة (14/ 353): «عن ابن عمرَ»، ليس فيه: عمر!

حديث في التنفير من سيئة الخلق والخلق

حديث في التَّنفير من سيِّئة الخَلْق والخُلُق (500) قال محمد بن نوح الجُندَيسابوري: ثنا الحسين بن إسحاق، ثنا أبو جعفر أحمد بن النعمان المِصِّيصِي، ثنا عبد الله بن عبد الواحد، ثنا يونس، عن معاوية بن قُرَّة، عن أبيه، عن عمرَ قال: لم يُعطَ أحدٌ بعدَ كُفْرٍ باللهِ شرًّا من امرأةٍ حديدةِ اللسانِ، سيِّئةِ الخُلُقِ، ولم يُعطَ العبدُ بعدَ الإيمانِ باللهِ خيرًا من امرأةٍ حَسَنَةِ الخُلُقِ، وَدُودٍ، وَلُودٍ. وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ منهنَّ غُنْمًا لا يُحذَى منه، وإنَّ منهنَّ غُلاًّ لا يُفادَى منه» (¬1). غريب. ¬

(¬1) وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (3/ 554 رقم 17136) في النكاح، باب المرأة الصالحة والسيئة الخُلُق، والبيهقي (7/ 82) من طريق يونس (وهو ابن عبيد) به، مقتصرًا على الموقوف. وتابَعَه شعبة -في أصح الوجهين عنه-، فأخرجه أبو القاسم البغوي في «الجعديات» (1/ 531 رقم 1112) عن علي بن الجَعْد. والبيهقي (7/ 82) من طريق يحيى بن أبي بُكَير. كلاهما (علي بن الجَعْد، ويحيى) عن شعبة، عن معاوية بن قُرَّة، به، ولفظه: ما أفادَ رجلٌ فائدةً بعد الإسلامِ خيرًا من امرأةٍ حسناءَ، حَسَنةِ الخُلُقِ، وَدُودٍ، وَلودٍ، والله ما أفادَ رجلٌ فائدةً بعد الشركِ باللهِ شرًّا من امرأةٍ سيئةِ الخُلُقِ، حديدةِ اللسانِ، والله إنَّ منهنَّ لغُلاًّ ما يُفدَى عنه، وغُنمًا ما يُحذَى منه. والطريق الأخرى عن شعبة: أخرجها أبو نعيم في «الحلية» (7/ 243) والبيهقي في «شعب الإيمان» (14/ 195 رقم 7680) من طريق محمد بن بِشر، عن مِسْعَر، عن شعبة، عن معاوية بن قُرَّة، عن عمرَ. ليس فيه: «قُرَّة»! وهذا مع انقطاعه منكر، تفرَّد به محمد بن بِشر عن مِسْعَر دون بقية أصحابه المتقنين، لذا قال أبو نعيم عقب روايته: غريب من حديث مِسْعَر، تفرَّد به محمد بن بِشر. ورجَّح الوجه الأول الدراقطني، فقال في «العلل» (2/ 205 رقم 223): والصحيح: المتَّصل. ولقول عمر طريق أخرى: أخرجها هنَّاد في «الزهد» (2/ 598 رقم 1267) عن أبي معاوية، عن عاصم الأَحول، عن مُورِّق، عن عمرَ ... ، فذكره. وهذا إسناد رجاله ثقات، إلا أنَّ مُورِّقًا، وهو: ابن مُشَمرِج البصري لم يَسْمع من عمر، كما صرَّح بذلك الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (4/ 354). وأما قول الشيخ عبد الرحمن الفريوائي في تعليقه على «الزهد» لهنَّاد: «وإسناده صحيح»؛ ففيه نظر، لما علمتَ من عدم سماع مورِّق من عمرَ.

أثر آخر (501) قال أبو القاسم البغوي (¬1): ثنا أبو نصر التَّمار، ثنا عبيد الله بن عمرو، عن عبد الملك بن عُمَير، عن زيدِ بنِ عَذَبَةَ (¬2) قال: قال عمرُ بن الخطاب: الرِّجالُ ثلاثةٌ، والنساءُ ثلاثةٌ (¬3): امرأةٌ هيِّنةٌ، ليِّنةٌ، عفيفةٌ، ¬

(¬1) ومن طريقه: أخرجه ابن عساكر في «تاريخه» (44/ 362). وأخرجه -أيضًا- ابن أبي الدُّنيا في «الإشراف» (ص 227 رقم 267) عن أبي نصر التَّمار، به. وقد خولف عبيد الله بن عمرو في إسناده، خالَفَه شَيبان، وسفيان، وأبو عَوَانة الوَضَّاح بن عبد الله اليشكري، فرَوَوه عن عبد الملك بن عُمَير، عن زيد بن عُقبة، عن سَمُرة بن جندب، عن عمرَ ... ، فذكره، فزاد في إسناده سَمُرة بين زيد بن عُقبة وعمر! ومن هذا الوجه: أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 554 رقم 17141) في النكاح، باب المرأة الصالحة والسيِّئة الخُلُق، وعمر بن شبَّة في «تاريخ المدينة» (2/ 771) والبيهقي في «شعب الإيمان» (13/ 219 رقم 7131). فتبيَّن بهذا: أنَّ هناك اختلافًا على عبد الملك بن عُمَير، والراجح -والله أعلم- رواية من رواه بإثبات سَمُرة بن جندب في الإسناد؛ وذلك لاتفاق ثلاثة من الرواة على روايته هكذا, وقد يكون سبب هذا الاختلاف عبد الملك بن عُمَير نفسه, لأنه وإن كان ثقةً؛ إلا أنه تغيَّر حفظه، وكان مدلِّسًا. (¬2) كذا ورد بالأصل. والذي في «تاريخ ابن عساكر»: «عُقبة»، وهو الموافق لما في مصادر التخريج. (¬3) كَتَب المؤلِّف فوقها: «كذا».

مسلمةٌ، وَدُودٌ، وَلُودٌ، تُعينُ أهلَها على الدَّهر، ولا تُعينُ الدَّهرَ على أهلها، وقَلَّ ما تجدها، وأخرى وعاءً للولد، لا تزيدُ على ذلك شيئًا، وأخرى غُلُّ قَمِلٌ (¬1)، يَجعلُهُ اللهُ في عُنُق من يشاءُ، ويَنزعه إذا شاءَ. والرِّجالُ ثلاثةٌ: فرجلٌ عاقلٌ، إذا أَقبَلَت الأمورُ وتشبَّهت / (ق 188) يُؤتَمَرُ (¬2) فيها أمرُهُ، ويُنزَلُ عند رأيه، وآخرُ حائِرٌ بائِرٌ (¬3)، لا يأتَمِرُ رُشْدًا، ولا يَسْمعُ مُرشِدًا (¬4). ¬

(¬1) غُلٌّ قَمِلٌ: قال ابن الأثير: كانوا يأخذون الأسير فيشُدُّونه بالقِدِّ وعليه الشَّعر، فإذا يَبَسَ قَمِلَ في عُنُقه، فتجتمع عليه محنتان: الغُلُّ والقَملُ، ضَرَبه مَثَلاً للمرأة السَّيئةِ الخُلُقِ، الكثيرةِ المهرِ، لا يجدُ بعلُها منها مخلصًا. «النهاية» (3/ 381) (¬2) كَتَب المؤلِّف فوقها «يأتمر»، وكَتَب فوقها: «خ»، إشارة إلى وروده في نسخة. (¬3) حائر بائر: إذا لم يتَّجه لشيء، وقيل: هو إتباع لحائر. «النهاية» (1/ 161). (¬4) لم يذكر الثالث، وفي «تاريخ دمشق»: «وآخر ينزل به الأمر فلا يعرفه، فيأتي ذا الرأي فينزل عند رأيه».

أثر في كراهة تزويج المرأة الحسنة من الرجل القبيح المنظر

أثر في كراهة تزويج المرأة الحَسَنة من الرجل القبيح المنظر (502) قال أبو محمد ابن حيَّان: ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن، ثنا سعيد بن عمرو، ثنا بقيَّة، ثنا إسماعيل، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عمرَ أنَّه قال: لا تُنكِحوا المرأةَ الرَّجلَ القبيحَ الذَّميمَ، فإنهنَّ يحببن لأنفسهنَّ ماتحبُّون لأنفسِكم (¬1). أثر آخر (503) قال أبو عبيد (¬2): حدثني يزيد -يعني: ابن هارون-، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن أبيه، عن عمرَ أنَّه قال: ما بالُ رجالٍ لا يزالُ أحدُهم كاسِرًا وِسادَهُ عند امرأةٍ مُغزِيَة، يَتَحدَّثُ إليها، وتَتَحدَّثُ إليه، عليكم بالجَنْبَة، فإنها عفافٌ، ¬

(¬1) وأخرجه -أيضًا- سعيد بن منصور (1/ 211 رقم 811) عن عيسى بن يونس. وابن أبي شيبة (4/ 201 رقم 19255) في النكاح، باب ما كُره من الكراهية للنساء أن يطلبن الخُلع، عن وكيع. وعمر بن شبَّة في «تاريخ المدينة» (2/ 769) وابن أبي الدُّنيا في «العيال» (ص 39 رقم 123) من طريق عبد الله بن داود. والأبنوسي في «مشيخته» (2/ 151 رقم 232) من طريق أبي سعيد محمد بن مسلم بن أبي الوضَّاح. أربعتهم (عيسى بن يونس، ووكيع، وعبد الله بن داود، وأبو سعيد) عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عمرَ ... ، فذكره. وهذا منقطع، عروة لم يَسْمع من عمر. قاله أبو زرعة. انظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص 149 رقم 542). (¬2) في «غريب الحديث» (4/ 248). وهذا إسناد صحيح، وعبد الرحمن بن حاطب سَمِعَ عمر. قاله ابن معين. انظر: «تاريخ ابن معين» (2/ 650 - رواية الدُّوري).

إنما النساءَ لحمٌ على وَضَمٍ، إلا ما ذُبَّ عنه. المرأة المُغزِيَة: التي قد غاب زوجُها في الغزو. والجَنبَة: أي: الاجتناب والتَّنحِّي. والوَضَم: ما وَقَيت به اللَّحم من الأرض من خشب أو حصير ونحوه، أي: إذا كان كذلك، فإنَّه لا يمتنع ممَّن أراده إلا ماذُبَّ عنه.

أثر يذكر في النظر إلى المخطوبة

أثر يُذكر في النظر إلى المخطوبة (504) قال أبو حاتم الرازي: ثنا علي بن مَعبد، عن بَقيَّة بن الوليد، عن معمر، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: قال عمرُ رضي الله عنه: إذا تَمَّ لونُ المرأةِ وشَعرُها، فقد تمَّ حُسْنُها، والعَجيزةُ (¬1) أحدُ الوجهين (¬2). أثر آخر (505) قال أبو عبيد (¬3): حدثني حجَّاج، عن حماد بن سَلَمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عمرَ أنَّه قال: ماتَصَعَّدتني خطبةٌ ما تَصَعَّدتني خُطبةُ النكاحِ. يعني: ما شَقَّتْ عليَّ خُطبةٌ كخُطبةِ النكاحِ، لقوله تعالى: {كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} (¬4)، وقوله: {يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا} (¬5)، وقوله: {سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا} (¬6). ¬

(¬1) العَجيزة: جمع عَجُز، وهو من الرجل والمرأة ما بين الوَرِكَين، وهي للمرأة خاصة. انظر: «النهاية» (3/ 186) و «المصباح المنير» (ص 321 - مادة عجز). (¬2) في إسناده بَقيَّة بن الوليد، وهو مدلِّس، ولم يصرِّح بالسماع. (¬3) في «غريب الحديث» (4/ 278). وهذا منقطع؛ عروة لم يَسْمع من عمر. قاله أبو زرعة. انظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص 149 رقم 542). (¬4) الأنعام: 125 (¬5) الجن: 17 (¬6) المدثر: 17

أثر في ضرب الدفوف في الأعراس

أثر في ضرب الدُّفوف في الأعراس (506) قال أبو بلال الأشعري: ثنا محمد بن أبان، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: سَمِعَ عمرُ صوتًا في دار، فقال: ما هذه الضَّوضاءُ؟ فقالوا: عُرسٌ. فقال: فهلاَّ حرَّكوا من غرابِيلِهم. يعني: الدُّفوف (¬1). طريق أخرى (507) قال الخطيب البغدادي (¬2): ثنا إبراهيم بن مَخلد بن جعفر، ثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم الحُكَيمي، ثنا العباس بن محمد، ثنا ¬

(¬1) وإسناده ضعيف، أبو بلال الأشعري: ضعَّفه الدراقطني. انظر: «الميزان» للذهبي (4/ 507 رقم 10040). (¬2) في «تاريخه» (5/ 415). وأخرجه -أيضًا- معمر بن راشد في «جامعه» الملحق بـ «المصنَّف» (11/ 5 رقم 19738) عن أيوب، به. وقد اختُلف على أيوب في إسناده: فقيل: عنه، عن محمد بن سيرين، عن عمرَ! وقيل: عنه، عن محمد بن سيرين قال: نبِّئت عن عمرَ! وقيل: عنه، عن ابن عمرَ، عن عمرَ! أما الوجه الأول: فقد تقدم تخريجه. وأما الوجه الثاني: فأخرجه سعيد بن منصور (1/ 173 رقم 632) وابن أبي شيبة (3/ 485 رقم 16396) في النكاح، باب ما قالوا في اللهو، عن ابن عُليَّة، عن أيوب، عن محمد بن سيرين قال: نبِّئت عن عمرَ! وهو منقطع على الوجهين، فابن سيرين لم يَسْمع من عمر. وأما الوجه الثالث: فأخرجه مُسدَّد في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (2/ 202 رقم 1692) عن حماد (وهو ابن زيد) عن أيوب، عن ابن عمرَ، عن عمرَ! وهذا منقطع -أيضًا- بين أيوب وابن عمر.

محمد بن عبد الله الأَرُزِّي، ثنا عاصم بن هلال، ثنا أيوب، عن محمد بن سيرين: أنَّ عمرَ كان إذا سَمِعَ صوتَ دُفٍّ أو كَبَرٍ (¬1) فقالوا: عُرسٌ أو ختانٌ، سَكَت. ¬

(¬1) الكَبَرُ: الطَّبل الصغير. «النهاية» (4/ 143).

أثر في استحباب تزويج الصغار عند البلوغ

/ (ق 189) أثر في استحباب تزويج الصِّغار عند البلوغ (508) قال محمد بن إسحاق الصَّاغاني: ثنا إسحاق بن عيسى بن الطَّبَّاع، حدثني العطَّاف بن خالد، عن زيد بن أسلم قال: قال عمرُ بن الخطاب: زَوِّجوا أولادَكم إذا بَلَغوا، لا تَحمِلُوا آثامَهم (¬1). ¬

(¬1) وإسناده ضعيف؛ لانقطاعه بين زيد بن أسلم وعمر، ولضعف العطَّاف بن خالد.

أثر في استحباب الجمع بين المتحابين بالتزويج

أثر في استحباب الجمع بين المتحابَّين بالتزويج (509) قال أبو عمر بن حيُّويه (¬1): حدثني أبو بكر محمد بن خلف، حدثني أبو محمد البَلْخي، حدثني أحمد بن سُرَاقة، حدثني العباس بن الفرج قال: سَمِعتُ الأصمعيَّ، عن ابن أبي الزِّناد (¬2) قال: قال عمرُ بن الخطاب: لو أدركتُ عَفراءَ وعروةَ لجَمَعتُ بينهما. هذا منقطع. وعَفراء وعروة بن حِزَام كانا في الجاهلية، ويُؤثَر عنهما أشعارٌ في المحبة (¬3). (510) وقد روى ابن ماجه في «سننه» (¬4) من حديث طاوس، عن ابن عباس: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لم يُرَ للمتحابَّين مثلُ النكاحِ». ¬

(¬1) ومن طريقه: أخرجه ابن الجوزي في «ذم الهوى» (ص 417). وأخرجه -أيضًا- أبو محمد جعفر بن أحمد السرَّاج القارئ في «مصارع العشَّاق» (1/ 264) من طريق محمد بن خلف، به. (¬2) ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه بين ابن أبي الزِّناد وعمر. (¬3) انظر: «ذم الهوى» لابن الجوزي (ص 407 - 419). (¬4) (1/ 593 رقم 1847) من طريق محمد بن مسلم الطائفي، عن إبراهيم بن ميسرة، عن طاوس، به. وأخرجه -أيضًا- العقيلي (4/ 134) والطبراني في «الكبير» (11/ 42 رقم 11009) والحاكم (2/ 160) وتمام في «فوائده» (2/ 366، 367 رقم 732، 733، 734 - الروض البسام) والبيهقي (7/ 78) من طريق محمد بن مسلم، به. ومداره على محمد بن مسلم الطائفي، وهو صدوق يخطئ، وقد تفرَّد بوَصْل هذا الحديث، ولذا أعلَّه البيهقي بقوله عقب روايته: لا يُتابَع عليه. قلت: وقد خالَفَه ثلاثة من الثقات فأرسلوه، وهم: 1 - سفيان بن عيينة: وروايته عند سعيد بن منصور (1/ 139 رقم 492). وأبي يعلى =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = (5/ 132 رقم 2747) عن أبي خيثمة. والعقيلي (4/ 134) من طريق الحميدي. ثلاثتهم (سعيد بن منصور، وأبو خيثمة، والحميدي) عن ابن عيينة، عن إبراهيم، عن طاوس، مرسلاَ. وقد خولف هؤلاء، خالَفَهم أحمد بن حرب الطائي، فرواه عن ابن عيينة، عن إبراهيم، عن طاوس، عن ابن عباس، موصولاً! ومن هذا الوجه: أخرجه ابن شاذان في «مشيخته» (ص 110 رقم 60). وهذا منكر، فقد تفرَّد بوَصْله مَن لا يُحتمل تفرُّده، زد على هذا: أن في الطريق إليه مَن لا يُعرف بعدالة ولا جرح، ومَن لا يوجد له ترجمة، كما نبَّه على ذلك الشيخ الألباني في «السلسلة الصحيحة» (2/ 196). 2 - ابن جريج: وروايته عند عبد الرزاق (6/ 168 رقم 10377) وابن أبي شيبة (3/ 440 رقم 15909) في النكاح، باب في التزويج ... ، والبيهقي (7/ 78). 3 - معمر: وروايته عند عبد الرزاق (6/ 168 رقم 10377). وهذا الوجه المرسل أصح؛ لاتفاق ثلاثة من الثقات على روايته، وهو ما رجَّحه العقيلي، فقد قال عقب روايته: وهذا أولى. قلت: وقد جاءت رواية تؤيد رواية محمد بن مسلم الطائفي المتَّصلة، لكنها معلَّة: أخرجها الخليلي في «الإرشاد» (3/ 947) وأبو القاسم المهرواني في «المهروانيَّات» (ص 253 رقم 165 - تخريج الخطيب) من طريق عبد الصمد بن حسَّان، عن الثوري، عن إبراهيم بن ميسرة، به، موصولاً. وقد أعلَّ هذا الوجه الخطيب البغدادي، فقال: لم يرو هذا الحديث كذا موصولاً عن سفيان الثوري إلا عبد الصمد بن حسَّان، وتابَعَه مؤمَّل بن إسماعيل، وأخرجه غيره عن سفيان مرسلاً، ولم يَذكر ابن عباس في إسناده، وهو الصواب. قلت: عبد الصمد بن حسان هذا: قال عنه الخليلي: «يتفرد بأحاديث»، وقد تفرَّد هنا عن الثوري بما لا يتابَع عليه، وفي كلام الخطيب ما يبين أن غيره من أصحاب الثوري رواه مرسلاً. وأما رواية مؤمَّل بن إسماعيل التي أشار إليها الخطيب: فقد أخرجها الخليلي في الموضع السابق، وهي رواية منكرة؛ فمؤمَّل بن إسماعيل صدوق سيئ الحفظ، =

حديث آخر (511) قال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي: أنا الحسن بن سفيان، ثنا الرفاعي، ثنا أبو الحسين، ثنا عبد الله بن بُدَيل، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن عمرَ: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «الشُّؤمُ في ثلاثةٍ: في الدَّابةِ، والمسكنِ، والمرأةِ». وكذا رواه أبو يعلى (¬1)، عن أبي هشام الرِّفاعي، عن زيد بن الحُبَاب، عن عبد الله بن بُدَيل، به. وهذا حديث حسن الإسناد من هذا الوجه (¬2). ¬

= قال عنه محمد بن نصر المروزي: مؤمَّل إذا انفرد بحديث وَجَب أن يُتوقَّف ويُتثبَّت فيه، لأنه كان سيئ الحفظ، كثير الغلط. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال يعقوب بن سفيان: حديثه لا يشبه حديث أصحابه، وقد يجب على أهل العلم أن يقفوا عن حديثه، فإنه يروي المناكير عن ثقات شيوخه، وهذا أشد، فلو كانت هذه المناكير عن الضعفاء؛ لكنَّا نجعل له عذرًا. وقال السَّاجي: له أوهام يطول ذكرها. انظر: «تهذيب التهذيب» (10/ 381). قلت: فتفرُّد مثل هذا عن إمام مشهور، كالثوري، يُعدُّ منكرًا، وقد صحَّح الشيخ الألباني في «السلسلة الصحيحة» (2/ 196) رواية محمد بن مسلم الطائفي المتَّصلة، اعتمادًا على ورودها عن ابن عيينة من وجه آخر متصلة -وقد سبق بيان ما فيها من علَّة- وعلى رواية الثوري المتصلة من طريق عبد الصمد عنه -وقد سبق بيان ما فيها أيضًا-، فثبت بهذا: أن المحفوظ المرسل، وهو ما رجَّحه العقيلي. (¬1) في «مسنده» (1/ 198 رقم 229). (¬2) لكن له علَّة، فقد ذكر أبو يعلى عقب روايته لهذا الحديث عن شيخه أبي هشام الرِّفاعي أنه قال: هو خطأ. قلت: وهذا الذي قاله أبو هشام الرِّفاعي هو الصواب، ووجه صوابه: أنَّ عبد الله بن بُدَيل راويه عن الزهري صدوق يخطئ، فروايته منكرة، لاسيَّما وقد خالَفَه ثقات أصحاب الزهري المتقنين الذين رَوَوه عنه، فجعلوه من مسند ابن عمر، وهم: مالك، ويونس، وابن عيينة، وصالح بن كَيسان، وعُقيل بن خالد، وشعيب بن أبي حمزة. انظر رواياتهم عند البخاري (6/ 60 رقم 2858) في الجهاد، باب ما يُذكر من شؤم الفرس، و (9/ 137 رقم 5093) في النكاح، باب ما يتقى من شؤم المرأة ... ، و (10/ 212 رقم 5753) في الطب، باب الطيرة، ومسلم (4/ 1746 رقم 2225) (115) (116) في السلام، باب الطيرة والفأل وما يكون فيه من الشؤم. وقد خفيت علَّة هذه الرواية على الأستاذ حسين أسد في تحقيقه لـ «مسند أبي يعلى»، فحسَّن رواية عمر، وساق لها شاهدًا من حديث ابن عمر! والواقع أنهما حديث واحد، اختُلف في صحابيه.

وقد صحَّ من وجه آخر (¬1). ¬

(¬1) منها: ما أخرجه البخاري (6/ 60 رقم 2859) و (9/ 137 رقم 5095) ومسلم (4/ 1748 رقم 2226) من حديث سهل بن سعد -رضي الله عنه- مرفوعًا: «إنْ كان؛ ففي المرأة، والفَرَس، والمسكن». يعني: الشُّؤم. ومنها: ما أخرجه مسلم (2227) من حديث جابر -رضي الله عنه- مرفوعًا: «إنْ كان في شيءٍ؛ ففي الرَّبع، والخادم، والفَرَس». ولفقه هذه الروايات: انظر: «الفتح» (6/ 61) و «مفتاح دار السعادة» لابن القيم (3/ 332 - 343).

حديث في تحريم نكاح المتعة

حديث في تحريم نكاح المتعة (512) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا عفَّان وبهز، قالا: ثنا همام، ثنا قتادة، عن أبي نَضرة: قلت لجابر بن عبد الله: إنَّ ابنَ الزُّبير ينهى عن المتعة، وإنَّ ابنَ عباس يأمُرُ بها؟ قال: فقال: على يَدَيَّ جَرَى الحديثُ، تَمَتَّعنا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم -قال عفَّان: ومع أبي بكرٍ-، فلمَّا وَلِيَ عمرُ -رضي الله عنه- خَطَب الناسَ، / (ق 190) فقال: إنَّ القرآنَ هو القرآنُ، وإنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم هو الرسولُ، وإنهما كانتا مُتَعَتَانِ على عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: إحداهما الحجُّ، والأخرى متعةُ النساءِ. هكذا رواه الإمام أحمد. وأخرجه مسلم (¬2)، عن محمد بن المثنَّى، ومحمد بن بشَّار. كلاهما عن غُندَر، عن شعبة، عن قتادة، به. ولفظه: فلما قام عمرُ، قال: إنَّ اللهَ كان يُحِلُّ لرسولِهِ ما شاء، وإنَّ القرآنَ قد نَزَل منازِلَهُ، فأتمُّوا الحجَّ والعمرةَ للهِ، كما أَمَرَكُمُ اللهُ، وأَبِتُّوا نكاحَ هذه النساءَ، فلن أُوتى برجلٍ نَكَحَ امرأةً إلى أَجَلٍ إلا رَجَمتُهُ بالحجارةِ. ثم رواه، عن زُهَير بن حرب، عن عفَّان، عن همام، عن قتادة، به. وقال في الحديث: فافْصِلُوا حجَّكم من عُمْرتِكُم، فإنَّه أَتمَّ لحجِّكم وعُمْرتِكُم. وذَكَر أبو مسعود وخَلَف في آخر هذا الحديث قول عمر: مُتعَتَان كانتا على عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنا أَنهى عنهما. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 52 رقم 369). (¬2) في «صحيحه» (2/ 885 رقم 2117) في الحج، باب في المتعة بالحج والعمرة.

قال شيخنا أبو الحجَّاج القضاعي في «أطرافه» (¬1): ولم يَذكر ذلك الحميدي، ولا وَجَدتُهُ في «صحيح مسلم». فهذا الحديث يقتضي ظاهره أنَّ عمرَ إنما نهى عن متعة النكاح برأيه، وقد صحَّ النهيُّ عنها من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في «الصحيحين» (¬2)، عن عليٍّ. وعند مسلم (¬3)، عن الرَّبيع بن سَبرة. وهو ثابت من طرق أخر، كما سيأتي بيانها في مواضعها. بل قد ورد ذلك مرفوعًا عن عمرَ -رضي الله عنه- / (ق 191) في الحديث الآخر: (513) الذي رواه الحافظ أبو بكر البزَّار (¬4) حيث قال: حدثنا عمر بن الخطاب السِّجِستاني، ثنا الفِريابي، ثنا أبان بن أبي حازم، حدثني أبو بكر بن حفص، عن ابن عمرَ، عن عمرَ قال: لمَّا وَلِيَ عمرُ حَمِدَ اللهَ، وأَثنى عليه، ثم قال: أيُّها الناسُ، إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أَحَلَّ لنا المتعةَ، ثم حَرَّمها علينا. ¬

(¬1) انظر: «تحفة الأشراف» (8/ 18 رقم 10425). (¬2) أخرجه البخاري (7/ 481 رقم 4216) في المغازي، باب غزوة خيبر، و (9/ 166، 653 رقم 5115، 5523) في النكاح، باب نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة أخيرًا، وفي الذبائح والصيد، باب لحوم الحمر الإنسية، و (12/ 333 رقم 6961 - فتح) في الحيل، باب الحيلة في النكاح، ومسلم (2/ 1027 رقم 1407) في النكاح، باب نكاح المتعة ... ، ولفظه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعةِ النساءِ يومَ خيبرَ، وعن أكلِ لحومِ الحُمُرِ الإنسيَّةِ. (¬3) (2/ 1023 رقم 1406) (19) في الموضع السابق، ولفظه: أَذِنَ لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالمتعةِ ... ، الحديث، وفيه: ثمَّ إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَن كان عنده شيءٌ من هذه النساءِ التي يَتَمتَّعُ؛ فليُخَلِّ سبيلَها». (¬4) في «مسنده» (1/ 286 رقم 183).

وقد أخرجه ابن ماجه (¬1)، عن محمد بن خلف بن عمَّار العسقلاني، عن محمد بن يوسف الفِريابي، به. ثم قال البزَّار: لا نعلم له إسنادًا أحسن من هذا. طريق أخرى (514) قال تمَّام بن محمد الرازي (¬2): أنا أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن الوليد المدني (¬3) المقرئ، قراءةً عليه: ثنا أبو القاسم أخطل بن الحكم بن جابر القرشي، ثنا محمد بن يوسف الفِريابي، ثنا أبان بن أبي حازم، حدثني أبو بكر بن حفص، عن ابن عمرَ قال: لمَّا وَلِيَ عمرُ حَمِدَ اللهَ، وأَثنى عليه، ثم قال: يا أيُّها الناسُ، إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أَحَلَّ المتعةَ ثلاثًا، ثم حَرَّمها علينا، وأنا أُقسِمُ باللهِ قَسَمًا بَرًّا، لا أَجدُ أحدًا من المسلمين أُحْصِنَ مُتَمتِّعًا إلا رَجَمتُهُ، إلا أنْ يأتيني بأربعةِ شهداءَ أنْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أَحَلَّها بعد إذ حَرَّمها، ولا أَجدُ رجلاً من المسلمين ¬

(¬1) في «سننه» (1/ 631 رقم 1963) في النكاح، باب النهي عن نكاح المتعة. وضعَّفه البوصيري في «مصباح الزجاجة» (2/ 115) فقال: هذا إسناد فيه مقال، أبو بكر بن حفص اسمه إسماعيل الأَيلي، ذكره ابن حبان في «الثقات» [8/ 102] وقال ابن أبي حاتم عن أبيه [2/ 165 رقم 556] كتبت عنه وعن أبيه، وكان أبوه يكذب، قلت: لا بأس به؟ قال: لا يمكنني أن أقول: لا بأس به، انتهى. وأبان بن أبي حازم مختَلَف فيه. انتهى كلام البوصيري. وفي بعض كلامه نظر، فأبو بكر بن حفص ليس هو إسماعيل الأَيلي، بل هو أبو بكر بن حفص بن عمر بن سعد بن أبي وقاص، كما في «تحفة الأشراف» (8/ 76 رقم 10576) وهو ثقة، روى له الجماعة. انظر: «تهذيب الكمال» (14/ 423). (¬2) في «فوائده» (2/ 388 رقم 752 - الروض البسَّام). (¬3) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «المُرِّي».

مُتَمتِّعًا إلا جَلَدتُهُ (¬1)، إلا أنْ يأتيني بأربعةِ شهداءَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أَحَلَّها بعد ما حَرَّمها. ورواه ابن ماجه (¬2)، عن محمد بن خَلَف بن / (ق 192) عمَّار العسقلاني، عن الفِريابي، به. واختاره الحافظ الضياء في كتابه (¬3). قلت: وأبان هذا هو: ابن عبد الله بن أبي حازم البَجَلي الكوفي، وثَّقه ابن معين (¬4). ¬

(¬1) زاد في المطبوع: «مائة جلدة». (¬2) تقدَّم تخريجه في الصفحة السابقة، تعليق رقم (1). (¬3) «المختارة» (1/ 330 رقم 225). (¬4) في «تاريخه» (1/ 671 رقم 125 - رواية الدُّوري). وقال البخاري: صدوق الحديث. وقال أحمد: صدوق، صالح الحديث. وضعَّفه الدارقطني، وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال الذهبي: صدوق له مناكير. انظر: «الجرح والتعديل» (2/ 296 رقم 1089) و «تهذيب التهذيب» (1/ 96) و «علل الترمذي الكبير» (ص 95). وقال الحافظ في «التقريب»: صدوق في حفظه لين.

أثر في نكاح المحلل

أثر في نكاح المحلَّل (515) قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي (¬1): أنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن سيف بن سليمان، عن مجاهد قال: طلَّق رجلٌ من قريشٍ امرأةً له فَبَتَّها، فأَمَرَ رجلاً بنكاحها، فنَكَحها، فبات معها، فلمَّا أصبحَ استأذن، فأُذِنَ له، فإذا هو ولاَّها الدُّبُر، فقالت: واللهِ لَئِنْ طلَّقني لا أَنكِحُكَ أبدًا، فذَكَر ذلك لعمرَ -رضي الله عنه- فدعاه، فقال له: لو نَكَحتَها؛ لفَعَلتُ بك كذا وكذا، وتَوَعَّده، ودعا زوجها، فقال: الزَمْها، وإنْ عَرَض لك أحدٌ بشيءٍ فأَخبِرني به. قال: وأنا سعيد، عن ابن جريج، عن مجاهد، عن عمرَ مثله (¬2). هذا منقطع من وجهين. طريق أخرى (516) قال الشافعي (¬3): وأنا سعيد -يعني: ابن سالم القدَّاح-، عن ابن جريج قال: أُخبِرتُ عن ابن سيرين: أنَّ امرأةً طلَّقها زوجُها ثلاثًا، وكان مسكينٌ أعرابيٌّ يَقعدُ بباب المسجد، فجاءته امرأةٌ، فقالت: هل لك في امرأة تَنكِحُها، فتَبيتُ معها الليلةَ، وتُصبِحُ فتُفارِقْها؟ قال: نعم. فكان ذلك، فقالت له امرأتُهُ: إنَّك إذا أصبحتَ فإنهم سيقولون لك: فَارِقْها، فلا تَفعلْ ذلك، فإنِّي مقيمةٌ لك ماترى، واذهبْ إلى عمرَ، فلمَّا أَصبَحَتْ أَتَوه وأَتَوها، فقالت: كَلِّموه، فأنتم جئتُم به، فكَلَّموه، فأَبَى، فانطَلَق إلى ¬

(¬1) انظر: «الأم» (5/ 80). (¬2) وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (6/ 267 - 268 رقم 10788) عن ابن جريج، به. (¬3) في الموضع السابق.

عمرَ، فقال: الزَم امرأتَكَ، فإنْ رابُوك بريبٍ فائْتِني، وأَرسَلَ إلى المرأة التي مَشَتْ بذلك فنَكَّل (¬1) بها، ثم كان يَغدو على عمرَ ويَروحُ في حُلَّة، فيقول: الحمدُ لله الذي كَسَاك يا ذا الرُّقعتينِ حُلَّةً، تَغدو فيها وَتروحُ. ثم قال الشافعي: وسَمِعتُ هذا الحديث متَّصلاً عن ابن سيرين، عن عمرَ، بنحوه (¬2). قلت: وابن سيرين مع هذا لم يَسْمع من عمر. وقد استدل به الشافعي (¬3) على أنَّ نية التحليل لا تُفسد العقد، لأنَّه حديث نفس، وهو معفوٌّ عنه (¬4). ¬

(¬1) التنكيل: العقوبة التي تَنْكُل الناس عن فعل ما جُعِلَت له جزاء. «النهاية» (5/ 117). (¬2) ومن هذا الوجه: أخرجه سعيد بن منصور (2/ 52 رقم 1999) من طريق يونس بن عبيد. وعبد الرزاق (6/ 267 رقم 10787) من طريق أيوب. كلاهما (يونس، وأيوب) عن ابن سيرين، به. (¬3) انظر: «الأم» (5/ 80). (¬4) تنبيه: كتب المؤلف بعد هذا أثرًا عن عمر رضي الله عنه في بطلان نكاح من تزوج وهو محرم، وكتب فوقه: «تقدَّم»، وقد تقدم ذكره برقم (483).

أثر آخر في بطلان نكاح المحلل

أثر آخر في بطلان نكاح المحلَّل (517) قال الأعمش: عن المسيَّب بن رافع، عن قَبيصة بن جابر، عن عمرَ -رضي الله عنه- أنَّه قال: لا أُوتَى بمُحِلٍّ ولا مُحلَّلٍ له إلا رَجَمتُهُما. رواه الإمام أبو بكر بن أبي شيبة (¬1)، والجُوزجاني، وحرب بن إسماعيل الكِرماني (¬2)، وأبو بكر الأثرم بالأسانيد الثابتة عن الأعمش، به. وروى الأثرم من حديث الزهري (¬3)، عن عبد الملك بن المغيرة بن بُدَيل: أنَّ ابن عمرَ سُئل عن تحليل المرأة لزوجها؟ قال: ذلك السِّفاحُ، لو أَدرَكَكُم عمرُ لَنَكَّلَكُم. ¬

(¬1) في «مصنَّفه» (3/ 547 رقم 17074) في النكاح، باب في الرجل يُطلِّق امرأته فيتزوجها رجل ليحلها له، عن أبي معاوية، عن الأعمش، به. (¬2) في «مسائله» (ص 87) من طريق جرير وأبي معاوية، عن الأعمش، به. وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (6/ 265 رقم 10777) وسعيد بن منصور (2/ 51 رقم 1992، 1993) والبيهقي (7/ 208) من طريق الأعمش، به. (¬3) وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (6/ 265 رقم 10776) والبيهقي (7/ 208) من طريق معمر. وحرب الكِرماني في «مسائله» (ص 86) وابن عبد البر في «التمهيد» (13/ 235) من طريق الأوزاعي. والفَسَوي في «المعرفة والتاريخ» (1/ 363) من طريق يونس. ثلاثتهم (معمر، والأوزاعي، ويونس) عن الزهري، به. دون قوله: لو أَدرَكَكُم عمرُ لَنَكَّلَكُم. وصحَّح إسناده الشيخ الألباني في «إرواء الغليل» (6/ 311). وأخرجه -أيضًا- الطبراني في «الأوسط» (6/ 223 رقم 6246) و (9/ 48 رقم 9102) والحاكم (2/ 199) والبيهقي (7/ 208) من طريق محمد بن مُطرِّف، عن عمرَ بن نافع، عن أبيه قال: جاء رجلٌ إلى ابن عمرَ، فسأله عن رجلٍ طلَّق امرأتَه ثلاثًا، فتزوَّجها أخٌ له من غيرِ مؤامرةٍ منه لِيُحلَّها لأخيه، هل تَحِلُّ للأوَّل؟ قال: لا، إلا نكاحَ رغبةٍ، كنَّا نَعدُّ هذا سفاحًا على عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. قال الشيخ الألباني في «الإرواء» (6/ 311): وهو كما قالا.

وقد روي في النهي عن نكاح المحلَّل ولَعْنتِهِ أحاديث من طرق عديدة جيِّدة عن جماعة من الصحابة، منهم: ابن مسعود (¬1)، وعلي (¬2)، ¬

(¬1) أخرجه الترمذي (3/ 428 رقم 1120) في النكاح، باب ما جاء في المحلِّ والمحلَّل له، والنسائي (6/ 460 رقم 3416) في الطلاق، باب إحلال المطلقة ثلاثًا، وما فيه من التغليظ، وابن أبي شيبة (3/ 547 رقم 17083) في النكاح، باب في الرجل يُطلِّق امرأته فيتزوجها رجل ليحلها له، وأحمد (1/ 448، 462) والدارمي (3/ 1450 رقم 2304) وأبو يعلى (9/ 237 رقم 5350) والبيهقي (7/ 208) من طريق الثوري، عن أبي قيس (وهو عبد الرحمن بن ثَروان الأَودي) عن هزيل بن شُرَحبيل، عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: لَعَنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المُحِلَّ والمُحَلَّلَ له. هذا لفظ الترمذي. قال الترمذي: حسن صحيح. وصحَّحه -أيضًا- ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (2/ 159) وابن الملقن في «البدر المنير» (7/ 612) وابن حزم في «المحلى» (10/ 180) وابن دقيق العيد في «الاقتراح» (ص 461) وابن القيم في «إغاثة اللهفان» (1/ 481). وقال الحافظ في «التلخيص الحبير» (3/ 170): وصحَّحه ابن القطَّان على شرط البخاري. (¬2) أخرجه أبو داود (3/ 17 رقم 2076، 2077) في النكاح، باب في التحليل، والترمذي (3/ 427 رقم 1119) في الموضع السابق، وابن ماجه (1/ 622 رقم 1935) في النكاح، باب المحلِّل والمحلَّل له، وعبد الرزاق (6/ 269 رقم 10791، 10792) وسعيد بن منصور (2/ 52 رقم 2008) وأحمد (1/ 83) وابن عدي (1/ 379) والبيهقي (7/ 207 - 208) من طريق عامر الشَّعبي، عن الحارث الأعور، عن عليٍّ رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لعن المُحِلَّ والمُحَلَّلَ له. قال الترمذي: هذا حديث حسن، ليس إسناده بالقائم. وضعَّفه الحافظ في «التلخيص الحبير» (3/ 170) والشيخ الألباني في «الإرواء» (6/ 309).

وأبو هريرة (¬1)، وابن عباس (¬2)، وعُقبة بن عامر (¬3)، ¬

(¬1) أخرجه الترمذي في «العلل الكبير» (ص 161 رقم 273) وابن أبي شيبة (3/ 548 رقم 17086) في النكاح، باب في الرجل يُطلِّق امرأته ... ، وأحمد (2/ 223) والبزَّار (2/ 167 رقم 1442 - كشف الأستار) وابن الجارود (3/ 24 رقم 684) والبيهقي (7/ 208) من طريق عبد الله بن جعفر المَخرَمي، عن عثمان بن محمد، عن المَقْبري، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لعن اللهُ المُحِلَّ والمُحَلَّلَ له». قال الترمذي: سألت محمدًا عن هذا الحديث، قال: هو حديث حسن، وعبد الله بن جعفر المَخرَمي صدوق ثقة، وعثمان بن محمد الأَخنسي ثقة، وكنت أظن أن عثمان لم يَسْمع من سعيد المَقْبري. وجوَّد إسناده ابن تيمية في «بيان الدليل على بطلان التحليل» (ص 396) وابن الملقن في «البدر المنير» (7/ 614) وابن القيم في «إعلام الموقعين» (4/ 416). وقال في «إغاثة اللهفان» (1/ 482): رجاله كلهم ثقات، وثَّقهم ابن معين. وصحَّحه الزيلعي في «نصب الراية» (3/ 240). وقوَّاه الشيخ الألباني في تعليقه على «إغاثة اللهفان» (1/ 480). (¬2) أخرجه ابن ماجه (1/ 622 رقم 1934) في النكاح، باب المحلِّل والمحلَّل له، وابن عدي (3/ 339) من طريق زمعة بن صالح، عن سَلَمة بن وَهْرام، عن عكرمة، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: لعن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المُحِلَّ والمُحَلَّلَ له. وهذا منكر، تفرَّد به سَلَمة بن وَهْرام. (¬3) أخرجه ابن ماجه (1936) في الموضع السابق، والرُّوياني في «مسنده» (1/ 175 رقم 226) والطبراني في «الكبير» (17/ 299 رقم 825) والدارقطني (3/ 251) والحاكم (2/ 198، 199) والبيهقي (7/ 208) من طريق اللَّيث بن سعد، عن مِشرح بن هاعان، عن عُقبة بن عامر مرفوعًا: «ألا أخبرُكُم بالتَّيسِ المستعارِ؟» قالوا: بلى، قال: «هو المُحَلِّلَ». ثم قال: «لعن اللهُ المُحِلَّ والمُحَلَّلَ له». ورواه عن اللَّيث: عبد الله بن صالح، وعثمان بن صالح المصري. وقد جاء في بعض الروايات تصريح اللَّيث بسماعه لهذا الحديث من مِشرح بن هاعان، لكن أنكر ذلك الحافظ أبو زرعة الرازي، فقال ابن أبي حاتم في «العلل» (1/ 411 رقم 1232): قال أبو زرعة: ذَكَرتُ هذا الحديث ليحيى بن عبد الله بن بُكَير، وأخبرته برواية عبد الله بن صالح وعثمان بن صالح، فأنكر ذلك إنكارًا شديدًا، وقال: لم يَسْمع اللَّيث من مِشرح شيئًا، ولا روى عنه شيئًا، وإنما حدَّثني اللَّيث بن سعد بهذا الحديث عن سليمان بن عبد الرحمن: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم. قال أبو زرعة: والصواب عندي حديث يحيى، يعني: ابن عبد الله بن بُكَير. وقال البخاري، كما في «علل الترمذي الكبير» (ص 162): ما أرى اللَّيث بن سعد سَمِعَه من مِشرح بن هاعان، لأن حَيوة روى عن بكر بن عمر، عن مِشرح. وقال الجوزجاني، كما في «إعلام الموقعين» لابن القيم (4/ 417): كانوا ينكرون على عثمان هذا الحديث إنكارًا شديدًا. قلت: فقد اتَّفق أربعة من أئمَّة العلل على أنَّ رواية اللَّيث بن سعد عن مِشرح خطأ، وأن الحديث لا يصح من رواية عُقبة بن عامر. وصحَّحه جماعة من المتأخرين، منهم: الحاكم في «المستدرك»، والذهبي في «التلخيص»، وعبد الحق الإشبيلي في «الأحكام الوسطى» (3/ 157) وابن القطان في «بيان الوهم والإيهام» (3/ 504) وأبو العباس ابن تيميَّة في «بيان الدليل على بطلان التحليل» (ص 397) وابن القيم في «إعلام الموقعين» (4/ 418)، لكن النفس لا تسمح بمخالفة أربعة من أئمة الصنعة اعتمادًا على ظاهر إسناد. زد على هذا: أن ابن حبان ذكر في «المجروحين» (3/ 28) أن مِشرح بن هاعان روى عن عُقبة بن عامر أحاديث منكرة لا يُتابَع عليها.

وابن عمر (¬1). وقد جَمَعت ذلك في جزء مُفرَد. وقد تكلَّم الإمام أبو العبَّاس ابن تيمية على هذه المسألة (¬2)، فأجاد القول فيها، وحرَّر النزاع، وأتى بفوائد جمَّة رحمه الله. ¬

(¬1) انظر ما تقدَّم تعليقه (ص 42، تعليق رقم 3). (¬2) في كتابه: «بيان الدليل على بطلان التَّحليل».

أثر في النهي عن الجمع بين الأختين بملك اليمين

أثر في النهي عن الجمع بين الأختين بمِلْك اليمين (518) قال أبو مصعب الزهري (¬1): عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة بن مسعود، عن أبيه: أنَّ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- سُئل عن المرأة وأختها من ملك اليمين، هل تُوطأُ إحداهُما بعد الأخرى؟ فقال عمرُ: ما أُحبُّ أن أخبرهما (¬2) جميعًا، ونَهَاه. إسناد صحيح. (519) وقال ابن وهب (¬3): أخبرني مالك ويونس، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبيه قال: سُئل عمرُ عن جمعِ الأُمِّ وابنتها في مِلْك اليمين، هل تُوطأُ إحداهُما بعد الأخرى؟ فقال عمرُ: ما أُحِبُّ أنْ تخبرهما جميعًا، ونَهَاه. ¬

(¬1) في روايته لـ «الموطأ» (1/ 587) في النكاح، باب ما جاء في إصابة الأختين من ملك اليمين. وأخرجه -أيضًا- الشافعي في «الأم» (5/ 3) -ومن طريقه: البيهقي (7/ 164) - وسعيد بن منصور (1/ 396 رقم 1733) عن ابن عيينة. وأبو بكر ابن زياد في «الزيادات على كتاب المُزَني» (ص 488 - 489، 489 رقم 468، 469) من طريق الليث. وعبد الرزاق (7/ 189 رقم 12726) عن ابن جريج. وابن أبي شيبة (3/ 472 رقم 16258) في النكاح، باب في الرجل يكون عنده الأختان مملوكتان فيطأهما جميعًا، من طريق معمر. أربعتهم (ابن عيينة، والليث، وابن جريج، ومعمر) عن الزهري، به. لكن جاء عند ابن أبي شيبة «عن عثمان»، وكذا ورد في الطبعة المحققة (6/ 67 رقم 16403 - ط مكتبة الرشد) و (9/ 105 رقم 16519 - تحقيق محمد عوامة). (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «أجيزهما». (¬3) ومن طريقه: أخرجه أبو بكر ابن زياد النيسابوري في «الزيادات على كتاب المُزَني» (ص 490 رقم 470) وعنه الدارقطني في «سننه» (3/ 281 - 282).

وسيأتي (¬1) عن أمير المؤمنين عثمانَ -رضي الله عنه- أنَّه قال: أَحَلَّتهما آيةٌ، وحَرَّمتهما آيةٌ (¬2). ¬

(¬1) في كتابه: «جامع المسانيد والسُّنن»، ومسند عثمان -رضي الله عنه- ليس في المطبوع. (¬2) أخرجه مالك (2/ 45) في النكاح، باب ما جاء في كراهية إصابة الأختين بملك اليمين، والمرأة وابنتها -ومن طريقه: الشافعي في «الأم» (5/ 3) وابن أبي شبية (3/ 471 رقم 16251) في النكاح، باب في الرجل يكون عنده الأختان مملوكتان فيطأهما جميعًا-. وعبد الرزاق (7/ 189، 191 رقم 12728، 12732) عن معمر وابن جريج. ثلاثتهم (مالك، ومعمر، وابن جريج) عن الزهري، عن قَبيصة بن ذُؤَيب: أنَّ رجلاً سأل عثمانَ بن عفان عن الأختين من مِلك اليمين، هل يجمع بينهما؟ فقال عثمان: أَحلَّتهما آيةٌ، وحرَّمتهما آيةٌ، فأما أنا فلا أُحبُّ أن أصنعَ ذلك. زاد بعضهم: فبلغ ذلك رجلاً من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: لو كنتُ أَلِي شيئًا من أمورِ المسلمينَ ثم أُتيتُ بهذا، جَعَلتُهُ نكالاً. قال الزهري: أُراه عليًّا رضي الله عنه. وهذا إسناد صحيح، كما قال الحافظ البوصيري في «مختصر إتحاف السادة المهرة» (5/ 132).

حديث في النهي عن إتيان النساء في الأدبار

حديث في النهي عن إتيان النساء في الأدبار (520) قال الحافظ أبو يعلى الموصلي (¬1): ثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا عثمان بن اليَمَان، عن زَمْعة بن صالح، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن عبد الله ابن الهاد، عن عمرَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «استَحيُوا، فإنَّ اللهَ لا يَستحي من الحقِّ، لا تأتوا النساءَ في أدبارهِنَّ». ورواه النسائي (¬2)، عن سعيد بن يعقوب الطَّالْقاني، عن عثمان بن اليَمَان به. ثم رواه -أيضًا- (¬3) من حديث زَمْعة بن صالح، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، به. وذَكَر الدارقطني في «العلل» (¬4) فيه اختلافًا كثيرًا، ثم قال: وقول عثمان بن اليَمَان أصحها، والله أعلم (¬5). ¬

(¬1) لم أجده في المطبوع من «مسنده»، وهو من رواية ابن حمدان، وأورده الهيثمي في «المقصد العلي» (2/ 344 رقم 779 - رواية ابن المقرئ). (¬2) في «سننه الكبرى» (5/ 321 رقم 9008). (¬3) في الموضع السابق (9009). (¬4) (2/ 166 رقم 193). (¬5) ومداره على زَمْعة بن صالح، وهو ضعيف، ضعَّفه أحمد، وأبو داود، والنسائي، وأبو حاتم. وقال البخاري: يخالَف في حديثه، تركه ابن مهدي أخيرًا. وقال أبو زرعة: ليِّن، واهي الحديث. انظر: «تهذيب الكمال» (9/ 386) و «الجرح والتعديل» (3/ 624 رقم 2823). وعثمان بن اليَمَان قال عنه أبو زرعة: شيخ، في حديثه مناكير. «سؤالات البرذعي» (2/ 527). قلت: فتفرُّد مثله عن عمرو بن دينار-وهو ثقة مكثر- يُعدُّ منكرًا. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = تنبيه: جاءت رواية النسائي لهذا الحديث عند المؤلِّف مرفوعةً! وكذا جاءت في مطبوع «السُّنن»! وفي «تحفة الأشراف» (8/ 40 رقم 10488) موقوفةً! ولعلَّ هذا الاختلاف في الرفع والوقف راجع إلى اختلاف نسخ «السُّنن»، وكيفما كان؛ فالحديث منكر؛ لتفرُّد زَمْعة بن صالح وعثمان بن اليَمَان به. وضعَّفه الحافظ ابن حجر في «مختصر زوائد البزار» (1/ 583). وخالف المنذري، فجوَّد إسناد المرفوع في «الترغيب والترهيب» (3/ 252)! ... وقد شاع عند البعض أنه لم يصح حديث في النهي عن وطء النساء في أدبارهن، لذا رأيت إخراج بعضها، وبيان صحتها: فأقول: قد صحَّ في النهيِّ عن وطء النساء في الأَدبار عدَّة أحاديث، منها: 1 - حديث أُمِّ سَلَمة رضي الله عنها: أخرجه الترمذي (5/ 200 رقم 2979) في التفسير، باب: ومن سورة البقرة، وعبد الرزاق في «تفسيره» (1/ 103) وأحمد (6/ 305، 310، 318) -واللفظ له- من طريق عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن عبد الرحمن بن سابَط قال: دَخَلتُ على حفصةَ بنت عبد الرحمن، فقلتُ: إنِّي سائلكِ عن أَمرٍ، وأنا أستَحيي أن أَسألكِ عنه، فقالت: لا تَستحي، يا ابنَ أخي، قال: عن إتيانِ النساءِ في أدبارِهِنَّ؟ قالت: حدَّثتني أمُّ سَلَمة: أنَّ الأنصارَ كانوا لا يُجَبُّون النساءَ، وكانت اليهودُ تقول: إنَّه مَن جَبَّى امرأتَهُ، كان ولدُهُ أحولَ، فلمَّا قَدِمَ المهاجرون المدينةَ، نَكَحوا في نساءِ الأنصارِ، فَجبُّوهُنَّ، فأَبَتِ امرأةٌ أن تُطيعَ زوجَها، فقالت لزوجها: لن تفعلَ ذلك حتى آتِيَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فدَخَلتْ على أمِّ سَلَمةً، فذَكَرتْ ذلك لها، فقالت: اجلِسِي حتى يأتِيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فلمَّا جاء رسولُ الله صلى الله عليه وسلم استَحيَتِ الأنصاريةُ أن تسألهُ، فخَرَجتْ، فحَدَّثَتْ أمُّ سَلَمة رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «ادْعِي الأنصاريةَ»، فدُعِيَتْ، فتلا عليها هذه الآية: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}: صِمَامًا واحدًا. قال الترمذي: هذا حديث حسن. وقال الألباني في «آداب الزفاف» (ص 103): إسناده صحيح على شرط مسلم. وانظر للفائدة: «علل الدارقطني» (5/ 182/أ - ب) =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وقوله: يُجَبُّون: من التَّجبية، وهو الانكباب على الأرض، قال في «القاموس المحيط» (ص/1269): وجبَّى تجبيةً: وضع يديه على رُكبَتَيه، أو على الأرض، أو انكبَّ على وجهه. وقوله: صمامًا واحدًا: أي مسلك واحد، والصِّمام: ما تُسدُّ به الفرجة، فسمِّي الفَرْج به. انظر: «النهاية» (3/ 54). 2 - حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه أبو داود (3/ 55 رقم 2164) في النكاح، باب في جامع النكاح -واللفظ له-، والطبري في «تفسيره» (2/ 395، 396) والحاكم (2/ 195، 279) من طريق محمد بن إسحاق، عن أبان بن صالح، عن مجاهد، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: إنَّ ابنَ عمر -والله يغفرُ له- أَوهَمَ، إنما كان هذا الحيُّ من الأنصار، وَهُم أهلُ وَثَنٍ، مع هذا الحيِّ من يهودَ، وهم أهلُ كتابٍ، وكانوا يَرَونَ لهم فضلاً عليهم في العلم، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم، وكان من أمر أهل الكتاب، ألا يأتوا النساء إلا على حَرْفٍ، وذلك أسترُ ما تكونُ المرأة، فكان هذا الحيُّ من الأنصار قد أخذوا بكثيرٍ من فعلهم، وكان هذا الحيُّ من قريش يَشرحون النساءَ شرحًا منكرًا، ويتلذَّذون منهنَّ، مُقبِلاتٍ، ومُدبِراتٍ، ومُستلقياتٍ، فلمَّا قَدِمَ المهاجرون المدينة، تزَّوج رجلٌ منهم امرأةً من الأنصار، فذهب يصنع بها ذلك، فأنكرتْهُ عليه، وقالت: إنما كنَّا نؤتى على حَرْفٍ، فاصنع ذلك، وإلاَّ فاجْتَنِبْنِي، حتى شَرِي أمرُهما، فبلغ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل اللهُ عزَّ وجَّل: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}. أي: مُقبِلاتٍ، ومُدبِراتٍ، ومُستلقياتٍ. يعني بذلك: موضع الوَلَد. وفي رواية للحاكم: فأنزل اللهُ عزَّ وجلَّ: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} يقول: مُقبِلات، ومُدبِرات، من دُبُرها بعد أن يكون للفَرْج. قال ابن عباس: وإنما كانت من قِبَلِ دُبُرها في قُبُلها. وقد صرَّح ابن إسحاق بالسماع في رواية الحاكم والبيهقي، فانتفت شبهة تدليسه. ولذا حسَّن إسنادَه الشيخ الألباني في «آداب الزفاف» (ص 101). وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذَّهبي. وفيما قالاه نظر؛ لأنَّ محمد بن إسحاق روى له مسلم استشهادًا لا احتجاجًا. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وقال الحافظ ابن كثير في «تفسيره» (1/ 261): تفرَّد به أبو داود، ويشهد له بالصحة ما تقدَّم من الأحاديث، ولا سيَّما رواية أم سَلَمة، فإنها مشابهة لهذا السياق، وقول ابن عباس: إنَّ ابن عمرَ -والله يغفر له- أَوهَمَ، وكأنه يشير إلى ما أخرجه البخاري [4526] ثنا إسحاق، ثنا النَّضربن شُمَيل، أنا ابن عَون، عن نافع قال: كان ابنُ عمرَ إذا قرأَ القرآنَ لم يتكلَّم حتى يَفرغَ منه، فأَخَذتُ عنه يومًا، فقرأ سورةَ البقرةِ، حتى انتهى إلى مكانٍ، قال: أتدري فيم أُنزلَتْ؟ قلت: لا، قال: أُنزِلَتْ في كذا وكذا، ثم مضى. انتهى كلام ابن كثير. وقوله: على حرف، أي: على جانب. وقوله: حتى شري أمرهما: أي عَظُمَ وتفاقم. وقوله: يشرحون النساء: إذا وطئها نائمة على قفاها. انظر: «النهاية» (1/ 369) و (2/ 456، 468). ولحديث ابن عباس طريق أخرى: أخرجها الترمذي (1165) في الرضاع، باب ما جاء في كراهية إتيان النساء في أدبارهن، والنسائي في «الكبرى» (5/ 320 رقم 9001) والبزار (11/ 380 رقم 5212) وابن الجارود (3/ 52 رقم 729) وأبو يعلى (4/ 266 رقم 2378) وابن حبان (9/ 517 رقم 4203، 4204) و (10/ 266 رقم 4418 - الإحسان) وابن عدي (3/ 1130 - ترجمة أبي خالد الأحمر) والضياء في «المختارة» (13/ 43 رقم 61، 62) من طريق أبي خالد الأحمر، عن الضحَّاك بن عثمان، عن عمرو بن سليمان، عن كريب، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا يَنظرُ اللهُ إلى رجلٍ أتى رجلاُ أو امرأةُ في الدُّبُر». قال الترمذي: حسن غريب. وصحَّحه الإمام إسحاق بن راهويه، كما في «مسائل المروزي» (ص 221 - نقلاً عن «آداب الزفاف» للألباني (ص 105). وصحَّحه -أيضًا- ابن حبان، وابن حزم في «المحلى» (10/ 70). وقال ابن دقيق العيد في «الإلمام» (ص 413، رقم 1128): رجاله رجال الصحيح. وأعلَّه البزار، فقال: لا نعلمه يُروى عن ابن عباس بإسناد أحسن من هذا الإسناد، تفرَّد به أبو خالد الأحمر، عن الضحاك بن عثمان، عن عمرو بن سليمان، عن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = كريب. «التلخيص الحبير» (3/ 181). وقال ابن عدي: لا أعلم يَرويه غير أبي خالد الأحمر. قلت: أبو خالد الأحمر متكلَّم في حفظه، فوثَّقه علي ابن المديني، وابن سعد، وأبو هشام الرِّفاعي، وابن معين في رواية، وقال مرَّة: صدوق، وليس بحجَّة. وقال النسائي: ليس به بأس. وقال أبو حاتم: صدوق. وسئل عنه وكيع، فقال: وأبو خالد الأحمر ممَّن يسأل عنه؟! وقال العجلي: ثقة ثَبت، صاحب سُنَّة. وقال البزَّار: اتفق أهل العلم بالنقل أنه لم يكن حافظًا، وأنه روى عن الأعمش وغيره أحاديثَ لم يُتابَع عليها. وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة، وإنما أتي من سوء حفظه، فيغلط ويخطئ، وهو في الأصل، كما قال ابن معين: صدوق، وليس بحجَّة. انظر: «تهذيب الكمال» (11/ 394) و «الجرح والتعديل» (4/ 106 رقم 477) و «هدي السَّاري» (ص 407). فأنت ترى أنَّ الرَّجل ثقة في الجملة، وإنما يخشى من تفرُّده بأحاديث لم يُتابَع عليها، وقد خولف في هذا الحديث، خالَفَه جبل من جبال الحفظ، ألا وهو الإمام وكيع، فرواه عن الضحَّاك بن عثمان، عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، موقوفًا عليه! من هذا الوجه: أخرجه النسائي في «سننه الكبرى» (5/ 320 رقم 9002). قال الحافظ في «التلخيص الحبير» (3/ 181): وهو أصحُّ عندهم من المرفوعِ. قلت: وسواء صحَّ الرفع أو الوقف، فالحجَّة به قائمة، لأنَّا لوسلَّمنا لمن صحَّح رفعه -وفي مقدَّمتهم الإمام إسحاق بن راهويه- فلا إشكال، ولو سلَّمنا لمن صحَّح وقفه؛ فلا إشكال -أيضًا-؛ لأن مثلَه لا يُقال من قِبَلِ الرأي، فله حكم الرفع. وقد صحَّ عن ابن عباس -رضي الله عنهما- من وجه آخر، موقوفًا عليه: أخرجه معمر في «جامعه» الملحق بـ «المصنَّف» (11/ 442 رقم 20953) ومن طريقه: أبو بكر ابن زياد النيسابوري في «الزيادات على كتاب المُزَني» (ص 500، 502 رقم 494، 499) عن ابن طاوس، عن أبيه قال: سُئل ابنُ عباس عن الذي يأتي امرأتَهُ في دُبُرِها، فقال: هذا الذي يَسألُ عن الكُفرِ. وهذا إسناد صحيح؛ كما قال ابن كثير في «تفسيره» (1/ 262) والشيخ الألباني في «آداب الزفاف» (ص 106). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وله طريق ثالث: أخرجها ابن أبي خيثمة في «تاريخه» (3/ 265 رقم 4772) عن يحيى بن معين، عن يحيى بن آدم، عن ابن المبارك، عن يونس بن يزيد قال: سَمِعتُ عكرمة، عن ابن عباس: {فأتوهن من حيث أمركم الله} قال: في الفَرْج. وهذا إسناد صحيح أيضًا. 3 - حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أخرجه البخاري (8/ 189 رقم 4528) في التفسير، باب: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} ومسلم (2/ 4059 رقم 1435) (9) في النكاح، باب جواز جماعه امرأته في قبلها من قدامها ومن ورائها من غير تعرض للدُّبُر، من طريق الثوري. ومسلم (1435) (118) و (119) من طريق ابن عيينة ومالك وأبي حازم سَلَمة بن دينار وأيوب السَّختياني وشعبة وسهيل بن أبي صالح، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: كانت اليهودُ تقول: إذا أتَى الرَّجلُ امرأتَهُ من دُبُرِها في قُبُلِها كان الولدُ أَحولَ! فنزلت: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}. وأخرجه مسلم (2/ 1058 رقم 1435) (119) وابن حبان (9/ 512 رقم 4197 - الإحسان) والبيهقي (7/ 195) من طريق أبي عَوَانة (الوضَّاح بن عبد الله اليَشكري) عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قالت اليهود: إنما يكونُ الحَوَلُ إذا أَتى الرَّجلُ امرأتَهُ من خلفِها، فأنزل اللهُ عزَّ وجلَّ: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}: مِن بين يديها ومن خَلفها، ولا يأتيها إلا في المأتى. هذا لفظ ابن حبان، والبيهقي. وأخرجه النسائي في «الكبرى» (5/ 313 رقم 8973) والطحاوي (3/ 41) وأبو بكر ابن زياد النيسابوري في «الزيادات على كتاب المُزَني» (ص 500، 501 رقم 495، 496) من طريق ابن جريج -زاد أبو بكر ابن زياد: وسفيان-. كلاهما (ابن جريج، وسفيان) عن محمد بن المنكدر، به، ولفظه: فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مُقبلةً ومُدبِرةً، ما كان في الفَرْج». قال الشيخ الألباني في «الإرواء» (7/ 62): إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد قال الطحاوي عقب روايته: ففي توقيف النبيِّ صلى الله عليه وسلم إيَّاهم في ذلك على الفَرْج، إعلام منه إيَّاهم أنَّ الدُّبُر بخلاف ذلك. =

حديث في النهي عن العزل عن الحرة إلا بإذنها

/ (ق 193) حديث في النهي عن العزل (¬1) عن الحُرَّة إلا بإذنها (521) قال الإمام أحمد (¬2): ثنا إسحاق بن عيسى، ثنا ابن لَهِيعة، عن جعفر بن ربيعة، عن الزهري، عن محرَّر بن أبي هريرة، عن أبيه، عن عمرَ بن الخطاب: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نهى عن العزل عن الحُرَّةِ إلا بإذنِها. ¬

= بل قال الإمام الذَّهبي في «السِّير» (14/ 128): قد تيقَّنَّا بطرق لا محيد عنها نهي النبيِّ صلى الله عليه وسلم عن أدبار النساء، وجَزَمنا بتحريمه، وَلِي في ذلك مصنَّف كبير. وقد صرَّح جمع من أهل العلم بتحريم وطء النساء في الأدبار، منهم: أبو العباس ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (32/ 266) حيث قال: وطء المرأة في دُبُرها حرام بالكتاب والسُّنة، وهو قول جماهير السَّلف والخلف، بل هو اللوطية الصغرى. وقال تلميذه البار ابن القيِّم في «زاد المعاد» (4/ 256): وأمَّا الدُّبُر فلم يُبَح قطُّ على لسان نبيٍّ من الأنبياء، ومن نسب إلى بعض السَّلف إباحة وطء الزوجة في دُبُرها؛ فقد غلط عليه. وقال القرطبي في «تفسيره» (3/ 93): وما استدلَّ به المخالف من أنَّ قوله عزَّ وجلَّ: {أنى شئتم} شامل للمسالك بحكم عمومها فلا حجَّة فيها، إذ هي مخصَّصة بما ذكرناه، وبأحاديث حسان وشهيرة رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر صحابيًا بمتون مختلفة، كلها متواردة على تحريم إتيان النساء في الأدبار. وانظر لمزيد الفائدة: «إتحاف النُّبلاء بأدلة تحريم إتيان المحلِّ المكروه من النساء» للشيخ أبي أسامة عبد الله بن عبد الرحيم بن حسين البخاري، نشر: مكتبة الغرباء الأثرية، بالمدينة النبوية. ورسالة: «وطء المرأة في الموضعِ الممنوع منه شرعًا» دراسة حديثية فقهية طبية، للدكتور طارق محمد الطواري، نُشرت ضمن بحوث مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، بدولة الكويت، العدد السابع والأربعون. (¬1) أي: عَزْل الماء عن النساء حَذَر الحَمْل. «النهاية» (3/ 230). (¬2) في «مسنده» (1/ 31 رقم 212).

ورواه ابن ماجه (¬1)، عن الحسن بن علي الخلاَّل، عن إسحاق بن عيسى، به. وهذا إسناد حسن جيد (¬2)، والله أعلم. ¬

(¬1) في «سننه» (1/ 620 رقم 1928) في النكاح، باب العزل، وتصحَّف فيه «محُرَّر» إلى: «محرز»! (¬2) له علَّة، وهي اضطراب ابن لَهِيعة: فقيل: عنه، عن جعفر بن ربيعة، عن الزهري، عن محرَّر بن أبي هريرة، عن أبيه، عن عمرَ! وقيل: عنه، عن جعفر بن ربيعة، عن الزهري، عن حمزة بن عبد الله، عن ابن عمرَ، عن عمرَ! وقيل: عنه، عن جعفر بن ربيعة، عن حمزة بن عبد الله، عن ابن عمرَ، عن عمرَ. ليس فيه: الزهري! وخرَّج الوجهين الأخيرين ابن أبي حاتم في «العلل» (1/ 411، 412 رقم 1233، 1234) وقال: قال أبي: هذا من تخاليط ابن لَهِيعة، ومَن لا يفهم يستغرب هذا، وهو عندي خطأ. اهـ. وقال الدارقطني في «العلل» (2/ 93): تفرَّد به إسحاق الطباع، ووَهِمَ فيه، وخالَفَه ابن وهب، فرواه عن ابن لَهِيعة، عن جعفر بن ربيعة، عن الزهري، عن حمزة بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن عمرَ، وهو وَهْم -أيضًا-، والصواب مرسل عن عمرَ. وقال ابن عبد البر في «التمهيد» (3/ 150): وقد روي في هذا الباب حديث مرفوع في إسناده ضعف، ولكن إجماع الحجة على القول بمعناه يقضي بصحته. وقال في «الاستذكار» (5/ 236): لا أعلم خلافًا أن الحُرَّة لا يعزل عنها زوجها إلا بإذنها، وله أن يعزل عن أَمَته بغير إذنها، كما له أن يمنعها الوطء جملة. وقد صحَّ عن ابن عباس -رضي الله عنهما- من قوله: أخرجه عبد الرزاق (7/ 143 رقم 12562) والبيهقي (7/ 231) من طريق عبد الله بن الوليد. كلاهما (عبد الرزاق، وعبد الله بن الوليد) عن الثوري، عن عبد الكريم الجزري، عن عطاء، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: تُستأمَرُ الحُرَّةُ في العزل، ولا تُستأمَرُ الأَمَةُ. وهذا إسناد صحيح، كما قال الحافظ في «الفتح» (9/ 308).

أثر آخر (522) قال الشافعي (¬1): أنا ابن عيينة، أخبرني محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة -وكان ثقة-، عن سليمان بن يَسَار، عن عبد الله بن عُتبة: أنَّ عمرَ بن الخطاب قال: يَنكِحُ العبدُ امرأتين، ويُطلِّقُ تطليقتين، وتَعتدُّ الأَمَةُ حيضتين، فإنْ لم تكن تحيضُ فشهرين، أو شهرًا ونصفًا. قال الحافظ أبو بكر البيهقي (¬2): وروى الثوري عن جعفر بن محمد، عن أبيه (¬3)، عن علي بن أبي طالب مثلَه (¬4)، وروي عن عبد الرحمن بن عوف (¬5) مثل قولهما، ولا يُعرَف لهم مخالِفٌ من الصحابة. ¬

(¬1) في «الأم» (5/ 217). وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (7/ 221، 274 رقم 12872، 13134) وسعيد بن منصور (1/ 302 رقم 1277) و (2/ 97 رقم 2186) وأبو بكر ابن زياد النيسابوري في «الزيادات على كتاب المُزَني» (ص 483 - 484 رقم 457) وعنه: الدارقطني (3/ 308) من طريق ابن عيينة، به. وصحَّحه ابن الملقن في «البدر المنير» (8/ 221) والحافظ في «التلخيص الحبير» (3/ 233). وقال الألباني في «الإرواء» (7/ 150): صحيح على شرط مسلم. (¬2) في «معرفة السُّنن والآثار» (10/ 93). (¬3) ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه بين محمد بن علي بن الحسين والد جعفر وعمر. (¬4) أخرجه عبد الرزاق (7/ 274 رقم 13133) عن ابن جريج والثوري. وابن أبي شيبة (3/ 451 رقم 16029) في النكاح، باب في المملوك، كم يتزوج من النساء؟ عن حاتم بن إسماعيل. والبيهقي (7/ 158) من طريق الشافعي، عن إبراهيم بن أبي يحيى. جميعهم (ابن جريج، والثوري، وحاتم بن إسماعيل، وابن أبي يحيى) عن جعفر بن محمد، به، ولفظه: ينكح العبد اثنتين. وهذا منقطع؛ فمحمد بن علي بن الحسين لم يدرك جدَّه علي. (¬5) أخرجه عبد الرزاق (7/ 274 رقم 13135) عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين: أنَّ عمرَ بن الخطاب سأل الناسَ، كم يَحِلُّ للعبدِ أنْ يَنكحَ؟ فقال عبد الرحمن بن عوف: اثنتين. فصَمَت عمرُ، كأنه رَضِيَ بذلك، وأحبَّهُ. وهذا إسناد ضعيف؛ لانقطاعه بين محمد بن سيرين وعمر رضي الله عنه.

وقال الشافعي (¬1): هذا قول الأكثر من المفتين بالبلدان. ¬

(¬1) في «الأم» (5/ 41).

أثر آخر في الخيار في النكاح

أثر آخر في الخيار في النكاح (523) قال الشافعي (¬1) أنا مالك (¬2)، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيّب قال: قال عمرُ: أيُّما رجلٌ تزوَّج امرأةً وبها جنونٌ، أو جُذامٌ، أو بَرَصٌ، (¬3)، فَمَسَّها، فلها صداقها، وذلك لزوجها غُرْمٌ على وليِّها. إسناد صحيح. ¬

(¬1) في الموضع السابق (5/ 84). (¬2) وهو في «الموطأ» (2/ 31) في النكاح، باب ما جاء في الصداق والحباء. وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (6/ 244 رقم 10679) وسعيد بن منصور (1/ 212 رقم 818، 819) وابن أبي شيبة (3/ 475 رقم 16289) في النكاح، باب المرأة يتزوجها الرجل وبها برص أو جذام فيدخل بها، والدارقطني (3/ 266، 267) والبيهقي (7/ 135، 215) من طريق يحيى بن سعيد، به. وضعَّفه ابن الملقِّن في "خلاصة البدر المنير" (2/ 200) والشيخ الألباني في «الإرواء» (6/ 328) لانقطاعه بين سعيد بن المسيب وعمر. ونازع في ذلك ابن القيم، فقال في «زاد المعاد» (5/ 183): ورَدُّ هذا بأن ابن المسيّب لم يَسْمع من عمر؛ من باب الهذيان البارد المخالف لإجماع أهل الحديث قاطبةً (!!) قال الإمام أحمد: إذا لم يُقبَل سعيد بن المسيبِ عن عمرَ، فمَن يُقبَل؟! وأئمة الإسلام وجمهورهم يحتجون بقول سعيد بن المسيّب: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. فكيف بروايته عن عمرَ -رضي الله عنه-، وكان عبد الله بن عمر يُرسل إلى سعيد يسأله عن قضايا عمر ويفتي بها، ولم يطعن أحد قطُّ من أهل عصره، ولا مَن بعدهم ممن له في الإسلام قول معتبر في رواية سعيد بن المسيّب عن عمرَ، ولا عبرة بغيرهم (!!) (¬3) الجُذَام: مرض يصيب الإنسان، وربما انتهى إلى تآكل الأعضاء وسقوطها. والبَرَص: بياض يظهر في ظاهر البدن. «القاموس المحيط» (ص 613، 1086 - مادة برص، وجذم).

أثر آخر (524) قال الشافعي (¬1): أنا ابن عيينة، أنا الزهري، عن سعيد بن المسيّب، عن عمرَ أنَّه قال في العنِّين: يُؤجَّل سَنَةً، فإنْ قَدَرَ عليها، وإلا فُرِّقَ بينهما. صحيح أيضًا. ¬

(¬1) لم أقف عليه في مظانِّه من مصنَّفاته المطبوعة. وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (6/ 253 رقم 10720) وابن المقرئ في «معجمه» (ص 119 رقم 329) وأبو بكر ابن زياد النيسابوري في «الزيادات على كتاب المُزَني» (ص 520 رقم 526) والدارقطني (3/ 305) من طريق معمر، عن الزهري، به. قال معمر: وبلغني أنه يؤجَّل سنة من يوم ترفع أمرها. وأخرجه أحمد في «مسائله» (3/ 1066 رقم 1471 - رواية عبد الله) من طريق شعبة. والبيهقي (7/ 226) من طريق سعيد بن أبي عَروبة. كلاهما (شعبة، وابن أبي عَروبة) عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب، به، وزاد: ولها المهر، وعليها العِدَّة. وقد روي مثلُه عن ابن مسعود رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (10723) وابن أبي شيبة (3/ 493 رقم 16484) في النكاح، باب كم يؤجل العنِّين؟ وأبو بكر ابن زياد النيسابوري في «الزيادات على كتاب المُزَني» (ص 518 - 519 رقم 523) والدارقطني (3/ 305) والبيهقي (7/ 226) من طريق الثوري، عن الرُّكين بن الربيع، عن أبيه وحصين بن قَبيصة، عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: يُؤجَّلُ سَنَةً، فإنْ أتاها وإلا فُرِّقَ بينهما. قال الشيخ الألباني في «الإرواء» (6/ 324): وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، فإن رجاله كلهم ثقات من رجاله، سوى حصين بن قَبيصة، لكن روايته متابعة، ثم هو ثقة. اهـ. والعِنِّين: الذي يُحبس عن امرأته عجزًا، أو لا يريدهنَّ. «القاموس المحيط» (ص 1216 - مادة عنّ).

حديث في الصداق

حديث في الصَّداق (525) قال أبو بكر البزَّار (¬1): ثنا يوسف بن موسى، ثنا الفضل بن دُكَين، ثنا عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لم يُصدِقْ أحدًا من نسائِهِ أكثرَ من ثنتي عشرةَ وُقِيَّةً. إسناده جيد، ليس فيه متكلَّم فيه سوى العُمَري وحده (¬2). حديث آخر (526) قال الإمام أحمد (¬3): ثنا إسماعيل، ثنا سَلَمة بن علقمة، عن محمد بن سيرين قال: نبِّئت عن أبي العَجْفاء السُّلمي قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يقول: ألا لا تَغلُوا في صُدُق النساءِ، فإنها لو كانت مَكرُمةً في الدنيا، أو تقوًى عند الله؛ كان أولاكم بها النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ما أَصْدقَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم امرأةً من نسائِهِ، ولا أُصدِقَتْ امرأةٌ من بناته أكثرَ من ثنتي عشرةَ أوقيَّةً، وإنْ كان الرَّجلُ لَيُبتَلَى بصَدُقةِ امرأتِهِ، حتى يكونَ لها عداوةٌ في نفسه، / (ق 194) وحتى يقولَ: كلِّفتُ إليك عَلَقَ القِربة (¬4). قال: وكنتُ غلامًا عربيًا ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 262 رقم 158). (¬2) اضطرب فيه العُمَري، فروي كما سبق. وقيل: عنه، عن نافع، عن ابن عمرَ. ليس فيه عمر! وقيل: عنه، عن ابن عمرَ، قال: أظنُّه عن عمرَ! انظر: «شرح مشكل الآثار» للطحاوي (13/ 47 رقم 5042، 5043، 5044). (¬3) في «مسنده» (1/ 40 رقم 285). (¬4) جاء بحاشية الأصل ما نصُّه: «حاشية: ومنهم من يَرويه: عرق القِربة، قال الكسائي: معناه: أنِّي تعبت بأمرك وكلفت به، حتى لقد عرقت منه، كعرق القِربة، وهو سيلان مائها. وقال أبو عبيد [غريب الحديث 4/ 183]: القِربة لا تعرق، وإنما معناه على المبالغة، كما يقال: حتى يشيب الغراب، ويبيضَّ القار، وأشباه هذا، ممَّا قد علم أنه لا يكون. وقال أبو عبيد: وفيه وجه آخر، وهو أن علق القِربة: عصامها الذي تعلَّق به، فيقول: تكلَّفت لك كلَّ شيء، حتى عصام القِربة. قال أبو عبيد: وحكي لي عن يونس البصري أنه قال: عرق القِربة: منقعتها، يقول: جشمت إليك، حتى احتجت إلى نقع القِربة، وهو ماؤها، يعني: في الأسفار. وقال غيرهم: عرق القِربة: بقايا الماء فيها، واحدها عَرَقة. قال: ويُروى عن أبي الخطاب الأخفش أنه قال: العرقة: السَّفيفة التي يجعلها الرَّجل على صدرِه إذا حمل القِربة، سماها عرقة؛ لأنها منسوجة. وقال الأصمعي: عرق القِربة: كلمة معناها الشدَّة، ولا أدري ما أصلها».

مُولَّدًا (¬1)، لم أدرِ ما عَلَقُ القِربةِ. قال: وأخرى تقولونها لمن قُتِلَ في مغازيكم: قُتِلَ فلانٌ شهيدًا، أو مات فلانٌ شهيدًا، ولعله أنْ يكونَ قد أوقَرَ (¬2) عَجُزَ دابته، أو دَفَّ (¬3) راحلته ذهبًا أو وَرِقًا يلتمسُ التجارةَ، لا تقولوا ذاكم، ولكن قولوا، كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَن قُتل أو مات في سبيلِ اللهِ، فهو في الجنةِ». طريق أخرى (527) قال أحمد (¬4): ثنا سفيان، عن أيوب، عن ابن سيرين، سَمِعَه من أبي العَجْفاء قال: سَمِعتُ عمرَ يقول ... ، فذَكَره. طريق أخرى (528) قال أحمد (¬5): ثناه إسماعيل مرَّة أخرى، أنا سَلَمة، عن محمد بن سيرين، عن أبي العَجْفاء (¬6) قال: سَمِعتُ عمرَ يقول: ألا لا تُغلُوا ¬

(¬1) المولَّد: إذا وُلِدَ بين العرب، ونشأ مع أولادهم، وتأدَّب بآدابهم. «النهاية» (5/ 225). (¬2) أي: حمَّلها وِقرًا، والوِقر: الحَمْل. انظر: «النهاية» (5/ 213). (¬3) دَفّ الرَّحْل: جانب كُور البعير، وهو سَرْجه. «النهاية» (2/ 125). (¬4) في «مسنده» (1/ 48 رقم 340). (¬5) (1/ 41 رقم 287). (¬6) قوله: «عن محمد بن سيرين، عن أبي العَجْفاء» كذا ورد بالأصل. والذي في مطبوع «المسند»، و «إطراف المُسنِد المُعتَلِي» (5/ 83 رقم 6673) و «إتحاف المهرة» (12/ 410): «عن ابن سيرين، نُبِّئت عن أبي العَجْفاء».

صُدُقَ النساءِ ... ، فذَكَر الحديث. قال إسماعيل: وذَكَر أيوب، وهشام، وابن عَون، عن محمد، عن أبي العَجْفاء، عن عمرَ، نحوًا من حديث سَلَمة، إلا أنهم قالوا: لم يقل محمدٌ: نُبِّئتُ عن أبي العَجْفاء. وقد رواه أهل السُّنن في كتبهم بنحوه، فرواه أبو داود (¬1)، عن محمد بن عبيد، عن حماد بن زيد. والترمذي (¬2)، عن ابن أبي عمر، عن سفيان بن عيينة. كلاهما عن أيوب السَّختياني، عن محمد بن سيرين، عن أبي العَجْفاء السُّلمي، واسمه: هَرِم بن نُسَيب البصري. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح (¬3). ورواه ابن ماجه (¬4) من حديث ابن عَون، عن محمد بن سيرين، به. وأخرجه النسائي (¬5)، عن علي بن حُجر، عن إسماعيل / (ق 195) بن عُليَّة، عن أيوب، وابن عَون، وسَلَمة بن علقمة، وهشام بن حسان -دخل حديث بعضهم في بعض-، أربعتهم عن محمد بن سيرين، به. وفي حديث سَلَمة، عن ابن سيرين قال: نُبِّئتُ عن أبي العَجْفاء ... ، فذَكَره. ¬

(¬1) في «سننه» (3/ 30 رقم 2106) في النكاح، باب الصداق. (¬2) في «سننه» (3/ 422 رقم 1114) في النكاح، باب منه. (¬3) وصحَّحه الحاكم (2/ 176) ووافقه الذَّهبي. (¬4) في «سننه» (1/ 607 رقم 1887) في النكاح، باب صداق النساء. (¬5) في «سننه» (6/ 427 رقم 3349) في النكاح، باب القسط في الأصدقة.

ورواه ابن حبان في «صحيحه» (¬1)، عن الحافظ أبي يعلى، عن زُهَير بن حرب، عن يزيد بن هارون، عن ابن عَون، وهشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي العَجْفاء، به. وقد رواه محمد بن سعيد بن سابق، عن عمرو بن أبي قيس، عن أيوب السَّختياني، عن محمد بن سيرين، عن ابن أبي العَجْفاء، عن أبيه، عن عمرَ، وسمَّاه بعضهم: عبد الله بن أبي العَجْفاء (¬2). قال الحافظ أبو الحسن الدارقطني رحمه الله (¬3): وقد خالف عمرو بن قيس (¬4) الحمَّادان، وسفيان بن عيينة، وإسماعيل بن عُليَّة، والحارث بن عُمَير، وعبد الوهاب الثَّقَفي، ومعمر، فرووه عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي العَجْفاء. وكذا رواه عن ابن سيرين: ابن عَون، وهشام بن حسان، ومنصور بن زَاذَان، وأشعث بن سوَّار، ومَطَر الوراق، والصَّلت بن دينار، ومحمد بن عمرو الأنصاري، وعوف الأعرابي، وإسماعيل بن مسلم، ومُجَّاعة بن الزُّبير، وعَبيدة بن حسان -هو: السِّنجاري-، وعُقبة بن خالد الشَّنِّي، ويحيى بن عَتيق، وأبو حُرَّة، وأخوه (¬5). قال: ورواه معاذ بن معاذ، عن ابن عَون، عن ابن سيرين، عن أبي ¬

(¬1) (10/ 480 رقم 4620 - الإحسان). (¬2) ومن هذا الوجه: أخرجه البيهقي (7/ 234) والخطيب في «تاريخه» (3/ 258). (¬3) في «العلل» (2/ 236). (¬4) قوله: «عمرو بن قيس» كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «عمرو بن أبي قيس»، وهو الصواب الموافق لما في كتب الرجال. انظر: «تهذيب الكمال» (22/ 203). (¬5) كَتَب المؤلِّف بحاشية الأصل مانصُّه: «أبو حُرَّة اسمه: واصل بن عبد الرحمن، واسم أخيه: سعيد».

العَجْفاء، أو: ابن أبي العَجْفاء، عن عمرَ. وقال منصور بن / (ق 196) زَاذَان، عن ابن سيرين: ثنا أبو العَجْفاء ... ، فذَكَره. قال الدارقطني: فإنْ كان عمرو بن قيس (¬1) حفظه عن أيوب؛ فيشبه أن يكون ابن سيرين سَمِعَه من أبي العَجْفاء، وحَفِظَه عن ابن أبي العَجْفاء، عن أبيه -والله أعلم-، وذلك لقول منصور -وهو من الثقات الحفَّاظ-، عن ابن سيرين: حدثنا أبو العَجْفاء، ولكثرة مَن تابَعَه ممن رواه عن ابن سيرين، عن أبي العَجْفاء، والله أعلم. ثم ذَكَر الدارقطني جماعة رووه من غير طريق أبي العَجْفاء، ثم قال: ولا يصح هذا الحديث إلا عن أبي العَجْفاء (¬2). ¬

(¬1) انظر التعليق رقم (3) من الصفحة السابقة. (¬2) وأبو العَجْفاء السُّلمي، مختَلَف فيه، فوثَّقه ابن معين، والدارقطني. وقال أبو أحمد الحاكم: حديثه ليس بالقائم. وقال الفَسَوي في «المعرفة والتاريخ» (2/ 438): مجهول، لا يُدرى مَن هو؟ وأورد البخاري هذا الحديث في «التاريخ الأوسط» (3/ 52 - ط مكتبة الرشد) وذكر الاختلاف فيه على أبي العَجْفاء، ثم قال: في حديثه نظر. وأشار الخطيب في «تاريخ بغداد» (3/ 257) إلى إعلاله بقوله: إن كان محفوظًا. وذكره الذهبي في «الميزان» (4/ 550) في ترجمة أبي العَجْفاء، فعُدَّ من مناكيره. ومع ذلك؛ فقد صحَّحه الترمذي، والحاكم، وتابَعَهما جماعة من المعاصرين، منهم: الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه لـ «مسند الإمام أحمد» (1/ 284) والشيخ الألباني في «الإرواء» (6/ 347) والشيخ شعيب الأرناؤوط في تحقيقه لـ «صحيح ابن حبان» (9/ 481) و «شرح مشكل الآثار» (13/ 49) ومحققو «مسند الإمام أحمد» (1/ 383 - ط مؤسسة الرسالة) وحسين أسد في تحقيقه لـ «موارد الظمآن» (4/ 185).

قلت: بل قد رواه مسروق، عن عمرَ بن الخطاب بنحوه، كما سيأتي (¬1) في كتاب التفسير، إن شاء الله تعالى. ¬

(¬1) انظر (ص 380 رقم 811).

أحاديث تذكر في الوليمة، وآداب الطعام

أحاديث تُذكر في الوليمة، وآداب الطعام (529) قال الحافظ أبو يعلى (¬1): ثنا عبد الله بن عمر بن محمد بن أبان الكوفي، ثنا عَبدة بن سليمان، عن عبيد الله بن عمر، عن الزهري، عن أبي بكر بن عبيد الله، عن ابن عمرَ، عن عمرَ -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا يأكلُ أحدُكُم بشمالِهِ، فإنَّ الشيطانَ يَأكلُ بشمالِهِ، ويَشربُ بشمالِهِ». هذا إسناد صحيح (¬2)، وليس هو في الكتب السِّتة، وإنما رواه مسلم (¬3) من حديث عبد الله بن عمر، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ أبو الحسن الدارقطني رحمه الله (¬4): وهذا هو المحفوظ. / (ق 197) حديث آخر (530) قال الإمام أحمد (¬5): ثنا هارون، ثنا ابن وهب، حدثني عمرو بن الحارث، أنَّ عمرَ بن السائب حدَّثه، أنَّ القاسم بن أبي القاسمِ السبئي حدَّثه، عن قاصِّ الأجناد بالقسطنطينية، أنَّه سَمِعَه يحدِّث: أنَّ عمرَ بن الخطاب قال: يا أيها الناسُ، إني سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 183 رقم 207). (¬2) شيخ أبي يعلى: مجهول. انظر: «تاريخ بغداد» (9/ 421) و «مجمع الزوائد» (5/ 62). (¬3) في «صحيحه» (3/ 1598 رقم 2020) (105) في الأشربة، باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما. (¬4) في «العلل» (2/ 46). (¬5) في «مسنده» (1/ 20 رقم 125). وأخرجه -أيضًا- أبو يعلى (1/ 216 رقم 251) والبيهقي (7/ 266) من طريق ابن وهب، به.

يقول: «مَن كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فلا يَقعُدَنَّ على مائدةٍ يُدَارُ عليها الخمرُ، ومَن كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فلا يَدخُلِ الحمَّامَ إلا بإزارٍ، ومَن كانت تؤمنُ باللهِ واليومِ والآخرِ فلا تَدخُلِ الحمَّامَ». هذا إسناد حسن (¬1)، ليس فيه مجروح، ولم يخرِّجوه. وعمر بن السَّائب هذا: ذَكَره أبو حاتم الرازي (¬2)، فقال: روى عن القاسم بن أبي القاسم، وعنه: عمرو بن الحارث، وابن لَهِيعة. وقال (¬3) في شيخه القاسم بن أبي القاسم: روى عن قاصِّ الأجناد، وعنه: عمر بن السائب. ولم يزد على هذا القدر، وفيه مقنع، والله أعلم. وقد أَفرَدتُ أحاديث الحمَّام في مُصنَّف على حِدَة (¬4)، ولله الحمد والمنَّة. ¬

(¬1) قاصَّ الأجناد: مجهول، لذا ضعَّفه المنذري في «الترغيب والترهيب» (1/ 202) والهيثمي في «مجمع الزوائد» (1/ 277). و-أيضًا- رواية عمر بن السائب، عن القاسم بن أبي القاسم منقطعة، كما نصَّ على ذلك البخاري في «التاريخ الكبير» (6/ 162 رقم 2038). وقد قال المنذري في «مختصر سنن أبي داود» (6/ 14): وأحاديث الحمَّام كلُّها معلولة، وإنما يصحُّ فيها عن الصحابة رضي الله عنهم. وقال الخطيب في «الموضح لأوهام الجمع والتفريق» (1/ 362): المدينة لم يكن بها حمَّام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحمَّامات إنما كانت في ذلك الوقت ببلاد الشام، وبلاد فارس. وقال ابن القيِّم في «زاد المعاد» (1/ 175) و «المنار المنيف» (ص 106): لم يصحُّ في الحمَّام حديث. (¬2) في «الجرح والتعديل» (6/ 113 رقم 610). (¬3) الموضع السابق (7/ 117 رقم 672). (¬4) وقد طُبعت بتحقيق الشيخ سامي بن محمد جاد الله، نشر دار الوطن (الرياض).

حديث آخر (531) قال الحافظ أبو بكر البزَّار (¬1): ثنا الفضل بن سهل، ومحمد بن عبد الرحيم قالا: ثنا الحسن بن موسى، ثنا سعيد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن سالم، عن أبيه، عن عمرَ قال: غلا السِّعرُ بالمدينةِ، فاشتدَّ الجَهدُ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «اصبِرُوا، وأَبشِرُوا، / (ق 198) فإنِّي قد بارَكتُ على صاعِكم ومُدِّكم، فكُلُوا ولا تَفَرَّقُوا، فإنَّ طعامَ الواحدِ يكفي الاثنين، وطعامَ الاثنين يكفي الأربعة، وطعامَ الأربعةِ يكفي الخمسةَ والسِّتةَ، وإنَّ البركةَ في الجماعةِ، فمَن صَبَرَ على لأوائِها وشِدَّتها كنتُ له شفيعًا، أو شهيدًا يومَ القيامةِ، ومَن خَرَجَ عنها رغبةً عمَّا فيها أَبدَلَ اللهُ به مَن هو خيرٌ منه فيها، ومَن أرادها بِسُوءٍ أذابَهُ اللهُ كما يَذوبُ الملحُ في الماءِ». وقد روى ابن ماجه (¬2) بعضه: «طعامُ الواحدِ يَكفي الاثنين، فكُلُوا جميعًا، ولا تَتَفرَّقُوا ...» الحديث. عن الحسن بن علي الخلاَّل، عن الحسن بن موسى -وهو: الأشيب-، به. وعمرو بن دينار هذا هو: قَهْرمان آل الزُّبير، وهو ضعيف (¬3)، والله أعلم. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 240 رقم 127). (¬2) في «سننه» (2/ 1084 رقم 3255) في الأطعمة، باب طعام الواحد يكفي الإثنين. (¬3) قال عنه أبو حاتم والفلاَّس والترمذي والنسائي: روى عنه سالم، عن ابن عمرَ أحاديث منكرة. وقال البخاري: فيه نظر. انظر: «تهذيب الكمال» (22/ 13) و «الجرح والتعديل» (6/ 232 رقم 1281). وقال البزَّار عقب روايته لهذا الحديث: لا يُروى عن عمرَ إلا من هذا الوجهِ، تفرَّد به عمرو بن دينار، وهو ليِّن الحديث، وإن كان قد روى عنه حماعة، وأكثر أحاديثه لا يشاركه فيها غيره. ولفقرات هذا الحديث شواهد: منها: ما أخرجه مسلم (3/ 1630 رقم 2059) في الأشربة، باب فضيلة المواساة في الطعام القليل، من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- رفعه: «طعامُ الواحدِ يكفي الإثنين، وطعامُ الإثنينِ يكفي الأربعةَ، وطعامُ الأربعةِ يكفي الثمانية». ومنها: ما أخرجه مسلم (2/ 1002 رقم 1374) (477) في الحج، باب الترغيب في سكنى المدينة ... ، من حديث أبي سعيد الخُدْري -رضي الله عنه- رفعَه: «لا يَصبرُ أحدٌ على لأوائِها فيموتُ إلاَّ كنتُ له شفيعًا أو شهيدًا يومَ القيامةِ إذا كان مسلمًا». وأخرج -أيضًا- (1377) عن ابن عمرَ -رضي الله عنهما- رفعه: «لا يَصبرُ على لأوائِها وشدَّتها أحدٌ؛ إلا كنتُ له شهيدًا أو شفيعًا يومَ القيامةِ». وأخرج -أيضًا- (1363) في الحج، باب فضل المدينة، من حديث سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- رفعه: «إنِّي أحرِّمُ ما بين لا بَتَي المدينةِ، أن يُقطعَ عِضاهُها، أو يُقتلَ صيدُها». وقال: «المدينةُ خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون، لا يَدَعُها أحدٌ رغبةً عنها إلا أَبدَلَ اللهُ فيها من هو خيرٌ منه، ولا يثبتُ أحدٌ على لأوائِها وجَهدِها إلا كنتُ له شفيعًا أو شهيدًا يومَ القيامة». زاد في رواية: «ولا يريدُ أحدٌ أهلَ المدينةِ بسوءٍ، إلا أذابَهُ اللهُ في النَّارِ ذَوبَ الرَّصاصِ، أو ذَوبَ الملحِ في الماءِ».

ففيه دلالة على استحباب الاجتماع على الطعام كما هو المألوف من شيم العرب لا التفرُّق فيه، كما هو طريقة العجم من المتصوفة وغيرهم.

أثر فيه أدب كريم

أثر فيه أدب كريم (532) قال الحافظ أبو نعيم (¬1): ثنا عبد الله بن محمد، ثنا أحمد بن الحسين، ثنا الدَّورقي، حدثني عبيد بن الوليد الدمشقي قال: سَمِعتُ سهلاً -يعني: ابن هاشم- يَذكر عن إبراهيم بن أدهم: أنَّ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: لؤمٌ بالرَّجلِ أنْ يرفعَ يديه (¬2) من الطعامِ قبلَ أصحابِهِ. هذا منقطع معضل. أثر آخر (533) قال عبد الله بن المبارك (¬3): أنا حماد بن سَلَمة، / (ق 199) عن رجاء أبي المِقدام الشَّامي، عن حميد بن نعيم: أنَّ عمرَ بن الخطاب وعثمانَ بن عفان دُعيا إلى طعام، فأجابا، فلمَّا خَرَجا قال عمرُ لعثمان: قد شَهِدتُ طعامًا وَدِدتُ أني لم أَشهدهُ. قال: وما ذاك؟ قال: خشيتُ أن يكونَ جُعِلَ مُباهاةً. ¬

(¬1) في «حلية الأولياء» (7/ 391). (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «يده». (¬3) في «الزهد والرقائق» (ص 66 رقم 201). وهذا معضل؛ حميد بن نعيم أورده ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (3/ 230 رقم 1009) وقال: كاتِب عمر بن عبد العزيز، روى عن عمرَ بن عبد العزيز، روى عنه رجاء بن أبي سَلَمة. وقد أخرج ابن أبي الدُّنيا في «الإخلاص والنِّيَّة» (ص 71 رقم 56) والبخاري في «التاريخ الكبير» (2/ 351 رقم 2718) تعليقًا، من طريق ضَمرة، عن رجاء بن أبي سَلَمة، عن عبد الله بن أبي نعيم، عن ابن مُحَيريز قال: دُعي عمرُ بن الخطاب إلى وليمة، ثم قال: وَدِدتُ أني لم أحضرها، لأني أرى أن صاحبَها إنما صنعها رياءً. ثم قال البخاري: وقال محمد بن مقاتل: أخبرني عبد الله، قال: ثنا حماد بن سَلَمة، عن رجاء أبي المِقدام من أهل الرَّملة، عن نعيم بن عبد الله -كاتب عمر بن عبد العزيز-: أنَّ عمرَ بن عبد العزيز قال: يمنعني كثرة الكلام مخافة المباهاةِ.

حديث آخر غريب (534) رأيت على ظَهر كتاب «الموطأ» -رواية يحيى بن يحيى-، أحضره لي الشيخ الصالح أحمد الواسطي ... (¬1)، أخبرني أبو عبد الله بن قاسم، ثنا مُطيَّن أبو جعفر محمد بن عبد الله بن سليمان، ثنا محمد بن العلاء، ثنا مختار بن غسَّان، عن عنبسة بن عبد الرحمن، عن أحمد بن رومان قال: سُئل عمرُ بن الخطاب عن طعام العُرس، قالوا: مالَهُ أطيبُ ريحًا من طعامنا؟ فقال عمرُ: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ طعامَ العُرسِ مَثَاقيلٌ من ريحِ الجَنَّةِ». قال عمرُ: دعا اللهَ إبراهيمُ خليلُ اللهِ، ونبيُّ الله محمدٌ أنْ يُبارِكَ اللهُ فيه، وأنْ يُطيِّبهُ (¬2). ¬

(¬1) موضع كلمة غير واضحة بالأصل. (¬2) وأخرجه -أيضًا- الحارث بن أبي أسامة في «مسنده»، كما في «بغية الباحث» (ص 134 رقم 403) من طريق الوليد بن مسلم، عن عنبسة بن عبد الرحمن، عن محمد بن عبد الصمد، عن ابن رومان، به. قال الحافظ في «المطالب العالية» (2/ 192 رقم 1672): هذا إسناد مظلم.

حديث يذكر في عشرة النساء

حديث يُذكر في عشرة النساء (535) قال أبو داود الطيالسي (¬1): ثنا حماد بن زيد (¬2)، عن معاوية بن قُرَّةَ المُزَني قال: أتيتُ المربدَ (¬3) زمنَ الأَقِط (¬4) والسَّمن، والأعراب يأتون بالبُرقان (¬5)، فيبيعونها، فإذا برجلٍ طامحٍ بصرُهُ، ينظرُ إلى الناسِ، فظننتُ أنَّه غريبٌ، فدَنَوتُ منه، فسلَّمتُ عليه، فرَدَّ السلامَ، وقال لي: أمِن أهل هذه أنت؟ (¬6) فجلستُ معه، فقلت: فممَّن أنتَ؟ قال: من بني هلال، واسمي: كَهْمس -أو قال: من بني سَلُول، واسمي: كَهْمس-، ثم قال لي: ألا أحدِّثكَ حديثًا شهدتُهُ من عمرَ بن الخطاب؟ قلت: بلى. قال: بينما نحن جلوسٌ عنده، إذ جاءت امرأةٌ، فجَلَستْ إليه، فقالت: يا أميرَ المؤمنين، إنَّ زوجي قد كثُرَ شرُّه، وقَلَّ خيرُهُ. فقال لها عمر: مَن زوجُكِ؟ قالت: أبو سَلَمة. قال: إنَّ ذاك له صحبةً، وإنَّه لرجلُ صِدقٍ. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 36 رقم 32). وأخرجه -أيضًا- ابن سعد (7/ 46) والبخاري في «التاريخ الكبير» (7/ 238) وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (3/ 123 رقم 1445) والطبري في «تهذيب الآثار» (1/ 335 - مسند عمر) وابن قانع في «معجم الصحابة» (2/ 382) من طريق حماد بن يزيد، به، مقتصرًا على قصَّة الصوم. (¬2) كذا ورد بالأصل، ونسخ الطيالسي، كما أشار إلى ذلك محقَّق «المسند»، ونبَّه على خطئه، وأنَّ الصواب: «ابن يزيد»، وأيَّد ذلك بأنَّ ابن قانع أخرجه في «معجمه» (2/ 382) من طريق الطيالسي، وجاء فيه: «ابن يزيد». (¬3) كذا ورد بالأصل. والذي في المطبوع: «المدينة». (¬4) الأقط: هو لبن مجفَّف، يابس مستحجر، يُطبخ به. «النهاية» (1/ 57). (¬5) البُرقان: جمع برقاء، وهي الشاة التي في خلال صوفها الأبيض طاقات سود. «النهاية» (1/ 119). (¬6) زاد في المطبوع: «قلت: نعم».

ثم قال عمرُ لرجل عنده جالس: أليس كذاك؟ فقال: يا أميرَ المؤمنين، لا نَعرفُهُ إلا بما قلتَ. فقال عمرُ لرجل: قُم، فادعُهُ لي. فقامت المرأة حين / (ق 200) أرسَلَ إلى زوجها، فقَعَدتْ خلفَ عمرَ، فلم يَلبث أن جاءا معًا حتى جلسا بين يدي عمر، فقال عمرُ: ما تقول هذه الجالسة خلفي؟ (¬1) قال: ومَن هذه يا أميرَ المؤمنين؟! قال: هذه امرأتُكَ. قال: تقول ماذا؟ قال: تَزعمُ أنَّه قد قَلَّ خيرُكَ، وكثُرَ شرُّكَ. فقال: بئس ما قالت يا أميرَ المؤمنين، إنها لمن صالحِ نسائِها، أكثرهُنَّ كُسوة، وأَكثرهُنَّ رفاهيةُ بيتٍ، ولكنَّ فحلُها بَكِيٌّ (¬2). فقال عمرُ: يرحمه الله، ما تقولين؟ قالت: صدق. فقام إليها عمر بالدِّرَّة، فتناولها بها، وقال: أي عَدُوَّةَ نفسِهِا، أَكَلتِ مالَهُ، وأَفنيتِ شبابَهُ، ثم أنشأتِ تُخبرينَ بما ليس فيه. فقالت: ياأميرَ المؤمنين، لا تَعجَلْ، فوالله لا أَجلسُ هذا المجلسَ أبدًا. ثم أَمَر لها بثلاثةِ أثوابٍ، فقال: خذي هذا لما صَنَعتُ بكِ، وإيَّاكِ أنْ تشتكي هذا الشيخَ، كأني أنظرُ إليها حين قامت ومعها الثياب، ثم أَقبَلَ على زوجها، فقال: لا يمنعكَ (¬3) ما رأيتني صَنَعتُ بها أن تُسيءَ (¬4) إليها، انصرِفَا. فقال الرَّجل: ما كنتُ لأفعل. ثم قال عمرُ رضي الله عنه: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «خيرُ أُمَّتي القَرنُ الذي أنا منه، ثم الثاني، ثم الثالث، ثم يَنشَأُ قومٌ تَسبِقُ ¬

(¬1) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «ما تقول في هذه الجالسة خلفي». (¬2) لعل المراد هنا هو ضَعفه عن الجماع، يقال: بَكَأَت الناقة والشاة: قلَّ لبنها، وقيل انقطع، وبَكَأَ الرَّجل: قَلَّ كلامه خِلقة. انظر: «لسان العرب» (1/ 468 - مادة بكأ)، (¬3) كذا ورد بالأصل، ونسخ الطيالسي، كما أشار إلى ذلك محققه، ومع ذلك غيَّره إلى: «لا يحملنَّك»، ثم قال: المثبت من المصادر، والسياق يقتضيه (!) (¬4) كذا ورد بالأصل، ومطبوع الطيالسي. وجاء في مطبوع الطيالسي (ص 8 - مصورة الطبعة الهندية): «تُحسن»، وهو الموافق للسياق.

أيمانُهُم شهادتَهم، يَشهدُون من غيرِ أن يُستَشهَدُوا، لهم لَغَطٌ في أسواقِهم». قال معاوية: قال لي كَهْمس: أفتخافُ أنْ يكونَ هؤلاءِ من / (ق 201) أولئك؟ ثم قال لي كَهْمس: إنِّي أتيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأخبرتُهُ بإسلامي، ثم غِبتُ عنه حولاً، ثم أتيتُهُ، فقلت: يا رسولَ الله، كأنَّك تُنكِرني؟ قال: «أَجَل». فقلت: يا رسولَ الله، ما أَفطَرتُ منذُ فارقتُكَ. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومَن أَمَرَكَ أن تُعذِّبَ نَفسَكَ؟ صُم يومًا من الشهرِ». قلت: زدني. قال: «فصُم يومين». حتى قال لي: «فصُم ثلاثةَ أيامٍ من الشهرِ». هذا حديث غريب من هذا الوجه. أثر آخر في ذلك (536) قال أبو القاسم البغوي: ثنا أبو رَوْح البَلَدي، ثنا أبو الأَحوص سلاَّم بن سُليم، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مُضَرِّب قال: قال عمرُ رضي الله عنه: استَعينوا على النساءِ بالعُري، فإنَّ إحداهنَّ إذا كَثُرَت ثيابُها وحَسُنَت زينتُها أَعجَبَها الخروجُ (¬1). إسناد صحيح. حديث آخر (537) قال الهيثم بن كُلَيب (¬2): ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، ثنا إسماعيل بن أبي أويس، حدثني أخي، عن سليمان -يعني: ابن بلال-، ¬

(¬1) وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (4/ 54 رقم 17705) في النكاح، باب في الغيرة وما ذكر فيها، عن أبي الأحوص، به. (¬2) ليس في القسم المطبوع من «مسنده»، ومن طريقه: أخرجه الضياء في «المختارة» (1/ 307 رقم 198).

عن عبد الله بن يَسَار الأعرج، أنَّه سَمِعَ سالم بن عبد الله يحدِّث عن أبيه، عن عمرَ بن الخطاب: أنَّه كان يقول: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يَدخلون الجَنَّة: العاقُّ لوالديه، والدَّيوثُ (¬1)، ورَجُلةُ النساءِ». هذا حديث حسن. اختاره الضياء في كتابه من هذا الوجه. وأخو إسماعيل هو: عبد الحميد. وقد رواه أحمد (¬2)، والنسائي (¬3)، وابن حبان في «صحيحه» (¬4) من حديث ابن عمر، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، كما سيأتي (¬5)، إن شاء الله تعالى. أثر آخر (538) قال الشيخ الإمام أبو عمر ابن عبد البر -رحمه الله- في كتابه «الاستيعاب لأسماء الصحابة» (¬6): أنا عبد الوارث بن سفيان، ثنا قاسم بن أصبغ، ثنا مُضَر بن محمد، ثنا إبراهيم بن عثمان (¬7)، ثنا مَخلد بن حسين، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين: قال: جاءت امرأةٌ إلى ¬

(¬1) الدَّيوث: الذي لا يغار على أهاه. «النهاية» (2/ 147). (¬2) في «مسنده» (2/ 134). (¬3) في «سننه» (5/ 84 رقم 2561) في الزكاة، باب المنان بما أعطى. (¬4) (16/ 334 رقم 7340 - الإحسان). وجوَّد إسنادَه الشيخ الألباني في «السلسلة الصحيحة» (2/ 284 رقم 674). (¬5) يعني: في كتابه «جامع المسانيد والسُّنن»، ولم أجده في القسم الذي أخرجه قلعجي. (¬6) (9/ 243 - بهامش الإصابة). وهو منقطع بين ابن سيرين وعمر رضي الله عنه. (¬7) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «أبو تميم بن عثمان».

عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه-، فقالت: إنَّ زوجي يصومُ النهارَ، ويقومُ الليلَ. فقال: ما تريدينَ؟ أتريدينَ أن أَنهاهُ عن صيامِ النهارِ، وقيامِ الليلِ؟ قال: ثم رَجَعتْ إليه، فقالت: إنَّ زوجي يصومُ النهارَ، ويقومُ الليلَ. قال: أفتريدينَ أن أَنهاهُ عن صيامِ النهارِ، وقيامِ الليلِ؟ ثم جاءته الثالثة، فقالت: إنَّ زوجي يصومُ النهارَ، ويقومُ الليلَ. فقال: أتريدينَ أن أَنهاهُ عن صيامِ النهارِ، وقيامِ الليلِ؟ قال: وكان عنده كعب بن سُور، فقال كعب: إنها امرأةٌ تَشتكي زوجَها. فقال عمرُ رضي الله عنه: أَمَا إذ فَطِنتَ لها، فقُمْ، فاحكُم بينهما. قال: فقام كعب، وجاءت بزوجها، فقالت: يا أيها القاضي الفقيهُ أَرشَدَهُ ... أَلهَى خليلي عن فراشي مسجِدَه زهَّدَهُ في مضجعي تعبّدُه ... نهارُه وليلُه ما يَرقُدُه ولستُ في أَمرِ النساءِ أَحمَدُه ... فاقضِ القَضَا يا كَعبُ لا تَردده [فقال] الزَّوج: إني امرؤٌ قد شَفَنِي ما قد نَزَل ... في سورةِ النورِ وفي السَّبعِ الطِّوَل وفي الحواميمِ الشِّفا وفي النَّحلِ ... وفي كتابِ اللهِ تخويفٌ جَلَل فرُدَّها عنِّي وعن سُوءِ الجَدَل فقال كعب بن سُور القاضي رحمه الله:

إنَّ السعيدَ بالقضاءِ مَن فَصَل ... ومَن قَضَى بالحقِّ حقًّا وعَدَل إنَّ لها حقًّا عليكَ يا بَعُل ... مِن أربعٍ واحدةٌ لمَن عَقَل امضِ لها ذاكَ وَدَع عنكَ العِلَل ثم قال: أيها الرَّجلُ، إنَّ لك أنْ تتزوَّجَ مثنى، وثلاثَ، ورُباعَ، فلك ثلاثةُ أيامٍ، ولامرأتِكَ هذه يومٌ، ومن أربع ليالٍ ليلةٌ، فلا تُصَلِّ في ليلتِها إلا الفريضةَ. قال: فبَعَثَهُ عمرُ -رضي الله عنه- قاضيًا على البصرة. ثم قالت المرأة: يا أميرَ المؤمنين، واللهِ ما بي شوقٌ إلى ما تَشتاقُ إليه النساءُ من الرِّجال، إلا أني رأيتُهُ يقومُ الليلَ يَستغفِرُ اللهَ لوالديه، فرَجَوتُ أن يُخرِجَ اللهُ مني ومنه مَن يَستغفِرُ اللهَ لي وله. وقد روى وكيع (¬1)، عن زكريا، عن الشَّعبي مثل هذا، أو نحوه، وليس فيه شِعر، وهو مشهور عند الفقهاء، يَذكرونه في باب القَسْم (¬2). ¬

(¬1) ومن طريقه: أخرجه محمد بن خلف -المعروف بوكيع- في «أخبار القضاة» (1/ 275) مقتصرًا على استقضاء عمر لكعب على البصرة. وأخرجه -أيضًا- ابن سعد (7/ 92) وعبد الرزاق (7/ 149 رقم 12587) وابن أبي الدُّنيا في «العيال» (498) ووكيع في «أخبار القضاة» (1/ 275 - 276) والمُعافَى بن زكريا في «الجليس الصالح» (2/ 377) من طريق الشَّعبي، به. وهو منقطع بين الشَّعبي وعمر. وقد قال الحافظ في «الإصابة» (8/ 333) في ترجمة كعب بن سُور: بعثه عمر قاضيًا على البصرة لخبر عجيب مشهور. وصحَّحه الشيخ الألباني في «الإرواء» (7/ 80). (¬2) تنبيه: جاء بحاشية الأصل تقييد هذا نصه: بلغ الشيخ شمس الدين بأم الصالح في ذي الحجَّة سنة 758.

حديث في الخلع

حديث في الخلع (539) قال أبو بكر البزَّار (¬1): ثنا إبراهيم بن هانئ النَّيسابوري، ثنا عبد الغفار بن داود، ثنا ابن لَهِيعة، عن عمرو بن شعيب، عن سعيد بن المسيّب، عن عمرَ قال: إنَّ أوَّلَ مختلعةٍ في الإسلام حبيبةُ بنت سهل، كانت تحت ثابت بن قيس بن شمَّاس، فأَتَت النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسولَ الله، لا أنا ولا ثابت. فقال لها: «أَتَرُدِّين عليه ما أَخَذتِ منه؟» قالت: نعم. وكان تزوَّجها على حديقةِ نخلٍ، فقال ثابت: أَيطيبُ ذلك يا رسولَ الله؟ قال: «نعم». قال: ولم يجعل لها نفقة ولا سُكنى. إسناده حسن (¬2)، ولم يخرِّجوه من هذا الوجه. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 422 رقم 298). (¬2) في إسناده: ابن لَهِيعة، ومع ضعفه، فقد خولف في إسناده، خالَفَه حجَّاج بن أرطاة -وهو ضعيف مثله-، فرواه عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه! ومن هذا الوجه: أخرجه ابن ماجه (1/ 663 رقم 2057) وأحمد (4/ 3) والطبراني في «الكبير» (6/ 103 رقم 5637). ولابنِ أرطاة فيه إسناد آخر: فأخرجه أحمد (3/ 4) من طريق الحجَّاج بن أرطاة، عن محمد بن سليمان بن أبي حثمة، عن عمِّه سهل بن أبي حثمة ... ، فذكره، وزاد في آخره: فكان ذلك أَوَّل خُلع في الإسلام! وأخرج الطبري في «تفسيره» (4/ 552) وأبو عَروبة الحرَّاني في «الأوائل» (ص 94 رقم 73) من طريق المعتمر بن سليمان، عن الفضيل بن ميسرة، عن أبي حريز (وتصحَّف عند الطبري إلى: أبي جرير): أنه سأل عكرمة: هل كان للخلع أصل؟ قال: كان ابنُ عباس يقول: إنَّ أوَّل خُلعٍ كان في الإسلام أختُ عبد الله بن أُبيّ، أنَّها أَتَت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسولَ الله، لا يجمع رأسي ورأسه شيء أبدًا، إنِّي رَفَعتُ جانبَ الخباءِ، فرأيتُهُ أَقبَلَ في عِدَّة، فإذا هو أشدُّهم سوادًا، وأقصرُهم قامةً، وأقبحُهم وجهًا. قال زوجها: يا رسولَ الله، إنِّي أعطيتُها أفضلَ مالي حديقةً لي، فَلْتَردُدْ عليَّ حديقتي. قال: ما تقولين؟ قالت: نعم، وإنْ شاء زدتُهُ. قال: ففرَّقَ بينهما. وهذا حديث منكر؛ تفرَّد به أبو حريز عبد الله بن الحسين، قاضي سجستان، قال عنه أحمد: حديثه حديث منكر، روى معتمر عن فضيل عن أبي حريز أحاديث مناكير. وقال ابن عدي: عامَّة ما يَرويه لا يُتابِعه عليه أحدٌ. انظر: «العلل ومعرفة الرجال» (2/ 372 رقم 2652 - رواية عبد الله) و «الكامل» (4/ 161). وخالف الشيخ أحمد شاكر، فصحَّح إسناده في تحقيقه لـ «تفسير الطبري» (4/ 553).

حديث في الطلاق

حديث في الطَّلاق (540) قال أبو داود الطيالسي (¬1): ثنا ابن أبي ذِئب، عن نافع، عن ابن عمرَ: أنَّه طلَّق امرأتَهُ وهي حائضٌ، فأتى عمرُ -رضي الله عنه- إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم يَذكرُ ذلك له، فجَعَلها واحدةً. / (ق 202) هذا إسناد قوي، رجاله ثقات. وهو ظاهر الدلالة لمذهب الجمهور (¬2) في نفوذ الطَّلاق في زمن الحيض، والله أعلم بالصواب. طريق أخرى (541) قال الحافظ أبو بكر البيهقي (¬3): أنا أبو عبد الله الحافظ، أنا أبو بكر أحمد بن سلمان الفقيه، ثنا عبد الملك بن محمد الرَّقاشي، ثنا بِشر بن عمر، ثنا شعبة، عن أنس بن سيرين ... ، فذَكَره، بنحوه -يعني حديثه عن ابن عمرَ في طلاق الحائض-، غير أنَّه قال: «فَليُطَلِّقهَا إن شاءَ». قال: فقال عمرُ: يا رسولَ الله، أفيُحتَسَبُ بتلك التطليقة؟ قال: «نعم». ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 68 رقم 68). (¬2) انظر: «شرح فتح القدير» لابن الهمام (3/ 468) و «مواهب الجليل» (4/ 39) و «المهذَّب» للشيرازي (2/ 79) و «الإقناع» للحِجَّاوي (3/ 463). (¬3) في «سننه» (7/ 326).

وهذا الإسناد رجاله ثقات، إلا أنَّه قد رواه البخاري في «الصحيح» (¬1)، عن سليمان بن حرب، عن شعبة. ومسلم (¬2) من حديث غُندَر عنه، بدون هذه الزيادة. وكذلك رواه حجَّاج بن منهال، عن شعبة (¬3) بدونها، وقولهم أثبت وأصح، والله أعلم. طريق أخرى (542) قال الإمام أحمد (¬4): ثنا يزيد، أنا عبد الملك، عن أنس بن سيرين قال: قلت لابن عمرَ: حدِّثني عن طلاقِكَ امرأتَكَ، قال: طلَّقتُها وهي حائضٌ، فذَكَرت ذلك لعمرَ، فذَكَره للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مُرْهُ فَليُرَاجِعْهَا، فإذا طَهُرَت، فَليُطَلِّقها في طُهْرِها». قال: قلت له: هل اعْتَدَدتَ بالتي طلَّقتَها وهي حائضٌ؟ قال: فمَالي لا أَعتدُّ بها، وإنْ كنتُ قد عَجِزتُ واستَحمَقْتُ. هكذا رواه أحمد في مسند عمر، وهو عند أصحاب الأطراف (¬5) في مسند ابن عمر، كما رواه الشيخان (¬6) من حديث شعبة. ¬

(¬1) (9/ 351 رقم 5252 - فتح) في الطلاق، باب إذا طُلقت الحائض تعتدُّ بذلك الطلاق. (¬2) (2/ 1097 رقم 1471) (12) في الطلاق، باب تحريم طلاق الحائض ... (¬3) ومن هذا الوجه: أخرجه أبو عَوَانة في «مسنده» (3/ 149 رقم 4522) والطحاوي (3/ 52) والبيهقي (7/ 326) وابن عبد البر في «التمهيد» (15/ 62). (¬4) في «مسنده» (1/ 44 رقم 304). (¬5) انظر: «تحفة الأشراف» (5/ 321 رقم 6653) و «إتحاف المهرة» (8/ 270 رقم 9353). (¬6) تقدم تخريجه في الصفحة السابقة، تعليق رقم 1، 2

ومسلم من طريق عبد الملك هذا، وهو: ابن أبي سليمان. كلاهما عن أنس بن سيرين، كما سيأتي (¬1) إن شاء الله، وبه الثقة، وعليه التكلان. حديث آخر (543) قال عبد بن حميد في «مسنده» (¬2): ثنا ابن أبي شيبة، ثنا يحيى بن آدم، عن يحيى بن زكريا، عن صالح بن حي، عن سَلَمة بن كُهَيل، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس، عن عمرَ: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم طَلَّق حفصةَ ثم رَاجَعَها. ورواه أبو داود (¬3)، والنسائي (¬4)، وابن ماجه (¬5)، وابن حبان في «صحيحه» (¬6) من طرق، عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن صالح -وهو: ابن صالح بن حَي الهَمَداني-، به. وهذا إسناد جيد قويّ ثابت (¬7). ¬

(¬1) يعني: في كتابه «جامع المسانيد والسُّنن»، ولم أجده في القسم الذي أخرجه قلعجي. (¬2) «المنتخب من مسنده» (1/ 96 رقم 43). (¬3) في «سننه» (3/ 114 رقم 2283) في الطلاق، باب في المراجعة. (¬4) في «سننه» (6/ 523 رقم 3562) في الطلاق، باب الرجعة. (¬5) في «سننه» (1/ 650 رقم 2016) في الطلاق، باب منه. (¬6) (10/ 100 رقم 4275 - الإحسان). (¬7) وصحَّحه الحاكم (2/ 197) على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. وأخرجه الضياء في «المختارة» (1/ 274 رقم 164، 165) مصحِّحًا له. وحسَّن إسناده الحافظ في «الفتح» (9/ 286).

/ (ق 203) طريق أخرى (544) قال الحافظ أبو يعلى (¬1): ثنا أبو كُرَيب، ثنا يونس بن بُكَير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن ابن عمرَ قال: دخل عمرُ على حفصةَ وهي تبكي، فقال لها: مايُبكيكِ؟ لعلَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم طلَّقكِ؟ إنَّه قد كان طلَّقكِ مرَّةً، ثم رَاجَعَكِ من أجلي، والله لئنْ كان طلَّقكِ مرَّةً أخرى لا أُكلِّمكِ أبدًا. هذا إسناد صحيح على شرطهما ولم يخرِّجوه. فأما الحديث الذي رواه مسلم في «صحيحه» (¬2) من حديث عبد الله بن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس قال: كان الطلاقُ على عهد رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكرٍ وسنتين من خلافة عمرَ طلاقُ الثلاثِ واحدةً، فقال عمرُ بن ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 159 - 160 رقم 172). وأخرجه -أيضًا- البزار (2/ 193 - 194 رقم 1502 - كشف الأستار) وابن حبان (10/ 101 رقم 4276 - الإحسان) والطبراني في «الكبير» (23/ رقم 305) من طريق يونس بن بُكَير، به. (¬2) (2/ 1099 رقم 1472) (15) في الطلاق، باب طلاق الثلاث. وأعلَّه جماعة من الحفاظ، فقال الإمام أحمد: كلُّ أصحاب ابن عباس رووا خلاف ما قال طاوس، وروى سعيد بن جُبَير ومجاهد ونافع، عن ابن عباس خلاف ذلك. وقال: وفاطمة بنت قيس طلِّقت ثلاثًا على ما روى الشعبي. وما روي عن ابن عمرَ -رضي الله عنهما-، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الرجل يطلِّق ثلاث، قال: حتى تذوق من عُسيلته. وقال -أيضًا-: لم يروه إلا طاوس. وقال إسحاق: حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الطلاق لم يَرو أحد من أصحابه عنه خلاف روايته، إنما رووا عنه قوله، ولم يفسِّروا أمدخولة أو غير مدخولة؟ فإذا وُضعت رواية طاوس على غير المدخولة لم يكن خلافًا لروايته، وأما حديث فاطمة بنت قيس فليس فيه بيان أنه طلَّق ثلاثًا بكلمة، ولا في رواية ابن عمر -رضي الله عنهما- حتى تذوق العُسيلة؛ لأن الطلاق كان ثلاثًا، وإنما نضع حديث طاوس على =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = غير المدخولة، لما حكى عكرمة، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- التمييز بينهما. انظر: «مسائل الكوسج» (4/ 1770 - 1776). وقال ابن رجب في رسالته «مشكل الأحاديث الواردة في أن الطلاق الثلاث واحدة»، كما في «سير الحاث إلى علم الطلاق الثلاث» لابن المَبرد (ص 89 - 94): فهذا الحديث لأئمة الإسلام فيه طريقان: أحدهما: وهو مسلك الإمام أحمد ومن وافقه، ويرجع إلى الكلام في إسناد الحديث بشذوذه، وانفراد طاوس به، وأنه لم يُتابَع عليه، وانفراد الراوي بالحديث وإن كان ثقة؛ هو علة في الحديث يوجب التوقف فيه، وأن يكون شاذًا ومنكرًا إذا لم يرو معناه من وجه يصح. وهذا الحديث لا يَرويه عن ابن عباس غير طاوس. قال الإمام أحمد في رواية ابن منصور: كل أصحاب ابن عباس -يعني رووا عنه [خلاف] ما روى طاوس. وقال الجوزجاني: هو حديث شاذ، قال: وقد عنيت بهذا الحديث في قديم الدهر، فلم أجد له أصلاً ... ، وقد صح عن ابن عباس -وهو راوي الحديث- أنه أفتى بخلاف هذا الحديث، ولزوم الثلاث المجموعة، وقد علَّل بهذا أحمد، والشافعي، كما ذكره في «المغني»، وهذا أيضا علَّة في الحديث بانفرادها، فكيف إذا ضم إليها علة الشذوذ والإنكار وإجماع الأمة. وقال القاضي إسماعيل في كتاب «أحكام القرآن»: طاوس مع فضله وصلاحه يروي أشياء منكرة، منها هذا الحديث. وعن أيوب: أنه كان يعجب من كثرة [خطأ] طاوس. وقال ابن عبد البر: شذ طاوس في هذا الحديث، وكان علماء أهل مكة ينكرون على طاوس ما ينفرد به من شواذ الأقاويل. المسلك الثاني: وهو مسلك ابن راهويه ومن تابَعَه، وهو الكلام في معنى الحديث، وهو أن يحمل على غير المدخول بها. نقله ابن منصور عن إسحاق، وإليه أشار إسحاق في كتاب الجامع، وبوب عليه أبو بكر الأثرم في سننه، وأبو بكر الخلال ... ، فإن قيل: لكن الرواية مطلقة؟ قلنا: الجمع بين الدليلين، ونقول: هذا قبل الدخول. وقال البيهقي في «سننه» (7/ 336): وهذا الحديث أحد ما اختَلَف فيه البخاري ومسلم، فأخرجه مسلم وتركه البخاري، وأظنه إنما تركه لمخالفته سائر الروايات عن ابن عباس. =

الخطاب: إنَّ الناسَ قد استَعجَلُوا في أمرٍ كانت لهم فيه أَنَاةٌ فلو أَمضَينَاهُ عليهم. فأَمضَاهُ عليهم؛ فسيأتي (¬1) في مسند ابن عباس. وقد اعتمد أكثرُ الأئمَّة على هذا من فعلِ عمرَ -رضي الله عنه- وإمضائِهِ على الناسِ الثلاثةَ المجموعةَ، كما هو مذهبُ الأئمَّةِ الأربعةِ رحمهم الله وأصحابِهم قاطبةً، وإنما يُؤثَرُ القولُ بخلافِهِ عن طائفةٍ من السَّلف، واختاره بعض المتأخرين من العلماء، وغيرهم. ¬

= ثم روى البيهقي بسنده إلى عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: سَمِعتُ أبا زرعة يقول: معنى هذا الحديث عندي: أن ما تطلِّقون أنتم ثلاثًا كانوا يطلِّقون واحدة في زمن النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما. ونقل الحافظ في «الفتح» (9/ 363) عن ابن المنذر أنه قال: لا يُظن بابن عباس أنه يحفظ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم شيئًا ويُفتي بخلافه، فيتعين المصير إلى الترجيح، والأخذ بقول الأكثر أولى من الأخذ بقول الواحد إذا خالَفَهم. وقال ابن العربي: هذا حديث مختَلَف في صحته، فكيف يقدَّم على الإجماع؟! وقال النووي في «شرح صحيح مسلم» (10/ 70): وهو معدود من الأحاديث المشكلة. (¬1) انظر: «جامع المسانيد والسُّنن» (ص 176 رقم 543 - مسند ابن عباس).

أثر يذكر في طلاق الفار

أثر (¬1) يُذكر في طلاق الفارِّ (545) قال الحافظ أبو بكر البزَّار (¬2): ثنا محمد بن إسماعيل بن سَمُرة، ثنا وكيع، عن صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه: أنَّ رجلاً من ثقيف طلَّق نساءَه، وأعتَقَ مملوكيه (¬3)، فقال له عمر: لَتُرَاجعنَّ مالَكَ ونساءَكَ، وإلا فإنْ مِتَّ لأَرجُمنَّ قبرَكَ، كما رَجَم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قبرَ أبي رِغَال. قال البزَّار: لم يُسنده إلا صالح بن أبي الأخضر، وليس بالقوي (¬4)، والحفَّاظ يَروونه: كما يُرجَمُ قبر أبي رِغَال. قلت: هذا الرجل الثَّقَفي، هو: غَيْلان بن سَلَمة، الذي أَسلَمَ على عشرِ نسوةٍ، فأَمَرَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يختارَ منهنَّ أربعًا، كما روى ذلك الإمام أحمد (¬5)، والترمذي (¬6)، وابن ماجه (¬7) من حديث معمر، عن ¬

(¬1) كتب المؤلف فوق كلمة «أثر»: «حديث آخر»، ولم يضرب على ما تحته. (¬2) في «مسنده» (1/ 226 رقم 113). (¬3) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «مملوكه». (¬4) وقال الدارقطني في «العلل» (2/ 55 رقم 105): تفرَّد به وكيع، عن صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمرَ، عن عمرَ. ووَهِمَ في ذكر النبيِّ صلى الله عليه وسلم فيه، وإنما رواه أصحاب الزهري، عن الزهري، قالوا فيه: كما رُجِمَ قبرُ أبي رغال. وهو الصواب. قلت: وممن خالفه من أصحاب الزهري يونس بن يزيد، وروايته عند عمر بن شبَّة في «تاريخ المدينة» (2/ 767 - 768). (¬5) في «مسنده» (2/ 13، 24، 44، 83 رقم 4609، 4631، 5027، 5557). (¬6) في «سننه» (3/ 435 رقم 1128) في النكاح، باب في الرجل يُسلم وعنده عشر نسوة. (¬7) في «سننه» (1/ 628 رقم 1953) في النكاح، باب الرجل يُسلم وعنده أكثر من أربع نسوة.

الزهري، عن سالم، عن أبيه. وقد علَّل هذا الحديثَ البخاريُّ (¬1)، ¬

(¬1) قال الترمذي في «العلل الكبير» (ص 164): سألت محمدًا عن حديث معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه: أنَّ غَيْلان بن سَلَمة أسلم وتحته عشر نسوة. فقال: هو حديث غير محفوظ، إنما روى هذا معمر بالعراق، وقد روي عن معمر، عن الزهري، هذا الحديث مرسلاً، وروى شعيب بن أبي حمزة وغيره، عن الزهري قال: حدِّثت عن محمد بن سُوَيد الثَّقَفي: أنَّ غَيْلانَ بن سَلَمة أَسلَمَ. قال محمد: وهذا أصح، وإنما روى الزهري، عن سالم، عن أبيه: أنَّ عمرَ قال لرجل من ثقيف طلَّقَ نساءَه، فقال: لَتُراجِعنَّ نساءَك، أو لأَرجُمنَّ قبرَكَ، كما رَجَمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم قبرَ أبي رغال. وانظر: «التاريخ الأوسط» للبخاري (3/ 208 - 211 - ط مكتبة الرشد). وقد أعلَّه كذلك آخرون، فروى الخلاَّل في «أحكام أهل الملل» (ص 172 رقم 490) بسنده إلى الأثرم قال: ذَكَرت لأبي عبد الله الحديث الذي رواه معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه (فذكره). فقلت: صحيح هو؟ قال: ما هو صحيح. قلت له: هو في كتبكم مرسل؟ قال: نعم. قال أبو عبد الله: هذا حدَّث به بالبصرة. قال أبو عبد الله: والناس يهمون. وقال ابن أبي خيثمة في «تاريخه» (1/ 328): سُئل يحيى بن معين عن حديث ابن عُليَّة، عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه: أن غَيْلان بن سَلَمة أَسلَمَ وعنده عشر نسوة. فقال: خطأ، إنما كان معمر أخطأ فيه. وروى البيهقي في «سننه» (7/ 182) بسنده إلى أحمد بن سَلَمة قال: سَمِعتُ مسلم بن الحجاج يقول: أهل اليمن أعرفُ بحديث معمر من غيرهم، فإنه حدَّث بهذا الحديث عن الزهري، عن سالم، عن أبيه بالبصرة، وقد تفرَّد بروايته عنه البصريون، فإن حدَّث به ثقة من غير أهل البصرة صار الحديث حديثًا، وإلا، فالإرسال أولى. وقال ابن أبي حاتم في «العلل» (1/ 400 رقم 1199): وسَمِعتُ أبا زرعة، وحدثنا بهذا الباب في كتاب النكاح بطرق عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه قال: (فذكره). وأخبرنا أبو محمد قال: وحدثنا أبو زرعة، عن عبد العزيز الأويسي قال: حدثنا مالك، عن ابن شهاب أنه قال: بلغني أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال لرجلٍ من =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ثقيفٍ أَسلَمَ وعنده عشرُ نسوةٍ: أَمسِكْ أربعًا، وفارِق سائرَهنَّ. فسَمِعتُ أبا زرعة يقول: مرسل أصح. وقال ابن قدامة في «المغني» (10/ 15): غير محفوظ، غلط فيه معمر، وخالف فيه أصحاب الزهري، كذلك قال الحفاظ: الإمام أحمد، والترمذي، وغيرهما. وقال الإمام ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (21/ 495): وقد اتفق أهل المعرفة بالحديث على أن معمرًا كثير الغلط على الزهري. وقال الحافظ في «التلخيص الحبير» (3/ 168): وحكم مسلم في «التمييز» على معمر بالوهم فيه، وقال ابن أبي حاتم، عن أبيه وأبي زرعة: المرسل أصح. وحكى الحاكم عن مسلم أنَّ هذا الحديث ممَّا وَهِمَ فيه معمر بالبصرة. قال: فإن رواه عنه ثقة خارج البصرة، حكمنا له بالصحة. وقد أخذ ابن حبان، والحاكم، والبيهقي بظاهر هذا الحكم، فأخرجوه من طرق عن معمر من حديث أهل الكوفة، وأهل خراسان، وأهل اليمامة عنه. قلت: ولا يفيد ذلك شيئًا، فإنَّ هؤلاء كلَّهم إنما سمعوا منه بالبصرة، وإن كانوا من غير أهلها، وعلى تقدير تسليم أنهم سمعوا منه بغيرها، فحديثه الذي حدَّث به في غير بلده مضطرب؛ لأنه كان يحدِّث في بلده من كُتُبه على الصحة، وأمَّا إذا رحل فحدَّث من حفظه بأشياء وَهِمَ فيها، اتفق على ذلك أهل العلم به، كابن المديني، والبخاري، وأبي حاتم، ويعقوب بن شيبة، وغيرهم. وقد قال الأثرم عن أحمد: هذا الحديث ليس بصحيح، والعمل عليه، وأَعلَّه بتفرد معمر بوَصْله، وتحديثه به في غير بلده هكذا. انتهى كلام الحافظ ابن حجر. وقال أيضًا: وقد وافق معمرًا على وَصْله بحر بن كنيز السَّقَّا [وروايته عند الطبراني في «الكبير» 18/ 263 رقم 658] عن الزهري، لكن بحر ضعيف، وكذا وَصَله يحيى بن سلام عن مالك، ويحيى ضعيف. وقال في «الإصابة» (8/ 65 - 66): ويقال: إن معمر حدَّث بالبصرة بأحاديث وَهِمَ فيها، لكن تابَعَهم عبد الرزاق، ورويناه في «المعرفة» لابن منده عاليًا قال: أنبأنا محمد بن الحسين، أنبأنا أحمد بن يوسف، حدثنا عبد الرزاق، به، لكن استنكر أبو نعيم ذلك، وقال: إن الأثبات رَوَوه عن عبد الرزاق مرسلاً، ثم أخرجه من طريق إسحاق بن راهويه، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري: أنَّ غَيْلان بن سَلَمة =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ... ، فذكره. وقال ابن عبد البر في «التمهيد» (12/ 58): الأحاديث المروية في هذا الباب كلها معلولة، وليست أسانيدها بالقوية، ولكنها لم يرو شيء يخالفها عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والأصول تعضدها، والقول بها والمصير إليها أولى. ورجَّح الموصول جماعة، وهم: 1 - الحاكم: قال: وَجَدتُ سفيان الثوري، وعبد الرحمن بن محمد المحاربي، وعيسى بن يونس، وثلاثتهم كوفيون حدَّثوا به عن محمد، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه رضي الله عنه: أنَّ غَيْلان بن سلمة أَسلَمَ وعنده عشر نسوة، فأمره رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يختار منهن أربعًا. وقال -أيضًا-: والذي يؤدي إليه اجتهادي أنَّ معمر بن راشد حدَّث به على الوجهين، أرسَلَه مرة، ووَصَله مرة، والدليل عليه: أنَّ الذين وَصَلوه عنه من أهل البصرة، فقد أرسَلوه -أيضًا-، والوَصْل أولى من الإرسال، فإن الزيادة من الثقة مقبولة، والله أعلم (!) «المستدرك» (2/ 193). 2 - البيهقي: قال: قد روِّيناه عن غير أهل البصرة، عن معمر، كذلك موصولاً، والله تعالى أعلم، وقد روي من وجه آخر عن نافع وسالم، عن ابن عمرَ رضي الله عنهما. 3 - ابن حزم: قال: فإن قيل: فإن معمرًا أخطأ في هذا الحديث خطأً فاسدًا فأسنَدَه، قلنا: معمر ثقة مأمون، فمن ادَّعى عليه أنه أخطأ، فعليه البرهان بذلك، ولا سبيل له إليه. «المحلى» (9/ 441). 4 - ابن القطان: قال بعد ذكره للحديث: وهذا هو الحديث الذي اعتمده هؤلاء في تخطئة معمر فيه، وما ذلك بالبيِّن، فإن معمرًا حافظ (!) ولا بُعد في أن يكون عند الزهري في هذا كل ما روي عنه (!) وإنما اتجهت تخطئتهم رواية معمر هذه من حيث الاستبعاد أن يكون الزهري يَرويه بهذا الإسناد الصحيح، عن سالم، عن أبيه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثم يحدِّث به على تلك الوجوه الواهية ... ، وهذا عندي غير مستبعد أن يحدِّث به على الوجوه كلِّها، فيعلِّق كل واحد من الرواة عنه منها ما تيسر له حفظه، فربما اجتمع كل ذلك عند أحدهم، أو أكثره، أو أقله (!) «بيان الوهم والإيهام» (3/ 497 - 498). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وإليك الجواب عما قالوه: أما دعوى الحاكم والبيهقي، فقد سبق الجواب عنها في كلام الحافظ. وأما قول البيهقي: «وقد روي من وجه آخر عن نافع وسالم، عن ابن عمرَ -رضي الله عنهما-»؛ فيقال: هذه الطريق أخرجها البيهقي في «سننه» (7/ 183) وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» (1/ 245) والدارقطني (3/ 272) من طريق سَرَّار بن مجشِّر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمرَ: أنَّ غَيْلان بن سَلَمة الثَّقَفي أَسلَمَ، وعنده تسعُ نسوةٍ، فأمره رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يختارَ منهن أربعًا، وقال: إنَّ غَيْلان بن سَلَمة كان عنده عشرُ نسوةٍ، فأَسلَمَ، وأَسلَمْنَ معه - زاد بن ناجية في روايته - قال: فلما كان زمانُ عمرَ طلَّق نساءَه، وقَسَمَ مالَهُ، فقال له عمرُ رضي الله عنه: لَتَرجِعَنَّ في مالِكَ، وفي نسائِكَ، أو لأَرجُمنَّ قبرَكَ، كما رُجِمَ قبرُ أبي رِغَال. قال أبو علي رحمه الله: تفرَّد به سَرَّار بن مجشِّر، وهو بصري ثقة. قلت: سَرَّار وإن كان ثقة؛ إلا أن تفرُّده عن مثل أيوب في كثرة أصحابه وسعة حديثه يُعدُّ منكرًا. ولهذا المعنى أعلَّه الدارقطني، وابن القيم، وابن حجر، وإليك أقوالهم في هذا: قال ابن القيم في «تهذيب السُّنن» (3/ 156 - 157): سيف وسَرَّار ليسا بمعروفين بحمل الحديث وحفظه. وقال الدارقطني في كتاب «العلل»: تفرَّد به سيف بن عبد الله الجرمي، عن سَرَّار، وسَرَّار ثقة من أهل البصرة، ومعلوم أن تفرُّد سيف بهذا مانع من الحكم بصحته، بل لو تفرَّد به مَن هو أجلُّ مِن سيف؛ لكان تفرُّده علَّة. وقال الحافظ في «التلخيص الحبير» (3/ 168): في إسناده مقال. وخالف الشيخ الألباني، فقال في «الإرواء» (6/ 293) بعد ذكره له: فهو شاهد جيد، ودليل قوي على أن للحديث موصولاً أصيلاً (كذا) عن سالم، عن ابن عمرَ. قلت: وفي هذا نظر من وجوه: الوجه الأول: أن طريق معمر منكرة، فقد تفرَّد بها عن الزهري، مخالفًا بذلك كبار أصحاب الزهري المتقنين الذين أرسلوه، وإذا كان ذلك كذلك، فإن المنكر لا يتقوَّى. الوجه الثاني: أن طريق سَرَّار منكرة -أيضًا-، تفرَّد بها عن سالم، وسبق من كلام الحفاظ في إعلالها ما فيه كفاية. وأما الجواب عما قاله ابن حزم وابن القطان من قبول الوصل والإرسال، وأن الزيادة من الثقة مقبولة، فيقال: هذا مسلك معروف لهما، وهو مسلك مردود، لا يجري على قواعد المحققين من أهل هذا الشأن، وقد تقدم مرارًا بيان أن ابن حزم وابن القطان ممن جريا على منهج الفقهاء في قبول الزيادة مطلقًا دون تفصيل، مخالفين بذلك الأئمة النقاد.

كما سيأتي (¬1) في مسند ابن عمر. والغرض: أنَّ الإمام أحمد زاد في آخر هذا الحديث: فلمَّا كان في عهد عمرَ طلَّق نساءَه وقَسَمَ مالَهُ بين بنيه، فبلغ ذلك عمرَ، فقال: إنِّي لأظنُّ الشيطانَ فيما يَستَرِقُ من السَّمع سَمِعَ بموتِكَ، فقَذَفَهُ في نفسِكَ، ولعلَّك لا تَمكثُ إلا قليلاً، وايمُ اللهِ، لَتُراجِعنَّ نساءَك، ولَتُرجِعنَّ مالَكَ، أو لأُوَرِّثَهنَّ منك، أو لآمُرنَّ بقبرك أنْ يُرجَمَ كما رُجِمَ قبرُ أبي رِغَال. قلت: وأبو رِغَال كان رجلاً من ثمود، وكان قد لجأ إلى الحَرَم عند هلاكِ قومِهِ، فلمَّا خَرَج منه أصابَه حَجَرٌ من السماء، فمات، فلمَّا مَرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بقبرِهِ، أَخبَرَهم بشأنِهِ، وأَعلَمَهم أنَّ معه غُصنًا من ذَهَب، فنَبَشوا عنه وأخذوه. وهذا الحديث في «سنن أبي داود» (¬2)، ¬

(¬1) يعني: في كتابه «جامع المسانيد والسُّنن»، ولم أجده في القسم الذي أخرجه قلعجي. (¬2) (3/ 517 رقم 3088) في الخراج والإمارة، باب نبش القبور العارية يكون فيها المال. وهو حديث يَرويه إسماعيل بن أميَّة، وقد اختُلف عليه في وَصْله وإرساله: فقيل: عنه، عن بُجَير بن أبي بُجَير، عن عبد الله بن عمرو! وقيل: عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم! أما الوجه الأول: فأخرجه أبو داود -كما سبق-، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (9/ 372 رقم 3753، 3754) والبيهقي (4/ 156) من طريق محمد بن إسحاق. وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (3/ 189 رقم 1526) والطحاوي في «شرح المشكل» (3753) وابن حبان (14/ 78 رقم 6198 - الإحسان) من طريق رَوْح بن القاسم. كلاهما (محمد بن إسحاق، ورَوْح بن القاسم) عن إسماعيل بن أميَّة، عن بُجَير بن أبي بُجَير، عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول حين خرجنا معه إلى الطائف، فمررنا بقبر، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «هذا قبرُ أبي رِغَال، وكان بهذا الحَرَمِ يُدفَعُ عنه، فلمَّا خَرَج أصابته النِّقمة، التي أصابت قومَهُ بهذا المكان، فدُفِنَ فيه، وآيةُ ذلك أنه دُفِنَ معه غصنٌ من ذهبٍ، إنْ أنتم نَبَشتُم عنه أَصبتُمُوهُ معه»، فابتَدَره الناسُ، فاستَخرجوا الغصنَ. قال المؤلِّف في «البداية والنهاية» (1/ 318): تفرَّد به بُجَير بن أبي بُجَير هذا، ولا يُعرف إلا بهذا الحديث، ولم يرو عنه سوى إسماعيل بن أميَّة، قال شيخنا: فيحتمل أنه وَهِمَ في رفعه، وإنما يكون من كلام عبد الله بن عمرو من زَامِلَتَيه، والله أعلم. اهـ. وأما الوجه الثاني: فأخرجه معمر في «جامعه» الملحق بـ «المصنَّف» (11/ 454 رقم 20989) عن إسماعيل بن أميَّة، مرسلاً! وهذا أصح.

كما سيأتي في مسند ... (¬1). أثر آخر (546) قال الثوري (¬2): عن مغيرة، عن إبراهيم، عن عمرَ في الذي يطلِّق امرأتَه وهو مريضٌ؟ قال: تَرِثُهُ في العِدَّة، ولا يَرِثُها. ¬

(¬1) في هذا الموضع بياض في الأصل، ولعله يريد مسند عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-، وهو ليس في المطبوع من «جامع المسانيد والسُّنن». (¬2) ومن طريقه: أخرجه عبد الرزاق (7/ 64 رقم 12201) والبيهقي (7/ 363). قال البيهقي في «معرفة السُّنن والآثار» (11/ 84 - 85): وهذا منقطع بين عمرَ وإبراهيم، ولم يسمعه مغيرة عن إبراهيم، إنما رواه شعبة بن الحجاج، عن مغيرة، عن عُبيدة، عن إبراهيم، عن عمرَ. وعُبيدة الضبِّي غير قوي، وله علَّتان أخريان، ذَكَرهما يحيى بن سعيد القطان. ثم روى بسنده إلى يحيى بن سعيد أنه قال: كان شعبة يروي حديث مغيرة، عن عُبيدة، عن إبراهيم، عن عمرَ في الرجل الذي يطلِّق وهو مريض، قال يحيى: وكان هشيم يقول في هذا الحديث: ذَكَره عُبيدة، عن إبراهيم، عن عمرَ. قال يحيى: فسألت عُبيدة عنه، فحدثنا عن إبراهيم، عن الشعبي: أنَّ ابنَ هُبيرة كتب إلى شريح في الذي يطلِّق وهو مريض. وليس عن عمرَ. قلت: وعُبيدة الضِّبي قال عنه محمد بن المثنَّى والفلاَّس: متروك الحديث. وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال مرَّة: ضعيف. وقال أحمد: ترك الناسُ حديثَ عُبيدة الضبِّي، وهو عُبيدة بن معتِّب. انظر: «الجرح والتعديل» (6/ 94 رقم 487) و «تهذيب الكمال» (19/ 274 - 276).

فهذا منقطع بين إبراهيم وعمر. وقال البخاري في «التاريخ» (¬1): ليس هذا بثابت عن عمرَ. يعني: أن الصحيح: ما رواه يحيى بن سعيد القطَّان، عن عُبيدة الضَّبي، عن إبراهيم والشَّعبي: أنَّ ابنَ هُبيرة كَتَب إلى شُريح بذلك. وليس عن عمرَ (¬2)، والله أعلم. ¬

(¬1) انظر: «التاريخ الكبير» (6/ 127). قال البيهقي في «معرفة السُّنن والآثار» (11/ 85): وقد ذَكَر البخاريُّ هذه الحكاية في «التاريخ»، وقال في حديث هشيم: وكان هشيم يقول: عن مغيرة، ذكر عُبيدة، وكأنهم كانوا يشكون أيضًا في سماع مغيرة هذا، ثم لم يسنده عُبيدة إلى عمرَ في رواية يحيى القطان، فهو عن عمر ليس بثابت، كما قال الشافعي رحمه الله. (¬2) ومن هذا الوجه: أخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» (6/ 128) والبيهقي في «معرفة السُّنن والآثار» (11/ 84).

أثر آخر يذكر في طلاق المكره

أثر آخر يُذكر في طلاق المكره (547) قال أبو عبيد القاسم بن سلاَّم (¬1): ثنا يزيد بن هارون، عن عبد الملك بن قدامة بن إبراهيم الجُمَحي، عن أبيه: أنَّ رجلاً تدلَّى يَشتَارُ عَسَلاً، فجاءته امرأته، فوَقَفتْ على الحبلِ لَتَقطَعَنَّهُ، أو لَتُطَلَّقَنَّ ثلاثًا. فذكَّرها اللهَ والإسلام فأَبَتْ إلا ذلك، فطلَّقها ثلاثًا. قال: فرُفِعَ إلى عمرَ -رضي الله عنه- فأبانَهَا منه. قال أبو عبيد: وقد روي عن عمرَ خلافُهُ، والحديث منقطع. قال أبو عبيد: ومعنى يَشتَارُ: يَجتني. قال: وفيه أنَّ عمرَ أجاز طلاقَ المكرهِ، وهو رأي أهل العراق (¬2)، وقد روي عن عمرَ خلافُهُ (¬3). ¬

(¬1) في «غريب الحديث» (4/ 221). ومن طريقه: أخرجه البيهقي (7/ 357). قال ابن عبدالهادي في «تنقيح التحقيق» (4/ 410 - ط أضواء السلف): هذا منقطع، فإن قدامة بن إبراهيم الجمحي لم يدرك عمر، إنما يروي عن ابنه عبد الله بن عمر، وسهل بن سعد، وغيرهما من المتأخرين. وله طريق أخرى: أخرجها سعيد بن منصور (1129) عن فَرَج بن فَضَالة، حدثني عمرو بن شَراحيل المعافري: أنَّ امرأةً سلَّت سيفًا، فوضعته على بطن زوجها، وقالت: والله لأنفذنَّك، أو لَتُطلِّقني. فطلَّقها ثلاثًا، فرُفِعَ ذلك إلى عمر بن الخطاب، فأمضى طلاقها. وهذا منقطع أيضًا. (¬2) انظر: «شرح فتح القدير» لابن الهمام (3/ 488). (¬3) وذلك فيما أخرجه عبد الرزاق (6/ 411 رقم 11424) و (10/ 193 رقم 18792) عن الثوري. والبيهقي (7/ 358 - 359) من طريق أبي شهاب، وأبي عَوَانة. ثلاثتهم (الثوري، وأبو شهاب، وأبو عَوَانة) عن سليمان الشيباني، عن علي بن حنظلة، عن أبيه قال: قال عمرُ: ليس الرجلُ أمينًا على نفسِهِ إذا أَجَعتَهُ، أو أَوثَقتَهُ، أو ضَرَبتَهُ. وصحَّحه ابن القيم في «زاد المعاد» (5/ 208).

ويُروى عن عليٍّ (¬1)، وابن عباس (¬2)، ¬

(¬1) أخرجه عبد الرزاق (6/ 409 رقم 11414) وابن أبي شيبة (4/ 84 رقم 18022) في الطلاق، باب من لم ير طلاق المكره شيئًا، والبيهقي (4/ 357) من طريق حماد بن سَلَمة، عن حميد الطويل، عن الحسن، عن عليٍّ رضي الله عنه: أنه كان لا يرى طلاقَ المُكرَه شيئًا. وهذا منقطع بين الحسن وعليٍّ رضي الله عنه. انظر: «تهذيب الكمال» (6/ 97). (¬2) ذكره البخاري في «صحيحه» (9/ 388 - فتح) معلَّقًا بصيغة الجزم، فقال: وقال ابن عباس: طلاق السَّكران والمستكره، ليس بجائز. ووَصَله سعيد بن منصور (1/ 278 رقم 1143) وابن أبي شيبة (4/ 84 رقم 18021) في الموضع السابق، والبيهقي (7/ 358) من طريق هشيم، عن عبد الله بن طلحة الخزاعي، عن أبي يزيد المديني، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: ليس لمكرهٍ ولا لمضطَّهدٍ طلاقٌ. تنبيه: تحرَّف «أبو يزيد المديني» عند ابن أبي شيبة إلى: «ابن أبي يزيد»! وجاء على الصواب في الطبعة المحققة (6/ 414 رقم 18213 - ط مكتبة الرشد). وصرَّح هشيم بالسماع عند سعيد بن منصور، والبيهقي. وفي إسناده: عبد الله بن طلحة الخزاعي، وهو مجهول الحال، لم يرو عنه سوى هشيم، وذكره البخاري في «التاريخ الكبير» (5/ 124 رقم 366) وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (5/ 88 رقم 404) وسكتا عنه. وأما أبو يزيد المديني، فوثَّقه ابن معين، وسُئل عنه أبو حاتم، فقال: شيخ، سُئل مالك عنه، فقال: لا أعرفه. وقال ابن معين: وأبو يزيد ليس يُعرَف بالمدينة، والبصريون يروون عنه. وسُئل أحمد عنه، فقال: تسأَل عن رجل روى عنه أيوب؟! قلت: وهذا من الإمام أحمد توثيق لهذا الراوي، وقد نصَّ ابن معين على سماعه من ابن عباس. انظر: «الجرح والتعديل» (9/ 458 رقم 2253) و «تهذيب الكمال» (34/ 409) و «تاريخ ابن معين» (2/ 732 رقم 4414 - رواية الدُّوري) و «معرفة الرجال» له (1/ 102 رقم 458 - رواية ابن محرز). تنبيه: أورد الحافظ في «الفتح» (9/ 391) هذا الأثر من رواية ابن أبي شيبة، وسعيد بن منصور، وساق إسناده بإدخال عكرمة بين أبي يزيد المديني، وابن عباس، والذي في «المصنَّف»، و «سنن سعيد» ليس فيه ذِكر لعكرمة، وكيفما كان؛ فالأثر ضعيف، لجهالة عبد الله بن طلحة. وله طريق أخرى: أخرجها عبد الرزاق (6/ 407 رقم 11408) عن ابن المبارك، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، [عن عكرمة] عن ابن عباس: أنه لم ير طلاقَ المكرهِ شيئًا. وصحَّح إسنادَها الحافظ في «الفتح» (12/ 314). وانظر: «تغليق التعليق» (5/ 261).

وابن عمر، وابن الزُّبير (¬1)، وعطاء (¬2)، وعبد الله بن عُبيد بن عُمَير (¬3): ¬

(¬1) أثر ابن عمر وابن الزُّبير ذكره البخاري في «صحيحه» (12/ 311 - فتح) معلَّقًا بصيغة الجزم، فقال: وقال ابن عباس، فيمَن يُكرهه اللُّصوص فيطلِّق: ليس بشيء. وبه قال ابن عمر، وابن الزُّبير. ووَصَلهما مالك في «الموطأ» (2/ 101) في الطلاق، باب جامع الطلاق، وعبد الرزاق (6/ 408 رقم 11410) عن عبيد الله بن عمر. كلاهما (مالك، وعبيد الله بن عمر) عن ثابت بن الأحنف: أنه تزَّوج أمَّ ولد لعبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، قال: فدعاني عبد الله بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، فجئته، فدَخَلتُ عليه، فإذا سياطٌ موضوعةٌ، وإذا قَيدان من حديد، وعبدان له قد أجلسهما، فقال: طلِّقها وإلاَّ! والذي يُحلَفُ به، فَعَلتُ كذا وكذا! قال: فقلتُ: هي الطلاقُ ألفًا. قال: فخَرَجتُ من عنده، فأَدركتُ عبد الله بن عمر بطريقِ مكةَ، فأَخبرتُهُ بالذي كان من شأني، فتغيَّظ عبد الله، وقال: ليس ذلك بطلاق، وإنهَّا لم تَحرم عليك، فارجِع إلى أهلِكَ. قال: فلم تُقررني نفسي حتى أتيتُ عبد الله بن الزُّبير، وهو يؤمئذٍ بمكةَ، أميرٌ عليها، فأَخبرتُهُ بالذي كان من شأني، وبالذي قال لي عبد الله بن عمر، قال: فقال لي عبد الله بن الزُّبير: لم تَحرم عليك، فارجِع إلى أهلِكَ. وهذا إسناد صحيح. (¬2) أخرجه عبد الرزاق (6/ 406 رقم 11400) وابن أبي شيبة (4/ 85 رقم 18037، 18038) في الطلاق، باب من لم ير طلاق المكره شيئًا. (¬3) لم أقف عليه.

أنهم كانوا يرون طلاقه غير جائز، وهو رأي أهل الحجاز، وكثير من غيرهم. قلت: رواه ابن أبي أويس (¬1)، عن عبد الملك بن قدامة، عن أبيه، عن عمرَ ... ، فذَكَره، فقال عمرُ: ارجع إلى أهلك، فليس هذا بطلاق. وقد نقل هذا المذهب أبو عبد الله البخاري (¬2) عن ابن عباس، وابن عمر، وابن الزُّبير، والشَّعبي، والحسن البصري، واختاره هو -أيضًا-، واحتجَّ عليه بحديث عمرَ رضي الله عنه: «إنمَّا الأعمالُ بالنيَّاتِ» (¬3)، يعني: والمكره لا نيَّة له، وإنما طلَّق لفظًا، ولم يُرد معناه. وهذا قول جمهور العلماء (¬4) رحمهم الله، فيُشبه أن تكون هذه الرواية عن عمرَ هي الصحيحة، والله أعلم. ¬

(¬1) أخرجه البيهقي (7/ 357) من طريق ابن أبي أويس. وابن حزم في «المحلى» (10/ 202) من طريق ابن مهدي. كلاهما (ابن أبي أويس، وابن مهدي) عن عبد الملك بن قدامة، به. وأخرجه سعيد بن منصور (1/ 274 رقم 1128) عن إبراهيم بن قدامة، عن أبيه، به. قال البيهقي: وهذا أشبه. قلت: وهو ضعيف -أيضًا-؛ لانقطاعه بين قدامة بن إبراهيم وعمر. (¬2) في «صحيحه» (12/ 311 - فتح). (¬3) تقدم تخريجه (1/ 107 رقم 1). (¬4) انظر: «مواهب الجليل» (4/ 45) و «منهاج الطالبين» (2/ 532) و «الإقناع» للحجَّاوي (3/ 459).

أثر فيمن طلق امرأته طلقة أو طلقتين، فتزوجت بزوج غيره، فطلقها، ثم راجعها الأول، هل تعود إليه بالثلاث، أو بما بقي لها من عدد الطلقات؟

أثر فيمن طلَّق امرأته طلقة أو طلقتين، فتزوَّجت بزوج غيره، فطلَّقها، ثم راجعها الأوَّل، هل تعود إليه بالثلاث، أو بما بقي لها من عدد الطَّلقات؟ (548) قال عبد الرزاق (¬1): عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيّب، وحميد وعبيد الله بن عبد الله، وغيرهم، عن أبي هريرة، عن عمرَ بن الخطاب قال: هي على ما بَقِيَ من الطلاق. هذا إسناد صحيح. ورواه شعبة، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن أُبيِّ بن كعب، مثله (¬2). ¬

(¬1) في «المصنَّف» (6/ 351 رقم 11149، 11150). وأخرجه -أيضًا- مالك (2/ 101) في الطلاق، باب جامع الطلاق، والشافعي في «الأم» (5/ 250) وسعيد بن منصور (1/ 353 رقم 1525) وابن أبي شيبة (4/ 116 رقم 18371) في الطلاق، باب ما قالوا في الرجل يُطلِّق امرأته تطليقتين أو تطليقة، من طريق ابن عيينة، عن الزهري، به. وصحَّح إسناده الحافظ في «التلخيص الحبير» (3/ 217). (¬2) في إسناده اختلاف: فقيل: عن الحكم بن عتيبة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أُبَي بن كعب! وقيل: عن الحكم بن عتيبة، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أُبَي بن كعب! وقيل: عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أُبَي بن كعب! وقيل: عن الحكم، عن مَزِيدة بن جابر، عن أبيه، عن عليٍّ رضي الله عنه! وقيل: عن محمد بن أبي ليلى، عن مَزِيدة بن جابر، عن أبيه، عن عليٍّ -رضي الله عنه-، ليس فيه الحكم! أما الوجه الأول: فأخرجه ابن أبي شيبة (4/ 116 رقم 18372) في الموضع =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = السابق، من طريق أشعث بن سوَّار، وحجَّاج بن أرطاة. وعبد الرزاق (6/ 352 رقم 11155) عن أبي شيبة الواسطي. وأبو بكر ابن زياد النيسابوري في «الزيادات» (ص 559، 560 رقم 584 - 586) من طريق إسماعيل بن مسلم، وشعبة. خمستهم (أشعث، وحجَّاج، وأبو شيبة، وإسماعيل، وشعبة) عن الحكم بن عُتيبة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أُبيِّ بن كعب ... ، فذكره. قال أبو بكر ابن زياد عقب روايته: قال شعبة: ما أرى سَمِعَه ابن أبي ليلى. وأما الوجه الثاني: فأخرجه أبو بكر ابن زياد النيسابوري في «الزيادات» (ص 561 رقم 590) والبيهقي (7/ 365) من طريق مَطَر الورَّاق، عن الحكم، به. وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف مَطَر. وأما الوجه الثالث: فأخرجه أبو بكر ابن زياد النيسابوري في «الزيادات» (ص 557 رقم 579) عن محمد بن يحيى، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن ليث، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أُبَي بن كعب ... ، فذكره. وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف ليث، وهو ابن أبي سُليم. وأما الوجه الرابع: فأخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» (2/ 211) وأبو بكر ابن زياد النيسابوري في «الزيادات» (ص 560 رقم 587) والبيهقي في «سننه» (7/ 365) وفي «معرفة السُّنن والآثار» (11/ 89 رقم 14867) من طريق شعبة. وعبد الرزاق (6/ 352 رقم 11154) وأبو بكر ابن زياد النيسابوري في «الزيادات» (ص 560 - 561 رقم 588) من طريق محمد بن أبي ليلى. كلاهما (شعبة، ومحمد بن أبي ليلى) عن الحكم، عن مَزِيدة بن جابر، عن أبيه، عن عليٍّ رضي الله عنه! وأما الوجه الخامس: فأخرجه سعيد بن منصور (1/ 354 رقم 1528) وابن أبي شيبة (4/ 117 رقم 18375) في الطلاق، باب ما قالوا في الرجل يُطلِّق امرأته تطليقتين أو تطليقة، وأبو بكر ابن زياد النيسابوري في «الزيادات» (ص 558 رقم 583) من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن مَزِيدة بن جابر، عن أبيه، عن عليٍّ رضي الله عنه. ومدار الوجهين الأخيرين على مَزِيدة بن جابر، وأبيه، أما مَزِيدة، فقال عنه أحمد: معروف. وقال أبو زرعة: ليس بشيء. انظر: «تهذيب التهذيب» (10/ 101). =

ورواه الثوري، عن محمد بن أبي ليلى، عن الحكم، عن مَزِيدة، عن أبيه، عن عليٍّ أنَّه قال: لا يَهدِمُ إلا الثلاثَ (¬1). واعتَمَده سفيان الثوري، فذهب إليه، وهو قول الشافعي، وأحمد، ومالك، وجمهور العلماء (¬2). وذهب الإمام أبو حنيفة وأحمد في رواية إلى أنها ترجعُ بجميع الطلاق، قال: لأنَّ الزَّوجَ الثاني إذا كان يَهدِمُ الثلاثَ فلئن يَهدِمَ ما دونها بطريق الأولى والأحرى (¬3)، والله أعلم. ¬

= وأما أبوه جابر؛ فمجهول الحال، لم يرو عنه سوى ابنه، وذكره البخاري في الموضع السابق، وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (2/ 494 رقم 2031) وسكتا عنه، وذكره ابن حبان في «الثقات» (4/ 103). تنبيه: فَصَل الشيخ عبد العزيز الطريفي في كتابه «التحجيل» (ص 429، 430) بين روايتي عليّ وأُبَيّ بن كعب، وصحَّح رواية أُبَيّ بن كعب على حِدَة، في حين أنها صورة من صور الاختلاف على الحكم بن عُتيبة، ثم رواية أُبَيّ التي صحَّحها في إسنادها مَطَر الورَّاق. (¬1) انظر الأثر السابق. (¬2) انظر: «روضة الطالبين» (6/ 66) و «المعونة في مذهب عالم المدينة» (2/ 857) و «المغني» (10/ 532). (¬3) انظر: «حاشية ابن عابدين» (9/ 673 - 674) و «المغني» (10/ 532).

أثر آخر في أن الكناية لا تقع إلا بالنية

أثر آخر في أن الكناية لا تقع إلا بالنِّيَّة (549) قال أبو عبيد (¬1): ثنا هشيم، أنا ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن خيثمة بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن شهاب الخَوْلاني، عن عمرَ: أنَّه رُفِعَ إليه رجلٌ قالت امرأتُه: شَبِّهني. فقال: كأنكِ ظَبيةٌ، كأنكِ حَمَامَةٌ. فقالت: لا أرضى حتى تقولَ: خَلِيَّةٌ، طالِقٌ. فقال ذلك. فقال عمرُ: خذ بيدها، فهي امرأتُكَ. ثم قال أبو عبيد: شبَّهها بالنَّاقة التي تكون معقولةً ثم تُخلَّى وتُطلَق، ولم يُرِد طلاقَها الشرعي. قال: وهذا أصلٌ لكلِّ مَن تكلَّم بشيء يُشبهُ لفظَ الطلاقِ والعِتاقِ وهو ينوي غيرَه أنَّ القولَ قولُهُ فيما بينه وبين الله، وفي الحكمِ على تأويلِ مذهبِ عمرَ. قال: وسَمِعتُ أبا يوسف يقول في مثل هذا: إنْ كان في غضبٍ أو جوابِ كلامٍ لم أُديِّنهُ في القضاء، وحكاه عن أبي حنيفة. قال: وقول عمر أولى بالاتِّباع. ¬

(¬1) في «غريب الحديث» (4/ 271). وإسناده ضعيف؛ لضعف محمد ابن أبي ليلى.

حديث في الإيلاء

حديث في الإيلاء (550) قال أبو يعلى الموصلي (¬1): ثنا عبد الأعلى، ثنا حماد، ثنا يحيى بن سعيد، عن عُبيد بن حُنين، عن ابن عباس، عن عمرَ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم آلَى من نسائِهِ شهرًا، فلمَّا مَضَت تسعٌ وعشرون نَزَل إليهنَّ. رواه البخاري (¬2)، ومسلم (¬3) من طرق، عن يحيى بن سعيد -وهو: الأنصاري-، به. وسيأتي في تفسير سورة التحريم مطولاً (¬4). ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 149 رقم 163). (¬2) في «صحيحه» (8/ 657 - 659 رقم 4913، 4914، 4915) في التفسير، باب: {تبتغي مرضات أزواجك} وباب: {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما} و (10/ 301 رقم 5843 - فتح) في اللباس، باب ما كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يتجوز من اللباس والبسط. (¬3) في «صحيحه» (2/ 1105 رقم 1479) في الطلاق، باب في الإيلاء واعتزال النساء. (¬4) انظر (ص 484 رقم 887).

أثر يذكره الفقهاء في باب الإيلاء في أكثر مدته

أثر يَذكره الفقهاء في باب الإيلاء في أكثر مُدَّته (551) قال أبو بكر ابن الأنباري (¬1): ثنا أبي، ثنا أحمد بن الربيع، ثنا يونس بن بُكَير، ثنا ابن إسحاق، عن السائب بن جُبَير مولى ابن عباس -وكان قد أَدرَكَ أصحابَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم-، قال: مازِلتُ أسمعُ حديثَ عمرَ أنَّه خَرَج ذاتَ ليلةٍ يَطوفُ بالمدينةِ، وكان يَفعلُ ذلك كثيرًا، إذ مَرَّ بامرأةٍ من نساءِ العربِ مُغلِقَةً بابَهَا، وهي تقول: تَطَاولَ هذا الليلُ تَسرِي كَواكِبُه (¬2) ... وأَرَّقَنِي ألا ضجيعَ أُلاَعِبُهْ / (ق 204) أُلاَعِبُهُ طَورًا وطَورًا كأنَّما ... بدا قَمَرًا في ظلمةِ الليلِ حاجِبُهْ يُسَرُّ به مَن كان يَلهُو بقُربِهِ ... لطيفُ الحَشَا لا يَجتوِيهُ (¬3) أَقَارِبُهْ ¬

(¬1) لم أقف عليه في مظانِّه من مصنَّفاته المطبوعة، ومن طريقه: أخرجه ابن الجوزي في «ذم الهوى» (ص 282) وأبو محمد السرَّاج في "مصارع العشاق" (ص 146)، وتصحَّف فيهما «ابن إسحاق» إلى: «أبو إسحاق»! وأخرجه -أيضًا- ابن أبي الدُّنيا في «العيال» (ص 110 رقم 496) وفي «الإشراف» (ص 222 رقم 256) من طريق يونس بن بُكَير، به، لكن قال: «عن سلمان بن جُبَير»! وإسناده ضعيف؛ لعنعنة محمد بن إسحاق، والسَّائب بن جُبَيرلم أقف له على ترجمة. (¬2) كَتَب المؤلِّف تحتها: «وازوَرَّ جانبه»، وكَتَب فوقها «خ»، إشارة إلى وروده في نسخة. (¬3) الجَوَى: الحُرقة، وشدَّة الوَجد من عشق أو حزن. «لسان العرب» (2/ 430 - مادة جوى).

فواللهِ لولا اللهُ لا شيءَ غيرُهُ ... لَنُقِّضَ مِن هذا السَّريرِ جَوَانِبُهْ ولكنَّني أَخشى رقيبًا موكَّلاً ... بأَنفُسِنا لا يَفتُرُ الدَّهرَ كَاتِبُهْ ثم تَنفَّسَتِ الصُّعَداءَ، وقالت: لَهَان على عمرَ وحشتي، وغيبةَ زوجي عنِّي! فقال عمرُ رضي الله عنه: يَرحمُكِ الله، يَرحمُكِ الله، ثم وَجَّه إليها بكِسوةٍ ونَفَقةٍ، وكَتَب في أنْ يَقدُمَ عليها زوجُها. وقد روى نحوَه الهيثمُ بن عدي، عن مُجالِد، عن الشَّعبي، وفيه: فقال عمرُ لحفصةَ -رضي الله عنها-: يابنيَّةُ، في كم تحتاجُ المرأةُ إلى زوجها؟ قالت: في ستةِ أشهرٍ. فكان لا يُغزي جيشًا أكثرَ منها. (552) وقال الإمام مالك (¬1): عن عبد الله بن دينار قال: خَرَج عمرُ بن الخطاب من الليل، فسَمِعَ امرأةً تقول: تَطَاولَ هذا الليلُ واسوَدَّ جانبُه ... وأَرَّقَنِي ألا خليلَ أُلاَعبُه ¬

(¬1) لم أجده في «الموطأ»، وهو منقطع بين عبد الله بن دينار وعمر. لكن له طريق أخرى: أخرجها البيهقي في «سننه» (9/ 29) عن أبي عبد الله الحافظ، ثنا علي بن حمشاذ العدل، ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، ثنا إسماعيل بن أبي أويس، حدثني مالك، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمرَ قال: خرج عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه- من الليل، فسمع امرأةً تقول: تطاول هذا الليلُ واسوَّد جانبُه ... وأرَّقني ألا حبيب أُلاعبُهْ فقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لحفصة بنت عمر: كم أكثرَ ما تصبرُ المرأة عن زوجها؟ فقالت: ستة أو أربعة أشهر. فقال عمر رضي الله عنه: لا أحبسُ الجيشَ أكثرَ من هذا. وهذا إسناد صحيح متصل.

فواللهِ لولا اللهُ أنِّي أُرَاقِبُه ... لَحُرِّكَ مِن هذا السَّريرِ جوانبُه فسأل عمرُ -رضي الله عنه- ابنتَهُ حفصةَ: كم أكثرُ ماتَصبرُ المرأة عن زوجها؟ فقالت: ستةَ أشهرٍ، أو أربعةَ أشهرِ. فقال عمرُ: لا أَحبِسُ أحدًا من الجيوش أكثرَ من ذلك. أثر آخر (553) قال محمد بن إسحاق: عن الزهري، عن سعيد بن المسيّب، وأبي بكر بن عبد الرحمن: أنَّ عمرَ كان يقول: إذا مَضَت أربعةُ أشهرٍ، فهي تطليقةٌ، وهو أَملَكُ بردِّها، مادامت في عِدَّتِها. هكذا رواه محمد بن إسحاق، عن الزهري (¬1). وقد رواه مالك (¬2)، عن الزهري، عن سعيد وأبي بكر، قولهما. قال البيهقي (¬3): وهو أصح. قال مالك: وعلى ذلك كان رأي ابن شهاب. ¬

(¬1) ومن هذا الوجه: أخرجه الدارقطني (4/ 63) والبيهقي (7/ 378). (¬2) في «الموطأ» (2/ 65) في الطلاق، باب الإيلاء. (¬3) في «سننه» (7/ 378).

أثر في اللعان

أثر في اللِّعان (554) قال الثوري في «جامعه»: عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عمرَ قال في المتلاعِنَين: يُفرَّق بينهما، ولا يَجتمعانِ أبدًا (¬1). وهذا منقطع. ويُروى مثلُه عن عليٍّ، وابن مسعود (¬2). وفيه حديث مرفوع عن ابن عمرَ (¬3). وهو قول جمهور العلماء (¬4). ¬

(¬1) وقد توبع الثوري، تابَعَه كل من: 1 - معمر: وروايته عند عبد الرزاق (7/ 112 رقم 12433). 2 - أبو معاوية: وروايته عند سعيد بن منصور (1/ 363 - 364 رقم 1561). 3 - حفص بن غياث: وروايته عند ابن أبي شيبة (4/ 20 رقم 17363) في النكاح، باب إذا فرّق بين المتلاعنين. (¬2) أخرجه عبد الرزاق (7/ 112 رقم 12434، 12436) وابن أبي شيبة (4/ 20 رقم 17364) والدارقطني (3/ 276) والبيهقي (7/ 410) من طريق قيس بن الرَّبيع، عن عاصم، عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وعن قيس، عن عاصم، عن زرّ، عن علي -رضي الله عنه- قالا: مَضَتِ السُّنةُ في المتلاعنين ألا يجتمعانِ أبدًا. وفي لفظ: لا يجتمعُ المتَلاعنانِ أبدًا. وإسناده ضعيف؛ لضعف قيس بن الرَّبيع. (¬3) أخرجه البخاري (8/ 451 رقم 4748) في التفسير، باب قوله: {والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين} و (9/ 444، 458، 460 رقم 5313 - 5315) في الطلاق، باب التفريق بين المتلاعنين، و (12/ 130 رقم 6748 - فتح) في الفرائض، باب ميراث الملاعنة، ومسلم (2/ 1132 رقم 1494) في اللعان، ولفظه: لاعَنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بين رجل من الأنصار وامرأته، وفرَّق بينهما. (¬4) انظر: «شرح فتح القدير» لابن الهمام (4/ 286) و «الكافي» لابن عبد البر (2/ 614) و «منهاج الطالبين» (3/ 22) و «الإقناع» للحجَّاوي (3/ 609).

حديث في الأنساب

حديث في الأنساب (555) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا سفيان (¬2)، عن ابن أبي يزيد، عن أبيه، عن عمرَ بن الخطاب: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «الوَلَدُ للفِرَاشِ». ورواه أبو داود (¬3)، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن سفيان بن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد الليثي المكِّي، عن أبيه، به. ورواه أبو يعلى الموصلي (¬4)، عن زُهَير بن حرب أبي خيثمة، عن سفيان، به. وكذا رواه علي ابن المديني، عن سفيان بن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن أبيه: أنَّه سَمِعَ عمر بن الخطاب يقول: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «الولدُ للفِرَاشِ». ثم قال: وهذا حديث / (ق 205) صحيح، وعبيد الله بن أبي يزيد رجل رَضِىٌّ، معروف، ثقة، وأبوه لم يرو عنه غيره، ولم نَسمع أحدًا يقول فيه شيئًا. (556) وقال محمد بن يحيى بن أبي عمر (¬5): ثنا سفيان، عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن أبيه قال: جَلَس عمرُ بن الخطاب في الحِجْرِ، فأَرسَلَ إلى ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 25 رقم 173). (¬2) هو: ابن عيينة، والحديث في «جزئه» (ص 87 رقم 23 - رواية زكريا المروزي). (¬3) كذا ورد بالأصل، و «تحفة الأشراف» (8/ 124 رقم 10672)، وصوابه: «ابن ماجه» كما نبَّه على ذلك الشيخ عبد الصمد شرف الدِّين في تعليقه على «تحفة الأشراف»، وجاء على الصواب في «تحفة الأشراف» (7/ 312 - ط دار الغرب)، وانظر: «سنن ابن ماجه» (1/ 646 رقم 2005). (¬4) في «مسنده» (1/ 177 رقم 199). (¬5) في «مسنده»، كما «في المطالب العالية» (2/ 218 رقم 1732/ 2). ومن طريقه: أخرجه الضياء في «المختارة» (1/ 426 رقم 306) والسياق له. وأخرجه -أيضًا- ابن ماجه (2005) في النكاح، باب الولد للفراش، والشافعي في «الأم» (6/ 197) -ومن طريقه: الطحاوي (3/ 104) والبيهقي (7/ 402) والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1/ 505 رقم 552) - والحميدي (1/ 15 رقم 24) والأزرقي في «أخبار مكة» (1/ 158) من طريق ابن عيينة، به. ورواية الأزرقي مقتصرة على الشطر الأول. ورواية الشافعي والبيهقي مقتصرة على الشطر الثاني. ورواية ابن ماجه والطحاوي مقتصرة على قوله: قضى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالولد للفراش. وصحَّح إسناده البوصيري في «مصباح الزجاجة» (1/ 349 - ط دار الجنان).

رجلٍ من بني زُهرة من أهل دارنا قد أَدرَكَ الجاهليةَ، فأتاه، قال: فذهبتُ معه، فأتاه، قال: فسأله عن بنيانِ الكعبةِ، فقال: إنَّ قريشًا تَقَوَّت في بنائها، فعَجَزوا عن نَفَقتِها، واستَصْغَروا، فبَنَوا وتركوا بعضًا في الحِجْرِ. فقال عمرُ: صَدَقتَ. وسأله عن وِلاَدٍ من وِلاَدِ الجاهلية، فقال الشيخ: أمَّا النُّطفةُ من فلانٍ، وأما الوَلَدُ على فراشِ فلانٍ. فقال عمرُ: صَدَقتَ، ولكنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَضَى بالفراش. اختاره الضياء في كتابه من هذا الوجه.

أثر في أن الولد لا يلحق الرجل لدون ستة أشهر

أثر في أن الولد لا يلحق الرَّجل لدون ستَّة أشهر (557) قال أبو عبيد (¬1): بَلَغني عن مالك بن أنس (¬2)، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم التَّيمي، عن سليمان بن يَسَار، عن عبد الله بن عبد الله بن أبي أُميَّة، عن عمرَ: أنَّه أُتِيَ بامرأةٍ مات زوجُها، فاعتدَّت أربعةَ أشهرٍ وعشرًا، ثم تزوَّجت رجلاً، فمَكَثتْ عنده أربعةَ أشهرٍ ونصفًا، ثم وَلَدَت ولدًا، فدعا عمرُ بنساءٍ من نساءِ الجاهليةِ، فسألهنَّ عن ذلك، فقلن: هذه امرأةٌ كانت حاملاً من زوجها الأوَّل، فلمَّا مات حَشَّ وَلَدُها في بطنِهِا، فلمَّا مسَّها الزَّوجُ الآخرُ تحرَّك وَلَدُها. فأَلحَقَ الولدَ بالأوَّلِ. قوله: حَشَّ، يعني: أنَّه يَبِسَ. حديث آخر (558) روى أبو بكر الإسماعيلي من حديث مهدي بن ميمون، عن محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن الحسن بن سعد، عن رَبَاح قال: زوَّجني أَهلي أَمَةً رُوميَّة، فوَلَدتْ لي غلامًا أسودَ مثلي، فسَمَّيتُهُ: عبد الله، وآخرَ سمَّيته: عبيد الله، ثم طَبِنَ (¬3) لها غلامٌ روميٌّ، يقال له: يُحنَّس، ¬

(¬1) في «غريب الحديث» (4/ 269). (¬2) وهو في «الموطأ» (2/ 284) في الأقضية، باب القضاء بإلحاق الولد بأبيه. وإسناده صحيح. (¬3) طَبِنَ لها: أصل الطَّبَن والطَّبَانة: الفِطنَة، يقال: طَبِنَ لكذا طَبَانةً، فهو طَبِنٌ: أي هجم على باطنها، وخبر أمرَها، وأنها ممَّن تواتيه على المراودة، هذا إذا روي بكسر الباء، وإن روي بالفتح، كان معناه: خيَّبها وأفسدها. «النهاية» (3/ 115).

فرَاطَنَها (¬1)، فوَلَدَتْ منه غلامًا، كأنه وَزَغَة، فرُفِعنَا إلى عمرَ (¬2)، فسألها، فقال: أَتَرضيانِ أنْ أقضي بقضاءِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: الوَلَدُ للفراش. قال: وأَحسَبُهُ جَلَدَهُما، وكانا مملوكَين (¬3). ¬

(¬1) فراطنها: الرّطانة بفتح الراء وكسرها، والتراطن: كلام لا يفهمه الجمهور، وإنما هو مواضعة بين اثنين أو جماعة، والعرب تخصُّ بها غالبًا كلام العجم. «النهاية» (2/ 233). (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي مصادر التخريج الآتية: «عثمان». (¬3) في إسناده ضعف واضطَّراب: فرواه مهدي بن ميمون، واختُلف عليه: فقيل: عنه، عن محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن الحسن بن سعد، عن رباح، عن عثمان! وقيل: عنه، عن محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن رباح، عن عثمان. ليس فيه: الحسن بن سعد! أما الوجه الأول: فأخرجه أبو داود (3/ 110 رقم 2269) في الطلاق، باب الولد للفراش، وأحمد (1/ 59) وعبد الله بن أحمد في «زوائده على المسند» (1/ 59) والطحاوي (3/ 104) والبيهقي (7/ 402) والضياء في «المختارة» (1/ 460 رقم 335، 336) من طريق مهدي بن ميمون، به. وأما الوجه الثاني: فأخرجه الطيالسي في «مسنده» (1/ 84 رقم 86) عن مهدي بن ميمون، به. ورواه جرير بن حازم، واختُلف عليه: فقيل: عنه، عن محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن الحسن بن سعد، عن رباح، عن عثمان! وقيل: عنه، عن محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن رباح، عن عثمان. ليس فيه: الحسن بن سعد! أما الوجه الأول: فأخرجه البزَّار (2/ 65 رقم 408) من طريق وهب بن جرير، عن أبيه، به. وأما الوجه الثاني: فأخرجه الطيالسي (1/ 84 رقم 86). وأحمد (1/ 65) عن عفان بن مسلم. كلاهما (الطيالسي، وعفان بن مسلم) عن جرير، به. ومدار هذه الروايات على رباح، وهو مجهول الحال، ذكره ابن حبان في «الثقات»، وقال: لا أدري مَن هو، ولا ابن مَن هو؟! انظر: «تهذيب التهذيب» (3/ 236) و «علل الدارقطني» (3/ 30 رقم 266). وله طريق أخرى: أخرجها أحمد (1/ 104) والبزَّار (3/ 58 رقم 816) من طريق الحجاج بن أرطاة، عن الحسن بن سعد، عن سعد بن مَعبد الهاشمي، عن عليِّ بن أبي طالب -رضي الله عنه-، مرفوعًا! وهذه رواية منكرة، أعلَّها البزَّار بتفرُّد الحجَّاج بن أرطاة.

حديث آخر (559) روى الحافظ أبو بكر الإسماعيلي من حديث محمد بن جامع المعطار (¬1): ثنا عبد القاهر بن السَّرِي، ثنا عبد الله بن يزيد السُّلمي، عن جَرير بن عبد الله قال: كَلَّمتُ عمرَ بن الخطاب في حَيٍّ، فكَتَب: مِن عبد الله عمرَ إلى القاسم بن قيس -وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم استَعمَلَهُ على بني سُليم-، أمَّا بعدُ، فإنَّ جَريرا كَلَّمني في حَيٍّ من بَجِيلةَ، حُلفاءَ بني سُليم، وإنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَضَى: «أيُّما حَيٍّ كانوا في حَيٍّ حلفاءَ، فأَدرَكَهم الإسلامُ، فإنَّ الإسلامَ لم يَزِد حِلفَهُم إلاَّ قُوَّةً»، ولكنَّ / (ق 206) جَريرَ كَلَّمَني في أن يَردَّهم إلى قومهم، فأَعرِضُ ذلك عليهم. قال: فعَرَضَهُ عليهم، فأَبَوا، وقالوا: نحن على ما قَضَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. قال: وقال: «لا حِلفَ في الإسلامِ». حديث آخر (560) قال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي: أنا الحسن بن سفيان، ثنا ¬

(¬1) كذا ورد بالأصل. وصوابه: «العطَّار». انظر: «الثقات» لابن حبان (9/ 97) و «لسان الميزان» (5/ 99).

إسحاق (¬1)، ثنا بقيَّة قال: وَجَدتُ في كتبي عن حبيب بن نَجيح، عن بعض أهل المدينة، عن ابن عباس، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثةٌ يَلعَنُهُمُ اللهُ: رجلٌ رَغِبَ عن والديه، وآخرٌ سَعَى في تفريقٍ بين رجلٍ وامرأتِهِ ليَخلُفَ عليها، ورجلٌ يَسعى بالأحاديثِ بين المؤمنين لِيَتَعادَوا». في إسناده مبهم لم يُسمَّ، ولكنَّه في الترهيب مغتفر، والله أعلم. أثر آخر (561) قال محمد بن إسحاق بن يَسَار في «السِّيرة» (¬2): وحدَّثني محمد بن جعفر بن الزُّبير، ومحمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن حصين: أنَّ عمرَ بن الخطاب قال: لو كنتُ مُدَّعيًا حيًّا من العربِ أو مُلحِقُهُم بِنَا؛ لادَّعَيتُ بني مُرَّة بن عوف، إنَّا لنعرِفُ فيهم الأَشباهَ، مع ما نَعرِفُ من موقعِ ذلك الرَّجلِ حيثُ وَقَعَ. يعني: عَوف بن لُؤي. وقال أيضًا: حدَّثني مَن لا أَتهَّم: أنَّ عمرَ بن الخطاب قال لرجالٍ من بني مُرَّة: إنْ شئتُم أنْ تَرجعوا إلى نَسَبكمٍ، فارجِعُوا إليه. قلت: قد ذَكَر ابن إسحاق كيف انتزح عوف بن لؤي من مكة، وكيف أقام في بني غطفان، وتزوَّج منهم، وانتَسَب إليهم، ثم إنَّ بَنيه نَدِمُوا على ذلك، وجَعلوا يَلهَجون في أشعارهم بانتسابهم إلى لؤي بن غالب، وبنو مُرَّة بطن منهم أيضًا. ¬

(¬1) هو: ابن راهويه، والحديث في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (3/ 169 رقم 2684). (¬2) انظر: «سيرة ابن هشام» (1/ 226).

أثر في لحوق ولد الأمة

أثر في لحوق وَلَد الأَمَة (562) قال الإمام الشافعي (¬1): أنا مالك (¬2)، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن عمرَ أنَّه قال: ما بالُ رجالٍ يطئون ولائدَهم، ثم يعتزلونهن (¬3)، لا تأتيني وليدةٌ يَعترِفُ سيِّدها أنَّه قد ألَمَّ بها إلا أَلحقتُهُ وَلَدَها، فاعزِلوا بعدُ، أو اترُكُوا. هذا إسناد صحيح. (563) ورواه أيوب (¬4)، عن نافع، عن صفية، عن عمرَ بن الخطاب، بنحوه. ¬

(¬1) في «الأم» (7/ 229). (¬2) وهو في «الموطأ» (2/ 286) في الأقضية، باب القضاء في أمهات الأولاد. (¬3) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «يعزلون». (¬4) لم أجده من رواية أيوب. وقد أخرجه مالك في «الموطأ» (2/ 286) -ومن طريقه: الشافعي في «الأم» (7/ 229) والطحاوي (3/ 114) والبيهقي (7/ 413) -. وعبد الرزاق (7/ 132 رقم 12521) عن عبد الله بن عمر. كلاهما (مالك، وعبد الله) عن نافع، عن صفية، عن عمرَ بن الخطاب ... ، فذكره. وهذا إسناد صحيح.

أثر يذكر في مدة الحمل

أثر يُذكر في مدَّة الحَمْل (564) قال الأعمش (¬1): عن أبي سفيان، حدَّثني أشياخ مِنَّا، قالوا: جاء رجلٌ إلى عمرَ بن الخطاب، فقال: يا أميرَ المؤمنين، إنِّي غِبتُ عن امرأتي سنتين، فجئتُ وهي حُبلى. فشَاوَرَ عمرُ الناسَ في رجمها، فقال معاذ بن جبل: يا أميرَ المؤمنين، هذا (¬2) لك سبيلٌ عليها، فليس لك سبيلٌ على ما في بطنها، فتَرَكها، فلما وَضَعَت، وَضَعَتْ غلامًا قد خَرَجت ثنيَّتاه، فعَرَفَ الرجلُ الشَّبَهَ فيه، فقال: ابني، وربِّ الكعبةِ! فقال عمرُ: عَجِزَتِ النساءُ أن يَلِدنَ مثلَ معاذٍ، لولا معاذٌ هَلَكَ عمرُ. ¬

(¬1) ومن طريقه: أخرجه عبد الرزاق (7/ 354 رقم 13454) وسعيد بن منصور (2/ 67 رقم 2076) وابن أبي شيبة (5/ 538 رقم 28803) والدارقطني (3/ 322). وإسناده ضعيف؛ لجهالة الأشياخ الذين حدَّثوا عن عمرَ. قال ابن حزم في «المحلى» (10/ 316 - 317): وهذا باطل؛ لأنه عن أبي سفيان، وهو ضعيف، عن أشياخ لهم، وهم مجهولون. قلت: أبو سفيان، وهو: طلحة بن نافع: صدوق، روى له الجماعة، وإنما علَّته جهالة الأشياخ. وله طريق أخرى: أخرجها ابن أبي شيبة (9/ 426 رقم 29289 - ط مكتبة الرشد) عن عبيد الله بن موسى، عن الحسن بن صالح، عن سمَاك قال: حدثني ذُهل بن كعب قال: أراد عمرُ أن يرجمَ المرأةَ التي فَجَرتْ وهي حاملٌ، فقال له معاذ: إذًا تظلمُها؛ أرأيتَ الذي في بطنها ما ذنبُهُ؟ عَلامَ تقتلُ نفسين بنفسٍ واحدةٍ؟! فتَرَكها حتى وَضَعتْ حَمْلَها، ثم رَجَمَها. وذُهل بن كعب: مجهول الحال، تفرَّد بالرواية عنه سمَاك، وقد أورده البخاري في «التاريخ الكبير» (3/ 263 رقم 902) وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (3/ 452 رقم 2043) وسكتا عنه. (¬2) كذا ورد بالأصل.

حديث في الأيمان

/ (ق 207) حديث في الأيمان (¬1) (565) قال الإمام أحمد (¬2): ثنا بِشر بن شعيب بن أبي حمزة، حدثني أبي، عن الزهري، أخبرني سالم بن عبد الله: أنَّ عبد الله بن عمر أَخبَرَه أنَّ عمرَ بن الخطاب قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ اللهَ ينهاكُم أنْ تحلفُوا بآبائِكُم». قال عمرُ: فوالله ما حَلَفتُ بها منذُ سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نهى عنها، ولا تَكلَّمتُ بها ذاكرًا ولا آثرًا (¬3). ورواه البخاري (¬4)، ومسلم (¬5) من حديث يونس. ومسلم من حديث عُقيل، ومعمر. ورواه أبو داود (¬6)، عن أحمد (¬7)، عن عبد الرزاق (¬8)، عن معمر. ورواه النسائي (¬9)، وابن ماجه (¬10) من حديث سفيان بن عيينة. ¬

(¬1) هذا الحديث وما بعده كان في الأصل بعد: «أثر في الاستبراء» الآتي برقم (573)، لكن المؤلِّف كَتَب بجواره: «يقدَّم»، وكَتَب عند «أثر في الاستبراء»: «يؤخَّر». (¬2) في «مسنده» (1/ 18 رقم 112). (¬3) أي: قائلاً لها من قِبَلِ نفسي، أو حالفًا عن غيري. «شرح صحيح مسلم» للنووي (11/ 105 - 106). (¬4) في «صحيحه» (11/ 530 رقم 6647 - فتح) في الأيمان والنذور، باب لا تحلفوا بآبائكم. (¬5) في «صحيحه» (3/ 1266 رقم 1646) (1) (2) في الأيمان، باب النهي عن الحلف بغير الله تعالى. (¬6) في «سننه» (4/ 76 رقم 3250) في الأيمان والنذور، باب في كراهية الحلف بالآباء. (¬7) وهو في «مسنده» (1/ 36 رقم 241). (¬8) وهو في «المصنَّف» (8/ 466 رقم 15922). (¬9) في «سننه» (7/ 8 رقم 3776) في الأيمان والنذور، باب الحلف بالآباء. (¬10) في «سننه» (1/ 677 رقم 2094) في الكفَّارات، باب النهي أن يحلف بغير الله.

ورواه النسائي (¬1) من حديث الزُّبيدي أيضًا. كلُّهم عن الزهري، به. ورواه علي ابن المديني من طرق، عن الزهري، ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد، ثبت. قلت: وقد رواه بعضهم، فجعله من مسند عبد الله بن عمر (¬2)، كما سيأتي (¬3). طريق أخرى (566) قال أحمد (¬4): ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، ثنا زائدة، ثنا سمَاك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال عمرُ: كنَّا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في رَكْبٍ، فقال رجلٌ: لا وأبي! فقال رجل: «لا تحلفُوا بآبائكُم». فالتفتُّ، فإذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. ثم رواه أحمد (¬5)، عن عبد الرزاق (¬6)، عن إسرائيل، عن سمَاك، عن ¬

(¬1) في «سننه» (3777) في الموضع السابق. (¬2) أخرجه البخاري (10/ 517 رقم 6108) في الأدب، باب من لم ير إكفار من قال ذلك متأولاً أو جاهلاً، و (11/ 530 رقم 6646 - فتح) في الأيمان والنذور، باب لا تحلفوا بآبائكم، ومسلم (3/ 1267 رقم 1646) (3) في الأيمان، باب النهي عن الحلف بغير الله تعالى، من طريق نافع، عن ابن عمرَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أَدرَكَ عمرَ -رضي الله عنه- وهو يسيرُ في رَكب، وهو يَحلِفُ بأبيه، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ ينهاكم أنْ تحلِفوا بآبائِكم، فمَن كان حالفًا فليَحلِفْ باللهِ، أو لِيَصمُتْ». وانظر: «الفتح» (11/ 531). (¬3) يعني: في كتابه «جامع المسانيد والسُّنن»، ولم أجده في القسم الذي أخرجه قلعجي. (¬4) في «مسنده» (1/ 19 رقم 116). (¬5) في «مسنده» (1/ 63 رقم 240). (¬6) وهو في «المصنَّف» (8/ 467 رقم 15925). وقد تفرَّد به سمَاك، وروايته عن عكرمة مضطربة، كما نصَّ على ذلك غير واحد.

عكرمة، عن ابن عباس قال: قال عمرُ: كنتُ في رَكْبٍ أَسيرُ في غَزَاة مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فحَلَفتُ، فقلت: لا وأبي، فنَهَرني رجلٌ من خلفي، وقال: «لا تحلفُوا بآبائِكُم». فالتفتُّ، فإذا أنا برسولِ الله صلى الله عليه وسلم. هذا صحيح من هذا الوجه، ولم يخرِّجوه. طريق أخرى (567) قال أحمد (¬1): ثنا أبو سعيد، ثنا إسرائيل، ثنا سعيد بن مسروق، عن سعد بن عُبيدة، عن ابن عمرَ، عن عمرَ أنَّه قال: لا وأبي! فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَه، إنَّه مَن حَلَفَ بشيءٍ دونَ اللهِ، فقد أَشرَكَ». هذا إسناد صحيح، ولم يخرِّجوه. وقد رواه عبد الرزاق (¬2)، عن الثوري، عن أبيه سعيد بن مسروق، ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 47 رقم 329). وقد اختُلف على إسرائيل في صحابيه: فرواه عنه أبو سعيد -كما هنا- فجعله من مسند عمر! وتابَعَه عبد الله بن رَجَاء، وروايته عند الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (2/ 297 رقم 826). وخالَفَهما عبيد الله بن عمر، فرواه عن إسرائيل، فجعله من مسند ابن عمر! وروايته عند الضياء في «المختارة» (1/ 313 رقم 207). وقد أشار إلى هذا الاختلاف الضياء المقدسي، فقال: كذا رواه الإمام أحمد في «المسند»، في مسند عمر، وقد رواه -أيضًا- في مسند عبد الله بن عمر. وأصح الوجهين عن إسرائيل رواية عبيد الله بن عمر لموافقتها لرواية الثوري التالية عند عبد الرزاق، إلا أنَّ للخبر علَّة يأتي بيانها. (¬2) وهو في «المصنَّف» (8/ 467 رقم 15926).

والأعمش، عن سعد بن عُبيدة، عن ابن عمرَ، عن عمرَ (¬1) قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن حَلَفَ بغيرِ اللهِ فقد أَشرَكَ». إسناده على شرط الصحيحين (¬2). ¬

(¬1) قوله: «عن ابن عمر، عن عمر» كذا ورد بالأصل. والذي في «المصنَّف»: «عن ابن عمرَ قال: كان عمرُ يحلف: وأبي! فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: .....». فصار الحديث من مسند ابن عمر. (¬2) وكذا قال الحاكم. وقال الذهبي في «الكبائر» (ص 229): إسناده على شرط مسلم. وحسَّنه الترمذي (1535) في النذور والأيمان، باب ما جاء أن من حلف بغير الله فقد أشرك. لكن له علَّة، فقد خولف الثوري في روايته، خالَفَه منصور بن المعتمر، فرواه عن سعد بن عُبيدة، عن رجل، عن ابن عمرَ. ومن هذا الوجه: أخرجه أحمد (2/ 69، 86، 125) والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (2/ 299 رقم 830، 831) وأحمد (2/ 69) وأبو نعيم في «الحلية» (9/ 253). ولذا أعلَّه البيهقي، فقال: وهذا مما لم يَسْمعه سعد بن عُبيدة من ابن عمر. وقال الطحاوي: فَوَقَفنا على أن منصور بن المعتمر قد زاد في إسناد هذا الحديث على الأعمش، وعلى سعيد بن مسروق، عن سعد بن عُبيدة رجلاً مجهولاً بينه وبين ابن عمر في هذا الحديث، ففَسَد بذلك إسناده. وله طريق أخرى عن ابن عمرَ، لكنها معلَّة: أخرجها أحمد (2/ 67) قال: ثنا عتاب، ثنا عبد الله، أنا موسى بن عُقبة، عن سالم، عن ابن عمرَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن حَلَفَ بغيرِ اللهِ ...»، فقال فيه قولاً شديدًا. يعني: فقد أشرك. كذا الرواية، قال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على «المسند» (7/ 178): وقوله: فقال فيه قولاً شديدًا. يريد به قوله في الرواية السابقة: فقد أشرك. وقد خولف موسى بن عُقبة في روايته، خالَفَه الزهري، فرواه عن سالم، عن ابن عمرَ، عن عمرَ، ولفظه: «إنَّ اللهَ ينهاكم أنْ تَحلِفوا بآبائِكم». وروايته عند البخاري (11/ 530 رقم 6647 - فتح) ومسلم (3/ 1266 رقم 1646).

أثر فيمن حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها

أثر فيمن حَلَف على يمين فرأى غيرَها خيرًا منها فليتحلَّل يمينه، وإن كان قد أكَّدها (568) قال علي ابن المديني (¬1): ثنا هشام أبو الوليد الطيالسي، ثنا شعبة، أخبرني هلال الوزَّان قال: سَمِعتُ ابن أبي ليلى قال: جاء رجلٌ إلى عمرَ، فقال: يا أميرَ المؤمنين، احْمِلنِي. قال: والله لا أَحْمِلُكَ. قال: والله لَتَحْمِلنِّي. قال: والله لا أَحْمِلُكَ. قال: والله لَتَحْمِلنِّي، إنِّي ابنُ سبيلٍ، قد أدَّت (¬2) بي راحلتي. قال: والله لا أَحْمِلُكَ. قال: حتى حَلَف نحوًا من عشرينَ يمينًا. قال: فقال له رجلٌ من الأنصار: مالَكَ ولأميرِ المؤمنين؟! قال: والله لَيَحْمِلنِّي، إني ابنُ سبيلٍ، قد أدَّت بي راحلتي. فقال عمرُ: والله لا أَحْمِلُكَ، ثم والله لا أَحْمِلُكَ. قال: فحَمَلَهُ، ثم قال: مَن حَلَف على يمينٍ، فرأى غيرَها خيرًا منها؛ فليأتِ الذي هو خيرٌ، وليُكفِّر عن يمينه. هذا إسناد جيد، وفيه انقطاع (¬3)، والله أعلم. ¬

(¬1) ومن طريقه: أخرجه البيهقي (10/ 56). (¬2) أدَّت: أي: هَلَكَت. انظر: «القاموس المحيط» (ص 266 - مادة أود). (¬3) وقال البيهقي: قال ابن المديني: هذا حديث غريب، الكفَّارة واحدة. قال البيهقي معقِّبًا: ليس ذلك بِبيِّن في الحديث، ويُذكر عن مجاهد، عن ابن عمرَ -رضي الله عنهما- أنه أَقسَمَ مرارًا، فكفَّر كفَّارةً واحدةً. وعن ابن عمرَ -رضي الله عنهما- أنَّه قال: مَن حَلَفَ بيمين فوكَّدها، ثم حَنَثَ؛ فعليه عتقُ رقبةٍ، أو كِسوةُ عشرةِ مساكينَ، ومَن حَلَفَ بيمين فلم يؤكِّدها؛ فعليه إطعامُ عشرةِ مساكينَ، لكلِّ مسكينٍ مُدُّ حنطةٍ، فمن لم يجد فصيامُ ثلاثةِ أيامٍ. ثم قال: ظاهر الكتاب، ثمَّ ظاهر السُّنة، ثم ما روينا عن عمرَ، وإن كان مرسلاً، لا يفرَّق في شيء من ذلك بين توكيد اليمين، وغير توكيدها، والله أعلم.

أثر في النهي عن الحلف بالأمانة

أثر في النهي عن الحلف بالأمانة (569) قال عبد الله بن المبارك في كتاب «الزهد» (¬1): ثنا شريك، عن أبي إسحاق الشَّيباني، عن خُنَاس بن سُحَيم -أوقال: جَبَلَة بن سُحَيم- قال: أَقبَلتُ مع زياد بن حُدَير الأسدي من الجابية (¬2)، فقلت في كلامي: لا والأمانةِ! فجعل زياد يبكي ويبكي، فظنَنَّت أني أتيتُ أمرًا عظيمًا، فقلت له: أكان يُكرهُ هذا؟ قال: نعم، كان عمرُ ينهى عن الحلفِ بالأمانةِ أشدَّ النَّهي. هذا إسناد حسن. (570) وعن بُرَيدة بن الحُصَيب: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَن حَلَفَ بالأَمانةِ؛ فليس منَّا». رواه أبو داود (¬3). ¬

(¬1) (ص 70 رقم 213) ومن طريقه: أبو نعيم في «الحلية» (4/ 116). (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «الكناسة». (¬3) في «سننه» (4/ 77 رقم 3248) في الأيمان والنذور، باب كراهية الحلف بالأمانة. وأخرجه -أيضًا- أحمد (5/ 352) والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (3/ 372 رقم 1342) وابن حبان (10/ 205 رقم 4363 - الإحسان) والحاكم (4/ 298) من طريق الوليد بن ثعلبة الطَّائي، عن عبد الله بن بُرَيدة، عن أبيه ... ، فذكره. قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وصحَّحه المنذري في «الترغيب والترهيب» (2/ 717) والنووي في «رياض الصالحين» (1709) والشيخ الألباني في «السلسلة الصحيحة» (1/ 196).

أثر في الاستبراء

أثر في الاستبراء (¬1) (571) قال أبو عبد الله محمد بن عيسى بن الحسن البغدادي -المعروف بابن العلاَّف- في «جزئه»: ثنا أبو الحسن عمر بن أحمد السني، ثنا أبو همام، ثنا ابن المبارك، ثنا خالد الحذَّاء، عن أبي قِلاَبة قال: كَتَب عمرُ إلى أبي موسى الأشعري حين افتَتَح تُسْتَر (¬2): إنَّ الماءَ يزيدُ في الوَلَدِ، فلا تُشارِكوا المشركينَ في أولادِهم. هذا منقطع (¬3). وقال الأوزاعي: إذا اشترى الرَّجلُ الجاريةَ من السَّبي وهي حاملٌ؛ فقد روي عن عمرَ بن الخطاب أنَّه قال: لا تُوطأُ حاملٌ حتى تَضَعَ. رواه الترمذي في السِّير (¬4)، عن علي بن خَشْرم، عن عيسى بن يونس، عن الأوزاعي، به. وهو معضل، وقد روي من وجه آخر، مرفوعًا (¬5). ¬

(¬1) انظر ما تقدَّم تعليقه (ص 113) تعليق رقم 1. (¬2) تُسْتَر: بضم أوله وإسكان ثانيه وفتح التاء بعدها، مدينة بجوزستان. «معجم البلدان» (2/ 29). (¬3) وله طريق أخرى: أخرجها ابن أبي شيبة (4/ 29 رقم 17459) في النكاح، باب ما قالوا في الرجل يشتري الجارية وهي حامل ... ، وأبو القاسم البغوي في «الجعديات» (2/ 879 رقم 2469) من طريق أشعث بن سوَّار، عن الحسن قال: لمَّا فُتِحَت تُستَر أصاب أبو موسى سبايا، فكَتَب إليه عمرُ: ألا يَقَعَ أحدٌ على امرأةٍ حتى تَضَعَ، ولا يُشارِكوا المسلمينَ أولادَهم، فإنَّ الماءَ تمامُ الولدِ. ... وهذا منقطع؛ الحسن لم يَسْمع من أبي موسى. قاله ابن المديني في «العلل» له (ص 54). (¬4) من «سننه» (4/ 113) باب ما جاء في كراهية وطء الحبالى من السبايا. (¬5) روي من حديث أبي سعيد الخُدْري، وابن عباس رضي الله عنهم: أما حديث أبي سعيد الخُدْري: فأخرجه أبو داود (3/ 52 رقم 2157) في النكاح، باب في وطء السبايا، وأحمد (3/ 28، 62، 87) والدارمي (3/ 1474 رقم 2341) في الطلاق، باب في استبراء الأمة، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (8/ 53، 55 رقم 3048، 3049) والدارقطني (4/ 112) والحاكم (2/ 195) من طريق شريك القاضي، عن قيس بن وهب -زاد بعضهم: وأبي إسحاق السَّبيعي- عن أبي الودَّاك، عن أبي سعيد الخُدْري قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا تُؤطأُ حاملٌ حتى تَضَعَ، ولا غيرَ ذاتِ حملٍ حتى تحيضَ حيضةً». قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. وحسَّنه ابن عبد الهادي في «تنقيح التحقيق» (1/ 243) والحافظ في «التلخيص الحبير» (1/ 172). وقال ابن عبد البر في «التمهيد» (18/ 279): طريقه صالح حسن، يحتج بمثله. وضعَّفه ابن القطان في «بيان الوهم والإيهام» (3/ 122) لحال شريك. وقال ابن حزم في «المحلى» (10/ 319): خبر أبي الودَّاك ساقط؛ لأنَّ أبا الودَّاك وشريكًا ضعيفان (!) قلت: أمَّا إعلاله بأبي الودَّاك (وهو جَبر بن نَوف) فغير سديد، بل هو ثقة، وثَّقه ابن معين، وأبو حاتم الرازي، وقال النسائي: صالح. انظر: «تهذيب الكمال» (4/ 495). وأمَّا إعلاله بشريك؛ فمسلَّم، ولذا قال الشيخ الألباني في «الإرواء» (1/ 200) بعد ذكر تحسين الحافظ له: ولعلَّ ذلك باعتبار ماله من الشواهد. قلت: لكن ذِكر الحيضة فيه غير محفوظ، كما نبَّه على ذلك الإمام أبو داود في «سننه» (3/ 53). وأما حديث ابن عباس: فأخرجه النسائي (7/ 346 رقم 4659) في البيوع، باب بيع المغانم قبل أن تقسم، والدارقطني (3/ 68) والحاكم (2/ 137) من طريق يحيى بن سعيد، عن عمرو بن شعيب، عن ابن أبي نَجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المغانم حتى تُقسمَ، وعن الحَبَالى أن يُوطَأنَ حتى يَضَعن ما في بطونهن، وعن لحمِ كلِّ ذي نابٍ من السِّباعِ. قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذَّهبي. وأقرَّهما الشيخ الألباني في «الإرواء» (1/ 201).

أمَّا قول عمر بن الخطاب (¬1): كيف نترك كتابَ ربِّنا لقول امرأة؟! فسيأتي (¬2) في مسند فاطمة بنت قيس في حديثها الدالِّ على المنع من الإنفاق على المبتوتة وإسكانِها (¬3)، وعمر أَنكَرَ ذلك، وجعل لها السُّكنى، وفَهِمَ من ظاهر الكتاب الوجوبَ. ¬

(¬1) كذا جاء هذا الأثر في هذا الموضع. وقول عمر هذا: أخرجه مسلم في «صحيحه» (2/ 1118 رقم 1480) (46) في الطلاق، باب المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها، من طريق أبي إسحاق قال: كنت مع الأسود بن يزيد جالسًا في المسجد الأعظم، ومعنا الشعبي، فحدَّث الشعبي بحديث فاطمة بنت قيس: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها سُكنى ولا نفقة، ثم أخذ الأسود كفًّا من حصى، فحَصَبه به، فقال: ويلك! تحدِّث بمثل هذا! قال عمرُ: لا نترك كتاب الله، وسُنَّة نبيِّنا صلى الله عليه وسلم لقول امرأةٍ، لا ندري لعلَّها حَفِظتْ أو نَسِيتْ، لها السُّكنى والنَّفقةَ، قال الله عزَّ وجلَّ: {لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة}. وقد أعلَّ هذا الخبرَ الإمامُ أحمد، فقال أبو داود: قلت لأحمد: تذهب إلى حديث فاطمة ابنة قيس طلَّقها زوجها؟ قال: نعم، فذُكِرَ له قول عمرَ: لا نَدَعُ كتابً ربِّنا وسنَّةً نبيِّنا، فقال: كتابُ ربِّنا أيُّ شيء هو؟! قال الرجل: {أسكنوهن من حيث سكنتم} قال: هذا لمن يملك الرَّجعة. قال أبو داود: قلت: يصحُّ هذا الحديث عن عمرَ؟ قال: لا. وقال ابن هانئ: قال أحمد: حديث فاطمة إنما هو حُكم فيها، لا في غيرها، وإنما تكون السُّكنى والنفقة على من يملك الرجعة، أما المطلقة ثلاثًا فلا سُكنى ولا نفقة. انظر: «مسائل الإمام أحمد» (ص 252 رقم 1213 - رواية أبي داود) و (1/ 246 - رواية ابن هانئ). (¬2) يعني: في كتابه «جامع المسانيد والسُّنن»، ومسانيد النساء ليس في المطبوع. (¬3) أخرجه مسلم (2/ 1114 رقم 1480) (37) في الموضع السابق، من حديث فاطمة -رضي الله عنها-: أنَّه طلَّقها زوجُها في عهد النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وكان أَنفَقَ عليها نفقةَ دُونٍ، فلمَّا رأت ذلك، قالت: والله لأُعلِمنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فإن كان لي نفقةٌ أخذتُ الذي يُصلِحني، وإن لم تكن لي نفقةٌ؛ لم آخذْ منه شيئًا. قالت: فذَكَرتُ ذلك لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لا نفقةَ لكِ ولا سُكنى.

وهو قول عائشة (¬1)، وطائفة من السَّلف. وهو مذهب الإمام الشافعيِّ، وجماعة من الأئمَّة والعلماء، والله أعلم. ¬

(¬1) أخرجه البخاري (9/ 477، 481 رقم 5321 - 5328 - فتح) في الطلاق، باب قصة فاطمة بنت قيس، وباب المطلقة إذا خشي عليها في مسكن زوجها أن يقتحم عليها ... ، ومسلم (2/ 1120 رقم 1481) في الطلاق، باب المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها، من طريق عروة بن الزُّبير قال: تزوَّج يحيى بنُ سعيد بن العاص بنتَ عبد الرحمن بن الحكم، فطلَّقها، فأخرجها من عنده، فعاب ذلك عليهم عروة، فقالوا: إنَّ فاطمةَ قد خَرَجَتْ. قال عروة: فأتيتُ عائشةَ، فأخبرتُها بذلك، فقالت: ما لفاطمةَ بنتِ قيسٍ خيرٌ في أن تَذكُرَ هذا الحديثَ.

أثر يذكر في باب العدد

/ (ق 208) أثر يُذكر في باب العِدَد (572) روى البيهقي (¬1) من حديث زُرَارة بن أوفى قال: قضاءُ الخلفاء الراشدين: أنَّه مَن أَغلَقَ بابًا، وأَرخَى سِتْرًا؛ فقد وَجَبَ الصَّداقُ والعِدَّةُ. قال: وهذا منقطع. ثم روى (¬2) من حديث الأحنف بن قيس: أنَّ عمرَ وعليًّا قالا: إذا أَغلَقَ بابًا، أو أَرخَى سِتْرًا؛ فلها الصَّداقُ كاملاً، وعليها العِدَّةُ. وعن سعيد بن المسيّب، عن عمرَ، مثله (¬3). ¬

(¬1) في «سننه» (7/ 255) من طريق سعيد بن منصور، عن هشيم، عن عَوف (وهو ابن أبي جميلة) عن زُرَارة، به. وهو عند سعيد بن منصور في «سننه» (762). وأخرجه -أيضًا- أبو عبيد في «كتاب النكاح»، كما في «المحلى» (9/ 482) وعبد الرزاق (6/ 288 رقم 10875) وابن أبي شيبة (3/ 512 رقم 16689) في النكاح، باب من قال: إذا أغلق الباب وأرخى الستر فقد وجب الصداق، من طريق عوف، به. (¬2) أي: البيهقي في «سننه» (7/ 255) من طريق سعيد بن أبي عَروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن الأحنف، به. وأخرجه -أيضًا- أبو عبيد في «كتاب النكاح»، كما في «المحلى» (9/ 483) وابن أبي شيبة (16686) في الموضع السابق، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (2/ 109) من طريق ابن أبي عَروبة. وعبد الرزاق (6/ 285 رقم 10863) عن معمر. وأحمد في «مسائله» (3/ 1027 رقم 1403 - رواية عبد الله) والبيهقي (7/ 255) من طريق يحيى بن سعيد. ثلاثتهم (ابن أبي عَروبة، ويحيى بن سعيد، ومعمر) عن قتادة، عن الأحنف بن قيس، به. وهذا إسناد صحيح، كما قال الشيخ الألباني في «السلسلة الضعيفة» (3/ 86). (¬3) أخرجه مالك (2/ 33) في النكاح، باب إرخاء الستور، -ومن طريقه: أحمد في «مسائله» (3/ 1028 رقم 1404 - رواية عبد الله) والبيهقي (7/ 255) - وعبد الرزاق (6/ 287 رقم 10869) وسعيد بن منصور (1/ 201 رقم 757) وابن أبي شيبة (16690) من طريق يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيّب: أنَّ عمرَ بن الخطاب قَضَى في المرأة إذا تزَّوجها الرَّجل: أنه إذا أُرخيت السُّتورُ، فقد وجب الصَّداقُ. وهذا إسناد رجاله ثقات، علَّته الخلاف في سماع سعيد من عمر.

وهذه طرق يشدُّ بعضها بعضًا. وهذا مذهب طائفة من العلماء، وأحد قولي الشافعي (¬1). ¬

(¬1) انظر: «تحفة الفقهاء» (2/ 244) و «مواهب الجليل» (4/ 141) و «روضة الطالبين» (5/ 587) و «الإقناع» للحجَّاوي (3/ 390).

أثر آخر في العدد

أثر آخر في العِدَد (573) قال الشافعي (¬1): وقال عمرُ، وعلي، وابن مسعود، وأبو موسى: لا تَحِلُّ حتى تغتسلَ من الحيضةِ الثالثةِ (¬2). ¬

(¬1) في «الأم» (7/ 264). (¬2) أما قول عمر وابن مسعود: فيَرويه إبراهيم النَّخَعي، واختُلف عليه: فقيل: عنه، عن علقمة، عن عمرَ وابن مسعود! وقيل: عنه، عن الأسود، عن عمرَ، وابن مسعود! وقيل: عنه، عن عمرَ وابن مسعود! أما الوجه الأول: فأخرجه ابن أبي شيبة (4/ 164 رقم 18891) في النكاح، باب من قال: هو أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة، عن ابن عيينة. وعبد الرزاق (6/ 316 رقم 10988) -ومن طريقه: الطبراني في «الكبير» (9/ 323 رقم 9616) والبيهقي (7/ 417) - والطبري في «تفسيره» (2/ 440) والطحاوي (3/ 62) من طريق الثوري. والطبراني في «الكبير» (9/ 323 رقم 9617) من طريق أبي عَوَانة. ثلاثتهم (ابن عيينة، والثوري، وأبو عَوَانة) عن منصور، عن إبراهيم النَّخعي، عن علقمة، عن عمرَ وعبد الله. تنبيه: ذِكر علقمة ساقط من مطبوع عبد الرزاق، وهو مثبت في رواية الطبراني والبيهقي، فقد روياه من طريق عبد الرزاق. وأما الوجه الثاني: فأخرجه ابن أبي شيبة (4/ 164 رقم 18890) في الموضع السابق، والطبري في «تفسيره» (2/ 440) من طريق شعبة، عن الحكم بن عُتيبة، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عمرَ وابن مسعود. وأما الوجه الثالث: فأخرجه ابن أبي شيبة (4/ 163 رقم 18898) والطبري في «تفسيره» (2/ 440) من طريق الأعمش. وعبد الرزاق (6/ 315 رقم 10985) والطبري في «تفسيره» (2/ 440، 441 - 442) من طريق حماد بن أبي سليمان. وسعيد بن منصور (1/ 291 رقم 1216، 1217) عن هشيم. ثلاثتهم (الأعمش، وحماد، وهشيم) عن إبراهيم، عن عمرَ وابن مسعود. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وانظر ما سيأتي من كلام للإمام أحمد حول هذا الاختلاف. وأما قول عليٍّ: فله طريقان: الطريق الأولى: أخرجها عبد الرزاق (6/ 315 رقم 10983) وسعيد بن منصور (1/ 292 رقم 1219) وابن أبي شيبة (4/ 164 رقم 1889) والطبري في «تفسيره» (2/ 441، 442، 443) والطحاوي (3/ 62) من طريق الزهري -زاد الطبري: وقتادة-، عن ابن المسيّب، عن عليّ -رضي الله عنه- قال: ... فذكره. ورواه عن الزهري: ابن عيينة، ومعمر، والنعمان بن راشد. وسيأتي تضعيف الإمام أحمد لهذه الطريق. الطريق الثانية: أخرجها عبد الرزاق (6/ 315 رقم 10984) وسعيد بن منصور (1/ 292 رقم 1233) من طريق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي ... ، فذكره. وهذا منقطع بين محمد بن علي والد جعفر وعلي. وأما قول أبي موسى: فأخرجه عبد الرزاق (6/ 317، 318 رقم 10994، 10995، 10996) وسعيد بن منصور (1/ 292 رقم 1220، 1222) والطبري في «تفسيره» (2/ 439 - 440، 440) والبيهقي (7/ 417) من طريق الحسن، عن أبي موسى رضي الله عنه. وقد ضعَّف الإمام أحمد هذه الآثار كلها، فقال ابن عبد البر في «التمهيد» (11/ 267 - ط دار الفاروق الحديثة): وذكر أبو بكر الأَثرم: أن أحمد بن حنبل كان يذهب إلى قول عمر، وعليّ، وعبد الله، وأبي موسى، ثم رجع عن ذلك، وقال: رأيت حديث عمر وعبد الله يَختلِفُ في إسناده الأعمشُ، ومنصورُ، والحكمُ. وحديث عليّ: رواه سعيد بن المسيّب، عن عليّ، وليس هو عندي سماع، أرسله سعيد بن المسيّب، عن عليّ، وحديث الحسن، عن أبي موسى الأشعريِّ منقطع؛ لأن الحسن لم يَسْمع من أبي موسى، وسائر الأحاديث عن الصحابة في هذا مرسلة. قال: والأحاديث عمَّن قال: إنه أحقُّ بها حتى تدخل في الحَيضة الثالثة أسانيدها صحاح قوية. قال [أي: الأَثرم]: ثم ذهب بعدُ أحمد إلى هذا. تنبيه: صحَّح الشيخ عبد العزيز الطريفي في كتابه «التحجيل» (ص 461) أثر عليّ =

وذهبوا إلى أنَّ الأقراءَ: الحِيَضُ. وقال هذا ابن المسيّب (¬1)، وعطاء (¬2)، وجماعة من التابعين. أثر آخر (574) قال الشافعي (¬3): عن مالك (¬4)، عن يحيى بن سعيد، ويزيد بن عبد الله بن قُسَيط، عن سعيد بن المسيّب قال: قال عمرُ بن الخطاب: أيُّما امرأةٍ طُلِّقت فحَاضَت حيضة، أو حيضتين، ثم رَفَعتْها حيضةٌ، فإنها تنتظرُ تسعةَ أشهرٍ، فإن بَانَ بها حَمْلٌ فذاك، وإلا اعتدَّت بعد التسعةِ بثلاثةِ أشهرٍ، ثم حَلَّتْ. هذا إسناد صحيح. ¬

= اعتمادًا منه على صحة سماع ابن المسيّب من علي، ولم يَذكر حجَّة له في إثبات السماع، وردَّ قول الإمام أحمد أنه مرسل، ظنًّا منه أنه قول ابن عبد البر! كما أنه في (ص 458) صحَّح رواية عمر وابن مسعود من طريق علقمة عنهما، ولم يتنبَّه للاختلاف الواقع في روايتهما، وفاته تضعيف الإمام أحمد. (¬1) أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 165 رقم 18906) في الطلاق، باب ما قالوا في الرجل يطلق امرأته فيعلمها الطلاق ... (¬2) أخرجه عبد الرزاق (6/ 317 رقم 10991). (¬3) في «الأم» (5/ 213). (¬4) وهو في «الموطأ» (2/ 96) في الطلاق، باب جامع عِدَّة الطلاق. وأخرجه -أيضًا- أبو القاسم البغوي في «الجعديات» (2/ 1074 رقم 3111) من طريق يحيى بن سعيد، به. وصحَّحه -أيضًا- ابن الملقن في «البدر المنير» (8/ 224). وأعلَّه ابن حزم في «المحلى» (10/ 271) بالانقطاع بين سعيد بن المسيّب وعمر. قلت: وقد روي عن عمرَ خلافه، وذلك فيما أخرجه ابن حزم (10/ 269) من طريق أشعث بن عبد الملك الحُمْراني، عن ابن سيرين: أنَّ عمرَ بن الخطاب وعبد الله بن مسعود قالا جميعا في الشَّابَّة تطلَّق فلا تحيض: أنَّها تنتظرُ حتى تيأسَ من المحيضِ. =

أثر في امرأة المفقود

أثر في امرأة المفقود (575) قال الشافعي (¬1): عن مالك (¬2)، عن يحيى، عن سعيد: أنَّ عمرَ قال: أيُّما امرأةٍ فَقَدَتْ زوجَها فلم تَدر أين هو؛ فإنها تنتظرُ أربعَ سنينَ، ثم تنتظرُ أربعةَ أشهرٍ وعشرًا. ¬

= وهذا منقطع بين ابن سيرين وعمر. وروي عن ابن مسعود من وجه آخر: أخرجه سعيد بن منصور (1/ 307 رقم 1300 - 1302) وعبد الرزاق (6/ 342 رقم 11104) وابن أبي شيبة (4/ 173 رقم 18993) في الطلاق، باب ما قالوا في الرجل يطلق امرأته فترتفع حيضتها، والبيهقي (7/ 419) من طريق إبراهيم النَّخعي، عن علقمة بن قيس: أنه طلَّق امرأتَه تطليقةً أو تطليقتين، ثم حاضت حيضةً أو حيضتين، ثم ارتفع حيضُها سبعةَ أشهرٍ، أو ثمانيةَ أشهرٍ، ثم ماتت، فجاء إلى ابن مسعود -رضي الله عنه- فسأله، فقال: حَبَسَ اللهُ عليكَ ميراثَها، فورَّثَهُ منها. قال ابن حزم في «المحلى» (10/ 269): هذا في غاية الصحَّة عن ابن مسعود. وصحَّحه -أيضًا- المؤلِّف في «إرشاد الفقيه» (2/ 229) وابن الملقن في «البدر المنير» (8/ 224). وقال المؤلِّف في «إرشاد الفقيه» (2/ 229): هذا إسناد صحيح، وهو عمدة الشافعيِّ في الجديد: أنه إذا انقطع دمها لغير عارض وهي ممن تحيض أنها تمكث إلى الإياس. قلت: وقد قال البيهقي -بعد أن ذكر أثر عمر الذي أورده المؤلِّف-: فإلي ظاهر هذا كان يذهب الشافعي -رحمه الله- في القديم، ثم رجع عنه في الجديد إلى قول ابن مسعود -رضي الله عنه-، وحمل كلام عمر -رضي الله عنه- على كلام عبد الله، فقال: قد يحتمل قول عمر -رضي الله عنه- أن يكون في المرأة قد بلغت السِّنَّ التي من بَلَغها من نسائها يئسن من المحيض، فلا يكون مخالفًا لقول ابن مسعود -رضي الله عنه-، وذلك وجهه عندنا. (¬1) في «الأم» (7/ 236). (¬2) وهو في «الموطأ» (2/ 88) في الطلاق، باب عِدَّة التي تفقد زوجها.

قال البيهقي (¬1): ورواه يونس، عن الزهري، عن سعيد، عن عمرَ، وزاد: فإذا تَزوَّجت، فقَدِمَ زوجُها المفقودُ قبل أن يَدخلَ بها زوجُها الآخرُ؛ فهو أحقُّ بها، وإنْ دخل بها زوجُها الآخرُ، فالأوَّلُ المفقودُ بالخيارِ بين امرأتِهِ والمهرِ. طريق أخرى (576) قال الشافعي (¬2): أنا الثَّقَفي، عن داود بن أبي هند، عن الشَّعبي، عن مسروق، أو قال: أظنُّه عن مسروق قال: لولا أنَّ عمرَ خيَّر المفقودَ بين امرأتِهِ أو الصَّداقِ؛ لَرَأيتُ أنَّه أحقُّ بها إذا جاءَ. وهذه آثار صحيحة عن عمرَ. ¬

(¬1) في «سننه» (7/ 445). ووَصَله عبد الرزاق (7/ 85 رقم 12317) -ومن طريقه: الإمام أحمد في «مسائله» (3/ 1070 رقم 1478 - رواية عبد الله) -. وابن أبي شيبة (3/ 514 رقم 16717) في النكاح، باب في المفقود يجيء وقد تزوَّجت امرأته، عن عبد الأعلى. كلاهما (عبد الرزاق، وعبد الأعلى) عن معمر، عن الزهري، به. وصحَّحه ابن الملقن في «البدر المنير» (8/ 228) والحافظ في «الفتح» (9/ 431). وله طريق أخرى: أخرجها البيهقي (7/ 445) عن أبي الحسين بن بَشران، أنا إسماعيل بن محمد الصفَّار، نا محمد بن عبد الملك، نا يزيد بن هارون، أنا سليمان التيمي، عن أبي عمرو الشيباني: أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- أجَّل امرأةَ المفقودِ أربعَ سنينَ. وهذا إسناد صحيح، أبو عمرو الشيباني، وهو: سعد بن إياس من المخضرمين، روى له الجماعة، وقال عنه هبةالله الطبري: مجمع على ثقته. ووثَّقه ابن معين، وابن سعد. انظر: «تهذيب الكمال» (10/ 258 - 260). (¬2) لم أقف عليه في مظانِّه من مصنَّفاته المطبوعة، ومن طريقه: أخرجه البيهقي في «سننه» (7/ 446) وفي «معرفة السُّنن والآثار» (11/ 234 رقم 15374).

وقد بَسَطتُ الكلامَ في مسألة المفقود في أحكام التنبيه (¬1)، ولله الحمد. (577) أبو عبيد: ثنا هشيم، أنا داود بن أبي هند ... (¬2). ¬

(¬1) انظر: «إرشاد الفقيه إلى أدلة التنبيه» (2/ 231). (¬2) في هذا الموضع خرم بالأصل.

أثر آخر فيمن تزوج بامرأة في عدتها

أثر آخر فيمن تزوَّج بامرأة في عِدَّتها (578) قال الشافعي (¬1): أنا مالك (¬2)، عن ابن شهاب، وسليمان بن يَسَار (¬3): أنَّ عمر -رضي الله عنه- قال: أيُّما امرأةٍ نَكَحتْ في عِدَّتها؛ فإن زوجها (¬4) الذي تزوَّجها لم يَدخلْ بها فُرِّقَ بينهما، ثم اعتَدَّتْ بقيَّةَ عِدَّتها من زوجها الأوَّل، وكان خاطبًا من الخُطَّاب، وإنْ كان دَخَل بها فُرِّقَ بينهما، ثم اعتَدَّت بقيَّةَ عِدَّتها من زوجها الأوَّل، ثم اعتَدَّت من الآخر، ثم لم يَنكِحْها أبدًا. قال البيهقي (¬5): إلى هذا ذهب الشافعي في القديم، وخالَفَه في الجديد، لقول عليٍّ (¬6): أنها تَحِلُّ له. ¬

(¬1) في «الأم» (5/ 233). (¬2) وهو في «الموطأ» (2/ 42) في النكاح، باب جامع ما لا يجوز من النكاح. وصحَّح إسناده المؤلِّف في «إرشاد الفقيه» (2/ 235). وأعلَّه ابن حزم في «المحلى» (9/ 480) فقال: وجاء هذا عن عمرَ من طرق ليس منها شيء يتَّصل. وقال الشيخ الألباني في «الإرواء» (7/ 203): وهذا إسناد صحيح على الخلاف في صحة سماع سعيد بن المسيّب من عمر بن الخطاب، وهو من طريق سليمان بن يَسَار منقطع؛ لأنه ولد بعد موت عمر ببضع سنين. (¬3) قوله: «عن ابن شهاب وسليمان بن يسار» كذا ورد بالأصل. والذي في «الأم»، و «الموطأ»: «عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يَسَار». (¬4) قوله: «فإن زوجها» كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع من «الأم»: «فإن كان زوجها». (¬5) في «معرفة السُّنن والآثار» (11/ 226). (¬6) روي من عدَّة طرق: منها: ما أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 153 رقم 18786) في الطلاق، باب ما قالوا في المرأة تزوج في عِدَّتها ... ، وابن حزم في «المحلى» (9/ 480) من طريق صالح بن مسلم قال: قلت للشعبي: رجلٌ طلَّق امرأتَهُ، فجاء آخر فتزوَّجها، قال: قال عمرُ: يُفرَّق بينهما، وتُكملُ عدَّتَها الأولى، وتَستأنِفُ من هذا عدَّةً جديدةً، ويُجعلُ الصداقُ في بيت المال، ولا يَتزوَّجها الثاني أبدًا، ويصيرُ الأولُ خاطبًا. وقال علي: يُفرَّق بينها وبين زوجها، وتُكملُ عدَّتها الأولى، وتَعتدُّ من هذا عدَّةً جديدةً، ويًجعلً لها الصداقً بما استحلَّ من فَرْجها، ويصيرانِ كلاهما خاطبين. وهذا منقطع بين الشعبي وعمر، وبه أعلَّه ابن حزم. ومنها: ما أخرجه عبد الرزاق (6/ 208 رقم 10532) والبيهقي (7/ 441) من طريق ابن جريج، عن عطاء: أن عليَّ بن أبي طالب أُتي بامرأةٍ نكحت في عدَّتها وبُني بها، ففرَّق بينهما، وأمرها أنْ تعتدَّ بما بقي من عدَّتها الأولى، ثم تعتدُّ من هذا عدَّةً مستقبلةً، فإذا انقضت عدَّتها فهي بالخيار، إنْ شاءت نكحت، وإنْ شاءت فلا. قال الشيخ الألباني في «الإرواء» (7/ 204): وعطاء لا أدري إذا كان سَمِعَ من علي أو لا، وكان عمره حين توفي علي نحو (13) سنة. وله طريق أخرى: أخرجها الشافعي في «الأم» (5/ 233) -ومن طريقه: البيهقي (7/ 441) - عن يحيى بن حسان، عن جرير، عن عطاء بن السائب، عن زَاذَان أبي عمر، عن علي رضي الله عنه: أنه قَضَى في التي تزوَّج في عدَّتها أنه يفرَّق بينهما، ولها الصداق بما استحلَّ من فَرْجها، وتُكملُ ما أفسدت من عدَّة الأول، وتَعتدُّ من الآخر. وهذا إسناد ضعيف؛ عطاء بن السائب ممن اختَلَط، ورواية جرير عنه بعد الاختلاط. انظر: «الكواكب النيِّرات» (ص 322). وأما تصحيح ابن الملقن له في «البدر المنير» (8/ 229) ففيه نظر.

(579) وقد روى الثوري (¬1)، عن أشعث، عن الشَّعبي، عن مسروق: أنَّ عمرَ رَجَع عن ذلك، وجَعَل لها مهرَها، وجَعَلَهما يجتمعان. ¬

(¬1) في «جامعه»، كما في «معرفة السُّنن والآثار» للبيهقي (11/ 226). وهذا الأثر يَرويه أشعث، ومع ضعفه، فقد اضطرب فيه: فقيل: عنه، عن الشَّعبي، عن مسروق، عن عمرَ! وقيل: عنه، عن الشَّعبي، عن عمرَ. ليس فيه مسروق! أما الوجه الأول: فأخرجه البيهقي في «سننه» (7/ 442) من طريق الثوري وهشيم. وابن عبد البر في «الاستذكار» (4/ 479) من طريق ابن المبارك. ثلاثتهم (الثوري، وهشيم، وابن المبارك) عن أشعث بن سوَّار، عن الشعبي، به. وأما الوجه الثاني: فأخرجه البيهقي (7/ 442) من طريق أسباط بن محمد، عن أشعث، عن الشعبي قال: أُتي عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه- بامرأة تزوَّجت في عدَّتها، فأخذ مهرَها فجعله في بيت المال، وفرَّق بينهما، وقال: لا يجتمعان، وعاقبَهما. قال: فقال عليٌّ رضي الله عنه: ليس هكذا، ولكن هذه الجهالةُ من الناس، ولكن يُفرَّق بينهما، ثم تَستكملُ بقيَّةَ العدَّةِ من الأول، ثم تستقبلُ عدَّةً أخرى، وجعل لها عليٌّ -رضي الله عنه- المهر بما استحلَّ من فَرْجها. قال: فحَمِدَ اللهَ عمرُ -رضي الله عنه- وأثنى عليه، ثم قال: يا أيها الناسُ، ردُّوا الجهالاتِ إلى السُّنة. قلت: مداره على أشعث، وهو ضعيف، كما قال الحافظ في «التقريب»، وقد أعلَّه الدارقطني في «الأفراد»، كما في «أطرافه» لابن طاهر (1/ 148) بتفرُّد أشعث بن سوَّار. لكن له طريق أخرى صحيحة: أخرجها البيهقي (7/ 441) من طريق هاشم بن القاسم، عن شعبة، عن إسماعيل، عن الشعبي، عن مسروق قال: قال عمرُ -رضي الله عنه- في امرأة تزوَّجت في عدَّتها، قال: النكاحُ حرامٌ، والصداقُ حرامٌ، وجَعَلَ الصداقَ في بيت المال، وقال: لا يجتمعانِ ما عاشا. وأخرج ابن حزم في «المحلى» (9/ 480) من طريق أبي عبيد القاسم بن سلاَّم، نا يزيد (وهو: ابن هارون). والبيهقي (7/ 441) من طريق عبد الوهاب بن عطاء. كلاهما (يزيد، وعبد الوهاب) عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن مسروق، أو عن عبيد بن نضلة، عن مسروق -شك داود في أحدهما- وقال: رُفع إلى عمرَ امرأةٌ نكحت في عدَّتها، فقال: لو أنكما علمتُما لَرَجمتُكما، فضَرَبَهما أسواطًا، وفرَّق بينهما، وجعل المهرَ في سبيل الله عزَّ وجلَّ، وقال: لا أُجيزُ مهرًا، لا أُجيزُ نكاحَهُ. قال ابن حزم: عبيد بن نضلة إمام ثقة، ومسروق كذلك، فلانبالي عن أيهما رواه، وقد ثَبَت داود بن أبي هند على أنه عن أحدهما بلا شك.

أما إنكار عمر -رضي الله عنه- خبر فاطمة بنت قيس في نفي النفقة والسُّكني للمبتوتة، فسيأتي مع الحديث في مسندها، إن شاء الله تعالى (¬1). ¬

(¬1) انظر ما تقدم تعليقه (ص 121، تعليق رقم 2).

أثر في أن نفقة الزوجة تصير دينا في ذمة الزوج، ولا تسقط بالمضي

أثر في أن نفقة الزوجة تصير دَينًا في ذمَّة الزَّوج، ولا تسقط بالمضيِّ (580) قال الشافعي (¬1): أنا مسلم بن خالد، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ: أنَّ عمرَ بن الخطاب كَتَب إلى أمراءِ الأجنادِ في رجالٍ غابوا عن نسائهم، فأَمَرَهم أنْ يأخذوهم بأن يُنفِقُوا، أو يُطلِّقوا، وإنْ طَلَّقوا بَعَثوا بنفقةِ ماحَبَسُوا. إسناد جيد. ¬

(¬1) في «الأم» (5/ 91، 107) و (7/ 121). وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (7/ 93 رقم 12346) -ومن طريقه: ابن المنذر في «الأوسط»، كما في «البدر المنير» (8/ 315) -. وابن أبي شيبة (6/ 605 رقم 19240 - ط مكتبة الرشد) في الطلاق، باب من قال: على الغائب نفقة ... ، عن ابن نُمَير. وأحمد في «مسائله» (3/ 117 رقم 1466 - رواية صالح) عن عبد الله بن إدريس. ثلاثتهم (عبد الرزاق، وابن نُمَير، وابن إدريس) عن عبيد الله بن عمر، به. وأخرجه عبد الرزاق (12347) عن معمر، عن أيوب، عن نافع، به. واحتج به الإمام أحمد، كما في «مسائله» (3/ 117 - رواية صالح» و (ص 246 رقم 1186 - رواية أبي داود). وقال ابن المنذر: هذا ثابت عن عمرَ أنه كان كَتَب يأمرهم أن يُنفقوا أو يطلِّقوا. «البدر المنير» (8/ 316). وجوَّده ابن الملقن في «البدر المنير». وقال في «خلاصة البدر» (2/ 257): رواه الشافعي في «مسنده» بإسناد صحيح على شرطه. وقد فات هذا كله الشيخ مشهور سلمان في تعليقه على «إعلام الموقعين» (5/ 322) فاقتصر على تخريجه من رواية الشافعي، وأعلَّه بمسلم بن خالد الزَّنجي، وعاب على الحافظ ابن كثير تجويده لإسناده!

أثر يذكر في نفقة الرقيق

أثر يُذكر في نفقة الرَّقيق (581) قال البخاري في كتاب «الأدب» (¬1): ثنا بِشر بن محمد، ثنا عبد الله (¬2)، ثنا يونس البصري (¬3)، عن ابن أبي مُلَيْكَةَ: قال أبو مَحذورة: كنتُ عند عمرَ، إذ جاء صفوانُ بن أميَّة بجَفْنةٍ يَحمِلُها نَفَرٌ في عَبَاءةٍ، فوَضَعوها بين يدي عمرَ، فدعا عمرُ ناسًا مساكينَ وأرقَّاءَ حولَه، فأكلوا معه، وقال: لَحَا اللهُ قومًا يَرغبون عن أرقَّائهم أنْ يأكلوا معهم. فقال صفوان: أَمَا واللهِ ما نَرغَبُ عنهم، ولكن نَستأثرُ عليهم. يعني: بالطَّيب (¬4). طريق أخرى (582) قال أبو بكر ابن دُرَيد (¬5): ثنا علي بن ذَكوان، ثنا كثير بن يحيى، ثنا سالم، حدثني أبو عامر، عن ابن أبي مُلَيْكَة، عن ابن عباس قال: قَدِمَ علينا عمرُ بن الخطاب حاجًّا، فصَنَع له صفوان بن أميَّة طعامًا، ¬

(¬1) أي: «الأدب المفرد» (ص 77 رقم 201). (¬2) هو: ابن المبارك، والأثر عنده في «البر والصلة» (ص 182 رقم 351). وصحَّح إسناده الشيخ الألباني في تحقيقه لـ «الأدب المفرد» (ص 77). (¬3) كذا ورد بالأصل. والذي في مطبوع «الأدب المفرد»، و «البر والصِّلة»: «أبو يونس البصري»، وهو الصواب الموافق لما في كُتُب الرجال. انظر: «تهذيب الكمال» (5/ 194). (¬4) قوله: «ولكن نستأثر عليهم. يعني: بالطيب» كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «ولكنا نستأثر عليهم، لا نجد -والله- من الطعام الطيب ما نأكل ونطعمهم». (¬5) هو الإمام العلاَّمة، شيخ الأدب، أبو بكر محمد بن الحسن بن دُرَيد الأزدي البصري، تنقَّل في فارس، وجزائر البحر يطلب الآداب، ولسان العرب، ففاق أهل زمانه، ثم سكن بغداد، توفي سنة إحدى وعشرين وثلاث مائة، وله ثمان وتسعون سنة، من تصانيفه: الاشتقاق. انظر: «سير أعلام النبلاء» (15/ 96) و «إنباه الرواة» (3/ 92).

قال: فجاءوا بجَفْنةٍ يَحمِلُها أربعةٌ، فوُضِعَتْ بين القوم، فأَخَذَ القومُ يأكلون، وقام الخُدَّام، فقال عمرُ: مالي لا أَرى خُدَّامَكم يأكلون معكم، أترغبون عنهم؟ فقال سفيان بن عبد الله: لا واللهِ يا أميرَ المؤمنين، ولكنَّا نستأثرُ عليهم. فغضب غضبًا شديدًا، ثم قال: ما لقومٍ يستأثرون على خُدَّامهم، فَعَلَ الله تعالى بهم، وفَعَلَ. ثم قال للخُدَّام: اجلِسوا، فكُلُوا، فقَعَدَ الخدَّام يأكلون، ولم يأكلْ أميرُ المؤمنينَ.

أثر آخر في الرفق بالبهائم

أثر آخر في الرِّفق بالبهائم (583) قال محمد بن سعد (¬1): أنا / (ق 209) المعلَّى بن أسد، ثنا وهيب بن خالد، عن يحيى بن سعيد، عن سالم بن عبد الله: أنَّ عمرَ بن الخطاب كان يُدخِلُ يدَه في دبرةِ البعيرِ، ويقول: إني خائفٌ أن أُسألَ عمَّا بك. فيه انقطاع بين سالم وعمر رضي الله عنه. أثر آخر في معناه (584) قال أبو بكر محمد بن الحسين الآجري: ثنا محمد بن كردي، ثنا أبو بكر المروذي، ثنا رَوْح بن حرب، ثنا محمد بن الحسين، عن أبي خَلدة، عن المسيّب بن دارم قال: رأيتُ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- يَضربُ جَمَّالاً، ويقول: حَمَّلتَ جَمَلَكَ مالا يُطيقُ. قال: ورأيتُ عمرَ مَرَّ به سائلٌ وعلى ظَهْره جِرَابٌ مملوءٌ طعامًا، فأَخَذَهُ، فنَثَرَهُ للنواضح، ثم قال: الآن سَلْ ما بدا لكَ (¬2). ¬

(¬1) في «الطبقات الكبرى» (3/ 286). وأخرجه -أيضا- البلاذُري في «أنساب الأشراف» (ص 217) من طريق المعلَّى بن أسد، به. (¬2) وأخرجه -أيضًا- ابن سعد (7/ 127) والخلال في «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» (ص 40 رقم 31) وابن عساكر في «تاريخه» (58/ 191) من طريق أبي خَلدة، عن المسيب بن دارم قال: رأيتُ عمرَ يضرب جمَّالاً، ويقول: لِمَ حمَّلتَ جَمَلَكَ ما لا يُطيقُ؟! وفي إسناده: المسيّب بن دارم، لم يرو عنه سوى أبي خَلدة، وذكره ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (8/ 294 رقم 1351) وسكت عنه، وقال الحافظ في «لسان الميزان» (6/ 722 رقم 8460): مجهول. تنبيه: جاء بحاشية الأصل ما نصه: بلغت قراءة على شيخنا أيَّده الله تعالى.

كتاب الجنايات

كتاب الجنايات (585) روى الحافظ أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي -رحمه الله- في «مسند عمر» من طريقين عن سعيد بن المسيّب، عن عمرَ بن الخطاب قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن أَعانَ على قَتل مسلمٍ بشطرِ كلمةٍ، جاء يومَ القيامةِ مكتوبٌ بينَ عينيه: آيسٌ من رحمةِ اللهِ» (¬1). حديث آخر (586) قال أحمد (¬2): ثنا أبو سعيد، ثنا عبد الله بن لَهِيعة، ثنا عمرو ¬

(¬1) وأخرجه -أيضًا- ابن حبان في «المجروحين» (2/ 75) من طريق عمرو بن محمد الأعسم، عن يحيى بن سالم الأفطس، عن أبيه، عن سعيد بن المسيّب، به. وعمرو بن محمد هذا قال عنه ابن حبان: شيخ يروي عن الثقات المناكير، وعن الضعفاء الأشياء التي لا تُعرَف من حديثهم، ويَضَع أسامي للمحدِّثين، لا يجوز الاحتجاج به بحال. ثم قال: وهذه الأحاديث (وذكر أخرى) كلُّها موضوعة، لا أصل لها من حديث الثقات. وأخرجه أبو نعيم في «الحلية» (5/ 74) من طريق حكيم بن نافع، عن خَلَف بن حَوشَب، عن الحكم بن عُتيبة، عن سعيد بن المسيّب، به، وقال: غريب، تفرَّد به حكيم. وضعَّفه الشيخ الألباني في «السلسلة الضعيفة» (2/ 2 رقم 503). (¬2) في «مسنده» (1/ 22 رقم 147). وقد تقدم تخريجه واستيعاب طرقه (1/ 630 رقم 457).

بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه، عن عمرَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم [قال] (¬1): «لا يُقادُ والدٌ من وَلَدٍ». وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «يرثُ المالَ مَن يرثُ الولاءَ». ورواه أحمد -أيضًا- (¬2)، عن حسن بن موسى، عن ابن لَهِيعة، به. وروى الفصل الأوَّل منه الترمذي (¬3)، عن / (ق 210) أبي سعيد الأشجِّ. وابن ماجه (¬4)، عن أبي بكر بن أبي شيبة (¬5). كلاهما عن أبي خالد الأحمر، عن حجَّاج بن أرطاة، عن عمرو بن شعيب، به. وحديث الولاء تقدَّم (¬6). طريق أخرى (587) قال أحمد (¬7): ثنا أسود بن عامر، أنا جعفر -يعني: الأحمر، عن مُطرِّف، عن الحكم، عن مجاهد قال: حَذَف (¬8) رجلٌ ابنًا له بسيف، فقَتَله، فرُفِعَ إلى عمرَ، فقال: لولا أنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يُقادُ الوالدُ من ولده»؛ لقَتَلتُكَ قبل أن تَبرَحَ. هذا منقطع. ¬

(¬1) ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السياق. (¬2) في «مسنده» (1/ 22 رقم 148). (¬3) في «سننه» (4/ 12 رقم 1400) في الديات، باب ما جاء في الرجل يقتل ابنه. (¬4) في «سننه» (2/ 888 رقم 2662) في الديات، باب لا يُقتل الوالد بولده. (¬5) وهو في «المصنَّف» (5/ 450 رقم 27884). (¬6) انظر ما تقدم (1/ 630 رقم 457). (¬7) (1/ 16 رقم 98). (¬8) الحَذْف: الضرب به عن جانب. «النهاية» (1/ 356).

حديث آخر (588) قال أحمد (¬1): ثنا أبو المنذر إسماعيل بن عمر (¬2)، أُراه عن حجَّاج بن أرطاة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه قال: قَتَلَ رجلٌ ابنَه عمدًا، فرُفِعَ إلى عمرَ بن الخطاب، فجعل عليه مائةً من الإبل: ثلاثينَ حِقَّةً (¬3)، وثلاثينَ جَذَعةً (¬4)، وأربعينَ ثَنِيَّةً (¬5)، وقال: لا يَرِثُ القاتلُ، فلولا أنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يُقتَلُ والدٌ بولدِهِ»؛ لَقَتلتُكَ. وقال علي ابن المديني، وقد سُئل عن هذا الحديث: هو ضعيف، إنما رواه عمرو بن شعيب، رواه عنه حجَّاج بن أرطاة، وإسماعيل بن مسلم، وليس هذا ممَّا يُعتمد عليه. هكذا قال رحمه الله. طريق أخرى (589) قال أحمد (¬6): ثنا يعقوب، ثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدَّثني عبد الله بن أبي نَجيح، وعمرو بن شعيب، كلاهما عن مجاهد بن جبر ... ، فذَكَر الحديثَ، يعني: المتقدِّم: أنَّ رجلاً حَذَفَ ابنًا له بسيفه. وقال: أخذ عمرُ من الإبل ثلاثينَ حِقَّةً، وثلاثينَ جَذَعةً، وأربعينَ / (ق 211) ثَنِيَّةً إلى ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 49 رقم 346). (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي مطبوع «المسند»: «أسد بن عمرو»، وكلاهما من شيوخ الإمام أحمد، وانظر ترجمتهما في «تهذيب الكمال» (3/ 154) و «تعجيل المنفعة» (1/ 295). (¬3) الحِقَّة من الإبل: ما دخل في السنة الرابعة. «النهاية» (1/ 415). (¬4) الجَذَع من الإبل: ما دخل في السنة الخامسة. «النهاية» (1/ 250). (¬5) الثَّني من الإبل: ما دخل في السنة السادسة. «النهاية» (1/ 226). (¬6) في «مسنده» (1/ 49 رقم 348).

بازِل (¬1) عامِهِا، كلُّها خَلِفةً (¬2). قال: ثم دعا أخا المقتولِ فأعطاه إيَّاه دون أبيه، وقال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «ليس لقاتلٍ شيءٌ». وقال أبو داود (¬3): ثنا النُّفيلي، ثنا سفيان، عن ابن أبي نَجيح، عن مجاهد قال: قَضَى عمرُ في شِبهِ العَمدِ ثلاثينَ حِقَّةً، وثلاثينَ جَذَعةً، وأربعينَ خَلِفةً ما بين ثَنِيَّةٍ إلى بازِلِ عامِهِا. هذا منقطع بين مجاهد وعمرَ، فإنَّه لم يَسْمع منه، ولم يَرَه، ولم يُدركه. ولمَّا روى الحسن بن دينار، عن حميد بن هلال، عن مجاهد قال: «سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب» أَنكَرَ عليه شعبةُ ذلك إنكارًا شديدًا، وقال: مجاهد سَمِعَ عمرَ! فقام الحسنُ، فذهب (¬4). ¬

(¬1) البازِل من الإبل: الذي تم ثماني سنين، ودخل في التاسعة، وحينئذ يطلع نابُه وتكمل قوته، ثم يقال له بعد ذلك بازل عام وبازل عامين. «النهاية» (1/ 125). (¬2) الخَلِفة: الحامل من النُّوق. «النهاية» (2/ 68). (¬3) في «سننه» (5/ 159 رقم 4550) في الديات، باب في دية الخطأ شبه العمد. (¬4) انظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص 204 رقم 754).

أثر في القود بالمحدد، سواء كان حديدا أو نحوه

أثر في القَوَد بالمحدَّد، سواء كان حديدًا أو نحوه (590) قال أبو عبيد (¬1): ثنا يزيد، عن حجَّاج بن أرطاة، عن زيد بن جُبَير، عن جَروة بن حُمَيل، عن عمرَ أنَّه قال: آللهِ! لَيَضرِبنَّ أحدُكم أخاهُ بمثلِ آكِلَةِ اللَّحمِ، ثم يُرَى أنَّي لا أُقِيدُهُ، واللهِ لأُقِيدَنَّهُ منه. قال يزيد: قال حجَّاج: آكَلِةُ اللَّحمِ، يعني: عصًا مُحدَّدَةً. قال الأموي: سُمِيتْ بذلك تشبيهًا لها بالسِّكين، فإنها تأكلُ اللَّحمُ. حديث آخر (591) قال أبو بكر البزَّار (¬2): ثنا محمد (¬3) بن بكر بن عبد الرحمن، ثنا أبي، عن عيسى بن المختار، عن ابن أبي ليلى -وهو: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى-، عن عكرمة بن خالد، عن أبي بكر بن ¬

(¬1) في «غريب الحديث» (4/ 177). وأخرجه -أيضًا- الطحاوي (3/ 189) والدارقطني في «المؤتلف والمختلف» (1/ 351) من طريق حجَّاج، به. وأخرجه ابن أبي شيبة (5/ 427 رقم 27677) عن شريك (وهو: النَّخَعي) عن زيد بن جُبَير، به. وفي إسناده: جَروة بن حُمَيل، وهو مجهول، لم يرو عنه سوى زيد بن جُبَير، وذكره البخاري في «التاريخ الكبير» (2/ 251 رقم 2363) وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (2/ 549 رقم 2280) وسكتا عنه، وذكره ابن حبان في «الثقات» (6/ 156) وقال: شيخ يروي عن أبيه، عن عمرَ، روى عنه أهل الكوفة. وحُمَيل والد جَروة مجهول -أيضًا-، لم يرو عنه سوى ابنه جَروة. انظر: «التاريخ الكبير» (3/ 124 رقم 415) و «الجرح والتعديل» (3/ 314 رقم 1406). (¬2) في «مسنده» (1/ 386 رقم 261). (¬3) كذا ورد بالأصل. وفي مطبوع «البحر الزخار»، و «كشف الأستار» (2/ 207 رقم 1531): «محمود».

عبيد الله بن عمر، عن أبيه، عن عمرَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «في الأنفِ إذا استُوعِبَ جَدعُهُ الدِّيَةُ، وفي العينِ خمسون، (¬1) وفي الرِّجلِ خمسون، وفي الجائفةِ (¬2) ثُلُثُ النَّفسِ، وفي المُنَقِّلةِ (¬3) خمسَ عشرةَ، وفي المُوضِحَةِ (¬4) خمسٌ، وفي السِّنِّ خمسٌ، وفي كلِّ إِصبعٍ ممَّا هنالك عشرٌ عشرٌ». ثم قال: لا نعلمه يُروى إلا من هذا الوجه (¬5). قلت: هذا بعيد أن يكون صحيحًا، فإنَّ عمرَ كان يذهب إلى خلاف هذا الحديث في الأصابع أوَّلاً: (592) كما قال الإمام أبو عبد الله الشافعي رحمه الله (¬6): أنا سفيان بن ¬

(¬1) زاد في المطبوع: «وفي اليد خمسون». (¬2) الجائفةُ: الطَّعنة التي تنفذ إلى الجوف. «النهاية» (1/ 317). (¬3) المنقِّلة: الشَّجَّة التي تخرج منها صغار العظام وتنتقل عن أماكنها. وقيل: التي تنقل العظم، أي تكسره. «النهاية» (5/ 110). (¬4) المُوضِحَة: هي من الشِّجاج التي تبدي وضح العظام، أي بياضه. «النهاية» (5/ 196). (¬5) وضعَّفه الحافظ في «التلخيص الحبير» (4/ 36) فقال: وفي إسناده ضعف من جهة محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وقد أخرجه البيهقي [8/ 86] من وجه آخر ضعيف. (¬6) في «الرسالة» (ص 422 رقم 1160). وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (9/ 384 رقم 17698) عن الثوري. وابن أبي شيبة (5/ 368 رقم 26990) في الديات، باب كم في كل إصبع، عن عبد الله بن نُمَير. وإسحاق بن راهويه في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (2/ 282 رقم 1905) عن عبد الوهاب الثَّقَفي. وابن حزم في «المحلى» (10/ 437) من طريق حماد بن سَلَمة. والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1/ 358 رقم 355) من طريق جعفر بن عون. جميعهم (الثوري، وابن نُمَير، وعبد الوهاب، وحماد، وابن عون) عن يحيى بن سعيد، به. قال الحافظ في «المطالب العالية» (2/ 283): هذا إسناد صحيح متَّصل إلى سعيد بن المسيّب، فإن كان سَمِعَه من عمر -رضي الله عنه- فذاك.

عيينة، وعبد الوهاب الثَّقَفي، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيّب: أنَّ عمرَ بن الخطاب قَضَى في الإبهامِ / (ق 212) بخمسَ عشرةَ، وفي التي تليها بعشرٍ، وفي الوسطى بعشرٍ، وفي التي تلي الخنصرَ بتسعٍ، وفي الخنصرٍ بستٍّ. فهذا أصحُ إسنادًا من هذا الذي قبله بكثير. قال الشافعي (¬1): فلما وُجِدَ كتابُ آل عمرو بن حزم فيه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «وفي كُلِّ إِصبِعٍ ممَّا هنالكَ عشرٌ من الإبلِ»؛ صاروا إليه. وهكذا روى النسائي (¬2)، عن سعيد بن المسيّب مثل هذا الكلام سواء. ¬

(¬1) في الموضع السابق. وأَسنَدَه في «الأم» (6/ 75) عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه ... ، فذكره. وهو في «الموطأ» (2/ 417) في العقول، باب ذكر العقول. قال ابن عبد البر في «التمهيد» (17/ 338): لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث بهذا الإسناد، وقد روي مسندًا من وجه صالح، وهو كتاب مشهور عند أهل السِّير، معروف ما فيه عند أهل العلم معرفة تستغني بشهرتها من الإسناد، لأنه أشبه التواتر في مجيئه لتلقي الناس له بالقبول والمعرفة، وقد روى معمر هذا الحديث عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جدِّه، وذكر ما ذكره مالك سواء في الدِّيات، وزاد في إسناده: «عن جدِّه»، وروي هذا الحديث -أيضًا- عن الزهري، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جدِّه بكماله، وكتاب عمرو بن حزم معروف عند العلماء، وما فيه فمتفق عليه، إلا قليلاً. وقال الشافعي في «الرسالة» (ص 422): ولم يَقبلوا كتاب آل عمرو بن حزم -والله أعلم- حتى يَثبت لهم أنه كتاب رسول الله. (¬2) في «سننه» (8/ 427 رقم 4861) في القسامة، باب عقل الأصابع.

أثر آخر (593) قال علي بن حرب: ثنا سفيان، عن زيد بن أسلم، عن مسلم بن جُندب، عن أبي زيد (¬1) قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يقول: في الضِّلعِ جَمَلٌ، وفي التَّرْقوةِ (¬2) جَمَلٌ، وفي الضِّرسِ جَمَلٌ (¬3). أثر آخر (594) قال البيهقي (¬4): وقد روى يونس، عن الزهري: أنَّه قرأ في ¬

(¬1) هو: أسلم مولى عمر. (¬2) التَّرقوة: هي العظم الذي بين ثُغرة النَّحر والعاتق. «النهاية» (1/ 187). (¬3) وأخرجه -أيضًا- إسحاق بن راهويه في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (2/ 282 رقم 1904) عن ابن عيينة، به. وأخرجه عبد الرزاق (9/ 361، 367 رقم 17578، 17607) وابن أبي شيبة (5/ 365، 380 رقم 26946، 27126) في الديات، باب الترقوة ما فيها؟ وباب الضِّلَع إذا كُسر، من طريق الثوري -زاد عبد الرزاق: وابن جريج، ومعمر-. ثلاثتهم (الثوري، وابن جريج، ومعمر) عن زيد بن أسلم، به، دون قوله: وفي الضِّرس جَمَل. وأخرجه مالك (2/ 431) في العقول، باب جامع عقل الأسنان، وعنه: الشافعي في «الأم» (7/ 234) عن زيد بن أسلم، به، وزاد: وفي الضِّرس جمل. قال ابن حزم في «المحلى» (10/ 453): هذا إسناد غاية في الصحة عن عمرَ بن الخطاب. وصحَّحه -أيضًا- ابن الملقن في «خلاصة البدر المنير» (2/ 282) والشيخ الألباني في «الإرواء» (7/ 327). قال الشافعي: في الأضراس خمس خمس، لما جاء عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في السِّنِّ خمس، وكانت الضرس سِنًّا، وأنا أقول بقول عمرَ -رضي الله عنه- في التَّرقوة والضِّلَع؛ لأنه لم يخالفه أحد من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم فيما علمته، فلم أر أن أذهب إلى رأيي فأخالفه به. (¬4) في «معرفة السُّنن والآثار» (12/ 123). ووَصَله أبو داود في «المراسيل» (ص 211 رقم 257) من طريق يونس بن يزيد الأَيلي. ومحمد بن نصر المروزي في «السُّنة» (ص 66 رقم 235) من طريق شعيب بن أبي حمزة. كلاهما (يونس، وشعيب) عن الزهري، به. وهذا مرسل صحيح الإسناد، وقد قال الإمام أبو داود عقب روايته: أُسنِدَ هذا ولا يصح، رواه يحيى بن حمزة، عن سليمان بن أرقم، عن الزهري، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جدِّه.

كتابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم الذي كَتَبه لعمرو بن حزم: «وفي الأذنِ خمسونَ من الإبلِ». قال: وروينا عن عمرَ (¬1)، وعلي (¬2) أنهما قَضَيا بذلك. أثر آخر (595) قال الشافعي (¬3): أنا محمد بن الحسن (¬4)، أنا محمد بن أبان، عن حماد، عن إبراهيم، عن عمرَ وعليٍّ -رضي الله عنهما- أنهما قالا: عَقْلُ المرأةِ على النِّصفِ من عَقْلِ (¬5) الرَّجلِ في النَّفسِ، وفيما دونَهَا. هذا منقطع بين إبراهيم وبينهما. (596) وقال الشافعي (¬6) فيما بَلَغه عن شعبة (¬7)، عن الأعمش، عن ¬

(¬1) أخرجه عبد الرزاق (9/ 324 رقم 17395) عن معمر، عن ابن طاوس عن أبيه: أنَّ عمرَ بن الخطاب قَضَى في الأُذُن إذا استُؤصِلَت نصفَ الدِّيةِ. وهذا منقطع، طاوس لم يَسْمع من عمر. قاله أبو زرعة. انظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص 100 رقم 357). (¬2) أخرجه عبد الرزاق (9/ 323 رقم 17389) وابن أبي شيبة (5/ 353 رقم 26826) في الديات، باب الأذن ما فيها من الدية، وابن حزم في «المحلى» (10/ 442) والبيهقي (8/ 85) من طريق أبي إسحاق السَّبيعي، عن عاصم بن ضَمرة، عن عليٍّ قال: في الأُذُن نصف الدِّية. (¬3) في «الأم» (7/ 311). (¬4) وهو في «الحجَّة على أهل المدينة» (4/ 284). (¬5) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «دية». (¬6) في «الأم» (7/ 177). (¬7) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «أخبرنا شعبة»!

شقيق، عن عبد الله بن مسعود في جراحاتِ الرِّجالِ والنساءِ: تَستوي في السِّنِّ والمُوضِحَة، وما خلا فعلى النِّصفِ (¬1). وهذا مروي عن عمرَ (¬2) فيما كَتَب به إلى شُريح ليَحكم به، ففَعَل. (597) وحديث أبي هريرة: أنَّ عمرَ استَشَارَ النَّاسَ في إملاصِ المرأةِ، فقال المغيرة بن شعبة: شَهِدتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَضَى فيه بغُرَّة عبدٍ أو أَمَةٍ. سيأتي (¬3) في مسند المغيرة بن شعبة. وقد رواه أبو عبيد في كتاب «الغريب» (¬4)، عن عمرَ، فقال: ثناه حجَّاج، عن ابن جريج، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن المغيرة بن شعبة، عن عمرَ: أنَّه استَشَارَهم في إملاصِ المرأةِ. ¬

(¬1) وله طريق أخرى: أخرجها ابن أبي شيبة (5/ 411 رقم 27486) في الديات، باب في جراحات الرجال والنساء، عن جرير، عن منصور، عن إبراهيم، عن عبد الله قال: تستوي جراحات الرجال والنساء في السِّنِّ والمُوضِحَة. (¬2) علَّقه البخاري في «صحيحه» (12/ 214 - فتح) بصيغة التمريض، فقال: ويُذكر عن عمرَ: تُقَادُ المرأة من الرجل في كلِّ عَمْد يَبلغُ نفسَه فما دونها من الجراح. ووَصَله محمد بن الحسن في «الحجَّة على أهل المدينة» (4/ 85) وسعيد بن منصور (2/ 42 رقم 1962) -ومن طريقه: الفَسَوي في «المعرفة والتاريخ» (2/ 832) والبيهقي (8/ 97) - عن هشيم. وابن أبي شيبة (5/ 411 رقم 27487) في الموضع السابق، عن جرير. كلاهما (هشيم، وجرير) عن المغيرة (وهو ابن مِقسم الضَّبِّي) عن إبراهيم النَّخعي قال: كان فيما جاء به عروة البارقي إلى شُريح من عند عمر -رضي الله عنه- ... ، فذكره. وأعلَّه البيهقي بالانقطاع. وقال الحافظ في «الفتح» (12/ 214): وسنده صحيح، إن كان النَّخعي سَمِعَه من شُريح. وصحَّح إسناده الألباني في «الإرواء» (7/ 307). (¬3) انظر: «جامع المسانيد والسُّنن» (8/ 159). (¬4) (4/ 268). وأخرجه -أيضًا- البخاري (12/ 247 رقم 6905) في الديات، باب جنين المرأة، و (13/ 298 رقم 7317، 7318 - فتح) في الاعتصام، باب ما جاء في اجتهاد القضاة بما أنزل الله تعالى، من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن المغيرة بن شعبة، عن عمرَ ... ، فذكره. وانظر: «الفتح» (12/ 250).

قال أبو عبيد: هو أنْ تُلقِي جَنينَها قبلَ وقتِ الولادةِ ميِّتًا، يقال منه: قد أَملَصَتْ إملاصًا؛ لأنَّها تُزْلِقُهُ. (598) وقال إسماعيل بن عيَّاش، عن زيد بن أسلم: أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- قوَّم الغُرَّةَ خمسينَ دينارًا (¬1). هذا منقطع، وإسماعيل بن عيَّاش عن غير الشَّاميين لا يحتج به عند الجمهور. / (ق 213) حديث فيه أثر عن عمر (599) قال أبو داود (¬2): ثنا يحيى بن حكيم، ثنا عبد الرحمن بن عثمان، ثنا حسين المُعلِّم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه قال: كانت الدِّيةُ على عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائةَ دينارٍ، و (¬3) ثمانيةَ آلافِ درهمٍ، وديةُ أهلِ الكتابِ يومئذٍ النِّصفُ من ديةِ المسلمين. قال: فكان ذلك كذلك حتى استُخلِفَ عمرُ، فقام خطيبًا، فقال: إنَّ الإبلَ قد غَلَت، قال: فَفَرَضَها على أهلِ الذَّهَبِ ألفَ دينارٍ، وعلى أهلِ الوَرِقِ اثني عشر ألفًا، وعلى أهلِ البقرِ مائتي بقرةٍ، وعلى أهلِ الشَّاءِ ألفي ¬

(¬1) ومن هذا الوجه: أخرجه ابن أبي شيبة (5/ 392 رقم 27276) في الديات، باب في قيمة الغُرَّة ما هي؟ عن إسماعيل بن عياش، به. (¬2) في «سننه» (5/ 155 رقم 4542) في الديات، باب الدية كم هي؟ (¬3) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «أو»، وأشار محققه إلى أنها رواية ابن داسة.

شاةٍ، وعلى أهلِ الحُلَلِ مائتي حُلَّةٍ. قال: وتَرَك ديةَ أهلِ الذِّمَّةِ لم يَرفعها فيما رَفَع من الدِّيَةِ. هذا إسناد جيد قوي (¬1)، حجَّة في هذا الباب وغيره، والله أعلم. قال الشافعي رحمه الله (¬2): لا دلالةَ في الوحي على تعدادِ إبلِ الدِّيةِ، فأخذناه عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وأخذنا الذَّهبَ والوَرِقَ عن عمرَ، إذ لم نجد فيه شيئًا عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وأخذنا ديةَ الحُرِّ المسلمِ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وعن عمرَ ديةَ غيرِهِ ممَّن خالفَ الإسلامَ. والغرضُ من إيراد هذا عن الإمام الشافعي صحةُ هذا الأثرِ عنده عن عمرَ رضي الله عنه. أثر آخر (600) قال الإمام الشافعي (¬3): أنا فضيل بن عياض، عن منصور بن ¬

(¬1) في هذا نظر؛ فقد قال ابن الملقن في «البدر المنير» (8/ 442): وعبد الرحمن هذا هو: البَكراوي، ضعَّفه جماعة، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي. وقال ابن عبد البر في «الاستذكار» (7/ 43): هذا الحديث يَرويه غير حسين المعلِّم، عن عمرو بن شعيب، لا يَتَجاوزه به، لا يقول فيه: «عن أبيه، عن جدِّه». (¬2) انظر: «الأم» (6/ 105). (¬3) في «الأم» (7/ 324). وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (6/ 127 رقم 10221) و (10/ 93 رقم 18479) وأحمد في «العلل ومعرفة الرجال» (1/ 284 رقم 457 - رواية عبد الله) وفي «مسائله» (2/ 229 رقم 809 - رواية صالح) والطبري في «تفسيره» (5/ 214) والدارقطني (3/ 131، 146، 170) والبيهقي (8/ 100، 101) وفي «معرفة السُّنن والآثار» (12/ 142) من طريق ثابت بن هُرمز، به. وصحَّح إسناده البيهقي في «المعرفة»، وابن الملقِّن في «خلاصة البدر المنير» (2/ 281).

المعتمر، عن ثابت -وهو: ابن هُرمز الحدَّاد-، عن سعيد بن المسيّب قال: كان عمرُ يجعل ديةَ اليهودي والنصراني أربعةَ آلافٍ، والمجوسي ثمانِمائةٍ. وهكذا رواه قتادة (¬1)، ويحيى بن سعيد الأنصاري (¬2)، عن سعيد بن المسيّب. ¬

(¬1) رواه عنه سعيد بن أبي عَروبة، واختُلف عليه: فقيل: عنه، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب، عن عمرَ! وقيل: عنه، عن قتادة، عن أبي المَلِيح، عن عمرَ! أما الوجه الأول: فأخرجه أحمد في «مسائله» (2/ 241 رقم 832 - رواية صالح) من طريق محمد بن جعفر. والخلاَّل في «أحكام أهل الملل» (ص 305 رقم 858) والدارقطني (3/ 120) من طريق يحيى بن سعيد. والطبري في «تفسيره» (5/ 214) من طريق ابن أبي عدي. ثلاثتهم (محمد بن جعفر، ويحيى بن سعيد، وابن أبي عدي) عن سعيد بن أبي عَروبة، عن قتادة، به. وأما الوجه الثاني: فأخرجه الطبري في الموضع السابق، من طريق ابن أبي عدي، عن سعيد بن أبي عَروبة، عن قتادة، به. والوجه الأول أصح؛ لأنَّ ابن أبي عَروبة ممَّن اختَلَط، وسماع يحيى القطان منه قبل اختلاطه، بخلاف ابن أبي عدي، فقد سَمِعَ منه بعد الاختلاط. انظر: «الكواكب النيِّرات» (ص 196). زد على هذا: أن أبا المَلِيح لم يَسْمع من عمر، فقد أورده الحافظ في الطبقة الثالثة، وهي الطبقة الوسطى من التابعين، كالحسن وابن سيرين. (¬2) أخرجه أحمد في «العلل ومعرفة الرجال» (1/ 285 - رواية عبد الله) والدارقطني (3/ 170) من طريق شريك، عن يحيى بن سعيد، عن ابن المسيّب، عن عمرَ ... ، فذكره. وقد ردَّ الإمام أحمد هذه الرواية، فقال: هذا حديث ثابت الحدَّاد، رواه الحكم عنه، وأَنكَرَ أن يكون هذا من حديث يحيى بن سعيد.

أثر آخر (601) روى البيهقي (¬1) من حديث ليث، عن مجاهد: أنَّ عمرَ بن الخطاب قَضَى فيمن قُتِلَ في الحَرَمِ، أو في الشهرِ الحرامِ، أو وهو مُحْرِمٌ بالدِّيةِ، / (ق 214) وثُلُثِ الدِّيةِ. هذا منقطع أيضًا (¬2). ¬

(¬1) في «سننه» (8/ 71). (¬2) وقد خلَّط ليث في إسناده، فرواه كما سبق. ورواه مرَّة، فجعله من مسند ابن عمر! وروايته عند الفاكهي في «أخبار مكة» (3/ 355 رقم 2188). قال الحافظ في «التلخيص الحبير» (4/ 33): وهو منقطع، وراويه ليث بن أبي سُليم ضعيف. وفي الباب عن عثمان وابن عباس رضي الله عنهم: أما أثر عثمان: فأخرجه عبد الرزاق (9/ 298 رقم 17282، 17283) عن معمر، والثوري، وابن عيينة. والبيهقي في «سننه» (8/ 71) من طريق ابن عيينة. ثلاثتهم (معمر، والثوري، وابن عيينة) عن ابن أبي نَجيح، عن أبيه: أنَّ رجلاً أوطأ امرأة بمكة في ذي القعدة فقتلها، فقَضَى فيها عثمانُ -رضي الله عنه- بديةٍ وثُلُث. وهذا إسناد رجاله ثقات، إلا أنَّ أبا نَجيح، واسمه يَسَار لم يَسْمع من عثمان، فهو من الطبقة الثالثة، وهي الطبقة الوسطى من التابعين، فالإسناد منقطع. وأما أثر ابن عباس: فأخرجه البيهقي في «معرفة السُّنن والآثار» (12/ 97 - 98 رقم 16010) عن أبي عبد الله، أخبرنا أبو الوليد، حدثنا عبد الله بن شيرويه، أخبرنا إسحاق، أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن أبي زيد، عن نافع بن جُبَير قال: قال ابن عباس: يزاد في دية المقتول في أشهر الحرام. وفي إسناده: عبد الرحمن بن أبي زيد، وهو: عبد الرحمن ابن البَيْلَمَاني، قاله ابن أبي حاتم. وابن البَيْلَمَاني هذا: قال عنه الدارقطني: ضعيف، لا تقوم به حجة. وقال الأزدي: منكر الحديث، يروي عن ابن عمرَ بواطيل. وقال صالح جزرة: حديثه منكر، ولا يُعرَف أنه سَمِعَ من أحد من الصحابة إلا من سُرَّق. انظر: «الجرح والتعديل» (5/ 216 رقم 1018) و «تهذيب التهذيب» (6/ 150). وقد قال ابن عبد البر في «الاستذكار» (7/ 141): وَرَدَ التوقيف في الدِّيات عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولم يَذكر فيه الحرم، ولا الشهر الحرام، فأجمعوا على أنَّ الكفَّارة على من قتل خطأ في الشهر الحرام وغيره سواء، فالقياس أن تكون الدِّية كذلك.

أثر آخر (602) وروى البيهقي -أيضًا- (¬1) من حديث جابر الجُعفِي، عن الحكم، عن عمرَ بن الخطاب قال: عَمدُ الصَّبيِّ وخَطَؤُهُ سواءٌ. منقطع، بل معضل، وجابر بن يزيد الجُعفِي: ضعيف (¬2). (603) فأما الحديث الذي رواه أحمد (¬3)، عن سفيان، عن الزهري، عن سعيد بن المسيّب: أنَّ عمرَ قال: الدِّيةُ للعاقلةِ، ولا تُورَّثُ المرأةُ من ديةِ زوجِها، حتى أَخبَرَه الضحَّاك بن سفيان الكِلاَبي: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كَتَب إليَّ أنْ أُورِّثَ امرأةَ أَشْيَمَ الضِّبابي من دِيةِ زوجِها، فرَجَع عمرُ عن قولِهِ؛ فرواه أهل السُّنن -أيضًا- (¬4) من حديث الزهري. وقال الترمذي: حسن صحيح. ¬

(¬1) في «سننه» (8/ 61). (¬2) لكن أخرج عبد الرزاق (9/ 475 رقم 18068) عن معمر، عن الزهري أنه قال: مَضَت السُّنةُ أنَّ عَمْد الصبيِّ خطأ. (¬3) في «مسنده» (3/ 452 رقم 15746). (¬4) أخرجه أبو داود (3/ 423 رقم 2927) في الفرائض، باب في المرأة ترث من دية زوجها، والترمذي (4/ 19، 371 رقم 1415، 2110) في الديات، باب ما جاء في المرأة هل ترث من دية زوجها؟ وفي الفرائض، باب ما جاء في ميراث المرأة من دية زوجها، والنسائي في «الكبرى» (4/ 78 - 79 رقم 6363 - 6365) وابن ماجه (2/ 883 رقم 2642) في الديات، باب الميراث من الدية.

وسيأتي (¬1) في مسند الضحَّاك -أيضًا-، إن شاء الله. أثر آخر (604) قال ابن أبي الدُّنيا (¬2): حدثنا أبو بلال الأشعري، ثنا عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن زيد بن وهب قال: خَرَج عمرُ بن الخطاب ذاتَ يومٍ إلى سوقِ المدينةِ، فجعل يقول: يا عُمَرَاهُ، يَالَبَّيْكَاهُ. قال: فسأَلنَاهُ عن خبرِهِ، فقيل لنا: إنَّ عاملاً من عُمَّالِهِ أَمَرَ رجلاً أنْ يَنزلَ في وادٍ يَنظرُ كم عُمقُهُ؟ فقال الرَّجل: إنِّي أخافُ. فضَرَبَهُ، فنَزَل، فلما خَرَج كَزَّ (¬3) فمات، فنادى: يا عُمَرَاهُ! فبعث عمرُ إلى الوالي: أَمَا لولا أنِّي أخافُ أنْ تكونَ سُنَّةً بعدي؛ لَضَرَبتُ عُنُقَكَ، ولكن ما تَبرَحُ حتى تُؤدِّيَ دِيتَهُ، والله لا أُولِّيكَ أبدًا. / (ق 215) إسناده جيد قوي. أثر آخر (605) روى الحافظ أبو بكر البيهقي (¬4) من حديث مَطَر الورَّاق، عن ¬

(¬1) انظر: «جامع المسانيد والسُّنن» (4/ 352 رقم 5396، 5397). (¬2) لم أقف عليه في مظانِّه من مصنَّفاته المطبوعة. وأخرجه -أيضًا- عمر بن شَبَّة في «تاريخ المدينة» (3/ 812 - 813) من طريق أبي معاوية. والبيهقي (8/ 322 - 323) من طريق يعلى بن عبيد. كلاهما (أبو معاوية، ويعلى) عن الأعمش، به، بنحوه. (¬3) كَزَّ: من الكزاز، وهو داء يتولد من شدة البرد، وقيل: هو نفس البرد. «النهاية» (4/ 170). (¬4) لم أقف عليه مسندًا في مظانِّه من مصنَّفاته المطبوعة، وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (9/ 458 رقم 18010) عن معمر، عن مَطَر الورَّاق، به، بنحوه. وأخرجه -أيضًا- الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (2/ 122 رقم 748) من طريق الحسن بن دينار، عن الحسن، به. وانظر: «سنن البيهقي» (6/ 123).

الحسن البصري (¬1) قال: أَرسَلَ عمرُ إلى امرأةٍ مَغيبةٍ (¬2) كان يُدخَلُ عليها، فأَنكَرَ ذلك، فقيل لها: أجيبي عمرَ، قالت: ياويلَهَا! مالَهَا ولعمرَ، فبينما هي في الطريقِ ضَرَبَها الطَّلقُ، فدَخَلتْ دارًا، فأَلقَتْ وَلَدَها، فصاح الصبيُّ صيحتين ومات، فاستشار عمرُ الصحابةَ، فأشار عليه بعضُهم أنْ ليس عليك شيءٌ، إنما أنت والٍ ومؤدِّبٌ. قال: ما تقولُ يا علي؟ قال: إنْ كانوا قالوا ذلك برأيهم؛ فقد أخطأوا رأيَهم، وإن كانوا قالوه في هواك؛ فلم يَنصحوا لك، أرى أنَّ دِيتَهُ عليك؛ لأنك أنت أفزعتَهَا، وأَلقَتْ وَلَدَها في سبيلِكَ. فأَمَرَ عليًّا أن يَقسِمَ عَقْلَهُ على قريشٍ، فأخذ عَقْلَهُ من قريشٍ لأنَّه أخطأَ. هذا مشهور متداول، وهو منقطع، فإنَّ الحسن البصري لم يُدرك عمرَ. وفيه دلالةٌ على أنَّ ما يجب بخطإ الإمام يجبُ على عاقلته، وهو أحد قولي الشافعي، وأهل العلم. أثر آخر (606) روى الدارقطني (¬3)، والبيهقي (¬4) من حديث عبد الملك بن حسين، عن عبد الله بن أبي السَّفَر، عن الشَّعبي، عن عمرَ بن الخطاب أنَّه قال: العمدُ، والعبدُ (¬5)، والصلحُ، والاعترافُ، لا تَعقِلُهُ العاقلةُ. ¬

(¬1) ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه بين الحسن وعمر. (¬2) المغيبة: التي غاب عنها زوجها. «النهاية» (3/ 399). (¬3) في «سننه» (3/ 177). (¬4) في «سننه» (8/ 104). (¬5) قال البيهقي في «سننه» (8/ 104): معناه: أن يَقتل العبدُ حُرًّا، يقول: فليس على عاقلة مولاه شيء من جناية عبده، وإنما جنايته في رقبته.

هذا منقطع، وعبد الملك هذا: تكلَّموا فيه (¬1). قال البيهقي: والمحفوظ: رواية ابن إدريس (¬2)، عن مُطرِّف، عن الشَّعبي، قولَه. أثر آخر (607) روى البيهقي -أيضًا- (¬3) من حديث الشَّعبي قال: جعل عمرُ بن الخطاب الدِّيةَ في ثلاثِ سنينَ، وثلثي الدِّية في سنتين، ونصفَ الدِّيةِ في سنتين، وثُلُثَ الدِّيةِ في سَنَةٍ. / (ق 216) وهذا منقطع أيضًا. (608) وقد رواه الحسن بن عُمارة، عن واصل الأَحدب، عن المعرور بن سُوَيد، عن عمرَ، نحوه (¬4). لكن الحسن بن عمارة هذا: متروك. ¬

(¬1) قال عنه ابن معين: ليس بشيء. وقال البخاري: ليس بالقوي عندهم. وقال النسائي: ليس بثقة، ولا يُكتب حديثه. وضعَّفه أبو زرعة، وأبو حاتم، وأبو داود. انظر: «الجرح والتعديل» (5/ 347 رقم 1641) و «تهذيب الكمال» (34/ 247). لكن أخرج مالك في «الموطأ» (2/ 435) في العقول، باب ما يوجب العقل على الرجل في خاصة ماله، عن الزهري قال: مضت السُّنة أنَّ العاقلةَ لا تحمل شيئًا من دية العَمد، إلا أن يشاءوا ذلك. (¬2) ومن هذا الوجه: أخرجه ابن أبي شيبة (5/ 405 رقم 27420) في الديات، باب العمد والصلح والاعتراف، والبيهقي (8/ 104). (¬3) في «سننه» (8/ 109 - 110) من طريق ابن وهب، عن الثوري، عن أشعث بن سوَّار، عن الشَّعبي، به. وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (9/ 420 رقم 17858) وابن أبي شيبة (5/ 405 رقم 27429) في الديات، باب الدية في كم تؤدَّى؟ من طريق أشعث، به. (¬4) ومن هذا الوجه: أخرجه البيهقي في «معرفة السُّنن والآثار» (12/ 160).

وقد حكى الترمذيُّ (¬1) الإجماعَ على القول بمقتضى هذا. ونَسَبَهُ الإمام الشافعي (¬2) إلى حُكم رسولِ الله صلى الله عليه وسلم (¬3). ¬

(¬1) في «سننه» (4/ 6). (¬2) في «الأم» (6/ 112) و «الرسالة» (ص 528 رقم 1536). (¬3) وقد نوزع الإمام الشافعي في نسبته ذلك الحكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ابن المنذر في «الأوسط» (ل 212/أ - نقلا عن رسالة «أقضية الخلفاء الراشدين» (1/ 666): ليس عندنا في هذا عن رسول الله صلى الله عليه حديث، ولا لقيتُ أحدًا من أصحابنا ذكر ذلك لي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلُّ من لقيته من أهل العلم يَذكر في هذا الباب حديث عمر، ولو كان عندهم في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء لاستغنوا به، وقد أنكر أحمد بن حنبل وهو من عِلم الحديث بمكانة أن يكون فيه حديث يعرفه ... ، ولعلَّ الشافعي إنما سَمِعَ ذلك من إبراهيم ذاك المديني فظنَّ به خيرًا. قلت: لكن قال إسحاق بن راهويه، كما في «مسائل الكوسج» (2/ 259): وإن لم يكن الإسناد متصلاً عن عمرَ -رضي الله عنه-، فهو أقوى من غيره.

أثر في قتل الجماعة بالواحد

أثر في قتل الجماعة بالواحد (609) قال البخاري في كتاب الدِّيات في «صحيحه» (¬1): وقال لي ابن بشَّار: حدثني يحيى، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمرَ: أنَّ غلامًا قُتِلَ غِيْلةً (¬2)، فقال عمرُ رضي الله عنه: لو اشتَرَكَ فيها أهلُ صنعاءَ؛ لَقَتلتُهُم. وقال مغيرة بن حكيم، عن أبيه: إنَّ أربعةً قَتَلوا صبيًّا، فقال عمرُ ... مثلَه (¬3). ¬

(¬1) (12/ 227 رقم 6896 - فتح) في الديات، باب إذا أصاب قوم من رجل هل يُعاقب أم يُقتص منهم كلهم؟ (¬2) غِيلة: أي: في خُفية واغتيال، وهو: أن يُخدع ويُقتل في موضع لا يراه فيه أحد. «النهاية» (3/ 403). (¬3) ووَصَله البيهقي (8/ 41) وقاسم بن أصبغ في «جامعه»، وأبو الشيخ في كتاب «الترهيب»، كما في «تغليق التعليق» (5/ 251) من طريق جرير بن حازم، عن مغيرة بن حكيم، عن أبيه: أنَّ امرأةً بصنعاء غاب عنها زوجها، وترك في حِجرها ابنًا له من غيرها غلام، يقال له أصيل، فاتخذت المرأةُ بعد زوجها خليلاً، فقالت لخليلها: إن هذا الغلامَ يفضحنا، فاقتله، فأَبَى، فامتنعت منه، فطاوعها، واجتمع على قتله الرجل، ورجل آخر، والمرأة، وخادمها، فقتلوه، ثم قطعوه أعضاء، وجعلوه في عيبة من أدم، فطرحوه في رَكِيَّة في ناحية القرية، وليس فيها ماء، ثم صاحت المرأة، فاجتمع الناس، فخرجوا يطلبون الغلام، قال: فمرَّ رجلٌ بالرَّكِيَّة التي فيها الغلام، فخَرَج منها الذباب الأخضر، فقلنا: والله إنَّ في هذه لجيفة، ومعنا خَليلها، فأخذته رعدة، فذهبنا به، فحبسناه، وأرسلنا رجلاً فأَخرَجَ الغلامَ، فأخذنا الرجل، فاعترف، فأخبرنا الخبر، فاعترفت المرأة، والرجل الآخر، وخادمها، فكَتَب يعلى وهو يومئذ أمير بشأنهم، فكَتَب إليه عمرُ -رضي الله عنه- بقتلهم جميعًا، وقال: والله لو أنَّ أهلَ صنعاءَ شركوا في قتله؛ لَقَتلتُهُم أجمعين. قال الشيخ الألباني في «الإرواء» (7/ 261): وَصَله البيهقي بإسناد صحيح عن المغيرة بن حكيم، به، وفيه قصة، لكن حكيم والد المغيرة لا يُعرَف، كما قال الذهبي في «الميزان»، ومثله قول الحافظ في «الفتح» (12/ 201): صنعاني، لا أعرف حاله، ولا اسم والده، وذكره ابن حبان في «ثقات التابعين». اهـ. وخالف ابن الملقن، فجوَّد إسناده في «البدر المنير» (8/ 405). قال الحافظ في الفتح (12/ 228): وفي «فوائد أبي الحسن بن زَنْجويه» بسند جيد إلى أبي المهاجر عبد الله بن عميرة من بني قيس بن ثعلبة قال: كان رجلٌ يسابق الناسَ كلَّ سنة بأيام، فلما قَدِمَ وَجَد مع وليدته سبعة رجال يشربون، فأخذوه، فقتلوه، فذكر القصة في اعترافهم، وكتاب الأمير إلى عمر، وفي جوابه: أن اضرب أعناقهم، واقتلها معهم، فلو أنَّ أهلَ صنعاءَ اشتركوا في دمه؛ لَقَتلتُهُم. وهذه القصة غير الأولى، وسنده جيد، فقد تكرَّر ذلك من عمرَ.

هكذا أورد البخاري هذا الحديث في كتابه (¬1)، وهو من صيغ التعليق عند أئمَّة هذا الشأن، وهو من الصِّحاح النازلة عن درجة المسنَدَات، والله أعلم. طريق أخرى (610) قال الشافعي (¬2): أنا مالك (¬3)، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيّب: أنَّ عمرَ بن الخطاب قَتَل نَفَرًا خمسةً أو سبعةً برجلٍ قَتَلوه قتلَ غِيْلةٍ، فقال عمرُ رضي الله عنه: لو اشتَرَكَ فيه أهلُ صنعاءَ؛ لَقَتلتُهُم جميعًا. وقولُ عمرَ هذا: هو الذي استقرَّت عليه مذاهبُ أهلِ العلمِ قاطبةً، إلا قولاً عن بعضهم: أنَّ الوليَّ يَقتلُ واحدًا، ويأخذُ بقيَّةَ الدِّيةِ من الباقين. ¬

(¬1) انظر ما تقدَّم تعليقه (1/ 462) تعليق رقم 1 (¬2) في «الأم» (6/ 22). (¬3) وهو في «الموطأ» (2/ 443) في العقول، باب ما جاء في الغِيلة والسِّحر.

ويؤيِّدُ قولَ الجمهورِ: ما روي من طرق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «لو أنَّ أهلَ السماواتِ والأرضِ اشتَرَكوا في قتلِ مسلمٍ، لأكبَّهمُ اللهُ في النَّارِ» (¬1). وقد بَسَطتُ هذا في كتاب الأحكام، والله أعلم. ¬

(¬1) أخرجه الترمذي (4/ 11 رقم 1398) في الديات، باب الحكم في الدماء، من طريق يزيد الرَّقاشي، عن أبي الحكم البَجَلي قال: سَمِعتُ أبا سعيد الخُدْري وأبا هريرة يَذكران عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبَّهم الله في النار». قال الترمذي: هذا حديث غريب، وأبو الحكم البَجَلي، هو: عبد الرحمن بن أبي نُعم الكوفي. وانظر للفائدة: «حديث الزهري» (2/ 479 رقم 492) والتعليق عليه.

أثر فيه القصاص من الضربة واللطمة ونحو ذلك

أثر فيه القِصَاص من الضَّربة واللَّطمة ونحو ذلك (611) قال البخاري أيضًا (¬1): وأَقاد أبو بكرٍ (¬2)، وابنُ الزُّبير (¬3)، وعليٌّ (¬4)، وسُوَيدُ بن مُقرِّن (¬5) من / (ق 217) اللَّطمة. وأقاد عمرُ -رضي الله عنه- من ضَربةٍ بالدِّرَّة (¬6). وأقاد عليٌّ من ثلاثةِ أسواطٍ (¬7). ¬

(¬1) في «صحيحه» (12/ 227 - فتح) في الديات، باب إذا أصاب قوم من رجل هل يُعاقب أم يُقتص منهم كلهم؟ (¬2) وَصَله ابن أبي شيبة (5/ 462 رقم 28001) في الديات، باب القود من اللطمة، عن شَبَابة، عن يحيى بن الحصين قال: سَمِعتُ طارق بن شهاب يقول: لَطَم أبو بكر يومًا رجلاً لَطمة، فقيل: ما رأينا كاليوم قطَّ منعة ولَطمة! فقال أبو بكر: إنَّ هذا أتاني يستحملني، فحَمَلته، فإذا هو يبيعهم، فحَلَفت ألا أَحمله، والله لا أَحمله -ثلاث مرات-، ثم قال له: اقتصَّ. فعفا الرَّجل. (¬3) وَصَله مُسدَّد في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (2/ 280 رقم 1898) وابن أبي شيبة (5/ 462 رقم 28999) من طريق ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن ابن الزُّبير: أنه أقاد من لَطمة. (¬4) وَصَله ابن أبي شيبة (5/ 462 رقم 28996) عن أبي عبد الرحمن المسعودي عبد الله بن أبي عُتبة، عن ناجية أبي الحسن، عن أبيه: أنَّ عليًّا قال في رجل لَطَم رجلاً، فقال للمظلوم: اقتصَّ. (¬5) وَصَله ابن أبي شيبة، كما في «تغليق التعليق» (5/ 253) عن وكيع، عن سفيان، عن مغيرة، عن الشَّعبي، عن سُوَيد. (¬6) سيأتي تخريجه رقم (613). (¬7) وَصَله سعيد بن منصور، كما في «تغليق التعليق» (5/ 253) وابن أبي شيبة (5/ 463 رقم 28005) في الديات، باب الضربة بالسوط، والبيهقي (8/ 322) من طريق أشعث بن سوَّار، عن فضيل بن عمرو، عن عبد الله بن مَعقِل قال: كنت جالسًا عند عليِّ، فجاءه رجل فسارَّه، فقال علي: يا قَنبَر، فقال الناس: يا قَنبَر، قال: أخرج هذا فاجلِده، ثم جاء المجلود، فقال: إنَّه قد زاد على ثلاثة أسواط. فقال علي: ما تقول؟ قال: صدق يا أميرَ المؤمنين، قال: خذ السَّوط، فاجلِده ثلاثة أسواط، ثم قال: يا قَنبَر، إذا جَلَدت؛ فلا تتعدَّ الحدود.

واقتصَّ شُريحٌ من سَوطٍ وخُمُوشٍ (¬1). هكذا أورد ذلك معلَّقًا، وهو صحيحٌ عنهم. وإليه ذهب الإمام أحمد في رواية إسماعيل بن سعيد الشَّالَنجي عنه، واختاره بعض أصحابه المتأخرين، وأفتى به. وقد وَهِمَ الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي -رحمه الله- في حكايته الإجماعَ على خلاف ذلك، قال: وإنما يُعدَلُ في مثل هذا إلى التعزير، وكأنه لم يطَّلع على ما نقَلَهُ البخاري -رحمه الله-، وهذا تقصيرٌ، والله أعلم. ذِكر الرواية عن عمر بن الخطاب بذلك (612) قال عبد الرزاق (¬2): عن مالك (¬3)، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: كنتُ مع عمرَ في طريقِ مكةَ، فقال تحتَ شجرةٍ، فلمَّا استوتِ الشَّمسُ أخذ عليه ثوبَهُ، وقام، فناداه رجلٌ: يا أميرَ المؤمنين! ثم حاذ به، فضَرَبَهُ بالدِّرَّة، فقال: عَجِلتَ عليَّ. فأعطاهُ المِخفَقَةَ (¬4)، وقال: اقتصَّ. قال: ما أنا بفاعلٍ. قال: والله لَتَفعَلَنَّ. قال: فإنِّي أَغفِرُها. هكذا رواه عبد الرزاق، عن مالك. ¬

(¬1) وَصَله سعيد بن منصور، كما في «تغليق التعليق» (5/ 254) وابن سعد (6/ 138) وابن أبي شيبة (5/ 463 رقم 28004) في الموضع السابق، من طريق مغيرة بن عَون، عن إبراهيم: أنَّ جِلوازًا لشُريح ضَرَب رجلاً بسوطه، فأقاد شُريح منه. والخُمُوش: الخُدُوش. «النهاية» (2/ 80). (¬2) لم أقف عليه في «المصنَّف». (¬3) لم أقف عليه في «الموطأ». (¬4) المِخفَقَة: الدِّرَّة. «النهاية» (2/ 56).

ورواه أصحاب الموطَّآت عن مالك، عن عاصم، عن عمرَ، ليس بينهما أحد، والأوَّل أشبه بالصواب. وسنذكر شواهد ذلك في «سيرة عمر»، إن شاء الله تعالى. وسيأتي -أيضًا- حديث (دس) (¬1) سعيد الجُرَيري، عن أبي نَضرة، عن أبي فراس النَّهدي، عن عمرَ قال: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أقصَّ من نفسِهِ. وفي الحديث قصَّة. ¬

(¬1) هذا الرمز لبيان أن الحديث من رواية أبي داود، والنسائي، وسيأتي تخريجها (ص 313 - 315 رقم 760).

أثر آخر فيه تقديم المباشرة على السبب

أثر آخر فيه تقديم المباشرة على السَّبب (613) قال عبد الله بن صالح كاتب الليث (¬1): ثنا موسى بن عُلَي بن رباح، عن أبيه: أنَّ أعمى كان له قائدٌ بصيرٌ، فغَفَلَ البصيرُ، فوقعا في بئرٍ، فمات البصيرُ، وسَلِمَ الأعمى، فجعل عمرُ -رضي الله عنه- دِيَتَهُ على عاقلةِ الأعمى، فسَمِعتُهُ يقول في الحجِّ: يا أيها الناسُ لَقِيتُ مُنكَرًا ... هل يًعقِلُ الأعمى الصحيحَ المُبْصِرَا خَرَّا معًا كلاهما تَكَسَّرا وأخرجه الدارقطني في «سننه» (¬2)، وزاد فيه: فوَقَعا في بئرٍ، فوقع الأعمى على البصير، فمات. وهذا إسناد حسن (¬3). ¬

(¬1) ومن طريقه: أخرجه الذهبي في «السِّير» (15/ 311). (¬2) (3/ 98) من طريق زيد بن الحُبَاب، عن موسى بن عُلَي، به. (¬3) في هذا نظر؛ فقد نصَّ أبو زرعة على أنَّ رواية عُلَي بن رباح عن أبي بكر وعليّ -رضي الله عنهما- مرسلة، فلتكن روايته عن عمرَ كذلك، وقد أرَّخ ابن يونس ولادة عُلَي سنة خمس عشرة، عام اليرموك، فيكون عُمُره عند وفاة عمرَ -رضي الله عنه- ثماني سنين، فالانقطاع ظاهر. انظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص 140) و «تهذيب الكمال» (20/ 430). زد على هذا: أنَّ عبد الله بن صالح كاتب الليث، صدوق كثير الغلط، كما قال الحافظ في «التقريب». وقد قال ابن حزم في «المحلى» (10/ 506): الرواية عن عمرَ لا تصحُّ في أمر الأعمى؛ لأنه عن عُلَي بن رباح واللَّيث، وكلاهما لم يُدرك عمرَ أصلاً. وبالانقطاع -أيضًا- أعلَّه الحافظ في «التلخيص الحبير» (4/ 37).

أثر عن عمر في الدفع بالأسهل

أثر عن عمر في الدَّفع بالأسهل (614) قال أبو عبيد (¬1): يُروَى عن مبارك بن فَضَالة، عن الحسن، عن عمرَ أنَّه قال: ورِّعْ اللِّصَّ، ولا تُراعِهِ. قال أبو عبيد: يقول: إذا رأيتَهُ في منزلِكَ فادفَعْهُ، واكْفُفْهُ بما استطعتَ، ولا تنتظر فيه شيئًا، وكلُّ شيءٍ كَفَفْتَهُ فقد وَرَّعْتَهُ. قال أبو زُبَيد: وَوَرَّعْتُ ما يُكْبِي الوُجُوهَ رِعَايةً ... ليُحْضَرَ خيرٌ أو لِيُقْصَرَ مُنكَرُ يقول: وَرَّعْتُ عنكم ما يُكبِى وجوهَكم، يَمتنُّ عليهم. وقوله: لا تُراعِهِ: أي: لا تَنتظِرْهُ، وهذا يقال للصَّائم: يَرعى الشَّمسَ. قال: وهذا رخصةٌ من عمرَ في الإقدامِ عليه بلا انتظارٍ. وهكذا روي عن ابن عمرَ (¬2) أنَّه رأى لصًّا في دارِهِ، فطلب السَّيفَ، أو نحوَه من السلاح، ليُقدِمَ عليه. ¬

(¬1) في «غريب الحديث» (4/ 240). وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (5/ 490 رقم 28296) في الحدود، باب في الامتحان في الحدود، عن وكيع، عن مبارك بن فَضَالة، به. وأخرجه أحمد في «العلل ومعرفة الرجال» (2/ 579 رقم 3746 - رواية عبد الله) من طريق سفيان، عن مُطرِّف، عن الحسن، به. وهو منقطع بين الحسن وعمر. (¬2) أخرجه عبد الرزاق (10/ 112 رقم 18557) عن معمر. وابن أبي شيبة (5/ 466 رقم 28032) في الديات، باب في قتل اللص، من طريق محمد بن إسحاق. كلاهما (معمر، وابن إسحاق) عن الزهري، عن سالم قال: أخذ ابنُ عمرَ لصًّا في داره، فأصلَتَ عليه بالسيف، فلولا أنَّا نهيناه عنه؛ لضربه به. وأخرجه ابن أبي شيبة (5/ 466 رقم 28037) في الموضع السابق، عن ابن إدريس، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع قال: أَصلَتَ ابنُ عمرَ على لص بالسيف، فلو تركناه لقتله. وهذه أسانيد صحيحة.

وكذلك يُروى عن ابن سيرين (¬1) أنَّه قال: ما كانوا يمسكون عن اللِّصِّ إذا دخل دارَ أحدِهِم تأثُّمًا (¬2). ¬

(¬1) أخرجه عبد الرزاق (10/ 119، 198 رقم 18579، 18818) وابن أبي شيبة (5/ 466 رقم 28035) في الديات، باب في قتل اللص، والبيهقي (8/ 188). (¬2) كَتَب المؤلِّف فوقها: «كذا».

أثر في العاقلة

/ (ق 218) أثر في العاقلة (615) قال أبو عبيد (¬1): يُروى عن سفيان بن سعيد، عن عمرَ بن عبد الرحمن المديني، عن أبي سَلَمة بن سفيان المخزومي، عن أبي أميَّة بن الأخنس: أنَّ رجلاً أتى عمرَ، فقال: ابنُ عمِّي شُجَّ مُوضِحَةً. فقال: أَمِنْ أهلِ القرى، أَم من أهلِ الباديةِ؟ فقال: من أهلِ الباديةِ. فقال عمرُ: إنَّا لا نَتَعاقَلُ المُضَغَ بيننا. ¬

(¬1) في «غريب الحديث» (4/ 242). وفي إسناده: أبو أمية بن الأخنس، وهو مجهول الحال، لم يرو عنه غير أبي سَلَمة بن سفيان المخزومي، وذكره البخاري في «التاريخ الكبير» (9/ 2 رقم 1) وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (9/ 331 رقم 1453) ولم يَذكرا فيه جرحًا ولا تعديلاً. وأخرجه مُسدَّد في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (2/ 284 رقم 1911) لكن قال: عن يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن عمرَ بن عبد الرحمن، عن رجل قد سمَّاه، عن رجل آخر من ثقيف قد سمَّاه قال: بينما أنا عند عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إذ جاءه أعرابي يطلب شجة، فقال عمرُ رضي الله عنه: إنا معاشر أهل القرى لا نتعاقل المضغ بيننا. وهذا إسناد ضعيف؛ لجهالة بعض رواته. وله طريق أخرى: أخرجها عبد الرزاق (9/ 308 رقم 17325) عن ابن جريج، أخبرني عمرو بن دينار، عن عبد الله بن صفوان، عن عامر (صوابه: عمار) الغفاري: أنَّ عمرَ بن الخطاب أبطل المُوضِحَة عن أهل القرى. وفي إسناده: عمار الغفاري، وهو مجهول الحال، لم يرو عنه سوى عبد الله بن صفوان، وذكره البخاري في «التاريخ الكبير» (7/ 26 رقم 109) وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (6/ 389 رقم 2168) ولم يَذكرا فيه جرحًا ولا تعديلاً. ولم أقف على ما يُثبت سماعه من عمر. وخالف محقق «المطالب العالية» (9/ 159 - ط دار العاصمة) فقال: وهذا إسناد صحيح، وابن جريج قد صرَّح بالسماع (!)

قال أبو عبيد: حَمَلَه بعضُ العلماء على أنَّ أَهلَ القرى لا يَعقلونَ عن أهلِ الباديةِ، ولا أهلَ الباديةِ عن أهلِ القرى. ثم قال: وفيه هذا التأويل وزيادة، وأنَّ العاقلةَ لا تَحملُ السِّنَّ، و ... (¬1)، ولا مادونَ ثُلُثِ الدِّيةِ. وهذا قول أهل المدينة إلى اليوم، وإنما هو في مال الجاني. قال: بخلاف أهل العراق، فإنهم يقولون: المُوضِحةُ فما فوقها على العاقلةِ، وما دونها في مال الجاني. قال أبو عبيد: وسمَّاها مُضَغًا تصغيرًا لها. (616) وحدثنا (¬2) حجَّاج، عن ابن جريج، عن ابن أبي مُلَيْكَةَ، عن ابن الزُّبير، عن عمرَ قال: لا يَعقِلُ أهلُ القرى ... (¬3)، ويَعقِلُها أهلُ الباديةِ. قلت: صحيح، وحُكم غريب جدًّا، والله أعلم. ¬

(¬1) في هذا الموضع طمس في الأصل. وفي المطبوع: «المُوضِحَة، والإصبع». (¬2) القائل: أبو عبيد، وهو في الموضع السابق. (¬3) في هذا الموضع طمس في الأصل، وفي المطبوع: «المُوضِحَة».

أثر آخر في دفع الصائل

أثر آخر في دفع الصَّائل (617) قال علي بن حرب: ثنا سفيان بن عيينة (¬1)، عن الزهري، عن القاسم بن محمد، عن عُبيد بن عُمَير: أنَّ رجلاً ضاف ناسًا من هُذَيل، فذَهَبت جاريةٌ لهم تَحتَطِبُ، فأرادَها على نفسِها، فَرَمَتهُ بِفِهْرٍ (¬2)، فقَتَلتْهُ، فرُفِعَ ذلك إلى عمرَ، فقال: ذاك قتيلُ اللهِ، والله لا يُودَى أبدًا. ورواه صالح بن كيسان (¬3)، عن الزهري، عن القاسم، ولم يَذكر عُبيد بن عُمَير، نحوه. وهو إسناد جيد، وفيه انقطاع (¬4)، والله أعلم. ¬

(¬1) وهو في «جزئه» (ص 79 رقم 15 - رواية زكريا المروزي). وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (5/ 438 رقم 27784) في الديات، باب في الرجل يريد المرأة على نفسها، وأبو جعفر ابن البَختري (ص 321 - 322 رقم 411 - مجموع فيه مصنَّفات ابن البَختري) والبيهقي (8/ 337) من طريق ابن عيينة، به. وأخرجه عبد الرزاق (9/ 435 رقم 17919) عن معمر، عن الزهري، عن القاسم بن محمد قال: أحسبه عن عُبيد بن عُمَير ... ، فذكره. (¬2) الفِهْر: الحَجَر ملء الكفِّ. وقيل: الحجر مطلقًا. «النهاية» (3/ 481). (¬3) ومن هذا الوجه: أخرجه أبو محمد السرَّاج في «مصارع العشاق» (ص 69) من طريق عبيد الله بن سعد الزهري، عن عمِّه، عن أبيه، عن صالح بن كيسان، به. (¬4) يعني: بين القاسم بن محمد وعمر بن الخطاب، وأما الوجه الأول بذكر عُبيد بن عُمَير فصحيح، وعُبيد من المخضرمين، وُلِدَ في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مجمع على ثقته، روى له الجماعة. وانظر: «تهذيب الكمال» (19/ 223 - 225). وقال ابن الملقن في «البدر المنير» (9/ 17): وهو أثر جيد، رواه البيهقي بإسناد حسن.

أثر آخر في معناه (618) قال أحمد بن منصور الرَّمادي (¬1): ثنا عبد الله بن صالح، حدثني اللَّيث (¬2) قال: أُتي عمرُ بن الخطاب يومًا بفتًى أمرد، قد وُجِدَ قتيلاً، مُلقًى على وجهِ الطريقِ، فسأل عمرُ عن أمرِهِ واجتَهَدَ، فلم يَقفْ له على خبرٍ، ولم يَعرفْ له قاتلاً، فشقَّ ذلك على عمرَ، وقال: اللهمَّ اظفِرني بقاتلِهِ، حتى إذا كان رأسُ الحَوْلِ، أو قريبٌ من ذلك، وُجِدَ صبيٌّ مولودٌ مُلقًى بموضعِ القتيلِ، فأُتِيَ به عمرُ -رضي الله عنه-، فقال: ظَفَرتُ بدمِ القتيلِ -إن شاء الله-، فدَفَع الصَّبيَّ إلى امرأةٍ، وقال لها: قومي بشأنِهِ، وخُذي منَّا نفقةً، وانظري مَن يأخذُهُ منكِ، فإذا وَجَدتِ امرأةً تُقبِّله وتضُمُّه إلى صدرِها، فأَعلميني بمكانها. فلمَّا شَبَّ الصبيُّ جاءت جاريةٌ، فقالت للمرأة: إنَّ سيِّدتي بعثتني إليكِ، أنْ تبعثي بالصَّبيِّ لِتَرَاهُ وتَردُّهُ إليكِ، فقالت: نعم، اذهبي به إليها، وأنا معك، فذَهَبت بالصَّبيِّ والمرأةَ معها، حتى دَخَلتْ على سيِّدتها، فلمَّا رأتْهُ أخذتُهُ فَقَبَّلتْهُ، وضَمَّتْهُ إليها، فإذا ابنةُ شيخٍ من الأنصار من أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فأَخَبَرتْ عمرَ خبرَ المرأةِ، فاشتَمَلَ على سيفِهِ، ثم أَقبَلَ إلى منزلها، فوَجَد أباها مُتكِئًا على بابِ دارِهِ، فقال: يا فلانُ، ما فَعَلتْ ابنتُكَ فلانةٌ؟ قال: يا أميرَ المؤمنين، جَزَاها اللهُ خيرًا، هي من أعرفِ الناسِ لحقِّ اللهِ، وحقِّ أبيها، مع حُسْنِ صلاتِها، والقيامِ بدينِها. فقال عمرُ: قد أَحبَبتُ أنْ أَدخُلَ إليها وأَزيدَها رغبةً في الخير، وأَحُثَّها على ذلك. فقال: جَزَاك اللهُ خيرًا يا أميرَ المؤمنين، امكُثْ مكانَكَ حتى أرجعَ إليكَ، فاستأذَنَ لعمرَ، فلمَّا دخلَ أَمَرَ عمرُ كلَّ ¬

(¬1) ومن طريقه: أخرجه أبو محمد السرَّاج في «مصارع العشاق» (ص 72). (¬2) ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه بين الليث وعمر.

من كان عندها فخَرَج عنها، وبَقِيتْ هي وعمرَ في البيتِ، ليس معهما أحدٌ، فكَشَفَ عمرُ عن السَّيف، وقال: لَتَصدُقِني -وكان عمرُ رضي الله عنه لا يُكذَّب- فقالت: على رِسْلكَ يا أميرَ المؤمنينَ، فوالله لأَصدُقنَّكَ، إنَّ عجوزًا كانت تَدخلُ عليَّ، فاتَّخذتُها أُمًّا، وكانت تقومُ من أَمري بما تقومُ به الوالدةُ، وكنت لها بمنزلةِ البنتِ، فأَمضَتْ بذلك حينًا، ثم إنها قالت: يا بُنيَّة! إنَّه قد عَرَضَ لي سفرٌ، ولي بنتٌ في موضعٍ أتخوَّفُ عليها فيه أنْ تضيعَ، وقد أَحبَبتُ أن أَضمُّها إليكِ حتى أرجعَ من سفري، فعَمَدَت إلى ابنٍ لها شابٍّ أمردَ، فهَيَّأتْهُ كهيأةِ الجاريةِ، فأتتني به، لا أَشكُّ أنَّه جاريةٌ، فكان يرى منِّي ما ترى الجاريةُ من الجارية، حتى اغتَفَلني يومًا وأنا نائمةٌ، فما شَعَرتُ حتى عَلاَني وخَالَطَني، فمَدَدتُ يدي إلى شَفرةٍ كانت إلى جنبي فقَتَلتُهُ، ثم أَمَرتُ به، فأُلقِيَ حيثُ رأيتَ، فاشتَمَلتُ منه على هذا الصَّبيِّ، فلمَّا وَضَعتُهُ أَلقَيتُهُ في موضعِ أبيه، فهذا واللهِ خَبَرُهُما على ما أَعلَمتُكَ. قال عمرُ: صَدَقتِ، باركَ اللهُ فيكِ، ثم أوصاها وَوَعَظَها، ودعا لها وخَرَج، وقال لأبيها، باركَ اللهُ لكَ في ابنتِكَ، فنِعْمَ الابنةُ ابنتُكَ، وقد وَعَظتُها وأَمَرتُها، فقال الشيخ: وَصَلكَ اللهُ يا أميرَ المؤمنينَ، وجَزَاك خيرًا عن رعيتِكَ. هذا أثر غريب، وفيه انقطاع، بل معضل. وفيه فوائد كثيرة، منها: حَذْقُ عمرَ -رضي الله عنه-، وحُسْنِ تأنِّيهِ، وجودةُ فراستِهِ. وفيه: أنَّه يجوز دفع الصَّائل، وأنَّه لا ضمان عليه في قَتْله حيثُ لم يأمر بالدِّية، والله أعلم.

أثر آخر في قتل المرتد

أثر آخر في قتل المرتدِّ (619) قال أبو بكر ابن أبي الدُّنيا (¬1): حدثنا أبو خيثمة، ثنا ابن عيينة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن أبيه قال: لما أُتي عمرُ بفتح تُسْتَر، قال: هل كان شيء؟ قال: نعم، رجلٌ من المسلمين ارتدَّ عن الإسلام. قال: فما صنعتُم به؟ قالوا: قَتَلنَاهُ. قال: فهلاَّ أَدخلتُمُوهُ بيتًا، وأَغلقتُم عليه بابًا، وأَطعمتُمُوهُ كلَّ يومٍ رغيفًا، واستَتَبتُمُوهُ، فإن تاب؛ و ... (¬2) قتلتموه؟ ثم قال: اللهمَّ لم أَشهَدْ، ولم آمُرَ، ولم أَرْضَ إذ بَلَغني. إسناد جيد. وهكذا رواه الإمام الشافعي (¬3)، عن الإمام مالك (¬4)، عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبدٍ القاري، عن أبيه قال: قَدِمَ على عمرَ رجلٌ من قِبَلِ أبي موسى، فسأله عن الناس؟ فأَخبَرَه، ثم قال: هل فيكم من مُغَرّبةٍ خبرٌ؟ قال: نعم، رجلٌ كَفَرَ بعد إسلامِهِ. قال: فما فعلتُم به؟ قال: قرَّبنَاهُ، فضَرَبنَا عُنُقَهُ. قال: فهلاَّ حَبَستُمُوهُ ثلاثًا، وأَطعمتُمُوهُ كلَّ يومٍ رغيفًا، واستَتَبتُمُوهُ، لعلَّه يتوبُ، أو يُراجِعُ (¬5) أمرَ اللهِ؟! اللهمَّ لم أَحضُرْ، ولم آمُرْ، ولم أَرْضَ إذ بَلَغني. ¬

(¬1) لم أقف عليه في مظانِّه من مصنَّفاته المطبوعة. (¬2) موضع كلمة غير واضحة بالأصل. (¬3) في «الأم» (1/ 258). (¬4) وهو في «الموطأ» (2/ 280) في الأقضية، باب القضاء فيمن ارتد عن الإسلام. (¬5) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «ويُراجع».

ورواه أبو عبيد (¬1)، عن إسماعيل بن جعفر (¬2)، عن عبد الرحمن بن محمد، به. وقال: مُغَرّبة: بكسر الراء وفتحها، وأصلُه فيما نرى من الغَربِ، وهو البُعد (¬3). وفيه دلالةٌ على استتابةِ المرتدِّ، وإنْ كان قد وُلِدَ على الفطرةِ؛ لأنَّه لم يستفصل. قال: ولم أسمع التَّوقيتَ بثلاثٍ إلا في هذا. وقد رواه الإمام أحمد (¬4) من طريق أخرى، بإسناد صحيح (¬5)، عن أنس بن مالك قال: لما افتَتَحنا تُسْتَر، بعثني الأشعريُّ إلى عمرَ بن الخطاب، فلما قَدِمْتُ عليه قال: ما فَعَلَ البكريُّون، حُجَينةُ وأصحابُهُ؟ قال: فأَخَذتُ به في حديثٍ آخرَ، قال: فقال: ما فَعَلَ النَّفَرُ البَكريُّون؟ قال: فلمَّا رأيتُهُ لا يُقلِعُ، قلتُ: يا أميرَ المؤمنين، ما فَعَلوا! إنهم قَتَلوا، ولَحِقُوا بالمشركين، ارتدُّوا عن الإسلام، وقاتَلوا مع المشركين حتى قُتلوا. قال: فقال: لأنْ أَكونَ أخذتُهُم سِلمًا، كان أحبَّ إليَّ ممَّا على وجهِ ¬

(¬1) في «غريب الحديث» (4/ 176). (¬2) وهو في «حديثه» (ص 494 رقم 438 - رواية علي بن حُجر). (¬3) وقال ابن الأثير في «النهاية» (3/ 349): أي: هل من خبر جديد جاء من بلد بعيد. يقال: هل من مُغرّبة خبر؟ بكسر الراء وفتحها مع الإضافة فيهما، وهو من الغرب: البعد. (¬4) أخرجه الخلاَّل في «الجامع لأحكام أهل الملل» (ص 420 رقم 1212) عن عبد الله بن الإمام أحمد، عن أبيه، عن هشام، عن داود، عن الشَّعبي قال: أخبرني أنس بن مالك ... ، فذكره. (¬5) وصحَّح إسناده -أيضًا- ابن حزم في «المحلى» (11/ 191).

الأرضِ من صفراءَ أو بيضاءَ. قال: فقلت: وما كان سبيلُهُم لو أخذتَهُم سِلمًا؟ قال: كنتُ أعرِضُ عليهم البابَ الذي خَرَجوا منه، فإن أَبَوا استودعتُهُم السِّجنَ. وهذا يقتضي أنهم إنما قَتَلوا بعد تمنُّعهم بلحاقهم بالمشركين، فإنه لا يُقتصُّ منهم عند كثيرٍ من العلماء، منهم الإمام أحمد بن حنبل، وإلا فلو قَتَلوا قبل امتناعِهِم، لوَجَبَ القَصاصُ قولاً واحدًا. وأما حَبْسهم حتى يُسلِمُوا، ففيه دلالة لمذهب سفيان الثوري ومَن وافَقَه: أنَّ المرتدَّ يستتابُ، ويُنظرُ ما رُجِيَت توبتُه، وهو معنى قول إبراهيم النَّخَعي. وذهب طاوس وعُبيد بن عُمَير إلى أنَّه يُقتلُ ولا يُستتابُ، لقوله عليه السلام: «مَن بَدَّلَ دينَهُ فاقتلُوه» (¬1)؛ ولأنَّ كُفرَه أغلظُ من كُفْر الأسير الحربيِّ، فإذا قُتِلَ هذا بلا استتابةٍ، فالمرتدُّ أولى. وقال الحنفية: الاستتابةُ مستحبةٌ، لكنه إنْ لم يَتب في الحال قُتِلَ، إلاَّ أن يَسأَلَ الإنظارَ، فيُنظَرَ ثلاثةَ أيامٍ. وهذا قول للإمام الشافعي: أنَّ الاستتابةَ مستحبةٌ. وعنه قول آخر: أنها واجبةٌ، لكنَّه يُقتلُ في الحال إنْ لم يَتب في قول. وهو اختيار المُزَني وابن المنذر. والقول الآخر: تجبُ الاستتابةُ، ويُؤجَّلُ ثلاثةَ أيامٍ، وهو مذهب مالك وأحمد. ¬

(¬1) أخرجه البخاري (6/ 149 رقم 3017) في الجهاد، باب لا يُعذَّب بعذاب الله، و (12/ 267 رقم 6922 - فتح) في استتابة المرتدين، باب حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

وقال الزهري وابن القاسم: يُستتابُ ثلاثةَ مرَّاتِ. فهذه حكاية أقوال الأئمَّة في المرتدِّ.

أحاديث الجهاد

أحاديث الجهاد قد تقدَّم في أوَّل كتاب الزكاة (¬1) قول عمرَ -رضي الله عنه- للصِّدِّيق: كيف تُقاتِلُ الناسَ؟ وقد قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أُمِرتُ أن أُقاتِلَ النَّاسَ حتى يقولوا لا إلهَ إلا اللهُ، فإذا قالوها عَصَمُوا منِّي دماءَهُم وأموالَهُم، إلا بحقِّها وحسابُهُم على اللهِ». أخرجه الجماعة إلا ابن ماجه (¬2). حديث آخر (620) قال أبو بكر البزَّار (¬3): ثنا عمرو بن علي، ثنا عبيد الله بن عبد ¬

(¬1) (ص 225 رقم 186). (¬2) تقدَّم تخريجه (1/ 364 رقم 222). (¬3) في «مسنده» (1/ 283 رقم 178). وأخرجه ابن أبي الدُّنيا في «إصلاح المال» (ص 144 رقم 12) من طريق وكيع، عن فضيل بن مرزوق، عن عطية، عن ابن عمرَ قال: استأذنتُ عمرَ في الجهاد، فقال: إنَّك جاهدتَ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: ثم استأذنته، فقال لي مثل ذلك، فاستأذنته الثالثة، فقال لي: إنِّي أخاف والله أن يصيب المسلمون غنيمةً، فيقولون: هذا عبد الله بن عمر أمير المؤمنين، ادفعوا إليه مثل (كذا، ولعل الصواب: أمثل) جارية في المغنم، فيدفعوا إليك، فلله، وللرسول، ولذي القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل فيها حق، فتقع عليها، فتكون زانيًا. قلت: وهذا السِّياق مخالف للأوَّل، ولعلَّ هذا من تخليط عطية العَوفي. وله طريق أخرى: أخرجها البزَّار (1/ 466 رقم 332) عن محمد بن عبد الرحيم صاحب السَّابري -أبو يحيى الذي يُعرَف بصاعقة- عن إسحاق بن منصور، عن عبدالسلام بن حرب، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم: أنَّ الزُّبير استأذن عمرَ في الجهاد، فقال: فذكره. قال البزَّار: وهذا يُروى عن عمرَ من وجه آخر، رواه فضيل بن مرزوق، عن عطية، عن ابن عمرَ، عن عمرَ، وهذا الإسناد الذي رواه إسماعيل، عن قيس أحسن إسنادًا، وإن كان حديث فضيل عن عطية أرفع؛ لأنَّه عن ابن عمرَ، عن عمرَ، وإسماعيل بن أبي خالد وقيس فيُستغنى عن ذكرهما لشهرتهما، وعبدالسلام بن حرب فقد روى عنه جلَّة من أهل العلم.

المجيد، ثنا فضيل بن مرزوق، عن عطية، عن ابن عمرَ: أنَّ الزبيرَ استأذن عمرَ في الجهاد، فقال: اجلس، فقد جَاهَدتَ مع / (ق 219) رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. عطية العَوفي: فيه ضعف (¬1)، ولو صحَّ؛ لدلَّ على أنَّ الجهادَ ليس فرضًا على الأعيان، والله أعلم. حديث آخر (621) قال أبو يعلى الموصلي (¬2): ثنا عبيد الله بن عمر، ثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثني شعبة، عن يحيى بن هانئ، عن نعيم بن دِجَاجة قال: سَمِعتُ عمرَ يقول: لا هجرةَ بعد وفاةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. ورواه النسائي في «سننه» (¬3)، عن عمرو بن علي الفلاَّس، عن ابن مهدي، به. ¬

(¬1) ضعَّفه أحمد والثوري وهشيم والنسائي، وقال أبو حاتم: ضعيف، يُكتب حديثه. وقال أبو زرعة: ليِّن. انظر: «الجرح والتعديل» (6/ 382 رقم 2125) و «تهذيب الكمال» (20/ 145). (¬2) في «مسنده» (1/ 167 رقم 186) ومن طريقه: الضياء في «المختارة» (1/ 405 رقم 288). (¬3) (7/ 165 رقم 4182) في البيعة، باب ذكر الاختلاف في انقطاع الهجرة. وأخرجه -أيضًا- أبو القاسم البغوي في «الجعديات» (1/ 440 رقم 727) عن علي بن الجعد، عن شعبة، به. وصحَّحه الشيخ الألباني في «صحيح سنن النسائي» (4171).

حديث فيه أثر عن عمر في استحباب الإكثار من الغزو

حديث فيه أثر عن عمر في استحباب الإكثار من الغزو (622) قال أبو داود في كتاب «المراسيل» (¬1): ثنا موسى بن إسماعيل، أنا إبراهيم بن سعد، أنا ابن شهاب، عن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري: أنَّ جيشًا من الأنصار كانوا بأرضِ فارسَ مع أميرِهِم، وكان عمرُ -رضي الله عنه- يُعقِّبُ الجيوشَ (¬2) في كلِّ عام، فشُغِلَ عنهم عمرُ، فلمَّا مَرَّ الأجلُ، قَفَلَ أهلُ ذلك الثَّغرِ، فاشتدَّ عليهم، وأَوَعَدهم (¬3)، وهم أصحابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا عمرُ، إنَّك شُغِلتَ (¬4) عنَّا، وتَرَكتَ فينا الذي أَمَرَ به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من إعقابِ بعضِ الغزيةِ بعضًا. ¬

(¬1) لم أجده في «المراسيل»، وقد أخرجه في «سننه» (3/ 439 رقم 2960) في الخراج والإمارة، باب في تدوين العطاء. وقد خولف إبراهيم بن سعد في روايته، خالفه معمر، فرواه عن الزهري، عن عمر! ومن هذا الوجه: أخرجه عبد الرزاق (5/ 291 - 292 رقم 9651). وهذا الوجه أصح؛ لأن معمرًا من أثبت الناس في الزهري، وهو معدود في الطبقة الأولى من أصحابه، وأما إبراهيم بن سعد فقد قال الذهبي: ليس هو في الزهري بذاك الثبت. انظر: «شرح علل الترمذي» لابن رجب (1/ 399) و «مَن تُكلِّم فيه وهو موثَّق» (ص 63). وقد صح عن عمرَ -رضي الله عنه- أنه كان لا يغزي الجيوش أكثر من ستة أشهر، كما سبق تخريجه عند الأثر (554). (¬2) أي: يكون الغزو بينهم نُوَبًا، فإذا خرجت طائفة ثم عادت لم تُكلَّف أن تعود ثانية حتى تَعقُبَها أخرى غيرُها. «النهاية» (3/ 267). (¬3) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «وتوعَّدهم». (¬4) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «غفلتَ».

حديث في فضل النفقة في الغزو

إسناد جيد. حديث في فضل النفقة في الغزو (623) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا يونس -يعني: ابن محمد-، ثنا ليث، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد، عن الوليد بن أبي الوليد، عن عثمان بن عبد الله -يعني: ابن سُرَاقة-، عن عمرَ بن الخطاب قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن أَظَلَّ رأسَ غازٍ، أَظَلَّهُ اللهُ يومَ القيامةِ، ومَن جَهَّزَ غَازِيًا حتى يَستَقِلَّ كان له مثلُ أَجرِهِ حتى يموتَ أو يَرجِعَ، ومَن بَنَى مسجدًا يُذكَرُ فيه اسمُ اللهِ، بَنَى اللهُ له بَيتًا في الجنَّةِ». ثم رواه أحمد (¬2)، عن أبي سَلَمة الخزاعي، عن اللَّيث. وعن الحسن بن موسى (¬3)، عن ابن لَهِيعة. كلاهما عن الوليد، به. ورواه ابن ماجه (¬4)، عن أبي بكر بن أبي شيبة (¬5)، عن يونس بن محمد ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 20 رقم 126). (¬2) في الموضع السابق. (¬3) (1/ 53 رقم 376). (¬4) في «سننه» (2/ 921 رقم 2758) في الجهاد، باب مَن جهَّز غازيًا، مقتصرًا على الشطر الأول. (¬5) وهو في «المصنَّف» (1/ 275 رقم 3157) في الصلاة، باب في ثواب من بنى مسجدًا، و (4/ 236 رقم 19546) في الجهاد، باب ما ذُكر في فضل الجهاد والحثِّ عليه.

-وهو: المؤدِّب-، عن اللَّيث، به. وأخرجه (¬1) من وجه آخر، عن ابن الهاد، ببعضه. وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» (¬2)، عن أبي يعلى (¬3)، عن أحمد بن إبراهيم / (ق 220) الدَّورقي، عن أبي عبد الرحمن المُقرئ (¬4)، عن اللَّيث، به. واختاره الضياء في كتابه (¬5). ¬

(¬1) أي: ابن ماجه، وهو في «سننه» (1/ 243 رقم 735) في المساجد، باب من بنى لله مسجدًا، مقتصرًا على الشطر الثاني. (¬2) (10/ 486 رقم 4628 - الإحسان)، وسقط من إسناد المطبوع تبعًا لأبي يعلى «يزيد بن عبد الله بن الهاد»، وجاء على الصواب في «إتحاف المهرة» (12/ 326 رقم 15689). ولم يتفطن لهذا السقط الشيخ شعيب الأرناؤوط في تحقيقه لـ «الإحسان»، فقال: فلعل الليث رواه أولاً بواسطة ابن الهاد، ثم رواه مباشرة عن الوليد (!)، مع أنه تقدم عند ابن حبان (4/ 486 رقم 1608) وجاء فيه على الصواب! وأما الأستاذ حسين سليم أسد، فوضع السقط بين معقوفين، وقال في الحاشية: ما بين الحاصرتين سقط من الأصل، واستُدرك من مصادر التخريج. (¬3) وهو في «مسنده» (1/ 217 رقم 253). (¬4) وهو في «الأربعين» له (ص 58). (¬5) «المختارة» (1/ 356 - 359 رقم 244 - 248).

وقد قال الإمام علي ابن المديني: هذا حديث مرسل؛ لأنَّ عثمان بن عبد الله بن سُرَاقة لم يُدرك عمرَ بن الخطاب (¬1). قلت: وقد رواه موسى بن يعقوب الزَّمْعي (¬2)، عن عبد الرحمن بن ¬

(¬1) ونازع في دعوى الانقطاع الحافظ ابن حجر، فقال في «التهذيب» (7/ 130): وقد أخرج ابن حبان في «صحيحه»، والحاكم في «مستدركه» حديثه عن جدِّه عمر بن الخطاب، ومقتضاه أن يكون سَمِعَ منه، فالله أعلم، نعم وقع مصرَّحًا بسماعه منه عند أبي جعفر ابن جرير الطبري في «تهذيب الآثار» له قال: حدثنا أحمد بن منصور، ثنا سعيد بن أبي مريم، ثنا يحيى بن أيوب، حدثني الوليد بن أبي الوليد قال: كنت بمكة، وعليها عثمان بن عبد الرحمن بن سُرَاقة -كذا فيه- فسَمِعتُهُ يقول: يا أهل مكة، إني سَمِعتُ أبي يقول: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول. فذكر ثلاثة أحاديث: «من أَظلَّ رأسَ غازيًا»، و «من جهَّز غازيًا»، و «من بنى مسجدًا». قال: فسألت عنه، فقالوا لي: هذا ابن بنت عمر بن الخطاب. وقال في «النكت الظِّراف» (8/ 88) تجوَّز في قوله: «سَمِعتُ أبي»، فأطلق على جدِّه؛ لأنه أبًا (كذا). وفي كلام الحافظ -رحمه الله- أمور: الأمر الأول: من أين لنا أن رواية ابن حبان والحاكم لراو عن شيخه تقتضي صحة سماعه منه؟ الأمر الثاني: تصريح الأئمَّة بعدم ثبوت سماعه منه، يجعلنا نتريَّث في قبول هذه الرواية الواردة عند الطبري، لا سيَّما وفي إسنادها يحيى بن أيوب، وهو متكلَّم في حفظه، فوثَّقه البخاري وابن معين وإبراهيم الحربي، وقال أحمد: سيَّئ الحفظ. وقال السَّاجي: صدوق يَهِم، وكان أحمد يقول: يحيى بن أيوب يخطئ خطأً كثيرًا. وقال ابن سعد: منكر الحديث. وقال أبو حاتم: محل يحيى الصِّدق، يُكتب حديثه ولا يُحتج به. انظر: «الجرح والتعديل» (9/ 127 رقم 542) و «التهذيب» (11/ 186). ولخَّص حاله الحافظ نفسه في «التقريب»، فقال: صدوق، ربمَّا أخطأ. الأمر الثالث: صرَّح الإمام ابن معين -أيضًا- بعدم سماعه من عمر -رضي الله عنه-، وحَكَم على هذه الرواية بالإرسال، والذي نقل قول ابن معين هو الدكتور مساعد بن راشد الحميِّد في تحقيقه لكتاب «الجهاد» لابن أبي عاصم (1/ 302) من مصدر عزيز جدًّا، فانظره بنفسك. فنحن الآن أمام إمامين من أئمَّة النقد حَكَما على رواية بالإرسال، فلا يسعنا في هذه الحال إلا التسليم لقولهما؛ لعدم المعارِض. وقد قال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على «مسند الإمام أحمد» (1/ 211): وقد أشار الحافظ في «التهذيب» (7/ 130) إلى هذا الحديث، وكاد يميل إلى أنه موصول، ولكن في هذا تكلَّف كثير. (¬2) ومن طريقه: أخرجه الفَسَوي في «المعرفة والتاريخ» (1/ 422) وأبو يعلى في «معجمه» (ص 335 رقم 315) وابن حبان (10/ 490 رقم 4632 - الإحسان) =

إسحاق المدني، عن الزهري، عن عثمان بن سُرَاقة، عن بُسر بن سعيد، عن زيد بن خالد، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، به. قال الزهري: ثم أخبرنيه بُسر بن سعيد، فالله أعلم (¬1). ¬

= ولفظه: «مَن جهَّز غازيًا فله مثل أجره، ومَن خَلَف غازيًا في أهله فله مثل أجره». وموسى بن يعقوب هذا: قال عنه ابن المديني: ضعيف الحديث، منكر الحديث. وقال أبو داود: صالح، قد روى عنه ابن مهدي، وله مشايخ مجهولون. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال الدارقطني: لا يحتج به. وقال الأثرم: سألت أحمد عنه فلم يُعجبه. انظر: «تهذيب التهذيب» (10/ 278 - 379). ولخص حاله الحافظ في «التقريب»، فقال: صدوق، سيئ الحفظ. وعبد الرحمن بن إسحاق المدني قال عنه البخاري: ليس ممن يُعتمد على حفظه إذا خالف مَن ليس بدونه، وإن كان ممن يحتمل في بعض. قال: وقال إسماعيل بن إبراهيم: سألتُ أهلَ المدينة عنه فلم يُحمَد، مع أنه لا يُعرف له بالمدينة تلميذ إلا موسى الزَّمْعي، روى عنه أشياء في عدَّة منها اضطراب. انظر: «تهذيب الكمال» (16/ 524). قلت: وقد تفرَّد هنا عن الزهري، وتفرُّد مثله لا يُحتمل. وقد أخرجه البخاري (6/ 49 رقم 2843) في الجهاد، باب فضل من جهَّز غازيًا أو خَلَفه بخير، ومسلم (3/ 1506 رقم 1895) (136) في الإمارة، باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله ... ، من طريق حسين المعلِّم، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سَلَمة بن عبد الرحمن، عن بُسر بن سعيد، عن زيد بن خالد، به. وأخرجه مسلم (1895) (135) من طريق عمرو بن الحارث، عن بُكَير بن الأشج، عن بُسر بن سعيد، به. (¬1) تنبيه: جاء بحاشية الأصل تقييد بخط الحافظ ابن حجر، لم يظهر منه سوى قوله: أغفل حديث عمر.

حديث في فضل الشهادة

حديث في فضل الشهادة (624) قال أبو داود الطيالسي في «مسنده» (¬1): ثنا حماد بن سَلَمة، عن هشام بن عمرو، عن رجل، عن عمرَ -رضي الله عنه- قال: كنتُ عند رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وعنده قِبضٌ (¬2) من الناسِ، فأتاه رجلٌ، فقال: يا رسولَ الله، أيُّ الناسِ خيرٌ منزلةً عند اللهِ يومَ القيامةِ بعد أنبيائِهِ وأصفيائِهِ؟ فقال: «المجاهِدُ في سبيلِ اللهِ بنفسِهِ ومالِهِ حتى تأتِيَهُ دعوةُ اللهِ وهو على متنِ فَرَسِهِ، وآخِذٌ بعَنَانِهِ». قال: ثم مَن؟ قال: «وامرُؤٌ بناحيةٍ، أَحسَنَ عبادةَ ربِّهِ، وترك الناسَ من شرِّهِ». قال: يا رسولَ الله، فأيُّ الناسِ شرٌّ منزلةً عند اللهِ يومَ القيامةِ؟ قال: «المشركُ». قال: ثم مَن؟ قال: «وإمامٌ جائرٌ، يَجورُ عن الحقِّ، وقد مُكِّنَ له». وحَصَر (¬3) رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أبوابَ الغيبِ، فقال: «سلُوني، ولا تسأَلُوني عن شيءٍ إلاَّ نَبَّأتُكُم بِهِ». فقال عمرُ: رضينا بالله ربًّا، وبالإسلام دِينًا، / (ق 221) وبكَ نبيًّا، وحسبُنا ما أتانا. قال: فسُرِّي عنه. إسناده جيد؛ لكن فيه رجل مبهم لم يُسمَّ، ولم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب الكتب السِّتة (¬4). ¬

(¬1) (1/ 41 رقم 36). (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «قِبصٌ»، والقِبص: العدد الكثير. «النهاية» (4/ 4). (¬3) كذا ورد بالأصل. وفي المطيوع: «وخَصَّ». (¬4) ولبعضه شواهد، منها: ما أخرجه البخاري (6/ 6 رقم 2786) في الجهاد، باب أفضل الناس مؤمن مجاهد بنفسه وماله في سبيل الله، ومسلم (3/ 1503 رقم 1888) في الإمارة، باب فضل الجهاد والرباط، من حديث أبي سعيد الخُدْري -رضي الله عنه- قال: قال رجل: أيُّ الناسِ أفضلُ يا رسولَ اللهِ؟ قال: «مؤمنٌ يجاهدُ بنفسِهِ ومالِهِ في سبيلِ اللهِ». قال: ثم مَن؟ قال: «ثم رجلٌ معتزلٌ في شِعبٍ من الشِّعاب، يَعبدُ ربَّه ويَدَعُ الناسَ من شرِّه». وانظر: «صحيح البخاري» (93) و «صحيح مسلم» (1889) و (2359).

أثر في جواز قتل ذي الرحم الكافر في الحرب

أثر في جواز قتل ذي الرَّحم الكافر في الحرب (625) قال الإمام عبد الملك بن هشام النَّحوي (¬1): حدثني أبو عبيدة وغيره من أهل العلم بالمغازي: أنَّ عمرَ بن الخطاب قال لسعيدِ بن العاص ومَرَّ به: إنِّي أراك وكأنَّ في نفسِكَ شيئًا، أُراكَ تظنُّ أنِّي قتلتُ أباك، إنِّي لو قَتَلتُهُ لم أَعتذرْ إليك من قَتْلِهِ، ولكنِّي قَتَلتُ خالي العاصَ بن هشام بن المغيرة، فأمَّا أبوك، فإنِّي مَرَرتُ به، وهو يَبحثُ بحثَ الثَّورِ بِرَوقِهِ (¬2)، فَحِدْتُ عنه، فصَمَدَ له (¬3) ابن عمِّه عليٌّ، فَقتَلَهُ. وهذا منقطع، وهو كالمشهور. فأمَّا ما يَذكره بعضُ من لا يَعلم من أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- قَتَلَ أباه يومَ بدرٍ، فغلطٌ، ولم يكن أَبوه حيًّا يومئذٍ، بل لم يحضر بدرًا مع المشركين أحدٌ من بني عدي بإجماع أصحاب المغازي. وسعيد هذا هو: ابن العاص بن سعيد بن العاص بن أُميَّة، وكان [عبدًا سخيًّا رئيسًا] (¬4)، وكان أشبهَ خَلْق اللهِ لهجةً برسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا جَعَله عثمانُ فيمن كَتَب المصحفَ الإمامَ رضي الله عنهم (¬5). ¬

(¬1) في «سيرته» (1/ 636). (¬2) الرَّوقُ: القَرنُ. «القاموس» (ص 888 - مادة روق). (¬3) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «وقصد له». (¬4) مابين المعقوفين غير واضح تمامًا بالأصل، وهذا ماظهر لي منه. (¬5) انظر: «الطبقات الكبرى» (5/ 31) و «الإصابة» (2/ 192).

حديث آخر في تقسيم الشهداء

حديث آخر في تقسيم الشُّهداء (626) قال أحمد (¬1): ثنا يحيى بن إسحاق، أنا ابن لَهِيعة، عن عطاء بن دينار، عن أبي يزيد الخَوْلاني قال: سَمِعتُ فَضَالة بن عُبيد يقول: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «الشهداءُ أربعةٌ: رجلٌ مؤمنٌ جيِّدٌ الإيمانِ، لَقِيَ العدوَّ، فصَدَقَ اللهَ، فقُتِلَ، فذلك الذي ينظرُ الناسُ إليه هكذا -ورفع رأسَهُ حتى سقطَت قَلَنسُوَةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، أو قَلَنسُوَةُ عمرَ-، والثاني: مؤمنٌ لَقِيَ العدوَّ، فكأنَّما يُضرَبُ ظَهْرُهُ بشَوكِ الطَّلحِ، جاءه سَهمٌ غَربٌ فقَتَلَهُ، فذلكَ في الدرجةِ الثانيةِ. والثالثُ: رجلٌ مؤمنٌ خَلَطَ عملاً صالحاً وآخرَ سيِّئًا، لَقِيَ العدوَّ، فصَدَقَ اللهَ حتى قُتِلَ. قال: فذلكَ في الدرجةِ الثالثةِ. والرابعُ: رجلٌ مؤمنٌ أَسرَفَ على نفسِهِ إسرافًا كثيرًا، لَقِيَ العدوَّ، فصَدَقَ اللهَ حتى قُتِلَ، فذلكَ في الدرجةِ الرابعةِ». وهكذا رواه علي ابن المديني، عن أبي داود الطيالسي (¬2)، عن ابن المبارك (¬3)، عن ابن لَهِيعة (¬4)، به. وقال: هذا حديث مصري، وهو صالح. وأخرجه الترمذي (¬5)، عن قتيبة، عن ابن لَهِيعة، به. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 23 رقم 150). (¬2) وهو في «مسنده» (1/ 50 رقم 45). (¬3) وهو في «كتاب الجهاد» له (126). (¬4) كذا ورد بالأصل. وفي مطبوع الطيالسي: «عن عبد الله بن عُقبة الحضرمي»، وهو ابن لَهِيعة، قال أبو حاتم: نَسَبَه إلى جدِّه. «العلل» لابنه (1/ 346 رقم 1022). (¬5) في «سننه» (4/ 153 رقم 1644) في فضائل الجهاد، باب ما جاء في فضل الشهداء عند الله، وفي «العلل الكبير» (ص 273 رقم 502).

وقال: حسن غريب، لا نعرفه إلا / (ق 222) من حديث عطاء بن دينار، وسَمِعتُ محمدًا -يعني: البخاري- يقول: قد روى سعيد بن أبي أيوب هذا الحديثَ عن عطاء بن دينار، عن أشياخ من خَولان، لم يَذكر فيه (عن أبي يزيد)، وقال: عطاء بن دينار: ليس به بأس (¬1). وقد روى الإمام أحمد (¬2) هذا الحديثَ -أيضًا-، عن أبي سعيد، عن ابن لَهِيعة، به، وقال: «الشهداءُ ثلاثةٌ ...»، ولم يَذكر الرابع. حديث آخر (627) قال الإمام أحمد (¬3): ثنا هاشم بن القاسم، ثنا عكرمة -يعني: ابن عمَّار-، حدثني سمَاك الحنفي أبو زُمَيل، حدثني عبد الله بن عباس، حدثني عمرُ بن الخطاب قال: لمَّا كان يومُ خيبرَ أَقبَلَ نَفَرٌ من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقالوا: فلانٌ شهيدٌ! فلانٌ شهيدٌ! حتى مرُّوا على رجلٍ، فقالوا: فلانٌ شهيدٌ! فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «كلاَّ، إنِّي رأيتُهُ (¬4) في بُردَةِ غَلَّها، أو عَبَاءةٍ». ثم قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «اذهَب، فنادِ في الناسِ: إنَّه لا يَدخلُ الجنَّةَ إلا المؤمنونَ». قال: فخَرَجتُ، فنَادَيتُ: إنَّه لا يَدخلُ الجنَّةَ إلا المؤمنونَ. وهكذا رواه مسلم (¬5)، عن زُهَير بن حرب، عن أبي النَّضر هاشم بن القاسم، به. ¬

(¬1) زاد في «العلل الكبير»:» فقلت له: أبو يزيد الخَوْلاني، ما اسمه؟ فلم يعرف اسمه». (¬2) في «مسنده» (1/ 22 رقم 146). (¬3) في «مسنده» (1/ 30 رقم 203). (¬4) زاد في المطبوع: «في النار». (¬5) في «صحيحه» (1/ 107 رقم 114) في الإيمان، باب غلظ تحريم الغلول ...

وأخرجه الترمذي (¬1)، عن الحسن بن علي، عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن عكرمة بن عمَّار، به. وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. ورواه علي ابن المديني، عن أبي الوليد الطيالسي، عن عكرمة بن عمَّار، به. وقال: لا نحفظه إلا من هذا / (ق 223) الوجه، وهو حديث جيِّد الإسناد حسن. ¬

(¬1) في «سننه» (1574) في السير، باب ما جاء في الغلول.

حديث في أن العرب لا يسترقون

حديث في أنَّ العرب لا يُسترقُّون (628) قال الحافظ أبو يعلى (¬1): ثنا إسحاق بن إسماعيل، وخالي أبوجعفر قالا: ثنا يحيى بن أبي بُكَير، ثنا عبد الله بن عمر القرشي، ثنا سعيد بن عمرو بن سعيد -سَمِعَ أباه-، فزَعَم أنَّه سَمِعَ أباهُ يومَ المَرْج (¬2) يقول: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يقول: لولا أني سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ اللهَ سيمنعُ الدِّينَ بنصارى من ربيعةَ على شاطئ الفراتِ؛ ما تَرَكتُ عربيًّا إلا قَتَلتُهُ، أو يُسلِمُ». ورواه النسائي في «سننه» (¬3)، عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، عن يحيى بن أبي بُكَير، به. واختاره الضياء في كتابه (¬4). وقد تفرَّد به عبد الله بن عمر السَّعدي هذا، وهو في كتاب «الثقات» (¬5) لابن حبان. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 203 رقم 236). (¬2) أصل المَرْج: الأرض الواسعة فيها نبت كثير تمرج فيها الدواب، أي: تذهب وتجيء، وعند الإطلاق يراد بها مَرْج راهِط، وهي موضع من الغوطة في دمشق. انظر: «معجم البلدان» (3/ 21) و (5/ 100). (¬3) «السنن الكبرى» (5/ 235 رقم 8770). (¬4) «المختارة» (1/ 364 - 365 رقم 253 - 255). (¬5) (8/ 331). وقال عنه النسائي بعد أن أخرج حديثَه هذا: عبد الله بن عمر القرشي هذا: لا أعرفه. وقال الذهبي في «الميزان» (2/ 464 رقم 4471): لا أكاد أعرفه، تفرَّد عنه يحيى بن أبي بُكَير، وخَبَره وإن رواه النسائي فهو منكر، رواه أبو يعلى وابن كُلَيب في «مسندَيهما». وخالف الأستاذ حسين أسد، فقال في تعليقه على «مسند أبي يعلى»: إسناده حسن (!)

حديث آخر في فكاك الأسير

حديث آخر في فكاك الأسير (629) قال أبو يعلى -أيضًا- (¬1): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة (¬2)، ثنا ابن إدريس، عن عاصم بن كُلَيب، عن أبيه قال: لَقِيتُ عمرَ -وهو بالموسم- فنادَيتُهُ من وراء الفُسْطاط (¬3): ألا إنِّي فلانُ بنُ فلانٍ الجَرْمي، وإنَّ ابنَ أختٍ لنا، له أخٌ عانٍ (¬4) في بني فلان، وقد عَرَضنا عليه فريضةَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم (¬5). قال: فرفع عمرُ جانبَ الفسطاطِ، وقال: أتعرفُ صاحبَكَ؟ قلت: نعم، هو ذاك. قال: انطَلِقَا به حتى يُنفِّذَ لكما فريضةَ (¬6) رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. قال: وكنَّا نَتَحدَّثُ أنَّ الفريضةَ أربعٌ من الإبلِ. هذا إسناد جيد. وقال علي ابن المديني: إسناد صحيح (¬7)، وليس فيه كلامٌ من النبيِّ صلى الله عليه وسلم نفسه، وإنما حكى القضيةَ القومُ الذين أتوا عمرَ. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 157 رقم 169). (¬2) وهو في «المصنَّف» (6/ 12 رقم 29082) في أقضية رسول الله. وأخرجه -أيضًا- إسحاق بن راهويه في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (2/ 362 رقم 2099) عن عبد الله بن إدريس، به. (¬3) الفُسْطاط: ضَرْب من الأبنية في السفر دون السُّرادق. «النهاية» (3/ 445). (¬4) العاني: الأسير. «مختار الصحاح» (ص 273). (¬5) زاد في المطبوع: «فأبَي»، وجعلها المحقِّق بين معقوفين، وقال: وما بين معقوفين استدركناه من «المطالب العالية» [2/ 283 رقم 1907] لتمام المعنى. (¬6) كذا ورد بالأصل. وكَتَب المؤلِّف بجوارها في حاشية الأصل: «قضية»، وكَتَب فوقها: «خ»، إشارة إلى وروده في نسخة، وهو كذلك في «مسند أبي يعلى». (¬7) وقد فات محقِّق «مسند أبي يعلى» تصحيح ابن المديني وابن كثير، فاقتصر على قوله: «رجاله ثقات»!

حديث آخر في تحريم الغلول في المغانم، والعقوبة عليه

حديث آخر في تحريم الغُلُول في المغانم، والعقوبة عليه (630) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا أبو سعيد، ثنا عبد العزيز بن محمد، ثنا صالح بن محمد بن زائدة، عن سالم بن عبد الله: أنه كان مع مسلمة بن عبد الملك في أرضِ الرُّومِ، فوُجد في متاعِ رجلٍ غُلُولٌ، قال: فسأل سالِمَ بن عبد الله، فقال: حدَّثني عبد الله، عن عمرَ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَن وَجَدتُم في متاعِهِ غُلُولاً؛ فأَحرِقُوهُ». قال: وأَحسبُهُ قال: «واضرِبُوهُ». قال: فأَخرَجَ متاعَه في السُّوق، فوَجَد فيه مصحفًا، فسأل سالماً، فقال: بِعْهُ، وتَصدَّق بثمنِهِ. وقد رواه علي ابن المديني، عن أُميَّة بن بسطام، عن الدَّرَاوَردِي، به. ثم قال: هذا حديث منكر، يُنكِره أصحاب الحديث، وكان وهيب قد لقي أبا واقِد هذا، وكان يضعِّفه، ويُروى عنه عجائبَ. وأخرجه أبو داود (¬2)، والترمذي (¬3) من حديث الدَّرَاوَردِي. زاد أبو داود: وأبي إسحاق الفَزَاري. كلاهما عن صالح بن محمد أبي واقِد الليثي الصَّغير، عن سالم، عن أبيه، عن عمرَ، به. وفي بعض نسخ الترمذي (¬4): عن عبد الله بن عمر، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. فالله أعلم. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 22 رقم 144). (¬2) في «سننه» (3/ 314 رقم 2713) في الجهاد، باب في عقوبة الغال. (¬3) في «سننه» (4/ 50 رقم 1461) في الحدود، باب ما جاء في الغال ما يُصنع به؟ (¬4) انظر: «تحفة الأشراف» (5/ 355 رقم 6763).

ثم قال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وسألت محمدًا عن هذا، فقال: إنما رواه صالح بن محمد، وهو منكر الحديث (¬1). / (ق 224) وقال الحافظ أبو الحسن الدارقطني (¬2): أبو واقِد هذا: ضعيف، والمحفوظ: أنَّ سالماً أمر بهذا، ولم يَرفعه إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولا ذَكَره عن أبيه، ولا عن عمرَ (¬3). ¬

(¬1) وفي «التاريخ الأوسط» للبخاري (3/ 509): صالح بن محمد بن زائدة، أبو واقد الليثي، تَرَكه سليمان بن حرب، منكر الحديث، روى سالم، عن أبيه، عن عمرَ رفعه: «من غلَّ، فاحرقوا متاعه»، ولا يتابَع عليه. وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم في الغال: «صلُّوا على صاحبكم»، لم يحرِّق متاعه. (¬2) في «العلل» (2/ 53). (¬3) وقال في تعليقه على «المجروحين» لابن حبان (ص 130): صالح بن محمد بن زائدة أبو واقِد الليثي: مدني، أنكروا عليه روايته عن سالم، عن أبيه، عن عمرَ (فذكره)، وهذا خطأ لم يُتابَع عليه، ولا أصل له عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وانظر للفائدة: ما قاله الحافظ في «النكت الظِّراف» (5/ 356) (8/ 57).

حديث في قتل الجاسوس

حديث في قتل الجاسوس (631) قال الحافظ أبو يعلى الموصلي (¬1): ثنا أبو خيثمة زُهَير بن حرب، ثنا عمر بن يونس الحنفي، ثنا عكرمة بن عمَّار، ثنا أبو زُمَيل، قال: قال ابن عباس: قال عمرُ رضي الله عنه: كَتَب حاطبُ بن أبي بلتعة إلى مكةَ، وأَطلَعَ اللهُ عليه نبيَّهُ صلى الله عليه وسلم، فبَعَث عليًّا والزُّبيرَ في أَثَرِ الكتابِ، فأدرَكا المرأةَ على بعيرٍ، فاستَخرَجَاهُ من قُرُونها (¬2)، فأتيا به رسولَ الله، فقُرِئَ عليه، فأَرسَلَ إلى حاطبٍ، فقال: «يا حاطبُ، أنتَ كتبتَ هذا الكتابَ؟» قال: نعم. قال: «فما حَمَلَكَ على ذلك؟» قال: يا رسولَ الله، أَمَا واللهِ إنِّي لناصِحٌ للهِ ولرسولِهِ، ولكنْ كنتُ غريبًا في أهلِ مكةَ، وكان أهلي بين ظَهْرانِيهم، وخشيتُ عليهم، فكَتَبتُ كتابًا لا يَضرُّ اللهَ ورسولَهُ شيئًا، وعسى أنْ يكونَ فيه منفعةٌ لأهلي. قال عمرُ: فاختَرَطتُ سيفي، ثم قلت: يا رسولَ الله، أَمكنِّي من حاطب، فإنَّه قد كَفَرَ، فأَضرِبُ عُنُقَه! فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «يا ابنَ الخطابِ، ما يُدريكَ، لعل اللهَ اطَّلَعَ على هذه العصابةِ من أهلِ بدرٍ، فقال: اعمَلُوا ما شئتُم، فإنِّي قد غَفَرتُ لكم». وقد رواه الهيثم بن كُلَيب في «مسنده» (¬3)، عن العباس بن محمد الدُّوري، عن أبي حذيفة موسى بن مسعود، عن عكرمة بن عمَّار، به. ¬

(¬1) لم أجده في المطبوع من «مسنده»، وهو من رواية ابن حمدان، وأورده الهيثمي في «المقصد العلي» (4/ 225 رقم 1414 - رواية ابن المقرئ). ومن طريق أبي يعلى: أخرجه الضياء في «المختارة» (1/ 285 رقم 174). (¬2) القُرُون: هي الضفائر. انظر: «النهاية» (4/ 51). (¬3) ليس في القسم المطبوع من «مسنده»، ومن طريقه: أخرجه الضياء في «المختارة» (1/ 286 رقم 175).

وهذا إسناد جيد، اختاره الضياء في كتابه (¬1). وقال الحميدي: قال البَرقاني: روى مسلم هذا الحديث. قال الحميدي: ولم يَذكره أبو مسعود، ولا خَلَف. قال الضياء (¬2): ولا رأيناه في «صحيح مسلم». قلت: وهو في «الصحيحين» (¬3) من حديث علي بن أبي طالب. ¬

(¬1) (1/ 286 - 287 رقم 176، 177). (¬2) في «المختارة» (1/ 287 - 288). (¬3) أخرجه البخاري (6/ 143، 190 رقم 3007، 3081) في الجهاد، باب الجاسوس، وباب إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمة ... ، و (7/ 304، 519 رقم 3983، 4274) في المغازي، باب فضل من شهد بدرًا، وباب غزوة الفتح، و (8/ 633 رقم 4890) في التفسير، باب: {لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} و (11/ 46 رقم 6259) في الاستئذان، باب من نظر في كتاب من يُحذَر على المسلمين ... ، و (12/ 304 رقم 6939 - فتح) في استتابة المرتدين ... ، باب ما جاء في المتأولين، ومسلم (4/ 1941 رقم 2494) في فضائل الصحابة، باب من فضائل أهل بدر.

أحاديث قسم أموال الفيء والغنائم

أحاديث قسم أموال الفيء والغنائم (632) قال الإمام أحمد رحمه الله (¬1): ثنا عبد الرحمن، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: لولا آخرُ المسلمينَ، ما فُتِحَتْ قريةٌ إلا قَسَمتُها، كما قَسَمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خيبرَ. وهكذا رواه علي ابن المديني، عن عبد الرحمن بن مهدي، به. وقال: هذا حديث صحيح من هذا الوجه. ورواه البخاري -أيضًا- (¬2) من حديثه. وأخرجه أحمد -أيضًا- (¬3)، عن أبي عامر العَقَدي، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، به. وكذا رواه البخاري (¬4)، عن سعيد بن أبي مريم، عن محمد بن جعفر، أخبرني زيد بن أسلم، عن أبيه: أنه سَمِعَ عمرَ يقول: والذي نفسي بيده، لولا أنْ أَترُكَ الناسَ بَبَّانًا (¬5) ليس لهم شيءٌ، ما فُتِحَتْ عليَّ قريةٌ إلا قَسَمتُها، كما قَسَم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خيبرَ، ولكنِّي أَترُكُها جِرَايةً لهم (¬6). ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 381 رقم 284). (¬2) في «صحيحه» (5/ 17 رقم 2334) في الحرث والمزارعة، باب أوقاف أصحاب النبيِّ ... ، و (6/ 224 رقم 3125) في فرض الخمس، باب الغنيمة لمن شهد الوقعة، و (7/ 490 رقم 4236 - فتح) في المغازي، باب غزوة خيبر. (¬3) (1/ 31 رقم 213). (¬4) (7/ 490 رقم 4235 - فتح) في المغازي، باب غزوة خيبر. (¬5) بَبَّانًا: أي: أتركهم شيئًا واحدًا، لأنَّه إذا قسم البلاد المفتوحة على الغانمين بقي من لم يحضر الغنيمة ومَن يجيء بعدُ من المسلمين بغير شيء منها، فلذلك تركها لتكون بينهم جميعهم. «النهاية» (1/ 91). (¬6) كذا ورد بالأصل. والذي في المطبوع، والنسخة اليونينية وفروعها لـ «صحيح البخاري» (5/ 138 - ط دار طوق النجاة) و «إرشاد السَّاري» (6/ 374): «خِزَانة لهم». تنبيه: زاد البخاري في روايته بعد قوله: «جراية لهم»: «يقتسمونها».

حديث آخر (633) قال الحافظ أبو يعلى الموصلي (¬1): ثنا زُهَير، ثنا أبو إسحاق الطَّالْقاني، أخبرني بقيَّة بن الوليد، حدثني الوزير بن عبد الله الخَوْلاني، عن محمد بن الوليد الزُّبيدي، عن الزهري، عن / (ق 225) سعيد بن المسيّب، عن عمرَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن مَنَحَهُ المشركونَ أرضًا، فلا أرضَ له». وَزِير بن عبد الله هذا: شاميٌّ، قال فيه أبو حاتم الرازي (¬2): مجهول. وقال أبو زرعة: ضعيف، وحديثه لا أصل له. أثر آخر (634) روى الحافظ أبو بكر البيهقي (¬3) من حديث وكيع وغيره، عن شعبة، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب قال: كَتَب عمرُ رضي الله عنه: أنَّ الغنيمةَ لمن شَهِدَ الوقعةَ. إسناده صحيح. ¬

(¬1) لم أجده في المطبوع من «مسنده»، وهو من رواية ابن حمدان، وأورده الهيثمي في «المقصد العلي» (2/ 302 رقم 689 - رواية ابن المقرئ). وأخرجه -أيضًا- إسحاق بن راهويه في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (2/ 346 رقم 2065) من طريق بقيَّة، به. (¬2) انظر: «الجرح والتعديل» (9/ 44 رقم 186). (¬3) في «سننه» (6/ 335) و (9/ 50). ووَصَله الشافعي في «الأم» (7/ 344) وسعيد بن منصور (2/ 285 رقم 2791) والطحاوي (3/ 245) وأبو القاسم البغوي في «الجعديات» (1/ 413 رقم 607) من طريق شعبة، به. وصحَّحه -أيضًا- ابن الملقن في «البدر المنير» (/357) والحافظ في «الفتح» (6/ 224) و «التلخيص الحبير» (3/ 108).

أثر آخر (635) قال علي بن حرب الطَّائي (¬1): ثنا سفيان بن عيينة، عن الأسود بن قيس، عن أبي الأرقم (¬2) قال: أغارتِ الخيلُ بالشَّامِ، فأَدرَكَتِ العِرَاب (¬3) يومها، وأَدرَكَتِ الكوادِن (¬4) ضُحَى الغدِ، وعلى الناس ابنُ أبي حميصة الوادعي، فقال: لا نجعلُ مَن أدركَ كمن لا يُدرِكْ، فكَتَب ¬

(¬1) في «جزئه» (ص 278 رقم 72)، وتحرَّف فيه «أبو الأرقم» إلى: «ابن الأكوع»! وأخرجه -أيضًا- الشافعي في «الأم» (7/ 337) -ومن طريقه: البيهقي (6/ 328) - وعبد الرزاق (5/ 183 رقم 9313) وسعيد بن منصور (2/ 280 رقم 2772) وابن أبي شيبة (6/ 494 رقم 33180) في السير، باب في البراذين مالها ... ، وابن المنذر في «الأوسط» (11/ 162 رقم 6553) عن ابن عيينة، به، لكن قالوا: «عن علي بن الأقمر». وأخرجه ابن المنذر في «الأوسط» (11/ 155 رقم 6545) والبيهقي (6/ 327) من طريق أحمد بن يونس، عن إسرائيل، عن الأسود بن قيس، عن كلثوم بن الأقمر الوادعي، عن المنذر بن عمرو الوادعي، وكان عمرُ بعثه على خيل بالشام، وكان في الخيل براذين، قال: فسبقت الخيل، وجاء أصحاب البراذين، قال: ثم إن المنذر بن عمرو قسم للفرس سهمين، ولصاحبه سهمًا، ثم كَتَب إلى عمر بن الخطاب، فقال: قد أصبت السُّنة. وأعلَّه الشافعي بالانقطاع، فقال: والذي نذهب إليه من هذا التسوية بين الخيل العِرَاب والبراذين والمقاريف، ولو كنَّا نثبت مثل هذا ما خالفناه. (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «ابن الأقرع»، وكلاهما تحريف، والصواب: «ابن الأقمر»، كما في مصادر التخريج، وكُتُب الرجال. (¬3) العِراب: منسوبة إلى العرب، فرَّقوا بين الخيل والناس، فقالوا في الناس: عَرَب وأعراب، وفي الخيل: عِرَاب. «النهاية» (3/ 203). (¬4) الكوادن: هي البراذين الهُجن. وقيل: الخيل التُّركيَّة، واحدها كودن، والكودنة في المشي: البطء. «النهاية» (4/ 208).

في ذلك إلى عمرَ، فكَتَب عمرُ: هَبِلَتِ الوادعِيَّ أُمُّهُ (¬1)! لقد أدركتُ (¬2) به، امضُوهَا على ما قال. حديث آخر (636) قال الإمام أحمد (¬3): ثنا سفيان، عن عمرو ومعمر، عن الزهري، عن مالك بن أوس بن الحَدَثان، عن عمرَ قال: كانت أموالُ بني النَّضير ممَّا أَفاء (¬4) اللهُ على رسولِهِ ممَّا لم يُوجِفِ المسلمونَ عليه بخيلٍ ولا ركابٍ، فكانت لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم خالصةً، فكان يُنفِقُ على أهلِهِ منها نَفَقَةَ سَنَتِهِ -وقال مرَّةً: قُوتَ سَنَتِهِ- وما بَقِيَ جَعَلَهُ في الكُرَاعِ (¬5) والسِّلاحِ عُدَّةً في سبيلِ الله عزَّ وجلَّ. ورواه الجماعة إلا ابن ماجه (¬6) من حديث سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن الزهري، به. ¬

(¬1) قال ابن الأثير في «النهاية» (5/ 240): يقال: هَبِلَته أُمُّه تَهبَلُه هَبَلاً، أي: ثَكِلَته، هذا هو الأصل، ثم يستعمل في معنى المدح والإعجاب، يعني ما أعلمَه، وما أصوبَ رأيه! (¬2) كذا ورد بالأصل. وكَتَب المؤلِّف بجوارها في حاشية الأصل: «لعلَّه: أَذكَرَت»، وفسَّرها ابن الأثير في الموضع السابق، فقال: أي ولَدَتهُ ذَكَرًا من الرِّجال شَهمًا. (¬3) في «مسنده» (1/ 25 رقم 171). (¬4) الفَيء: ما يحصل للمسلمين من أموال الكفار من غير حرب ولا جهاد. «النهاية» (3/ 482). (¬5) الكُرَاع: اسم لجميع الخيل. «النهاية» (4/ 165). (¬6) أخرجه البخاري (6/ 93 رقم 2904) في الجهاد، باب المجن ... ، و (8/ 629 رقم 4885 - فتح) في التفسير، باب قوله: {ما أفاء الله على رسوله}، ومسلم (3/ 1376 رقم 1757) (48) في الجهاد، باب حكم الفيء، وأبو داود (3/ 444 رقم 2965) في الخراج والإمارة، باب صفايا رسول الله ... ، والترمذي (4/ 188 رقم 1719) في الجهاد، باب ما جاء في الفيء، والنسائي (7/ 149 - 150 رقم 4151) في قسم الفيء.

ورواه مسلم (¬1)، والنسائي (¬2) من حديث سفيان، عن معمر، عن الزهري، به. وجمعهما النسائي (¬3) في رواية له -أيضًا-، كما رواه أحمد رحمه الله. وأتبعه أبوداود (¬4) بما رواه عن مُسدَّد، ثنا إسماعيل بن إبراهيم، أنا أيوب، عن الزهري قال: قال عمرُ: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} (¬5). قال الزهري: قال عمرُ: هذه لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم خاصةً قُرى عُرَينة (¬6)، وكذا وكذا، ممَّا أفاء اللهُ على رسولِهِ من أهلِ القرى، فللهِ، وللرسولِ، ولذي القربى، واليتامى، والمساكين، وابنِ السبيل، وللفقراءِ الذين أُخرجوا / (ق 226) من ديارِهِم وأموالِهِم، والذين تبوَّؤا الدارَ والإيمانَ من قبلِهِم، والذين جاءوا من بعدِهم، فاستَوعَبَتْ هذه الناسَ، فلم يبق أحدٌ من المسلمين إلا له فيها حقٌّ. -قال أيوب: أو قال: حظٌّ- إلا بعضَ مَن تملكون من أرقَّائِكُم. ثم قال أبو داود (¬7): ثنا هشام بن عمَّار، ثنا حاتم بن إسماعيل. وحدثنا ¬

(¬1) في الموضع السابق (¬2) في «سننه الكبرى» (5/ 377 رقم 9187). (¬3) في «سننه الكبرى» (9189). (¬4) في «سننه» (3/ 444 رقم 2966) في الموضع السابق. (¬5) الحشر: 7 (¬6) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «قُرى عَربية: فَدَك». وانظر ما علَّقه محمد عوامة في تحقيقه لـ «سنن أبي داود». (¬7) (3/ 446 رقم 2967).

سليمان بن داود المَهْري، ثنا ابن وهب، أخبرني عبد العزيز بن محمد. وحدثنا نصر بن علي، أنا صفوان، -وهذا لفظ حديثه- كلُّهم عن أسامة بن زيد، عن الزهري، عن مالك بن أَوس بن الحَدَثان قال: كان فيما احتجَّ به عمرُ أنَّه قال: كانت لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم ثلاثُ صفايَا (¬1): بنو النَّضير، وخيبرُ، وفَدَك. فأمَّا بنو النَّضير فكانت حُبُسًا لنوائبِهِ، وأمَّا فَدَكُ فكانت حُبُسًا لأبناءِ السبيلِ، وأمَّا خيبرُ فجزَّأها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثلاثةَ أجزاءَ، (جزئين) (¬2) للمسلمين، وجزءًا نفقةً لأهلِهِ، فما فَضَلَ عن نفقةِ أهلِهِ، جَعَلَهُ بين فقراءِ المهاجرينَ. أثر آخر (637) قال أحمد (¬3): ثنا محمد بن مُيسَّر أبو سعد الصَّاغاني، ثنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن مالك بن أَوس بن الحَدَثان قال: كان عمرُ -رضي الله عنه- يَحلِفُ على أيمانٍ ثلاثٍ، يقول: والله ما أحدٌ أَحقَّ بهذا المالِ من أحدٍ، وما أنا بأَحقَّ به من أحدٍ / (ق 227)، والله ما من المسلمينَ أحدٌ، إلا وله في هذا المالِ نصيبٌ إلا عبدًا مملوكًا، ولكنَّا على منازِلِنا من كتابِ الله، وقَسْمِنا من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فالرَّجلُ وبلاؤه في الإسلامِ، والرَّجلُ وقَدَمُهُ (¬4) في الإسلامِ، والرَّجلُ وغَنَاؤه (¬5) في ¬

(¬1) الصَّفِي: ما يأخذه رئيس الجيش ويختاره لنفسه من الغنيمة قبل القِسمة. «النهاية» (3/ 40). (¬2) كَتَب المؤلِّف بجوارها في حاشية الأصل: «جزآن»، وكَتَب فوقها: «خ»، إشارة إلى وروده في نسخة. (¬3) في «مسنده» (1/ 389 رقم 292). (¬4) أي: فِعاله وتَقَدُّمه في الإسلام وسَبقه. «النهاية» (4/ 25). (¬5) أي: نَفعُهُ. «مختار الصحاح» (ص 286).

الإسلام، والرَّجلُ وحاجتُهُ، ووالله لئن بَقِيتُ لهم، لَيَأتينَّ الرَّاعيَ بجبلِ صنعاءَ حَظُّه من هذا المالِ وهو يَرعى مكانَهُ. رواه أبو داود (¬1) بنحوه، عن عبد الله بن محمد النُّفَيلي، عن محمد بن سَلَمة، عن محمد بن إسحاق، به. (638) وقال البخاري (¬2): ثنا إسحاق بن إبراهيم، ثنا محمد بن فضيل، عن إسماعيل، عن قيس قال: كان عطاءُ البدريين خمسةَ آلافٍ، وقال عمرُ: لأُفَضِّلنَّهم على مَن بعدَهم. أثر آخر (639) قال حنبل بن إسحاق (¬3): ثنا عبيد الله بن محمد التَّيمي -هو: ابن عائشة-، ثنا حماد، عن علي بن زيد، عن أنس بن مالك وسعيد بن المسيّب: أنَّ عمرَ بن الخطاب كَتَب المهاجرينَ على خمسةِ آلافٍ، والأنصارَ على أربعةِ آلافٍ، ومَن لم يشهد بدرًا من أبناءِ المهاجرينَ على أربعةِ آلافٍ، فكان منهم عمر بن أبي سَلَمة، وأسامة بن زيد، ومحمد بن عبد الله بن جحش، وعبد الله بن عمر، فقال عبد الرحمن بن عوف: إنَّ ابنَ عمرَ ليس من هؤلاء، إنَّه وإنَّه، فقال ابن عمر: إنْ كان لي حقٌّ فأَعطِنِيه، وإلا فلا تُعطِني. فقال عمرُ لابن عوف: اكتُبْهُ على ¬

(¬1) في «سننه» (3/ 434 رقم 2950) في الخراج والإمارة، باب فيما يلزم الإمام من أمر الرعية. (¬2) في «صحيحه» (7/ 323 رقم 4022 - فتح) في المغازي، باب منه. (¬3) ومن طريقه: أخرجه البيهقي (6/ 350 - 351). وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (6/ 458 رقم 32870) في السير، باب ما قالوا في الفروض وتدوين الدواوين، عن عفَّان، عن حماد، به.

خمسةِ آلافٍ، واكتُبنِي على / (ق 228) أربعةِ آلافٍ. فقال عبد الله: لا أريدُ هذا. فقال عمرُ: واللهِ لا أجتمعُ أنا وأنت على خمسةِ آلافٍ. علي بن زيد بن جُدعان فيه كلام (¬1). أثر آخر (640) قال سيف بن عمر التَّميمي (¬2): عن محمد، وطلحة، والمهلَّب، بإسنادهم، وسعيد بن المرزبان، عن محمد بن حذيفة بن اليَمَان، وزهرة، ومحمد بن عمرو، عن أبي سَلَمة بن عبد الرحمن قال: قال عمرُ: إنِّي مجنِّدُ المسلمينَ على الأُعطيةِ، ومُدوِّنُهُم، ومُتَحرٍّ الحقَّ. فقال عبد الرحمن، وعثمان، وعلي -رضي الله عنهم-: ابدَأْ بنفسِكَ. فقال: لا، بل أَبدَأُ بعمِّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ثم الأقربُ، فالأقربُ منهم برسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ففَرَضَ للعبَّاس، فبَدَأَ به، ثم فَرَضَ لأهلِ بدرٍ خمسةَ آلافٍ خمسةَ آلافٍ، ثم فَرَضَ لمن بعدَ بدرٍ إلى الحديبيةِ أربعةَ آلافٍ أربعةَ آلافٍ، ثم فَرَضَ لمن بعد الحديبيةِ إلى أن أَقلَعَ أبو بكر -رضي الله عنه- عن أهلِ الرِّدَّة ثلاثةَ آلافٍ ثلاثةَ آلافٍ، ودخل في ذلك مَن شَهِدَ الفتحَ، ثم فَرَضَ لأهلِ القادسيةِ وأهلِ الشَّامِ أصحابِ اليرموكِ ألفينَ ألفينَ، وفَرَضَ لأهلِ البلاءِ النازع منهم ألفين وخمسَمائةٍ. -فقيل له: لو ألحقتَ أهلَ القادسيةِ بأهلِ الأيامِ؟ فقال: لم أكن لأُلحقهم بدرجةِ من لم يُدركوا، لاهَا اللهِ إذًا! وقيل له: لو سَوَّيتَهم على بُعدِ دارِهِم، بمَن قَرُبت دارُهُ؟ فقال: هم كانوا أحقَّ بالزيادةِ؛ لأنهم ¬

(¬1) ضعَّفه أحمد، والنسائي، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وقال ابن معين: ليس بذاك القوي. وقال مرَّة: ليس بحجة. وقال ابن خزيمة: لا أحتجُّ به لسوء حفظه. انظر: «تهذيب الكمال» (20/ 434 - 445). (¬2) انظر: «تاريخ الطبري» (3/ 613 - 615).

كانوا / (ق 229) رِدءَ الهتوفِ، وشجى العدوِّ، وايمُ اللهِ، ما سَوَّيتُهُم حتى اسْتَطَبتُهُم- وللروادفِ الذين رَدِفُوا بعد افتتاحِ القادسيةِ واليرموكِ ألفًا ألفًا، ثم الرَّوادفُ الثنَّا خمسُمائةٍ خمسُمائةٍ، ثم الرَّوادفُ الثُّلَّثُ بعدَهم ثلاثُمائةٍ ثلاثُمائةٍ، سوَّى كلَّ طبقةٍ في العطاءِ، ليس بينهم فيما بينهم تفاضلٌ، قويُّهُم وضعيفُهُم، عربيُّهُم وأعجميُّهُم في طبقاتِهم سواء. حتى إذا حَوَى أهلُ الأمصارِ ما حَوَوا من سباياهم، ورَدِفتِ الرُّبَّعُ من الرَّوادفِ، فَرَضَ لهم على خمسينَ ومائتينَ، وفَرَضَ لمَن رَدِفَ من الرَّوادفِ الخُمَّسِ على مائتين، وكان آخرَ من فَرَضَ له عمرُ أهلُ هَجَرَ على مائتين، ومات عمرُ على ذاك، وأَدخَلَ عمرُ في أهل بدر أربعةً من غيرِهِم: الحسنَ، والحسينَ، وأبا ذرٍّ، وسلمانَ. (641) وقال سيف أيضًا (¬1): عن زهرة، ومحمد، عن أبي سَلَمة ومحمد وطلحة والمهلَّب بإسنادهم، وعمرو، عن الشَّعبي، والمستنير، عن إبراهيم: وجعل نساءَ أهلِ بدرٍ على خمسِمائةٍ خمسِمائةٍ، ونساءَ مَن بعدَ بدرٍ إلى الحديبيةِ على أربعِمائةٍ أربعِمائةٍ، ونساءَ مَن بعدَ ذلك إلى الأيامِ ثلاثَمائةٍ ثلاثَمائةٍ، ثم نساءَ أهلِ القادسيةِ على مائةٍ مائةٍ، ثم سوَّى بين النساءِ بعد ذلك، وجعل الصِّبيانَ من أهل بدرٍ وغيرِهِم سواءً، على مائةٍ مائةٍ، وفَرَضَ لأزواجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم عشرةَ آلافٍ عشرةَ آلافٍ، إلا مَن جَرَى / (ق 230) عليه المِلكُ، وفضَّل عائشةَ -رضي الله عنها- بألفين، فأَبَتْ، فقال: بفضلِ منزلتِكِ عند رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أَخَذتِ، فشأنُكِ. هذا إسناد غريب، ولكن في سياقه فوائد كثيرة، ويشهد له بالصحة ما تقدَّمه، وما يأتي بعده، والله أعلم. ¬

(¬1) انظر الموضع السابق.

حديث آخر (642) قال وكيع (¬1): عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن مصعب بن سعد: أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- فَرَضَ لأهل بدرٍ ستةَ آلافٍ، وفَرَضَ لأمَّهاتِ المؤمنينَ في عشرةِ آلافٍ، وفَضَّلَ عائشةَ بألفين لحُبِّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إيَّاها، إلا صفيةَ وجويريةَ، فَرَضَ لهما ستةَ آلافٍ، ستةَ آلافٍ، وفَرَضَ لنساءٍ من نساءِ المهاجرينَ في ألفٍ، منهنَّ أُمُّ عَبْدٍ. هذا إسناد جيد. وقال الزهري: فَرَضَ عمرُ للعبَّاسِ عشرةَ آلافٍ. وقال سيف بن عمر: عن زُهرة، عن أبي سَلَمة: أنَّ عمرَ فَرَضَ للعباسِ خمسةً وعشرينَ ألفًا. حديث (¬2) آخر (643) قال عبد الله بن المبارك (¬3): ثنا سعيد بن يزيد قال: سَمِعتُ الحارث بن يزيد الحضرمي، يحدِّث عن عُلَي بن رباح، عن ناشِرَة بن سُميٍّ ¬

(¬1) وعنه: أخرجه ابن أبي شيبة (6/ 455 - 456 رقم 32856) في السير، باب ما قالوا في الفروض وتدوين الدواوين. وأخرجه -أيضًا- أبو عبيد في «الأموال» (ص 212 رقم 554) وابن زنجويه في «الأموال» (2/ 505 رقم 803) والمحاملي في «الأمالي» (ص 248 رقم 242 - رواية ابن البيِّع) والخرائطي في «اعتلال القلوب» (1/ 23 رقم 25) وابن الجوزي في «المنتظم» (4/ 196) من طريق أبي إسحاق، به. (¬2) كتب المؤلف فوقه: «أثر»، ولم يضرب على ما تحته. (¬3) لم أقف عليه في مظانِّه من مصنَّفاته المطبوعة، ومن طريقه: أخرجه أحمد (3/ 475 رقم 15905) والفَسَوي في «المعرفة والتاريخ» (1/ 463) والبيهقي (6/ 349)، وجاء فيه: «ميمونة» بدل: «مارية».

اليَزَني قال: سَمِعتُ عمرَ -رضي الله عنه- يقول يوم الجابية، وهو يَخطبُ: إنَّ اللهَ جعلني خازنًا لهذا المال وقاسِمُهُ. ثم قال: بل اللهُ قَسَمَهُ، وأنا بادئٌ بأهلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثم أشرفِهِم، فقَسَمَ لأزواج النبيِّ صلى الله عليه وسلم عشرةَ آلافٍ، إلا جويريةَ، وصفيةَ، وماريةَ (¬1)، فقالت عائشة: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يَعدِلُ بيننا، فعَدَلَ عمرُ بينهنَّ، ثم فَرَضَ لأصحابِ بدرٍ المهاجرينَ خمسةَ آلافٍ، ولمن شَهِدَها من غيرِ المهاجرينَ أربعةَ آلافٍ، ولمن شَهِدَ أُحُدًا ثلاثةَ آلافٍ، وقال: مَن أَبطَأَ في الهجرةِ أَبطَأَ به العطاءُ، فلا يَلومنَّ رجلٌ إلا مُناخَ راحلتِهِ، وإنِّي أَعتذرُ إليكم من خالد بن الوليد، إنِّي أَمَرتُهُ أن يحبسَ هذا المالَ على ضعفةِ المهاجرينَ، فأعطاه ذا الشَّرَفِ، وذا اللِّسانِ، فنَزَعتُهُ، وأَمَّرتُ أبا عُبيدةَ. وهذا إسناد جيد. وهذا هو السَّبب الذي / (ق 231) اقتَضى عزلَ عمرَ خالدًا عن إمرة الشَّام، لأنَّ خالداً كان يتساهلُ في إعطاءِ المالِ في الغزو، ومستندُهُ في ذلك تسويغُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم له ما فَعَلَهُ في قضيةِ المَدَدي يومَ مؤتةَ من مَنْعِهِ إيَّاه بعضَ ذلك السَّلب (¬2)، والله تعالى أعلم بالصواب. أثر آخر (644) قال الفَسَوي (¬3): ثنا عَبْدان، ثنا عبد الله بن المبارك، ثنا عبيد الله بن مَوهَب، حدثني عبيد الله بن عبد الله قال: سَمِعتُ ¬

(¬1) في الأصل: «وميمونة»، لكن ضبَّب عليه المؤلف، وكتب بجواره في حاشية الأصل: «ومارية»، وما في الأصل موافق لما في مصادر التخريج. (¬2) انظر: «صحيح مسلم» (3/ 1373 رقم 1753). (¬3) في «المعرفة والتاريخ» (1/ 465 - 466).

أبا هريرة (¬1) يقول: قَدِمْتُ على عمرَ بن الخطاب بثمانِمائةِ ألفِ درهمٍ من عند أبي موسى الأشعري، فقال: بماذا قَدِمتَ؟ فقلت: بثمانِمائةِ ألفٍ. فقال: إنما قَدِمتَ بثمانينَ ألفِ درهمٍ. قلت: إنمَّا قَدِمْتُ بثمانِمائةِ ألفٍ. قال: لم أقل لك إنَّك ... (¬2)، إنما قَدِمتَ بثمانينَ ألفِ درهمٍ، فكم ثمانُمائةِ ألفٍ؟! فعَدَدتُ مائةَ ألفٍ، ومائةَ ألفٍ، حتى عَدَدتُ ثمانيةً. فقال: أطيِّبٌ ويلك؟! قلت: نعم. فبات عمرُ ليلتَهُ أَرِقًا، حتى إذا نودي بالصبح قالت له امرأتُهُ: يا أميرَ المؤمنين، مانِمْتَ الليلةَ؟ فقال: كيف ينامُ عمرُ وقد جاء الناسَ مالم يكن يأتيهم مثلُهُ منذُ كان الإسلامُ، فما يُؤمِّنُ عمرُ لو هَلَكَ وذلك المالُ عنده لم يَضَعْهُ في حقِّه، فلمَّا صلَّى الصبحَ اجتَمَعَ إليه نَفَرٌ من أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم في المال، وقد رأيتُ رأيًا، فأَشيرُوا عليَّ، رأيتُ أنْ أَكيلَ / (ق 232) للناسِ بالمكيالِ. فقالوا: لا تَفعَلْ، إنَّ الناسَ يدخلون في الإسلامِ، ويَكثرُ المالُ، ولكنْ أَعطِهِم على كتابِ اللهِ، فكلَّما كثُرَ الإسلامُ وكثُرَ المالُ أَعطيتَهُم. قال: فأَشيرُوا عليَّ بمن أَبدَأُ؟ قالوا: بِكَ يا أميرَ المؤمنين، إنَّك وَلِيُّ ذلك. قال: لا، ولكنْ ¬

(¬1) قوله: «ثنا عبيد الله بن مَوهَب، حدثني عبيد الله بن عبد الله قال: سَمِعتُ أبا هريرة» كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «أخبرنا عبيد الله بن عبد الله بن مَوهَب قال: سمعت أبا هريرة»، وما في الأصل هو الصحيح، وعبيد الله بن موهَب هو: عبيد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن موهَب، ويقال: عبد الله، روى عنه ابن المبارك، ويروي عن عمِّه عبيد الله بن عبد الله بن موهَب. انظر: «تهذيب الكمال» (19/ 79 - 80، 84 - 85). وهكذا ورد على الصواب في «سنن البيهقي» (6/ 364) وهو عنده من طريق الفَسَوي. (¬2) في هذا الموضع بياض في الأصل. وفي «المعرفة والتاريخ»: «ألم أقل إنك تهاميٌّ أحمق»، وعند البيهقي: «يمان أحمق».

أَبدَأُ برسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ثم الأقربُ، فالأقربُ. فوَضَعَ الديوانَ على ذلك. قال عبيد الله: بَدَأ بهاشم، ثم بني عبد المطلب. إسناده جيد صحيح (¬1). طريق أخرى (645) قال وكيع: ثنا سفيان الثوري، عن جعفر بن محمد، عن أبيه (¬2) قال: لما وَضَعَ عمرُ بن الخطاب الديوانَ استَشَارَ الناسَ، فقال: بمَن أَبدَأُ؟ فقالوا: ابدَأْ بنفسِكَ يا أميرَ المؤمنين. قال: لا، ولكنْ أَبدَأُ بالأقربِ، فالأقربِ من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم (¬3). وهذا منقطع. أثر آخر (646) قال محمد بن سعد كاتب الواقدي (¬4): ثنا يزيد بن هارون، أنا يحيى بن المتوكِّل، حدثني عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمرَ قال: ¬

(¬1) في هذا نظر؛ فعبيد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن موهَب، قال عنه أبو حاتم: صالح الحديث. وقال يعقوب بن شيبة: فيه ضعف. ووثَّقه ابن معين في رواية، وضعَّفه في أخرى. وقال النسائي: ليس بذاك القوي. انظر: «تهذيب التهذيب» (7/ 29). وعبيد الله بن عبد الله بن موهَب الراوي عن أبي هريرة جهَّله الإمام أحمد، والشافعي، وخالف ابن حبان فوثَّقه. انظر: «الجرح والتعديل» (9/ 168 رقم 692) و «تهذيب التهذيب» (7/ 25) و «ثقات ابن حبان» (5/ 72). (¬2) ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه بين محمد بن علي والد جعفر وعمر. (¬3) وأخرجه -أيضًا- ابن سعد (3/ 301) عن قَبيصة بن عُقبة، عن الثوري، به. (¬4) في الموضع السابق (3/ 301) وعنه: البلاذُري في «أنساب الأشراف» (ص 240). وإسناده ضعيف؛ لضعف عبد الله بن نافع، ويحيى بن المتوكِّل.

قَدِمَتْ رِفقَةٌ من التُّجار، فنزلوا المُصلَّى، فقال عمرُ لعبد الرحمن بن عوف: هل لك أن نَحرُسَهم الليلةَ؟ فبَاتَا يَحرسانهم، ويُصلِّيانِ ما كَتَبَ اللهُ لهما. فسَمِعَ عمرُ بكاءَ صبيٍّ، فتَوَجَّه نحوه، فقال لأُمِّه: اتَّقِّ اللهَ، وأَحْسِنِي إلى صَبيِّكِ. ثم عاد إلى بكائِهِ (¬1)، فسَمِعَ بكاءَهُ، فعاد إلى أُمِّهِ مرَّةً بعدَ مرَّةٍ، كلُّ ذلك يقول: اتَّقِّ اللهَ، وأَحسِنِي إلى صَبيِّكِ. ثم قال لها: إنِّي لأراكِ أُمَّ سَوْءٍ، مالي أرى ابنَكِ لا يَقِرُّ؟! قالت: يا عبد الله، قد أَبرَمْتَنِي (¬2) منذُ الليلةَ، إنِّي أُرِيغُهُ (¬3) عن الفِطام فيأبَى. قال: ولِمَ؟ قالت: لأنَّ عمرَ لا يَفرضُ إلا للفُطُم. قال: وكم له؟ قالت: كذا وكذا شهرًا. قال: وَيْحكِ لا تُعجِليهِ! فصلَّى الفجرَ (¬4)، فلمَّا سلَّم قال: / (ق 233) بُؤسًا لعمر، كم قَتَلَ من أولادِ المسلمينَ! ثم أمر مناديًا فنَادَى: لا تُعجِلُوا صبيانَكم عن الفطامِ، فإنَّا نَفرِضُ لكلِّ مولودٍ. وكَتَبَ بذلك إلى الآفاقِ. أثر آخر (647) قال أبو بكر بن أبي شيبة (¬5): ثنا ابن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيّب: أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- كان يَفرِضُ للصَّبيِّ إذا استَهَلَ. وهذا إسناد صحيح. ¬

(¬1) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «مكانه». (¬2) أي: أضجرتني. «المصباح المنير» (ص 48 - مادة برم). (¬3) أي: أُديره عليه وأُريده منه. «النهاية» (2/ 278). (¬4) زاد في المطبوع: «وما يستبين الناسُ قراءتَه من غلبة البكاء». (¬5) في «المصنَّف» (6/ 459 رقم 32878) في السير، باب في الصبيان هل يفرض لهم ... ؟

أثر آخر عن عمر مشتمل على فوائد من أهمها ما نحن فيه من قسمة مال الفيء

أثر آخر عن عمر مشتمل على فوائد من أهمِّها ما نحن فيه من قسمة مال الفَيء (648) قال الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزَّار -رحمه الله- في «مسنده» (¬1): ثنا زُهَير بن محمد بن قُمَير، ثنا حسين بن محمد، ثنا أبو مَعشر، عن زيد بن أسلم، عن أبيه. وعن عمرَ بن عبد الله مولى غُفْرة قالا: قَدِمَ على أبي بكرٍ -رضي الله عنه- مالٌ من البحرين، فقال: مَن كان له على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم عِدَةٌ فليأتْ، فليأخذ. قال: فجاء جابرُ بن عبد الله، فقال: قد وَعَدَني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «إذا جاءني من البحرين مالٌ أَعطيتُكَ هكذا، وهكذا، وهكذا». ثلاثَ مرَّاتٍ ملءَ كَفَّيْهِ. قال: خُذ بيديك. فأَخَذَ بيديه، فوَجَدَ خمسَمائةٍ. قال: عُدْ إليها. ثم أعطاه مثلَها، ثم قَسَمَ بين الناس ما بَقِيَ، فأصاب عشرةَ الدراهمِ -يعني: لكلِّ واحد-، فلمَّا كان العامُ المقبلُ، جاءه مالٌ أكثرَ من ذاك، فقَسَمَ بينهم، فأصاب كلُّ إنسانٍ عشرةَ دراهمٍ (¬2)، وفَضَلَ من المالِ فَضْلٌ، فقال للناسِ: أَيُّها الناسُ، قد فَضَلَ من هذا المالِ فَضلٌ، ولكم خَدَمٌ يُعالِجُونَ لكم ويَعملونَ لكم، إنْ شئتُم / (ق 234) رَضَخنا لهم، فرَضَخ (¬3) لهم خمسةَ الدراهمِ خمسةَ الدراهمِ، فقالوا: يا خليفةَ رسولِ الله، لو فَضَّلتَ المهاجرينَ؟ فقال: أجرُ أولئكَ على اللهِ، إنما هذه معايشُ، الأسوةُ فيها خيرٌ من الأَثرَةِ. ¬

(¬1) (1/ 407 رقم 286). (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «عشرين درهمًا». (¬3) الرَّضْخ: العطية القليلة. «النهاية» (2/ 228).

فلمَّا مات أبو بكرٍ -رضي الله عنه- استُخلِفَ عمرُ، ففتح اللهُ عليه الفتوح، فجاءه أكثرَ من ذلك المالِ، فقال: قد كان لأبي بكر في هذا المال رأيٌ، وَلِي رأيٌ آخرُ، لا أَجعلُ مَن قاتَلَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كمَن قاتَلَ معه، فَفَضَّلَ المهاجرينَ والأنصارَ، ففَرَضَ لمن شَهِدَ بدرًا منهم خمسةَ آلافٍ خمسةَ آلافٍ، ومَن كان إسلامُهُ قبلَ إسلامِ أهلِ بدرٍ فَرَضَ له أربعةَ آلافٍ أربعةَ آلافٍ، وفَرَضَ لأزواجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم اثني عشر ألفًا لكلِّ امرأة منهنَّ، إلا صفيةَ وجويريةَ، فَرَضَ لكلِّ واحدة ستةَ آلافٍ ستةَ آلافٍ، فأَبَيْنَ أنْ يأخُذنَهَا، فقال: إنما فَرَضتُ لهنَّ بالهجرةِ. قلن: ما فَرَضتَ لهنَّ بالهجرةِ، إنما فَرَضتَ لهنَّ لمكانِهِنَّ من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ولنا مثلُ مكانِهنَّ، فأَبَصَرَ ذلكَ، فجَعَلَهُنَّ سواءً مثلَهنَّ. وفَرَضَ للعبَّاسِ بن عبد المطَّلب اثنَي عشرَ ألفًا لقرابتِهِ من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وفَرَضَ لأسامةَ بن زيد أربعةَ آلافٍ، وفَرَضَ للحسنِ والحسينِ خمسةَ آلافٍ خمسةَ آلافٍ، فألحَقَهُما بأبيهما لقرابتِهِما / (ق 235) من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وفَرَضَ لعبد الله بنِ عمرَ ثلاثةَ آلافٍ، فقال: يا أَبَةِ، فَرَضتَ لأسامةَ أربعةَ آلافٍ، وفَرَضتَ لي ثلاثةَ آلافٍ، فما كان لأبيه من الفضل مالم يكن لك؟! ‍وما كان له من الفضلِ ما لم يكن لي؟ ‍‍‍! فقال: إنَّ أباه كان أحبَّ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم من أبيك، وهو كان أحبَّ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم منك. وفَرَضَ لأبناء المهاجرين والأنصار ممَّن شَهِدَ بدرًا ألفين ألفين، فمرَّ به عمرُ بن أبي سَلَمة، فقال: زِيدُوهُ ألفًا، أو قال: زِدْهُ ألفًا ياغلامُ، فقال محمد بن عبد الله بن جحش: لأيِّ شيءٍّ تَزيدُهُ علينا، ما كان لأبيه من الفضل مالم يكن لآبائنا؟! فقال: فَرَضتُ له بأبي سَلَمة ألفين، وزِدتُهُ بأُمِّ سَلَمة ألفًا، فإنْ كان لك أُمٌّ مثلَ أُمِّهِ زِدتُكَ ألفًا. وفَرَضَ لأهلِ مكةَ ثمانِمائةٍ

ثمانِمائةٍ، وفَرَضَ لعثمانَ بن عبد الله بن عثمان، وهو ابن أخي طلحة بن عبيد الله -يعني: عثمان بن عبد الله- ثمانِمائةٍ، وفَرَضَ لابنِ النَّضر بن أنس ألفي درهمٍ، فقال طلحة بن عبيد الله: جاءك ابنُ عثمان قبلَهُ، ففَرَضتَ له ثمانِمائةٍ، وجاءك غلامٌ من الأنصارِ ففَرَضتَ له ألفين؟ فقال: إنِّي لَقِيتُ أبا هذا يومَ أُحُدٍ، فسألني عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: ما أُراه إلا قد قُتِلَ. فسَلَّ / (ق 236) سيفَهُ، وكَسَرَ زَندَهُ (¬1)، وقال: إنْ كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قد قُتِلَ، فإنَّ اللهَ حيٌّ لا يموتُ، فقاتَلَ حتى قُتِلَ، وهذا يَرعى الغنمَ! فتُريدون أنْ أجعلُهُما سواءً! فعَمِلَ عمرُ -رضي الله عنه- عُمُره بهذا، حتى إذا كان من آخرِ السَّنَةِ التي حجَّ فيها، قال ناسٌ من الناسِ: لو قد مات أميرُ المؤمنين، أَقَمنا فلانًا -يعنون طلحة بن عبيد الله- وقالوا: كانت بيعةُ أبي بكرٍ فَلتَةً، فأراد أن يتكلَّمَ في أوسطِ أيامِ التشريقِ بمنىً، فقال له عبد الرحمن بن عوف: إنَّ هذا المجلسَ يَغلِبُ عليه غَوغَاءُ الناسِ، وهم لا يَحتملون كلامَكَ، فأَمهِلْ أو أَخِّرْ، حتى تأتِيَ أرضَ الهجرةِ وحيثُ أصحابُكَ ودارُ الإيمانِ والمهاجرينَ والأنصارِ، فتَتَكلَّمُ بكلامِكَ، أو فتَتَكلَّمُ فيُحتمل كلامُكَ. قال: فأَسرَعَ السَّيرَ حتى قَدِمَ المدينةَ، فخَرَج يومَ الجمعةِ، فحَمِدَ اللهَ، وأثنى عليه، ثم قال: قد بَلَغني مقالةُ قائِلِكم: لو قد مات عمرُ، أو لو قد مات أميرُ المؤمنين، أَقَمنا فلانًا فبَايعناه، وكانت إمارةُ أبي بكرٍ -رضي الله عنه- فَلتَةً، أَجَلْ واللهِ، لقد كانت فَلتَةً، ومِن أين لنا مثلُ أبي بكرٍ نَمُدُّ أَعناقَنَا إليه، كمَا نمُدُّ أعناقَنَا إلى أبي بكرٍ، وإنَّ أبا بكرٍ رأى رأيًا، ورأيتُ أنا رأيًا، فرأى أبو بكرٍ أن يَقسِمَ بالسَّويَّةِ، ورأيتُ ¬

(¬1) الزَّند: العُود الذي تُقدَح به النار. «مختار الصحاح» (ص 171 - مادة زند).

أنا أنْ أُفضِّلَ، فإنْ أَعِشْ إلى هذه السَّنَةِ، فسأَرجِعُ إلى / (ق 237) رأي أبي بكرٍ، فرأيُهُ خيرٌ من رأيي، إنَّي قد رأيتُ رؤيا، وما أرى ذلك إلا عند اقترابِ أجلي، رأيتُ كأنَّ دِيكًا نَقَرَني ثلاثَ نَقَراتٍ، فاستَعبَرتُ أسماءَ، فقالت: يَقتُلُكَ عبدٌ أعجمي، فإنْ أَهلِكَ؛ فإنَّ أَمرَكم إلى هؤلاءِ السِّتَّةِ، الذين تُوفي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ: عثمانُ بن عفَّان، وعليٌّ بن أبي طالب، وعبد الرحمن بن عوف، والزُّبيرُ بن العوام، وطلحةُ بن عبيد الله، وسعدُ بن مالك، وإنْ عِشتُ فسأَعهَدُ عَهدًا لا تَهلَكوا، ألا، ثم إنَّ الرَّجم (¬1) قد رَجَمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ورَجَمنا بعدَهُ، ولولا أن تقولوا: كَتَبَ عمرُ ما ليس في كتاب الله لَكَتَبتُهُ، قد قَرَأنا في كتابِ اللهِ: «الشيخُ والشيخةُ إذا زَنَيَا فارجُمُوهُمَا البتَّةَ نَكَالاً من اللهِ، واللهُ عزيزٌ حكيمٌ»، نَظَرتُ إلى العمَّةِ وابنةِ الأخِ، فما جَعَلتُهُما وَارِثَين، ولا يَرِثَا، وإنْ أَعِشْ؛ فسأَفتَحُ لكم منه طريقًا تَعرفونَهُ، وإنْ أَهلِكَ؛ فاللهُ خليفتي، وتختارون رأيَكُم، إنِّي قد دَوَّنتُ الدِّيوانَ، ومَصَّرتُ الأمصارَ، وإنما أتخوَّف عليكم أحدَ رجلينِ: رجلٌ تأوَّلَ القرآنَ على غير تأويلِهِ، فيُقاتِلُ عليه، ورجلٌ يرى أنَّه أَحقُّ بالمُلكِ من صاحبِهِ، فيُقاتِلُ عليه. تَكلَّم بهذا الكلامِ يومَ الجمعةِ، ومات -رضي الله عنه- يومَ الأربعاءِ. وهذا الحديث / (ق 238) حسن؛ لأنَّ له شواهدَ من أحاديثَ متعددة تَقَدَّمت، وستأتي، إن شاء الله تعالى. ¬

(¬1) قوله: «ألا، ثم إنَّ الرَّجم» كذا ورد بالأصل .. وقد ضبَّب عليه المؤلِّف، إشارة إلى وجود سَقط في الرواية، وكذا جاء في مطبوع البزار.

أثر آخر (649) قال البخاري في كتاب المغازي (¬1): حدثني إسماعيل بن عبد الله، حدثني مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: خَرَجتُ مع عمرَ بن الخطاب إلى السُّوق، فلَحِقَتْ عمرَ امرأةٌ شابَّةٌ، فقالت: يا أميرَ المؤمنين، هَلَك زوجي، وترك صِبيةً صغارًا، والله ما يُنضِجونَ كُراعًا (¬2)، ولا لهم زرعٌ، ولا ضَرعٌ، وخَشِيتُ أنْ تأكلَهم الضَّبُع، وأنا ابنةُ خُفَاف بن إيماء بن رَحضة الغفاري، وقد شَهِدَ أبي الحديبيةَ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم. فوقف معها عمرُ، ولم يمضِ، ثم قال: مرحبًا بنَسَبٍ قريبٍ، ثم انصرَفَ إلى بعيرٍ ظَهيرٍ، كان مربوطًا في الدَّار، فحمل عليه غِرارتين ملأهما طعامًا، وحَمَلَ بينهما نفقةً وثيابًا، ثم ناولها بخطامِهِ، ثم قال: اقْتَادِيهِ، فلن يَفنى حتى يأتيكِ اللهُ بخيرٍ. فقال رجل: يا أميرَ المؤمنين، أَكثَرتَ لها. فقال عمرُ رضي الله عنه: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، والله إنَّي لأرى أبا هذه وأخاها قد حاصَرَا حِصنًا زمانًا، فافتَتَحَاهُ، ثم أصبحنا نَستَفِيء سُهمانَهُما فيه. انفرد به البخاري. وقولها: وخَشِيتُ أنْ تأكلَهم الضَّبُعُ: أي يَهلَكوا في هذه السَّنَةِ المَحلِ، فإنَّ السَّنةَ المُمحِلَةَ تسمَّى الضَّبُعُ لغةً. ¬

(¬1) من «صحيحه» (7/ 445 رقم 4160، 4161 - فتح) في المغازي، باب غزوة الحديبية. (¬2) الكُراع: بضم الكاف، هو ما دون الكعب من الشَّاة. قال الخطابي: معناه أنهم لا يَكفُون أنفسهم معالجة ما يأكلونه، ويحتمل أن يكونَ المراد لا كُرَاع لهم فيُنضجونه. انظر: «الفتح» (7/ 446).

حديث آخر (650) قال البخاري أيضًا (¬1): ثنا يحيى بن بُكَير، / (ق 239) ثنا اللَّيث، عن يونس، عن ابن شهاب قال: وقال ثعلبة بن أبي مالك: إنَّ عمرَ بن الخطاب قَسَمَ مُرُوطًا بين نساءٍ من نساءِ أهلِ المدينةِ، فبَقِيَ منها مِرطٌ جيِّدٌ، فقال له بعضُ من عندَه: يا أميرَ المؤمنين، أعطِ هذا ابنةَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم التي عندك -يريدون: أُمَّ كلثوم بنتَ عليٍّ بن أبي طالب-. فقال عمرُ رضي الله عنه: أُمُّ سَلِيطٍ أحقُّ به. -وأُمُّ سَلِيط من نساءِ الأنصارِ ممَّن بايع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم-. قال عمرُ: فإنها كانت تَزفِرُ -أي: تحمل (¬2) - لنا القِرَبَ يومَ أُحُدٍ. ورواه البخاري -أيضًا- (¬3)، عن عَبْدان، عن ابن المبارك، عن يونس، عن الزهري، به. أثر (¬4) آخر (651) قال الحافظ أبو يعلى (¬5): ثنا زُهَير، ثنا زيد بن الحُبَاب، ثنا عمر (¬6) بن سعيد بن أبي حسين، ثنا عبد الله بن أبي مُلَيْكَة، عن ذكوان مولى ¬

(¬1) في «صحيحه» (7/ 366 - 367 رقم 4071 - فتح) في المغازي، باب ذكر أم سَلِيط. (¬2) قوله: «أي: تحمل» ليست في نسخ «الصحيح»، وقد قال الحافظ في «الفتح» (6/ 79 - 80): وقع عند أبي نعيم في «المستخرج» بعد أن أخرجه من طريق عبد الله بن وهب، عن يونس، قال عبد الله: تَزفِر: تحمل. (¬3) (6/ 79 رقم 2881 - فتح) في الجهاد، باب حمل النساء القِرَب إلى الناس في الغزو. (¬4) كتب المؤلف فوقه: «حديث»، ولم يضرب على ما تحته. (¬5) ليس في القسم المطبوع في المطبوع من «مسنده»، وهو من رواية ابن حمدان، وأورده الهيثمي في «المقصد العلي» (2/ 420 رقم 943 - رواية ابن المقرئ). (¬6) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «عمرو»، وما في الأصل موافق لما في «المختارة» (1/ 257 رقم 147) للضياء، فقد رواه من طريق أبي يعلى، وهو الموافق لما في كُتُب الرجال. انظر: «تهذيب الكمال» (21/ 364) ..

عائشة، عن عائشةَ: أنَّ دُرْجًا أتى عمرَ بن الخطاب، فنظر إليه أصحابُهُ، فلم يعرفوا قيمتَهُ، فقال: أتأذنون أن أَبعثَ به إلى عائشةَ؛ لِحُبِّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إِيَّاها؟ قالوا: نعم. فأتي به عائشة -رضي الله عنها-، فَفَتَحته، فقيل: هذا أَرسَلَ به إليكِ عمرُ بن الخطاب. فقالت: ماذا فَتَحَ عليَّ ابنُ الخطاب بعدَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؟! اللهمَّ لا تُبقِنِي لعطية قابل. إسناده جيد، وقد اختاره الضياء في كتابه (¬1). والدُّرْج ههنا هو: الصُّندوق. / (ق 240) أثر آخر (652) قال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني (¬2): ثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا بِشر بن موسى، ثنا خلاَّد بن يحيى، ثنا هارون بن أبي إبراهيم، عن عبد الله بن عُبيد بن عُمَير (¬3) قال: بينما الناسُ يأخذون أُعطياتهم بين يدي عمرَ -رضي الله عنه-، إذ رفع رأسَه، فنظر إلى رجلٍ في وجهه ضَربة، قال: فسأله، فأَخبَرَه أنَّه أصابته في غَزَاةٍ كان فيها، فقال: عُدُّوا له ألفًا، فأُعطي الرَّجلُ ألفَ درهمٍ (¬4)، ثم قال: عُدُّوا له ألفًا، فأُعطي ألفًا أخرى، ثم قال له ذلك أربع مرات، كلُّ ذلك يُعطيه ألفَ درهمٍ، فاستحيا ¬

(¬1) تقدم تخريجه في التعليق السابق. (¬2) في «حلية الأولياء» (3/ 355). وأخرجه -أيضًا- أحمد في «فضائل الصحابة» (1/ 262 رقم 337) وابن زَنجويه في «الأموال» (2/ 570 - 571 رقم 940) من طريق هارون، به. (¬3) ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه بين عبد الله بن عُبيد بن عُمَير وعمر. (¬4) زاد في المطبوع: «ثم حوَّل المالَ ساعة».

الرَّجلُ من كثرة ما يُعطيه، فخَرَج. قال: فسأل عنه، فقيل له: إنَّا رأينا أنَّه استحيا من كثرة ما أُعطي، فخَرَج. فقال: أما واللهِ لو أنَّه مكث ما زلتُ أُعطيه ما بقي منها درهم، رجلٌ ضُرِبَ ضربةً في سبيل الله حَفَرت في وجهه. هذا أثر حسن، وفيه انقطاع. أثر آخر (653) قال الحافظ أبو بكر الخطيب (¬1): أخبرني أحمد بن علي بن محمد المحتسِب، ثنا عمر بن القاسم المُقرئ، ثنا محمد بن مَخلد العطَّار، ثنا محمد بن أبان العَلاَّف، ثنا عامر بن سيَّار، ثنا سليمان بن أرقم، عن الحسن: أنَّ عمرَ بن الخطاب وعثمانَ بن عفَّان -رضي الله عنهما- كانا يرزقان المؤذِّنين، والأئمَّة، والمُعلِّمين، والقُضاة. أثر آخر (654) قال الحافظ أبو بكر الباغَندي: ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا حسين بن علي، عن إسرائيل، عن / (ق 241) الحسن قال: قال عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه: السَّنَةُ ثلاثُمائةٍ وستون يومًا، وإنَّ حقًّا على عمرَ أن يَكسَحَ (¬2) بيتَ المال في كلِّ سَنَةٍ يومًا، عُذرًا إلى اللهِ عزَّ وجلَّ أنِّي لم أدع فيه شيئًا (¬3). ¬

(¬1) في «تاريخه» (2/ 81). وهو منقطع بين الحسن وعمر. (¬2) الكَسحُ: الكَنسُ. «النهاية» (4/ 172). (¬3) وأخرجه -أيضًا- ابن عساكر في «تاريخه» (44/ 342) من طريق عثمان بن أبي شيبة، به. وهو منقطع بين الحسن وعمر رضي الله عنه.

أثر آخر (655) قال أبو بكر ابن أبي الدُّنيا (¬1): حدثني المثنىَّ بن معاذ، ثنا بِشر بن المُفضَّل، عن سعيد بن أبي عَروبة، عن قتادة (¬2) قال: كان مُعيقيب على بيت مال عمر، فكَسَحَ (¬3) بيتَ المالِ يومًا، فوجد فيه درهمًا، فدفعه إلى ابنٍ لعمرَ، قال مُعيقيب: ثم انصرفت إلى بيتي، فإذا رسولُ عمرَ قد جاءني يدعوني، فإذا الدرهمُ في يده. فقال: ويحك يا مُعيقيب! أَوَجَدتَ عليَّ في نفسك شيئًا، أو مالي ولك؟! قلت: وما ذاك؟ قال: أردتَ أن تخُاصِمَني أُمَّةُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم في هذا الدرهمِ يومَ القيامةِ. فيه انقطاع بيِّن. أثر آخر (656) قال حنبل بن إسحاق (¬4): ثنا خالد بن خِدَاش (¬5)، ثنا حماد بن زيد، عن معمر، عن الزهري: أنَّ عمرَ كَسَا أصحابَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ثيابًا (¬6)، فلم يكن فيها ما يصلح للحسن والحسين، فبعث إلى اليمن، فأتى لهما بكِسوة، وقال: الآن طابت نفسي. منقطع. ¬

(¬1) في «الورع» (ص 126 رقم 229). (¬2) ضبَّب عليها المؤلِّف لانقطاعه. (¬3) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «فكَنَس». (¬4) ومن طريقه: أخرجه ابن عساكر في «تاريخه» (14/ 177). (¬5) قوله: «خِدَاش» تحرَّف في المطبوع من «تاريخ ابن عساكر» إلى: «خراش»! (¬6) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع من «التاريخ»: «كسا أبناء أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم».

أثر آخر (657) قال سيف بن عمر التَّميمي (¬1)، عن عبد الملك بن عُمَير قال: أصاب المسلمون يوم المدائن بُهار كِسرى (¬2)، ثَقُلَ عليهم أن يذهبوا به، وكانوا يعدُّونه للشتاء إذا ذهبت الرَّياحين، / (ق 242) وكانوا إذا أرادوا الشُّرب شربوا عليه، فكأنَّهم في رياض بِسَاط واحد ستين في ستين، أرضه بذَهَب، ووَشْيه بفصوص، وثمره بجوهر، ووَرقه بحرير وماء ذهب، فلمَّا قَسَمَ سعد فَيئهم فضل عنهم، ولم يَتَّفِق قَسمُهُ، فجمع سعد المسلمين، فقال: إنَّ اللهَ قد ملأ أيديكم، وقد عَسُرَ قَسمُ هذا البِساط، ولا يقوى على شرائه أحد، وأرى أن تطيبوا به أَنفُسًا لأمير المؤمنين، يَضَعُهُ حيث شاء. ففعلوا. فلمَّا قَدِمَ على عمرَ بالمدينة رأى رؤيا، فجمع الناسَ، فحَمِدَ اللهَ، وأَثنى عليه، واستشارهم في البِساط، وأَخبَرَهم خبرَه، فمن بين مُشير بقبضه، وآخر مُفوِّض إليه، وآخر مُرقِّق. فقام عليٌّ -رضي الله عنه- حين رأى عمرَ يأبى حتى انتهى إليه، فقال: لم تجعل علمَكَ جَهلاً! ويقينَكَ شكًّا! إنَّه ليس لك من الدنيا إلا ما أعطيتَ فأمضيتَ، أو لَبِستَ فأبليتَ، أو أكلتَ فأفنيتَ. فقال: صدقتني. فقطَّعه، فقَسَمه بين الناس، فأصاب عليًّا -رضي الله عنه- قطعةً منه، فباعها بعشرين ألفًا، وما هي بأجودَ تلك القطع. هذا أثر مشهور، وإسناده ههنا فيه انقطاع. ¬

(¬1) ومن طريقه: أخرجه الطبري في «تاريخه» (4/ 22) وابن الجوزي في «المنتظم» (4/ 210). (¬2) بُهار كسرى: أي: بِساطه، كما يدل عليه السياق.

أثر آخر (658) قال الشيخ الإمام أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي (¬1): أنا محمد بن أبي منصور (¬2)، أنا أبو الحسين بن يوسف، أنا محمد بن علي بن صخر القاضي، ثنا أبو الحُبَاب (¬3) أحمد بن الحسن بن أيوب، ثنا أبو رَوق / (ق 234) الهَزَّاني، ثنا القاسم بن محمد بن عبَّاد المهلَّبي، ثنا موسى بن المثنىَّ بن سَلَمة بن المحبَّق الهُذَلي، عن أبيه، عن جدِّه قال: شهدتُ فتحَ الأُبُلَّة (¬4)، وأميرنا قطبة بن قتادة السَّدوسي، فاقتُسِمَت المغانمُ، فدُفِعت إليَّ قِدرٌ من نحاس، فلمَّا صارت في يَدَيَّ تبيَّن لي أنها ذهبٌ، وعَرَفَ ذلك المسلمون، فشكوني (¬5) إلى أميرنا، فكَتَب إلى عمرَ بن الخطاب يخبره بذلك، فكَتَب إليه عمرُ: أَصبِرْ يمينَه (¬6) أنه لم يعلم أنها ذهب إلا بعد ما صارت إليه، فإنْ حَلَف فادفعها إليه، وإنْ أَبَى فاقسمها بين المسلمين. فحَلَف، فدَفَعها إليه، فكان فيها أربعون ألفَ مثقالٍ. قال جدِّي: فمنها أموالنا التي نتوارثها اليوم. هذا أثر غريب، وحُكمه أغرب منه. ¬

(¬1) في «المنتظم» (4/ 181 - 182). (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «بن ناصر». (¬3) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «أبو غياث». (¬4) الأُبُلَّة: بلدة على شاطئ دجلة البصرة العظمى في زاوية الخليج الذي يدخل إلى مدينة البصرة. «معجم البلدان» (1/ 77). (¬5) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «فنازعوني». (¬6) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «صِر إلى يمينه».

أثر آخر (659) قال حنبل بن إسحاق (¬1): ثنا الحميدي، ثنا سفيان، ثنا عامر بن شقيق، أنَّه سَمِعَ أبا وائل يقول: استعملني ابنُ زياد على بيت المال، فأتاني رجلٌ بصَكٍّ، فقال فيه: أعطِ صاحبَ المطبخِ ثمانمائة درهم، فقلت له: مكانك، ودخلتُ على ابن زياد، فحدَّثتُه، فقلت: إنَّ عمرَ استعمل عبد الله بن مسعود على القضاء وبيت المال، وعثمانَ بن حنيف على ما سقى الفُرَات، وعمَّارَ بن ياسر على الصلاة والجند، ورَزَقهم كلَّ يوم شاة، فجعل نصفها وسَقَطَها وأكارِعَها لعمَّار؛ لأنَّه كان على الصلاة والجند، وجعل لعبد الله بن مسعود رُبُعَها، وجعل لعثمان بن حَنيفٍ رُبُعَها. ثم قال: إنَّ مالاً يؤخذ منه كلَّ يومٍ شاةٌ، إنَّ ذلك فيه لسريعٌ. قال ابن زياد: ضع المفتاحَ، واذهب / (ق 244) حيثُ شئتَ. هذا إسناد صحيح. أثر آخر (660) قال عبد الله بن المبارك (¬2): ثنا جرير بن حازم قال: سَمِعتُ نافعًا يقول: أصاب الناسُ فتوحًا في الشَّام، منهم بلال، -وأظنه ذَكَر معاذًا- فكتبوا إلى عمرَ: إنَّ هذا الفَيءَ لك خُمُسَه، ولنا ما بقي، ليس ¬

(¬1) ومن طريقه: أخرجه البيهقي (6/ 354) وابن عساكر في «تاريخه» (23/ 179). وأخرجه -أيضًا- الفَسَوي في «المعرفة والتاريخ» (3/ 389) من طريق الحميدي، عن سفيان، به. (¬2) لم أقف عليه في مظانه من مصنَّفاته المطبوعة، ومن طريقه: أخرجه أحمد في «فضائل الصحابة» (1/ 289 رقم 378) والبيهقي (9/ 138) وابن عساكر في «تاريخه» (2/ 196).

لأحد فيه شيء، كما صنع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. فكتب عمرُ رضي الله عنه: إنَّه ليس على ما قلتم، ولكنِّي أَقِفُها للمسلمين. فراجعوه، وراجعهم، يأبون، ويأبى، فلمَّا أَبَوا قام فدعا عليهم، فقال: اللهمَّ بلالاً وأصحاب بلال. فما حال عليهم الحَوْل. هذا أثر مشهور، وهو مرسل.

حديث يذكر في باب عقد الذمة وضرب الجزية

حديث يُذكر في باب عقد الذمة وضرب الجزية (661) قال أحمد (¬1): ثنا رَوْح ومؤمَّل قالا: ثنا سفيان الثوري، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله: أنَّ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنْ عشتُ لأُخرِجَنَّ اليهودَ والنصارى من جزيرة العرب، حتى لا أتركَ فيها إلا مسلمًا». ثم رواه أحمد (¬2)، عن عبد الرزاق (¬3)، عن ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، أنه سَمِعَ جابر بن عبد الله، عن عمرَ، به. ثم رواه (¬4)، عن أبي أحمد الزُّبيري، عن سفيان، عن أبي الزبير، عن جابر، عن عمرَ أنه قال: لئن عشتُ -إن شاء الله-، لأُخرجنَّ اليهودَ والنَّصارى من جزيرة العرب. هكذا رواه موقوفًا. وقد رواه مسلم / (ق 245) في «صحيحه» (¬5)، عن أبي خيثمة زُهَير بن حرب، عن رَوْح بن عُبادة، عن الثوري. ومن حديث ابن جريج ومَعقِل بن عبيد الله. ثلاثتهم عن أبي الزبير، عن جابر، عن عمرَ، مرفوعًا، كما تقدَّم. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 32 رقم 219). (¬2) (1/ 29 رقم 201). (¬3) وهو في «المصنَّف» (6/ 54 رقم 9985) و (10/ 359 رقم 19365). (¬4) أي: أحمد (1/ 32 رقم 215). (¬5) (3/ 1388 رقم 1767).

ورواه أبو داود (¬1)، والترمذي (¬2)، والنسائي (¬3) من حديث الثوري، به. وأبو داود (¬4) من حديث ابن جريج، به. وقال الترمذي: حسن صحيح. وقال علي ابن المديني: لا يحفظ عن عمرَ إلا من هذا الوجه، لكن رواه جماعة من الصحابة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم (¬5). وقال الإمام مالك (¬6): وقد أجلى عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه- يهودَ نجرانَ، وفَدَك. قال مالك: قال عمرُ (¬7) أجلى أهلَ نجرانَ ولم يُجلَوا من تَيماء؛ لأنها ليست من بلاد العرب، فأمَّا الوادي فإنِّي أَرى أنما لم يُجلَ مَن فيها مِن اليهود، لأنهم لم يروها من أرض العرب. ¬

(¬1) في «سننه» (3/ 485 رقم 3031) في الفرائض، باب إخراج اليهود من جزيرة العرب. (¬2) في «سننه» (4/ 133 رقم 1606) في السير، باب ما جاء في إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب. (¬3) في «سننه الكبرى» (5/ 210 رقم 8686). (¬4) في الموضع السابق (3024). (¬5) منها: ما أخرجه البخاري (6/ 170، 270 رقم 3053، 3168) في الجهاد، باب جوائز الوفد، وباب إخراج اليهود من جزيرة العرب، و (8/ 132 رقم 4431 - فتح) في المغازي، باب مرض النبيِّ ... ، ومسلم (3/ 1257 رقم 1637) في الوصية، باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه، من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب». (¬6) في «الموطأ» (2/ 471) في الجامع، باب ما جاء في إجلاء اليهود من المدينة. (¬7) قوله: «قال مالك: قال عمرُ» كذا ورد بالأصل. وقد أخرجه أبو داود في «سننه» -كما سيأتي- من طريق مالك، وفيه: «قال مالك: عمر».

رواهما أبو داود في كتاب الخراج من «سننه» (¬1)، عن مالك رحمه الله. أثر عن عمر (662) قال محمد بن إسحاق (¬2): فحدَّثني عبد الله بن أبي بكر، عن عبد الله بن مِكْنَف أخي بني حارثة قال: لما أَخرج عمرُ يهودَ من خيبر ركب في المهاجرين والأنصار، وخَرَج معه جبَّار بن صَخر بن أُميَّة بن خنساء، أخي بني سَلَمة -وكان خارصَ أهلِ المدينةِ وحاسبَهم-، ويزيد بن ثابت، فهُمَا قَسَما خيبر بين أهلها على أصل جماعة السُّهمان التي كانت عليها ... ، ثم ذَكَر قِسمَتَه لوادي القرى، وماخصَّ كلَّ واحد من أهله، مفصَّلاً في «السِّيرة» (¬3). ¬

(¬1) (3/ 486 رقم 3034) في الخراج والإمارة، باب إخراج اليهود من جزيرة العرب. (¬2) ومن طريقه: أخرجه عمر بن شَبَّة في «تاريخ المدينة» (1/ 185) والبيهقي (10/ 132). (¬3) تنبيه: جاء بحاشية الأصل ما نصُّه: بلغت قراءة على شيخنا.

ذكر الشروط العمرية في أهل الذمة

ذِكر الشروط العُمرية في أهل الذمة (663) أخبرني شيخنا الإمام الحافظ أبو الحجَّاج يوسف بن عبد الرحمن المزِّي -فيما قرأت عليه-، أنا أبو العباس أحمد بن عبد الكريم بن غازي بن الأغلاقي الواسطي -بقراءتي عليه بالقاهرة سنة ثلاث وثمانين وستِّمائة-، أنا أبو الفضل مُكرم بن محمد بن حمزة بن أبي الصَّقر القرشي، أنا أبو النَّدى حسان بن تَميم بن نصر الزيَّات، أنا الفقيه أبو الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي -رحمه الله- قال: أنا أبو محمد عبد الله بن الحسن بن طلحة بن إبراهيم بن النحاس التِّنيسي، أنا أبو عبد الله محمد بن بَيَان الكازروني، أنا أبو الفرج الحسين بن عبيد الله بن أحمد الصَّابوني القاضي بالموصل، ثنا أبو عبد الله محمد بن يحيى، ثنا أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي، ثنا الرَّبيع بن ثعلب، ثنا يحيى بن عُقبة بن أبي العيزار، عن سفيان الثوري، والوليد / (ق 246) بن نوح، والسَّري بن مصرِّف يَذكرون عن طلحة بن مصرِّف، عن مسروق، عن عبد الرحمن بن غَنم قال: كَتَبتُ لعمرَ بن الخطابِ حين صالح نصارى من أهل الشَّام: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتابٌ لعبد الله عمرَ أميرِ المؤمنين من نصارى مدينة كذا وكذا، أنكم لمَّا قَدِمْتُم علينا، سألناكم الأمانَ لأنفسنَا، وذرارينا، وأموالنا، وأهلِ ملَّتنا، وشرطنا لكم على أنفسنا: ألا نحدِثَ في مدينتنا، ولا فيما حولها دَيرًا، ولا كنيسة، ولا قَلاَّيةَ (¬1)، ولا صومعةَ راهب، ولا نجدِّدَ ما خَرِبَ منها، ولا نحيي ما كان في خططِ المسلمين، وألا نمنعَ كنائسنا أن ينزلها أحد من المسلمين ¬

(¬1) القَلاَّية: من بيوت عباداتهم. «النهاية» (4/ 105).

في ليل ولا نهار، وأن نوسِّعَ أبوابها للمارَّة، وابنِ السبيلِ، وأن نُنزِلَ من مَرَّ بنا من المسلمين ثلاثة أيام نُطعِمُهُم، وألا نُؤوي في كنائسنا، ولا منازلنا جاسوسًا، ولا نكتم غِشًّا للمسلمين، ولا نُعلِّمَ أولادنا القرآن، ولا نُظهرَ شِركًا، ولا ندعو إليه أحدًا، ولا نمنعَ أحدًا من ذَوِي قراباتِنا الدخولَ في الإسلام إن أرادوه، وأن نُوقِّرَ المسلمين، وأن نقومَ لهم من مجالسنا إن أرادوا الجلوس، ولا نتشبَّهَ بهم في شيء من ملابسهم، في قَلنسُوة، ولا عمامة، ولا نعلين، ولا فَرق شَعر، ولا نتكلَّمَ بكلامهم، ولا / (ق 247) نَكتني بكُناهم، ولا نركبَ السُّروجَ، ولا نتقلَّدَ السُّيوف، ولا نتَّخِذَ شيئًا من السِّلاح، ولا نحملَه معنا، ولا ننقشَ خواتيمنا بالعربية، ولا نبيعَ الخمور، وأن نجُزَّ مقاديمَ رُءوسنا، وأن نلتزمَ دِيننا (¬1) حيث ماكنَّا، وأن نشُدَّ الزَّنانير على أوساطنا، وألا نُظهِرَ الصَّليب على كنائسنا، وألا نُظهِرَ صَلِيبًا (¬2)، أو نجسًا في شيءٍ من طرق المسلمين، ولا أسواقهم، ولا نَضرِبَ بنواقيسنا في كنائسنا، إلا ضربًا خفيفًا، وألا نرفعَ أصواتَنا بالقراءة في كنائسنا في شيء من حضرة المسلمين، ولا نُخرِجَ سَعَانين (¬3)، ولا باعوثاً (¬4)، ولا نرفعَ أصواتنا مع موتانا، ولا نُظهِرَ النيرانَ معهم في شيء من طرق المسلمين ولا أسواقهم، ولا نجاورَهم بموتانا، ولا نتَّخِذَ من الرَّقيق ما جرى عليه سهامُ المسلمين، وأن نُرشِدَ المسلمين، ولا نطَّلعَ عليهم في منازلهم. ¬

(¬1) كَتَب المؤلِّف بجوارها في حاشية الأصل: «وفي البيهقي: وأن نَلزَمَ زِيَّنَا». (¬2) كَتَب المؤلِّف بجوارها في حاشية الأصل: «في البيهقي: صُلُبَنا وكُتُبَنا». (¬3) السَّعانين: هو عيد لهم معروف قبل عِيدِهم الكبير بأسبوع، وهو سُرْياني معرَّب، وقيل: هو جمع، واحده: سَعنون. «النهاية» (2/ 369) .. (¬4) الباعوث للنصارى كالاستسقاء للمسلمين، وهو اسم سُرْياني. «النهاية» (1/ 139).

فلمَّا أتيتُ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- زاد فيه: ولا نضربَ أحدًا من المسلمين. شَرَطنا لكم ذلك على أنفسنا وأهل مِلَّتنا، وقَبِلنَا عليه الأمانَ، فإن نحن خالفنا في شيء ممَّا شرطنا لكم وَوَصفنا على أنفسنا؛ فلا ذِمَّة لنا، وقد حلَّ لكم منَّا ما يحِلُّ لكم من أهل المعاندة والشِّقاق. وقد رواه الحافظ أبو بكر البيهقي في «سننه الكبير» (¬1)، عن أبي طاهر الفقيه، عن أبي الحسن / (ق 248) علي بن محمد بن سَخْتُويه، عن أبي بكر يعقوب بن يوسف المطَّوِّعي، عن الربيع بن ثعلب، فذكر بإسناده مثله، سوى ما بيَّنته في الحاشية، ولله الحمد. وهكذا رواه الحافظ أبو محمد عبد الله بن أحمد بن زَبر -قاضي دمشق- في جزء جمعه في الشروط العمرية (¬2)، عن محمد بن هشام بن البَختَري أبي جعفر المستملي، عن الربيع بن ثعلب الغَنَوي، به، مثلَه. ثم قال (¬3): ووَجَدتُ هذا الحديثَ بالشَّام، رواه عبد الوهاب بن نَجدة الحَوطِي، عن محمد بن حِميَر، عن عبد الملك بن حميد بن أبي غَنيَّة، عن السَّري بن مصرِّف، وسفيان الثوري، والوليد بن نوح، عن طلحة بن مصرِّف، عن مسروق بن الأَجدع، عن عبد الرحمن بن غَنم قال: كَتَبتُ لعمرَ بن الخطاب حين صالحه نصارى أهل الشَّام، فذَكَر مثله سواءً بطوله، فتَعَجبتُ من اتفاق ابن أبي غَنيَّة ويحيى بن عُقبة على روايته عن هؤلاء الثلاثة بأعيانهم، حتى كأن أحدهما أخذه من الآخر، والله أعلم. ¬

(¬1) (9/ 202). وأخرجه -أيضًا- ابن الأعرابي في «معجمه» (1/ 207 رقم 365) من طريق الربيع بن ثعلب، به. (¬2) (ل/4). (¬3) (ل/5).

قال (¬1): ورأيتُ هذا الحديثَ في كتاب رجل من أصحابنا بدمشق، ذَكَر أنَّه سَمِعَه من محمد بن ميمون بن معاوية الصُّوفي بطبرية، بإسناد ليس بمشهور، ينتهي إلى إسماعيل بن مُجالِد، حدثني سفيان الثوري، عن طلحة بن مصرِّف، عن مَسروق، عن عبد الرحمن بن غَنم ... ، فذَكَره بطوله. وقال فيه: ولا نتشبَّهَ بهم في شيء من لباسهم، في قَلنسُوة، ولا / (ق 249) عمامة، ولا سراويل ذات خَدَمة، ولا نعلين ذات عَذَبة، ولا نمشي إلا بزُّنَّار من جِلد، ولا يوجد في بيت أحدنا سلاح إلا انتُهِبَ. ثم قال (¬2): وما رأيتُ هذه الزيادةَ فيما وقع إلينا في شيءٍ من عهودِ عمرَ بن الخطاب، وهي مرويَّةٌ عن عمرَ بن عبد العزيز. طريق أخرى (664) ثم قال ابن زَبر (¬3): ثنا محمد بن إسحاق بن راهويه، ثنا أبي، ثنا بقيَّة بن الوليد، عن عبد الحميد بن بَهرام، عن شَهر بن حَوشب، عن عبد الرحمن بن غَنم: أنَّ عمرَ بن الخطاب كَتَب على النصارى حين صولحوا: بسم الله الرحمن الرحيم ... ، فذَكَر مثلَه، أو نحوَه. طريق أخرى (665) قال ابن زَبر (¬4): وذَكَر أحمد بن علي المصِّيصي -المعروف بالحُطَيطي، ومسكنه بكَفْر بَيَّا (¬5) -: أنَّ مخزوم بن حميد بن خالد حدَّثهم ¬

(¬1) (ل/5). (¬2) كَفْر بَيَّا: مدينة بإزاء المصيصة على شاطئ جيحان. «معجم البلدان» (4/ 468). (¬3) في «جزئه» (ل/2). (¬4) في «جزئه» (ل/9). (¬5) (ل/4).

عن أبيه حميد بن خالد، عن خالد بن عبد الرحمن، عن عبد السلام بن سلامة بن قيصر الحضرمي، كذلك كان في العهد الذي عهده عمرُ بن الخطاب إلى سلامة بن قيصر في سنة ست من خلافة عمر: هذا عهدُ عمرَ بن الخطاب الذي أودعه سلامة بن قيصر على أنهم اشترطوا على أنفسهم بهذا الشَّرط، طلبنا إليك الأمانَ لأنفسنا، وأهلِ مِلَّتِنا ... ، وذَكَر مثلَ حديث عبد الرحمن بن غَنم. فهذه طرق يشدُّ بعضها بعضًا، وقد ذَكَرنا شواهد هذه الشروط، وتكلَّمنا عليها مُفرَدَة، ولله الحمد (¬1). أثر فيه حديث (666) قال محمد بن سعد في «الطبقات» (¬2): أنا علي بن محمد -يعني المدائني-، عن أبي مَعشر، عن يزيد بن رومان. (ح) وأنا علي ¬

(¬1) وقال ابن القيِّم في «أحكام أهل الذمة» (2/ 663): وشهرة هذه الشُّروط تغني عن إسنادها، فإنَّ الأئمَّة تلقَّوها بالقَبول، وذَكَروها في كُتُبهم، واحتجُّوا بها، ولم يزل ذِكر الشروط العُمرية على ألسنتهم، وفي كُتُبهم، وقد أَنفَذَها بعده الخلفاء، وعملوا بموجبها. وقال ابن تيمية في «اقتضاء الصراط المستقيم» (1/ 365): وهذه الشروط أشهر شيء في كتب الفقه والعلم، وهي مجمع عليها في الجملة بين العلماء المتبوعين وأصحابهم وسائر الأئمة، ولولا شهرتها عند الفقهاء لذكرنا ألفاظ كل طائفة فيها. فائدة: قال المؤلِّف في «البداية والنهاية» (14/ 16) أحداث سنة 700 هـ: وفي يوم الاثنين قُرئت شروط الذمة على أهل الذمة، وأُلزموا بها، واتفقت الكلمة على عزلهم عن الجهات، وأُخذوا بالصَّغار، ونُودي بذلك في البلد، وأُلزم النصارى بالعمائم الزرق، واليهود بالصفر، والسامرة بالحمر، فحصل بذلك خير كثير، وتميَّزوا عن المسلمين. (¬2) (1/ 348، 357 - 358).

بن محمد بن مجاهد، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، وعكرمة بن خالد، وعاصم بن عمر بن قتادة. (ح) وأنا يزيد بن عياض بن جُعدُبة، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم وغيرهم من أهل العلم، يزيد بعضهم على بعض، قالوا: (وَفدُ نَجران) ... ، فذَكَر قصتَهم، وإقرارَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إيَّاهم على ما هم عليه، وأخذه منهم الجزية بعد نكولهم عن المباهلة. إلى أن قال: وأقام أهلَ نَجران على ما كَتَب لهم به رسولُ الله حتى قبضه اللهُ، ثم وَلِيَ أبو بكرٍ الصِّديق، فكَتَب بالوصاة بهم عند وفاته، ثم أصابوا ربًا، فأخرجهم عمرُ بن الخطاب من أرضهم، وكَتَب لهم: هذا ما كَتَب عمرُ أمير المؤمنين لنجرانَ: أنَّ من سار منهم، أنَّه آمن بأمان الله، لا يضرهم أحدٌ من المسلمين، ووفاءً لهم بما كَتَب لهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكرٍ، أمَّا بعد: فمن وقعوا به من أمراء الشام وأمراء العراق؛ فليُوَسّعهم من خراب (¬1) الأرض، فما اعتملوا من ذلك، فهو لهم صدقةٌ، وعُقبةٌ لهم مكانَ أرضهم، لا سبيلَ عليهم فيها لأحدٍ، ولا مَغرمٍ. أمَّا بعد: فمن حَضَرهم من رجل مسلم؛ فليَنصرهم على مَن ظلمهم، فإنَّهم أقوامٌ لهم الذِّمَّة، وجِزيتهم عنهم متروكةٌ أربعةً وعشرينَ شَهرًا بعد أن تقدموا، ولا يُكلَّفوا إلا من ضيعتهم التي اعتملوا، غيرَ مظلومين، ولا معنوفٍ عليهم. شَهِدَ عثمانُ بن عفان، ومُعيقيبُ بن أبي فاطمة، فوقع ناسٌ منهم بالعراق، فنزلوا ... (¬2). ¬

(¬1) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «جريب». (¬2) في هذا الموضع طمس في الأصل. وفي «الطبقات»: «فنزلوا النَّجرانية التي بناحية الكوفة».

(667) ... (¬1) عبيد الله بن أبي حميد، عن أبي المليح الهُذَلي: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم صالحَ أهلَ نجرانَ، فكَتَب لهم كتابًا ... ، فذَكَره، وفيه: على ألا تأكلوا الرِّبا، فمَن أكل الرِّبا من ذي قبلُ، فذمَّتي منهم بريئةٌ. ثم ذَكَر (¬2) عن أبي بكرٍ وعمرَ -رضي الله عنهما- نحو ما تقدَّم. أثر آخر (668) / (ق 250) قال الحسن بن عرفة (¬3): ثنا عبد الله بن المبارك، عن معمر، عن زيد بن رُفَيع، عن حَرَام بن معاوية قال: كَتَب إلينا عمرُ بن الخطاب: أن أدِّبُوا الخيلَ، ولا يُرفعنَّ بين ظَهْرانيكم الصُّلُب، ولا تجاورنَّكم الخنازيرُ. إسناد جيد. وأدِّبوا من التأديب، هذا هو المشهور، ويُروى: أَدئبوا: أي: أتعبوها في السَّوق ونحوه من وجوه السِّباق وغيره. ¬

(¬1) في هذا الموضع طمس، والأثر أخرجه أبو عبيد في «الأموال» (ص 244 رقم 503) قال: حدثني أيوب الدمشقي، حدثني سعدان بن أبي يحيى، عن عبيد الله بن أبي حميد ... ، فذكره. (¬2) انظر: «الأموال» لأبي عبيد (ص 245 رقم 504) (¬3) في «جزئه» (ص 90 رقم 83). ومن طريقه: أخرجه البيهقي (9/ 201) والخطيب في «الموضح لأوهام الجمع والتفريق» (1/ 112 - 113) وابن عبد الباقي في «مشيخته» (2/ 924 رقم 358). وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (6/ 61 رقم 10003) عن معمر، به. قال الشيخ الألباني في «إرواء الغليل» (5/ 105): ورجاله ثقات غير حرام بن معاوية، ذكره ابن حبان في «الثقات» (1/ 21)، وأورده ابن أبي حاتم (1/ 2/282) ولم يَذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً.

حديث آخر (669) قال القاضي أبو محمد بن زَبر رحمه الله (¬1): حدثنا أحمد بن عبد الجبار العُطَاردي، حدثني أبي، ثنا سعيد بن عبد الجبار، عن سعيد بن سنان، ثنا أبو الزَّاهرية، عن كثير بن مُرَّة الحضرمي قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يُبنَى بَيعةٌ في الإسلام، ولا يُجدَّدُ ما خَرِبَ منها». هكذا وقع في هذه الرواية مرفوعًا، تفرَّد به سعيد بن عبد الجبار هذا، وهو حمصي ضعيف (¬2). وشيخه -أيضًا- من أهل بلده ضعيف مثله (¬3). وقد روي مرسلاً من وجه آخر، بنحوه، والصحيح: أنه موقوف، ¬

(¬1) في «جزئه» (ل/1). ومن طريقه: أخرجه ابن عساكر في «تاريخه» (50/ 53). وأخرجه -أيضًا- ابن عدي (3/ 362) وأبو الشيخ في «طبقات المحدثين» (3/ 38 رقم 355) والخطيب في «المتفق والمفترق» (3/ 1634 رقم 1117) من طريق سعيد بن عبد الجبار، به. (¬2) قال عنه ابن المديني: لم يكن بشيء، كان يحدِّثنا بالشيء فأنكَرنا عليه بعد ذلك، فجحد أن يكون حدَّثنا. وضعَّفه النسائي. وقال قتيبة: رأيته بالبصرة، وكان جرير يُكذِّبه. وقال ابن عدي: ولسعيد غير ما ذكرت من الحديث قليل، وعامَّة حديثه الذي يَرويه عن الضعفاء وغيرهم مما لا يُتابَع عليه. انظر: «تهذيب الكمال» (10/ 522) و «الكامل» (3/ 386). (¬3) قال عنه البخاري وأحمد بن صالح المصري: منكر الحديث. وقال النسائي: متروك الحديث. وضعَّفه أبو حاتم. وقال ابن عدي: عامَّة ما يَرويه وخاصة عن أبي الزَّاهرية غير محفوظة. انظر: «الجرح والتعديل» (4/ 28 رقم 114) و «تهذيب الكمال» (10/ 495).

كما رواه الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عمرَ (¬1). وكذا رواه مُجالِد، عن الشَّعبي (¬2)، عن عمرَ، والله أعلم. أثر آخر (670) قال مالك (¬3): عن نافع، عن أسلم: أنَّ عمرَ ضرب الجزيةَ على أهلِ الذَّهبِ أربعةَ دنانيرَ، وعلى أهل الوَرِق أربعينَ درهمًا، مع ذلك أرزاقُ المسلمين، وضيافةُ ثلاثةِ أيامٍ. إسناد صحيح. أثر آخر (671) قال أبو عبيد في كتاب «الأموال» (¬4): ثنا النضر بن إسماعيل، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن خليفة بن قيس قال: قال عمرُ بن الخطاب: يا يَرفَأ، اكتُب إلى أهل الأمصار في أهل الكتاب: أن يجُزُّوا ¬

(¬1) لم أقف عليه من رواية اللَّيث، وأخرجه أبو عبيد في «الأموال» (ص 66 رقم 260) عن أبي الأسود، عن ابن لَهِيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، به، ولفظه: ولا كنيسة في الإسلام، ولا خصاء. (¬2) ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه بين الشعبي وعمر. (¬3) في «الموطأ» (1/ 375) في الزكاة، باب جزية أهل الكتاب والمجوس. (¬4) (ص 55 رقم 138). ومن طريقه: أخرجه ابن زَنْجويه في «الأموال» (1/ 185 رقم 215) وابن المنذر في «الأوسط» (11/ 17 رقم 6406)، وتحرَّف فيه «الكُستِيجات» إلى «الكُستِيجان»! وقد جاء على الصواب في النسخة الخطية (ق 4/أ) التي اعتمدها المحقق! والأثر قال عنه الشيخ الألباني في «إرواء الغليل» (5/ 126): وهذا سند ضعيف، خليفة بن قيس هو مولى خالد بن عُرفُطة، قال ابن أبي حاتم (1/ 2/376) عن أبيه: ليس بالمعروف. وعبد الرحمن بن إسحاق، هو أبو شيبة الواسطي، ضعيف جدًّا.

نواصيَهم، وأن يربطوا الكُستِيجات (¬1) في أوساطهم، ليُعرَفَ زِيُّهم من زِيِّ أهلِ الكتابِ (¬2). أثر آخر (672) قال أبو عبيد (¬3): ثنا عبد الرحمن (¬4)، عن عبيد الله (¬5) بن عمر، عن نافع، عن أسلم: أنَّ عمرَ أمر في أهل الذِّمَّة أن يجُزُّوا نواصيَهم، وأن يركبوا على الأَكُفِّ، وأن يركبوا عَرضًا، لا يركبوا كما يركب المسلمونَ، وأن يوثِّقوا المناطق (¬6). قال أبو عبيد: يعني: الزَّنانير (¬7). ¬

(¬1) الكُستِيجَات: خيط غليظ يَشدُّه الذمِّي فوق ثيابه دون الزُّنَّار. «القاموس» (ص 203). (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «أهل الإسلام»، وهو الصواب. (¬3) في الموضع السابق (ص 55 رقم 137). (¬4) قوله: «ثنا عبد الرحمن» ليس في المطبوع. (¬5) قوله: «عبيد الله» تحرَّف في المطبوع إلى: «عبد الله»! وكذا تحرَّف عند ابن زَنْجويه في «الأموال» (1/ 185 رقم 214). (¬6) وهذا إسناد صحيح، وقد ضعَّفه الشيخ الألباني في «الإرواء» (5/ 105) ظنًّا منه أنَّ عبد الله هو العُمَري المكبَّر، والشيخ معذور في ذلك؛ لأنه حكم على إسناد المطبوع. تنبيه: ساق هذا الأثر الخلاَّل في «أحكام أهل الملل» (ص 354 رقم 992)، لكن جعله «عن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ»، فوقع فيه خطأ في موضعين: الأول: قوله: «عن عبد الله» المكبَّر. والثاني: قوله: «عن نافع»، وإنما هو: «عن أسلم». وقد ساق ابن القيم في «أحكام أهل الذمة» (2/ 744) إسناد الخلاَّل، وجاء فيه: «عبيد الله» المصغَّر، لكن بقي الإشكال في كونه عن «ابن عمر» بدل: «أسلم»! (¬7) الزَّنانير: ما يُشدّ على وسط الإنسان. انظر: «المصباح المنير» (ص 212 - مادة زنر).

أثر آخر (673) قال سفيان الثوري في «جامعه»: عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن أسلم قال: كَتَب عمرُ إلى الأجناد: أنِ اختموا أهلَ الجزية في رقابِهِم. رواه أبو عبيد (¬1)، عن أبي المنذر، ومصعب بن المِقدام. كلاهما عن الثوري، به. وهو منقطع جيد (¬2). أثر آخر (674) روى البيهقي (¬3) بإسناد صحيح، عن الثوري، عن ثور بن يزيد، عن عطاء بن دينار قال: قال عمرُ: لا تعلَّموا رطانةَ الأعاجم، ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يومَ عيدِهِم، فإنَّ السُّخطةَ تنزلُ عليهم. وقد روي عن عطاء بن أبي رباح، قولَه: (675) كما قال وكيع (¬4): ثنا ثور، عن عطاء قال: لا تعلَّموا رطانةَ الأعاجمِ، ولا تدخلوا عليهم كنائسَهم، فإنَّ السُّخطَ ينزلُ عليهم. ¬

(¬1) في «الأموال» (ص 55 رقم 136). وأخرجه -أيضًا- البيهقي (9/ 202) من طريق قَبيصة بن عُقبة، عن الثوري، به. وأخرجه ابن أبي شيبة (6/ 472 رقم 32988) في السِّيَر، باب ما قالوا في ختم رقاب أهل الذمة، عن عبد الرحيم بن سليمان، عن عبيد الله، به. (¬2) كذا قال المؤلِّف، وهو متَّصل، وقد صحَّحه الشيخ الألباني في «الإرواء» (5/ 104). (¬3) في «سننه» (9/ 234) من طريق محمد بن يوسف، ثنا سفيان، به. (¬4) ومن هذا الوجه: أخرجه ابن أبي شيبة (5/ 300 رقم 26272) في الأدب، باب في الكلام بالفارسية مَن كرهه، عن وكيع، به.

أثر آخر (676) قال ابن أبي شيبة في «المصنَّف» (¬1): أنا وكيع، عن أبي هلال، عن ابن بُرَيدة قال: قال عمرُ: ما تعلَّمَ الرَّجلُ بالفارسية إلا خَبَّ (¬2)، ولا خَبَّ إلا نَقَصَت مروءته. حديث في ذلك (677) روى الحافظ أبو طاهر السِّلَفي (¬3) بإسناده إلى أبي سهل محمود بن عمر العُكبري، ثنا محمد بن الحسن بن محمد المقرئ، ثنا أحمد بن الخليل ببلخ، ثنا إسحاق بن إبراهيم الجُرَيري، ثنا عمر بن هارون، عن أسامة بن زيد، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ قال: قال رسولُ الله: «مَن كان يُحسِنُ أن يَتكَلَّمَ بالعربيةِ فلا يَتكَلَّمُ بالفارسيةِ، فإنه يورِثُ النفاقَ». وهذا حديث غريب منكر، بل موضوع مكذوب، والصحيح: أنه من ¬

(¬1) (5/ 300 رقم 26271) في الموضع السابق. وإسناده ضعيف؛ أبو هلال، هو: محمد بن سُليم الرَّاسبي، صدوق فيه لِين، كما قال الحافظ في «التقريب»، وابن بُرَيدة لم يَسْمع من عمر. انظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص 111 رقم 400). (¬2) كذا ورد بالأصل. وتحرَّف في المطبوع إلى: «خَبُث»! وجاء على الصواب في الطبعة المحققة (8/ 548 رقم 26684 - ط مكتبة الرشد). والخَبُّ: بالفتح، الخدَّاعُ، وهو الجُربُز الذي يسعى بين الناس بالفساد. «النهاية» (2/ 4). (¬3) وكذا عزاه له ابن تيمية في «اقتضاء الصراط المستقيم» (1/ 523)، لكن جعله من مسند ابن عمر! وكذا أخرجه الحاكم في «المستدرك» (4/ 87) من طريق أحمد بن الخليل، به.

قول عمرَ، كما تقدَّم، والله أعلم (¬1). / (ق 251) أثر آخر (678) روى الحافظ أبو بكر البيهقي في «سننه الكبير» (¬2) من حديث عياض الأشعري، عن أبي موسى الأشعري: أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- أمره أن يرفعَ إليه ما أخذ وما أعطى في أديم واحد، وكان لأبي موسى كاتبٌ نصراني، فرفع (¬3) إليه ذلك، فعجب عمرَ، وقال: إنَّ هذا لحافظٌ. وقال: إنَّ لنا كتابًا في المسجد، وكان جاء من الشَّام، فادعه، فليقرأه. فقال أبو موسى، إنَّه لا يستطيع أن يَدخل المسجدَ. فقال عمرُ: أَجُنُبٌ؟ قال: لا، بل نصراني. قال: فانتهرني، وضرب فخذي، وقرأ: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدى القوم الظالمين} (¬4). ففيه: أنه لا يجوز توليتُهم على شيء من أعمال المسلمين، وأنهم لا يمكَّنون من دخول المساجد، وأنَّ المسجدَ لا يَدخلُهُ جُنُبٌ، والله أعلم. ¬

(¬1) وقال الذهبي في «تلخيص المستدرك»: عمر (أي: ابن هارون) كذَّبه ابن معين، وتَرَكه الجماعة. (¬2) (9/ 204) من طريق أسباط، عن سمَاك بن حرب، عن عياض، به. وقد توبع سماك على رواينه، تابَعَه شعبة، وروايته عند الخلاَّل في «أحكام أهل الملل» (ص 117 رقم 328) والبيهقي (10/ 127) والمُخرِّمي والمروزي في «جزء فيه من حديثهما» (ص 233 رقم 342). وصحَّح إسناده الشيخ الألباني في «الإرواء» (8/ 256). (¬3) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «يرفع». (¬4) المائدة: 51

أثر آخر (679) قال أبو عبيد (¬1): [ثناه الأنصاري] (¬2)، عن أبي عَقيل بشير بن عُقبة، عن الحسن، عن عمرَ قال: لا تشتروا رقيقَ أهلِ الذِّمَّةِ وأَرَضِيهِم. فقلت للحسن: ولم؟ قال: لأنهم فَيءُ المسلمين. قال أبو عبيد: فهذا تأويل الحسن، وقد جاء عن عمرَ تفسير أصحُّ مما قال الحسن: (680) ثناه يحيى بن سعيد، عن سعيد بن أبي عَروبة، عن قتادة، عن سفيان (¬3) العُقيلي، عن أبي عياض، عن عمرَ قال: لا تشتروا رقيقَ أهلِ ¬

(¬1) في «الأموال» (ص 79 رقم 195) و «غريب الحديث» (4/ 263). وهو منقطع بين الحسن وعمر. (¬2) ما بين المعقوفين غير واضح تمامًا بالأصل، وأثبته من «الأموال»، و «الغريب». (¬3) قوله: «عن سفيان» تحرَّف في مطبوع «الأموال» (ص 99 رقم 194) إلى: «عن شقيق»! وجاء على الصواب في «غريب الحديث» (4/ 263)، وهو الموافق لما في «الأوسط» لابن المنذر (11/ 40 رقم 6429) والبيهقي (9/ 140) فقد أخرجاه من طريق أبي عبيد. وأخرجه -أيضًا- الخلاَّل في «أحكام أهل الملل» (ص 100 رقم 272) من طريق إسماعيل بن عُليَّة، عن ابن أبي عَروبة، به. قال الشيخ الألباني في «الإرواء» (5/ 98): وهذا إسناد متصل، لكن سفيان العقيلي لم أر مَن وثَّقه، وقد أورده ابن أبي حاتم (2/ 1/222) فقال: روى عن أبي عياض وعمر بن عبد العزيز، روى عنه قتادة وأيوب. نعم ذكره ابن حبان في التابعين من «ثقاته» (1/ 74) وقال: يروي عن عمرَ، روى عنه قتادة. وأما أبو عياض، فهو عمرو بن الأسود القيسي، قال ابن أبي حاتم (3/ 1/1222): روى عن عمرَ، وابن مسعود، وعبادة بن الصامت، روى عنه مجاهد، وخالد بن مَعْدان، ويونس بن سيف. وأَورده ابن حبان في «الثقات» (1/ 151) وقال: مِن عُبَّاد أهل الشام وزهَّادهم، وكان يُقسم على الله فيبرَّه، يروي عن عمرَ، ومعاوية، روى عنه خالد بن مَعْدان، والشاميون، وكان إذا خَرَج من بيته وضع يمينه على شماله مخافة الخيلاء، فالسند صحيح على شرط ابن حبان.

الذِّمَّةِ، فإنَّهم أهلُ خراجٍ يؤدِّي بعضُهم عن بعض، وأَرَضِيهِم فلا تبتاعوها، ولا يَقِرَّن أحدُكم بالصَّغار بعد إذ نجاه اللهُ منه. ثم قال: فمعنى قوله: يؤدِّي بعضُهم عن بعض: أنَّ الذِّمِّي إذا كان له عبيدٌ وأراضي كَثُرت عليه الجزيةُ بحسب اليسار، والله أعلم. أثر آخر في وصيةِ عمر التي رواها البخاري، كما سيأتي (¬1): وأُوصِي الخليفةَ من بعدي بذمَّةِ اللهِ، وذمَّةِ رسولِه: أن يُوفي لهم بعهدهم، وأن يُقاتلَ من ورائهم، ولا يكلَّفوا إلا طاقتَهم. أثر آخر (681) قال عبد الله بن وهب (¬2): حدثني جرير بن حازم، عن مُجالِد، عن الشَّعبي، عن سُوَيد بن غَفَلة: أنَّ يهوديًّا جاء إلى عمرَ بن الخطاب وهو ¬

(¬1) انظر ما سيأتي (ص 286، تعليق رقم 2). (¬2) ومن طريقه: أخرجه البيهقي (9/ 201) مختصرًا. وأخرجه -أيضًا- أبو عبيد في «الأموال» (ص 175، 176 رقم 486، 487) والخلاَّل في «أحكام أهل الملل» (ص 267 رقم 764) وابن أبي شيبة (5/ 541 رقم 28828) في الحدود، باب في الذمِّي يستكره المسلمة على نفسها، وابن زَنْجويه في «الأموال» (1/ 435 رقم 708) من طريق مُجالِد، به. قال الشيخ الألباني في «الإرواء» (5/ 120): ورجال إسناده ثقات غير مُجالِد، وهو ابن سعيد الهَمْداني الكوفي، قال الحافظ في «التقريب»: ليس بالقوي، وقد تغيَّر في آخر عمره. لكنه لم يتفرَّد به، فقد قال البيهقي عقبه: تابَعَه ابن أشوع، عن الشعبي، عن عوف بن مالك. فهو بهذه المتابعة حسن إن شاء الله تعالى. قلت: رواية ابن أشوع لها علَّة، فقد ذكرها ابن عساكر في «تاريخه» (47/ 39) من طريق ابن عُليَّة، عن خالد الحذَّاء، عن ابن أشوع، ثم قال: الشعبي لم يَسْمعه من عوف، إنما رواه عن سُوَيد بن غَفَلة، عن عوف.

بالشَّام يستعدي على عوف بن مالك الأشجعي أنه ضَرَبه وشَجَّه، فسأل عمرُ عوفًا عن ذلك، فقال: يا أميرَ المؤمنين، رأيته يسوق بامرأة مسلمة، فنَخَسَ الحمارَ ليصرَعَها، فلم تُصرَع، ثم دفعها، فخَرَّت عن الحمار، فغشيها، ففعلتُ ما ترى. فذهب إليها عوف، فأَخبَرَها بما قال لعمرَ، فذهبت لتجيءَ معه، فانطلق أبوها وزوجها، فأخبرا عمرَ بذلك. قال: فقال عمرُ لليهودي: والله ما على هذا عاهدناكم. فأمر به فصُلِبَ، ثم قال: يا أيُّها الناسُ، فُوا بذمَّةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فمن فعل منهم هذا؛ فلا ذمَّة له. قال سُوَيد بن غَفَلة: فإنه لأوَّل مصلوب رأيته. قال البيهقي: ورواه ابن أشوع، عن الشَّعبي، عن عوف.

حديث في الهدنة

حديث في الهدنة (682) في «صحيح البخاري» (¬1) من حديث عروة بن الزُّبير، عن المِسْوَر بن مَخْرَمة ومروان بن الحكم: أنَّ رسولَ الله / (ق 252) صلى الله عليه وسلم لمَّا صالح المشركين عامَ الحديبيةِ على وَضع الحربِ بينهم، وأنَّه لا إسلالَ (¬2)، ولا إغلالَ (¬3)، وأنَّه من جاءك منَّا مسلمًا رَدَدتَه علينا، ومَن جاء من عندكم لا نَردُّهُ عليهم (¬4)، وأنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أجابهم إلى ذلك كلِّه. فقال له عمر: يا رسولَ الله، ألستَ نبيَّ الله حقًّا؟ قال: «بلى». قال: ألسنا على الحقِّ، وعدوُّنا على الباطل؟ قال: «بلى». قال عمرُ: قلت: فلِمَ نُعطِي الدَّنيَّة في ديننا إذًا؟ قال: «إنِّي رسول الله، ولستُ أَعصيه، وهو ناصري». قلت: أو ليس كنتَ تحدِّثنا أنَّا سنأتي البيتَ، ونَطوفُ به؟ قال: «بلى، فأخبرتُكَ أنَّك تأتيه العامَ؟» قلت: لا. قال: «فإنَّكَ آتِيهِ، ومُطَّوِّفٌ به». قال: فأتيتُ أبا بكرٍ، فقلت: يا أبا بكرٍ، أليس هذا نبيَّ الله حقًّا؟ قال: بلى. قلت: ألسنا على الحقِّ، وعدوُّنا على الباطل؟ قال: بلى. قلت: فلِمَ نُعطي الدَّنيَّةَ في ديننا إذاً؟ قال: أيُّها الرجلُ، إنَّه رسولُ الله، وليس يعصي ربَّه، وهو ناصرُهُ، فاستمسكْ بغَرْزِهِ، فواللهِ إنَّه على الحقِّ. قلت: أليس كان يحدِّثنا أنَّا سنأتي البيتَ، ونطوفُ به؟ قال: بلى. أفأخبَرَكَ أنَّك تأتيه العام؟ قلت: لا. قال: فإنَّك تأتيه، ومُطَّوِّفٌ به. قال عمرُ رضي الله عنه: فعَمِلتُ لذلك أعمالاً. ¬

(¬1) (5/ 329 رقم 2731، 2732 - فتح) في الشروط، باب الشروط في الجهاد. (¬2) الإسلال: السرقة الخفية. «النهاية» (2/ 392). (¬3) الإغلال: الخيانة أو السرقة الخفية. «النهاية» (3/ 380). (¬4) كذا ورد بالأصل. وصوابه: «عليكم».

قال بعض العلماء: معنى قوله: فعَمِلتُ لذلك أعمالاً: أي: لتكفِّرَ عنيِّ ما اجترأتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم من السُّؤال في ذلك الوقت، والله أعلم. حديث آخر (683) قال الحافظ أبو يعلى (¬1): ثنا أبو موسى، ثنا يونس بن عبيد الله العُمَيري أبو عبد الرحمن، ثنا مبارك بن فَضَالة، ثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ قال: قال عمرُ (¬2): اتَّهموا الرأيَ في الدِّين، فلقد رأيتُني أرادُّ أمرَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ما آلو عن الحقِّ، وذلك يومَ أبي جَندل، والكتابُ بين يدي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأهلِ مكةَ، فقال: «اكتُبُوا: بسم الله الرحمن الرحيم». قالوا: تُرانا إذًا قد صدَّقناك بما تقول، ولكنَّا نَكتب: باسمك اللهمَّ. قال: فرضي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وأبيتُ عليهم، حتى قال: «يا عمرُ،‍‍‍‍‍تُراني قد رضيتُ وتأبى أنتَ؟!». قال: فرضيتُ. ¬

(¬1) لم أجده في المطبوع من «مسنده»، وهو من رواية ابن حمدان، وأورده الهيثمي في «المقصد العلي» (1/ 61 رقم 64 - رواية ابن المقرئ). ومن طريقه: أخرجه الضياء في «المختارة» (1/ 325 رقم 219). وأخرجه -أيضًا- البزَّار (1/ 253 رقم 148) وعبد الله بن الإمام أحمد في «زوائده على فضائل الصحابة» (1/ 373 رقم 558) والطبراني في «الكبير» (1/ 72 رقم 82) والبيهقي في «المدخل إلى السُّنن الكبرى» (ص 192 رقم 217) والقَطيعي في «جزء الألف دينار» (ص 450 رقم 303) واللالكائي في «أصول الاعتقاد» (1/ 125 رقم 208) ومحمد بن عبدالسلام الخشني، كما في «إعلام الموقعين» لابن القيم (2/ 103) من طريق يونس العُمَيري، به. (¬2) قوله: «قال عمر» كذا ورد بالأصل، و «المقصد العلي»، و «المختارة»، وكَتَب المؤلِّف فوقها: «كذا».

هذا حديث حسن، وإسناد جيد (¬1)، ويونس العُمَيري هذا: قال فيه أبو زرعة (¬2): لا بأس به. أثر آخر (684) قال مالك (¬3): عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه: أنَّ عمرَ كان يأخذُ من النَّبطِ (¬4) من الحنطةِ والزيتِ نصفَ العُشْرِ -يريد بذلك أن يَكثُرَ الحملُ إلى المدينة-، ويأخذُ من القِطنيَّةِ (¬5) العُشْرَ. صحيح. ¬

(¬1) مداره على المبارك بن فَضَالة، وهو ممن يدلِّس تدليس التسوية، ومثله لابدَّ من تصريحه بالسماع في جميع طبقات السَّند، وهذا غير متحقّقٍ هنا، وقد قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (6/ 146): حديث عمر في «الصحيح» بغير هذا السِّياق. (¬2) انظر: «الجرح والتعديل» (9/ 241 رقم 1016). (¬3) في «الموطأ» (1/ 377) في الزكاة، باب عشور أهل الذمة. (¬4) النَّبَط: قوم ينزلون بالبطائح بين العراقين. «مختار الصحاح» (ص 371). (¬5) القِطنيَّة: كالعَدَس، والحِمَّص، واللُّوبِياء، ونحوها. «النهاية» (4/ 85).

آثار في حكم أرض السواد

/ (ق 253) آثار في حكم أرض السَّواد (685) قال سعيد بن منصور (¬1): ثنا هشيم، أنا العوَّام بن حَوشب، ثنا إبراهيم التَّيمي قال: لما افتتح المسلمون السَّوادَ، قالوا لعمرَ: اقْسِمهُ بيننا. فأَبَى، فقالوا: إنَّا افتتحناها عَنوةً. قال: فما لمن جاء بعدَكم من المسلمين؟ فأخافُ أن تفاسدوا (¬2) بينكم في المياه، وأخافُ أن تقتتلوا، فأقرَّ أهلَ السَّوادِ في أرضِهِم، وضرب على رؤوسِهِم الضرائبَ -يعني: الجزيةَ-، وعلى أرضهم الطَّسقُ -يعني: الخراجَ-، ولم يَقسمها بينهم. هذا أثر جيد، وفيه انقطاع. أثر آخر (686) قال عبد الله بن المبارك (¬3): عن ابن لَهِيعة، عن يزيد بن أبي حبيب (¬4) قال: كَتَب عمرُ إلى سعد حين افتتح العراقَ: أمَّا بعدُ، فقد بَلَغني كتابُك، تذكرُ أنَّ الناسَ سألوك أن تَقسم بينهم مغانِمَهم وما أفاء اللهُ عليهم، فإذا أتاك كتابي هذا فانظُر ما أجلبَ الناسُ به عليك إلى العسكر من كُرَاعٍ (¬5)، ¬

(¬1) في «سننه» (2/ 227 رقم 2589). وأخرجه -أيضًا- أبو عبيد في «الأموال» (ص 59 رقم 146) والبلاذُري في «فتوح البلدان» (2/ 326) من طريق هشيم، به. (¬2) تفاسَدَ القومُ: تَدَابَرُوا، وقطعوا أرحامَهم. «لسان العرب» (10/ 261 - مادة فسد). (¬3) ومن طريقه: أخرجه يحيى بن آدم في «الخراج» (ص 29، 47 رقم 49، 121) والبلاذُري في «فتوح البلدان» (2/ 326) والبيهقي (9/ 134). وأخرجه -أيضًا- أبو عبيد في «الأموال» (ص 60 رقم 150) عن أبي الأسود، عن ابن لَهِيعة، به. (¬4) ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه بين يزيد بن أبي حبيب وعمر. (¬5) الكُرَاع: اسم لجميع الخيل. «النهاية» (4/ 165).

أو مالٍ، فاقْسِمهُ بين مَن حضر من المسلمين، واترك الأرضين والأنهارَ لعُمَّالها؛ ليكونَ ذلك في أُعطياتِ المسلمينَ، فإنَّك إن قَسَمتها بين مَن حَضَر لم يكن لمن بَقِيَ بعدَهم شيءٌ. وهذا -أيضًا- معضل. أثر آخر (687) قال وكيع (¬1): عن ابن أبي ليلى، عن الحكم (¬2): أنَّ عمرَ بن الحكم (¬3) بَعَث عثمانَ بن حَنيف يمسحُ السَّوادَ، فوَضَع على كل جَريبٍ (¬4) عامرٍ، أو غامرٍ (¬5) / (ق 254) حيث يناله الماءُ قفيزًا ودرهمًا -قال وكيع: يعني: الحنطة والشَّعير-، ووضع على جَريبِ الكَرمِ عشرةَ دراهمٍ, وعلى جَريبِ الرِّطابِ خمسةَ دراهمٍ. معضل أيضًا (¬6). ¬

(¬1) ومن طريقه: أخرجه البيهقي (9/ 136) والخطيب في «تاريخه» (1/ 11). (¬2) ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه بين الحكم وعمر. (¬3) كذا ورد بالأصل. والصواب: «الخطَّاب»، كما في مصادر التخريج. (¬4) الجَريب: مكيال قدره أربعة أقفزة، والجَريب من الأرض مَبذَر الجريب الذي هو المكيال. «مختار الصحاح» (ص 70 - مادة جرب). (¬5) الغامر ضد العامر، وقيل: هو مالم يُزرَع مما يحتمل الزراعة، وإنما قيل له غامر؛ لأن الماء يبلغه فيغمره. «مختار الصحاح» (ص 285 - مادة غمر). (¬6) لكن له طريق أخرى صحيحة: أخرجها أبو عبيد في «الأموال» (ص 43 رقم 105) وأبو القاسم البغوي في «الجعديات» (1/ 310 رقم 152) من طريق شعبة قال: أخبرني الحكم، قال: سَمِعتُ عمرو بن ميمون يقول: صلَّيت مع عمرَ الفجرَ بذي الحليفة ... ، فذكره، بنحوه.

آخر (688) قال أبو عبيد في كتاب «الأموال» (¬1): ثنا إسماعيل بن مُجالِد، عن أبيه، عن الشَّعبي (¬2): أنَّ عمرَ بعث عثمان بن حَنيف، فمسحَ السَّوادَ، فوجده ستةً وثلاثين ألفَ ألفِ جَريبٍ، فوضع على كل جريبٍ درهمًا وقفيزًا. وهذا منقطع أيضًا. أثر آخر (689) روى أبو بكر البيهقي (¬3) من حديث الشَّعبي، عن عُتبة بن فَرقد قال: اشتريتُ عشرةَ أجربةٍ من أرضِ السَّوادِ على شاطيءِ الفراتِ لقَضبِ دوابي، فذَكَرت ذلك لعمرَ، فقال: ممَّن اشتريتَها؟ قال: من أهلها. قال: ¬

(¬1) (ص 70 رقم 175). (¬2) ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه بين الشعبي وعمر. (¬3) في «سننه» (9/ 141) من طريق يحيى بن آدم، عن عبدالسلام بن حرب، عن بُكَير بن عامر، عن عامر الشَّعبي، به. وعن قيس، عن أبي إسماعيل (وهو بُكَير بن عامر) عن الشَّعبي، به. وهما عند يحيى بن آدم في «الخراج» (ص 55 رقم 168، 169). وأخرجه -أيضًا- أبو عبيد في «الأموال» (ص 79 رقم 196) عن أبي نعيم، عن بُكَير بن عامر، به. وإسناده ضعيف؛ لضعف أبي إسماعيل بُكَير بن عامر، قال عنه ابن معين: كان حفص بن غياث تركه، وحَسْبه إذا تركه حفص. ثم قال: كان حفص يروي عن كل أحد. وقال الفلاَّس: ما سَمِعتُ يحيى ولا عبد الرحمن حدَّثا عنه بشيء قط. وضعَّفه أبو زرعة، والنسائي. انظر: «الجرح والتعديل» (2/ 405 رقم 1591) و «تهذيب الكمال» (4/ 240). وقد ضعَّف هذا الأثر الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه لـ «الخراج».

فهؤلاء أهلُها -للمسلمين-، أبعتُمُوه شيئًا؟ قالوا: لا. قال: اذهب، فاطلُب مالَكَ. أثر آخر (690) قال قتادة، عن أبي مِجْلَز قال: بعث عمرُ بن الخطاب عمَّارًا، وابنَ مسعود، وعثمانَ بن حَنيف إلى الكوفة، فعمَّارُ على الجيوش، وابنُ مسعود على القضاء وعلى بيت المال، وعثمانُ بن حَنيف على مساحة الأرض. قال: فوضع عثمانُ بن حَنيف على جَريبِ الكَرمِ عشرةَ دراهمٍ، وعلى جَريبِ النَّخلِ ثمانيةَ دراهمٍ، وعلى جَريبِ القَضبِ (¬1) ستةَ دراهمٍ، / (ق 255) وعلى جَريبِ البُرِّ أربعةَ دراهمٍ، وعلى جَريبِ الشَّعيرِ درهمين، وعلى رءوسِهم على كلِّ رجلٍ أربعةً وعشرينَ، وعَطَّل من ذلك النِّساءَ والصِّبيانَ، وفيما يختلف به من تجاراتِهم نصفُ العُشْرِ. قال: ثم كَتَب بذلك إلى عمرَ، فأجاز ذلك، ورضي به. وقيل لعمر: كيف نأخذُ من تجَّارِ الحربِ إذا قدمُوا علينا؟ فقال: كيف يأخذون منكم إذا أتيتُم بلادَهم؟ قالوا: العُشْرَ. قال: فكذلك خذوا منهم. رواه البيهقي (¬2) بإسناد صحيح إلى قتادة. ¬

(¬1) كذا ورد بالأصل. والذي في «سنن البيهقي»: «القصب». (¬2) في «سننه» (9/ 136). وأخرجه -أيضًا- أبو عبيد في «الأموال» (ص 69 رقم 172) عن محمد بن عبد الله الأنصاري. وابن المنذر في «الأوسط» (11/ 46 رقم 6434) من طريق رَوْح بن عُبادة. كلاهما (الأنصاري، ورَوْح) عن ابن أبي عَروبة، عن قتادة، به. وعند أبي عبيد: وعلى جَريب النَّخل خمسة دراهم. وهو منقطع، أبو مِجْلَز لم يَسْمع من عمر. قاله أبو زرعة. انظر: «تحفة التحصيل» (ص 340).

أثر آخر (691) قال الإمام الشافعي (¬1): أنا الثقة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله قال: كانت بجِيلة رُبُعَ الناس، فقَسَمَ لهم رُبُع السَّواد، فاستغلُّوه ثلاثًا، أو أربع سنين -أنا شككت-، ثم قَدِمْتُ على عمر، فقال: لولا أنِّي قاسم مسئول؛ لتركتكم على ما قَسَمَ لكم، ولكنِّي أرى أن تَردُّوا على الناس. قال الشافعي رحمه الله: وكان في حديثه: وعاضَني من حقِّي فيه نيِّفًا وثمانين دينارًا. قال الرَّبيع عن الشافعي: ويقولون: إنَّ هذا أثبت حديث عندهم في حكم أرض السَّواد. قلت: وإسناده صحيح، والثقة الذي أبهمه الشافعي الظاهر أنَّه هشيم، فقد روى هذا الأثر هشيم (¬2)، وعبد الله بن المبارك (¬3)، / (ق 256) وسفيان بن عيينة (¬4). ثلاثتهم عن إسماعيل بن أبي خالد، به. ¬

(¬1) في «الأم» (4/ 279). (¬2) وروايته عند أبي عبيد في «الأموال» (ص 63 رقم 154) وفيها تصريح هشيم بالسماع. (¬3) وروايته عند يحيى بن آدم في «الخراج» (ص 45 رقم 112) والبيهقي (9/ 135). (¬4) لم أقف عليها.

حدود أرض السواد

حدود أرض السَّواد قال أبو عبيد (¬1): ويقال: إنَّ حدَّ السَّواد الذي وقعت عليه المساحة من لدن تخوم الموصل مادًّا مع الماء إلى ساحل البحر ببلاد عبَّادان من شَرقي دِجلة. هذا طوله. فأمَّا عَرضه: فحدُّ مُنقَطَع الجبل من أرض حُلوان إلى منتهى طول (¬2) القادسية المتَّصل بالعُذَيب من أرض العرب. فهذه حدود السَّواد، وعليه وقع الخراج. انتهى كلامه. وقال الكَلبي (¬3): إنما سُمِّيَ السَّواد؛ لأنَّ العرب حين جاءوا نظروا إلى مثل الليل من النَّخل والشَّجر والماء، فسمّوه سوادًا. ¬

(¬1) في «الأموال» (ص 73). (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «طرف». (¬3) انظر: «تاريخ واسط» (ص 35) و «تاريخ بغداد» (1/ 12).

كتاب الحدود

كتاب الحدود حديث في الرجم (692) قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله (¬1): ثنا هشيم، أنا علي بن زيد، عن يوسف بن مِهران، عن ابن عباس قال: خَطَب عمرُ -وقال هشيم مرَّة: خَطَبنا عمرُ- فحَمِدَ اللهَ، وأثنى عليه، فذَكَر الرَّجم، فقال: لا تُخدَعُنَّ عنه، فإنَّه حَدٌّ من حدود الله عزَّ وجلَّ، أَلا إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قد رَجَم، ورَجَمنا بعده، ولولا أن يقولَ قائلون: زاد عمرُ في كتاب الله ما ليس منه؛ لكتبتُ في ناحيةٍ من المصحف: شَهِدَ عمرُ بن الخطاب. / (ق 257) وقال هشيم مرَّة: وعبد الرحمن بن عوف، وفلان، وفلان: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رَجَم، ورَجَمنا بعدَه، أَلا وإنَّه سيكونُ من بعدكم قومٌ يُكذِّبون بالرَّجم، وبالدجَّال، وبالشَّفاعة، وبعذاب القبر، وبقوم يخرجون من النَّار بعد ما امتُحِشُوا (¬2). ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 23 رقم 156). (¬2) امتُحِشُوا: أي: احترقوا، والمَحْش: احتراق الجلد وظهور العظم. «النهاية» (4/ 302).

هذا الحديث له شاهد في «الصحيح»، كما سيأتي (¬1) في حديث السَّقيفة، وإن كان في سياقه هذا غرابة، فإن عليَّ بن زيد بن جُدعان يأتي بسياقات غريبة (¬2)، والله أعلم بحاله. طريق أخرى (693) قال أحمد (¬3): أنا هشيم، أنا الزهري، عن عبيد الله بن عُتبة بن مسعود قال: أخبرني عبد الله بن عباس قال: حدَّثني عبد الرحمن بن عوف: أنَّ عمرَ بن الخطاب خَطَب الناسَ، فسمعه يقول: أَلا وإنَّ أناسًا يقولون: ما بالُ الرَّجمِ في كتابِ اللهِ الجلدُ؟ وقد رَجَم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ورَجَمنا بعده، ولولا أن يقولَ قائلون، ويتكلَّمَ متكلِّمون: أنَّ عمرَ زاد في كتابِ اللهِ ما ليس منه؛ لأثبتُّها كما نَزَلت (¬4). ¬

(¬1) انظر (ص 289 رقم 734). (¬2) ضعَّفه ابن معين والنسائي، وقال ابن خزيمة: لا أحتجُّ به لسوء حفظه. وقال شعبة: كان رفَّاعًا. وقال حماد بن زيد: كان علي بن زيد يحدِّثنا اليوم بالحديث، ثم يحدِّثنا غدًا، فكأنَّه ليس بذاك. وقال ابن عيينة: تركته زهدًا فيه. انظر: «تهذيب الكمال» (20/ 434) و «ميزان الاعتدال» (3/ 127). (¬3) في «مسنده» (1/ 29 رقم 197). (¬4) وقد أَعلَّ هذه الرواية المزِّي، فقال في «تحفة الأشراف» (8/ 86): وقد قيل: عن ابن عباس، عن عبد الرحمن بن عَوف، عن عمرَ، وليس بمحفوظ. وقال الدارقطني في «العلل» (2/ 10): وروي عن هشيم، عن الزهري، ولم يَذكر فيه عبد الرحمن بن عوف، وكذلك رواه عبد الله بن أبي بكربن محمد بن عمرو بن حزم، ومالك بن أنس، ويونس، وعُقيل، ومعمر، وصالح بن كيسان، وابن جريج، وابن عيينة، وغيرهم، عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن عمرَ ... ، والمحفوظ من هذا: ما رواه الزهري من رواية صالح بن كيسان، وعبد الله بن أبي بكر، ومالك بن أنس، ومن تابَعَهم.

ورواه النسائي (¬1) من طرق، عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة. ثم رواه النسائي (¬2) من حديث عبيد الله، عن عمرَ، مرسلاً، والمحفوظ الأوَّل. وقد رواه أحمد -أيضًا- (¬3)، عن يحيى القطَّان، عن يحيى الأنصاري، عن سعيد بن المسيّب: أنَّ عمرَ قال: إيَّاكم أن تَهلِكوا عن آية الرَّجم ... الحديث. ورواه الترمذي (¬4) من حديث سعيد بن المسيّب، عن عمرَ، وقال: صحيح (¬5). ورواه النسائي (¬6) من طريق أخرى، عن زيد بن ثابت، عن عمرَ أيضًا. فهذه طرق كالمتواترة إليه. ¬

(¬1) في «سننه الكبرى» (6/ 408 - 410 رقم 7113 - 7117 - ط مؤسسة الرسالة). (¬2) في الموضع السابق (4/ 275 رقم 7161). (¬3) في «مسنده» (1/ 36 رقم 249). (¬4) في «سننه» (4/ 29 رقم 1431) في الحدود، باب ما جاء في تحقيق الرجم. (¬5) نصُّ عبارة الترمذي: «حديث عمر حديث حسن صحيح، وروي من غير وجه عن عمر». (¬6) في «سننه الكبرى» (6/ 406 رقم 7107 - ط مؤسسة الرسالة) عن محمد بن المثنىَّ، عن محمد (وهو: ابن جعفر) عن شعبة، عن قتادة، عن يونس بن جُبَير، عن كثير بن الصَّلت، عن زيد بن ثابت: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «الشيخ والشيخة إذا زَنَيا فارجموهما البتَّةَ». قال عمرُ: لما أُنزِلَت أتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أَكتِبنِيها -قال شعبة: كأنّه كره ذلك- فقال عمرُ: ألا ترى أنَّ الشيخ إذا لم يُحصَن جُلِدَ، وإنَّ الشَّاب إذا زَنَى وقد أُحصِنَ رُجِمَ؟! ثم رواه (7110) عن إسماعيل بن مسعود الجَحدري، عن خالد بن الحارث، عن ابن عَون قال: نبِّئت عن ابن أخي كثير بن الصَّلت قال: كنَّا عند مروان وفينا زيد بن ثابت، فقال زيد: كنَّا نقرأ: «الشيخ والشيخة فارجموهما البتَّة»، فقال مروان: ألا تجعله في المصحف؟ قال: ألا ترى أنَّ الشَّابَّين الثَّيِّبَين يرجمان؟ ذكرنا ذلك وفينا عمر، فقال: أنا أشفيكم، قلنا: وكيف ذلك؟ قال: أذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -إن شاء الله-، فأذكر كذا وكذا، فإذا ذكر آية الرَّجم، فأقول: يا رسولَ الله، أَكتِبنِي آية الرَّجم. قال: فأتاه، فذكر ذلك له، فذكر آية الرَّجم، فقال: يا رسول الله، أَكتِبنِي آية الرَّجم، قال: «لا أستطيع». قلت: فدلَّت هاتين الروايتين على وجود اختلاف على كثير بن الصَّلت في روايته -كما هو ظاهر-، وانظر ما سيأتي (ص 451 رقم 858).

أثر آخر (694) قال عبد الوهاب بن عبد الرحيم الجَوْبَري (¬1): ثنا سفيان بن عيينة قال: سَمِعَ عمرو سعيدَ بن المسيّب يقول: ذُكِر الزِّنى بالشَّام، فقال رجل: قد زَنَيتُ البارحةَ. فقالوا: ما تقول؟! فقال: أَوَحَرَّمه اللهُ؟ ما عَلِمتُ أنَّ الله حَرَّمه. فكُتِبَ إلى عمرَ، فكَتَب: إنْ كان عَلِمَ أنَّ اللهَ حرَّمه، فحُدُّوه، وإنْ لم يكن عَلِمَ، فعلِّموه، فإنْ عاد، فحُدُّوه. هذا إسناد صحيح. (695) وهكذا رواه أبو عبيد -رحمه الله- (¬2)، عن مروان الفَزَاري، ويزيد، عن حميد، عن بكر المُزَني، عن عمرَ ... ، وفيه: أنه كَتَب: يُستَحلَف. ¬

(¬1) في «فوائده»، كما في «البدر المنير» (8/ 637) وقد ساق إسناده كما هنا. وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (7/ 402، 403 رقم 13642، 13643) من طريقين عن عمرو بن دينار، به. وفيه: أنَّ الذي كَتَب إلى عمرَ هو أبو عُبيدة بن الجرَّاح. وصحَّح إسناده ابن الملقن. (¬2) في «غريب الحديث» (4/ 259) وتصحَّف فيه «حميد، عن بكر» إلى: «حميد بن بكر»، وجاء على الصواب في الطبعة الهندية (3/ 368). وهذا إسناد رجاله ثقات، إلا أنه منقطع، بكر المُزَني من الطبقة الثالثة، وهي الطبقة الوسطى من التابعين، كالحسن، وابن سيرين، فروايته عن عمرَ منقطعة، وبالانقطاع أعلَّه الشيخ الألباني في «الإرواء» (7/ 343).

أثر آخر (696) قال محمد بن إسحاق (¬1): عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن أبيه قال: كان حاطبُ قد أَعتَقَ حين مات من رقيقه مَن صام منهم وصلَّى، وقد كانت له جاريةٌ حبشيةٌ قد صامت وصلَّت، ولم تَفقَهْ، وتزوَّجت، فلم يُرَع بها في زمن عمرَ إلا وهي حُبلى من زنى، فأتيتُ عمرَ، وجئتُهُ بها، فسألها: أَزَنيتِ؟ قالت: نعم، مرعوس بدرهمين (¬2). قال عمرُ: ماذا ترون في هذه؟ فقال عليٌّ وعبد الرحمن بن عوف: أقضاءٌ غيرَ قضاءِ اللهِ تعالى تبغي؟ وعثمانُ جالسٌ، قانعًا (¬3) رأسَه. فقال: مالَكَ يا عثمانُ لا تكلَّم؟! فقال: أشار عليك أخواك. فقال: وأنت فأَشِرْ. فقال: أَراها تَستهلُّ به، كأَنها لا تَعرفه، ولا أرى الحدَّ إلا على مَن عَرَفه. فقال: صَدَقتَ يا عثمان، فضَرَبها الحدَّ الأدنى، ونَفَى عنها الرَّجم. وهذا إسناد حسن. ¬

(¬1) ومن طريقه: أخرجه عمر بن شبَّة في «تاريخ المدينة» (3/ 852) بنحوه. وقد توبع محمد بن إسحاق على روايته، تابَعَه محمد بن عمرو بن علقمة، وروايته عند عبد الرزاق (7/ 405 رقم 13647). وقد أورده البخاري في «صحيحه» (13/ 186 - فتح) معلَّقًا بصيغة الجزم، فقال: وقال عمرُ -وعنده علي، وعبد الرحمن، وعثمان- ماذا تقول هذه؟ قال عبد الرحمن بن حاطب: فقلت: تخبرك بصاحبها الذي صنع بها. وصحَّح إسناده -أيضًا- الشيخ الألباني في «مختصر صحيح البخاري» (4/ 298). وقال ابن المنذر في «الأوسط»، كما في «أقضية الخلفاء الراشدين» (2/ 830): ثابت عن عمرَ بن الخطاب، وعثمان بن عفان. وانظر: «الإرواء» (7/ 342). (¬2) كذا ورد بالأصل. (¬3) كذا ورد بالأصل. وكَتَب المؤلِّف فوقها: «مُقنِّعًا»، ولم يضرب على ما تحتها.

ومثله قد قال بمقتضاه الإمام أحمد في أنه يجوز التعزير بالحدِّ الأدنى في الزِّنى لمن فعل ذلك لشبهة. ويُعضِّده الأثر الآخر: (697) قال عبد الرزاق (¬1): أنا معمر، عن سمَاك بن الفضل، عن عبد الرحمن بن البَيْلَمَاني، عن عمرَ بن الخطاب: أنه رُفِعَ إليه رجلٌ وقع على جاريةِ امرأتِهِ، فجَلَدَه مائةً، ولم يَرجُمْهُ. قال البيهقي (¬2): وهذا منقطع، وكأنه ادَّعى جهالةً، فعَزَّره. قلت: هذا شبيه بالحديث الذي رواه الإمام أحمد وأهل السُّنن من حديث قتادة، عن حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير أنه ... (¬3) إليه رجلٌ وَقَع على جارية امرأته، فقال: لأقضينَّ فيها بقضاء رسول الله، إنْ كانت أحلَّتها له لأَجلدَنَّه مائةً، وإن لم تكن أحلَّتها له رَجَمتُهُ (¬4). ¬

(¬1) في «المصنَّف» (7/ 346 رقم 13433). (¬2) في «سننه» (8/ 241). (¬3) في هذا الموضع طمس في الأصل، وفي «المسند» و «السُّنن»: «رُفِعَ». (¬4) حديث مضطَّرب، وبيان اضطرابه كالتالي: رواه قتادة، واختُلف عليه: فقيل: عنه، عن حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير! وقيل: عنه، عن خالد بن عُرفُطَة، عن حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير! أما الوجه الأول: فأخرجه الترمذي (4/ 44 رقم 1451) في الحدود، باب في الرجل يقع على جارية امرأته، والنسائي في «سننه الكبرى» (6/ 434 رقم 3362 - ط الرسالة) وابن ماجه (2/ 853 رقم 2551) في الحدود، باب من وقع على جارية امرأته، وأحمد (4/ 272، 277) من طريق ابن أبي عَروبة، عن قتادة، به. ورواه عن ابن أبي عروبة جماعة، وهم: حماد بن سلمة، وخالد بن الحارث، ويزيد بن هارون، ومحمد بن جعفر، وعبد الله بن بكر، وهشيم. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وقد توبع ابن أبي عَروبة على هذا الوجه: تابَعَه أبو العلاء، وأيوب بن مسكين، وروايتهما عند الترمذي (1451) وأحمد (4/ 272). وأما الوجه الثاني: فأخرجه أبو داود (5/ 110 رقم 4458) في الحدود، باب الرجل يزني بجارية امرأته، والنسائي في «الكبرى» (6/ 433 رقم 3361) وأحمد (4/ 275) والبيهقي (8/ 239) من طريق أبان بن يزيد العطَّار، عن قتادة، عن خالد بن عُرفُطَة، عن حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير! ورواه أبو بِشر جعفر بن أبي وحشية، واختُلف عليه: فقيل: عنه، عن حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير! وقيل: عنه، عن خالد بن عُرفُطَة، عن حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير! أما الوجه الأول: فأخرجه الترمذي (1452) والنسائي في «الكبرى» (6/ 446 رقم 7188) وأحمد (4/ 277) والطحاوي (3/ 145) والبيهقي (8/ 239) من طريق هشيم، عن جعفر بن أبي وحشية، عن حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير! وأعلَّه البزَّار، فقال: أبو بِشر لم يلق حبيب بن سالم. انظر: «البحر الزَّخار» (8/ 203). وأما الوجه الثاني: فأخرجه أبو داود (4459) والنسائي في «الكبرى» (6/ 433 رقم 3360) وأحمد (4/ 277) والحاكم (4/ 365) والبيهقي (8/ 239) من طريق شعبة، عن جعفر بن أبي وحشية، عن خالد بن عُرفُطَة، عن حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير! وهناك وجه آخر من الاختلاف: فأخرجه النسائي في «الكبرى» (6/ 447 رقم 7191) والطحاوي (3/ 145) والبيهقي (8/ 239) من طريق همام، عن قتادة، عن حبيب بن سالم، عن حبيب بن يَسَاف، عن النعمان بن بشير! ورجَّح هذا الوجه الإمام أبو حاتم الرازي، كما في «العلل» لابنه (1/ 448) فقال: حديث همام أشبه، وحبيب بن يَسَاف مجهول، لا أعلم أحدًا روى عنه غير قتادة هذا الحديث الواحد، وكذلك خالد بن عُرفُطَة مجهول، لا نعرف أحدًا يقال له خالد بن عُرفُطَة إلا واحد، الذي له صحبة. وقال الترمذي في «سننه» (4/ 44): حديث النعمان في إسناده اضطراب، سَمِعتُ محمدًا يقول: لم يَسْمع قتادة من حبيب بن سالم هذا الحديث، إنما رواه عن خالد بن عُرفُطَة. وقال في «العلل» له (ص 234): سألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: أنا أتقي هذا الحديث، إنما رواه قتادة، عن خالد بن عُرفُطَة، عن حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير، ويُروى عن قتادة أنه قال: كَتَب إليَّ حبيب بن سالم. وقال النسائي، كما في «تحفة الأشراف» (9/ 18): أحاديث النعمان هذه مضطربة. وقال البزَّار في «مسنده» (8/ 202): هذا الحديث لا يثبت.

أثر آخر (698) قال أبو عبيد (¬1): ثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، سَمِعَ الحارثَ بن عبد الله بن أبي ربيعة (¬2)، يحدِّث عن عمرَ أنه: سُئِلَ عن ¬

(¬1) في «غريب الحديث» (4/ 202). (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «عبد الله بن الحارث»، وأشار محقِّقه إلى أن في بعض النسخ: «الحارث بن عبد الله». ولم أقف على ما يُثبت سماع الحارث من عمر، وهو من طبقة كبار التابعين، كابن المسيّب، وقد روي من وجه آخر متصل، وذلك فيما أخرجه عبد الرزاق (7/ 396 رقم 13612) عن ابن جريج، عن عطاء وعمرو، عن الحارث بن عبد الله، عن أبيه عبد الله بن أبي ربيعة أنه سأل عمر بن الخطاب عن الأَمَة كم حَدُّها؟ فقال: ... ، فذكره. وقد روي عن عمرَ خلافه، وذلك فيما أخرجه مالك (2/ 389) في الحدود، باب جامع ما جاء في حد الزنى. وعبد الرزاق (7/ 395 رقم 13608، 13609) عن ابن جريج، وابن عيينة. ثلاثتهم (مالك، وابن جريج، وابن عيينة) عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن سليمان بن يَسَار، عن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة قال: أمرني عمرُ بن الخطاب في فتية من قريش، فجَلَدنا ولائدَ من ولائدِ الإمارةِ خمسينَ خمسينَ في الزنى. وهذا إسناد حسن، كما قال الشيخ الألباني في «الإرواء» (8/ 12). قال ابن عبد البر في «التمهيد» (9/ 103): فهذا خلاف حديث ألقت فروتها من وراء الدار عن عمرَ، وهو أثبت.

حدِّ الأَمَة، فقال: إنَّ الأَمَةَ قد ألقت فَروتَها من وراء الدَّار. قال الأصمعي: الفَروة: جِلْدَةُ الرأس. قال أبو عبيد: ومعناه: أنَّ هذه لا قِنَاع لها، وهي مبتذلةٌ في الحاجات، فلا حَدَّ عليها. قال: وقد حدثنا يزيد، عن جرير بن حازم، عن عيسى بن عاصم قال: تذاكرنا يومًا قولَ عمرَ هذا، فقال سعد بن حَرمَلَة: إنما ذلك من قول عمرَ في الرَّعايا، فأمَّا الإماء اللَّواتي قد أحصنَهنَّ موالِيهُنَّ، فإذا أَحدَثْنَ حُدِدْنَ. / (ق 258) أثر عن عمر (699) قال البخاري (¬1): وقال اللَّيث: حدَّثني نافع، عن صفية بنت أبي عُبيد: أنَّ عبدًا من رقيق الإمارة وَقَع على وليدةٍ من الخُمُس، فاستَكرَهَها، حتى افتضَّها (¬2)، فجَلَده عمرُ الحدَّ، ونَفَاه، ولم يجلدِ الوليدةَ من أجل أنه استَكرَهَها. فيه دلالة على نفي العبد، وظاهره أنه نَفَاه سَنَة، وهو أحد الأقوال في مذهب الشافعيِّ والعلماء. ¬

(¬1) في «صحيحه» (12/ 321 رقم 6949 - فتح) في الإكراه، باب إذا استُكرهت المرأة على الزنى فلا حدَّ عليها. ووَصَله أبو الجهم العلاء بن موسى الباهلي في «جزئه» (ص 42 رقم 57) عن اللَّيث، به. وأخرجه -أيضًا- أبو إسحاق الفزاري في «السِّير» (ص 250 رقم 428) وعبد الرزاق (7/ 359 رقم 13471) عن ابن جريج، عن نافع، عن صفية ... ، فذكرته. (¬2) افتضَّها: أي: أزال بكارتها، وهو كناية عن الوطء. انظر: «النهاية» (3/ 454).

أثر آخر (700) قال البخاري (¬1): ثنا مالك بن إسماعيل، عن عبد العزيز بن أبي سَلَمة، عن الزهري، عن عروة بن الزبير: أنَّ عمرَ بن الخطاب غَرَّب، ثم لم تزل تلك السُّنَّة. هكذا ذَكَره عقيب حديث زيد بن خالد فيمن زَنَى ولم يُحصَن، وهو منقطع، فإنَّ عروةَ لم يُدرك عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه (¬2). ¬

(¬1) في «صحيحه» (12/ 156 رقم 6832 - فتح) في الحدود، باب البكران يُجلدان ويُنفيان. (¬2) وله طريق أخرى عن عمرَ، يَرويها عبد الله بن إدريس، وقد اختُلف عليه: فقيل: عن أبي كُرَيب ويحيى بن أكثم، عن عبد الله بن إدريس، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ، مرفوعًا! وقيل: عن أبي سعيد الأشجِّ وابن نُمَير ومحمد بن إسحاق، عن عبد الله بن إدريس، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ، قولَه! وقيل: عن يوسف بن محمد بن سابق، عن عبد الله بن إدريس، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، مرسلاً. أما الوجه الأول: فأخرجه الترمذي (4/ 35 رقم 1438) في الحدود، باب ما جاء في النفي، وفي «العلل الكبير» (ص 229 رقم 413) والنسائي في «الكبرى» (6/ 486 رقم 7302 - ط الرسالة) والحاكم (4/ 369) ولفظه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ضَرَب وغرَّب، وأنَّ أبا بكرٍ ضَرَب وغرَّب، وأنَّ عمرَ ضَرَب وغرَّب. قال الترمذي: حديث غريب. وصحَّحه الحاكم على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. وأعلَّه أبو حاتم، فقال: هذا خطأ، رواه قوم عن ابن إدريس، عن عبيد الله، عن نافع: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم. مرسل. «علل ابن أبي حاتم» (1/ 459 رقم 1382). وأما الوجه الثاني: فأخرجه أبو سعيد الأشجُّ في «جزئه» (ص 220 رقم 106) والدارقطني في «العلل» (4/ 107/ب)، والترمذي تعليقًا، ولفظه: أنَّ أبا بكرٍ ضَرَب وغرَّب، وأنَّ عمرَ ضَرَب وغرَّب. ولم يَذكر النبيَّ صلى الله عليه وسلم. وأما الوجه الثالث: فذكره الدارقطني في «العلل» (4/ 107/ب). ورجَّح وقفَه الترمذيُّ، فقال في «العلل الكبير»: روى أصحاب عبيد الله بن عمر، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمرَ: أنَّ أبا بكرٍ ... ، ولم يرفعوه. وهكذا رواه محمد بن إسحاق، عن نافع، موقوفًا، ولا يَرفع هذا الحديثَ عن عبيد الله غيرُ ابن إدريس. وقد رواه بعضهم عن ابن إدريس، عن عبيد الله، موقوفًا. وقال الدارقطني: يرويه عبد الله بن إدريس، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ، مرفوعًا، على ما رواه عنه أبو كُرَيب، ومسروق بن المَرزُبان، ويحيى بن أكثم، وجَحْدر بن الحارث، وغيرهم، ورواه يوسف بن محمد بن سابق، عن ابن إدريس، عن عبيد الله، عن نافع: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم ... ، مرسلاً، لم يذكر ابن عمرَ، وخالَفَهم محمد بن عبد الله بن نُمَير، وأبو سعيد الأشجّ، فروياه عن ابن إدريس، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمرَ: أنَّ أبا بكرٍ ضَرَب وغَرَّب، وأنَّ عمرَ ضَرَب وغَرَّب، ولم يذكر النبيَّ صلى الله عليه وسلم. ثم قال الدارقطني: وهو الصواب. يعني الوقف. ورجَّحه -أيضًا- النسائي، والخطيب. انظر: «تاريخ بغداد» (14/ 192) و «الدراية» (2/ 100). وصحَّح الرواية المرفوعة والموقوفة ابنُ القطَّان في «بيان الوهم والإيهام» (5/ 445) والشيخ الألباني «إرواء الغليل» (8/ 11 رقم 2344) وعلَّلا ذلك بأن الزيادة من الثقة مقبولة!

وسيأتي في كتاب «السِّيرة» (¬1) قصة نصر بن حجَّاج لما غرَّبه عمرُ من المدينة إلى البصرة، وألزمه ألا يعود ما دام عمر حيًّا، وذلك لمَّا سَمِعَ من بعض الجواري تلهج به في شِعْرها: هل من سبيلٍ إلى خمرٍ فأشربُهَا ... أم من سبيلٍ إلى نَصر بنِ حجَّاج ¬

(¬1) يعني: كتابه: «سيرة عمر وأيامه». وقصة نصر بن حجَّاج: أخرجها ابن سعد (3/ 285) -وعنه: البلاذُري في «أنساب الأشراف» (ص 211) - والخرائطي في «اعتلال القلوب» (2/ 395 رقم 828، 829) من طريق داود بن أبي الفُرَات، عن عبد الله بن بُرَيدة الأسلمي قال: بينا عمرُ بن الخطاب يَعُسُّ ذات ليلة، فإذا بامرأة تقول ... ، فذكره. وصحَّح إسنادَها الحافظ في «الإصابة» (10/ 198).

أثر آخر (701) قال ابن خزيمة: ثنا علي بن حُجر، ثنا إسماعيل بن جعفر (¬1)، ثنا حميد، عن أنس: أنَّ عمرَ أُتي بشابٍّ قد حَلَّ عليه القطعُ، فأمر بقطعه، فجعل يقول: يا ويلَه، ما سَرَقتُ سَرِقةً قطُّ قبلَها. فقال عمرُ: كَذَبتَ، وربِّ عمرَ، ما أَسلَمَ اللهُ عبدًا عند أوَّل ذنبٍ. إسناده صحيح. وقد استدلوا به على أنه إذا قَذَف رجلاً فلم يُحدَّ القاذفُ حتى زَنَى المقذوف، فإنه لا يُحدُّ القاذف؛ لأنا استدللنا بذلك على تقدُّم زناه قبل القذف، والحدود تدرأ بالشُّبهات، والله أعلم. وأما خبر أبي بَكرة والمغيرة بن شعبة فسيأتي في الشهادات (¬2). ¬

(¬1) وهو في «حديثه» (ص 196 رقم 94 - رواية علي بن حُجر). وقد توبع حميد على روايته، تابَعَه ثابت البُناني، وروايته عند البيهقي (8/ 276)، وهذه متابعة حسنة تنفي ما يُتوهَّم من عنعنة حميد. (¬2) انظر ما سيأتي (ص 344 - 347).

أثر في حد القذف

أثر في حدِّ القذف (702) قال محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذِئب (¬1): عن الزهري، عن سالم، عن أبيه: أنَّ رجلاً قال لرجل: واللهِ ما أنا بزانٍ، ولا ابن زانٍ، فرُفِعَ إلى عمرَ -رضي الله عنه-، فضَرَبه الحدَّ تامًّا. هذا إسناد صحيح. طريق أخرى (703) قال مالك (¬2): عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي الرِّجال، عن أُمه عَمرة: أنَّ رجلين استبَّا في زمن عمرَ، فقال أحدهما للآخر: ما أنا بزانٍ (¬3)، ولا أُمِّي بزانية. فاستشار في ذلك عمرَ، فقال قائل: مَدَح أباه وأُمَّه. وقال آخرون: كان لأبيه وأُمِّه مَدْحٌ سوى هذا، فنرى أن تجلدَهُ الحدَّ. فجَلَده عمرُ الحدَّ ثمانين. روى البيهقي (¬4)، عن ابن عمرَ: أنَّ عمرَ كان قَضَى في التعريض الحدَّ. وقد ذهب إلى مقتضى هذا الأثر طائفة من العلماء، و ... (¬5) وجوب الحدِّ على من عرَّض بغيره في القذف، وهو منزع قوي يُعضِّده قول أمير المؤمنين. ¬

(¬1) ومن طريقه: أخرجه البيهقي (8/ 252). (¬2) في «الموطأ» (2/ 392) في الحدود، باب الحدِّ في القذف والنفي والتعريض. وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (5/ 496 رقم 28367) في الحدود، باب من كان يرى في التعريض عقوبة -ومن طريقه: الدارقطني (3/ 209) - عن ابن إدريس، عن يحيى بن سعيد، عن أبي الرِّجال، به. (¬3) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «ما أبي بزانٍ»، وهو الموافق للسياق. (¬4) في «سننه» (8/ 252). (¬5) في هذا الموضع كلمة لم تتضح لي، ويُشبه أن تكون: «عن» أو: «هو».

أثر آخر (704) قال مالك (¬1): عن أبي الزِّناد قال: جَلَد عمرُ بن عبد العزيز عَبداً في فِرية ثمانين. قال أبو الزِّناد: فسألت عبد الله بن عامر بن ربيعة عن ذلك، فقال: أدركتُ عمرَ بن الخطاب، وعثمانَ بن عفَّان، والخلفاءَ هَلُمَّ جَرَّا، ما رأيتُ أحدًا جَلَد عبدًا في فِرية أكثرَ من أربعين. ورواه الثوري (¬2)، عن أبي الزِّناد، عن عبد الله بن عامر قال: لقد أدركتُ أبا بكرٍ، وعمرَ، وعثمانَ، ومَن بعدهم من الخلفاء، فلم أرهم يضربون المملوكَ في القذف إلا أربعين. ¬

(¬1) في «الموطأ» (2/ 390) في الحدود، باب الحدِّ في القذف، والنفين والتعريض. (¬2) ومن هذا الوجه: أخرجه عبد الرزاق (7/ 437 رقم 13793) والبيهقي (8/ 251).

أثر في قطع السارق

أثر في قطع السَّارق (705) قال مالك (¬1): عن الزهري، عن السَّائب بن يزيد: أنَّ عبد الله بن عمرو الحضرمي جاء بغلامٍ له إلى عمرَ بن الخطاب، فقال: اقطع يدَ هذا، فإنه سَرَق. قال عمرُ: ماذا سَرَق؟ قال: سَرَق مِرآةً لامرأتي، ثمنُها ستون درهمًا. فقال عمرُ: أَرسِلهُ، فليس عليه قطعٌ، خادمُكم سَرَق متاعَكم. إسناده صحيح. ¬

(¬1) في «الموطأ» (2/ 405) في الحدود، باب ما لا قطع فيه. وأخرجه -أيضًا- مُسدَّد في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (2/ 272 رقم 1879) وابن أبي شيبة (5/ 514 رقم 28559) في الحدود، باب في العبد يسرق من مولاه، ما عليه؟ وعبد الرزاق (10/ 210 رقم 18866) والدارقطني (3/ 188) من طريق الزهري، به.

حديث في الخمر

حديث في الخمر (706) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن سَلَمة بن كُهَيل قال: سَمِعتُ أبا الحكم قال: سألتُ ابنَ عمرَ عن الجرِّ، فحدَّثنا عن عمرَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الجرِّ (¬2)، وعن الدُبَّاء (¬3)، وعن المُزفَّت (¬4). ثم رواه أحمد (¬5)، عن يحيى بن سعيد، عن شعبة، به، بأطولَ منه. وعن مؤمَّل (¬6)، عن سفيان، عن سَلَمة بن كُهَيل، به. ورواه النسائي (¬7)، عن بُندَار، عن يحيى القطان، به. وهكذا رواه أبو داود الطيالسي (¬8)، عن شعبة، به. وأبو يعلى الموصلي (¬9) من حديث شعبة. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 50 رقم 360). (¬2) الجرُّ: هو الإناء المعروف من الفخَّار، وأراد بالنهي عن الجرار المدهونة؛ لأنَّها أسرع في الشدَّة والتخمير. «النهاية» (1/ 260). (¬3) الدُّبَّاء: القَرع، واحدها دُبَّاءة. «النهاية» (2/ 96). (¬4) المزفَّت: هو الإناء الذي طُلِيَ بالزِّفت، وهو نوع من القَار، ثم انتُبذ فيه. «النهاية» (2/ 304). (¬5) (1/ 27 رقم 185). (¬6) (1/ 37 رقم 260). (¬7) في «سننه الكبرى» (6/ 291 رقم 6811 - ط مؤسسة الرسالة). (¬8) في «مسنده» (1/ 19 رقم 16). (¬9) لم أقف عليه في المطبوع من «مسنده»، وأورده الهيثمي في «المقصد العلي» (4/ 273 - 274 رقم 1527)، وتصحَّف فيه «شعبة» إلى: «سعيد»، وجاء على الصواب عند الضِّياء في «المختارة» (1/ 312 رقم 204) فقد أخرجه من طريق أبي يعلى.

ورواه علي ابن المديني، عن يحيى القطَّان، عن شعبة به، وقال: هو صالح الإسناد، / (ق 259) ولا يحفظ عن عمرَ إلا من هذا الوجه، وأبو الحكم هذا: لا أعلم روى عنه إلا سَلَمة بن كُهَيل، وقد روي هذا الحديثُ من وجوه كثيرة عن الصحابة. قلت: أبو الحكم هذا: اسمه: عمران بن الحارث السُّلمي، ولم يَجرحه أحد (¬1). وقد اختار الحافظ أبو عبد الله المقدسي هذا الحديث في كتابه (¬2)، قال: وروى مسلم (¬3) من حديث طاوس، عن ابن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، مثلَه. حديث آخر (707) قال الحافظ أبو يعلى (¬4): ثنا أبو خيثمة، ثنا عبد الله بن يزيد، ثنا عبد الرحمن بن زياد، عن مسلم بن يَسَار، عن سفيان بن وهب الخَوْلاني قال: سَمِعتُ عمرَ يقول: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «كلُ مُسكِرٍ حرامٌ». هذا إسناد على شرط أصحاب السُّنن، ولم يخرِّجه واحد منهم، وعبد الرحمن بن زياد بن أَنعُم فيه كلام (¬5)، والله أعلم. ¬

(¬1) قال عنه أبو حاتم: صالح الحديث. وقال العجلي: كوفي تابعي ثقة. انظر: «الجرح والتعديل» (6/ 296 رقم 1646) و «ثقات العجلي» (ص 373 رقم 1298). (¬2) «المختارة» (1/ 312 رقم 203). (¬3) في «صحيحه» (3/ 1580 رقم 1997) (50 - 53) في الأشربة، باب النهي عن الانتباذ في المزفت والدباء والحنتم والنقير. (¬4) في «مسنده» (1/ 213 رقم 248). (¬5) وثَّقه يحيى القطان، وضعَّفه النسائي، وقال أحمد: منكر الحديث. وقال ابن معين: يُكتب حديثه، وإنما أُنكر عليه الأحاديث الغرائب التي يجيء بها. وقال ابن المديني: كان أصحابنا يضعِّفونه، وأنكر أصحابُنا عليه أحاديث تفرَّد بها لا تُعرفُ. وقال الترمذي: ضعيف عند أهل الحديث، ضعَّفه يحيى القطان وغيره، ورأيت محمد بن إسماعيل يقوِّي أمرَه، ويقول: هو مقارَب الحديث. انظر: «تهذيب الكمال» (17/ 102) و «ميزان الاعتدال» (2/ 561 رقم 4866). وقد أخرج البخاري (8/ 62 رقم 4343) في المغازي، باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن ... ، و (10/ 524 رقم 6124) في الأدب، باب قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «يسِّروا ولا تعسِّروا»، ومسلم (3/ 1586 رقم 1733) في الجهاد، باب في الأمر بالتيسير وترك التنفير، من حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه-، مرفوعًا: «كلُّ مُسكِر حرام».

حديث آخر (708) قال البخاري (¬1): ثنا أحمد بن أبي رجاء، ثنا يحيى، عن أبي حيَّان التَّيمي، عن الشَّعبي، عن ابن عمرَ قال: خَطَب عمرُ على منبرِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أيُّها الناسُ، إنه نَزَل تحريمُ الخمرِ، وهي من خمسةِ أشياءَ: من العنب، والتمر، والحنطة، والشَّعير، والعسل. والخمرُ ما خامَرَ العقلَ. وثلاثٌ وَدِدتُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لم يُفارقْنا حتى يعهدَ إلينا فيهنَّ عهدًا / (ق 260) ننتهى إليه: الجدُّ، والكَلاَلة، وأبوابٌ من أبواب الرِّبَا. هكذا رواه في كتاب الأشربة. وأخرجه في أماكن أخر (¬2). ¬

(¬1) في «صحيحه» (10/ 45 رقم 5588 - فتح) في الأشربة، باب ما جاء في أن الخمر ما خامر العقل من الشراب. (¬2) انظر: «صحيح البخاري» (8/ 277 رقم 4619) في التفسير، باب: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان}، و (10/ 35، 46 رقم 5581، 5589 - فتح) في الأشربة، باب الخمر من العنب وغيره، وباب ما جاء في أن الخمر ما خامر العقل من الشراب.

ورواه الجماعة (¬1) سوى ابن ماجه من طرق، عن الشعبي، به. منها: أبو داود (¬2)، عن أحمد (¬3)، عن ابن عُليَّة، عن أبي حيَّان التَّيمي، عن الشَّعبي، به. ورواه النسائي (¬4) في بعض الطرق موقوفًا على ابن عمر. أثر آخر (709) قال النسائي في الأشربة (¬5)، وفي الوليمة (¬6): ثنا الحارث بن مِسكين، أبنا ابن القاسم، عن مالك (¬7)، عن الزهري، عن السَّائب بن يزيد الكِندي: أنَّ عمرَ خَرَج عليهم، فقال: إنِّي وَجَدتُ من فلانٍ ريحَ شرابٍ، فزَعَم أنه شَرِبَ (¬8) الطِّلاء (¬9)، وإنِّي سائلٌ عمَّا شَرِبَ، فإن كان ¬

(¬1) أخرجه مسلم (4/ 2322 رقم 3032) في التفسير، باب في نزول تحريم الخمر، والترمذي (4/ 263 رقم 1874) في الأشربة، باب ما جاء في الحبوب التي يُتخذ منها الخمر، والنسائي (8/ 693 رقم 5594، 5595) في الأشربة، باب ذِكر أنواع الأشياء التي كانت منها الخمر حين نزل تحريمها. (¬2) في «سننه» (4/ 248 رقم 3669) في الأشربة، باب في تحريم الخمر. (¬3) هو: ابن حنبل، وهو عنده في «الأشربة» (ص 37 رقم 185). (¬4) في «سننه» (8/ 693 رقم 5596) في الموضع السابق. (¬5) (8/ 731 رقم 5724) باب ذِكر الأخبار التي اعتلَّ بها من أباح شراب السكر. (¬6) لم أجده في كتاب الوليمة من «السُّنن الكبرى»، وعزاه إليه المزي في «تحفة الأشراف» (8/ 22 رقم 10443). (¬7) وهو في «الموطأ» (2/ 409) في الأشربة، باب الحد في الخمر. وأخرجه -أيضًا- البلاذُري في «أنساب الأشراف» (ص 288 - 289) من طريق معمر، وابن عيينة، وعُقيل، عن الزهري، به، وفيه: أن الشارب عبيد الله بن عمر. (¬8) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «شَرَاب». (¬9) الطِّلاَء: ما طُبِخَ من عصير العنب حتى ذهب ثُلُثَاه. «مختار الصحاح» (ص 239 - مادة طلا).

يُسكِرُ (¬1) جَلَدتُهُ، فجَلَدهُ عمرُ الحدَّ تامَّا. هذا إسناد صحيح. والظاهر أنَّ هذا كان قد شرب غير الطِّلاء، فإنَّ الطِّلاء مباح، وهو شبيه بالدِّبس (¬2)، أو هو هو، والله أعلم. (710) وقال النسائي في الوليمة (¬3): ثنا سُوَيد بن نصر، عن عبد الله بن المبارك، عن معمر، عن الزهري، عن القاسم بن محمد، عن أسلم مولى عمر قال: قَدِمنا على عمر الجابية (¬4)، فأُتي بطلاءٍ، مثلَ عَقيدِ الرُّبِّ (¬5)، إنما يُخاضُ (¬6) بالمخاوض (¬7) خَوضًا، فقال: إنَّ في هذا لشرابًا (¬8) ماانتهى إليه. طريق أخرى (711) قال النسائي (¬9): ثنا محمد بن عبد الأعلى، ثنا المعتمر، عن ¬

(¬1) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «مُسكِرًا». (¬2) الدِّبسُ: عسلُ التمرِ. «القاموس المحيط» (ص 543 - مادة دبس). (¬3) من «السُّنن الكبرى» (6/ 296 رقم 6830 - ط الرسالة). وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (9/ 254 رقم 17116) عن معمر، به. ... وصحَّحه ابن حزم في «المحلى» (7/ 498). (¬4) الجابِيَة: قرية من أعمال دمشق. «معجم البلدان» (2/ 91). (¬5) الرُّبُّ: ما يُطبخُ من التمر، وهو الدِّبسُ -أيضًا-. «النهاية» (2/ 181). (¬6) يخاض: أي يخلط ويحرَّك. «لسان العرب» (4/ 247 - مادة خوض). (¬7) المخاوض: واحدها مخوض، وهو المجدح الذي يخاض به السَّويق. «لسان العرب» (4/ 247). (¬8) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «الشراب». (¬9) في «سننه الصغرى» (8/ 733 رقم 5731) في الأشربة، باب ذِكر ما يجوز شربه من الطلاء، وما لا يجوز. وهذا إسناد صحيح، نُبَاتة قال عنه أبو حاتم: كان مُعلِّمًا على عهد عمر. ووثَّقه العجلي، وقال ابن حزم: من أوثق التابعين. انظر: «الجرح والتعديل» (8/ 501 رقم 2295) و «ثقات العجلي» (ص 448 رقم 1681) و «المحلى» (2/ 91). وخالف الحافظ، فقال في «التقريب»: مقبول.

منصور، عن إبراهيم، عن نُبَاتة، عن سُوَيد بن غَفَلة قال: كَتَب عمرُ -رضي الله عنه- إلى بعض عُمَّاله: / (ق 261) أنِ ارزقوا المسلمين من الطِّلاء ما ذهب ثُلُثاه، وبقي ثُلُثُه. طريق أخرى (712) قال النسائي (¬1): ثنا سُوَيد بن نصر، عن ابن المبارك، عن سليمان التَّيمي، عن أبي مِجْلَز، عن عياض (¬2) بن عبد الله قال: قرأتُ كتابَ عمرَ إلى أبي موسى: أمَّا بعدُ، فإنها قَدِمَتْ عليَّ عِيرٌ من الشَّام تحمل شرابًا غليظًا أسودَ، كطلاء الإبل، وإنِّي سألتُهم على كم يطبخونه؟ فأَخبروني أنهم يطبخونه على الثُّلُثين، ذهب ثُلُثاه الأخبثان، ثُلُث بريحه، وثُلُث بِبَغيه، فمُرْ مَن قِبَلَكَ أن يشربوه. ثم رواه النسائي -أيضًا- (¬3)، عن سُوَيد، عن ابن المبارك، عن سعيد، عن قتادة، عن أبي مِجْلَز: أنَّ عمرَ كتب إلى عمَّار بن ياسر ... ، بمثله. فهذه طرق قوية يشدُّ بعضها بعضًا. وهذا هو الدِّبس السائل -والله أعلم-، وهو مباح ما كان على هذه ¬

(¬1) في «سننه الصغرى» (8/ 733 - 734 رقم 5732) في الموضع السابق. (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «عامر»، وهو الموافق لما في «تحفة الأشراف» (8/ 35 رقم 10478). (¬3) في «سننه الكبرى» (6/ 296 رقم 6830 - ط مؤسسة الرسالة). وهذا الأثر -كما ترى- قد اختُلف فيه على أبي مِجْلَز: فمرَّة رواه عن عامر الشَّعبي، عن عمرَ، والشعبي لم يَسْمع من عمر، كما قال أبو حاتم، وأبو زرعة. انظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص 160 رقم 592). ومرَّة رواه عن عمرَ بلا واسطة، وأبو مِجْلَز لم يَسْمع من عمر، كما قال أبو زرعة. انظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص 233 رقم 871). وله طريق أخرى: أخرجها النسائي (8/ 734 رقم 5733) وسعيد بن منصور، كما في «تغليق التعليق» (5/ 24) من طريق هشام بن حسَّان، عن محمد بن سيرين، عن عبد الله بن يزيد الخَطْمي قال: كَتَب إلينا عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه-، أما بعدُ، فاطبخوا شَرابَكم حتى يذهب منه نصيبُ الشيطان، فإنَّ له اثنين، ولكم واحدٌ. قال الحافظ: هذا إسناد صحيح، وله طرق كثيرة عن عمرَ. وقد قال الإمام البخاري في «صحيحه» (10/ 62 - فتح) في الأشربة، باب الباذق، ومن نهى عن كل مسكر من الأشربة: ورأى عمرُ، وأبو عُبيدة، ومعاذُ شُرْبَ الطِّلاء على الثُّلُث.

الصفة المذكورة مالم يُسكِر كثيره، كما هو المعهود، وليس في مثل هذا نزاع بين العلماء. أثر آخر (713) قال النسائي (¬1): ثنا زكريا بن يحيى، عن عبد الأعلى بن حماد، عن سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيّب قال: تَلَقَّت ثقيفُ عمرَ بن الخطاب بشراب، فلمَّا قَرَّبه من فِيهِ كرهه، فدعا به، فكَسَره بالماء، فقال: هكذا فافعلوا. هذا إسناد جيد، وسعيد بن المسيّب وإن كان لم يَسْمع كلَّ ما رواه عن عمرَ / (ق 262) إلا أنه أعلم التابعين بأيام عمر وأحكامه. ¬

(¬1) في «سننه» (8/ 730 - 731 رقم 5722) في الأشربة، باب ذِكر الأخبار التي اعتلَّ بها من أباح شراب السكر.

(714) وقد روى الحاكم أبو عبد الله النيسابوري في «مستدركه» (¬1) من حديث أبي الأحوص سلاَّم بن سُليم قال: حدثنا مسلم الأعور، عن أبي وائل قال: غزوتُ مع عمرَ الشَّامَ، فنزلنا منزلاً، فجاء دهقَان (¬2) فسَجَد (¬3)، فقال عمرُ: ماهذا؟! قال: هكذا نفعل بالملوك! قال: اسجد لربِّك الذي خَلَقك. قال: يا أميرَ المؤمنين، قد صنعتُ لك طعامًا، فأتني. قال: هل في بيتك تصاويرُ العجم؟ قال: نعم. قال: لا حاجة لي في بيتك، انطَلِق، فابعث لنا بلون من الطعام، لا تزدنا عليه، ففعل، فأكل منه. وقال لغلامه: هل في إداوتك شيءٌ من ذلك النَّبيذ؟ قال: نعم، فأتاه، فصبَّه في إناء، ثم شمَّه، فوَجَده مُنكرَ الريح، فصبَّ عليه ماءً، ثم شمَّه، فوَجَده مُنكرَ الريح، فصبَّ عليه الماءَ ثلاثَ مراتٍ، ثم شَرِبَه. ثم قال: إذا رابكم من شرابكم شيءٌ، فافعلوا به هكذا. قال الحاكم: هذا صحيح. قلت: لكن مسلم الأعور: ضعَّفوه، فقال أحمد بن حنبل: لا يُكتب حديثه. وقال البخاري: يتكلَّمون فيه (¬4). ¬

(¬1) (3/ 82) من طريق مُسدَّد، عن أبي الأحوص. وهو عنده مسدَّد في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (2/ 256 رقم 1844). (¬2) الدهقان: بضم الدال وكسرها، رئيس القرية ومُقدَّم الثُّنَّاء وأصحاب الزراعة. «النهاية» (2/ 145). (¬3) قوله: «فجاء دهقَان فسَجَد» كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «فجاء دهقان يستدل على أمير المؤمنين حتى أتاه، فلما رأى الدهقانُ عمرَ سَجَدَ». (¬4) انظر: «العلل ومعرفة الرجال» (2/ 476 رقم 3121) و «التاريخ الكبير» (7/ 271 رقم 1145). ولهذا الحديث علَّة، فقد قال الدارقطني في «العلل» (2/ 161 رقم 189): يَرويه أبو الأحوص سلاَّم بن سُليم، واختُلف عنه، فرواه محمد بن الحسن الأسدي -المعروف بالتلِّ-، عن أبي الأحوص، عن عاصم بن بَهْدلة، عن أبي وائل، ووَهِمَ فيه، والصواب: عن أبي الأحوص، عن مسلم الأعور، عن أبي وائل. كذلك رواه جماعة من الحفاظ عن أبي الأحوص، عن مسلم الأعور، عن أبي وائل أنه سَمِعَه من عمرَ. ورواه جرير بن عبد الحميد، عن مسلم الأعور، عن أبي وائل، عن رجل من قومه، عن عمرَ. ومسلم الأعور ضعيف، وهذا الحديث يَرويه الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وحديث الأعمش أولى بالصواب. قلت: حديث حذيفة رضي الله عنه: أخرجه ابن حبان (12/ 163 رقم 5344 - الإحسان) وأبو نعيم في «الحلية» (5/ 58) والخطيب في «تاريخه» (11/ 421) من طريق الأعمش، عن أبي وائل: أنَّ حذيفةَ استسقى، فأتاه الخادمُ بقدحٍ مفضَّضٍ، فردَّه، وقال: سَمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «هو لهم في الدنيا، ولنا في الآخرة». وهو عند البخاري (9/ 554 رقم 5426) و (10/ 94، 96، 284، 291 رقم 5632، 5633، 5831، 5837 - فتح) في الأشربة، باب الشرب في آنية الذهب، وباب آنية الفضة، وفي اللباس، باب لبس الحرير للرجال، وقدر ما يجوز منه، وباب افتراش الحرير، ومسلم (3/ 1637 رقم 2067) في اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة ... ، من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى -زاد مسلم: وعبد الله بن عُكَيم-، عن حذيفة رضي الله عنه.

طريق أخرى (715) قال النسائي (¬1): ثنا سُوَيد، ثنا ابن المبارك، عن السَّرِي بن يحيى: ثنا أبو حفص -إمام لنا، وكان من أسنان الحسن-، عن أبي رافع الصَّائغ قال: قال عمرُ رضي الله عنه: إذا خشيتم / (ق 263) من نبيذٍ شِدَّتَهُ، فاكْسِروه بالماء. هذا إسناد حسن يتقوَّى بالذي قبله. ¬

(¬1) في «سننه» (8/ 730 رقم 5721) في الأشربة، باب ذِكر الأخبار التي اعتلَّ بها من أباح شراب السكر.

حديث في كيفية الحد من المسكر

حديث في كيفية الحدِّ من المسكر (716) قال البخاري (¬1): ثنا يحيى بن بُكَير، حدَّثني اللَّيث، حدَّثني خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ بن الخطاب: أنَّ رجلاً كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه عبد الله، وكان يلقَّب حِمَارًا، وكان يُضحِكُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قد جَلَده في الشَّرَابِ، فأُتِي به يومًا، فقال رجل من القوم: اللهمَّ الْعَنْهُ، فما أكثرَ ما يؤتى به! فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا تَلعَنُوهُ، فواللهِ ما عَلِمتُ إنَّهُ (¬2) يُحبُ اللهَ ورسولَه». انفرد به البخاري من هذا الوجه. وفيه دلالة على أنه لا يتحتَّم قتل الشَّارب في الرابعة، وأنَّ تلك الأحاديث الواردة بالأمر بقتله في الرابعة محمولة على الإذن الشَّرعي عند من يرى ذلك من العلماء، والله أعلم. ¬

(¬1) في «صحيحه» (12/ 75 رقم 6780 - فتح) في الحدود، باب ما يُكره من لعن شارب الخمر، وأنه ليس بخارج من الملة. (¬2) كذا ورد بالأصل. وكَتَب المؤلِّف فوقها: «ما علمت إلا أنه»، وكَتَب فوقها: «خ»، إشارة إلى وروده في نسخة، وبالرجوع إلى النسخة اليونينية لـ «صحيح البخاري» (8/ 159 - ط دار طوق النجاة) تبيَّن أنها رواية أبي ذر الهَرَوي، والكُشميهني. وانظر: «فتح الباري» (12/ 77 - 78).

أثر شبيه بهذا الحديث من حيث الرفق بشارب الخمر والتلطف

أثر شبيه بهذا الحديث من حيث الرفق بشارب الخمر والتلطُّف به، ليدعوه ذلك إلى التوبة و ... (¬1) (717) قال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني (¬2): ثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا محمد بن سهل، ثنا عبد الله بن عمر، ثنا كثير بن هشام، ثنا جعفر بن (¬3)، ثنا يزيد بن الأصمِّ: أنَّ رجلاً كان ذا بأس، وكان يُرفَدُ (¬4) لبأسِهِ، وكان من أهل الشَّام، وأنَّ عمرَ فَقَدَه، فسأل عنه، فقيل: تتابع في هذا الشَّراب، فدعا كاتبَه، فقال: اكتب: «من عمرَ بن الخطاب إلى فلان: سلامٌ عليك، فإنِّي أحمدُ إليك اللهَ الذي لا إله إلا هو {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ}». ثم دعا وأمَّن مَن عنده، فدعوا له أن يُقبِلَ اللهُ بقلبه، وأن يتوبَ الله عليه، فلمَّا أتت الصحيفةُ الرَّجلَ، جعل يقرأها، ويقول: {غَافِرِ الذَّنْبِ}: قد وَعَدني اللهُ أن يغفرَ لي، و {وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ}: قد حذَّرني اللهُ عقابَه، {ذِي الطَّوْلِ}، والطَّول: الخير الكثير، {إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} فلم يزل يردِّدها على نفسه، ثم بكى، ثم نزع، فأحسن النزع. فلمَّا بلغ عمرُ خبَرَه قال: هكذا فاصنعوا، إذا رأيتم أخًا لكم زلَّ زلَّة، فسدِّدوه، ووفِّقوه، وادعوا الله أن يتوبَ عليه، ولا تكونوا أعوانًا للشيطان عليه. إسناد جيد، وفيه انقطاع. ¬

(¬1) موضع كلمة غير واضحة بالأصل. (¬2) في «حلية الأولياء» (4/ 97). (¬3) موضع كلمة غير واضحة بالأصل. وفي المطبوع: «بُرقان». (¬4) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «يوفد»، وما في الأصل موافق لبعض نسخ «الحلية»، كما أشار إلى ذلك محقِّقه.

أثر آخر (718) قال البخاري (¬1): ثنا مكِّي بن إبراهيم، عن الجُعَيد، عن يزيد بن خُصَيفة، عن السَّائب بن يزيد قال: كنا نؤتى بالشَّارب على عهدِ رسولِ الله، وإمرةِ أبي بكرٍ، وصدرًا من خلافة عمرَ بن الخطاب فنقومُ إليه بأيدينا، ونعالنا، وأرديتنا، حتى كان آخرُ إمرةِ عمرَ فجَلَد أربعين، حتى إذا عَتَوا وفَسَقوا جَلَد ثمانين. وروى مسلم (¬2)، عن عليٍّ قال: جَلَد رسولُ الله أربعين، وأبو بكرٍ أربعين، وعمرُ ثمانين، وكُلٌّ سُنَّة، وهذا أحبُّ إليَّ. يعني: الأربعين. وروى -أيضًا-، عن أنس (¬3): أنَّ عمرَ استشارهم في حدِّ الخمر، فقال عبد الرحمن: أخفَّ الحدود ثمانين. فأَمَر به عمر رضي الله عنه. ¬

(¬1) في «صحيحه» (12/ 66 رقم 6779 - فتح) في الحدود، باب الضرب بالجريد والنعال. (¬2) في «صحيحه» (3/ 1331 رقم 1707) (38) في الحدود، باب حد الخمر. (¬3) (3/ 1330 رقم 1706) (35) في الموضع السابق.

أثر عن عمر فيه جواز التغريب في الخمر إن رأى الإمام في ذلك مصلحة فعله

أثر عن عمر فيه جواز التغريب في الخمر إن رأى الإمام في ذلك مصلحة فَعَلَه (719) قال النسائي (¬1): ثنا زكريا بن يحيى قال: ثنا عبد الأعلى بن حماد، عن معتمر بن سليمان، عن عبد الرزاق (¬2)، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيّب أنه قال: غَرَّبَ عمرُ ربيعةَ بنِ أُميَّةَ في الخمر / (ق 264) إلى خيبرَ، فلَحِقَ بهرقلَ فتنصَّر، فقال عمرُ -رضي الله عنه: لا أُغرِّبُ بعدَه مسلمًا. هذا إسناد جيد غريب. أثر آخر (720) قال محمد بن سعد (¬3): أنا محمد بن عمر -يعني: الواقدي-، أنا أسامة بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جدِّه قال: سَمِعتُ عمرو بن العاص ذَكَر عمرَ فترحَّم عليه، وقال: ما رأيتُ أحدًا بعد النبيِّ صلى الله عليه وسلم (¬4) أخوفَ للهِ منه، لا يبالي على من وقع الحقُّ، إنِّي لفي منزلي بمصرَ، إذ أتاني آتٍ، فقال: قَدِمَ عبد الله وعبد الرحمن ابنا عمرَ غازِيَيْن، فقلت: أين نزلا؟ ولم أستطع أن آتيهما، ولا أهدي لهما خوفًا من عمرَ رضي الله عنه. فقيل لي: ¬

(¬1) في «سننه» (8/ 722 رقم 5692) في الأشربة، باب تغريب شارب الخمر. (¬2) وهو في «المصنَّف» (9/ 230 رقم 17040). وأخرجه -أيضًا- عمر بن شبَّة في «تاريخ المدينة» (2/ 720) من طريق ابن المبارك، عن معمر، به. (¬3) في «الطبقات الكبرى» (5/ 71 - 72 - ط مكتبة الخانجي)، وهو ساقط من طبعة دار صادر. وفي إسناده: الواقدي، وهو متروك، وفي متنه نكارة. وانظر ما بعده. (¬4) زاد في المطبوع: «وأبي بكر».

هذا عبد الرحمن بن عمر وأبو سِروعة يستأذنان، فدخلا وهما مُكسرَان (¬1)، فقالا: أقم علينا حدَّ الله، إنَّا شربنا فَسَكِرنَا، فزَبَرتُهما (¬2)، وطردتُهما، فقال عبد الرحمن: إن لم تفعل أخبرتُ أبي إذا رَجَعتُ. قال: فدخل عليَّ عبد الله بن عمر، فقمتُ، ورحَّبتُ به، فقال: إنَّ أبي نهاني أن أدخلَ عليك، إلا ألا أجدَ بُدًّا، إنَّ أخي لا يُحلَقُ على رءوس الناس أبدًا، أمَّا الضرب، فنعم، فأخرجتهما إلى صحن الدار، فضربتُهما الحدَّ، ودخل عبد الله بأخيه فحَلَق رأسَه، ورأسَ أبي سَروعة. فواللهِ ما كَتَبتُ إلى عمرَ بحرفٍ، فجاءني كتابٌ منه يقول: إلى العاص بن / (ق 265) العاص: بجرأتك عليَّ، وخلاف عهدي، أنا قد خالفتُ فيك أصحابَ بدرٍ ممَّن هو خيرٌ منك واخترتُك، وأراك قد تلوَّثتَ بما تلوَّثتَ بضرب عبد الرحمن وحَلْقِهِ في بيتك، ولا تصنع به ما تصنع بغيره من المسلمين، وقلتَ: هو ولدُ أمير المؤمنين، وقد عرفتَ أنَّه لا هوادةَ لأحدٍ عندي في حقٍّ، فإذا جاءك كتابي هذا، فابعثه في عباءة على قَتَب. فبعثتُ به كما أَمَر، وكَتَبتُ أعتذر، وبالله الذي لا يُحلَفُ بأعظمَ منه إنِّي لأُقيمُ الحدودَ في صحن داري. قال أسلم: فقَدِمَ عبد الرحمن وعليه عباءة، ولا يستطيع المشي من مَركبه، فقال عمرُ: السِّياط! فقال: يا أميرَ المؤمنين، قد أُقِيمَ عليَّ الحدُّ، فلم يلتفت عليه، وجعل عبد الرحمن يصيح: أنا مريض، وأنت قاتلي، فضربه، فحبسه، فمرض، فمات (¬3). ¬

(¬1) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «مُنكسران». (¬2) أي: زَجَرتهما ونَهَرتهما. «مختار الصحاح» (ص 166 - مادة زبر). (¬3) جاء بهامش الأصل حاشية بخط مغاير لخط المؤلِّف، وهذا نصُّها: قال النووي في «تهذيب الأسماء» [1/ 300]: عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب، يقال له: عبد الرحمن الأكبر، وهو صحابي، ذكره ابن منده، وابن عبد البر، وأبو نعيم الأصبهاني، وغيرهم في الصحابة، وهو أخو عبد الله، وحفصة أمهم زينب بنت مظعون، أدرك عبد الرحمن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، ولم يحفظ عنه شيئًا. قالوا: وعبد الرحمن بن عمر الأوسط هو أبو شَحمة، الذي ضَرَبه عمرو بن العاص بمصر في الخمر ثم حمله إلى المدينة، فضَرَبه أبوه عمر بن الخطاب تأديبًا، ثم مرض، فمات بعد شهر. هكذا رواه معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، وأما ما يزعمه بعض أهل العراق أنه مات تحت السِّياط فغلط، وعبد الرحمن بن عمر الأصغر هو أبو المجبَّر، والمجبَّر -أيضًا-، اسمه: عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن عمر. قال ابن عبد البر: وإنما قيل له المجبَّر؛ لأنه وقع وهو غلام فكُسِرَ، فحُمِلَ إلى عمَّته حفصة أم المؤمنين، فقيل: انظري إلى ابن أخيكِ انكَسَر، فقالت: ليس بالمكسَّر، ولكنَّه المجبَّر. انتهى كلام النووي رحمه الله. وعبد الرحمن الأوسط والأصغر أمهما أم ولد لعمر -رضي الله عنه-، واسمها: لاهيه. نقله الطبري في «الرياض» عن الدارقطني.

طريق أخرى (721) قال الحافظ أبو بكر الخطيب (¬1): أنا محمد بن أحمد بن رزق والحسن بن أبي بكر قالا: ثنا محمد بن عبد الله بن محمد أبو عبد الله الهروي، أنا علي بن محمد بن عيسى الجكاني، أنا أبو اليَمَان، أنا شعيب بن أبي حمزة (¬2)، عن الزهري، عن سالم: أنَّ أباه قال: شَرِبَ أخي عبد الرحمن، وشَرِبَ معه أبو سِروعة عُقبة بن الحارث ونحن بمصر، فسَكِرا، ثم صحوا، فانطلقا إلى عمرو بن العاص، فقالا: طهِّرنا. ولم أشعر أنا، ¬

(¬1) في «تاريخه» (5/ 455). وأخرجه -أيضًا- ابن عساكر في «تاريخه» (44/ 324) من طريق أبي اليَمَان، به. وأخرجه عبد الرزاق (9/ 232 رقم 17047) وعمر بن شبَّة في «أخبار المدينة» (3/ 841) والبلاذُري في «أنساب الأشراف» (ص 289) والبيهقي (8/ 312 - 313) من طريق الزهري، به. (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «شعيب بن دينار»، وكذا ورد في الطبعة التي حققها الدكتور بشار عواد معروف (3/ 482)، ودينار هو: اسم والد شعيب.

فذَكَر لي أخي أنه قد سَكِرَ، فقلت: ادخل الدَّار أُطهِّرك، فآذنني أنه قد أَعلَمَ عَمرا، فقلت: / (ق 266) والله لا يُحلَقُ على رءوس الناس، ادخل أَحلِقُكَ -وكانوا إذا ذاك يحلقون مع الحدِّ- قال: فحَلَقتُهُ بيدي، ثم جَلَدهم عمرو، فسَمِعَ بذلك عمرُ، فكَتَب أن ابعث إليَّ بعبد الرحمن على قَتَب، ففعل، فلما قَدِمَ عليه جَلَده وعاقَبَه من أجل مكانه منه، ثم أرسَلَه، فلبِثَ شهرًا صحيحًا، ثم أصابه قَدَرُهُ، فيَحسَبُ عامَّة الناس أنه مات من جَلْد عمر، فلم يمت من جَلْدِهِ. هذا إسناد صحيح، والسياق الأوَّل حسن. وفيه دلالة على جواز الزيادة على الحدِّ بما يراه الإمام زاجرًا من حَلْق شَعْر أو تغريب، وأما إعادة عمر الحدَّ على ابنه فيحتمل أنه أكمل له ثمانين (¬1)، كما رواه مسلم (¬2)، عن أنس بن مالك: أنَّ عمرَ بن الخطاب استشارهم في حدِّ الخمر، فقال عبد الرحمن: أخفَّ الحدود ثمانين، فأمر به عمرُ رضي الله عنه. وروى -أيضًا- (¬3)، عن علي -رضي الله عنه- أنه لما جَلَد الوليد بن عُقبة أربعين بين يَدَي عثمان قال: جَلَد رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أربعين، وأبو بكرٍ أربعين، وعمرُ ¬

(¬1) وقال البيهقي: والذي يشبه أنه جَلَده جَلْد تعزير، فإن الحدَّ لا يعاد، والله أعلم. وقال ابن الجوزي في «المنتظم» (4/ 184): ولا ينبغي أن يُظن بعبد الرحمن أنه شرب الخمر، إنما شرب النبيذ متأولاً، فظن أن ما شرب منه لا يُسكر، وكذلك أبو سِروعة، فلما خَرَج الأمر بهما إلى السُّكر طلبا التطهير بالحدِّ، وقد كان يكفيهما مجرد الندم، غير أنهما غضبًا لله تعالى على أنفسهما المفرطة، أسلماها إلى إقامة الحدِّ، وأما إعادة عمر الضرب فإنما ضربه تأديبًا لا حدًّا. (¬2) تقدَّم تخريجه (ص 271) تعليق رقم 3 (¬3) تقدَّم تخريجه (ص 271) تعليق رقم 2

ثمانين، وكُلٌّ سُنَّة، وهذا أحبُّ إليَّ. فقوله: وكُلٌّ سُنَّة: دليل على تسويغ ذلك، ويحتمل أنه ثنَّاه عليه لأجل أنه قريبه، فإنَّه كان قد تقدَّم في أوَّل ولايته إلى أهله أنهم لا يأتون شيئًا مما نهى الناس عنه إلا أضعف لهم العقوبة (¬1). وهذا هو الظاهر، لقول عبد الله بن عمرَ: فلمَّا قَدِمَ عليه جَلَده وعاقَبَه من أجل مكانه منه، ومرادُ عمرَ أنَّ وَلَدَهُ لا يختصُّ في حدود الله من بين الناس بمزية، وإلا فلو رأى الإمامُ أن يُقيمَ الحدَّ على شارب الخمر في البيت كان له ذلك. (722) كما رواه البخاري (¬2): عن قتيبة، عن عبد الوهاب، عن ¬

(¬1) يشير إلى: ما أخرجه معمر في «جامعه» الملحق بـ «المصنَّف» (11/ 343 رقم 20712) وعمر بن شبَّة في «تاريخ المدينة» (2/ 751) من طريق يونس بن يزيد. كلاهما (معمر، ويونس) عن الزهري، عن سالم، عن أبيه قال: كان عمرُ بن الخطاب إذا نهى الناس عن شيء دخل إلى أهله -أو قال: جَمَع- فقال: إنيِّ نهيت عن كذا وكذا، والناس إنما ينظرون إليكم نظر الطَّير إلى اللَّحم، فإن وقعتم وقعوا، وإن هِبتُم هابُوا، وإنِّي والله لا أُوتَى برجل منكم وقع في شيء ممَّا نهيتُ عنه الناسَ إلا أضعفت له العقوبة لمكانه منيِّ، فمن شاء فليتقدَّم، ومَن شاء فليتأخَّر. وهذا إسناد صحيح. وله طريق أخرى: أخرجها البلاذُري في «أنساب الأشراف» (ص 222) عن مصعب بن عبد الله الزبيري، عن أبيه، عن مالك بن أنس، عن زيد بن أسلم، عن أبيه: أنَّ عمرَ بن الخطاب صعد المنبر، واجتمع الناس إليه من نواحي المدينة، فعلَّمهم، وأمرهم، ونهاهم، وتوعَّدهم، ثم أتى أهلَه، فقال: قد سمعتم، وإن أتى أحدٌ منكم شيئًا مما نهيت عنه، أضعفت له العقوبة. وهذا إسناد صحيح. (¬2) في «صحيحه» (12/ 64 رقم 6774 - فتح) في الحدود، باب من أمر بضرب الحد في البيت.

أيوب، عن ابن أبي مُلَيْكَة، عن عُقبة بن الحارث قال: جيء بالنُّعيمان -أو: ابن النُّعيمان- شاربًا، فأمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم مَن كان في البيت أنْ / (ق 267) يضربوه، فكنتُ فيمن ضَرَبه بالنِّعال. أثر آخر (723) قال أبو عبيد (¬1): ثنا أبو النضر، عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أبي رافع، عن عمرَ: أنه أُتي بشارب، فقال: لأبعثنَّكَ إلى رجلٍ لا تأخذُهُ فيك هَوَادةٌ، فبعث به إلى مُطيع بن الأسود العَدَوي، فقال: إذا أصبحتَ غدًا، فاضْرِبْهُ الحدَّ. فجاء عمرُ، وهو يضربه ضربًا شديدًا، قال: قَتَلتَ الرَّجلَ! كم ضربتَه؟ قال: ستين. فقال: أَقِصَّ عنه بعشرين. قال أبو عبيد: معناه: اجعل شدَّة هذا الضرب الذي ضَرَبتَه قصاصًا بالعشرين التي بقيت. قال: وفي هذا الرِّفق بالشَّارب، كما سَمِعتُ محمد بن الحسن يقول. قال: وكذلك القاذف، وأمَّا الزَّاني ... (¬2). قال: والتعزير أشدُّ الضرب. وفيه: أنه ... (¬3) حتى أفاق، لهذا قال: إذا أصبحتَ غدًا ... (¬4). ¬

(¬1) في «غريب الحديث» (4/ 204). (¬2) في هذا الموضع طمس في الأصل. وفي المطبوع: «وأمَّا الزَّاني؛ فإنَّه أشدُّ ضَربًا منهما». (¬3) في هذا الموضع طمس في الأصل. وفي المطبوع: «أنه لم يضربه في سُكره». (¬4) في هذا الموضع طمس في الأصل. وفي المطبوع: «إذا أصبحتَ غدًا فاضربه الحدَّ».

أثر آخر (724) قال ابن أبي الدُّنيا (¬1): حدثني يعقوب بن عُبيد، ثنا يزيد، أنا حماد بن سَلَمة، عن سمَاك، عن عبد الله بن شَدَّاد، عن عبد الله بن عمرَ قال: كنَّا مع عمرَ في مسير، فأبصر رجلاً يُسرِعُ في مسيره، فقال: إنَّ هذا الرَّجلَ يريدنا، فأناخ، ثم ذهب لحاجته، وجاء الرَّجل فبكى، وبكى عمر، وقال: ما شأنُك؟ قال: يا أميرَ المؤمنين، إنِّي شربتُ الخمر، فضَرَبني أبو موسى، وسوَّد وجهي، وطاف بي، ونهى الناسَ أن يجالسوني، فهَمَمتُ أن آخُذَ سيفي فأضربُ به أبا موسى، وآتيك، فتحوِّلني إلى دارٍ لا أُعرَفُ فيه، أو ألحقُ بأرض الشِّرك، فبكى عمرُ، وقال: ما يَسرُّني أنَّك لَحِقتَ بأرض الشِّرك وأنَّ لي كذا وكذا، وقال: إنْ كنتُ لمِن أشرب الناس للخمر في الجاهلية، ثم كَتَب إلى أبي موسى: إنَّ فلانًا أتاني، فذَكَر كذا وكذا، فإذا أتاك كتابي هذا، فمُرِ الناسَ أن يجالسوه، وأن يخالطوه، وإن تاب فاقبل شهادتَه. وكَسَاه، وأمر له بمائتي درهم. وهذا إسناد جيد. ¬

(¬1) لم أقف عليه في مظانه من مصنَّفاته المطبوعة، وأخرجه -أيضًا- عمر بن شبَّة في «تاريخ المدينة» (3/ 814) والبيهقي (10/ 214) والمبارك بن عبد الجبار الطُّيوري في «الطُّيوريَّات» (ص 155 رقم 267) من طريق حماد بن سَلَمة، به.

حديث فيه الستر على أهل المعاصي، وأن الحدود تدفع بالشبهات

حديث فيه السِّتر على أهل المعاصي، وأن الحدود تُدفَع بالشُّبهات (725) قال عبد الله بن المبارك: عن إبراهيم بن نَشيط، عن كعب بن علقمة، عن ابن الهيثم، عن عُقبة بن عامر أنه قال لعمرَ: يا أميرَ المؤمنين، إنَّ لنا جيرانًا يشربون الخمرَ، فيفعلون، ويفعلون، فيُرفَعون؟ قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن رأى عَورةً فسَتَرها، كان كمَن أحيا مَوءودةً (¬1) في قبرِها». رواه أبو بكر الإسماعيلي من حديث ابن المبارك (¬2). ¬

(¬1) الموءودة: المقتولة، كان العرب إذا وُلد لأحدهم في الجاهلية بنت دَفَنها في التراب وهي حيَّة. «النهاية» (5/ 143). (¬2) هذا الأثر يَرويه ابن المبارك، واختُلف عليه: فقيل: عنه، عن إبراهيم بن نَشِيط، عن كعب بن علقمة، عن ابن الهيثم، عن عُقبة بن عامر، عن عمرَ، مرفوعًا! وقيل: عنه، عن إبراهيم بن نَشِيط، عن كعب بن علقمة، عن ابن الهيثم، عن عُقبة بن عامر، مرفوعًا! وقيل: عنه، عن إبراهيم بن نَشِيط، عن كعب بن علقمة، عن أبي الهيثم قال: جاء قوم إلى عُقبة بن عامر! وقيل: عنه، عن إبراهيم بن نَشِيط، عن كعب بن علقمة، عن ابن الهيثم، عن عُقبة بن عامر! وقيل: عنه، عن إبراهيم بن نَشِيط، عن كعب بن علقمة: أن عُقبة بن عامر ... هكذا مرسلاً! أما الوجه الأول: فذكره المؤلِّف. وأما الوجه الثاني: فأخرجه الطيالسي (2/ 345 رقم 1098) ومن طريقه: البيهقي (8/ 331). وأما الوجه الثالث: فأخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (ص 264 رقم 758). وأما الوجه الرابع: فأخرجه أبو داود (5/ 309 رقم 4891) في الأدب، باب في الستر على المسلم، والطبراني في «الكبير» (17/ 319 رقم 884) والقضاعي في «مسند الشهاب» (489، 491، 492). وأما الوجه الخامس: فأخرجه النسائي في «الكبرى» (4/ 307 رقم 7281). ورواه الليث بن سعد، واختُلف عليه: فقيل: عنه، عن إبراهيم بن نَشيط الخَوْلاني، عن كعب بن علقمة، عن أبي الهيثم، عن دخين كاتب عُقبة بن عامر! وقيل: عنه، عن إبراهيم بن نَشيط، عن كعب بن علقمة، عن دخين أبي الهيثم كاتب عُقبة، عن عُقبة! أما الوجه الأول: فأخرجه أبو داود (4892) في الموضع السابق، والنسائي في «الكبرى» (7283) وأحمد (4/ 153). وأما الوجه الثاني: فأخرجه الفَسَوي في «المعرفة والتاريخ» (2/ 503) وابن حبان (2/ 274 رقم 517 - الإحسان) والطبراني في «الكبير» (17/ 319 رقم 883) والبيهقي (8/ 331). ورواه ابن وهب، واختُلف عليه: فقيل: عنه، عن إبراهيم بن نَشيط، عن كعب بن علقمة، عن كثير مولى لعُقبة بن عامر، عن عُقبة! وقيل: عنه، عن إبراهيم بن نَشيط، عن كعب بن علقمة، عن كثير مولى لعُقبة بن عامر، مرسلاً! أما الوجه الأول: فأخرجه النسائي في «الكبرى» (7282). وأما الوجه الثاني: فأخرجه الحاكم (4/ 384). وقيل: عن ابن لَهِيعة، عن كعب بن علقمة، عن أبي كثير مولى عُقبة بن عامر، عن عُقبة! ومن هذا الوجه: أخرجه أحمد (4/ 147). وقد ضعَّف هذا الحديثَ الشيخ الألباني في «السلسلة الضعيفة» (3/ 423)، وقال: علَّة الحديث أبو الهيثم كثير هذا، وقد اضطَّرب فيه على كعب بن علقمة.

أثر يذكر في باب التعزير

أثر يُذكر في باب التعزير (726) قال حنبل بن إسحاق: ثنا إبراهيم بن محمد، ثنا سفيان، عن مُطرِّف، ثنا الشَّعبي قال: قال عمرُ رضي الله عنه: لا أُوتَى برجلٍ فضَّلني على أبي بكرٍ -رضي الله عنه- إلا جَلَدتُهُ أربعين، وكان عمرُ إذا بعث عاملاً كَتَب مالَهُ (¬1). إسناد جيد. أثر آخر (727) قال خيثمة بن سليمان الأطرابلسي (¬2): ثنا الحُنَيني، ثنا عارِم، ثنا هشيم، ثنا حصين، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: وَفَد ناسٌ من أهل الكوفة والبصرة على عمرَ، فلمَّا نزلوا المدينةَ تحدَّث القومُ بينهم، ففَضَّل القومُ أبا بكرٍ على عمرَ، وفَضَّل بعضُهم عمرَ على أبي بكرٍ، وكان الجارود بن المُعلَّى ممَّن فَضَّل أبا بكرٍ، فجاء عمرُ ومعه دِرَّته، وما في وجهه رائحة، فأقبل على الذين فَضَّلوه، فضَرَبهم بالدِّرِّة حتى ما تبقَّى أحدٌ ¬

(¬1) وأخرجه -أيضًا- ابن سعد (3/ 307) وابن أبي شيبة (6/ 352 رقم 31931) في الفضائل، باب ما ذكر في أبي بكر الصديق، من طريق ابن عيينة، به. ورواية ابن أبي شيبة مقتصرة على شطره الأوَّل، ورواية ابن سعد مقتصرة على شطره الثاني. وإسناده منقطع؛ الشَّعبي لم يَسْمع من عمر، كما نصَّ على ذلك المؤلِّف نفسه في مواضع. (¬2) لم أجده في القسم المطبوع من «فضائل الصحابة». وأخرجه -أيضًا- الإمام أحمد في «فضائل الصحابة» (1/ 182، 300 رقم 189، 396) وابنه عبد الله في «السُّنة» (2/ 579 رقم 1365) واللالكائي في «أصول الاعتقاد» (7/ 1369 رقم 2448) من طريق هشيم، به. وصحَّحه أبو العباس ابن تيميَّة في «الصَّارم المسلول» (3/ 1106).

إلا برِجله (¬1). فقال له الجارود: أَفِق يا أميرَ المؤمنين، فإنَّ اللهَ لم يكن لِيرانا نُفضِّلك على أبي بكرٍ. فسُرِّي عنه، فلمَّا كان من العشي صعد المنبرَ، فحَمِدَ اللهَ، وأثنى عليه، ثم قال: ألا إنَّ أفضلَ هذه الأمَّة بعد نبيها أبو بكرٍ، مَن قال غيرَ ذلك بعد مقامي هذا فهو مفتري، وعليه ما على المفتري. هذا إسناد جيد قوي. وفيه دلالة على عقوبة الشِّيعة (¬2) بهذا النَّكال، والرافضي (¬3) أسوأ حالاً منه، وقد ذهب / (ق 268) عبد الرزاق بن همَّام إلى تكفير الرافضة، وهو رواية عن الإمام مالك -رحمه الله-، وذهب طائفة آخرون إلى أنهم لا يستحقُّون شيئًا من الخُمُس، ودلائل ذلك مبسوطة في غير هذا الموضع، والله أعلم. ¬

(¬1) كذا ورد بالأصل. وعند عبد الله بن الإمام أحمد في «السُّنة»: «حتى شَغَر برجليه». (¬2) أصل الشيعة: الفِرقة من الناس، وتقع على الواحد والاثنين والجمع، والمذكَّر والمؤنَّث، بلفظ واحد، ومعنًى واحد، وقد غلب هذا الاسم على كل مَن يزعم أنه يتولى عليًّا رضي الله عنه وأهل بيته حتى صار لهم اسمًا خاصًّا. «النهاية» (2/ 519 - 520). (¬3) الرافضة: فِرقة من الشيعة. قال الأصمعي: سُمُّوا بذلك لتركهم زيد بن علي. «مختار الصحاح» (ص 157 - مادة رفض).

أثر آخر يذكر في تأديب السبابة

أثر آخر يُذكر في تأديب السَّبَّابة (728) روى حنبل بن إسحاق، وأبو عبد الله بن بطَّة، وأبو القاسم اللالكائي من حديث قيس بن الرَّبيع، عن وائل، عن البَهِي قال: وَقَع بين عبيد الله بن عمر وبين المقداد كلامٌ، فشَتَم عبيد الله المقدادَ، فقال عمرُ: عليَّ بالحدَّاد أقطعُ لسانَه، لا يجترئ أحدٌ بعدَه يَشتِمُ أحدًا من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وفي رواية: فَهَمَّ عمرُ بقطع لسانه، فكلَّمه فيه أصحابُ محمد صلى الله عليه وسلم، قال: ذَروني أقطعُ لسانَ ابني، حتى لا يجترئ أحدٌ من بعدي يسبُّ أحدًا من أصحابِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم. وقد تقدَّم في النَّذر (¬1). ¬

(¬1) (1/ 548 رقم 387).

حديث في الإمامة وغير ذلك

حديث في الإمامة وغير ذلك (729) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا عفَّان، ثنا همَّام بن يحيى قال: ثنا قتادة، عن سالم بن أبي الجَعْد الغَطَفاني، عن مَعْدان بن أبي طلحة اليَعْمَري: أنَّ عمرَ بن الخطاب قام على المنبر يومَ جمعةٍ، فحَمِدَ اللهَ، وأثنى عليه، ثم ذَكَر رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وذَكَر أبا بكرٍ -رضي الله عنه-، ثم قال: رأيتُ رؤيا لا أُراها إلا لحضور أجلي، رأيتُ كأنَّ ديكًا نَقَرني نَقْرتين، قال: ذُكر لي أنه دِيك أَحمر، فقَصَصتُها على أسماء بنت عُميس امرأة أبي بكر، فقالت: يَقتلُكَ رجلٌ من العجم. وإنَّ الناسَ يأمرونني أنْ أستَخلِفَ، وإنَّ اللهَ لم يكن ليُضيعَ دينَهُ وخلافتَهُ التي بَعث بها نبيَّه صلى الله عليه وسلم، وإن يَعْجَلْ بي أَمرٌ، فإنَّ الشُّورى في هؤلاء السِّتة الذين مات نبيُّ الله وهو عنهم راضٍ، فمن بايعتُم منهم، فاسمعوا له وأطيعوا، وإنِّي أعلم أنَّ أناسًا سيَطعنون في هذا الأمرِ، أنا قاتلتُهم بيدي هذه على الإسلام، أولئك أعداءُ الله الكفارُ الضُّلاَّل (¬2). وايمُ اللهِ ما أغلظَ / (ق 269) لي نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم في شيء ما أغلظَ لي في شأن الكَلاَلة، حتى طَعَن بإصبعيه في صدري، وقال: «تَكفيكَ آيةُ الصَّيفِ التي نَزَلَت في آخر سُورة النِّساءِ»، وإنيِّ إن أَعشْ، فسأقضي فيها بقضاءٍ يَعلمُهُ مَن يقرأُ، ومَن لا يقرأُ. وإنِّي أُشهِدُ اللهَ على أمراءِ الأمصارِ أنِّي إنمَّا بعثتُهم ليُعلِّموا الناسَ دينَهم، ويُبيِّنوا لهم سُنَّة نبيِّهم، ويَرفعوا لي ما عُمِّيَ عليهم. ثم إنَّكم يا أيُّها الناس تأكلون من ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 15 رقم 89). (¬2) زاد في المطبوع: «وايمُ اللهِ، ما أتركُ فيما عَهِدَ إليَّ ربي فاستَخلَفَني شيئًا أهمَّ إليَّ من الكَلاَلة».

شجرتين لا أُراهما إلا خبيثتين: هذا الثَّوم والبصل، وايمُ اللهِ، لقد كنتُ أَرى نبيَّ الله يجدُ ريحَهما من الرجل، فيأمُرُ به، فيُؤخذُ بيده فيُخرَجَ من المسجد حتى يؤتى البقيعَ، فمَن أكَلَهما لابدَّ فليُمِتْهما طبخًا. قال: فخَطَب الناسَ يوم الجمعة، وأُصيبَ يومَ الأربعاء. ثم رواه أحمد (¬1)، عن غُندَر، عن سعيد، عن قتادة، به. وذَكَر أبو الفرج ابن الجوزي في كتابه «جامع المسانيد» (¬2): أنَّ هذا الحديث مخرَّج في «الصحيحين»، وليس كما قال، إنما رواه مسلم (¬3) عن محمد بن المثنَّى، عن يحيى بن سعيد، عن هشام الدَّستوائي، عن قتادة، بطوله. ورواه -أيضًا- (¬4) من حديث شعبة (¬5)، عن سعيد بن أبي عَروبة، عن قتادة، مختصرًا. وأخرجه النسائي (¬6)، وابن ماجه (¬7) من حديث يحيى بن سعيد القطَّان، مختصرًا، بقصَّة الكَلاَلة، والبصل، والثَّوم. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 48 رقم 341). (¬2) (6/ 241 - 242 رقم 5690). (¬3) في «صحيحه» (1/ 396 رقم 567) في المساجد، باب نهي من أكل ثومًا أو بصلاً أو كراثًا أو نحوها. (¬4) أي: الإمام مسلم، وهو عنده الموضع السابق (3/ 1236 رقم 1617) من طريق إسماعيل بن عُليَّة، عن شعبة، به. (¬5) كذا ورد بالأصل. ولم يروه مسلم من رواية شعبة، عن سعيد بن أبي عَروبة، ولم يَذكرها المزِّي في «تحفة الأشراف» (8/ 109 رقم 10646)، وإنما رواه من طريق شعبة، لكن عن قتادة. (¬6) في «سننه» (2/ 373 - 374 رقم 707) في المساجد، باب من يُخرج من المسجد. (¬7) في «سننه» (2/ 910 رقم 2726) في الفرائض، باب الكلالة.

وقد رواه الإمام علي ابن المديني، عن يحيى بن سعيد، ومعاذ بن هشام. كلاهما عن هشام الدَّستوائي، به. وعن محمد / (ق 270) بن بُكَير، عن سعيد، عن قتادة. وعن حَرَمي بن عُمارة، عن شعبة، عن قتادة، به. ثم قال: وهذا صحيح من الحديث، وهكذا كان يقول قتادة: «مَعْدان بن أبي طلحة»، وتابَعَه على ذلك زائدة، عن السائب بن حُبيش الكِلاَعي، عن مَعْدان بن أبي طلحة، وخالَفَهم الأوزاعي في نسبه، فقال: «مَعْدان بن طلحة». قال: وكنَّا نحبُّ أن نعلم أنَّ مَعْدان لَقِيَ عُمرَ أو لا؟ فحدَّثنا الوليد بن مسلم، ثنا الأوزاعي، حدثني الوليد بن هشام المُعيطي، ثنا مَعْدان بن أبي طلحة اليَعمَري قال: قَدِمْتُ على عمرَ بن الخطاب من الشَّام ... ، فذَكَر حديثًا فيه كلام لم نحفظه. قال: وإنما كَتَبناه لنعلمَ أنَّ مَعْدان لَقِيَ عُمرَ حتى يصحَّ ما روى عن عمرَ. وقال في موضع آخر: هذا حديث حسن، وهو من حديث قتادة -وهو بصري-، عن سالم بن أبي الجَعْد -وهو كوفي-، عن مَعْدان، وهو شامي. وقد روى النسائي (¬1) من حديث حصين ومنصور. كلاهما عن سالم بن أبي الجَعْد قال: قال عمرُ ... ، به. رَفَعه حُصين، ووَقَفه منصور، ولم يَذكرا مَعْدان، فالله أعلم. ¬

(¬1) في «سننه الكبرى» (6/ 237 رقم 6649، 6650 - ط مؤسسة الرسالة).

وقد تقدَّم في الوصية (¬1) من حديث جُويرية بن قدامة، عن عمرَ، قريبٌ من هذا. حديث آخر (730) قال الإمام أحمد (¬2): ثنا عبد الرزاق (¬3)، ثنا معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمرَ: أنَّه قال لعمرَ: إني سَمِعتُ الناسَ يقولون / (ق 271) مقالةً، فآليتُ أن أقولهَا لك، زعموا أنك غيرُ مُستَخْلِفٍ، فوضع رأسَه ساعة، ثم رفعه فقال: إنَّ اللهَ تعالى يحفظُ ¬

(¬1) لم يَذكرها المؤلِّف في الموضع الذي أشار إليه، ورواية جويرية هذه: أخرجها البخاري (6/ 267 رقم 3162 - فتح) في الجزية والموادعة، باب الوصاة بأهل ذمِّة رسول الله، وأحمد (1/ 51 رقم 362، 363) -واللفظ له- من طريق شعبة، عن أبي جمرة الضُّبَعي، عن جويرية بن قدامة قال: حَجَجتُ، فأتيتُ المدينةَ العامَ الذي أُصيب فيه عمرُ -رضي الله عنه-، قال: فخَطَب، فقال: إني رأيتُ كأن ديكًا أحمرَ نَقَرني نَقْرة أو نَقْرتين، فكان من أمره أنه طُعن، فأُذن للناس عليه، فكان أولَ من دخل عليه أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثم أهلُ المدينة، ثم أهلُ الشام، ثم أَذِنَ لأهل العراق، فدخلتُ فيمن دخل، قال: فكان كلما دخل عليه قومٌ أثنوا عليه، وبَكَوا، قال: فلما دخلنا عليه، قال: وقد عَصَبَ بطنَه بعمامة سوداء والدم يسيل، قال: فقلنا: أوصنا، قال: وما سأله الوصيةَ أحدٌ غيرُنا، فقال: عليكم بكتاب الله، فإنكم لن تضلوا ما اتبعتُمُوهُ. فقلنا: أوصنا، فقال: أوصيكم بالمهاجرين، فإنَّ الناسَ سيكثرون ويَقلُّون، وأوصيكم بالأنصار، فإنهم شِعْبُ الإسلام الذي لُجئَ إليه، وأوصيكم بالأعراب، فإنهم أصلكم ومادَّتكم، وأوصيكم بأهل ذمَّتكم، فإنهم عهدُ نبيكم، ورِزقُ عيالكم، قوموا عني. قال: فما زادنا على هؤلاء الكلمات. ورواية البخاري مختصرة على قوله: فقلنا: أوصنا يا أميرَ المؤمنين، قال: أوصيكم بذمَّة الله، فإنه ذمَّة نبيكم ورِزق عيالكم. (¬2) في «مسنده» (1/ 47 رقم 332). (¬3) وهو في «المصنَّف» (5/ 448 رقم 9763).

دينَه، وأني إنْ لا أَستَخْلفْ، فإنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لم يَستَخْلِفْ، وإن أَستَخْلِفْ فإنَّ أبا بكرٍ قد استَخْلَفَ. قال: فواللهِ ما هو إلا أنْ ذَكَر رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وأبا بكرٍ -رضي الله عنه-، فعَلْمْتُ أنه لم يكن يَعدلُ برسول الله صلى الله عليه وسلم أحدًا، وأنه غيرُ مُستَخْلِفٍ. قال ابن الجوزي (¬1): أخرجاه في صحيح (¬2). وليس كما قال، إنما رواه مسلم في كتاب المغازي (¬3)، عن ابن أبي عمر، وإسحاق بن إبراهيم، ومحمد بن رافع، وعَبد بن حميد. ورواه أبو داود (¬4)، عن محمد بن داود بن سفيان، وسَلَمة بن شَبيب. والترمذي (¬5)، عن يحيى بن موسى، مختصرًا. سبعتهم عن عبد الرزاق بن همَّام، به. وقال الترمذي: صحيح. طريق أخرى (731) قال أحمد (¬6): ثنا محمد بن بِشر، ثنا هشام، عن عروة، عن ابن عمرَ: أنَّ عمرَ قيل له: ألا تَستَخلِفُ؟ قال: إنْ أَترُكْ، فقد تَرَك مَن هو ¬

(¬1) في «جامع المسانيد» (6/ 243). (¬2) كذا ورد بالأصل. ومراده «الصحيحين»، كما يدل عليه السياق، وهو الموافق لما في «جامع المسانيد» لابن الجوزي. (¬3) كذا عزاه المؤلِّف إلى كتاب المغازي، متابعًا لشيخه المزِّي في «تحفة الأشراف» (8/ 55 رقم 10521) ولايوجد في «صحيح مسلم» كتاب بهذا الاسم، وإنما رواه في كتاب الإمارة، باب في الاستخلاف وتَرْكه (3/ 1455 رقم 1823) (12). (¬4) في «سننه» (3/ 430 رقم 2939) في الخراج والإمارة، باب في الخليفة يَستخلف. (¬5) في «سننه» (4/ 436 رقم 2225) في الفتن، باب ما جاء في الخلافة. (¬6) في «مسنده» (1/ 43 رقم 299).

خيرٌ منِّي، رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وإن أَستَخلِفْ، فقد استَخلَفَ مَن هو خيرٌ منِّي، أبو بكرٍ رضي الله عنه. فهذا من هذا الوجه: أخرجه الشيخان في «الصحيحين»: البخاري (¬1)، عن الفِريابي، عن الثوري. ومسلم (¬2)، عن أبي كُرَيب، عن أبي أسامة. كلاهما عن هشام بن عروة، به. ¬

(¬1) (13/ 205 رقم 7218 - فتح) في الأحكام، باب الاستخلاف. (¬2) (3/ 1454 رقم 1823) (11) في الإمارة، باب الاستخلاف وتَرْكه.

حديث السقيفة الطويل

/ (ق 272) حديث السَّقيفة الطويل (732) قال الإمام أحمد رحمه الله (¬1): حدثنا إسحاق بن عيسى الطَبَّاع، ثنا مالك بن أنس (¬2)، حدثني ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة بن مسعود: أنَّ ابنَ عباس أَخبَرَه: أنَّ عبد الرحمن بن عوف رجع إلى رَحله، قال ابن عباس: وكنت أقرئُ عبد الرحمن بن عوف، فوَجَدني وأنا أنتظر، وذاك بمنىً، في آخر حجَّة حجَّها عمرُ بن الخطاب، قال عبد الرحمن بن عوف: إنَّ رجلاً أتى عمرَ بن الخطاب، فقال: إنَّ فلانًا يقول: لو قد مات عمرُ بايعتُ فلانًا، فقال عمرُ رضي الله عنه: إنِّي قائمٌ العشيَّة -إن شاء الله- في الناس، فمحذِّرهم هؤلاء الرَّهطَ الذين يريدون أن يَغصبوهم أمرَهم. قال عبد الرحمن: فقلت: يا أميرَ المؤمنين، لا تفعل، فإنَّ الموسمَ يجمعُ رِعاعَ الناس وغوغاءَهم، وإنهم الذين يغلبون على مجلسك إذا قمتَ في الناس، فأخشى أن تقول مقالة يَطِيرُ بها أولئك فلا يَعُوها، ولا يضعوها مواضعَها، ولكن حتى تَقدَمَ المدينةَ، فإنَّها دارُ الهجرة والسُّنة، وتَخلُصَ بعلماء الناس وأشرافِهم، فتقولُ ما قلتَ متمكنًا، فيَعُون مقالتَك، ويضعونها مواضعَها. قال عمرُ: لئن قَدِمْتُ المدينةَ صالحًا؛ لأكلمنَّ بها الناسَ في أول مقامٍ أقومُهُ. فلمَّا قدمنا المدينةَ في عقب ذي الحجَّة، وكان يوم الجمعة، عجَّلت الرَّواح، / (ق 273) صكَّة الأعمى -قلت لمالك: وما صكَّة الأعمى؟ قال: إنه لا يبالي أيَّ ساعة خَرَج، لا يعرف الحرَّ والبرد، نحو هذا- فوَجَدتُ سعيد بن زيد عند ركن المنبر الأيمن قد سَبَقني، فجلستُ حذاءه، تحكُّ ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 55 رقم 391). (¬2) وهو في «الموطأ» (2/ 384) في الحدود، باب ما جاء في الرجم.

رُكبتي رُكبتَه، فلم أَنشَب أن طلع عمرُ -رضي الله عنه-، فلمَّا رأيتُه قلتُ: ليقولَنَّ العشيَّةَ على هذا المنبرِ مقالةً ما قالها عليه أحدٌ قبلَه. قال: فأنكر سعيد بن زيد ذلك، وقال: ما عسيتَ أن يقول مالم يقل أحدٌ؟ فجلس عمرُ على المنبر، فلمَّا سَكَت المؤذِّن قام، فأثنى على الله بما هو أهلُه، ثم قال: أمَّا بعدُ، أيُّها الناسُ، فإنِّي قائلٌ مقالةً قد قُدِّر لي أن أقولهَا، لا أدري لعلَّها بين يَدَي أجلي، فمَن وَعَاها وعَقَلَها فليُحدِّث بها حيثُ انتهت به راحلتُه، ومَن لم يَعِهَا فلا أُحِلُّ له أن يكذبَ عليَّ: إنَّ اللهَ بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بالحقِّ، وأنزل عليه الكتابَ، فكان فيما (¬1) أُنزِلَ عليه آية الرَّجم، فقرأناها، ووعَيناها، وعَقَلناها، ورَجَم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ورَجَمنا بعدَه، فأخشى إن طال بالناس زمانٌ أن يقولَ قائلٌ: لا نجدُ آيةَ الرَّجمِ في كتاب الله، فيضلُّون (¬2) بتركِ فريضةٍ قد أنزلها اللهُ عزَّ وجلَّ، فالرَّجمُ في كتابِ اللهِ حقٌّ على من زَنَى إذا أُحصِنَ من الرِّجال والنساء إذا قامت البيِّنةُ، أو كان الحَبَلُ، أو الاعترافُ. / (ق 274) ألا وإنَّا قد كنَّا نقرأ: لا ترغبوا عن أبائكم، فإنَّ كُفرًا بكم أن ترغبوا عن أبائكم. ألا وإنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تُطرُوني كما أُطرِيَ عيسى ابنُ مريمَ، فإنما أنا (عبدٌ للهِ) (¬3)، فقولوا: عبد الله ورسولُه»، وقد بلغني أنَّ قائلاً منكم يقول: لو قد مات عمرُ بايعتُ فلانًا، فلا يَغترَنَّ امرؤٌ أن يقولَ: إنَّ بيعةَ أبي بكرٍ كانت فَلتةً (¬4)، ألا وإنَّها كانت كذلك، إلا أنَّ الله ¬

(¬1) كَتَب المؤلِّف فوقها: «مما»، يشير إلى وروده في نسخة، وهي كذلك في مطبوع «المسند» (1/ 451 - ط مؤسسة الرسالة). (¬2) كذا ورد بالأصل. وكَتَب المؤلِّف بجوارها في حاشية الأصل: «فيَضِلُّوا»، وكَتَب فوقها: «خ»، إشارة إلى وروده في نسخة، وهي كذلك في المطبوع. (¬3) ضبَّب عليه المؤلِّف. وفي المطبوع: «عبد الله» .. (¬4) قال ابن الأثير في «النهاية» (3/ 467): أراد بالفَلتة: الفجأة، ومثلُ هذه البيعةِ جديرةٌ بأن تكون مهيِّجةً للشَّر والفتنة، فعَصَم اللهُ من ذلك، ووَقَى، والفَلتَةُ: كل شيء فُعِلَ من غير رويَّة، وإنما بودِر بها خوف انتشار الأمر. وقيل: أراد بالفَلتة الخِلسة، أي إنَّ الإمامة يوم السَّقيفة مالت إلى تولِّيها الأنفس، ولذلك كثر فيها التشاجر، فما قُلِّدها أبو بكر إلا انتزاعًا من الأيدي واختلاسًا.

وَقَى شرَّها، وليس فيكم اليومَ مَن تُقطَعُ إليه الأعناقُ مثلُ أبي بكرٍ رضي الله عنه، وإنَّه كان من خَيرِنا (¬1) حين توفي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنَّ عليًّا والزُّبيرَ ومن كان معهما تخلَّفوا في بيتِ فاطمةَ بنتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتخلَّف عنها الأنصارُ بأجمعها في سقيفة بني ساعدة، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكرٍ، فقلت له: يا أبا بكرٍ، انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار، فانطلقنا نؤمُّهم، حتى لَقِيَنا رجلان صالحان، فذَكَرا لنا الذي صنع القومُ، فقالا: أين تريدون يا معشرَ المهاجرين؟ فقلتُ: نريد إخوانَنا هؤلاء من الأنصار. فقالا: لا عليكم ألا تقربوهم، واقضوا أمرَكم يا معشرَ المهاجرينَ. فقلت: والله لنأتينَّهم. فانطلقنا حتى جئناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا هم مجتمعون، وإذا بين ظَهْرانيهم رجلٌ مُزمَّلٌ (¬2)، فقلتُ: من هذا؟ قالوا: / (ق 275) سعد بن عُبادة، فقلت: مالَه؟ قالوا: وَجِعٌ. فلمَّا جلسنا، قام خطيبُهم، فأثنى على الله بما هو أهلُه، وقال: أمَّا بعدُ، فنحن أنصارُ الله، وكتيبةُ الإسلام، وأنتم يا معشرَ المهاجرين رهطٌ منَّا، وقد دَفَّت دافَّةٌ (¬3) ¬

(¬1) كذا ورد بالأصل. وكَتَب المؤلِّف فوقه: «كذا». وفي المطبوع: «أَلا وإنَّه كان من خَبَرِنا». (¬2) مزمَّل: أي مغطَّى مدثَّر. «النهاية» (2/ 313). (¬3) قال الحافظ في «الفتح» (12/ 151 - 152): أي: عدد قليل، وأصله من الدفِّ، وهو السير البطيء في جماعة ... ، يريد: أنكم قوم طرأة غرباء أقبلتم من مكة إلينا، ثم أنتم تريدون أن تستأثروا علينا.

منكم تريدون (¬1) أن تختزلونا (¬2) من أصلنا، وتَحضُنُونا (¬3) من الأمر، فلمَّا سَكَتَ أردتُ أن أتكلَّمَ، وكنتُ قد زوَّرتُ (¬4) مقالةً أعجبتني، أريد (¬5) أن أقولهَا بين يَدَي أبي بكرٍ -رضي الله عنه-، وقد كنتُ أُداري منه بعضَ الحدِّ، وهو كان أحلمَ منيِّ وأوقرَ، (¬6) واللهِ ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قالها في بديهته وأفضلَ، حتى سَكَتَ، فقال: أمَّا بعدُ، فما ذَكَرتم من خير فأنتم أهلُه، ولم تعرفِ العربُ هذا الأمرَ إلا لهذا الحيِّ من قريش، هم أوسطُ العرب نسبًا ودارًا، وقد رَضِيتُ لكم أحدَ هذين الرَّجلين أيُّهما شئتم، وأخذ بيدي وبيد أبي عُبيدة بن الجرَّاح، فلم أكره ممَّا قال غيرَها، وكان والله أن أُقدَّمَ فتُضرَبَ عُنُقي لا يُقرِّبني ذلك إلى إثم، أحبُّ إليَّ أن أتأمَّر على قوم فيهم أبو بكرٍ، إلاَّ أن تَعيَر (¬7) نفسي عند الموت. فقال قائل من الأنصارِ: أنا جُذَيْلُها المُحكَّك، وعُذَيْقُها المُرجَّبُ، منَّا أميرٌ، ومنكم أميرٌ، يا معشر قريش -فقلت لمالك: ما معنى أنا جُذَيْلُها المُحكَّكُ، وعُذَيْقُها المُرجَّبُ؟ قال: كأنه يقول: أنا داهيتُها-. قال: فكَثُر اللَّغطُ، / (ق 276) وارتفعت ¬

(¬1) ضبطها المؤلِّف بالتاء الفوقانية والياء التحتانية، وفي المطبوع: «يريدون». (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «يختزلونا»، وقوله: يريدون أن يختزلونا من أصلنا: أي: يقتطعونا ويذهبوا بنا مُنفَرِدِين. «النهاية» (2/ 29). (¬3) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «ويَحضُنُونا»، والمعنى: يخرجونا. «النهاية» (1/ 401). (¬4) أي: هيَّأت وأصلحت. «النهاية» (2/ 318). (¬5) كذا ورد بالأصل. وكَتَب المؤلِّف بجوارها في حاشية الأصل: «أردت»، وكَتَب فوقها: «خ»، إشارة إلى وروده في نسخة، وهو كذلك في المطبوع. (¬6) زاد في المطبوع: «فقال أبو بكر: على رِسْلك، فكرهتُ أن أُغضِبَه، وكان أعلمَ منِّي وأوقرَ» .. (¬7) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «تغيَّر».

الأصواتُ، حتى خشينا (¬1) الاختلافَ، فقلت: ابسُط يدَك يا أبا بكرٍ، فَبَسَطَ يدَه، فبايعتُه، وبايعه المهاجرون، ثم بايعه الأنصار، ونَزَوْنا على سعد بن عُبادة (¬2)، فقال قائل منهم: قتلتم سعدًا! فقلتُ: قَتَلَ اللهُ سعدًا. وقال عمرُ رضي الله عنه: أما واللهِ ما وَجَدنا فيما حَضَرنا أمرًا هو أوفق (¬3) من مبايعة أبي بكر، وخشينا (¬4) إن فارقنا القومَ ولم تكن بيعةٌ أن يُحدِثوا بعدنا بيعةً، فإمَّا أن نتابعهم على مالا نرضى، وإمَّا أن نخالفَهم فيكون فيه فسادٌ، فمن بايع أميرًا عن غير مشورة المسلمين فلا بيعةَ له، ولا بيعةَ للذي بايعه، تَغِرَّةَ أن يُقتَلا (¬5). قال مالك: فأخبرني ابن شهاب، عن عروة بن الزُّبير: أنَّ الرَّجلين اللَّذين لقياهما: عُوَيم بن ساعدة، ومَعْن بن عدي. قال ابن شهاب: وأخبرني سعيد بن المسيّب: أنَّ الذي قال: أنا جُذَيْلُها المُحكَّكُ، وعُذَيْقُها المُرجَّبُ هو الحُبَاب بن المُنذر. هذا حديث عظيم، أخرجه الجماعة في كتبهم من طرق متعددة، من حديث الزهري: فرواه البخاري (¬6)، عن يحيى بن سليمان، عن ابن وهب، عن مالك ويونس. ¬

(¬1) كذا ورد بالأصل. وكَتَب المؤلِّف فوقها: «خشيت»، وكَتَب فوقها: «خ»، إشارة إلى وروده في نسخة، وهو كذلك في المطبوع. (¬2) أي: وقعُوا عليه ووطِئوه. «النهاية» (5/ 44). (¬3) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «أقوى». (¬4) ضبَّب عليه المؤلِّف. وفي المطبوع: «خشينا» .. (¬5) أي: خوف وقوعهما في القتل. «النهاية» (3/ 356). (¬6) في «صحيحه» (5/ 109 رقم 2462) في المظالم، باب ما جاء في السقائف، و (7/ 264 رقم 3928 - فتح) في مناقب الأنصار، باب مقدم النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة.

وأخرجه -أيضًا- (¬1) من حديث معمر، وسفيان بن عيينة، وصالح بن كَيسان. ومسلم (¬2) من حديث يونس، وسفيان بن عيينة. وأبو داود (¬3) من حديث هشيم. والنسائي (¬4) من حديث اللَّيث، / (ق 277) وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم. كلُّهم عن الزهري، به. ورواه النسائي من طرق أخر منقطعة ومرسلة، وفيما ذَكَرنا كفاية، والله أعلم. ¬

(¬1) (6/ 478 رقم 3445) في أحاديث الأنبياء، باب قول الله: {واذكر في الكتاب مريم}، و (7/ 322 رقم 4021) في المغازي، باب منه، و (12/ 137، 144 رقم 6829، 6830) في الحدود، باب الاعتراف بالزنى، وباب رجم الحبلى من الزنى إذا أحصنت، و (13/ 303 رقم 7323 - فتح) في الاعتصام بالكتاب والسُّنة، باب ما ذَكَر النبيُّ صلى الله عليه وسلم وحضَّ على اتفاق أهل العلم. (¬2) في «صحيحه» (3/ 1317 رقم 1691) في الحدود، باب رجم الثيب في الزنى. (¬3) في «سننه» (5/ 91 رقم 4418) في الحدود، باب في الرجم. (¬4) في «سننه الكبرى» (6/ 412 رقم 7121، 7122 - ط الرسالة).

حديث آخر في السقيفة أيضا

حديث آخر في السَّقيفة أيضًا (733) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا معاوية بن عمرو، ثنا زائدة، حدثنا عاصم. (ح) وحسين بن علي، عن زائدة، عن عاصم، عن زِرٍّ، عن عبد الله قال: لمَّا قُبِضَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قالت الأنصار: منَّا أميرٌ، ومنكم أميرٌ. فأتاهم عمرُ -رضي الله عنه-، فقال: يا معشرَ الأنصار، ألستم تعلمون أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قد أَمَر أبا بكرٍ أن يَؤمَّ الناسَ؟ فأَيُّكم تَطِيبُ نفسُهُ أن يتقدَّمَ أبا بكرٍ؟ فقالت الأنصار: نعوذُ باللهِ أن نتقدَّمَ أبا بكرٍ. أخرجه النسائي (¬2)، عن إسحاق بن إبراهيم، وهنَّاد بن السَّري. كلاهما عن حسين بن علي الجُعفِي، عن زائدة، به. وهكذا رواه علي ابن المديني، عن حسين بن علي الجُعفِي، به، وقال: صحيح، لا أحفظه إلا من حديث زائدة، عن عاصم. طريق أخرى (734) ورواه النسائي -أيضًا- (¬3) من حديث سَلَمة بن نُبَيط، عن نعيم بن أبي هند، عن نُبَيط بن شَرِيط، عن سالم بن عبيد الأشجعي -وله صحبة-، عن عمرَ أنه قال مثل ذلك. طريق أخرى (735) قال الحافظ أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي رحمه الله: حدثنا ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 21 رقم 133). (¬2) في «سننه» (2/ 409 رقم 776) في الإمامة، باب ذِكر الإمامة والجماعة. (¬3) في «سننه الكبرى» (6/ 395 رقم 7081،) و (7/ 295 رقم 8055) و (10/ 114 رقم 11155 - ط الرسالة).

محمد بن اللَّيث الجوهري، ثنا محمد بن يحيى الأزدي، ثنا عبد الرحيم بن سليمان الكوفي، عن يزيد بن سعيد بن ذي عَصْوان، / (ق 278) عن عبد الملك بن عُمَير: أنه أَخبَرَه رافع بن عمرو الطَّائي قال: أخبرني أبو بكرٍ الصِّديق رضي الله عنه: أنَّ عمرَ قال يوم السَّقيفة للأنصار: أَمَا تعلمون أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أَمَر أبا بكرٍ أن يصلِّي بالناس؟ قالوا: نعم. قال: فأيكم يجترئ أن يتقدَّمه؟ قالوا: لا أَيُّنا (¬1). هذا حديث غريب بهذا الإسناد. طريق أخرى (736) قال الإمام محمد بن يحيى الذُّهْلي في كتاب «الزُّهريات»: ثنا عيَّاش بن الوليد، ثنا عبد الأعلى، ثنا محمد بن إسحاق، حدثني عبد الله بن أبي بكر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن عمرَ قال: قلت: يا معشرَ الأنصار، يا معشرَ المسلمين، إنَّ أَولى الناس بأمر نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم ثاني اثنين إذ هما في الغار، وأبو بكرٍ السَّبَّاق المتين، ثم أخذتُ بيده، وبَدَرني رجلٌ من الأنصارِ، فضَرَب على يده قبل أن أضربَ على يده، ثم ضَرَبتُ على يده، فتتابَعَ الناس. ¬

(¬1) وأخرجه -أيضًا- أحمد (1/ 8 رقم 42) وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» (2/ 58) وابن عساكر في «تاريخه» (30/ 399) والضياء في «المختارة» (1/ 134 رقم 47). وفي إسناده: يزيد بن سعيد بن ذي عَصْوان، روى عنه جمع، وذكره البخاري في «التاريخ الكبير» (8/ 338 رقم 3231) وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (9/ 267 رقم 1123) ولم يَذكرا فيه جرحًا ولا تعديلاً، وذكره ابن حبان في «الثقات» (7/ 624) وقال: ربما أخطأ. ووثَّقه ابن شاهين في «الأفراد»، كما في «تعجيل المنفعة» (2/ 372).

هذا حديث جيد الإسناد من هذا الوجه، وقد اختاره الحافظ الضياء في كتابه (¬1). ويقال: إنَّ هذا الرَّجلَ من الأنصار الذي بايع أبا بكرٍ أولاً، هو بشير بن سعد والد النُّعمان بن بشير رضي الله عنهما. طريق أخرى (737) قال محمد بن سعد (¬2): ثنا عارِم بن الفضل، ثنا حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد (¬3): أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لمَّا تُوفي اجتمعت الأنصارُ إلى سعد بن عُبادة، فأتاهم أبو بكرٍ، وعمرُ، وأبو عُبيدة بن الجرَّاح، قال: فقام حُبَاب بن المُنذر -وكان بدريًّا-، فقال: منَّا أميرٌ، ومنكم أميرٌ، فإنَّا واللهِ ما نَنْفسُ هذا الأمرَ عليكم أيها الرَّهطُ، ولكنَّا نخافُ أن يَلِيَها -أو قال: يَلِيه- أقوامٌ، قَتَلنا آباءَهم، وإخوتَهم. قال: فقال له عمر: إذا كان ذلك فمُتْ إن استطعتَ. فتكلَّمَ أبو بكرٍ، فقال: نحن الأمراءُ، وأنتم الوزراءُ، وهذا الأمرُ بيننا وبينكم نصفين، كقَدِّ الأُبلُمَة -يعني: الخوصة (¬4) - فبايع أولَ الناس بشيرُ بن سعد أبو النُّعمان. قال: فلمَّا اجتمع الناسُ على أبي بكرٍ قَسَم بين الناس قَسْمًا، فبَعَث إلى عجوز من بني عدي بن النَّجَّار بقَسْمها مع زيد بن ثابت، فقالت: ما هذا؟ قال: قَسْمٌ قَسَمَهُ أبو بكرٍ للنساء. فقالت: أتُراشوني عن ديني؟ فقالوا: لا. قالت: أتخافون أن أدَعَ ما أنا عليه؟ قالوا: لا. قالت: ¬

(¬1) «المختارة» (1/ 288 رقم 178). (¬2) في «الطبقات الكبرى» (3/ 182). (¬3) ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه. (¬4) قال ابن الأثير: أي: كَشَقِّ الخُوصة نصفين. «النهاية» (4/ 21).

فوالله لا آخذُ منه شيئًا أبدًا. فرجع زيد إلى أبي بكرٍ فأَخبَرَه بما قالت، فقال أبو بكرٍ: ونحن لا نأخُذُ ممَّا أعطيناها شيئًا أبدًا. هذا إسناد حسن، وفيه انقطاع. وقال عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه في حديث السَّقيفة: قال عمرُ: فكنتُ أوَّلَ الناس أخذ بيده -يعني: يد أبي بكرٍ-، فبايعه، إلا رجلاً من الأنصار، أدخل يدَه من خلفي بين يَدَيَّ ويده، فبايعوه قبلي. حديث آخر (738) قال البخاري (¬1): ثنا إبراهيم بن موسى، أنا هشام، عن معمر، عن الزهري قال: أخبرني أنس بن مالك رضي الله عنه: أنَّه سَمِعَ خُطبةَ عمرَ الآخرةَ حين جلس / (ق 279) على المنبر، وذلك الغدُ من يومٍ تُوفي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكرٍ -رضي الله عنه- صامتٌ لا يتكلَّم. قال: كنتُ أرجو أن يعيشَ رسولُ الله صلى الله وسلم حتى يَدبُرَنا -يريد بذلك أن يكونَ آخرَهم-، فإن يكُ محمدٌ قد مات، فإنَّ اللهَ تعالى قد جعل بين أظهركم نورًا تهتدون به، هَدَى الله (¬2) محمدًا صلى الله عليه وسلم، وإنَّ أبا بكر -رضي الله عنه- صاحبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثاني اثنين، وإنه أولى المسلمين بأموركم، فقوموا فبايعوه، وكانت طائفةٌ قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة، وكانت بيعةُ العامة على المنبر. ¬

(¬1) في «صحيحه» (13/ 206 رقم 7219 - فتح) في الأحكام، باب الاستخلاف. (¬2) كذا ورد بالأصل، والنسخة اليونينيَّة لـ «صحيح البخاري» (9/ 81 - ط دار طوق النجاة). وقال القسطَّلاني في «إرشاد السَّاري» (10/ 271): كذا في غير ما فرعٍ من فروع اليونينيَّة، وفي بعض الأصول، وعليه شرح العيني كابن حجر رحمهما الله تعالى: «تهتدون به بما هَدَى اللهُ محمدًا صلى الله عليه وسلم»، وفي كتاب الاعتصام، وهذا الكتاب [يعني: كتاب الأحكام]: «الذي هَدَى اللهُ به رسولَكم، فخُذُوا به تَهتدوا، كما هَدَى اللهُ به رسولَه صلى الله عليه وسلم». اهـ.

قال الزهري: عن أنس بن مالك: سَمِعتُ عمرَ يقول لأبي بكرٍ يومئذ: اصعدِ المنبرَ، فلم يزل به حتى صَعِدَ المنبرَ، فبايعه الناسُ عامَّةً. ثم رواه البخاري (¬1)، عن يحيى بن بُكَير، عن اللَّيث، عن عُقيل، عن الزهري، به. مختصرًا. وقد قدَّمنا في «سيرة الصِّديق» أنه بايَعَه يومئذٍ المهاجرون والأنصار حتى عليٌّ والزُّبيرُ، وذلك بإسناد صحيح ارتضاه مسلم بن الحجَّاج وابن خزيمة رحمهما الله (¬2). ¬

(¬1) في «صحيحه» (13/ 245 رقم 7269 - فتح) في الاعتصام بالكتاب والسُّنة. (¬2) أخرجه البيهقي في «سننه» (8/ 143) قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الحافظ الإسفرائيني، حدثنا أبو علي الحسين بن علي الحافظ، حدثنا أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة وإبراهيم بن أبي طالب قالا: ثنا بُندار بن بشار، ثنا أبو هشام المخزومي، حدثنا وهيب، حدثنا داود بن أبي هند، حدثنا أبو نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال: قبض رسولُ الله صلى الله عليه وسلم واجتمع الناس في دار سعد بن عبادة وفيهم أبو بكر وعمر، قال: فقام خطيب الأنصار، فقال: أتعلمون أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين، وخليفته من المهاجرين، ونحن كنا أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن أنصار خليفته كما كنا أنصاره. قال: فقام عمر بن الخطاب فقال: صدق قائلكم، أما لو قلتم غير هذا لم نبايعكم. وأخذ بيد أبي بكر وقال: هذا صاحبكم فبايعوه. فبايعه عمر، وبايعه المهاجرون والأنصار. قال: فصَعِدَ أبو بكر المنبر فنظر في وجوه القوم، فلم ير الزبير. قال: فدعا بالزبير فجاء، فقال: قلتَ: ابنَ عمِّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحواريُّه، أردتَ أن تشقَّ عصا المسلمين؟! فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله. فقام فبايعه. ثم نظر في وجوه القوم فلم ير عليًّا، فدعا بعليِّ بن أبي طالب فجاء، فقال: قلتَ: ابنَ عمِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وخَتَنُه على ابنته، أردت أن تشقَّ عصا المسلمين؟! قال: لا تثريب يا خليفة رسول الله. فبايعه. هذا أو معناه. قال أبو علي الحافظ: سمعت محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: جاءني مسلم بن الحجاج، فسألني عن هذا الحديث فكتبته له في رُقعة، وقرأته عليه، وقال: هذا حديث يسوى بَدَنة، فقلت: يسوى بدنة؟! بل يسوى بَدْرة. وانظر: «البداية والنهاية» للمؤلِّف (8/ 90 - 91، 187 - 189 - ط التركي).

فهذه بيعة الصِّديق التي اتفق عليها المهاجرون والأنصار، وإنما كانت فَلتةً لأنهم لم يحتاجوا إلى تفكُّرٍ وتَرَوٍّ في أمر الصِّديق، إذ هم جازمون قاطعون بأنه أفضلُهم وخيرُهم بعدَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وأما بيعةُ عمرَ بنِ الخطابِ فكانت بتفويض الصِّديق إليه الأمرَ من بعده، وأجمع الصحابةُ على تلقِّي ذلك من الصِّديق بالقَبول، فرضي الله عنهم وأرضاهم، وجعلنا ممَّن يحبُّهم ويتولاهم. / (ق 280) حديث آخر (739) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا وكيع، عن ابن أبي خالد، عن قيس قال: رأيتُ عمرَ وبيده عسيبُ نخلٍ، وهو يُجلِسُ الناسَ، يقول: اسمعوا لقول خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء مولىً لأبي بكر-يقال له: شَديد- بصحيفة، فقرأها على الناس، فقال: يقول أبو بكرٍ رضي الله عنه: اسمعوا وأطيعوا لمن في هذه الصَّحيفة، فوالله ما أَلَوتُكم. قال قيس -وهو: ابن أبي حازم-: فرأيتُ عمرَ بعد ذلك على المنبر. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 37 رقم 259). وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (7/ 435 رقم 37046) في المغازي، باب ما جاء في خلافة عمر بن الخطاب، والطبري في «تاريخه» (3/ 429) والخلاَّل في «السُّنة» (1/ 276 - 277 رقم 339) وابن عساكر في «تاريخه» (44/ 257) من طريق إسماعيل بن أبي خالد، به. وصحَّح إسناده الحافظ في «الفتح» (13/ 208).

أثر في تحذير الإمام أن يولي على المسلمين قريبا لقرابته أو فاجرا

أثر في تحذير الإمام أن يولِّي على المسلمين قريبًا لقرابته أو فاجرًا (740) قال أبو بكر ابن أبي الدُّنيا رحمه الله (¬1): ثنا هارون بن سفيان، ثنا خلف بن تميم، ثنا إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر قال: سَمِعتُ عبد الملك بن عُمَير قال: قال عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه: مَن استعمل رجلاً لمودَّة، أو لقرابة، لا يستعملُهُ إلا لذلك؛ فقد خان اللهَ، ورسولَه، والمؤمنين. (741) قال: وحدثنا عبيد الله بن جرير العَتَكي، ثنا عبد الله بن رجاء، ثنا فرج بن فَضَالة، عن النَّضر بن شُفَي، عن عمران بن سُليم، عن عمرَ بن الخطاب قال: مَن استعمل فاجرًا وهو يعلم أنه فاجرٌ، فهو مثلُه (¬2). ¬

(¬1) لم أقف عليه في مظانِّه من مصنَّفاته المطبوعة، وعزاه صاحب «كنز العمال» (5/ 760) إلى كتاب «المداراة» له، ولم أجده في المطبوع منه. وهو منقطع، عبد الملك بن عُمَير من الطبقة الثالثة، وهي الطبقة الوسطى من التابعين. (¬2) وأخرجه -أيضًا- وكيع في «أخبار القضاة» (1/ 69) من طريق النَّضر بن شُفي، به.

أثر في جواز استعانة الإمام ببعض العمال على ما لا يتمكن منه

أثر في جواز استعانة الإمام ببعض العمَّال على ما لا يتمكَّن منه (742) قال أبو داود في «المراسيل» (¬1): عن محمد بن يحيى، عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري، عن أبيه، عن الزهري قال: حتى كان في آخر زمانه -يعني: زمان عمر-، فقال ليزيد بن أخت نَمِر: اكفني بعضَ الأمورِ. يعني: صغارَها. (743) ثم رواه -أيضًا- (¬2)، عن محمد بن يحيى، عن عبد الرزاق (¬3)، ¬

(¬1) (ص 284 رقم 390). وأخرجه -أيضًا- وكيع في «أخبار القضاة» (1/ 105) من طريق إبراهيم بن سعد، به. لكن أخرجه ابن سعد (2/ 711 رقم 326 - تحقيق عبد العزيز السلومي) عن معن بن عيسى، عن إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قال: ما اتخذ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قاضيًا، ولا أبو بكر، ولا عمر، حتى كان وسطًا من خلافة عمر، فقال ليزيد بن أخت نَمِر: اكفني أمور الناس. فزاد في إسناده: سعيد بن المسيب! وهو منقطع أيضًا. وله طريق أخرى: أخرجها عمر بن شبَّة في «تاريخ المدينة» (2/ 692 - 693) عن محمد بن عمر، عن عبد الحميد بن جعفر، عن يزيد بن أبي حبيب، عن الزهري، عن السائب بن يزيد، عن أبيه: أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- قال: اكفني صغار الأمور. فكان يقضي في الدرهم ونحوه. وفي إسناده: محمد بن عمر، وهو: الواقدي، وهو متَّهم. (¬2) في الموضع السابق (389). (¬3) وهو في «المصنَّف» (8/ 302 رقم 15299). وأخرجه -أيضًا- البخاري في «التاريخ الأوسط» (2/ 1107 رقم 917 - ط مكتبة الرشد) من طريق يونس. وأبو يعلى (9/ 344 - 345 رقم 5455) من طريق إبراهيم بن سعد. كلاهما (يونس، وإبراهيم) عن الزهري، به.

عن معمر، عن الزهري قال: ما اتخذ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قاضيًا حتى مات، ولا أبو بكرٍ، ولا عمرُ، إلا أنه قال لرجل في آخر خلافته: اكفني أمور الناس.

حديث فيه جواز اتخاذ كاتب أمين

حديث فيه جواز اتخاذ كاتب أمين (744) قال الحافظ أبو بكر البزَّار (¬1): ثنا عمر بن الخطاب السِّجستاني، ثنا إبراهيم بن المنذر، ثنا محمد بن صَدَقة / (ق 281) الفَدَكي، ثنا مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ قال: كُتِبَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابٌ، فقال لعبد الله بن أرقم: «أَجِب هؤلاءِ»، فأخذه عبد الله بن أرقم، فكَتَبَهُ، ثم جاء بالكتاب، فعَرَضَهُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «أحسنتَ»، فما زال ذلك في نفسي حتى وليتُ، فجعلتُه على بيت المال. ثم قال: لا نعلم رواه عن زيد بن أسلم، عن أبيه، إلا مالك (¬2). قلت: ومحمد بن صَدَقة هذا: ذَكَره أبو حاتم (¬3)، فقال: كان يسكن ناحية المدينة، روى عن مالك، وعنه: إبراهيم بن المنذر، ولم يزد على هذا. ولهم شيخ آخر يقال له: محمد بن صَدَقة الجُبْلاني المُكتِب الحمصي، روى عن بقيَّة وطبقته، وعنه: أبو حاتم، وقال (¬4): صدوق. وهو من رجال النسائي. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 392 رقم 267). (¬2) وقال الدارقطني في «العلل» (2/ 143 رقم 168): هو حديث تفرَّد به محمد بن صَدَقة الفَدَكي -وليس بالمشهور، ولكن ليس به بأس- عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ، وغيره يَرويه عن مالك، مرسلاً، وهو الصحيح. (¬3) انظر: «الجرح والتعديل» (7/ 288 رقم 1566). (¬4) في الموضع السابق (1564).

وآخر يقال له: محمد بن صَدَقة (¬1)، رأى أنس بن مالك، وليس في ... (¬2). ¬

(¬1) ذكره ابن أبي حاتم في الموضع السابق (1565). (¬2) في هذا الموضع طمس بمقدار كلمتين.

أثر فيه أن الإمام يأذن للناس عليه بحسب منازلهم في الإسلام والشرف، وأنهم يجلسون منه كذلك

أثر فيه أنَّ الإمام يأذن للناس عليه بحسب منازلهم في الإسلام والشَّرَف، وأنهم يجلسون منه كذلك (745) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا عفَّان، ثنا جرير بن حازم قال: سَمِعتُ الحسنَ قال: حَضَر بابَ عمرَ بن الخطاب سهيلُ بن عمرو، والحارثُ بن أبي هشام (¬2)، وأبو سفيان بن حرب، ونَفَرٌ من قريش من تلك الرءوس، وصهيبُ، وبلالُ، وتلك الموالي الذين شهدوا بدرًا، فخَرَج آذنُ عمرَ، فأذن لهم، وترك هؤلاء، فقال أبو سفيان: لم أر كاليوم قطُّ! يأذن لهؤلاء العبيد، ويتركنا على بابه لا يلتفت إلينا‍‍‍! فقال سهيل بن عمرو -وكان رجلاً عاقلاً-: أيُّها القوم، إنِّي والله لقد أرى الذي في وجوهكم، إن كنتم غضابًا فاغضبوا على أنفسكم، دُعِيَ القوم ودُعِيتُم، فأسرعوا وأبطأتم، فكيف بكم إذا دُعُوا يوم القيامة وتُرِكتُم؟! / (ق 282) أثر آخر (746) قال الزُّبير بن بكَّار (¬3): حدَّثني مصعب بن عثمان، حدثني ¬

(¬1) في «الزهد» (ص 169 رقم 591). وأخرجه -أيضًا- ابن المبارك في «الجهاد» (ص 85 رقم 100) والحاكم (3/ 282) والطبراني في «الكبير» (6/ 211 رقم 6038) وابن الجوزي في «المنتظم» (4/ 260) من طريق جرير بن حازم، به. وهذا منقطع بين الحسن وعمر رضي الله عنه. (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «ابن هشام»، وهو الصواب. (¬3) لم أقف عليه في مظانِّه من مصنَّفاته المطبوعة، ومن طريقه: أخرجه ابن عساكر في «تاريخه» (11/ 502 - 503).

نوفل بن عُمارة قال: جاء الحارث بن هشام وسُهيل بن عمرو إلى عمر بن الخطاب، فجلسا عنده، وهو بينهما، فجعل المهاجرون الأَوَّلون يأتون عمرَ، فيقول: ههنا يا سُهيل، ههنا يا حارث، فيُنحِّيهما عنهم، وجعل الأنصار يأتون عمرَ، فيُنحِّيهما عنهم، حتى صاروا في آخر الناس، فلمَّا خَرَجا من عند عمرَ، قال الحارث بن هشام لسُهيل بن عمرو: ألم تَرَ ما صَنَع بنا؟! فقال له سُهيل: أيُّها الرَّجل، لا لومَ عليه، ينبغي أن نرجع باللَّوم على أنفسنا، دُعِيَ القوم فأسرعوا، ودُعِينا فأبطأنا، فلمَّا قاموا من عند عمرَ أتياه، فقالا: يا أميرَ المؤمنينَ، قد رأينا ما فعلتَ اليوم، وعَلِمنا أنَّا أُتِينَا من أنفسنا، فهل من شيء نستدرك به؟ فقال لهما: لا أعلمُه إلا هذا الوجه، وأشار لهما إلى ثغر الرُّوم. فخَرَجا إلى الشام، فماتا بها رضي الله عنهما. أثر آخر (747) قال الهيثم بن عَدي: أنا أبو بكر الهُذَلي، عن الحسن قال: كَتَب عمرُ بن الخطاب إلى أبي موسى، وهو بالبصرة: بلغني أنك تأذن للناس جمًّا غفيرًا، فإذا جاءك كتابي هذا، فَأْذَنْ لأهل الشَّرَف، وأهل القوَّة والتَّقوى والدِّين، فإذا أخذوا مجالسَهم، فَأْذَنْ للعامَّة. فهذه آثار حسنة، وإن كان فيها انقطاع.

حديث في التحذير من أئمة الضلال والجور

/ (ق 283) حديث في التحذير من أئمَّة الضَّلال والجور (748) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا عبدالقدوس بن الحجَّاج، ثنا صفوان، حدثني أبو المُخارِق زُهَير بن سالم: أنَّ عُمَير بن سعد الأنصاري كان عمرُ ولاَّه حمص ... (فذَكَر الحديث) (¬2)، قال عمرُ -يعني لكعب-: إني أسألك عن أمرٍ فلا تكتُمْني. قال: والله لا أكتُمُك شيئًا أعلمُه. قال: ما أخوفُ شيء تخوَّفُهُ على أمةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم؟ قال: أئمَّةً مُضِلِّين. قال عمرُ: صَدَقتَ، قد أَسرَّ ذلك إليَّ وأَعلَمَنِيه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. هذا إسناد جيد (¬3)، وليس في شيء من الكتب السِّتة، ولم يَسرد الإمام أحمد قصَّة عُمَير بن سعد، وقد ساقها الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في «مسند عمر»، وفيها غرابة. (749) وقد روى الإسماعيلي -أيضًا- (¬4) من طرق جيدة عن الشَّعبي، عن زياد بن حُدير قال: قال لي عمرُ بن الخطاب: يا زيادُ، هل تدري ما يَهدمُ دعائمَ الإسلامِ؟ قلت: لا. قال: زَلَّةُ العالِمِ، وجدالُ المنافقِ بالقرآنِ، وحُكمُ الأئمَّةِ المضلين. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 42 رقم 293). وفي إسناده: زُهَير بن سالم، قال عنه الدارقطني: حمصي منكر الحديث، روى عن ثوبان ولم يَسْمع منه. انظر: «تهذيب التهذيب» (3/ 344)، ثم هو منقطع، لأن زُهَير بن سالم من الطبقة الرابعة، وهؤلاء جلُّ روايتهم عن كبار التابعين، وأما قول المؤلِّف: «إسناد جيد»، ففيه نظر. (¬2) كَتَب المؤلِّف فوقها: «كذا». (¬3) في هذا نظر؛ فزُهَير بن سالم قال عنه الدارقطني: حمصي منكر الحديث، روى عن ثوبان ولم يَسْمع منه. انظر: «تهذيب التهذيب» (3/ 344)، ثم هو منقطع، لأن زُهَير بن سالم من الطبقة الرابعة، وهؤلاء جلُّ روايتهم عن كبار التابعين. (¬4) سيأتي تخريج هذه الرواية (ص 564، رقم 960).

طريق أخرى (750) وقال أبو الجهم العلاء بن موسى (¬1): ثنا سوَّار، ثنا مُجالِد، عن أبي الودَّاك، عن أبي سعيد، عن ابن عباسٍ قال: خَطَب عمرُ، فقال: إنَّ أخوفَ ما أخافُ عليكم تغيُّرُ الزَّمانِ، وزَيغةُ عالِمٍ، وجدالُ منافقٍ بالقرآنِ، وأئمَّةٌ يُضلُّون الناسَ بغير علم. / (ق 284) حديث آخر (751) قال الحافظ أبو يعلى الموصلي (¬2): ثنا مصعب بن عبد الله، ثنا الدَّرَاوَردِي، عن محمد بن أبي حميد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ألاَ أُخبِرُكُم بخِيَارِ أَئِمَّتِكم من شِرَارِهم؟ الذين تُحبونَهم ويُحبونَكم، وتَدعُون لهم ويَدعُون لكم، وشِرارُ أَئِمَّتِكم الذين تُبغضونهم ويُبغضونكم، وتَلعنونَهم ويَلعنونَكم». ورواه الترمذي في الفتن (¬3)، عن بُندَار، عن أبي عامر العَقَدي، عن محمد بن أبي حميد. وقال: غريب، لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي حميد، وهو يضعَّف من قبل حفظه (¬4). ¬

(¬1) في «جزئه» (ص 54 رقم 98). وإسناده ضعيف؛ لضعف مُجالِد، وهو: ابن سعيد الهَمْداني. (¬2) في «مسنده» (1/ 148 رقم 161). (¬3) من «سننه» (5/ 458 رقم 2264) باب منه. (¬4) وقد أخرج مسلم في «صحيحه» (3/ 1481 رقم 1855) في الإمارة، باب خيار الأئمَّة وشرارهم، من حديث عوف بن مالك -رضي الله عنه- مرفوعًا: «خيارُ أئمَّتِكم الذين تُحبونَهم ويُحبونَكم، ويُصلُّون عليكم وتُصلُّون عليهم، وشرارُ أئمَّتِكم الذين تُبغضونَهم ويُبغضونَكم، وتَلعنونَهم ويَلعنونَكم ...». الحديث.

أثر في أنه يجوز استعمال الرجل القوي وإن كانت له ذنوب يستسر بها

أثر في أنه يجوز استعمال الرَّجل القويِّ وإن كانت له ذنوب يَستَسِر بها (752) قال أبو عبيد في «الغريب» (¬1): حدثني يزيد بن هارون، عن هشام، عن الحسن قال: قال حذيفةُ لعمرَ: إنَّك تستعين بالرَّجل الذي فيه -وفي رواية: بالرَّجل الفاجر-؟ فقال عمرُ: إنِّي أستعملُهُ لأستعين بقوَّته، ثم أكون على قَفَّانِه. قال الأصمعي: قَفَّان كلِّ شيء: جِمَاعُهُ، واستقصاءُ معرفتِه، يقول: أكون على تَتَبُّع أمره حتى أستقصي عِلمَهُ وأعرفَهُ. قال أبو عبيد: ولا أَحسِبُ هذه الكلمة عربية، إنما أصلها: قَبَّان، ومنه قول العامَّة: فلانٌ قَبَّانٌ على فلان، إذا كان بمنزلة الأمين عليه، والرئيس الذي يَتَتَبَّع أمرَه ويحاسِبُه، ومنه سمِّي هذا الميزان الذي يقال له: القَبَّان. ¬

(¬1) «غريب الحديث» (4/ 139). وإسناده ضعيف؛ لانقطاعه بين الحسن وعمر.

أثر فيه أن الوالي إذا طرأ عليه ما ينافي العدالة فإنه يعزل

أثر فيه أن الوالي إذا طرأ عليه ما ينافي العدالة فإنه يُعزَل (753) قال محمد بن سعد في «الطبقات» (¬1): كان عمرُ بن الخطاب قد استَعمل النعمان بن عديِّ بن نَضلة، على مَيْسان من أرض البصرة، وكان يقول الشِّعر، فقال: ألا هل أتَى الحسناءَ أنَّ حَلِيلَها ... بمَيْسانَ يُسقَى في زُجَاجٍ وحَنْتَمِ (¬2)؟ إذا شئتُ غَنَّتني دَهَاقينُ قريةٍ ... وَرَقَّاصَةٌ تَجثُو (¬3) على كُلِّ مَنْسِم فإنْ كنتَ نَدماني فبالأكبرِ اسْقِنِي ... ولا تَسْقِني بالأصغرِ المُتَثَلِّم لعل أميرَ المؤمنينَ يَسُوؤهُ ... تَنادُمُنا في الجَوْسَقِ المُتَهَدِّم ¬

(¬1) (4/ 140) عن محمد بن عمر، قال: حدثنا خالد بن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال: سَمِعتُ سالم بن عبد الله ينشد هذه الأبيات، قال: فلما بَلَغ عمرُ قولَه ... ، فذكره. وهذا إسناد تالف، محمد بن عمر، هو: الواقدي، وهو متروك، وسالم لم يَسْمع من عمر. (¬2) الحَنْتم: جِرَار مدهونة خُضر كانت تُحمل الخمر فيها إلى المدينة، ثم اتسع فيها، فقيل للخزف كله حَنْتم. «النهاية» (1/ 448). (¬3) كذا ورد بالأصل. وكَتَب المؤلِّف بجوارها: «تجذو»، وكَتَب عليها: «خ»، إشارة إلى وروده في نسخة. والجُثُو: الجلوس على الركبتين. «النهاية» (1/ 239).

فلمَّا بَلَغ عمرُ قولَه، قال: نعم، واللهِ إنَّه لَيَسُوءنِي، مَن لَقِيَهُ / (ق 285) فليُخبِرْهُ أنِّي قد عَزَلتُه. فقَدِمَ عليه رجلٌ من قومه فأَخبَرَه بعزله، فقَدِمَ على عمرَ، فقال: واللهِ ما صنعتُ شيئًا ممَّا قلتُ، ولكن كنتُ امرأً شاعرًا، وَجَدتُ فَضلاً من قول، فقلتُ فيه الشِّعر. فقال عمرُ رضي الله عنه: والله لا تعملُ لي على عملٍ ما بقيتُ، وقد قلتَ ما قلتَ. (754) وقد روى الحافظ أبو بكر ابن أبي الدُّنيا -رحمه الله- (¬1) عن أحمد بن محمد بن أيوب، عن إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق ... ، فذَكَر مثلَه. وحكى الزُّبير بن بكَّار مثل ذلك -أيضًا-، إلا أنه قال: إذا شئتُ غَنَّتني دَهَاقينُ قريةٍ ... وَصَنَّاجةٌ (¬2) تَجذُو على كُلِّ مَنْسِم قال الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي عن شيخه أبي منصور: وهذا هو الصحيح. والمِنسَمُ: استعارة، وإنما يقال ذلك للبعير، وهو من الإنسان الظُّفر. قال: والجوسق: فارسيٌّ مُعرَّب، وهو القَصر الصغير، ويقال له: الكَوشك. ¬

(¬1) في «ذم المسكر» (ص 56 رقم 44). وهو منقطع بين محمد بن إسحاق وعمر. (¬2) الصَّنْج: من آلات الملاهي، جمعه صُنُوج، وهو ما يتخذ مُدوَّرًا يُضرب أحدهما بالآخر، ويقال لما يُجعل في إطار الدُّفِّ من النحاس المُدوَّر صغارًا: صُنُوج أيضًا. «المصباح المنير» (ص 286 - مادة صنج).

(755) قال الزُّبير بن بكَّار (¬1): وحدَّثني محمد بن الضَّحَّاك بن عثمان الحِزَامي، عن أبيه قال: لمَّا بلغ عمرُ بن الخطاب هذا الشِّعر، كَتَب إلى النعمان: بسم الله الرحمن الرحيم: {حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)} (¬2)، أمَّا بعد، فقد بلغني قولُك: لعل أميرَ المؤمنينَ يَسُوؤهُ ... تَنادُمُنا في الجَوْسَقِ المُتَهَدِّم / (ق 286) وايمُ الله، إنَّه لَيَسُوءنِي، وعَزَله. فلمَّا قَدِمَ على عمرَ بَكَّتَه بهذا الشِّعر، فقال: يا أميرَ المؤمنين، ما شَرِبتُها قطُّ، وما ذاك الشِّعر إلا شيءٌ طَفَح على لساني. فقال عمرُ رضي الله عنه: أظنُّ ذاك، ولكن لا تعمل لي على عملٍ أبدًا. فهذا مشهور من صنيع عمر رضي الله عنه. أثر آخر (756) قال الحارث بن مسكين: ثنا سفيان، عن شَبيب بن غَرقَدة، عن المستَظِلِّ قال: سَمِعتُ عمرَ يقول: قد عَلِمتُ وربِّ الكعبة: متى تَهلِكُ العرب، إذا ساسهم مَن لم يُدرك جاهلية، ولم يكن له قَدَمٌ في الإسلام (¬3). ¬

(¬1) لم أقف عليه في مظانِّه من مصنَّفاته المطبوعة، ومن طريقه: أخرجه ابن الجوزي في «المنتظم» (4/ 138)، وهو معضل؛ الضحاك بن عثمان هذا من الطبقة العاشرة. (¬2) غافر: 1 - 3 (¬3) وأخرجه -أيضًا- ابن سعد (6/ 129) والحاكم (4/ 428) من طريق سفيان. وأبو عبيد في «غريب الحديث» (5/ 191) عن الحسين بن عازب. وابن أبي شيبة (6/ 413 رقم 32462) في الفضائل، باب في فضل العرب، عن أبي الأحوص. وأبو القاسم البغوي في «الجعديات» (2/ 876 رقم 2459) من طريق شريك. جميعهم (سفيان، والحسين بن عازب، وأبو الأحوص، وشريك) عن شَبيب بن غَرقَدة، به. قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. قلت: المستظل بن الحصين: مجهول الحال، تفرَّد بالرواية عنه شَبيب بن غَرقَدة، وقد ذكره البخاري في «التاريخ الكبير» (8/ 62 رقم 2158) وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (8/ 429 رقم 1959) وسكتا عنه. وذكره ابن حبان في «الثقات» (5/ 462).

كتاب الأقضية

كتاب الأقضية (757) قال البخاري رحمه الله (¬1): ثنا الحكم بن نافع، ثنا شعيب، عن الزهري: حدَّثني حميد بن عبد الرحمن بن عَوف: أنَّ عبد الله بن عُتبة قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: إنَّ أناسًا كانوا يُؤخذون بالوحي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنَّ الوحيَ قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظَهَر لنا من أعمالِكم، فمن أظهر لنا خيرًا أَمِنَّاه (¬2)، ومَن أظهر لنا سُوءًا لم نأمَنْهُ، ولم نُصدِّقْهُ، وإنْ قال: إنَّ سَريرتَه حَسَنة. ¬

(¬1) في «صحيحه» (5/ 251 رقم 2641 - فتح) في الشهادات، باب الشهداء العدول. (¬2) زاد في المطبوع: «وقَرَّبْناهُ، وليس إلينا من سَريرته شيء، الله يحاسِبُهُ في سريرته».

هكذا أورده البخاري، وليس هو عند أصحاب الأطراف (¬1). وفيه دلالة على الحكم بالظاهر. وقد روي من طريق أخرى: (758) قال الإمام أحمد (¬2): ثنا إسماعيل -يعني: ابن عُليَّة-، أنا الجُرَيري سعيد، عن أبي نَضرة، عن أبي فِراس قال: خَطَب عمرُ بن الخطاب، فقال: يا أيُّها الناسُ، ألا إنما كنَّا نَعرِفُكم إذ بين ظَهْرينا (¬3) النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وإذ ينزل الوحي، إذ يُنبِّئُنا اللهُ من / (ق 287) أخباركم، ألا وإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد انطلق، وانقطع الوحي، وإنمَّا نَعرِفُكم بما نقولُ لكم، من أظهر منكم خيرًا ظَننَّا به خيرًا، وأحبَبْناهُ عليه، ومَن أظهر لنا شرًّا ظَننَّا به شرًّا، وأبغضنَاهُ عليه، سرائرُكم بينَكم وبين ربِّكم عزَّ وجلَّ، ألا وإنَّه قد أتى عليَّ حينٌ وأنا أَحسِبُ أنَّ مَن قرأ القرآنَ يريد اللهَ وما عنده، وقد خُيِّل إليَّ بأخرة أنَّ رجالاً قد قرؤوه يريدون به ما عند الناس، فأَريدوا اللهَ بقراءتِكم، وأَريدوه بأعمالكم، أَلا إنيِّ والله ما أُرسِلُ عُمَّالي إليكم ليضربوا أبشارَكم، ولا ليأخذوا أموالَكم، ولكن أُرسِلُهُم إليكم لِيعلِّموكُم دينَكم وسُنتَكم، فمَن فُعِلَ به سوى ذلك؛ فليرفَعْه إليَّ، فوالذي نفسي بيده، إذاً لأُقِصَّنَّهُ منه. فوَثَب عمرو بن العاص، فقال: يا أميرَ المؤمنين، أو رأيتَ إن كان رجلٌ من المسلمين على رعيَّة فأدَّب بعض رعيته، أَئنَّك لَمُقصُّه (¬4) منه؟! قال: إي، والذي نفس عمر بيده، إذًا لأُقِصَّنَّه منه، أنا لا أُقِصُّ منه، وقد ¬

(¬1) وقال الحافظ في «النكت الظِّراف» (8/ 52): أغفَلَه المزي، وهو في جميع الروايات. (¬2) في «مسنده» (1/ 41 رقم 286). (¬3) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «ظَهْرانينا». (¬4) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «لمقتَصُّه».

رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يُقِصُّ من نفسِهِ؟ أَلا لا تضربوا المسلمين فتُذِلُّوهم، ولا تُجمِّروهم (¬1) فتَفتنوهم، ولا تَمنعوهم حقوقَهم فتُكفِّروهم (¬2)، ولا تُنزلوهم الغِياض (¬3) فتُضيِّعوهم. ورواه النسائي في القصاص (¬4)، عن مؤمَّل بن هشام، عن إسماعيل بن عُليَّة، مختصرًا: / (ق 288) رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أَقَصَّ من نفسِهِ. وأخرجه أبو داود في الدِّيات (¬5)، عن محبوب بن موسى، عن أبي إسحاق الفَزَاري (¬6)، عن سعيد بن إياس الجُرَيري، به. وفيه خُطبة عمرَ: إنِّي لم أَبعَثْ عُمَّالي ليضربوا أبشارَكم ... ، الحديث. واختاره الحافظ الضياء (¬7) من طريق أبي يعلى (¬8)، عن عبد الله بن محمد بن أسماء، عن ابن مهدي (¬9)، عن سعيد الجُرَيري. وقد رواه علي ابن المديني، عن عبد الأعلى، ورِبعي بن إبراهيم. كلاهما عن الجُرَيري، بطوله. ¬

(¬1) كَتَب المؤلف بجوارها في حاشية الأصل: «تجمِّروهم: أي: تطيلوا سجنهم». (¬2) لأنهم ربما ارتدُّوا إذا مُنِعوا عن الحق. «النهاية» (4/ 187) .. (¬3) الغِياض: جمع غَيْضة، وهي الشجر الملتف؛ لأنهم إذا نزلوها تفرَّقوا فيها، فتمكَّن العدو منهم. «النهاية» (3/ 402). (¬4) من «سننه» (8/ 403 رقم 4791) في القسامة، باب القصاص من السلاطين. (¬5) (5/ 152 - 153 رقم 4537) باب القود من الضربة، وقص الأمير من نفسه. (¬6) وهو في «السِّيَر» له (ص 291 رقم 527). (¬7) في «المختارة» (1/ 218 رقم 116). (¬8) وهو في «مسنده» (1/ 174 رقم 196). (¬9) كذا ورد بالأصل. وصوابه: «مهدي»، كما في المطبوع من «مسند أبي يعلى»، و «المختارة»، وهو مهدي بن ميمون الأزدي المِعْوَلي. انظر: «تهذيب الكمال» (28/ 592).

وقال: إسناده بصري حسن. وقال في موضع آخر: لا نعلم في إسناده شيئًا يُطعنُ فيه، وأبو فِراس رجل معروف من أسلم (¬1)، روى عنه أبو نَضرة، وأبو عمران الجَوْني. قلت: ولا يُعرف اسمه، ومنهم من سمَّاه: الرَّبيع بن زياد الحارثي (¬2)، وأنكر ذلك بعضُهم، وفرَّق بينهما (¬3)، فالله أعلم. ¬

(¬1) وخالف أبو زرعة، فقال: لا أعرفه. «الجرح والتعديل» (9/ 423 رقم 2082). (¬2) منهم: حماد بن سَلَمة، وروايته عند إسحاق بن راهويه في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (2/ 388 رقم 2144) وابن سعد (3/ 280) وعنه: البلاذُري في «أنساب الأشراف» (ص 186). (¬3) منهم: الإمام أبو أحمد الحاكم، ونصُّ عبارته، كما في «تهذيب الكمال» (34/ 184): إنْ كان إسحاق بن إبراهيم حفظ اسم أبي فِراس الراوي عن عمرَ أنه الرَّبيع بن زياد الحارثي، ولم يُلقِه من ذات نفسه فهما اثنان، وإن لم يحفظه فهو على ما قاله البخاري [انظر: «التاريخ الكبير» (3/ 268 رقم 915)] والرَّبيع بن زياد حارثي، كناه خليفة بن خياط أبا عبد الرحمن، ولا أُبعِدُ أن يكون إسحاق سمَّاه من ذات نفسه فاشتبه عليه، ولا أعرف أبا نَضرة روى عن الرَّبيع بن زياد شيئًا، إنما روى عنه أبو مِجْلَز وقتادة، وذكره الشَّعبي في بعض أخباره، وأبو فِراس الذي روى عنه أبو نَضرة هو النَّهدي آخر على ما ذَكَره البخاري. وقال -أيضًا-، كما في «تهذيب الكمال» (9/ 79) في ترجمة الرَّبيع بن زياد: ولا أُبعِدُ أن تكون تكنيته بأبي فِراس خطأ.

حديث فيه أثر عن عمر في التحذير من غائلة ولاية القضاء

حديث فيه أثر عن عمر في التحذير من غائلة ولاية القضاء (759) قال هشام بن عمَّار، عن صَدَقة، عن الشُّعيثي، عن زُفَر بن وَثِيمة: أنَّ عمرَ دعا رجلاً إلى القضاء، فأَبَى عليه، قال: لم؟ قال: سَمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «القضاةُ ثلاثةٌ: قاضٍ في الجنَّةِ، وقاضيانِ في النَّارِ ...» الحديث. هكذا رواه أبو بكر الإسماعيلي في «مسند عمر» من حديث هشام بن عمَّار. (760) وقد روى أبو بكر ابن أبي عاصم، والترمذي (¬1) من حديث معتمر بن سليمان، عن عبد الملك بن أبي جميلة، عن عبد الله بن موهَب: أنَّ عثمانَ قال لابن عمرَ: اذهب فاقض بين الناس، قال: أَوَ (تُعافيني) (¬2) يا أميرَ المؤمنين، قال: فما تكره من ذلك، وقد كان أبوك يقضي؟ قال: إنِّي سَمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من كان قاضيًا، فقَضَى بالعدلِ، فَبِالحَرِي أن يَنفَلِتَ منه كفافًا»، فما أرجو بعد ذلك؟! وفي الحديث قصَّة ... (¬3) غريب، وليس إسناده عندي بمتَّصل. ¬

(¬1) في «سننه» (3/ 612 رقم 1322) في الأحكام، باب ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في القاضي، وفي «العلل الكبير» (ص 198 رقم 351). (¬2) كَتَب المؤلِّف فوقها: «تعفني»، ولم يضرب على ما تحتها. (¬3) في هذا الموضع بضع كلمات مطموس بعضها في الأصل، ويشبه أن يكون المؤلِّف بصدد نقل كلام الإمام الترمذيِّ على الحديث، كما يظهر من السِّياق، ونصُّ كلام الترمذي: حديث ابن عمر حديث غريب، وليس إسناده عندي بمتَّصل، وعبد الملك الذي روى عنه المعتمر هذا، هو عبد الملك بن أبي جميلة. وقال في «العلل»: سألت محمدًا عن هذا الحديث، وقلت له: مَن عبد الملك هذا؟ فقال: هو عبد الملك بن أبي جميلة، وعبد الله بن مَوهَب عن عثمان مرسل.

ولفظ ابن أبي عاصم، عن عبد الله بن موهَب، عن ابن عمرَ: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن كان قاضيًا، فقَضَى بحقٍّ، سأل التَّفلُتَ كفافًا» -قال ابن عمرَ: فما أرجو بعدُ إذًا- «ومَن كان قاضيًا، فقَضَى بجهلٍ كان من أهلِ النَّارِ، ومَن كان قاضيًا، فقَضَى بجَورٍ فهو من أهلِ النَّارِ». ففي سياق ابن أبي عاصم مايبيِّن اتِّصال الحديث، لكن عبد الملك هذا لم يرو عنه سوى معتمر، ولهذا قال فيه أبو حاتم (¬1): مجهول. وأما ابن حبان، فذَكَره في «الثقات» (¬2). وعلى كلِّ حال، فهذا أولى ممَّا رواه الإسماعيلي في «مسند عمر»، فلعلَّه تصحَّف عليه بعثمان، وإن كان محفوظًا، فلعلَّهما واقعتان، والله أعلم. ¬

(¬1) كما في «الجرح والتعديل» (5/ 345 رقم 1631) و «العلل» لابنه (1/ 468). (¬2) (7/ 103). وأخرجه في «صحيحه» (11/ 440 رقم 5056 - الإحسان) عن الحسن بن سفيان، عن أُميَّة بن بِسطام، عن معتمر بن سليمان، عن عبد الملك بن أبي جميلة، عن عبد الله بن وهب، عن عثمان ... ، فذكره. هكذا جعله من رواية عبد الله بن وهب عن عثمان! ثم قال: ابن وهب هذا، هو عبد الله بن وهب بن الأسود القرشي، من المدينة، روى عنه الزهري. قال ابن الملقن في «البدر المنير» (9/ 558): هذا كلامه، وعليه بعد تسليم ثقة عبد الملك اعتراضان: أحدهما: إرساله، كما شهد بذلك الترمذي، والبخاري، وأبو حاتم. ثانيهما: يخالف الترمذي في إبدال «عبد الله بن موهَب» بـ: «عبد الله بن وهب». وأخرجه -أيضًا- أبو يعلى (10/ 93 رقم 5727) عن شيبان. والطبراني في «الكبير» (12/ 269 - 270 رقم 13319) من طريق أُميَّة بن بِسطام. كلاهما (شيبان، وأُميَّة) عن معتمر، به. قال الطبراني: عبد الله بن وهب هذا، هو عندي عبد الله بن وهب بن زَمْعة، والله أعلم. تنبيه: وقع في مطبوع «مسند أبي يعلى»: «عبد الله بن موهب»، ثم علَّق محقِّقه الأستاذ حسين أسد قائلاً: في الأصلين: «وهب»، وهو خطأ (!) قلت: هذا التصويب من المحقق غير مرضي، والصواب ما في الأصلين، كما يدل على ذلك رواية ابن حبان، والطبراني، فتنبَّه. زد على هذا: أنه قال في تعليقه: «إسناده جيد»، فتعقَّبه الشيخ الألباني في «ضعيف الترغيب والترهيب» (2/ 66) فقال: عبد الملك بن أبي جميلة مجهول من أتباع التابعين، وتوهَّم المعلِّق على «مسند أبي يعلى» أنه تابعي ثقة سَمِعَ من ابن عمر! في خلطٍ له وتجويد لإسناده، كما بيَّنته في «الضعيفة» (6864).

أثر في صفة القضاء

أثر في صفة القضاء (761) قال إبراهيم بن بشَّار الرَّمادي (¬1)، ويحيى بن الرَّبيع المكي -واللفظ لإبراهيم-، كلاهما عن سفيان بن عيينة، حدَّثنا والد عبد الله بن ¬

(¬1) وأخرجه -أيضًا- وكيع بن خَلَف في «أخبار القضاة» (1/ 70) والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1/ 492 رقم 535) من طريق إبراهيم بن بشَّار. والبيهقي (6/ 65) و (10/ 106، 119، 135، 182، 253) من طريق يحيى بن الربيع. والدارقطني (4/ 207) من طريق عبد الله بن الإمام أحمد. والهروي في "ذم الكلام" (4/ 5 رقم 716) من طريق ابن أبي عمر العَدَني. جميعهم (إبراهيم بن بشار، ويحيى، وعبد الله، والعَدَني) عن ابن عيينة، به. قال الشيخ الألباني في «الإرواء» (8/ 241): وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين، لكنه مرسل؛ لأن سعيد بن أبي بُرْدة تابعي صغير، روايته عن عبد الله بن عمر مرسلة، فكيف عن عمرَ؟! لكن قوله: «هذا كتاب عمر» وِجادة، وهي وِجادة صحيحة من أصحِّ الوجادات، وهي حجَّة. وقال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على «المحلى» (1/ 60) في معرض ردِّه على ابن حزم في تضعيفه لهذه الرسالة: وخير هذه الأسانيد -فيما نرى- إسناد سفيان بن عيينة، عن إدريس -وهو إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن الأَودي، وهو ثقة- أنَّ سعيد بن أبي بُرْدة بن أبي موسى أراه الكتاب، وقرأه لديه، وهذه وِجادةٌ جيدةٌ في قوَّة الإسناد الصحيح، إن لم تكن أقوى منه، فالقراءة من الكتاب أوثق من التلقِّي عن الحفظ. وقال الحافظ في «التلخيص الحبير» (4/ 196) بعد أنَّ ذكره من طريق الدارقطني والبيهقي: وساقه ابن حزم من طريقين، وأعلَّهما بالانقطاع، لكن اختلاف المخرج فيهما مما يقوِّي أصل الرسالة، لا سيَّما وفي بعض طرقه أن راويه أخرج الرسالة مكتوبة. وقال أبو العباس ابن تيميَّة في «منهاج السُّنة» (6/ 71): ورسالة عمر المشهورة في القضاء إلى أبي موسى تداولها الفقهاء، وبَنَوا عليها، واعتمدوا على ما فيها من الفقه، وأصول الفقه.

إدريس قال: أتيتُ سعيدَ بن أبي بُرْدة، فسألته عن رسائل عمرَ التي كان يكتب إلى أبي موسى، وكان أبو موسى قد أوصى إلى أبي بُرْدة، قال: فأخرَجَ إليَّ كُتُبًا، فرأيتُ في كتاب منها: أمَّا بعدُ، فإنَّ القضاءَ فريضةٌ مُحكَمَةٌ، وسُنَّةٌ مُتبَعةٌ، فافهم إذا أُدلِيَ إليك، فإنَّه لا ينفعُ تَكلُّم بحقٍّ لا نفاذَ له. آسِ بين الاثنين في مجلسك ووجهك، حتى لا يطمعَ شريفٌ في حَيْفِك، ولا ييأس وَضِيعٌ -أو / (ق 289) قال: ضعيفٌ- في عدلك. الفَهمَ الفَهمَ فيما يتلجلجُ في صدرك ويُشكِلُ عليك. اعرِفِ الأشباهَ والأمثالَ، ثم قِس الأمورَ بعضَها ببعض، وانظر أقربَها إلى الله، وأشبهها بالحقِّ، فاتَّبِعْه. وأعهد (¬1) إليك، ولا يمنعك قضاءٌ قضيتَه بالأمس راجعتَ فيه نفسَك، وهُدِيتَ فيه لرُشْدِك أن تُراجِعَ الحقَّ، فإنَّ مراجعة الحقِّ خيرٌ من التَّمادي في الباطل. ¬

(¬1) كذا ورد بالأصل. وعند وكيع في «أخبار القضاة»: «واعمِد إليه».

المسلمون عُدُولٌ بعضُهم على بعض، إلا مجلودًا في حدٍّ، أو مجرَّبًا عليه شهادة زُور، أو ظِنِّينًا في وَلاَء، أو قَرَابة. اجعل لمَن ادَّعى حقًّا غائبًا أمدًا يَنتهي إليه، أو بيِّنةً عادلةً، فإنَّه أَثبتُ في الحجَّة وأبلغُ في العذر، فإن أَحضَرَ بيِّنتَه، وإلاَّ وجَّهتَ عليه القضاء. البيِّنة على من ادَّعى، واليمينُ على من أَنكر. إنَّ الله تولَّى منكم السَّرائرَ، ودرأَ عنكم الشُّبهاتِ. إيَّاك والقلقَ، والضَّجرَ، والتأذِّيَ بالناس، والتَّنكُرَ للخصم في مجالس القضاء. إلى أن قال: والصلحُ جائزٌ بين المسلمين، إلا صُلحًا أحلَّ حرامًا، أو حرَّم حلالاً. ومَن تَزيَّن للناس بما لم يعلم اللهُ منه شانَه اللهُ، فما ظنُّك بثواب غير الله في عاجل دنيا وآجل آخرة. هذا أثر مشهور، وهو من هذا الوجه غريب، ويسمَّى وِجاَدة (¬1)، والصحيح: أنه يحتجُّ بها إذا تحقِّق الخطُّ، لأنَّ أكثرَ كُتُب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملوك / (ق 290) الأقطار كذلك، وقد بَسَطتُ القولَ بصحَّتها في أوَّل شرح البخاري، ولله الحمد. وقد ورد هذا الأثر من وجه آخر: ¬

(¬1) الوجادة: عرَّفها المؤلِّف في «اختصار علوم الحديث» (1/ 367) فقال: صورتها: أن يجدَ حديثًا أو كتابًا بخطِّ شخص بإسناده، فله أن يَرويه عنه على سبيل الحكاية، فيقول: وَجَدتُ بخط فلان: حدثنا فلان، ويُسنِده، ويقع هذا أكثر في «مسند الإمام أحمد»، يقول ابنه عبد الله: «وَجَدت بخطِّ أبي: حدثنا فلان ...»، ويَسوق الحديث، وله أن يقول: «قال فلان» إذا لم يكن فيه تدليس يُوهم اللُّقي.

(762) كما رواه الحافظ البيهقي في «سننه» (¬1) فقال: أنا الحاكم، أنا الأصمُّ، ثنا محمد بن إسحاق الصَّاغاني، ثنا محمد بن عبد الله بن كُناسة، ثنا جعفر بن بَرقان، عن معمر البصري، عن أبي العوَّام البصري قال: كَتَبَ عمرُ إلى أبي موسى: إنَّ القضاءَ فريضةٌ مُحكَمةٌ، وسُنَّةٌ مُتبعَةٌ، فعليك بالعقل والفَهم وكثرة الذِّكر، فافهم إذا أَدلى إليك الرَّجلُ الحُجَّةَ، فاقضِ إذا فَهِمتَ، وامضِ إذا قضيتَ، فإنَّه لاينفَع تكلَّم بحُكم لا نفاذ له. وآسِ بين الناسِ في وجهِكَ، ومجلسِكَ، وقضائِكَ، حتى لا يَطمعَ شريفٌ في حَيفِكَ، ولا يَيأسَ ضعيفٌ من عدلِكَ. والبيِّنةُ على مَن ادَّعى، واليمينُ على مَن أَنكَرَ. والصلحُ جائزٌ بين المسلمين، إلا صُلحًا أَحلَّ حرامًا، أو حرَّم حلالاً. ومَن ادَّعى حقًّا غائبًا أو بيِّنةً، فاضرِبْ له أَمَدًا يَنتهي إليه، فإنْ جاء ببينتِهِ أعطيتَهُ حقَّهُ، وإنْ أَعجَزَهُ ذلك استَحْلَلتَ عليه القضيَّةَ، فإنَّ ذلك أبلغَ في العذرِ، وأجلى للعَمَى. ¬

(¬1) (10/ 150). وأَعلَّ هذه الطريق الشيخ الألباني في «الإرواء» (8/ 242) فقال: وإسناده إلى أبي العوَّام صحيح، وأمَّا أبو العوَّام البصري، ففي الرواة ثلاثة كلُّهم يُكنى بهذه الكنية، وكلُّهم بصريون، وهم: 1 - فائد بن كَيسان الجزار مولى باهلة. 2 - عبد العزيز بن الرَّبيع الباهلي. 3 - عمران بن داور القطان. ولم أتبين أيُّهم المراد هنا، وثلاثتهم من أتباع التابعين، وكلُّهم ثقات إلا الأول، فلم يوثِّقه غير ابن حبان، ولم يُذكر في ترجمة أحد منهم أنه روى عنه معمر، والله أعلم، وعلى كلِّ حال، فهذه الطريق معضلة، وفيما قبلها كفاية. اهـ.

ولا يمنعك من قضاء قضيتَه اليوم فراجَعتَ فيه لرأيك، وهُدِيتَ فيه لرُشدِكَ أن تُراجِعَ الحقَّ، لأنَّ الحقَّ قديم، لا يُبطِلُ الحقَّ شيءٌ، ومراجعةُ الحقِّ خيرٌ من التَّمادي في الباطل. والمسلمون عُدُول بعضُهم على بعض في الشَّهادات، إلا مجلودًا في حدٍّ، أو مجرَّبًا عليه شهادة الزُّور، أو ظنِّينًا في وَلاَء ... (¬1)، فإنَّ اللهَ تولَّى من عباده السرائر، وسَتَرَ عليهم الحدودَ إلا بالبيِّنات والأيمان. والفهمَ الفهمَ فيما أُدلِيَ إليك ممَّا ليس في قرآن أو سُنَّة، ثم قايس الأمورَ عند ذلك، واعرِفِ الأشباهَ والأمثالَ، ثم اعمد إلى أحبِّها إلى الله فيما ترى وأشبهها بالحقِّ. وإيَّاك والغضب، والقلق، والضَّجر، والتأذِّي بالناس عند الخصومة والنظر، فإنَّ القضاء في مواطن الحقِّ يُوجِبُ اللهُ به الأجرَ، ويحسن به الذِّكر، فمَن خَلُصَت نيَّته في الحقِّ ولو على نفسه، كَفَاه الله ما بينه وبين الناس، ومَن تَزيَّن لهم بما ليس في قلبه شانَه اللهُ، فإنَّ الله لا يقبل من العباد إلا ما كان له خالصًا، وما ظنُّك بثواب غير الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته. ثم قال البيهقي: وقد رواه سعيد بن أبي بُرْدة. وروى عن أبي المليح الهُذَلي أنه رواه (¬2). وهو كتاب معروف مشهور، لابدَّ للقضاة من معرفته والعمل به. ¬

(¬1) في هذا الموضع طمس بمقدار ثلاث كلمات. (¬2) ومن هذا الوجه: أخرجه الدارقطني (4/ 206) عن أبي جعفر محمد بن سليمان بن محمد النُّعماني، عن عبد الله بن عبد الصمد بن أبي خداش، عن عيسى بن يونس، عن عبيد الله بن أبي حميد، عن أبي المليح الهُذَلي قال: كَتَب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى ... وأعلَّه الشيخ الألباني في «الإرواء» (8/ 241) فقال: وعبيد الله بن أبي حميد متروك الحديث، كما قال الحافظ في «التقريب».

أثر آخر (763) قال الحافظ أبو بكر ابن أبي عاصم (¬1): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة (¬2)، ثنا علي بن مُسْهِر، عن الشَّيباني، عن الشَّعبي، عن شُريح -يعني: ابن الحارث القاضي-: أنَّ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- كَتَب إليه: إذا جاءك شيءٌ في كتاب الله فاقض به، ولا يغلبنَّك عليه الرِّجال، وإذا جاءك ما ليس في كتاب الله؛ فانظر سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقض بها، فإن كان أمرًا ليس في كتاب الله، ولا في سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتكلَّم فيه قبلَك أحدٌ فاختر أيَّ الأمرين شئتَ، إن شئتَ أن تجتهدَ رأيَك وتُقدِمَ، فتقدَّم، وإن شئتَ أن تتأخَّر فتأخَّر، أَلا وإنَّ التأخُّر خيرٌ لك. وأخرجه النسائي في «سننه» (¬3) بنحوه، عن بُندَار، عن أبي عامر، عن الثوري، عن الشَّيباني، به. واختاره الحافظ الضياء في كتابه. ¬

(¬1) لم أقف عليه في مظانِّه من مصنَّفاته المطبوعة، ومن طريقه: أخرجه الضياء في «المختارة» (1/ 239 رقم 134) لكن سقط منه ذِكر شُريح. (¬2) وهو في «المصنَّف» (4/ 544 رقم 22980) في البيوع والأقضية، باب في القاضي ما ينبغي أن يبدأ به في قضائه. (¬3) (8/ 623 رقم 5414) في آداب القضاة، باب الحكم باتفاق أهل العلم. وأخرجه -أيضًا- وكيع في «أخبار القضاة» (2/ 189 - 190) وابن عبد البر في «جامع بيان العلم وفضله» (2/ 846 رقم 1595) والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1/ 421، 492 رقم 444، 534) من طريق سفيان، به. وأخرجه الدارمي (1/ 265 - 266 رقم 169) في المقدمة، باب الفتيا وما فيه من الشدة، ووكيع في «أخبار القضاة» (2/ 189، 190) والبيهقي (10/ 115) من طريق أبي إسحاق الشيباني، عن الشعبي، به.

أثر آخر (764) قال الحافظ أبو يعلى (¬1): ثنا غسَّان بن الرَّبيع، عن حماد بن سَلَمة، عن عطاء بن السَّائب، عن / (ق 291) محارِب بن دِثَار (¬2)، عن عمرَ: أنَّه قال لرجل قاضٍ كان بدمشق: كيف تقضي؟ قال: أقضي بكتاب الله. قال: فإذا لم تجد؟ قال: أقضي بسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فإذا جاءك ما ليس في السُّنَّة؟ قال: أجتهد رأيي، وأُؤامِرُ جلسائي. قال: أحسنتَ. وقال: إذا جلستَ، فقل: اللهمَّ، إنِّي أسألك أن أُفتِيَ بعلم، وأقضي بحُكمٍ، وأسألك العدل في الغضب والرِّضا. قال: فسار الرَّجلُ غيرَ بعيدٍ، ثم رجع، فقال لعمر: إنِّي رأيتُ كأنَّ الشَّمسَ والقمرَ يقتتلان، ومع كُلِّ واحد منهما جنودٌ من الكواكب. قال: مع أيِّهما كنتَ؟ قال: مع القمر. فقال عمرُ رضي الله عنه: يقول الله تعالى: {فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} (¬3) لا تلي لي عملاً. هذا أثر منقطع. ¬

(¬1) لم أجده في المطبوع من «مسنده»، ومن طريقه: أخرجه ابن عساكر في «تاريخه» (68/ 103 - 104). وأخرجه -أيضًا- ابن أبي الدُّنيا في «الإشراف في منازل الأشراف» (ص 221 رقم 255) من طريق حماد بن سَلَمة، به. وأعلَّه الحافظ ابن عساكر في «تاريخه» (68/ 105) فقال: لا أدري وجه هذا الحديث، فإنَّ أوَّل قاضٍ قَضَى على دمشق أبو الدرداء، ولم يزل عليها إلى خلافة عثمان، وهو غير خافٍ على عمرَ. (¬2) ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه بين محارب بن دِثار وعمر. (¬3) الإسراء: 12

أثر في رد شهادة الزور

أثر في ردِّ شهادة الزُّور (765) قال أبو عبيد (¬1): حدثني إسحاق، عن مالك (¬2)، عن ربيعة، يَرويه عن عمرَ: أنَّ رجلاً أتاه، فقال: إنَّ شهادةَ الزُّور قد كَثُرَت في أرضهم، فقال: لا يُؤسَر أحدٌ في الإسلام بشهداء السُّوء، فإنَّا لا نقبلُ إلا العُدُولَ. قال أبو عبيد: لا يُؤسَر: أي: لا يُحبَسُ. وفسَّر مجاهد قوله تعالى: {مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} (¬3) بالمحبوس. أثر آخر (766) قال إسماعيل بن عيَّاش (¬4): عن محمد بن يزيد الرَّحَبي، ¬

(¬1) في «غريب الحديث» (4/ 205). وهو منقطع، وله طرق أخرى: منها: ما أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 550 رقم 23030) في البيوع والأقضية، باب ما ذكر في شهادة الزور، عن وكيع، عن المسعودي، عن عبد الرحمن بن القاسم بن أبي بكر، عن أبيه، عن عمرَ ... ، فذكره. وهذا منقطع أيضًا. ومنها: ما أخرجه البيهقي (10/ 141) من طريق إسماعيل بن عيَّاش، عن عطاء بن عَجْلان، عن أبي نَضرة، عن أبي سعيد الخُدْري، عن عمرَ -رضي الله عنه-، ولفظه: أنَّ عُمرَ ظَهَر على شاهدِ زُورٍ، فضَرَبه أحدَ عشرَ سوطًا، ثم قال: لا تأسروا الناسَ بشهود الزُّور، فإنَّا لا نقبل من الشهود إلا العدلَ. وهذا إسناد ضعيف جدًّا؛ عطاء بن عَجْلان: متروك، كما قال الحافظ في «التقريب». (¬2) وهو في «الموطأ» (2/ 261) في الأقضية، باب ما جاء في الشهادات. (¬3) الإنسان: 8 (¬4) ومن هذا الوجه: أخرجه ابن أبي الدُّنيا في «الإشراف في منازل الأشراف» (ص 156 رقم 109) عن عبد الرحمن بن صالح الأزدي، عن إسماعيل بن عياش، به. وإسناده ضعيف؛ عروة بن رُويم: صدوق، يرسل كثيرًا، وعدَّه الحافظ من الطبقة الخامسة، وهي طبقة من لم يثبت لأصحابها سماع من أحد من الصحابة.

ومحمد بن الحجَّاج الخَوْلاني، عن عروة بن رُويم اللَّخمي قال: كَتَب عمرُ بن الخطاب إلى أبي عُبيدة بن الجرَّاح كتابًا، فقرأه على الناس بالجابِيَة (¬1): أمَّا بعدُ، فإنَّه لم يُقِمْ أمرَ اللهِ في الناس إلا حصيفَ العُقدةِ (¬2)، بعيدَ الغِرَّةِ (¬3)، ولا يَطَّلع الناسُ منه على عَورة، ولا يحنقُ في الحق على جرأة (¬4)، ولا يخافُ في الله لومةَ لائمٍ، والسَّلام عليك. وكَتَب عمرُ إلى أبي عُبيدة: أمَّا بعدُ، فإنِّي كَتَبتُ إليك بكتابٍ لم آلُكَ ونفسي (¬5) فيه خيرًا، الزم خمسَ خلالٍ (¬6) يَسلَمُ لك دينُك، وتحظى بأفضلَ حظِّك: إذا حضرك الخصمان فعليك بالبيِّنات العُدُول، والأيمان القاطعة، ثم أدنِ الضعيفَ حتى ينبسطَ لسانُه، ويجترئَ قلبُه، وتعاهدِ الغريبَ، فإنَّه إذا طال مقامُهُ ترك حاجتَه وانصرف إلى أهله، فإذا الذي أبطل حقَّه مَن لم ¬

(¬1) الجابية: قرية من أعمال دمشق. «معجم البلدان» (2/ 91). (¬2) أي: المحكم العقل. وإحصاف الأمر: إحكامه، والعقدة ههنا: الرأي والتدبير. «النهاية» (1/ 396). (¬3) أي: مَن بَعُدَ حفظه لغفلة المسلمين. «النهاية» (3/ 355). (¬4) كذا ورد بالأصل. وعند ابن أبي الدُّنيا: «جِرَّة»، والجِرَّة: ما يخرجه البعير من جوفه ويمضغه، والإحناق: لحوق البطن والتصاقه، وأصل ذلك في البعير أن يقذف بجِرَّته، وإنما وضع موضع الكظم من حيث أنَّ الاجترار ينفخ البطن، والكظم بخلافه، يقال: ما يَحنَقُ فلان وما يكظم على جِرَّة: إذا لم يَنطوِ على حقد ودَغَل. قاله ابن الأثير في «النهاية» (1/ 451): (¬5) أي: لم أُقصِّر في أمرك وأمري. «النهاية» (1/ 63). (¬6) كَتَب المؤلِّف فوقها: «خصال»، ولم يضرب على ما تحتها.

يرفع به رأسًا، واحرص على الصُّلح مالم يتبيَّن لك القضاءُ، والسَّلام عليك. أثر آخر (767) قال أبو القاسم البغوي: ثنا عمر بن وَرَّاد، ثنا المسيّب بن شريك، عن الحسن بن حَي قال: سَمِعتُ علي بن بَذِيمة يقول: قال عمرُ بن الخطاب: رُدُّوا الخصومَ، فإنَّ القضاءَ يورثُ الشَّنَآنَ (¬1). ¬

(¬1) وأخرجه -أيضًا- البيهقي (6/ 66) من طريق يحيى بن أبي بُكَير، عن الحسن بن صالح، عن علي بن بَذِيمة، به. وأعلَّه بالانقطاع. وله طريق أخرى: أخرجها عبد الرزاق (8/ 303 رقم 15304) وابن أبي شيبة (4/ 535 رقم 22886) في البيوع والأقضية، باب في الصلح بين الخصوم، وعمر بن شبَّة في «تاريخ المدينة» (2/ 769) والبيهقي (6/ 66) من طريق محارِب بن دِثَار، عن عمرَ ... ، فذكره. وهذا -أيضًا- منقطع، كما قال البيهقي، وابن حزم في «المحلى» (8/ 164).

أثر في النهي عن الرشوة للحاكم في الحكم

أثر في النهي عن الرِّشوة للحاكم في الحكم (768) قال أبو بكر ابن أبي الدُّنيا (¬1): ثنا أبو كُرَيب، ثنا طَلق بن غنَّام، ثنا محمد بن زياد البَرجُمُي، ثنا أبو حَريز الأزدي قال: كان رجلٌ لا يزال يُهدِي لعمرَ فَخِذَ جزورٍ، إلى أن جاء ذاتَ يومٍ بخصمٍ، فقال: يا أميرَ المؤمنين، اقضِ بيننا قضاءً فَصْلاً، كما يُفصَل الفَخِذُ من سائر الجزور. قال عمرُ رضي الله عنه: فما زال يردِّدها عليَّ حتى خفتُ على نفسي، فقَضَى عليه عمر، وكَتَب إلى عمَّاله: إيَّاكم والهدايا؛ فإنها من الرُّشَا. ¬

(¬1) في «الإشراف في منازل الأشراف» (ص 251، 295 رقم 312، 407) وتصحَّف فيه «أبو حريز» إلى: «أبو جرير»! وإسناده ضعيف؛ أبو حَريز عبد الله بن الحسين الأزدي، قال عنه أحمد: منكر الحديث، كان يحيى بن سعيد يحمل عليه، ولا أراه إلا كما قال. وضعَّفه النسائي، وقال أبو داود: ليس حديثه بشيء. وقال ابن عدي: عامَّة ما يَرويه لا يُتابَع عليه. ووثَّقه أبو زرعة. واختَلَف فيه قول ابن معين، فمرَّة ضعَّفه، ومرَّة قال: ثقة. وذكره ابن حبان في «الثقات»، وقال: صدوق. انظر: «الجرح والتعديل» (5/ 35 رقم 153) و «تهذيب الكمال» (14/ 421) و «ثقات ابن حبان» (7/ 24). وقال الحافظ في «التقريب»: صدوق يخطئ. ثم هو منقطع؛ لأنَّ أبا حَريز من الطبقة السادسة، وأصحاب هذه الطبقة لا يصح لهم لقاء أحد من الصحابة، ومع ذلك فقد اضطَّرب فيه، فرواه عن عمرَ -كما تقدَّم-. ورواه أخرى، فجعله عن الشَّعبي، عن عمرَ! وروايته عند ابن أبي الدُّنيا في «الإشراف» (ص 294 رقم 406) ووكيع في «أخبار القضاة» (1/ 55) عن علي بن حرب، عن إسماعيل بن ريَّان، عن أبي زياد الفُقَيمي، عن أبي حَريز، عن الشَّعبي، عن عمرَ! وهذا -أيضًا- منقطع بين الشَّعبي وعمر. تنبيه: تحرَّف «إسماعيل بن ريان» عند ابن أبي الدُّنيا إلى: «إسماعيل بن زياد»!

أثر آخر في كيفية التعديل

أثر آخر في كيفية التعديل (769) قال أبو القاسم البغوي (¬1): ثنا داود بن رُشيد، ثنا الفضل بن زياد، ثنا شيبان، عن الأعمش، عن خَرَشة بن الحُرِّ قال: شهد رجلٌ عند عمرَ بن الخطاب شهادةً، فقال له: لست أعرفُك، ولا يضرُّك ألا أعرفَك، ائتِ بمَن يعرفُك. فقال رجل من القوم: أنا أعرفُه. فقال: بأيِّ شيء تعرفُه؟ ¬

(¬1) ومن طريقه: أخرجه أبو طاهر المخلِّص في «جزء فيه سبعة مجالس من أماليه» (ص 81 رقم 31) وعنه: ابن عبد الباقي في «مشيخته» (2/ 575 رقم 121). وأخرجه البيهقي (10/ 125) والخطيب في «الكفاية» (1/ 277 رقم 219 - ط دار الهدى) من طريق البغوي، لكن قالا: «عن الأعمش، عن سليمان بن مُسْهِر، عن خَرَشة بن الحُرِّ»! فزادا في إسناده: سليمان بن مُسْهِر! وكذا أخرجه العقيلي (3/ 454) وأبو الحسين الأبنوسي في «مشيخته» (1/ 149 رقم 72). وأَعلَّه العقيلي بقوله: الفضل بن زياد، عن شيبان لا يُعرَف إلا بهذا، وفيه نظر. قال ابن الملقن في «البدر المنير» (9/ 610): وأما ابن السَّكن فإنه ذَكَره في «سننه الصحاح المأثورة»، فأغرب. وتعقَّب الشيخ الألباني في «الإرواء» (8/ 260) تجهيل العقيلي للفضل بن زياد، فقال: إنَّه معروف غير مجهول، فقد ترجمه الخطيب في «تاريخ بغداد» (12/ 360) فقال: «الفضل بن زياد أبو العباس الطشي، حدَّث عن إسماعيل بن عياش، وعن عبَّاد بن العوَّام، وعبَّاد بن عبَّاد، وعلي بن هاشم بن البريد، وخَلَف ابن خليفة، روى عنه إسحاق بن الحسن الحربي، وأبو بكر بن أبي الدُّنيا، وموسى بن هارون، وإبراهيم بن هاشم البغوي، وجعفر بن أحمد بن محمد بن الصباح الجرجرائي، وكان ثقة»، ثم ساق له حديثًا صحيحًا. وأورده ابن أبي حاتم (3/ 2/62) وقال: روى عنه أبو زرعة، وسُئل عنه، فقال: كَتَبتُ عنه، كان يبيع الطِّساس، شيخ ثقة. قلت: فبرواية هؤلاء الثقات عنه، وتوثيق هذين الإمامين إيَّاه، تثبت عدالته، ويتبيَّن ضبطه وحفظه، ولذلك، فتصحيح ابن السَّكَن لهذا الأثر في محلّه. اهـ.

فقال: بالعدالة والفضل! قال: فهو جارك الأدنى الذي تعرف ليلَه ونهارَه ومدخلَه ومخرجَه؟ قال: لا. قال: فمعاملُك بالدِّينار / (ق 292) والدِّرهم اللَّذين يُستَدَل بهما على الورع؟ قال: لا. قال: فرفيقُك في السَّفر الذي يُستَدَلُ به على مكارم الأخلاق؟ قال: لا. قال: لست تعرفُه. ثم قال للرَّجل: ائت بمن يَعرفُك.

أثر فيه أن المتحاكمين يذهبان إلى الحاكم بأنفسهما

أثر فيه أنَّ المُتحاكِمَين يذهبان إلى الحاكم بأنفسهما (770) قال أبو القاسم البغوي (¬1): ثنا علي بن الجَعْد، ثنا شعبة، عن سيَّار قال: سَمِعتُ الشَّعبي قال: كان بين عمرَ وأُبَي -رضي الله عنهما- خصومةٌ، فقال عمرُ: اجعل بيني وبينك رجلاً. فجعلا بينهما زيدًا -يعني: ابن ثابت-. قال: فأتياه، فقال عمرُ: أتيناك لِتَحكُم بيننا، في بيته يُؤتى الحَكَم. إسناده جيد، وإن كان منقطعًا، وفيه دليل على التحكيم -أيضًا-، والله أعلم. أثر آخر (771) قال معمر، عن محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمرَ قال: كان بين عمرَ بن الخطاب وسعيدِ بن زيد خصومةٌ، فتقاضيا إلى أُبَي بن كعب، فقَضَى على عمرَ باليمين، فقال سعيد: أما إذ صارت إليَّ اليمين، فإنِّي أعفيه منها. فقال عمرُ: ما أريد أن تعفيني منها، إنِّي أحلفُ على حقٍّ، فاستحلفه، فحَلَف، ثم صعد المنبرَ، فقال: أيها الناسُ، إنه ليس باليمين البرَّة الصادقة بأسٌ. قال: ثم حَلَف على ثوبه، ثم قال: والله إنَّ هذا الثَّوبَ لثوبي. ¬

(¬1) في «الجعديات» (2/ 727 رقم 1802). وأخرجه -أيصًا- عمر بن شَبَّة في «تاريخ المدينة» (2/ 755) والبيهقي (10/ 136، 144) من طريق الشَّعبي، به.

أثر يذكر في باب اليمين في الدعاوى

أثر يُذكر في باب اليمين في الدَّعاوى (772) قال الإمام مالك (¬1): عن ابن شهاب، عن سليمان بن يَسَار. وعن أنس (¬2) بن مالك: أنَّ عمرَ بن الخطاب قال للجُهني الذي ادَّعى دم وَليِّهِ على رجل من بني سعد بن ليث، وكان أجرى فرسَه، فوَطِئَ على إصبع الجُهَني، فنَزَى منها (¬3)، فمات، فقال عمرُ للَّذين ادُّعي عليهم: أتحلفون بالله خمسينَ يمينًا ما مات منها؟ فأَبَوا، أوتحرَّجوا، فقال للمدَّعين: احلفوا، فأَبَوا، فقَضَى بشطر الدِّية على السَّعديين. هذا إسناد صحيح، والأثر غريب جدًّا (¬4). ¬

(¬1) في «الموطأ» (2/ 419) في العقول، باب دية الخطإ في القتل. (¬2) كذا ورد بالأصل. والذي في «الموطأ»: «عراك». (¬3) أي: نَزَف دمُه وجرى ولم ينقطع. انظر: «النهاية» (5/ 43). (¬4) وقد قال الإمام مالك عقب روايته: وليس العمل على هذا. قال ابن عبد البر في «الاستذكار» (7/ 54): إنما قال مالك في هذا الحديث إنَّ العمل ليس عنده عليه؛ لأن فيه تبدئة المدَّعى عليه بالدم بالأيمان، وذلك خلاف السُّنة التي رواها وذكرها في كتابه «الموطأ» في الحارِثَين من الأنصار المدَّعين على يهود خيبر قتل وليِّهم؛ لأنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بدأ المدَّعين الحارِثَين بالأيمان في ذلك ... ، وفي حديث عمرَ -أيضًا- أنه قَضَى بشطر الدِّية على السَّعدِيَّين، وذلك -أيضًا- خلاف السُّنة المذكورة في حديث الحارِثَين؛ لأنه لم يقض فيها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على أحدٍ بشيء، إذ أَبَى المدَّعون والمدَّعى عليهم من الأيمان، وتبرَّع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالدِّية كلها من قِبَلِ نفسه، لئلا يكون ذلك الدمُ باطلاً، والله أعلم. وفي قول الله تعالى: {ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله} ما يغني عن حديث عمرَ وغيره، وأجمع العلماء أنَّ دية الخطأ في النفس حَكَم بها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على عاقلة القاتل مائةً من الإبل.

حديث يذكر في الشهادات وغيرها

حديث يُذكر في الشَّهادات وغيرها (773) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا محمد بن يزيد، ثنا محمد بن إسحاق، ثنا العلاء بن عبد الرحمن، عن رجل من قريش من بني سَهم، عن رجل منهم يقال له: ماجدة. وفي روايته: عن يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن إسحاق، عن العلاء، عن رجل، عن ابن ماجدة قال: عَارَمْتُ (¬2) غلامًا بمكةَ، فعضَّ أذني، فقطع منها، أو عَضضتُ أذنَه، فقطعتُ منها، فلمَّا قَدِمَ علينا أبو بكرٍ حاجًّا رُفِعنَا إليه، فقال: انطلقوا بهما إلى عمرَ بن الخطاب، فإن كان الجارحُ بلغ أن يُقتَصَّ منه، فليَقتصَّ منه. قال: فلمَّا انتُهي بنا إلى عمرَ نظر إلينا، فقال: قد بلغ هذا أن يُقتصَّ منه، ادعوا لي حجَّامًا، فلمَّا ذُكر الحجَّامَ قال: أما إنِّي قد سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «قد أعطيتُ خالتي غلامًا، وأنا أرجو أن يُبارِكَ اللهُ لها فيه، وقد نهيتُها أن تجعلَه حجَّامًا (¬3)، أو قصَّابًا (¬4)، أو صائغًا (¬5)». وهكذا رواه أبو داود في «سننه» (¬6)، عن الفضل بن يعقوب، عن عبد الأعلى، عن محمد بن إسحاق، عن العلاء، عن رجل من سَهم، عن ابن ماجدة / (ق 293) عن عمرَ، به. ورواه البخاري في «التاريخ» (¬7) من حديث محمد بن إسحاق، ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 17 رقم 102، 103) (¬2) أي: خاصمته. «النهاية» (3/ 223). (¬3) (4/ 156 رقم 3432) في البيوع، باب في الصائغ. (¬4) «التاريخ الكبير» (6/ 298). (¬5) قوله: «وهو مرسل» ساقط من مطبوع «التاريخ الكبير». (¬6) (¬7)

عن العلاء، عن رجل من بني سَهم، عن علي بن ماجدة، سَمِعَ عمرَ، سَمِعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «وَهَبتُ لخالتي غلامًا، ونهيتُ أن تجعَلَهُ حجَّامًا». قال: وقال لنا حجَّاج: ثنا حماد بن سَلَمة، عن محمد بن إسحاق، عن العلاء، عن أبي ماجدة، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: وهو مرسل (¬1)، لم يصحَّ إسناده. وهكذا رواه أبو داود (¬2)، عن موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سَلَمة، به. وعن يوسف بن موسى، عن سَلَمة بن الفضل. كلاهما عن محمد بن إسحاق، عن العلاء، عن (ابن) (¬3) ماجدة، به ¬

(¬1) (¬2) في «سننه» (3430، 3431). (¬3) كَتَب المؤلِّف فوقها: «أبي»، وكَتَب فوقها «خ»، إشارة إلى وروده في نسخة.

حديث آخر في خطبة عمر رضي الله عنه بالجابية، وما فيها من الفوائد المتعلقة بالشهادت وغيرها

حديث آخر في خطبة عمر رضي الله عنه بالجابية، وما فيها من الفوائد المتعلِّقة بالشَّهادت وغيرها (774) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا علي بن إسحاق، أنا عبد الله -يعني: ابن المبارك (¬2) -، أنبأنا محمد بن سُوقة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمرَ: أنَّ عمرَ خَطَب بالجابِيَة (¬3)، فقال: قام فينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مَقامي فيكم، فقال: «استَوصُوا بأَصحابي خيرًا، ثم الذين يَلَونهُم، ثم الذين يَلَونهَم، ثم يَفشُو الكذبُ، حتى إنَّ الرَّجلَ لَيَبتَدِئُ بالشَّهادةِ قبلَ أن يُسأَلَها، فمن أراد منكم بحبَحَةَ الجنَّةِ، فليَلزَمِ الجماعةَ، فإنَّ الشَّيطانَ مع الواحدِ، وهو من الاثنين أبعدُ، لا يخلُونَّ أحدُكُم بامرأةٍ، فإنَّ الشَّيطانَ ثالثُهما، / (ق 294) ومَن سرَّتهُ حسنتُهُ، وسَاءَتهُ سيِّئتُهُ، فهو مؤمنٌ». ورواه الترمذي في الفتن (¬4)، عن أحمد بن مَنيع. والنسائي في عشرة النِّساء (¬5)، عن محمد بن الوليد الفحَّام. كلاهما عن أبي المغيرة النَّضر بن إسماعيل، عن محمد بن سُوقة، به. وقال الترمذي: حسن صحيح. ورواه النسائي -أيضًا- (¬6)، عن صفوان بن عمرو الحمصي، عن موسى بن أيوب، عن عطاء بن مسلم، عن ابن سُوقة، عن أبي صالح ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 18 رقم 114). (¬2) وهو في «مسنده» (ص 148 رقم 241). (¬3) الجابية: قرية من أعمال دمشق. «معجم البلدان» (2/ 91). (¬4) من «سننه» (4/ 404 رقم 2165) باب ما جاء في لزوم الجماعة. (¬5) من «سننه الكبرى» (8/ 286 رقم 9181 - ط الرسالة). (¬6) في الموضع السابق (9182).

قال: قَدِمَ عمرُ ... ، فذَكَره. وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» (¬1)، عن الحسن بن سفيان، عن حَبَّان بن موسى، عن عبد الله بن المبارك، عن ابن سُوقة، كما رواه الإمام أحمد. قال أبو الحسن الدارقطني (¬2): هكذا رواه النَّضر بن إسماعيل، وعبد الله بن المبارك، والحسن بن صالح (¬3)، عن محمد بن سُوقة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمرَ، عن عمرَ، به. وخالَفَهم يزيد بن أسامة بن الهاد، فرواه عن عبد الله بن دينار، عن الزهري: أنَّ عمرَ لمَّا قَدِمَ الشَّامَ خَطَبَهم ... ، فذَكَر مثلَه (¬4). قلت: كذا رواه النسائي (¬5)، عن الرَّبيع بن سليمان بن داود، عن إسحاق بن بكر بن مُضَر، عن أبيه، عن يزيد بن الهاد، به. وهو منقطع، لكن قد رُويت هذه الخطبةُ عن عمرَ من وجوه عديدة إذا تُتبِّعت بَلَغت حدَّ التَّواتر. فمن ذلك: ما رواه أبو داود الطيالسي في «مسنده» (¬6)، حيث قال: أنا شعبة (¬7)، عن عبد الملك بن عُمَير قال: سَمِعتُ جابر بن سَمُرة قال: خَطَبنا ¬

(¬1) (16/ 239 رقم 7254 - الإحسان). (¬2) في «العلل» (2/ 66). (¬3) وروايته عند ابن الأعرابي في «معجمه» (2/ 534 رقم 1036). (¬4) ورجَّح البخاري في «التاريخ الكبير» (1/ 102) رواية يزيد بن أسامة بن الهاد المرسلة، فقال: وحديث ابن الهاد أصح، وهو مرسل، بإرساله أصح. (¬5) في الموضع السابق (9180). (¬6) في «مسنده» (1/ 34 رقم 31). (¬7) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «جرير بن حازم»، وما ذكره المؤلِّف موافق لما أخرجه الطبراني في «الصغير» (1/ 158 رقم 245) والخطيب في «تاريخه» (2/ 187) فقد روياه من طريق عبد الحميد بن عصام، عن الطيالسي، فقالا: «عن شعبة»! قال الخطيب عقب روايته: هذا حديث غريب من حديث شعبة، عن عبد الملك بن عُمَير، ولا نعلم رواه غير عبد الحميد بن عصام، عن أبي داود، عنه، وخالَفَه يونس بن حبيب الأصبهاني، فرواه عن أبي داود، عن جرير بن حازم، عن عبد الملك بن عُمَير. وقال الطبراني: لم يروه عن شعبة إلا أبو داود، تفرَّد به عبد الحميد بن عصام.

عمرُ بالجابِيَة ... ، فذَكَره، بنحوه. ورواه أحمد (¬1)، عن جرير / (ق 295) بن عبد الحميد، عن عبد الملك بن عُمَير، به. وأخرجه النسائي (¬2)، وابن ماجه (¬3) من حديث جرير. ورواه ابن حبان في «صحيحه» (¬4)، عن أبي يعلى الموصلي (¬5)، عن أبي خيثمة وعلي بن حمزة المِعْوَلي. كلاهما عن جرير، به. ورواه الإمام علي ابن المديني، عن جرير بن عبد الحميد. وعن وهب بن جرير، عن أبيه. كلاهما عن عبد الملك بن عُمَير، عن جابر بن سَمُرة، به. قال: وخالَفَهما زائدة ومعمر، فروياه عن عبد الملك بن عُمَير، عن رجل، عن ابن الزُّبير. ورواه ابن عيينة، عن عبد الملك بن عُمَير، مرسلاً. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 26 رقم 177). (¬2) في «سننه الكبرى» (8/ 283 - 284 رقم 9175، 9176، 9177 - ط الرسالة). (¬3) في «سننه» (2/ 791 رقم 2363) في الأحكام، باب كراهية الشهادة لمن لم يستشهد. (¬4) (10/ 436 رقم 4576) و (12/ 399 رقم 5586 - الإحسان). (¬5) وهو في «مسنده» (1/ 132، 133 رقم 142، 143).

ثم ساقه من هذه الطرق، ولم يحكم فيه بشيء، ولكن قال: قلت لسفيان فيه، فقال: ثنا ابن أبي لبيد، عن ابن سليمان بن يَسَار، عن أبيه: أنَّ عمرَ خَطَبَ (¬1). فلمَّا حفظته من ابن أبي لبيد لم أهتمُّ بحديث عبد الملك بن عُمَير. قال علي: وَوَجْدناه في كتاب ابن أبي شيبة (¬2)، عن شيخ ضعيف الحديث، يقال له: يحيى بن يعلى التَّيمي، جَعَله عن عبد الملك بن عُمَير، عن قَبيصة بن جابر! وليس هذا عندنا بمحفوظ؛ لأنَّه لم يقله أحدٌ من الحفَّاظ، وإنما كتبناه لِيُعرَف. ومنها: ما رواه عَبد بن حميد في «مسنده» (¬3)، عن عبد الرزاق، عن معمر (¬4)، عن عبد الملك بن عُمَير، عن عبد الله بن الزُّبير قال: خَطَبنا عمر بالجابِيَة ... ، فذَكَره. ورواه النسائي (¬5) من حديث يونس بن أبي إسحاق، والحسين بن واقِد. كلاهما عن عبد الملك بن عُمَير، به. ¬

(¬1) ومن هذا الوجه: أخرجه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1/ 413 رقم 429) من طريق الشافعي، عن سفيان، به. (¬2) «المصنَّف» (6/ 408 رقم 32402) في الفضائل، باب ما ذُكر في الكفِّ عن أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم. (¬3) «المنتخب من مسنده» (1/ 64 رقم 23). (¬4) وهو في «جامعه» الملحق بـ «المصنَّف» (11/ 341 رقم 20710). (¬5) في «سننه الكبرى» (8/ 285 رقم 9178، 9179 - ط الرسالة).

ورواه أبو يعلى (¬1)، عن إبراهيم بن الحجاج، عن حماد، عن عبد الله بن المختار، عن عبد الملك بن عُمَير، به. وقد تكلَّم أبو الحسن الدارقطني (¬2) -رحمه الله- على هذا الحديث بكلام طويل، حاصله: أنَّه قد رواه جماعة عن عبد الملك بن عُمَير، عن جابر بن سَمُرة، عن عمرَ. ورواه آخرون عن عبد الملك، عن ابن الزُّبير، عن عمرَ. قال: ويشبه أن يكون الاضطِّراب من عبد الملك؛ لكثرة اختلاف الثقات عليه (¬3). قلت: عبد الملك من أئمَّة التابعين وساداتهم، وليس الاضطِّراب في حديث مستحيلاً عليه، ولكن ههنا الاضطِّراب بعيد، لأنَّ هذه الخطبة شهدها خَلْق كثير، فلا يبعد أن يكون عبد الملك قد سَمِعَها من جماعة منهم، فمن الجائز أنَّه سَمِعَها من عبد الله بن الزُّبير ومن جابر بن سَمُرة، فرواها تارة عن هذا، وتارة عن هذا، والله أعلم. ومنها: / (ق 296) مارواه مسلم (¬4) من حديث سُوَيد بن غَفَلة: أنَّه سَمِعَ عمرَ يخطب بالجابِيَة، يقول: نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن لُبس الحرير ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 179 رقم 201). (¬2) في «العلل» (2/ 122 - 125 رقم 155). (¬3) وقال البخاري في «التاريخ الكبير» (1/ 102): وحديث ابن الهاد أصح، وهو مرسل بإرساله أصح. وقال أبو حاتم الرازي: أفسد ابن الهاد هذا الحديث وبيَّن عورته، رواه ابن الهاد، عن عبد الله بن دينار، عن ابن شهاب: أنَّ عمرَ بن الخطاب قال: قام فينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ... ، وهذا هو الصحيح. وقال أبو زرعة: الحديث حديث الليث، عن ابن الهاد، عن عبد الله بن دينار، عن الزهري: أن عمر قام بالجابية ... انظر «العلل» لابن أبي حاتم (2/ 355، 371 رقم 2583، 2629). (¬4) في «صحيحه» (3/ 1643 رقم 2069) (15) في اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة.

إلا موضعَ إصبعين، أو ثلاثٍ، أو أربعٍ. (775) وقال أبو داود الطيالسي (¬1): ثنا حماد بن (يزيد) (¬2)، عن معاوية بن قُرَّة، عن كَهْمس -رجل من بني هلال-، أنَّه سَمِعَ عمرَ بن الخطاب يقول: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «خيرُ أُمَّتي القَرنُ الذي أنا منه، ثم الثاني، ثم الثالثُ، ثم يَنشَأُ قومٌ تَسبِقُ أيمانُهُم شهاداتِهِم، يَشهَدُون مِن غيرِ أن يُستَشهَدُوا، لهم لَغَطٌ في أَسواقِهِم». ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 36 - 38 رقم 32). وقد تقدم تخريجه (ص 71 رقم 536). (¬2) ضبَّب عليه المؤلِّف، وانظر التعليق السابق.

فوائد من خطبة عمر بالجابية

فوائد من خطبة عمر بالجابِيَة (776) روى الحافظ أبو بكر الإسماعيلي من حديث محمد بن يحيى بن أبي عمر العَدَني (¬1): ثنا بِشر بن السَّري، ثنا ابن لَهِيعة، ثنا يزيد بن أبي حبيب، عن عراك بن مالك، عن عروة، عن أبي البَختَري، عن الباهلي، أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- قال بالجابِيَةِ: تعلَّموا القرآنَ تُعْرَفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، فإنَّه لم يبلغ منزلة ذي حقٍّ أن يطاع في معصية الله، واعلموا أنَّه لا يُقرِّب من أجل، ولا يُبعد من رزق، قولٌ بحقٍّ، وتذكيرٌ بعظيم. واعلموا أنَّ بين العبد وبين رزقه حجابٌ، فإنَ صبر أتاه رزقُه، وإن اقتَحَم هَتَك الحجابَ، ولم يُدرك فوق رزقِهِ. أَدِّبوا الخيلَ، وانتضلوا، وانتعلوا، (وتسرولوا) (¬2)، وتَمَعددوا، وإيَّاي وأخلاقَ العجم، ومجاورةَ الخنازير، وأن يُرفَعَ بين ظَهْرانيكم صليبٌ، وأن تجلسوا على مائدة / (ق 297) يُدارُ عليها الخمرُ، أو تدخلوا الحمَّامَ بغير إزار، أو تَدَعوا نساءَكم يدخلن الحمَّاماتِ، فإنَّ ذلك لا يحلُّ. وإيَّاي أن تكسبوا من عقد (¬3) الأعاجم بعد نزولكم في بلادهم ما يحبسكم في أرضهم، فإنَّه توشكون أن ترجعوا إلى بلادكم، وإيَّاي والصَّغارَ أن تجعلوه في رقابكم. وعليكم بأموال العرب الماشية، تنزلون بها حيثُ نزلتم. ¬

(¬1) وهو في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (3/ 343 رقم 3142). (¬2) كَتَب المؤلِّف بجوارها في حاشية الأصل: «وتَسَوَّكوا»، وكَتَب فوقها «خ»، إشارة إلى وروده في نسخة، وهو الموافق لما في مطبوع العَدَني. (¬3) كذا ورد بالأصل، و «إتحاف الخيرة» (7/ 403). وفي مطبوع «المطالب»: «عند».

واعلموا أنَّ الأشربةَ تصنعُ من ثلاث: من الزَّبيب، والعسل، والتَّمر، فما عَتَقَ منه فهو خمرٌ لا يحلُّ. واعلموا أنَّ اللهَ لا يزكِّي ثلاثةً، ولا ينظرُ إليهم، ولا يُقرِّبهم يوم القيامة، ولهم عذابٌ أليمٌ: رجلٌ أَعطى إمامَه صفقتَه يريد بها الدُّنيا، فإن أصابها وفَّى له، وإن لم يصبها لم يَفِ له، ورجلٌ خَرَج بسلعته بعد العصر، فحَلَف بالله لقد أُعطي بها كذا وكذا، فاشتُريت لقوله. وسبابُ المسلم فسوقٌ، وقتاله كُفْر، لا يحلُّ لك أن تهجرَ أخاك فوقَ ثلاثٍ. ومن أتى ساحرًا أو كاهنًا أو عرَّافًا، فصدَّقه بما يقول؛ فقد كَفَر بما أُنزِلَ على محمدٍ صلى الله عليه وسلم. إسناد جيد، وله شواهد.

حديث يستدل به على أنه لا تقبل شهادة الوالد لولده

حديث يُستدل به على أنه لا تقبل شهادة الوالد لولده (777) قال الحافظ أبو بكر البزَّار (¬1): ثنا إبراهيم بن هانئ، ثنا محمد بن بلال، ثنا سعيد بن بشير، عن مُطرِّف (¬2)، عن عمرو بن شعيب، عن سعيد بن المسيّب، عن عمرَ بن الخطاب: أنَّ رجلاً أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم / (ق 298) فقال: إنَّ أبي يريد أن يأخذَ مالي، فقال: «أنت ومالكَ لأبيكَ». ثم قال البزَّار: قد رواه غير (مُطرِّف) (¬3)، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه. وقال ابن أبي حاتم في كتاب «العلل» (¬4): سألت أبي عن حديث رواه سعيد بن بشير، عن مَطَر (¬5)، عن عمرو بن شعيب -أحسبه-، عن سعيد بن المسيّب، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «أنت ومالُكَ لأبيك»؟ فقال أبي: هذا خطأ، إنما هو عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم (¬6). ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 419 - 420 رقم 294). (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «مَطَر»، وما في الأصل موافق لما في «كشف الأستار عن زوائد البزار» (2/ 258 رقم 1261)، لكن صوابه: «مَطَر»، كما في «البحر الزخار»، وقد أخرجه كذلك الطبراني في «مسند الشاميين» (4/ 79 رقم 2779) وابن عدي (3/ 375 - ترجمة سعيد بن بشير)، ويؤيده كلام ابن أبي حاتم الآتية. (¬3) انظر التعليق السابق. (¬4) (1/ 469 رقم 1408). (¬5) كذا ورد بالأصل. وكَتَب المؤلِّف فوقها: «كذا»، وهو كذلك في المطبوع من «العلل». (¬6) وقال البزار: هذا الحديث لا نعلمه يُروى عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه، وقد رواه غير مَطَر، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه. وقال ابن عدي: ولا أدري تشويش هذا الإسناد ممن هو؟ لأن هذا الحديث يَرويه جماعة عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه، ولا أعلم رواه عن سعيد بن المسيّب، عن عمرَ إلا من حديث سعيد بن بشير هذا، ومَطَر، عن عمرو. وقال الدارقطني في «الأفراد»، كما في «أطرافه» لابن طاهر (1/ 108): تفرَّد به مَطَر الورَّاق، عن عمرو بن شعيب، عنه، ولم يروه عنه غير سعيد بن بشير.

قلت: ورواه الإمام أحمد (¬1)، وأبو داود (¬2) من حديث حبيب المعلِّم. وابن ماجه (¬3) من حديث حجَّاج أرطاة (¬4). كلاهما عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه، فالله أعلم (¬5). ¬

(¬1) في «مسنده» (2/ 214 رقم 7001). (¬2) في «سننه» (4/ 191 رقم 3530) في البيوع، باب في الرجل يأكل من مال ولده. (¬3) في «سننه» (2/ 769 رقم 2292) في التجارات، باب ما للرجل من مال ولده. (¬4) كذا ورد بالأصل. وصوابه: «حجَّاج بن أَرطاة». (¬5) وصحَّح إسناده أحمد شاكر في تعليقه على «الرسالة» للشافعي (ص 468). وقال الألباني في «الإرواء» (3/ 325): وهذا سند حسن.

أثر في الشهادة على القذف، وقصة أبي بكرة وزياد والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم

أثر في الشهادة على القذف، وقصَّة أبي بَكرة وزياد والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم (778) قال أبو بكر بن أبي شيبة (¬1): ثنا أبو أسامة، عن عَوف، عن قَسَامة بن زُهَير قال: لمَّا كان من شأن أبي بكرة والمغيرة الذي كان ... ، فذَكَر الحديث. قال: فدعا الشُّهود، فشهد أبو بَكرة وشِبل بن مَعبد وأبو عبد الله نافع، فقال عمرُ حين شهد هؤلاء الثلاثة شقَّ على عُمرَ شأنُه (¬2)، فلما قام زياد، قال: لن يشهدَ -إن شاء الله- إلا بحقٍّ. قال زياد: أما الزِّنى فلا أشهد به، ولكن قد رأيتُ أمرًا قبيحًا. قال عمرُ: الله أكبر، حُدُّوهم. فجَلَدهم (¬3). قال: فقال أبو بَكرة بعد ما ضَرَبه: أشهد أنه زانٍ. فَهَمَّ عمر أن يُعيدَ عليه الحدَّ، فنهاه عليٌّ، وقال: إنْ جَلَدتَه، فارجُم صاحبَك. فتركه ولم يَجلِده. / (ق 299) طريق أخرى (779) قال الحافظ أبو بكر البيهقي (¬4): أنا الحاكم، أنا أبو الوليد ¬

(¬1) في «المصنَّف» (5/ 539 رقم 28815) في الحدود، باب في الشهادة على الزنى، كيف هي؟ وفي إسناده: قَسَامة بن زُهَير، وهو ثقة، إلا أنه لم يُدرك القصة، فهو من الطبقة الثالثة، وهي الطبقة الوسطى من التابعين. (¬2) قوله: «فقال عمرُ حين شهد هؤلاء الثلاثة شقَّ على عُمرَ شأنُه» كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «فقال عمرُ حين شهد الثلاثة: أَودَ المغيرةَ أربعةٌ، وشَقَّ على عُمرَ شأنُه جدًّا». (¬3) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «فجَلَدوهم». (¬4) في «السُّنن الكبرى» (8/ 235). وفي إسناده: عبد الرحمن بن جَوشَن، وهو ثقة، إلا أنه من الطبقة الثالثة، وهشيم مدلِّس، ولم يصرِّح بالسماع.

الفقيه، أنا أبو القاسم البغوي (¬1)، ثنا عبد الله بن مُطيع، عن هشيم، عن عيينة بن عبد الرحمن بن جَوشَن، عن أبيه، عن أبي بَكرة ... ، فذَكَر القصَّة، كما تقدَّم. (780) وقال علي بن زيد بن جُدعان، عن عبد الرحمن بن أبي بَكرة: أنَّ أبا بَكرة وزيادًا ونافعًا وشِبل بن مَعبد كانوا في غرفة، والمغيرة في أسفل الدَّار، فهبَّت ريحٌ، ففتحت البابَ، ورفعت السِّترَ، فإذا المغيرة بين رجليها، فقال بعضهم لبعض: قد ابتُلينا ... ، فذَكَر القصَّة. قال: فشهد أبو بَكرة ونافع وشِبل، وقال زياد: لا أدري، أنكحها أم لا؟ فجَلَدهم عمرُ -رضي الله عنه- إلا زيادًا. فقال أبو بَكرة رضي الله عنه: أليس قد جَلَدتموني؟ قال: بلى، قال: فأنا أشهد بالله لقد فعل. فأراد عمرُ أن يَجلِدَه -أيضًا-. فقال عليٌّ: إن كانت شهادةُ أبي بَكرة شهادةَ رجلين فارجُمْ صاحبَك؛ وإلاَّ فقد جَلَدتموه (¬2). ¬

(¬1) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «ثنا ابن بنت أحمد بن مَنيع». (¬2) ومن هذا الوجه: أخرجه البلاذُري في «أنساب الأشراف» (ص 301) عن عمرو بن محمد النَّاقد، عن يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، به. وفي إسناده: ابن جُدعان، وهو ضعيف، كما قال الحافظ في «التقريب». وللقصة طريق أخرى صحيحة: أخرجها عبد الرزاق (7/ 384 رقم 13566) عن الثوري. وابن أبي شيبة (9/ 428 رقم 29297 - ط مكتبة الرشد) في الحدود، باب في الشهادة على الزنى، كيف هي؟ عن ابن عُليَّة. كلاهما (الثوري، وابن عُليَّة) عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان النَّهدي قال: شهد أبو بَكرة ونافع وشِبل بن مَعبد على المغيرة بن شعبة أنهم نظروا إليه، كما ينظرون إلى المرود في المكحلة. قال: فجاء زياد، فقال عمرُ: جاء رجلٌ لا يشهدُ إلا بالحقِّ. قال: رأيتُ مجلسًا قبيحًا وانبهارًا. قال: فجَلَدهم عمرُ الحدَّ. ولفظ ابن أبي شيبة: لما شهد أبو بَكرة وصاحباه على المغيرة جاء زياد، فقال له عمر: رجلٌ لن يشهد -إن شاء الله- إلا بحق، قال: رأيت انبهارًا ومجلسًا سيئًا. فقال عمرُ: هل رأيت المرود دخل المكحلة؟ قال: لا. قال: فأمر بهم فجُلدوا. قال الحافظ في «الفتح» (5/ 256): وإسناده صحيح. وقد أورد هذه القصة البخاري في «صحيحه» (5/ 255 - فتح) في الشهادات، باب شهادة القاذف والسارق والزاني، تعليقًا، بصيغة الجزم، فقال: وجَلَد عمرُ أبا بَكرة وشِبل بن مَعبد ونافعًا بقذف المغيرة، ثم استتابهم، وقال: مَن تاب قَبِلتُ شهادتَه.

يعني: لا يُجلَد ثانيًا بإعادة القذف. طريق أخرى (781) وقال الشافعي (¬1): أنا سفيان بن عيينة، سَمِعتُ الزهري يقول: زَعَم أهل العراق أنَّ شهادة القاذف لا تجوز، فأشهد لأخبرني سعيد بن المسيّب: أنَّ عمرَ بن الخطاب قال لأبي بَكرة: تُبْ نَقبلُ شهادتَك. أو: إن تُبتَ قَبِلتُ شهادتَك. ثم حكى الشافعي عن ابن عيينة أنه شك في روايته، فاحتشم عنه الشافعي (¬2)، فكان يَرويه بَعدُ عمَّن يثق به عن الزهري، عن سعيد: أنَّ عمرَ لمَّا جَلَد الثلاثة استتابهم، فرجع اثنان، فَقَبِلَ شهادتَهما، وأَبَى أبو بَكرة أن يرجع، فردَّ شهادتَه. ¬

(¬1) في «الأم» (7/ 26). (¬2) لكن قال الحافظ في «تغليق التعليق» (3/ 378): وقد رواه أحمد بن شيبان الرملي والحسن بن محمد الزعفراني عن ابن عيينة، عن الزهري، عن ابن المسيّب من غير شك. اهـ. قلت: وأخرجه -أيضًا- الطبري في «تفسيره» (18/ 76) عن أحمد بن حماد الدولابي. والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (12/ 359) عن يونس بن عبد الأعلى. والبيهقي (10/ 152) من طريق أحمد بن شيبان. ثلاثتهم عن ابن عيينة، به. ولفظه: أنَّ عمرَ قال لأبي بَكرة: إن تُبتَ قَبِلتُ شهادتَك. أو قال: تُبْ تُقبلُ شهادتُك.

وهكذا رواه محمد بن إسحاق (¬1)، عن الزهري / (ق 300) قال: وكان أفضلَ القوم. ورواه الأوزاعي (¬2)، عن الزهري، كذلك. قال البيهقي (¬3): ورواه محمد بن يحيى الذُّهْلي، عن أبي الوليد، عن سليمان بن كثير، عن الزهري، به. وهذه طرق صحيحة عن عمرَ رضي الله عنه وأرضاه. فأما قبول رواية أبي بَكرة فمجمع عليه (¬4). ¬

(¬1) ومن طريقه: أخرجه الطبري في «تفسيره» (18/ 76) وابن عساكر في «تاريخه» (62/ 215) ولفظه: أنَّ عمرَ بن الخطاب ضَرَب أبا بَكرة وشِبل بن مَعبد ونافع بن الحارث بن كِلدة حَدَّهم، وقال لهم: مَن أكذبَ نفسَه أجزتُ شهادتَه فيما استُقبل، ومن لم يفعل لم أُجِزْ شهادتَه. فأكذبَ شِبلٌ نفسَه ونافعٌ، وأَبَى أبو بَكرة أن يفعلَ. (¬2) علَّقها البيهقي في «معرفة السُّنن والآثار» (14/ 265). (¬3) في «معرفة السُّنن والآثار» (14/ 265). ووَصَله عمر بن شبَّة في «أخبار البصرة»، كما في «الفتح» (5/ 256): ولفظه: أنَّ عمرَ حيث شهد أبو بَكرة ونافع وشِبل على المغيرة، وشهد زياد على خلاف شهادتهم، فجَلَدهم عمرُ واستتابَهم، وقال: مَن رجع منكم عن شهادتِه قَبِلتُ شهادتَه. فأَبَى أبو بَكرة أن يرجع. (¬4) قال الحافظ: وقد حكى الإسماعيلي في «المدخل»: أن بعضهم استشكل إخراج البخاري هذه القصة واحتجاجه بها مع كونه احتج بحديث أبي بَكرة في عدَّة مواضع؟ وأجاب الإسماعيلي بالفرق بين الشهادة والرواية، وأن الشهادة يُطلب فيها مزيد تثبت لا يُطلب في الرواية، كالعَدَد والحرية وغير ذلك. واستنبط المهلَّب من هذا أن إكذاب القاذف نفسه ليس شرطًا في قبول توبته؛ لأن أبا بَكرة لم يكذب نفسه، ومع ذلك فقد قَبِلَ المسلمون روايتَه وعملوا بها. وانظر لزامًا: رسالة العلاَّمة عبدالمحسن العبَّاد: «الدفاع عن الصحابي أبي بَكرة ومروياته»، و «بذل النصرة في الذبِّ عن الصحابي الجليل أبي بَكرة» للشيخ حاي بن سالم الحاي. تنبيه: جاء بحاشية الأصل ما نصُّه: بلغت قراءة على شيخنا الحافظ المزِّي.

كتاب التفسير

كتاب التفسير ذِكر أنَّ عُمرَ بن الخطاب رضي الله عنه أوَّلُ من جَمَع القرآن، بمعنى أنَّه كان ذلك في زمن الصِّدِّيق، ولكن كان هو المشير بذلك أو المستشار، ثم كان يَستحثُّ في ذلك، والله أعلم (782) قال أبو بكر ابن أبي داود -رحمه الله- في كتاب «المصاحف» (¬1): ثنا عبد الله بن محمد بن خلاَّد، ثنا يزيد، ثنا مبارك، عن الحسن: أنَّ عمرَ بن الخطاب سأل عن آيةٍ من كتابِ اللهِ، فقيل: كانت مع فلان، فقُتِلَ يومَ اليمامةِ. فقال: إنَّا لله، فأَمَر بالقرآن فجُمِعَ، فكان أوَّلَ مَن جَمَعه في المصحف. هذا الأثر منقطع بين الحسن وعمر، فإنَّه لم يُدركه (¬2). ¬

(¬1) (1/ 170 - 171 رقم 32). (¬2) وقال الحافظ في «الفتح» (9/ 13): فإن كان محفوظًا؛ حُمِلَ على أن المراد بقوله: «فكان أوَّلَ من جَمَعه»، أي أشار بجمعه في خلافة أبي بكر، فنُسِبَ الجمع إليه لذلك.

أثر آخر (783) وقال أبو بكر (¬1): ثنا أبو الطَّاهر، ثنا ابن وهب، أنا عمرو (¬2) بن طلحة اللَّيثي، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب: أنَّ عمرَ لمَّا جَمَع القرآنَ كان لا يَقبلُ من أحدٍ شيئًا حتى يَشهدَ شاهدان. أثر آخر (784) وقال أبو بكر (¬3): ثنا إسماعيل بن أسد، ثنا هَوذة، ثنا / (ق 301) عوف، عن عبد الله بن فَضَالة قال: لمَّا أراد عمرُ أن يَكتبَ الإمامَ أَقعَدَ له نفرًا من أصحابه، وقال: إذا اختلفتُم في اللُّغة فاكتُبُوها بلُغة مُضَر، فإنَّ القرآنَ نزل بلُغةِ رجلٍ من مُضَر صلى الله عليه وسلم. ¬

(¬1) في «المصاحف» (1/ 171 رقم 33). وأخرجه -أيضًا- ابن شبَّة في «تاريخ المدينة» (2/ 705) و (3/ 999) من طريق ابن وهب، به. وهذا -أيضًا- منقطع؛ لأنَّ يحيى بن عبد الرحمن وُلِدَ في خلافةِ عثمان، وقد سئل ابن معين: يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب بعضهم يقول: سَمِعتُ عمرَ؟ فقال: هذا باطل، إنما هو: يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن أبيه، سَمِعَ عمرَ. «تاريخ ابن معين» (2/ 650 - رواية الدُّوري). (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «عمر»، وهو الصواب الموافق لما في كتب الرجال. انظر: «الجرح والتعديل» (6/ 118 رقم 631) و «تهذيب الكمال» (21/ 402 - 403). (¬3) في «المصاحف» (1/ 172 - 173 رقم 34). وهذا إسناد رجاله ثقات؛ عبد الله بن فَضَالة من المخضرمين، وُلِدَ في حياة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وعاش إلى زمن الوليد بن عبد الملك. وانظر التعليق على الأثر الآتي.

أثر آخر (785) وقال أبو بكر (¬1): ثنا عبد الله بن محمد بن خلاَّد، ثنا يزيد، ثنا ¬

(¬1) في «المصاحف» (1/ 173 رقم 37). وهذا الأثر يَرويه عبد الملك بن عُمَير، واختُلف عليه: فقيل: عنه، عن جابر بن سَمُرة، عن عمرَ! وقيل: عنه، عن عبد الله بن مَعقِل، عن عمرَ! أما الوجه الأول: فقد أورده المؤلِّف من طريق شَيبان، عنه، عن جابر بن سَمُرة، عن عمرَ. وتابَعَه كلٌّ من: جرير بن عبد الحميد، وأبو بكر بن عياش، وحبَّان بن علي، وأبو عَوانة. انظر روايتهم عند سعيد بن منصور في «سننه» (3/ 939 رقم 419 - ط الصميعي) والمستَغفِري في «فضائل القرآن» (1/ 359 رقم 423) ولُوَين في «جزئه» (ص 97 رقم 89). وأما الوجه الثاني: فأخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» (ص 204) وابن أبي داود في «المصاحف» (1/ 173 رقم 35) وعمر بن شبَّة في «تاريخ المدينة» (2/ 706) و (3/ 1014) من طريق جرير بن حازم، عنه، عن عبد الله بن مَعقِل، عن عمرَ! قال أبو عبيد عقب روايته: وكان أبو عَوَانة يحدِّث بهذا الحديث عن عبد الملك بن عُمَير، عن جابر بن سَمُرة، عن عمرَ! قلت: فتبين بهذا أن هناك اضطرابًا في إسناده، ويشبه أن يكون هذا الاضطراب من عبد الملك بن عُمَير، فقد قال عنه أحمد: عبد الملك بن عُمَير مضطَّرب الحديث جدًّا مع قلَّة روايته، ما أرى له خمس مائة حديث، وقد غلط في كثير منها. وقال -أيضًا-: سمَاك بن حرب أصلح حديثًا من عبد الملك بن عُمَير، وذلك أن عبد الملك بن عُمَير يَختلف عليه الحفَّاظ. وقال ابن معين: مخلِّط. وقال أبو حاتم: لم يوصف بالحفظ. وقال مرَّة: ليس بحافظ، وهو صالح الحديث، تغيَّر حفظه قبل موته. انظر: «الجرح والتعديل» (5/ 360 رقم 1700) و «تهذيب الكمال» (18/ 370). وقد سَرَد الحافظ في «الفتح» (9/ 19) أسماء من كتب المصاحف، ثم قال: وليس في الذين سميناهم أحدٌ من ثقيف، بل كلهم إما قرشي أو أنصاري.

شيبان، عن عبد الملك بن عُمَير، عن جابر بن سَمُرة قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يقول: لا يملينَّ في مصاحفنا هذه إلا غلمانُ قريش، أو غلمانُ ثقيف. هذا إسناد صحيح. والجمع بين هذه الآثار وما ثبت في «الصحيح» (¬1) من أنَّ الصِّدِّيق هو الذي ابتدأ بجمع القرآن -لمَّا استَحَرَّ القتل في قرَّاء القرآن يوم اليمامة، وكانت في خلافته-، هو ما ذَكَرته أوَّلاً، والله أعلم. وقد عَزَم عمرُ -رضي الله عنه- في وقتٍ على جمع الأحاديث وكتابتها، ثم عَدَل عن ذلك رعايةً لحفظ القرآن، وألا يشتبه بغيره. (786) كما قال حنبل بن إسحاق (¬2): ثنا قَبيصة بن عُقبة، ثنا سفيان، عن معمر (¬3)، عن الزهري، عن عروة قال: أراد عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه- أنْ يَكتبَ السُّننَ، فاستخار اللهَ شهرًا، ثم أصبح وقد عُزِمَ له، فقال: ذَكَرتُ قومًا كَتَبوا كتابًا فأقبَلوا عليه، وتَرَكوا كتابَ اللهِ عزَّ وجلَّ. إسناد صحيح. ¬

(¬1) «صحيح البخاري» (8/ 344 رقم 4679) في التفسير، باب: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم ...}، و (9/ 10 رقم 4986) في فضائل القرآن، باب جمع القرآن، و (13/ 183 رقم 7191 - فتح) في الأحكام، باب يستحب للكاتب أن يكون أمينًا عاقلاً، من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه. (¬2) ومن طريقه: أخرجه الخطيب في «تقييد العلم» (ص 49). (¬3) وهو في «جامعه» الملحق بـ «المصنَّف» (11/ 257 رقم 20484). وأخرجه -أيضًا- ابن سعد (3/ 286 - 287) -وعنه: البلاذُري في «أنساب الأشراف» (ص 217) - عن قبيصة، به. وقد خولف قَبيصة بن عُقبة في روايته، خالَفَه محمد بن يوسف الفِريابي، فرواه عن الثوري، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عبد الله بن عمر، عن عمرَ ... ، فذكره. ومن هذا الوجه: أخرجه الخطيب في «تقييد العلم» (ص 49)، ثم قال: هكذا قال في هذه الرواية: «عن عروة بن الزُّبير، عن عبد الله بن عمر، عن عمرَ»، بخلاف رواية قَبيصة، عن الثوري، وقد روى هذا الحديثَ شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، فوافق رواية عبد الرزاق، عن معمر، ورواية قَبيصة، عن الثوري، عن معمر، وقال: عن الزهري، عن عروة، عن عمرَ. ورواه يونس بن يزيد، عن الزهري، عن يحيى بن عروة، عن أبيه عروة، عن عمرَ. قلت: محصِّلة ما قال الخطيب: أن رواية مَن رواه عن الزهري، عن عروة، عن عمرَ -رضي الله عنه- أصح؛ لاتفاق أكثر الرواة عليه، وعليه؛ فتكون هذه الرواية منقطعة، كما سيَذكر ذلك المؤلِّف نفسُهُ عند الأثر رقم (898).

من فاتحة الكتاب

من فاتحة الكتاب (787) قال أبو عبيد في كتاب «فضائل القرآن» (¬1): ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عمرَ بن الخطاب أنَّه كان يقرأ: «غير المغضوب عليهم وغير الضَّالين». إسناده صحيح. ¬

(¬1) (ص 289). وأخرجه -أيضًا- سعيد بن منصور (2/ 534 رقم 177 - ط الصميعي) وابن أبي داود في «المصاحف» (1/ 284 - 285 رقم 144 - 148) من طريق الأعمش، به. وصحَّح إسناده -أيضًا- الحافظ في «الفتح» (8/ 159). وأورده السيوطي في «الدر المنثور» (1/ 40) وزاد نسبته إلى وكيع، وعَبد بن حميد، وابن المنذر، وابن الأنباري في «المصاحف».

ومن البقرة

ومن البقرة حديث في تفسير آية النَّسخ (788) قال سفيان الثوري (¬1): عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس قال: قال عمرُ: عليٌّ أقضانا، / (ق 302) وأُبَيّ أَقرأنَا، وإنَّا لندعُ كثيرًا من لحن أُبَيّ، إنَّ أُبَيًّا يقول: سَمِعتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، (ولم) (¬2) أدعه لشيء، والله يقول: «ما ننسخ من آية أو نَنْسَأْها (¬3) نأت بخير منها أو مثلها» (¬4). إسناد صحيح. ¬

(¬1) ومن طريقه: أخرجه البخاري (8/ 167 رقم 4481) في التفسير، باب قوله: {ما ننسخ من آية أو ننسأها}، و (9/ 47 رقم 5005 - فتح) في فضائل القرآن، باب القرَّاء من أصحاب النبيِّ صلبى الله عليه وسلم، بنحوه. (¬2) كَتَب المؤلِّف فوقها: «ولن»، ولم يضرب على ما تحتها. (¬3) كذا ورد بالأصل. وهي قراءة أبي عمرو وابن كثير. انظر: «النشر في القراءات العشر» لابن الجزري (2/ 220) (¬4) البقرة: 106

حديث آخر في قوله تعالى: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}

حديث آخر في قوله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (¬1) (789) قال الإمام أحمد (¬2): ثنا هشيم، ثنا حميد، عن أنس قال: قال عمرُ رضي الله عنه: وافقتُ ربِّي في ثلاث، قلت: يا رسولَ الله! لو اتَّخَذْنا من مقام إبراهيم مصلَّى، فنزلت: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (¬3)، وقلت: يا رسولَ الله، إنَّ نساءَك يَدخل عليهنَّ البرُّ والفاجرُ، فلو أَمرتَهنَّ أن يَحتجبنَ؟ فنزلت آية الحجاب، واجتمع على رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤه في الغَيْرة، فقلت لهنَّ: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} (¬4)، فنزلت كذلك. ثم رواه أحمد (¬5)، عن يحيى وابن أبي عَدي. كلاهما عن حميد، عن أنس، عن عمرَ أنَّه قال: وافقتُ ربِّي في ثلاث، ووافقني ربِّي في ثلاث ... ، وذَكَره. وأخرجه البخاري (¬6)، عن عمرو بن عَون. والترمذي (¬7)، عن أحمد بن مَنيع. والنسائي (¬8)، عن يعقوب بن إبراهيم الدَّورقي. ¬

(¬1) البقرة: 125 (¬2) في «مسنده» (1/ 23 رقم 157). (¬3) البقرة: 125 (¬4) التحريم: 5 (¬5) في الموضع السابق (1/ 24، 63 رقم 160، 250). (¬6) في «صحيحه» (1/ 504 رقم 402 - فتح) في الصلاة، باب ما جاء في القِبلة. (¬7) في «سننه» (5/ 190 رقم 2960) في التفسير، باب: ومن سورة البقرة. (¬8) في «الكبرى» (6/ 496 رقم 11611).

وابن ماجه (¬1)، عن محمد بن الصبَّاح. كلُّهم عن هشيم، به. ورواه البخاري -أيضًا- (¬2)، عن مُسدَّد، عن يحيى -وهو القطَّان-. ورواه الترمذي -أيضًا- (¬3)، عن عَبد بن حميد، عن حجَّاج بن منهال، عن حماد بن سَلَمة. والنسائي (¬4)، عن هَنَّاد، عن يحيى بن أبي زائدة. كلاهما (¬5) عن حميد -وهو: ابن تَيرويه الطَّويل-، به. وقال الترمذي: حسن صحيح. ورواه / (ق 303) الإمام علي ابن المديني، عن يزيد بن زُرَيع، عن حميد، به. وقال: هذا من صحيح الحديث، وهو بصري. طريق أخرى (790) ورواه مسلم (¬6) من حديث نافع، عن ابن عمرَ قال (¬7): وافقتُ ربِّي في ثلاث: في الحجاب، وفي أسارى بدر، وفي مقام إبراهيم. ¬

(¬1) في «سننه» (1/ 322 رقم 1009) في إقامة الصلاة، باب القِبلة. (¬2) في «صحيحه» (8/ 168 رقم 4483 - فتح) في التفسير، باب قوله تعالى: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}. (¬3) في «سننه» (5/ 189 رقم 2959) في التفسير، باب: ومن سورة البقرة. (¬4) في «سننه الكبرى» (6/ 289 رقم 10998). (¬5) كذا ورد بالأصل. وصوابه: «كلهم»، كما يدل عليه السياق، إذ راويه عن حميد الطويل جماعة. (¬6) في «صحيحه» (4/ 1865 رقم 2399) في فضائل الصحابة، باب: ومن فضائل عمر. (¬7) قوله: «عن ابن عمر قال» كذا ورد بالأصل. وصوابه: «عن ابن عمر قال: قال عمر»، كما في «صحيح مسلم».

حديث في قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا}

حديث في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} (¬1) (791) قال يونس بن بُكَير، عن محمد بن إسحاق (¬2)، حدَّثني حسين بن عبد الله، عن عكرمة، عن ابن عباس: أنَّ عمرَ بن الخطاب ذَكَر له ماحَمَله على مقالته التي قال حين توفِّي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: كنتُ أتأوَّلُ هذه الأية: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (¬3)، فواللهِ إنْ كنتُ لأظنُّ أنَّه سيبقى في أمَّته حتى يَشهد عليها بآخر أعمالها، وإنَّه للذي حَمَلني على أنْ قلتُ ما قلتُ. وفي إسناده ضعف لحال حسين بن عبد الله هذا (¬4)، ولكن له شاهد من وجه أخر. أثر آخر (792) قال أبو عبيد (¬5): ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن زيد بن صُوحان، عن عمرَ أنَّه قال: ما يمنعكم إذا رأيتم الرَّجلَ يخرِّق أعراضَ الناس ألا تُعرِّبوا عليه! قالوا: نخاف لسانَه. قال: ذلك أدنى ألا تكونوا شهداءَ. ¬

(¬1) البقرة: 143 (¬2) ومن طريقه: أخرجه الطبري في «تاريخه» (3/ 211) والبيهقي في «دلائل النبوة» (7/ 219) بنحوه. وأورده السيوطي في «الدر المنثور» (2/ 337) وزاد نسبته إلى ابن المنذر. (¬3) البقرة: 143 (¬4) قال عنه أحمد: له أشياء منكرة. وقال النسائي: متروك. وضعَّفه أبو حاتم وأبو زرعة وابن معين. انظر: «تهذيب الكمال» (6/ 383 - 385). (¬5) في «غريب الحديث» (4/ 150). وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (5/ 231 رقم 25527) في الأدب، باب ما قالوا في النهي والوقيعة في الرجل والغيبة، عن أبي معاوية، به. وأخرجه ابن أبي الدُّنيا في «الصمت وآداب اللسان» (ص 150 رقم 245) من طريق أبي شهاب الحنَّاط. والعسكري في «تصحيفات المحدثين» (1/ 265) من طريق عمر بن عبد الرحمن الأبَّار. كلاهما (أبو شهاب، والأبَّار) عن الأعمش، عن أبي وائل، به. وخالَفَهم معمر، فرواه عن الأعمش، عن عمرَ. ليس فيه أبو وائل ولا زيد بن صُوحَان! ومن هذا الوجه: أخرجه معمر في «جامعه» الملحق بـ «المصنَّف» (11/ 178 رقم 20261). وهذه الرواية إن لم يكن فيها سقط؛ فهي شاذة؛ لمخالفتها لرواية الجماعة عن الأعمش، وفيهم أبو معاوية، وهو من أثبت الناس في الأعمش. ولم يقف الشيخ أبو إسحاق الحويني على طريق أبي معاوية، فضعَّف الأثر في تعليقه على «الصمت» لابن أبي الدُّنيا، وقال: وزَعَم بعضهم أن «إسناده صحيح» (!)

قال أبو زيد والأَصمعي: قوله: ألا تُعرِّبوا عليه، أي: تُفسدوا عليه كلامَه، وتُقبِّحوه له.

أثر يذكر عند قوله تعالى: {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون}

أثر يُذكر عند قوله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (¬1) (793) قال أبو بكر بن أبي شيبة في «تفسيره» (¬2): ثنا وكيع، ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، عن عمرَ: أنَّه انقطع شِسْع نعلِه، فاستَرجَعَ، وقال: كُلُّ مَا ساءك مصيبةٌ. ¬

(¬1) البقرة: 156 (¬2) هكذا عزا المؤلف هذا الأثر لـ «تفسير ابن أبي شيبة»، وهذا الكتاب في عداد المفقود الآن، وممن ذكر أن لابن أبي شيبة تفسيرًا: الخطيب البغدادي في «تاريخه» (10/ 66) وابن حجر في «المعجم المفهرس» (ص 110 - 111). وهذا الأثر عند ابن أبي شيبة -أيضًا- في «المصنَّف» (5/ 336 رقم 26642) في الأدب، باب في الرجل ينقطع شسعه فيسترجع. وأخرجه -أيضًا- هَنَّاد في «الزهد» (1/ 245 رقم 423) والبيهقي في «شعب الإيمان» (17/ 191 رقم 9245 - الطبعة الهندية) من طريق أبي إسحاق، به. وفي إسناده: عبد الله بن خليفة، وهو مجهول الحال، روى عنه اثنان، وذكره ابن حبان في «الثقات» (5/ 28)، وقال الذهبي في «الميزان» (2/ 414 رقم 4290): لا يكاد يُعرَف. وقال الحافظ في «التقريب»: مقبول. لكن له طريق أخرى يتقوَّى بها: أخرجها ابن أبي شيبة (26643) عن عبيد الله بن موسى، أخبرنا شيبان، عن منصور، عن مجاهد، عن سعيد بن المسيّب قال: انقطع قِبَال نعل عمر، فقال: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون. فقالوا: يا أميرَ المؤمنين، أفي قِبَال نعلك؟ قال: نعم، كلُّ شيء أصاب المؤمن يكره فهو مصيبة. وانظر: «علل ابن أبي حاتم» (2/ 314 رقم 2455).

حديث يذكر عند قوله: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم}

حديث يُذكر عند قوله: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} (¬1) (794) قال الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مَردويه في «تفسيره»: ثنا عبد الله بن جعفر، ثنا سمُّويه، ثنا عمرو بن عَون، ثنا هشيم، عن حصين بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: قام عمر، فقال: يا رسول الله، إنِّي أردتُ أَهلي البارحةَ على ما يريد الرَّجلُ أهلَه، فقالت: إنَّها قد نامت، فظننتُها تَعتلُّ، فواقعتها، فنزل في عمر: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} الآية (¬2). وهذا إسناد جيد، وابن أبي ليلى مختَلَف في سماعه من عمرَ (¬3)، ولكن قد روي من وجه آخر عن ابن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل: أنَّ عمرَ فَعَل مثلَ هذا (¬4). ¬

(¬1) البقرة: 187 (¬2) البقرة: 187 (¬3) وله طريق أخرى: أخرجها الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (1/ 419 - 420 رقم 479) من طريق سعيد بن يعقوب الطَّالْقاني. وابن بَشكوال في «الغوامض والمبهمات» (2/ 528 رقم 512) من طريق أبي عبيد القاسم بن سلام. كلاهما (سعيد، وأبو عبيد) عن هشيم، أخبرنا حصين بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن رجل من الأنصار يقال له صِرْمة ... ، فذكره. زاد الطحاوي: وجاء عمر فأتى أهلَه ... ، الحديث. وهذا الإسناد مخالف لما أورده المؤلِّف. (¬4) أخرجه أبو داود (1/ 394 رقم 507) في الصلاة، باب كيف الأذان، وأحمد (5/ 246) -واللفظ له- والطبري في «تفسيره» (2/ 132) والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (1/ 417 - 418 رقم 478) والحاكم (2/ 274) من طريق المسعودي، عن عمرو بن مُرَّة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ -رضي الله عنه- ... ، وفيه: وكانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء مالم يناموا، فإذا ناموا امتنعوا.=

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = قال: ثم إن رجلاً من الأنصار، يقال له: صِرْمة، ظلَّ يعمل صائمًا حتى أمسى، فجاء إلى أهله فصلَّى العشاء، ثم نام فلم يأكل ولم يشرب حتى أصبح، فأصبح صائمًا. قال: فرآه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وقد جُهد جَهدًا شديدًا، قال: مالي أَراك قد جُهدت جَهدًا شديدًا. قال: يا رسولَ الله، إنى عملتُ أمسِ فجئتُ حين جئتُ، فألقيتُ نفسي فنمتُ، وأصبحتُ حين أصبحتُ صائمًا. قال: وكان عمرُ قد أصاب من النساء من جارية أو من حُرَّة بعد ما نام، وأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فأنزل الله عزَّ وجلَّ: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} إلى قوله: {ثم أتموا الصيام إلى الليل}. ورواه عن المسعودي جماعة، وهم: يزيد بن هارون وهاشم بن القاسم ويونس بن بُكَير. قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي (!) قلت: له علَّتان: العلة الأولى: اختلاط المسعودي، وجميع مَن رواه عنه هنا فإنما رواه عنه بعد اختلاطه. قال الحافظ في «العجاب في بيان الأسباب» (1/ 429): والمسعودي صدوق، لكنه اختَلَط، وقد خالَفَه شعبة، فرواه عن عمرو بن مُرَّة، عن ابن أبي ليلى قال: حدَّثنا أصحابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ... العلة الثانية: عدم صحَّة سماع ابن أبي ليلى من معاذ -رضي الله عنه-، وممَّن نصَّ على ذلك الدارقطني في «العلل» (6/ 61) والبيهقي في «سننه» (4/ 200). وأما رواية شعبة التي أشار إليها الحافظ، فقد أخرجها أبو داود (1/ 392 - 394 رقم 506) بلفظ: كان الرجل إذا أفطر فنام قبل أن يأكل لم يأكل حتى يصبح. قال: فجاء عمر بن الخطاب فأراد امرأته، فقالت: إني قد نمت، فظن أنها تعتلُّ فأتاها، فجاء رجل من الأنصار فأراد الطعام، فقالوا: حتى نسخن لك شيئًا، فنام، فلما أصبحوا أنزلت عليه هذه الآية: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم}. وقد توبع شعبة، تابَعَه ابن نُمَير، وروايته عند ابن أبي حاتم في «تفسيره» (1/ 309 رقم 1646) والبيهقي (4/ 200)، وذكرها البخاري في «صحيحه» (4/ 187 - فتح) في الصوم، باب: {وعلى الذين يطيقونه فدية} معلَّقًا بصيغة الجزم، فقال: وقال ابن نُمَير: حدثنا الأعمش، حدثنا عمرو بن مُرَّة، حدثنا ابن أبي ليلى، =

وقال موسى بن عُقبة: عن كُرَيب، عن ابن عباس، عن قصة عمرَ نحو ما تقدَّم، لكن فيه: أنَّ عمرَ كان قد نام، ثم واقع أهلَه، ثم أخبر رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: «ما كنتَ خليقًا أن تَفعَلَ»، ونزل الكتاب: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ} الآية (¬1). وقد كان هذا شرعًا في أوَّل الإسلام، أن الرَّجل يحلُّ له الطعامُ والشرابُ والوقاعُ حتى يصلِّي العشاءَ أو ينامُ قبل ذلك، فمتى وَجَد أحدَهما حَرُمَ عليه ذلك، فنَسَخه اللهُ إلى أخفَّ منه، ولله الحمدُ والمنَّة. ¬

= حدَّثنا أصحابُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم: نزل رمضانُ فشقَّ عليهم، فكان من أطعم كلَّ يوم مسكينًا ترك الصومَ ممن يُطيقه، ورُخِّص لهم في ذلك، فنسختها: {وأن تصوموا خير لكم}. قال الحافظ في «الفتح» (4/ 188): واختُلف في إسناده اختلافًا كثيرًا، وطريق ابن نُمَير هذه أرجحها. وقال في «العجاب في بيان الأسباب» (1/ 430): وهذا أصح من رواية المسعودي. وأخرج البخاري في «صحيحه» (4/ 129 رقم 1915 - فتح) في الصوم، باب قول الله جلَّ ذِكره: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ...} من حديث البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: كان أصحابُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم إذا كان الرَّجل صائمًا فحضر الإفطار فنام قبل أن يُفطِرَ لم يأكل ليلتَه ولا يومَه حتى يمسي، وإنَّ قيس بن صِرمة الأنصاري كان صائمًا، فلمَّا حضر الإفطارُ أتى امرأتَه فقال لها: أعندك طعام؟ قالت: لا، ولكن أنطلِقُ أطلبُ لك، وكان يومَه يعملُ، فغلبته عيناه، فجاءته امرأته، فلمَّا رأته قالت: خيبةً لك، فلمَّا انتصف النهار غُشي عليه، فذُكر ذلك للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} ففرحوا بها فرحًا شديدًا، ونزلت: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود}. (¬1) هذه الرواية لم أقف عليها مسندة، وذكرها الحافظ في «العجاب في بيان الأسباب» (1/ 436 - 437)، وقال: وهذا سند صحيح.

حديث آخر في آية تحريم الخمر

حديث آخر في آية تحريم الخمر (795) قال أحمد (¬1): ثنا خَلَف بن الوليد، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، عن عمرَ بن الخطاب أنَّه قال: لمَّا نزل تحريمُ الخمرِ قال: اللهمَّ بَيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فنزلت هذه الآية التي في البقرة: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} (¬2) فدُعِيَ عمر، فقُرئت عليه. فقال: اللهمَّ بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فنزلت الآية التي في النساء: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} (¬3)، فكان منادي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إذا أقام الصلاةَ نادى: ألا يَقربَنَّ الصلاةَ سكرانٌ. فدُعِيَ عمر، فقُرئت عليه، فقال: اللهمَّ بَيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فنزلت الآية التي في المائدة، فدُعِيَ عمر، فقُرئت عليه، فلمَّا بلغ: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (¬4) قال عمرُ: انتَهَينا، انتَهَينا. وهكذا رواه علي ابن المديني، عن عبيد الله بن موسى، وإسحاق بن منصور. كلاهما عن إسرائيل، به. وعن ابن مهدي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، به، وقال: هذا حديث كوفي، صالح الإسناد. ورواه أبو داود (¬5)، والترمذي (¬6)، والنسائي (¬7) / (ق 304) من طرق عن إسرائيل، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السَّبيعي، عن أبي ميسرة ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 35 رقم 378). (¬2) البقرة:219 (¬3) النساء: 43 (¬4) المائدة: 91 (¬5) في «سننه» (4/ 248 رقم 3670) في الأشربة، باب في تحريم الخمر. (¬6) في «سننه» (5/ 236 رقم 3049) في التفسير، باب: ومن سورة المائدة. (¬7) في «سننه» (8/ 681 رقم 5555) في الأشربة، باب تحريم الخمر.

-واسمه: عمرو بن شُرَحبيل الهَمْداني-، عن عمرَ، به. وليس له عنه سواه. قال أبو زرعة (¬1): وروايته عنه مرسلة. وهكذا صحَّح ذلك الترمذيُّ رحمه الله. وقد رواه حمزة الزيَّات، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مُضَرِّب قال: قال عمرُ ... ، فذَكَره (¬2). فإن كان محفوظًا؛ فيُشبه أن يكون عند أبي إسحاق من وجهين (¬3). ¬

(¬1) كما في «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص 143 رقم 516). (¬2) ومن هذا الوجه: أخرجه الدارقطني في «العلل» (2/ 185). (¬3) هذا اختيار المؤلِّف، وخالَفَه الدارقطني، فقال في «العلل»: رواه إسرائيل وزكريا بن أبي زائدة وسفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة عمرو بن شُرَحبيل، عن عمرَ ... ، وخالَفَهم حمزة الزيَّات، فرواه عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مُضَرِّب، عن عمرَ ... ، والصواب قول من قال: عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، عن عمرَ.

أثر في فضل آية الكرسي

أثر في فضل آية الكرسي (796) قال الحافظ أبو بكر البيهقي (¬1): أنا علي بن أحمد بن عَبدان، أنا أحمد بن عبيد، ثنا عباس بن الفضل، ثنا أحمد بن يونس، ثنا سعيد بن سالم، ثنا محمد بن أَبَان، عن عاصم بن أبي النَّجود، عن زِرّ، عن ابن مسعود: أنَّ رجلاً من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لَقِيَ شيطانًا، فصَرَعه، أحسبه قال له الشيطان: دعني أُعلِّمك شيئًا، لا تقولُهُ في بيتٍ فيه شيطانٌ إلا خَرَج. -أَظنُّه فعلَّمه آية الكرسي- قال زِرُّ: فقيل لابن مسعود: مَن هو؟ قال: مَن تَرَونه إلا عمرَ بن الخطاب. قال البيهقي: ورويناه في كتاب «الفضائل» من حديث المسعودي، عن عاصم، عن أبي وائل، عن ابن مسعود (¬2). وفي موضع آخر عن الشَّعبي: أنَّ رجلاً من الجنِّ لقيه، فقال له: هل لك أن تُصارعني ... ، فذَكَره، وذَكَر صفتَه. ¬

(¬1) في «دلائل النبوة» (7/ 123). وأخرجه -أيضًا- ابن أبي الدُّنيا في «مكائد الشيطان» (ص 85 - 86 رقم 63) من طريق محمد بن أبان. وأبو نعيم في «دلائل النبوة» (1/ 369 - 370 رقم 268) من طريق حماد بن سَلَمة. وأبو جعفر ابن البَختَري في «مجموع فيه مصنَّفات أبي جعفر ابن البَختَري» (ص 144 رقم 72) من طريق همام بن يحيى. ثلاثتهم (محمد بن أبان، وحماد بن سَلَمة، وهمام) عن عاصم، به. وإسناده حسن، عاصم: صدوق، حسن الحديث، وباقي رجاله ثقات. (¬2) ومن هذا الوجه: أخرجه -أيضًا- الطبراني في «الكبير» (9/ 165 - 166 رقم 8824) من طريق أسد بن موسى، عن المسعودي، به. وإسناده ضعيف؛ المسعودي ممن اختَلَط، وقد نصَّ ابن المديني على أنَّ في رواية المسعودي عن عاصم تخليط. انظر: «الكواكب النيِّرات» (ص 296).

طريق أخرى (797) قال أبو عبيد (¬1): ثنا أبو معاوية، عن أبي عاصم الثَّقَفي، عن الشَّعبي، عن عبد الله بن مسعود، قال: خَرَج رجلٌ من الإنس، فلقيه رجلٌ من الجنِّ، فقال: هل لك أن تصارعني؟ فإنْ صَرَعْتَني علَّمتُك آيةً، إذا قرأتَها حين تَدخلُ بيتَك لم يدخله شيطانٌ، فصارَعَه، فصَرَعه. فقال: إنيِّ أراك ضئيلاً شَخِيتًا، كأنَّ ذراعيك ذراعا كلبٍ، أفهكذا أنتم أيُّها الجنُّ كلُّكم، أَم أنت من بينهم؟ فقال: إنِّي منهم لَضَليع، فعَاوِدني. فصارَعَه، فصَرَعه الإنسيُّ، فقال: أتقرأ آية الكرسي؟ فإنَّه لا يقرؤها أحدٌ إذا دخل بيتَه إلاَّ خَرَج الشيطانُ وله خَبَجٌ كخَبَج الحمار. قال أبو عبيد: قوله: ضئيلاً شَخِيتًا: هو النَّحيف الجسم. والضَّليع: هو الضَّخم الخَلْق. قال: والخَبَج -بالخاء المعجمة، ويقال المهملة-: هو الضُّراط. قلت: وقد ورد نحوٌ من هذا الحديث عن جماعة من الصحابة، وقد اعتنى بجمع ذلك الإمام أبو بكر ابن أبي الدُّنيا -رحمه الله- في كتابه «مكايد الشيطان». ¬

(¬1) في «غريب الحديث» (4/ 215). وأخرجه -أيضًا- الدارمي في «سننه» (4/ 2128 رقم 3424) في فضائل القرآن، باب فضل أول سورة البقرة وآية الكرسي، والطبراني في «الكبير» (9/ 166 رقم 8826) من طريق أبي عاصم الثَّقَفي، به. وهذا منقطع، الشَّعبي لم يَسْمع من ابن مسعود. انظر: «تحفة التحصيل» (ص 164).

حديث آخر غريب (798) قال الحافظ أبو يعلى الموصلي (¬1): ثنا زُهَير، ثنا ابن أبي بُكَير، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، عن / (ق 305) عمرَ -رضي الله عنه- قال: أتت امرأةٌ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: ادعُ اللهَ أن يدخلني الجنَّة. قال: فعظَّم الربَّ تبارك وتعالى، وقال: «إنَّ كُرسِيَّهُ وَسِعَ السماواتِ والأرضِ، وإنَّ له أَطِيطًا كأَطِيطِ الرَّحلِ الجديدِ من ثِقَلِهِ». تفرَّد به عبد الله بن خليفة، وليس بالمشهور. ورواه الحافظ أبو بكر البزَّار في «مسنده» (¬2)، عن الفضل بن سهل، عن يحيى بن أبي بُكَير، به. ثم قال: وعبد الله بن خليفة لم يُسنِد غير هذا الحديث، ولم يرو عنه سوى أبي إسحاق، ولم يُسنِده إلا إسرائيل، وقد رواه الثوري، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، عن عمرَ موقوفًا، وقد روي عن جُبَير بن مُطعِم بنحو من ذلك (¬3). -يعني: لفظه-. انتهى كلامه. ¬

(¬1) لم أجده في المطبوع من «مسنده»، ومن طريقه: أخرجه الضياء المقدسي في «المختارة» (1/ 263 - 264 رقم 151). (¬2) (1/ 457 رقم 325). (¬3) أخرجه أبو داود (5/ 237 رقم 4726) في السُّنة، باب في الجهمية -واللفظ له- وابن أبي عاصم في «السُّنَّة» (1/ 252 رقم 575) وابن خزيمة في «التوحيد» (1/ 239 - 240 رقم 147) و (1/ 233 - 234 رقم 175 - ط دار المغني) والآجرى في «الشريعة» (3/ 1090 - 1091 رقم 667) وعثمان بن سعيد الدارمي في «الرد على بِشر المريسي» (1/ 468 - 469) وأبو الشيخ في «العظمة» (2/ 554 - 556 رقم 198) والدارقطني في «الصفات» (ص 82 - 87، 87 - 88 رقم 40، 41) من طريق وهب بن جرير، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق، عن يعقوب بن عُتبة، عن جُبَير بن محمد بن جُبَير بن مُطعِم، عن أبيه، عن جدِّه قال: أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أعرابيٌّ، فقال: يا رسولَ الله، جَهِدَتِ الأنفسُ، وضاعتِ العيالُ، ونُهِكتِ الأموالُ، وهلكت الأنعامُ، فاستسق اللهَ عزَّ وجلَّ لنا، فإنَّا نستشفع بك على الله، ونستشفع بالله عليك، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ويحك! أتدري ما تقول؟!»، وسبَّح رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فما زال يسبِّح حتى عُرِفَ ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال: «ويحك! إنَّه لا يستشفع باللهِ على أحدٍ من خلقه، إنَّ شأنَ اللهِ أعظم من ذلك، ويحك! تدري ما اللهُ عزَّ وجلَّ، إنَّ عرشَه على سماواته لهكذا -وقال بأصابعه مثل القبَّة عليه- وإنَّه لَيَئِطُّ به أطيط الرَّحل بالراكب». قال الإمام الذهبي في «العلو العلي للغفَّار» (1/ 413): هذا حديث غريب جدًّا، وابن إسحاق حجَّة في المغازي إذا أسنَدَ، وله مناكير وغرائب، فالله أعلم أقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم هذا أم لا؟ والله ليس كمثله شيء، والأطيط الواقع بذات العرش من جنس الأطيط الحاصل في الرَّحل، فذاك صفة للرَّحل وللعرش، ومعاذ الله أن نعدَّه صفةً لله، ثم لفظ الأطيط لم يأت به نص ثابت، وقولنا في هذه الأحاديث أننا نؤمن بما صحَّ منها، وبما اتَّفق السَّلف على إمراره وإقراره، فأمَّا ما في إسناده مقال، واختلف العلماء في قبوله وتأويله، فإنَّا لا نتعرَّض له بتقرير، بل نرويه في الجملة، ونبيِّن حاله، وهذا الحديث إنما سقناه لما فيه مما تواتر من علوِّ الله تعالى فوق عرشه مما يوافق آيات الكتاب. وقال الشيخ الألباني في تعليقه على «شرح العقيدة الطحاوية» (ص 278): لا يصح في أطيط العرش حديث. قلت: وللحافظ ابن عساكر جزء في تضعيف هذا الحديث، سماه: «بيان الوهم والإيهام والتخليط الواقع في حديث الأطيط»، ذكره الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (1/ 11). وانظر: «مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية» (16/ 435) و «تهذيب سنن أبي داود» (7/ 94).

وهكذا رواه أبو بكر ابن أبي عاصم في كتاب «السُّنَّة» (¬1)، عن إسماعيل بن سالم الصَّائغ، عن يحيى بن أبي بُكَير، به. ¬

(¬1) (1/ 251 رقم 574).

ورواه أبو القاسم الطَّبراني (¬1)، عن محمد بن عبد الله الحضرمي، عن عبد الله بن أبي زياد القطواني، عن يحيى بن أبي بُكَير، به، وعنده زيادة غريبة. وأورده الحافظ الضياء المقدسي في كتابه «المختارة» (¬2) من طرق: منها: من حديث سَلْم بن قتيبة، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (¬3) ... ، فذَكَره. ورواه عَبد بن حميد في «تفسيره»، عن عبيد الله بن موسى، ومؤمَّل بن إسماعيل، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، مرسلاً (¬4). ¬

(¬1) في كتاب «السُّنَّة» له، كما نبَّه على ذلك المؤلِّف في «تفسيره» (1/ 310)، ومن طريق الطبراني: أخرجه الضياء في «المختارة» (1/ 264 - 265 رقم 153)، والزيادة الغريبة التي زادها الطبراني هي: «وإنه يَقعد عليه فما يَفضل منه مقدار أربع أصابع». (¬2) (1/ 265 رقم 154) (¬3) طه: 5 (¬4) وأخرجه -أيضًا- عبد الله بن أحمد في «السُّنة» (1/ 305 رقم 593) والطبري في «تفسيره» (3/ 10، 11) وعثمان بن سعيد الدارمي في «الرد على بِشر المريسي» (1/ 425 - 426)، وزادوا: «وإنه ليقعد عليه، فما يَفضل منه إلا بقدر أربع أصابع». ورواه عن إسرائل جماعة، وهم: عبيد الله بن موسى ومؤمل بن إسماعيل وأبو أحمد الزبيري وعبد الله بن رجاء. وتابَعَهم وكيع، واختُلف عليه: فأخرجه الخطيب في «تاريخه» (8/ 52) من طريق أبي حمزة الأسلمي، عن وكيع، به. وزاد: «وما يَفضل منه إلا قدر أربع أصابع». وخالَفَه الإمام أحمد، فرواه عن وكيع، فوقَفَه. ومن هذا الوجه: أخرجه عبد الله بن أحمد في «السُّنة» (1/ 302 رقم 587). وأخرجه ابن ماجه في «التفسير»، كما في «تهذيب الكمال» (14/ 456) من طريق شعبة. وعبد الله بن أحمد في «السُّنة» (1/ 301 رقم 585) من طريق الثوري. كلاهما (شعبة، والثوري) عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، عن عمرَ -رضي الله عنه- قال: إذا جلس تبارك وتعالى على الكرسي سُمع له أطيطٌ كأطيط الرَّحْل الجديد. وهذا الوجه أصح؛ لأنَّ شعبة والثوري من أثبت الناس في أبي إسحاق السَّبيعي، وتابَعَهم وكيع في أصح الروايتين عنه. ومداره على عبد الله بن خليفة، وقد قال المؤلِّف في «تفسيره» (1/ 310) عن هذا الخبر: عبد الله بن خليفة ليس بذاك المشهور، وفي سماعه من عمر نظر، ثم منهم من يَرويه عن عمرَ، موقوفًا، ومنهم من يَرويه عن عمرَ، مرسلاً، ومنهم من يزيد في متنه زيادة غريبة، ومنهم من يحذفها. وقال ابن خزيمة في «كتاب التوحيد» (1/ 245 - 246): ليس هذا الخبر من شرطنا؛ لأنه غير متَّصل الإسناد، ولسنا نحتج في هذا الجنس من العلم بالمراسيل المنقطعات. وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإسناده مضطَّرب جدًّا. قلت: وقد ورد ذكر الأطيط في حديث آخر: أخرجه عبد الله بن أحمد في «السُّنَّة» (1/ 302 رقم 588) وأبو الشيخ في «العظمة» (2/ 627 رقم 245) وابن منده في «الردّ على الجهمية» (ص 46 رقم 17) والبيهقي في «الأسماء والصفات» (2/ 296 رقم 859) من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبيه، عن محمد بن جُحَادة، عن سَلَمة بن كُهَيل، عن عُمارة بن عُمَير، عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: الكرسي موضع القدمين، وله أطيط كأطيط الرَّحل. وهذا إسناد رجاله ثقات، إلا أنِّي لم أجد من نصَّ على سماع عُمارة بن عُمَير من أبي موسى، والظاهر أنها منقطعة، فهو من الطبقة الرابعة، وجلُّ رواية هؤلاء عن كبار التابعين، وهذا ظاهر لمن راجع ترجمة عُمارة في «تهذيب الكمال» (21/ 256). ومع ذلك؛ فقد صحَّحه الشيخ الألباني في تحقيقه لـ «مختصر العلو» (ص 124)، والشيخ سمير الزهيري في تحقيقه لـ «كتاب التوحيد» لابن خزيمة (1/ 238).

حديث آخر (799) قال أبو القاسم البغوي: ثنا أبو رَوْح / (ق 306) البَلَدي، ثنا أبو الأحوص سلاَّم بن سُليم، عن أبي إسحاق، عن حسَّان العبسي قال: قال عمرُ رضي الله عنه: إنَّ الجِبتَ: السِّحرُ، والطاغوتَ: الشيطانُ. وإنَّ الشجاعةَ والجُبنَ غرائزٌ تكون في الرِّجال، يُقاتِلُ الشجاعُ عمَّن لا يَعرِفُ، ويَفِرُّ الجَبَانُ عن أُمِّه، وإنَّ كَرَم الرَّجل دِينُهُ، وحَسَبَه خُلُقُه، وإن كان فارسيًّا أو نبطيًا (¬1). ¬

(¬1) وأخرجه -أيضًا- سعيد بن منصور في «سننه» (2/ 208 رقم 2534 - الطبعة الهندية) و (4/ 1283 رقم 649 - ط الصميعي) عن أبي الأحوص، به. وأخرجه ابن أبي شيبة (6/ 429 رقم 32606) في السِّير، باب ما قالوا في الجُبن والشجاعة، وأبو بكر ابن زياد النيسابوري في «الزيادات على كتاب المُزَني» (ص 454، 455 رقم 399، 400) -وعنه: الدارقطني (3/ 304) - والبيهقي (9/ 170) وابن عساكر في «تاريخه» (44/ 359) من طريق أبي إسحاق، به، دون قوله: الجِبت: السِّحر، والطاغوت: الشيطان. ورواه عن أبي إسحاق: شعبة والثوري وزُهَير. تنبيه: تحرَّف «عمر» عند الدارقطني إلى «عمران»! وأخرجه عبد بن حميد في «تفسيره»، ومُسدَّد في «مسنده»، كما في «تغليق التعليق» (4/ 196) والطبري في «تفسيره» (5/ 131) وابن أبي حاتم في «تفسيره» (3/ 974، 975 رقم 5443، 5449) والحافظ في «تغليق التعليق» (4/ 196) من طريق شعبة -زاد بعضهم: والثوري-، عن أبي إسحاق، به، مقتصرًا على قوله: الجِبت: السِّحر، والطاغوت: الشيطان. ووقع في بعض طرقه تصريح أبي إسحاق بالسماع له من حسان، وتصريح حسان بالسماع من عمر. وقوَّى إسنادَه الحافظ في «الفتح» (8/ 252). وأقرَّه الشيخ الألباني في «مختصر صحيح البخاري» (3/ 156). وعلَّق طرفًا منه البخاري في «صحيحه» (8/ 251 - فتح) في التفسير، باب: {وإن كنتم مرضى أو على سفر ...} فقال: وقال عمرُ: الجِبت: السِّحر، والطاغوت: الشيطان. قلت: حسان بن فائد: مجهول الحال، تفرَّد بالرواية عنه أبو إسحاق السَّبيعي، وقال أبو حاتم، كما في «الجرح والتعديل» لابنه (3/ 233 رقم 1028): شيخ. وذكره ابن حبان في «الثقات» (4/ 163). ولبعض فقراته شواهد، فأخرج أبو بكر ابن زياد النيسابوري في «الزيادات على كتاب المُزَني» (ص 452 - 453 رقم 396) -وعنه: الدارقطني (3/ 304) - والبيهقي (10/ 195) من طريق محمد بن إسحاق، نا موسى بن داود، نا شعبة، عن عبد الله بن أبي السَّفر قال: سَمِعتُ الشعبي يقول: سَمِعتُ زياد بن حُدَير يقول: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: حَسَب المرء دينُه، ومرؤته خُلُقه، وأصلُه عقلُه. قال البيهقي: هذا الموقوف إسناده صحيح.

أثر يذكر عند قوله: {ياأيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى}

أثر يُذكر عند قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} (¬1) (800) قال أبو عبيد (¬2): حدِّثت عن ابن المبارك (¬3)، عن يونس، عن الزهري، عن عمرَ أنَّه قال: شَوَى أخوك حتى إذا أنضج رَمَّد. قال أبو عبيد: هذا مَثَل يُضرَبُ للرَّجل يصطنع المعروف، ثم يُفسِدُهُ عليه بالامتنان، أو يقطعه ولا يُتمَّه. أثر آخر (801) قال البخاري (¬4) في تفسير قوله تعالى: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ ¬

(¬1) البقرة: 264 (¬2) في «غريب الحديث» (4/ 258). (¬3) وهو في كتاب «الزهد» له (ص 272 رقم 786) إلا أنه قال: «عن نافع بن يزيد، عن يونس»! (¬4) في «صحيحه» (8/ 201 رقم 4538 - فتح) في التفسير، باب قوله: {أيود أحدكم أن تكون له جنة}.

لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} (¬1) الآية: ثنا إبراهيم بن موسى، ثنا هشام -هو: ابن يوسف-، عن ابن جريج، سَمِعتُ عبيد الله (¬2) بن أبي مُلَيْكَة، يحدِّث عن ابن عباس. وسَمِعتُ أخاه أبا بكر بن أبي مُلَيْكَة يحدِّث عن عُبيد بن عُمَير قال: قال عمرُ بن الخطاب يومًا لأصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم: فيمن تَرَون هذه الآية نزلت: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ}؟ قالوا: الله أعلم. فغضب عمرُ، فقال: قولوا: نعلمُ أو لا نعلمُ. فقال ابن عباس: في نَفْسي منها شيءٌ يا أميرَ المؤمنين. فقال عمرُ: يا ابنَ أخي، قُل، ولا تَحقِرْ نفسَكَ. قال ابن عباس: ضُرِبَت مثلاً لِعَمَل. قال عمرُ: أيُّ عمل؟ قال ابن عباس: لعمل. قال عمرُ: لرجلٍ غني يعمل بطاعة الله، ثم بعث اللهُ له الشيطان، فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعمالَه. ورواه البخاري -أيضًا- (¬3)، عن الحسن / (ق 307) بن محمد الزَّعفراني، عن حجَّاج بن محمد الأَعور، عن ابن جريج، به. وهو من أفراد البخاري. حديث آخر (802) قال أبو بكر ابن مَردويه (¬4): ثنا أحمد بن محمد بن عاصم، ثنا ¬

(¬1) البقرة: 266 (¬2) كذا ورد بالأصل. والذي في النسخة اليونينية لـ «صحيح البخاري» (6/ 31 - ط دار طوق النجاة) و «إرشاد الساري» (7/ 45) و «تحفة الأشراف» (5/ 46، 75 رقم 5802، 5871): «عبد الله». (¬3) لم أجد هذه الطريق، لا في «النسخة اليونينية»، ولا في «إرشاد الساري»، ولا في «تحفة الأشراف». (¬4) ومن طريقه: أخرجه ابن عساكر في «تاريخه» (30/ 64 - 65).

عمر (¬1) بن عبد الرحيم، ثنا محمد بن الصبَّاح الدُّولابي، ثنا موسى بن عُمَير القرشي، عن الشعبي (¬2) قال: لمَّا نزلت هذه الآية: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} (¬3) إلى آخر الآية، جاء عمرُ بنصف ماله يحملُه إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، يحملُه على رءوس الناس، وجاء أبو بكرٍ بماله أجمع، يكاد أن يخفيه من نفسه. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ما تَرَكتَ لأَهلك؟»، فقال: عِدَةُ الله، وعِدَةُ رسوله. قال: يقول عمر لأبي بكر: بنفسي أنت، أو بأهلي أنت، ما استبقنا بابَ خيرٍ قطُّ، إلا سَبَقتنا إليه. مرسل، وتقدَّم له شاهد في الزَّكاة (¬4). حديث آخر (803) قال الإمام أحمد (¬5): ثنا يحيى، عن ابن أبي عَروبة، ثنا قتادة، عن سعيد بن المسيّب قال: قال عمرُ رضي الله عنه: آخرُ ما نزل من القرآن آيةُ الرِّبا، فإنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قُبِضَ ولم يُفسِّرْها، فدعوا الرِّبا والرِّيبة (¬6). ورواه ابن ماجه (¬7)، عن نصر بن علي، عن خالد بن الحارث، عن سعيد بن أبي عَروبة، به. ¬

(¬1) كذا ورد بالأصل. وفي «تاريخ ابن عساكر»: «عمران»، وهو الصواب، فقد ذكروا في ترجمة محمد بن الصباح الدُّولابي أنَّ من الرواة عنه عمران بن عبد الرحيم الدُّولابي. انظر: «تهذيب الكمال» (25/ 390). (¬2) ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه بين الشعبي وعمر. (¬3) البقرة: 271 (¬4) (ص رقم). (¬5) (1/ 36 رقم 246). (¬6) الرِّيبة: الكَسْب الذي فيه بعض الشك أحلال هو أم حرام. انظر: «النهاية» (2/ 286). (¬7) في «سننه» (2/ 764 رقم 2276) في التجارات، باب التغليظ في الربا. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وأخرجه -أيضًا- إسحاق بن راهويه في «مسنده»، كما في "إتحاف الخيرة" (3/ 312 رقم 2806) و «المطالب العالية» (2/ 89 رقم 1389) عن محمد بن بكر البُرساني. ومحمد بن نصر المروزي في «السُّنة» (ص 58 - 59 رقم 197) وسُحنون في «المدونة الكبرى» (8/ 441) من طريق وكيع. والطبري في «تفسيره» (3/ 114) من طريق ابن أبي عدي وابن عُليَّة. وابن قانع في «معجم الصحابة» (2/ 223) والبيهقي في «دلائل النبوة» (7/ 138) من طريق عبد الوهاب بن عطاء. خمستهم (محمد بن بكر، ووكيع، وابن أبي عَدي، وابن عُليَّة، وعبد الوهاب) عن ابن أبي عَروبة، به. وصحَّحه البوصيري في «مصباح الزجاجة» (3/ 35) و «الإتحاف»، وقال: وسعيد بن أبي عَروبة وإن اختَلَط بأَخَرة؛ فإنَّ خالد بن الحارث ومحمد بن بكر البُرساني رَوَيا عنه قبل الاختلاط. وصحَّحه -أيضًا- أبو العباس ابن تيمية في «الفتاوى الكبرى» (3/ 140) والذهبي في «تاريخ الإسلام» (1/ 410 - السيرة النبوية). قلت: الخلاف في سماع سعيد من عمر معروف، وقد طَعَن ابن حزم في هذه الرواية، فقال في «المحلى» (8/ 477): حاشا لله من أن يكونَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لم يبيِّن الربا الذي توعَّد فيه أشدَّ الوعيد، والذي أذن اللهُ تعالى فيه بالحرب، ولئن كان لم يبيِّنه لعمرَ فقد بيَّنه لغيره، وليس عليه أكثرَ من ذلك، ولا عليه أن يبيِّن كلَّ شيءٍ لكل أحدٍ، لكن إذا بيَّنه لمن يبلغه فقد بلَّغ ما لزمه تبليغه. قلت: وله طريق أخرى: أخرجها ابن أبي شيبة (4/ 452 رقم 22003) في البيوع، باب أكل الربا وما جاء فيه، من طريق أشعث وداود بن أبي هند. والطبري في «تفسيره» (3/ 114) من طريق بِشر بن المُفضَّل. والدارمي (1/ 246 - 247 رقم 131) من طريق حماد بن سَلَمة. أربعتهم (أشعث، وداود، وبِشر، وحماد) عن الشَّعبي، عن عمرَ ... ، فذكره بمعناه. وهذا -أيضًا- منقطع بين الشَّعبي وعمر، وبه أعلَّه الحافظ في «الفتح» (8/ 205). وقد خولف هؤلاء في روايتهم، خالَفَهم عاصم الأَحول، فرواه عن الشَّعبي، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: آخرُ آيةٍ نزلت على النبيِّ صلى الله عليه وسلم آيةُ الرِّبا. ومن هذا الوجه: أخرجه البخاري في «صحيحه» (8/ 205 رقم 4544). =

طريق أخرى (804) رواه أبو بكر الإسماعيلي من حديث هيَّاج بن بِسطام، عن داود بن أبي هند، عن أبي نَضرة، عن أبي سعيد، عن عمرَ، به (¬1). أثر عن عمر (805) قال أبو بلال الأشعري، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمرَ: أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- لما خَتَم سورةَ البقرة نَحَر جزُورًا. قال: وتعلَّمها في ثنتي عشرة سَنَة (¬2). أبو بلال هذا: ضعَّفه الدارقطني. ¬

= كما أن لفظ رواية عمرَ مخالفٌ للفظ رواية ابن عباس. تنبيه: لقد حسَّن هذا الأثر محققو «مسند الإمام أحمد» (1/ 361 رقم 246 - ط مؤسسة الرسالة) فبعد أن أعلُّوا رواية سعيد بن المسيّب عن عمرَ بالانقطاع، قوَّوها برواية الشَّعبي عن عمرَ! ولم يتنبَّهوا للخلاف الواقع في رواية الشَّعبي، وزادوا الأمر غرابة بقولهم: «وفي الباب عن ابن عباس عند البخاري»!! والواقع أنه حديث واحد اختَلَف الرواة في إسناده ومتنه. (¬1) وأخرجه -أيضًا- ابن مَردويه في «تفسيره»، كما في «تفسير ابن كثير» (1/ 328) وابن عدي (7/ 132 - ترجمة هيَّاج) والخطيب في «تاريخه» (14/ 80 - 81) من طريق هيَّاج بن بِسطام، به، ولفظه: خَطَبنا عمرُ بن الخطاب، فقال: إني لعلي أنهاكم عن أشياء تصلح لكم، وإن من آخر القرآن نزولاً آية الربا، وإنه قد مات رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ولم يبيِّنه لنا، فدَعُوا ما يَريبكم إلى ما لا يَريبكم. وهيَّاج بن بِسطام قال عنه ابن معين: ليس بشيء. وقال ابن عدي: هيَّاج بن بِسطام هذا له أحاديث، وفيما أمليتُ مما لا يُتابَع عليه. (¬2) ومن هذا الوجه: أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (4/ 511 رقم 1805) عن أبي الحسين بن الفضل القطان، ثنا أبو علي محمد بن أحمد بن عبد الرحمن الصواف، ثنا بِشر بن موسى أبو بلال الأشعري، عن مالك ... ، فذكره. وهذا منكر، تفرَّد به أبو بلال الأشعري.

ومن سورة آل عمران

ومن سورة آل عمران / (ق 160) وتقدَّم في باب المسابقة (¬1) حديث يُذكر عند قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (¬2). (806) قال الإمام أحمد (¬3): ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن سمَاك قال: سَمِعتُ عِياضًا الأشعري قال: شهدتُ اليرموكَ، وعلينا خمسةُ أمراء: أبو عُبيدة بن الجرَّاح، ويزيد بن أبي سفيان، وابن حَسَنَة، وخالد بن الوليد، وعياض -وليس عياض هذا بالذي حدَّث سمَاكًا-. قال: وقال عمرُ: إذا كان قتالٌ فعليكم أبو عُبيدة. قال: فكَتَبنا إليه: إنَّه قد جَاشَ إلينا الموتُ (¬4)، واستَمْدَدْناه، فكَتَب إلينا: إنَّه قد جاءني كتابُكم تَستَمِدُّونِي، وإنِّي أَدلُّكم على مَن هو أعزُّ نصرًا، وأحضَر جُندًا: الله عزَّ وجلَّ، فاستَنْصِروه، فإنَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم قد نُصِرَ يومَ بدرٍ في أقلَّ من عِدَّتِكُم، فإذا أتاكم كتابي هذا؛ فقاتلوهم، ولا تراجعوني. قال: فقاتلناهم، فهزمناهم أربع فراسخ. قال: وأصبنا أموالاً، فتشاوروا، فأشار علينا عياض أن نعطي عن كل ذي رأس عشرة. قال: وقال أبو عُبيدة: مَن يُراهنّي؟ فقال شاب: أنا إن لم تغضب. ¬

(¬1) تنبيه: هذا الحديث كان موضعه في «كتاب البيوع»، بعد «حديث في الإجارة»، تحت عنوان: «حديث يُذكَر في باب المسابقة»، إلا أن المؤلِّف كَتَب بجواره: «يؤخَّر إلى التفسير»، فحوَّلته إلى هنا، ومن ثم عدَّلت رقم لوحة المخطوط على الموضع الأول الذي ذُكر فيه الأثر. (¬2) آل عمران: 123 (¬3) في «مسنده» (1/ 49 رقم 344). (¬4) جاش إلينا الموت: أي: تدفَّق وفاض. انظر: حاشية «مسند الإمام أحمد» (1/ 347 - تحقيق أحمد شاكر).

قال: فَسَبَقَه، فرأيت عَقِيصَتَي (¬1) أبي عُبيدة تَنقُزانِ (¬2)، وهو خلفَه على فَرَس عُري (¬3). هذا حديث جيد بإسناد صحيح، ولم يخرِّجوه. وقد رواه ابن حبان في «صحيحه» (¬4)، عن عمرَ بن محمد الهلالي، عن محمد بن يَسَار، عن غُندَر، عن شعبة، بنحوه. واختاره الضياء في كتابه (¬5). (807) قال أبو عبيد القاسم بن سلاَّم رحمه الله (¬6): ثنا حجَّاج، عن هارون بن موسى، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن أبيه، عن عمرَ: أنَّه صلَّى العشاءَ الآخرة، فاستفتح آل عمران، فقرأ: ألم. الله لا إله إلا هو الحيُّ القيَّام. قال هارون: وهي في مصحف عبد الله مكتوبة: «الحيُّ القيِّم». إسناد صحيح إلى عمرَ. ¬

(¬1) العقيصة: الشَّعر المعقوص، وهو نحو من المضفور، وأصل العَقص: اللَّيُّ، وإدخال أطراف الشَّعر في أصوله. «النهاية» (3/ 275). (¬2) تَنقُزَان: أي: تَقفِزان وتَثِبان من شدَّة الجري. «النهاية» (5/ 105). (¬3) عُري: أي: لا سَرْجَ عليه ولا غيره. «النهاية» (3/ 225). (¬4) (11/ 83 رقم 4766 - الإحسان). (¬5) «المختارة» (1/ 377 رقم 262). (¬6) في «فضائل القرآن» (ص 296). وأخرجه -أيضًا- سعيد بن منصور (3/ 1029 رقم 486 - ط الصميعي) وابن أبي داود في «المصاحف» (1/ 286 - 287 رقم 150 - 153) من طريق محمد بن عمرو، به. وأورده البخاري في «صحيحه» (8/ 666 - فتح) في التفسير، باب سورة نوح، معلَّقا بصيغة الجزم، فقال: كما قرأ عمرُ الحيّ القيَّام.

أثر آخر (808) قال الزهري: وبَلَغنا عن عبد الله بن عمرَ أنه قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يقول: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرُ المسلمين في القتال يومئذٍ -يعني: يوم أحد- بأمور، فعَصَوه، فابتُلُوا بذلك، فلمَّا أصابوا ما أَصابهم من النَّبل والجراح أمرهم بعد ذلك بأمرٍ، فقال: ... (¬1) سمعنا وأطعنا. قال: فرأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يضحك حتى بدت أنيابُهُ من قولهم حين أصابهم الجَهد لما ابتلوا. فصاح الشيطانُ يقول: قُتِلَ محمدٌ ... (¬2) ما أصابهم من نبل الجراح ... (¬3) مابهم. رواه الحافظ أبو بكر ابن مَردويه في «تفسيره». ¬

(¬1) في هذا الموضع طمس. (¬2) في هذا الموضع طمس. (¬3) في هذا الموضع طمس.

ومن تفسير سورة النساء

ومن تفسير سورة النساء (809) قال الحافظ أبو يعلى (¬1): ثنا أبو خيثمة، ثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني محمد بن عبد الرحمن، عن المُجالِد بن سعيد، عن الشَّعبي، عن مسروق قال: رَكِبَ عمرُ بن الخطاب منبرَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: أيها الناسُ، ما إكثارُكم في صُدُق النساء، وقد كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابُه، وإنَّما الصُّدُقات فيما بينهم أربعمائة درهم، فما دون ذلك، ولو كان الإكثارُ في ذلك تقوًى عند الله، أو مَكرمةً لم تَسبِقوهم إليها، فلا أَعرِفَنَّ وما زاد (¬2) رجل في صداق امرأة / (ق 308) على أربعمائة درهم. قال: ثم نزل، فاعتَرَضَته امرأةٌ من قريش، فقالت له: يا أميرَ المؤمنين، نَهَيتَ الناسَ أنْ يزيدوا النساءَ في صَدُقاتهن على أربعمائة درهم؟ قال: نعم. فقالت: أما سمعتَ ما أنزل اللهُ في القرآن؟ قال: وأيُّ ذلك؟ فقالت: أَمَا سمعتَ اللهَ يقول: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} (¬3). قال: فقال: اللهم غُفرَا، كلُّ الناس أفقهُ من عمرَ. قال: ثم رجع، فركب المنبرَ، فقال: أيُّها الناسُ، إنِّي كنتُ نهيتكم أنْ تزيدوا النساءَ في صُدُقهنَّ على أربعمائة درهم، فمن شاء أن يُعطِيَ من مالِهِ ما أحبَّ. ¬

(¬1) لم أجده في المطبوع من «مسنده»، وهو من رواية ابن حمدان، وأورده الهيثمي في «المقصد العلي» (2/ 334 رقم 757 - رواية ابن المقرئ). وأخرجه -أيضًا- ابن أبي خيثمة في «تاريخه» (3/ 116 رقم 4064) والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1/ 370 - 371 رقم 371) من طريق ابن إسحاق، به. (¬2) ضبَّب المؤلِّف على هذا الموضع إشارة إلى وجود سقط. وعند ابن أبي خيثمة: «فلأعرفن ما زاد». (¬3) النساء: 20

قال أبو يعلى: وأظنُّه قال: فمن طابت نفسُهُ، فليفعل. هذا حديث جيِّد الإسناد، حسنه (¬1)، ولم يخرِّجوه. ¬

(¬1) في هذا نظر؛ والصواب أنه معلّ، وممن أعلَّه الشيخ الألباني في مقال نُشِر له قديمًا في «مجلة التمدُّن الإسلامي»، وقد ورد بنصِّه ضمن «مقالات الألباني» (ص 141)، ونظرًا لنفاسته فقد أوردته بتمامه، قال رحمه الله: وفي هذا السَّند علل: 1 - ضَعف مُجالِد بن سعيد، ولا أريد أن أطيل على القُرَّاء بذكر أقوال العلماء في تضعيفه، وإنما أقتصر على ذكر قول حافظين من الحفَّاظ المتأخرين المحيطين بأقوال المتقدِّمين، وهما الحافظ الذهبي والحافظ العسقلاني، فقال الأوَّل في «الميزان»: فيه لين. وقال الحافظ العسقلاني في «التقريب»: ليس بالقوي، وقد تغيَّر في آخر عمره. 2 - الاختلاف في سنده، فقد رواه ابن إسحاق، عن مُجالِد، عن الشَّعبي، عن مسروق، كما تقدَّم. وخالَفَه هشيم، فقال: حدثنا مُجالِد، عن الشَّعبي قال: خَطَب عمرُ بن الخطاب ... أخرجه البيهقي (7/ 233) وقال: هذا منقطع. قلت: وذلك لأنَّ الشَّعبي -واسمه: عامر بن شراحيل- لم يَسْمع من عمرَ، وإدخال ابن إسحاق بينهما مسروقًا؛ ممَّا لا يطمئن القلب له، لتفرُّد ابن إسحاق به، وقد عَلِمَ كلُّ مشتغل بهذا الفنِّ أنَّ في تفرُّده نكارة، قال الذهبي في خاتمة ترجمته: حسن الحديث، صالح الحال، صدوق، وما انفرد به ففيه نكارة، فإنَّ في حفظه شيئًا. قلت: وقد خالَفَه هشيم، وهو ثقة ثبت، كما في «التقريب»، وهو قد أرسَلَه، فروايته هي المعتمدة. وممَّا سبق يتبيَّن أنَّ في إسناد هذه القصَّة علَّتين: ضَعْف مُجالِد، والانقطاع. وإذا كان الأمر كذلك، فقول الحافظ ابن كثير: إسناده جيد قوي. غير قويٍّ، بل هو سهو منه -رحمه الله-، لا يجوز لمن تبيَّن له أن يقلِّده، لا سيَّما مع إعلال الحافظ البيهقيِّ إيَّاه بالانقطاع، وإذا تبيَّن هذا التحقيق للقارئ الكريم، وتذكَّر أنَّ خُطبة عمرَ هذه وردت عنه من خمسة طرق، ليس فيها قصَّة المرأة، عرف حينئذ أنها ضعيفة منكرة لا تصح. وممَّا يؤيِّد ذلك: ما أخرجه البيهقي من طريق بكر بن عبد الله المُزَني قال: قال عمرُ بن الخطاب: لقد خرجتُ وأنا أَريد أن أنهى عن كثرة مُهُور النساء حتى قرأتُ هذه الآية: {وآتيتم إحداهن قنطارا}. وقال البيهقي: هذا مرسل جيد. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = قلت: وهو أصحُّ من مرسل ابن إسحاق، لأنَّ رجاله كلَّهم ثقات، وهو بظاهره يُبطل قصة المرأة، لأنه يدل على أنَّ تراجع عمرَ -رضي الله عنه- عمَّا هَمَّ به من النهي إنما كان بقراءته الآية قبيل خروجه إلى الناس، بينما القصة تقول: إنَّ تراجعَه إنما كان بعد خروجه وتذكير المرأة إيَّاه بالآية! وعلى كلِّ حال؛ فهذان مرسَلان لا يصحَّان لإرسالهما، وللتعارض الذي بينهما، ومخالفتهما لسائر طرق الحديث عن عمرَ التي أَطَبقت على أنَّ عمرَ نهى عن التَّغالي في المهور، ولم تذكر أنه رجع عن ذلك. وليس في نهي عمرَ عن ذلك ما ينافي السُّنَّة حتى يتراجعَ عنه، بل فيها ما يشهد، فقد صحَّ عن أبي هريرة قال: جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: إنِّي تزوجتُ امرأةً من الأنصار، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «هل نَظَرتَ إليها، فإن في عيون الأنصار شيئًا؟»، قال: قد نَظَرتُ إليها، قال: «على كم تزوجتَها؟»، قال: أربع أواق. فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «على أربع أواق؟! كأنَّما تنحتون الفضَّة من عُرض هذا الجبل». رواه مسلم. وإذا تبيَّن أنَّ نهي عمرَ -رضي الله عنه- عن التَّغالي في المهور موافق للسُّنَّة، وحينئذ يمكن أن نقول: إنَّ في القصَّة نكارة أخرى تدلُّ على بطلانها، وذلك أنَّ نهيه ليس فيه ما يخالف الآية حتى يتسنى للمرأة أن تعترض عليه، ويسلِّم هو لها ذلك؛ لأن له -رضي الله عنه- أن يجيبها على اعتراضها -لو صحَّ- بمثل قوله: لا منافاة بين نهيي وبين الآية من وجهين: الأوَّل: أنَّ نهيي موافق للسُّنَّة، وليس من باب التحريم، بل التنزيه. الآخر: أنَّ الآية وَرَدت في المرأة التي يريد الزَّوج أن يطلِّقها، وكان قدَّم لها مهرًا، فلا يجوز له أن يأخذ منه شيئًا دون رضاها مهما كان كثيرًا، فقد قال تعالى: {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا}، فالآية وَرَدت في وجوب المحافظة على صداق المرأة وعدم الاعتداء عليه، والحديث وما في معناه ونهي عمرَ جاء لتلطيف المهر وعدم التَّغالي فيه، وذلك لا ينافي بوجه من الوجوه عدم الاعتداء على المهر بحكم أنه صار حقًّا لها بمحض اختيار الرَّجل، فإذا خالف هو، ووافق على المهر الغالي، فهو المسؤول عن ذلك دون غيره. وبعدُ، فهذا وجه انشرح له صدري لبيان نكارة القصَّة من حيثُ متنها، فإنْ وافق ذلك الحقَّ؛ فالفضل لله، والحمد له على توفيقه، وإنْ كان خطأً؛ ففيما قدَّمنا من الأدلة على بيان ضعفها من جهة إسنادها كفاية، والله سبحانه وتعالى الهادي. انتهى كلامه رحمه الله. وانظر: «علل الدارقطني» (2/ 238).

وقد تقدِّم في كتاب النكاح (¬1) من حديث أبي العَجْفاء السُّلمي، عن عمرَ، نحوه. طريق أخرى (810) قال الزُّبير بن بكَّار (¬2): حدَّثني عمِّي مصعب بن عبد الله، عن جدِّي قال: قال عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه: لا تزيدوا في مُهُور النساء، وإن كانت بنت ذي القُصَّة -يعني يزيد بن الحصين الحارثي- فمن زاد أَلقيتُ الزيادةَ في بيت المال. فقالت امرأةٌ من صُفَّة النساء، طويلةٌ، في أنفها فَطَس: ما ذاك لك؟ قال: ولم؟ قالت: لأنَّ الله تعالى قال: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} (¬3) الآية. / (ق 309) فقال عمرُ رضي الله عنه: امرأةٌ أصابت، ورجلٌ أخطأ. ¬

(¬1) (2/ 60 - 64 رقم 527 - 529). (¬2) عزاه السُّيوطي في «الدر المنثور» (2/ 466) للزُّبير بن بكَّار في «الموفَّقيات»، ولم أجده في المطبوع منه. وله طريق أخرى: أخرجها ابن المنذر في «تفسيره»، كما في «تفسير ابن كثير» (1/ 467) قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، عن عبد الرزاق، عن قيس بن الربيع، عن أبي حَصين، عن أبي عبد الرحمن السُّلمي قال: قال عمرُ بن الخطاب: لا تُغالوا في مُهُور النساء. فقالت امرأة: ليس ذلك لك يا عمرُ، إنَّ اللهَ يقول: {وآتيتم إحداهن قنطارا}. فقال عمرُ: إنَّ امرأةً خاصَمَت عمرَ فخَصَمته. وهذا ضعيف -أيضًا-؛ لضعف قيس بن الربيع، وأبو عبد الرحمن السُّلمي لم يَسْمع من عمر. قاله ابن معين وأبو حاتم. انظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص 107 رقم 385) و «الجرح والتعديل» (5/ 37 رقم 164). (¬3) النساء: 20

فيه انقطاع. تقدَّم في كتاب الطهارة (¬1) قول عمر رضي الله عنه: قُبلةُ الرَّجل امرأتُه وجسُّها بيده من اللِّماس. ¬

(¬1) (1/ 132 رقم 13).

أثر يذكر عند قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم}

أثر يُذكر عند قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ} (¬1) (811) قال أبو بكر ابن مَردويه: ثنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم، ثنا معاذ بن المثنَّى، ثنا مُسدَّد (¬2)، ثنا عبد الله بن داود، عن موسى بن عُبيدة، عن طلحة بن عبيد الله بن كَريز قال: قال عمرُ بن الخطاب: إنَّ أَخوفَ ما أخافُ عليكم إعجابُ المرء برأيه، فمن قال: إنَّه عالِمٌ، فهو جاهلٌ، ومن قال: إنَّه في الجنَّة، فهو في النَّار. طريق أخرى (812) قال حنبل بن إسحاق (¬3): ثنا أحمد بن حنبل، ثنا معتمر، عن أبيه، عن نعيم بن أبي هند قال: قال عمرُ بن الخطاب: من قال: أنا ¬

(¬1) النساء: 49 (¬2) وهو في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (3/ 298 رقم 3022). وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (7/ 503 رقم 37561) في الفتن، باب ما ذُكر في فتنة الدجال، عن وكيع، عن موسى بن عُبيدة، عن طلحة بن عبيد الله بن كَريز قال: قال عمرُ: إنَّ أخوفَ ما أتخوَّفُ عليكم شُحٌّ مطاع، وهوًى متبع، وإعجابُ المرء برأيه، وهي أشدُّهنَّ. قال البوصيري في «إتحاف الخيرة المهرة» (1/ 136): هذا إسناد ضعيف؛ لضعف موسى بن عُبيدة. قلت: وطلحة بن عبيد الله بن كَريز من الطبقة الوسطى من التابعين، فروايته عن عمرَ منقطعة. (¬3) ومن طريقه: أخرجه اللالكائي في «شرح أصول الإعتقاد» (5/ 975 رقم 1777). وهو منقطع؛ نعيم بن أبي هند من الطبقة الرابعة، وأصحاب هذه الطبقة جُلُّ رواياتهم عن كبار التابعين.

مؤمن؛ فهو كافر، ومن قال: هو عالِمٌ، فهو جاهلٌ، ومَن قال: هو في الجنَّة، فهو في النَّار. هذان طريقان متعاضدان. وفي قوله: «ومن قال: أنا مؤمن، فهو كافر» مستَدَلٌّ لمن ذهب من العلماء إلى وجوب الاستثناء في ذلك، وقد بَسَطنا القول في ذلك في أوَّل شرح البخاري، ولله الحمدُ والمنَّة. حديث آخر (813) قال ابن أبي حاتم في «تفسيره» (¬1): ذَكَر هشام بن عمَّار: ثنا سعدان اللَّخمي -واسمه: سعيد بن يحيى-، ثنا نافع مولى قريش (¬2) ¬

(¬1) (3/ 982 رقم 5493). وأخرجه -أيضًا- الطبراني في «الأوسط» (5/ 7 رقم 4517) وابن مَردويه في «تفسيره»، كما في «تفسير ابن كثير» (1/ 514) وابن عدي (7/ 50 - ترجمة نافع السُّلمي) من طريق عَبدان بن محمد المروزي، عن هشام بن عمار، به. قال الطبراني: لا يُروى هذا الحديث عن عمرَ إلا بهذا الإسناد، تفرَّد به هشام بن عمار. وقال ابن عدي: ولنافع أبو (كذا) هُرمز غيرُ ما ذكرت، وعامة ما يَرويه غير محفوظ، والضعف على روايته بيِّن. وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (7/ 6): رواه الطبراني في «الأوسط»، وفيه نافع مولى يوسف السُّلمي، وهو متروك. وقال ابن رجب في «التخويف من النار» (ص 271): نافع أبو هُرمز ضعيف جدًّا، وهو نافع مولى يوسف السُّلمي -أيضًا- عند طائفة من الحفاظ، منهم: ابن عدي، ومنهم من قال: هما اثنان، وكلاهما ضعيف. (¬2) كذا ورد بالأصل. وكَتَب المؤلِّف بجواره في حاشية الأصل: «يوسف»، وكَتَب فوقها «خ»، إشارة إلى وروده في نسخة، وهو الموافق لما في مطبوع «التفسير» لابن أبي حاتم.

السُّلمي البصري، عن نافع، عن ابن عمرَ قال: قُرِئَ عند عمر: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} (¬1)، فقال: أعدها. فأعادها. فقال معاذ: عندي تفسيرها، قال: تبدَّل في ساعة مائة مرَّة. قال عمرُ: هكذا سَمِعتُ / (ق 310) رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا حديث غريب من هذا الوجه. حديث آخر (814) قال الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن دُحيم في «تفسيره»: ثنا شعيب بن شعيب، ثنا أبو المغيرة، ثنا عُتبة بن ضَمرة، حدثني أبي: أنَّ رجلين اختَصَما إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقَضَى للمحقِّ على المبطل، فقال المقضي عليه: لا أرضى، فقال صاحبه: فما تريد؟ قال: أن نذهب إلى أبي بكر الصِّدِّيق، فذهبا إليه، فقال الذي قُضِيَ له: قد اختَصَمنا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقَضَى لي عليه، فقال أبو بكر: فأنتما على ما قَضَى به النبيِّ صلى الله عليه وسلم. فأَبَى صاحبُهُ أن يرضى، قال: نأتي عمرَ بن الخطاب. فأتياه، فقال المَقضِيُّ له: قد اختَصَمنا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقَضَى لي عليه، فأَبَى أن يرضى، ثم أتينا أبا بكر الصِّدِّيق، فقال: أنتما على ما قَضَى به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فأَبَى أن يرضى، فسأَله عمرُ، فقال كذلك، فدخل عمرُ منزلَه، وخَرَج والسَّيفُ بيده قد سَلَّه، فضَرَب به رأسَ الذي أَبَى أن يرضى، فقَتَله، فأنزل اللهُ تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ} إلى آخر الآية (¬2). ¬

(¬1) النساء: 56 (¬2) النساء: 65 وأَعلَّه المؤلِّف في «تفسيره» (1/ 521) بقوله: غريب جدًّا.

طريق أخرى (815) قال ابن دُحيم: ثنا الجوزجاني، ثنا أبو الأسود، عن ابن لَهِيعة (¬1)، قال: اختَصَم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان، فقَضَى لأحدهما، فقال الذي قُضِيَ عليه: رُدَّنا إلى عمر. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «نعم، انطلقوا (¬2) إلى عمرَ»، فانطَلَقا، فلمَّا أَتَيا عمرَ، قال الذي قُضِيَ له: يا ابنَ الخطاب، إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَضَى لي، وإنَّ هذا قال: رُدَّنا إلى عمرَ، فردَّنا إليك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. فقال عمرُ: أكذلك؟ للذي قُضِيَ عليه، قال عمرُ: مكانَك حتى أخرج فأقضي بينكما، فخَرَج مشتملاً على سيفه، فضرب الذي قال: رُدَّنا إلى عمرَ، فقتله، وأدبر الآخرُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، قَتَل عمرُ صاحبي، ولولا ما أعجزه لقتلني! فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ما كنتُ أَظنُّ عمر يجترئُ على قتلِ مؤمن!»، فأنزل اللهُ تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ} (¬3) فبَرَّأَ اللهُ عمرَ من قتلِهِ (¬4). فهذان الطريقان متعاضدان (¬5). ¬

(¬1) قوله: أبو الأسود، عن ابن لَهِيعة» كذا ورد بالأصل. وصوابه: «ابن لَهِيعة، عن أبي الأسود»؛ لأن ابن لَهِيعة معروف بالرواية عن أبي الأسود، لا العكس. انظر: «تهذيب الكمال» (15/ 487 - 486) و (25/ 645 - 647). (¬2) كذا ورد بالأصل. وصوابه: «انطلقا». (¬3) النساء: 65 (¬4) وأخرجه -أيضًا- ابن وهب في كتاب التفسير من «الجامع» (1/ 71 رقم 160 - ط دار الغرب) -ومن طريقه: أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» (3/ 944 رقم 5560) - عن ابن لَهِيعة، به. قال المؤلِّف في «تفسيره» (1/ 521): وهو أثر غريب مرسل، وابن لَهِيعة ضعيف. (¬5) وله طرق أخرى: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = منها: ما أخرجه إسحاق بن راهويه في «تفسيره»، كما في «فتح الباري» (5/ 37) عن الشعبي قال: كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة، فدعا اليهوديُّ المنافقَ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لأنه علم أنه لا يقبل الرشوة، ودعا المنافقُ اليهوديَّ إلى حكَّامهم؛ لأنه علم أنهم يأخذونها، فأنزل الله هذه الآيات، إلى قوله: {ويسلموا تسليما}. قال الحافظ: وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نَجيح، عن مجاهد، نحوه. وروى الطبراني بإسناد صحيح عن ابن عباس أنَّ حاكم اليهود يومئذٍ كان أبا بَرْزة الأسلمي قبل أن يُسلم ويَصحب. وروى بإسناد آخر صحيح إلى مجاهد أنه كعب بن الأشرف. ومنها: ما أخرجه الكلبي في «تفسيره»، كما في «الفتح» (5/ 37) عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: نَزَلت هذه الآية في رجل من المنافقين، كان بينه وبين يهودي خصومة، فقال اليهودي: انطلق بنا إلى محمد. وقال المنافق: بل نأتي كعب بن الأشرف ... ، فذكر القصة، وفيه: أنَّ عمرَ قتل المنافقَ، وأنَّ ذلك سبب نزول هذه الآيات، وتسمية عمر الفاروق. قال الحافظ: وهذا الإسناد وإن كان ضعيفًا؛ لكن تقوى بطريق مجاهد، ولا يضره الاختلاف لإمكان التعدد، وأفاد الواحدي بإسناد صحيح عن سعيد، عن قتادة: أن اسم الأنصاري المذكور قيس، ورجَّح الطبري في «تفسيره» وعزاه إلى أهل التأويل في «تهذيبه» أنَّ سبب نزولها هذه القصة ليتسق نظام الآيات كلها في سبب واحد. قال: ولم يعرض بينها ما يقتضي خلاف ذلك، ثم قال: ولا مانع أن تكون قصة الزبير وخَصْمه وَقَعت في أثناء ذلك، فيتناولها عموم الآية، والله أعلم. اهـ. وقال في «العجاب في بيان الأسباب» (2/ 909) بعد أن ساق هذه الطرق وغيرها: وفيه تقوية لقول من قال: إن الآيات كلها أُنزلت في حق المتخاصمين إلى الكاهن كما تقدم، وبهذا جزم الطبري، وقوَّاه بأن الزبير لم يجزم بأن الآية نزلت في قصته، بل أورده ظنًّا. قلت [أي: ابن حجر]: لكن تقدم في حديث أم سَلَمة الجزم بذلك، ويحتمل أن تكون قصة الزبير وَقَعت في أثناء ذلك، فتناولها عموم الآية، والله أعلم. وانظر: «الصارم المسلول» لابن تيمية (2/ 83، 85).

وسيأتي (¬1) في مسند الزُّبَير بن العوَّام أنها نزلت فيه، وفي الذي نازعه في شِرَاج الحَرَّة (¬2)، فالله أعلم. ¬

(¬1) انظر: «جامع المسانيد والسُّنن» (3/ 23 رقم 3129). (¬2) أخرجه البخاري (5/ 34، 38، 39، 309 رقم 2359 - 2362، 2708) في المساقاة، باب سكر الأنهار، وباب شرب الأعلى قبل الأسفل، وباب شرب الأعلى إلى الكعبين، وفي الصلح، باب إذا أشار الإمام بالصلح فأبى ... ، (8/ 254 رقم 4585 - فتح) في التفسير، باب: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم}، ومسلم (4/ 1829 رقم 2357) في الفضائل، باب وجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم، -واللفظ له- عن عبد الله بن الزُّبَير: أن رجلاً من الأنصار خاصم الزُّبَير عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في شِرَاج الحرَّة التي يسقون بها النَّخل، فقال الأنصاري: سرِّح الماء يمُر، فأبى عليهم، فاختصموا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم للزُّبَير: «اسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك». فغضب الأنصاري، فقال: يا رسول الله! أن كان ابن عمَّتك! فتلوَّن وجه نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: «يا زبير، اسق الماء، ثم احبس حتى يرجع إلى الجَدرِ». فقال الزُّبَير: والله إنِّي لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: {فلاوربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا}.

وعند قوله تعالى: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به} الآية.

وعند قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ} (¬1) الآية. حديث يأتي في سورة التحريم (¬2). ¬

(¬1) النساء: 83 (¬2) انظر ما سيأتي (ص 489).

حديث يذكر عند قوله تعالى: {قل ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم}.

حديث يُذكر عند قوله تعالى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} (¬1). (816) قال الإمام أحمد (¬2): ثنا هشيم قال: زَعَم الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة بن مسعود، عن ابن عباس، عن عمرَ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تُطرُونِي كما أَطرَتِ النصارى عيسى ابنَ مريمَ، فإنما أنا عبد الله ورسولُه». ثم رواه (¬3)، عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، كذلك. وهكذا رواه البخاري (¬4)، عن الحميدي (¬5)، عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، به، ولفظه: «فإنَّما أنا عبدٌ، فقولوا: عبد الله ورسولُه». ورواه علي ابن المديني، عن سفيان بن عيينة، به، وقال: هذا حديث صحيح مُسنَد. ورواه الترمذي في «الشمائل» (¬6) من حديث سفيان بن عيينة، به. ¬

(¬1) تنبيه: هذه الآية التي ذكرها المؤلف هي آية من سورة المائدة [آية: 77]، والمؤلف هنا يريد آية سورة النساء، وهي قوله: {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم} [آية: 171]. (¬2) في «مسنده» (1/ 23 رقم 154). (¬3) (1/ 24 رقم 164). (¬4) في «صحيحه» (6/ 478 رقم 3445 - فتح) في أحاديث الأنبياء، باب قول الله: {واذكر في الكتاب مريم ...}. (¬5) وهو في «مسنده» (1/ 16 رقم 27). (¬6) (ص 271 رقم 331).

حديث آخر (817) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا إسماعيل، عن سعيد بن أبي عَروبة، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجَعْد، عن مَعْدان بن أبي طلحة قال: قال عمرُ: ما سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن شيء أكثرَ ممَّا سألتُه عن الكَلاَلة، حتى طَعَن بإصبعه في صدري، وقال: «تكفيكَ آيةُ الصَّيفِ التي في آخرِ سورةِ النساءِ». هكذا رواه ههنا مختصرًا، وقد تقدَّم في الحدود مطوَّلا (¬2)، وهو في «صحيح مسلم» (¬3). طريق أخرى (818) قال أحمد (¬4): ثنا أبو نعيم، ثنا مالك -يعني ابن مِغْول-: سَمِعتُ الفضيل / (ق 311) بن عمرو، عن إبراهيم، عن عمرَ قال: سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن الكَلاَلة؟ فقال: «تكفيكَ آيةُ الصيفِ». قال: لئن أكونَ سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عنها أَحبُّ إليَّ من أن يكونَ لي حُمْرُ النَّعَم. هذا إسناد جيد، وفيه انقطاع، لأنَّ إبراهيم لم يُدرك عمرَ، والله أعلم. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 26 رقم 179). (¬2) (ص 284 رقم 731). (¬3) (1/ 396 رقم 567) في المساجد، باب نهي من أكل ثومًا أو بصلاً ... ، و (3/ 1236 رقم 1617) في الفرائض، باب آخر آية أنزلت آية الكلالة. (¬4) في «مسنده» (1/ 38 رقم 262).

ومن تفسير سورة المائدة

ومن تفسير سورة المائدة (819) قال أحمد (¬1): ثنا جعفر بن عَون، أنا أبو العُمَيس، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب قال: جاء رجلٌ من اليهود إلى عمرَ، فقال: يا أميرَ المؤمنين، إنَّكم تقرؤون آيةً في كتابكم، لو علينا يا معشرَ اليهود نَزَلت؛ لاتَّخَذْنا ذلك اليومَ عيدًا. قال: وأيُّ آية هي؟ قال: قوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} (¬2). قال عمرُ: والله إنِّي لأَعلمُ اليومَ الذي نَزَلت على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، والساعةَ التي نَزَلت فيها على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم عشيَّةَ عرفةَ في يوم جمعة. ورواه البخاري (¬3)، عن الحسن بن الصبَّاح، عن جعفر بن عَون، به. ورواه -أيضًا- (¬4)، ومسلم (¬5)، والترمذي (¬6)، والنسائي (¬7) من طرق، عن قيس بن مسلم، به. تقدَّم في سورة البقرة (¬8) قولُ عمرَ لما نَزَل قوله تعالى: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} انتَهَيْنا يا ربَّنا. في تحريم الخمر. ¬

(¬1) الموضع السابق (1/ 28 رقم 188). (¬2) المائدة: 3 (¬3) في «صحيحه» (1/ 105 رقم 45) في الإيمان، باب زيادة الإيمان ونقصانه. (¬4) (8/ 108، 270 رقم 4407، 4606) في المغازي، باب حجة الوداع، و (13/ 245 رقم 7268 - فتح) في الاعتصام بالكتاب والسُّنة (¬5) (4/ 2312 رقم 3017) في التفسير. (¬6) (5/ 233 رقم 3043) في التفسير، باب: ومن سورة المائدة. (¬7) (5/ 277 رقم 3002) في المناسك، باب ما ذكر في يوم عرفة، و (8/ 487 - 488 رقم 5027) في الإيمان، باب زيادة الإيمان. (¬8) (ص 363 رقم 797).

حديث آخر (820) قال البخاري (¬1): ثنا أبو اليَمَان، أنا شعيب، عن الزهري، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة -وكان أبوه شهد بدرًا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم-، قال: استعمل عمرُ قُدامةَ بن مَظعون على البحرين، / (ق 312) وكان شهد بدرًا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وهو خالُ ابنِ عمرَ وحفصةَ زوجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم. هكذا رواه البخاري في كتاب المغازي من «صحيحه» مختصرًا (¬2)، وهو قطعة من حديث طويل، وفيه ذِكر قُدوم الجارود العَبدي على عمرَ، وإخبارُه إيَّاه أنَّ قُدامة بن مَظعون شرب مُسكِرًا، وتأوَّل قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} (¬3)، وأنَّ عمرَ جَلَده، وردَّ تأويلَه ذلك (¬4). ¬

(¬1) في «صحيحه» (7/ 319 رقم 4011) في المغازي، باب منه. (¬2) قال الحافظ في «الفتح» (7/ 320): ولم يَذكر البخاري القصةَ لكونها موقوفة ليست على شرطه، لأن غرضه ذِكر من شهد بدرًا فقط. (¬3) المائدة: 93 (¬4) وقد أخرج قصة قدامة البخاري في «التاريخ الصغير» (1/ 68) من طريق شعيب (وهو: ابن أبي حمزة). وعبد الرزاق (9/ 240 رقم 17076) -ومن طريقه: البيهقي (8/ 315 - 316) - وعمر بن شبَّة في «تاريخ المدينة» (3/ 842 - 844) من طريق معمر. كلاهما (شعيب، ومعمر) عن الزهري قال: حدثني عبد الله بن عامر بن ربيعة -وكان أبوه قد شهد بدرًا-: أنَّ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- استعمل قُدامة بن مَظعون على البحرين، فقَدِمَ الجارود سيد عبد القيس على عمرَ -رضي الله عنه- من البحرين، فقال: إنَّ قُدامة بن مَظعون شرب فسَكِر، ثم إني رأيتُ حدًّا حقًّا عليَّ أن أرفعه إليك. قال: مَن يشهد معك؟ قال: أبو هريرة رضي الله عنه. فأرسل إلى أبي هريرة -رضي الله عنه-، فقال: بم تشهد؟ قال: لم أره حين شرب، ولكني رأيته سكرانَ يقئ. قال: لقد تنطعتَ في الشهادة يا أبا هريرة. ثم كَتَب إلى قُدامة أن يَقدم، فقَدِمَ على عمرَ -رضي الله عنه-، فقام الجارود إلى عمرَ -رضي الله عنه-، فقال: أقم على هذا حدَّ الله. قال: أخصم أنت أم شهيد؟! قال: لا، بل شهيد. قال: قد أدَّيتَ شهادتَك. فصَمَت الجارود حتى غدا على عمرَ -رضي الله عنه- من الغد، فقال: أقم على هذا حدَّ الله. فقال: ما أراك إلا خصمًا، وما أراك شهد معك إلا رجل. قال: أنشدك الله يا أميرَ المؤمنين. قال: لتمسكن لسانَك أو لأسوأنَّك .. قال: والله ما ذاك بالعدل، يشرب ابنُ عمك وتسوؤني! فقال أبو هريرة -رضي الله عنه- وهو جالس: يا أميرَ المؤمنين، إن كنت تشك في شهادتنا فأرسل إلى ابنة الوليد فسَلْها، وهي امرأة قُدامة، فأرسل عمرُ إلى هند بنت الوليد يناشدها، فأقامت الشهادةَ على زوجها، فقال عمرُ رضي الله عنه: إني جالدك يا قُدامة. فقال: لئن كان كما يقولون، فليس لك أن تجلدني. قال: لم؟ قال: إنَّ اللهَ يقول: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ...} حتى قرأ الآية. قال: إنك أخطأتَ التأويلَ يا قُدامة، إنك إذا اتقيتَ اللهَ اجتنبتَ ما حرَّم اللهُ عليك. قال: ثم استشار الناسَ، فقال: ما تَرَون في جَلد قُدامة؟ قالوا: لا نرى أن تجلدَه ما دام وجعًا. قال: لأن يلقى اللهَ تحت السياطِ أحبَّ إلىَّ من أن يلقاه وهو في عنقي، ايتوني بسوط، فأمر بقُدامة فجُلِدَ، فغاضبه قُدامة وهَجَره، حتى خَرَج إلى مكةَ، وحجَّ قُدامة، فلما رجع ونزل السُّقيا، استيقظ عمرُ -رضي الله عنه- من نومه، فقال: عجِّلوا عليَّ بقُدامة، فو الله إني لأرى في النوم أن آتيًا أتاني، فقال: سالِم قُدامة، فإنه أخوك. فعجِّلوا عليَّ بقُدامة. فأرسل إليه، فأَبَى قُدامة أن يأتيه، فقال: ليأتيني، أو ليُجَرَّن. فأتاه فصالحه واستَغفَرَ له، فكان ذلك أول صلحهما. وهذا إسناد صحيح، كما قال الحافظ في «الفتح» (13/ 141).

أثر يذكر عند قوله تعالى: {يحكم به ذوا عدل منكم}

أثر يُذكر عند قوله تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} (¬1) (821) قال أبو عبيد (¬2): أخبرني ابن أبي أُميَّة، عن أبي عَوَانة، عن عبد الملك بن عُمَير، عن قَبيصة بن جابر قال: أتيتُ عمرَ، فقلتُ: إنِّي ¬

(¬1) المائدة: 95 (¬2) في «غريب الحديث» (4/ 254). وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق (4/ 406 رقم 8239) -ومن طريقه: الطبراني في «الكبير» (1/ 127 رقم 258) - والحربي في «غريب الحديث» (2/ 691) وابن أبي حاتم في «تفسيره» (4/ 1206 رقم 6804) والطبري في «تفسيره» (7/ 48) والبيهقي (5/ 181) وابن بشكوال في «الغوامض والمبهمات» (2/ 577 - 578 رقم 570) وابن عبد البر في «الاستذكار» (3/ 675، 676) من طريق عبد الملك بن عُمَير، عن قَبيصة بن جابر الأسدي ... ، فذكره. وقد توبع عبد الملك بن عُمَير على روايته، تابعه الشعبي، وروايته عند الطبري في «تفسيره» (7/ 48) عن يعقوب قال: ثنا هشيم قال: أخبرنا حصين، عن الشعبي قال: أخبرني قَبيصة بن جابر ... ، فذكره.

رميتُ ظبيًا وأنا مُحرِمٌ، فأصبتُ خُشَشَاءَهُ، فرَكِبَ رَدْعَه، فأَسِنَ، فمات. فأقبل على عبد الرحمن بن عوف، فشاوَرَه، ثم قال: اذبح شاة. قال أبو عبيد: الخُشَشَاء: العظم الناشز الذي خلف الأُذُن، وفيه لغتان: خُشَّاء وخُشَشَاء. وقوله: رَكِبَ رَدْعَهُ: يعني: أنَّه سَقَط على رأسه، وإنما أراد بالرَّدع الدَّم، أي أنّه صُرِعَ على دمِهِ، وقيل: ذهب على وجهه، فلا يَردَعُهُ شيء. وقوله: أَسِنَ: أي أنَّه دِيرَ به، أي حصل له دُوَار، كما يحصل للرَّجل إذا نزل في بئر دُوَار من ريحها فيسقط. قال زُهَير (¬1): يُغادِرُ القِرْنَ (¬2) مُصفَّرًا أناملُهُ ... يَميلُ في الريحِ مَيلَ الماتِحِ (¬3) الأسِن ¬

(¬1) في «ديوانه» (ص 121). (¬2) القِرن: الكُفء في الشجاعة. «مختار الصحاح» (ص 312 - مادة قرن). (¬3) الماتح: هو الذي ينزل في الرَّكيَّة إذا قلَّ ماؤها فيملأ الدَّلو بيده. «النهاية» (4/ 379).

حديث آخر (822) قال البخاري (¬1): حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس قال: كنَّا عند عمرَ بن الخطاب، فقال: نُهينا عن التَّكلُّف. هكذا رواه البخاري، ثم أتبعه بما رواه من حديث الزهري، عن أنس: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «سَلُوني». فقال رجل: مَن أبي؟ فقال: «أبوك حُذَافة». فقال عمرُ رضي الله عنه: رَضِينا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًا. ونَزَل قوله تعالى: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} الآية (¬2). وذَكَر تمام الحديث، كما سيأتي (¬3) في مسند أنس إن شاء الله تعالى. ¬

(¬1) في «صحيحه» (13/ 264 رقم 7293 - فتح) في الاعتصام بالكتاب والسُّنة، باب ما يُكره من كثرة السؤال وتكلُّف ما لا يَعنيه. (¬2) المائدة: 101 (¬3) يعني: في كتابه «جامع المسانيد والسُّنن»، ولم أجده في القسم الذي أخرجه قلعجي.

ومن سورة الأنعام

ومن سورة الأنعام (823) قال أبو عبيد (¬1): ثنا أحمد بن يونس، عن زُهَير بن معاوية، ثنا أبو إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، عن عمرَ قال: الأنعام من نواجب (¬2) القرآن. صحيح. ¬

(¬1) في «فضائل القرآن» (ص 240). وأخرجه -أيضًا- الدارمي (4/ 2141 رقم 3444) في فضائل القرآن، باب فضائل الأنعام والسور، من طريق زُهَير. والمستَغفِري في «فضائل القرآن» (2/ 546 - 547 رقم 789) من طريق سفيان (وهو: الثوري). كلاهما (زهير، وسفيان) عن أبي إسحاق، به. وفي إسناده: عبد الله بن خليفة، وهو مجهول الحال، كما تقدم تعليقه عند الأثر (800)، وفي سماعه من عمر نظر، كما قال المؤلِّف في «تفسيره» (1/ 310). (¬2) كَتَب المصنف فوقها «نجائب»، ولم يضرب على ما تحتها، والنَّواجب، جمع نَجيبة، والمعنى: من أفاضل سُوَره. «النهاية» (5/ 17).

حديث يذكر عند قوله تعالى: {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم}

حديث يُذكر عند قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} (¬1) (824) قال الحافظ أبو يعلى (¬2): ثنا محمد بن المثنَّى، ثنا عبيد بن واقِد القيسي أبو عبَّاد، حدثني محمد بن عيسى (¬3) بن كيسان، ثنا محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله قال: قَلَّ الجَرَادُ في سَنَة من سِنِيِّ عمر التي وَلِيَ فيها، فسأل عنه، فلم يُخبَر بشيء، فاغتمَّ لذلك، فأرسَلَ راكبًا فضَرَب إلى كَدَاء، وآخرَ إلى الشَّام، وآخرَ إلى العراق، يَسأل: هل رُئي من الجراد شيء أم لا؟ قال: فأتاه الرَّاكب الذي من قِبَلِ اليمن بقبضة من جراد فألقاها ¬

(¬1) الأنعام: 38 (¬2) لم أجده في المطبوع من «مسنده»، وهو من رواية ابن حمدان، وأورده الحافظ في «المطالب العالية» (3/ 55 - 56 رقم 2399). ومن طريق أبي يعلى: أخرجه ابن حبان في «المجروحين» (2/ 256 - 257). وأخرجه -أيضًا- الدولابي في «الكنى والأسماء» (2/ 712 رقم 1250) وابن عدي (5/ 252 - ترجمة عبيد بن واقِد) و (6/ 245 - ترجمة محمد بن عيسى) وأبو الشيخ في «العظمة» (4/ 1428 رقم 938) وأبو عمرو الدَّاني في «السُّنن الواردة في الفتن» (5/ 985 رقم 527) من طريق عبيد بن واقِد، به. تنبيه: تحرَّف «جابر» عند الدُّولابي إلى: «حماد»! قال ابن حبان: وهذا شيء لاشك أنه موضوع، ليس هذا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال العقيلي في «الضعفاء الكبير» (4/ 114): وروى عبيد بن واقِد عنه (أي: عن محمد بن عيسى) عن محمد بن المنكدر، عن جابر، عن عمرَ بن الخطاب قصة الجراد، وكل هذا لا يُتابَع عليها إلا عن عبيد بن واقِد. وأورده الذهبي في ترجمة محمد بن عيسى من «الميزان» (3/ 677 رقم 8032) فعُدَّ من مناكيره. (¬3) قوله: «عيسى» كتب المؤلف بجواره في حاشية الأصل: «عبس».

بين يديه، فلمَّا رآها كَبَّر، ثم قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «خَلَقَ اللهُ ألفَ أُمَّةٍ، ستَمائةٍ في البحرِ، وأربعَمائةٍ في البَرِّ، فأوَّلُ شيءٍ يَهلكُ من هذه الأُمَمِ الجَرَادُ، فإذا هَلَكَت تَتَابَعت مثلَ النِّظامِ إذا قُطِعَ سِلكُهُ». هذا حديث غريب، ومحمد بن عيسى هذا هو: الهلالي العَبدي، أبو يحيى البصري، ضعَّفه الفلاَّس (¬1)، وأبو زرعة، وأبو حاتم (¬2)، وقال: روى عن محمد بن المنكدر مناكير، وأمر أن يُضربَ على حديثه، ولم يُقرأ عليه. وقال البخاري (¬3): منكر الحديث. وضعَّفه ابن حبان (¬4)، والدارقطني (¬5). وذَكَر له ابن عدي (¬6) هذا الحديث، وحديثًا آخر، وقال: هذان ممَّا أُنكر عليه. ¬

(¬1) كما في «الكامل» لابن عدي (6/ 245). (¬2) كما في «الجرح والتعديل» لابنه (8/ 38 رقم 174). (¬3) في «التاريخ الصغير» (2/ 247). (¬4) في «المجروحين» (2/ 256). (¬5) في «الضعفاء والمتروكون» (ص 354 رقم 493). (¬6) في «الكامل» (6/ 245).

ومن سورة الأعراف

ومن سورة الأعراف (825) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا رَوْح، ثنا مالك (¬2)، عن زيد بن أبي أُنَيْسة: أنَّ عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أَخبَرَه، عن مسلم بن يَسَار الجُهَني: أنَّ عمرَ بن الخطاب سُئل عن هذه الآية: «وإذ أخذ ربك / (ق 313) من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم (¬3) وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى ...» الآية (¬4)، فقال عمرُ بن الخطاب: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سُئل عنها، فقال: «إنَّ اللهَ خَلَقَ آدمَ عليه السلام ثم مَسَحَ ظَهْرَه بيمينه، فاستَخرَجَ منه ذُريَّةً، فقال: خَلَقتُ هؤلاءِ للجنَّةِ، وبعملِ أهلِ الجنَّةِ يعملون، ثم مَسَحَ ظَهْرَه، فاستَخرَجَ منه ذُريَّةً، فقال: خَلَقتُ هؤلاءِ للنَّارِ، وبعملِ أهلِ النَّارِ يعملون». فقال رجل: يا رسولَ الله، ففيمَ العملُ؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إذا خَلَق اللهُ العبدَ للجنَّةِ استعمَلَهُ بعملِ أهلِ الجنَّةِ حتى يموتَ على عملٍ من أعمالِ أهلِ الجنَّةِ، فيدخُلُ به الجنَّةَ، وإذا خَلَق العبدَ للنَّارِ استعمَلَهُ بعملِ أهلِ النَّارِ حتى يموتَ على عملٍ من أعمالِ أهلِ النَّارِ، فيُدخِلَهُ به النَّارَ». وهكذا رواه أبو داود (¬5)، عن القَعْنبي. والنسائي (¬6)، عن قتيبة. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 44 رقم 311). (¬2) وهو في «الموطأ» (2/ 478) في الجامع، باب النهي عن القول بالقدر. (¬3) «ذرياتهم» كذا ورد بالأصل. وهي قراءة الكوفيين وابن كثير. انظر: «النشر في القراءات العشر» (2/ 272). (¬4) الأعراف: 172 (¬5) في «سننه» (5/ 229 رقم 4703) في السُّنة، باب في القدر. (¬6) في «سننه الكبرى» (6/ 347 رقم 11190).

والترمذي (¬1)، عن إسحاق بن موسى، عن مَعْن. ثلاثتهم عن مالك، به. ورواه ابن حبان في «صحيحه» (¬2) من حديث أبي مصعب الزهري (¬3)، عن مالك، كذلك. وقال الترمذي: هذا حديث حسن، ومسلم بن يَسَار لم يَسْمع من عمر، وقد ذَكَر بعضهم في هذا الإسناد بين مسلم بن يَسَار وبين عمر رجلاً. قلت: هو نُعيم بن ربيعة الأزدي، كما رواه أبو داود في «سننه» (¬4)، عن محمد بن مصفَّى، عن بقيَّة، عن عمرَ بن جُعثُم القرشي، عن زيد بن أبي أُنَيْسة، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، عن مسلم بن يَسَار الجُهَني، عن نُعيم بن ربيعة قال: / (ق 314) كنتُ عند عمرَ بن الخطاب، وقد سُئل عن هذه الآية: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}، وذَكَر الحديث. قال الدارقطني (¬5): وقد تابع عُمرَ بنَ جُعثُم يزيدُ بن سنان أبو فروة الرُّهاوي (¬6)، وقولهما أولى بالصواب من قول مالك. ¬

(¬1) في «سننه» (5/ 248 رقم 3075) في التفسير، باب: ومن سورة الأعراف. (¬2) (14/ 37 رقم 6166 - الإحسان). (¬3) وهو عنده في روايته لـ «الموطأ» (2/ 69 - 70 رقم 1873). (¬4) (5/ 230 رقم 4704) في الموضع السابق. (¬5) في «العلل» (2/ 222). (¬6) وروايته عند ابن أبي عاصم في «السُّنَّة» (1/ 88 رقم 201) ومحمد بن نصر في «الرَّد على ابن محمد ابن الحنفية»، كما في «النُّكت الظِّرَاف» (8/ 113) والخطيب في «المتفق والمفترق» (3/ 1918 رقم 1531).

وقال أبو زرعة وأبو حاتم (¬1): مسلم بن يَسَار لم يَسْمع عمرَ، وروايته عنه مرسلة. زاد أبو حاتم: وبينهما نُعيم بن ربيعة (¬2). ¬

(¬1) كما في «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص 210، 211 رقم 786، 787). (¬2) وقال ابن خِرَاش، كما في «المتفق والمفترق» (3/ 1918): حديث مسلم بن يَسَار عن عمرَ ترك منه مالك نُعيم بن ربيعة، وهو الصحيح، أنَّ في الحديث نُعيمًا، وهذا مما يُعدُّ على مالك من الخطإ. وقال الدارقطني في «الأحاديث التي خولف فيها مالك بن أنس» (ص 156): روى مالك في «الموطأ» عن زيد بن أبي أُنَيْسة، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، عن مسلم بن يَسَار الجُهَني: أنَّ عمرَ بن الخطاب سُئل عن قوله: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم} قال: سَمِعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم سُئل عنها ... ، الحديث. خالَفَه يزيد بن سنان وغيره، رووه عن زيد بن أبي أُنَيْسة، عن عبد الحميد، عن مسلم بن يَسَار، عن نُعيم بن ربيعة، عن عمرَ. زادوا في إسناده نُعيم بن ربيعة، ومسلم بن يَسَار لم يُدرك عمرَ ولا زمانَه. وقال في «العلل» (2/ 222 - 223): وحديث يزيد بن سنان متصل، وهو أولى بالصواب، والله أعلم، وقد تابَعَه عمر بن جُعثُم، فرواه عن زيد بن أبي أُنَيْسة، كذلك قاله بقيَّة بن الوليد عنه. وقال ابن عبد البر في «التمهيد» (6/ 3): هذا الحديث منقطع بهذا الإسناد؛ لأنَّ مسلم بن يَسَار هذا لم يلق عمرَ بن الخطاب، وبينهما في هذا الحديث نُعيم بن ربيعة، وهو -أيضًا- مع هذا الإسناد لا تقوم به حجَّة، ومسلم بن يَسَار هذا مجهول. ثم قال: وزيادة من زاد فيه نُعيم بن ربيعة ليست حجَّة؛ لأن الذي لم يَذكر أحفظ، وإنما تقبل الزيادة من الحافظ المتقن، وجملة القول في هذا الحديث: أنه حديث ليس إسناده بالقائم؛ لأنَّ مسلم بن يَسَار ونُعيم بن ربيعة جميعًا غير معروفين بحمل العلم، ولكن معنى هذا الحديث قد صحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة ثابتة يطول ذكرها. وقال في «الاستذكار» (7/ 264): لم يُختَلَف على مالك في إسناد هذا الحديث، وهو حديث منقطع؛ لأن مسلم بن يَسَار هذا لم يلق عمرَ بن الخطاب، بينهما نُعيم بن ربيعة، هذا إن صح؛ لأنَّ الذي رواه عن زيد بن أُنَيْسة فذَكَر فيه نُعيم بن ربيعة ليس هو أحفظ من مالك، ولا ممن يُحتج به إذا خالَفَه مالك، ومع ذلك فإن نُعيم بن ربيعة ومسلم بن يَسَار جميعًا مجهولان غير معروفين بحمل العلم ونقل الحديث ... ، وليس هو مسلم بن يَسَار البصري العابد، وإنما هو رجل مدني مجهول. ثم قال: هذا الحديث وإن كان عليلَ الإسناد؛ فإن معناه قد روي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة من حديث عمرَ بن الخطاب وغيره. وقال المؤلِّف في «تفسيره» (2/ 262): الظاهر أنَّ الإمام مالكًا إنما أسقط ذِكر نُعيم بن ربيعة عمدًا، لما جَهِلَ حال نُعيم ولم يَعرِفه، فإنَّه غير معروف إلا في هذا الحديث، ولذلك يُسقِط ذِكر جماعة ممن لا يرتضيهم، ولهذا يرسل كثيرًا من المرفوعات، ويقطع كثيرًا من الموصولات. قال الشيخ الألباني في «السلسلة الضعيفة» (7/ 72): وهذه فائدة عزيزة هامَّة من قِبَلِ هذا الحافظ النِّحرير، فعَضَّ عليها بالنواجذ، وفي أخذ الذُّريَّة من صُلب آدم أحاديث أخرى صحيحة أخصرُ من هذا، وقد خرَّجتُ بعضَها في «الصحيحة» (48 - 50) وليس في شيء منها مسح الظَّهر إلا في حديث لأبي هريرة مخرَّج في «ظلال الجنَّة» (204، 205)، وفي كلِّها لم تُذكَر الآية الكريمة.

ومن سورة الأنفال

ومن سورة الأنفال (826) قال أحمد (¬1): ثنا أبو نوح قُرَاد، أنا عكرمة بن عمَّار، ثنا سمَاك الحنفي أبو زُمَيل، حدثني ابن عباس، حدثني عمرُ بن الخطاب قال: لما كان يومُ بدر نَظَر النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه، وهم ثلثمائة ونَيِّف، ونَظَر إلى المشركين، فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبل النبيُّ صلى الله عليه وسلم القِبلةَ، ثم مَدَّ يديه، وعليه رداؤه وإزاره، ثم قال: «اللهمَّ أَنجِزْ لي ما وَعَدتَنِي، اللهمَّ أَنجِزْ لي ما وَعَدتَنِي، اللهمَّ إن تُهلِكْ هذه العِصابةَ من أهلِ الإسلامِ فلا تُعبَدُ في الأرضِ أبدًا». قال: فما زال يستغيثُ ربَّه ويدعوه، حتى ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 32 رقم 221).

سَقَط رداؤه، فأتاه أبو بكرٍ فأخذ رداءَه فرَدَّاه، ثم التَزَمَه من ورائه، ثم قال: يا رسولَ الله، كذاك مُناشدَتُكَ ربَّك، فإنَّه سيُنجِزُ لك ماوَعَدك. وأنزل اللهُ عزَّ وجلَّ / (ق 315): {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} (¬1)، فلمَّا كان يومئذٍ والتَقَوا، فهزم اللهُ المشركين، فقُتِلَ منهم سبعون رجلاً، وأُسِرَ منهم سبعون رجلاً، واستشار رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أبا بكرٍ وعليًّا وعمرَ، فقال أبو بكرٍ: يا رسولَ الله، هؤلاء بنو العمِّ والعشيرة والإخوان، وإنِّي أرى أن تأخذ منهم الفديةَ، فيكون ما أخذنا منهم قوَّةً لنا على الكفَّار، وعسى أن يهديَهم اللهُ فيكونوا لنا عَضُدًا. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ما تَرَى يا ابنَ الخطابِ؟»، قال: قلت: واللهِ ما أرى ما رأى أبو بكرٍ، ولكنِّي أرى أن تُمكِّنَني من فلان -قريب لعمرَ- فأَضرِبَ عُنُقَه، وتُمكِّن عليًّا من عَقيل فيَضرِبَ عُنُقَه، وتُمكِّنَ حمزةَ من فلان أخيه فيَضرِبَ عُنُقَه، حتى يعلم اللهُ أنه ليست في قلوبنا هوادةٌ للمشركين، هؤلاء صناديدُهم وأئمَّتُهم وقادتُهم. فهَوِيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكرٍ، ولم يَهْوَ ما قلتُ، وأخذ منهم الفِداء. فلمَّا كان من الغد قال عمرُ: فغَدَوتُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فإذا هو قاعد وأبو بكرٍ، وهما يبكيان، فقلتُ: يا رسولَ الله، أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبَك، فإنْ وَجَدتُ بكاءً بَكَيتُ، وإن لم أجد بكاءً تَباكيتُ لبكائِكما. قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «للذي عَرَضَ عليَّ أصحابُكَ من الفِدَاءِ، لقد عُرِضَ عليَّ عذابُكُم / (ق 316) أدنى من هذه الشجرةِ» -لشجرة قريبة-، فأنزل اللهُ عزَّ وجلَّ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} إلى: ¬

(¬1) الأنفال: 9

{لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (¬1) -من الفداء-، ثم أَحلَّ لهم الغنائمَ. فلمَّا كان يومُ أُحُد من العام المقبل عوقبوا بما صَنَعوا يومَ بدرٍ من أخذهم الفداء، فقُتِلَ منهم سبعون، وفَرَّ أصحابُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وكُسِرَت رَبَاعِيَتُه، وهُشِّمَتِ البيضةُ على رأسه، وسال الدَّم على وجهه، فأنزل اللهُ عزَّ وجلَّ: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (¬2) بأخذكم الفِداء. ورواه أبو داود (¬3)، عن أحمد بن حنبل، عن قُرَاد أبي نوح - واسمه عبد الرحمن بن غَزوان - به، ببعضه: لمَّا كان يومُ بدرِ، وأَخَذ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الفداءَ، أنزل اللهُ عزَّ وجلَّ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} الآية (¬4). وأخرجه مسلم في المغازي (¬5)، عن هَنَّاد بن السَّري، عن ابن المبارك. وعن زُهَير بن حرب، عن عمرَ بن يونس. كلاهما عن عكرمة بن عمَّار، به. وليس عنده من قوله: فلما كان يومُ أحد ... ، إلى آخره. ورواه الترمذي في التفسير (¬6)، عن بُندَار، عن عمرَ بن يونس -وهو: ¬

(¬1) الأنفال: 67، 68 (¬2) آل عمران: 165 (¬3) في «سننه» (3/ 300 رقم 2690) في الجهاد، باب في فداء الأسير بالمال. (¬4) الأنفال: 67 (¬5) من «صحيحه» (3/ 1383 رقم 1763) في الجهاد، باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر وإباحة الغنائم. (¬6) من «سننه» (5/ 251 رقم 3081) باب: ومن سورة الأنفال.

اليمامي-، بالقصَّة الأولى، إلى قوله: فأمدَّهم اللهُ بالملائكة، وقال: حسن صحيح غريب، لا نعرفه من حديث عمرَ إلا / (ق 317) من حديث عكرمة بن عمَّار، عن أبي زُمَيل. ورواه الإمام علي ابن المديني، عن عمرَ بن يونس، وقُرَاد أبي نوح. كلاهما عن عكرمة بن عمَّار. ثم قال: والحديث صحيح، ولا يُحفظ إلا من طريق عكرمة بن عمَّار، وسمَاك من أهل اليمامة، ومَسْكنه الكوفة. حديث آخر (827) قال أبو بكر البزَّار (¬1): ثنا عبد الله بن شَبيب، ثنا إسحاق بن محمد الفَرَوي، ثنا أسامة بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أسلم، عن عمرَ بن الخطاب قال: أقام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بمكة يَعرِضُ نفسَه على قبائل العرب قبيلةً قبيلةً في الموسم، ما يجدُ أحدًا يجيبه إلى ما يدعو إليه، حتى جاء إليه هذا الحيُّ من الأنصار، لِمَا أسعدهم اللهُ، وساق إليهم من الكرامة، فآووا ونصروا، فجزاهم اللهُ عن نبيِّهم خيًرا، والله ما وَفَّينا لهم كما عاهدناهم عليه، إنَّا قلنا لهم: إنَّا نحن الأمراءُ، وأنتم الوزراءُ، وإن بقيتُ إلى رأس الحول لا يَبقى لي عاملٌ إلا من الأنصار. ثم قال البزار: إسناده حسن. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 404 رقم 281). وإسناده ضعيف؛ أسامة بن زيد بن أسلم ضعيف من قبل حفظه، وعبد الله بن شَبيب ضعيف، كما ذَكَر المؤلِّف عند الحديث رقم (13)، وقد قال الهيثمي في «المجمع» (6/ 42): رواه البزار، وحسَّن إسناده، وفيه: ابن شَبيب، وهو ضعيف.

ومن سورة براءة

ومن سورة براءة حديث يُذكر عند قوله تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} الآية (¬1). (828) قال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل (¬2): وَجَدتُ في كتاب أبي بخطِّ يده: كَتَب إليَّ الرَّبيع بن نافع أبو توبة -يعني الحلبي- فكان في كتابه: حدثنا معاوية بن سَلاَّم، عن أخيه زيد بن سلاَّم، أنَّه سَمِعَ أبا سلاَّم قال: حدثني النُّعمان بن بشير قال: كنتُ إلى جانب منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل: ما أُبالي ألا أعملَ عملاً بعد الإسلام إلا أن أسقيَ الحاجَّ. وقال آخر: ما أُبالي ألا أعملَ عملاً بعد الإسلام إلا أن أَعمُرَ المسجدَ الحرام. وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضلُ ممَّا قلتم. فزَجَرهم عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه-، فقال: لا ترفعوا أصواتَكم عند منبرِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وهو يوم الجمعة، ولكنْ إذا صلَّيتُ الجمعةَ دَخلتُ، فاستفتيتُه فيما اختلفتم فيه. فأنزل اللهُ عزَّ وجلَّ: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} إلى آخر الآيات كلِّها. هكذا رواه الإمام أحمد من هذا الوجه فقط في مسند النُّعمان. وكذا رواه مسلم في «صحيحه» (¬3) منفردًا به من بين أصحاب الكتب عن حسن الحُلْواني، عن أبي توبة. ¬

(¬1) التوبة: 19 (¬2) «المسند» (4/ 269 رقم 18367). (¬3) (3/ 1499 رقم 1879) في الإمارة، باب فضل الشهادة في سبيل الله تعالى.

وعن عبد الله بن عبد الرحمن الدَّارمي، عن يحيى بن حسَّان. كلاهما عن معاوية بن سلام، به، مثله، سواء. وإنَّما ذَكَره أصحاب الأطراف (¬1) وغيرهم في مسند النُّعمان، وهو مناسَب أن يُذكر في مسند عمرَ -رضي الله عنه-، لأنه هو الذي سأل عن ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم. حديث آخر (829) قال أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي (¬2): ثنا يوسف بن موسى، ثنا جرير، عن منصور، عن سالم بن أبي الجَعْد، عن ثوبان قال: كنَّا في سَفَر مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ونحن نسير، إذ قال المهاجرون: لَوَدِدنا أنَّا عَلِمنا أيَّ المال خيرٌ أو أفضلُ فنتَّخِذَه، إذ أُنزل في الفضَّة والذَّهب ما أُنزل. فقال عمرُ: إن شئتم سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم. فقالوا: أجل. فانطَلَق وتَبِعتُه، أوضَعُ (¬3) على قَعودٍ (¬4) لي، قال: يا رسولَ الله، إنَّ المهاجرين لمَّا أُنزل في الذَّهب والفضَّة، قالوا: وَدِدنا أنَّا عَلِمنا الآن أيُّ المال أفضلُ فنَتَّخِذَه، قال: نعم، «لِيَتَّخِذ أحدُكُم لسانًا ذاكرًا، وقلبًا شاكرًا، وزوجةً تُعين أحدَكم على إيمانه». ورواه الإمام أحمد (¬5) من حديث سالم، به. ¬

(¬1) انظر: «تحفة الأشراف» (9/ 29 رقم 11641) و «إتحاف المهرة» (13/ 539 رقم 17108). (¬2) في «الأمالي» (ص 404 رقم 474 - رواية ابن البيِّع). (¬3) أوضع: أي: أسرع السير. «النهاية» (5/ 196). (¬4) القَعود من الدواب: ما يَقْتعِده الرجل للركوب والحمل، ولا يكون إلا ذَكَرًا. «النهاية» (4/ 87). (¬5) في «مسنده» (5/ 278 رقم 22392) من طريق إسرائيل، عن منصور، به.

إنما ذَكَره أصحاب الأطراف (¬1) في مسند ثوبان. وقد رواه الترمذي (¬2)، عن عَبد بن حميد، عن عبيد الله بن موسى، عن جرير (¬3)، به. وأخرجه ابن ماجه (¬4) من وجه آخر، عن سالم بن أبي الجَعْد، عن ثوبان، به. ولفظهما: لمَّا نزل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} الآية (¬5). وقال الترمذي: حسن، وسألت محمدًا: أسَمِعَ سالم من ثوبان؟ قال: لا (¬6). ¬

(¬1) انظر: «تحفة الأشراف» (2/ 130 رقم 2084) و «إتحاف المهرة» (3/ 55 رقم 2522). (¬2) في «سننه» (5/ 259 رقم 3094) في التفسير، باب: ومن سورة التوبة. (¬3) كذا ورد بالأصل. والذي في «سنن الترمذي»، و «تحفة الأشراف» (2/ 130 رقم 2084) والنسخة الخطية (ق 202/أ -نسخة المكتبة الوطنية بباريس): «إسرائيل». (¬4) في «سننه» (1/ 596 رقم 1856) في النكاح، باب أفضل النساء، من طريق وكيع، عن عبد الله بن عمرو بن مُرَّة، عن سالم، به. (¬5) التوبة: 34 (¬6) لم يستوف المؤلِّف الكلام على طرق هذا الحديث، وقد اختُلف في إسناده اختلافًا كثيرًا: فقيل: عن سالم بن أبي الجَعْد، عن ثوبان، عن عمرَ! وقيل: عن سالم، مرسلاً! وقيل: عن عبد الله بن أبي الهُذيل، عن صاحب له، عن عمرَ! وقيل: عن علي، عن عمرَ! وقيل: عن ابن عباس، عن عمرَ! أما الوجه الأول والثاني: فأخرجه الترمذي (5/ 259 رقم 3094) وأحمد (5/ 278 رقم 22392) والطبري في «تفسيره» (10/ 119) من طريق إسرائيل. والطبري في =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = «تفسيره» (10/ 119) والمحاملي في «الأمالي» (ص 404 رقم 474 - رواية ابن البَيِّع) والروياني في «مسنده» (1/ 407 رقم 621) وأبو نعيم في «الحلية» (1/ 182) من طريق جرير. كلاهما (إسرائيل، وجرير) عن منصور، عن سالم بن أبي الجَعْد، عن ثوبان قال: ... ، فذكره. وأخرجه ابن أبي شيبة في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (3/ 340 رقم 3137) عن أبي الأحوص، عن منصور، به، إلا أنه قال: «عن ثوبان أو غيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم». قال الحافظ: أوردته للشك فيه، وقد أخرجه الترمذي وابن ماجه من طريق سالم بن أبي الجَعْد، عن ثوبان -رضي الله عنه- وحده، وسياقهما أتم. وأخرجه ابن ماجه (1/ 596 رقم 1856) وابن مَردويه في «تفسيره»، كما في «الإمتاع بالأربعين المتباينة بشرط السماع» لابن حجر (ص 137) وأبو نعيم في «الحلية» (1/ 182) من طريق وكيع، عن عبد الله بن عمرو بن مُرَّة، عن أبيه، عن سالم بن أبي الجَعْد، عن ثوبان ... ، فذكره. وقد خولف إسرائيل وجرير في روايتهما، خالَفَهما الثوري، فرواه عن منصور، عن سالم بن أبي الجَعْد، مرسلاً. ومن هذا الوجه: أخرجه عبد الرزاق في «تفسيره» (1/ 246). والطبري في «تفسيره» (10/ 119) وفي «تهذيب الآثار» (1/ 270 رقم 450 - مسند ابن عباس) من طريق مؤمَّل. كلاهما (عبد الرزاق، ومؤمَّل) عن الثوري، عن منصور -زاد الطبري: والأعمش وعمرو بن مُرَّة- عن سالم بن أبي الجَعْد قال: ... ، فذَكَره. وقد خولف الثوري في روايته عن الأعمش، فأخرجه الرُّوياني في «مسنده» (1/ 406 - 407 رقم 620) عن سفيان بن وكيع، عن محمد بن فضيل، عن الأعمش، عن عمرو بن مُرَّة، به، موصولاً! وهذا الوجه خطأ، فالثوري أثبت من محمد بن فضيل، وسفيان بن وكيع ضعيف الحديث. وله طريق أخرى عن الثوري، أخرجها عبد الرزاق في «تفسيره»، كما في «تفسير ابن كثير» (2/ 351) عن الثوري، عن أبي حَصين، عن أبي الضُّحى، عن جَعدة =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = بن هُبيرة، عن علي -رضي الله عنه- في قوله تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة} الآية، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «تبًّا للذهب! تبًّا للفضة!» -يقولها ثلاثًا- قال: فشَقَّ ذلك على أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: فأي مال نتخذ؟ فقال عمرُ رضي الله عنه: أنا أعلم لكم ذلك، فقال: يا رسول الله، إن أصحابَك قد شَقَّ عليهم، وقالوا: فأيُّ المال نتخذ؟ قال: «لسانًا ذاكرًا، وقلبا شاكرًا، وزوجة تُعين أحدكم على دينه». وهذا اختلاف على الثوري. وأما الوجه الثالث: فأخرجه النسائي في «الكبرى»، كما في «تحفة الأشراف» (11/ 176 رقم 15618) وأحمد (5/ 366) -واللفظ له- والبيهقي في «شعب الإيمان» (2/ 481 رقم 584) من طريق عبد الله بن أبي الهُذيل قال: حدثني صاحبٌ لي: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «تبًّا للذهب والفضة». قال: فحدثني صاحبي: أنه انطَلَق مع عمرَ بن الخطاب، فقال: يا رسول الله، قولُك: «تبًّا للذهب والفضة» ماذا؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لسانًا ذاكرًا، وقلبًا شاكرًا، وزوجةً تُعين على الآخرة». وإسناده ضعيف؛ لجهالة أحد رواته. وأما الوجه الرابع: فأخرجه أبو داود (2/ 373 رقم 1664) في الزكاة، باب في حقوق المال -واللفظ له- وابن أبي حاتم في «تفسيره»، كما في «تفسير ابن كثير» (2/ 351) وأبو يعلى (2499) والحاكم (1/ 408 - 409) والبيهقي (4/ 83) من طريق عثمان أبي اليقظان، عن جعفر بن أبي إياس، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: لما نَزَلت هذه الآية: {والذين يكنزون الذهب والفضة} الآية، كَبُرَ ذلك على المسلمين، فقال عمرُ: أنا أفرِّج عنكم، فانطَلَق، فقال: يانبيَّ الله، إنه كَبُرَ على أصحابك هذه الآية، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لم يفرض الزكاةَ إلا ليُطيِّبَ مابقي من أموالكم، وإنما فَرَض المواريثَ لتكون لمن بعدَكم». قال: فكبَّر عمر، ثم قال له: «ألا أُخبرك بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة، إذا نظر إليها سَرَّتْه، وإذا أمرها أطاعتْه، وإذا غاب عنها حفظتْه». وهذا لايصح؛ لضعف عثمان بن عُمَير، وقد أشار البيهقي إلى أن بعض الرواة لم يَذكر في إسناده عثمان أبا اليقظان. وانظر لزامًا: «السلسلة الضعيفة» للشيخ الألباني (3/ 484 - 487 رقم 1319). وقد ساق الزيلعي في «تخريج أحاديث الكشاف» (2/ 71) هذه الروايات، ثم قال: الحاصل أنه حديث ضعيف، لما فيه من الاضطراب. وانظر: «صحيح الترغيب والترهيب» للشيخ الألباني (2/ 402).

حديث آخر (830) قال أحمد (¬1): ثنا يعقوب، ثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة بن مسعود، عن عبد الله بن عباس قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يقول: لما تُوفي عبد الله بن أُبَيّ دُعِيَ له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه، فقام إليه، فلمَّا وقف عليه يريدُ الصلاةَ، تحوَّلتُ حتى قمتُ في صدره، فقلتُ: يا رسولَ الله، أعَلَى عدوِّ الله عبد الله بن أُبَيّ، القائل يومَ كذا: كذا وكذا؟! -يعدِّدُ أيامَه-، قال: ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يتبسَّمُ حتى إذا أَكثرتُ عليه، قال: «أَخِّرْ عنِّي يا عمرُ، إنِّي خُيِّرتُ فاخترتُ، قد قيل لي: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} (¬2)، لو أعلمُ أنِّي إنْ زِدتُ على السبعين غُفِرَ له لَزِدتُ». قال: ثم صلَّى عليه، ومشى معه، وقام على قبره حتى فُرِغَ منه. قال: فعجبًا لي وجَرَاءتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ورسوله أعلم! قال: فواللهِ، ما كان إلا يسيرًا حتى نَزَلت هاتان الآيتان / (ق 318): {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} (¬3)، فما صلَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بعدَه على منافقٍ، ولا قام على قبره حتى قَبَضَه اللهُ عزَّ وجلَّ. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 16 رقم 95). (¬2) التوبة: 80 (¬3) التوبة: 84

وكذا رواه الترمذي في التفسير (¬1)، عن عَبد بن حميد (¬2)، عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن ابن إسحاق، عن الزهري به، وقال: حسن صحيح. وأخرجه البخاري في الجنائز (¬3)، والتفسير (¬4)، عن يحيى بن بُكَير، عن اللَّيث، عن عُقيل، عن الزهري، به. ورواه النسائي (¬5)، عن ثلاثة من شيوخه، عن حُجَين بن المثنَّى، عن اللَّيث، به. وقال علي ابن المديني: إسناده جيد، ولم نجده إلا عند أهل المدينة. أثر في معناه (831) قال أبو عبيد (¬6) في حديث عمرَ: أنه أراد أن يشهدَ جنازةَ رجلٍ، فَمَرَزَه حذيفةُ، كأنَّه أراد أن يَصدَّهُ عن الصلاة عليها. ¬

(¬1) من «سننه» (5/ 260 رقم 3097) في التفسير، باب: ومن سورة التوبة. (¬2) وهو في «المنتخب من مسنده» (1/ 58 رقم 19). (¬3) (3/ 228 رقم 1366 - فتح) باب ما يكره من الصلاة على المنافقين والاستغفار للمشركين. (¬4) (8/ 333 رقم 4671 - فتح) باب قوله: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم}. (¬5) في «سننه الصغرى» (4/ 370 رقم 1965) في الجنائز، باب الصلاة على المنافقين، وفي «الكبرى» (10/ 118 رقم 11161 - ط مؤسسة الرسالة)، وانظر تعليق المحقق عليه. (¬6) في «غريب الحديث» (4/ 164). وله طريق أخرى موصولة: أخرجها وكيع في «الزهد» (3/ 791 رقم 477) عن ابن أبي خالد. وابن أبي شيبة (7/ 481 رقم 37379) في الفتن، باب من كره الخروج في الفتنة، عن أبي معاوية، عن الأعمش. كلاهما (إسماعيل بن أبي خالد، والأعمش) عن زيد بن وهب الجهني، عن حذيفة قال: مرَّ بي عمر بن الخطاب وأنا جالس في المسجد، فقال لي: يا حذيفة، إنَّ فلانًا قد مات فاشهَد. قال: ثم مضى حتى إذا كاد أن يخرج من المسجد التفت إليَّ، فرآني وأنا جالس، فعَرَف، فرجع إليَّ، فقال: يا حذيفة، أنشدك اللهَ، أمن القوم أنا؟ قال: قلت: اللهم لا، ولن أبرئ أحدًا بعدك. قال: فرأيت عيني عمرَ جادتا. هذا لفظ وكيع. ولفظ ابن أبي شيبة: مات رجلٌ من المنافقين، فلم يُصلِّ عليه حذيفة، فقال له عمر: أمن القوم هو؟ قال: نعم. فقال له عمر: بالله منهم أنا؟ قال: لا، ولن أُخبر به أحدًا بعدك. وهذا إسناد صحيح.

قلت: لم يُسنده، وحذيفة كان يعلم أعيان أشخاص من المنافقين بتوقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحكى عن بعضهم أنه قال: المَرْز بلُغة أهل اليمامة: القَرصُ بأطراف الأصابع خفيفًا. أثر عن عمر (832) قال أبو عبيد في «فضائل القرآن» (¬1): ثنا حجَّاج، عن هارون، أخبرني حبيب بن الشهيد وعمرو بن عامر الأنصاري: أنَّ عمرَ بن الخطاب ¬

(¬1) (ص 301). وأخرجه -أيضًا- الطبري في «تفسيره» (11/ 8) من طريق حجَّاج، به. وهذا منقطع؛ حبيب بن الشهيد وعمرو بن عامر من الطبقة الخامسة، وهي الطبقة الصغرى من التابعين، فلا يصح سماعهما من عمر. وله طريق أخرى: أخرجها إسحاق بن راهويه في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (4/ 121 رقم 3632) عن عَبدة بن سليمان، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبي سَلَمة بن عبد الرحمن قال: مَرَّ عمر بن الخطاب برجل وهو يقرأ: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار} ... ، فذَكَره، بمعناه. وهذا منقطع -أيضًا-؛ أبو سَلَمة بن عبد الرحمن من الطبقة الثالثة، وهي الطبقة الوسطى من التابعين، فلا يصح سماعه من عمر، ومع ذلك فقد صحَّح إسناده البوصيري في «إتحاف الخيرة» (6/ 217) (!)

قرأ: «والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصارُ الذين اتبعوهم بإحسان» فرفع الأنصارَ، ولم يُلحِق الواو في: «الذين»، فقال له زيد بن ثابت: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ}، فقال عمرُ: «الذين اتبعوهم بإحسان». فقال زيد: أمير المؤمنين أَعلمُ. فقال عمرُ: ائتوني بأُبَيّ بن كعب، فقال أُبَيّ: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ}. فقال عمرُ: فنعم إذًا. فتابع أُبَيًّا.

ومن سورة يونس

ومن سورة يونس (833) قال الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطَّبري -رحمه الله- في «تفسيره» (¬1): ثنا بِشر، ثنا يزيد، ثنا سعيد، عن قتادة قوله: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} (¬2) ذُكِرَ لنا أنَّ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: صَدَق الله ربُّنا، ما جَعَلنا خلفاءَ إلا لينظرَ إلى أعمالنا، فأَرُوا اللهَ في أعمالِكم خيرًا بالليلِ والنهارِ والسِّرِ والعلانيةِ. فيه انقطاع بين قتادة وعمر. أثر آخر (834) قال الحافظ أبو نعيم (¬3): ثنا سليمان بن أحمد (¬4)، ثنا أبو زرعة، ثنا حَيوة بن شُريح، ثنا بقيَّة، عن صفوان بن عمرو قال: سَمِعتُ أيفع بن عَبدٍ يقول: لمَّا قَدِمَ خراجُ العراق على عمرَ بن الخطاب / (ق 319) -رضي الله عنه-، خَرَج عمرُ ومولًى له، فجعل عمرُ يَعُدُّ الإبلَ، فإذا هي أكثرُ من ذلك، وجعل عمرُ يقول: الحمدُ لله. وجعل مولاه يقول: يا أميرَ المؤمنين، هذا والله من فضل الله ورحمته. فقال عمرُ رضي الله عنه: كَذَبتَ، ¬

(¬1) (11/ 94). (¬2) يونس: 14 (¬3) في «حلية الأولياء» (5/ 132 - 133). (¬4) هو: الطبراني، والحديث في «مسند الشاميين» له (2/ 125 رقم 1037). وفي إسناده ضعف وانقطاع، فبقيَّة مدلِّس، ولم يصرِّح بالسماع. وأيفع بن عبدٍ قال عنه الحافظ في «الإصابة» (1/ 222): تابعي صغير ... ، ولا يصح لأيفع سماع من صحابي.

ليس هو الذي يقول الله عزَّ وجلَّ: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} (¬1)، فهذا ما تجمعون (¬2). حديث آخر (835) قال أبو داود في باب الرهن من «سننه» (¬3) -في رواية ابن داسَة عنه-: حدثنا زُهَير بن حرب وعثمان بن أبي شيبة قالا: ثنا جرير، عن عُمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير (¬4): أنَّ عمرَ بن ¬

(¬1) يونس: 58 (¬2) قوله: «ليس هو الذي يقول الله عزَّ وجلَّ: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}، فهذا ما تجمعون» كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «ليس هو هذا، يقول الله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} يقول: بالهُدى والسُّنة والقرآن، فبذلك فليفرحوا، هو خير مما يجمعون، وهذا مما يجمعون». (¬3) (4/ 190 رقم 3527). (¬4) ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه بين أبي زرعة بن عمرو بن جرير وعمر. وقد توبع جرير على روايته، تابَعَه قيس بن الربيع، وروايته عند أبي نعيم في «الحلية» (1/ 5) والبيهقي في «شعب الإيمان» (15/ 548 رقم 8586) وابن عبد البر في «التمهيد» (17/ 436). وخالَفَهما محمد بن فضيل، فرواه عن أبيه، عُمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة ... ، فذكره. ومن هذا الوجه: أخرجه النسائي في «الكبرى» (10/ 124 - 125 رقم 11172 - ط مؤسسة الرسالة) وابن أبي الدُّنيا في «الإخوان» (5) وفي «المتحابين في الله» (48) والطبري في «تفسيره» (11/ 132) وأبو يعلى (10/ 495 رقم 6110) -وعنه: ابن حبان (2/ 332 - 333 رقم 573 - الإحسان) - والبيهقي في «شعب الإيمان» (15/ 544 - 545 رقم 8584). وفي رواية أبي يعلى وابن حبان: «عن محمد بن فضيل، عن عُمارة». ليس فيه: «عن أبيه»! وفي رواية النسائي: «عن محمد بن فضيل، عن أبيه وعُمارة بن القعقاع». ومحمد بن فضيل له رواية عن أبيه وعن عُمارة. انظر: «تهذيب الكمال» (26/ 293 - 294). وقد قال البيهقي عقب روايته: كذا قال: «عن أبي هريرة»، وهو وَهْم، والمحفوظ «عن أبي زرعة، عن عمرَ بن الخطاب»، وأبو زرعة عن عمرَ مرسلاً.

الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ مِن عبادِ اللهِ لأُناسًا ما هُم بأنبياءَ ولا شهداءَ، يَغبِطُهُم الأنبياءُ والشهداءُ يومَ القيامةِ لِمَكَانَتِهِم مِن اللهِ عزَّ وجلَّ». قالوا: يا رسولَ الله، (فخَبِّرنا) (¬1) مَن هم؟ قال: «هم قومٌ تَحَابُّوا برَوْحِ اللهِ على غيرِ أرحامٍ بينهم ولا أموالٍ يَتَعاطَونَها، فواللهِ (إنَّ بوجهِهِم لَنُورًا) (¬2)، وإنَّهم لعلى نُورٍ، ولا يخافون إذا خاف الناسُ، ولا يحزنون إذا حَزِنَ الناسُ»، وقرأ هذه الآية: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (¬3). هذا حديث جيد الإسناد، وفيه انقطاع بين أبي زرعة وعمرَ (¬4)، ولا تظهر وجه المناسبة في ذِكر أبي داود هذا الحديث في الرَّهن، والله أعلم. ¬

(¬1) في المطبوع: «تُخبرنا». (¬2) في المطبوع: «إن وجوهَهم لنور». (¬3) يونس: 62 (¬4) وله شاهد من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه: أخرجه معمر في «جامعه» الملحق بـ «المصنَّف» (11/ 201 - 202 رقم 20324) وابن المبارك في «مسنده» (ص 6 رقم 7) وفي «الزهد والرقائق» (ص 248 رقم 714) وأحمد (5/ 343) -واللفظ له- وابن أبي الدُّنيا في «المتحابين في الله» (46) وابن أبي حاتم في «تفسيره» (4/ 1267 رقم 6876) و (6/ 1962 رقم 10452) من طريق شَهر بن حَوشَب، عن عبد الرحمن بن غَنْم، أنَّ أبا مالك الأشعري جَمَع قومَه، فقال: يا معشرَ الأشعريين، اجتَمِعوا، واجمَعوا نساءَكم وأبناءَكم، أُعلِّمُكُم صلاةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ... ، فذَكَر حديثًا، ثم قال: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لما قَضَى صلاتَه أَقبَلَ إلى الناس بوجهه، فقال: «يا أيها الناس، اسمعوا واعقِلوا، واعلَموا أنَّ لله عزَّ وجلَّ عبادًا ليسوا بأنبياءَ ولا شهداءَ، يَغبِطُهُم الأنبياءُ والشهداءُ على مجالِسِهم وقُرْبِهِم من الله»، فجاء رجلٌ من الأعراب من قاصية الناس، وألوَى بيده إلى نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا نبيَّ الله، ناسٌ من الناس، ليسوا بأنبياءَ ولا شهداءَ، يَغبِطُهُم الأنبياءُ والشهداءُ على مجالِسِهم وقُرْبِهِم من الله؟! انعَتْهم لنا، حَلِّهم لنا -يعني: صِفهُم لنا، شكِّلْهم لنا- فسُرَّ وجهُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لسؤال الأعرابي، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «هم ناسٌ من أفنَاء الناس ونوازع القبائل، لم تَصِلْ بينهم أرحامٌ متقارِبةٌ، تحابُّوا في الله وتَصَافَوْا، يَضَعُ اللهُ لهم يومَ القيامةِ منابرَ من نور، فيُجلِسُهم عليها، فيَجعلُ وجوهَهُم نورًا، وثيابَهُم نورًا، يَفزعُ الناسُ يومَ القيامة ولا يَفزعون، وهم أولياءُ الله الذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون». وهذا إسناد ضعيف؛ شَهر بن حَوشَب: صدوق كثير الإرسال والأوهام، كما قال الحافظ في «التقريب»، إلا أنه يتقوَّى برواية عمر -رضي الله عنه-، ولذا قال الشيخ الألباني في «صحيح الترغيب والترهيب» (3/ 164): صحيح لغيره. وانظر للفائدة: «السلسلة الصحيحة» (7/ 1370).

ومن سورة هود

ومن سورة هود (836) قال الحافظ أبو يعلى (¬1): ثنا موسى بن حبَّان، ثنا عبد الملك بن عمرو، ثنا سليمان بن سفيان، ثنا عبد الله بن دينار، عن ابن عمرَ، عن عمرَ قال: لمَّا نَزَلَت: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} (¬2) سألتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: يا رسولَ الله، على ما نعملُ، على شيء قد فُرِغَ منه؟ أم على شيء لم يُفرَغ منه؟ قال: «على شيء قد فُرِغَ منه -يا عمرُ- وَجَرت به الأقلامُ، ولكنْ كُلٌّ مُيسَّر لما خُلِقَ له». ورواه الترمذي في التفسير (¬3)، عن بُندَار، عن أبي عامر العَقَدي ¬

(¬1) لم أجده في المطبوع من «مسنده»، وهو من رواية ابن حمدان، فلعلَّه في «مسنده الكبير». (¬2) هود: 105 (¬3) من «سننه» (5/ 270 رقم 3111) باب: ومن سورة يونس. وأخرجه -أيضًا- عَبد بن حميد في «المنتخب من مسنده» (1/ 60 رقم 20) وابن أبي عاصم في «السُّنة» (1/ 74 رقم 170) والبزار (1/ 271 رقم 168) والطبري في «تفسيره» (12/ 117) وابن أبي حاتم في «تفسيره» (6/ 2048 رقم 11221) وابن عدي (3/ 272 - ترجمة سليمان بن سفيان) من طريق أبي عامر العَقَدي، به.

-واسمه: عبد الملك بن عمرو-، به، وقال: حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث أبي عامر العَقَدي. قلت: وقد رواه أبو الأشعث أحمد بن المِقدام (¬1)، عن معتمر بن سليمان، عن أبي سفيان سليمان بن سفيان المدني التَّيمي، وهو: ضعيف (¬2). ولكن سيأتي (¬3) له شاهد في حديث القَدَر، إن شاء الله تعالى. ¬

(¬1) ومن هذا الوجه: أخرجه الرُّوياني في «مسنده» (2/ 418 رقم 1426) عن محمد بن إسحاق، عن أبي الأشعث، به. وأخرجه -أيضًا- ابن أبي عاصم في «السُّنة» (1/ 80 - 81 رقم 181) عن أبي مسعود الجَحْدري، عن معتمر بن سليمان، به. وضعَّفه الشيخ الألباني في تعليقه على «السُّنة» لابن أبي عاصم، لحال أبي سفيان. (¬2) قال عنه ابن المديني: روى أحاديث منكرة. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، يروي عن الثقات أحاديث مناكير. وقال ابن معين والنسائي: ليس بثقة. وقال ابن عدي بعد أن ذَكَر له حديثين هذا أحدهما: وسليمان يُعرَف بهذين الحديثين، وما أظن أنَّ له غيرهما إلا شيئًا يسيرًا. انظر: «تهذيب الكمال» (11/ 436). وانظر: «علل الدارقطني» (2/ 68 رقم 112). (¬3) انظر ما سيأتي (ص 513 رقم 911).

أثر آخر في قوله: {إلا ما شاء ربك}

أثر آخر في قوله: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} (¬1) (837) / (ق 320) قال عَبد بن حميد: ثنا سليمان بن حرب الواشِحي، ثنا حماد بن سَلَمة، عن حميد، عن الحسن، عن عمرَ بن الخطاب قال: لو لبث أهلُ النَّار في النَّار عددَ رملِ عالج (¬2)؛ لكان لهم على ذلك يومٌ يَخرجون فيه. فيه انقطاع بين الحسن وعمرَ، فإنَّه لم يَسْمع منه، وفيه غرابة جدًّا (¬3)، ¬

(¬1) هود: 107 (¬2) رمل عالج: جبال متواصلة يتصل أعلاها بالدِّهْناء -والدِّهْناء: بقُرب اليمامة-، وأسفلها بنجد، ويتسع اتساعًا كبيرًا حتى قال البكري: رمل عالج يحيط بأكثر أرض العرب. «المصباح المنير» (ص 346 - مادة عالج). (¬3) وخالف ابن القيم، فقال في «حادي الأرواح» (ص 436): وحسبُك بهذا الإسناد جَلاَلة، والحسن وإن لم يَسْمع من عمر، فإنما رواه عن بعض التابعين، ولو لم يصحُّ عنده عن عمرَ لما رواه وجَزَم به، وقال: قال عمرُ بن الخطاب، ولو قُدِّر أنه لم يحفظ عن عمرَ، فتداوُل هؤلاء الأئمة له غير مقابلين له بالإنكار والردِّ، مع أنهم ينكرون على من خالف السُّنة بدون هذا، فلو كان هذا القول عند هؤلاء الأئمة من البدع المخالفة لكتاب الله وسُنة رسوله وإجماع الأئمة لكانوا أولَ منكرٍ له (!!) وتعقَّبه الشيخ الألباني، فقال في «السلسلة الضعيفة» (2/ 73): هذا كلام خطابي، أستغرِبُ صدورَه من ابن القيِّم -رحمه الله-؛ لأنه خلاف ما هو مقرَّر عند أهل الحديث في تعريف الحديث الصحيح: أنه المسند المتَّصل برواية العدل الضابط. فإذا اعتَرَف بانقطاعه بين الحسن وعمر، فهو منافٍ للصحَّة بَله الجَلاَلة! وخلاف المعروف عندهم من ردِّهم لمراسيل الحسن البصري خاصة، ولذلك قال الحافظ ابن حجر في أثر الحسن هذا نفسه: فهو منقطع، ومراسيل الحسن عندهم واهية، لأنه كان يأخذ من كلِّ أحد. وكلام ابن القيِّم المذكور مع مخالفته للأصول يلزمه أن يقبل مراسيل الحسن البصري كلها إذا صح السند إليه بها، وما إخاله يلتزم ذلك، كيف، ومنها ما رواه عن سَمُرة مرفوعًا: «لمَّا حملت حواءُ طاف بها إبليسُ، وكان لا يعيشُ لها ولدٌ، فقال: سمِّيه عبدَ الحارث! فسَمَّته عبدَ الحارث! فعاش، وكان ذلك من وحيِّ الشيطان وأمره». فهذا إسناده خير من إسناد الحسن عن عمرَ؛ لأنَّه قد قيل أنَّ الحسن سَمِعَ من سَمُرة، بل ثبت أنَّه سَمِعَ منه حديث العقيقة في «صحيح البخاري»! وهو مع جلالته مدلِّس لا يحتجُّ بما عنعنه من الحديث، ولو كان قد لقي الذي دلَّس عنه، كسَمُرة، فهل يحتجُّ ابن القيِّم بحديثه هذا عن سَمُرة، ويقول فيه: فإنما رواه عن بعض التابعين ... ؟! كلا، إن ابن القيِّم -رحمه الله تعالى- لأَعلمُ وأفقهُ من أن يفعلَ ذلك.

وإن كان قد روي نحوُه عن أبي هريرة (¬1)، وجابر، وأبي سعيد (¬2)، وعبد الله بن عمرو بن العاص (¬3)، وغيرهم. ¬

(¬1) أخرجه حرب في «مسائله» (ص 429) عن عبيد الله بن معاذ، عن أبيه، عن شعبة، عن يحيى بن أيوب، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: أما الذي أقول: إنه سيأتي على جهنَّم يوم لا يبقى فيه أحد، وقرأ: {فأما الذين شقوا ففي النار}. وصحَّح إسناده الشيخ الألباني في تعليقه على «رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار» (ص 75). (¬2) أخرجه عنهما عبد الرزاق في «تفسيره» (1/ 273) -ومن طريقه: الطبري في «تفسيره» (12/ 118) - وحرب في «مسائله» (ص 429) والبيهقي في «الأسماء والصفات» (1/ 415 رقم 337) من طريق معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أبي نَضرة، عن جابر بن عبد الله، أو أبي سعيد الخُدْري، أو بعض أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد}. قال: هذه الآية تأتي على القرآن كلِّه. يقول: حيث كان في القرآن {خالدين فيها} تأتي عليه. قال الشيخ الألباني: وهذا إسناد صحيح موقوف، والتردُّد الذي فيه لا يضر؛ لأنه انتقال من ثقة إلى ثقة، والصحابة كلُّهم عدول حتى مَن لم يُسمَّ منهم. «رفع الأستار» (ص 78). (¬3) رواه حرب في «مسائله» (ص 429) والفَسَوي في «المعرفة والتاريخ» (2/ 103) والبزار في «مسنده» (6/ 440 رقم 2478) من طريق شعبة، عن أبي بَلْج، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: ليأتينَّ على جهنَّم يومٌ تصطفق فيه أبوابُها، ليس فيها أحدٌ، وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقابًا. وهذا منكر، كما قال الذهبي في «الميزان» (4/ 285).

روى الطَّبراني (¬1) فيه حديثًا عن أبي أُمَامة مرفوعًا، وهو ضعيف الإسناد، لأنَّه من رواية عبد الله بن مِسْعَر بن كِدَام، وقد قال أبو حاتم (¬2): متروك. وقال أبو جعفر العقيلي (¬3): لا يُعرَف إلا بحديث واحد، وهو منكر. وتأوَّل ذلك بعضُهم على أهل التوحيد، والله أعلم. ¬

(¬1) في «معجمه الكبير» (8/ 247 رقم 7969) عن عبد الرحمن بن سَلْم الرازي، ثنا سهل بن عثمان، ثنا عبد الله بن مِسْعَر، عن جعفر بن الزبير، عن القاسم، عن أبي أُمَامة قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ليأتينَّ على جهنمَ يومٌ كأنها زرعٌ هاج واحمَرَّ تَخفقُ أبوابُها». (¬2) كما في «الجرح والتعديل» (5/ 181 رقم 840). (¬3) لم أجد قول العقيلي في ترجمة عبد الله بن مِسْعَر من «الضعفاء الكبير» (2/ 304).

ومن سورة يوسف

ومن سورة يوسف (838) قال الحافظ أبو يعلى الموصلي (¬1): ثنا عبدالغفار بن عبد الله بن الزبير، / (ق 321) ثنا علي بن مُسْهِر، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن خليفة بن قيس، عن خالد بن عُرفُطَة قال: كنتُ جالسًا عند عمرَ، إذ أُتِيَ برجل من عبد القيس مَسْكنه بالسُّوس (¬2)، فقال له عمر: أنت فلان بن فلان العَبدي؟ قال: نعم. قال: وأنت النازل بالسُّوس؟ قال: نعم. فضَرَبه بقَنَاة معه. قال: فقال الرَّجل: مالِي يا أميرَ المؤمنين؟ فقال له عمر: اجلس. فجَلَس، فقرأ عليه: بسم الله الرحمن الرحيم {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)} (¬3)، فقرأها عليه ثلاثًا، وضَرَبه ثلاثًا. فقال له الرَّجل: مالِي يا أميرَ المؤمنين؟ فقال: أنت الذي نَسَختَ كتاب دانيال؟ قال: مُرني بأمرك أتبعْه. قال: انطلق، فامْحُهُ بالحميم والصوف الأبيض، ثم لا تقرأه، ولا تُقرِئهُ أحدًا من الناس، فلئن ¬

(¬1) لم أجده في المطبوع من «مسنده»، وهو من رواية ابن حمدان، وأورده الهيثمي في «المقصد العلي» (1/ 59 رقم 62 - رواية ابن المقرئ). ومن طريق أبي يعلى: أخرجه الضياء في «المختارة» (1/ 215 رقم 115) والخطيب في «تقييد العلم» (ص 51). وأخرجه -أيضًا- ابن أبي حاتم في «تفسيره» (7/ 2100 رقم 11324) والعقيلي في «الضعفاء الكبير» (2/ 21) والمستَغفِري في «فضائل القرآن» (1/ 279 - 280 رقم 280) من طريق علي بن مُسْهِر، به. (¬2) السُّوس: بلدة بخوزستان، فيها قبر دانيال النبيِّ عليه السلام. «معجم البلدان» (3/ 280). (¬3) يوسف: 1 - 3

بَلَغني عنك أنك قرأتَه أو أقرأتَه أحدًا من الناس لأُنهكنَّك (¬1) عقوبة. ثم قال له: اجلس. فجَلَس بين يديه. فقال: انطلقتُ أنا فانتَسَختُ كتابًا من أهل الكتاب، ثم جئتُ به في أديم، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما هذا في يَدِكَ يا عمر؟»، قال: قلتُ: يا رسولَ الله، كتابٌ نَسَختُهُ لنزدادَ به علمًا إلى عِلمنا، فغضب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتى احمرَّت وَجنَتَاه، ثم نودي بالصلاة جامعة، فقالت الأنصار: أُغضِبَ نبيُّكم صلى الله عليه وسلم؟ السِّلاحَ! / (ق 322) السِّلاحَ! فجاءوا حتى أحدَقوا بمنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «يا أيُّها الناسُ، إنِّي قد أُوتيتُ جوامِعَ الكَلِمِ وخواتيمَه، واختُصِرَ لي اختصارًا، ولقد أَتيتُكُم بها بيضاءَ نقيَّةً، فلا تَتَهوَّكُوا (¬2)، ولا يَغُرَنَّكُمُ المُتَهَوِّكُون»، قال عمرُ: فقمتُ، فقلتُ: رضيتُ بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبك رسولاً، ثم نزل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. هذا حديث غريب من هذا الوجه، فإنَّ عبد الرحمن بن إسحاق هذا هو: أبو شيبة الواسطي، وقد ضعَّفه أحمد، ويحيى، والبخاري، وأبو داود، والنسائي، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وغيرهم (¬3). ¬

(¬1) النَّهْك: المبالغة في العقوبة. «مختار الصحاح» (ص 392 - مادة نهك). (¬2) التهوك: التهور، وهو الوقوع في الأمر بغير روية، والمتهوك: الذي يقع في كل أمر. وقيل: هو المتحير. «النهاية» (5/ 282). (¬3) انظر: «العلل ومعرفة الرجال» للإمام أحمد (2/ 286 رقم 2278 - رواية عبد الله) و «تاريخ ابن معين» (2/ 244 - رواية الدُّوري) و «الضعفاء الصغير» للبخاري (ص 72 رقم 203) و «الضعفاء والمتروكين» للنسائي (ص 206 رقم 358) و «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (5/ 213 رقم 1001) و «تهذيب الكمال» (18/ 515 - 518).

وزَعَم الحافظ الضياء في كتابه «المختارة» (¬1) أنه الذي روى له مسلم، وليس كما قال. وأما شيخه خليفة بن قيس، فقال فيه أبو حاتم الرازي (¬2): شيخ، ليس بالمعروف. وقال البخاري (¬3): لم يصح حديثه. قلت: لكن قد روي نحوه من طريق أخرى: (839) كما قال الحافظ أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي: أخبرني الحسن بن سفيان، ثنا يعقوب بن سفيان، ثنا إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الزَّبيدي، حدثني عمرو بن الحارث، ثنا عبد الله بن سالم الأشعري، عن الزَّبيدي، ثنا سُليم بن عامر: أنَّ جُبَير بن نُفَير حدَّثهم: أنَّ رجلين تحابَّا بحمص في خلافة عمرَ، فأرسل إليهما فيمن أرسَلَ من أهل حمص، وكانا قد اكتتبا من اليهود ملء صِفتة (¬4)، فأخذا (¬5) معهما يستفتيان فيها أمير المؤمنين، ويقولان: إنْ رَضِيها لنا أميرُ المؤمنين ازددنا فيها رغبةً، وإنْ نهانا عنها رفضناها. / (ق 323) فلما قَدِما عليه قالا: إنَّا بأرض أهل الكتابين، وإنَّا نسمع منهم كلامًا تقشعر منه جلودُنا، أفنأخذُ منه أو نترك؟ قال: لعلَّكما كَتَبتما منه شيئًا؟ فقالا: لا. قال: سأحدِّثكما، إنِّي انطَلَقت في حياة النبيِّ صلى الله عليه وسلم حتى أتيتُ خبيرَ، فوَجَدتُ يهوديًا يقول قولاً ¬

(¬1) (1/ 217). (¬2) كما في «الجرح والتعديل» (3/ 376 رقم 1717). (¬3) في «التاريخ الكبير» (3/ 192 رقم 650). (¬4) كذا ورد بالأصل. وفي مصادر التخريج: «صفنة»، والصُّفن: خريطة تكون للراعي فيها طعامه وزناده وما يحتاج إليه. «النهاية» (3/ 39). (¬5) كذا ورد بالأصل. وفي بعض مصادر التخريج: «فأخذاها»، وهو أنسب.

أعجبني، فقلتُ: هل أنت مُكتِبي ما تقول؟ قال: نعم، فأتيته بأَديم، فأخذ يُمل عليَّ حتى كتبتُ في الأكرع، فلما رجعتُ، قلتُ: يا نبيَّ الله ... ، وأخبرتُه، قال: «ائتِنِي به»، فانطلقتُ أرغبُ عن المشي، رجاءَ أن أكونَ جئتَ نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم ببعض مايحبُّ. فلمَّا أَتيتُ به، قال: «اجلس، اقرأ عليَّ»، فقرأتُ ساعةً، ثم نَظَرتُ إلى وجهه، فإذا هو يتلَّون، فتحيَّرت من الفَرَقِ، فما استطعتُ أُجِيز منه حرفًا، فلما رأى الذي بي دفعتُه، ثم جعل يَتبعُهُ رسمًا رسمًا فيمحوه بريقه، وهو يقول: «لا تَتَّبِعوا هؤلاءِ، فإنَّهم قد هَوَّكُوا وتَهَوَّكُوا»، حتى محا آخرَه حرفًا حرفًا، قال عمرُ: فلو عَلِمتُ أنَّكما كتبتما منه شيئًا؛ جعلتكما نكالاً لهذه الأمَّة. قالا: والله ما نكتبُ منه شيئًا أبدًا، فخَرَجا بصُفتيهما، فحَفَرا لها في الأرض، فلم يألو أن تعمَّقا، ودَفَناها، فكان آخرَ العهد منها. وهكذا رواه الثوري، عن جابر بن يزيد الجُعفِي، عن الشَّعبي، عن عبيد الله (¬1) بن ثابت الأنصاري، عن عمرَ، بنحوه (¬2). ¬

(¬1) كذا ورد بالأصل. والصواب: «عبد الله»، كما في مصادر التخريج. (¬2) هذا الأثر يَرويه الشعبي، واختُلف عليه: فقيل: عنه، عن عبد الله بن ثابت، عن عمرَ! وقيل: عنه، عن جابر بن عبد الله، عن عمرَ! أما الوجه الأول: فأخرجه عبد الرزاق (6/ 113 رقم 10164) -وعنه أحمد (3/ 470) و (4/ 265) - عن الثوري، به. ولفظه: جاء عمرُ بن الخطاب إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنِّي مررتُ بأخ لي من قريظة، وكَتَب لي جوامعَ من التوراة، أفلا أعرضُها عليك؟ قال: فتغيَّر وجهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ... ، الحديث، وفيه: فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفس محمد بيده، لو أصبح فيكم موسى ثم اتَّبعتموه وتَرَكتموني؛ لَضَلَلتم، أنتم حظِّي من الأُمم، وأنا حظُّكم من النبيين». وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف جابر الجُعفِي. وأما الوجه الثاني: فأخرجه أحمد (3/ 387) -واللفظ له- وابن أبي عاصم في «السُّنَّة» (1/ 26 رقم 50) وأبو يعلى (4/ 102 رقم 2135) وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (2/ 805 رقم 1497) من طريق مُجالِد، عن الشَّعبي، عن جابر بن عبد الله: أنَّ عمرَ بن الخطاب أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم بكتابٍ أصابه من بعض أهل الكتاب، فقَرَأه على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فغضب، وقال: أمتهوِّكون فيها يا ابنَ الخطابِ، والذي نفسي بيده، لقد جئتُكم بها بيضاءَ نقيةً، لا تسألوهم عن شيء فيُخبروكم بحق فتكذِّبوا به، أو بباطل فتُصدِّقوا به، والذي نفسي بيده، لو أنَّ موسى كان حيًّا ما وَسِعَه إلا أن يتبعني. وإسناده ضعيف؛ لضعف مُجالِد. وقد ضعَّف هذا الحديثَ الإمامُ البخاري، كما في «الإصابة» لابن حجر (6/ 29). وقال ابن عبد البر في «الاستيعاب» (6/ 121 - بهامش الإصابة): حديث مضطرب. وقد أخرج البخاري في «صحيحه» (5/ 291 رقم 2685 - فتح) في الشهادات، باب لا يُسأل أهل الشرك عن الشهادة وغيرها، من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: يا معشرَ المسلمين، كيف تسألون أهلَ الكتاب، وكتابُكم الذي أُنزِلَ على نبيِّه صلى الله عليه وسلم أَحدَثُ الأخبارِ بالله، تَقرؤونه لم يُشَب؟! وقد حدَّثكم اللهُ أنَّ أهلَ الكتاب بدَّلوا ما كَتَب اللهُ، وغيَّروا بأيديهم الكتابَ، فقالوا: «هذا من عند الله ليشتروا به ثمنًا قليلاً»، أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مساءلتهم، ولا واللهِ ما رأينا منهم رجلاً قطُّ يسألكم عن الذي أُنزل عليكم.

(840) وروى أبو داود في «المراسيل» (¬1)، عن محمد بن عبيد، عن حماد، عن أيوب، عن أبي قِلاَبة (¬2): أنَّ عمرَ مرَّ بقوم من اليهود، فسَمِعَهم يَذكرون دعاءً من التوراة، فانتَسَخه، ثم جاء به إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ... ، فذَكَر الحديث. ¬

(¬1) (ص 321 رقم 455). (¬2) ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه بين أبي قِلاَبة وعمرَ.

ومن سورة الرعد

/ (ق 324) ومن سورة الرَّعد (841) قال الحافظ أبو بكر البَرقاني (¬1): ثنا إبراهيم بن محمد المُزَني، ثنا محمد بن إسحاق السرَّاج، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنا وهب بن جرير، ثنا هشام الدَّستوائي، عن أبي حُكَيمة، عن أبي عثمان النَّهدي: أنَّ عمرَ بن الخطاب كان يطوفُ بالبيت وهو يبكي، ويقول: اللهمَّ إن كنتَ كَتَبتنا عندك في شِقوة وذنب، فإنَّك تمحو ما تشاء وتُثبِتُ، وعندك أُمُّ الكتاب، فاجعلها سعادةً ومغفرةً. إسناد حسن. ورواه ابن جرير في «تفسيره» (¬2) من حديث حماد بن زيد ومعاذ بن هشام، عن أبيه. ومعتمر بن سليمان، عن أبيه. كلُّهم عن أبي حُكَيمة، عن أبي عثمان، عن عمرَ. وعن أبي عامر، عن قُرَّة بن خالد، عن عصمة أبي حُكَيمة، عن أبي عثمان، عن عمرَ، به (¬3). ¬

(¬1) هو الإمام العلاَّمة الفقيه، الحافظ الثَبت، شيخ الفقهاء والمحدِّثين، أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد الخوارزمي البَرقاني الشافعي، صاحب التصانيف، وُلد سنة ست وثلاثين وثلاثمائة، وتوفي سنة خمس وعشرين وأربعمائة. قال عنه الخطيب: كان البَرقاني ثقةً ورعًا، متقنًا متثبتًا، فَهِمًا، لم يُر في شيوخنا أثبت منه، حافظًا للقرآن، عارفًا بالفقه، له حظ من علم العربية، كثير الحديث، حَسِنَ الفَهم له والبصيرة فيه، وصنَّف مسنَدًا ضمَّنه ما اشتمل عليه "صحيح البخاري ومسلم"، وجمع حديث سفيان الثوري ... ، ولم يقطع التصنيف إلى حين وفاته. انظر: «تاريخ بغداد» (4/ 373) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 464). (¬2) (13/ 167، 168). وأخرجه -أيضًا- الفاكهي في «أخبار مكة» (1/ 229 - 230 رقم 418) من طريق سليمان التيمي، به. (¬3) ومن هذا الوجه: أخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» (7/ 63) تعليقًا، والدُّولابي في «الكنى والأسماء» (2/ 481 - 482 رقم 872) من طريق قُرَّة، به.

وروي مثلُه عن ابن مسعود (¬1)، وأبي وائل (¬2)، ومجاهد (¬3)، وغيرهم. تقدَّم في كتاب الصلاة (¬4) حديث يتعلَّق بتفسير قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ} (¬5). ¬

(¬1) أخرجه الطبري في «تفسيره» (13/ 168) والطبراني في «الكبير» (9/ 171 رقم 8847) من طريق حجاج بن المنهال، عن حماد بن سَلَمة، عن خالد الحذَّاء، عن أبي قِلاَبة، عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه كان يقول: اللهم إن كنتَ كتبتني في أهل الشقاء فامحُني وأثبتني في أهل السعادة. قال الهيثمي في «المجمع» (10/ 185): رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح، إلا أنَّ أبا قِلاَبة لم يُدرك ابن مسعود. وله طريق أخرى: أخرجها محمد بن فضيل في «الدعاء» (ص 58 - 59 رقم 52) وابن أبي شيبة (6/ 69 رقم 29521) في الدعاء، باب ما جاء عن عبد الله بن مسعود، عن أبي معاوية. كلاهما (محمد بن فضيل، وأبو معاوية) عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: ما دعا قطّ عبدٌ بهذه الدعوات إلا وسَّع الله عليه في معيشته: يا ذا المنِّ فلا يمن عليك، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطول والإنعام، لا إله إلا أنت، ظهر اللاجئين، وجار المستجيرين، ومأمن الخائفين، إنْ كَتَبتني عندك في أم الكتاب شقيًّا فامحُ عني اسم الشقاء وأثبتني عندك سعيدًا موفَّقًا للخير، فإنك تقول في كتابك: {يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب}. وإسناده ضعيف؛ لضعف عبد الرحمن بن إسحاق، وانقطاعه بين القاسم وجدِّه عبد الله بن مسعود. انظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص 175 - 176) و «تحفة التحصيل» (ص 259). (¬2) أخرجه الطبري في «تفسيره» (13/ 167) عن أبي كُريب، ثنا عثَّام، عن الأعمش، عن شقيق أنه كان يقول: اللهم إنْ كنتَ كَتَبتَنا أشقياءَ فامْحُنا واكتُبنا سعداءَ، وإنْ كنتَ كَتَبتَنا سعداءَ فأثبتنا، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك أم الكتاب. (¬3) لم أقف عليه. (¬4) انظر (1/ 252 رقم 113). (¬5) هكذا وضع المؤلف هذه الجملة هنا، وكان حقه أن يضعها بعد سورة الحجر؛ لأن الآية المذكورة من سورة النحل.

ومن سورة إبراهيم

ومن سورة إبراهيم (842) قال الأوزاعي: حدثني أيوب بن موسى، عن سالم بن عبد الله (¬1)، عن عمرَ: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يعلِّمنا هؤلاءِ الكلماتِ، كما يعلِّمنا السورةَ من القرآن: «اللهُمَّ إنِّي أعوذُ بك أن أبدِّلَ نعمتَكَ كُفرًا، أو أن أجحدَها بعد إذ عرفتُها، أو أن أنساها فلا أُثني بها». رواه الإسماعيلي من حديث الأوزاعي، وفيه انقطاع بين سالم وعمرَ، إلا أنَّه حسن. أثر آخر (843) قال أبو عبيد (¬2): ثنا حجَّاج، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة: أنَّ عمرَ بن الخطاب كان يقرأ: «وإن كاد مكرهم». بالدال. وكذا قرأ علي (¬3)، ¬

(¬1) ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه بين سالم وعمر. (¬2) في «فضائل القرآن» (ص 304). وأخرجه -أيضًا- الطبري في «تفسيره» (13/ 245) من طريق حجاج، به. وصرَّح فيه ابن جريج بالسماع، فانتفت شبهة تدليسه، فانحصرت العلَّة في عدم سماع عكرمة من عمرَ. وأورده السيوطي في «الدر المنثور» (8/ 569 - ط دار هجر)، وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن الأنباري في «المصاحف». (¬3) أخرجه أبو عبيد في الموضع السابق، عن ابن مهدي. وأحمد في «العلل ومعرفة الرجال» (1/ 303 رقم 505 - رواية عبد الله) والطبري في «تفسيره» (13/ 244، 245) من طريق وكيع. كلاهما (ابن مهدي، ووكيع) عن سفيان وإسرائيل، عن أبي إسحاق (وهو السَّبيعي) عن عبد الرحمن بن أَذنان -ويقال: ابن دانيل-: أنَّ عليًّا كان يقرؤها: «وإن كاد مكرهم». وفي سنده: عبد الرحمن بن أَذنَان، وهو مجهول الحال، لم يرو عنه سوى أبي إسحاق السَّبيعي، وقد ذكره البخاري في «التاريخ الكبير» (5/ 255 رقم 823) وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (5/ 231 رقم 1096) وسكتا عنه، وذكره ابن حبان في «الثقات» (5/ 87). وانظر: «تفسير الطبري» (13/ 718 - ط دار هجر).

وأُبَي بن كعب (¬1)، وغير واحد من السَّلف. ¬

(¬1) لم أقف عليه، وأورد السيوطي في «الدر المنثور» (8/ 570)، وعزاه إلى ابن الأنباري.

أثر عند قوله: {سبعا من المثاني}

أثر عند قوله: {سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} (¬1) (844) قال خلف بن هشام البزَّار: ثنا عبد الوهاب، عن أبي مسعود، عن أبي نَضرة، عن رجل من ... (¬2) المسلمين، يقال له جابر، أو جُويبر -شك أبو مسعود-: أنَّ عمرَ بن الخطاب قال: السبعُ المثاني: هي أُمُّ الكتاب (¬3). ¬

(¬1) الحجر: 87 (¬2) موضع كلمة غير مقرؤة. (¬3) وأخرجه -أيضًا- الطبري في «تفسيره» (14/ 54) من طريق ابن عُليَّة ويزيد بن زُرَيع، عن أبي مسعود (وهو: سعيد بن إياس الجُرَيري)، عن أبي نَضرة، به. وهذا إسناد ضعيف؛ لجهالة حال راويه عن عمرَ. وخالف الحافظ، فقال في «الفتح» (8/ 382): إسناده جيد. وقد أخرج البخاري في «صحيحه» (8/ 156 رقم 4474 - فتح) في التفسير، باب ما جاء في فاتحة الكتاب، من حديث أبي سعيد بن المعلَّى -رضي الله عنه- قال: كنتُ أصلِّي في المسجد، فدَعَاني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فلم أُجِبْهُ، فقلت: يا رسول الله، إنِّي كنتُ أصلِّي. فقال: «ألم يقل اللهُ: {استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم}؟»، ثم قال لي: «لأُعلِّمنَّك سورةً هي أعظمُ السُّور في القرآن قبلَ أن تخرجَ من المسجد». ثم أخذ بيدي، فلمَّا أراد أن يخرجَ، قلتُ له: ألم تقل: لأُعلِّمنَّك سورةً هي أعظمُ سورةٍ في القرآن؟ قال: «{الحمد لله رب العالمين} هي السَّبع المثاني، والقرآنُ العظيمُ الذي أُوتِيتُهُ».

ومن سورة الكهف

ومن سورة الكهف حديث يُذكر عند قوله تعالى: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ} الآية (¬1). (845) قال البخاري (¬2): ثنا ابن أبي مريم، ثنا أبو غسَّان، ثنا زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ بن الخطاب قال: قُدِمَ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم بسَبْي، فإذا امرأةٌ من السَّبْي تَسعى، فإذا وَجَدَت صبيًّا في السَّبْي أَخَذتْهُ فألصَقَتْهُ ببطنها وأرضَعَتْهُ، فقال لنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَتَرونَ هذه طارحةً وَلَدَها في النَّارِ؟». قلنا: لا، وهي تقدرُ على ألا تَطرَحَهُ. فقال: «للهُ أرحمُ بعبادِه من هذه بوَلَدِها». وقد رواه مسلم (¬3)، عن حسن الحُلْواني، ومحمد بن سهل بن عسكر. كلاهما عن سعيد بن أبي مريم، به. حديث آخر (846) قال الحافظ أبو بكر البزَّار (¬4): ثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق، ثنا النَّضر بن شُمَيل، ثنا أبو قُرَّة، عن سعيد بن المسيّب، عن ¬

(¬1) الكهف: 58 (¬2) في «صحيحه» (10/ 426 رقم 5999 - فتح) في الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته. وهذا اللفظ الذي ساقه المؤلِّف لرواية البخاري مخالف لسياق المطبوع، وهذا نصه فيه: قَدِمَ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم سَبيٌ، فإذا امرأةٌ من السَّبيِّ قد تحلُبُ ثديَها تَسقي، إذا وَجَدَتْ صبيًّا في السَّبي أَخَذتْهُ فألصَقَتْهُ ببطنها وأرضَعَتْهُ ... والباقي سواء. انظر: «صحيح البخاري» (8/ 8 - ط دار طوق النجاة). (¬3) في «صحيحه» (4/ 2109 رقم 2754) في التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى، وأنها سَبَقت غضبَه. (¬4) في «مسنده» (1/ 421 رقم 297). وأخرجه -أيضًا- إسحاق بن راهويه في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (4/ 133 رقم 3667) ومن طريقه: أخرجه الحاكم (2/ 371) والمستَغفِري في «فضائل القرآن» (2/ 566 رقم 826) عن النَّضر بن شُمَيل، به. قال الحاكم (2/ 371): صحيح الإسناد. فتعقَّبه الذهبي بقوله: أبو قُرَّة فيه جهالة، ولم يضعَّف. وقال البوصيري في «إتحاف الخيرة المهرة» (6/ 233): هذا إسناد فيه أبو قُرَّة الأسدي، أخرج له ابن خزيمة في «صحيحه» [4/ 95]، وقال: لا أعرفه بعدالة ولا جرح. وقال المنذري في «الترغيب والترهيب» (2/ 440): رواه البزار، ورواته ثقات، إلا أنَّ أبا قُرَّة الأسدي لم يرو عنه فيما أعلم غير النَّضر بن شُمَيل. وضعَّفه الشيخ الألباني في «ضعيف الترغيب والترهيب» (1/ 485).

عمرَ بن الخطاب قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن قرأ في ليلة: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (¬1) كان له نورٌ من عدن أبينَ إلى مكةَ، حشوه الملائكة». هذا حديث غريب، وإسناده لا بأس به. ¬

(¬1) الكهف: 110

ومن سورة مريم

ومن سورة مريم (847) قال ابن أبي حاتم في «تفسيره» (¬1): ثنا أحمد بن [سنان] (¬2)، ثنا ابن مهدي، عن سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي مَعمر: أنَّ عمرَ قرأ سورةَ مريم، فلمَّا بلغ السجدةَ سَجَد، ثم قال: هذا السُّجود، فأين البكاءُ! هذا إسناد صحيح متصل. ورواه ابن جرير (¬3)، عن بُندَار، عن ابن مهدي، به، ولم يَذكر فيه أبا مَعمر (¬4)، فالله أعلم. ¬

(¬1) لم أجده في المطبوع من «تفسيره». وأخرجه -أيضًا- ابن أبي الدُّنيا في «الرِّقَّة والبكاء» (ص 275 رقم 418) والبيهقي في «شعب الإيمان» (5/ 21 رقم 1897) من طريق ابن مهدي، به. وأبو معمر هو: عبد الله بن سَخْبرة، ثقة، من كبار التابعين، وهو من الطبقة الثانية، ولم أجد من نصَّ على سماعه من عمرَ. (¬2) ما بين المعقوفين مطموس بعضه في الأصل، وهذا ما ظهر لي. (¬3) في «تفسيره» (16/ 98). (¬4) وقال المؤلِّف في «تفسيره» (3/ 127): سقط من روايته ذِكر أبي مَعمر فيما رأيت.

ومن سورة طه

ومن سورة طه (848) قال ابن أبي الدَّنيا (¬1): ثنا الحسن بن يحيى، ثنا عبد الرزاق (¬2)، أنا مالك (¬3)، عن زيد بن أسلم، عن أبيه: أنَّ عمرَ بن الخطاب كان يصلِّي من الليل ماشاء الله، حتى إذا كان من آخرِ الليلِ أيقظَ أهلَه، فيقول: / (ق 325) الصلاةَ! الصلاةَ! ويتلو هذه الآية: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} (¬4) الآية. ¬

(¬1) في «التهجد وقيام الليل» (ص 137 رقم 301). وهذا إسناد صحيح. (¬2) وهو في «المصنَّف» (3/ 49 رقم 4743). (¬3) وهو في «الموطأ» (1/ 175) في الصلاة، باب ما جاء في صلاة الليل. (¬4) طه: 132

ومن سورة الحج

ومن سورة الحج (849) قال الترمذي (¬1): ثنا عَبد بن حميد، ثنا حسين بن علي الجُعفِي، عن فضيل بن عياض، عن هشام بن حسان، عن الحسن البصري، عن عُتبة بن غَزوان قال: قال عمرُ رضي الله عنه: اذكروا النَّارَ، فإنَّ حرَّها شديدٌ، وقَعرَها بعيدٌ، ومقامعَها حديدٌ. قال الترمذي: لا نعرف للحسن سماعًا من عُتبة بن غَزوان (¬2). حديث آخر (850) قال عبد الرزاق (¬3): أنا ابن عيينة، أنا عمرو بن دينار، عن ابن أبي مُلَيْكَة، عن المِسْوَر بن مَخْرَمة قال: قال عمرُ لعبد الرحمن بن عوف: أَمَا عَلِمتَ أنَّا كنَّا نقرأ: «جاهدوا في الله حق جهاده» في آخر الزمان كما جاهدتُم في أوَّله. قال: فقال عبد الرحمن: ومتى ذلك يا أميرَ المؤمنين؟ قال: إذا كان بنو أميَّة الأمراء، وبنو المغيرة الوزراء. هذا إسناد صحيح. وهكذا رواه البيهقي في «الدلائل» (¬4)، عن أبي محمد عبد الله بن يحيى السُّكَّري، عن إسماعيل بن محمد الصفَّار، عن أحمد بن منصور ¬

(¬1) في «سننه» (4/ 605 رقم 2575) في صفة جهنم، باب ما جاء في صفة النار. (¬2) وقد أخرجه ابن أبي شيبة (7/ 76 رقم 34145) في ذِكر النار، باب ما ذُكر فيما أُعدَّ لأهل النار وشدَّته، عن حسين بن علي، عن زائدة، عن هشام، عن الحسن، عن عمرَ. ليس فيه: عُتبة بن غَزوان! وهذا -أيضًا- منقطع بين الحسن وعمرَ. (¬3) في «الأمالي في آثار الصحابة» (ص 60 رقم 69). (¬4) «دلائل النبوة» (6/ 422).

الرَّمادي، عن عبد الرزاق، به (¬1). وهو غريب مع نظافة إسناده، والله أعلم. ¬

(¬1) وأخرجه -أيضًا- الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (12/ 10 - 11) والخطيب في «تاريخه» (14/ 407) وابن عساكر في «تاريخه» (7/ 265 - 266) من طريق ابن عيينة، به. وأخرجه البَرْتي في «مسند عبد الرحمن بن عوف» (ص 44 رقم 11) والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (5/ 273، 274) و (12/ 9، 10) وأبو جعفر ابن البَختَري (ص 389، 390 رقم 567، 568 - مجموع فيه مصنَّفات أبي جعفر ابن البَختَري) وابن عساكر في «تاريخه» (7/ 266) من طريق نافع بن عمر، عن ابن أبي مُلَيْكَة، عن المِسْوَر بن مَخْرَمة قال: قال عمرُ بن الخطاب لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما: ألم يكن مما أُنزل علينا: «جاهدوا كما جاهدتم أول مرة»؟ قال: بلى. قال: فإنا لا نجدها؟ قال: أُسقِطَت مما أُسقِطَ من القرآن. قال: أتخشى أن يرجعَ الناسُ كفارًا؟ قال: ما شاء الله. قال: لئن رجعَ الناسُ كفارًا ليكونن أمراؤهم بنو فلان، ووزراؤهم بنو فلان. فائدة: قال ابن القيم في «المنار المنيف» (ص 117): وكل حديث في ذم بني أمية فهو كذب.

ومن سورة المؤمنون

ومن سورة المؤمنون (851) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا عبد الرزاق (¬2)، أخبرني يونس بن سُليم -وهو: الصَّنعاني، سكن الشَّام- قال: أَملَى عليَّ يونس بن يزيد الأَيْلي، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزُّبير، عن عبد الرحمن بن عَبْدٍ / (ق 326) القارئ قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يقول: كان إذا أُنزل على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم الوحيُ، يُسمَعُ عند وجهِهِ كَدَويِّ النَّحلِ، فمَكَثنا ساعةً، فاستقبَلَ القبلةَ، ورفع يديه، فقال: «اللهمَّ زِدْنا ولا تَنقُصْنا، وأكرِمنا ولا تُهنَّا، ولا تحرمنا (¬3)، وآثِرنَا ولا تُؤْثِرْ علينا، وارْضَ عنَّا وارضِنا»، ثم قال: «لقد أُنزلت عليَّ عشرُ آياتٍ؛ من أقامهنَّ دخل الجنَّةَ»، ثم قرأ علينا: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} حتى خَتَم العشرَ. وهكذا رواه علي ابن المديني، عن عبد الرزاق. وأخرجه الترمذي في التفسير (¬4)، عن محمد بن أبان. والنسائي (¬5)، عن إسحاق بن إبراهيم. كلاهما عن عبد الرزاق، به. ورواه الترمذي -أيضًا-، عن يحيى بن موسى، وعَبد بن حميد، وغير واحد. كلهم عن عبد الرزاق، عن يونس بن سُليم، عن الزهري، به. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 34 رقم 223). (¬2) وهو في «المصنَّف» (3/ 383 رقم 6038). (¬3) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «وأعطنا ولا تحرمنا». (¬4) (5/ 305 رقم 3173) في التفسير، باب: ومن سورة المؤمنين. (¬5) في «سننه الكبرى» (2/ 169 رقم 1443 - ط مؤسسة الرسالة).

لم يَذكروا يونس بن يزيد الأَيْلي. قال الترمذي: والأوَّل أصحُّ. وأخرجه الحاكم في «مستدركه» (¬1)، عن القَطيعي، عن عبد الله بن أحمد، عن أبيه، به. واختاره الضياء في كتابه (¬2). لكن قال النسائي: هذا حديث منكر، لا نعلم أحدًا رواه غير يونس بن سُليم، ويونس هذا لا نعرفه، والله أعلم. وكذا قال ابن معين (¬3)، وزاد: لم يرو عنه غير عبد الرزاق. وقال الإمام أحمد: سألتُ عنه عبد الرزاق، فقال: أظنُّه لاشيء. حكاه ابن أبي حاتم في كتابه (¬4) عن أحمد. حديث آخر (852) قال أبو داود الطيالسي في «مسنده» (¬5): / (ق 327) ثنا حماد بن سَلَمة، عن علي بن زيد، عن أنس قال: قال عمرُ: وَافَقتُ ربِّي عزَّ وجلَّ في أربع: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، لو صَلَّينا خلفَ المقامِ (¬6)، ولو ضَرَبتَ على نسائِكَ الحجابَ (¬7)، ونَزَلت هذه الآية: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ ¬

(¬1) (1/ 535) و (2/ 392). (¬2) «المختارة» (1/ 341 رقم 234). (¬3) في «تاريخه» (ص 230 رقم 887 - رواية الدُّوري). (¬4) «الجرح والتعديل» (9/ 240 رقم 1008). (¬5) (1/ 46 رقم 41). (¬6) زاد في المطبوع: «فنَزَلت هذه الآية: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}». (¬7) زاد في المطبوع: «فإنَّه يدخل عليهنَّ البرُّ والفاجر، فأنزل الله عزَّ وجلَّ: {وإذا سألتموهن متاعا فسألوهن من وراء حجاب}».

طِينٍ} (¬1)، فقلتُ أنا: تبارك اللهُ أحسنُ الخالقين، فنَزَلَت: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}، ودَخَلتُ على أزواجِهِ، فقلتُ: لَتَنتهينَّ، أو لَيُبْدِلَنَّه اللهُ أزواجًا خيرًا منكنَّ، فنَزَلت الآية (¬2). لبعضه شاهد في الصِّحاح (¬3)، ولكن علي بن زيد بن جُدعان في سياقته للأحاديث غرابة ونكارة، والله أعلم، والمعروف في هذا قصَّة عبد الله بن سعد بن أبي سَرْح (¬4). ¬

(¬1) المؤمنون: 12 (¬2) في المطبوع: «فنَزَلت هذه الآية: {عسى ربه إن طلقكن}». (¬3) انظر (ص 355 رقم 791). (¬4) انظر: «أسباب النزول» للواحدي (ص 254) و «الفتح السماوي» للبيضاوي (2/ 612) و «تخريج أحاديث الكشاف» للزَّيلعي (1/ 444). تنبيه: قول المؤلف: «والمعروف في هذا ...» الخ، ليس له مناسبة هنا، لكن كذا ورد في المخطوط.

حديث آخر في قوله تعالى: {وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين}.

حديث آخر في قوله تعالى: {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ} (¬1). ويُذكر -أيضًا- عند قوله: {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ} الآية (¬2). (853) قال عَبد بن حميد في «مسنده» (¬3)، و «تفسيره»: أنا عبد الرزاق، أنا معمر (¬4)، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «ائتَدِمُوا بالزَّيتِ، وادَّهِنُوا به، فإنَّه يخرجُ من شجرةٍ مباركةٍ». ورواه الترمذي (¬5)، عن يحيى بن موسى. وابن ماجه (¬6)، عن الحسين بن مهدي. كلاهما عن عبد الرزاق، به. ورواه الترمذي -أيضًا-، عن أبي داود السَّبَخي، عن عبد الرزاق، به، إلا أنه لم يَذكر فيه عمرَ! ثم قال الترمذي: لا نعرفه إلا من حديث عبد الرزاق، وكان يضطَّرب فيه، فربما ذَكَر فيه عن عمرَ، وربما / (ق 328) رواه على الشك، فقال: أَحسَبُهُ عن عمرَ، وربما قال: عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ¬

(¬1) المؤمنون: 20 (¬2) النور: 35 (¬3) «المنتخب من مسنده» (1/ 47 رقم 13). (¬4) وهو في «جامعه» الملحق بـ «المصنَّف» (10/ 422 رقم 19568) لكن سقط منه ذِكر عمر! (¬5) في «سننه» (4/ 251 رقم 1851) في الأطعمة، باب ما جاء في أكل الزيت. (¬6) في «سننه» (2/ 1103 رقم 3319) في الأطعمة، باب الزيت.

لا يَذكر عمرَ (¬1). قلت: قد روي عن أبي أَسِيد (¬2)، ¬

(¬1) وقال في «العلل الكبير» (ص 306 رقم 570): سألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: هو حديث مرسل. قلت له: رواه آخر عن زيد بن أسلم غير معمر؟ قال: لا أعلمه. وقال أبو داود: سألت أحمد عن حديث رواه عبد الرزاق، عن معمر، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم (فذكره) فقال: حدثنا به عبد الرزاق، عن معمر، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، ليس فيه عمر. «مسائل أحمد» (ص 392 رقم 1877 - رواية أبي داود). وقال عباس الدُّوري: سَمِعتُ يحيى يقول: حدَّث معمر، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (فذكره)، فقال: ليس هو بشيء، إنما هو عن زيد مرسلاً. «تاريخ ابن معين» (1/ 278 - رواية الدُّوري). وقال أبو حاتم: روى عبد الرزاق، عن معمر، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «كُلُوا الزيت، وائتدموا به ...»، حدَّث مَرَّةً عن زيد بن أسلم، عن أبيه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ... هكذا رواه دهرًا، ثم قال بعدُ: زيد بن أسلم، عن أبيه: أَحسَبُهُ عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثم لم يمت حتى جعله عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم بلا شك. «العلل» لابنه (2/ 15 رقم 1520). قال الشيخ الألباني في «السلسلة الصحيحة» (1/ 725) بعد ذِكره لكلام الإمام أبي حاتم: وهو أدق في بيان مراحل اضطِّراب عبد الرزاق فيه. ثم قال: وفيه إشعار بأن الصواب فيه مرسل، وهو ما صرَّح به ابن معين. (¬2) أخرجه الترمذي (4/ 251 رقم 1852) في الأطعمة، باب ما جاء في أكل الزيت، وأحمد (3/ 497) والعقيلي (3/ 401) والدُّولابي في "الكنى والأسماء" (1/ 41 رقم 106) والحاكم (2/ 397) والبيهقي في «شعب الإيمان» (5/ 99 رقم 5938) من طريق عبد الله بن عيسى، عن رجل يقال له: عطاء -من أهل الشَّام- عن أبي أَسِيد قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «كُلُوا الزَّيت وادَّهنوا به، فإنَّه من شجرة مباركة». قال الترمذي: هذا حديث غريب من هذا الوجه، إنما نعرفه من حديث سفيان الثوري، عن عبد الله بن عيسى. وأورده البخاري في «التاريخ الكبير» (6/ 469) في ترجمة عطاء الشامي، وقال: لم يُقِم حديثَه. وقال الشيخ الألباني في «السلسلة الصحيحة» (1/ 726): وهما ثقتان محتج بهما في «الصحيحين»، وإنما علَّته من عطاء هذا، وكأنه خفي حاله على الترمذي، وإلا لأعلَّه به، كما فعله العقيلي، فقد روى عن البخاري أنه قال فيه: لم يُقِم حديثه. قال العقيلي: وهو هذا، وقد روي بغير هذا الإسناد من وجه -أيضًا- ضعيف. وقال الذهبي في «الميزان» [3/ 77] وذكر له هذا الحديث: ليِّن البخاريُّ حديثَه، لا يُدرى من هو. ثم كأنَه نسي الذهبي هذا، فإنه لما قال الحاكم عقب الحديث: صحيح الإسناد! وافقه عليه! اهـ. وقال ابن عبد البر في «الاستيعاب» (11/ 121 - بهامش الإصابة): إسناده ضعيف مضطَّرب.

وأبي هريرة (¬1) نحو هذا، كما سيأتي (¬2) -إن شاء الله تعالى- في مسنديهما. ¬

(¬1) أخرجه ابن ماجه (2/ 1103 رقم 3320) في الأطعمة، باب الزيت، والحاكم (2/ 398) من طريق عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المَقْبري، عن جدِّه، عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «كُلُوا الزَّيت وادَّهنوا به، فإنَّه مبارَك». قال الحاكم: إسناد صحيح. ... فتعقَّبه الذهبي بقوله: عبد الله واهٍ. وقال البزار في «مسنده» (1/ 398): وهذا الكلام قد روي عن أبي أَسِيد، وعن أبي هريرة، وإسنادهما فغير ثابت. قلت: وجملة القول: أنه لا يصح في هذا الباب شيء، وأما ماذهب إليه الشيخ الألباني من تحسين هذا الحديث بمجموع طريقيه عن عمرَ وأبي أَسِيد، ففيه نظر؛ لأن حديث أبي أَسِيد منكر، تفرَّد به عطاء الشَّامي، وحديث عمرَ الصواب فيه أنه من قول زيد بن أسلم، كما رجَّح ذلك ابن معين، وقد اضطَّرب فيه عبد الرزاق، والطريق الأخرى عن عمرَ رواتها مجاهيل، ولا يخفى على الشيخ -رحمه الله- أن ما كان بهذه المثابة لا يتقوَّى. وقد قال الشيخ -رحمه الله- في خاتمة بحثه: ويكفي في فضل الزَّيت قول الله تبارك وتعالى: {يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار}. (¬2) انظر: «جامع المسانيد والسُّنن» (8/ 498 رقم 10812 - مسند أبي أَسِيد). وأما حديث أبي هريرة فلم أجده في المطبوع منه.

طريق أخرى عن عمر (854) قال أبو القاسم الطَّبراني (¬1): ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا أبي، ثنا سفيان بن عيينة، حدثني الصَّعب بن حكيم بن شريك بن نملة، عن أبيه، عن جدِّه قال: ضِفْتُ عمرَ بن الخطاب ليلةُ، فأطعَمَني عشورًا (¬2) من رأس بعير بارد، وأطعَمَنا زيتًا، وقال: هذا الزَّيتُ المبارَكُ الذي قال اللهُ تعالى لنبيِّه صلى الله عليه وسلم. هذا غريب من هذا الوجه. ¬

(¬1) في «معجمه الكبير» (1/ 74 رقم 89)، وعنه: أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (7/ 314 - 315) وقال: غريب من حديث الصعب، لم نكتبه إلا من حديث ابن عيينة وقال الشيخ الألباني في «السلسلة الصحيحة» (1/ 725): وهذا إسناد ضعيف؛ مَن دون عمر مجهولون. (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «كسورًا». وأورده المؤلف في «تفسيره»، ولفظه: ضِفْتُ عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة عاشوراء، فأطعمني من رأس بعير بارد، وأطعمنا زيتًا، وقال: ... ، فذكره.

حديث آخر: يُذكر عند قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (73) وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ (74)} (¬1) (855) قال أبو يعلى الموصلي (¬2): ثنا زُهَير، ثنا يونس بن محمد، ثنا يعقوب بن عبد الله الأشعري، ثنا حفص بن حميد، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن عمرَ بن الخطاب قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنِّي مُمسِكٌ بحُجَزِكم (¬3)، هلُمَّ عن النَّارِ، هلُمَّ عن النَّارِ، وتَغلِبُونَنِي، تقاحَمون (¬4) فيها تقاحمَ الفراشِ والجنادبِ (¬5)، فأُوشِكُ أن أُرسِلَ حُجَزَكم، وأنا فَرَطُكُم (¬6) على الحوضِ، فتردونَ عليَّ معًا وأشتاتًا، فأعرِفُكُم بسيماكم ¬

(¬1) المؤمنون: 73، 74 (¬2) لم أجده في المطبوع من «مسنده»، وهو من رواية ابن حمدان، وأورده الهيثمي في «المقصد العلي» (1/ 215 رقم 486 - رواية ابن المقرئ). وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (6/ 313 رقم 31669) في الفضائل، باب ما أعطى الله تعالى محمدًا صلى الله عليه وسلم، ويعقوب بن شيبة في «مسند عمر» (ص 84) و (ص 153 - تحقيق علي الصيَّاح) وابن أبي عاصم في «السُّنَّة» (1/ 332 رقم 744) والبزَّار (1/ 314 رقم 204) والرامهرمزي في «الأمثال» (ص 45 رقم 14) وابن عبد البر في «التمهيد» (2/ 300) والقضاعي في «مسند الشهاب» (2/ 174، 175 رقم 1128 - 1130) من طريق حفص بن حميد، به. (¬3) بحُجزكم: أصل الحُجزة: موضع شدِّ الإزار، ثم قيل للإزار حُجزة للمجاورة. «النهاية» (1/ 344). (¬4) تقاحمون: أي تقعون فيها، يقال: اقتحم الإنسان الأمر العظيم، وتَقحَّمه: إذا رمى نفسه فيه من غير رَويَّة وتبُّت. «النهاية» (4/ 18). (¬5) الجَنَادب: ضَرب من الجراد. «النهاية» (1/ 306). (¬6) فَرَطُكُم: أي: متقدِّمكم إليه. «النهاية» (3/ 434).

وأسمائكم، كما يَعرِفُ الرَّجلُ الغريبةَ من الإبلِ في إبلِهِ، ويُذهَبُ بكم ذاتَ الشِّمالِ، وأُناشِدُ فيكم ربَّ العالمين: أي ربِّ، قومِي، أي ربِّ، أُمَّتي. فيقال: يا محمدُ، إنَّك لا تَدري ما أَحدَثُوا بعدَكَ، إنَّهم كان يمشون بعدَكَ القَهْقَرَى على أعقابِهِم. فلا أَعرِفَنَّ أحدَكُم يأتي يومَ القيامةِ يَحمِلُ شاةً لها ثُغَاءُ (¬1)، يُنادِي: يا محمدُ! يا محمدُ! فأقولُ: لا أَملِكُ لك شيئًا، قد بَلَّغتُ. ولا أَعرِفَنَّ أحدَكُم يأتي يومَ القيامةِ يَحمِلُ بعيرًا له رُغَاءُ (¬2)، يُنادِي: يا محمدُ! يا محمدُ!، فأقولُ: لا أَملِكُ لك شيئًا، قد بَلَّغتُ. ولا أَعرِفَنَّ أحدَكُم يومَ القيامةِ يَحمِلُ فَرَسًا لها حَمحَمَةٌ (¬3)، فيُنادِي: يا محمدُ! يا محمدُ! فأقولُ: لا أَملِكُ لك شيئًا قد بَلَّغتُ. ولا أَعرِفَنَّ أحدَكُم يأتي يومَ القيامةِ يَحمِلُ سِقَاءً من أَدَمٍ، يُنادِي: يا محمدُ! يا محمدُ! فأقولُ: لا أَملِكُ لك شيئًا، قد بَلَّغتُ». وقد روى هذا الحديثَ عليُّ ابن المديني (¬4)، عن يونس بن محمد المؤدِّب، عن يعقوب القُمِّي، واختصره. ثم قال: ولم نَجده عن عمرَ إلا من هذا الطريق، وهو حسن الإسناد، إلا أنَّ حفص بن حميد مجهول، لا أعلم أحدًا روى عنه إلا القُمِّي، وإنما روى هذا أهل الحجاز عن أبي هريرة (¬5)، انتهى كلامه. ¬

(¬1) الثُّغاء: صياح الغنم. «النهاية» (1/ 214). (¬2) الرُّغاء: صوت الإبل. «النهاية» (2/ 240). (¬3) الحَمحَمَة: صوت الفَرَس دون الصَّهيل. «النهاية» (1/ 436). (¬4) وهو في «العلل» له (ص 94 رقم 159). (¬5) أخرجه البخاري (3/ 267 رقم 1402) في الزكاة، باب إثم مانع الزكاة، و (6/ 185 رقم 3073 - فتح) في الجهاد، باب الغلول، ومسلم (2/ 680 رقم 987) في الزكاة، باب إثم مانع الزكاة.

وقد روى عن حفص بن حميد هذا: أشعث بن إسحاق أيضًا (¬1). وقال فيه ابن معين: صالح (¬2). ووثَّقه النسائي (¬3)، وابن حبَّان (¬4). ¬

(¬1) وهذا يرد على قول ابن المديني: لا أعلم أحدًا روى عنه إلا القُمِّي. (¬2) كما في «الجرح والتعديل» (3/ 171 رقم 734). (¬3) كما في «تهذيب الكمال» (7/ 9). (¬4) في «الثقات» (6/ 196) لكن ما نصَّ على توثيقه، بل قال: يروي عن عكرمة، روى عنه يعقوب القُمِّي.

حديث فيه أن آية الرجم نسخ تلاوتها ورسمها وبقي مقتضاها وحكمها

حديث فيه أنَّ آية الرَّجم نُسِخَ تلاوتها ورسمها وبقي مقتضاها وحكمها (856) قال الحافظ أبو يعلى الموصلي (¬1): ثنا عبيد الله -هو: القَوَاريري-، ثنا يزيد بن زُرَيع، ثنا ابن عَون، عن محمد -هو: ابن سيرين-، قال: نبِّئت عن كثير بن الصَّلت قال: كنَّا عند مروان وفينا زيد، فقال زيد بن ثابت: كنَّا نقرأ: «والشيخ والشيخة فارجُمُوهُما البتَّةَ»، فقال مروان: ألا كتبتَها في المصحف؟ قال: ذَكَرنا ذلك وفينا عمرُ بن الخطاب، فقال: أنا أشفيكم من ذلك، قال: قلنا: فكيف؟ قال: جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: فذَكَر كذا وكذا، فذَكَر الرَّجم، فأتاه، فذَكَر ذلك الرَّجلُ الرَّجمَ، فقال: يا رسولَ الله، اكتِبنِي آيةَ الرَّجمِ. قال: «لا أَستطيعُ / (ق 329) الآن». هذا، أو نحوه. وهذا فيه انقطاع. لكن رواه النسائي (¬2)، عن محمد بن المثنىَّ، عن غُندَر، عن شعبة، عن قتادة، عن يونس بن جُبَير، عن كثير بن الصَّلت، عن زيد بن ثابت، به. وعن إسماعيل بن مسعود، عن خالد بن الحارث، عن ابن عَون، عن محمد: نبِّئت عن ابن أخي كثير، عن زيد. وقيل: عن محمد: نبِّئت عن كثير، به. واختاره الحافظ الضياء في كتابه. ¬

(¬1) لم أجده في المطبوع من «مسنده»، ومن طريقه: أخرجه الضياء في «المختارة» (1/ 220 رقم 117). (¬2) في «سننه الكبرى» (6/ 406، 407 رقم 7107، 7110 - ط مؤسسة الرسالة). وانظر ما علَّقته عند الحديث برقم (695)، و «السلسلة الصحيحة» للشيخ الألباني (6/ 972 رقم 2913).

أثر يذكر عند قوله تعالى: {أو نسائهن}

أثر يُذكر عند قوله تعالى: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} (¬1) (857) قال سعيد بن منصور (¬2): ثنا إسماعيل بن عيَّاش، عن هشام بن الغاز، عن عُبادة بن نُسَي، عن أبيه، عن الحارث بن قيس قال: كَتَب عمرُ بن الخطاب إلى أبي عُبيدة: أمَّا بعدُ، فإنَّه بَلَغني أنَّ نساءً من نساء المسلمين يَدخلن الحمَّامات مع نساءِ أهلِ الشِّركِ، فَانْهَ مَن قِبَلَكَ عن ذلك، فإنَّه لا يَحلُ لامرأةٍ تؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ أن يَنظرَ إلى عورتها إلا أهلُ ملَّتِها. ورواه سعيد -أيضًا- (¬3)، عن عيسى بن يونس، عن هشام بن الغاز، عن عُبادة بن نُسَي قال: كَتَب عمرُ ... ، فذَكَره. ¬

(¬1) النور: 31 (¬2) ومن طريقه: أخرجه البيهقي (7/ 95). قال الشيخ الألباني في «جلباب المرأة المسلمة» (ص 116): ورجاله ثقات؛ غير نُسَي، فإنه لم يوثِّقه غير ابن حبان (5/ 482). وقال الحافظ في «التقريب»: مجهول. (¬3) ومن طريقه: أخرجه البيهقي (7/ 95). وأخرجه -أيضًا- الطبري في «تفسيره» (18/ 121) من طريق عيسى بن يونس، به. قال الشيخ الألباني في «جلباب المرأة المسلمة» (ص 115): ورجاله ثقات؛ لكنه منقطع، فإن عُبادة لم يُدرك عمرَ -رضي الله عنه-؛ بينهما نُسَي والد عُبادة. ثم قال الشيخ في (ص 116): لكن المعنى المذكور متفق عليه بين المفسرين المحققين، كابن جرير، وابن كثير، والشوكاني، وغيرهم ممن لا يخرج عن التفسير المأثور، ولا يَعتد بآراء الخلف. وقال أبو العباس ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (22/ 112): وقوله: {أو نسائهن} احتراز عن النساء المشركات، فلا تكون المشركة قابلة للمسلمة، ولا تدخل معهن الحمَّام، لكن قد كن النسوة اليهوديات يدخلن على عائشة وغيرها، فيرين وجهها ويديها، بخلاف الرجال، فيكون هذا فى الزينة الظاهرة فى حق النساء الذمِّيات، وليس للذمِّيات أن يطلعن على الزينة الباطنة، ويكون الظهور والبطون بحسب ما يجوز لها إظهاره، ولهذا كان أقاربها تبدي لهن الباطنة، وللزوج خاصة ليست للأقارب.

أثر آخر (858) قال البخاري (¬1): وقال رَوْح، عن ابن جريج: قلت لعطاء: أواجبٌ عليَّ إذا علمتُ له مالاً أن أُكاتِبَه؟ قال: ما أراه إلا واجبًا. وقال عمرو بن دينار: قلت لعطاء: تأثُرُهُ عن أحد؟ قال: لا. ثم أخبرني: أنَّ موسى بن أنس أَخبَرَه: أنَّ سيرينَ سأل أنسًا المكاتبة، وكان كثيرَ المالِ، فأَبَى، فانطَلَق إلى عمرَ، فقال: كَاتِبه. فأَبَى، فضَرَبه بالدِّرَّة، ويتلو عمرُ: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} (¬2) فكاتَبَهُ. ¬

(¬1) في «صحيحه» (5/ 184 - فتح) في المكاتب، باب المكاتب ونجومه. قال الحافظ: وَصَله إسماعيل القاضي في «أحكام القرآن» قال: حدثنا علي ابن المديني، حدثنا رَوْح بن عُبادة، بهذا. وكذلك أخرجه عبد الرزاق [8/ 372 رقم 55578] والشافعي من وجهين آخرين عن ابن جريج. اهـ. (¬2) النور: 33

ومن سورة الفرقان

ومن سورة الفرقان (859) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا عبد الرحمن، عن مالك (¬2)، عن الزهري، عن عروة، عن عبد الرحمن بن عَبدٍ، عن عمرَ بن الخطاب قال: سَمِعتُ هشام بن حكيم يقرأُ سورةَ الفرقان في الصلاة على غير ما أقرؤها، وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها، فأخذتُ بثوبه، فذهبتُ به إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: يا رسولَ الله، إني سَمِعتُهُ يقرأُ سورةَ الفرقان على غيرِ ما أقرأتَنِيها. فقال: «اقرأ»، فقرأ القراءةَ التي سَمِعتُها منه، فقال: «هكذا أُنزِلَت»، ثم قال لي: «اقرَأ»، فقرأتُ، فقال: «هكذا أُنزِلَت، إنَّ هذا القرآنَ أُنزِلَ على سبعةِ أحرفٍ، فاقرأوا ما تَيسَّرَ». ورواه البخاري (¬3)، ومسلم (¬4)، وأبو داود (¬5)، والنسائي (¬6) من حديث مالك، به، وعندهم: سَمِعتُ هشام بن حكيم بن حِزَام. وكذا رواه أحمد -أيضًا- (¬7)، عن عبد الرزاق (¬8). وعن عبد الأعلى بن عبد الأعلى. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 40 رقم 277). (¬2) وهو في «الموطأ» (1/ 277) في الصلاة، باب ما جاء في القرآن. (¬3) في «صحيحه» (5/ 73 رقم 2419) في الخصومات، باب كلام الخصوم بعضهم في بعض. (¬4) في «صحيحه» (1/ 560 رقم 818 (270) في الصلاة، باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه. (¬5) في «سننه» (2/ 277 رقم 1475) في الصلاة، باب إنزال القرآن على سبعة أحرف. (¬6) في «سننه» (2/ 488 رقم 936) في الافتتاح، باب جامع ما جاء في القرآن. (¬7) في «مسنده» (1/ 24، 40، 42 رقم 158، 278، 296). (¬8) وهو في «جامع معمر» الملحق بـ «المصنَّف» (11/ 218 رقم 20369).

كلاهما عن معمر، عن الزهري، به. وقال فيه: هشام بن حكيم بن حِزَام. وأخرجه البخاري -أيضًا- (¬1) من طرق أخر، عن عُقيل، وشعيب، ويونس. ومسلم -أيضًا- (¬2) من حديث يونس، ومعمر. كلُّهم عن الزهري، عن عروة، عن المِسْوَر بن مَخْرَمة، وعبد الرحمن بن عبدٍ. كلاهما عن عمرَ، به. ورواه الترمذي في التفسير (¬3) من حديث عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري. وقال: صحيح. وقال علي ابن المديني بعد ما رواه من طرق: هذا حديث صحيح ثبت. ¬

(¬1) (9/ 23، 87 رقم 4992، 5041) في فضائل القرآن، باب أنزل القرآن على سبعة أحرف، و (12/ 303 رقم 6936) في استتابة المرتدين، باب ما جاء في المتأولين، و (13/ 520 رقم 7550 - فتح) في التوحيد، باب قول الله تعالى: {فاقرؤوا ما تيسر منه}. (¬2) (1/ 561 رقم 818 (271). (¬3) من «سننه» (5/ 177 رقم 2943) باب ما جاء أن القرآن أُنزل على سبعة أحرف.

ومن سورة القصص

ومن سورة القصص (860) قال ابن أبي حاتم في «تفسيره» (¬1): ثنا علي بن الحسين، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة (¬2)، ثنا عبيد الله -يعني: ابن موسى-، أنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه: أنَّ موسى عليه السلام لما وَرَد ماءَ مدينَ وَجَد عليه أُمَّةً من الناس يسقون، قال: فلمَّا فرغوا أعادوا الصخرةَ على البئر، ولا يُطيقُ رفعَها إلا عشرةُ رجالٍ، فإذا هو بامرأتين تذودان، قال: ما خَطْبُكُما؟ فحدَّثتاه، فأتى الحَجَر فرَفَعه، ثم لم يَستقِ إلا ذَنوبًا (¬3) واحدًا حتى رَوِيت الغنمُ. هذا إسناد صحيح. ¬

(¬1) (9/ 2964 رقم 16827). (¬2) وهو في «المصنَّف» (6/ 338 رقم 31833) في الفضائل، باب ما ذُكر في موسى عليه السلام من الفضل. وأخرجه -أيضًا- الحاكم (2/ 407) وابن الجوزي في «المنتظم» (1/ 335 - 336) من طريق عبيد الله بن موسى. والبيهقي (6/ 116 - 117) من طريق آدم (وهو: ابن أبي إياس). كلاهما (عبيد الله، وآدم) عن إسرائيل، به، بنحوه. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. وصحَّحه -أيضًا- الحافظ في «الفتح» (4/ 440). (¬3) الذَّنوب: الدَّلو العظيمة. وقيل: لا تُسمَّى ذَنوبًا إلا إذا كان فيها ماء. «النهاية» (2/ 171).

ومن سورة فاطر

ومن سورة فاطر (861) قال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي: أخبرني محمد بن حبَّان الباهلي البصري، ثنا عمرو بن الحصين، ثنا الفضل بن عَميرة، حدثني ميمون بن سِيَاه، عن أبي عثمان النَّهدي قال: سَمِعتُ عمرَ قال: سَمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سَابُقنا سابِقٌ، ومقتصِدُنا ناجٍ، وظالمُنا مغفورٌ له»، ثم قرأ: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} الآية (¬1). ¬

(¬1) وأخرجه -أيضًا- العقيلي (3/ 443) والواحدي في «الوسيط» (3/ 505) وابن مَردويه في «تفسيره»، كما في «تخريج أحاديث الكشاف» للزيلعي (3/ 153) و «طريق الهجرتين» لابن القيم (ص 311) من طريق الفضل بن عَميرة، به. قال العقيلي: الفضل بن عَميرة لا يُتابَع على حديثه، وهذا روي من غير هذا الوجه بنحو هذا اللفظ بإسناد أصلح من هذا. وأخرجه البيهقي في «البعث والنشور» (ص 59 رقم 65) والرافعي في «التدوين» (3/ 331) من طريق حفص بن خالد، عن ميمون بن سِيَاه، عن عمرَ، به. قال البيهقي: فيه إرسال بين ميمون بن سِيَاه وبين عمرَ -رضي الله عنه-، وروي من وجه آخر غير قوي عن عمرَ، موقوفًا عليه. وقال الشيخ الألباني في «السلسلة الضعيفة» (8/ 155): وحفص هذا مجهول، كما في «الميزان». قلت: والوجه الموقوف: أخرجه سعيد بن منصور (2/ 120 رقم 2308 - الطبعة الهندية) ومن طريقه: البيهقي في الموضع السابق، عن فَرَج بن فَضَالة، عن الأزهر بن عبد الله الحرَّاني قال: حدَّثني مَن سَمِعَ عثمان بن عفان -رضي الله عنه- وهو يَنزع هذه الآية: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ...} الآية: ألا إن سابقَنا أهلُ جهادِنا، ألا وإنَّ مقتصدَنا أهلُ حَضَرِنا، ألا وإنَّ ظالَمنا أهلُ بدوِنا. وكان عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه- إذا نزع هذه الآية قال: ألا إنَّ سابقَنا سابقٌ، ومقتصدنا ناجٌ، وظالمَنا مغفورٌ له. وهذا إسناد ضعيف؛ لجهالة من حدَّث به عن عثمان، ولضعف فَرَج بن فَضَالة. تنبيه: علَّق الشيخ الألباني في الموضع السابق على قول العقيلي: «وهذا روي من غير هذا الوجه بنحو هذا اللفظ بإسناد أصلح من هذا»، فقال: والإسناد الأصلح الذي أشار إليه العقيلي لم أعرفه ... ، ولعلَّه يشير إلى ما أخرجه الحاكم (2/ 426) من طريق جرير، حدثني الأعمش، عن رجل قد سمَّاه، عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول في قوله عزَّ وجلَّ: {فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات} قال: «السَّابق والمقتصد يدخلان الجنَّة بغير حساب، والظالم لنفسه يحاسب حسابًا يسيرًا، ثم يدخل الجنَّة». وقال: وقد اختَلَفت الروايات عن الأعمش في إسناده، فروي عن الثوري، عن الأعمش، عن أبي ثابت، عن أبي الدرداء. وقيل: عن الثوري -أيضًا- عن الأعمش. وقيل: عن شعبة، عن الأعمش، عن رجل من ثقيف، عن أبي الدرداء قال: ذَكَر أبو ثابت عن أبي الدرداء. وإذا كثُرت الروايات في الحديث ظهر أنَّ له أصلاً. قلت [أي: الألباني]: ولكن مدارُها كلّها إمَّا على رجل لم يُسمّ، فهو مجهول، وإمَّا على أبي ثابت، فهو مجهول -أيضًا-، أورده ابن أبي حاتم في «الكنى» برواية الأعمش عنه، ولم يَذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً.

/ (ق 330) ثم رواه من وجه آخر، عن عمرو بن الحصين، وهو: متروك.

ومن سورة يس

ومن سورة يس عند قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ} (¬1) حديث: «لأَن يمتلئ جوف أحدكم قَيْحًا، خيرٌ له من أن يمتلئ شِعْرًا». وسيأتي في باب الأدب من كتاب الجامع (¬2). ¬

(¬1) يس: 69 (¬2) انظر: (ص 550 رقم 945).

ومن سورة ص

ومن سورة ص (862) قال الإمام أحمد في كتاب «الزهد» (¬1): ثنا أَسباط بن محمد، ثنا ليث، عن نافع، عن ابن عمرَ: أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- خَرَج إلى حائط، فرَجَع، وقد صلُّوا العصرَ، فقال: حائطي على المساكين صدقةٌ. يعني: لفوات الجماعة. كأنَّه -رضي الله عنه- أراد التأسِّي بسليمانَ عليه السلام في قوله تعالى: {إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ} (¬2) القصَّة بتمامها على أحد التفاسير (¬3). ¬

(¬1) تقدم تخريجه (1/ 174 رقم 52). (¬2) سورة ص: 31 (¬3) انظر ما كَتَبه المؤلِّف في «تفسيره» (4/ 33).

ومن سورة الزمر

/ (ق 331) ومن سورة الزُّمر (863) ذَكَر محمد بن إسحاق في كتاب «السِّيرة» (¬1): حدثني نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ قصَّة هجرته هو وعيَّاش بن أبي ربيعة، ورجوعَ عيَّاش إلى مكة وافتتانه، ونزول قوله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} الآية (¬2). وهو سياق طويل. ¬

(¬1) لم أجده في المطبوع، ومن طريقه: أخرجه البزَّار في «مسنده» (1/ 258 رقم 155) والطبري في «تفسيره» (24/ 15) والضياء في «المختارة» (1/ 317 - 319 رقم 212 - 214) والبيهقي (9/ 13) وابن عساكر في «تاريخه» (47/ 243). وصحَّح إسنادَه الحافظ في «الإصابة» (10/ 246). (¬2) الزمر: 53

ومن سورة الأحقاف

ومن سورة الأحقاف (¬1) (864) قال جرير بن حازم (¬2): سَمِعتُ الحسن البصري يقول: قَدِمَ على عمرَ وَفدٌ من أهل البصرة مع أبي موسى، قال: فكنَّا نَدخلُ عليه، وله كلُّ يومٍ خبزٌ مأدومٌ بسمن، وربما كان بزيت، وأحيانًا باللَّبن، وربما وافَقْنا القدائدَ (¬3) اليابسةَ قد دُقَّت، ثم أُغلِيَت بالماء، وربما وافَقْنا اللَّحمَ الغَرِيضَ (¬4)، وهو قليل، فقال لنا يومًا: إنِّي واللهِ لقد أرى تَقذِيرَكم، وكراهيتَكم طعامي، وإنِّي واللهِ لو شئتُ لكنتُ أطيبَكم طعامًا، وأرقَّكَم عيشًا، أما واللهِ ما أَجهلُ عن كَراكِر (¬5)، وعن صِلاء (¬6)، وعن صَلائِق (¬7)، ولكنِّي سَمِعتُ اللهَ عَيَّر قومًا، فقال: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا}. فيه انقطاع، لكن قد روي من وجوه أخر عنه (¬8). ¬

(¬1) هذا الحديث جعله المؤلف في صفحة 332 من الأصل متأخرًا عن قوله: «ومن سورة الفتح»، وكتب بجواره: «يقدم»، لذا قدَّمته. (¬2) ومن طريقه: أخرجه ابن المبارك في «الزهد والرقائق» (ص 204 رقم 579) وأبو عبيد في «غريب الحديث» (4/ 162) وابن سعد (3/ 279) والبلاذُري في «أنساب الأشراف» (ص 184) وأبو نعيم في «الحلية» (1/ 49). (¬3) القدائد: اللحم المملوح المجفَّف في الشمس. «النهاية» (4/ 22). (¬4) الغَريض: الطَّري. «النهاية» (3/ 360). (¬5) الكَراكِر: جمع كِركِرة: الصَّدر من كلِّ ذي خُفٍّ. «المعجم الوسيط» (2/ 790). (¬6) الصِّلاء: بالمد والكسر: الشِّواء. «النهاية» (3/ 51). (¬7) الصَّلائق: واحدتها صَلِيقة، وهي الرُّقاق. وقيل: الحملان المشويَّة. «النهاية» (3/ 48). (¬8) انظر ما تقدم تعليقه (1/ 399 رقم 252).

ومن سورة الفتح

ومن سورة الفتح (865) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا قُرَاد أبو نوح، ثنا مالك بن أنس (¬2)، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: كنَّا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في سَفَر، قال: فسألتُه عن شيء ثلاثَ مراتٍ، فلم يَرُدَّ عليَّ، فقلت لنفسي: ثَكِلَتْكَ أُمُّك يا ابنَ الخطاب، نَزَرتَ (¬3) رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثلاثَ مراتٍ، فلم يَرُدَّ عليك. قال: فرَكِبتُ راحلتي، فتقدَّمتُ مخافةَ أن يكون نَزَل فيَّ شيء. قال: فإذا أنا بمنادٍ: يا عمرُ. قال: فرَجَعتُ وأنا أظنُّ أنَّه نَزَل فيَّ شيءٌ، قال: فقال لي النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «نَزَلَت عليَّ البارحةُ سُورةً هي أَحبُّ إليَّ من الدُّنيا وما فيها: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}» (¬4). ورواه البخاري (¬5)، والترمذي (¬6)، والنسائي (¬7) من طرق، عن مالك. ورواه علي ابن المديني، / (ق 332) عن مَعْن وقُرَاد، عن مالك، به. وقال: هذا إسناد مدني جيد، ولم نجده إلا عند أهل المدينة (¬8). ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 31 رقم 209). (¬2) وهو في «الموطأ» (1/ 280) في الصلاة، باب ما جاء في القرآن. (¬3) نَزَرتُ: أي: ألحَحْت في المسألة إلحاحًا. «النهاية» (5/ 40). (¬4) الفتح: 1 - 2 (¬5) في «صحيحه» (7/ 452 رقم 4177) في المغازي، باب غزوة الحديبية، و (8/ 582 رقم 4833) في التفسير، باب: {إنا فتحنا لك فتحا مبينا}، و (9/ 58 رقم 5012 - فتح) في فضائل القرآن، باب فضل سورة الفتح. (¬6) في «سننه» (5/ 359 رقم 3262) في التفسير، باب: ومن سورة الفتح. (¬7) في «سننه الكبرى» (10/ 260 رقم 11435 - ط مؤسسة الرسالة). (¬8) وانظر للفائدة: «علل الدارقطني» (2/ 146 رقم 171) و «التمهيد» (3/ 265) و «هدي الساري» (ص 373 - 374) و «النكت الظِّراف» (8/ 6).

ومن الحجرات

ومن الحجرات (866) قال أحمد في «الزهد» (¬1): ثنا عبد الرحمن، ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد قال: كُتِبَ إلى عمرَ: يا أميرَ المؤمنين، رجلٌ لا يَشتهي المعصيةَ ولا يَعملُ بها أفضلُ، أم رجلٌ يَشتهي المعصيةَ ولا يَعملُ بها؟ فكَتَب عمرُ رضي الله عنه: إنَّ الذين يشتهون المعصيةَ ولا يعملون بها أولئك الذين امتحن اللهُ قلوبَهم للتقوى، لهم مغفرةٌ وأجرٌ عظيمٌ. فيه انقطاع. ¬

(¬1) لم أجده في المطبوع.

ومن سورة الذاريات

ومن سورة الذَّاريات (867) قال الحافظ أبو بكر البزَّار (¬1): حدثنا إبراهيم بن هانئ، حدثنا سعيد بن سلاَّم العطَّار، حدثنا أبو بكر ابن أبي سَبْرة، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيّب قال: جاء صَبِيغ التَّميمي إلى عمرَ بن الخطاب، فقال: يا أميرَ المؤمنين، أخبِرني عن الذاريات ذَرْوًا؟ قال: هي الرِّياحُ، ولولا أنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُهُ ما قلتُهُ (¬2). قال: فأخبِرني عن المُقسِّمات أمرًا؟ قال: هي الملائكةُ، ولولا أنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُهُ ما قلتُهُ. قال: فأخبِرني عن الجاريات يُسرًا؟ قال: هي السُّفُنُ، ولولا أنِّي سَمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُهُ ما قلتُهُ. ثم أَمَر به فضُرِبَ مائةً، وجُعِلَ في بيت، فلمَّا بَرَأَ، دعا به، فضَرَبه مائةً أخرى، وحَمَله / (ق 333) على قَتَب، وكَتَب إلى أبي موسى الأشعري: امنَعِ الناسَ من مجالسته. فلم يزل كذلك حتى أتى أبا موسى، فحَلَف له بالأيمان الغليظة ما يجدُ في نفسِهِ ممَّا كان يجدُ شيئًا، فكَتَب في ذلك إلى عمرَ، فكَتَب عمرُ: ما أخاله إلا قد صَدَق، فخَلِّ بينَه وبين مجالسة الناس. قال البزَّار: أبو بكر ابن أبي سَبْرة: ليِّن (¬3)، وسعيد بن سلاَّم العطَّار لم يكن من أصحاب الحديث (¬4). ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 423 رقم 299). (¬2) زاد في المطبوع: «قال: فأَخبرني عن {الحاملات وِقْرًا} قال: هي السَّحاب، ولولا أنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلتُه». (¬3) بل: رُمي بالوضع. انظر: «تهذيب الكمال» (33/ 103 - 106). (¬4) كذَّبه أحمد، وقال البخاري: يُذكر بوضع الحديث. انظر: «الميزان» (2/ 141 رقم 3195).

قلت: المستغرَبُ من هذا السِّياق رَفْعُ هذا التفسير إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وإلا فقصَّة صَبِيغ بن عِسل التَّميمي مع عمرَ مشهورةٌ (¬1)، وكأنَّه -والله أعلم- إنَّما ضَرَبه لما ظهر له من حاله أنَّ سؤالَه سؤالُ تعنُّتٍ واستشكالٍ لا سؤالَ استرشادٍ واستدلالٍ، كما قد يفعله كثيرٌ من المتفلسفةِ الجهَّالِ والمبتدعةِ الضُّلاَّلِ، فنسأل اللهَ العافيةَ في هذه الحياة الدُّنيا وفي المآل. ¬

(¬1) أخرجها الآجري في «الشريعة» (1/ 481 رقم 152) وابن بطَّة في «الإبانة» (1/ 414 رقم 330 - تحقيق رضا نعسان) واللالكائي في «شرح أصول الاعتقاد» (4/ 701 رقم 1136) من طريق مَكِّي بن إبراهيم، عن الجُعَيد بن عبد الرحمن، عن يزيد بن خُصَيفة، عن السَّائب بن يزيد، عن عمرَ ... ، فذكره. وصحَّح إسنادَها الحافظ في «الإصابة» (5/ 169).

ومن سورة الطور

ومن سورة الطور (868) قال ابن أبي الدُّنيا (¬1): ثنا أبي، ثنا موسى بن داود، عن صالح المُرِّي، عن جعفر بن زيد العَبدي قال: خَرَج عمرُ يَعُسُّ (¬2) المدينةَ ذاتَ ليلةً، فمَرَّ بدار رجلٍ من المسلمين، فوافَقَه قائمًا يصلِّي، فوَقَف، فسَمِعَ قراءتَه يقرأ: {وَالطُّورِ} حتى بَلَغ: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8)}، فقال: قَسَمٌ وربِّ الكعبة حقٌّ، فنَزَل عن حماره، واستَنَدَ إلى حائط، فلَبِثَ مليًّا، ثم رجع إلى منزله، فلَبِثَ شهرًا يَعودُهُ الناسُ، لا يَدرون ما مَرَضُهُ رضي الله عنه. (869) وقال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلاَّم في كتاب «فضائل القرآن» (¬3): ثنا محمد بن صالح، ثنا هشام بن حسَّان، عن الحسن: أنَّ عمرَ قرأ: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} (¬4) فرَبَا لها رَبوةً، عِيدَ منها عشرين يومًا. ¬

(¬1) لم أقف عليه في مظانِّه من مصنَّفاته المطبوعة، ومن طريقه: أخرجه ابن قدامة في «الرِّقة والبكاء» (ص 165 - 166). وأخرجه -أيضًا- ابن عساكر في «تاريخه» (44/ 308) من طريق موسى بن داود، به. وإسناده ضعيف؛ لضعف صالح المُرِّي، وانقطاعه بين جعفر بن زيد وعمر. وله طريق أخرى: أخرجها ابن أبي الدُّنيا في «الرِّقة والبكاء» (ص 93 - 94 رقم 100) من طريق الشعبي، عن عمرَ، بنحوه. وهذا منقطع بين الشعبي وعمر. (¬2) أي: يطوف بالليل يحرس الناس، ويكشف أهل الرِّيبة. «النهاية» (3/ 236). (¬3) (ص 136). وأخرجه -أيضًا- أحمد في «الزهد» (ص 149 - ط دار الريان) وأبو نعيم في «الحلية» (1/ 51) والدِّينوري في «المجالسة» (2/ 376 رقم 545) من طريق الحسن، به، بنحوه. وهو منقطع، الحسن لم يَسْمع من عمرَ. (¬4) الطور: 7

حديث يذكر عند قوله تعالى: {والبحر المسجور}

حديث يُذكر عند قوله تعالى: {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} (¬1) (870) قال الإمام أحمد (¬2): ثنا يزيد، ثنا العوَّام، حدثني شيخٌ كان مرابطًا بالسَّاحل قال: لقيتُ أبا صالح مولى عمرَ بن الخطاب، فقال: حدَّثنا عمرُ بن الخطاب، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس مِن ليلةٍ إلا والبحرُ يُشرِفُ فيها ثلاثَ مراتٍ، يَستأذِنُ اللهَ عزَّ وجلَّ أن يَنفَضِخَ (¬3) عليهم، فيَكُفُّهُ اللهُ عزَّ وجلَّ». (871) وقال أبو بكر الإسماعيلي: ثنا الحسن بن سفيان، عن إسحاق بن راهويه (¬4)، / (ق 334) عن يزيد -وهو ابن هارون- عن العوَّام بن حوشب: حدثني شيخ مرابِط قال: خَرَجتُ ليلةً لِمَحرَسي، لم يخرج أحدٌ من الحرس غيري، فأتيتَ الميناءَ، فصَعَدتُ، فجعل يَخيَّل إليَّ أنَّ البحرَ يُشرِفُ حتى يحاذي برؤوس الجبال، فَعَل ذلك مرارًا، وأنا مستيقظٌ، فلَقِيتُ أبا صالح، فقال: حدَّثنا عمرُ بن الخطاب: أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «ما مِن ليلةٍ إلا والبحرُ يُشرِفُ ثلاثَ مراتٍ، يَستأذِنُ اللهَ أن يَنفَضِخَ عليهم، فيَكُفُّهُ اللهُ عزَّ وجلَّ». فيه رجل مبهم لم يُسمّ، والله أعلم بحاله. ¬

(¬1) الطور: 6 (¬2) في «مسنده» (1/ 43 رقم 303). قال الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه لـ «مسند الإمام أحمد» (1/ 286): إسناده ضعيف؛ لجهالة الشيخ الذي روى عنه العوَّام بن حَوشب، وأبو صالح مولى عمر مجهول أيضًا. (¬3) ينفضخ: أي: يتدفق. انظر: «النهاية» (3/ 453). (¬4) وهو في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (2/ 343 رقم 2060).

ومن سورة الرحمن

ومن سورة الرحمن (872) قال عَبد بن حميد (¬1): ثنا يحيى بن عبد الحميد، ثنا حُصين بن عمر، ثنا مُخارِق، عن طارق بن شهاب، عن عمرَ بن الخطاب قال: جاء أناسٌ من اليهود إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا محمد، أفي الجنَّة فاكهة؟ قال: «نعم، فيها فاكهة ونخل ورمان»، قالوا: أفيأكلون كما يأكلون في الدُّنيا؟ قال: «نعم، وأضعاف»، قالوا: فيقضون الحوائجَ؟ قال: «لا، ولكنهم يَعرقون ويَرشحون، فيُذهِبُ اللهُ ما في بطونِهم من أذًى». هذا غريب من هذا الوجه، لأنَّ حصين بن عمر الأحمسي تكلَّموا فيه (¬2)، ولكن قد روي من غير هذا الوجه، كما سيأتي في موضعه. والمشهورُ عن النصارى: إنكارُ التلذُّذ بالطعام والشَّراب في الجنَّة، إنما هو الأصواتُ والمناظرُ الحسنةُ! وإليه ذهب بعض اليهود، كما دل / (ق 335) عليه هذا السِّياق، وكما حكاه أصحابُ المقالات عنهم. وقد ردَّ اللهُ ذلك عليهم في كتابه العزيز، قال تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} (¬3)، وقال تعالى: {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} (¬4)، ¬

(¬1) في «المنتخب من مسنده» (1/ 86 رقم 35). وأخرجه -أيضًا- الحارث بن أبي أسامة في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (5/ 135 - 136 رقم 4593) والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (14/ 372 - 373 رقم 5687) وأبو نعيم في «صفة الجنة» (2/ 189 - 190 رقم 348) من طريق يحيى بن عبد الحميد، به. (¬2) قال عنه البخاري: منكر الحديث، ضعَّفه أحمد. وقال أبو حاتم: واهي الحديث جدًّا، لا أعلم يروي حديثًا يُتابَع عليه، وهو متروك الحديث. انظر: «التاريخ الكبير» (3/ 10 رقم 38) و «الجرح والتعديل» (3/ 194 رقم 842). (¬3) الحاقة: 24 (¬4) الرعد: 35

وقال تعالى: «يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهي (¬1) الأنفس وتلذ الأعين» (¬2)، في آي كثير من القرآن، وجاءت السُّنَّة المتواترة عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك -أيضًا-، ولله الحمد والمنَّة. ¬

(¬1) بهاء واحدة. وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو. انظر: «النشر في القراءات العشر» (2/ 370). (¬2) الزخرف: 71

أثر في ذكر العبقري

أثر في ذِكر العَبقَري (¬1) (873) قال أبو عبيد (¬2): حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن تَوبة العَنْبري، عن عكرمة بن خالد، عن عبد الله بن عمَّار: أنَّه رأى عمرَ يَسجدُ على عَبقَري. قال يحيى بن سعيد: إنما هو: عبد الله بن أبي عمَّار، ولكن كان سفيان يقول كذلك. قال أبو عبيد: العَبقَري: البُسُط التي فيها الأصباغ والنُّقوش، والعَبقَري: جمعٌ، واحده عَبقَريةٌ، وكذلك الرَّفرَف، واحدتُهُ: رَفْرَفَة، زَعَم ذلك الأحمر. قال: وهو منسوب إلى بلاد يقال لها: عَبقَر، يُعمَلُ بها الوَشْي. قال ذو الرُّمَّة: حتى كأنَّ رياضَ القُفِّ ألبَسَها ... مِن وَشْي عَبقَرَ تَجليلٌ وتَنجيدُ قال: والعربُ ينسبون إلى هذه البلاد كلَّ شيءٍ يريدون مدحَهُ، ويَرفعون قدرَهُ، وما وَجَدنا أحدًا يدري أين هذه البلاد، ومتى كانت، والله أعلم. ¬

(¬1) هذا الأثر كان قد كَتَبه المؤلِّف ضمن تفسير سورة الغاشية، إلا أنَّه كَتَب بجواره: «يقدَّم من سورة الغاشية إلى هنا، ذكرناه هناك غلطًا». (¬2) في «غريب الحديث» (4/ 292).

ومن سورة المجادلة

ومن سورة المجادلة حديث يُذكر عند قوله تعالى: {إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} (¬1) (874) روى الحافظ أبو بكر الإسماعيلي من حديث نصر بن خزيمة بن جُنَادة بن محفوظ بن علقمة: حدَّثني أبي، عن نَصر بن علقمة، عن أخيه، عن عبد الرحمن بن عائذ قال: قال عمرُ: جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: زوِّدني كلمةً أعيشُ بها. قال: «استحِي اللهَ، كما تستحيِّ رجلاً من صالح عشيرتك، لا يُفارقُك». إسناده غريب. وفي حديث القَدَر (¬2): «فإن لم تكن تَرَاه؛ فإنَّه يَرَاك». حديث آخر (875) قال الإمام أحمد (¬3): ثنا أبو كامل، ثنا إبراهيم، ثنا ابن شهاب، عن أبي الطُّفيل عامر بن واثِلة: أنَّ نافع بن عبدالحارث لَقِيَ عمرَ بن الخطاب بعُسْفان (¬4)، وكان عمرُ استعمَلَه على مكة، فقال له عمر: مَن استَخلفتَ على أهل الوادي؟ قال: استَخلفتُ عليهم ابن أَبْزَى، قال: ومَن ابنُ أَبْزَى؟ قال: رجلٌ من موالينا. قال عمرُ: استَخلفتَ عليهم مولىً! فقال: إنَّه قارئٌ لكتاب الله، عالِمٌ بالفرائض، ¬

(¬1) المجادلة: 7 (¬2) سيأتي في كتاب الإيمان (ص 507 رقم 91). (¬3) في «مسنده» (1/ 35 رقم 232). (¬4) عُسْفان: موضع بين الجُحفة ومكة. «معجم البلدان» (4/ 121).

قاصٌّ (¬1). فقال عمرُ: أَمَا إنَّ نبيَّكُم صلى الله عليه وسلم قد قال: «إنَّ اللهَ يَرفَعُ بهذا الكتابِ أقوامًا، ويَضَعُ به آخرين». ورواه مسلم (¬2)، عن زُهَير بن حرب، عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن الزهري، به. وأخرجه ابن ماجه (¬3)، عن أبي مروان محمد بن عثمان العثماني، عن إبراهيم بن سعد، به. ورواه مسلم -أيضًا- (¬4) من حديث شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، به. ورواه علي ابن المديني، عن يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه. وعن عبد الرزاق، عن معمر (¬5). كلاهما عن الزهري، به. طريق أخرى (876) ورواه أبو يعلى الموصلي (¬6)، عن إبراهيم بن الحجَّاج السَّامي، ثنا حماد بن سَلَمة، عن / (ق 336) حميد، عن الحسن بن سَلْم (¬7): أنَّ عمرَ بن الخطاب استَعمَلَ ابنَ عبدالحارث على مكةَ ... ، وذَكَر نحو ما تقدَّم. ¬

(¬1) كذا ورد بالأصل. وكَتَب المؤلِّف بجوارها في حاشية الأصل: «قاض»، وهو الموافق للمطبوع. (¬2) في «صحيحه» (1/ 559 رقم 817) في الصلاة، باب فضل من يقوم بالقرآن ويُعلِّمه. (¬3) في «سننه» (1/ 79 رقم 218) في المقدمة، باب فضل من تعلم القرآن وعلَّمه. (¬4) في الموضع السابق. (¬5) وهو في «جامعه» الملحق بـ «المصنَّف» (11/ 439 رقم 20944). (¬6) في «مسنده» (1/ 185 رقم 210). (¬7) ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه بين الحسن بن سَلْم وعمر.

طريق أخرى (877) قال أبو يعلى (¬1): وحدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق، سَمِعتُ أبي يقول: ثنا الحسين بن واقِد، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت: أنَّ عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: خَرَجتُ مع عمرَ بن الخطاب إلى مكة، فاستقبَلَنا أميرُ مكة نافعُ بن علقمة -ويُسمَّى بعمٍّ له يقال له: نافع- فقال: مَن استَخلفتَ على مكة؟ قال: استَخلفتُ عليها عبد الرحمن بن أَبْزَى. قال: عَمَدتَ إلى رجلٍ من الموالي، فاستَخلفتَهُ على مَن بها مِن المسلمين وأصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قال: نعم، وَجَدتُهُ أقرأَهم لكتاب الله، ومكةُ أرضٌ مُحتَضَرَة (¬2)، فأحببتُ أن يَسْمعوا كتابَ الله من رجلٍ حَسَنِ القراءةِ. قال: نِعْمَ ما رأيتَ، إنَّ اللهَ يرفعُ بالقرآن أقوامًا، ويَضَعُ بالقرآن أقوامًا، وإنَّ عبد الرحمن بن أَبْزَي ممَّن رَفَعَهُ اللهُ بالقرآن. هذا إسناد جيد، ولم يخرِّجوه (¬3). ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 186 رقم 211). (¬2) الحاضرة: خلاف البادية. والمعنى: يقصدها الكثيرون من أهل الأرض. (¬3) في هذا نظر؛ فقد قال الحافظ في «المطالب العالية» (2/ 380): ورجاله ثقات، وفيه نظر؛ لأن عبد الرحمن يَصغر عن ذلك، وقد أخرجه مسلم من طريق الزهري، عن أبي الطُّفيل، عن عمرَ -رضي الله عنه- بغير هذا السياق، وفيه القصة بالمعنى، وقال فيه: فتلَّقاه نافع بن عبد الحارث الخُزَاعي، وهو المحفوظ. وانظر ما تقدَّم تعليقه (1/ 287 رقم 149).

ومن سورة الحشر

ومن سورة الحشر وكان ابن عباس يقول: سورة بني النَّضير (¬1). (878) قال أبو داود رحمه الله (¬2): حدثنا الحسن بن علي ومحمد بن يحيى بن فارس -المعنى واحد- قالا: حدثنا بِشر بن عمر الزَّهراني، حدثني مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن مالك بن أوس قال: أَرسَلَ إليَّ عمرُ حين تعالى النَّهار، فجئتُهُ، فوَجَدتُهُ جالسًا على سرير، مُفضِيًا إلى رمالِهِ (¬3)، فقال حين دَخَلتُ عليه: يامَالْ (¬4) / (ق 337) إنَّه قد دَفَّ أهلُ أبياتٍ (¬5) من قومِك، وقد أَمَرتُ فيهم بشيء، فاقسِم فيهم، قلتُ: لو أَمَرتَ غيري بذلك؟ فقال: خُذه. فجاءه يَرْفَأُ، فقال: يا أميرَ المؤمنين، هل لك في عثمانَ بن عفَّان وعبد الرحمن بن عوف والزُّبيرِ بن العوَّام وسعدِ بن أبي وقاص؟ قال: نعم. فأَذِنَ لهم، فدخلوا. ¬

(¬1) أخرجه البخاري (7/ 329 رقم 4029) في المغازي، باب حديث بني النضير، و (8/ 629 رقم 4883 - فتح) في التفسير، باب منه. (¬2) في «سننه» (3/ 441 رقم 2963) في الخراج والإمارة، باب صَفَايا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأموال. (¬3) رِماله: ضبطها المؤلِّف بكسر الراء، وضبطها ابن الأثر بالضم، والرُّمال: ما رُمِلَ، أي: نُسِجَ، والمراد: أنَّ السَّرير قد نُسِجَ وجهه بالسَّعَف، ولم يكن على السَّرير وطاء سوى الحصير. «النهاية» (2/ 265). (¬4) بكسرِ الراء وضمِّها، وهو ترخيم: يامالك. (¬5) دَفَّ أهل أبيات: أي قَدِمَ عليهم جماعة يدفُّون للنُّجعة وطلب الرِّزق. «أساس البلاغة» للزمخشري (1/ 276).

ثم جاءه يَرْفَأ، فقال: يا أميرَ المؤمنين، هل لك في العبَّاسِ وعليٍّ؟ قال: نعم، فأَذِنَ لهم (¬1)، فدخلوا. فقال العبَّاس: يا أميرَ المؤمنين، اقض بيني وبين هذا -يعني: عليًّا-، فقال بعضهم: أَجَل، يا أميرَ المؤمنين، فاقضِ بينهما، وأَرِحْهُما. -قال مالك بن أوس: خُيِّل إليَّ أنَّهما قَدَّما أولئك النَّفر لذلك-. فقال عمرُ رضي الله عنه: اِتَّئِدَا (¬2)، ثم أَقبَلَ على أولئك الرَّهط، فقال: أنشدُكم بالله الذي بإذنه تقومُ السماءُ والأرضُ، هل تعلمون أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نُورَثُ، ما تَرَكنا صدقةٌ»؟ قالوا: نعم. ثم أَقبَلَ على عليٍّ والعبَّاس-رضي الله عنهما-، فقال: أنشدُكما بالله الذي بإذنه تقومُ السماءُ والأرضُ، هل تعلمانِ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «لا نُورَثُ، ما تَرَكنا صدقةٌ»؟ فقالا: نعم. قال: فإنَّ الله خَصَّ رسولَه بخاصةٍ لم يَخُصَّ بها أحدًا من الناس، فقال: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (¬3) / (ق 338) فكان اللهُ عزَّ وجلَّ أفاء على رسوله بني النَّضير، فوالله ما استأثَرَ بها عليكم، ولا أخذها دونَكم، فكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يأخذ منها نفقةَ سَنَة، أو نفقتَه ونفقةَ أهله سَنَة، ويجعلُ ما بقي أسوةَ المال. ثم أَقبَلَ على أولئك الرَّهط، فقال: أنشدُكم بالله الذي بإذنه تقومُ السماءُ والأرضُ، هل تعلمون ذلك؟ قالوا: نعم. ثم أَقبَلَ على العبَّاس وعليٍّ، فقال: أنشدُكما بالله الذي بإذنه تقومُ السماءُ والأرضُ، هل تعلمانِ ذلك؟ قالا: نعم. ¬

(¬1) كذا ورد بالأصل. وكَتَب المؤلِّف فوقها: كذا. (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «اِتّئدوا»، والمعنى: تمهَّلوا. (¬3) الحشر: 7

فلمَّا تُوفِّي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكرٍ رضي الله عنه: أنا وَلِيُّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فجئتَ أنت وهذا إلى أبي بكر تطلبُ أنت ميراثَك من ابن أخيك، ويطلبُ هذا ميراثَ امرأتِهِ من أبيها، فقال أبو بكرٍ رضي الله عنه: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا نُورثُ، ما تَرَكنا صدقةٌ»، والله يعلم أنَّه صادقٌ بارٌّ راشدٌ، متابعٌ للحقِّ، فوَلِيَهَا أبو بكرٍ، فلمَّا توفِّي، قلتُ: أنا وَلِيُّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ووَلِيُّ أبي بكرٍ -رضي الله عنه-، فوُلِّيتُها ما شاء اللهُ أن أَلِيَهَا، فجئتَ أنت وهذا وأنتما جميع، وأمرُكما واحدٌ، فسَأَلتُمَانِيها، فقلتُ: إنْ شئتُما أن أدفعَها إليكما على أنَّ عليكما عهدَ الله أن تَلِيَاهَا بالذي كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَلِيَهَا، فأخذتماها منيِّ على ذلك، ثم جئتُماني لأَقضِيَ بينكما بغير ذلك؟! والله لا أقضي بينكما / (ق 339) بغير ذلك حتى تقومَ الساعة، فإن عَجِزتُما عنها، فرُدَّاها إليَّ (¬1). وقد أخرجه بقيَّة الجماعة إلا ابن ماجه (¬2)، من طرق عن الزهري، به. ¬

(¬1) فائدة: قال أبو داود: إنمَّا سألاه أن يكونَ يُصيِّره بينهما نصفين، لا أنهما جَهِلا أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا نُورَثُ، ما تَرَكنا صدقةٌ»، فإنهما كانا لا يطلبان إلا الصواب، فقال عمرُ: لا أوقعُ عليه اسم القَسم، أدعه على ما هو عليه. انظر: «عون المعبود» (8/ 184). (¬2) أخرجه البخاري (6/ 93، 197 رقم 2904، 3094) في الجهاد والسير، باب المجن ومن يتَّرس بتُرس صاحبه، وفي فرض الخمس، باب فرض الخمس، و (7/ 334 رقم 4033) في المغازي، باب حديث بني النضير، و (9/ 629 رقم 4885) في التفسير، باب قوله: {ما أفاء الله على رسوله}، و (9/ 501، 502 رقم 5357، 5358) في النفقات، باب حبس نفقة الرجل قوت سنة على أهله، و (12/ 6 رقم 6728) في الفرائض، باب قول النبيِّ: لا نورث، ما تركنا صدقة، و (13/ 277 رقم 7305 - فتح) في الاعتصام، باب ما يكره من التعمق والتنازع في العلم، ومسلم (3/ 1376 رقم 1757) في الجهاد، باب حكم الفيء، والترمذي (4/ 135 رقم 1610) في السِّير، باب ما جاء في تركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنسائي في «سننه الكبرى» (6/ 98 - 100 رقم 6273 - 6276 - ط مؤسسة الرسالة).

ثم قال أبو داود (¬1): ثنا عثمان بن أبي شيبة، وأحمد بن عَبدة -المعنى- أنَّ سفيان بن عيينة أخبَرَهما عن عمرو بن دينار، عن الزهري، عن مالك بن أوس بن الحَدَثان، عن عمرَ قال: كانت أموالُ بني النَّضير ممَّا أفاء اللهُ على رسوله، ممَّا لم يُوجِفُ المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصًا، يُنفِقُ على أهل بيته -قال ابن عَبدة: يُنفِقُ على أهله- قوتَ سَنَته، فما بقي جَعَله في الكُرَاع (¬2)، والسِّلاح، عُدَّةً في سبيل الله - قال ابن عَبدة: في الكُراع والسِّلاح-. وأخرجوه -أيضًا- من حديث الزهري. (879) ثم قال أبو داود (¬3): ثنا مُسدَّد، ثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا أيوب، عن الزهري (¬4) قال: قال عمرُ رضي الله عنه: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ}. قال الزهري: قال عمرُ: هذه لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصَّةً، قُرًى عربيةً، وكذا وكذا (¬5)، ممَّا أفاء اللهُ على رسوله من أهل القرى، فلله، ولرسوله، ولذي القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل، وللفقراء الذين أخرجوا من ديارهم ¬

(¬1) في «سننه» (3/ 444 رقم 2965) في الخراج والإمارة، باب صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم. (¬2) الكُرَاع: اسم لجميع الخيل. «النهاية» (4/ 165). (¬3) (3/ 444 رقم 2966) في الموضع السابق. (¬4) ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه بين الزهري وعمر. (¬5) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «فَدَك، وكذا وكذا».

وأموالهم، والذين تبوَّؤا الدَّار والإيمان / (ق 340) من قبلهم، والذين جاءوا من بعدهم، فاستَوعَبَتْ هذه الناسَ، فلم يَبقَ أحدٌ من المسلمين إلا له فيها حقٌّ -قال أيوب: أو قال: حظٌّ- إلا بعض مَن تملِكون من أرقَّائكم.

ومن سورة الممتحنة

ومن سورة الممتحنة (880) قال علي ابن المديني: ثنا عمر بن يونس اليَمَامي، ثنا عكرمة بن عمَّار، حدثني أبو زُمَيل، عن ابن عباس، عن عمرَ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أدرَك حاطبَ بن أبي بَلتَعة وقد كَتَب كتابًا إلى أهلِ مكةَ، يُخبرهم بمسير رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقلتُ: دعني يا رسولَ الله فأضربُ عُنُقَه. فقال: «دَعهُ يا عمرُ، فما يُدرِيكَ، لعلَّ اللهَ قد اطَّلَعَ على أهلِ بدرٍ، فقال: اعمَلُوا ما شئتُم، فقد غَفَرتُ لكم» (¬1). ثم قال: لم نجده عن عمرَ إلا من هذه الطريق، وقد روي عن عليٍّ من وجوه صحاح. قلت: حديث علي بن أبي طالب مخرَّج في «الصحيحين» (¬2)، وفي ¬

(¬1) وأخرجه -أيضًا- يعقوب بن شيبة في «مسند عمر» (ص 54) والبزَّار في «مسنده» (1/ 308 رقم 197) والقَطيعي في «جزء الألف دينار» (ص 393 رقم 254) والضياء في «المختارة» (1/ 285 - 287 رقم 174 - 177) من طريق عكرمة بن عمَّار، به، وحسَّن إسنادَه يعقوب بن شيبة. وقال الحافظ في «المطالب العالية» (4/ 173): إسناده صحيح. (¬2) أخرجه البخاري (6/ 143، 190 رقم 3007، 3081) في الجهاد، باب الجاسوس، وباب إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمة ... ، و (7/ 304، 519 رقم 3983، 4274) في المغازي، باب فضل من شهد بدرًا، وباب غزوة الفتح، و (8/ 633 رقم 4890) في التفسير، باب: {لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} و (11/ 46 رقم 6259) في الاستئذان، باب من نظر في كتاب من يُحذر على المسلمين ... ، و (13/ 304 رقم 6939 - فتح) في استتابة المرتدين، باب ما جاء في المتأولين، ومسلم (4/ 1941 رقم 2494) في فضائل الصحابة، باب من فضائل أهل بدر.

سياقه نزول قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} الآيات. وهذه الطرق جيدة، ولم يخرِّجها أحدٌ من أصحاب الكتب، وهي على شرط مسلم، والله أعلم (¬1). ¬

(¬1) وانظر ما تقدم تعليقه (ص 189 - 190 رقم 633).

ومن سورة الجمعة

ومن سورة الجمعة (881) قال أبو عبيد (¬1): ثنا هشيم، ثنا مغيرة، عن إبراهيم، عن خَرَشة بن الحُرِّ: أنَّ عمرَ بن الخطاب رأى معه لوحًا مكتوبًا فيه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (¬2). فقال: مَن ¬

(¬1) في «فضائل القرآن» (ص 314). وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (1/ 482 رقم 5558) في الصلاة، باب السعي إلى الصلاة يوم الجمعة، وعمر بن شبَّة في «تاريخ المدينة» (2/ 711 - 712) من طريق هشيم، به. وله طريق أخرى صحيحة: أخرجها الشافعي في «الأم» (1/ 196) والدارقطني في «العلل» (2/ 253 - 254) وأبو نعيم في «الحلية» (9/ 29) والبيهقي (3/ 227) والخطيب في «تاريخه» (10/ 102) من طريق ابن عيينة. وعبد الرزاق (3/ 207 رقم 5348) -ومن طريقه: ابن المنذر في «الأوسط» (4/ 53 رقم 1787) - عن معمر وغيره. والطبري في «تفسيره» (28/ 100) من طريق يونس. ثلاثتهم (ابن عيينة، ومعمر، ويونس) عن الزهري. والطبري في «تفسيره» (28/ 100) من طريق حنظلة بن أبي سفيان. كلاهما (الزهري، وحنظلة) عن سالم، عن أبيه: أنَّ عمرَ كان يقرأ: «فامضوا إلى ذكر الله». وهذا إسناد صحيح، كما قال الشيخ الألباني في «مختصر صحيح البخاري» (3/ 293). وقد علَّقه البخاري في «صحيحه» (8/ 641 - فتح) في التفسير، باب سورة الجمعة، بصيغة الجزم، فقال: وقرأ عمر: «فامضوا إلى ذكر الله». فائدة: قال ابن المنذر: وأكثر القرَّاء على القراءة التي في المصاحف: {فاسعوا إلى ذكر الله}، وممن كان يقرأ هذه الآية أُبَي بن كعب وعوام القرَّاء، وهُم وإن اختلفوا في قراءة الآية، فلا أحسبهم يختلفون في معناها، لأني لا أحفظ عن أحد منهم أنه قال: معناه السعي على الأقدام والعدو، والدليل على صحة هذا المعنى ثبوت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن السعي على الأقدام إلى الصلوات، ودَخَلت الجمعة في جُمَل الصلوات وعمومها. (¬2) الجمعة: 9

أَقرأك، أو مَن أملى عليك هذا؟ فقال: أُبَيّ بن كعب. فقال: إنَّ أُبَيًّا كان أقرأنا للمنسوخ، اقرأها: «فامضوا إلى ذكر الله». إسناد صحيح.

ومن سورة التغابن

ومن سورة التغابن (882) قال أبو عبيد (¬1): ومن حديث جعفر بن عَون، عن مِسْعَر، عن أبي الضُّحى، يُسندُهُ إلى عمرَ: أنَّه سَمِعَ رجلاً يتعوَّذ من الفتن، فقال عمرُ: اللهمَّ إنِّي أعوذ بك من الضَّفاطَة، أتسألُ ربَّك ألا يرزقَك أهلاً ومالاً. أو قال: أهلاً وَوَلَدًا. قال أبو عبيد: معناه عندي: قول الله تعالى {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} (¬2) فهذا الذي أراده عمر. والضَّفاطَة: ضَعْف الرأي. ¬

(¬1) في «غريب الحديث» (4/ 246). (¬2) التغابن: 15

ومن سورة التحريم

ومن سورة التحريم (883) قال الهيثم بن كُلَيب في «مسنده» (¬1): ثنا أبو قِلاَبة عبد الملك بن محمد الرَّقَاشي، ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا جرير بن حازم، / (ق 341) عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لحفصةَ: «لا تُحدِّثي أحدًا، وإنَّ أُمَّ إبراهيمَ عليَّ حرامٌ». فقالت: أَتُحرِّم ما أحلَّ اللهُ لك؟ قال: «فوالله لا أَقرَبُهَا». قلتُ: فلم تَقِرَّ بها نفسُها حتى أخبَرَتْ عائشةَ، فأنزل اللهُ عزَّ وجلَّ: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} (¬2). هذا إسناد صحيح على شرطهما (¬3)، ولم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب الكتب، وإنما اختاره الضياء في كتابه. ¬

(¬1) ليس في القسم المطبوع من «مسنده»، ومن طريقه: أخرجه الضياء المقدسي في «المختارة» (1/ 299 - 300 رقم 189). (¬2) التحريم: 2 (¬3) لكن له علَّة، فقد تفرَّد بروايته جرير بن حازم دون بقية أصحاب أيوب المتقنين، وقد قال الإمام أحمد: جرير بن حازم يروي عن أيوب عجائب. انظر: «شرح علل الترمذي» لابن رجب (2/ 513). وله طريق أخرى صحيحة: أخرجها النسائي في «سننه» (7/ 83 رقم 3969) في عشرة النساء، باب الغيرة، والحاكم (2/ 493) والبيهقي (7/ 353) والضياء في «المختارة» (5/ 69، 70 رقم 1694، 1695) من طريق حماد بن سَلَمة، عن ثابت، عن أنس -رضي الله عنه- قال: كان لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم أَمَةٌ يَطَؤُها، فلم تَزَل به عائشةُ وحفصةُ حتى حَرَّمها، فأنزل الله: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ...} الآية. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وصحَّحه -أيضًا- الحافظ في «التلخيص الحبير» (3/ 208) والشيخ الألباني في «صحيح سنن النسائي» (2959). ... وقد ورد في سبب نزول الآية سبب آخر، وذلك فيما أخرجه البخاري في «صحيحه» (9/ 374 رقم 5267 - فتح) في الطلاق، باب: {لم تحرم ما أحل الله لك} من حديث عائشة -رضي الله عنها-: أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَمكثُ عند زينب بنت جَحش ويشرب عندها عَسَلاً، فتَوَاصيتُ أنا وحفصةُ أن أيَّتُنا دخل عليها النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فلتقُل: إنِّي لأجدُ منك ريحَ مغافيرَ، أكلتَ مغافيرَ، فدخل على إحداهما، فقالت له ذلك، فقال: «لا بأس، شَربتُ عَسَلاً عند زينب بنت جَحش، ولن أعودَ له». فنَزَلت: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} إلى قوله: {إن تتوبا إلى الله}: لعائشةَ وحفصةَ، {وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا} لقوله: بل شَربتُ عَسَلاً. قال الحافظ في «الفتح» (8/ 657): فيحتمل أنَّ الآية نَزَلت في السَّببين معًا.

حديث آخر (884) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثَور، عن ابن عباس قال: لم أزل حريصًا على أن أسأَلَ عمرَ عن المرأتين من أزواج النبيِّ صلى الله عليه وسلم اللَّتين قال الله عزَّ وجلَّ: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} (¬2) حتى حجَّ عمرُ، وحَجَجتُ معه، فلمَّا كنَّا ببعض الطريق عَدَل عمرُ وعَدَلتُ معه بالإداوة، فتَبرَّز، ثم أتاني، فسَكَبتُ على يديه، فتوضَّأ، فقلت: يا أميرَ المؤمنين، مَن المرأتان مِن أزواج النبيِّ صلى الله عليه وسلم اللَّتان قال الله عزَّ وجلَّ: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}؟ فقال عمرُ: واعجبًا لك يا ابنَ عباس! -قال الزهري: كَرِهَ واللهِ ما سأله عنه، ولم يَكتُمْهُ عنه- قال: هي حفصةُ وعائشةُ. قال: ثم أخذ يَسوقُ الحديثَ، قال: كنَّا معشرَ قريشٍ قومًا نَغلِبُ النساءَ، / (ق 342) فلمَّا قدمنا المدينةَ، وَجَدنا قومًا تَغلِبُهُم نساؤهم، فطَفِقَ نساؤنا يتعلَّمن من نسائهم، قال: وكان منزلي في بني أميَّة بن زيد ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 33 - 34 رقم 222). (¬2) التحريم: 4

بالعَوالي، قال: فغضبتُ يومًا على امرأتي، فإذا هي تُراجعني، فأَنكَرتُ أن تُراجعَني، فقالت: ما تُنكِرُ أن أُراجِعَك، فواللهِ إنَّ أزواجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لَيُراجِعْنَه، وتَهجُرُه إحداهُنَّ اليوم إلى الليل. قال: فانطلقتُ، فدَخَلتُ على حفصةَ، فقلتُ: أتُراجِعينَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قالت: نعم. قلتُ: وتَهجُرُه إحداكُنَّ اليومَ إلى الليل؟ قالت: نعم. قلتُ: قد خاب مَن فَعَل ذلك منكنَّ وخَسِرَ، أَفَتأمَنُ إحداكُنَّ أن يغضبَ اللهُ عليها لغضب رسولِه، فإذا هي قد هَلَكت؟ لا تُراجعي رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ولا تسأليه شيئًا، وسَلِيني ما بدا لكِ، ولا يَغُرَّنَّكِ أن كانت جارَتُكِ هي أوسمَ وأحبَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منكِ. يريد: عائشة. قال: وكان لي جارٌ من الأنصار، وكنَّا نتناوبُ النزولَ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، يَنزلُ يومًا، وأَنزلُ يومًا، فيأتيني بخبر الوحي وغيره، وآتيه بمثل ذلك. قال: وكنَّا نتحدَّث أنَّ غسَّانًا تُنعِلُ الخيلَ لتغزُونَا، فنزل صاحبي يومًا، ثم أتى عشاءً فضَرَب بابي، ثم ناداني، فخَرَجتُ إليه، فقال: حَدَثَ أمرٌ عظيمٌ. فقلتُ: وماذاك، أجاءت غسَّانُ؟ قال: لا، بل أعظمُ من / (ق 343) ذلك وأطولُ، طلَّق رسولُ الله عليه وسلم نساءَه. فقلتُ: قد خابَتْ حفصةُ وخَسِرَتْ، قد كنتُ أظنُّ هذا كائنًا، حتى إذا صلَّيتُ الصبحَ شَدَدتُ عليَّ ثيابي، ثم نَزَلتُ، فدَخَلتُ على حفصةَ وهي تبكي، فقلتُ: أطلَّقكنَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: لا أدري، هو هذا معتزلٌ في هذه المَشْربة (¬1). فأتيتُ غلامًا له أسودَ، فقلتُ: استأذِنْ لعمرَ، فدخل الغلام، ثم خَرَج إليَّ، فقال: قد ذَكَرتُك له فصَمَت، فانطلقتُ، حتى أتيتُ المنبرَ، فإذا عنده رَهْطٌ ¬

(¬1) المَشربة: بضمِّ الراء وفتحها، الغرفة العالية. «الفتح» (5/ 116).

جلوسٌ يبكي بعضُهم، فجَلَستُ قليلاً، ثم غَلَبني ما أجدُ، فأتيتُ الغلامَ، فقلتُ: استأذِنْ لعمرَ، فدخل، ثم خَرَج، فقال: قد ذَكَرتك له فصَمَت. فخَرَجتُ، فجَلَستُ إلى المنبر، ثم غَلَبني ما أجدُ، فأتيتُ الغلامَ، فقلتُ: استأذِنْ لعمرَ، فدخل، ثم خَرَج إليَّ، فقال: قد ذَكَرتك له فصَمَت. فولَّيتُ مدبرًا، فإذا الغلام يَدعوني، فقال: ادخل، قد أَذِنَ لك. فدَخَلتُ، فسلَّمتُ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو مُتَّكئٌ على رملِ حصير (¬1) -قال الإمام أحمد: وحدثناه يعقوب في حديث صالح، قال: رمال حصير- قد أَثَّر في جنبه، فقلتُ: أَطلَّقتَ يا رسولَ الله نساءَك؟ فرفع رأسَه إليَّ، وقال: «لا». فقلتُ: الله أكبر، لو رأيتَنَا يا رسولَ الله، وكنَّا معشرَ قريشٍ قومًا نَغلِبُ النساء، فلمَّا قَدِمنا المدينةَ وَجَدنا قومًا / (ق 344) تَغلِبُهُم نساؤهم، فطَفِقَ نساؤنا يتعلَّمن من نسائهم، فتَغَضَّبتُ على امرأتي يومًا، فإذا هي تُراجعني، فأَنكَرتُ أن تُراجعَني، فقالت: ما تُنكر أن أُراجِعكَ؟ فواللهِ إنَّ أزواجَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لَيُراجِعْنَه، وتَهجُرُه إحداهُنَّ اليومَ إلى الليل. فقلتُ: قد خاب مَن فَعَل ذلك منكنَّ وخَسِرَتْ، أَفَتأْمَنُ إحداكُنَّ أن يغضبَ اللهُ عليها لغضبِ رسولِهِ، فإذا هي قد هَلَكت؟ فتبسَّم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، فدَخَلتُ على حفصةَ، فقلتُ: لا يَغرُّكِ أن كانت جارتُكِ هي أوسمَ وأحبَّ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فتبسَّم أخرى، فقلتُ: أَستأنِسُ يا رسولَ الله؟ قال: «نعم». فجَلَستُ، فرَفَعتُ رأسي في البيت، فواللهِ ما رأيتُ في البيتِ شيئًا يَرُدُّ البصرَ إلا أَهَبَةً (¬2) ثلاثةً، فقلتُ: ادعُ اللهَ يا رسولَ اللهِ أن يوسِّع على أُمَّتك، فقد وَسَّعَ على فارسَ والرومَ، وهم لا يَعبدون اللهَ. فاستوى ¬

(¬1) تقدم شرحه (ص 475)، تعليق رقم 3 (¬2) الأَهَبَة: واحدها إهاب، وهو الجلد قبل أن يُدبغ. «النهاية» (1/ 83).

جالسًا، وقال: «أفي شَكٍّ أنت يا ابنَ الخطابِ؟ أولئك قومٌ عُجِّلَت لهم طيباتُهُم في الحياةِ الدُّنيا»، فقلت: استغفِرْ لي يا رسولَ اللهِ. وكان أقسَمَ ألا يَدخلَ عليهنَّ شهرًا من شدَّة مَوْجِدتِهِ عليهنَّ، حتى عاتَبَه اللهُ عزَّ وجلَّ. وهكذا رواه البخاري (¬1)، ومسلم (¬2)، والترمذي (¬3)، والنسائي (¬4) من طرق متعددة، عن الزهري. منها: ما رواه مسلم في الطلاق، / (ق 345) عن إسحاق بن إبراهيم وابن أبي عمر. والترمذي، عن عَبد بن حميد. ثلاثتهم عن عبد الرزاق، عن معمر، به. وقد روي من غير وجه عن ابن عباس. (885) وأخرجه البخاري (¬5) ومسلم -أيضًا- (¬6) من حديث يحيى بن ¬

(¬1) في «صحيحه» (1/ 185 رقم 89) في العلم، باب التناوب في العلم، و (5/ 114 رقم 2468) في المظالم، باب الغرفة والعُلِّيَّة المُشرفة، و (9/ 278 رقم 5191 - فتح) في النكاح، باب موعظة الرجل ابنته لحال زوجها. (¬2) في «صحيحه» (2/ 1111 رقم 1479) (34) في الطلاق، باب في الإيلاء واعتزال النساء. (¬3) في «سننه» (4/ 552 رقم 2461) في صفة القيامة، باب منه، ولفظه: دَخَلتُ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو مُتكئٌ على رملِ حصيرٍ فرأيتُ أثَرَه في جنبه. (¬4) في «سننه» (4/ 443 رقم 2131) في الصيام، باب كم الشهر. (¬5) في «صحيحه» (8/ 657 رقم 4913) في التفسير، باب {تبتغي مرضات أزواجك}، و (10/ 301 رقم 5843 - فتح) في اللباس، باب لُبس الحرير وافتراشه للرجال. (¬6) في «صحيحه» (2/ 1108 - 1111 رقم 1479) (31) (32) (33) في الطلاق، باب في الإيلاء واعتزال النساء.

سعيد الأنصاري، عن عُبيد بن حُنَين، عن ابن عباسٍ قال: قلت: يا أميرَ المؤمنين، مَن المرأتانِ اللَّتانِ قال اللهُ: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ}؟ قال: عائشةُ وحفصةُ ... ، وساق الحديثَ بطوله، ومنهم من اختصره. طريق أخرى (886) قال مسلم في الطلاق -أيضًا- (¬1): حدثني زُهَير بن حرب، ثنا عمر بن يونس الحنفي، ثنا عكرمة بن عمَّار، عن سمَاك بن الوليد أبي زُمَيل، حدثني عبد الله بن عباس، حدثني عمرُ بن الخطاب قال: لمَّا اعتَزَل نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم نساءَه، دَخَلتُ المسجدَ، فإذا الناس يَنكتون بالحصى (¬2)، ويقولون: طلَّق رسولُ الله صلى الله عليه وسلم نساءَه! وذلك قبلَ أن يُؤمَرَ (¬3) بالحجاب (¬4)، فقلت: لأَعلَمنَّ ذلك اليومَ. فذَكَر الحديثَ في دخوله على عائشةَ وحفصةَ، ووَعْظه إيَّاهما، إلى أن قال: فدَخَلتُ، فإذا أنا برَبَاحٍ غلامِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم على أُسكُفَّة (¬5) ¬

(¬1) من «صحيحه» (2/ 1105 - 1108 رقم 1479) (30) باب في الإيلاء واعتزال النساء. (¬2) أي: يضربون به الأرض. «النهاية» (5/ 113). (¬3) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «يُؤمَرن». (¬4) قال الحافظ في «الفتح» (9/ 285): كذا في هذه الرواية، وهو غلط بيِّن، فإنَّ نزول الحجاب كان في أوَّلِ زواجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش ... ، وهذه القصة كانت سبب نزول آية التخيير، وكانت زينب بنت جحش فيمن خيِّر ... ، وأحسن محامله عندي أن يكون الراوي لما رأى قول عمرَ أنه دخل على عائشة، ظنَّ أنَّ ذلك كان قبل الحجاب، فجزم به، لكن جوابه: أنه لا يلزم من الدخول رفع الحجاب، فقد يدخل من الباب وتخاطبه من وراء الحجاب. (¬5) الأُسكُفَّة: العَتَبة العليا، وقد تستعمل في السُّفلى. «المصباح المنير» (ص 233 - مادة سكف).

المَشْربة (¬1)، فناديتُ، فقلت: يا رباحُ، استأذِنْ لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذَكَر نحو ما تقدَّم. إلى أن قال: فقلتُ: يا رسولَ الله، ما يَشُقُّ عليك من أمر النساء؟ فإنَّ كنتَ طلَّقتَهنَّ فإنَّ اللهَ معك، وملائكتَه، وجبريلَ، وميكالَ، وأنا، وأبو بكرٍ، / (ق 346) والمنون (¬2) معك، وقلَّما تكلَّمتُ وأحمدُ اللهَ بكلامٍ؛ إلا رَجَوتُ أن يكونَ اللهُ يُصدِّقُ قولي، ونَزَلت هذه الآية، آيةُ التَّخيير: {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خير منكن}، {وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير}. فقلت: أَطلَّقتَهنَّ؟ قال: «لا»، فقمتُ على باب المسجد، فناديتُ بأعلى صوتي، لم يُطلِّق نساءَه، ونَزَلت هذه الآية: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} (¬3) فكنتُ أنا استَنْبَطتُ ذلك الأمرَ. أثر آخر (887) قال أبو جعفر بن ذَرِيح، ثنا هنَّاد بن السَّري (¬4)، ¬

(¬1) تقدم شرحها (ص 484). (¬2) كذا بالأصل. وصوابه: «والمؤمنون». (¬3) النساء: 83 (¬4) وهو في «الزهد» له (2/ 453 رقم 901). وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق في «تفسيره» (2/ 242) وابن أبي شيبة (7/ 118 رقم 34480) في الزهد، باب كلام عمر، وأحمد بن مَنيع في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (4/ 175 رقم 3770) وهشام بن عمار في «حديثه» (ص 171 رقم 80) والطبري في «تفسيره» (28/ 107) والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (4/ 290) وفي «شرح مشكل الآثار» (4/ 99) والحاكم (2/ 495) واللالكائي في «أصول اعتقاد أهل السُّنة» (6/ 1120، 1121 رقم 1948، 1950) والبيهقي في «شعب الإيمان» (12/ 343 رقم 6634) من طريق سمَاك، به. ورواه عن سمَاك: شعبة، والثوري، وإسرائيل، وأبو عَوَانة، وأبو غسان. قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وقال الحافظ في «المطالب العالية»: هذا إسناد صحيح.

ثنا أبو الأحوص، عن سمَاك، عن النُّعمان بن بشير قال: سُئل عمرُ بن الخطاب عن التوبة النَّصوح، قال: أن يتوبَ الرَّجلُ من العمل السَّيئ، ثم لا يعودُ إليه أبدًا. إسناد صحيح.

ومن سورة الحاقة

ومن سورة الحاقة (888) قال الحافظ أبو بكر ابن أبي الدُّنيا رحمه الله (¬1): أنا إسحاق بن إسماعيل، أنا سفيان بن عيينة، عن جعفر بن بُرقان، عن ثابت بن الحجَّاج قال: قال عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه: حاسِبوا أنفسَكم قبل أن تحاسَبوا، وزِنُوا أنفسَكم قبل أن تُوزَنوا، فإنَّه أخفَّ عليكم في الحساب غدًا أن تحاسِبوا أنفسَكم اليومَ، وتَزيَّنوا للعرض الأكبر / (ق 347) الأكبر (¬2)، يومئذٍ تعرضون لا تخفى منكم خافية. أثر مشهور، وفيه انقطاع، وثابت بن الحجَّاج هذا جَزَري، تابعي صغير، لم يُدرك عمرَ، ولم يرو عنه سوى جعفر بن بُرقان (¬3)، وله عند أبي داود في «السُّنن» حديثان (¬4). حديث آخر (889) قال الإمام أحمد (¬5): ثنا أبو المغيرة، ثنا صفوان، حدثنا شُريح بن عبيد قال: قال عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه: خَرَجتُ أتعرَّضُ ¬

(¬1) في «محاسبة النفس» (ص 29 - 30 رقم 2). وأخرجه -أيضًا- أحمد في «الزهد» (ص 177 رقم 631) وأبو نعيم في «الحلية» (1/ 52) وابن الجوزي في «ذم الهوى» (ص 40) و «حفظ العمر» (ص 34) من طريق ابن عيينة، به. (¬2) كذا ورد بالأصل. وكَتَب المؤلِّف فوقها: «كذا». (¬3) تقدم ترجمته (1/ 313 - 314). (¬4) انظر: «سنن أبي داود» (4/ 147، 453 رقم 3407، 4181) في البيوع، باب في المخابرة، وفي الترجل، باب الخَلوق للرجال. (¬5) في «مسنده» (1/ 17 رقم 107).

رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قبلَ أن أُسلِمَ، فوَجَدتُهُ قد سَبَقني إلى المسجد، فقمتُ خلفَه، فاستفتَحَ سورةَ الحاقَّة، فجَعَلتُ أعجبُ من تأليف القرآن، قال: فقلت: هذا واللهِ شاعرٌ كما قالت قريش. قال: فقرأ: {إنه لقول رسول كريم. وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون}. قال: قلتُ: كاهنٌ. قال: {ولا بقول كاهن قليلاً ما تذكرون. تنزيل من رب العالمين. ولو تقول علينا بعض الأقاويل، لأخذنا منه باليمين، ثم لقطعنا منه الوتين، فما منكم من أحد عنه حاجزين} إلى آخر السورة. قال: فوَقَع الإسلامُ في قلبي كلَّ موقعٍ. هذا حديث حسن جيد الإسناد، إلا أنَّ شُريح بن عبيد هذا هو الحضرمي الشَّامي الحمصي، وهو أحد الثقات (¬1) إلا أنَّه لم يُدرك أيام عمرَ، فيما قاله أبو زرعة الرازي، وغيره (¬2). وأبلغ من ذاك: ما قاله محمد بن عوف / (ق 348) الطَّائي الحمصي عنه أنه ثقة، وما أظنُّ أنه سَمِعَ أحدًا من الصحابة. قلت: وقد ذَكَرنا إسلامَ عمرَ على وجوه عديدة، كما سيأتي في «سيرته» (¬3)، إن شاء الله تعالى. ¬

(¬1) وثَّقه النسائي، ودُحَيم، والعجلي. انظر: «تهذيب الكمال» (12/ 447). (¬2) انظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص 90). (¬3) يعني: كتابه: «سيرة عمر وأيامه».

ومن سورة عبس

ومن سورة عبس (890) قال محمد بن سعد (¬1): ثنا سليمان بن حرب، ثنا حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس قال: كنَّا عند عمرَ -رضي الله عنه- وفي ظَهْر قميصِهِ أربعُ رقاعٍ، فقرأ: {وفاكهة وأبا}، فقال: ما الأبُّ؟ ثم قال: إنَّ هذا لهو التَّكلُّف، فما عليك ألا تَدريه. إسناد صحيح. ¬

(¬1) في «الطبقات الكبرى» (3/ 327). وأخرجه -أيضًا- عَبد بن حميد في «تفسيره»، كما في «تفسير ابن كثير» (1/ 6) و «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (13/ 372) عن سليمان بن حرب. والبلاذُري في «أنساب الأشراف» (ص 329 - 330) عن خَلَف بن هشام. كلاهما (سليمان، وخَلَف) عن حماد بن زيد، به. وله طرق أخرى: منها: ما أخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» (ص 375) وسعيد بن منصور (1/ 181 رقم 43 - ط دار الصميعي) والطبري في «تفسيره» (30/ 59) من طريق حميد، عن أنس قال: قرأ عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه: {عبس وتولى} فلما أتى على هذه الآية: {وفاكهة وأبا} قال: قد عَرَفنا الفاكهةَ، فما الأبُ؟ قال: لعَمُركَ يا ابنَ الخطاب، إن هذا لهو التكلُّفُ. ومنها: ما أخرجه ابن وهب في كتاب التفسير من «الجامع» (2/ 123 رقم 243 - ط دار الغرب) والطبري في «تفسيره» (30/ 60 - 61) والطبراني في «مسند الشاميين» (4/ 156 رقم 2989) والحاكم (2/ 514) والخطيب في «تاريخه» (11/ 468 - 469) من طريق الزهري قال: حدثني أنس ... ، فذكره بنحوه. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. فائدة: قال المؤلِّف في «تفسيره» (4/ 473): وهذا محمول على أنه أراد أن يعرف شكلَه وجنسَه وعينَه، وإلا فهو وكلُّ مَن قرأ هذه الآية يعلم أنه من نبات الأرض، لقوله: {فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا}.

ومن سورة التكوير

ومن سورة التكوير (891) قال أبو بكر أحمد بن جعفر بن حَمدان: ثنا بِشر بن موسى، ثنا خلف بن الوليد، عن إسرائيل، عن سمَاك قال: سَمِعتُ النُّعمانَ بن بشير يقول: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يقول: {وإذا النفوس زوجت} قال: الفاجرُ مع الفاجر، والصالحُ مع الصالح (¬1). حديث آخر (892) قال أبو بكر البزَّار (¬2): ثنا الحسين بن مهدي، ثنا ¬

(¬1) وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق في «تفسيره» (2/ 285) وابن أبي شيبة (7/ 118 رقم 34481) في الزهد، باب كلام عمرَ، وأحمد بن مَنيع في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (4/ 147 رقم 3705) وعَبد بن حميد وابن مَردويه في «تفسيريهما»، كما في «تغليق التعليق» (4/ 361 - 362، 362) والطبري في «تفسيره» (30/ 69) والحاكم (2/ 515 - 516) من طريق سمَاك، به. قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وصحَّح إسنادَه الحافظ في «المطالب العالية»، و «تغليق التعليق» (4/ 362). وقال في «الفتح» (8/ 694): وهذا إسناد صحيح متصل. وعلَّقه البخاري في «صحيحه» (8/ 693 - فتح) بصيغة الجزم، فقال: وقال عمرُ: النفوس زوجت: يُزوَّج نظيرَه من أهل الجنة والنار، ثم قرأ رضي الله عنه: {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم}. قال الحافظ: وقد رواه الوليد بن أبي ثور، عن سمَاك بن حرب، فرَفَعه إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وقصَّر به، فلم يَذكر فيه عمرَ، جَعَله من مسند النعمان، أخرجه ابن مَردويه [وابن أبي حاتم في «تفسيره» (10/ 3407 رقم 19167) والطبري في «تفسيره» (30/ 69 - 70)]، وأخرجه -أيضًا- من وجه آخر، عن الثوري كذلك، والأول هو المحفوظ. (¬2) في «مسنده» (1/ 355 رقم 238).

عبد الرزاق (¬1)، أنا إسرائيل، عن سمَاك -يعني: ابن حرب-، عن النُّعمان بن بشير، عن عمرَ بن الخطاب في قوله تعالى: {وإذا الموؤدة سئلت}، قال: جاء قيس بن عاصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ الله، إنِّي وَأَدتُ بناتٍ لي في الجاهلية، فقال: «أَعتِقْ عن كُلِّ واحدةٍ منهنَّ رَقَبةٍ»، قال: يا رسولَ الله! إني صاحبُ إبلٍ. قال: «فانحَر عن كُلِّ واحدة منهنَّ / (ق 349) بَدَنةً». ثم قال البزَّار: خولف فيه عبد الرزاق، ولم نَكتبه إلا عن الحسين بن مهدي، عنه. ¬

(¬1) وهو في «تفسيره» (2/ 285). ومن طريقه: أخرجه ابن منده في «معرفة الصحابة»، كما في «الإصابة» (8/ 198) والبيهقي (8/ 116). وله طريق أخرى: أخرجها ابن أبي حاتم في «تفسيره» (10/ 3407 رقم 19168) وابن قانع في «معجم الصحابة» (2/ 348) والطبراني في «الكبير» (18/ 338 رقم 868) وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (4/ 2303 رقم 5681) والبيهقي (8/ 116) من طريق قيس بن الرَّبيع، عن الأغرِّ بن الصبَّاح، عن خليفة بن حصين، عن قيس بن عاصم: أنه قَدِمَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنِّي وأدتُ في الجاهلية اثنتي عشرة بنتًا، أو ثلاثةَ عشرةَ، فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَعتِقْ عن كلِّ واحدة منهنَّ نَسَمة». وإسناده ضعيف؛ لضعف قيس بن الربيع، وخليفة بن حصين من الطبقة الثالثة، وهي الطبقة الوسطى من التابعين، فروايته عن جدِّه قيس منقطعة.

ومن سورة الغاشية

ومن سورة الغاشية (893) قال الحافظ أبو بكر البَرقاني: ثنا إبراهيم بن محمد المزكِّي، ثنا محمد بن إسحاق السرَّاج، ثنا هارون بن عبد الله، ثنا سيَّار، ثنا جعفر، قال: سَمِعتُ أبا عمران الجَوْني يقول: مَرَّ عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه- بدير راهب، قال: فناداه: يا راهب! يا راهب! فأشرَفَ، قال: فجَعَل عمرُ يَنظرُ إليه، ويبكي، فقيل له: يا أميرَ المؤمنين، ما يُبكيك من هذا؟ قال: ذَكَرتُ قولَ اللهِ عزَّ وجلَّ في كتابه: {عاملة ناصبة. تصلي ناراً حامية} فذاك الذي أبكاني (¬1). وهذا إسناد جيد. فأمَّا حديث سؤال عمر -رضي الله عنه- لعبد الله بن عباس عن تفسير سورة: {إذا جاء نصر الله والفتح} وامتحان الصحابة بذلك، فسيأتي (¬2)، -إن شاء الله- في مسند ابن عباس، فإنه أليق به، وهو في «الصحيح» (¬3) من حديث شعبة، عن أبي بِشر، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس قال: كان عمرُ بن الخطاب يُدنِي ابنَ عباسٍ، فقال له عبد الرحمن بن عوف: إنَّ لنا أبناءً مثلَه، فقال: إنَّه من حيث تَعلَمُ. فسأل عمرُ ابنَ عباس عن هذه الآية: ¬

(¬1) وأخرجه -أيضًا- عبد الرزاق في «تفسيره» (2/ 299) والحاكم (2/ 521 - 522) من طريق جعفر بن سليمان، عن أبي عمران الجَوْني، به. وأعلَّه الحاكم والذهبي في «تلخيص المستدرك» بالانقطاع بين أبي عمران الجَوْني وعمرَ. (¬2) انظر: «جامع المسانيد والسُّنن» (ص 39 رقم 91 - مسند ابن عباس). (¬3) أخرجه البخاري (6/ 628 رقم 3627) في المناقب، باب علامات النبوة، و (8/ 130 رقم 4430 - فتح) في المغازي، باب مرض النبيِّ صلى الله عليه وسلم ووفاته.

{إذا جاء نصر الله والفتح}، قال: أَجَلُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أًعلَمَهُ إيَّاه. قال: ما أعلمُ منها إلا ما تَعلَمُ. لفظ البخاري (¬1). كتاب الجامع ¬

(¬1) جاء بحاشية الأصل تقييِّد بخط المؤلِّف هذا نصُّه: بلغت قراءة على شيخنا الحافظ الكبير المزِّي.

كتاب الجامع

كتاب الجامع ما ورد في العلم عنه رضي الله عنه (894) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا أبو سعيد، ثنا دُجَين أبو الغصن -بصري- قال: قَدِمْتُ المدينةَ، فلقيتُ أسلمَ مولى عمر بن الخطاب، فقلتُ: حدِّثني عن عمرَ، فقال: لا أستطيعُ، أخافُ أن أزيدَ أو أُنقصَ، / (ق 350) كنَّا إذا قلنا لعمرَ: حدِّثنا عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، قال: أخافُ أن أزيدَ حرفًا أو أُنقصَ، إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَن كَذَب عليَّ فهو في النَّار». هذا حديث غريب من هذا الوجه، وله طرق عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم متواترة عن نيِّف وثمانين صحابيًا. ودُجَين بن ثابت هذا: أبو الغصن -بالجيم-، وهو بصري، ضعَّفه البخاري، وأبو زرعة، وأبو حاتم، والنسائي، وابن حبان، وابن عدي، ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 46 - 47 رقم 326). وأخرجه -أيضًا- أبو يعلى (1/ 221 رقم 260،259) وابن حبان في «المجروحين» (1/ 294) والمبارك بن عبد الجبار الطُّيوري في «الطُّيوريَّات» (ص 173 رقم 308) والعقيلي (2/ 46) وابن عدي (3/ 106 - ترجمة دُجَين) من طريق دُجَين، به.

والدارقطني، وغيرهم (¬1). وحكى علي ابن المديني (¬2)، عن عبد الرحمن بن مهدي -وقد سُئل عنه-، فقال: قال لنا أوَّل مرَّة: حدَّثني مولىً لعمرَ بن عبد العزيز. فقلنا له: إنَّ مولىً عمر بن عبد العزيز لم يُدرك النبيَّ صلى الله عليه وسلم! فتَرَكه، فما زالوا يلقِّنونه، حتى قال: أسلم مولى عمر بن الخطاب! ثم قال عبد الرحمن: لا يُعتمد عليه. وقال يحيى بن معين (¬3): ليس حديثه بشيء. قلت: وقد توهَّم بعضُهم أنَّ دُجَينًا هذا هو: جُحَا المشهور بالمُجُون (¬4)، وأَنكر ذلك ابن حبان، وغيره (¬5)، والله أعلم. أثر آخر (895) قال يونس بن بُكَير (¬6): عن محمد بن إسحاق، عن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه قال: واللهِ ما مات عمرُ -رضي الله عنه- حتى بَعَث إلى أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فجَمعَهم جميعًا من الآفاق، حذيفةَ، وابنَ مسعود، وأبا الدرداء، وأبا ذر، وعُقبةَ بن ¬

(¬1) انظر: «التاريخ الكبير» (3/ 257) و «الأوسط» للبخاري (2/ 126) و «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (3/ 444 رقم 2017) و «الضعفاء والمتروكين» للنسائي (ص 174 رقم 179) و «المجروحين» لابن حبان (1/ 294) و «الكامل» لابن عدي (3/ 106). (¬2) فيما نقله عنه البخاري في «التاريخ الكبير» (3/ 257). (¬3) في «تاريخه» (2/ 155 - رواية الدُّوري). (¬4) انظر شيئًا من أخباره في «أخبار الحمقى والمغفلين» لابن الجوزي (ص 54 - 57). (¬5) انظر: «المجروحين» (1/ 294) و «سير أعلام النبلاء» (8/ 172). (¬6) ومن طريقه: أخرجه ابن عساكر في «تاريخه» (40/ 500). وأخرجه -أيضًا- النسائي، كما في «سير أعلام النبلاء» (11/ 555) وابن سعد (2/ 336) وأحمد في «العلل ومعرفة الرجال» (1/ 258 رقم 372 - رواية عبد الله) والبلاذُري في «أنساب الأشراف» (ص 151) وأبو زرعة الدمشقي في «تاريخه» (1/ 545 رقم 1479) والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (15/ 311، 312) وابن حبان في «المجروحين» (1/ 34) والطبراني في «الأوسط» (3/ 378 رقم 3449) والرَّامهرمزي في «المحدِّث الفاصل» (ص 553 رقم 745) والحاكم (1/ 110) من طريق سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، بنحوه.

عامر، فقال: ما هذه الأحاديثُ التي أفشيتم عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في الآفاق؟! قالوا: أتتهمُنا؟! قال: لا، ولكن أقيموا عندي، / (ق 351) ولا تفارقوني ما عشتُ، فنحن أعلمُ بما نأخذ منكم وما نردُّ عليكم. فما فارقوه حتى مات، فما خَرَج ابنُ مسعود إلى الكوفة ببيعة عثمان إلا من سجن عمر. إسناد جيد (¬1). ¬

(¬1) هكذا جوَّده المؤلِّف، وردَّه آخرون، بناءً على أن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف لم يَسْمع من عمر، وممَّن قال ذلك: ابن حزم في «الإحكام في أصول الأحكام» (2/ 139) والبيهقي في «السُّنن» (8/ 277) والهيثمي في «مجمع الزوائد» (1/ 149). وفي هذا الإعلال نظر، فقد أَثبتَ سماع إبراهيم من عمرَ الإمامُ أحمد، فقال: وإبراهيم بن عبد الرحمن لا شكَّ فيه سَمِعَ من عمرَ. انظر: «العلل ومعرفة الرجال» (1/ 289 - رواية عبد الله). وقال يعقوب بن شيبة، كما في «الإصابة» (1/ 154): ولا نعلم أحدًا من ولد عبد الرحمن روى عن عمرَ سماعًا غيره. لكن، هل يُسلَّم بصحته؟ الذي يظهر -والله أعلم- أنه منكر؛ وذلك لما أخرج ابن سعد (3/ 255) و (6/ 8) وأحمد في «فضائل الصحابة» (2/ 841، 842 رقم 1546، 1547) والفَسَوي في «المعرفة والتاريخ» (2/ 533) والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (7/ 199) والحاكم (3/ 388) والضياء في «المختارة» (1/ 207 - 208 رقم 108، 109) وابن الجوزي في «المنتظم» (4/ 308) من طريق أبي إسحاق، عن حارثة بن مُضَرِّب قال: قرأتُ كتابَ عمرَ -رضي الله عنه- إلى أهل الكوفة: أمَّا بعدُ، فإنِّي بعثتُ إليكم عمَّارا أميرًا، وعبد الله بن مسعود وزيرًا، وهما من النُّجباء، من أصحابِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فاسمعوا لهما، واقتدوا بهما، وإنيِّ قد آثرتُكم بعبد الله على نَفْسي أثرةً. ورواه عن أبي إسحاق: الثوري، وشعبة، وشريك. وصحَّحه الحاكم على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. وقال المؤلِّف، كما سيأتي (ص 595): إسناده قوي صحيح. فهذا الأثر ينفي ما وقع في الخبر الأوَّل من حبس عمر لابن مسعود مع من حَبَس في المدينة، ولأجل هذا استغرَبَه الذهبي في «السِّير» (11/ 555).

أثر آخر (896) قال أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه في «سننه» (¬1): ثنا أحمد بن عَبدة، ثنا حماد بن زيد، عن مُجالِد، عن الشَّعبي، عن قَرَظة بن كعب قال: بَعَثنا عمرُ إلى الكوفة وشَيَّعنا، فمشى معنا إلى موضعٍ يقال له: مُرَار (¬2)، فقال: أتدرون لم مشيتُ معكم؟ قال: قلنا: لِحَقِّ صُحبة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ونحن (¬3) الأنصار. قال: لكنِّي مَشَيتُ معكم لحديثٍ أردتُ أن أحدِّثَكم به، ¬

(¬1) (1/ 12 رقم 28) في المقدمة، باب التوقِّي في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرجه -أيضًا- ابن سعد (6/ 7) والمحاملي في «الأمالي» (ص 238 رقم 230 - رواية ابن البيِّع) والحاكم (1/ 102) وابن عبد البر في «جامع بيان العلم وفضله» (2/ 998 - 999 رقم 1904 - 1906) والخطيب في «شرف أصحاب الحديث» (ص 160 رقم 175) من طريق بَيَان بن بِشر. وابن المقرئ في «معجمه» (ص 214 رقم 709) والرَّامهرمزي في «المحدِّث الفاصل» (ص 335 رقم 744) من طريق أشعث (وهو: ابن سوَّار) كلاهما (بَيَان، وأشعث) عن الشَّعبي، به. (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «صرار»، وهي بئر على ثلاثة أميال من المدينة على طريق العراق. «معجم البلدان» (3/ 398). (¬3) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «ولحقِّ».

أردتُ أن تحفظوه لممشايَ معكم، إنَّكم تَقدَمُون على قومٍ للقرآن في صدورهم هَزيزٌ كهَزيز المِرْجَل، فإذا رَأَوكُم مَدُّوا إليكم أَعناقَهم، وقالوا: أصحابُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فأقلُّوا الروايةَ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وأنا شَريكُكُم. إسناد جيد (¬1). ¬

(¬1) لكن له علَّة، فقد قال ابن عبد البر في «جامع بيان العلم وفضله» (2/ 1005 - 1006): روى مالك ومعمر وغيرهما عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة، عن عبد الله بن عباس، عن عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- في حديث السَّقيفة: أنه خَطَب يوم جمعة، فحَمِدَ الله، وأثنى عليه، ثم قال: أما بعدُ: «فإنِّي أريدُ أن أقولَ مقالةً، قُدِّر لي أنْ أقولها، من وَعَاها وعَقَلها وحفظها؛ فليُحدِّث بها حيث تنتهي به راحلتُه، ومَن خشي ألا يَعِيَها؛ فإنِّي لا أُحِلُّ له أن يَكذبَ عليَّ». فهذا يدل على أنَّ نهيه عن الإكثار، وأمره بإقلال الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما كان خوفَ الكذب على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وخوفًا أن يكونَ مع الإكثار أن يحدِّثوا بما لم يُتقِنُوا حفظَه ولم يَعوه، لأنَّ ضبط مَن قلَّت روايته أكثر من ضبط المستكثر، وهو أبعد من السَّهو والغلط الذي لا يؤمَن مع الإكثار، فلهذا أمرهم عمرُ بالإقلال من الرواية، ولو كره الروايةَ وذمَّها لنهى عن الإقلال منها والإكثار، ألا تراه يقول: فمن حفِظها ووَعَاها؛ فليحدِّث بها! فكيف يأمرهم بالحديث عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وينهاهم عنه؟! هذا لا يستقيم. بل كيف ينهاهم عن الحديث عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ويأمرهم بالإقلال منه؟ وهو يندبهم إلى الحديث عن نفسه، بقوله: «من حفظ مقالتي ووعاها فليحدِّث بها حيث تنتهي به راحلته». ثم قال: «ومَن خشي ألا يَعِيَها فلا يَكذِبُ عليَّ». وهذا يوضح لك ما ذكرنا، والآثار الصِّحاح عنه من رواية أهل المدينة بخلاف حديث قَرَظة هذا، وإنمَّا يدور على بَيَان، عن الشَّعبي، وليس مثلُه حجَّة في هذا الباب، لأنَّه يعارِض السُّنن والكتاب ... ، فكيف يتوهَّم أحدٌ على عمرَ -رضي الله عنه- أنه يأمر بخلاف ما أمر الله به؟! «جامع بيان العلم وفضله» (2/ 1005). وقد خفيت هذه العلَّة على جماعة من الأفاضل، فصحَّحوا الأثر ولم يتنبَّهوا لعلته، فانظر: تحقيق شعيب الأرناؤوط لـ «شرح مشكل الآثار» للطحاوي (15/ 317) وتحقيق عمرو بن عبد المنعم سليم لـ «شرف أصحاب الحديث» (ص 160) و «المنهج المقترح» (ص 22) لحاتم الشَّريف.

أثر آخر (897) قال حنبل (¬1): ثنا قَبيصة بن عُقبة، ثنا سفيان، عن معمر، عن الزهري، عن عروة قال: أراد عمرُ بن الخطاب أنْ يكتبَ السُّننَ، فاستخار اللهَ شهرًا، ثم أصبح وقد عُزِمَ له، فقال: ذَكَرتُ قومًا كَتَبوا كتابًا فأقبَلوا عليه وتَرَكوا كتابَ اللهِ عزَّ وجلَّ. إسناد جيد قوي، إلا أنَّ عروة لم يلق عمرَ بن الخطاب، والله أعلم. أثر آخر (898) روى الحافظ أبو بكر الإسماعيلي من حديث سعيد بن عبد العزيز، عن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر، عن السَّائب بن أخت نَمِر، أنَّه سَمِعَ عمرَ يقول: إنَّ حديثَكم شرُّ الحديث، وإنَّ كلامَكم شرُّ الكلام، إنَّكم قد حدَّثتم الناسَ حتى قيل: قال فلان، وقال فلان، وتُرِكَ كتابُ اللهِ، من كان منكم قائمًا؛ فليَقم بكتاب الله، وإلا فليجلس (¬2). (899) وبهذا الإسناد: أنَّ عمرَ قال لكعب الأحبار: لتتركنَّ الإخبارَ، أو لألحقنَّك بأرض القردة (¬3). ¬

(¬1) تقدم تخريجه (ص 352 رقم 788). (¬2) وأخرجه -أيضًا- عمر بن شبَّة في «تاريخ المدينة» (3/ 800) وأبو زرعة الدمشقي في «تاريخه» (1/ 543 رقم 1470) والهروي في «ذم الكلام» (4/ 5 - 6 رقم 717) وابن حزم في «الإحكام في أصول الأحكام» (6/ 97) من طريق السائب، به. (¬3) وأخرجه -أيضًا- أبو زرعة الدمشقي في «تاريخه» (1/ 544 رقم 1475) عن محمد بن زرعة الرُّعيني، عن مروان بن محمد، عن سعيد بن عبد العزيز، به.

أثر آخر (900) قال الإسماعيلي: ثنا إبراهيم بن هاشم، ثنا الحسن بن إسماعيل، ثنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن عبد الله بن شُرَحبيل بن حَسَنة، عن عبد الرحمن بن أزهر، قال: سَمِعتُ عمرَ -رضي الله عنه- يقول: اللهمَّ لا يُدركني أبناءُ الهَمَذَانيات والإِصْطَخْريات (¬1)، الذين قلوبُهم قلوبُ العجم، وألسنتُهم ألسنةُ العربِ (¬2). أثر آخر (901) قال أبو عبيد في كتاب «فضائل القرآن» (¬3): ثنا الأنصاري، عن أشعث، عن الحسن قال: مات عمرُ، يعني ... (¬4) ولم يجمع القرآنَ. قال: أموتُ وأنا في زيادة، أحبُّ إليًّ من أن أموتَ وأنا في نقصان. قال الأنصاري: يعني: نسيان القرآن. أثر آخر (902) وقال أبو عبيد (¬5): ثنا عبد الرحمن، عن سفيان، عن الشيباني، عن أُسَير بن عمرو قال: بَلَغ عمرَ بن الخطاب أنَّ سعدًا قال: ¬

(¬1) الهَمَذَانيات والإصْطَخْريات: نسبة إلى هَمَذَان وإِصْطَخْر، وهما من بلاد فارس. انظر: «معجم البلدان» (1/ 211) و (5/ 410). (¬2) وأخرجه -أيضًا- المستَغفِري في «فضائل القرآن» (1/ 185 رقم 98) من طريق يعقوب بن حميد، عن إبراهيم بن سعد، به. (¬3) (ص 204). وهو منقطع بين الحسن وعمرَ. (¬4) موضع كلمة مطموسة في الأصل. (¬5) في «فضائل القرآن» (ص 209) وفي «الأموال» (ص 243 رقم 644).

مَن قرأ القرآنَ ألحَقتُهُ في ألفين. فقال عمرُ: أُفٍّ! أُفٍّ! أيعطى على كتاب الله عزَّ وجلَّ؟! إسناد صحيح. / (ق 352) أثر آخر (903) قال مسلم في مقدمة كتابه «الصحيح» (¬1): ثنا يحيى بن يحيى، أنا هشيم، عن سليمان التَّيمي، عن أبي عثمان النَّهدي، عن عمرَ أنه قال: بحَسْبِ المرء من الكذب أن يُحدِّث بكلِّ ما سَمِعَ. إسناد صحيح. حديث آخر (904) قال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي: حدثني أبو بكر بن عمير، ثنا أحمد بن وهب بن داود بدمشق، ثنا محمد بن اللَّيث، عن معمر، عن محمد بن عمرو اليماني، عن وهب، عن ابن عباس. وأبي تميم الجيشاني، عن عمرَ، وعائشة. وابن طاوس، عن أبيه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَن سُئِلَ عن علمٍ فكَتَمَهُ، جاء يومَ القيامةِ مُلَجَّمًا بلجَامٍ من نارٍ». هذا حديث غريب من هذا الوجه، وقد روي من وجوه عديدة، والله أعلم بصحَّته (¬2). حديث آخر (905) قال عبد الله بن وهب (¬3): أخبرني عمرو بن الحارث: أنَّ عبَّاد ¬

(¬1) (ص 11). (¬2) وقال الإمام أحمد: لا يصح في هذا شيء. «العلل المتناهية» لابن الجوزي (1/ 100). (¬3) ومن طريقه: أخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» (6/ 38) والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (4/ 394 رقم 1692) وابن عبد البر في «جامع بيان العلم وفضله» (1/ 92 رقم 81) والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1/ 5). وحسَّن إسنادَه الحافظ في «الفتح» (1/ 161).

بن سالم حدَّثه عن سالم، عن أبيه، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَن يُرِدِ اللهُ به خيرًا يُفَهِّمهُ». وفي لفظ: «يُفَقِّههُ». وفي لفظ: «مَن يُرِدِ اللهُ يَهِدِهِ، يُفَقِّههُ في الدِّينِ». هذا حديث جيد من هذا الوجه، فإنَّ عبَّاد بن سالم هذا تجيبي، قال أبو حاتم (¬1): روى عن سالم، وعنه: عمرو بن الحارث، وابن لَهِيعة. وهو في «الصحيحين» (¬2) من حديث عبد الله بن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن، عن معاوية قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن يُرِدُ اللهُ به خيرًا يُفَقِّههُ في الدِّينِ». أثر آخر (906) قال أبو عبد الله البخاري (¬3): وقال عمرُ: تفقَّهوا قبل أن تسودوا (¬4). هكذا رواه معلَّقًا بصيغة الجزم، وقد رواه الإمام أبو عبيد القاسم بن سلاَّم في كتاب «الغريب» (¬5)، فقال: ثناه ابن عُليَّة ومعاذ، عن ابن عَون، ¬

(¬1) كما في «الجرح والتعديل» (6/ 80 رقم 412). (¬2) أخرجه البخاري (1/ 164 رقم 71) في العلم، باب من يرد الله به خيرًا ... ، و (6/ 217 رقم 3116) في فرض الخمس، باب قول الله تعالى: {فأن لله خمسه وللرسول} و (13/ 293 رقم 7312 - فتح) في الاعتصام، باب قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة ... ، ومسلم (2/ 718 رقم 1037) في الزكاة، باب النهي عن المسألة. (¬3) في «صحيحه» (1/ 165 - فتح). (¬4) «تسودوا»: ضَبَطها المؤلِّف بفتح التاء وضمِّها. (¬5) (4/ 260). وأخرجه -أيضا- وكيع في «الزهد» (1/ 327 - 328 رقم 102) -وعنه: ابن أبي شيبة (5/ 285 رقم 26107) في الأدب، باب ما جاء في طلب العلم وتعليمه- وأبو خيثمة في «العلم» (ص 10 رقم 9) والدارمي (1/ 314 رقم 256) في المقدمة، باب في ذهاب العلم، والبيهقي في «المدخل إلى السُّنن الكبرى» (ص 265 رقم 373) وفي «شعب الإيمان» (1669) والقاضي عياض في «الإلماع» (ص 244) والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (2/ 153 رقم 772) و «نصيحة أهل الحديث» (3) وابن عبد البر في «جامع بيان العلم وفضله» (1/ 366، 367 رقم 508، 509) وأبو جعفر ابن البَختَري في "مجموع فيه مصنَّفات ابن البَختَري" (ص 170 رقم 130) من طريق ابن عَون، به. وصحَّح إسنادَه ابن مفلح في «الآداب الشرعية» (2/ 45) والحافظ في «الفتح» (1/ 165).

عن ابن سيرين، عن الأحنف بن قيس، عن عمرَ، به. قال: ومعناه: تعلَّموا العلمَ ما دمتُم صغارًا قبل أن تصيروا سادةً رؤساءَ منظورًا إليكم، فإذالم تعلَّموا قبل ذلك استَحيَيْتُم أن تعلَّموه بعد الكِبَرِ فبَقِيتُم جُهَّالاً تأخذونه من الأصاغر، فيُزرِي ذلك بكم. وسيأتي في كتاب «السِّيرة» (¬1) عنه آثارٌ كثيرةٌ متعلِّقةٌ بالعلم، إن شاء الله تعالى، وبه الثِّقة والمعونة. ¬

(¬1) يعني: كتابه: «سيرة عمر وأيامه».

ما ورد عنه في الإيمان

/ (ق 353) ما ورد عنه في الإيمان (907) قال الإمام أحمد (¬1): قرأتُ على يحيى بن سعيد: عثمان بن غياث، حدَّثني عبد الله بن بُرَيدة، عن يحيى بن يَعمَر وحميد بن الرحمن الحِمْيَري قالا: لَقِينا عبد الله بن عمرَ، فذَكَرنا القَدَر، وما يقولون فيه، فقال: إذا رَجَعتُم إليهم، فقولوا: إنَّ ابنَ عمر منكم برئٌ، وأنتم منه بُرَآءُ -ثلاث مرار-. ثم قال: أخبرني عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه- أنهم بينما هم جلوسٌ -أو قُعودٌ- عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم جاءه رجلٌ يمشي، حَسَنُ الوجه، حَسَنُ الشَّعر، عليه ثيابُ بياض، فنظر القومُ بعضُهم إلى بعض: ما نَعرِف هذا، وما هذا بصاحب سَفَر، ثم قال: يا رسولَ الله، آتيك؟ قال: «نعم»، فجاء، فوضع رُكبَتَيهِ عند رُكبَتَيهِ، ويديه على فخذيه، فقال: ما الإسلام؟ قال: «شهادة أن لا إلهَ إلا الله، وأنَّ محمدًا رسولُ الله، وتقيمُ الصلاةَ، وتؤتي الزكاةَ، وتصومُ رمضان، وتحجُ البيت». قال: فما الإيمان؟ قال: «أن تؤمِنَ بالله، وملائكته، والجنَّة والنَّار، والبعث بعد الموت، والقَدَر كُلِّه». قال: فما الإحسان؟ قال: «أن تعمَلَ (¬2) كأنَّكَ تَرَاهُ، فإن لم تَكُن تَرَاهُ، فإنَّه يَرَاك». قال: فمتى السَّاعة؟ قال: «ما المسؤولُ عنها بأعلَمَ من السَّائلِ». ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 27 رقم 184). (¬2) زاد في المطبوع: «لله»، وأشار محققو «مسند الإمام أحمد» (1/ 315 - ط مؤسسة الرسالة) إلى عدم ورودها في بعض النسخ.

قال: فما أشراطُها؟ قال: «إذا الحُفَاةُ العُرَاةُ العالَةُ رِعَاءُ الشَّاءِ تطاوَلُوا في البُنيانِ، وَوَلَدَتِ / (ق 354) الإمَاءُ أَربَابَهُنَّ (¬1)». قال: ثم قال: «عليَّ الرَّجُلَ»، فطلبوه، فلم يَرَوا شيئًا. فمَكَث يومين أو ثلاثة، ثم قال: «يا ابنَ الخطابِ، أتدري مَن السَّائلُ عن كذا وكذا؟»، قال: الله ورسوله أعلم. قال: «ذاك جبريلُ، جاءكم يُعلِّمُكُم دِينَكُم». قال: وسأله رجلٌ من جُهَينة أو مُزَينة، فقال: يا رسولَ الله، فيم نعملُ؟ في شيءٍ قد خلا، أو في شيءٍ يُستَأنَفُ الآن؟ قال: «في شيءٍ قد خَلاَ أو مضى»، فقال رجل -أو بعض القوم-: يا رسولَ الله، فِيمَ نعملُ؟ قال: «أهلُ الجنَّةِ يُيَسَّرُون لعملِ أهلِ الجنَّةِ، وأهلُ النَّارِ يُيَسَّرُون لعملِ أهلِ النَّارِ». قال يحيى: هو هكذا. ثم رواه أحمد -أيضًا- (¬2)، عن غُندَر ويزيد بن هارون. كلاهما عن كَهْمس، عن ابن بُرَيدة، به. وعن عبد الله بن يزيد، عن كَهْمس، عن عبد الله بن بُرَيدة، به. وقال غُندَر في حديثه: فلَبِثَ مَليًّا. وقال يزيد بن هارون وعبد الله بن يزيد: ثلاثًا. وقال أحمد -أيضًا- (¬3): ثنا وكيع، ثنا كَهْمس، عن سليمان بن بُرَيدة، ¬

(¬1) أي: سيِّداتهن. انظر: «النهاية» (2/ 179). قال النووي في «شرح صحيح مسلم» (1/ 158): هو إخبار عن كثرة السَّراري وأولادهن. (¬2) (1/ 51 - 52 رقم 367، 368). (¬3) (1/ 28 رقم 191).

عن يحيى بن يَعمَر، عن ابن عمرَ، عن عمرَ: أنَّ جبريل قال للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: ما الإيمان؟ قال: «أن تؤمِنَ باللهِ، وملائكتِهِ، وكُتُبِه، ورُسُلِهِ، واليومِ الآخرِ، وبالقَدَرِ خيرِهِ وشَرِّهِ». فقال له جبريل: صَدَقتَ. قال: فعجبنا منه يسألُه ويصدِّقُه! قال: فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «ذاك جبريلُ، أتاكم يُعلِّمكم معالِمَ دينِكُم». وهكذا رواه -أيضًا- (¬1)، عن أبي نعيم، عن سفيان، عن علقمة بن مَرْثَد، عن / (ق 355) سليمان بن بُرَيدة، به، فقال فيه: «هذا جبريلُ، جاءكم يُعلِّمُكُم دِينَكُم، ما أتاني في صورةٍ إلا عَرَفتُهُ، غيرَ هذه الصورةِ». وكذا رواه -أيضًا- (¬2) عن أبي أحمد الزُّبيري، عن سفيان، بمعناه. وقد روى هذا الحديثَ بطوله الإمام علي ابن المديني، عن يحيى بن سعيد القطَّان، عن عثمان بن غياث كما تقدَّم. وعن وكيع، عن كَهْمس، عن عبد الله بن بُرَيدة، به. وعن سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، عن مَطَر الورَّاق، عن عبد الله بن بُرَيدة، وقال: هو حديث صحيح. قال عليّ: وعثمان بن غياث: ثقة، وكان رَوْح راويه عنه، وكان يزيد بن زُرَيع يقول: حدثني عثمان بن غياث، وكان مرجئًا (¬3)، وكان من خير المرجئة. ¬

(¬1) (1/ 52 - 53 رقم 374). (¬2) (1/ 52 - 53 رقم 375). (¬3) المرجئة: فِرقة من الفرق الضالة، تزعم أنه لا يضر مع الإيمان معصية، كما لا ينفع مع الكفر طاعة. انظر: «الملل والنحل» للشهرستاني (ص 60).

وقد رواه مسلم بن الحجَّاج في «صحيحه» (¬1) منفردًا به عن البخاري (¬2)، فقال في أوَّل كتاب الإيمان منه: حدثني أبو خيثمة زُهَير بن حرب، ثنا وكيع، عن كَهْمس، عن عبد الله بن بُرَيدة، عن يحيى بن يَعمَر (ح) وحدثنا عبيد الله بن معاذ العَنْبري، وهذا حديثه: ثنا أبي، ثنا كَهْمس، عن ابن بُرَيدة، عن يحيى بن يَعمَر قال: كان أوَّلَ مَن قال في القَدَر بالبصرة مَعبَدٌ الجُهَني (¬3)، فانطلقتُ أنا وحميد بن عبد الرحمن الحِمْيَري حاجَّين أو مُعتَمِرَين، فقلنا: لو لقينا أحدًا من أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عمَّا يقول هؤلاء في القَدَر، فوُفِّقَ لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلاً المسجدَ، فاكتَنَفتُهُ أنا وصاحبي، / (ق 356) أحدُنا عن يمينه، والآخرُ عن شماله، فظننتُ أنَّ صاحبي سَيَكِلُ الكلامَ إليَّ، فقلت: أبا عبد الرحمن، إنَّه قد ظهر قِبَلَنا ناسٌ يقرأون القرآنَ، ويَتَقفَّرون العلمَ (¬4) -وذَكَر من شأنهم-، وأنهم يزعمون ألا قَدَرَ، وأنَّ الأمرَ أُنُفٌ (¬5). فقال: إذا لقيتَ أولئك، فأخبِرْهُم أنِّي بريءٌ منهم، وأنهم بُرَآءُ منَّي، والذي يَحِلفُ به عبد الله بن عمر، لو أنَّ لأحدهم مثلَ أُحُدٍ ذهبًا فأنفقَهُ، ما قَبِلَ اللهُ منه حتى يؤمنَ بالقَدَر. ¬

(¬1) (1/ 36 رقم 8) (1). (¬2) قال الحافظ في «الفتح» (1/ 115): وإنما لم يخرِّجه البخاري للاختلاف فيه على بعض رواته. (¬3) مَعبَد الجُهَني: قال عنه الذهبي في «ميزان الاعتدال» (4/ 141 رقم 8646): تابعي، صدوق في نفسه، ولكنه سَنَّ سُنَّة سيِّئة، فكان أول مَن تكلم في القَدَر، ونهى الحسنُ الناسَ عن مجالسته، وقال: هو ضالٌّ مُضِلٌّ. (¬4) أي: يطلبونه ويتتبعونه. قاله النووي في «شرح صحيح مسلم» (1/ 155). (¬5) أي: مُستأنف، لم يَسبق به قَدَر ولا عِلم من الله تعالى، وإنما يعلمه بعد وقوعه. قاله النووي في «شرح صحيح مسلم» (1/ 156).

ثم قال: حدثني أبي عمرُ بنُ الخطابِ -رضي الله عنه- قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاتَ يوم، إذ طلع علينا رجلٌ، شديدُ بياضِ الثيابِ، شديدُ سوادِ الشَّعرِ، لا يُرى عليه أثرُ السَّفر، ولا يَعرفُهُ منَّا أحدٌ، حتى جلس إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فأسنَدَ رُكبَتَيهِ إلى رُكبَتَيهِ، ووضع كفَّيه على فخذيه، وقال: يا محمدُ، أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «الإسلامُ: أن تشهدَ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وأنَّ محمدًا رسولُ الله، وتقيمَ الصلاةَ، وتؤتِيَ الزكاةَ (¬1)، وتحجَّ البيتَ إن استطعتَ إليه سبيلا». قال: صَدَقتَ. قال: فعجبنا له، يسألُه ويصدِّقُه. قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: «تؤمِنُ باللهِ، وملائكتِهِ، وكُتُبِه، ورُسُلِه، واليومِ الآخرِ، وتؤمِنُ بالقَدَرِ خيرِهِ وشَرِّهِ». قال: صَدَقتَ. قال: فأخبرني عن الإحسان؟ قال: «أن تعبدَ اللهَ كأنَّك تَرَاهُ، فإن لم تَكُن تَرَاهُ، فإنَّه يَرَاك». قال: فأخبرني / (ق 357) عن السَّاعة؟ قال: «ما المسؤولُ عنها بأعلَمَ من السَّائلِ». قال: فأخبرني عن أَمَارَتِها؟ قال: «أن تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَها، وأن تَرى الحُفَاةَ العُرَاةَ، العالةَ، رعاءَ الشَّاءِ، يَتَطاوَلُون في البنيانِ». قال: ثم انطلق، فلبث مليًّا، ثم قال: «يا عمرُ، أتدري مَن الرَّجلُ؟»، قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «فإنَّه جبريلُ، أتاكم يُعلِّمُكُم دِينَكُم». ثم رواه مسلم (¬2)، وأهل السُّنن (¬3) من طرق أخر، عن عبد الله بن بُرَيدة، عن يحيى بن يَعمَر، به. ورواه أبو داود الطيالسي في «مسنده» (¬4)، عن حماد بن زيد، عن مَطَر الورَّاق، عن عبد الله بن بُرَيدة، به، نحوه. وقال فيه: فلم يَزَل يَدنو حتى كانت رُكبَتُهُ عند رُكبَةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. ورواه مسلم -أيضًا- (¬5) من حديث معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن يحيى بن يَعمَر، به. ¬

(¬1) زاد في المطبوع: «وتصوم رمضان». (¬2) (1/ 38 رقم 8) (2) (3). (¬3) أخرجه أبو داود (5/ 223 رقم 4695) في السُّنة، باب في القَدَر، والترمذي (5/ 8 رقم 2610) في الإيمان، باب ما جاء في وصف جبريل للنبيِّ صلى الله عليه وسلم الإيمان والإسلام، والنسائي (8/ 472 رقم 5005) في الإيمان، باب نعت الإسلام، وابن ماجه (1/ 24 رقم 63) في المقدمة، باب في الإيمان. (¬4) (1/ 24 رقم 21). (¬5) (1/ 38 رقم 8) (4).

ورواه أبو داود السَّجِستاني -أيضًا- (¬1) من حديث الثوري، عن علقمة بن مَرْثَد، عن سليمان بن بُرَيدة، عن يحيى بن يَعمَر، به، وزاد بعد قوله: «وصوم رمضان: وتغتسل من الجنابة». وفي «صحيح ابن حبان» (¬2)، والجوزقي (¬3)، و «سنن الدارقطني» (¬4) من حديث المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن يحيى بن يَعمَر، عن ابن عمرَ، عن أبيه ... ، فذَكَره، وزادوا بعد قوله: «وتحجَّ البيتَ»: «وتَعتَمِرَ، وتُتمَّ الوُضُوءَ». ¬

(¬1) في «سننه» (5/ 225 رقم 4696) في السُّنة، باب في القَدَر. (¬2) (1/ 397 رقم 173 - الإحسان). (¬3) هو: الإمام الحافظ المجوِّد البارع، أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا الشَّيباني الخراساني الجوزقي المعدّل، مفيد الجماعة بنيسابور، وصاحب «الصحيح المخرَّج على كتاب مسلم»، و «المتَّفق الكبير»، توفي سنة 338 هـ. انظر: «سير أعلام النبلاء» (16/ 493) و «تذكرة الحفَّاظ» (3/ 1013). (¬4) (2/ 282).

وصحَّحه الدارقطني، وهو قوي الإسناد (¬1). وعند الحافظ أبي بكر البيهقي (¬2): ثم وَضَع يديه على رُكبَتَي النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وفي لفظ أبي داود والنسائي: فلبثتُ ثلاثًا. وعند الترمذي وابن ماجه / (ق 358): فلَقِيني النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعدَ ثلاثٍ، فقال: «يا عمرُ، أتدري مَن الرَّجلُ؟». فقلت: الله ورسوله أعلم. قال: «هو جبريلُ، أتاكم يُعلِّمُكُم دِينَكُم». وزاد الدارقطني: «فخذوا عنه، فوالذي نفسي بيده ما شُبِّه عليَّ منذ أتاني قبل مرتي هذه، وما عرفتُهُ حتى ولَّى». وقال الترمذي بعد روايته الحديث: هذا حديث حسن صحيح. قال: وقد روي هذا الحديث، عن ابن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والصحيح عن ابن عمرَ، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. قلت: وقد استَقصيتُ جميع طرقه وألفاظه في أوَّل شرح البخاري -رحمه الله-، ولله الحمدُ والمنَّةُ. حديث آخر (908) قال أحمد (¬3): ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة. وحجَّاج قال: سَمِعتُ شعبة، عن عاصم بن عبيد الله، عن سالم، عن ابن عمرَ، عن ¬

(¬1) لكن ذِكر العمرة شاذ، كما نبَّه على ذلك ابن عبد الهادي في «تنقيح التحقيق» (2/ 403). وقال ابن حبان في «صحيحه» (1/ 399): تفرَّد سليمان التيمي بقوله: «خذوا عنه»، وبقوله: «تعتمرُ، وتغتسلُ، وتُتمَّ الوُضوءَ». (¬2) في «المدخل إلى السُّنن الكبرى» (ص 234 رقم 315). (¬3) في «مسنده» (1/ 29 رقم 196).

عمرَ: أنه قال للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: أرأيتَ ما نعملُ فيه، أقد فُرِغَ منه، أو في شيءٍ مبتدإٍ، أو أمرٍ مبتَدَعٍ؟ قال: «فيما قد فُرِغَ». فقال عمرُ: أَلاَ نتَّكِلُ؟ فقال: «اعمَل يا ابنَ الخطابِ، فكُلٌّ مُيسَّرٌ، أمَّا مَن كان من أهلِ السَّعادةِ؛ فيَعمَلُ للسَّعادةِ، وأمَّا أهلُ الشَّقاءِ؛ فيَعمَلُ للشَّقاءِ». لم يخرِّجوه من هذا الوجه، وعاصم بن عبيد الله العُمَري تكلَّموا فيه. وقد تقدَّم في التفسير (¬1) من رواية عبد الله بن زياد (¬2)، عن ابن عمرَ، عن عمرَ. وذكره الضياء في «المختارة» (¬3). (909) ورواه الحافظ أبو بكر الإسماعيلي من حديث الزُّبيدي والأوزاعي ومحمد / (ق 359) بن مَيْسرة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيّب، عن عمرَ بن الخطاب، به (¬4). ¬

(¬1) (ص 420 رقم 838). (¬2) كذا ورد بالأصل. وهو خطأ، وصوابه: «عبد الله بن دينار». (¬3) (1/ 304 - 305 رقم 195، 196). (¬4) وأخرجه -أيضًا- ابن وهب في «القدر» (ص 48 رقم 20) والفِريابي في «القدر» (ص 49 رقم 30) من طريق يونس بن يزيد. ومعمر في «جامعه» الملحق بـ «المصنَّف» (11/ 111 رقم 20063) وابن أبي عاصم في «السُّنة» (1/ 7 رقم 161) والفِريابي في «القدر» (ص 47 رقم 29) من طريق الزُّبيدي. جميعهم (يونس بن يزيد، ومعمر، والزُّبيدي) عن الزهري، عن سعيد بن المسيّب، عن عمرَ ... ، فذكره. وهذا إسناد رجاله ثقات، علَّته الاختلاف في سماع سعيد من عمر. وتابَعَهم الأوزاعي، واختُلف عليه، فأخرجه ابن أبي عاصم في «السُّنة» (1/ 71 رقم 162) عن بقيَّة. والدارقطني في «العلل» (2/ 92) عن يحيى القطَّان، تعليقًا. كلاهما (بقيَّة، ويحيى القطَّان) عن الأوزاعي، عن الزهري، به. وخالَفَهما أنس بن عياض، فرواه عن الأوزاعي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة: أنَّ عمرَ بن الخطاب! ومن هذا الوجه: أخرجه الفِريابي في «القدر» (ص 49 رقم 31) وابن أبي عاصم في «السُّنة» (1/ 72 رقم 165) وابن حبان (1/ 312 رقم 108 - الإحسان) والبزَّار (3/ 18 رقم 2137 - كشف الأستار). وهذا الوجه خطأ، فقد قال البزَّار: رواه غير واحد عن الزهري، عن سعيد: أنَّ عمر قال ... ، لا نعلم أحدًا يُسندُهُ عن أبي هريرة، إلا أنس. وانظر: «علل الدارقطني» (2/ 91 - 92 رقم 134). وقد أخرج البخاري (3/ 225 رقم 1362 - فتح) في الجنائز، باب موعظة المحدِّث عند القبر، ومسلم (4/ 2039 رقم 2647) في القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه، من حديث علي -رضي الله عنه- قال: كنَّا في جنازة في بقيع الغَرْقَد، فأتانا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقَعَد وقَعَدنا حولَه، ومعه مِخْصَرةٌ، فنَكَّس، فجعل يَنكُتُ بمِخْصَرتِهِ، ثم قال: «ما منكم من أحدٍ، ما من نفسٍ منفُوسةٍ إلا وقد كَتَب اللهُ مكانَها من الجنَّة والنَّار، وإلا وقد كُتِبَتْ شَقيةً أو سعيدةً». قال: فقال رجلٌ: يا رسولَ الله، أفلا نَمكُثُ على كتابِنا، ونَدَعُ العملَ؟ فقال: «مَن كان مِن أهلِ السَّعادةِ، فسَيَصيرُ إلى عملِ أهلِ السعادةِ، ومَن كان من أهلِ الشَّقاوةِ، فسَيَصيرُ إلى عملِ أهلِ الشَّقاوةِ، اعملوا، فكُلٌّ مُيسَّرٌ، أمَّا أهلُ السَّعادة فيُيَسَّرون لعملِ أهلِ السَّعادةِ، وأمَّا أهلُ الشَّقاوة فيُيَسَّرون لعملِ أهلِ الشَّقاوةِ، ثم قرأ: {فأما من أعطى واتقى. وصدق بالحسنى. فسنيسره لليسرى. وأما من بخل واستغنى. وكذب بالحسنى. فسنيسره للعسرى}».

حديث آخر (910) قال الحافظ أبو يعلى الموصلي (¬1): ثنا الحارث بن مِسكين المصري، ثنا عبد الله بن وهب (¬2)، أنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ بن الخطاب، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «قال موسى عليه السلام: ياربُّ، أَرِنا آدمَ، أَخرَجَنا ونَفْسَهُ من الجنَّةِ، فأَرَاهُ اللهُ آدمَ. قال: أنت آدمُ؟ ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 209 رقم 104). (¬2) وهو في كتاب «القدر» له (ص 33 رقم 3).

فقال له آدمُ: نعم. قال: أنت الذي نَفَخَ اللهُ فيك مِن رُوحِهِ، وأَسجَدَ لك ملائكتَهُ، وعلَّمَكَ الأسماءَ كُلَّها؟ قال: نعم. قال: فما حَمَلَكَ على أن أَخرَجتَنَا ونَفْسَكَ من الجنَّةِ؟ فقال له آدمُ: مَن أنت؟ قال: أنا موسى. قال: أنت موسى بني إسرائيل الذي كلَّمَكَ اللهُ من وراءِ حجابٍ، فلم يَجعل بينكَ وبينَه رسولاً من خلقِهِ؟ قال: نعم. قال: فَتَلُومُنِي على أمرٍ قد سَبَقَ مِن اللهِ القضاءُ قبلي؟!». قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: «فحجَّ آدمُ موسى، فحجَّ آدمُ موسى». ورواه أبو داود (¬1)، عن أحمد بن صالح، عن ابن وهب، بمعناه. طريق أخرى (911) قال أبو يعلى (¬2): حدثنا محمد بن مثنَّى الزَّمِن، ثنا عبد الملك بن الصبَّاح المِسْمَعي، أنا عمران، عن الرُّدَيْني بن أبي مِجْلَز، عن يحيى بن يَعمَر، عن ابن عمرَ، عن عمرَ -قال أبو محمد: أكبر ظنِّي أنَّه رَفَعه- قال: «التقى آدمُ وموسى، قال موسى لآدمَ: أنت أبو الناسِ، أَسكَنَكَ اللهُ جنَّتَه، وأَسجَدَ / (ق 360) لك ملائكتَه. قال آدمُ لموسى: أما تَجدُهُ مكتوبًا؟ فحجَّ آدمُ موسى، فحجَّ آدمُ موسى». ¬

(¬1) في «سننه» (5/ 228 رقم 4702) في السُّنة، باب في القَدَر. وأخرجه -أيضًا- أبو بكر النَّجاد في «الرد على من يقول: القرآن مخلوق» (ص 35 رقم 30) وابن منده في «الرد على الجهمية» (68 رقم 38). وصحَّحه ابن منده، وابن عبد البر في «التمهيد» (18/ 12). وحسَّن إسنادَه أبو العباس ابن تيميَّة في «مجموع الفتاوى» (8/ 304) والشيخ الألباني في «السلسلة الصحيحة» (4/ 278). (¬2) في «مسنده» (1/ 211 رقم 105).

غريب من هذ الوجه، رُدَيْني بن أبي مِجْلَز، -واسم أبي مِجْلَز: لاحِق بن حميد-، روى عن أبيه، ويحيى بن يَعمَر. وعنه عمران بن حُدَير هذا، والمنذر بن ثعلبة، وقُرَّة بن خالد. هكذا ترجمه ابن أبي حاتم (¬1) -رحمه الله-، وباقي رجاله ثقات أئمَّة. طريق أخرى (912) قال الهيثم بن كُلَيب في «مسنده» (¬2): ثنا ابن المنادي، ثنا يونس بن محمد المؤدِّب، ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن يحيى بن يَعمَر قال: كان رجلٌ من جُهَينة فيه رَهَقٌ (¬3)، وكان يتوثر-وأظنُّه يتوثَّب على جيرانه-، ثم إنَّه قرأ القرآنَ، وفَرَض الفرائضَ، وقصَّ على الناس برأيه، وصار من أمره أنَّه زَعَم أنَّ الأمرَ أُنُفٌ، وأنَّه مَن شاء عمل خيرًا، ومَن شاء عمل شَرًّا، فذَكَر كلامًا، ثم قال: فلَقِينا ابنَ عمرَ ... ، فذَكَر كلامًا، ثم قال: لقد حدَّثني عمرُ، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: «أنَّ موسى لَقِيَ آدمَ، فقال: يا آدمُ، أنت خَلَقكَ اللهُ بيدِهِ، وأسجدَ لك الملائكةَ، وأَسكَنَكَ الجنَّةَ، فواللهِ لولا ما فَعَلتَ ما دخلَ أحدٌ من ذُرِيَّتِكَ النَّارَ. قال: فقال: يا موسى، أنت الذي اصطفاكَ اللهُ برسالتِهِ وكلامِهِ، تَلُومُنِي فيمَا قد كان كُتِبَ عليَّ قبل أن أُخلَقَ؟! فاحتجَّا إلى اللهِ، فحجَّ آدمُ موسى». أورده الضياء في كتابه «المختارة». وقال الحافظ أبو بكر البَرْقاني: رواه مسلم. وليس في مسلم هذه الزيادة، وإنما / (ق 361) عنده أصل الحديث. ¬

(¬1) في «الجرح والتعديل» (3/ 515 رقم 2329). (¬2) ليس في القسم المطبوع من «مسنده»، ومن طريقه: أخرجه الضياء في «المختارة» (1/ 320 - 321 رقم 216). (¬3) الرَّهَق: السَّفَه وغشيان المحارم. «النهاية» (2/ 284).

حديث آخر في القدر أيضا

حديث آخر في القَدَر أيضًا (913) قال أحمد (¬1): حدثنا أبو عبد الرحمن، حدثني سعيد بن أبي أيوب، حدثني عطاء بن دينار، عن حكيم بن شريك الهُذَلي، عن يحيى بن ميمون الحضرمي، عن ربيعة الجُرَشي، عن أبي هريرة، عن عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه-، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تُجالسُوا أهلَ القَدَرِ ولا تفاتحوهُم». هذا حديث غريب، ثماني الإسناد، من أطول ما يقع في «المسند». وقد رواه أبو داود في كتاب السُّنة من «كتابه» (¬2)، عن أحمد بن حنبل، به، فوقع تساعيًّا من هذا الوجه. ورواه -أيضًا- (¬3)، عن أحمد بن سعيد الهَمْداني، عن ابن وهب، عن ابن لَهِيعة، وعمرو بن الحارث، وسعيد بن أبي أيوب. ثلاثتهم عن عطاء بن دينار، به. وهذا إسناد حسن، فإنَّ عطاء بن دينارلم أر أحدًا جَرَحَه (¬4). وشيخُه وثَّقه ابن حبان (¬5). ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 30 رقم 206). وفي إسناده: حكيم بن شريك الهُذَلي: جهَّله أبوحاتم، كما في «الميزان» (1/ 586 رقم 2223). وضعَّفه الشيخ الألباني في تحقيقه لـ «كتاب السُّنة» لابن أبي عاصم (1/ 145 رقم 330). (¬2) «سنن أبي داود» (5/ 227 رقم 4710) باب في القَدَر. (¬3) (5/ 235 رقم 4720). (¬4) وثَّقه أحمد، وأبو داود، وأبو سعيد بن يونس، وقال النسائي: ليس به بأس. «تهذيب الكمال» (20/ 67 - 69). (¬5) ذَكَره في «الثقات» (6/ 215) وقال: من أهل مصر، يروي عن يحيى بن ميمون، روى عنه عطاء بن دينار.

ويحيى بن ميمون الحضرمي قال فيه أبو حاتم (¬1): صالح. وربيعة بن عمرو -يقال: ابن الحارث بن الغاز الجرشي أبو الغاز الشَّامي الدِّمشقي- عدَّه محمد بن سعد (¬2) فيمن نزل الشام من الصحابة، فعلى هذا يكون قد اجتمع في إسناد هذا الحديث ثلاثةٌ من الصحابة، يروي بعضُهم عن بعض. لكن قال ابن سعد -أيضًا- وأبو زرعة (¬3)، وأبو حاتم (¬4): لا صُحبة له. وقد روى هذا الحديثَ أبو حاتم ابن حبان في «صحيحه» (¬5) عن الحافظ أبي يعلى الموصلي (¬6)، عن أبي خيثمة. ورواه أبو يعلى -أيضًا- (¬7) عن هارون بن معروف. وعن هنَّاد. ورواه الهيثم بن / (ق 362) كُلَيب في «مسنده» (¬8)، عن عباس الدُّوري وابن المنادي. كلهم عن أبي عبد الرحمن المُقرئ -واسمه عبد الله بن يزيد- بإسناده المتقدِّم مثله. ¬

(¬1) كما في «الجرح والتعديل» (9/ 188 رقم 783). (¬2) في «الطبقات الكبرى» (7/ 438). (¬3) هو: الدمشقي. انظر: «التاريخ» له (1/ 233 - 235). (¬4) كما في «الجرح والتعديل» (9/ 188 رقم 783). (¬5) (1/ 280 رقم 79 - الإحسان). (¬6) وهو في «مسنده» (1/ 212 رقم 245). (¬7) في «مسنده» (1/ 212 رقم 245). ولم أجده من رواية هنَّاد في المطبوع من «مسنده»، فلعله في مسنده الكبير. (¬8) ليس في القسم المطبوع من «مسنده»، ومن طريقه: أخرجه الضياء في «المختارة» (1/ 424 رقم 303، 304).

حديث آخر (914) قال أبو يعلى الموصلي (¬1): ثنا موسى، ثنا سليمان بن عبيد الله (¬2) المروزي، حدثني بقيَّة بن الوليد، حدثني حبيب بن عمر الأنصاري، عن أبيه، عن عبد الله بن عمر، عن عمرَ بن الخطاب قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ينادي يومَ القيامةِ منادٍ: أَلاَ لِيقُم خصماءُ اللهِ عزَّ وجلَّ، وهم القدريةُ». غريب من هذا الوجه، ولم يخرِّجوه. وكذا رواه إسحاق بن راهويه (¬3) وغيره عن بقيَّة. وحبيب بن عمر هذا: قال فيه أبو حاتم الرازي (¬4) والدارقطني (¬5): مجهول. ¬

(¬1) لم أجده في المطبوع من «مسنده»، وهو من رواية ابن حمدان، وأورده الهيثمي في «المقصد العلي» (3/ 84 رقم 1158 - رواية ابن المقرئ). (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «عبد الله»، وكذا ورد في «المطالب العالية» (3/ 287 رقم 2994) (¬3) في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (3/ 287 رقم 2994). وأخرجه -أيضًا- ابن أبي عاصم في «السُّنة» (1/ 148 رقم 336) والطبراني في «الأوسط» (6/ 317 رقم 6510) وابن بَشران في «الأمالي» (1/ 144 رقم 321) والخطيب في «تالي تلخيص المتشابه» (1/ 229 رقم 123) من طريق بقيَّة، به. وجاء عند الخطيب: «عن عمرَ بن حبيب، عن أبيه»! وعند ابن بَشران: «عن عمرَ بن حبيب، عن أبيه، عن رجل من قومه، عن ابن عمرَ، عن عمرَ»! (¬4) كما في «الجرح والتعديل» (3/ 105 رقم 485) و «علل بن أبي حاتم» (2/ 435 رقم 2810). (¬5) في «العلل» (2/ 71).

زاد أبو حاتم: وهو صحيح الحديث (¬1)، ولم يرو عنه سوى بقيَّة بن الوليد. ¬

(¬1) كذا ورد بالأصل. والذي في «الجرح والتعديل»، و «العلل»: «ضعيف الحديث». والحديث قال عنه أبو حاتم: هذا حديث منكر. وقال الدارقطني: حديث مضطَّرب الإسناد، غير ثابت.

حديث آخر في التوكل

حديث آخر في التَّوكل (915) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا أبو عبد الرحمن، ثنا حَيوة، أخبرني بكر بن عمرو، أنه سَمِعَ عبد الله بن هُبيرة يقول: إنَّه سَمِعَ أبا تميم الجَيْشاني يقول: إنَّه سَمِعَ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: إنَّه سَمِعَ نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لو أنَّكم تَوَكَّلون على اللهِ حقَّ تَوَكُّلِهِ؛ لَرَزَقَكُم كما يَرزُقُ الطيرَ، تَغدُو خِمَاصًا، وتَروحُ بِطَانًا (¬2)». ورواه أحمد -أيضًا- (¬3) عن حجَّاج. وعن يحيى بن إسحاق (¬4). كلاهما عن ابن لَهِيعة، ثنا عبد الله بن هُبيرة، به. وهكذا رواه عَبد بن حميد (¬5)، عن أبي عبد الرحمن -وهو عبد الله بن يزيد المُقرئ- به. وأخرجه / (ق 363) ابن حبان في «صحيحه» (¬6)، عن أبي يعلى الموصلي (¬7)، عن أبي خيثمة، عن المقرئ، به. ورواه علي ابن المديني، عن أبي داود الطيالسي (¬8) عن ابن المبارك (¬9)، ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 30 رقم 205). (¬2) أي: تَغدو بُكرة وهي جياع، وتروح عِشاء وهي ممتلئة الأجواف. «النهاية» (2/ 80). (¬3) في «مسنده» (1/ 52 رقم 370). (¬4) في «مسنده» (1/ 52 رقم 373). (¬5) في «المنتخب من مسنده» (1/ 43 رقم 10). (¬6) (2/ 509 رقم 730 - الإحسان). (¬7) وهو في «مسنده» (1/ 212 رقم 247). (¬8) وهو في «مسنده» (1/ 55 رقم 51). (¬9) وهو في «الزهد والرقائق» له (ص 196 رقم 559). تنبيه: هذا الحديث أخرجه -أيضًا- الترمذي (2344) في الزهد، باب في التوكل على الله، والنسائي في «الكبرى»، كما في «تحفة الأشراف» (8/ 79 رقم 10586) من طريق ابن المبارك، به. وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه ابن ماجه (4164) في الزهد، باب التوكل واليقين، من طريق ابن لهيعة، عن ابن هُبيرة، به. وقد فات المؤلف تخريجه من هذه المصادر، والعزو إليها أولى.

عن حَيوة بن شُريح، به، وقال: لم نجده إلا من هذا الوجه، وإسناده مصري، ورجاله معروفون عند أهل مصر.

حديث فيه أثر عن عمر في القدر أيضا

حديث فيه أثر عن عمر في القَدَر أيضًا (916) قال البخاري (¬1): ثنا عبد الله بن يوسف، أنا مالك (¬2)، عن ابن شهاب، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نَوفل، عن عبد الله بن عباس: أنَّ عمرَ بن الخطاب خَرَج إلى الشَّام، حتى إذا كانوا بسَرْغ (¬3) لَقِيَهٌ أمراءُ الأجنادِ: أبو عُبيدة بن الجرَّاح وأصحابه، وأخبروه أن الوباءَ (¬4) قد وَقَع بالشام. قال ابن عباس: فقال عمرُ: اُدعُ لِيَ المهاجرين الأوَّلين. فدَعَاهم، فاستَشَارَهم، وأخبَرَهم أن الوباءَ قد وَقَع بالشام، فاختَلَفوا، فقال بعضهم: قد خَرَجتَ لأمر، ولا نَرَى أن ترجعَ عنه. وقال بعضهم: معك بقيَّة الناس، وأصحابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ولا نَرَى أن تُقْدِمَهُم على هذا الوباء. فقال: ارتَفِعُوا عنيِّ. ثم قال: ادعُ لِيَ الأنصارَ. فدَعَوتُهم، فاستَشَارهم، فسَلَكوا سبيلَ المهاجرين، واختَلَفوا كاختلافهم، فقال: ارتَفِعُوا عنِّي. ثم قال لي: ادعُ لِيَ مَن كان ههنا من مشيخة قريش من مُهَاجرة الفتح. فدَعَوتُهم، فلم يَختَلِفْ منهم عليه / (ق 364) رجلان، فقالوا: نَرَى أن ترجعَ بالناس، ولا تُقْدِمَهُم على هذا الوباء. فنادى عمرُ -رضي الله عنه- في الناس: إني مُصبِّحٌ على ظَهْرٍ، فأَصبِحُوا عليه. قال أبو عُبيدة بن الجرَّاح: أَفَرارًا من قَدَر الله؟ فقال عمرُ: لو غَيرُكَ قالها يا أبا عُبيدة! نعم، ¬

(¬1) في «صحيحه» (10/ 179 رقم 5729 - فتح) في الطب، باب ما يذكر في الطاعون. (¬2) وهو في «الموطأ» (2/ 472) في الجامع، باب ما جاء في الطاعون. (¬3) سَرغ: قرية بوادي تبوك. «معجم البلدان» (3/ 212). (¬4) الوباء: بالقصر والمدِّ والهمز: الطاعون والمرض العام. «النهاية» (5/ 144).

نَفِرُّ من قَدَر الله إلى قَدَر الله، أرأيتَ لو كان لك إبلٌ هَبَطَتْ واديًا له عُدْوَتَان (¬1)، إحداهما خَصِبَةٌ (¬2)، والأخرى جَدْبَةٌ، أليس إنْ رَعَيتَ الخَصْبةَ رَعَيتَها بقَدَر الله، وإنْ رَعَيتَ الجَدْبةَ رَعَيتَها بقَدَر الله؟ قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف، وكان مُتغيِّبًا في بعض حاجته، فقال: إنَّ عندي من (¬3) هذا عِلمًا، سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا سمعتم به بأرضٍ فلا تَقْدَمُوا عليه، وإذا وقَعَ بأرضٍ وأنتم بها فلا تخرُجوا فِرَارًا منه». قال: فحَمِدَ اللهَ عمرُ، ثم انصَرَف. وقد رواه مسلم (¬4)، عن يحيى بن يحيى، عن مالك. ومن طرق، عن الزهري، به. وسيأتي (¬5) ما فيه من المرفوع في مسند عبد الرحمن بن عَوف، وأسامة بن زيد بن حارثة، -إن شاء الله تعالى-، وبه الثقة. أثر آخر في القَدَر (917) قال الإمام محمد بن الحسن الشَّيباني (¬6)، عن الإمام أبي ¬

(¬1) العدوة: بضم العين وكسرها: جانب الوادي. «النهاية» (3/ 194). (¬2) كذا ورد بالأصل. وهو الموافق لأصل النسخة اليونينية لـ «صحيح البخاري» (7/ 130 - ط دار طوق النجاة)، وفي نسخة أبي ذرّ الهَرَوي، كما في «الفتح» (10/ 186): «خَصِيبة». (¬3) كَتَب المؤلِّف فوقها: «في»، ولم يضرب على ما تحتها. (¬4) في «صحيحه» (4/ 1740 رقم 2219) في السلام، باب الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها. (¬5) انظر: «جامع المسانيد والسُّنن» (1/ 203 - 205 رقم 267 - 270) و (5/ 554 رقم 7012). (¬6) ومن طريقه: أخرجه الخطيب في «تاريخه» (11/ 290 - 291).

حنيفة، عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود: أنَّ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- خَطَب الناسَ بالجابية (¬1)، فقال في خُطبته: إنَّ اللهَ يُضِلُّ مَن يشاء، ويَهدي مَن يشاء. فقال القَسُّ (¬2): اللهُ أعدلُ أن يُضِلَّ / (ق 365) أحدًا! فبلغ ذلك عمرُ، فبَعَثَ إليه: بلِ اللهُ أَضلَّكَ، ولولا عَهدُك لضَرَبتُ عُنُقَكَ. وقد روي هذا من طرق كثيرة عن عمرَ رضي الله عنه (¬3). ¬

(¬1) الجابية: قرية من أعمال دمشق. «معجم البلدان» (2/ 91). (¬2) القَسَ: رئيس النصارى في العلم. انظر: «القاموس المحيط» (ص 566 - مادة قس). (¬3) منها: ما أخرجه عبد الله بن أحمد في «السُّنة» (2/ 423 رقم 929) وابن أبي حاتم في «تفسيره» (5/ 1652 رقم 8595) والفِريابي في «القدر» (ص 64 - 66 رقم 54، 55) وابن بطَّة في «الإبانة» (2/ 130 رقم 1561 - تحقيق عثمان الأثيوبي) واللالكائي في «شرح أصول الاعتقاد» (4/ 729 رقم 1197) وابن بَشران في «الأمالي» (2/ 320 رقم 1604) من طريق خالد الحذَّاء، عن عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر، عن عبد الله بن الحارث، عن عمرَ بن الخطاب ... ، فذكره، مطولاً. وهذا إسناد رجاله ثقات، عدا عبد الأعلى هذا، فقد أورده البخاري في «التاريخ الكبير» (6/ 71 رقم 1742) وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (6/ 27 رقم 141) ولم يَذكرا فيه جرحًا ولا تعديلاً، وذكره ابن حبان في «الثقات» (7/ 129). وقال الحافظ في «التقريب»: مقبول. ومنها: ما أخرجه ابن وهب في «القدر» (ص 49 رقم 22) عن يونس بن يزيد، عن الأوزاعي، عن عمرَ ... ، فذكره. وهذا منقطع، الأوزاعي لم يُدرك عمر. ومنها: ما أخرجه ابن وهب -أيضًا- في «القدر» (ص 50 رقم 23) عن [عمر] بن محمد، عن ابن عباس، عن عمرَ ... ، فذكره. وهذا -أيضًا- منقطع؛ عمر، وهو: ابن محمد بن زيد بن الخطاب لم يُدرك ابن عباس.

حديث يذكر في تفاضل الإيمان

حديث يُذكر في تفاضل الإيمان (918) قال الحافظ أبو يعلى (¬1): ثنا مصعب بن عبد الله، ثنا عبد العزيز بن محمد، عن محمد بن أبي حميد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ بن الخطاب قال: كنتُ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم جالسًا، فقال: «أنبئوني بأفضلِ أهلِ الإيمانِ إيمانًا؟». قالوا: يا رسولَ الله، الملائكةُ. قال: «هم كذلك (¬2)، وما يَمْنَعُهُم وقد أنزلَهمُ اللهُ المنزلةَ التي أنزلَهُم بها، بل غيرُهُم». قالوا: يا رسولَ الله، الأنبياءُ الذين أكرَمَهم اللهُ برسالته والنبوَّة. قال: «هم كذلك، ويَحِقُّ لهم ذلك، وما يَمْنَعُهُم وقد أنزلَهُمُ اللهُ المنزلةَ التي أنزلَهُم بها» (¬3). قالوا: يا رسولَ الله، الشهداءُ الذين استُشهدوا مع الأنبياء. قال: «هم كذلك، ويَحِقُّ لهم ذلك، وما يَمْنَعُهُم وقد أكرمَهمُ اللهُ بالشهادةِ مع الأنبياءِ، بل غيرُهُم». قالوا: فمَن يا رسولَ الله؟ قال: «أقوامٌ في أصلابِ الرِّجالِ يأتون مِن بعدي، يؤمنون بي ولم يَرَوني، ويصدِّقون بي ولم يَرَوني، يجدون الورقَ المُعلَّقَ فيَعملون بما فيه، هؤلاءِ أفضلُ أهلِ الإيمانِ إيمانًا». ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 147 رقم 160). وأخرجه -أيضًا- الحاكم (4/ 85) من طريق أبي عامر العَقَدي، عن محمد بن أبي حميد، به. وقال: صحيح الإسناد. فتعقَّبه الذهبي بقوله: بل محمد ضعَّفوه. وضعَّفه الحافظ في «الفتح» (7/ 6)، واستغربه في «الأمالي المطلقة» (ص 38). وقال الشيخ الألباني في «السلسلة الضعيفة» (2/ 104): ضعيف جدًّا. (¬2) زاد في المطبوع: «بل غيرُهُم». (¬3) زاد في المطبوع: «ويَحِقُّ لهم ذلك».

وكذا رواه الحافظ أبو بكر البزَّار (¬1) عن محمد بن المثنَّى، عن ابن أبي عَدي وأبي عامر العَقَدي. كلاهما عن محمد بن أبي حميد المدني. وقد ضعَّفه الإمام أحمد، ويحيى بن معين، والبخاري، والسعدي، وأبو زرعة، / (ق 366) وأبو حاتم الرازيان، وغيرهم (¬2). ولكن رواه البزَّار (¬3) من وجه آخر، فقال: ثنا محمد بن مرزوق، عن ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 412 - 413 رقم 288). (¬2) انظر: «الجرح والتعديل» (7/ 233 رقم 1276) و «تهذيب الكمال» (25/ 112 - 115). (¬3) (1/ 413 رقم 289). وأعلَّه البزار، فقال عقب روايته: هذا الحديث لا نعلمه يُروى عن عمرَ إلا من هذا الوجه، وحديث المنهال بن بحر، عن هشام الدَّستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ، إنما يَرويه الحفَّاظ الثقات عن هشام، عن يحيى، عن زيد بن أسلم، عن عمرَ، مرسلاً، وإنما يُعرَف هذا الحديث من حديث محمد بن أبي حميد، ومحمد رجل من أهل المدينة، ليس بقوي. وقال العقيلي في «الضعفاء الكبير» (4/ 238): وهذا الحديث إنما يُعرَف بمحمد بن أبي حميد، عن زيد بن أسلم، وليس بمحفوظ من حديث يحيى بن أبي كثير، ولا يُتابِع منهالَ عليه أحدٌ. قلت: لكن خرَّج الإمام أحمد في «مسنده» (4/ 106) وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (4/ 151 رقم 2134 - 2136) وأبو يعلى (3/ 128 رقم 1559) وابن قانع في «معجم الصحابة» (1/ 187 - 188) والطبراني في «الكبير» (4/ 22، 23 رقم 3537 - 3541) والحاكم (4/ 85) وابن عبد البر في «التمهيد» (2/ 156 - ط دار الفاروق) من طريق صالح بن جُبَير، عن أبي جُمَعة، -رضي الله عنه- قال: فقلنا: يا رسولَ الله، هل أحدٌ خيرٌ منَّا؟ قال: «قومٌ يجيئون مِن بعدكم يجدون كتابًا بين لوحين يؤمنون به ويصدِّقون، هم خيرٌ منكم». وهذا أحد ألفاظ الطبراني. قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وحسَّنه الحافظ في «الفتح» (7/ 6) و «الأمالي المطلقة» (ص 40). وقال ابن عبد البر: أبو جُمعة له صُحبة، فاسمه حبيب بن سباع، وقد ذَكَرناه بما ينبغي (كذا، ولعل الصواب: يغني) عن ذِكره في كتاب الصحابة، وصالح بن جُبَير انفرد بهذا الحديث، وصالح بن جُبَير من ثقات التابعين، روى عنه قوم جلَّة، منهم أبو عبيد حاجب سليمان بن عبد الله شيخ مالك، ومرزوق بن نافع، ومعاوية بن صالح، وهشام بن سعد، ورجاء بن أبي سَلَمة، وغيرهم. قال عثمان بن سعيد السجستاني الدارمي: سألت يحيى بن معين عن صالح بن جُبَير كيف هو؟ فقال: ثقة.

منهال بن بحر، عن هشام الدَّستوائي، عن يحي بن أبي كثير، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ، به. وقد ذَكَرتُ له طرقًا أخر في شرح كتاب العلم من «صحيح البخاري» عند الاحتجاج لصحَّة العمل بالوِجَادة (¬1)، ولله الحمدُ والمنَّة. حديث آخر في معناه (919) قال أبو يعلى -أيضًا- (¬2): ثنا محمد بن جامع العطَّار -بصري- ثنا محمد بن عثمان، ثنا سليمان بن أبي داود، عن رجاء بن حَيوة، عن عبد الرحمن بن غَنم، عن عمرَ بن الخطاب قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا يبلغُ عبدٌ صريحَ الإيمانِ حتى يَدَعَ المزاحَ والكذبَ، ويَدَع المراءَ وإن كان محقًّا». ¬

(¬1) تقدم تعريفها (ص، تعليق رقم). (¬2) لم أجده في المطبوع من «مسنده»، وهو من رواية ابن حمدان، وأورده الهيثمي في «المقصد العلي» (1/ 42 رقم 23 - رواية ابن المقرئ)، وتحرَّف فيه «سليمان بن أبي داود» إلى: «سليمان بن داود»! وأخرجه -أيضًا- تمام في «فوائده» (3/ 359 رقم 1121 - الروض البسام) وأبو نعيم في «الحلية» (5/ 176) من طريق المُعافَى بن عمران، عن سليمان بن أبي داود، به.

سليمان هذا: ضعَّفه البخاري، وأبو زرعة وأبو حاتم الرَّازيان، وأبو حاتم ابن حبان البُستي (¬1). ¬

(¬1) انظر: «التاريخ الكبير» (4/ 11 رقم 1793) و «الجرح والتعديل» (4/ 115، 120 رقم 501، 520) رقم 520،501) و «المجروحين» (1/ 335).

حديث في تضعيف ثواب توحيد الله وذكره

حديث في تضعيف ثواب توحيد الله وذِكره (920) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا أبو سعيد، ثنا حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار مولى آل الزبير، عن سالم، عن أبيه، عن عمرَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن قال في سُوقٍ: لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له الملكُ، وله الحمدُ، بيدِهِ الخيرُ، يحيي ويُميت، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ، كَتَب اللهُ لها بها ألفَ ألفِ حَسَنةٍ، ومحا عنه بها ألفَ ألفِ سيئةٍ، / (ق 367) وبنى له بيتًا في الجنَّةِ». ورواه الترمذي (¬2)، وابن ماجه (¬3) من حديث حماد بن زيد -زاد الترمذي: والمعتمر بن سليمان-، كلاهما عن عمرو بن دينار القَهْرمان، وقد تكلَّموا فيه. وقال الترمذي: غريب. ثم رواه الترمذي (¬4) عن أحمد بن مَنيع، عن يزيد بن هارون، عن أزهر بن سِنَان، عن محمد بن واسِع قال: قَدِمنا مكةَ، فلَقِيَني أخي سالم بن عبد الله، فحدَّثني بهذا. وكذا رواه أبو يعلى (¬5) عن أبي خيثمة، عن يزيد بن هارون، به. ورواه علي ابن المديني عن يزيد بن هارون، إلا أنه لم يرفعه. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 47 رقم 327). (¬2) في «سننه» (5/ 458 رقم 3429) في الدعوات، باب ما يقول إذا دخل السوق. (¬3) في «سننه» (2/ 752 رقم 2235) في التجارات، باب الأسواق ودخولها. (¬4) (5/ 457 رقم 3428). (¬5) لم أجده في المطبوع من «مسنده»، ومن طريقه: أخرجه الضياء في «المختارة» (1/ 297 رقم 187).

ورواه الحاكم في «مستدركه» (¬1) عن أبي بكر إسماعيل بن محمد الفقيه وأبي أحمد بكر بن محمد الصَّيرفي. كلاهما عن الحارث بن أبي أسامة، عن يزيد بن هارون، به، مرفوعًا، وزاد: «ورُفِعَ له ألفُ ألفِ درجةٍ، وبُنِيَ له بيتٌ في الجنَّةِ». قال محمد بن واسِع: فقَدِمْتُ خراسانَ، فأتيتُ قتيبةَ بن مسلم، فقلتُ: أتيتُكَ بهدية، فحدَّثته الحديثَ، فكان يَركب في موكبه فيقولهُا، ثم ينصرف. وذَكَر الحافظ أبو نعيم الأصبهاني (¬2) أنَّ الإمام أحمد رواه عن يزيد بن هارون -أيضًا-، به. قال الحافظ الضياء (¬3): لم أره في «المسند»، ويحتمل أنه رواه عنه في غيره، والله أعلم. وقد رواه ابن ماجه (¬4) عن علي بن محمد، عن وكيع، عن خارجة بن مصعب، عن عمرو بن دينار، به. لكن جعله من مسند ابن عمرَ. وكذا رواه علي بن يزيد الصُّدَائي، عن خارجة. ¬

(¬1) (1/ 538). (¬2) في «حلية الأولياء» (2/ 355). (¬3) في «المختارة» (1/ 299). (¬4) هكذا عزاه المؤلِّف إلى «سنن ابن ماجه»، وسبقه إلى ذلك شيخه المزِّي في «تحفة الأشراف» (8/ 58 رقم 10528) عازيًا إيَّاه إلى كتاب الدعاء منه، وبالرجوع إلى هذا الموضع، تبيَّن أنه حديث آخر، وهو حديث: «مَن فجأه بلاء، فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضَّلني على كثير ممن خَلَق تفضيلاً، عُوفي من ذلك البلاء، كائنًا من كان».

/ (ق 368) وقال أبو خالد الأحمر: عن المُهاصِر بن حبيب، عن سالم، عن أبيه، عن جدِّه (¬1)، ورواه غيره عن المهاصِر، فلم يقل: عن جدِّه. قال علي ابن المديني في مسند عمرَ: وأما حديث مهاصِر، عن سالم، فيمن دخل السوق، فإنَّ مهاصِر بن حبيب ثقة من أهل الشام، ولم يلقَه أبو خالد الأحمر، وإنما روى عنه ثور بن يزيد والأحوص بن حكيم وفَرَج بن فَضَالة وأهل الشَّام، وهذا حديث منكر من حديث مهاصِر من أنه سَمِعَ سالمًا، وإنما روى هذا الحديث شيخٌ لم يكن عندهم بِثَبتٍ، يقال له: عمرو بن دينار قَهْرمان آل الزُّبير، حدَّثناه زياد بن الربيع، عنه، به. فكان أصحابنا ينكرون هذا الحديثَ أشدَّ الإنكار لجودة إسناده (¬2). قال: وقد رَوى هذا الشيخُ حديثًا آخر (¬3) عن سالم، عن أبيه، عن عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَن رأى مُبتلًى ...»، فذَكَر كلامًا لا أحفظه، ¬

(¬1) ومن هذا الوجه: أخرجه الطبراني في «الدعاء» (2/ 1167 رقم 793)، وتحرَّف فيه: «المهاصِر» إلى: «المهاجر»! وأما تصحيح الشيخ سليم الهلالي لهذه الطريق في تحقيقه لـ «عمل اليوم والليلة» لابن السُّني (1/ 239) ففيه نظر؛ لأن الإمام علي ابن المديني، قد صرَّح -كما سيأتي- بأن أبا خالد الأحمر لم يلق المهاصِر، فالإسناد منقطع. (¬2) وقد سَرَد طرقه الدارقطني في «العلل» (2/ 48 - 50 رقم 101) وحَكَم عليه بالاضطِّراب. وقال ابن القيِّم في «المنار المنيف» (ص 41): هذا الحديث معلول، أعلَّه أئمَّة الحديث. وممن نصَّ على نكارته الإمام أحمد في «مسائله» (ص 393 رقم 1879 - رواية أبي داود) وأبو حاتم، كما في «العلل» لابنه (2/ 171، 181 رقم 2006، 2038) وابن عدي (5/ 135 - ترجمة عمرو بن دينار) والبزَّار في «مسنده» (1/ 239). وانظر: «علل الترمذي» (ص 363). (¬3) تقدَّم الكلام عليه (1/ 266 رقم 128).

وهذا ممَّا أَنكروه، ولو كان مهاصِر يصحُّ حديثُه في السُّوق، لم يُنكَر على عمرو بن دينار هذا الحديث. انتهى كلامه رحمه الله وإيَّانا.

حديث في التواضع

حديث في التواضع (921) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا يزيد، ثنا عاصم بن محمد، عن أبيه، عن ابن عمرَ، عن عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه -قال: لا أَعلم إلا رَفَعه- قال: «يقول الله تعالى: مَن تواضعَ لِي هكذا -وجعل يزيد باطن كفِّه إلى الأرض، وأدناها إلى الأرض- / (ق 369) رَفَعتُهُ هكذا»، وجعل باطنَ كفِّه إلى السماء، ورفعَها نحو السماءِ. وهكذا رواه عَبد بن حميد (¬2) عن يزيد بن هارون. ورواه أبو يعلى (¬3) عن القَوَاريري. والهيثم بن كُلَيب في «مسنده» (¬4) عن ابن المنادي. كلاهما عن يزيد بن هارون، به. ورواه أبو القاسم الطَّبراني (¬5) عن عبد الله بن محمد مُرَّة أبي الطَّاهر البصري -وهو خَتَن محمد بن المثنَّى- (¬6) عن محمد بن المثنَّى، عن يزيد بن هارون، به. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 44 رقم 309). (¬2) لم أجده في المطبوع من «المنتخب من مسنده»، ولعل صواب العبارة: «وهكذا رواه أحمد بن منيع». انظر: «المختارة» للضياء (1/ 317). (¬3) في «مسنده» (1/ 167 - 168 رقم 187). (¬4) ليس في القسم المطبوع من «مسنده»، ومن طريقه: أخرجه الضياء في «المختارة» (1/ 316 - 317 رقم 210). (¬5) في «المعجم الصغير» (1/ 231). (¬6) قوله: «وهو خَتَن محمد بن المثنى» تحرَّف في المطبوع إلى: «حدثنا الحسن بن المثنى»! وكذا وقع محرَّفًا في النسخة المحققة من «المعجم الصغير» (1/ 385 رقم 645)!

وهو إسناد جيد، ولم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب السُّنن، وإنما اختاره الضياء في كتابه (¬1). وقد روي من طريق أخرى بنحوه موقوفًا: (922) كما قال الإمام أبو بكر ابن الأنباري (¬2): ثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي، ثنا محمد بن الصبَّاح، ثنا سفيان، عن ابن عَجْلان، عن بُكَير بن عبد الله بن الأشجِّ، عن معمر بن أبي حبيبة، عن عبد الله (¬3) بن عدي بن الخِيَار قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يقول: إنَّ العبدَ إذا تواضع لله رَفَعَ اللهُ حَكَمتَه، وقال له: انتَعِشْ نَعَشَكَ اللهُ، فهو في نَفْسِهِ صغيرٌ (¬4)، وفي أعين الناسِ عظيمٌ (¬5)، وإذا تكبَّر وَعَتا وَهَصَه اللهُ إلى الأرض، وقال: اِخْسَأْ خَسَأَكَ اللهُ، فهو في نَفْسِهِ عظيمٌ (¬6)، وفي أعينِ الناسِ حقيرٌ، حتى يكون عندَهم أحقرَ من الخنزير. قال ابن الأنباري: قال اللُّغويون: اِخْسَأْ، تفسيره: ابعد. ووَهَصَه، معناه: كَسَرَه. وهكذا رواه الإمام أبو عبيد في كتاب «الغريب» (¬7) عن ابن مهدي، عن سفيان بن عيينة، عن محمد بن عَجْلان، به. وفسَّره بما تقدَّم أيضًا. ¬

(¬1) «المختارة» (1/ 317،316 رقم 211،209). (¬2) في «الزاهر في معاني كلمات الناس» (1/ 396). (¬3) كذا ورد بالأصل، ومطبوع «الزاهر»، وصوابه: «عبيد الله»، كما في مصادر التخريج الآتية، وكُتُب الرجال. (¬4) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «حقير». (¬5) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «كبير». (¬6) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «كبير». (¬7) (4/ 253). وأخرجه -أيضًا- ابن أبي شيبة (7/ 115 رقم 34450) في الزهد، باب في كلام عمر، وعمر بن شبَّة في «تاريخ المدينة» (2/ 750) والبيهقي في «المدخل إلى السُّنن الكبرى» (ص 358 رقم 601) من طريق سفيان. وابن حبان في «روضة العقلاء» (ص 59 - 60) من طريق الليث. كلاهما (سفيان، والليث) ابن عَجْلان، به. وصحَّح إسنادَه الحافظ في «الأمالي المطلقة» (ص 88). وروي مرفوعًا، ولا يصح، أخرجه الطبراني في «الأوسط» (8/ 172 رقم 8307) -ومن طريقه: أبو نعيم في «الحلية» (7/ 129) والخطيب في «تاريخه» (2/ 110) - والقضاعي في "مسند الشهاب" (1/ 219 - 220 رقم 335) من طريق سعيد بن سلاَّم العطار، ثنا سفيان الثوري، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عابس بن ربيعة قال: قال عمرُ بن الخطاب على المنبر: أيها الناسُ، تواضعوا، فإني سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن تواضع لله رَفَعَهُ، وقال: انتَعِشْ نَعَشَكَ اللهُ، فهو في أعين الناسِ عظيمٌ، وفي نَفْسِهِ صغيرٌ، ومَن تكبَّر قَصَمَهُ اللهُ، وقال: اِخْسَأْ، فهو في أعين الناسِ صغيرٌ، وفي نَفْسِهِ كبيرٌ». قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن الأعمش إلا الثوري، تفرَّد به سعيد بن سلاَّم. وقال أبو نعيم والخطيب: غريب من حديث الثوري، تفرَّد به سعيد بن سلاَّم. قلت: سعيد بن سلاَّم كذَّبه أحمد وابن نُمَير. وقال البخاري: يُذكر بوضع الحديث. وقال أبو حاتم: منكر الحديث جدًّا. انظر: «الجرح والتعديل» (4/ 31 - 32 رقم 131) و «الميزان» (2/ 141 رقم 3195).

حديث في الزهد في الدنيا والصبر على ضيق العيش

حديث (¬1) في الزُّهد في الدُّنيا والصَّبر على ضيق العيش (923) قال الإمام أحمد (¬2): ثنا محمد بن جعفر وحجَّاج، قالا: ثنا شعبة، عن / (ق 370) سمَاك بن حرب: سَمِعتُ النعمانَ بن بشير يخطبُ ¬

(¬1) كَتَب المؤلِّف فوقها: «أحاديث»، ولم يضرب على ما تحتها. (¬2) في «مسنده» (1/ 50 رقم 353).

قال: ذَكَر عمرُ ما أصاب الناسُ من الدُّنيا، فقال: لقد رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يظلُّ اليوم يَلْتَوي، لا يجدُ دَقَلاً (¬1) يملأُ بطنَه. ورواه مسلم في آخر الكتاب (¬2) عن أبي موسى محمد بن المثنىَّ وبُندَار. كلاهما عند غُندَر، عن شعبة، به. وابن ماجه في الزُّهد (¬3) عن نصر بن علي، عن بِشر بن عمر، عن شعبة، نحوه، وزاد: يَلْتَوي من الجوع. ورواه علي ابن المديني عن غُندَر، عن شعبة، به، ولفظه: وقد رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَربطُ الحَجَرَ على بطنه من الجوع، ما يَجدُ ما يُشبِعُهُ من الدَّقَل. ورواه مسلم -أيضًا- (¬4) والترمذي (¬5) من وجه آخر عن سمَاك، عن النعمان، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، كما سيأتي (¬6) في مسنده، إن شاء الله. ¬

(¬1) الدَّقَل: ردئُ التَّمر. «النهاية» (2/ 127). (¬2) (4/ 2285 رقم 2978) في الزهد والرقائق. (¬3) من «سننه» (2/ 1388 رقم 4146) باب معيشة آل محمد صلى الله عليه وسلم. (¬4) في «صحيحه» (4/ 2284 رقم 2977) في الموضع السابق. (¬5) في «سننه» (4/ 506 رقم 2372) في الزهد، باب ما جاء في معيشة أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم، من طريق أبي الأحوص، عن سمَاك، به، وقال: روى أبو عَوَانة وغير واحد عن سمَاك بن حرب، نحو حديث أبي الأحوص، وروى شعبة هذا الحديث عن سمَاك، عن النعمان بن بشير، عن عمرَ. قلت: يشير الترمذي إلى اختلاف أصحاب سمَاك في روايتهم لهذا الحديث، وهل هو من مسند عمر أو النعمان؟ والراجح صحَّة الوجهين جميعًا، وهو ما رجَّحه الإمام أبو حاتم الرازي، كما في «العلل» لابنه (2/ 106 رقم 1811)، ويدلُّ عليه صنيع الإمام مسلم بإخراجه الحديثين في «صحيحه». (¬6) انظر: «جامع المسانيد والسُّنن» (8/ 284، 285 رقم 10393، 10394).

حديث آخر في معناه (924) قال عَبد بن حميد (¬1): حدثنا محمد بن بِشر، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أخيه، عن مصعب بن سعد قال: قالت حفصة لأبيها: قد أوسَعَ اللهُ في الرِّزق، فلو أنَّك أكلتَ طعامًا ألينَ من طعامِكَ، ولبستَ ثوبًا ألينَ من ثوبِكَ. قال: سأُخاصِمُكِ إلى نَفْسكِ، فجعل يُذكِّرها ما كان فيه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وما كانت فيه من الجَهد حتى أبكاها. وقال: قد قلتُ لكِ: إنَّه كان لي صاحبان سَلَكا طريقًا، وإنِّي إنْ سلكتُ غيرَ طريقهما، سُلِكَ بي غيرُ طريقهما، وإنِّي واللهِ لأُشاركنَّهما في مثلِ عيشِهِما، لعلي أن أُدركَ معهما عيشَهُما الرَّخيّ. ورواه النسائي (¬2) في / (ق 371) الرَّقائق عن سُوَيد بن نصر، عن عبد الله بن المبارك (¬3)، عن إسماعيل بن أبي خالد، به. ورواه الإمام علي ابن المديني عن محمد بن بِشر، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أخيه النعمان، عن مصعب بن سعد، عن حفصة، به. ثم قال: وهذا عندنا مرسل، لأنَّ مصعب بن سعد لم يلق حفصة، فانقطع من ههنا (¬4). ¬

(¬1) في «المنتخب من مسنده» (1/ 69 رقم 25). (¬2) في «سننه الكبرى»، كما في «تحفة الأشراف» (8/ 108 رقم 10645). (¬3) وهو في «الزهد» له (ص 201 رقم 574). (¬4) وقال الحافظ في «المطالب العالية» (3/ 360): فإن كان مصعب سَمِعَه من حفصة -رضي الله عنها- فهو صحيح، وإلا فهو مرسل صحيح الإسناد. وخالف الحاكم، فقال في «المستدرك» (1/ 123): هذا حديث صحيح على شرطهما؛ فإنَّ مصعب بن سعد كان يَدخل على أزواج النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو من كبار التابعين، ومن أولاد الصحابة (!) وتعقَّبه الذهبي، فقال: فيه انقطاع.

وقد رواه الإمام أحمد -أيضًا- (¬1) عن يزيد بن هارون، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن مصعب بن سعد، عن حفصة، به. قال الدارقطني (¬2): وكذا رواه أبو أسامة (¬3) عن إسماعيل، عن مصعب بن سعد، لم يَذكرا أخاه النعمان. قال: وقول عبد الله بن المبارك ومحمد بن بِشر أولى بالصَّواب، والله أعلم. وقد اختار هذا الحديثَ الضياء في كتابه (¬4). ورواه معمر (¬5) عن ابن طاوس، عن عكرمة بن خالد: أنَّ حفصةَ وابنَ مطيع وابنَ عمرَ كلَّموا عمرَ في ذلك، فذَكَر ما تقدَّم. طريق أخرى (925) قال إسماعيل القاضي: ثنا سليمان بن حرب، ثنا حماد بن زيد، عن غالب، عن الحسن: أنَّ ناسًا كلَّموا حفصةَ، فقال لها: لو كلَّمتِ أباكِ في أن يليِّن من عيشه، فجاءته، فقالت: يا أَبَتاه، ويا أَبَتاه، ويا أميرَ المؤمنين، إنَّ ناسًا من قومكَ كلَّموني في أن أكلِّمكَ في أن تليِّن من عيشك. فقال: يا بنيَّة، غَشَشتِ أباكِ، ونَصَحتِ لقومكِ (¬6). ¬

(¬1) في «الزهد» (ص 183 رقم 658). وأخرجه -أيضًا- عمر بن شبَّة في «تاريخ المدينة» (3/ 801) والبلاذُري في «أنساب الأشراف» (ص 179 - 180) من طريق يزيد بن هارون، به. (¬2) في «العلل» (2/ 139 رقم 162). (¬3) وروايته عند إسحاق بن راهويه في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (3/ 359 رقم 3172). (¬4) «المختارة» (1/ 210 رقم 111). (¬5) في «جامعه» الملحق بـ «المصنَّف» (11/ 223 رقم 20381). (¬6) وأخرجه -أيضًا- ابن سعد (3/ 278) من طريق حماد، به.

وهذا منقطع. ورواه ابن أبي الدُّنيا (¬1) عن عبد الله بن ... (¬2)، عن أبيه: حدَّثني أبو مَعشر، عن محمد بن قيس قال: دخل ناسٌ على حفصة ... ، فذَكَر نحوه. / (ق 372) طريق أخرى (926) قال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي: أخبرني عبد الله بن محمد بن مسلم، ثنا الرَّبيع بن سليمان، ثنا أسد بن موسى، ثنا بكر بن خُنَيس، عن ضِرار بن عمرو، عن ابن سيرين أو غيره، عن الأحنف: أنَّه سَمِعَ عمرَ يقول لحفصةَ: نَشَدتُكِ بالله، تعلمينَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لَبِثَ في النبوَّة كذا وكذا سَنَة، ولم يَشبع هو وأهلُه من الطعام غَدوة إلا جَاعوا عشيَّةً ... ؟ وذَكَر تمام الحديث. حديث آخر (927) قال الإمام مالك (¬3): عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: قلتُ لعمرَ: إنَّ في الظَّهر (¬4) ناقةً عمياءَ، فقال عمرُ: نَدفعها إلى أهل بيتٍ ¬

(¬1) في «الجوع» (ص 50 رقم 37). (¬2) في هذا الموضع بياض بالأصل بمقدار كلمة، وفي المطبوع من كتاب «الجوع»: «عبد الله بن يونس». (¬3) في «الموطأ» (1/ 375) في الزكاة، باب جزية أهل الكتاب والمجوس. ومن طريقه: أخرجه الشافعي في «الأم» (2/ 80) وأحمد في «الزهد» (ص 172 - 173 رقم 604) وابن زَنْجويه في «الأموال» (2/ 562 - 563 رقم 929) وأبو القاسم البغوي في «حديث مصعب الزبيري» (ص 69 - 70 رقم 60). وإسناده صحيح. (¬4) الظَّهر: هي الإبل التي يُحمَل عليها وتُركَب. «النهاية» (3/ 166).

ينتفعون بها. قال: قلتُ: وكيف وهي عمياءُ؟ قال: يَقطُرُونها بالإبل. قال: قلتُ: كيف تأكلُ من الأرض؟ قال: أردتُم -واللهِ- أَكلَها (¬1). قال: وكانت له صحافٌ تسعٌ، فلا تكونُ طريفةٌ ولا فاكهةٌ إلا جعل منه لأزواج النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وآخرُ من يَبعثُ إليه حفصة، فإن كان نقصانٌ كان في حظِّها. قال: فنَحَر تلك الجزور، وبَعَث منها إلى أزواجِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وصَنَع ما فَضَل، فدعا عليه المهاجرينَ والأنصارَ. طريق أخرى (928) قال مُسدَّد بن مُسَرْهَد -رحمه الله- في «مسنده» (¬2): ثنا يحيى بن سعيد -يعني القطان- عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن سعيد بن المسيّب قال: كُسِرَ بعيرٌ من المال، فنَحَرَهُ عمرُ، ودعا عليه ناسًا من أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقال له / (ق 373) العبَّاس رضي الله عنه: لو صَنَعتَ هذا كلَّ يوم لتَحَدَّثنا عندك. فقال: لا أعودُ لمثلِها، إنَّه مضى لي صاحبان سَلَكا طريقًا، وإنِّي إنْ عملتُ بغير عملهما؛ سُلِكَ بي طريقًا غيرُ طريقهما. إسناده جيد. (929) ورواه الحافظ أبو بكر الإسماعيلي من حديث شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس قال: كان ¬

(¬1) قوله: «قال: قلتُ: كيف تأكلُ من الأرض؟ قال: أردتُم -واللهِ- أَكلَها»، كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «قال: فقلتُ: كيف تأكلُ من الأرض؟ قال: فقال عمرُ: أمِن نَعَمِ الجزية هي، أم من نَعَمِ الصَّدقة؟ فقلت: بل من نَعَم الجزية. فقال عمرُ: أردتُم -واللهِ- أَكلَها! فقلت: إنَّ عليها وَسْم نَعَمِ الجزية، فأمر بها عمرُ فنُحِرَت». (¬2) كما في «المطالب العالية» (4/ 227 رقم 3886).

العبَّاس يحدِّث عن عمرَ: أنَّه انكَسَرت قَلوصٌ (¬1) من الصَّدقة، فأَمَر بها عمرُ، فنُحِرَت، ثم جُفِّنت للناس، فأكلوا منها. فقال العبَّاس: يا أميرَ المؤمنين، لو كنتَ تفعلُ بنا هذا كلَّ يوم ... ، فذَكَر نحو ما تقدَّم. حديث آخر (930) قال عبد الله بن المبارك (¬2): ثنا إسماعيل بن عيَّاش، حدثني يحيى الطَّويل، عن نافع، عن ابن عمرَ قال: بَلَغ عمرُ أنَّ يزيدَ بن أبي سفيان يأكلُ ألوانَ الطعام، فقال: أولى له! وقال ليَرْفَأ: إذا عَلِمتَ أنَّه قد حَضَر عشاؤه فأَعلِمنِي. فأَعلَمَه، فأتاه، فجاء ثريدٌ ولحمٌ، فأكل عمرُ معه، ثم قرِّب شواءٌ، فكَفَّ عمر، فقال: عمَّه؟ فقال: اللهَ يا يزيد، طعامٌ بعد طعامٍ! والذي نفسي بيده، لئن خالفتُم سنَّتَه، لَيُخالفنَّ بكم عن طريقه. يحيى الطَّويل: لا أعرفه (¬3)، وأظنُّ هذا كان لمَّا قَدِمَ عمرُ الشَّامَ، والله أعلم، فإنَّ يزيد بن أبي سفيان كان أحدَ أمراء الأجناد بالشَّام رضي الله عنه. ¬

(¬1) القَلوص: النَّاقة الشَّابَّة، أو الباقية على السَّير. «القاموس» (ص 628 - مادة قلص). (¬2) في «الزهد والرقائق» (ص 203 رقم 578). ومن طريقه: أخرجه عمر بن شبَّة في «تاريخ المدينة» (3/ 821). وأخرجه -أيضًا- ابن أبي الدُّنيا في «إصلاح المال» (ص 317 - 318 رقم 367) من طريق أسد بن موسى، عن إسماعيل بن عياش، به. (¬3) ذَكَره ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (9/ 200 رقم 836) وابن حبان في «الثقات» (7/ 606) وقالا: روى عن نافع، روى عنه إسماعيل بن عيَّاش. والحديث قال عنه ابن صاعد -راوية كتاب «الزهد» لابن المبارك-: هذا حديث غريب، ما جاء بهذا الإسناد أحدٌ إلا ابن المبارك. وقال الحافظ في «الإصابة» (10/ 349): وإسماعيل ضعيف في غير أهل الشَّام.

حديث آخر (931) قال ابن أبي الدُّنيا (¬1): ثنا علي بن محمد، ثنا أسد بن موسى، ثنا حكيم بن / (ق 374) حِزَام (¬2)، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم، عن أبي أُمَامة قال: بينا نحن مع عمرَ، ومعنا الأشعث بن قيس، فأدرك عمرَ العَيَاءُ (¬3)، فقَعَد وقَعَد إلى جنبِهِ الأشعث، فأُتِيَ عمرُ بمِرجَلٍ (¬4) فيه لحمٌ، فجعل يأخذُ منه العَرْقَ (¬5) فيَنهَسُهُ، فيَنتضِحُ على الأشعث، فقال: يا أميرَ المؤمنين، لو أَمَرتَ بشيءٍ من سمنٍ فيُصَبُّ على هذا اللَّحم. فرَفَع عمرُ يدَه، فضَرَب بها في صدر الأشعث، وقال: أُدمَان في أدمٍ! كلا، إنِّي لقيتُ صاحِبَيَّ، وصَحِبتُهُما، فأخافُ أن أُخالِفَهُما، فيُخالَفُ بي عنهما فلا أنزل حيثُ نزلا. في إسناده ضعف (¬6). حديث آخر (932) قال ابن ماجه (¬7): ثنا أبو كُرَيب، ثنا يحيى بن عبد الرحمن الأزجي، ثنا يونس بن أبي يَعْفور، عن أبيه، عن ابن عمرَ قال: دَخَل عليه ¬

(¬1) في «إصلاح المال» (ص 318 رقم 368). (¬2) كذا ورد بالأصل، ومطبوع «إصلاح المال»، وضبَّب عليه المؤلِّف، وكَتَب فوقه: «لعلَّه خِذَام»، وهذا الذي استظهره، هو الصواب الموافق لما في كُتُب الرجال. (¬3) قوله: «العياء» تحرَّف في المطبوع إلى: «الأغنياء»! (¬4) المِرْجل: الإناء الذي يُغلى فيه الماء. «النهاية» (4/ 315). (¬5) العَرْقُ: بسكون الراء: العظم إذا أُخِذَ عنه معظم اللَّحم. «النهاية» (3/ 220). (¬6) في إسناده: حكيم بن خِذَام، قال عنه أبو حاتم: متروك الحديث. وقال السَّاجي: يحدِّث بأحاديث بواطيل. انظر: «لسان الميزان» (2/ 643). (¬7) في «سننه» (2/ 1115 رقم 3361) في الأطعمة، باب الجمع بين اللحم والسمن. وقال البوصيري في «مصباح الزجاجة» (4/ 34): هذا إسناد حسن، يحيى بن عبد الرحمن ويونس بن أبي يَعْفور مختَلَف فيهما، واسم أبي يَعْفور: عبد الرحمن بن عبيد. قلت: يونس بن أبي يَعْفور: صدوق، يخطئ كثيرًا، كما قال الحافظ في «التقريب»، والأثر ضعَّفه الشيخ الألباني في «ضعيف سنن ابن ماجه» (ص 275).

عمرُ وهو على مائدته، فأوسعَ له عن صدر المجلس، فقال: بسم الله، ثم ضَرَب بيده، فلَقِمَ لقمةً، ثم ثنَّي بالأخرى، ثم قال: إنِّي لأجدُ طعمَ دسمٍ ما هو بدسمِ اللَّحم. فقال عبد الله: يا أميرَ المؤمنين، إنِّي خَرَجتُ إلى السُّوق أطلبُ السَّمين لأشترِيَهُ، فوجدتُهُ غاليًا، فاشتريتُ بدرهم من المهزول، وحملتُ عليه بدرهمٍ سمنًا، فأردتُ أن يتردَّدَ عليه عيالي عظمًا عظمًا. فقال عمرُ رضي الله عنه: ما اجتمعا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قطُّ إلا أكل أحدَهما وتصدَّق بالآخر. فقال عبد الله: عُد يا أميرَ المؤمنين، فلن يجتمعا عندي إلا فعلتُ ذلك. قال: ما كنتُ لأفعلَ. تفرَّد به ابن ماجه. / (ق 375) أثر آخر (933) قال أبو عبد الله محمد بن عيسى بن الحسن بن إسحاق التَّميمي البغدادي المعروف بابن العلاَّف في «جزء من حديثه» (¬1): حدثنا محمد بن غالب تَمتَام، ثنا إسحاق بن إسماعيل الطَّالْقاني، حدثنا ¬

(¬1) وأخرجه -أيضًا- ابن المبارك في «الزهد والرقائق» (ص 222 رقم 630) عن ابن عيينة، عن منصور، عن مجاهد، عن عمرَ ... ، فذكره. وأخرجه الحسين المروزي في زوائده على «الزهد» لابن المبارك (ص 354 رقم 997) وأحمد في «الزهد» (ص 174 رقم 610) -ومن طريقه: أبو نعيم في «الحلية» (1/ 50) - عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، به. وصحَّح إسنادَه الحافظ في «الفتح» (11/ 303)، وقال في «تغليق التعليق» (5/ 173): ورواه الحاكم في «المستدرك» من حديث منصور، عن مجاهد، عن ابن المسيّب، عن عمرَ! قلت: لم أجده في المطبوع من «المستدرك»، وهو منقطع كسابقه، على أن رواية الحاكم أوضحت وقوع اختلاف على منصور في روايته، إلا أن الحافظ لم يسق إسناد الحاكم بتمامه حتى نقف على موضع الخلاف. وأخرجه أبو الحسن المدائني في «التعازي» (ص 89 رقم 136) عن ابن عيينة، عن مالك بن مِغول، عن عمرَ ... ، فذكره. وهذا معضل. وقول عمر: علَّقه البخاري في «صحيحه» (11/ 303 - فتح) في الرقاق، باب الصبر عن محارم الله، بصيغة الجزم، فقال: وقال عمرُ: وَجَدنا خيرَ عيشنا بالصبر.

جرير، عن منصور، عن مجاهد (¬1) قال: قال عمرُ رضي الله عنه: وَجَدنا خيرَ عيشِنا في الصَّبر. هذا أثر منقطع بين مجاهد وعمر، فإنه لم يُدرك أيامَه، والله أعلم (¬2). ¬

(¬1) ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه بين مجاهد وعمر. (¬2) تنبيه: جاء بحاشية الأصل تقييد بخطِّ الحافظ ابن حجر، هذا نصُّه: هذا علَّقه البخاري [11/ 303] عن عمرَ، فذَكَرت في «تغليق التعليق» [5/ 172] مَن وَصَله، وهو في كتاب أشهر من هذا الجزء.

حديث آخر في كراهية كثرة المال

حديث آخر في كراهية كثرة المال (934) قال الإمام أحمد (¬1): حدثنا حسن، ثنا ابن لَهِيعة، ثنا أبو الأسود، أنَّه سَمِعَ محمد بن عبد الرحمن، يحدِّث عن أبي سنان الدُّؤَلي: أنه دَخَل على عمرَ بن الخطاب وعنده نَفَرٌ من المهاجرين الأوَّلين، فأرسَلَ عمرُ إلى سَفَطٍ (¬2) أُتِيَ به من قلعةٍ من العراق، وكان فيه خاتم، فأخذه بعضُ بَنِيهِ فأَدخله في فِيهِ، فانتزعه عمرُ منه، ثم بكى عمر، فقال له من عنده: لِمَ تبكي وقد فتح اللهُ لك، وأظهَرَك على عدوِّك، وأقرَّ عينكَ؟! فقال عمرُ: إنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تُفتحُ الدُّنيا على أحدٍ إلا ألقى اللهُ بينهم العداوةَ والبغضاءَ إلى يومِ القيامةِ»، فأنا أُشفِقُ من ذلك. هذا إسناد جيد (¬3)، لأنَّ ابن لَهِيعة قد صرَّح فيه بالتحديث فزال محذور تدليسه، لكن قال الإمام علي ابن المديني: الحسن بن موسى إنما سَمِعَه من ابن لَهِيعة بآخره، وإنما يُروى حديث ابن لَهِيعة ممَّن سَمِعَ منه قبل أن يُصاب بكُتبِهِ، / (ق 376) مثل ابن المبارك وأبي عبد الرحمن ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 16 رقم 93). وأخرجه -أيضًا- عَبد بن حميد في «المنتخب من مسنده» (1/ 98 رقم 44) والبزار (1/ 440 رقم 311) من طريق الحسن بن موسى، به. (¬2) السَّفَط: بالتحريك، كالجوالقِ والقُفَّة. «القاموس» (ص 670 - مادة سفط). (¬3) في هذا نظر؛ فمحمد بن عبد الرحمن، وهو ابن لَبيبة، قال عنه ابن معين: ليس حديثه بشيء. وضعَّفه الدارقطني. وضعَّفه الشيخ الألباني في «السلسلة الضعيفة» (10/ 475 رقم 4871).

المقرئ وابن وهب. قلت: وسيأتي في كتاب «السِّيرة» (¬1) موقوفًا على عمرَ رضي الله عنه. ¬

(¬1) يعني: كتابه: «سيرة عمر وأيامه».

أحاديث في الأدب

أحاديث في الأدب (935) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا الحكم بن نافع، ثنا ابن عيَّاش، عن أبي سَبَأ عُتبة بن تميم، عن الوليد بن عامر اليَزَني، عن عروة بن مُغيث الأنصاري، عن عمرَ بن الخطاب قال: قَضَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ صاحبَ الدابَّةِ أَحقُّ بصدرِها. هذا إسناد حسن، ليس فيه مجروح (¬2)، ولم يخرِّجه أحد من أصحاب ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 19 رقم 119). وأخرجه -أيضًا- الفَسَوي في «المعرفة والتاريخ» (2/ 310، 447) وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (5/ 245 رقم 2774) والدارقطني في «المؤتلف والمختلف» (4/ 2074) من طريق ابن عيَّاش، به. ووقع في إحدى رواياتي الفَسَوي تسمية عروة بن مُغيث بـ: «عروة بن معتِّب»! (¬2) يرويه إسماعيل بن عياش، وقد اضطرب فيه: فمرَّة قال: عن عُتبة بن تميم، عن الوليد بن عامر اليَزَني، عن عروة بن مُغيث الأنصاري، عن عمرَ بن الخطاب! ومرَّة قال: عن عُتبة بن تميم، عن الوليد بن عامر اليَزَني، عن عروة بن معتِّب، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم! أما الوجه الأول: فقد ذكره المؤلف. وأما الوجه الثاني: فأخرجه ابن قانع في «معجم الصحابة» (2/ 263) والطبراني في «المعجم الكبير» (17/ 147 رقم 373) والحسن بن سفيان وابن أبي خيثمة والإسماعيلي في «الصحابة»، كما في «الإصابة» (6/ 418) من طريق إسماعيل بن عيَّاش، عن عُتبة بن تميم، عن الوليد بن عامر اليَزَني، عن عروة بن معتِّب: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ... فذكره! وقد بيَّن الخطيب البغدادي في «المؤتنِف»، كما في حاشية «المؤتلف»: أن الاختلاف في هذا الحديث في موضعين: أحدهما: إبدال معتِّب مُغيث. والثاني: زيادة عمر بن الخطاب. قلت: وعُتبة بن تميم: قال عنه ابن القطان في «بيان الوهم والإيهام» (3/ 500): لا تُعرَف حاله. والوليد بن عامر اليَزَني: مجهول الحال، روى عنه اثنان، وأورده البخاري في «التاريخ الكبير» (8/ 149 رقم 2517) وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (9/ 11 رقم 48) ولم يَذكرا فيه جرحًا ولا تعديلاً. وله شاهد من حديث بُرَيدة رضي الله عنه: أخرجه أبو داود (3/ 247 رقم 2572) في الجهاد، باب ربُّ الدابة أحق بصدرها، والترمذي (5/ 92 رقم 2773) في الأدب، باب ما جاء أن الرجل أحق بصدر دابته، وأحمد (5/ 353) وابن حبان (11/ 36 رقم 4735 - الإحسان) والحاكم (2/ 64) من طريق الحسين بن واقِد، عن عبد الله بن بُرَيدة، عن أبيه قال: بينما النبيُّ صلى الله عليه وسلم يمشي، إذ جاءه رجلٌ ومعه حمار، فقال: يا رسولَ الله، اركب، وتأخَّر الرَّجلُ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لأنت أحقُّ بصدر دابَّتِك، إلا أنْ تجعلَه لي»، قال: قد جَعَلتُهُ لك، قال: فركب. قال الترمذي: حسن غريب. وصحَّحه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. وصحَّحه -أيضًا- الحافظ في «تغليق التعليق» (5/ 80). قلت: قال الإمام أحمد: ما أنكر حديث حسين بن واقِد وأبي المُنيب عن ابن بُرَيدة. وقال -أيضًا-: عبد الله بن بُرَيدة الذي روى عنه حسين بن واقِد ما أنكَرَها. يعني الأحاديث التي رواها حسين عنه. انظر: «العلل ومعرفة الرجال» (1/ 310 رقم 497 - رواية عبد الله) و «الجرح والتعديل» (5/ 13). وقد خولف حسين بن واقِد في روايته، خالَفَه حبيب بن الشَّهيد -وهو ثقة ثبت، روى له الجماعة- فرواه عن عبد الله بن بُرَيدة: أنَّ معاذَ بن جبل أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم بدابَّة ليركبها ... ، الحديث. هكذا مرسلاً. ومن هذا الوجه: أخرجه ابن أبي شيبة (5/ 226 رقم 25468) في الأدب، باب ما قالوا في الرجل أحق بصدر دابته وفراشه. قال الشيخ الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (7/ 325): ولا شك أن هذا المرسل أقوى من الموصول. قلت: ولم يتنبَّه لعلَّته محققو «مسند الإمام أحمد» (1/ 272) و (17/ 383 - ط مؤسسة الرسالة) فصحَّحوا إسناده.

الكتب، وعروة بن مُغيث هذا قال فيه ابن أبي حاتم (¬1): هو أنصاريٌّ شاميٌّ، روى عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم (¬2): أنَّ صاحب الدابَّة أحقُّ بصدرها. وعنه الوليد بن عامر، أخرج اسمَه أبو زرعة في مسند الشَّاميين. حديث آخر (936) قال الحافظ أبو بكر البزَّار (¬3): ثنا عمَّار بن خالد الواسطي، ثنا القاسم بن مالك المُزَني، ثنا الأعمش، عن زيد بن وهب، عن عمرَ بن الخطاب أنه قال: إذا كنتم ثلاثةً في سَفَر فأَمِّروا عليكم أحدَكم، ذاك أميرٌ أَمَّرَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. هذا إسناد جيد، لكن قال البزَّار: رواه غير واحد عن الأعمش، عن زيد بن وهب، عن عمرَ، موقوفًا. ¬

(¬1) في «الجرح والتعديل» (6/ 395 رقم 2206). (¬2) كَتَب المؤلِّف فوقها في الأصل: «كذا». (¬3) في «مسنده» (1/ 462 رقم 329). وأخرجه -أيضًا- ابن خزيمة (4/ 141 رقم 2541) والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (12/ 37 رقم 4619) والحاكم (1/ 443) من طريق القاسم بن مالك، به. وقال الدارقطني في «العلل» (1/ق 44/أ - ب): يَرويه القاسم بن مالك المُزَني والحسين بن عُلوان -وهو ضعيف-، عن الأعمش. وخالَفَهما عبدالواحد بن زياد، وأبو معاوية، وغيرهما، فرووه عن الأعمش، عن زيد بن وهب، عن عمرَ، قولَه، وهو الصواب. قلت: وهذا الموقوف: أخرجه البيهقي (9/ 359). تنبيه: وقع في مطبوع «العلل» (2/ 151) تحريف، لذا نقلته من المخطوط.

حديث آخر (937) قال البزَّار -أيضًا- (¬1): حدثنا إبراهيم بن زياد الصَّائغ، ثنا يونس بن محمد المؤدِّب، ثنا عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كانوا / (ق 377) ثلاثةً فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما». العُمَري ضعيف، وهو في «الصحيح» (¬2) من حديث ابن عمر، كما سيأتي (¬3). حديث آخر (938) قال البزَّار -أيضًا- (¬4): ثنا محمد بن مرزوق بن بُكَير، ثنا عمر بن عمران السَّعدي أبو حفص، ثنا عبيد الله بن الحسن، قاضي البصرة -يعني العَنْبري- ثنا سعيد الجُرَيري، عن أبي عثمان النَّهدي قال: سَمِعتُ ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 265 رقم 163). (¬2) أخرجه البخاري (11/ 81 رقم 6288 - فتح) في الاستئذان، باب لا يتناجى اثنان دون الثالث، ومسلم (4/ 1717 رقم 2183) في السلام، باب تحريم مناجاة الاثنين دون الثالث بغير رضاه. (¬3) يعني: في كتابه «جامع المسانيد والسُّنن»، ولم أجده في القسم الذي أخرجه قلعجي. (¬4) في «مسنده» (1/ 437 رقم 308). وأخرجه -أيضًا- ابن أبي الدُّنيا في «مداراة الناس» (ص 63 - 64 رقم 65) والدُّولابي في «الكنى والأسماء» (2/ 472 رقم 850) والخرائطي في «مكارم الأخلاق» (2/ 820 رقم 909) والإسماعيلي في «معجمه» (1/ 455) وابن عبد البر في «التمهيد» (10/ 147) وابن قدامة في «المتحابين في الله» (ص 43 - 44 رقم 39) ووكيع بن خَلَف في «أخبار القضاة» (2/ 88) والبيهقي في «شعب الإيمان» (14/ 209 رقم 7692) من طريق عمر بن عامر، به.

عمرَ بن الخطاب يقول: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إذا التقى الرجلانِ المسلمانِ فسَلَّم أحدُهما على صاحبِهِ، فإنَّ أحبَّهُما إلى اللهِ أحسنُهُما بِشرًا لصاحبِهِ، فإذا تصافحا نَزَلت عليهم مائةُ رحمةٍ، للبادي منهما تسعون، وللمُصافح عشرةٌ». قال البزَّار: ولم يُتابَع عمر بن عمران على هذا الحديث (¬1). حديث آخر (939) قال الحافظ أبو يعلى (¬2): ثنا جُبَارة، ثنا حماد بن زيد، ثنا إسحاق بن سُوَيد العَدَوي، عن يحيى بن يَعمَر، عن ابن عمرَ، عن عمرَ: أنَّ رجلاً نادى النبيَّ صلى الله عليه وسلم ثلاثًا، كلُّ ذلك يَردُّ عليه: لبَّيكَ لبَّيكَ. جُبَارة بن المُغلِّس الحِمَّاني: ضعيف. ¬

(¬1) وقال الدارقطني في «الأفراد»، كما في «أطرافه» لابن طاهر (1/ 155 رقم 191): تفرَّد به عبيد الله بن الحسن العَنْبري، عن الجُرَيري، عنه. وقال العراقي في «المغني عن حمل الأسفار» (2/ 204 - بهامش الإحياء): في إسناده نظر. وقال الشيخ الألباني في «السلسلة الضعيفة» (5/ 406 رقم 2385): وهذا إسناد واهٍ جدًّا، آفته: عمر بن عامر التمار، وهو: أبو حفص السعدي. (¬2) لم أجده في المطبوع من «مسنده»، وهو من رواية ابن حمدان، وأورده الهيثمي في «المقصد العلي» (3/ 147 رقم 1257 - رواية ابن المقرئ). ومن طريقه: أخرجه ابن السُّني في «عمل اليوم والليلة» (1/ 249 رقم 192) وتمام في «فوائده» (3/ 441 رقم 1210 - الروض البسام). وأخرجه -أيضًا- الطبراني في «الدعاء» (2/ 1670 رقم 1934) وأبو نعيم في «الحلية» (6/ 267) من طريق إسحاق بن سُوَيد، به، لكن جعله عن ابن عمرَ لا عن عمرَ! وقال ابن نُمَير، كما في «المجروحين» لابن حبان (1/ 221): وهذا منكر.

حديث آخر (940) قال أبو داود (¬1): ثنا عباس العَنْبري. وقال النسائي في «اليوم والليلة» (¬2): ثنا فضل بن سهل. كلاهما عن أسود بن عامر، عن حسن بن صالح، عن ليث بن أبي سُليم (¬3)، عن سَلَمة بن كُهَيل، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس، عن عمرَ: أنه أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو في مَشربةٍ (¬4) له، فقال: السَّلامُ عليكم يا رسولَ الله، سلامٌ عليكم، أَيدخُلُ عمرُ؟ ورواه الترمذي (¬5) في / (ق 378) الاستئذان، عن محمود بن غَيْلان، عن عمرَ بن يونس، عن عكرمة بن عمَّار، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس (¬6)، عن عمرَ قال: استأذنتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثًا، فأَذِنَ لي. ¬

(¬1) في «سننه» (5/ 432 رقم 5201) في السلام، باب الرجل يفارق الرجل ثم يلقاه، يسلِّم عليه؟ (¬2) من «سننه الكبرى» (9/ 128 رقم 10080 - ط مؤسسة الرسالة). (¬3) قوله: «عن حسن بن صالح، عن ليث بن أبي سُليم» كذا ورد بالأصل، و «تحفة الأشراف» (8/ 43 رقم 10494)، وهو خطأ، صوابه: «عن حسن بن صالح، عن أبيه»، كذا ورد في المطبوع من «سنن أبي داود»، و «سنن النسائي»، وجاء على الصواب في «تحفة الأشراف» (4/ 416 رقم 5514). وانظر: ما علَّقه محقق «تحفة الأشراف» (7/ 221 - ط دار الغرب). (¬4) تقدم التعريف بها (ص 485). (¬5) في «سننه» (5/ 52 رقم 2691) باب ما جاء في أن الاستئذان ثلاث. (¬6) قوله: «عن عكرمة بن عمَّار، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس» كذا ورد بالأصل. وصوابه: «عن عكرمة بن عمار، عن أبي زُمَيل، عن ابن عباس»، كذا ورد في مطبوع «سنن الترمذي»، والنسخة الخطية (ق 175/أ - نسخة المكتبة الوطنية بباريس) و «تحفة الأشراف» (8/ 44 رقم 10499).

ثم قال الترمذي: حسن غريب. ورواه ابن ماجه (¬1)، عن بُندَار، عن عمرَ بن يونس، به. ولفظه: دَخَلتُ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وهو على حصير ... ، وذَكَر الحديث. قلت: وهو قطعة من الحديث المتقدِّم في تفسير سورة التحريم (¬2)، والله أعلم. حديث آخر (941) قال الحافظ أبو يعلى (¬3): ثنا أبو هشام الرِّفاعي، ثنا إسحاق بن سليمان، ثنا معاوية بن يحيى، عن الزهري، عن سعيد بن المسيّب، عن عمرَ قال: سَمِعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم رجلاً يقول لرجل: تَعالَ أُقامِرْكَ، فأَمَرَهُ أن يتصدَّقَ بصَدَقةٍ. معاوية بن يحيى هذا هو: الصَّدفي، وهو متروك (¬4)، إلا أنَّ هذا الحديثَ قد روي في «الصحيحين» من وجه آخر (¬5)، ¬

(¬1) في «سننه» (2/ 1390 رقم 4153) في الزهد، باب ضجاع آل محمد صلى الله عليه وسلم. (¬2) انظر: (ص 873، رقم 787). (¬3) في «مسنده» (1/ 197 رقم 227). (¬4) تَرَكه أحمد، وقال ابن معين: هالك، ليس بشيء. وقال البخاري: أحاديثه عن الزهري مستقيمة كأنَّها من كتاب، وروى عنه عيسى بن يونس وإسحاق بن سليمان أحاديث مناكير كأنها من حفظه. وضعَّفه أبو داود، والنسائي. انظر: «الجرح والتعديل» (8/ 383 رقم 1753) و «تهذيب الكمال» (28/ 221 - 223). (¬5) أخرجه البخاري (8/ 611 رقم 4860) في التفسير، باب {أفرأيتم اللات والعزى}، و (10/ 516 رقم 6107) في الأدب، باب من لم ير إكفار من قال ذلك متأولاً أو جاهلاً، و (11/ 91، 536 رقم 6301، 6650 - فتح) في الاستئذان، باب كل لهو باطل إذا شغله عن طاعة الله ... ، وفي الأيمان والنذور، باب لا يحلف باللات والعزى ولا بالطواغيت، ومسلم (3/ 1267 رقم 1647) في الأيمان، باب من حلف باللات والعزى ... ، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، ولفظه: «من حَلَف منكم، فقال في حَلِفِهِ: باللاَّت، فليقل: لا إله إلا الله، ومَن قال لأخيه: تعال أُقامِرْكَ، فليَتَصدَّقْ».

كما سيأتي (¬1). حديث آخر (942) قال أبو بكر البزَّار (¬2): ثنا زُهَير بن محمد وأحمد بن إسحاق -واللفظ لزُهَير- قالا: ثنا خلاَّد بن يحيى، ثنا سفيان الثوري، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عمرو بن حُرَيث، عن عمرَ بن الخطاب، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «لأَن يمتلئَ جوفُ أحدِكُم قَيْحًا خيرٌ له من أن يمتلئَ شِعرًا». ثم قال البزَّار: رواه غير واحد عن إسماعيل، عن عمرو بن حُرَيث، عن عمرَ، موقوفًا، ولا نعلم أَسنَدَه إلا خلاَّد، عن سفيان. وقال الحافظ أبو الحسن الدارقطني (¬3): رواه بعضهم عن سفيان، فوَقَفَه، وكذا رواه يحيى القطَّان، / (ق 379) وأبو معاوية، وأبو أسامة، وغيرهم، عن إسماعيل، عن عمرو بن حُرَيث، عن عمرَ موقوفًا، وهو الصحيح. ¬

(¬1) انظر: «جامع المسانيد والسُّنن» (ص 10 رقم 43 - مسند أبي هريرة). (¬2) في «مسنده» (1/ 368 رقم 247). وأخرجه -أيضًا- الطحاوي (4/ 295) والفاكهي في «فوائده» (ص 455 رقم 226) -ومن طريقه: عبدالغني المقدسي في «جزء أحاديث الشعر» (ص 87 - 88 رقم 35) - من طريق خلاَّد بن يحيى، به. (¬3) في «العلل» (2/ 189 رقم 210). وقال ابن أبي حاتم في «العلل» (2/ 234 رقم 2194): وسألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه خلاَّد بن يحيى، عن الثوري، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عمرو بن حريث، عن عمرَ بن الخطاب، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم (فذكره) فقالا: هذا خطأ، وَهِمَ فيه خلاَّد، إنما هو: عن عمرَ، قولَه. وقال في (2/ 274 رقم 2324): قال أبي: هذا خطأ، إنما هو: عمر، موقوفًا. قلت: والموقوف: أخرجه ابن أبي شيبة (5/ 283 رقم 26080) في الأدب، باب من كره الشِّعر، والطبري في «تهذيب الآثار» (2/ 617 رقم 908 - مسند عمر) والدارقطني في «العلل» (2/ 189).

قلت: وسيأتي (¬1) الحديث في مسند ابن عمر عند البخاري (¬2). وفي «صحيح مسلم» (¬3) عن سعد بن أبي وقَّاص. وفي «سنن أبي داود» (¬4) عن أبي هريرة. حديث آخر (943) قال الحافظ أبو بكر البزَّار (¬5): ثنا إبراهيم بن زياد، ثنا خالد بن خِدَاش بن عَجْلان، ثنا عبد الله بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جدِّه، عن عمرَ بن الخطاب قال: دَخَلتُ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وإذا غلامٌ أسودٌ ¬

(¬1) يعني: في كتابه «جامع المسانيد والسُّنن»، ولم أجده في القسم الذي أخرجه قلعجي. (¬2) انظر: «صحيح البخاري» (10/ 548 رقم 6154 - فتح) في الأدب، باب ما يكره أن يكون الغالب على الإنسان الشِّعر ... (¬3) (4/ 1769 رقم 2258) في الشِّعر. (¬4) (5/ 356 رقم 5009) في الأدب، باب في قول الشِّعر. وأخرجه -أيضًا- البخاري (10/ 548 رقم 6155 - فتح) في الأدب، باب ما يكره أن يكون الغالب على الإنسان الشِّعر، ومسلم (4/ 1769 رقم 2257) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (¬5) في «مسنده» (1/ 405 رقم 282). وأخرجه -أيضًا- ابن الأعرابي في «معجمه» (3/ 1124 رقم 2423) من طريق خالد بن خِدَاش، به.

يَغمزُ ظَهْرَه، فسألتُه، فقال: «إنَّ الناقةَ اقتحَمَت بي (¬1)». ثم قال: ورواه هشام بن سعد عن زيد بن أسلم (¬2). قلت: ورواه قتيبة عن عبد الله بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ، منقطعًا (¬3). طريق أخرى (944) قال أبو القاسم الطَّبراني (¬4): ثنا زكريا السَّاجي (¬5)، ثنا عبد الرحمن بن يونس الرَّقِّي، ثنا أبو القاسم بن أبي الزِّناد، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ قال: دَخَلتُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وحَبَشيٌّ يَغمزُ ظَهْرَه. فقلتُ: ما هذا يا رسولَ الله؟ فقال: «إنَّ الناقةَ تقحَّمَت بِيَ البارحةَ». اختاره الضياء في كتابه من هذا الوجه. قلت: فيه دلالةٌ على جواز التكبيس إذا دَعَت إليه حاجةٌ، فإنَّ الغمزَ ههنا هو التكبيسُ، وفيه نفعٌ مباحٌ، والله أعلم. ¬

(¬1) أي: ألقتني في ورطةٍ، يقال: تقحَّمت به دابَّتُه، إذا نَدَّت به فلم يَضبط رأسَها، فربَّما طوَّحت به في أُهويَّة، والقُحْمة: الوَرْطة والمَهْلَكة. «النهاية» (4/ 18). (¬2) سيأتي تخريجه في الحديث التالي. (¬3) لم أقف عليه من هذا الوجه، وقد أخرجه الطبراني في «الأوسط» (8/ 95 رقم 8077) عن موسى بن هارون، عن قتيبة، عن عبد الله بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جدِّه. (¬4) في «معجمه الصغير» (1/ 148 رقم 226). وقال: لم يروه عن زيد بن أسلم إلا هشام بن سعد، ولا عن هشام بن سعد إلا أبو القاسم بن أبي الزِّناد، تفرَّد به عبد الرحمن بن يونس. وضعَّف إسنادَه العراقي في «المغني عن حمل الأسفار» (1/ 140 - بهامش الإحياء). (¬5) كذا ورد بالأصل. والذي في المطبوع، و «مجمع البحرين» (7/ 122 رقم 4160): «إبراهيم بن يوسف البزَّاز». وأخرجه الضياء في «المختارة» (1/ 183 رقم 91) من طريق الطبراني، وجاء فيه تسمية شيخ الطبراني، كما عند المؤلِّف.

أحاديث في الملاحم

أحاديث في الملاحم (945) قال البخاري في كتاب بدء الخلق (¬1): وروي عن عيسى -يعني: ابن موسى، غُنجَار- عن رَقبَة، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب قال: / (ق 380) سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب يقول: قام فينا النبيُّ صلى الله عليه وسلم مَقامًا، فأخبَرَنا عن بَدءِ الخلقِ، حتى دخل أهلُ الجنَّةِ منازلَهم، وأهلُ النَّارِ منازلَهم، حَفِظَ ذلك مَن حَفِظَهُ، ونَسِيَهُ مَن نَسِيَهُ. قال أبو مسعود الدِّمشقي في «الأطراف»: هكذا رواه البخاري معلَّقًا، وإنمَّا رواه عيسى، عن أبي حمزة، عن رَقَبة (¬2). ¬

(¬1) من «صحيحه» (6/ 286 رقم 3192 - فتح) باب ما جاء في قوله تعالى: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه}. (¬2) ومن هذا الوجه: أخرجه الحافظ في «الأمالي المطلقة» (ص 175) من طريق الطَّبراني في «مسند رَقَبَة»، ثم قال: هذا حديث صحيح، أخرجه البخاري تعليقًا، فقال: وروى عيسى، عن رَقَبَة، فذَكَر هذا الحديث، وتعقَّبه أبو مسعود في "الأطراف"، فقال: إنما روى عيسى هذا [عن] أبي حمزة، عن رَقَبَة. قلت: وكذا وقع في كثير من النسخ من «الصحيح»، وكذا ذَكَر أبو نعيم في «المستخرج» أن البخاري ذَكَره كذلك ... ، وذَكَر الدارقطني في «الأفراد»، وابن منده في «أماليه» في الجزء الخامس عشر منها أن عيسى تفرَّد به. اهـ. وقال في «تغليق التعليق» (3/ 488): قال ابن منده: هذا حديث صحيح غريب، تفرَّد به عيسى بن موسى. قلت: وقد أخرج البخاري (11/ 494 رقم 6604 - فتح) في القدر، باب: {وكان أمر الله قدرا مقدورا}، ومسلم (4/ 2217 رقم 2891) (23) في الفتن، باب إخبار النبيِّ فيما يكون إلى قيام الساعة، من حديث حذيفة -رضي الله عنه- قال: قام فينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مَقامًا، ما تَرَك شيئًا يكونُ في مَقامه ذلك إلى قيام السَّاعة إلا حدَّث به، حَفِظَهُ مَن حَفِظَهُ، ونَسِيَهُ مَن نَسِيَهُ، قد عَلِمَهُ أصحابي هؤلاء، وإنه ليكونُ منه الشيءُ قد نَسِيتُهُ، فأَراهُ، فأَذكُرُهُ، كما يَذكرُ الرَّجلُ وجهَ الرَّجلِ إذا غاب عنه، ثم إذا رآه عَرَفَهُ.

حديث آخر (946) قال أبو داود الطيالسي في «مسنده» (¬1): ثنا همَّام، عن قتادة، عن عبد الله بن بُرَيدة، عن سليمان بن الرَّبيع العَدَوي قال: لَقِينا عمرَ بن الخطاب، فقلنا له: إنَّ عبد الله بن عمرو حدَّثنا بكذا وكذا، فقال عمرُ: عبد الله بن عمرو أعلمُ بما يقولُ -قالها ثلاثًا-، ثم نودي بـ «الصلاة جامعة»، فاجتمع إليه الناسُ، فخَطَبَهم عمرُ، فقال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تَزَالُ طائفةٌ من أُمَّتي على الحقِّ حتى يأتِيَ أمرُ اللهِ». هذا إسناد حسن، لكن قال البخاري في «التاريخ» (¬2): لا يُعرَف سماع قتادة من ابن بُرَيدة، ولا ابن بُرَيدة من سليمان بن الرَّبيع. قلت: وسليمان بن الرَّبيع هذا ذَكَره أبو حاتم الرازي في كتابه (¬3)، فقال: روى عن عمرَ، وعنه: ابن بُرَيدة، ويقال: سليمان وحُجَير وحرب بنو الرَّبيع إخوة. ¬

(¬1) (1/ 42 رقم 38). ومن طريقه: أخرجه الدارمي (3/ 1578 رقم 2477) في الجهاد، باب لا يزال طائفة من هذه الأمة يقاتلون على الحق، وأبو يعلى في «مسنده»، كما في «المقصد العلي» (4/ 405 رقم 1816) والطبري في «تهذيب الآثار» (2/ 816 رقم 1144 - مسند عمر) والضياء في «المختارة» (1/ 231، 232 رقم 127، 128). وأخرجه -أيضًا- البخاري في «التاريخ الكبير» (4/ 12) والحاكم (4/ 449) والقضاعي في «مسند الشهاب» (2/ 76 رقم 913) من طريق همام، به. قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. (¬2) «التاريخ الكبير» (4/ 12). (¬3) «الجرح والتعديل» (4/ 117 رقم 507).

وقد اختار هذا الحديثَ من هذا الوجه الحافظُ الضياء في كتابه. طريق أخرى (947) قال الحافظ أبو يعلى (¬1): ثنا أبو خيثمة، ثنا معاذ بن هشام، حدثني / (ق 381) أبي، عن قتادة، عن أبي الأسود الدِّيلي قال: خَطَب عمرُ بن الخطاب يومَ جمعةٍ، فقال: ألا إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «لا تَزَالُ طائفةٌ من أُمَّتي على الحقِّ حتى يَأتِيَهَا أمرُ اللهِ». وهذا -أيضًا- جيد. وقد اختاره الضياء أيضًا (¬2). وقد رواه الحافظ أبو بكر الإسماعيلي من حديث إسماعيل بن عيَّاش، حدثني ابن عامر وسعيد بن بَشير، عن قتادة، ثنا عبد الله بن أبي الأسود، قال: أَتَينا عمرَ، فنادَى بـ «الصلاة جامعة»، فخَطَب ... ، وذَكَر الحديث (¬3). فقد اختَلَفوا على قتادةَ هكذا، فالله أعلم. ¬

(¬1) لم أجده في المطبوع من «مسنده»، وهو من رواية ابن حمدان، وأورده الهيثميُّ في «المقصد العلي» (4/ 406 رقم 1817 - رواية ابن المقرئ) والحافظ في «المطالب العالية» (5/ 12 رقم 4357/ 2). وأخرجه -أيضًا- إسحاق بن راهويه في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (5/ 12 رقم 4357) والطبري في «تهذيب الآثار» (2/ 814 - مسند عمر) والحاكم (4/ 550) من طريق معاذ بن هشام، به. وقال: صحيح على شرط مسلم (!) وقال الذهبي: على شرط البخاري ومسلم (!) وأعلَّه الحافظ في «المطالب العالية»، فقال: فيه انقطاع بين قتادة وأبي الأسود، ورجاله ثقات. (¬2) تقدم تخريجه (1/ 250 - 250 رقم 141، 142). (¬3) وأخرجه -أيضًا- الطبري في «تهذيب الآثار» (2/ 818 رقم 1146 - مسند عمر) عن أحمد بن منصور، عن سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، عن إسماعيل بن عيَّاش، به. وقيل: عن إسماعيل بن عياش، عن سعيد بن أبي عَروبة، عن قتادة، به. ومن هذا الوجه: أخرجه الطبري (1145). وانظر: «السلسلة الصحيحة» (4/ 597 رقم 1956).

وسيأتي (¬1) في «الصحيحين» (¬2) من مسند معاوية بن أبي سفيان، والمغيرة بن شعبة. وفي «صحيح مسلم» (¬3) عن ثوبان، إن شاء الله تعالى. حديث آخر (948) قال الحافظ أبو يعلى (¬4): ثنا أبو سعيد القَوَاريري، ثنا يزيد بن زُرَيع ويحيى بن سعيد قالا: ثنا عوف، حدثني علقمة بن عبد الله المُزَني -قال يزيد في حديثه: في مسجد البصرة- قال: حدثني رجلٌ قد سمَّاه، ونَسِيَ عوف اسمَه -وقال يحيى: حدثني رجلٌ- قال: كنتُ بالمدينة في مجلس فيه عمرُ بن الخطاب، فقال لبعض جُلسائه: كيف سمعتَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) انظر: «جامع المسانيد والسُّنن» (1/ 642 رقم 1339) و (8/ 39، 171 رقم 9867، 10170). (¬2) أخرجه البخاري (1/ 164 رقم 71) في العلم، باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، و (6/ 217، 632 رقم 3116، 3640، 3641) في فرض الخمس، باب قول الله تعالى: {فأن لله خمسه وللرسول}، و (13/ 293، 442 رقم 7311، 7312، 7459، 7460 - فتح) في الاعتصام، باب قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق»، وفي التوحيد، باب قول الله تعالى: {إنما قولنا لشيء إذا أردناه} ومسلم (3/ 1523 رقم 1921) في الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين ....». (¬3) (3/ 1523 رقم 1920) في الموضع السابق. (¬4) في «مسنده» (1/ 171 رقم 192). وأخرجه -أيضًا- أحمد (3/ 463) و (5/ 52) من طريق عوف (وهو: ابن أبي جميلة) به.

يَصِفُ الإسلامَ؟ فقال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ الإسلامَ بدأَ جَذَعًا (¬1)، ثم ثَنِيًّا (¬2)، ثم رَبَاعِيًّا (¬3)، ثم سَدِيسًا (¬4)، ثم بازِلاً» (¬5). فقال عمرُ: فما بعدَ البُزُولِ إلا النقصانُ. هكذا رواه أبو يعلى / (ق 382) -رحمه الله- في مسند عمر، وهو غريب (¬6)، والله أعلم. حديث آخر (949) قال الحافظ أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي: أنا الحسن بن سفيان، ثنا كثير بن عبيد، ثنا محمد بن حِميَر، عن مسلمة بن عُلَي، عن عمرَ بن ذَرٍّ (¬7)، عن أبي قِلاَبة، عن أبي مسلم الخَوْلاني، عن أبي عُبيدة بن الجرَّاح، عن عمرَ قال: أخذ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بِلِحيَتِي وأنا أعرفُ الحزنَ في وجهِهِ، وقال: «إنَّا للهِ وإنا إليه راجعون، أتاني جبريلُ آنفًا، فقالها، فقلتُ: أجل، فلِمَ ذاك ياجبريلُ؟ قال: إنَّ أُمَّتَكَ مُفتَتَنَةٌ بعدَكَ بقليلٍ من دَهْرٍ غيرَ كثير! فقلتُ: فتنةُ كُفرٍ، أو فتنةُ ضلالةٍ؟ فقال: كُلٌّ ¬

(¬1) الجَذَع: هو من الإبل ما دخل في السَّنَة الخامسة، وهو ما كان شابًا فَتِيًّا. «النهاية» (1/ 251). (¬2) الثَّنِيّ: ما دخل في السَّنَة السَّادسة. «النهاية» (1/ 226). (¬3) الرَّبَاعي: ما دخل في السَّنَة السَّابعة. «النهاية» (2/ 188). (¬4) السَّدِيس: ما دخل في السَّنَة الثَّامنة. «النهاية» (2/ 354). (¬5) البازل: ما دخل في السَّنَة التَّاسعة، وحينئذ يطلع نابُه وتكمل قوَّته. «النهاية» (1/ 125). (¬6) وقال الشيخ الألباني في «السلسلة الضعيفة» (5/ 85): وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات، خلا شيخ المُزَني، فإنه مجهول لم يُسمَّ، وبه أعلَّه الهيثمي (7/ 279). (¬7) كذا ورد بالأصل. وكَتَب المؤلِّف بجوارها في حاشية الأصل: «لعله رُؤبة»، وما ورد في الأصل هو الصواب الموافق لمصادر التخريج الآتية.

سيكونُ. فقلت: من أين؟ وأنا تاركٌ فيهم كتابَ اللهِ. فقال: بكتابِ اللهِ يقتَتِلُونَ، وذلك من قِبَلِ أُمَرَائهم وقُرَّائهم، يَمنعُ الأمراءُ الناسَ الحقوقَ فيُظلَمون حقوقَهم ولا يُعطونها، فيَقتتلُوا ويُفتَتَنُوا، ويَتبَعُ القُرَّاءُ أهواءَ الأمرَاءِ، فيمُدُّونهم في الغيِّ، ثم لا يُقصِرُون. فقلتُ: كيف سَلِمَ مَن سَلِمَ منهم؟ فقال: بالكفِّ والصَّبرِ، إن أُعطوا الذي لهم أخذوه، وإن مُنِعوهُ تركُوه» (¬1). هذا حديث غريب من هذا الوجه، فإنَّ مسلمة بن عُلَي الخُشَني ضعيف (¬2). حديث آخر (950) قال الحافظ أبو بكر البزَّار (¬3): ثنا عبد الله بن شَبيب، ثنا إسحاق الفَرَوي، ثنا عبد الله بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن / (ق 383) ¬

(¬1) وأخرجه -أيضًا- ابن أبي عاصم في «السُّنة» (1/ 131 - 132 رقم 303) والفَسَوي في «المعرفة والتاريخ» (2/ 308) والمستَغفِري في «فضائل القرآن» (1/ 265 رقم 249) وأبو نعيم في «الحلية» (5/ 119) وأبو العلاء الهَمَذاني في رسالته «فتيا وجوابها في ذكر الاعتقاد وذمِّ الاختلاف» (ص 49 رقم 7) من طريق مسلمة بن عُلَي، به. تنبيه: تحرَّف أبو قِلاَبة عند ابن أبي عاصم إلى: «أبي كلابة»! وجاء على الصواب في النسخة التي حققها الدكتور باسم الجوابرة (1/ 217 رقم 311). (¬2) وقال الفَسَوي: لا يصح هذا الحديث. وقال الشيخ الألباني في تحقيقه لـ «السُّنة» لابن أبي عاصم: إسناده ضعيف جدًّا، آفته مسلمة بن عُلَي، وهو: الخُشَني، وهو متروك، كما في «التقريب». (¬3) في «مسنده» (1/ 405 رقم 283). وأخرجه -أيضًا- الطبراني في «الأوسط» (6/ 221 رقم 6242) من طريق عبد الله بن زيد بن أسلم، به.

جدِّه، عن عمرَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «يظهرُ الإسلامُ حتى تخُوضَ الخيلُ البحارَ، وحتى يختلف التُّجارُ في البحرِ، ثم يظهرُ قومٌ يقرؤونَ القرآنَ، يقولون: مَن أقرأُ منَّا، مَن أفقهُ منَّا؟»، ثم قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «هل في أولئكَ من خيرٍ؟»، قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «أولئك وَقودُ النَّارِ، أولئك منكم من هذه الأُمَّةِ». في إسناده ضعف (¬1). حديث آخر (951) قال عبيد الله بن موسى: حدثنا مبارك بن حسَّان، حدثني عمر بن عاصم بن عبيد الله بن عمر (¬2) قال: قال عمرُ: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنتم إذا طَغَت نساؤُكُم، وفَسَق شبابُكم؟!». فقالوا: يا رسول الله، وإنَّ ذلك لكائنٌ؟ قال: «وأشدَّ من ذلك، تَرَون المعروفَ منكرًا، وتَرَون المنكرَ معروفًا!»، فقيل: وإنَّ ذلك لكائنٌ؟ قال: «وأشدَّ من ذلك». قال ¬

(¬1) وله شاهد من حديث العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: أخرجه ابن المبارك في «الزهد والرقائق» (ص 152 رقم 450) وأبو بكر ابن أبي شيبة في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (3/ 315 رقم 3066) والبزار (4/ 149 رقم 1323) وأبو يعلى (12/ 56 رقم 6698) وابن مَردويه في «تفسيره»، كما في «تفسير ابن كثير» (1/ 350) من طريق موسى بن عُبيدة، عن محمد بن إبراهيم، عن ابن الهاد، عن العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لَيَظَهرنَّ الدينُ حتى يجاوزَ البحرَ، وحتى تُخاضَ البحارُ بالخيل في سبيل الله، ثم يأتي قومٌ يقرؤونَ القرآنَ، يقولون: مَن أقرأ منَّا، من أعلم منَّا؟! ثم التَفَتَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: هل في أولئك من خيرٍ؟» قالوا: لا. قال: «أولئك من هذه الأمة، أولئك وَقودُ النارِ». وبمجموع هذين الطريقين حسَّنه الشيخ الألباني في «صحيح الترغيب والترهيب» (1/ 166) و «السلسلة الصحيحة» (7/ 700 رقم 3230). (¬2) ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه بين عمر بن عاصم وعمر.

عمرُ: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «بئسَ القومَ قومٌ لا يأمرونَ بالقسطِ من الناسِ، وبئسَ القومَ قومٌ يَقتلون الذين يأمرونَ بالمعروفِ، وبئسَ القومَ قومٌ يستحلُّونَ الحُرُماتِ والشَّهواتِ بالشُّبُهاتِ، وبئسَ القومَ قومُ يمشي المؤمنُ بين ظَهْرانِيهِم بالتَّقيَّةِ والكتمانِ». هكذا رواه الحافظ أبو بكر الإسماعيلي من حديث عبيد الله بن موسى، وهو معضل، والله أعلم. / (ق 384) حديث آخر (952) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا أبو سعيد، ثنا دَيْلَم بن غَزوان، ثنا ميمون الكُردي، حدثني أبو عثمان النَّهدي، عن عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- قال (¬2): «إنَّ أخوفَ ما أخافُ على أُمَّتي كُلَّ منافقٍ، عليمِ اللِّسانِ». وكذا رواه أحمد -أيضًا- (¬3)، عن يزيد بن هارون، عن دَيْلَم بن غَزوان، به. ورواه عَبد بن حميد (¬4) عن محمد بن الفضل، عن دَيْلَم بن غَزوان، به، ولفظه: «إنما أخافُ عليكم كُلَّ منافقٍ عليمٍ، يتكلَّمُ بالحكمةِ، ويعملُ بالجَورِ». وقد رواه جعفر بن محمد الفِريابي في «صفة المنافق» (¬5)، عن القَوَاريري، ومحمد بن أبي بكر. كلاهما عن دَيْلَم بن غَزوان، به. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 22 رقم 143). (¬2) كَتَب المؤلِّف فوقها: «كذا»، إشارة إلى وجود سقط، والحديث في «مسند أحمد» مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم. (¬3) في «مسنده» (1/ 53 رقم 310). (¬4) في «المنتخب من مسنده» (1/ 45 رقم 11). (¬5) (ص 52 رقم 24).

(953) وقال جعفر -أيضًا- (¬1): ثنا قتيبة، ثنا جعفر بن سليمان، عن المعلَّى بن زياد، عن أبي عثمان النَّهدي قال: سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب وهو على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثرَ من عدد أصابعي هذه يقول: إنَّ أخوفَ ما أخافُ على هذه الأُمَّة: المنافقُ العليمُ. قيل: وكيف يكونُ المنافقُ العليمُ؟ قال: عالِمُ اللِّسانِ، جاهلُ القلبِ والعملِ. قال الدارقطني رحمه الله (¬2): هذا الموقوف أشبه بالصواب، وكذلك رواه حماد بن زيد، عن ميمون الكردي، عن أبي عثمان النَّهدي، عن عمرَ، موقوفًا (¬3). وقال دَيْلَم بن غَزوان والحسن بن أبي جعفر الجفري (¬4)، عن ميمون الكردي، فرَفَعاه، والأوَّل أشبه. طريق أخرى (954) روى / (ق 385) الحافظ أبو بكر الإسماعيلي من طريقين عن الحسن البصري، عن الأحنف بن قيس قال: قَدِمْتُ على عمرَ، فاحتَبَسني عنده حَوْلاً، ثم قال: يا أحنفُ، قد بَلَوتُكَ وخَبَرتُكَ، فرأيتُ علانيتَكَ حسنةً، وأرجو أن تكونَ سريرتُكَ مثلَ علانيتِكَ، وإنَّا كنَّا نتحدَّث: إنما يُهلِكُ هذه الأمَّة كلَّ منافقٍ عليمٍ. وفي رواية: وإنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خَوَّفنا كلَّ منافقٍ عليمٍ، ولستَ منهم، -إن شاء الله- فالحَقْ ببلدِكَ (¬5). ¬

(¬1) (ص 53 رقم 26). (¬2) في «العلل» (2/ 246 - 247). (¬3) ومن هذا الوجه: أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (4/ 404 رقم 1640). (¬4) وروايته عند الفِريابي في «صفة المنافق» (ص 53 رقم 25). (¬5) هذا الأثر يَرويه حماد بن سَلَمة، واختُلف عليه: فقيل: عنه، عن علي بن زيد بن جُدعان، عن الحسن، عن عمرَ! =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وقيل: عنه، عن حميد ويونس، عن الحسن، عن عمرَ! أما الوجه الأول: فأخرجه ابن سعد (7/ 94) من طريق عارِم بن الفضل والحسن بن موسى. والفِريابي في «صفة المنافق» (ص 53 رقم 27) من طريق عبد الأعلى بن حماد. ثلاثتهم (عارِم بن الفضل، والحسن بن موسى، وعبد الأعلى بن حماد) عن حماد بن سَلَمة، عن علي بن زيد بن جُدعان، عن الحسن، به. وأما الوجه الثاني: فأخرجه أبو يعلى في «معجمه» (ص 353 رقم 334) -ومن طريقه: أخرجه أبو نعيم في «صفة النفاق» (ص 162 رقم 149) - من طريق مؤمَّل بن إسماعيل، عن حماد، عن حميد ويونس، عن الحسن ... ، فذكره. ورجَّح الدارقطني في «العلل» (2/ 142 رقم 166) الوجه الأوَّل، فقال: يرويه حماد بن سلمة، واختلف عنه، فرواه مؤمَّل، عن حماد، عن حميد ويونس، عن الحسن، عن الأحنف، عن عمر. وخالفه عبد الأعلى بن حماد، رواه عن حماد، عن علي بن زيد، عن الحسن، وهو أشبه بالصواب. قلت: وإسناده ضعيف؛ لضعف علي بن زيد بن جُدعان، لكنَّه توبع على روايته: فأخرجه إسحاق بن راهويه في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (3/ 287 رقم 2995) وابن سعد (7/ 94) والبزَّار (1/ 435 رقم 306) ومحمد بن نصر المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (2/ 632 رقم 684) وأبو نعيم في «صفة النفاق» (ص 161 رقم 148) وابن الغِطريف في «جزئه» (ص 95 رقم 52) من طريق حماد بن زيد، عن أبي سُوَيد بن المغيرة، عن الحسن ... ، فذكره. وأبو سُوَيد بن المغيرة هذا: مجهول الحال، أورده ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (9/ 385) ولم يَذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً، وذكره ابن حبان في «الثقات» (7/ 662). وبمجموع هذين الطريقين يحسَّن الأثر. وله طريق أخرى: يرويها حسين المعلِّم، واختُلف عليه في صحابيه: فقيل: عنه، عن عبد الله بن بريدة، عن عمر! وقيل: عنه، عن عبد الله بن بريدة، عن عمران بن حصين! أما الوجه الأول: فأخرجه إسحاق بن راهويه في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (3/ 288 رقم 3000) والحارث بن أبي أسامة في «مسنده» كما في «بغية =

طريق أخرى (955) قال جعفر الفِريابي (¬1): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع، عن كثير بن زيد، عن المطَّلب بن عبد الله بن حَنْطَب قال: قال عمرُ: ما أخافُ عليكم أحدَ رجلين: مؤمنٌ قد تبيَّن إيمانُه، ورجلٌ كافرٌ قد تبيَّن كُفرُهُ، ولكن أخافُ عليكم منافقًا يتعوَّذ بالإيمان، يعملُ بغيره. طريق أخرى (956) قال جعفر -أيضًا- (¬2): حدثني زكريا بن يحيى البَلخي، ثنا ¬

= الباحث» (ص 149 رقم 465) عن رَوْح بن عُبادة، عن حسين المعلِّم، عن عبد الله بن بُرَيدة، عن عمرَ -رضي الله عنه-، مرفوعًا. وأما الوجه الثاني: فأخرجه البزَّار (9/ 13 رقم 3514) وابن حبان (1/ 281 رقم 80 - الإحسان) والفِريابي في «صفة المنافق» (ص 52 رقم 23) والطبراني في «الكبير» (18/ 237 رقم 593) والبيهقي في «شعب الإيمان» (4/ 403 رقم 1639) من طريق حسين المعلِّم، عن عبد الله بن بُرَيدة، عن عمران بن حصين -رضي الله عنه-، مرفوعًا، ولفظه: «أخوفُ ما أخافُ عليكم جدالُ المنافقِ، عليمِ اللسانِ». ورواه عن حسين المعلِّم: خالد بن الحارث ومعاذ العَنْبري. وهذا الوجه أرجح؛ لاتفاق اثنين من الثقات على روايته هكذا، وقد قال البزار عقب روايته: وهذا الكلام لا نحفظه إلا عن عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه-، واختَلَفوا في رَفْعه عن عمرَ، فذَكَرناه عن عمران، إذ كان يُختَلَفُ في رَفْعه عن عمرَ، وإسناد عمر إسناد صالح، فأخرجناه عن عمرَ، وأَعَدْناه عن عمران لحُسن إسناد عمران. (¬1) في «صفة المنافق» (ص 54 رقم 28). (¬2) (ص 54 رقم 31). وأخرجه -أيضًا- ابن المبارك في «الزهد» (ص 520 رقم 1475) عن مالك بن مِغْول، به. وصحَّح إسنادَه الشيخ الألباني في تعليقه على «مشكاة المصابيح» (1/ 89 رقم 269).

وكيع، عن مالك بن مِغْول، عن أبي حصين، عن زياد بن حُدَير قال: قال عمرُ: يَهدِمُ الإسلامَ ثلاثٌ: زلَّةُ عالِمٍ، وجدالُ منافقٍ بالقرآنِ، وأئمَّةٌ مضلُّون. (957) وقال -أيضًا- (¬1): أنا وهب بن بقيَّة، أنا إسحاق بن يوسف، عن زكريا بن أبي زائدة، عن عامر الشَّعبي، عن زياد بن حُدَير قال: قال عمرُ: إنَّ أخوفَ ما أخافُ عليكم ثلاثةٌ: منافقٌ يقرأ القرآنَ، لا يُخطي منه واوًا ولا أَلِفًا، يجادلُ الناسَ أنه أعلمُ منهم، ليُضلَّهم عن / (ق 386) الهدى، وزلَّةُ عالِمٍ، وأئمَّةٌ مضلُّون. طريق أخرى (958) قال أبو القاسم البغوي: ثنا أبو الجهم العلاء بن موسى، ثنا سوَّار بن مصعب، ثنا مُجالِد، عن أبي الودَّاك، عن أبي سعيد، عن ابن عباس قال: خَطَبنا عمرُ بن الخطاب، فقال: إنَّ أخوفَ ما أخافُ عليكم تغيُّرُ الزمان، وزيغةُ عالِمٍ، وجدالُ منافقٍ بالقرآنِ، وأئمَّةٌ مضلُّون، يُضلُّون الناسَ بغير علمٍ. فهذه طرق يشدّ القوي منها الضعيف، فهي صحيحة من قول عمرَ -رضي الله عنه-، وفي رَفْعِ الحديث نظرٌ، والله أعلم. ¬

(¬1) (ص 54 رقم 29). وأخرجه -أيضًا- الدارمي (1/ 295 رقم 220) في المقدمة، باب في كراهية أخذ الرأي، وابن بطة في «الإبانة» (2/ 528 رقم 643 - تحقيق رضا نعسان) والمستَغفِري في «فضائل القرآن» (1/ 268، 269 رقم 256، 257) وأبو نعيم في «الحلية» (4/ 196) والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1/ 559 رقم 607) وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (2/ 979، 980 رقم 1867، 1869، 1870) من طريق الشعبي، به.

وسيأتي (¬1) -إن شاء الله- في مسند حذيفة حديث سؤال عمر إيَّاهم عن الفتنة التي تموج موج البحر، وقول حذيفة له: إنَّ بينك وبينها بابًا مُغلقًا. فقال عمرُ: أيُفتح البابُ أم يُكسَرُ؟ قال: يُكسَرُ. فقال: إذًا لا يُغلَقُ أبدًا ... ، الحديث (¬2). وفي سياقه ما يدلُّ على أنَّ عمرَ سَمِعَهُ من النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولكنَّه نَسِيَ لفظَه، فأراد أن يستذكرَه من غيره، فحدَّثه حذيفةُ ذو السِّر الذي لا يَعلمُهُ غيره، والله أعلم. ¬

(¬1) انظر: «جامع المسانيد والسُّنن» (2/ 426 - 427 رقم 2346، 2347). (¬2) أخرجه البخاري (2/ 8 رقم 525) في مواقيت الصلاة، باب الصلاة كفارة، و (3/ 301 رقم 1435) في الزكاة، باب الصدقة تكفِّر الخطيئة، و (4/ 110 رقم 1895) في الصوم، باب الصوم كفارة، و (6/ 603 رقم 3586) في المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، و (13/ 48 رقم 7096 - فتح) في الفتن، باب الفتنة التي تموج كموج البحر، ومسلم (1/ 128 رقم 144) في الإيمان، باب بيان أن الإسلام بدأ غريبًا.

حديث في ذكر الخوارج

حديث في ذِكر الخوارج (¬1) (959) روى الإسماعيلي من حديث قتيبة: ثنا ابن لَهِيعة، عن ابن هُبيرة، عن أبي قيس مالك بن الحكم أو ابن حكيم، عن عبد الرحمن بن غَنم الأشعري: أنه سَمِعَ عمرَ بن الخطاب يقول: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «سيخرجُ أناسٌ من أمَّتي يقرأون القرآنَ، يمرقونَ من الدِّينِ، كما يمرقُ السهمُ من الرميَّةِ، وأَمَارةُ ذلك أنهم مُحلِّقون ...» (¬2). وذَكَر تمامَ الحديث في جَمْع عمر القُرَّاء والتماسِهِ أن يجدَ فيهم مَحلوقًا. ¬

(¬1) الخوارج: هم كل مَن خرج على الإمام الذي اتفقت الجماعة عليه، سواء كان الخروج في أيام الصحابة أو من بعدهم في كل زمان. انظر: «الملل والنحل» للشهرستاني (ص 50). (¬2) عزاه صاحب «كنز العمال» (11/ 203 رقم 31234) إلى أبي نصر السِّجزي في «الإبانة»، ولم يطبع. وقد أخرج البخاري في «صحيحه» (8/ 67 رقم 4351 - فتح) في المغازي، باب بعث علي بن أبي طالب عليه السلام، ومسلم (2/ 741 رقم 1064) (143) في الزكاة، باب ذِكر الخوارج وصفاتهم -واللفظ له- من حديث أبي سعيد الخُدْري -رضي الله عنه- قال: بَعَث عليٌّ وهو باليمن بذَهَبة في تُربتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الحديث، وفيه: فجاء رجلٌ كَثُّ اللحيةِ، مُشْرِفُ الوَجْنَتَيْنِ، غائرُ العينينِ، ناتِئُ الجَبين، مَحلوقُ الرأسِ، فقال: اتقِّ اللهَ يا محمد! ... ، الحديث، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ من ضِئضِئِ هذا قومًا يقرؤون القرآنَ لا يجاوز حَنَاجِرَهُم، يَقتلونَ أهلَ الإسلامِ، ويَدَعونَ أهلَ الأوثانِ، يَمرُقُونَ من الإسلامِ كما يَمرُقُ السَّهمُ من الرَّميَّةِ، لئن أدركتُهُم لأقتُلنَّهم قتلَ عادٍ». وفي رواية للبخاري (7562): «سيماهم التحليق»، أو قال: «التسبيد».

حديث في ذكر وقعة الحرة التي كانت أيام يزيد بن معاوية

حديث في ذِكر وقعة الحَرَّة (¬1) التي كانت أيام يزيد بن معاوية (960) قال يعقوب بن سفيان (¬2): حدثني إبراهيم بن المنذر، حدثني ابن أفلح، عن أبيه، عن أيوب بن عبد الرحمن، عن أيوب / (ق 387) بن بشير المُعافِري (¬3): أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَج في سَفَر من أسفاره، فلمَّا مرَّ بحَرَّة زُهرة وَقَف فاستَرجَعَ، فسَاءَ ذلك مَن معه، وظنُّوا أنَّ ذلك من أمرِ سَفَرهم، فقال عمرُ بن الخطاب: يا رسولَ الله، ما الذي رأيتَ؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَمَا إنَّ ذلك ليس في سَفَركم هذا». قالوا: فما هو يا رسولَ الله؟ قال: «يُقتَلُ بهذه الحَرَّةِ خِيارُ أُمَّتي بعدَ أصحابي». هكذا رواه البيهقي (¬4) من حديث يعقوب بن سفيان، وهو مرسل في الظاهر، فإنَّ أيوب بن بشير وإن كان قد وُلِدَ في زمان النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلا أنه لم يُدركه ولم يَسْمع منه، ولعلَّه إنما سَمِعَ هذا من عمرَ بن الخطاب فإنه كان في زمانه كبيرًا، وكان ممَّن جُرح يوم الحرَّة رحمه الله. ¬

(¬1) الحَرَّة: أرض ذات حجارة سوداء نخرة كأنها أُحرقت بالنار، والحِرَار في بلاد العرب كثيرة، ومنه: حَرَّة واقِم، وفي هذه الحَرَّة كانت وقعة الحَرَّة المشهورة في أيام يزيد بن معاوية في سنة 63. انظر: «معجم البلدان» (2/ 245، 249). (¬2) في «المعرفة والتاريخ» (3/ 425). (¬3) ضبَّب عليه المؤلِّف لإعضاله. (¬4) في «دلائل النبوة» (6/ 473).

حديث في ذكر الحجاج بن يوسف الثقفي

حديث (¬1) في ذِكر الحجَّاج بن يوسف الثَّقَفي (961) قال الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه «دلائل النبوة» (¬2): أنا أبو عبد الله الحافظ، أنا أبو النَّضر، ثنا عثمان بن سعيد الدَّارمي، ثنا عبد الله بن صالح المصري: أنَّ معاوية بن صالح حدَّثه عن شُريح بن عُبيد، عن أبي عَذَبة قال: جاء رجلٌ إلى عمرَ بن الخطاب فأَخبَرَه أنَّ أهلَ العراقِ قد حَصَبوا أميرَهم، فخَرَج غضبانَ، فصلَّى لنا الصلاةَ، فسَهَا فيها، حتى جعل الناسُ يقولون: سبحان الله! سبحان الله! فلمَّا سلَّم، أقبَلَ على الناس، فقال: مَن ههنا من أهل الشَّام؟ فقام / (ق 388) رجلٌ، ثم قام آخرُ، ثم قمتُ أنا ثالثًا، أو رابعًا، فقال: يا أهلَ الشَّامِ، استعدُّوا لأهل العراق، فإنَّ الشيطانَ قد بَاضَ فيهم وفَرَّخ، اللهمَّ إنهم قد لبَّسوا عليَّ فالبِسْ (¬3) عليهم، وعجِّل عليهم بالغلام الثَّقَفي يَحكمُ فيهم بحكمِ الجاهليةِ، لا يَقبلُ من مُحْسِنِهم، ولا يَتَجاوزُ عن مُسيئِهِم. قال عبد الله بن صالح: وحدَّثني ابن لَهِيعة بمثله (¬4)، قال: وما وُلِدَ الحجَّاجُ يومئذٍ. وكذا رواه يعقوب بن سفيان (¬5)، عن عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح. ورواه عثمان الدَّارمي (¬6) ويعقوب بن سفيان (¬7). ¬

(¬1) كَتَب المؤلِّف فوقها: «أثر»، ولم يضرب على ما تحتها. (¬2) (6/ 487 - 488). (¬3) ضبَّب عليه المؤلِّف، ولم يتبين لي وجهه. (¬4) وفي إسناده: عبد الله بن صالح: صدوق، كثير الغلط، كما في «التقريب». (¬5) في «المعرفة والتاريخ» (2/ 529، 754 - 755). (¬6) ومن طريقه: أخرجه البيهقي في «دلائل النبوة» (6/ 486) وابن عساكر في «تاريخه» (67/ 81). (¬7) في الموضع السابق (2/ 755).

كلاهما عن أبي اليَمَان، عن حَريز بن عثمان، عن عبد الرحمن بن مَيْسرة بن أزهر، عن أبي عَذَبة قال: قَدِمْتُ على عمرَ رابعَ أربعةٍ ... ، وذَكَر الحديث. قال عثمان: قال أبو اليَمَان: عَلِمَ عمرُ أنَّ الحجَّاج خارجٌ لا محالةَ، فلمَّا أغضبوه استَعجَلَ العقوبةَ التي لا بدَّ لهم منها (¬1). قلت: وطريقه في علم هذا الَّنقلُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، كما سيأتي (¬2) في مسند أسماء بنت الصِّديق: أنَّ رسولَ الله قال: «إنَّ في ثقيفَ كذَّابًا ومُبِيرًا (¬3)» (¬4). فالكذَّاب: المختار بن أبي عبيد، والمُبِيرُ هو: الحجَّاج، كما فسَّرت ¬

(¬1) وإسناده ضعيف؛ لجهالة عبد الرحمن بن ميسرة. انظر: «تهذيب الكمال» (17/ 450). وأبو عَذَبة، مختلف فيه، فوثَّقه يعقوب بن سفيان، وجهَّله الذهبي. انظر: «المعرفة والتاريخ» (2/ 529) و «الميزان» (4/ 551 رقم 10414). وله طريق أخرى: أخرجها الخطيب في «المتفق والمفترق» (3/ 1696 رقم 1208) من طريق عمرو بن عثمان وكثير بن عبيد، عن بقيَّة، عن صفوان بن عمرو، عن شُريح، عن عمرو بن سُليم الحضرمي، عن عمرَ -رضي الله عنه- ... ، فذكره. وإسنادها ضعيف، بقيَّة بن الوليد مدلِّس، ولم يصرِّح بالسماع. (¬2) يعني: في «جامع المسانيد والسُّنن»، لكن مسند النساء ليس في المطبوع. (¬3) المبير: المُهلك المُسرف في إهلاك الناس. «النهاية» (1/ 161). (¬4) أخرجه مسلم (4/ 1971 رقم 2545) في فضائل الصحابة، باب ذِكر كذاب ثقيف ومُبيرها.

ذلك للحجَّاج حين قَتَل ولدَها رضي الله عنه. وقد كان الحجَّاجُ من الملوك الجبَّارين الذين طَغَوا في البلاد، وقَتَلَ الجمَّ الغفيرَ من صدر هذه الأُمَّة، ومع هذا فأَمرُهُ إلى الله، فإنه لم يُترَف بغير الظُّلم وسفكِ الدِّماء، ولا يُلتفتُ إلى قول الرَّافضة (¬1) فيه من / (ق 389) تكفيره، وتكفير مستنيبيه، بل هم من مُلُوك الإسلام، لهم ما لهم، وعليهم ما عليهم. ¬

(¬1) تقدم التعريف بهم (ص 282)، تعليق رقم 2

حديث في ذكر الوليد

حديث في ذِكر الوليد (962) قال الإمام أحمد (¬1): ثنا أبو المغيرة، ثنا ابن عيَّاش، حدثني الأوزاعي وغيره عن الزهري، عن سعيد بن المسيّب، عن عمرَ بن الخطاب قال: وُلِدَ لأخي أُمِّ سَلَمة زوجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم غلامٌ، فسَمَّوه الوليدَ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «سَمَّيتُموهُ بأسماءِ فَرَاعنتِكُم، لَيَكُونَنَّ في هذه الأُمَّةِ رجلٌ يقالُ له: الوليدُ، هو شرٌّ على هذه الأُمَّةِ من فرعونَ لقومِهِ». هكذا رواه أحمد في مسند عمر، وإسناده جيد (¬2)، ولم يخرِّجوه. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 18 رقم 109). (¬2) أعلَّه ابن حبان، فقال في «المجروحين» (1/ 125): هذا خبر باطل، ما قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم هذا، ولا عمر، ولا سعيد حدَّث به، ولا الزهري رواه، ولا هو من حديث الأوزاعيّ بهذا الإسناد. وقال ابن الجوزي في «الموضوعات» (1/ 245): فلعلَّ هذا قد أُدخل على إسماعيل بن عيَّاش في كِبَرِه، وقد رواه وهو مختلط. وقال الدارقطني في «العلل» (2/ 159): يَرويه الأوزاعي، واختُلف عنه، فرواه إسماعيل بن عيَّاش، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن ابن المسيّب، عن عمرَ، وغيرُه يَرويه عن الأوزاعي، ولا يَذكر فيه عن عمرَ، وهو الصواب. ومما يدلُّك على نكارة هذا الحديث: ما أخرجه البخاري في «صحيحه» (10/ 580 رقم 6200 - فتح) في الأدب، باب تسمية الوليد، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: لما رَفَع النبيُّ صلى الله عليه وسلم رأسَه من الركوع، قال: «اللهم أَنْجِ الوليد بن الوليد ...» الحديث. قال الحافظ: لمَّا لم يكن هذا الحديث المذكور على شرط البخاري أومأ إليه كعادته، وأورد الحديثَ الدالَّ على الجواز (أي: جواز التسمية بالوليد) فإنه لو كان مكروهًا؛ لغيَّره النبيُّ صلى الله عليه وسلم كعادته، فإنَّ في بعض طرق الحديث المذكور الدلالة على أنَّ الوليد بن الوليد المذكور قد قَدِمَ بعد ذلك المدينةَ مهاجرًا، كما مضى في المغازي، ولم يُنقل أنه غيَّر اسمَه. وانظر: «القول المسدَّد» (ص 12 - 17).

لكن قد رواه الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب «دلائل النبوة» (¬1) عن الحاكم وغيره، عن الأصمِّ، عن سعيد بن عثمان التَّنوخي، عن بِشر بن بكر، حدثني الأوزاعي، حدثني الزهري، حدثني سعيد بن المسيّب قال: وُلِدَ لأخي أُمِّ سَلَمة من أُمِّها غلامٌ فسَمَّوه الوليدَ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «تُسمُّونَ بأسماءِ فَرَاعنتِكُم، غيِّروا اسمَه -فسَمَّوه: عبد الله-، فإنَّه سيكونُ في هذه الأُمَّةِ رجلٌ، يقالُ له: الوليدُ، هو شرٌّ لأُمَّتي من فرعونَ لقومِهِ». هكذا وقع في رواية البيهقي مرسلاً. وكذا رواه يعقوب بن سفيان (¬2) عن محمد بن خالد بن العبَّاس السَّكسكي، عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن سعيد، مرسلاً. قال الوليد بن مسلم: فكان الناسُ يَرَون أنه الوليد بن عبد الملك، ثم رأينا أنه الوليد بن يزيد لفتنة الناس به حين / (ق 390) خَرَجوا عليه، فقَتَلوه، فانفَتَحتِ الفتنةُ على الأُمَّة والهَرْجُ. قلت: أما الوليد بن يزيد بن عبد الملك، فكان فاسقًا مجاهرًا بالمعاصي، وقد حَكَى عنه صاحب «العِقد» (¬3) وأصحابُ التاريخ شيئًا فرِيًّا من أنه أَذِنَ لحبابَةَ مولاتِه، فصَلَّتْ بالناس الفجرَ وهي جُنُب! والله أعلم بصحَّة ذلك، وكانت مدَّة ولايته للسَّلطنة سَنَة وقريبًا من شهرين، ثم خُلِعَ، وقُتِلَ، وعُلِّق رأسُه على حائط الجامع الشرقيِّ ممَّا يلي المصلِّين مدَّةً، ثم رُفِعَ، وغُسِلَت آثارُ دمِهِ. ¬

(¬1) (6/ 505). (¬2) في «المعرفة والتاريخ» (3/ 450). (¬3) انظر: «العقد الفريد» (5/ 191).

وأمَّا عمُّه الوليد بن عبد الملك فامتدَّت ولايتُه نحوًا من عشر سنين، فعمَّر فيها المسجدَ الجامعَ بدمشق، وزَخْرَفَهُ، وزَيَّنهُ، وتأنَّق فيه جدًّا، ولم يكن بناءٌ على وجه الأرض شرقًا ولا غربًا في زمانه أبهى منه ولا أحسنَ، وصَرَف عليه من بيت مال المسلمين من الذَّهَب مالايُحدُّ كثرةً، مع أنه كان موصوفًا بالشهامة والصَّرامَة، وكان فيه جَبرية. وقد روى ابن أبي الدنيا في كتاب «أحكام القبور» (¬1)، عن عمرَ بن عبد العزيز رحمه الله: أنه لمَّا أَلحده في قبره شاهَدَ منه أمرًا منكرًا، فيه عظةٌ عظيمةٌ للناس: رَوى أنه حين وَضَعه في اللَّحد جُمِعَت رُكبَتَاه إلى عُنُقِهِ، ورَوى أنه حُوِّل وجهُهُ عن القِبلة. والذي اشتَهَر من حاله أنه كان من مُلُوك الإسلام، وكانت له مملكةٌ متَّسعةٌ في المشارق والمغارب، ومن أحسن ما روي عنه أنه كان يباشرُ أحوالَ الرَّعيةِ / (ق 391) بنفسِهِ، ويَصرفُ إلى الزَّمنَي والمرضى والمجذَّمين ما يَكفيهم من بيت المال. وأحسن من هذا ما روي عنه أنه قال: لولا أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قصَّ علينا خبرَ قومِ لوطٍ ما ظننتُ أنَّ ذَكَرًا يَعلو ذَكَرًا! حديث آخر (963) قال أحمد (¬2): ثنا حسن، ثنا ابن لَهِيعة، ثنا أبو الزُّبير، عن ¬

(¬1) (ص 118 رقم 127) عن محمد بن الحسين، عن علي بن حفص، عن سلاَّم الطَّويل، عن عمرو بن ميمون قال: سَمِعتُ عمرَ بن عبد العزيز يقول: فذكره. وهذا إسناد تالف؛ آفته سلاَّم الطَّويل، وهو: متروك، كما قال الحافظ في «التقريب»، فكان الأولى بالمؤلِّف الإعراض عن مثل هذا الخبر. (¬2) في «مسنده» (1/ 23 رقم 152) و (3/ 347 رقم 14735). وأخرجه -أيضًا- البزار (1/ 350 رقم 233) والفاكهي في «أخبار مكة» (2/ 385 رقم 1689) من طريق بِشر بن عمر. وابن شبَّة في «تاريخ المدينة» (1/ 283) من طريق الوليد بن مسلم. وأبو يعلى، كما في «المقصد العلي» (1/ 267 رقم 610) من طريق يحيى بن إسحاق. ثلاثتهم (بِشر بن عمر، والوليد بن مسلم، ويحيى بن إسحاق) عن ابن لَهِيعة، به. لكن في رواية البزار وابن شبَّة: «سيخرج أهل المدينة».

جابر: أنَّ عمرَ بن الخطاب أخبَرَه أنه سَمِعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سيخرُجُ أهلُ مكةَ ثم لا يعير (¬1) بها، أو يغير (¬2) بها إلا قليلٌ، ثم تمتلِئُ وتُبنَى، ثم يَخرجون منها ولا يعودون فيها أبدًا». هذا إسناد جيد، لأنَّ ابن لَهِيعة قد صرَّح بالسماع فزال محذور تدليسه (¬3). حديث آخر (964) قال أحمد (¬4): ثنا يحيى بن إسحاق، أنا ابن لَهِيعة، عن أبي الزُّبير، عن جابر، أخبرني قال (¬5): سَمِعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «لَيَسيرَنَّ الرَّاكبُ في جَنَباتِ المدينةِ، ثم لَيَقولَنَّ: لقد كان في هذا حاضِرٌ من المؤمنين كثيرٌ». ¬

(¬1) كذا ورد بالأصل. وكَتَب المؤلِّف فوقها: «كذا»، وفي المطبوع: «لا يُعبَرُ». (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «لا يَعبُرُ». (¬3) في هذا نظر؛ فأبو الزبير: مدلِّس، ولم يصرِّح بالسماع، وابن لهيعة: سيئ الحفظ، وفي الرواية التالية ما يبين اضطراب ابن لهيعة في إسناده. (¬4) (1/ 20 رقم 124). (¬5) كذا ورد بالأصل. والذي في مطبوع «المسند»، و «إطراف المُسنِد المُعتَلِي» (5/ 21 رقم 6537): «أخبرني عمرُ، قال».

قال أحمد: ولم يَجز به حسن الأشيب جابرًا (¬1). وهذا -أيضًا- جيد (¬2)، والله أعلم. وقد تقدَّم في كتاب الجهاد (¬3) من حديث عبد الله بن عمر السَّعدي، عن سعيد بن عمرو بن سعيد، عن أبيه، عن أبيه، سَمِعَ عمرَ بن الخطاب يقول: لولا أنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ اللهَ سَيَمنعُ الدِّينَ بنصارى من ربيعةَ على شاطئِ الفُرَاتِ»؛ ما تَرَكتُ عربيًا إلا قَتَلتُهُ أو يُسلِمُ. رواه النسائي (¬4)، وهو غريب (¬5). ¬

(¬1) وروايته في «المسند» (3/ 341 رقم 14678)، وتابَعَه موسى بن داود، وقتيبة، وروايتهما في «المسند» أيضًا (3/ 347 رقم 14736). (¬2) في هذا نظر، وهذه الرواية صورة من صور اضطراب على ابن لهيعة، وقد أخرج البخاري (4/ 89 رقم 1874 - فتح) في فضائل المدينة، باب من رغب عن المدينة، ومسلم (2/ 1009 رقم 1389) في الحج، باب في المدينة حين يتركها أهلها، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: «تتركون المدينةَ على خير ما كانت، لا يَغشاها إلا العوافي -يريد: عوافي السِّباع والطَّير-، وآخر من يحشر راعيان من مُزينة ....». الحديث. (¬3) (2/ 185 رقم 630). (¬4) في «سننه الكبرى» (8/ 90 رقم 8717 - ط مؤسسة الرسالة). (¬5) تقدَّم الكلام عليه في الموضع السابق. تنبيه: كَتَب المؤلِّف بحاشية الأصل ما نصُّه: «يتلوه الوريقة»، إلا أنِّي لم أجد هذه الورقة ضمن أوراق المخطوط.

أحاديث المعجزات والمناقب والفضائل، وهي مرتبة على أسماء الأعيان، ثم القبائل، ثم البلدان

أحاديث المعجزات والمناقب والفضائل، وهي مرتَّبة على أسماء الأعيان، ثم القبائل، ثم البلدان (965) قال الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي رحمه الله (¬1): ثنا أبو هشام، ثنا ابن فضيل، ثنا ابن أبي زياد، عن عاصم بن عبيد الله / (ق 392) بن عاصم، عن أبيه، عن جدِّه عمرَ قال: كنَّا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في غَزَاة، فقلنا: يا رسولَ الله، إنَّ العدوَّ قد حَضَر وهم شِباعٌ، والناسُ جياعٌ، فقالت الأنصار: ألا نَنحَرُ نواضِحنا فنُطعِمَه للناس؟ فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَن كان عندَه فضلُ طعامٍ؛ فليَجِئ به»، فجعل الرَّجلُ يجيءُ بالمُدِّ والصَّاعِ، وأكثرَ وأَقلَّ، فكان جميعُ ما في الجيش بِضعًا وعشرين صاعًا، فجلس النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى جنبه، فدعا بالبركة، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «خُذُوا ولا تَنتَهِبُوا»، فجعل الرَّجل يأخذُ في جِرابِهِ، وفي غِرارتِهِ، وأخذوا في أوعيتهم، حتى إنَّ الرَّجلَ لَيَربِطُ كُمَّ قميصِهِ فيَملأَه، فَفَرغوا والطَّعامُ كما هو، ثم قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهَ، وأنِّي رسولُ الله، لا يأتي بهما عبدٌ مُحِقٌّ إلا وَقَاهُ اللهُ حَرَّ النَّارِ». ثم رواه -أيضًا- (¬2)، عن إسحاق بن إسماعيل الطَّالْقاني، عن جرير، عن يزيد بن أبي زياد ... ، فذَكَره، وسمَّى الغزوة تبوك. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 199 رقم 230). (¬2) لم أجده في المطبوع من «مسنده» من هذه الطريق، وأورده الهيثمي في «المقصد العلي» (3/ 162 رقم 1290 - رواية ابن المقرئ).

وهذا إسناد حسن (¬1)، ولم يخرِّجوه، وله شاهد في «الصحيح» (¬2) من حديث سَلَمة بن الأكوع في غزوة تبوك. حديث آخر (¬3) (966) قال أبو يعلى (¬4): ثنا زُهَير، ثنا يونس بن محمد، ثنا يعقوب بن عبد الله الأشعري، ثنا حفص بن حميد، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن عمرَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنيِّ مُمْسِكٌ بحُجزِكم / (ق 393) هلُمَّ عن النَّارِ، هلُمَّ عن النَّارِ ....» الحديث. وقد تقدَّم في تفسير سورة براءة (¬5). ¬

(¬1) في هذا نظر؛ فيزيد بن أبي زياد وعاصم بن عبيد الله: كلاهما ضعيف. (¬2) أخرجه مسلم (3/ 1354 رقم 1729) في اللُّقطة، باب استحباب خلْط الأزواد إذا قلَّت، من حديث سَلَمة بن الأَكوع -رضي الله عنه- قال: خَرَجنا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في غزوة، فأصابَنَا جَهدٌ، حتى هَمَمنا أنْ نَنحَرَ بعضَ ظَهرِنا، فأَمَر نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم فجَمَعنا مَزَاوِدَنَا، فَبَسَطْنا له نِطَعًا، فاجتمع زادُ القومِ على النِّطَعِ، قال: فَتَطاوَلْتُ لأَحْزِرَهُ كم هو؟ فَحَزَرتُهُ كَرَبْضَةِ العَنْزِ، ونحن أربعَ عشرةَ مائةً، قال: فأَكَلنا حتى شَبِعْنا جميعًا، ثم حَشَونا جُرُبَنَا، فقال نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم: «فهل من وَضوءٍ؟». قال: فجاء رجلٌ بإداوة له فيها نُطْفةٌ، فأَفرَغَها في قَدَحٍ، فَتَوضأْنا كُلُّنا، نُدَغْفِقُهُ دَغْفَقَةً، أربعَ عشرةَ مائةً. قال: ثم جاء بعد ذلك ثمانيةٌ، فقالوا: هل من طَهور؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «فَرِغَ الوَضوءُ». (¬3) تنبيه: كَتَب المؤلِّف فوقه: «مكرَّر تقدَّم»، وقد تقدَّم تخريجه والكلام عليه (ص 448 رقم 857). (¬4) لم أجده في المطبوع من «مسنده»، وهو من رواية ابن حمدان، وأورده الهيثمي في «المقصد العلي» (1/ 215 رقم 486 - رواية ابن المقرئ). (¬5) بل: في سورة المؤمنون (ص 448 رقم 857).

حديث آخر (967) قال الحافظ أبو بكر البزَّار (¬1): ثنا عمر بن الخطاب -يعني السِّجستاني- ثنا أصبَغ بن الفَرَج، ثنا عبد الله بن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن عُتبة بن أبي عُتبة، عن نافع بن جُبَير، عن ابن عباس قال: قيل لعمرَ: حدِّثنا عن شأن العُسرة، فقال عمرُ: خَرَجنا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوكَ في قَيظٍ شديدٍ، فنزلنا منزلاً أصابنا فيه عطشٌ شديدٌ حتى ظنَّنا أنَّ رِقابَنَا ستنقطعُ، حتى إن كان أحدُنا يذهبُ يلتمسُ الخلاءَ فلا يرجعُ حتى يظنَّ أنَّ رَقَبتَه تنقطعُ، وحتى إنَّ الرَّجلَ لَيَنحَرُ بعيرَه فيَعصِرُ فَرثَه فيَشرَبُهُ ويَضعُهُ على بطنِهِ، فقال أبو بكرٍ الصِّديق رضي الله عنه: يا رسولَ الله، إنَّ اللهَ قد عَوَّدك في الدُّعاء خيرًا، فَادْعُ لنا. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أتحبُّ ذلك يا أبا بكر؟». قال نعم. قال: فرَفَع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يديه، فلم يَرجعْهُما حتى قالتِ السماءُ، فأَظلَّت (¬2)، ثم سَكَبت، فملأوا ما معهم، ثم ذهبنا ننظرُ، فلم نَجدْها جاوزتِ العسكرَ. ثم قال البزَّار: لا نَعلمه يُروى إلا بهذا الإسناد. قلت: وقد رواه الإمام الحَبْر محمد بن إسحاق بن خزيمة في «صحيحه» (¬3) عن يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب. والحافظ أبو حاتم محمد بن حبان البُسْتي في «صحيحه» أيضًا (¬4)، عن عبد الله بن محمد بن سَلْم، / (ق 394) عن حَرمَلَة، عن ابن وهب، به. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 331 رقم 214). (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «حتى مالتِ السماءُ فأطلَّت». (¬3) (1/ 52 رقم 101). (¬4) (4/ 223 رقم 1383 - الإحسان).

قال الحافظ أبو الحسن الدارقطني (¬1): وكذا رواه أحمد بن صالح، عن ابن وهب. ورواه يعقوب بن محمد الزهري، عن ابن وهب، فلم يَذكر في الإسناد عُتبة بن أبي عُتبة. قال: والقول: قول مَن أثبتَه. حديث آخر (968) قال الحافظ أبو يعلى (¬2): ثنا إبراهيم بن الحجَّاج، ثنا حماد، عن علي بن زيد، عن أبي رافع، عن عمرَ بن الخطاب: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان بالحَجُون (¬3) وهو كَئيبٌ، فقال: «اللهمَّ أَرِني اليومَ آيةً لا أُبالِي مَن كذَّبَنِي بعدَها من قومِي». فنادى شجرة من قِبَلِ عَقَبة أهلِ المدينةِ، فناداها، فجاءت تَشقُّ الأرضَ حتى انتَهَتْ إليه، فسَلَّمَتْ عليه، ثم أَمَرها فذَهَبتْ. قال: فقال: «ما أُبَالِي مَن كذَّبَنِي بعدَها من قومِي». وهكذا رواه الإمام علي ابن المديني عن حَرَمي بن عُمارة، عن حماد بن سَلَمة، به. وقال: هذا إسناد بصري، ولا نعرفه إلا من حديث حماد. وكذا رواه الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب «دلائل النبوة» (¬4) من حديث عبيد الله بن محمد بن عائشة، عن حماد بن سَلَمة، به. ¬

(¬1) في «العلل» (2/ 83 رقم 127). (¬2) في «مسنده» (1/ 190 - 191 رقم 215). (¬3) الحَجُون: الجَبَل المُشرف مما يلي شِعب الجزارين بمكة. وقيل: هو موضع بمكة فيه اعوجاج. والمشهور: الأول. «النهاية» (1/ 348). (¬4) (6/ 13). وأخرجه -أيضًا- ابن سعد (1/ 170) والبزار (1/ 438 رقم 310) من طريق حماد بن سَلَمة، به.

قال: وقد رويناه في «المبعث» عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن أنس، نحوه. حديث آخر (969) قال الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب «دلائل النبوة» (¬1): ثنا أبو عبد الله الحافظ (¬2) إملاء وقراءة، ثنا أبو سعيد عمرو بن محمد بن منصور العدل -إملاء-، ثنا أبو الحسن محمد بن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، / (ق 395) ثنا أبو الحارث عبد الله بن مسلم الفِهري -قال أبو الحسن: هذا من رهط أبي عُبيدة بن الجرَّاح- أنا إسماعيل بن مسلمة، أنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جدِّه، عن عمرَ بن الخطاب قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لمَّا اقتَرَفَ آدمُ الخطيئةَ، قال: ياربُّ، أسألُكَ بحقِّ محمدٍ إلا غَفَرتَ لِي، فقال اللهُ عزَّ وجلَّ: ياآدمُ، كيف عرفتَ محمدًا ولم أخلُقهُ بعدُ؟ قال: ياربُّ، لأنَّك لمَّا خَلَقتَنِي بيدِكَ، ونَفَختَ فيَّ مِن رُوحِك، رَفَعتُ رأسي، فرأيتُ على قوائمِ العرشِ مكتوبًا: لا إلهَ إلا اللهُ، محمدٌ رسول الله، فعَلِمتُ أنَّك لم تُضِفْ إلى اسمِكَ إلا أحبَّ الخلقِ إليكَ. فقال اللهُ: صَدَقتَ ياآدمُ، إنَّه لأحبُّ الخلقِ إليَّ، وإذْ سَأَلتَنِي بحقِّه، فقد غَفَرتُ لك، ولولا محمدٌ ما خَلَقتُكَ». ثم قال البيهقي: تفرَّد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم من هذا الوجه، وهو ضعيف (¬3)، والله أعلم. ¬

(¬1) (5/ 488). (¬2) وهو في «المستدرك» (5/ 488). (¬3) وخالف الحاكم، فقال: صحيح الإسناد (!) فتعقَّبه الذهبي بقوله: بل موضوع، وعبد الرحمن واهٍ، وعبد الله بن مسلم الفِهري: لا أدري مَن هو؟ وقال الشيخ الألباني في «السلسلة الضعيفة» (1/ 89): والفِهري هذا أورده في «ميزان الاعتدال» لهذا الحديث، وقال: خبر باطل، رواه البيهقي في «دلائل النبوة». اهـ. وقال أبو العباس ابن تيمية في «قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة» (ص 69): ورواية الحاكم لهذا الحديث مما أُنكِر عليه، فإنَّه نفسه قد قال في كتاب «المدخل إلى معرفة الصَّحيح من السَّقيم»: عبد الرحمن بن زيد بن أسلم روى عن أبيه أحاديث موضوعة، لا يخفى على من تأمَّلها من أهل الصَّنعة أنَّ الحمل فيها عليه. قلت: وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف باتِّفاقهم، يَغلِط كثيرًا. وقال الشيخ الألباني في «السلسلة الضعيفة» (1/ 91): وجملة القول: أنَّ الحديث لا أصل له عنه صلى الله عليه وسلم، فلا جَرَم أن حَكَم عليه بالبطلان الحافظان الجليلان الذهبي والعسقلاني ... ، وممَّا يدلُّ على بطلانه أنَّ الحديث صريح في أنَّ آدم عليه السلام عَرَف النبيَّ صلى الله عليه وسلم عَقِبَ خَلقه، وكان ذلك في الجنَّة، وقبل هبوطه إلى الأرض، وقد جاء في حديث إسناده خيرٌ من هذا على ضَعفه أنه لم يَعرفه إلا بعد نزوله إلى الهند، وسماعِهِ باسمه في الأذان، انظر الحديث (403) اهـ.

ومن فضل الصديق

ومن فضل الصِّديق (970) قال الحافظ أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي: ثنا محمد بن عَلُّويه الفقيه، ثنا أبو شعيب السُّوسي، ثنا يحيى بن سعيد العطَّار، ثنا فُرَات بن السَّائب، عن ميمون، عن ابن عمرَ: أنَّ أبا موسى إذ كان واليًا على البصرة، كان إذا خَطَب يومَ الجمعةِ حَمِدَ اللهَ، وأثنى عليه، وصلَّى على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثم ثَنَّى بعمرَ يَدعو له، ولا يَتَرحَّمُ على أبي بكرٍ -رضي الله عنه-، فتَقَدَّم إليه ضَبَّة بن مِحصَن يقول: أين أنت / (ق 396) من ذِكر صاحبِهِ قبلَهُ تَذكره بفضِلهِ؟ ففعل ذلك جُمَعَ، ثم كَتَب إلى عمرَ بقول ضَبَّة بن مِحصَن، فكَتَب إليه عمرُ يأمُرُه بتسريحه إليه، فلمَّا أتاه الكتابُ، قال: اشخَص إلى

أمير المؤمنين. فلمَّا قَدِمَ المدينةَ استأذن على عمرَ، فدخل عليه، فقال: أنت ضَبَّة بن مِحصَن؟ قال: نعم. قال: فلا مَرحبًا ولا أهلاً. قال: أمَّا المرحبُ فمن الله، وأمَّا الأهلُ فلا أهلَ ولا مالَ، فعَلاَم استَحلَلتَ إشخاصي من مصرَ يا عمرُ بلا ذنبٍ ولا جنايةٍ ولا سوءٍ أتيتُهُ؟! قال: وما تَبوء بذنبٍ تعتذرُ منه؟ قال: لا. قال: فما شَجَر بينك وبين عامِلِكَ؟ قال: كان إذا خَطَب يومَ الجمعةِ صلَّى على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثم ثنَّى بك يَدعو لك، ولا يَتَرحَّمُ على أبي بكرٍ، فكان ذلك ممَّا يغيظني منه. قال: أنت كنتَ أوفَقَ منه وأفضلَ، فهل أنت غافرٌ ذنبي إليك؟ قال: نعم، يَغفِرُ اللهُ لك. فاستبكى عمر، حتى انتَحَبَ، ثم قال: واللهِ ليومٌ أو ليلةٌ من أبي بكرٍ -رضي الله عنه- خيرٌ من عمرَ وآل عمرَ من لدن وُلِدوا، أمَّا ليلتُهُ فإنَّه لمَّا توجَّه مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى الغار جعل يمشي طَورًا أمامَهُ، وطَورًا خلفَهُ، ومرَّة عن يمينه، ومرَّة عن يَسَاره، فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ما هذا من فِعلك يا أبا بكر؟». قال: بأبي أنت وأُمِّي، أذكرُ الرَّصَدَ (¬1) فأَكونُ أمامَكَ، وأذكرُ الطَّلبَ فأَكونُ خَلفَكَ، وأَنفضُ الطريقَ يمينًا وشمالاً. قال: «إنَّه ليس عليك بأسٌ»، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم حافيًا، ولم يكن مخصَّرَ القدمين، فحَفِيَ، / (ق 397) فحَمَله أبو بكر الصِّديق -رضي الله عنه- على كاهله حتى انتهى به إلى الغار، فلمَّا ذهب لِيَدخُلَهُ، قال: لا، والذي بَعَثك بالحقَّ لا تَدخلُهُ حتى استبرئَهُ، فدخل، فنظر، فلم ير شيئًا يَريبه، فدخلا، فلمَّا قَعَدا فيه هُنيَّةً أسفَرَ لهما الغارُ بعضَ الإسفارِ، فأبصر أبو بكرٍ إلى خَرقٍ في الغارِ فألقَمَهُ قَدَمَهُ، مخافةَ أن يكونَ فيه دابَّةٌ فتخرجُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتُؤذيه، فهذه ليلتُهُ رضي الله عنه. ¬

(¬1) الرَّصَد: من التَّرصُّد، وهو: التَّرَقُّب، والرَّصَد: القوم يَرصُدون. «مختار الصحاح» (ص 154 - مادة رصد).

وأمَّا يومُهُ، فإنَّه لمَّا قُبِضَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ارتدَّ مَن ارتدَّ من العرب، وقالوا: نصلِّي، ولا نزكِّي، ولا نُجبَى، فأتيتُهُ لا آلوه نصحًا، فقلتُ: يا خليفةَ رسولِ اللهِ تألَّفِ الناسَ، وارفُق بهم، فإنَّهم بمنزلة الوحش. فقال: رَجَوتُ نُصرَتَكَ وجئتني بخذلانك! جبَّارًا في الجاهلية! خوَّارًا في الإسلام! بماذا عَسَيتَ أن أتأَلَّفَهم؟! بِشِعرٍ مُفتَعل! أو بِسِحرٍ مفتَرَى! هيهات! هيهات! مضى النبيُّ صلى الله عليه وسلم وانقطع الوحي، والله لأُجَاهِدنَّهم ما استمسك السَّيفُ في يدي وإن مَنَعوني عَقَالاً. قال: فوَجَدتُهُ في ذلك أمضى منِّي وأصرمَ، وأَدَّبَ الناسَ على أمورٍ هانت عليَّ كثير من مؤنتهم حين وَلِيتُهُم، هذا يومُهُ (¬1). وهذا إسناد غريب من هذا الوجه، ويحيى بن سعيد العطَّار هذا حمصي، فيه ضعف، ولكن لهذا شواهد كثيرة من وجوه آخر. / (ق 398) حديث آخر (971) قال الحافظ أبو بكر البزَّار (¬2): ثنا إبراهيم بن سعيد، ثنا ابن أبي أُوَيس، ثنا سليمان بن بلال، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن ¬

(¬1) وأخرجه علي بن بَلبَان المقدسي في «تحفة الصَّديق في فضائل أبي بكر الصَّديق» (ص 124) من طريق عبد الرحمن بن إبراهيم الرَّاسبي، عن فُرَات بن السَّائب، عن ميمون بن مِهران، عن ضَبَّة بن محصن قال: كان علينا أبو موسى أميرًا ... ، فذكره. قلت: وهو مخالف لإسناد الإسماعيلي حيث جَعَله عن ميمون، عن ضَبَّة بن محصن، ليس فيه ابن عمر! ومداره: على عبد الرحمن الرَّاسبي، وقد قال عنه الذهبي في «الميزان» (2/ 545): أتى عن فُرَات بن السَّائب، عن ميمون بن مِهران، عن ضَبَّة بن محصن، عن أبي موسى بقصَّة الغار، وهو يُشبه وضعَ الطُّرُقيَّة. (¬2) في «مسنده» (1/ 373 رقم 251).

عائشة، عن عمرَ -رضي الله عنه- أنه قال: كان أبو بكرٍ أحبَّنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال البزَّار: لا يُروى إلا من هذا الوجه. ورواه الترمذي (¬1) عن إبراهيم بن سعيد الجوهري به. وقال: صحيح غريب. وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» (¬2) عن محمد بن إسحاق الثَّقَفي، عن إبراهيم بن سعيد، به. ولفظهما: أبو بكر سيِّدنا وخيرُنا، وأحبُّنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (¬3). طريق أخرى (972) قال البخاري (¬4): ثنا أبو نعيم، عن عبد العزيز بن أبي سَلَمة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر قال: قال عمرُ رضي الله عنه: أبو بكر سيِّدُنا، وأَعتَقَ سيِّدَنا. يعني: بلالاً. ¬

(¬1) في «سننه» (5/ 566 رقم 3656) في المناقب، باب مناقب أبي بكر الصديق. (¬2) (15/ 278 رقم 6862 - الإحسان). (¬3) تنبيه: جاء بحاشية الأصل تقييد بخطِّ الحافظ ابن حجر هذا نصُّه: هذا الحديث عزاه للترمذي عن إبراهيم بن سعيد الجَوهري، وهو في «صحيح البخاري» [3668] عن إسماعيل، بهذا الإسناد مطوَّلا، في فضائل أبي بكر، فالعَجَب من هذا الحافظ كيف خفي عليه؟! (¬4) في «صحيحه» (7/ 99 رقم 3754) في فضائل الصحابة، باب مناقب بلال بن رباح.

حديث آخر في فضل الصديق، وفيه شرف عظيم لعمر رضي الله عنهما

حديث آخر في فضل الصِّديق، وفيه شَرَف عظيم لعمر رضي الله عنهما (973) قال الحافظ أبو بكر الخطيب (¬1): أنا القاضي أبو العلاء الواسطي، أنا أحمد بن محمد بن عَمرويه بن آدم ببغداد، ثنا محمد بن جعفر بن أحمد بن اللَّيث، ثنا علي بن عبد الله بن جعفر الهَمداني، ثنا عبد الله بن محمد بن جَيهان، ثنا عبد الله بن بكر السَّهمي، ثنا مبارك بن فَضَالة، ثنا ثابت البُناني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصِّديق قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «حدَّثني عمرُ بن الخطاب أنَّه ما سابقَ أبا بكرٍ إلى خيرٍ قطٌّ إلا سَبَقَهُ به». فإن كان هذا محفوظًا ففيه رواية رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عمرَ بن الخطاب، فيكونُ من أحسنِ ما يُذكر في باب رواية الأكابر عمَّن دونهم، كما في «الصحيح» (¬2) أنه عليه السَّلام أخبر بقصَّة الدجال عن خبر تميم الدَّاريِّ له بذلك. وقد تقدَّم لهذا الحديث في كتاب الزكاة، وفي تفسير قوله تعالى: {إن تبدوا الصدقات فنعما هي} (¬3) شواهد. (974) وقال حماد بن سَلَمة، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيّب: أنَّ عمرَ قال: ما سَابَقْتُ أبا بكرٍ قطُّ إلى خيرٍ؛ إلا سَبَقَني به. ¬

(¬1) في «تاريخه» (5/ 76 - 77). (¬2) أخرجه مسلم (4/ 2261 رقم 2942) في الفتن، باب قصة الجسَّاسة. (¬3) انظر: (1/ 394 - 396 رقم 248 - 250) و (2/ 373 رقم 804).

أثر آخر (975) قال عبد الله بن المبارك: عن ابن سُوقة (¬1)، عن محمد بن جُحادة، عن سَلَمة بن كُهَيل، عن هُزَيل بن شُرَحبيل قال: قال عمر: لو وُزِنَ إيمانُ أبي بكرٍ بإيمانِ أهلِ الأرضِ لرَجَحَ بهم (¬2). قلت: وقد روي عن ابن عمرَ مرفوعًا، ولا يصحُّ (¬3). ¬

(¬1) كذا ورد بالأصل. والصواب: «ابن شوذب»، كما في مصادر التخريج الآتية. (¬2) ومن طريق ابن المبارك: أخرجه إسحاق بن راهويه في «مسنده» (3/ 671) وخيثمة الأطرابلسي في «فضائل أبي بكر» (ص 133) والبيهقي في «شعب الإيمان» (1/ 180 رقم 35) وابن عساكر في «تاريخه» (30/ 127). وأخرجه -أيضًا- القَطيعي في «زوائده على فضائل الصحابة» (1/ 418 رقم 653) وابن الحطَّاب الرازي في «مشيخته» (ص 216 رقم 79) وابن عساكر في «تاريخه» (30/ 127) من طريق أيوب بن سُوَيد، عن ابن شَوذَب، به. وصحَّح إسنادَه العراقي في «المغني عن حمل الأسفار» (1/ 52 - بهامش الإحياء) والسَّخاوي في «المقاصد الحسنة» (ص 412 رقم 908). وانظر: «علل الدارقطني» (2/ 223 رقم 236). (¬3) أخرجه ابن عدي (4/ 201) من طريق عبد الله بن عبد العزيز بن أبي رَوَّاد، عن أبيه، عن نافع، عن ابن عمرَ، مرفوعًا. وهذا منكر، تفرَّد به عبد الله هذا، وقد قال عنه ابن عدي: يحدِّث عن أبيه، عن نافع، عن ابن عمرَ بأحاديثَ لا يُتابِعه أحدٌ عليه.

حديث في فضل علي رضي الله عنه

حديث في فضل عليٍّ رضي الله عنه (976) قال الحافظ أبو يعلى الموصلي (¬1): ثنا عبيد الله -يعني القَوَاريري- ثنا عبد الله بن جعفر، أخبرني سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه: لقد أُعطيَ عليُّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- ثلاثَ خِصَالَ، لأنْ تكونَ لي واحدةٌ منها أحبُّ إليَّ من أن أُعطَى حُمْرَ النَّعَم (¬2). قيل: وما هنَّ يا أميرَ المؤمنين؟ قال: تزويجَهُ فاطمةَ بنتَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وسُكنَاهُ المسجدَ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم يَحِلُّ له فيها (¬3) ما يَحِلُّ له، والرَّايةَ يومَ خيبرَ. إسناد قوي، لولا عبد الله بن جعفر بن نَجيح والد علي ابن المديني، فإنه ضعَّفه غير واحد من الأئمَّة، / (ق 399) منهم ابنه عليّ رحمه الله (¬4). ¬

(¬1) لم أجده في المطبوع من «مسنده»، وهو من رواية ابن حمدان، وأورده الهيثمي في «المقصد العلي» (3/ 184 رقم 1329 - رواية ابن المقرئ). (¬2) حُمْر النَّعَم: هي الإبل الحُمْر، وهي أنفس أموال العرب، يضربون بها المَثَل في نفاسة الشيء، وأنه ليس هناك أعظمَ منه. قاله النووي في «شرح صحيح مسلم» (15/ 178). (¬3) كذا بالأصل. وفي المطبوع: «وسُكناه المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يَحِلُّ لي منه ما يَحِلُّ له». وفي «مجمع الزوائد» (9/ 121): «لا يَحِلُّ فيه ما يَحِلُّ له. (¬4) انظر: «الجرح والتعديل» (5/ 22 رقم 102) و «تهذيب الكمال» (14/ 379).

حديث آخر في فضل طلحة بن عبيد الله التيمي رضي الله عنه.

حديث آخر في فضل طلحة بن عبيد الله التَّيمي رضي الله عنه. (977) قال أبو داود الطيالسي -رحمه الله- في «مسنده» (¬1): حدثنا أبو بكر الهُذَلي، حدثنا أبو المَلِيح الهُذَلي، عن ابن عباس قال: ذَكَرتُ طلحةَ لعمرَ -رضي الله عنهما-، فقال: ذاك رجلٌ فيه بَأْوٌ منذُ أُصيبت يدُهُ مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. هذا حديث غريب، ولم يخرِّجوه، وأبو بكر الهُذَلي قد ضُعِّف (¬2). قال الجوهري -رحمه الله- في «صحاحه» (¬3): البَأْوُ: الكِبْرُ والفخرُ، يقال: بَأَوتُ على القوم أَبْأَى بَأْوًا. قال حاتم: وما زَادَنا بَأْوًا على ذِي قَرَابةٍ ... غِنَانَا ولا أَزرَى بأحسابِنَا الفَقرُ قلت: فكأنَّ طلحة -رضي الله عنه- كان يَفخَرُ على غيره بما نال من إصابة يده يوم أُحُد حين شَلَّت، لمَّا وَقَى بها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (¬4)، كما تقدَّم في ¬

(¬1) (1/ 70 رقم 71). (¬2) رَمَاه غُندَر بالكذب، وقال النسائي: متروك الحديث. انظر: «الجرح والتعديل» (4/ 313 رقم 1365) و «الكامل» (3/ 322). (¬3) (6/ 2278). (¬4) أخرجه البخاري (7/ 82، 359 رقم 2724، 4063 - فتح) في فضائل الصحابة، باب ذِكر طلحة بن عبيد الله، وفي المغازي، باب {إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا} من طريق قيس بن أبي حازم قال: رأيتُ يدَ طلحةَ شلاءَ، وَقَى بها النبيَّ صلى الله عليه وسلم يومَ أُحُدٍ.

«مسند الصِّديق» -رضي الله عنه- أنه كان يقول عن يوم أُحُد: ذاك يوم كان كلُّه لطلحة (¬1). وقد تقدَّم الحديث بتمامه. حديث آخر (978) قال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي: أنا الحسن بن سفيان، ثنا حميد بن الرَّبيع، ثنا يزيد بن هارون، ثنا أبو يعلى الجَزَري، ثنا ميمون بن مِهران، عن ابن عمرَ، عن عمرَ، قال له الناس في الشُّورى: ألا تشيرُ علينا؟ قال: لا أُبالي أن أفعلَ، رؤوس قريش، ومن سمَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في سبعةٍ، فسمَّى السِّتةَ، وسعيدَ بن زيد. هذا إسناد / (ق 400) جيد، وله شواهد، وأبو يعلى الجَزَري هذا لم أعرفه، والسِّتة الذين سمَّاهم في الشُّورى هم: عثمان، وعليّ، وطلحة، والزُّبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنهم-، فهؤلاء رؤوس قريش في الجاهلية، وسادة المسلمين في الإسلام، وممَّن سمَّاهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ونصَّ عليهم بأنهم من أهل الجنَّة، وفيهم سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفَيل العَدَوي أنه من أهل الجنَّة، وإنما تَرَكه عمرُ ولم يَذكره مع أهل الشُّورى؛ لأنه من قبيلته، وخَتَنه على أخته فاطمة بنت الخطاب، فخشي -رضي الله عنه- إنْ ذَكَره معهم أن يُرجِّحوه لذلك، فتَرَكه، وأما أبو عُبيدة بن الجرَّاح فكان قد مات ¬

(¬1) أخرجه الطيالسي (1/ 8 رقم 6) ومن طريقه: البيهقي في «دلائل النبوة» (3/ 263) من طريق إسحاق بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله، عن عيسى بن طلحة، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان أبو بكر -رضي الله عنه- إذا ذَكَر يومَ أُحُدِ بكى، ثم قال: ذاك كلُّه يومُ طلحةَ ... الحديث. وإسناده ضعيف؛ لضعف إسحاق بن يحيى.

قبل ذلك بنحوٍ من ستِّ سنين -رضي الله عنه وأرضاه-، وإلا فقد كان عند عمرُ أهلاً لذلك، وفوقَ ذلك، كما في الحديث الآخر الذي رواه الإمام أحمد (¬1)، حيث قال: (979) حدثنا محمد بن فُضيل، حدثنا إسماعيل بن سُمَيع، عن مسلم البَطِين، عن أبي البَختَري قال: قال عمرُ -رضي الله عنه- لأبي عُبيدة بن الجرَّاح: ابسُطْ يدَك حتى أُبايعَكَ، فإنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «أنت أمينُ هذه الأُمَّةِ»، فقال أبو عُبيدة: ما كنتُ لأتقدَّمَ بين يدي رجلٍ أَمَرَه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يؤُمَّنا، فأَمَّنا حتى مات. هذا إسناد جيد، وفيه انقطاع، لأنَّ أبا البَختَري لم يُدرك عمرَ، بل ولا عليًّا، فيما قاله شعبة بن الحجَّاج وأبو حاتم الرازي (¬2). / (ق 401) طريق أخرى (980) قال البزَّار (¬3): ثنا عمر بن الخطاب السِّجِستاني، ثنا عبد الغفار بن داود، ثنا (عبد الجبار) (¬4) بن عمر الأَيْلي، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن عمرَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لِكُلِّ أُمَّةٍ أمينٌ، وأمينُ هذه الأُمَّةِ أبو عُبيدة بن الجَرَّاح». ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 35 رقم 233). وأخرجه -أيضًا- الحاكم (3/ 267) من طريق محمد بن فضيل، به، وقال: صحيح الإسناد. فتعقَّبه الذهبي بقوله: منقطع. (¬2) انظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص 76). (¬3) في «مسنده» (1/ 226 رقم 114). (¬4) في الأصل: «عبد الرزاق»، ثم ضرب عليه المؤلِّف، وكَتَب فوقه: «عبد الجبار»، والذي في «البحر الزخار»، و «مخنصر زوائد البزار» (2/ 330 رقم 1960): «عبد الرزاق»، وكلاهما يروي عن الزهري، لكن في كلام البزَّار الذي اختَصَره المؤلِّف ما يبيِّن أن الصواب: «عبد الرزاق»، وإليك نص ما قاله البزَّار: وهذا الحديث لا نعلمه رواه عن الزهري إلا عبد الرزاق بن عمر، وهو رجل قد حدَّث عنه غير واحد: يحيى بن حسان، وعبد الغفار بن داود، وغيرهما، ولا نعلم أحدًا تابَعَه على روايته هذا الحديث عن الزهري، وإن كان عمر بن حمزة قد رواه [عن] سالم عن أبيه عن عمرَ. قلت: وعبد الرزاق هذا، هو: ابن عمر الثَّقَفي، أبو بكر الدِّمشقي: قال عنه ابن معين: ليس بشيء. وقال مرة: ليس بثقة. وقال مرة: كذَّاب. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال أبو داود: ضعيف الحديث، سُرقت كُتُبه وكانت في خُرج، وكان يتتبَّع حديث الزهري. انظر: «تهذيب الكمال» (18/ 48). وقال الحافظ في «التقريب»: متروك الحديث عن الزهري، ليِّن في غيره.

ثم قال البزَّار: لا نعرف أحدًا تابع (عبد الجبار) (¬1) هذا على هذا عن الزهري، وإن كان قد رواه عمر بن حمزة، عن سالم، عن أبيه، عن عمرَ، به. قلت: وكلاهما فيه ضعف، والله أعلم. حديث آخر (981) قال الإمام أحمد (¬2): ثنا أبو المغيرة وعصام بن خالد قالا: ثنا صفوان، عن شُريح بن عُبيد وراشد بن سعد وغيرهما قالوا: لمَّا بَلَغ عمرُ بن الخطاب سَرْغَ (¬3) حُدِّث أنَّ بالشَّام وباءً شديدًا، قال: بلغني أنَّ شدَّةَ الوباء بالشَّام، فقلتُ: إنْ أَدرَكَني أَجَلي وأبو عُبيدة بن الجرَّاح حَيٌّ استَخلفتُهُ، فإنْ سألني اللهُ عزَّ وجلَّ: لم استَخلفتَهُ على أمَّة محمدٍ صلى الله عليه وسلم؟ قلتُ: إنِّي سَمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ لكُلِّ نبيٍّ أمينًا، وأميني أبو عُبيدة بنُ الجرَّاح». فأَنكَرَ ¬

(¬1) انظر التعليق السابق. (¬2) في «مسنده» (1/ 18 رقم 108). (¬3) سَرغ: قرية بوادي تبوك. «معجم البلدان» (3/ 212).

القومُ ذلك، وقالوا: ما بال علياء قريش؟! -يعنون بني فِهر-، ثم قال: وإنْ أَدرَكَني أَجَلي وقد تُوفي أبوعُبيدة؛ استَخلفتُ معاذَ بن جبل، فإنْ سألني ربِّي: لم استَخلفتَهُ؟ قلتُ: سَمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّه يُحشرُ يومَ القيامةِ بين يَدَي العلماءِ نَبذَةً». هذا إسناد فيه انقطاع؛ / (ق 402) فإنَّ شُريح بن عبيد وراشد بن سعد المِقرائِيَين الحمصيَيْن من التابعين الثقات إلا أنهما لم يُدركا زمن عمر بن الخطاب، وكأنَّ هذا من المستفيض عندهم بالشَّام، إلا أنَّ ذِكر استخلاف معاذ بن جبل الأنصاري على الأمَّة فيه غرابةٌ (¬1)، لأنَّ الأئمَّةَ من قريش فلا يجوز أن يكونَ من غيرهم عند جمهور علماء الأُمَّة، والله أعلم. (982) وقد رواه الحافظ أبو بكر الإسماعيلي من طريق أخرى: فقال: حدثنا الحسن بن سفيان، عن أبي عمير بن النَّحاس، عن ضَمرة، عن السَّيباني، عن أبي العَجْفاء، عن عمرَ أنه قال: لو أدركتُ خالدَ بن الوليد ثم وَلَّيتُهُ، ثم قَدِمْتُ على ربِّي، فقال: مَن استَخلفتَ؟ قلت: قال عبدُك ونبيُّك: «خالد سيفٌ من سيوفِ اللهِ سَلَّهُ اللهُ على المشركين». ثم ذَكَر أبا عُبيدة ومعاذًا كما تقدَّم، وقال: «بين يَدَي العلماءِ بِرِتوَةٍ» (¬2). قال ضَمرة: كأنها أكثر من خطوة. ¬

(¬1) وقد خفيت هذه العلة على محققي «مسند الإمام أحمد» (1/ 263 - ط مؤسسة الرسالة) فاكتفوا بقولهم: «حسن لغيره»، وأطالوا في ذِكر شواهد لا حاجة إليها. (¬2) وأخرجه -أيضًا- عمر بن شبَّة في «تاريخ المدينة» (3/ 88) وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (2/ 26 رقم 697) والشَّاشي في «مسنده» (2/ 93 رقم 617) وأبو نعيم في «الحلية» (1/ 229) وابن عساكر في «تاريخه» (25/ 462) من طريق ضَمرة بن ربيعة، به.

وهذا إسناد حسن (¬1). وقد تقدَّم في كتاب الفرائض (¬2) حديث في فضل سالم مولى أبي حذيفة وأبي عُبيدة بن الجرَّاح رضي الله عنهما وأرضاهما. ¬

(¬1) أعلَّه الفَسَوي، فقال في «المعرفة والتاريخ» (2/ 438) بعد أن ساقه مقتصرًا على قصَّة خالد: هذا هو الباطل، وأبو العَجْفاء: مجهول، لا يُدرى من هُو؟ وله طريق أخرى: أخرجها ابن سعد (3/ 590) عن يزيد بن هارون وأبو نعيم في «الحلية» (1/ 228) من طريق مروان بن معاوية. كلاهما عن سعيد بن أبي عروبة، عن شَهر بن حَوشب، عن عمر بن الخطاب قال: لو أدركت معاذ بن جبل فاستَخلفتُهُ فسألني ربِّي عنه، لقلت: يا ربي، سمعتُ نبيَّك يقول: «إنَّ العلماءَ إذا اجتمعوا يومَ القيامةِ كان معاذُ بن جبل بين أيديهم قذفةَ حجرٍ». وإسناده ضعيف؛ لضعف شَهر، وانقطاعه بينه وبين عمر. (¬2) (1/ 645 رقم 463).

حديث في فضل ابن مسعود وعمار رضي الله عنهما

حديث في فضل ابن مسعود وعمَّار رضي الله عنهما (983) قال أبو القاسم الطَّبراني (¬1): ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أبو نعيم، ثنا سفيان (ح) وحدثنا عثمان بن عمر الضَّبِّي، ثنا عمرو بن مرزوق، ثنا شعبة (ح) وحدثنا أحمد بن عمرو القَطَواني، ثنا محمد بن الطُّفيل النَّخَعي، ثنا شريك. / (ق 403) كلُّهم عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مُضَرِّب قال: كَتَب عمرُ -رضي الله عنه- إلى أهل الكوفة: إنِّي قد بَعَثتُ عمَّارَ بن ياسر أميرًا، وعبد الله بن مسعود مُعلِّمًا ووزيرًا، وهما من النُّجباء، من أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم من أهل بدر، فاقْتَدُوا بهما، واسمعُوا من قولهما، وقد آثرتُكم بعبد الله على نَفْسي أثرةً. إسناده قوي صحيح، وقد اختاره الضياء في كتابه (¬2). ¬

(¬1) في «معجمه الكبير» (9/ 86 رقم 8478). (¬2) «المختارة» (1/ 207 - 208 رقم 108، 109). وانظر ما تقدم تعليقه على الحديث رقم (898).

حديث في فضل مصعب بن عمير العبدري الذي قتل يوم أحد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم حماية عنه رضي الله عنه وأرضاه

حديث في فضل مصعب بن عُمَير العَبدَري الذي قُتِلَ يوم أُحُد بين يَدَي النبيِّ صلى الله عليه وسلم حمايةً عنه رضي الله عنه وأرضاه (984) روى الحافظ أبو بكر الإسماعيلي -رحمه الله- من حديث عبد العزيز بن عمر الخراساني الزَّاهد، عن زيد بن أبي الزَّرقاء، عن جعفر بن بَرقان، عن ميمون بن مِهران، عن يزيد بن الأصمِّ، عن عمرَ قال: نَظَر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى مصعبِ بن عُمَير مُقبلاً وعليه إهابُ كَبشٍ قد تَنَطَّق به، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «انظُرُوا إلى هذا الرَّجلِ الذي نُوِّرَ له قلبُه، لقد رأيتُهُ بين أبوين يَغذُوانِهِ بأطيبَ الطَّعامِ والشَّرَابِ، ولقد رأيتُ عليه حُلَّةً شِراؤُها، أو شُرِيت له بمائتي درهمٍ، فدعاه حبُّ اللهِ وحبُّ رسولِهِ إلى ما تَرَونَ» (¬1). فيه غرابة وانقطاع. ¬

(¬1) وأخرجه -أيضًا- أبو نعيم في «الحلية» (1/ 108) والبيهقي في «شعب الإيمان» (11/ 168 رقم 5779) من طريق الحسن بن سفيان، عن إبراهيم الحوراني، عن عبد العزيز بن عمر، به.

حديث في فضل زيد بن حارثة مولى النبي صلى الله عليه وسلم وحبه وولده أسامة الحب بن الحب رضي الله عنهما وأرضاههما

حديث (¬1) في فضل زيد بن حارثة مولى النبيِّ صلى الله عليه وسلم وحِبِّه وولده أسامة الحِبِّ بن الحِبِّ رضي الله عنهما وأرضاههما (985) / (ق 404) قال الحافظ أبو يعلى الموصلي (¬2): ثنا مصعب -يعني ابن عبد الله (¬3) - ثنا عبد العزيز بن محمد -هو الدَّرَاوَردِي- عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ قال: فَرَضَ عمرُ لأسامةَ أكثرَ ممَّا فَرَضَ لي، فقلت: إنما هِجرتي وهجرة أسامةَ واحدةٌ! فقال: إنَّ أباه كان أحبَّ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم من أبيك، وإنَّه كان أحبَّ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم منك، وإنما هاجَرَ بك أبوك. هذا حديث صحيح، رواه البخاري في كتاب الهجرة (¬4) عن إبراهيم بن موسى، عن هشام بن يوسف، عن ابن جريج، عن عبيد الله بن عمر العُمَري، به، أطول من هذا. قُتِلَ زيد بن حارثة أميرًا بمؤتةَ في سنة سبع من الهجرة رضي الله عنه. ¬

(¬1) كَتَب المؤلِّف بجواره: «يؤخَّر»، إلا أنهَّ لم يبيِّن الموضع الذي يحوَّل إليه، فأبقيته على حاله. (¬2) في «مسنده» (1/ 148 - 149 رقم 162) -وعنه: أخرجه ابن حبان (15/ 517 رقم 7043 - الإحسان) -. (¬3) وهو في «حديث مصعب الزبيري» (ص 62 رقم 44 - رواية البغوي). (¬4) لم أجده في كتاب الهجرة من «صحيحه»، وإنما رواه في المناقب (7/ 253 رقم 3912 - فتح) باب هجرة النبيِّ وأصحابه إلى المدينة.

أثر في فضل رأي عبد الله بن عباس وأبيه رضي الله عنهما

أثر في فضل رأي عبد الله بن عباس وأبيه رضي الله عنهما (986) قال الإمام أبو عبيد في كتاب «الغريب» (¬1): كان سفيان بن عيينة يحدِّث عن عاصم بن كُلَيب، عن أبيه، عن ابن عباس: أنه شَاوَرَ عمرَ في شيء، فأَعجَبَهُ كلامُهُ، فقال عمرُ: نِشنِشَةٌ أَعرِفُها من أَخشَنَ. هكذا كان يُحدِّث ابن عيينة. قال الأصمعي: وإنما هي شِنشِنَة أعرفُها من أخزمٍ. ¬

(¬1) «غريب الحديث» (4/ 140). ووَصَله يعقوب بن شيبة في «مسند عمر» (ص 98) عن علي ابن المديني. والحميدي (1/ 18 رقم 30) وابن سعد (3/ 288) عن سعيد بن منصور. وابن أبي عمر العَدَني في «مسنده»، كما في «المطالب العالية» (2/ 347 رقم 2068) -ومن طريقه: ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (1/ 290 رقم 387) والفَسَوي في «المعرفة والتاريخ» (1/ 521) -. والبزَّار (1/ 326 رقم 209) عن إبراهيم بن سعيد وأحمد بن أبان. جميعهم (ابن المديني، والحميدي، وسعيد بن منصور، وابن أبي عمر، وإبراهيم بن سعد، وأحمد بن أبان) عن ابن عيينة، به. ولفظه: كان عمرُ بن الخطاب إذا صلَّى صلاةً جلس للناس، فمن كانت له حاجةٌ كَلَّمَه، وإن لم يكن لأحدٍ حاجةٌ قام فدخل، قال: فصلَّى صلواتٍ لا يجلس للناس فيهنَّ، قال ابن عباس: فحَضَرتُ البابَ، فقلت: يا يَرْفَأ، أبأمير المؤمنين شكاةٌ؟ فقال: ما بأميرِ المؤمنينَ من شكوى. فجَلَستُ، فجاء عثمان بن عفان، فجلس، فخَرَج يَرْفَأ، فقال: قُم يا ابن عفان، قُم يا ابن عباس، فدَخَلنا على عمرَ، فإذا بين يديه صُبَرٌ من مال، على كلِّ صُبرةٍ منها كِنْفٌ، فقال عمرُ: إنِّي نَظَرتُ في أهل المدينة فوَجَدتُكُما من أكثر أهلِها عشيرةً، فخُذَا هذا المال فاقْتَسِمَاهُ، فما كان من فضلٍ فرُدَّا، فأمَّا عثمانُ فحَثَا، وأمَّا أنا فجَثَوتُ لِرُكبَتَيَّ، وقلت: وإن كان نقصانًا رَدَدتَ علينا؟ فقال عمرُ: نِشنِشة من أخشنٍ. هذا لفظ الحميدي. قال يعقوب بن شيبة: حديث صالح الإسناد وَسَط.

قال أبو عبيد: أخبرني ابن الكلبي أنَّ هذا الشِّعر لأبي أخزم الطَّائيِّ، وهو جَدُّ جَدِّ حاتم الطَّائي، وكان له ابن يقال له: أخزم، فمات أخزم وترك بنين، فوثبوا يومًا على جدِّهم أبي أخزم، فأَدمَوهُ، فقال: إنَّ بَنِيَّ زَمَّلُونِي بالدَّمِ ... شِنْشِنَةٌ أَعرِفُها مِن أَخزَم يعني: أنهم أشبَهوا أباهم في طبيعته وخُلُقه.

حديث في فضل الحسن والحسين سبطي رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانتيه، وسيدي شباب أهل الجنة رضي الله عنهما

حديث في فضل الحسن والحسين سِبطَي رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانتيه، وسيِّدَي شباب أهل الجنَّة رضي الله عنهما (987) قال الحافظ أبو يعلى (¬1): ثنا محمد بن مرزوق البصري، حدثني حسين -يعني الأشقر- حدثني علي بن هاشم، عن ابن أبي رافع، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ قال: رأيتُ الحسنَ والحسينَ على عاتِقَي النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقلت: نِعْمَ الفَرَسُ تَحتَكما، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «ونِعْمَ الفارسانِ هُمَا». غريب من هذا الوجه، وحسين بن حسن الأَشقر هذا: شيعي، ضعيف (¬2). ¬

(¬1) لم أجده في المطبوع من «مسنده»، وهو من رواية ابن حمدان، وأورده الهيثمي في «المقصد العلي» (3/ 201 رقم 1366 - رواية ابن المقرئ). وأخرجه -أيضًا- البزار (1/ 417 رقم 293) من طريق الحسن بن عنبسة، عن علي بن هاشم، به. (¬2) انظر: «الجرح والتعديل» (3/ 49 رقم 220) و «تهذيب الكمال» (6/ 368). ولم يتفرَّد به حسين الأشقر، فقد تابَعَه الحسن بن عَنْبسة، وروايته عند البزار (1/ 417 رقم 293). وأخرجه -أيضًا- الخطيب في «المتفق والمفترق» (3/ 1488 رقم 906) من طريق عبد الرحمن بن الأسود اليَشكري، عن ابن أبي رافع، به. وقد قال البزَّار عقب روابته: وهذا الحديث لم يروه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلا عمرَ بن الخطاب بهذا الإسناد، ومحمد بن عبيد الله بن أبي رافع رواه عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمرَ، ولم يُتابَع عليه.

حديث آخر (988) قال أبو بكر الإسماعيلي: أخبرني عبد الله بن زيدان، ثنا قاسم / (ق 405) بن مؤمَّل المقري، ثنا جعفر بن محمد بن إسحاق الأزرق، ثنا إسحاق، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن شُريح قال: قال لي علي: أنشُدُك بالله أسمعتَ عمرَ -رضي الله عنه- يقول: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «الحسنُ والحسينُ سَيِّدَا شبابِ أهلِ الجنَّةِ»؟ قال شُريح: نعم. وذَكَر قصَّة تحاكم عليّ مع ذلك اليهوديّ إلى شُريح في شأن الدِّرع التي فقدها عليٌّ رضي الله عنه. وهو غريب الإسناد -أيضًا- (¬1)، والله أعلم. ¬

(¬1) أخرجها أبو نعيم في «الحلية» (4/ 139) وابن الجوزي في «العلل المتناهية» (2/ 388 رقم 1460) من طريق أحمد بن المِقدام، عن أبي سُمَير حكيم بن خِذام (وتحرَّف عند أبي نعيم إلى: حِزَام!) عن الأعمش، عن إبراهيم التَّيمي، عن أبيه قال: وَجَد عليُّ بن أبي طالب دِرعَا له عند يهودي التقطها فعَرَفَها، فقال: دِرعي سَقَطت عن جملٍ لي أورق. فقال اليهودي: دِرعي وفي يدي ... ، فذكر قصة، وفيها: فقال علي: أَمَا سمعتَ عمرَ بن الخطاب يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنة»؟ قال أبو نعيم: غريب من حديث الأعمش عن إبراهيم، تفرَّد به حكيم. وقال أبو أحمد الحاكم: منكر. وقال ابن الصلاح: لم أجد له إسنادًا يثبت. وقال ابن عساكر: إسناده مجهول. انظر: «التلخيص الحبير» (4/ 193) وأشار إلى تضعيفها البيهقي في «سننه» (10/ 136). وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح، تفرَّد به أبو سُمَير، قال عنه البخاري وابن عدي: هو منكر الحديث. وقال أبو حاتم الرازي: متروك الحديث. وأخرجها البيهقي (10/ 136) من طريق عمرو بن شَمِر، عن جابر الجُعفِي، عن الشَّعبي. وعمرو بن شَمِر وجابر الجُعفِي متروكان.

فأمَّا قول عمرَ -رضي الله عنه- في صُهيب بن سِنَان الرُّومي: نِعْمَ العبدُ صهيب، لو لم يخفِ اللهَ لم يَعصِهِ؛ فهو مشهور عنه، ولم أره إلى الآن بإسنادٍ عنه، والله الموفِّق. وقد ذَكَره أبو عبيد في كتاب «الغريب» (¬1)، ولم أره أَسنَدَه. قال: وَوَجُهُه: أنَّ صهيبًا إنما يُطيعُ اللهَ حُبًّا له لا مخافةَ عقابِهِ، يقول: فلو لم يكن عقابٌ يَخافُهُ ما عَصَى اللهَ أيضًا. ¬

(¬1) «غريب الحديث» (4/ 284 - 285).

أثر في فضل جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه وأرضاه

أثر في فضل جَرير بن عبد الله البَجَلي رضي الله عنه وأرضاه (989) قال الترمذي في «الشمائل» (¬1): ثنا عمر بن إسماعيل بن مُجالِد، عن أبيه، عن بَيَان، عن قيس بن أبي حازم، عن جَرير بن عبد الله البَجَلي قال: عُرِضْتُ بين يَدَي عمرَ، فألقى جريرٌ رداءَه ومشى في إزار، فقال له: خُذ رداءَك. فقال عمرُ للقوم: ما رأيتُ رجلاً أحسنَ صورةً من جريرٍ إلا ما بَلَغنا من صورةِ يوسفَ الصَّديق عليه السلام. إسناده جيد قوي (¬2). وقد كان جَرير من أحسنِ الناسِ وجهًا، كما ثَبَت عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنَّ على وَجهِهِ مَسْحَةَ مَلَكٍ» (¬3)، فرَضِيَ اللهُ عن أصحابِ رسولِ الله أجمعين. ¬

(¬1) (ص 182 رقم 223). (¬2) في هذا نظر؛ فشيخ الترمذي قال ابن معين: ليس بشيء، كذَّاب خبيث، رجل سُوء، حدَّث عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «أنا مدينة العلم، وعليٌّ بابُها»، وهو حديث ليس له أصل. وقال النسائي: ليس بثقة، متروك الحديث. انظر: «تهذيب الكمال» (21/ 276 - 278). (¬3) أخرجه الحميدي (2/ 350 رقم 800) والبخاري في «الأدب المفرد» (ص 94 رقم 250) والنسائي في «الكبرى» (7/ 369 رقم 8244 - ط مؤسسة الرسالة) من طريق ابن عيينة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جَرير -رضي الله عنه- قال: ما رآني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلا تبسَّمَ في وجهي، وقال: «يَدخلُ عليكم من هذا الباب من خيرِ ذي يَمَن، على وَجْهِهِ مَسْحَةُ مَلَك». قال الشيخ الألباني في «السلسلة الصحيحة» (7/ 586): وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وله طريق أخرى: أخرجها النسائي في «الكبرى» (8246) وأحمد (4/ 364،360،359) وابن حبان (16/ 173 رقم 7199 - الإحسان) والحاكم (1/ 285) من طريق يونس بن أبي إسحاق، عن المغيرة بن شُبَيل، عن جرير -رضي الله عنه-، به. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. وصحَّح إسناده الشيخ الألباني في «السلسلة الصحيحة» (7/ 587).

حديث في فضل زينب بنت جحش أم المؤمنين

حديث في فضل زينب بنت جحش أُمِّ المؤمنين (990) قال أبو بكر البزَّار (¬1): ثنا علي بن نصر ومحمد بن معمر -واللفظ له- قالا: ثنا وهب بن جرير، ثنا شعبة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشَّعبي، عن عبد الرحمن بن أَبْزَى: أنَّ عمرَ كَبَّر على زينب بنت جحش أربعًا، ثم أَرسَلَ إلى أزواجِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: مَن يُدخِلُ هذه قبرَها؟ فقلن: مَن كان يَدخُلُ عليها في حياتها. ثم قال عمرُ: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أسرَعُكُنَّ بِي لُحُوقًا، أَطولُكُنَّ يدًا»، فكنَّ يتطاولن بأيديهنَّ، وإنما كان ذاك أنها كانت صَنَاعًا تعينُ بما تَصنعُ في سبيل الله. ثم قال: قد روي من وجوه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم (¬2)، ولم يَروه أجلَّ من عمرَ، ورواه غير واحد عن إسماعيل، عن الشَّعبي مرسلاً، وتفرَّد برفعه وهب بن ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 360 رقم 241). (¬2) منها: ما أخرجه البخاري (3/ 282 رقم 1420 - فتح) في الزكاة، باب منه، ومسلم في «صحيحه» (4/ 1907 رقم 2452) في فضائل الصحابة، باب من فضائل زينب أم المؤمنين -واللفظ له- من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَسْرَعُكُنَّ لِحَاقًا بي أَطولُكُنَّ يدًا». قالت: فكُنَّ يَتَطاوَلْنَ أيَّتُهُنَّ أطولُ يدًا. قالت: فكانت أطولَنَا يدًا زينبُ؛ لأنها كانت تعمل بيدها وتَصدَّقُ.

جرير، عن شعبة، عن إسماعيل (¬1). ¬

(¬1) وقال الدارقطني في «العلل» (2/ 177): أَغرَبَ به وهب بن جرير، عن شعبة، وهو قوله: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أَسرَعُكُنَّ بي لُحُوقًا أطولكن يدًا»، ورواه غُندَر عن شعبة، فوَقَفه.

أثر في فضل غضيف بن الحارث الكندي

أثر في فضل غُضَيف بن الحارث الكندي (991) قال أسد بن موسى: ثنا حماد بن سَلَمة، عن بُرد أبي العلاء، عن عُبادة بن نُسَي: أنَّ عمرَ بن الخطاب قال لغُضيف بن الحارث: نِعْمَ الفتى غُضَيفُ. فعَلِمَهُ أبو ذرٍّ، فقال: يا غُضيفُ، استغفِرْ لي. فقال: أنت صاحبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت أحقُّ أن تستغفِرَ لي. قال أبو ذرٍّ: فإنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ اللهَ ضَرَبَ الحقَّ على لسان عمرَ يقولُ به»، وإنِّي سَمِعتُ عمرَ يقول: نِعْمَ الفتى غُضَيف. فاستغفِرْ لي. فاستغفَرَ له (¬1). ¬

(¬1) وأخرجه -أيضًا- أحمد في «مسنده» (5/ 145 رقم 21295) وفي «فضائل الصحابة» (1/ 252 رقم 317) والرافعي في «التدوين» (3/ 271) وابن عساكر في «تاريخه» (48/ 71) من طريق حماد بن سَلَمة، به. وهذا إسناد رجاله ثقات، إلا أن عُبادة لم يُدرك عمر، فهو من الطبقة الثالثة، وهي الطبقة الوسطى من التابعين، كالحسن وابن سيرين. وله طريق أخرى: أخرجها الطبراني في «مسند الشاميين» (2/ 382 رقم 1543) والحاكم (3/ 86 - 87) -وعنه: البيهقي في «المدخل إلى السُّنن الكبرى» (ص 124 رقم 66) - وأبو نعيم في «الحلية» (5/ 191) واللالكائي في «أصول الاعتقاد» (2490) من طريق أبي خالد الأحمر، عن هشام بن الغاز ومحمد بن عَجْلان ومحمد بن إسحاق، عن مكحول، عن غُضيف بن الحارث، عن أبي ذرّ -رضي الله عنه- قال: مرَّ فتًى على عمرَ، فقال عمرُ: نِعْمَ الفتى غضَيفُ. قال: فتَبِعَهُ أبو ذر، فقال: يا فتًى، استغفِرْ لي. فقال: يا أبا ذر، أستغفِرُ لك وأنت صاحبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قال: استغفِرْ لي. قال: لا، أو تُخبِرُني؟ فقال: إنك مَرَرتَ على عمرَ، فقال: نِعْمَ الفتى، وإني سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله جعل الحقَّ على لسان عمرَ وقلبِهِ». قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. وقال الذهبي: على شرط مسلم. كذا قالا، وهو معلّ، قال الدارقطني في «الأفراد»، كما في «أطرافه» لابن طاهر (5/ 52): تفرَّد به أبو خالد الأحمر، عن هشام بن الغاز، عن مكحول. وقال في «العلل» (6/ 259): وأحسب أبو خالد حَمَلَ حديث هشام بن الغاز وابن عَجْلان على حديث محمد بن إسحاق فجوَّد إسنادَه؛ لأن غيرَه يَرويه عن هشام بن الغاز وعن محمد بن عَجْلان، عن مكحول، مرسلاً، عن أبي ذرّ. ثم قال: ومحمد بن إسحاق أقام إسناده عن مكحول. قلت: ورواية ابن إسحاق التي رجَّحها الدارقطني ليس فيها ذكر لقصة غضيف بن الحارث، فقد أخرجها أبو داود (2962) في الخراج، باب في تدوين العطاء، وابن ماجه (108) في المقدمة، باب فضل عمر، وابن سعد (2/ 335) وأحمد (5/ 165، 177) وعبد الله ابنه، والقَطيعي في «زوائدهما على فضائل الصحابة» (1/ 251، 357 رقم 316، 521) والفَسَوي في «المعرفة والتاريخ» (1/ 461) وابن أبي شيبة (6/ 356 رقم 31959) في الفضائل، باب ما ذُكر في فضل عمر -وعنه: ابن أبي عاصم في «السُّنة» (2/ 581 رقم 1249) - والبلاذُري في «أنساب الأشراف» (ص 149 - 150) والطبراني في «مسند الشاميين» (4/ 363 رقم 3565) والبغوي في «شرح السُّنة» (14/ 85 رقم 3876) من طريق محمد بن إسحاق، عن مكحول، عن غُضَيف بن الحارث، عن أبي ذرٍّ -رضي الله عنه- قال: سَمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله تعالى وَضَع الحقَّ على لسان عمرَ يقول به». ورواه عن محمد بن إسحاق: زُهَير، ويعلى بن عبيد، ويزيد بن هارون، ومحمد بن سَلَمة. وقد صرَّح ابن إسحاق بالسماع في رواية الفَسَوي، فانتفت شبهة تدليسه.

غُضَيف بن الحارث هذا: صحابي (¬1)، فيما حكاه ابن أبي حاتم (¬2)، ويكنى بأبي أسماء السَّكُوني ... (¬3). ¬

(¬1) قال العلائي في «جامع التحصيل» (ص 251): مختَلَف في صحبته، قال أبو زرعة وأبو حاتم وابن حبان وغيرهم: له صحبة. وقال محمد بن سعد والعجلي: تابعي ثقة. (¬2) في «الجرح والتعديل» (7/ 54 رقم 311). (¬3) في هذا الموضع قرابة سطرين لم تظهر في الأصل.

أثر في فضل عمرو بن الأسود العنسي الشامي أحد التابعين العابدين الناسكين الزاهدين رحمه الله

/ (ق 406) أثر (¬1) في فضل عمرو بن الأسود العَنَسي الشَّامي أحد التابعين العابدين الناسكين الزَّاهدين رحمه الله (992) قال الإمام أحمد في «المسند» (¬2): ثنا أبو اليَمَان، ثنا أبو بكر، عن حكيم بن عمير وضَمرة بن حبيب، قالا: قال عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه: مَن سَرَّه أن يَنظُرَ إلى هَدْي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؛ فليَنظُرْ إلى هَدْي عمرو بن الأسود. فيه انقطاع بين حكيم بن عمير وضَمرة بن حبيب العنسيَيْن الشَّاميَيْن الحمصيَيْن وبين عمرَ بن الخطاب، فإنهما لم يُدركاه، لكن هذا ممَّا يؤخذ عنهم (¬3)، فإنهما من قبيلة عمرو بن الأسود وبَلدِهِ، وهما من الثقات، فهذا عندهما من المشهورات، وكأنَّ عمرَ -رضي الله عنه- رآه بالشَّام لمَّا قَدِمَها في فتح بيت المقدس، والله أعلم. ¬

(¬1) كَتَب المؤلِّف فوقها: «حديث»، ولم يضرب على ما تحتها. (¬2) (1/ 19 رقم 115). (¬3) كذا ورد بالأصل.

حديث في فضل أويس بن عامر القرني أحد التابعين رحمه الله

حديث في فضل أُويس بن عامر القَرَني أحد التابعين رحمه الله (993) قال الإمام أحمد في «المسند» (¬1): حدثنا عفَّان، حدثنا حماد بن سَلَمة، عن سعيد الجُرَيري، عن أبي نَضرة، عن أُسَير بن جابر، قال: لمَّا أَقبل أهلُ اليمن جعل عمرُ -رضي الله عنه- يَستَقري الرِّفاقَ، فيقول: هل فيكم أحدٌ من قَرَن؟ حتى أتى على قَرَن، فقال: من أنتم؟ قالوا: قَرَن. فوقع زمامُ عمر، أو زمام أُوَيس، فناوَلَه -أو ناول أحدُهما الآخر- فعَرَفَه. فقال عمرُ: ما اسمُك؟ قال: أنا أُوَيس. قال: هل لك والدةٌ؟ قال: نعم. قال: فهل كان بك من البياض / (ق 407) شيءٌ؟ قال: نعم، فدَعَوتُ الله فأَذْهَبَهُ عنِّي إلا موضعَ الدرهمِ من سُرَّتِي لأذكُرَ به لِرَبِّي (¬2). قال له عمر: استَغفِرْ لي. قال: أنت أحقُّ أن تستغفِرَ لي، أنت صاحبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال عمرُ: إنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ خيرَ التابعين رجلٌ يقالُ له: أُوَيسٌ، وله والدةٌ، وكان به بَيَاضٌ، فدعا اللهَ فأَذْهَبَهُ عنه إلا موضعَ الدرهمِ في سُرَّتِهِ». فاستغفَرَ له، ثم دخل في غمارِ الناسِ، فلم يَدْرِ أين وَقَع. قال: فقَدِمَ الكوفةَ. قال: فكنَّا نجتمعُ في حَلْقة فنَذكُرُ اللهَ عزَّ وجلَّ فيَجلسُ معنا، فكان إذا ذَكَر هو وَقَع حديثُهُ في قلوبنا مَوقِعًا لا يَقعُ حديثُ غيرِهِ ... ، فذَكَر الحديث. هكذا رواه الإمام أحمد مختصرًا. ¬

(¬1) (1/ 38 رقم 266). (¬2) كذا ورد بالأصل. والذي في المطبوع: «ربِّي».

وقد رواه الإمام الحافظ مسلم بن الحجَّاج القشيري -رحمه الله- في «صحيحه» (¬1) مطوَّلاً جدًّا، فقال: (994) حدثنا محمد بن المثنَّى، ثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن زُرَارة بن أَوْفَى، عن أُسَير بن جابر قال: كان عمرُ بن الخطاب إذا أتى عليه أمدادُ أهلِ اليمنِ سألهم: أيُّكم (¬2) أُوَيس بن عامر؟ حتى أتى على أُوَيسٍ، فقال: أنت أُوَيسُ بن عامر؟ قال: نعم. قال: من مُراد ثم من قَرَن؟ قال: نعم (¬3). قال: ألك والدةٌ؟ قال: نعم. قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «يأتي عليكم أُوَيسُ بن عامر مع أمدادِ أهلِ اليمنِ، من مُراد، ثم من قَرَن، كان به بَرَصٌ فبَرِأَ منه إلا موضعَ درهمٍ، له والدةٌ هو بها بَرٌّ، لو أَقسَمَ على اللهِ لأَبرَّه، فإن استطعتَ أن يَستغفِرَ لك فافعل». فاستغفِرْ لي. فاستغفَرَ له. فقال له عمر: أين تريدُ؟ قال: الكوفةَ. قال: ألا أَكتبُ لك إلى عاملها؟ قال: أكونُ في غَبرَاءَ الناسِ أحبُّ إليَّ. قال: فلمَّا كان من العام المقبل حجَّ رجلٌ من أشرافهم، فوافَقَ عمرَ، فسأله عن أُوَيس، فقال: تَرَكتُهُ رَثَّ الهيئةِ (¬4)، قليلَ المتاعِ. قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «يأتي عليكم أُوَيسُ بن عامرٍ مع أمدادِ أهلِ اليمنِ، من مُراد، ثم من قَرَن، كان به بَرَصٌ، فبَرِأَ منه إلا موضعَ درهمٍ، له والدةٌ / (ق 408) هو بها بَرٌّ، لو أَقسَمَ على اللهِ لأَبرَّهُ، فإن استطعتَ أن يَستغفِرَ لك فافعل». فأتى أُوَيسًا، فقال: استغفِرْ لي. قال: أنت أحدثُ عهدًا بسَفَرٍ صالحٍ، ¬

(¬1) (4/ 1969 رقم 2542) (225) في فضائل الصحابة، باب من فضائل أويس القرني. (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «أفِيكُم». (¬3) زاد في المطبوع: «فكان بك بَرَصٌ فبَرِأتَ منه إلا موضعَ درهمٍ؟ قال: نعم». (¬4) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «رَثَّ البيتِ».

فاستغفِرْ لي. قال: استغفِرْ لي. قال: لَقِيتَ عمر؟ قال: نعم. قال: فاستغفَرَ له. قال: ففَطِنَ له الناسُ، فانطَلَق على وجهِهِ. قال أُسَير: وكَسَوتُهُ بُردَةً، وكان كلُّ من رآه قال: من أين لأُويسٍ هذه البُردةُ؟ (995) ثم قال مسلم (¬1): ثنا محمد بن المثنَّى، ثنا عفَّان، ثنا حماد بن سَلَمة، عن سعيد الجُرَيري، عن أبي نَضرة، عن أُسَير بن جابر، عن عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ خيرَ التابعين رجلٌ يقال له: أُوَيسٌ، وله والدةٌ، وكان به بَيَاضٌ، فمُرُوهُ فليستغفِرْ لكم». / (ق 409) هكذا أورد حديث أُويس الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي في كتابه «جامع المسند» (¬2) من كتاب مسلم من هذين الوجهين، ولم يَسقه من «مسند الإمام أحمد»، ولا عَزَاه إليه. وقد قال شيخنا الحافظ أبو الحجَّاج المزِّي في كتابه «الأطراف» (¬3): حديث أُويس القَرَني بطوله، رواه مسلم في الفضائل عن زُهَير بن حرب، عن أبي النَّضر هاشم بن القاسم، عن سليمان بن المغيرة، عن أبي نَضرة (¬4). وعن إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن المثنَّى وبُندَار. ثلاثتهم عن معاذ بن هشام، عن أبيه، عن قتادة، عن زُرَارة بن أَوْفَى. ¬

(¬1) (4/ 1968 - 1969 رقم 2542) (224). (¬2) (6/ 285 - 286 رقم 5783). (¬3) «تحفة الأشراف» (8/ 11 رقم 10406). (¬4) قوله: «عن سليمان بن المغيرة، عن أبي نضرة» كذا ورد بالأصل، و «تحفة الأشراف»، لكن أصلحه محقِّقه، فقال: «عن سليمان بن المغيرة، عن سعيد الجُرَيري، عن أبي نَضرة».

كلاهما عن أُسَير بن جابر، عن عمرَ، به. وعن زُهَير بن حرب، عن عفَّان (¬1) عن حماد بن سَلَمة، عن سعيد الجُرَيري، عن أبي نَضرة، به مختصرًا. انتهى كلامه، وفيه مخالفة لابن الجوزي، والله أعلم. وقال الإمام علي ابن المديني -وقد رواه من طرق-: هذا حديث بصري، لم نَجِدْ لأهل الكوفة فيه حديثًا مثل ما رواه أهل البصرة. قلت: تفرَّد بهذا الحديث عن أمير المؤمنين عمرَ بن الخطاب أُسَيرُ، ويقال: -يُسَير- بن جابر، ويقال: ابن عمرو -أبو الخيار المحاربي- ويقال: العَبدي، ويقال: الكِندي، ويقال: الدَّرمَكي، ويقال: القِتباني- البصري، روى عن عمرَ وسهل بن حُنَيف وخُرَيم بن فَاتِك وأبي مسعود البدري، وروى عنه جماعة، منهم: ابنه قيس، وأبو إسحاق الشَّيباني، ومحمد بن / (ق 410) سيرين، وأبو عمران الجَوْني. قال علي ابن المديني: أُسَير بن جابر هذا من أصحاب ابن مسعود، روى عنه أهل البصرة، سَمِعتُ سفيانَ بن عيينة يقول: قَدِمَ أُسَير بن جابر البصرةَ، فجعل يحدِّثهم، فقالوا: هذا هكذا! فكيف النَّهر الذي شرب منه؟! -يعنون: عبد الله بن مسعود-، أي: أنه منه أخذ العلمَ. قال علي: وأهل البصرة يقولون: أُسَير بن جابر، وأهل الكوفة يقولون: أُسَير بن عمرو، ومنهم من يقول: يُسَير. وقال العوَّام بن حَوشب: وُلِدَ في مُهاجَرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ومات سنة خمس وثمانين، وقد روى له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي. ¬

(¬1) قوله: «عن زُهَير بن حرب، عن عفَّان» كذا ورد بالأصل، و «تحفة الأشراف»، لكن أصلحه محقِّقه، فقال: «عن زُهَير بن حرب ومحمد بن المثنَّى، عن عفَّان».

طريق أخرى لحديث أُوَيس القَرَني (996) قال الحافظ أبو يعلى الموصلي (¬1): ثنا هُدبة بن خالد أبو خالد، ثنا مبارك بن فَضَالة، حدثني أبو الأصفر، عن صَعْصَعَة بن معاوية، قال: كان أُوَيس بن عامر رجلٌ (¬2) من قَرَن، وكان من أهل الكوفة، وكان من التابعين، وخَرَج به وَضَحٌ (¬3)، فدَعَا اللهَ أن يُذهِبَهُ، فأَذهَبَهُ، فقال: اللهمَّ دَعْ في جسدي منه ما أذكرُ به نِعَمَكَ عليَّ، فتَرَك له ما يَذكرُ به نِعَمَهُ عليه، وكان رجلاً يلزم المسجدَ في ناسٍ من أصحابه، وكان ابنُ عمٍّ له يلزمُ السُّلطانَ، يَولَعُ به (¬4)، فإنْ رآه مع قومٍ أغنياءَ قال: ما هو إلا أن / (ق 411) يَستأكِلُهُم! وإنْ رآه مع قومٍ فقراءَ قال: ما هو إلا أن يَخدَعُهُم! وأُوَيس لا يقولُ في ابنِ عمِّه إلا خيرًا، غيرَ أنه إذا مَرَّ به استَتَرَ منه مخافةَ أن يأثمَ في سَبِّه. وكان عمرُ بن الخطاب يسألُ الوفودَ إذا قَدِموا عليه من الكوفة: هل تعرفون أُوَيسَ بن عامر القَرَني؟ فيقولون: لا. فقَدِمَ وَفدٌ من أهل الكوفة، فيهم ابنُ عمِّه ذاك، فقال: هل تعرفون أُوَيس بن عامر القَرَني؟ قال ابن عمِّه: يا أميرَ المؤمنين، هو ابن عمِّي، وهو رجلٌ نَذلٌ فاسدٌ، لم يَبلُغْ ما إن تَعرفُهُ أنت يا أميرَ المؤمنين. فقال له عمر: ويلكَ هَلَكتَ، ويلكَ هَلَكتَ، إذا أتيتَهُ فأَقرئْهُ منِّي السَّلامَ، ومُرْهُ فَليَفِدْ إليَّ. فقَدِمَ الكوفةَ، فلم يَضَع ثيابَ سَفَرِهِ عنه حتى أتى المسجدَ، قال: فرأى أُوَيسًا، ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 187 رقم 212) وعنه: ابن حبان في «المجروحين» (3/ 151 - 152). وأخرجه -أيضًا- عبد الله ابن الإمام أحمد في «زوائده على الزهد» (ص 477 رقم 2019). (¬2) كذا بالأصل، والمطبوع من «مسند أبي يعلى». (¬3) الوَضَح: البَرَص. «النهاية» (5/ 196). (¬4) وَلَع به: استَخَفَّ به. «القاموس» (ص 774 - مادة ولع).

فلَمَّ به (¬1)، فقال: استغفِرْ لي يا ابنَ عمِّي. قال: غَفَرَ اللهُ لك يا ابنَ عمِّ. قال: وأنت يَغفِرُ اللهُ لك يا أُوَيسَ بن عامر، أميرُ المؤمنينَ يُقرِئُكَ السَّلامَ. قال: ومَن ذَكَرني لأمير المؤمنين؟ قال: هو ذَكَركَ، وأَمَرني أن نُبلِّغك أن تَفِدَ إليه. قال: سمعًا وطاعةً لأمير المؤمنين. فوَفَد إليه حتى دخل على عمرَ -رضي الله عنه-، فقال: أنت أُوَيسُ بن عامر؟ قال: نعم. قال: أنت الذي خَرَج بك وَضَحٌ فدَعَوتَ اللهَ أن يُذهِبَهُ عنك، فأَذَهَبَهُ؟ فقلتَ: اللهمَّ دَعْ في جسدي منه ما أَذكُرُ به نعمتَكَ عليَّ. فتَرَك لك في جسدك ما تَذكُرُ به نعمتَهُ عليك. / (ق 412) قال: وما أدراك يا أميرَ المؤمنين؟ فواللهِ ما اطَّلعَ على هذا بشرٌ. قال: أخبَرَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنه سيكونُ في التابعين رجلٌ من قَرَن، يقال له: أُوَيس بن عامر، يَخرجُ به وَضَحٌ يَدعو اللهَ تعالى أن يُذهِبَهُ عنه، فيُذهِبَهُ، فيقول: اللهمَّ دَعْ لي في جسدي ما أَذكُرُ به نعمتَكَ عليَّ، فيَدَعُ له منه ما يَذكُرُ به نعمتَهُ عليه، فمن أدركه منكم فاستطاع أن يَستغفِرَ له؛ فليَستغفِرْ له. فاستغفِرْ لي يا أُوَيسَ بن عامر! فقال: غَفَرَ اللهُ لك يا أميرَ المؤمنين. قال: وأنت يغفِرُ اللهُ لك يا أُوَيسَ بن عامر. قال: فلمَّا سمعوا عمرَ قال عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال رجلٌ: استغفِرْ لِي يا أُوَيس، وقال آخر: استغفِرْ لِي يا أُوَيس، فلمَّا كَثَروا عليه انسَابَ، فما رُئِيَ حتى السَّاعةَ. وهذا إسناد حسن، إلا أنَّ أبا الأصفر هذا لا أعرفه (¬2)، ولم يَذكره أبو ¬

(¬1) أي: قَرُب منه. انظر: «النهاية» (4/ 272). (¬2) قال عنه ابن حبان: أبو الأصفر شيخ يروي عن صعصعة بن معاوية، روى عنه المبارك بن فَضَالة، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد. والحديث قال عنه الذهبي في «السِّير» (4/ 26): هذا حديث غريب، تفرَّد به مبارك بن فَضَالة، عن أبي الأصفر، وأبو الأصفر: ليس بالمعروف.

حاتم الرازي، فأمَّا صَعْصَعَة بن معاوية التَّميمي هذا فصحابي (¬1)، وهو أخو جَزء بن معاوية عمّ الأحنف بن قيس رضي الله عنهم. طريق أخرى (997) روى الحافظ أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي في «مسند عمر» من حديث مُعَلِّل بن نُفَيل، ثنا محمد بن مِحصَن، عن إبراهيم بن أبي عَبلة، عن سالم، عن أبيه، عن جدِّه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «يا عمرُ، إذا رأيتَ أُوَيسًا القَرَني، فقل له فليستغفِرْ لك، فإنَّه يَشفعُ يومَ القيامةِ في مثلِ / (ق 413) ربيعةَ ومُضَرَ، بين كَتِفَيهِ علامةً مثلَ الدرهمِ». هذا منكر جدًّا من هذا الوجه، ومخالف لما تقدَّم، ومحمد بن مِحصَن هذا هو محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن عكَّاشة بن مِحصَن العُكَّاشي، كذَّبه يحيى بن معين وأبو حاتم الرازي، وضعَّفه باقي الأئمَّة (¬2). ولنذكر ترجمة أُوَيس القَرَني ليُعرَفَ حاله، وبالله المستعان، فإنه قد نَقَل الحافظ أبو أحمد ابن عدي (¬3) عن الإمام مالك بن أنس أنه كان يُنكرُ وجودَ أُوَيس، يقول: لم يَكُن. وقال البخاري (¬4): في إسناده نظر فيما يَرويه. وقال ابن عدي: ليس له من الرواية شيء، إنما له حكايات ونُتَفٌ في زُهده، ولا يَتهَيَّأُ أن نحكمَ عليه بالضعف، بل هو صدوق، وقد شُكَّ في وجوده، وهو مشهور. ¬

(¬1) انظر: «معرفة الصحابة» لأبي نعيم (3/ 1530) و «الإصابة» (5/ 141). (¬2) انظر: «الجرح والتعديل» (7/ 195 رقم 1093) و «تهذيب الكمال» (26/ 372). (¬3) في «الكامل» (1/ 413). (¬4) في «التاريخ الكبير» (2/ 55 رقم 1666).

وأمَّا الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني، فإنه قال في كتابه «حلية الأولياء» (¬1): فمن الطبقة الأولى من التابعين سيِّد العُبَّاد، وعَلَم الأَصفياء من الزُّهاد، أُوَيس بن عامر القَرَني، بَشَّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم به، وأوصى به، ثم روى حديثَ عمرَ من رواية أبي نَضرة، عن أُسَير بن جابر عنه، كما تقدَّم، وفيه زيادات، وعَزَاه إلى «صحيح مسلم»! ثم قال (¬2): ورواه الضَّحَّاك بن مُزَاحم، عن أبي هريرة بزيادة ألفاظ لم يُتابِعه أحدٌ عليها، تفرَّد به مَخلد (¬3) بن يزيد، عن نوفل بن عبد الله، عنه، ثم أَسنَدَه كذلك / (ق 414)، وفيه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ذَكَر لأصحابه يومًا أُوَيسًا، فقالوا: يا رسولَ الله، وما أُوَيس؟ قال: «أَشهَلُ (¬4)، ذا صُهُوبَةٍ (¬5)، بعيدُ ما بين المَنكِبَين، مُعتَدِلُ القَامَةِ، آدمٌ شديدُ الأُدمَةِ (¬6)، ضارِبٌ بذَقنِهِ إلى صَدرِهِ، رَامٍ (بِبَصَرِهِ) (¬7) إلى موضعِ سُجُودِهِ واضعٌ يمينَه على شمالِه يَتلُو القرآنَ، يَبكي على نفسِهِ، ذُو طِمرَين (¬8) لا يُؤبَهُ له، مُتَّزِرٌ بإزارِ صُوف، ورداءِ صُوف، مجهولٌ في أهلِ الأرضِ، معروفٌ في السماءِ، لو أَقسَمَ على اللهِ لأَبَرَّ قَسَمَهُ، ألا وإنَّ تحت مَنكِبِهِ الأيسرِ لُمعةً بيضاءَ، ألا وإنَّه إذا كان يومُ القيامةِ قيل للعُبَّاد: ادخُلُوا الجنَّةَ، ويقال ¬

(¬1) (2/ 79). (¬2) (2/ 80). (¬3) قوله: «مخلد» تحرَّف في المطبوع إلى: «مُجالِد»! (¬4) أشهل: من الشُّهْلة، وهي حُمْرة في سواد العين. «النهاية» (2/ 516). (¬5) الصُّهُوبة: من الصُّهْبة، وهي مختصة بالشعر، وهي حُمرة يعلوها سواد. «النهاية» (3/ 62). (¬6) الأُدْمَة: السُّمْرة الشديدة. انظر: «النهاية» (1/ 32) (¬7) في المطبوع: «بذقنه». (¬8) الطِّمْر: الثوب الخَلِق. «النهاية» (3/ 138).

لأُوَيس: قِف فاشفَعْ، فيُشفِّعُهُ اللهُ في مثلِ عددِ ربيعةَ ومُضَر، يا عمرُ، ويا عليُّ، إذا أنتما لَقِيتُمَاهُ فاطلُبَا إليه يستغفِرْ لكما، يَغفِرُ اللهُ لكما». قال: فمكثا يطلبانه عشر سنين لا يَقدران عليه، فلمَّا كان في آخر السَّنَة التي هَلَك فيها عمرُ في ذلك العام، قام على أبي قُبَيس، فنادى بأعلى صوته: يا أهل الحجيج من أهل اليمن، أفيكم أُوَيس من مُراد؟ فقام شيخ كبير، طويل اللِّحية، فقال: إنَّا لا ندري مَن أويس؟ ولكن ابن أخ لي يقال له: أُوَيس، وهو أخملُ ذِكرًا، وأقلُّ مالاً، وأهونُ أمرًا من أن نَرفعُهُ إليك، وإنه ليرعى إبلَنَا، حقيرٌ بين أظهرنا، وإنه بأراكِ عرفات ... ، وذَكَر تمام الحديث في اجتماع عمر وعليّ به، وهو يرعى الإبل، وسؤالهما إيَّاه / (ق 415) الاستغفار، وعَرْضهما عليه شيئًا من المال وإبائه عليهما ذلك. وهو حديث يَسبق إلى القلب -بعد النظر وقبله- أنه موضوع، والله أعلم. (998) ثم روى الحافظ أبو نعيم (¬1) من طرق، عن هَرِم بن حيَّان قال: قَدِمْتُ الكوفةَ فلم يكن لي هَمٌّ إلا أُوَيس أسألُ عنه، فدُفِعتُ إليه بشاطئ الفرات، يتوضَّأ ويغسل ثوبه، فعَرَفتُهُ بالنَّعت، فإذا رجلٌ آدم، محلوقُ الرأس، كَثُّ اللِّحية، مهيبُ المنظر، فسَلَّمتُ عليه، ومَدَدتُ إليه يدي لأُصافِحَهُ، فأَبَى أن يصافِحَني، فخَنَقَتني العبرةُ لما رأيتُ من حاله، فقلتُ: السَّلام عليك يا أُوَيس، كيف أنت يا أخي؟ قال: وأنت فحيَّاك اللهُ يا هَرِمُ بن حَيَّان، مَن دَلَّك عليَّ؟ قلت: اللهُ عزَّ وجلَّ! قال: ¬

(¬1) (2/ 84).

سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولاً. قلت: يرحمك الله، من أين عرفتَ اسمي واسمَ أبي؟! فواللهِ ما رأيتُك قطُّ ولا رأيتني. قال: عَرَفَت رُوحي رُوحَكَ حيث كَلَّمَت نفسي نفسَكَ، لأنَّ الأرواح لها أنفس كأنفس الأجساد، وإنَّ المؤمنين يتعارفون بروح الله وإن نَأَت بهمُ الدَّار وتفرَّقت بهم المنازل. قال: قلت: حدِّثني عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بحديث أحفظه عنك، فبكى، وصلَّى على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثم قال: إنِّي لم أُدرك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، ولكن قد رأيتُ من رآه، عمرَ وغيرَه (¬1)، ولستُ أحبُّ أن أفتحَ هذا الباب على نفسي، لا أحبُّ أن أكونَ قاصًّا (¬2)، أومُفتيًا. / (ق 416) ثم سأله هَرِمُ أن يتلو عليه شيئًا من القرآن، فتلا قولَه تعالى: {إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين. يوم لا يغني مولى عن مولى شيئاً ولا هم ينصرون. إلا من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم} (¬3). ثم قال: ياهَرِمُ بن حيَّان، مات أبوك، ويوشك أن تموتَ، فإمَّا إلى جنَّة وإمَّا إلى نار، ومات آدم، وماتت حوَّاء، ومات إبراهيم، وموسى، ومحمد عليهم السلام، ومات أبو بكرٍ خليفة المسلمين، ومات أخي وصديقي وصفيِّي عمر، واعمراه، واعمراه. قال: وذلك في آخر خلافة عمر. قال: قلت: يَرحمُك اللهُ، إنَّ عمرَ لم يمت! قال: بلى، إنَّ ربِّي قد نَعَاه لي! وقد علمتُ ما قلتَ، وأنا وأنت غدًا في الموتى، ثم دعا بدعواتٍ خفيفاتٍ ... ، وذَكَر بقيَّة القصَّة (¬4). ¬

(¬1) زاد في المطبوع: «وقد بَلَغني عن حديثه كبعض ما يَبلُغُكم». (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «قاضيَا». (¬3) الدخان: 40 - 42 (¬4) قال الذهبي في «السِّير» (4/ 29): لم تصح، وفيها ما يُنكر.

(999) وقال عبد الله بن أحمد (¬1): ثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا إبراهيم بن عيَّاش، ثنا ضَمرة، عن أصبغ بن زيد، قال: إنما مَنَع أُوَيسًا أن يَقدَمَ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم بِرُّهُ بأُمِّه. (1000) وقال عبد الله (¬2): ثنا علي بن حكيم، أنا شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: نادى رجلٌ من أهل الشَّام يومَ صِفِّين: أيُّكم أُوَيس القَرَني؟ قال: قلنا: نعم، وما تريدُ منه؟ قال: إنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «أُوَيس القَرَني خيرُ التابعين بإحسانٍ». وعَطَف دابَّتَهُ، فدخل مع أصحاب عليٍّ رضي الله عنهم أجمعين. (1001) وقال أبو نعيم (¬3): حدثني أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد (¬4)، حدثني أبي وعبيد الله بن عمر قالا: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا عبد الله بن الأشعث بن / (ق 417) سوَّار، عن مُحارِب بن دِثَار (¬5) قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ من أُمَّتي مَن لا يستطيعُ أن يأتِيَ مسجدَهُ أو مُصلاَّهُ من العُرِي، يَحجُزُهُ إيمانُهُ أن يسألَ الناسَ، منهم أُوَيس القَرَني، وفُرَات بن حيَّان» (¬6). (1002) قال عبد الله (¬7): وحدثني عثمان بن أبي شيبة، ثنا أبو بكر بن ¬

(¬1) في زوائده على «الزهد» لأبيه (ص 478 رقم 2020) ومن طريقه: أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (2/ 87). (¬2) ومن طريقه: أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (2/ 86). (¬3) في «الحلية» (2/ 84) و (9/ 38). (¬4) وهو في «زوائده على الزهد» لأبيه (ص 475 رقم 2015). (¬5) ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه. (¬6) وفي إسناده: عبد الله بن الأشعث بن سوَّار: لا يُعرَف، ثم هو مرسل. (¬7) في «زوائده على الزهد» لأبيه (ص 480 رقم 2023) ومن طريقه: أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (2/ 84).

عيَّاش، عن مغيرة قال: إنْ كان أُوَيس القَرَني لَيَتَصدَّقُ بثيابه، حتى يجلسَ عريانًا لا يجدُ ما يروحُ فيه إلى الجمعة. (1003) وقال أبو زرعة الرازي (¬1): ثنا سعيد بن أسد بن موسى، ثنا ضَمرة بن ربيعة، عن أصبغ بن زيد قال: كان أُوَيس القَرَني إذا أمسى يقول: هذه ليلةُ الرُّكوع، فيَركعُ حتى يُصبحَ، وكان يقول إذا أمسى: هذه ليلةُ السُّجود، فيَسجدُ حتى يُصبحَ، وكان إذا أمسى تَصَدَّق بما في بيته من الفضل من الطَّعام والشَّراب، ثم قال: اللهمَّ مَن مات جوعًا فلا تؤاخذني به، ومَن مات عُريًا فلا تؤاخذني. (1004) وقال أبو نعيم (¬2): ثنا مَخلد (¬3) بن جعفر، ثنا محمد بن جرير، ثنا محمد بن حميد، ثنا زافر بن سليمان، عن شريك، عن جابر، عن الشَّعبي قال: مَرَّ رجلٌ من مُراد على أُوَيس القَرَني، فقال: كيف أصبحتَ؟ قال: أصبحتُ أحمدُ اللهَ عزَّ وجلَّ. قال: كيف الزَّمانُ عليك؟ قال: كيف الزَّمانُ على رجلٍ إنْ أصبحَ ظنَّ أنَّه لا يُمسِي، وإنْ أمسى ظنَّ أنَّه لا يُصبِحُ، فمُبشَّر بالجنَّة، أو مُبشَّر بالنَّار، يا أخا مُراد، إنَّ الموتَ وذِكرَه لم يترك لمؤمنٍ / (ق 418) فَرَحًا، وإنَّ عِلمَهُ بحقوق الله لم يترك له في ماله فضَّةً ولا ذَهَبًا، وإنَّ قيامَه للهِ بالحقِّ لم يترك له صديقًا. (1005) وقال الهيثم بن عدي (¬4): ثنا عبد الله بن عمرو بن مُرَّة، عن ¬

(¬1) ومن طريقه: أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (2/ 87). (¬2) (2/ 83). (¬3) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «محمد». (¬4) ومن طريقه: أخرجه عبد الله ابن الإمام أحمد في «زوائده على الزهد» لأبيه (ص 480 رقم 2024) وأبو نعيم في «الحلية» (2/ 83).

أبيه، عن عبد الله بن سَلَمة، قال: غَزَونا أذربيجان زمنَ عمرَ بن الخطاب ومعنا أُوَيس القَرَني، فلمَّا رَجَعنا مَرِضَ علينا، فحَمَلناه، فلم يَستمسِك فمات، فنزلنا، فإذا قبر محفورٌ، وماءٌ مسكوبٌ، وكَفَنٌ، وحَنُوطٌ (¬1)، فغَسَّلناه، وكَفَّنَّاه، وصَلَّينا عليه، ودَفنَّاه، فقال بعضنا لبعض: لو رَجَعنا فعَلَّمنا قبرَه، فرَجَعنا، فإذا لا قبرٌ ولا أثرٌ. فهذا مخالف للخبر الذي تقدَّم من أنَّه كان بصِفِّين، وهو أصحُّ من هذا، فإنَّ الهيثم بن عدي أخباري ضعيف، وزَعَم بعضهم أنَّه مات بالحيرة. وقيل: بصِفِّين، والله أعلم. والغرض أنَّ هذه الآثار والأخبار تدلُّ على اشتهار وجوده في التابعين، مع ما تقدَّم من الحديث في «صحيح مسلم»، والله أعلم. وقد وقع لنا حديثٌ من رواية أُوَيس، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، مرسلاً، وهو ما أخبرني به شيخنا الحافظ أبو الحجَّاج المزِّي: (1006) أنا ابن أبي الخير سماعًا، أنا أبو المكارم أحمد بن محمد بن اللَّبَّان إجازة، أنا أبو علي بن الحدَّاد، أنا الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في «الحلية» (¬2) قال: ثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا محمد بن يحيى، حدثني أحمد بن معاوية بن الهذيل، ثنا محمد بن أبان العَنْبري، ثنا عمرو -شيخ كوفي-، عن أبي سِنَان / (ق 419) قال: سَمِعتُ حميدَ بن صالح، سَمِعتُ أُوَيسًا القَرَني يقول: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «احفظُونِي في أصحابي، فإنَّ من أشراطِ الساعةِ أن يلعَنَ آخرُ هذه الأُمَّةِ أوَّلَها، وعند ذلك يَقَعُ المقتُ ¬

(¬1) الحنوط: ما يُخلط من الطِّيب لأكفان الموتى وأجسامهم خاصة. «النهاية» (1/ 450). (¬2) (2/ 86 - 87).

على الأرضِ وأهلِها، فمن أدركَ ذلك فليَضَع سيفَهُ على عاتِقِه، ثم لِيَلقَ ربَّه تعالى شهيدًا، فمن لم يفعلْ فلا يلومنَّ إلا نفسَهُ». هذا حديث مرسل غريب (¬1)، وإسناده إليه غريب -أيضًا-، إلا أنه من الأسانيد العزيزة، والله أعلم. ¬

(¬1) وقال الذهبي في «السِّير» (4/ 31): هذا حديث منكر جدًّا، وإسناده مظلم، وأحمد بن معاوية تالف. تنبيه: جاء بحاشية الأصل ما نصُّه: قرأت جميع ترجمة أُويس على المؤلف، وذلك في سنة 771. كَتَبه محمد الجَزَري.

أثر فيه فضيلة لأبي مسلم الخولاني رحمه الله

أثر فيه فضيلة لأبي مسلم الخَوْلاني رحمه الله (1007) قال الشيخ أبو عمر ابن عبد البر في «استيعابه» (¬1): ثنا عبد الوارث بن سفيان، ثنا قاسم بن أصبغ، ثنا أحمد بن زُهَير، ثنا عبد الوهاب بن نَجدة الحَوْطي، ثنا إسماعيل بن عيَّاش، ثنا شُرَحبيل بن مسلم الخَوْلاني: أنَّ الأسود بن قيس بن ذي الخمار تنبَّأَ باليمن، فبعث إلى أبي مسلم، فلمَّا جاء، قال: أتشهد أنِّي رسول الله؟ قال: ما أسمع. قال: أتشهد أنَّ محمدًا رسولُ الله؟ قال: نعم. فردَّد عليه، كلُّ ذلك يقول له مثل ذلك. قال: فأَمَر بنار عظيمة، فأُجِّجت، ثم ألقى فيها أبا مسلم فلم تضرَّه، قال: فقيل له: انفِهِ عنك، وإلا أفسدَ عليك مَن اتَّبعك. قال: فأَمَره بالرَّحيل، فأتى أبو مسلم المدينةَ، وقد قُبض رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، واستُخلِفَ أبو بكرٍ -رضي الله عنه-، فأناخ أبو مسلم راحلتَهُ بباب المسجد ودخل المسجدَ، وقام إلى سارية يصلِّي، وبَصُر به عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه-، فقام إليه، فقال: ممَّن الرَّجل؟ قال: من أهل اليمن. قال: ما فَعَل الرَّجلُ الذي أَحرَقَهُ الكذَّاب بالنَّار؟ قال: ذاك عبد الله بن ثُوَب. قال: أنشدُك بالله أنت هو؟ قال: اللهمَّ نعم. قال: فاعتَنَقَهُ عمرُ وبكى، ثم ذهب حتى أجلَسَهُ بينه وبين أبي بكرٍ، وقال: الحمدُ لله الذي لم يُمتني حتى أراني في أمَّة محمد صلى الله عليه وسلم مَن فُعِلَ به كما فُعِلَ بإبراهيمَ خليلِ اللهِ عليه السلام. هذا وإن كان فيه انقطاع، إلا أنه مشهور (¬2). ¬

(¬1) (12/ 147 - بهامش الإصابة). (¬2) وقال الذهبي في «السِّير» (4/ 9): رواه عبد الوهاب بن نَجدة، وهو ثقة، عن إسماعيل، لكن شُرَحبيل أرسَلَ الحكايةَ.

أثر آخر عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيه ذكر أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله ومدحه والثناء عليه

أثر آخر عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيه ذِكر أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله ومدحه والثَّناء عليه (1008) قال الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب «دلائل النبوة» (¬1): أنا أبو عبد الله الحافظ، أنا أبو حامد أحمد بن علي المقرئ، ثنا أبو عيسى الترمذي، ثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا عفَّان بن مسلم، ثنا عثمان بن عبد الحميد بن لاحق، عن جُوَيرية بن أسماء، عن نافع (¬2) قال: بَلَغنا أنَّ عمرَ بن الخطاب قال: إنَّ من ولدي رجلاً بوجهه شَينٌ يَلِي، فيملأُ الأرضَ عدلاً. قال نافع من قِبَلِهِ: ولا أَحسَبُهُ إلا عمرَ بن عبد العزيز. إسناده صحيح إلى نافع، وهو منقطع بينه وبين عمر، والظاهر أنه سَمِعَه من ابن عمرَ، عن عمرَ، فقد روى البيهقي -أيضًا- (¬3) من حديث مبارك بن فَضَالة، عن عبيد الله، عن نافع قال: سَمِعتُ ابنَ عمر يقول كثيًرا: ليتَ شِعري، مَن هذا الذي مِن وَلَدِ عمرَ بن الخطاب في وجهِهِ علامةٌ، يملأُ الأرضَ عدلاً؟! ثم قال الترمذي / (ق 420) في «التاريخ» أيضًا (¬4): ثنا أحمد بن إبراهيم، أخبرني أبو داود، ثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سَلَمة، أنا عبد الله بن دينار، قال: قال ابن عمر: ياعجبًا، يَزعمُ الناسُ أنَّ الدُّنيا لن ¬

(¬1) (6/ 492). (¬2) ضبَّب عليه المؤلِّف لانقطاعه بين نافع وعمر. (¬3) في الموضع السابق (6/ 492). (¬4) ومن طريقه: أخرجه البيهقي في الموضع السابق.

تنقضي حتى يَلِيَ رجلٌ من آل عمرَ، يَعملُ مثلَ عملِ عمرَ. قال: فكانوا يرونه بلال بن عبد الله بن عمر، وكان بوجهه (¬1)، فإذا هو عمر بن عبد العزيز، وأُمه ابنة عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. فلنذكر شيئًا من ترجمة أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن عبد العزيز (¬2)، لِيُعرَفَ محلُّه من الدِّين، وسبب اتِّفاق الكلمة على الثَّناء عليه من السَّلف والخلف، فنقول، وبالله المستعان: هو أميرُ المؤمنين أبو حفص عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد مناف، القرشي الأُموي المدني ثم الدِّمشقي، الإمامُ العادل، والخليفةُ الصالح، المطيعُ للهِ ورسولِهِ رضي الله عنه وأرضاه. وأُمُّه أُمُّ عاصم حفصة -وقيل: ليلى- بنت عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. قاله محمد بن سعد كاتب الواقدي وغيره. وكان من التابعين بإحسان. روى عن أنس بن مالك، وصلَّى أنسٌ خلفَه، وقال: ما رأيتُ أحدًا أشبَهَ صلاةً برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى. وعن الرَّبيع بن سَبرة بن مَعبد الجُهَني (م) والسَّائب بن يزيد، وسعيد بن المسيَّب -وكان لا يُجاوِزُ فتياه لمَّا / (ق 421) كان نائبًا على المدينة- واستَوهَب من سهل بن سعد السَّاعدي قَدَحًا شَرِبَ منه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فوَهَبَهُ له، وعن عامر بن سعد بن أبي وقَّاص، وعبد الله بن إبراهيم بن قارِظ (م س)، ويقال: إبراهيم بن عبد الله بن قارِظ (م)، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب (د سي ق)، وعروة بن الزُّبَير (م س)، وعُقبة بن عامر الجُهَني (ت) -يقال: مرسل-، ومحمد بن ¬

(¬1) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «وكان بوجهه أثر». (¬2) هذه الترجمة منقولة من «تهذيب الكمال» (21/ 432 - 446) وفيها زيادات.

عبد الله بن الحارث بن نوفل، ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري، ومات قبله، ونوفل بن مُساحق العامري، ويحيى بن القاسم بن عبد الله بن عمرو بن العاص، ويوسف بن عبد الله بن سلام (د)، وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام (ع)، وأبي سَلَمة بن عبد الرحمن بن عوف (س)، وخَوْلة بنت حكيم (ت) -مرسل-. وروى عنه: إبراهيم بن أبي عَبْلة (م)، وإبراهيم بن يزيد النصري، وإسماعيل بن أبي حكيم، وأيوب السَّخْتياني (د)، وتمَّام بن نَجيح، وتَوبة العَنْبري، ومولاه ثَرْوان أبو علي، والحكم بن عمر الرُّعَيني، وحميد الطَّويل، ورجاء بن حَيوة، ورُزَيق بن حيَّان الفَزَاري، ورَوْح بن جَنَاح، وأخوه زَبَّان بن عبد العزيز بن مِهران، وزياد بن حبيب، وسليمان بن داود الخَوْلاني، وصالح بن محمد زائدة أبو واقِد اللَّيثي الصَّغير (ق)، وصخر بن عبد الله بن حَرمَلَة المدلجي، وابنه عبد الله بن عمر بن عبد العزيز، وعبد الله بن العلاء بن زَبْر، وعبد الله بن محمد العَدَوي، وابنه عمر بن عبد العزيز، وعبد الملك / (ق 422) بن الطُّفيل الجَزَري (س) -فيما كَتَب إليهم- وعثمان بن داود الخَوْلاني، وعمر بن عبد الملك الكناني، وعمرو بن عامر الأسدي والد أسد بن عمرو القاضي، وعمرو بن مهاجر (ي)، وعمير بن هانئ العَنْسي، وعَنْبسة بن سعيد بن العاص (خ م) -قوله في القَسَامة- وعيسى بن أبي عطاء الكاتب، وغَيْلان بن أنس (ي)، وكاتبه ليث بن أبي رُقيَّة الثَّقَفي (خد)، وأبو هاشم مالك بن زياد الحمصي، ومحمد بن الزُّبير الحنظلي (مد)، ومحمد بن أبي سُوَيد الثَّقَفي (ت)، وقاصُّه محمد بن قيس (س)، ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري (م س) -وهو من شيوخه-، ومحمد بن المنكدر، ومروان بن جَناح، ومسلمة بن عبد الله

الجُهَني، وابن عمِّه مسلمة بن عبد الملك بن مروان، والنَّضر بن عربي (د)، وكاتبه نعيم بن عبد الله بن همام القَيْني (س)، ونوفل بن الفُرَات، ومولاه هلال أبو طعمة (د سي ق)، والوليد بن هشام المُعَيطي (خد)، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ويزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك، ويعقوب بن عُتبة بن المغيرة بن الأخنس (د)، وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم (ع)، وأبو سَلَمة بن عبد الرحمن (م س) -وهو من شيوخه- وأبو الصَّلت (د). ذَكَره الإمام محمد بن سعد (¬1) كاتب الواقدي في الطبقة الثالثة من تابعي أهل المدينة، قال: وأُمُّه أُمُّ عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب. قالوا: وُلِدَ في سنة ثلاث وستين، وهي السَّنة التي ماتت فيها ميمونة أُمِّ المؤمنين. قال: وكان ثقة مأمونًا، له فقه وعلم ووَرَع، وروى حديثًا كثيرًا، وكان إمام عَدل. / (ق 423) وقال الفلاَّس وخليفة: وُلِدَ سنة إحدى وستين. وهذا هو المشهور. قال الفَلاَّس: ومات يوم الجمعة لعشر بقين من رجب سنة إحدى ومائة. وكذا قال أبو نعيم الفضل بن دُكَين، وأبو مُسْهِر الغَسَّاني، وغير واحد أنه مات في رجب سنة إحدى ومائة. وزَعَم الهيثم بن عدي أنه مات سنة اثنتين ومائة، وليس بشيء. ¬

(¬1) في «الطبقات الكبرى» (5/ 330).

قال الفلاَّس: وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر وخمسة عشر يومًا. وقال سعيد بن كثير بن عُفَير: كان أسمرَ، دقيقَ الوجه، حَسَنَهُ، نحيفَ الجسم، حسنَ اللِّحية، غائرَ العينين، بجبهته أثرُ نفحة دابة، قد وَخَطَهُ الشَّيبُ. وقال إسماعيل بن علي الخُطَبي: رأيتُ صفتَهُ في بعض الكتب ... ، فذَكَر مثل هذا، إلا أنَّه قال: كان أبيضَ، فالله أعلم. فأمَّا الأثر الذي كان بجبهته، وهو الذي وَصَفه أميرُ المؤمنين عمرَ بن الخطاب: (1009) فقال آدم بن أبي إياس، عن ضَمرة بن ربيعة: ثنا أبو علي ثَرْوان مولى عمر بن عبد العزيز قال: دخل عمرُ بن عبد العزيز إلى اصطبل أبيه وهو غلام، فضَرَبه فرسٌ فَشَجَّه، فجعل أبوه يمسح عنه الدَّمَ، ويقول: إن كنتَ أشجَّ بني أُميَّة إنك إذًا لسعيدٌ. وأمَّا بشارةُ عمرَ -رضي الله عنه- بولاية عمر بن عبد العزيز، وأنه سَيَملأُ الأرضَ عدلاً كما مُلِئَت جَوْرًا، فقد كان هذا مشهورًا في الملاحم. (1010) قال أبو بكر ابن أبي خيثمة (¬1): ثنا أبي، ثنا المُفضَّل بن عبد الله، عن داود / (ق 424) بن أبي هند قال: دخل علينا عمرُ بن عبد العزيز من هذا الباب -يعني بابًا من أبواب مسجد النبيِّ صلى الله عليه وسلم- فقال رجلٌ من القوم: بعث إلينا الفاسقُ بابنه هذا يتعلَّم الفرائضَ والسُّننَ، ويزعم أنَّه لن يموتَ حتى يكونَ خليفةً، ويسيرُ بسيرة عمرَ بن الخطاب. قال داود: فوالله ما مات حتى رأينا ذلك فيه. ¬

(¬1) ومن طريقه: أخرجه ابن عساكر في «تاريخه» (45/ 137).

قلت: وكان أبوه عبد العزيز بن مروان من خيار الأمراء كَرَمًا وشجاعةً ودِينًا، ولم يكن فاسقًا كما زَعَم هذا القائل، وكان نائبًا لأخيه عبد الملك بن مروان على مُلك مصر، وكان قد بعث بابنه إلى الحجاز يتعلَّم العلمَ من الفقهاء بها، وكان قد أدَّبه قبل ذلك على صالح بن كَيسان، فقال عنه صالح لأبيه: ما رأيتُ أحدًا اللهُ أعظمُ في صدره من هذا الغلام. وقال الإمام مالك: كان عمرُ بن عبد العزيز بالمدينة قبل أن يُستَخلَفَ وهو يُعنىَ بالعلم، ويحفر عنه، ويجالسُ أهلَهُ، ويَصدرُ عن رأي سعيد بن المسيّب، وكان سعيدٌ لا يأتي أحدًا من الأمراء غيرَ عمرَ، أرسَلَ إليه عبد الملك فلم يأته، وأرسَلَ إليه عمرُ فأتاه، وكان عمرُ يكتب إلى سعيد في عِلْمِهِ. وقال أبو زرعة الدِّمشقي: عن دُحيم، عن ابن وهب، عن عبد الجبار الأَيْلي، عن إبراهيم بن أبي عَبْلة قال: قَدِمْتُ المدينةَ وبها ابنُ المسيّب وغيرُه، وقد بَذَّهم (¬1) عمرُ يومئذ رأيًا. (1011) وقال محمد بن سعد (¬2): أنا محمد بن عمر، حدثنا عبد الرحمن / (ق 425) بن أبي الزِّناد، عن أبيه قال: لما قَدِمَ عمرُ بن عبد العزيز المدينةَ واليًا عليها، كَفَّ حاجبُهُ الناسَ، ثم دخلوا، فسلَّموا عليه، فلمَّا صلَّى الظهرَ دعا عشرةَ نَفَرٍ من فقهاء البلد: عروة بن الزُّبير، وعبيد الله بن عبد الله بن عُتبة، وأبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وأبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة، وسليمان بن يَسَار، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، وخارجة بن زيد ¬

(¬1) أي: سَبَقَهم وغَلَبَهم. «النهاية» (1/ 110). (¬2) في «الطبقات الكبرى» (5/ 334).

بن ثابت (¬1)، فحَمِدَ اللهَ، وأثنى عليه بما هو أهلُهُ، ثم قال: إنِّي أَدعوكم لأمر تؤجرون عليه، وتكونون فيه أعوانًا على الحقِّ، ما أريدُ أن أقطعَ أَمرًا إلا برأيكم، أو برأي من حضر من منكم (¬2)، فإن رأيتم أحدًا يتعدَّى، أو بَلَغكم عن عاملٍ ظُلامة، فأُحرِّج بالله على أحد بَلَغَهُ ذلك إلا أبلغني، فَجَزَوه خيرًا، وافتَرَقوا. وقال ابن وهب، عن اللَّيث: حدَّثني قادِمٌ البربري أنه ذاكر ربيعةَ بنَ أبي عبد الرحمن شيئًا من قضاء عمر بن عبد العزيز إذ كان بالمدينة، فقال له ربيعة: كأنك تقول: إنه أخطأ، والذي نفسي بيده ما أخطأ قطُّ. قلت: وقد رأيتُ في بعض الكتب العتيقة حكايةً مرسلةً عن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال: لستُّ أحتجُّ بقول أحدٍ من التابعين إلا بقولِ عمرَ بن عبد العزيز رحمه الله. هذا الكلام صحيح من وجهين عند كثير من علماء الأصول: أحدهما: أنَّ إجماع أهل المدينة حجَّة؛ لأنه قد اتفق مع فقهاء عصره (¬3) / (ق 426) على ألا يحكم إلا بقولهم، وهو وَهُم أهلُ الحلِّ والعقد، وعليهم تدور الفتاوى في زمانهم رحمهم الله. الثاني: أنَّ قول الإمام إذا اشتَهَر ولم يُنكَر يكون حجَّة بخلاف غيره من ¬

(¬1) تنبيه: جاء بحاشية الأصل: «سقط العاشر». قلت: وهو: عبد الله بن عبد الله بن عمر، كما في «الطبقات». (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «حضر منكم». (¬3) قوله: «أنَّ إجماع أهل المدينة حجَّة؛ لأنه قد اتفق مع فقهاء عصره»: هذه الفقرة وردت في الأصل بزيادة، لكن المؤلِّف ضرب عليها، وإليك الفقرة مع الزيادة: «أن إجماع أهل المدينة حجة، كما هو مذهب مالك، ونص ربيعة الرأي هذا؛ لأنه قد اتفق ...» الخ.

العلماء، وهو اختيار بعض علماء الأصول، ولم تكن هذه الخاصَّة إلا لعمر بن عبد العزيز من بين التابعين رحمهم الله. وقال علي بن حرب: عن سفيان بن عيينة قال مجاهد: أتيناه نُعلِّمه، فما بَرحنا حتى تعلَّمنا منه. قال: وقال ميمون بن مِهران: ما كانت العلماء عند عمر بن عبد العزيز إلا تلامذة. وقال البخاري (¬1): وقال موسى: ثنا نوح بن قيس قال: سَمِعتُ أيوب يقول: لا نعلم أحدًا ممَّن أدركنا كان آخَذَ عن نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم منه. يعني: عمر بن عبد العزيز. وقال خُصيف: ما رأيت رجلاً خيرًا منه. وقال محمد بن علي بن الحسين أبو جعفر الباقر: إنَّ لكلِّ قوم نَجِيبة، وإنَّ نَجِيبة بني أُميَّة عمر بن عبد العزيز، وإنه يُبعث يوم القيامة أُمَّةً وحدَه. وقال ضَمرة بن ربيعة (¬2)، عن السَّريِّ بن يحيى، عن رَيَاح بن عَبيدة: خَرَج عمرُ بن عبد العزيز إلى الصلاة، وشيخ متوكئ على يده، فقلت في نفسي: إنَّ هذا لشيخ جاف. فلمَّا صلَّى ودخل لَحِقتُهُ، فقلت: أصلح اللهُ الأمير، مَن الشيخ الذي يتَّكئُ على يدك؟ قال: يا رَيَاحُ رأيتَهُ؟ قلت: نعم. قال: ما أَحسَبُكَ يا رَيَاحُ إلا رجلاً صالحًا، ذاك أخي الخَضِر، / (ق 427) أتاني فأَعلَمَني أنِّي سأَلِي أمرَ هذه الأُمَّة، وأنِّي سأَعدِلُ فيها. هذه حكاية غريبة جدًّا، ولم أر للخَضِر ذِكرًا أَصحُّ منها إن كانت محفوظة، والله أعلم. ¬

(¬1) في «التاريخ الكبير» (6/ 175). (¬2) ومن طريقه: أخرجه الآجري في «أخبار عمر بن عبد العزيز» (ص 51 - 53).

والغرض أنَّه -رضي الله عنه- أقام بالمدينة واليًا عليها مدًّة، ثم بعد ذلك صارت إليه الخلافة من ابن عمِّه وصِهره سليمان بن عبد الملك بن مروان -رحمه الله-، أدخله بينه وبين أخويه يزيد وهشام، وذلك أنَّ عبد الملك كان قد عهد بالأمر إلى بنيه الأربعة: الوليد، ثم سليمان، ثم يزيد، ثم هشام، فولي الوليد بعده عشر سنين، بنى فيها مسجد دمشق، وزَخرَفَه، وتأنَّق فيه، ثم مات في سنة ستٍّ وتسعين، فقام بعده أخوه سليمان، وجعل ابنَ عمِّه وزوجَ أخته فاطمة عمرَ بن عبد العزيز مشيرًا ووزيرًا، فلا يقطع شيئًا إلا برأيه، وعهد بالأمر إليه من بعده، وتوفي سليمان يوم الجمعة لعشر خلون -وقيل: بقين- من صفر سنة تسع وتسعين، واستُخلف عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- في ذلك اليوم، وبايعه الناس، وقام في الخلافة أتمَّ قيام، وردَّ المظالِمَ والحقوقَ إلى أهلها، وجعل اللهُ له لسانَ صدقٍ في الآخرين مع قصر ولايته رحمه الله. قال ابن عَون: لمَّا ولِيَ عمرُ بن عبد العزيز الخلافة، قام على المنبر، فقال: أيُّها الناس، إن كرهتموني لم أقم عليكم. فقالوا: رضينا، رضينا. قال ابن عَون: الآن حين طاب الأمر. (1012) وقال الزُّبير بن بكَّار: حدَّثني محمد بن سلاَّم، عن سلاَّم بن سُليم قال: لمَّا ولِيَ عمرُ بن عبد العزيز / (ق 428) صَعِدَ المنبرَ، فكان أوَّل خطبة خطبها حَمِدَ الله، وأثنى عليه، ثم قال: أيُّها الناس، مَن صحبنا فليصحبنا بخمس، وإلاَّ فلا يقربنا: يرفع إلينا حاجةَ من لا يستطيعُ رفعَها، ويعينُنا على الخير بجهده، ويدلُّنا من الخير على مالا نهتدي إليه، ولا يغتابنَّ عندنا الرَّعيةَ، ولا يعترضُ فيما لا يعنيه. قال: فانقشع عنه الشُّعراء والخطباء، وثَبَت الفقهاء والزُّهاد، وقالوا: ما يسعنا أن نفارق

هذا الرَّجل حتى يخالف فعلُه قولَه. وقال إسماعيل بن عيَّاش: عن عمرو بن مهاجر: إنَّ عمرَ بن عبد العزيز لمَّا استُخلِفَ قام في الناس، فحَمِدَ اللهَ، وأَثنى عليه، ثم قال: يا أيُّها الناسُ، إنَّه لا كتابَ بعد القرآن، ولا نبيَّ بعد محمد صلى الله عليه وسلم، ألا وإنِّي لست بقاضٍ، ولكنيِّ مُنفِّذٌ، أَلا وإنِّي لستُ بمبتدعٍ، ولكنِّي مُتَّبعٌ، إنَّ الرَّجلَ الهاربَ من الإمام الظالم ليس بظالم، أَلاَ وإنَّ الإمامَ الظالمَ هو العاصي، ألا لا طاعةَ لمخلوق في معصية الخالق. وقال فضيل بن عياض: عن السَّري بن يحيى: إنَّ عمرَ بن عبد العزيز حَمِدَ اللهَ تعالى، ثم خنقته العبرة، ثم قال: أيُّها الناس، أصلحوا آخرتَكم تصلح لكم دنياكم، وأصلحوا سرائرَكم تصلح لكم علانيتُكم، والله إنَّ عبدًا ليس بينه وبين آدم أبٌ إلا قد مات، إنَّه لَمُعرَّقٌ له في الموت. (1013) وقال محمد بن سعد (¬1): عن سعيد بن عامر، عن جُوَيرية بن أسماء: قال عمرُ بن عبد العزيز: إنَّ نفسي هذه نفسٌ توَّاقةٌ، / (ق 429) وإنَّها لَم تُعطَ من الدُّنيا شيئًا إلاَّ تاقت إلى ما هو أفضل منه، فلمَّا أُعطيت الذي لا أفضل منه في الدُّنيا، تاقت إلى ما هو أفضل من ذلك. قال سعيد: الجنَّة أفضل من الخلافة. وذِكر محاسنه وفضائله ومآثره على الاستقصاء يطول شرحه، وقد استوعب ذلك محرَّرًا الشيخ الإمام أبو الفرج ابن الجوزي -رحمه الله- في «سيرة العُمَرَين». وفيما ذَكَرنا إشارة إلى ذلك، إن شاء الله تعالى، وبه الثِّقة. ¬

(¬1) في «الطبقات الكبرى» (5/ 401).

قد تقدَّم أنه مات في رجب سنة إحدى ومائة، فكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر ونصفًا، أزيد من خلافة أبي بكر الصِّديق بقليل، رضي الله عنهما. قال جعفر بن سليمان الضُبَعي: عن هشام بن حسَّان: لمَّا جاء نعي عمر بن عبد العزيز قال الحسن: مات خير الناس. روى له الجماعة في كتبهم السِّتة، وإنما وقع له في «صحيح البخاري» (¬1) حديث واحد من رواية اللَّيث بن سعد، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عمرَ بن عبد العزيز، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أيُّما امرئٍ أَفلَسَ، ثم وَجَدَ متاعَهُ عنده بِعينِهِ، فهو أولى به من غيرِهِ». وقد أخرجه الجماعة (¬2) من طرق عن يحيى بن سعيد الأنصاري المدني القاضي أحد التابعين، ومَن بعده إلى أبي هريرة تابعون -أيضًا-، فقد اجتمع في هذا الإسناد أربعة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، والله أعلم. ¬

(¬1) (5/ 62 رقم 2402) عن أحمد بن يونس، عن زُهَير، عن يحيى بن سعيد، به. (¬2) أخرجه البخاري (2402) في الاستقراض، باب إذا وجد ماله عند مُفلس في البيع، ومسلم (3/ 1193 رقم 1559) في المساقاة، باب من أدرك ما باعه عند المشتري ... ، وأبو داود (4/ 87 رقم 3519) في البيوع، باب في الرجل يُفلس ... ، والترمذي (3/ 562 رقم 1262) في البيوع، باب ما جاء إذا أفلس للرجل غريم ... ، والنسائي (7/ 357 رقم 4690) في البيوع، باب الرجل يبتاع البيع فيُفلس ... ، وابن ماجه (2/ 790 رقم 2358) في الأحكام، باب من وجد متاعه بعينه عند رجل قد أفلس.

أحاديث في فضل القبائل والبقاع

/ (ق 430) أحاديث في فضل القبائل والبقاع (1014) قال نعيم بن حماد (¬1): ثنا عبد الرحيم بن زيد العمِّي، عن أبيه، عن سعيد بن المسيّب، عن عمرَ بن الخطاب قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «سألتُ ربيِّ فيما اختَلَف فيه أصحابي من بعدِي؟ فأوحى اللهُ إليه: يا محمدُ، إنَّ أصحابَكَ عندي بمنزلةِ النُّجُومِ في السماءِ، بعضُها أَضوَأُ من بعضٍ، فمن أخذ بشيءٍ ممَّا هُم عليه من اختلافِهم فهو عندي على هُدًى». هذا حديث ضعيف من هذا الوجه، فإن عبد الرحيم بن زيد هذا: كذَّبه ابن معين، وضعَّفه غير واحد من الأئمَّة (¬2)، إلاَّ أن هذا الحديث مشهور في ألسنة الأصوليين وغيرهم من الفقهاء يلهجون به كثيرًا محتجِّين به، وليس بحجَّة، والله أعلم (¬3). ¬

(¬1) ومن طريقه: أخرجه ابن عدي (3/ 200 - ترجمة زيد بن الحواري) وابن بطة في «الإبانة» (2/ 563 رقم 700 - كتاب الإيمان) والبيهقي في «المدخل إلى السُّنن الكبرى» (ص 162 رقم 151) والخطيب في «الكفاية» (ص 48) و «الفقيه والمتفقه» (1/ 443 رقم 466). (¬2) انظر: «تهذيب الكمال» (18/ 34). (¬3) وانظر للفائدة: «تذكرة المحتاج» (ص 68) و «موافقة الخُبْر الخَبَر» (1/ 147) و «السلسلة الضعيفة» (1/ 147 رقم 60).

حديث آخر في فضل عنزة

حديث آخر في فضل عنَزَة (¬1) (1015) قال الإمام أحمد (¬2): ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، ثنا المثنَّى بن عَوف العنَزَي، أنبأني الغَضْبان بن حنظلة: أنَّ أباه حنظلة بن نعيم وَفَدَ إلى عمرَ، وكان عمرُ إذا مرَّ به إنسانٌ من الوفد سأله ممَّن هو، حتى مرَّ به أبي، فسأله: ممَّن أنت؟ فقال: من عنَزَة. فقال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «حَيٌّ من هَهُنا مَبغِيٌّ عليه منصورون». هذا حديث غريب الإسناد، ولم يخرِّجه أحد من أصحاب الكُتُب السِّتة. ¬

(¬1) عَنَزة: قبيلة من قبائل العرب، تمتد منازلها من نجد إلى الحجاز، فوادي السرحان، فالحماد، فبادية الشام شمالاً. انظر: «معجم قبائل العرب» لعمر كحالة (2/ 846). (¬2) في «مسنده» (1/ 22 رقم 141). وأخرجه -أيضًا- البخاري في «التاريخ الكبير» (1/ 48) والبزار (1/ 470 رقم 337) والدُّولابي في «الكنى والأسماء» (2/ 59) وابن الأعرابي في «معجمه» (3/ 1000 رقم 2135) من طريق أبي غاضرة العنزي، عن الغضبان بن حنظلة، به.

حديث في ذكر بني بكر

حديث في ذِكر بني بكر (1016) قال البزَّار (¬1): ثنا إبراهيم بن سعيد، ثنا ابن أبي أويس، ثنا زيد بن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جدِّه، عن أسلم قال: قال لي عمر: مَن صحبتَ في سفرك هذا؟ قلت: قومًا من بني بكر بن وائل. قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «أخوك البَكري، ولا تَأمَنْهُ». في إسناده ضعف بيِّن. (1017) وعند أحمد (¬2) وفي «سنن أبي داود» (¬3) شاهد له من حديث محمد بن إسحاق، عن عيسى بن معمر بن عبد الله بن عمرو بن الفَغواء، عن أبيه قال: بَعَثني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بمالٍ إلى أبي سفيان، وذلك بعد الفتح ... ، فذَكَر قصتَه مع عمرو بن أُميَّة، وصحابته له، ومعارضته له في طريقه، وفي الحديث: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال له: «أخوكَ البكري، ولا تَأمَنْهُ». ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 414 - 415 رقم 291). وأخرجه -أيضًا- العقيلي (2/ 72) والطبراني في «الأوسط» (4/ 124 رقم 3774) وابن عدي (1/ 324 - ترجمة إسماعيل بن أبي أويس) و (3/ 209 - ترجمة زيد بن عبد الرحمن) وأبو الشيخ في «الأمثال» (ص 93 - 94 رقم 118) من طريق زيد بن عبد الرحمن، به. وقال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يُروى عن عمرَ إلا من هذا الوجه، وفيه رجلان لُيِّن حديثهما، أحدهما: زيد بن عبد الرحمن، والآخر: عبد الرحمن بن زيد، وهو منكر الحديث جدًّا. وقال ابن عدي: وهذا الحديث بهذا الإسناد الذي ذكرته منكر. (¬2) في «مسنده» (5/ 289 رقم 22492). (¬3) (5/ 299 رقم 4861) في الأدب، باب في الحذر من الناس. وأخرجه -أيضًا- ابن سعد (4/ 296) وعمر بن شبَّة والبغوي، كما في «الإصابة» (7/ 52) وابن قانع في «معجم الصحابة» (2/ 214) والفاكهي في «أخبار مكة» (2/ 331 - 332 رقم 1606) وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (4/ 1991 - 1992 رقم 5004) من طريق محمد بن إسحاق، به. وفي إسناده: عبد الله بن عمرو بن الفَغواء، قال عنه الذهبي في «الميزان» (2/ 469 رقم 4488): لايُعرَف، تفرَّد عنه عيسى بن معمر.

حديث في فضل عمان

حديث في فضل عُمَان (¬1) (1018) قال الإمام أحمد (¬2): ثنا يزيد، أنا جرير، أنا الزُّبَير بن الخِرِّيت، عن أبي لبيد قال: خَرَج رجلٌ من طاحِيةَ مهاجرًا، يقال له: بَيرَح بن أسد، فقَدِمَ المدينةَ بعد وفاة النبيِّ صلى الله عليه وسلم بأيام، فرآه عمرُ، فعلم أنه غريبٌ، فقال له: ممَّن أنت؟ قال: من أهل عُمَان. قال: من أهل عُمَان؟ قال: نعم. قال: فأخذ بيده، فأَدخَلَهُ على أبي بكرٍ -رضي الله عنه-، فقال: هذا من أهلِ الأرضِ التي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «إنِّي لأَعلمُ أرضًا يقال لها: عُمَان، يَنضحُ بناحيتِها البحرُ، بها حَيٌّ مِن العربِ، لو أتاهم رسولِي ما رَمَوهُ بسَهْمٍ ولا حَجَرٍ». هذا إسناد جيد (¬3)، وقد تقدَّم في «مسند الصِّديق» -رضي الله عنه- أيضًا، فإنه قد ¬

(¬1) هذا الحديث كان في الأصل عقب «حديث في فضل الشام»، إلا أن المؤلِّف كَتَب بجواره: «يقدَّم على فضل الشام»، فلذا قدَّمته. (¬2) في «مسنده» (1/ 44 رقم 308). (¬3) جوَّده المؤلِّف هنا، وقد نقل عنه السيوطي في «جامع الأحاديث» (13/ 231 - 232) أنه قال: قال ابن المديني: هذا إسناد منقطع من ناحية أبي لَبِيد، واسمه لِمَازة بن زَبَّار الجهضمي، فإنه لم يَلق أبا بكرٍ ولا عمرَ، وإنما له رؤية لعليٍّ، وإنما يحدِّث عن كعب بن سُور وضربه من الرِّجال. قال ابن كثير: وهو من الثقات. قلت: ونقل المزي في «تهذيب الكمال» (24/ 251) عن المُفضَّل بن غسان الغَلاَّبي أنه قال: ولم يَلق أبو لَبِيد عمرَ بن الخطاب، ولكنه لَقِيَ عليَّ بن أبي طالب، وكعبَ بن سُور. قلت: وقد أخرج مسلم في «صحيحه» (4/ 1971 رقم 2544) في فضائل الصحابة، باب فضل أهل عُمان، من حديث أبي بَرْزة الأسلمي -رضي الله عنه- قال: بَعَث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رجلاً إلى حيٍّ من أحياء العرب، فسَبُّوهُ وضَرَبوهُ، فجاء إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فأخبَرَه، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لو أنَّ أهلَ عمانَ أتيتَ ما سَبُّوكَ ولا ضَرَبوك».

روي بفتح التاء من «سمعتَ» (¬1)، فيكون من مسند الصِّديق، ويحتمل أن يكون من مسنديهما، والله أعلم. ¬

(¬1) ومن هذا الوجه: أخرجه أبو يعلى (1/ 101 - 102 رقم 106) -ومن طريقه: المروزي في «مسند أبي بكر» (ص 149 - 150 رقم 114) - وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (4/ 272 رقم 2294) من طريق جرير، به.

حديث في فضل الشام

حديث في فضل الشَّام (¬1) (1019) قال الحافظ أبو بكر البيهقي / (ق 431) في كتابه «دلائل النبوة» (¬2): أخبرنا أبو الحسين بن الفضل، أنا عبد الله بن جعفر، ثنا يعقوب بن سفيان (¬3)، حدثني نصر بن محمد بن سليمان الحمصي، ثنا أبي أبو ضَمرة محمد بن سليمان السُّلمي، حدثني عبد الله بن أبي عيسى (¬4)، سَمِعتُ عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «رأيتُ عمودًا من نُورٍ خَرَج من تحت رأسِي ساطعًا حتى استقرَّ بالشَّامِ». هذا حديث حسن الإسناد (¬5)، وفي الشَّام أحاديث كثيرة جدًّا. ¬

(¬1) هذا الحديث وما بعده في فضل الشام كان في الأصل قبل «حديث في فضل عمان»، إلا أن المؤلف كَتَب بجواره: «يؤخَّر وما بعده والذي يليه»، فلذا أخَّرته. (¬2) (6/ 448). (¬3) وهو عنده في «المعرفة والتاريخ» (2/ 311). وأخرجه -أيضًا- الطبراني في «مسند الشاميين» (2/ 395 رقم 1566) وابن عساكر في «تاريخه» (1/ 109) من طريق نصر بن محمد بن سليمان، به. (¬4) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «قيس»، وهو الصواب، كما في مصادر التخريج وكُتُب الرجال، وجاء على الصواب عند المؤلِّف في «البداية والنهاية» (6/ 221). (¬5) وصحَّحه -أيضًا- الشيخ الألباني في تعليقه على «مشكاة المصابيح» (3/ 1768). وفي هذا نظر؛ لأنَّ نصر بن محمد بن سليمان قال عنه أبو حاتم: أدركته ولم أكتب عنه، وهو ضعيف الحديث، لا يُصدَّق. وقال أبو زرعة: لست أحدِّث عنه، وأمر أن يضرب على حديثه جملة. انظر: «الجرح والتعديل» (8/ 471 رقم 2158) و «سؤالات البَرذعي» (2/ 705). وأيضًا: في سماع عبد الله بن أبي قيس من عمر نظر، فقد ذكر المزي في «التهذيب» (15/ 460) روايته عن عمرَ، وقال: إن كان محفوظًا.

وسيأتي (¬1) مثل هذا الحديث في مسند عبد الله بن عمرو، وأبي أُمَامة، وأبي الدَّرداء رضي الله عنهم. ¬

(¬1) انظر: «جامع المسانيد والسُّنن» (9/ 334 رقم 11986 - مسند أبي الدرداء). وأما حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- فليس في المطبوع، وحديث أبي أُمَامة -رضي الله عنه- لم أجده في مسنده. وانظر تخريج هذه الأحاديث عند المؤلِّف في «البداية والنهاية» (6/ 221) وفي «فضائل الشام» لابن رجب (ص 168) و «فضائل الشام» لابن عبدالهادي (ص 25 - 26 - ضمن مجموع في فضائل الشام).

حديث فضل حمص

حديث فضل حمص (1020) قال الإمام أحمد -رحمه الله- في «مسنده» (¬1): ثنا أبو اليَمَان الحكم بن نافع، ثنا أبو بكر بن عبد الله، عن راشد بن سعد، عن حُمْرة بن عبدِ كُلاَل قال: سار عمرُ بن الخطاب إلى الشَّام بعد مسيره الأوَّل كان إليها، حتى إذا شارَفَها (¬2)، بَلَغه ومَن معه أنَّ الطَّاعونَ فاشٍ فيها، فقال له أصحابه: ارجِعْ، ولا تَقَحَّمْ عليه، فلو نَزَلتَها وهو بها لم نَرَ لك الشُّخُوصَ (¬3) عنها. فانصَرَف راجعًا إلى المدينة، فعرَّس من ليلته تلك، وإننا (¬4) أقرب القوم منه، فلمَّا انبَعَثَ انبَعَثتُ معه في أَثَره، فسَمِعتُهُ يقول: رَدُّوني عن الشَّام بعد أن شَارَفتُ عليه لأنَّ الطَّاعونَ فيه، ألا وما مُنصرَفي عنه مؤخِّرٌ في أجلي، وما كان قُدُومِيه (¬5) بمُعجِّلي عن أجلي، ألا ولو قَدِمْتُ المدينةَ ففَرَغتُ من / (ق 432) حاجاتٍ لابدَّ لي منها فيها، لقد سِرتُ حتى أَدخلَ الشَّام، ثم أنزلَ حمصَ، فإنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «لَيَبعَثَنَّ اللهُ منها يومَ القيامةِ سبعين ألفًا لا حسابَ ولا عذابَ، مَبعَثُهُم فيما بين الزَّيتون وحائِطِها في البَرْثِ الأحمرِ منها». وهكذا رواه الحافظ أبو بكر الإسماعيلي، عن الحسن بن سفيان، عن إسحاق بن راهويه، عن بقيَّة، عن أبي بكر بن عبد الله، وهو: ابن أبي مريم ¬

(¬1) (1/ 19 رقم 120). (¬2) شارفها: أي: قَرُب منها. انظر: «النهاية» (2/ 462). (¬3) الشُّخُوص: أي: الخروج منها. انظر: «النهاية» (2/ 450). (¬4) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «وأنا». (¬5) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «قدومي».

الغسَّاني الحمصي أحد الضعفاء والمتروكين لسوء حفظه، وإن كان رجلاً صالحًا، فقد ضعَّفه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعيسى بن يونس، وابن حبان، وغير واحد من الأئمَّة (¬1). وقد روى هذا الحديث الحافظ أبو بكر البزَّار (¬2) عن محمد بن مِسكين، عن بِشر بن بكر التِّنِّيسي، عن أبي بكر بن أبي مريم، عن راشد بن سعد، عن حُمْرة بن عبدِ كُلال، عن عمرَ، به. ثم قال: وابن عبدِ كُلال ليس بمعروف بالنقل. قلت: هو حُمْرة -بالحاء والراء المهملتين- ويقال: اسمه معدي كرب بن عبدِ كُلاَل. قال أبو حاتم الرازي (¬3): روى عن عمرَ وعبد الله بن عمرو، وعنه راشد بن سعد. وقال الجوهري (¬4): البَرْث: الأرض السَّهلة الليِّنة. قلت: وممَّا يدلُّ على نكارة هذا الحديث وغرابته وأنه موضوع -كما زَعَمه بعض الحفَّاظ الكبار- أنَّ أميرَ المؤمنينَ عمرَ -رضي الله عنه- لمَّا عاد إلى الشَّام عامَ فتحِهِ بيتَ المقدسِ لم يُنقَل أنه جاء أرضَ حمصٍ، ولا دَخَلها، فلو كان هذا / (ق 433) صحيحًا لجاء إليها، كما قاله من نَقَل عنه، والله أعلم. وقد تسمَّح الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن البَيِّع الحاكم ¬

(¬1) انظر: «الجرح والتعديل» (2/ 404 رقم 1590) و «تهذيب الكمال» (33/ 108). (¬2) في «مسنده» (1/ 449 رقم 317). (¬3) كما في «الجرح والتعديل» (3/ 315 رقم 1410). (¬4) في «صحاحه» (1/ 273).

النَّيسابوري فأخرجه في كتابه «المستخرج على الصحيحين» (¬1) من طريق أخرى، فقال: (1021) أنا محمد بن عبد الله الأصبهاني الزَّاهد، ثنا محمد بن إسماعيل السُّلَمي، ثنا إسحاق بن إبراهيم بن العلاء، حدثني عمرو بن الحارث الزَّبيدي، ثنا عبد الله بن سالم، ثنا الزَّبيدي، ثنا راشد بن سعد: أنَّ أبا راشد، حدَّثهم -يردُّه إلى معدي كرب بن عبدِ كُلال- قال: قال عبد الله بن عمرو: سافَرنا مع عمرَ بن الخطاب إلى الشَّام، فلمَّا شَارَفَها أُخبِرَ أنَّ الطَّاعونَ فيها ... ، ثم ذَكَر الحديث، كما تقدَّم. ثم قال الحاكم: هذا صحيح. قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذَّهبي (¬2): بل موضوع، فإنَّ إسحاق بن إبراهيم: كذَّبه محمد بن عوف، وغيره. ¬

(¬1) (3/ 88 - 89). (¬2) في «تلخيص المستدرك» (3/ 89).

حديث في فضل عسقلان

حديث في فضل عسقلان (1022) قال الحافظ أبو يعلى (¬1): ثنا محمد بن بكَّار، ثنا بِشر (¬2) بن ميمون، عن عبد الله بن يوسف، عن عبد الله بن عمر بن الخطاب، عن عمرَ بن الخطاب قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهو يَذكر أهل مقبرة يومًا، قال: فصلَّى عليها، فأكثرَ الصلاةَ عليها، قال: فسُئل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عنها، فقال: «أهلُ مقبرةِ شهداءِ عسقلان، يُزَفُّونَ إلى الجنَّةِ كما تُزَفُّ العروسُ إلى زوجِها». وهذا -أيضًا- حديث منكر جدًّا، بل قد ذَكَره الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي / (ق 434) في «الموضوعات» (¬3)، واتَّهم به بِشر بن ميمون هذا، وهو الخراساني الواسطي، قال فيه يحيى بن معين: اجتمع الأئمَّة على طرح حديثه. واتَّهمه البخاري بوضع الحديث (¬4). وقد ورد في فضل عسقلان أحاديثُ أخر لا يقوم منها شيء يُعتمد عليه، وإنما تَدَاعت رَغَباتُ الواضعين فيها؛ لأنها كانت ثَغرًا في بعض الأزمان، فوَضَعوا فيها ترغيبًا للمجاهدين. ¬

(¬1) في «مسنده» (1/ 160 - 161 رقم 175). وأخرجه -أيضًا- الخطيب في «المتفق والمفترق» (1/ 553 رقم 303) من طريق محمد بن بكَّار، به. (¬2) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «بشير»، وهو الصواب الموافق لما في كُتُب الرجال، ومصادر التخريج. (¬3) (2/ 311 رقم 877) لكن جعله من مسند ابن عمر! وكذا أخرجه أبو إسحاق المزكِّي في «الفوائد المنتخبة» (ص 257 رقم 159). (¬4) انظر: «التاريخ الصغير» (2/ 233) و «تهذيب الكمال» (4/ 180).

وهذا آخر ما يسَّر اللهُ جمعَه من الأحاديث المسنَدة / (ق 435) والآثار المسدَّدة عن أمير المؤمنين عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه. وذَكَرنا في «سيرته» (¬1) من أخلاقه وأحكامه وكُتُبه وسياسته أشياءَ اكتفينا بذكرها هناك عن إعادتها ههنا، وهي ... (¬2) إن شاء الله. ولله الحمد أولاً وآخرًا، باطنًا وظاهرًا، كما يحبُّ ويرضى، ونسأل اللهَ الهداية والتوفيق والإعانة ومتابعة نبيِّه صلى الله عليه وسلم تسليمًا. ¬

(¬1) يعني: كتابه: «سيرة عمر وأيامه». (¬2) موضع كلمة مطموسة في الأصل.

الملاحق والفهارس

الملاحق والفهارس نقد الطبعة السابقة للكتاب الفهارس

نقد الطبعة السابقة للكتاب

نقد الطبعة السابقة للكتاب قد يتساءل البعض قائلاً: ما الداعي لإعادة إخراج هذا الكتاب، وقد سبق طبعه؟ فأقول: نعم، لقد سبق طبع هذا الكتاب منذ عشرين عامًا تقريبًا بتحقيق الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي، وقبل الجواب على هذا السؤال أنقل للقارئ بعض آراء أهل العلم والمختصين في تحقيقات الدكتور قلعجي جملة، ثم أبيِّن وجه الخلل الواقع في النشرة المطبوعة، فأقول: قال الشيخ العلاَّمة حماد الأنصاري: كل الكتب التي يطبعها القلعجي لاتصلح، لابد أن يعاد تحقيقها، وتعاد طباعتها. وقال -أيضًا-: سألت عن القلعجي الذي يحقِّق كتب العلم -لما كنت بمصر- رجلاً ثقة، فقال لي: هذا رجل بيطري، ترك البيطرة، واشتغل بتحقيق كتب العلم ونشرها للتجارة وجمع المال، ويجمع الشباب والشابَّات المتبنطلات لهذا الغرض. انظر: «المجموع في ترجمة المحدِّث الشيخ حماد بن محمد الأنصاري» (2/ 594، 620). وقال الدكتور عبد الله عسيلان في كتابه: «تحقيق المخطوطات بين الواقع والنهج الأمثل» (ص 77): وقد ظهرت في ساحة التحقيق منذ أمد قريب شرذمة أقحمت نفسها في ميدانه ... ، وأقرب مثال على ذلك: ما خَرَج لنا من بعض كتب الحديث التي يزعم طبيب اسمه: عبد المعطي أمين قلعجي أنه تولَّى تحقيقها، وتربو في مجموعها على ستين جزءًا، وما تراه فيها من تحقيق ينم عن جهل بأصوله وأصول العلم الذي تدور في فَلَكه؛ بل يؤكد محمد عبد الله آل شاكر أن المذكور يستحل جهود الآخرين، ويسطو عليها، حيث يكلِّفهم بالعمل

على تحقيقها بدعوى المشاركة، ثم يطبعها باسمه وحده (¬1)، كما حدَّثه بذلك أحد أساتذة الأزهر ممن وقع في أحابيله، ويؤكد ذلك تقارب تاريخ صدور بعض هذه الكتب مع كثرة أجزائها، مثل كتاب «الثقات» للإمام العجلي، الذي صدر سنة 1405 هـ، وهو جزء واحد، وفي السَّنَة نفسها صدر كتاب «دلائل النبوة» للإمام البيهقي في ثمانية أجزاء، وصدر في عام 1412 هـ كتاب «معرفة السُّنن والآثار» للبيهقي في خمسة عشر جزءًا، وبعد أقل من عامين، أي في عام 1414 هـ يصدر كتاب «الاستذكار» لابن عبد البر، وهو كتاب ضخم يقع في ثلاثين جزءًا، فهل كان يحقِّق هذه الكتب في وقت واحد، أو أن هناك عددًا من الأشخاص يعملون خلف الكواليس ... ؟ وقد أخبرني الشيخ حماد بن محمد الأنصاري بأنه وقف في عمل مَن تولَّى إخراج هذه الكتب على طامات وعجائب من التصحيفات والتحريفات والأخطاء في التعليق والتخريج. اهـ وممن قام بنقد أعماله: الدكتور زهير بن ناصر الناصر في كتابه: «القول المفيد في الذبِّ عن جامع المسانيد»، فقد عَقَد في كتابه هذا ¬

(¬1) والحق يقال: ليس الدكتور قلعجي وحده في هذا الميدان، فما أكثر مكاتب التحقيق في عصرنا التي تصنع مثل صنيع الدكتور، يستحلون كتابة أسمائهم على مؤلفات لم يروها إلا بعد الانتهاء من تحقيقها، وبعض الأسماء توضع على الكتب لا لشيء إلا لأن المحقق المزعوم هو الذي تولى الإنفاق على طباعة الكتاب وتحقيقه!! وما أدري أين يذهب هؤلاء عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المتشبع بما لم يُعطَ كلابس ثَوبَي زُور». وقد حدثني الأخ الشيخ عمر بن سليمان الحَفيان أنه سأل الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- قبل وفاته عمن يقومون بوضع أسمائهم على الكتب لأجل أنهم تولوا الإنفاق على طبعها وتحقيقها، فقال له الشيخ: هذا غش وتدليس وخيانة، فإن كان ولابد؛ فليقل: موَّله فلان. كذا قال الشيخ، ولكن لا حياة لمن تنادي!

فصلاً كاملاً لبيان الأغلاط الواقعة في النشرة التي أخرجها الدكتور قلعجي لـ «جامع المسانيد والسُّنن»، وقد أجمل الدكتور هذه الأخطاء في عدَّة نقاط، ثم شرع في التفصيل، وإليكها مجملة: 1 - قصور المحقِّق في تخريجه للأحاديث وتعليقاته عليها. 2 - ضَعف المحقِّق في خدمة نص الحافظ ابن كثير. 3 - وجود الحديث في «مسند أحمد» مع عدم عزوه إليه. 4 - عدم استيعاب المحقِّق طرق الحديث الواحد. 5 - إيراد المحقِّق زيادات مخلَّة لا معنى لها في أسانيد الأحاديث متابعة للمطبوع. 6 - ذِكر المحقِّق ترجمة الراوي الواحد في موضعين، فيفرِّق بين مجتمع ظانًا أنهما اثنان. 7 - زيادة المحقِّق راويًا واحدًا في الإسناد متابعة للمطبوع. 8 - زيادته راويين في أول الإسناد. 9 - جعله الراويين راويًا واحدًا. 10 - سقوط راو أو أكثر من الإسناد مع عدم تنبُّه المحقِّق لذلك. 11 - إخلال المحقِّق بإغفاله ذكر بعض الأحاديث في مرويات التابعي عن الصحابي. 12 - استحداث المحقِّق تراجم خاطئة أو لا وجود لها نتيجة تحريف في المطبوع. 13 - جعل المحقِّق الحديث من رواية الإمام أحمد، والصواب أنه من زيادات ابنه عبد الله. 14 - سقوط اسم شيخ الإمام أحمد من أول السند نتيجة متابعة

المحقِّق للمطبوع. 15 - عدم توثيقه النص على الأصل للمخطوط. وقال عبد الله بن يوسف الجديع -هداه الله- في تعليقه على «المقنع في علوم الحديث» لابن الملقِّن (2/ 657) تعليقًا على نشرة الدكتور قلعجي لـ «الضعفاء الكبير» للعقيلي: واعلم أنه وقع في هذه النشرة سقط وتحريف ليس بالقليل، فالله المستعان. وقال الأستاذ مازن السرساوي في تحقيقه لـ «علل ابن المديني» (ص 7 - ط دار ابن الجوزي) عند الكلام على نشرات الكتاب السابقة: ثم تلاه [أي: الأعظمي]: الطبيبُ عبد المعطي قلعجي، فأعاد نشر الكتاب، وليته ما أتعب نفسه؛ فإنه ما فعل شيئًا يُذكَر، بل مسخ الكتاب، ولم يحسن قراءة المخطوط، وبعد ذلك أخرجه عن موضوعه بهذه الحواشي التي هي في وادٍ، والكتاب في وادٍ آخر، وهذا شأن الرجل في كل ما يطبعه أو يدعي أنه حقَّقه، والله يسامحه. وأما عن مبلغ علم الدكتور قلعجي بفن صناعة الحديث، فقد كفانا الجواب عن هذا الإمام الألباني، فقال في «السلسلة الضعيفة» (3/ 529) بعد كلام له: وهكذا فليكن تحقيق الدكتور! وكم له في تعليقاته من مثل هذا وغيره من الأخطاء والأوهام التي تدل على مبلغه من العلم. والله المستعان. وقال -أيضًا- في (4/ 17): وإنما أوقع الدكتور في هذا الخطإ الفاحش: افتئاته على هذا العلم، وظنه أنه يستطيع أن يخوض فيه تصحيحًا وتضعيفًا بمجرد أنه نال شهادة الدكتوراه. وقال -أيضًا- في (5/ 235 - 237): ومثل هذا التخريج وغيره يدل

دلالة واضحة على أن الدكتور ليس أهلاً للتخريج؛ بله التحقيق. وقال -أيضًا- في (7/ 23): وأما الدكتور القلعجي الجريء على تصحيح الأحاديث الضعيفة، وتضعيف الأحاديث الصحيحة، بجهل بالغ، وقلة خوف من الله عزَّ وجلَّ، فقد أورد هذا الحديث ... الخ. هذا ما قاله المختصون في تحقيقات الدكتور قلعجي على وجه الإجمال، وإليك الأمثلة التطبيقية على صحة ما قالوه من خلال تحقيقي لهذا الكتاب. فأقول، وبالله التوفيق: يمكن إجمال الأخطاء الواقعة في نشرة الدكتور قلعجي لـ «مسند الفاروق» في عدة نقاط رئيسة، وهي: 1 - إسقاطه لعشرات النصوص من النسخة الخطية. 2 - التصرف في النص بالزيادة والنقصان. 3 - التحريف والتصحيف في النصوص، وأسماء الرجال، ومتون الأحاديث. 4 - إسقاطه لجميع تعليقات الحافظ ابن حجر. 5 - إتيانه بنص لا وجود له في النسخة الخطية. ولا يخفى عليك -أيها القارئ- أن خطأ واحدًا من هذه الأخطاء كافٍ لإسقاط طبعة الدكتور، فكيف بها مجتمعة؟! وسأبرهن على كل نوع من هذه الأنواع بذكر عدَّة أمثلة، أما الاستقصاء فهذا مما لا سبيل إليه؛ لكثرته.

الاستدراك الأول: إسقاطه لعشرات النصوص

الاستدراك الأول: إسقاطه لعشرات النصوص: ص/368 أول الصفحة أسقط ما يلي: قال سعيد بن منصور: ثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن سالم، عن أبيه، عن عمر قال: الرَّجل أحقُّ بِهِبَته ما لم يثب منها. هذا إسناد صحيح. وقد رواه ابن ماجه من حديث إبراهيم بن إسماعيل بن مجمِّع بن جارية -وهو ضعيف-، عن عمرو بن دينار، عن أبي هريرة، مرفوعًا. قال البخاري: والأوَّل هو الصحيح. طريق أخرى: قال ابن وهب: سمعت حنظلة، سمعت سالمًا، عن أبيه، عن عمر قال: مَن وهب هِبَة فهو أحقُّ بها، ما لم يثب منها. وهذا - أيضًا - صحيح. وقد رواه عبيد الله بن موسى، عن حنظلة، عن سالم، عن أبيه، مرفوعًا. قال البيهقي: والأوَّل هو المحفوظ. ثم رواه من وجه آخر عن عمر، قوله. ص/378 بعد السطر الأول، أسقط ما يلي: أثر في توريث الزوجة مع الأبوين: قال الإمام أحمد بن حنبل - فيما قرأت بخطِّه من ورقة أُحضرت إليَّ في ذي القعدة من سنة إحدى وخمسين، عليها خطّ الحافظ محمد بن ناصر السَّلاَمي، يَشهد بذلك، وأنها ورقة من كتاب «الفرائض» للإمام أحمد، وعرف ذلك الحفَّاظ: المزِّي، والذَّهبي، والبِرزالي، قال فيها -: حدثنا وكيع وأبو معاوية قالا: ثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود قال: قال عبد الله: كان عمر إذا سلك طريقًا فاتَّبعناه وَجَدناه سهلاً، وأنه أُتي في امرأة وأبوين فقَسَمَها من أربعة، فأعطى المرأة الرُّبع، والأم ثلث ما بقي، وما بقي للأب. ثم رواه عن عثمان، وعلي، وزيد بن ثابت، والحسن، وعطاء. وروى عن ابن عباس أنه خالف الناس

في ذلك، فجعل للأم الثلث كاملاً، وتبعه على ذلك محمد بن سيرين، ونصَّ عليٌّ وزيد في مسألة زوج وأبوين على مثل ذلك، وأن ابن عباس قال لزيد بن ثابت: بقولك من الكتاب أم من رأيك؟ قال: بل برأيي، لا أفضِّل أُمًّا على أب. وقد رواه منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: كان عمر إذا سلك بنا طريقًا وجدناه سهلاً، وأنه أُتي في امرأة وأبوين، فجعل للمرأة الرُّبع، وللأُمِّ ثلث ما بقي، وما بقي فللأب. رواه البيهقي. وقد تقدَّم مثله في اجتماع الجدَّتين، في «مسند الصِّديق». ص/383 بعد السطر التاسع، أسقط ما يلي: وكذا رواه أبو بكر بن داود الظاهري عن أحمد بن الوليد اللَّحام، عن عبد الوهاب، عن سليمان التَّيمي، عن أبي مِجلز: أنَّ عمر شرَّك بينهم، ولم يشرِّك بينهم عثمان ولا عليٌّ. وهذا منقطع، يشهد له الأول. وقد روي من وجه آخر عنه بأبسط منه. وصح ذلك أيضًا عن عثمان، وهو قول ابن مسعود، وزيد، ومنعه عليّ، وأبو موسى. ص/388 السطر الثامن، أسقط بعده ما يلي: أثر عن عمر في الأولياء: قال الإمام الشافعي: أنا مالك، فيما بلغه عن سعيد بن المسيّب، عن عُمر -رضي الله عنه- أنه قال: لا تُنكح المرأة إلا بإذن وليِّها، أو ذي الرأي من أهلها، أو السُّلطان. وكذا رواه ابن وهب، عن عَمرو بن الحارث، عن بكير بن الأشجِّ، سمع سعيد بن المسيِّب، عن عمر، به. ورواه الدارقطني في «سننه». وقال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن وسعيد بن المسيِّب: أنَّ عمر قال: لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل. أثر آخر: روى أبو الحسن الدارقطني من حديث إبراهيم بن محمد بن طلحة قال: قال عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: لأَمنعنَّ فُرُوج ذوات الأحساب إلا من الأَكفاء. فيه انقطاع. قال ابن جريج: أخبرني عبد الحميد بن جبير بن شيبة،

عن عكرمة بن خالد قال: جَمَعَت الطريق رَكبًا، فجعلت امرأة منهم ثيِّب أمرها بيد رجل غير وليٍّ، فأَنكحها، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فجلد الناكح والمُنكِح، ورَدَّ نكاحهما. فيه انقطاع. ص/394 السطر الثاني عشر، أسقط بعده ما يلي: حديث من «تاريخ الخطيب» في ترجمة الفضل بن أحمد الزُّبيدي - ثقة - قال: نا زياد بن أيوب، قال ابن عُليَّة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر: أنه تزوَّج امرأة فأصابها شمطاء، فطلَّقها، وقال: حصير في بيت، خير من امرأة لا تَلد، والله ما أقربكن شهوة، لكنِّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تزوَّجوا الودود الولود، فإنِّي مكاثر بكم الأمم يوم القيامة». رواه عنه ابن شاهين، وأبو محمد بن معروف، وذكره الدارقطني، فقال: ثقة مأمون. ص/409 السطر الثامن، سقط بعده ما يلي: طريق أخرى: قال أحمد: ثنا سفيان، عن أيوب، عن ابن سيرين، سمعه من أبي العَجفاء قال: سمعت عمر يقول ... ، فذكره. طريق أخرى: قال أحمد: ثناه إسماعيل مرَّة أخرى، أنا سلمة، عن محمد بن سيرين، عن أبي العَجفاء قال: سمعت عمر يقول: ألاَ لا تَغلُوا صُدُق النساء ... ، فذكر الحديث. قال إسماعيل: وذكر أيوب، وهشام، وابن عون، عن محمد، عن أبي العَجفاء، عن عمر، نحوًا من حديث سلمة، إلا أنهم قالوا: لم يقل محمد: نبِّئت عن أبي العَجفاء. وقد رواه أهل السُّنن في كتبهم بنحوه، فرواه أبو داود عن محمد بن عبيد، عن حماد بن زيد. والترمذي عن ابن أبي عمر، عن سفيان بن عيينة. كلاهما عن أيوب السَّختِياني، عن محمد بن سيرين، عن أبي العَجفاء السُّلمي -واسمه هَرِم بن نُسيب البصري-. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. ورواه ابن ماجه من حديث ابن عون، عن محمد بن سيرين، به. وأخرجه النسائي عن علي بن حُجر، عن إسماعيل بن عُليَّة، عن

أيوب، وابن عون، وسلمة بن علقمة، وهشام بن حسان -دخل حديث بعضهم في بعض-، أربعتهم عن محمد بن سيرين، به. وفي حديث سلمة، عن ابن سيرين قال: نبِّئت عن أبي العَجفاء ... ، فذكره. ورواه ابن حبان في «صحيحه» عن الحافظ أبي يعلى، عن زهير بن حرب، عن يزيد بن هارون، عن ابن عون، وهشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي العَجفاء، به. وقد رواه محمد بن سعيد بن سابق، عن عمرو بن أبي قيس، عن أيوب السَّختياني، عن محمد بن سيرين، عن ابن أبي العَجفاء، عن أبيه، عن عمر، وسمَّاه بعضهم: عبد الله بن أبي العَجفاء. قال الحافظ أبو الحسن الدارقطني -رحمه الله-: وقد خالَف عَمرو بن قيس الحمادان، وسفيان بن عيينة، وإسماعيل بن عُليَّة، والحارث بن عمير، وعبد الوهاب الثَّقفي، ومعمر، فرووه عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي العَجفاء. وكذا رواه عن ابن سيرين: ابن عون، وهشام بن حسان، ومنصور بن زاذان، وأشعث بن سَوَّار، ومطر الوراق، والصَّلت بن دينار، ومحمد بن عمرو الأنصاري، وعوف الأعرابي، وإسماعيل بن مسلم، ومُجَّاعة بن الزُّبير، وعَبيدة بن حسان -هو: السِّنجاري-، وعقبة بن خالد الشَّنِّي، ويحيى بن عتيق، وأبو حُرَّة، وأخوه. قال: ورواه معاذ بن معاذ، عن ابن عون، عن ابن سيرين، عن أبي العَجفاء، أو ابن أبي العَجفاء، عن عمر. وقال منصور بن زاذان، عن ابن سيرين: ثنا أبو العَجفاء ... ، فذكره. ص/413 السطر الثالث عشر سقط بعده ما يلي: حديث آخر غريب: رأيت على ظهر كتاب «الموطأ» رواية يحيى بن يحيى، أحضره لي الشيخ الصالح أحمد الواسطي ... ، أخبرني أبو عبد الله بن قاسم، ثنا مُطيَّن أبو جعفر محمد بن عبد الله بن سليمان، ثنا محمد بن العلاء، ثنا مختار بن غسَّان، عن عنبسة بن عبد الرحمن، عن أحمد بن

رومان قال: سُئل عمر بن الخطاب عن طعام العُرس، قالوا: ما لَه أطيبُ ريحًا من طعامنا؟ فقال عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن طعام العُرس مثاقيل من ريح الجنَّة». قال عُمر: دعا اللهَ إبراهيمُ خليل الله، ونبيُّ الله محمد أن يُبارك اللهُ فيه، وأن يُطيِّبه. ص/415 السطر الأول، سقط بعده ما يلي: أثر آخر في ذلك: قال أبو القاسم البغوي: ثنا أبو رَوح البلدي، ثنا أبو الأَحوص سلاَّم بن سليم، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرِّب قال: قال عمر رضي الله عنه: استعينوا على النساء بالعُري، فإنَّ إحداهنَّ إذا كثرت ثيابها، وحَسُنت زينتها، أَعجبها الخروج. إسناد صحيح. حديث آخر: قال الهيثم بن كليب: ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، ثنا إسماعيل بن أبي أويس، حدثني أخي، عن سليمان -يعني: ابن بلال- عن عبد الله بن يسار الأَعرج: أنه سمع سالم بن عبد الله يحدِّث عن أبيه، عن عمر بن الخطاب: أنه كان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يدخلون الجنة: العاقُّ لوالديه، والدَّيوث، ورَجُلة النساء». هذا حديث حسن، اختاره الضياء في كتابه من هذا الوجه. وأخو إسماعيل، هو عبد الحميد. وقد رواه أحمد، والنسائي، وابن حبان في «صحيحه» من حديث ابن عمر، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، كما سيأتي إن شاء الله تعالى. حديث في الخُلع: قال أبو بكر البزَّار: ثنا إبراهيم بن هانئ النَّيسابوري، ثنا عبد الغفار بن داود، ثنا ابن لهيعة، عن عمرو بن شعيب، عن سعيد بن المسيِّب، عن عُمر قال: إن أول مختلعة في الإسلام: حبيبة بنت سهل، كانت تحت ثابت بن قيس بن شمَّاس، فأتت النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، لا أنا ولا ثابت. فقال لها: «أترُدِّين عليه ما أخذت منه؟» قالت: نعم. وكان تزوَّجها على حديقة نخل، فقال ثابت:

أيطيب ذلك يا رسول الله؟ قال: «نعم». قال: ولم يجعل لها نفقة ولا سكنى. إسناده حسن، ولم يخرِّجوه من هذا الوجه. حديث في الطَّلاق: قال أبو داود الطيالسي: ثنا ابن أبي ذئب، عن نافع، عن ابن عمر: أنه طلَّق امرأتَه وهي حائض، فأتى عمرُ -رضي الله عنه- إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم يذكر ذلك له، فجعلها واحدة. هذا إسناد قوي، رجاله ثقات، وهو ظاهر الدلالة لمذهب الجمهور في نفوذ الطَّلاق في زمن الحيض، والله أعلم بالصواب. فأما الحديث الذي رواه مسلم في «صحيحه» من حديث عبد الله بن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس قال: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وسنتين من خلافة عمر، طلاق الثلاث واحدة، فقال عُمر بن الخطاب: إنَّ الناس قد استَعجلوا في أَمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم، فسيأتي في مسند ابن عباس. وقد اعتمد أكثر الأئمَّة على هذا من فعل عمر -رضي الله عنه-، وإمضائه على الناس الثلاثة المجموعة، كما هو مذهب الأئمَّة الأربعة رحمهم الله وأصحابهم قاطبة، وإنما يؤثَر القول بخلافه عن طائفة من السَّلف، واختاره بعض المتأخرين من العلماء وغيرهم. ص/427 سقط منها ما يلي: حديث آخر: روى أبو بكر الإسماعيلي من حديث مهدي بن ميمون، عن محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن الحسن بن سعد، عن رباح قال: زوَّجني أَهلي أَمَةً روميةً، فوَلَدت لي غلامًا أسود مثلي، فسمَّيته عبد الله، وآخر سمَّيته عبيد الله، ثم طَبِنَ لها غلام روميٌّ، يقال له: يُحنَّس، فراطنها، فولدت منه غلامًا، كأنه وزغة، فرُفِعنا إلى عمر، فسألها، فقال: أترضيان أن أقضي بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش. قال: وأحسبه جلدهما، وكانا مملوكين.

ص/627 السطر قبل الأخير، سقط بعده ما يلي: قال أبو عبد الله البخاري: وقال عمر: تفقَّهوا قبل أن تسودوا. هكذا رواه معلَّقًا بصيغة الجزم. وقد رواه أبو عبيد القاسم بن سلاَّم في كتاب «الغريب» فقال: حدَّثناه ابن عُليَّة ومعاذ، عن ابن عون، عن ابن سيرين، عن الأحنف بن قيس، عن عمر، به. قال: ومعناه: تعلَّموا العلم ما دمتم صغارًا، قبل أن تصيروا سادةً رؤساء، منظورًا إليكم، فإذا لم تعلَّموا قبل ذلك استحييتم أن تعلَّموه بعد الكِبَرِ، فبقيتم جهالاً، تأخذونه من الأصاغر، فيزري ذلك بكم. ص/701 السطر التاسع، سقط بعده ما يلي: حديث في ذِكر بني بكر: قال البزَّار: حدثنا إبراهيم بن سعيد، حدثنا ابن أبي أويس، حدثنا زيد بن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جدِّه، عن أسلم قال: قال لي عمر: مَن صحبتَ في سفرِكَ هذا؟ قلت: قومًا من بني بكر بن وائل، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أخوك البَكري، ولا تَأمَنهُ». في إسناده ضعف بيِّن. وعند أحمد، وفي «سنن أبي داود» شاهد له من حديث محمد بن إسحاق، عن عيسى بن معمر بن عبد الله بن عمرو بن الفَغواء، عن أبيه قال: بَعَثنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بمالٍ إلى أبي سفيان، وذلك بعد الفتح، وذكر قصته مع عمرو بن أُميَّة، وصحابته له، ومعارضته له في طريقه، وفي الحديث: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال له: «أخوكَ البكري، ولا تَأمَنهُ».

الاستدراك الثاني: التصرف في النص بالزيادة والنقصان

الاستدراك الثاني: التصرف في النص بالزيادة والنقصان ص/164: وقد رواه الحاكم في «مستدركه» من حديث ابن عدي. والصواب: وقد رواه الحاكم في «مستدركه» من حديث ابن أبجَر، ثم قال: وهذه رواية شاذة، ولا تُعارِض ما رواه الناس عن طاوس، عن ابن عُمر: أنَّ عمر كان يرفع يديه في الركوع والرفع منه. ص/193: ورواه الترمذي في الدَّعوات عن محمد بن عبد الله بن بَزِيع، عن عبد الوارث بن سعيد، عن عَمرو بن دينار، مولى آل الزبير عنه، به، وقال: غريب، وعمرو -قهرمان آل الزبير- شيخ بصري، وهو ليس بالقوي في الحديث. والصواب: ورواه الترمذي في الدَّعوات عن محمد بن عبد الله بن بَزِيع، عن عبد الوارث بن سعيد، عن عَمرو بن دينار، به، وقال: هو شيخ بصري، وليس هو بالقوي. وقال البزَّار: لا يُتابع عليه. ص/235: أترك ما تركت لأريتني، ولا يحملون عني خطيئتي يوم القيامة، وأنتم تشيعوني وتدعوني، الجبار يخاصمني. والصواب: خَلَّفتُ ما تَرَكتُ لورثتي، والدَّيانُ يومَ القيامةِ يُخاصِمُني، وأنتم تُشيِّعوني وتَدَعُوني. ص/ 237: قال الشافعي: أنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر: أنَّ عمر قُتل وكُفِّن، وصلِّي عليه. قال الشافعي: وهو بهذا ذهب شهيدًا في غير حرب. قلت: وقال البيهقي: إنَّ عليًّا غُسِّل. والصواب: قال الشافعي: أنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر: أنَّ

عمر غُسِّل وكُفِّن، وصلِّي عليه. قال الشافعي: وهو شهيد، ولكنه صار إلى الشهادة في غير حرب. قلت: وروى البيهقي: أنَّ عليًّا غُسِّل وكُفِّن أيضًا. وفي هذا دلالة على أنَّ مَن قَتَله أهل البغيِّ يُغسَّل ويصلَّى عليه. ص/242: فجلست إلى عمر بن الخطاب، فمرَّت به جنازة، فأُثني على صاحبها خير، فقال: وجَبَت. ثم مُرَّ بأُخرى، وأُثني على صاحبها خيرًا، فقال عمر: وجَبَت. ثم مُرَّ بالثالثة فأُثني عليها شر، فقال عمر: وجَبَت. والصواب: فجلست إلى عمر بن الخطاب، فمَرَّت به جنازة، فأُثني على صاحبها خير، فقال: وجَبَت. وجَبَت. ثم مُرَّ بأُخرى، فأُثني شر، فقال عمر: وجَبَت. ص/257: مع أني أرجو أن أجد سبيلاً أن أحمل في البحر، فلما قدم أول عير، دعا الزبير -رضي الله عنه-، فقال: اخرج في أول هذه العير، فاستقبل بها نجدًا، فاحمل إلى كل أهل بيت قدرت أن تحملهم إلي، ومن لم تستطع حمله فمُر لكل أهل بيت ببعير بما عليه، ومُرهم فليلبسوا كساءين، ولينحروا البعير فيجملوا شحمه، وليقددوا لحمه، وليحتذوا جلده، ثم ليأخذوا كبَّة من قديد، وكبَّة من شحم، وجفنة من دقيق، فيطبخوا ويأكلوا حتى يأتيهم الله برزق، فأبى الزبير أن يخرج، فقال: أما والله لا تجد مثلها حتى تخرج من الدنيا، ثم دعا آخر، أظنه طلحة، فأبى، ثم دعا أبا عبيدة بن الجراح، فخرج في ذلك، وذكر باقي الحديث بنحوه. والصواب: مع أنِّي أرجو أن أجد سبيلاً أن أحمل في البحر، فلما قدم أوَّل عير، دعا عمر الزَّبير، فأمره أن يخرج ليفرِّقها على الأحياء، فأَبَى، ثم دعا طلحة، فأَبَى، فدعا أبا عبيدة، فخرج فيها، وذكر بقيَّته.

ص/338: ورواه أبو داود في الأيمان، عن محمد بن مِنهال، عن يزيد بن زُرَيع، حدثنا حبيب المُعلِّم، عن عمرو بن شعيب، عن سعيد بن المسيب، أنَّ أخوين من الأنصار كان بينهما ميراث، فسأل أحدهما صاحبه القسمة، فقال: إن عدتَ تسألني عن القسمة؛ فكل مالي في رتاج الكعبة. فقال له عمر: إن الكعبة غَنية عن مالك، كفِّر عن يمينك، وكلِّم أخاك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يمين عليك، ولا نذر في معصية الرب، وفي قطيعة الرحم، وفيما لا تملك». والصواب: ((ورواه أبو داود في الأيمان عن محمد بن مِنْهال، عن يزيد بن زُرَيع، عن حبيب المُعلِّم، به، وزاد: «ولا في قطيعة الرَّحم». ورواه المزني عن الحميدي، عن ابن أبي روَّاد، عن المثنَّى بن الصبَّاح، عن عمرو بن شعيب، عن سعيد بن المسيِّب: أنَّ عمر بن الخطاب قال فيمن جعل ماله في سبيل الله: يمينٌ، يكفِّرها ما يكفِّر اليمين. ص/366: والعبد الذي فيه، والمائة التي أطعمه محمد صلى الله عليه وسلم بالواد. والصواب: والعبد الذي فيه، والمائة السَّهم الذي بخيبر، ورقيقه الذي فيه، والمائة التي أطعمه محمد صلى الله عليه وسلم بالواد. ص/385: قال أبو بكر بن داود: ثنا إسماعيل بن محمد القاضي، أنا أبو ... ، ثنا حماد، عن أيوب، عن أبي قِلاَبة، عن حسان بن

بلال المزني: أنَّ يزيد بن قتادة حدَّث أنَّ رجلاً من أهله مات، وبعض ورثته كفار، فأسلموا بعد موته وقبل أن يقسم الميراث، فقال عمر: من أسلم على ميراث قبل أن يقسم ورث منه. والصواب: قال أبو بكر بن داود: ثنا إسماعيل بن محمد القاضي، أنا أبو الربيع الزهراني، ثنا حماد، عن أيوب، عن أبي قِلابة، عن حسان بن بلال المزني: أنَّ يزيد بن قتادة حدَّث أنَّ رجلاً من أهله مات وهو على غير الإسلام، فوَرِثته أختي دوني، وكانت على دينه، ثم إنَّ أبي أسلم، فشهد مع رسول الله حُنينًا، فمات، فأحرزت ميراثه سَنَة، وكان ترك نخلاً، ثم إنَّ أختي أسلمت، فخاصمتني في الميراث إلى عثمان بن عفان، فحدَّثه عبد الله بن الأرقم: أنَّ عمرَ -رضي الله عنه- قضى أنَّ من أَسلم على ميراث قبل أن يُقسَمَ فله نصيبه، فقضى به عثمان، فذهبت بذلك الأوَّل، وشاركتني في هذا. ص/394: والرجال ثلاثة: رجل عفيف، هيِّن ليِّن، ذو رأي ومشورة، وإذا نزل أمر اؤتمن رأيه، وصدر الأمور مصادرها، ورجل لا رأي له، وإذا نزل به أمر أتى ذا الرأي والمشورة فنزل عند رأيه، ورجل جائر، لا يأتم راشدًا، ولا يطيع مرشدًا. والصواب: والرجال ثلاثة: فرجل عاقل، إذا أقبلت الأمور وتشبَّهت، يؤتمر فيها أمره، وينزل عند رأيه، وآخر حائر بائر، لا يأتمر رشدًا، ولا يسمع مرشدًا. ص/398: قال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي: أنا الحسن بن سفيان، ثنا الرِّفاعي، ثنا أبو الحسين، ثنا عبد الله بن بُدَيل، عن الزهري، عن

سالم، عن أبيه، عن عمر: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه رجل، فقال: يا رسول الله، عندنا يتيمة قد خطبها رجلان: موسر ومعسر، وهي تهوى المعسر، ونحن نهوى الموسر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لم يُرَ للمتحابين مثل النكاح». والصواب: قال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي: أنا الحسن بن سفيان، ثنا الرِّفاعي، ثنا أبو الحسين، ثنا عبد الله بن بُدَيل، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن عمر: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الشُّؤم في ثلاثة: في الدَّابة، والمسكن، والمرأة». وكذا رواه أبو يعلى، عن أبي هشام الرِّفاعي، عن زيد بن الحُبَاب، عن عبد الله بن بُدَيل، به. وهذا حديث حسن الإسناد من هذا الوجه، وقد صحَّ من وجه آخر. ص/409 - 410: [ورواه منصور بن زاذان، عن محمد بن سيرين، قال: حدثنا أبو العجفاء ... ، فذكره. ورواه محمد بن سعيد بن سابق، عن عمرو بن أبي قيس، عن أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين، عن ابن أبي العجفاء، عن أبيه، عن عمر، وسماه بعضهم عبد الله بن أبي العجفاء] (¬1). قال الدارقطني: فإن كان عمرو بن قيس حفظه عن أيوب؛ فيشبه أن يكون ابن سيرين سَمِعَه من أبي العَجْفاء، وحفظه عن ابن أبي العَجْفاء، عن أبيه -والله أعلم- وذلك لقول منصور -وهو من الثقات الحفَّاظ- عن ابن سيرين: حدثنا أبو العَجْفاء، ولكثرة مَن تابَعَه ممن رواه عن ابن سيرين، عن أبي العَجْفاء، والله أعلم. ثم ذَكَر الدارقطني جماعة رووه من غير طريق أبي العَجْفاء، ثم قال: ولا يصح هذا الحديث إلا عن أبي العَجْفاء. قلت: بل قد رواه مسروق، عن عمرَ بن الخطاب بنحوه، كما سيأتي في كتاب التفسير إن شاء الله تعالى. والصواب: طريق أخرى: قال أحمد: ثنا سفيان، عن أيوب، عن ابن سيرين، سَمِعَه من أبي العَجْفاء قال: سَمِعتُ عمرَ يقول ... ، فذَكَره. طريق أخرى: قال أحمد: ثناه إسماعيل مرَّة أخرى، أنا سَلَمة، عن محمد بن ¬

(¬1) هكذا وضع المحقق هذا النص بين حاصرتين، وقال في الحاشية: «ما بين الحاصرتين زيادة من مسند الإمام أحمد، وليس في الأصل»، ولا أدري ما الذي أحوجه إلى إقحام هذه الزيادة في المتن!!

سيرين، عن أبي العَجْفاء قال: سَمِعتُ عمرَ يقول: ألا لا تَغلُوا صُدُقَ النساءِ ... ، فذَكَر الحديث. قال إسماعيل: وذَكَر أيوب وهشام وابن عَون، عن محمد، عن أبي العَجْفاء، عن عمرَ، نحوًا من حديث سَلَمة، إلا أنهم قالوا: لم يقل محمدٌ: نُبِّئتُ عن أبي العَجْفاء. وقد رواه أهل السُّنن في كتبهم بنحوه، فرواه أبو داود عن محمد بن عبيد، عن حماد بن زيد. والترمذي عن ابن أبي عمر، عن سفيان بن عيينة. كلاهما عن أيوب السَّختياني، عن محمد بن سيرين، عن أبي العَجْفاء السُّلمي -واسمه: هَرِم بن نُسَيب البصري-. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. ورواه ابن ماجه من حديث ابن عَون، عن محمد بن سيرين، به. وأخرجه النسائي عن علي بن حُجر، عن إسماعيل بن عُليَّة، عن أيوب، وابن عَون، وسَلَمة بن علقمة، وهشام بن حسان -دخل حديث بعضهم في بعض-، أربعتهم عن محمد بن سيرين، به. وفي حديث سَلَمة، عن ابن سيرين قال: نُبِّئتُ عن أبي العَجْفاء ... ، فذَكَره. ورواه ابن حبان في «صحيحه»، عن الحافظ أبي يعلى، عن زُهَير بن حرب، عن يزيد بن هارون، عن ابن عَون، وهشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي العَجْفاء، به. وقد رواه محمد بن سعيد بن سابق، عن عمرو بن أبي قيس، عن أيوب السَّختياني، عن محمد بن سيرين، عن ابن أبي العَجْفاء، عن أبيه، عن عمرَ، وسمَّاه بعضهم: عبد الله بن أبي العَجْفاء. قال الحافظ أبو الحسن الدارقطني -رحمه الله-: وقد خالف عمرو بن قيس الحمَّادان، وسفيان بن عيينة، وإسماعيل بن عُليَّة، والحارث بن عُمَير، وعبد الوهاب الثَّقَفي، ومعمر، فرووه عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي العَجْفاء. وكذا رواه عن ابن سيرين: ابن عَون، وهشام بن حسان،

ومنصور بن زَاذَان، وأشعث بن سوَّار، ومَطَر الوراق، والصَّلت بن دينار، ومحمد بن عمرو الأنصاري، وعوف الأعرابي، وإسماعيل بن مسلم، ومُجَّاعة بن الزُّبير، وعَبيدة بن حسان -هو: السِّنجاري-، وعُقبة بن خالد الشَّنِّي، ويحيى بن عَتيق، وأبو حُرَّة، وأخوه. قال: ورواه معاذ بن معاذ، عن ابن عَون، عن ابن سيرين، عن أبي العَجْفاء، أو ابن أبي العَجْفاء، عن عمرَ. وقال منصور بن زَاذَان، عن ابن سيرين: ثنا أبو العَجْفاء ... ، فذَكَره. قال الدارقطني: فإن كان عمرو بن قيس حفظه عن أيوب؛ فيشبه أن يكون ابن سيرين سَمِعَه من أبي العَجْفاء، وحفظه عن ابن أبي العَجْفاء، عن أبيه -والله أعلم-؛ وذلك لقول منصور -وهو من الثقات الحفَّاظ-، عن ابن سيرين: حدثنا أبو العَجْفاء، ولكثرة مَن تابَعَه ممن رواه عن ابن سيرين، عن أبي العَجْفاء، والله أعلم. ثم ذَكَر الدارقطني جماعة رووه من غير طريق أبي العَجْفاء، ثم قال: ولا يصح هذا الحديث إلا عن أبي العَجْفاء. قلت: بل قد رواه مسروق، عن عمرَ بن الخطاب بنحوه، كما سيأتي في كتاب التفسير إن شاء الله تعالى. ص/423: وقد رواه مالك عن الزهيري، عن سعيد بن المسيب وأبي بكر بن عبد الرحمن كانا يقولان في الرجل يُولي في امرأته: أنها إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطليقة، ولزوجها عليها الرجعة ما كانت في العدَّة. والصواب: وقد رواه مالك عن الزهري، عن سعيد وأبي بكر قولهما. ص/500: ولكن أرى الناس قد كثروا، فأرى أن تردوا على الناس، ففعل جرير ذلك، فأجازه عمر بثمانين دينارًا. والصواب: ولكني أرى أن تردُّوا على الناس.

ص/507: عن النعمان بن بشير: أنه أتي برجل غشى جارية امرأته، فقال: لا أقضي فيها إلا بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن كانت أحلتها له جلدته مائة، وإن لم تكن أذنت له رجمته. والصواب: عن النعمان بن بشير أنه ... (¬1) إليه رجلٌ وَقَع على جارية امرأته، فقال: لأقضينَّ فيها بقضاء رسول الله، إن كانت أحلَّتها له لأَجلدَنَّه مائةً، وإن لم تكن أحلَّتها له رَجَمتُهُ. ص/567: فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقام الصلاة نادى: أن لا يقربنَّ الصلاة سكران، فدعي عمر، فقرئت عليه، فلمَّا بلغ: {فهل أنتم منتهون} قال عمر: انتهينا، انتهينا. والصواب: فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقام الصلاة نادى: أن لا يقربنَّ الصلاة سكران، فدعي عمر، فقرئت عليه، فقال: اللهمَّ بَيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فنزلت الآية التي في المائدة، فدعي عمر، فقرئت عليه، فلمَّا بلغ: {فهل أنتم منتهون} قال عمر: انتهينا، انتهينا. ص/592: وروى أبو داود في «المراسيل» عن محمد بن عبيد، عن حماد، عن أيوب، عن أبي قِلاَبة: أنَّ عمرَ مرَّ بقوم من اليهود، فسَمِعَهم يَذكرون دعاءً من التوراة، فانتَسَخه، ثم جاء به إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فجعل يقرؤه، ووجه النبي صلى الله عليه وسلم يتغيَّر، فقال رجل: يا ابن الخطاب، ألا ترى ما في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فوضع عمر الكتاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عزَّ وجلَّ بعثني خاتمًا، وأُعطيت جوامع الكَلِم وخواتمه، واختُصر لي الحديث اختصارًا، فلا يُلهينكم المتهوكون»، فقلت لأبي قِلاَبة: ما المتهوكون؟ قال: المتجبرون. والصواب: وروى أبو داود في «المراسيل» عن محمد بن عبيد، عن ¬

(¬1) في هذا الموضع طمس في الأصل.

حماد، عن أيوب، عن أبي قِلاَبة: أنَّ عمرَ مرَّ بقوم من اليهود، فسَمِعَهم يَذكرون دعاءً من التوراة، فانتَسَخه، ثم جاء به إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ... ، فذَكَر الحديث. ص/593: ورواه ابن جرير في «تفسيره»، ومعاذ بن هشام، عن أبيه. ومعتمر بن سليمان، عن أبيه. كلُّهم عن أبي حُكَيمة، عن أبي عثمان، عن عمر. والصواب: ورواه ابن جرير في «تفسيره» من حديث حماد بن زيد ومعاذ بن هشام، عن أبيه. ومعتمر بن سليمان، عن أبيه. كلُّهم عن أبي حُكَيمة، عن أبي عثمان، عن عمرَ. وعن أبي عامر، عن قُرَّة بن خالد، عن عصمة أبي حُكَيمة، عن أبي عثمان، عن عمرَ، به. ص/644: وهكذا رواه الإمام أبو عبيد في كتاب «الغريب» عن ابن مهدي، عن سفيان بن عيينة، عن محمد بن عَجْلان، عن بكير بن الأشج، عن معمر بن أبي حبيبة، عن عبيد الله بن عدي، سمع عمر بن الخطاب يقول ذلك. والصواب: وهكذا رواه الإمام أبو عبيد في كتاب «الغريب» عن ابن مهدي، عن سفيان بن عيينة، عن محمد بن عَجْلان، به. وفسَّره بما تقدَّم أيضًا. ص/661: قال عمر: إنَّ أخوف ما أخاف عليكم ثلاثة: منافق بالقرآن، قرأ القرآن، فما أسقط منه أَلِفًا ولا واوًا، أضل الناس عن الهدى، وزلَّة عالِمٍ، وأئمَّة مضلُّون.

والصواب: قال عمر: إنَّ أخوف ما أخاف عليكم ثلاثة: منافق يقرأ القرآن، لا يُخطي منه واوًا ولا أَلِفًا، يجادلُ الناسَ أنه أعلم منهم، ليُضلَّهم عن الهدى، وزلَّة عالِمٍ، وأئمَّة مضلُّون. ص/674: كما في الصحيح من أنه عليه السلام أخبر سعد بن مالك عن خيرهم: المؤمن المجاهد بماله. والصواب: كما في الصحيح من أنه عليه السلام أخبر بقصة الدَّجَّال عن خبر تميم الداري له بذلك.

وههنا أمر ينبغي التنبيه عليه: لقد استوعب الحافظ ابن كثير غالب النصوص الواردة عن عمر -رضي الله عنه- في كتاب «غريب الحديث» لأبي عبيد، وثمَّت فرق واضح في نقل الحافظ ابن كثير، حيث أنه لم يلتزم بحرفية النقل لهذه النصوص، فماذا صنع المحقِّق الدكتور تجاه هذه النصوص؟ لقد قام بنقلها من النسخة المطبوعة من «غريب الحديث»، وترك المخطوط جانبًا لا شأن له به!! وهذا عبث بالتراث لا يُحتمل. واعلم أن عدد النصوص التي نقلها الحافظ ابن كثير من «غريب الحديث» (62) نصًّا، فلك أن تتخيل حجم الكارثة التي وقع فيها الدكتور بصنيعه هذا. وهذه بعض النماذج: ص/ 141: قال أبو عبيد: وحدثنا حجَّاج، عن شعبة، عن قتادة، عن أبي رافع، عن عمر: أنه كان يَنشُّ الناسَ بعد العشاء بالدِّرَّة، ويقول: انصرفوا إلى بيوتكم. هكذا الحديث: ينش. قال أبو عبيد: ونرى أن هذا ليس بمحفوظ. وقال بعض أهل العلم: إنما هو ينس، بالسين المهملة، يقول: يسوق الناس، والنس هو السوق؛ ومنه قول الحطيئة: وقد نظرتكم إيناء صادرة ... للورد طال بها حوزي وتنساسي فالحوز: السير اللين، والتنساس: الشديد، يقول: مرة أسوقها كذا ومرة كذا. قال أبو عبيد: فإن كان هذا الحرف هكذا، فهذا تصحيف بيِّن على المحدِّث، ولكني أحسبه: ينوش الناس (بالشين)، وهذا قد يقرب في اللفظ من ينش، ومعنى النوش صحيح ها هنا، إنما هو التناول، يقول: يتناولهم بالدرة، وقال الله تبارك وتعالى: {وأنى لهم التناوش من مكان بعيد}

إذا لم يهمز فهو من التناول؛ ومنه قيل: تناوش القوم في القتال، وكل مَن أنلته خيرًا أو شرًّا فقد نشته نوشًا، ومنه حديث علي -رضي الله عنه- حين سئل عن الوصية فقال: نوش بالمعروف، يعني أن يتناول الميت الموصى له بالشيء ولا يجحف بماله. والصواب: قال أبو عبيد: وحدثنا حجَّاج، عن شعبة، عن قتادة، (هو: أبو رافع)، عن عمر: أنه كان يَنشُّ الناسَ بعد العشاء بالدِّرَّة، ويقول: انصرفوا إلى بيوتكم. قال أبو عبيد: ويُروى بالسين المهملة، أي: يَسوقهم. قال أبو عبيد: ... أراد: سَوْقَ الناس ... يتناولهم بالدِّرَّة. ص/281: قال أبو عبيد: نرى أنه كان يستحبه لأنه كان لا يحب أن يفوت الرجل صيام العشر، ويستحبه نافلة، فإذا كان عليه شيء من رمضان كره أن يتنفل، وعليه من الفريضة شيء، فيقول: فيقضيها في العشر، فلا يكون أفطرها، ولا يكون بدأ بغير الفريضة، فيجتمع له الأمران، وليس وجهه عندي أنه كان يستحب تأخيرها عمدًا إلى العشر، ولكن هذا لمن فرَّط حتى يدخل العشر، وكان علي -رضي الله عنه- يكره قضاء رمضان في العشر، وذلك؛ لأن رأي علي -رحمه الله- كان على أن لا يقضي رمضان متفرِّقًا، فيقول: إن صام العشر ثم جاء العيد، وقد بقيت عليه أيام لم يستقم له أن يصوم يوم النحر، لما فيه من النهي، ولم يستقم له أن يفطر، فيكون قد فرَّق رمضان، وذلك عنده مكروه، فلهذا كره قضاء رمضان في العشر إن شاء الله! والصواب: قال أبو عبيد: معناه: أنه لا يتحرَّى التأخير إلى العَشر، ولكنه كان يَستحبُّ صيام العَشر، فإذا دخل على مَن عليه قضاء؛ صام قضاء، لئلاَّ يكون قد تطوَّع وعليه قضاء، فيجتمع له الأمران. قال: وإنما

كره علي القضاء في العَشر، لما كان يراه من القضاء على الولاء، وقد يدخل العيد، وقد بقي عليه شيء، فيفرِّق. ص/371: يعني بقوله: ليومها: يوم القيامة: اليوم الذي كان أعتق سائبته وتصدَّق بصدقته له، يقول: فلا يرجع إلى الانتفاع بشيء منها بعد ذلك في الدنيا، وذلك كالرجل يعتق عبده سائبة، ثم يموت المعتق ويترك مالاً، ولا وارث له إلا الذي أعتقه، يقول: فليس ينبغي له أن يرزأ من ميراثه شيئًا إلا أن يجعله في مثله، وكذلك يروى عن ابن عمر أنه فعل بميراث عبد له كان أعتقه سائبة، فإنما هذا منهم على وجه الفضل والثواب، ليس على أنه محرَّم، ألا ترى أنه إنما ردَّه عليه الكتاب والسُّنة؟ فكيف يحرم هذا؟ ولكنهم كانوا يكرهون أن يرجعوا في شيء جعلوه لله، إنما هذا بمنزلة رجل تصدق على أمه أو على أبيه بداره، ثم ماتا فورثهما فهذا حلال له - وإن تنزه عنه فهو أفضل. والصواب: قال أبو عبيد: معناه: من أعتق سائبة أو تصدَّق بشيء، فهما ليومهما إلى يوم القيامة، لا يرجع إلى شيء من الانتفاع بهما في الدُّنيا. قال: فإذا مات من أعتقه سائبة فرجع إليه ماله بالإرث الشَّرعي، فالأولى التورع عنه، فإن أخذه؛ فليصرفه في مثله، وكذلك فعل ابن عمر، وليس بمحرَّم عليه أكله، والله أعلم. ص/396: قوله: ما تصعدتني: أي ما شقَّت عليَّ، وكل شيء ركبته أو فعلته بمشقة عليك؛ فقد تصعدك؛ قال الله تبارك وتعالى: {ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء} ويروى أن أصل هذا من الصعود، وهي العقبة المنكرة الصعبة، يقال: وقعوا في صعود منكرة، وكؤود مثله، وكذلك هبوط وحدور، وقال الله تبارك وتعالى: {سأرهقه صعودا}.

والصواب: يعني: ما شقَّت عليَّ خطبة كخطبة النكاح، لقوله تعالى: {كأنما يصعد في السماء} وقوله: {يسلكه عذابا صعدا} وقوله: {سأرهقه صعودا}. ص/455: قال أبو عبيد: وهذا الحديث يحمله بعض أهل العلم على أن أهل القرى لا يعقلون عن أهل البادية، ولا أهل البادية عن أهل القرى، وفيه هذا التأويل وزيادة أيضًا أن العاقلة لا تحمل السِّن، والموضحة، والإصبع، وأشباه ذلك، مما كان دون الثلث في قول عمر وعلي، هذا قول أهل المدينة إلى اليوم، يقولون: ما كان دون الثلث فهو في مال الجاني في الخطأ، وأما أهل العراق فيرون أن الموضحة فما فوقها على العاقلة إذا كان خطأ، وما كان دون الموضحة فهو في مال الجاني، وإنما سماها مضغًا فيما نرى أنه صغَّرها وقلَّلها، كالمضغة من الإنسان في خلقه، وفي حديث عمر قال: لا يعقل أهل القرى الموضِحة، ويعقلها أهل البادية. روى عن حجَّاج، عن ابن جريج، عن ابن أبي مُلَيكة، عن ابن الزُّبير، عن عمر. والصواب: قال أبو عبيد: حمله بعض العلماء على أنَّ أَهل القرى لا يعقلون عن أهل البادية، ولا أهل البادية عن أهل القرى. ثم قال: وفيه هذا التأويل وزيادة، وأنَّ العاقلة لا تحمل السِّنَّ، و ... ، ولا مادون ثُلُث الدِّية. وهذا قول أهل المدينة إلى اليوم، وإنما هو في مال الجاني. قال: بخلاف أهل العراق، فإنهم يقولون: الموضحة فما فوقها على العاقلة، وما دونها في مال الجاني. قال أبو عبيد: وسمَّاها مُضغًا تصغيرًا لها. وحدثنا حجَّاج، عن ابن جريج، عن ابن أبي مُلَيكة، عن ابن الزُّبير، عن عمر قال: لا يعقل أهل القرى ... ، ويعقلها أهل البادية. قلت: صحيح، وحُكم غريب جدًّا، والله أعلم.

الاستدراك الثالث: التحريف والتصحيف في أسماء الرجال، ومتون الأحاديث

الاستدراك الثالث: التحريف والتصحيف في أسماء الرجال، ومتون الأحاديث الصفحة ... الخطأ ... الصواب ص 110 ... من أيها شاء ... من أيهن شاء ص 113 ... المغيرة بن شعلان ... المغيرة بن سقلاب الزارع بن نافع ... الوازع بن نافع ص 116 ... قيس بن الزمع ... قيس بن الربيع عمر لا يدري القُبلة ناقضة للوضوء ... عمر لا يرى القُبلة ناقضة للوضوء ص 122 ... ففرَّج حتى رجمته!! ... ففَجَج حتى رحمته ص 124 ... منفصل بين الزهري وعمر ... معضل بين الزهري وعمر ص 128 ... سفيان بن سلمة ... شقيق بن سلمة ص 130 ... حسن بن موسى ... أسد بن موسى ص 137 ... حتى يكون الله هو الذي أفسدها ... حتى يبدأ الله إفسادها وروي عن أسلم في ملأ ... وروي عن أسلم مرسلاً ص 141 ... النهي عن السَّهَر ... النهي عن السَّمَر ص 145 ... تبينت أن عمر ... نبئت أن عمر ص 149 ... فليشد به حقوته ... فليشد به حقويه ص 152 ... وإن كان فيه القطع ... وإن كان فيه انقطاع ص 158 ... أخبرني واحدة ... اختر مني واحدة ص 160 ... فقال أبو سلمة ... قال ابن سلمة وروى له أهل السُّنة ... وروى له أهل السُّنن ص 162 ... ويزيد بن الحنبلي ... وشريك بن الحنبل

ص 163 ... وقد يقال: إن كلام عمر شبهه ... وقد يقال: إن كلام عمر يقتضيه ص 171 ... وهو يعرفه ... وهو بعرفة حتى كاد يملأ ما بين شُعبَتي الرَّجُل!! ... حتى كاد يملأ ما بين شُعبَتي الرَّحْل ص 174 ... فامشُوا بالرُّكَب!! ... فأمِسُّوا بالرُّكَب ص 176 ... كعمر الراكب ... كغمر الراكب ص 187 ... لا يَقنتُ إلا في النص الثاني ... لا يَقنتُ إلا في النصف الباقي سياد بن حاتم ... سيار بن حاتم ص 197 ... إذا روى عن غير السامعين ... إذا روى عن غير الشاميين ص 198 ... سمعت عمر بن الخطاب على البئر ... سمعت عمر بن الخطاب على المنبر ص 199 ... فقد روى السخاوي ... فقد روى البخاري ص 206 ... هذا منتصف النهار ... قد انتصف النهار ص 207 ... عبد الله بن مسلمة ... عبد الله بن سلمة ص 208 ... عن أبي داود الطيالسي ... عن أبي الوليد الطيالسي ص 210 ... لم يشرب فيها في الآخرة ... لم يشرب منها في الآخرة ص 212 ... عن عبد الواحد ... عن عبد الوارث ص 213 ... دخلت المدينة ... قدمت المدينة ص 215 ... وانتحلوا الخفاف ... وانتعلوا الخفاف ص 218 ... فشطر ما فضل عن أصابعه ... فنظر ما فضل عن أصابعه ص 221 ... يكبِّر في مبيته ... يكبِّر في قُبَّته يبرح منى مكبِّرًا ... ترتج منىً تكبيرًا ص 224 ... من قضاء السوء ... من قضاة السوء ص 225 ... إني لأحذركم ... إني لأجدركم ص 226 ... مالك تكتئب ... مالك مكتئب

محمد بن الهيثم ... عبثر بن القاسم ص 228 ... أخو بني أمية ... أخو بني معاوية ص 234 ... جواز البكاء من غير قنوت ... جواز البكاء من غير صوت عند قدوم القائد ... عند قدوم الغائب المراد منه هنا رفع العلم ... المراد منه هنا رفع الصوت ص 240 ... فامض بخدي إلى الأرض ... فافض بخدي إلى الأرض بنيه الحجر ... بفيه الحجر حديث في بعث الأجناد ... حديث في بعث الأجساد عبد الرحمن بن جابر ... عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بلغني أنك تقولن ما لا ينبغي ... بلغني أنك تقولهن لا ينبغي ص 241 ... أنا سمعت ما وعدك ... قد أسلمت ووعدك ص 248 ... جاء مائتان ... جاء ناس عاصم بن حمزة ... عاصم بن ضمرة ص 271 ... أن من يبشر برؤية الهلال ... أن من انفرد برؤية الهلال ص 276 ... والقول الأول لجبارة بن حزم ... والقول الأول اختاره ابن حزم ص 280 ... البراء بن قيس ... البراء بن عازب ص 284 ... كان عمر يرد الصوم ... كان عمر يسرد الصوم ص 301 ... زيد بن صحان ... زيد بن صوحان ص 331 ... وكبَّر معه المسلمون ... وكنس معه المسلمون ص 339 ... فتكلم فيه بقوله ... فكُلِّم فيه فتركه ص 360 ... ابن جرير العدوي ... ابن حجير العدوي ص 361 ... واتق دعوة المظلوم ... واتق دعوة المسلمين يأتي ببينة ... يأتي ببنيه

ص 365 ... حديث في الموقف ... حديث في الوقف ص 383 ... أثر في الشركة ... أثر في المشرَّكة، وهي الحِمَارية ص 389 ... أخرجته إلى ما ترى ... أحوجته إلى ما ترى ص 396 ... حرَّكوا من غزائلهم ... حرَّكوا من غرابيلهم إذا سمع دفًا أو كِبرًا ... إذا سمع صوت دف أو كَبَر ص 422 ... بطرف المدينة ... يطوف بالمدينة واسود جانبه ... تسري كواكبه ثم وجَّه إليها بنسوة ونفقة ... ثم وجَّه إليها بكسوة ونفقة ص 423 ... وهو أملك تزدها ... وهو أملك بردِّها ص 426 ... فعجزوا عن تغطيتها ... فعجزوا عن نفقتها ص 428 ... ورجل يسعى بين المؤمنين بالأحاديث ليتباغضوا ويتحاسدوا ... ورجل يسعى بالأحاديث بين المؤمنين ليتعادوا ص 429 ... عن نافع، عن عمر ... عن نافع، عن صفية، عن عمر ص 432 ... وإن كان قد أخَّرها ... وإن كان قد أكَّدها أخبرني بلال ... أخبرني هلال بريد بن الخصيب ... بريدة بن الحصيب ص 433 ... حتى تغتسل من الحيضة التالية ... حتى تغتسل من الحيضة الثالثة ص 434 ... ثم رفعتها حيضتها ... ثم رفعتها حيضة فإن بان لها حمل ... فإن بان بها حمل ص 435 ... ثم تعتد ... ثم تنتظر أخبرنا الثقة ... أخبرنا الثقفي لرأيت أن يحق لها ... لرأيت أنه أحق بها ص 436 ... في أحكام المفقود ... في أحكام التنبيه

الشافعي في مسنده ... الشافعي في القديم ص 444 ... عن سفيان ... عن شقيق يستوي في السِّن والنفس ... يستوي في السِّن والموضحة ص 450 ... لا تفعله العاقلة ... لا تعقله العاقلة وعبد الملك هذا يضعَّف فيه ... وعبد الملك هذا تكلَّموا فيه ص 456 ... فرمته بحجر ... فرمته بفِهْر ص 459 ... إلا أن يسأل الانتظار ... إلا أن يسأل الإنظار فهذه كافة أقوال الأئمة ... فهذه حكاية أقوال الأئمة ص 467 ... ينفِّذ لكما قضية رسول الله ... ينفِّذ لكما فريضة رسول الله أن القضية أربع من الإبل ... أن الفريضة أربع من الإبل ص 468 ... وإنما حلَّ القضية بين القوم وعمر ... وإنما حكى القضية القوم الذين أتوا عمر ص 470 ... إني كنت امرأً ملصقًا في قريش ولم أكن من أنفسها ... أما والله إني لناصح لله ولرسوله ص 473 ... فأدركت القرابة ... فأدركت العراب لقد أذكرني أمرًا كنت أنسيته ... لقد أُذكرت به ص 476 ... فإذا أجدت فشأنك ... فإذا أجزت فشأنك ص 477 ... فرض لأهل بدر خمسة آلاف ... فرض لأهل بدر ستة آلاف عن أبي مسلم ... عن أبي سلمة ص 481 ... يقسم بالتسوية ... يقسم بالسوية ص 484 ... لو أنه مكث ما قلت أعطيه ... لو أنه مكث ما زلت أعطيه ص 485 ... خاصمتني أمة محمد ... تخاصمني أمة محمد ونفسك شكًّا ... ويقينك شكًّا ص 486 ... أبو روق القرابي ... أبو روق الهزاني

على ماء سقي الفرات ... على ما سقى الفرات وكارعها ... وأكارعها ص 487 ... عن سفيان، عن جابر ... عن سفيان، عن أبي الزبير، عن جابر ص 488 ... أخو بني مسلمة ... أخي بني سلمة ص 489 ... وألا نؤتى في كنائسنا ... وألا نؤوي في كنائسنا أو ناقوسنا في شيء من طرق المسلمين ... أو نجسًا في شيء من طرق المسلمين ولا نجاوزهم بموتانا ... ولا نجاورهم بموتانا وقد حلَّ لكم من أهل المعاندة ... وقد حلَّ لكم منا ما يحل لكم من أهل المعاندة ص 491 ... حميد بن خالد بن عبد الرحمن ... حميد بن خالد، عن خالد بن عبد الرحمن سلامة بن قبيص ... سلامة بن قيصر فليوسعهم من جريب الأرض ... فليوسعهم من خراب الأرض ص 492 ... سمعت عمر رضي الله عنه يقول: لا تُبنى بيعة في الإسلام ... سمعت عمر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تُبنى بيعة في الإسلام ص 493 ... ليعرف أن من أهل الكتاب ... ليعرف زِيّهم من زي أهل الإسلام ص 496 ... أن توفى لهم بعدهم ... أن يوفي لهم بعهدهم ص 498 ... فأخاف أن يفسدوا عليكم ... فأخاف أن تفاسدوا بينكم ص 503 ... في سياقه هذا غير أنه قال ... في سياقه غرابة فإن ص 504 ... عن عبيد بن عبد الله ... عن عبيد الله بن عبد الله ص 505 ... سمع عمرٌ وسعيد بن المسيّب ... سمع عمرو سعيدَ بن المسيّب ص 506 ... وكان عثمان جالسًا فاضطجع ... وعثمان جالس مقنعًا رأسه أراها تستسهل به ... أراها تستهل به ص 507 ... يجوز التعزير بالحد في الزنى لمن فعل ذلك ونسبها ... يجوز التعزير بالحد الأدنى في الزنى لمن فعل ذلك شبهة

ص 508 ... تلج به في شِعْرها ... تلهج به في شِعْرها ص 509 ... وأما قصة المغيرة بن شعبة وأبي بَكرة فستأتي ... وأما خبر أبي بَكرة فسيأتي في الشهادات ص 517 ... وكان يرفو لباسه ... وكان يُرفد لبأسه ص 522 ... إن لنا جيرانًا يشربون الخمر ويفعلون ويفعلون ... إن لنا جيرانًا يشربون الخمر فيفعلون ويفعلون فيُرفعون؟ ص 523 ... لا يستحقون شيئًا من الخير ... لا يستحقون شيئًا من الخُمُس بقيَّة بن الربيع ... قيس بن الربيع ص 526 ... حربي بن عمارة ... حَرَمي بن عمارة ص 529 ... يريدون أن يخزلونا ... تريدون أن تختزلونا ص 535 ... إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر قال: قال عمر ... إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر قال: سمعت عبد الملك بن عمير قال: قال عمر ص 536 ... وعنه إبراهيم بن المنذر الحزامي، وذكر شيخًا آخر ... وعنه إبراهيم بن المنذر، ولم يزد على هذا، ولهم شيخ آخر روى عن اليمان بن عدي، ومحمد بن حرب، وعمر بن صالح، وأبي حيوة المقرئ ... روى عن بقيَّة وطبقته ص 537 ... يعقوب، عن إبراهيم بن سعد الزهري، عن أبيه قال: ... يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري، عن أبيه، عن الزهري محمد بن يحيى، عن معمر ... محمد بن يحيى، عن عبد الرزاق، عن معمر ص 539 ... وإن كانت له ذنوب يستثنى بها ... وإن كانت له ذنوب يستسر بها ص 541 ... فلما قدم على عمر بكرة بهذا الشعر ... فلما قدم على عمر بكته بهذا الشعر ص 545 ... فبالحري أن ينقلب كفافًا ... سأل التَّفلُتَ كفافًا

ص 546 ... رواه الإسماعيلي مسنَدًا، فلعله لم يجبر عليه عثمان ... رواه الإسماعيلي في «مسند عمر»، فلعله تصحَّف عليه بعثمان ص 547 ... فمن خلصت نيته في الحق وأقبل على نفسه ... فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه فإنَّ اللهَ تولَّى منكم السرائر، ودرأ بالبيِّنات والأيمان ... فإنَّ اللهَ تولَّى من عباده السرائر، وستر عليهم الحدودَ إلا بالبيِّنات والأيمان ص 548 ... ويروى عن أبي الهذلي ... وروى عن أبي المليح الهذلي أن أقضي بعلم ... أن أُفتي بعلم ص 551 ... في بيته توفي الحَكَم ... في بيته يُؤتى الحَكَم ص 553 ... عن أبي ماجدة ... عن ابن ماجدة ص 556 ... ومجاورة الجبارين ... ومجاورة الخنازير ص 574 ... وجوب الاستفتاء في ذلك ... وجوب الاستثناء في ذلك ص 575 ... فقضى للحق على الباطل ... فقضى للمحق على المبطل ص 579 ... فقال: أبو حذافة ... فقال: أبوك حذافة ص 580 ... ربيعة بن معاوية ... زهير بن معاوية الأنعام من مواجب القرآن ... الأنعام من نواجب القرآن ص 593 ... عن شديد ... عن عكرمة (وإن كان مكرهم لتزول) ... (وإن كاد مكرهم) بالدال ص 594 ... عن أبي نضرة، عن رجل من عند المسلمين، يقال له جابر: أن عمر ... عن أبي نضرة، عن رجل من عند ... ، يقال له جابر، أو جويبر -شك أبو مسعود- امرأة من السَّبي تحلب ثديها تسقي ... امرأة من السَّبي تسعى ص 600 ... فرسًا له همهمة ... فرسًا لها حمحمة لا أعلم أحدًا روى عنه إلا يعقوب ... لا أعلم أحدًا روى عنه إلا القُمِّي

ص 601 ... فازجر عن ذلك وحُل دونه ... فانْهَ من قِبلك عن ذلك ص 602 ... سمعت حكيم بن حزام ... سمعت هشام بن حكيم بن حزام ص 604 ... ورجوع عياش إلى مكة واقتتاله ... ورجوع عياش إلى مكة وافتتانه ص 607 ... ففرَّ لها بربوة عِيدَ عشرين يومًا ... فرَبَا لها رَبوةً، عِيدَ منها عشرين يومًا خَرَجتُ ليلة لمخر شيء، لم يخرج أحد من الحربيين غيري ... خَرَجتُ ليلة لِمَحرَسي، لم يخرج أحد من الحرس غيري ص 614 ... مَن علَّمك هذا؟ ... مَن أملى عليك هذا؟ عن ابن عمر قال: قال النبي ... عن ابن عمر، عن عمر قال: قال النبي ص 625 ... عن أشعث الحسن ... عن أشعث، عن الحسن ص 635 ... وأنه مَن سأعمل خيرًا، ومَن سأعمل شرًّا ... وأنه مَن شاء عمل خيرًا، ومَن شاء عمل شرًّا ص 637 ... رواه غُندر بن حميد ... رواه عَبد بن حميد ص 643 ... رفعه الله حكمة ... رفع الله حَكَمته ص 646 ... إلا جاء عواءً عشية ... إلا جاعوا عشية ص 647 ... بلغ أن يزيد ... بلغ عمر أن يزيد ثم قرِّب شواء فبسط يزيد يده وكَفَّ عمر ... ثم قرِّب شواء، فكَفَّ عمر فأخذ يأخذ منه العَرْقَ فينهه ... فجعل يأخذُ منه العَرْقَ فيَنهَسُهُ ص 654 ... عن عمر مرفوعًا ... عن عمر موقوفًا ورواه قبيصة ... ورواه قتيبة ص 659 ... محمد بن جبير ... محمد بن حمير ص 664 ... فإنه لم يقترف بغير الظلم ... فإنه لم يترف بغير الظلم وتكفير مستتيبيه ... وتكفير مستنيبيه ص 669 ... وقاه الله حرَّ الناس ... وقاه الله حرَّ النار

ص 670 ... ليخر بعيره فيعثر فرثه ... لَيَنحر بعيره فيعصر فرثه ص 678 ... أحمد بن عمرو القطراني ... أحمد بن عمرو القطواني وعبد الله بن سعود ... وعبد الله بن مسعود ص 680 ... عن ابن أبي نافع ... عن ابن أبي رافع ص 682 ... وأسنده شعبة، فقال: عن ابن أبزى، ولا نعلم حدَّث عن شعبة إلا وهب ... وتفرَّد برفعه وهب بن جرير، عن شعبة، عن إسماعيل ص 703 ... وقد تسامح الحافظ ... وقد تسمح الحافظ ص 705 ... والآثار المسندة ... والآثار المسدَّدة

الاستدراك الرابع: إسقاطه لجميع تعليقات الحافظ ابن حجر

الاستدراك الرابع: إسقاطه لجميع تعليقات الحافظ ابن حجر لقد امتازت هذه النسخة بقراءة الحافظ ابن حجر لها، وتعليقه عليها تعليقات نفيسة، فماذا صنع الدكتور قلعجي غفر الله له؟!! لقد حذفها برمَّتها، ولم يشر إلى شيء من ذلك. وهذه بعض النماذج التي أسقطها: أ - عند الحديث (168): قال الحافظ ابن حجر: له علَّة خفية، رواه الحسن بن عرفة، عن كثير بن هشام، فأدخل بينه وبين جعفر رجلاً ضعيفًا جدًّا، وهو: عيسى بن إبراهيم، أخرجه ابن السُّني، والبيهقي من طريق الحسن بن عرفة، والحسن أتقن من جعفر بن مُسافِر، وكان كثير بن هشام حدَّثه بالعنعنة، ولكن جعفر بن مُسافِر أسقط الضعيف، فقال: عن كثير: حدَّثنا! وخفي عليه أن بينهما واسطة، وأكَّد ذلك عنه أن كثير بن هشام ذكر الرواية عن جعفر بواسطة. ب - وعند الحديث (311): قال الحافظ ابن حجر: فاته حديث عمر في الدعاء يوم عرفة: أخرجه البيهقي من طريق بَكر بن عَتيق، عن سالم بن عبد الله بن عُمر، حدثني أبي، عن عُمرَ، فذكره، وفيه قصَّة لبَكر مع عَتيق. ج - وعند الحديث (837): قال الحافظ ابن حجر: هذا علَّقه البخاري عن عُمرَ، فذَكَرتُ في «تغليق التعليق»، مَن وَصَله، وهو في كتاب أشهر من هذا الجزء.

الاستدراك الخامس: إتيانه بنص لا وجود لها في النسخة الخطية

الاستدراك الخامس: إتيانه بنص لا وجود لها في النسخة الخطية في ص/419: طلاق الحائض: قال مالك، عن نافع: أنَّ عبد الله ابن عمر طلَّق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مُره فليراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعدُ، وإن شاء طلَّق قبل أن يمسَّ، فتلك العدَّة التي أمر الله أن يُطلَّق لها النساء». وهذا النص لا وجود له في النسخة الخطية، ولا أدري من أين جاء به؟!

وأخيرا: وقفة مع حواشي الدكتور قلعجي

وأخيرًا: وقفة مع حواشي الدكتور قلعجي: من عادة الدكتور قلعجي في تحقيقاته للكتب أن يُكثر من الحواشي التي لا حاجة إليها، والتي لا تقدِّم أي خدمة للنص المحقَّق، ومن أبرز النماذج على ذلك: ما صنعه في تحقيقه لـ «معرفة السُّنن والآثار» للبيهقي، و «الاستذكار» لابن عبد البر، وشبيه بهما ما صنعه في هذا الكتاب، فإن كثيرًا من حواشيه بعيدة كل البعد عن خدمة النص، ولو أن الدكتور قلعجي أولى النص الخدمة اللائقة لما كان عليه عتب في هذه الحواشي لو كان يرى لها فائدة، لكنه -وللأسف- عكس الأمر، فأهمل النص، وانشغل بغيره!! وهذه بعض النماذج من حواشي الدكتور: في ص/108، حاشية (11) علَّق على حديث «إنما الأعمال بالنيات» تعليقًا فقهيًا في ثلاثين سطرًا لا حاجة إليه إطلاقًا! وترك التعليق على سقط في المخطوط لم ينبِّه عليه! وقارن برقم (2) من طبعتنا. ص/132، حاشية (89) ترجم لابن حبان البُستي ترجمة مطولة في أكثر من عشرين سطرًا، وترك التعليق على ما هو أهم، فقارن برقم (36، 37) من طبعتنا، لترى الفرق بين التعليقين. ولا أدري ما الفائدة من هذه الترجمة؟! وهناك عشرات المصنِّفين لم يترجم لهم، فلماذا اختار ابن حبان من بينهم؟! وفي ص/153، حاشية (47) علَّق على قول عمر رضي الله عنه: «أكِنَّ الناس من المطر، وإيَّاك أن تحمِّر أو تصفِّر، فتَفتن الناس»، تعليقًا فقهيًا في ثلاثين

سطرًا في النهي عن زخرفة المساجد، وأول مَن زخرفها، وكل هذا لا حاجة إليه! وفي ص/173، حاشية (99) ترجم لعبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- في سبعة عشر سطرًا، ولا أدري ما الفائدة من هذه الترجمة؟! وهي ليست منهجًا له في الكتاب، فهناك مئات الرواة من الصحابة وغيرهم أغفل تراجمهم! وفي ص/184، حاشية (123) ترجم لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في ستة وأربعين سطرًا! ولم يكتف بالترجمة التي كتبها في المقدمة في تسعة وثلاثين صفحة، زد على هذا أنه ترك التعليق على قول عمر: «إني لأجهِّز جيشي وأنا في الصلاة»، فبعد أن عزاه للبخاري معلَّقًا، لم يكلِّف نفسه عناء البحث عمَّن وَصَله! وفي ص/190، حاشية (132) علَّق على قول عمر -رضي الله عنه-: «إنَّ الله لم يَفرض السُّجودَ إلا أن نشاء»، تعليقًا فقهيًا مطوَّلا في ثمانية عشر سطرًا، سرد فيه أقوال العلماء في عدم وجوب سجود التلاوة! وكذا صنع في الحاشية التي تليها! وكل هذا حشو ليس فيه كبير فائدة عند تحقيق كتاب حديثي كهذا. وفي ص/196 - 198، حاشية (151 - 157) ترجم لجماعة من الصحابة والرواة، وترك التعليق على النص في مواضع مشكِلة، فقارن برقم (121، 122) من طبعتنا. وفي ص/442 - 452، حاشية (14 - 47) علَّق عدَّة تعليقات فقهية متفرقة عن أحكام الدِّية، ونقل كثيرًا من آراء الفقهاء في ذلك، وترك متن الكتاب لا شأن له به!

وهكذا يصنع الدكتور -غفر الله له- في جميع الكتب التي يحقِّقها، ولست ألوم الدكتور على صنيعه هذا -إن كان يرى فيه فائدة-، وإنما ألومه على إهماله لخدمة النص الذي هو الغاية المنشودة من تحقيق الكتب.

فهرس الفوائد

فهرس الفوائد سماع محمد بن سواء من ابن أبي عروبة قبل الاختلاط 1/ 136 حديث من «مستدرك الحاكم» ليس في المطبوع، ولا «إتحاف المهرة» 1/ 217 شروط عمر على أهل الذمة محل إجماع 2/ 224 توقف أبي حاتم الرازي في تصحيح حديث 1/ 389 درة من درر الإمام الألباني 2/ 381 بين ابن أبي حاتم الرازي والدارقطني 1/ 207 بين الإمام أحمد والحاكم والدارقطني 1/ 218 بين البخاري والدارقطني 1/ 233 بين ابن المديني وأبي حاتم والدارقطني 1/ 390 بين الإمام أحمد وابن المديني والنسائي وابن حبان 1/ 418 بين الدارقطني والطحاوي وابن حبان وابن القطان الفاسي والألباني 1/ 644 بين ابن المديني وأبي زرعة 2/ 315 بين الدارقطني وابن كثير 2/ 364 بين ابن تيمية وابن حزم والبوصيري 2/ 374 بين ابن حزم والبيهقي وابن كثير والهيثمي 2/ 499 الاختلاف بين الرفع والوقف:2/ 155

السقط

السقط: سقط في مخطوط «مسند الفاروق» 1/ 262 سقط في «المطر والرعد والبرق» لابن أبي الدُّنيا 1/ 320 سقط في «المداراة» لابن أبي الدُّنيا 1/ 373 سقط في «المستدرك»، و «إتحاف المهرة» 1/ 404 و 2/ 540 سقط في «سنن الترمذي» 1/ 409 سقط في «غريب الحديث» لأبي عبيد 1/ 415، 451، 600، 623 سقط في «مصنف ابن أبي شيبة» 1/ 464، 626 سقط في «علل الدارقطني» 1/ 493 سقط في «مسند أحمد» 1/ 494 سقط في «الأحاديث المختارة» 2/ 323 سقط في «جامع معمر» 2/ 444 سقط في «سنن الدارقطني» 1/ 562 سقط في «المقصد العلي» للهيثمي 1/ 613 التصحيفات: تصحيف في «المقصد العلي» 1/ 181، 209 و 2/ 260 تصحيف في «سنن الدارقطني» 1/ 112 تصحيف في «جزء علي بن حرب» 1/ 126 تصحيف في «مصنف ابن أبي شيبة» 1/ 127، 133 تصحيف في «سنن النسائي» 1/ 151 تصحيف في «فضائل القرآن» للمستغفري 1/ 153 تصحيف في «سنن ابن ماجه» 1/ 157 تصحيف في «سنن النسائي الكبرى» 1/ 234 تصحيف في «المنتظم» لابن الجوزي 1/ 261 تصحيف في «فضائل رمضان» لابن أبي الدُّنيا 1/ 261 تصحيف في «الترغيب والترهيب» للأصبهاني 1/ 261 تصحيف في «سنن الترمذي» 1/ 263 تصحيف في «تاريخ المدينة» لابن شبة 1/ 353 تصحيف في «تاريخ دمشق» لابن عساكر 1/ 395، 396 تصحيف في «الأموال» لأبي عبيد 2/ 232 تصحيف في مخطوط «مسند الفاروق» 2/ 239 تصحيف في «غريب الحديث» لأبي عبيد 2/ 248 تصحيف في «الإشراف على منازل الأشراف» لابن أبي الدُّنيا 2/ 328

التحريفات

التحريفات: تحريف في «سنن الدارقطني» 1/ 450 تحريف في «غريب الحديث» لأبي عبيد 1/ 451، 600 تحريف في «الأحاديث المختارة» 1/ 501، 551 تحريف في «علل ابن أبي حاتم» 1/ 505 تحريف في «حلية الأولياء» 1/ 530 و 2/ 614 تحريف في «إصلاح المال» لابن أبي الدُّنيا 1/ 554، 555، 571 و 2/ 538 تحريف في «سنن سعيد بن منصور» 1/ 580 تحريف في «الأوسط» لابن المنذر 2/ 228 تحريف في «الأموال» لأبي عبيد وابن زنجويه 2/ 228 تحريف في مخطوط «مسند الفاروق» 2/ 228 تحريف في «مصنف ابن أبي شيبة» 2/ 230 تحريف في «الكنى والأسماء» للدُّولابي 2/ 399 تحريف في «المقصد العلي» للهيثمي 2/ 526 تحريف في «الدعاء» للطبراني 2/ 528 تحريف في «المعجم الصغير» للطبراني 2/ 530 تحريف في «علل الدارقطني» 2/ 545 تحريف في «السنة» لابن أبي عاصم 2/ 558

الاختلافات

الاختلافات: اختلاف بين نسخ «مسند الإمام أحمد» 1/ 135، 156، 160، 209، 213، 254، 281، 282، 288، 296، 339، 346، 360، 380، 388، 398، 422، 496، 536، 574 الاختلاف بين نسخ «سنن الدارقطني» 1/ 139، 188، 269، 508 اختلاف بين نسخ «الأحاديث المختارة» للضياء المقدسي 1/ 163 الاختلاف بين نسخ «صحيح البخاري» 1/ 200، 292، 360، 566، 567، 587، 597، 598، 599 و 2/ 269، 297 - 298، 313، 372، 522 الاختلاف بين نسخ «غريب الحديث» لأبي عبيد 1/ 228 الاختلاف بين نسخ «المعجم الصغير» للطبراني 1/ 241 الاختلاف بين نسخ «المعجم الأوسط» للطبراني 1/ 241، 411 الاختلاف بين نسخ «الأم» للشافعي 1/ 315، 316، 368، 374، 375 الاختلاف بين نسخ «صحيح ابن حبان» 1/ 248، 379 الاختلاف بين نسخ «مجابو الدعوة» لابن أبي الدُّنيا 1/ 320 الاختلاف بين نسخ «القبور» لابن أبي الدُّنيا 1/ 345، 358 الاختلاف بين نسخ «البعث» لابن أبي الدُّنيا 1/ 356 الاختلاف بين نسخ «المستدرك» 1/ 383 الاختلاف بين نسخ «الغيلانيات» 1/ 405

الاختلاف بين نسخ «مسند البزار» 1/ 478 و 2/ 342، 579، 591 الاختلاف بين نسخ «سنن أبي داود» 1/ 539، 608 و 2/ 333، 476، 478، 548 الاختلاف بين نسخ «صحيح مسلم» 1/ 544، 545 و 2/ 488، 608 اختلاف بين نسخ «الأدب المفرد» 1/ 553 الاختلاف بين نسخ «سنن النسائي الكبرى» 1/ 602، 636 و 2/ 548 الاختلاف بين نسخ «الموطأ» لمالك 1/ 614، 625 و 2/ 331، 536 اختلاف في نقل حكم الترمذي 1/ 641 اختلاف في إسناد بين المطبوع من «الأموال» لأبي عبيد، و «أحكام أهل الذمة» لابن القيم، و «أحكام أهل الملل» للخلال 2/ 228 - 229 الاختلاف في سياق إسنادين بين ابن كثير وابن تيمية 2/ 231 الاختلاف بين نسخ «حلية الأولياء» لأبي نعيم 2/ 270، 614، 615، 617 الاختلاف بين نسخ «تاريخ بغداد» 2/ 274 اختلاف بين نسخ «أخبار القضاة» لوكيع بن خلف 2/ 320 الاختلاف بين نسخ «التاريخ الكبير» للبخاري 2/ 333 الاختلاف بين نسخ «مسند الطيالسي» 2/ 335، 442، 443 الاختلاف بين نسخ «مصنف ابن أبي شيبة» 2/ 344 الاختلاف بين نسخ «سنن البيهقي» 2/ 345 ذِكر ابن كثير لإسناد للبخاري لا وجود له في المطبوع، ولا في «تحفة الأشراف» 2/ 373 الاختلاف بين نسخ «تفسير ابن أبي حاتم» 2/ 386 الاختلاف بين نسخ «سنن الترمذي» 2/ 408 الاختلاف بين نسخ «المعجم الكبير» للطبراني 2/ 447 الاختلاف بين نسخ «مسند أبي يعلى» 2/ 519، 524، 644 الاختلاف بين نسخ «الجرح والتعديل» و «العلل» لابن أبي حاتم 2/ 519 الاختلاف بين نسخ «الزاهر في معاني كلمات الناس» لابن الأنباري 2/ 531 الاختلاف بين نسخ «دلائل النبوة» للبيهقي 2/ 639

الاستدراكات

الاستدراكات: استدراك على محقق «الكواكب النيرات» لابن الكيال 1/ 136 استدراك على عبدالعزيز الطريفي 1/ 134 استدراك على الشيخ بكر أبو زيد 1/ 326 استدراك على الإمام علي بن المديني 2/ 449 التعقبات: تعقبات أهل العلم بعضهم على بعض: تعقب أحمد شاكر والألباني للترمذي 1/ 120، 121 تعقب ابن التركماني للبيهقي 1/ 203 تعقب الألباني للزيلعي 1/ 591 تعقب الذهبي للحاكم 1/ 643، 2/ 436، 446، 534، 581، 590 تعقب أحمد شاكر لابن حجر 2/ 178 تعقب الألباني لحسين أسد 2/ 318 تعقب ابن حجر وأحمد شاكر لابن حزم 2/ 319 تعقب الألباني للعقيلي 2/ 329 تعقب الألباني لابن القيم 2/ 422 تعقب الألباني للحاكم والذهبي 2/ 446 تعقب ابن حجر لابن كثير 2/ 585 تعقبات المحقق: تعقب المحقق لابن كثير 1/ 113، 115، 122، 143، 157، 179، 198، 202، 240، 277، 286، 287، 301، 323، 329، 333، 371، 374، 376، 392، 462، 544، 548، 580، 610 و 2/ 229، 288، 306، 351، 352، 381، 398، 474، 501، 542، 543، 574، 575، 578، 602، 639 تعقب المحقق لمحققي «مسند الإمام أحمد» ط مؤسسة الرسالة 1/ 114، 123، 124، 135، 156، 197، 233، 246، 366، 390، 418، 439، 465، 497، 499، 535، 565، 576، 620، 621 و 2/ 375، 545، 593 تعقب المحقق لعمرو عبد المنعم سليم 1/ 116، 418، 501 تعقب المحقق للدارقطني 1/ 140 تعقب المحقق للدكتور أحمد فارس السلوم 1/ 147

تعقب المحقق لابن القطان الفاسي 1/ 267 تعقب المحقق لأحمد شاكر 1/ 377 تعقب المحقق لابن شاهين 1/ 379 تعقب المحقق للبزار 1/ 389 تعقب المحقق لابن حجر 1/ 395، 469 و 2/ 177، 434 تعقب المحقق لابن الجوزي 1/ 221 تعقب المحقق للألباني 1/ 200، 221، 228، 277، 621 و 2/ 370، 446، 639 تعقب المحقق لعبد الملك بن دهيش 1/ 241 تعقب المحقق لابن القيم 1/ 244 تعقب المحقق لسليم الهلالي 1/ 321 و 2/ 529 تعقب المحقق للحاكم والذهبي 1/ 398 و 2/ 361 تعقب المحقق للدكتور خالد المطيري في تحقيقه لـ «الزيادات على المزني» 1/ 653 تعقب المحقق للدكتور جمال فرحات صاولي في تحقيقه لـ «المطالب العالية» لابن حجر 2/ 164 تعقب المحقق لحاتم عارف الشريف 2/ 501 تعقب المحقق للبوصيري 1/ 523 و 2/ 414، 539 تعقب المحقق لشعيب الأرناؤوط 1/ 621 و 2/ 177، 501 تعقب المحقق لحسين محمد علي شكري 1/ 523 تعقب المحقق لأبي إسحاق الحويني 1/ 565، 621 و 2/ 358 تعقب المحقق لحسين سليم أسد 2/ 177، 185، 186 و 2/ 318 تعقب المحقق لابن حزم وابن القطان الفاسي 2/ 88 تعقب المحقق لابن حزم والبيهقي 2/ 499

فهرس مصادر التحقيق

فهرس مصادر التحقيق المصادر المخطوطة: الأوسط لابن المنذر. أمالي المحاملي. رواية ابن مهدي الفارسي. جزء الرافقي. جزء علي بن حرب. فوائد الحنائي. سنن الترمذي. علل الدارقطني. المصادر المطبوعة: الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم. تحقيق: باسم فيصل أحمد الجوابرة. نشر: دار الراية (الرياض). ط/1/ 1411 هـ. آداب الزفاف للألباني. الآداب الشرعية لابن مفلح الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية لابن بطة. تحقيق: رضا بن نعسان معطي وآخرين. نشر: دار الراية (الرياض) ط/1/ 1415 هـ. إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري. تحقيق: أبي تمام ياسر بن إبراهيم. نشر: دار الوطن. (الرياض) إتحاف السالك برواة الموطأ عن مالك. إتحاف المهرة لابن حجر إتحاف النبلاء بأدلة تحريم إتيان المحل المكروه من النساء إثبات عذاب القبر للبيهقي. تحقيق: د. شرف محمود القضاة. نشر: دار الفرقان. ط/1/ 1403 هـ. الأجوبة النافعة عن أسئلة مسجد الجامعة للألباني الأحاديث التي خولف فيها مالك بن أنس للدارقطني. تحقيق: رضا بن خالد الجزائري. نشر: مكتبة الرشد (الرياض) ط/1/ 1418 هـ. الأحاديث المختارة لضياء الدين المقدسي. تحقيق: د. عبد الملك بن دهيش. نشر: مكتبة النهضة (مكة المكرمة). ط/

الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ترتيب ابن بلبان الفارسي. تحقيق: شعيب الأرناؤوط. نشر: مؤسسة الرسالة. ط/2/ 1414 هـ. أحكام أهل الذمة لابن القيم أحكام أهل الملل للخلال. تحقيق سيد كسروي حسن. نشر: دار الكتب العلمية (بيروت) ط/1/ 1414 هـ. أحكام الجنائز للألباني. الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم. أحكام النظر لابن القطان الأحكام الوسطى لعبد الحق الإشبيلي. تحقيق: حمدي السلفي وصبحي السامرائي. نشر: مكتبة الرشد (الرياض). سنة 1416 هـ. أخبار أصبهان أخبار الحمقى والمغفلين لابن الجوزي. أخبار عمر بن عبد العزيز للآجري. أخبار القضاة أخبار مكة للفاكهي. تحقيق: د. عبد الملك بن عبد الله بن دهيش. نشر: مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة (مكة المكرمة). ط/1/ 1407 هـ. أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار للأزرقي. تحقيق: رشدي الصالح ملحس. طبعة: مطابع دار الثقافة (مكة المكرمة). ط/2/ 1385 هـ. اختصار علوم الحديث لابن كثير. الإخلاص والنية لابن أبي الدُّنيا. الأدب المفرد للبخاري. الأربعون العشارية للعراقي. الإرشاد للخليلي إرشاد الساري شرح صحيح البخاري إرشاد الفقيه إلى معرفة أدلة التنبيه لابن كثير. تحقيق: بهجة يوسف حمد أبو الطيب. نشر: مؤسسة الرسالة. ط/1/ 1416 هـ. إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل لمحمد ناصر الدين الألباني. نشر: المكتب الإسلامي. ط/1. سنة 1399 هـ. أساس البلاغة للزمخشري أسباب النزول للواحدي. تحقيق: السيد أحمد صفر. نشر: دار القبلة (جدة)

ومؤسسة علوم القرآن (بيروت). ط/3/ 1407 هـ. أساس البلاغة للزمخشري الاستذكار لابن عبد البر. تحقيق: عبد الرزاق المهدي. نشر: دار إحياء التراث العربي (بيروت) ط/1/ 1421 هـ. الاستيعاب لابن عبد البر. تحقيق: علي محمد البجاوي. الأسماء والصفات للبيهقي. الإشراف على منازل الأشراف لابن أبي الدُّنيا. الإصابة في تمييز الصحابة. للحافظ ابن حجر العسقلاني. تحقيق: إصلاح المال لابن أبي الدُّنيا. أطراف الغرائب والأفراد لابن طاهر المقدسي. إطراف المسنِد المعتلي لابن حجر العسقلاني. تحقيق: د. زهير بن ناصر الناصر. نشر: دار ابن كثير (دمشق). الاعتصام للشاطبي. الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد للبيهقي. اعتلال القلوب للخرائطي. إعلام الساجد بأحكام المساجد للزركشي. إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم. إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان لابن قيم الجوزية. تحقيق: علي حسن عبد الحميد. نشر: دار ابن الجوزي (الدمام) ط/1/ 1424 هـ. الاقتراح لابن دقيق العيد. اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم لشيخ الإسلام ابن تيمية. تحقيق: د. ناصر عبد الكريم العقل. نشر: دار العاصمة (الرياض). ط/6/ 1419 هـ. أقضية الخلفاء الراشدين. الإقناع للحجاوي. الإقناع لابن المنذر إكمال تهذيب الكمال لمغلطاي. الإكمال لابن ماكولا. نشر: محمد أمين دمج (بيروت). نشر: مطبعة دائرة المعارف العثمانية (الهند). ط/1/ 1381 هـ. الإلمام لابن دقيق العيد.

الأم للشافعي. نشر: دار المعرفة (بيروت). ط/ 2/ 1393 هـ. الأمالي لابن بشران. أمالي المحاملي. رواية ابن البيع. الأمالي في آثار الصحابة لعبد الرزاق. تحقيق: مجدي السيد إبراهيم. نشر: مكتبة القرآن (القاهرة). الأمالي المطلقة لابن حجر الإمام في معرفة أحاديث الأحكام. لابن دقيق العيد. الإمتاع بالأربعين المتباينة بشرط السماع لابن حجر. تحقيق: صلاح الدين مقبول أحمد. نشر: الدار السلفبة (الكويت) ط/1/ 1408 هـ. الأمثال لأبي الشيخ الأصبهاني. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للخلال. تحقيق عمرو عبد المنعم سليم. نشر: مكتبة الصحابة (الإمارات) ط/1/ 1426 هـ. الأموال لأبي عبيد. الأموال لحميد بن زنجويه. الانتصار في المسائل الكبار للكلوذاني. تحقيق: مجموعة من أهل العلم. نشر: مكتبة العبيكان (الرياض). ط/1/ 1413 هـ. أنساب الأشراف للبلاذري. الأوائل لأبي عروبة الحراني الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف لابن المنذر. تحقيق: د. صغير أحمد بن محمد حنيف. نشر: دار طيبة (الرياض). ط/1. الإيمان لابن أبي شيبة البحر الزخار للبزار. تحقيق: د. محفوظ الرحمن زين الله. نشر: مؤسسة علوم القرآن (بيروت)، ومكتبة العلوم والحكم (المدينة). ط/1. بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني. نشر: دار الكتب العلمية (بيروت). ط/2/ 1406 هـ. (مصورة عن طبعة مطبعة المطبوعات العلمية بمصر) سنة 1327 هـ. البداية والنهاية للحافظ ابن كثير. تحقيق: محمد عبد العزيز النجار. نشر: مكتبة الفلاح (الرياض). بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد البدر المنير

البر والصلة لابن المبارك البعث والنشور للبيهقي البعث لابن أبي داود بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث للهيثمي. تحقيق: مسعد عبد الحميد محمد السعدني. نشر: دار الطلائع (القاهرة). بيان الدليل على بطلان التحليل بيان الوهم والإيهام لابن القطان الفاسي. تحقيق: د. الحسين آيت سعيد. نشر: دار طيبة (الرياض). ط/1/ 1418 هـ. تاريخ ابن معين رواية الدوري تاريخ أبي زرعة الدمشقي. تحقيق: د. سعدي الهاشمي. نشر: الجامعة الإسلامية (المدينة المنورة). ط /1/ 1402 هـ تاريخ الإسلام للذهبي تاريخ أسماء الثقات لابن شاهين تاريخ الأمم والملوك للطبري التاريخ الأوسط للبخاري وتحقيق: تاريخ الرقة تاريخ بغداد للخطيب البغدادي. نشر: دار الكتاب العربي (بيروت). وتحقيق: بشار عواد معروف التاريخ الكبير لابن أبي خيثمة التاريخ الكبير للإمام البخاري. نشر: المكتبة الإسلامية (تركيا) (مصورة عن الطبعة الهندية). تاريخ مصر والمغرب لابن عبد الحكم. تحقيق: علي محمود عمر. نشر: مكتبة الثقافة الدينية (مصر). تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر. نشر: دار الفكر (بيروت). ط/1. تاريخ المدنية المنورة لابن شبة النميري. تحقيق: فهيم محمد شلتوت. ط / سنة 1399 هـ. تاريخ واسط لبحشل تالي تلخيص المتشابه للخطيب البغدادي التحجيل في تخريج ما لم يخرج من الأحاديث والآثار في إرواء الغليل التدوين للرافعي تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد للألباني

تحفة الأشراف للمزِّي. تحقيق: عبد الصمد شرف الدين. نشر: المكتب الإسلامي. ط/2/ 1403 هـ. وتحقيق: بشار عواد معروف تحفة التحصيل تحفة الصديق تحفة الفقهاء تحفة المحتاج التحقيق في أحاديث الخلاف لابن الجوزي. تحقيق: مسعد عبد الحميد السعدني. نشر: دار الكتب العلمية (بيروت). تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف للزيلعي. تحقيق: سلطان بن فهد الطبيشي. نشر: دار ابن خزيمة (الرياض) ط/1/ 1414 هـ. تخريج الأحاديث الضعاف من سنن الدارقطني لأبي محمد عبد الله بن يحيى بن أبي بكر يوسف الغساني. تحقيق: أشرف بن عبد المقصود بن عبد الرحيم. نسر: عالم الكتب (الرياض) ط/1/ 1411 هـ. التخويف من النار لابن رجب. تحقيق: طلعت بن فؤاد الحلواني. نشر: الفاروق الحديثة للطباعة والنشر (القاهرة) ط/1/ 1425 هـ. تذكرة الحفاظ تذكرة المحتاج ترتيب مسند الشافعي تأليف: السيد يوسف علي الزواوي الحسيني والسيد عزت العطار الحسيني. نشر: دار الكتب العلمية (بيروت). ط/1370 هـ. الترغيب والترهيب للمنذري. تحقيق: محيي الدين مستو وسمير أحمد العطار ويوسف علي بديوي. نشر: دار ابن كثير (دمشق). ط/1/ 1414 هـ. الترغيب والترهيب لأبي القاسم الأصبهاني. تحقيق: أيمن صالح شعبان. نشر: دار الحديث (القاهرة). ط/1/ 1414 هـ. الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك لابن شاهين. تحقيق: صالح أحمد الوعيل. نشر: دار ابن الجوزي (الدمام) ط/1/ 1415 هـ. تصحيفات المحدثين للعسكري. تحقيق: محمود أحمد ميرة. ط/1/ 1402 هـ. التعازي لأبي الحسن المدائني تعجيل المنفعة

تعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر المروزي. تحقيق: د. عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي. نشر: مكتبة الدار (المدينة المنورة). ط/1/ 1406 هـ. التعليقات على لمجروحين تغليق التعليق لابن حجر العسقلاني. تحقيق: سعيد عبد الرحمن القزقي. نشر: المكتب الإسلامي. ط/1/ 1405 هـ. تقريب البغية تفسير ابن أبي حاتم. تحقيق: أسعد محمد الطيب. نشر: مكتبة نزار مصطفى الباز (مكة المكرمة). ط/1/ 1417 هـ. تفسير ابن جرير الطبري = انظر: جامع البيان تفسير ابن المنذر تفسير القرآن العزيز لعبد الرزاق. تحقيق: عبد المعطي أمين قلعجي. نشر: دار المعرفة (بيروت) ط/1/ 1411 هـ. تفسير القرآن العظيم لابن كثير. نشر: مطبعة الاستقامة (القاهرة). ط/2/ 1373 هـ. تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن تقريب التهذيب لابن حجر العسقلاني. تحقيق: أبي الأشبال. نشر: دار العاصمة (الرياض). ط/1/ 1416 هـ. تقييد العلم للخطيب البغدادي التلخيص الحبير تلخيص المتشابه في الرسم للخطيب. تحقيق: سكينة الشهابي. نشر: دار طلاس (سوريا). ط/1/ 1985 م. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البر. تحقيق: مجموعة من العلماء. نشر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية. وتحقيق: تنزيه الشريعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة لابن عراق الكناني. تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف وعبد الله محمد الصديق. نشر: دار الكتب العلمية (بيروت). ط/ 2/ 1401 هـ. تنقيح تحقيق أحاديث التعليق لابن عبد الهادي المقدسي. تحقيق: أيمن صالح شعبان. نشر: دار الكتب العلمية. ط/1/ 1419 هـ. التهجد وقيام الليل لابن أبي الدُّنيا

تهذيب الآثار للطبري تهذيب التهذيب لابن حجر تهذيب سنن أبي داود لابن قيم الجوزية. تحقيق: أحمد شاكر ومحمد حامد الفقي. نشر: دار المعرفة (بيروت). سنة 1400 هـ. تهذيب الكمال للمزِّي. تحقيق: بشّار عواد معروف. نشر: مؤسسة الرسالة. ط/1. التوسل للألباني الثقات لابن حبان الثقات للعجلي الجامع لابن وهب جامع الأحاديث (الجامع الصغير وزياداته والجامع الكبير) للسيوطي. جمع وترتيب: عباس أحمد صقر، وأحمد عبدالجواد. نشر: المكتبة التجارية (مكة المكرمة) ط/1414 هـ. الجامع لأحكام القرآن للقرطبي الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي. تحقيق: د. محمود الطحان. نشر: مكتبة المعارف (الرياض). سنة 1403 هـ. جامع الأصول جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر. تحقيق: أبي الأشبال الزهيري. نشر: دار ابن الجوزي (الدمام). ط/1/ 1414 هـ. جامع البيان في تفسير القرآن للطبري. نشر: مصطفى البابي الحلبي (مصر) ط/ 2/ 1373 هـ. وتحقيق: أحمد محمد شاكر وتحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي جامع التحصيل في أحكام المراسيل للعلائي. تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي. نشر: الجمهورية العراقية، وزارة الأوقاف سنة 1398 هـ. الجامع الصحيح (سنن الترمذي) للترمذي تحقيق: أحمد شاكر. نشر: جامع المسانيد لابن الجوزي. تحقيق: د. علي حسين البوّاب. نشر: مكتبة الرشد (الرياض) ط/1/ 1426 هـ. جامع المسانيد والسنن لابن كثير. تحقيق: د. عبد الملك بن عبد الله بن دهيش. نشر: مكتبة النهضة (مكة) ط/2/ 1419 هـ، وط/3/ 1425 هـ. وتحقيق: عبد المعطي أمين قلعجي. نشر: دار الفكر (بيروت) ط/1415 هـ.

جامع معمر الجرح والتعديل لابن أبي حاتم جزء ابن عيينة جزء ابن الغطريف جزء أبي سعيد الأشج جزء أحاديث الشعر لعبد الغني المقدسي جزء الألف دينار جزء الحسن بن عرفة جزء علي بن حرب جزء العلاء بن موسى جزء في بيع أمهات الأولاد لابن كثير. تحقيق: عمر بن سليمان الحفيان. نشر: مؤسسة الرسالة (بيروت) ط/1/ 1427 هـ. جزء لوين الجعديات لأبي القاسم البغوي. تحقيق: د. عبد المهدي بن عبد القادر بن عبد الهادي. نشر: مكتبة الفلاح (الكويت). ط/1/ 1405 هـ. جلباب المرأة المسلمة لمحمد ناصر الدين الألباني. نشر: المكتبة الإسلامية (عمان) ط/3/ 1417 هـ. الجليس الصالح جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على محمد خير الأنام لابن قيم الجوزية. تحقيق: مشهور حسن آل سلمان. نشر: دار ابن الجوزي (الدمام). ط/1/ 1417 هـ. الجمع بين رجال الصحيحين للكلاباذي جمهرة الأجزاء الحديثية الجهاد لابن المبارك الجوع لابن أبي الدُّنيا الجوهر النقي لابن التركماني. مطبوع بهامش السنن الكبرى للبيهقي. نشر: دار المعرفة. (مصورة). حادي الأرواح لابن القيم. تحقيق: علي الشربجي وقاسم النوري. نشر: مؤسسة الرسالة (بيروت) ط/3/ 1424 هـ. حاشية ابن عابدين

الحجة على أهل المدينة لمحمد بن الحسن الشيباني. ترتيب وتصحيح وتعليق: مهدي حسن الكيلاني القادري. طبع: مطبعة المعارف الشرقية بحيدرآباد (الهند) سنة 1385 هـ. نشر: عالم الكتب. الحجة في بيان المحجة حديث أبي الفضل الزهري حديث إسماعيل بن جعفر الحديث الحسن لذاته ولغيره. دراسة استقرائية نقدية. د. خالد منصور الدِّريس. نشر: مكتبة أضواء السلف (الرياض) ط/1/ 1426 هـ. حديث علي بن حجر السعدي حديث محمد بن عبد الله الأنصاري. تحقيق: مسعد عبد الحميد محمد السعدني. نشر: مكتبة أضواء السلف (الرياض). ط/1/ 1418 هـ. حديث مصعب الزبيري حديث هشام بن عمار. تحقيق د عبد الله بن وكيل الشيخ. نشر: دار إشبيليا (الرياض) ط/1/ 1419 هـ. الحسن بمجموع الطرق في ميزان المتقدمين والمتأخرين لعمرو عبد المنعم سليم. حفظ العمر لابن الجوزي حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني. نشر: دار الكتاب العربي (بيروت). ط/ 2/ 1387 هـ. الخراج ليحيى بن آدم خلق أفعال العباد للبخاري خلاصة الأحكام في مهمات السنن وقواعد الإسلام للنووي. تحقيق: حسين إسماعيل الجمل. نشر: مؤسسة الرسالة. ط/1/ 1418 هـ. خلاصة البدر المنير الخلافيات للبيهقي. تحقيق: مشهور حسن سلمان. نشر: دار الصميعي (الرياض) ط/1/ 1415 هـ. الدراية في تخريج أحاديث الهداية لابن حجر العسقلاني. تحقيق: عبد الله هاشم اليماني. نشر: مطبعة الفجالة الجديدة (القاهرة) سنة 1384 هـ. الدرالمنثور في التفسير بالمأثورللسيوطي وتحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي الدرر الكامنة لابن حجر

الدعاء للطبراني. تحقيق: د. محمد سعيد بن محمد حسن البخاري. نشر: دار البشائر الإسلامية (بيروت). ط/1/ 1407 هـ. الدعاء لمحمد بن فضيل بن غزوان. تحقيق: أحمد البزرة. نشر: مكتبة لينة (القاهرة) ط/1/ 1415 هـ. الدعوات الكبير للبيهقي دلائل النبوة لأبي نعيم دلائل النبوة للبيهقي. تحقيق: د. عبد المعطي أمين قلعجي. نشر: دار الكتب العلمية (بيروت). ط/1/ 1405 هـ. الديات لابن أبي عاصم الذخيرة لشهاب الدين القرافي. تحقيق: د. محمد حجي وغيره. نشر: دار الغرب الإسلامي (بيروت). ذم الكلام وأهله لأبي إسماعيل الهروي. ضبط وتخريج وتعليق: عبد الله بن محمد الأنصاري. نشر: مكتبة الغرباء الأثرية (المدينة المنورة). ط/1/ 1419 هـ. ذم الهوى لابن الجوزي. تحقيق: مصطفى عبد الواحد. ط/1/ 1381 هـ. ذيل تذكرة الحفاظ الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي رد عثمان بن سعيد على بشر المريسي العنيد الرد على الجهمية لابن منده الرد على من يقول: القرآن مخلوق لأبي بكر النجاد الرسالة للإمام الشافعي. تحقيق أحمد محمد شاكر. طبعة: مصطفى البابي الحلبي ط/1/ 1358 هـ. رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار الرقة والبكاء لابن أبي الدُّنيا الرقة والبكاء لابن قدامة روضة الطالبين وعمدة المفتين للنووي روضة العقلاء لابن حبان رياض الصالحين زاد المعاد في هدي خير العباد لابن قيم الجوزية. تحقيق: شعيب الأرناؤوط. نشر: مؤسسة الرسالة. ط/1/ 1399 هـ.

الزاهر في معاني كلمات الناس لابن الأنباري. تحقيق: د. حاتم صالح الضامن. نشر: مؤسسة الرسالة (بيروت) ط/1/ 1412 هـ. الزهد للإمام أحمد. تحقيق: محمد بسيوني زغلول. نشر: ونشرة أخرى: طبع دار الريان (مصر) ط/1/ 1408 هـ. الزهد لهناد بن السري الزهد لوكيع بن الجراح الزهد والرقائق لابن المبارك. تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي. نشر: مجلس إحياء المعارف (الهند). دار الكتب العلمية. الزيادات على كتاب المزني سؤالات الآجري سؤالات أبي بكر البرقاني للدارقطني في الجرح والتعديل رواية أبي غالب محمد بن الحسن بن أحمد الكرجي. تحقيق: مجدي السيد إبراهيم. نشر: مكتبة الساعي (الرياض). سؤالات حمزة السهمي سبعة مجالس من أمالي أبي طاهر المخلص سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني. نشر: مكتبة المعارف الرياض. ط/. سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني. نشر: مكتبة المعارف الرياض. ط/1. السُّنة لابن أبي عاصم. تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني. نشر: المكتب الإسلامي. ط/1/ 1400 هـ. السنة لعبد الله بن الإمام أحمد السنة للخلال السنة للمروزي سنن ابن ماجه. تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي. نشر: دار إحياء الكتب العربية (عيسى البابي الحلبي). سنة 1372 هـ. ونشرة أخرى، تحقيق: خليل مأمون شيحا. سنن أبي داود. تحقيق: محمد عوامة. نشر: سنن الترمذي سنن الدارمي. تحقيق: حسين سليم أسد. نشر: دار المغني (الرياض). ط/1/ 1421 هـ. سنن الدارقطني. تحقيق: عبد الله هاشم اليماني. نشر: دار المحاسبة للطباعة (القاهرة)

سنة 1386 هـ. ونشرة أخرى، تحقيق سنن سعيد بن منصور السنن الكبرى للبيهقي. نشر: دار الفكر (مصورة عن طبعة الهند). السنن الكبرى للنسائي. تحقيق: حسن عبد المنعم شلبي. ط/1/ 1422 هـ. سنن النسائي. تحقيق: مكتب تحقيق التراث الإسلامي. نشر: دار المعرفة (بيروت). ط/1/ 1411 هـ. السير للفزاري سير أعلام النبلاء للذهبي. نشر: مؤسسة الرسالة (بيروت). ط/1. سير الحاث إلى علم الطلاق الثلاث لابن المبرد السير الكبير لمحمد بن الحسن سيرة ابن هشام شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي. تحقيق: د. أحمد سعد حمدان. نشر: دار طيبة (الرياض). شرح الزرقاني على موطأ مالك شرح السُّنة للبغوي. تحقيق: زهير الشاويش وشعيب الأرناؤوط. نشر: المكتب الإسلامي (بيروت). ط/ 1/ 1390 هـ. شرح صحيح مسلم للنووي = المنهاج في شرح صحيح مسلم ابن الحجاج شرح علل الترمذي لابن رجب. تحقيق: نور الدين عتر شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي. تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني ونشرة أخرى، تحقيق: شعيب الأرناؤوط وعبد الله بن عبد المحسن التركي شرح فتح القدير للشوكاني شرح كتاب الصيام من عمدة الفقه لابن تيمية شرح الكوكب المنير شرح مشكل الآثار لأبي جعفر الطحاوي. تحقيق: شعيب الأرناؤوط. نشر: مؤسسة الرسالة (بيروت). ط/1/ 1415 هـ. شرح معاني الآثار لأبي جعفر الطحاوي. تحقيق: يوسف المرعشلي. نشر: شرف أصحاب الحديث للخطيب البغدادي الشريعة للآجري. تحقيق: د. عبد الله بن عمر الدميجي. نشر: دار الوطن (الرياض). ط/1/ 1418 هـ.

شعب الإيمان للبيهقي الشمائل المحمدية للترمذي. تحقيق: الصارم المسلول على شاتم الرسول لابن تيمية. تحقيق: محمد بن عبد الله بن عمر الحلواني، ومحمد كبير أحمد شودري. نشر: رمادي للنشر (الدمام) ط/1/ 1417 هـ. الصارم المنكي في الرد على السبكي الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية للجوهري. تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار. نشر: دار العلم للملايين (بيروت). ط/ 3/ 1399 هـ. الأدب المفرد للبخاري. تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني صحيح البخاري. تحقيق: د محمد زهير بن ناصر الناصر. نشر: دار طوق النجاة (بيروت) ط/1/ 1422 هـ. صحيح ابن حبان = الإحسان صحيح ابن خزيمة. تحقيق: د. محمد مصطفى الأعظمي. نشر: المكتب الإسلامي. صحيح الترغيب والترهيب للألباني صحيح سنن ابن ماجه للألباني. نشر مكتبة المعارف (الرياض) ط/1/ 1417 هـ. صحيح سنن أبي داود للألباني صحيح سنن النسائي للألباني صحيح مسلم. تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي. نشر: دار إحياء الكتب العربية (عيسى البابي الحلبي). ط/1/ 1374 هـ. الصفات للدارقطني صفة الجنة لأبي نعيم الأصبهاني. تحقيق: علي رضا بن عبد الله بن علي رضا. نشر: دار المأمون (دمشق) ط/12/ 1415 هـ. صفة المنافق للفريابي صفة النفاق لأبي نعيم الصمت وآداب اللسان لابن أبي الدنيا الصيام للفريابي الضعفاء الكبير للعقيلي. تحقيق: د. عبد المعطي أمين قلعجي. نشر: دار الكتب العلمية (بيروت). ط/1/ 1404 هـ. الضعفاء والمتروكين للدارقطني. تحقيق: موفق بن عبد الله بن عبد القادر. نشر: مكتبة المعارف (الرياض). ط/1/ 1404 هـ.

ضعيف الترغيب والترهيب للألباني ضعيف سنن أبي داود للألباني الطبقات الكبرى لابن سعد. نشر: دار صادر (بيروت). ونشرة أخرى، تحقيق الدكتور علي محمد عمر. نشر: مكتبة الخانجي (مصر) ط/1/ 1421 هـ. ونشرة أخرى، تحقيق زياد منصور. نشر: مكتبة جامع العلوم والحكم (المدينة النبوية) ونشرة أخرى، تحقيق: عبد العزيز السلومي طبقات المفسرين للداودي. مراجعة: لجنة من العلماء. نشر: دار الكتب العلمية (بيروت). ط/1/ 1403 هـ. طبقات المحدثين بأصبهان طريق الهجرتين وباب السعادتين الطيوريات العجاب في بيان الأسباب لابن حجر. تحقيق: عبد الحكيم محمد الأنيس. نشر: دار ابن الجوزي (الدمام) ط/1/ 1418 هـ. العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني. تحقيق: رضاء الله بن محمد إدريس المباركفوري. نشر: دار العاصمة (الرياض) ط/1/ 1408 هـ. عِقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة لابن شاس. تحقيق: العقد الفريد لابن عبد ربه. تحقيق: محمد سعيد العريان. نشر: مطبعة الاستقامة (القاهرة) ط/2/ 1372 هـ. العقوبات لابن أبي الدنيا. تحقيق: محمد خير رمضان يوسف. نشر: دار ابن حزم (بيروت). ط/1/ 1416 هـ. علل ابن أبي حاتم ونشرة أخرى، تحقيق: الدباسي العلل لابن المديني. تحقيق: محمد مصطفى الأعظمي ونشرة أخؤى، تحقيق الدكتور مازن السرساوي ونشرة أخرى، تحقيق دار غراس علل الأحاديث في كتاب الصحيح لابن عمار علل الترمذي الكبير. تحقيق: السيد صبحي السامرائي وغيره. نشر: عالم الكتب (بيروت). ط/ 1/ 1409 هـ. العلل الصغير للترمذي = سنن الترمذي العلل المتناهية لابن الجوزي

العلل ومعرفة الرجال للإمام أحمد بن حنبل. تحقيق: وصي الله عباس. نشر: المكتب الإسلامي (بيروت)، ودار الخاني (الرياض). ط/1/ 1408 هـ. العلل الواردة في الأحاديث النبوية للدارقطني. تحقيق: د. محفوظ الرحمن زين الله السلفي. نشر: دار طيبة (الرياض). ط/1. العلو للعلي العظيم للذهبي عمل اليوم والليلة لابن السني. تحقيق: سليم بن عيد الهلالي. نشر: دار ابن حزم (بيروت). ط/1/ 1422 هـ. عون المعبود شرح سنن أبي داود للعظيم آبادي. تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان. نشر: مؤسسة قرطبة (مصر). ط/2/ 1388 هـ. العيال لابن أبي الدنيا. تحقيق: د. نجم عبد الرحمن خلف. نشر: دار ابن القيم (الدمام). ط/ 1/ 1410 هـ. غاية المقصد في زوائد المسند غريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام. تحقيق: د حسين محمد محمد شرف والأستاذ مصطفى حجازي. نشر: مجمع اللغة العربية (مصر)، ط/1413 هـ. ونشرة أخرى، تحقيق: الغوامض والمبهمات الغيلانيات لأبي بكر الشافعي. تحقيق: حلمي كامل عبد الهادي. نشر: دار ابن الجوزي. ط/ 1/ 1417 هـ. الفتاوى الكبرى لابن تيمية فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن رجب تحقيق: محمود بن شعبان عبد المقصود وغيره. نشر: مكتبة الغرباء (المدينة المنورة). ط/1/ 1417 هـ. فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني. نشر: المطبعة السلفية (مصر). الفتح السماوي في تخريج أحاديث تفسير القاضي البيضاوي لعبد الرؤوف المناوي. تحقيق: أحمد مجتبى بن نذير عالم السلفي. نشر: دار العاصمة (الرياض) ط/1/ 1409 هـ. فتوح البلدان للبلاذري فتوح مصر والمغرب لابن عبد الحكم. تحقيق: د علي محمد عمر. نشر" مكتبة الثقافة الدينية (مصر) ط/1415 هـ. الفتوحات الربانية شرح الأذكار النووية لابن علان. نشر: دار إحياء التراث العربي (بيروت).

فتيا وجوابها في ذكر الاعتقاد وذم الاختلاف لأبي العلاء الهمذاني الفرائض للثوري الفروع لابن مفلح الفصل للوصل المدرج في النقل فضائل أبي بكر لأبي خيثمة فضائل الشام لابن رجب فضائل الشام لابن عبد الهادي فضائل القرآن لابن أبي الدُّنيا فضائل القرآن لجعفر بن محمد المستغفري. تحقيق: الدكتور أحمد بن فارس السلوم. نشر: دار ابن حزم (بيروت) ط/1/ 1427 هـ. فضائل القرآن لأبي عبيد القاسم بن سلام. تحقيق: وهبي سليمان غاوجي. نشر: دار الكتب العلمية (بيروت). ط/1/ 1411 هـ. فضائل القرآن للفريابي. تحقيق: د. يوسف عثمان فضل الله جبريل. نشر: مكتبة الرشد (الرياض). ط/1/ 1409 هـ. فضائل بيت المقدس للضياء المقدسي فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لابن أبي عاصم فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لإسماعيل بن إسحاق القاضي. تحقيق: عبد الحق التركماني. نشر: دار رمادي للنشر (الدمام). ط/1/ 1417 هـ. الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي فوائد أبي أحمد الحاكم. تحقيق: الدكتور أحمد بن فارس السلوم. نشر: دار ابن حزم (بيروت) ط/1/ 1425 هـ. فوائد أبي محمد الفاكهي الفوائد لأبي القاسم تمام الرازي. تحقيق: الفوائد المعللة لأبي زرعة الدمشقي الفوائد المنتخبة لأبي إسحاق المزكي قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لابن تيمية. القبور لابن أبي الدُّنيا القدر لابن وهب القدر للفريابي

القراءة خلف الإمام للبخاري قصر الأمل لابن أبي الدُّنيا القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع للسخاوي القول المسدد في الذي عند مسند أحمد الكافي لابن قدامة الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي. نشر: دار الفكر (بيروت). ط/ الكبائر للذهبي. تحقيق: مشهور حسن سلمان كتاب التفسير من الجامع لابن وهب كتاب التوحيد لابن خزيمة. تحقيق: د. عبد العزيز بن إبراهيم الشهوان. نشر: مكتبة الرشد (الرياض) ط/6/ 1418 هـ. ونشرة أخرى، تحقيق: سمير أمين الزهيري. نشر: دار المغني (الرياض) ط/1/ 1425 هـ. كتاب التمييز للإمام مسلم. تحقيق: كتاب الصلاة لأبي نعيم الفضل بن دكين كتاب المجروحين لابن حبان. تحقيق: محمود إبراهيم زايد. نشر: دار الوعي (حلب). ط/1/ 1396 هـ. كتاب المصاحف لابن أبي داود السجستاني. كرامات الأولياء للالكائي. تحقيق: أحمد سعد حمدان. نشر: دار طيبة (الرياض) سنة 1412 هـ. كشف الأستار عن زوائد البزار للهيثمي. تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي. نشر: مؤسسة الرسالة. ط/1/ 1399 هـ. الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي. ونشرة أخرى، تحقيق: كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للهندي. ضبط: بكري حياتي وتصحيح: أحمد السقا. نشر: مؤسسة الرسالة (بيروت). سنة 1399 هـ. الكنى والأسماء للدولابي. تحقيق: نظر محمد الفاريابي. نشر: دار ابن حزم (بيروت). ط/1/ 1421 هـ. الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات لابن الكيال. تحقيق: عبد القيوم عبد رب النبي. نشر: دار المأمون للتراث. ط/1/ 1401 هـ. اللآلئ المصنوعة

لسان العرب لابن منظور. نشر: دار صادر (بيروت). لسان الميزان لابن حجر العسقلاني. نشر: مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية (حيدر آباد، الهند) سنة 1329 هـ. المؤتلف والمختلف للدارقطني. المتحابين في الله لابن أبي الدُّنيا. المتحابين في الله لابن قدامة. المتفق والمفترق للخطيب البغدادي. مجابو الدعوة لابن أبي الدُّنيا. المجالسة وجواهر العلم للدينوري. تحقيق: مشهور حسن آل سلمان. نشر: جمعية التربية الإسلامية (البحرين)، دار ابن حزم (بيروت). ط/1/ 1419 هـ. مجمع البحرين وزوائد المعجمين للهيثمي المجموع شرح المهذب للنووي. تحقيق: محمد نجيب المطيعي. نشر: المكتبة العالمية بالفجالة (القاهرة)، سنة 1971 م. مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية. جمع عبد الرحمن بن قاسم. نشر: وزارة الأوقاف بالمملكة العربية السعودية مجموع فيه مصنفات ابن البختري محاسبة النفس لابن أبي الدُّنيا المحدث الفاصل للرامهرمزي. تحقيق: د. محمد عجاج الخطيب. نشر: دار الفكر. ط/1/ 1391 هـ. المحلى لابن حزم. نشر: المكتب التجاري للطباعة والنشر (بيروت). مختصر إتحاف السادة المهرة للبوصيري. تحقيق: سيد كسروي حسن. نشر: دار الكتب العلمية (بيروت) ط/1/ 1417 هـ. مختصر اختلاف العلماء للطحاوي (اختصار الجصاص الرازي.) تحقيق: د. عبد الله نذير أحمد. نشر: دار البشائر الإسلامية (بيروت). ط 1/ 1/ 1416 هـ. مختصر خلافيات البيهقي لأحمد بن فَرَح اللخمي الإشبيلي. تحقيق: د. ذياب عبد الكريم ذياب عقل. نشر: مكتبة الرشد (الرياض). ط/1/ 1417 هـ. مختصر سنن أبي داود لابن القيم. مختصر الشمائل المحمدية للألباني. مختصر صحيح البخاري للألباني.

مختصر العلو للذهبي. مختصر المزني المداراة لابن أبي الدُّنيا. مدارج السالكين لابن قيم الجوزية المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي المدونة الكبرى للإمام مالك نشر: دار صادر (طبع: مطبعة السعادة بمصر). المراسيل لأبي داود السجستاني. تحقيق: شعيب الأرناؤوط. نشر: مؤسسة الرسالة. ط/1/ 1408 هـ. المراسيل لابن أبي حاتم. عناية: شكر الله بن نعمة الله قوجاني. نشر: مؤسسة الرسالة. ط/1/ 1397 هـ. مسائل الإمام أحمد برواية ابنه عبد الله. تحقيق: د. علي سليمان المهنا. نشر: مكتبة الدار (المدينة المنورة). ط/1/ 1406 هـ. مسائل الإمام أحمد برواية ابن هانئ. تحقيق: زهير الشاويش. نشر: المكتب الإسلامي سنة 1400 هـ. مسائل الإمام أحمد برواية ابنه صالح. تحقيق: د. فضل الرحمن دين محمد. نشر: الدار العلمية (الهند، دلهي). مسائل الإمام أحمد برواية أبي داود. مسائل الإمام أحمد برواية ابن منصور الكوسج. تحقيق خالد محمود الرباط وجماعة. نشر: دار الهجرة (الخبر) ط/1/ 1425 هـ مسائل حرب الكرماني المستخرج لأبي نعيم الأصبهاني. المستدرك للحاكم. دار المعرفة. (مصورة عن الهندية). مسند الإمام أحمد. تحقيق شعيب الأرناؤوط وجماعة. نشر: مؤسسة الرسالة (بيروت) ط 1/ 1413 هـ. ونشرة أخرى، تحقيق: السيد أبو المعاطي النوري وجماعة. نشر: عالم الكتب (بيروت) ط/1/ 1419 هـ. ونشرة أخرى، تحقيق: أحمد محمد شاكر مسند أبي بكر الصديق لأبي بكر المروزي. تحقيق: شعيب الأرناؤوط. نشر: المكتب الإسلامي (دمشق). ط/2/ 1393 هـ.

مسند أبي داود الطيالسي. نشر: مسند أبي عوانة مسند أبي يعلى. تحقيق: حسين سليم أسد. نشر: دار المأمون. ط/1. مسند إسحاق بن راهويه. تحقيق: د. عبد الغفور البلوشي. توزيع: مكتبة الإيمان (المدينة المنورة). ط/1. مسند الروياني مسند الشاشي مسند الشاميين للطبراني. تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي. نشر: مؤسسة الرسالة. ط/1/ 1409 هـ. مسند الشهاب للقضاعي. تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي. نشر: مؤسسة الرسالة. ط/1/ 1405 هـ. مسند عبد الله بن المبارك. مسند عبد الرحمن بن عوف مسند عمر بن الخطاب لأبي بكر النجاد الفقيه. تحقيق: د. محفوظ الرحمن زين الله. نشر: مكتبة العلوم والحكم (المدينة المنورة). ط/1/ 1415 هـ. مسند عمر بن الخطاب ليعقوب بن شيبة ونشرة أخرى، تحقيق: المسودة لآل تيمية مشارق الأنوار مشكاة المصابيح = هداية الرواة مشيخة ابن الحطاب الرازي مشيخة ابن شاذان مشيخة ابن عبد الباقي مشيخة ابن النقور مشيخة ابن أبي الصقر مشيخة الأبنوسي مصباح الزجاجة في زوائد سنن ابن ماجة للبوصيري. تحقيق: ونشرة أخرى، تحقيق: كمال يوسف الحوت. نشر: دار الجنان المصباح المنير للفيومي. مصنف ابن أبي شيبة. تحقيق: ونشرة أخرى، تحقيق ونشرة أخرى، تحقيق محمد عوامة

مصنف عبد الرزاق. تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي. نشر: المكتب الإسلامي (بيروت). ط/ 1/ 1390 هـ. المطر والرعد والبرق لابن أبي الدُّنيا. المعجم لابن الأعرابي. تحقيق: عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني. نشر: دار ابن الجوزي (الرياض). ط/1/ 1418 هـ. المعجم لابن المقرئ. المعجم لأبي يعلى الموصلي المعجم للإسماعيلي المعجم الأوسط للطبراني. تحقيق: طارق عوض الله. وعبد المحسن إبراهيم الحسيني. نشر: دار الحرمين (مصر). سنة 1416 هـ. معجم البلدان لياقوت الحموي. نشر: دار صادر (بيروت) سنة 1397 هـ. معجم شيوخ الإمام أحمد في المسند معجم الصحابة لابن قانع المعجم الصغير للطبراني. صححه وراجعه: عبد الرحمن محمد عثمان. نشر: دار الفكر. ط/1/ 1401 هـ. معجم قبائل العرب لعمر كحالة المعجم الكبير للطبراني تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي. نشر: دار إحياء التراث العربي. ط/2 مزيدة ومنقحة. معجم المؤلفين معجم ما استعجم للبكري معجم المناهي اللفظية لبكر أبو زيد معرفة السنن والآثار للبيهقي المعرفة والتاريخ للبسوي. تحقيق: أكرم ضياء العمري. نشر: مؤسسة الرسالة. ط/2/ 401 هـ. معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني. تحقيق: عادل يوسف العزازي. نشر: دار الوطن (الرياض). ط/ 1/ 1419 هـ. معرفة علوم الحديث للحاكم النيسابوري. المعونة على مذهب عالم أهل المدينة المغني لابن قدامة المقدسي. تحقيق: د. عبد الله بن عبد المحسن التركي وعبد الفتاح

الحلو. نشر: دار هجر. ط/1/ 1407 هـ. المغني عن حمل الأسفار للعراقي المغني في الضعفاء للذهبي. تحقيق: نور الدين عتر. نشر: دار المعارف (سوريا). ط/1/ 1391 هـ. مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية أهل العلم والإرادة لابن قيم الجوزية. تحقيق: علي بن حسن الحلبي. نشر: دار ابن عفان (الخبر). سنة 1416 هـ. المقاصد الحسنة للسخاوي. تحقيق: محمد عثمان الخشت. نشر: دار الكتاب العربي (بيروت). ط/1/ 1405 هـ. مقام إبراهيم للمعلمي اليماني المقصد العلي مكائد الشيطان لابن أبي الدُّنيا. تحقيق: مجدي السيد إبراهيم. نشر: مكتبة القرآن (مصر). مكارم الأخلاق لابن أبي الدُّنيا. مكارم الأخلاق للخرائطي. تحقيق: د. سعاد سليمان الخندقاوي. نشر: المؤسسة السعودية بمصر (القاهرة). ط/1/ 1411 هـ. الملل والنحل للشهرستاني من تكلم فيه وهو موثق مناقب الإمام الشافعي للبيهقي. تحقيق السيد أحمد صقر. نشر: مكتبة دار التراث (مصر) مناقب عمر بن الخطاب لابن الجوزي. المنتخب من مسند عبد بن حميد. تحقيق: مصطفى بن العدوي شلباية. نشر: دار الأرقم (الكويت) ط/1/ 1405 هـ، ومكتبة ابن حجر (مكة المكرمة) ط/1/ 1408 هـ. المنتخب من العلل للخلال لابن قدامة المقدسي. تحقيق: أبي معاذ طارق بن عوض الله بن محمد. نشر: دار الراية (الرياض). ط/1/ 1419 هـ. المنتظم في تاريخ الأمم والملوك لابن الجوزي. تحقيق: محمد ومصطفى عبد القادر عطا. نشر: دار الكتب العلمية (بيروت) ط/1/ 1412 هـ. المنتقى لابن الجارود (غوث المكدود). تحقيق: أبي إسحاق الحويني الأثري. نشر: دار الكتاب العربي (بيروت) ط/1/ 1408 هـ. المنتقى من أخبار المصطفى = نيل الأوطار المنتقى من مكارم الأخلاق

المنهج المقترح لفهم المصطلح المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج للنووي منهاج السنة النبوية لشيخ الإسلام ابن تيمية. تحقيق: د. محمد رشاد سالم. ط/1/ 1406 هـ. جامعة الإمام ط/2/ 1411 هـ. منهاج الطالبين المهذب للشيرازي المهذب في اختصار السنن الكبير للذهبي. تحقيق: دار المشكاة للبحث. نشر: دار الوطن (الرياض). سنة 1422 هـ. المهروانيات موارد الظمآن تحقيق: حسين سليم أسد موافقة الخبر الخبر لابن حجر العسقلاني. تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي وصبحي السيد جاسم السامرائي نشر: مكتبة الرشد (الرياض). ط/1/ 1414 هـ. مواهب الجليل الموضح لأوهام الجمع والتفريق للخطيب البغدادي. تصحيح ومراجعة: عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني. نشر: دار الفكر الإسلامي. ط/2/ 1405 هـ. الموضوعات من الأحاديث المرفوعات لابن الجوزي. تحقيق: د. نور الدين بن شكري. نشر: مكتبة أضواء السلف (الرياض). ط/1/ 1418 هـ. الموطأ للإمام مالك. رواية يحيى الليثي. تحقيق: بشار عواد معروف. نشر: دار الغرب الإسلامي (بيروت) ط/2/ 1417 هـ الموطأ للإمام مالك. رواية أبي مصعب الزهري. تحقيق بشار عواد معروف ومحمود محمد خليل. نشر: مؤسسة الرسالة (بيروت) ط/1/ 1412 هـ الموطأ للإمام مالك. رواية سويد بن سعيد الحدثاني. تحقيق عبد المجيد تركي. نشر: دار الغرب الإسلامي (بيروت) ط/1/ 1994 الموطأ للإمام مالك. رواية محمد بن الحسن الشيباني الموطأ للإمام مالك. رواية القعنبي. تحقيق عبد المجيد تركي. نشر: دار الغرب الإسلامي (بيروت) ط/1/ 1999 الموطأ للإمام مالك برواياته الثمانية لسليم الهلالي ميزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي. تحقيق: علي محمد البجاوي. نشر: دار إحياء الكتب العربية (عيسى البابي الحلبي مصر). ط/1/ 1382 هـ.

ناسخ الحديث ومنسوخه لابن شاهين. تحقيق: سمير الزهيري. نشر: مكتبة المنار (الأردن). ط/1/ 1408 هـ. نتائج الأفكار لابن حجر العسقلاني. تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي. نشر: دار ابن كثير (دمشق). ط/1/ 1421 هـ. النجم الوهاج في شرح المنهاج للدَّميري. نشر: دار المنهاج (جدة). ط/1/ 1425 هـ. النشر في القراءات العشر لابن الجزري. تحقيق: علي محمد الضباع. نشر: المكتبة التجارية (مصر). نصب الراية للزيلعي. تحقيق: محمد عوّامة. نشر: دار القبلة (جدة)، ومؤسسة الريان (بيروت). ط/1/ 1418 هـ. النكت على ابن الصلاح لابن حجر العسقلاني النكت الظراف على الأطراف لابن حجر العسقلاني. (مطبوع بهامش تحفة الأشراف) تحقيق: عبد الصمد شرف الدين. نشر: المكتب الإسلامي ط/ 2/ 1403 هـ. النهاية في غريب الحديث لابن الأثير. تحقيق: طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي. نشر: دار إحياء الكتب العلمية (عيسى البابي الحلبي مصر). ط/1/ 1383 هـ. نيل الأوطار هداية الرواة هدي الساري الهواتف لابن أبي الدُّنيا الوابل الصيب وطء المرأة في الموضع الممنوع منه شرعًا لطارق الطواري

§1/1