مسائل أجاب عنها الحافظ ابن حجر العسقلاني

ابن حجر العسقلاني

مَسَائل أجَابَ عَنها الحَافظُ ابن حَجر العَسقَلاني رحمه الله تحقيق أبي عبد الرحمن عبد المجيد جمعة عفا الله عنه

مقدمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70 - 71]. أمّا بعد، فإنّ أصدق الحديث كلام الله، وخير الهُدى هُدى محمّد - صلى الله عليه وسلم -، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النار.

وبعد، فإنّ من طرق التعليم النافعة طرح الأسئلة على أهل العلم للإجابة عنها عملا بقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، وقد ثبت في الصحيح (¬1) أنّ جبريل أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان، فأجابه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، وقال في الأخير: "إنّه جبريل أتاكم يعلّمكم دينكم". وقد دأب على هذا أهل العلم، فكان تلاميذهم حريصين على سؤال مشايخهم في مختلف أبواب العلم، وتدوين ذلك في كراريس لتحفظ فتاويهم، ويعمّ نفعها. ومن هؤلاء الأعلام، شيخ الإسلام أحمد بن عليّ بن محمّد الكناني المصري الشافعي، الشهير بابن حجر العسقلاني، المتوفّى سنة 852 هـ، فريد عصره، وإمام وقته، فقد كان قبلة يتوجّه إليه العلماء من كلّ الأمصار والأقطار، حتى ذاع صيته، واشتهر في الآفاق، وقد أذن له بالإفتاء بعض شيوخه كالحافظ العراقي والحافظ البلقيني وولده (¬2)، ثمّ تولّى منصب الإفتاء بدار العدل سنة إحدى عشرة وثمانمائة (811 هـ) (¬3)، وقد وصف فتاويه تلميذه الحافظ السخاوي رحمه الله فقال: "وأمّا فتاويه فإليها النهاية في الإيجاز، مع حصول الغرض، لا سيما المسائل التي لا نَقْلَ فيها، فإنّه كان من أحسن علماء عصره فيها تصرّفًا، لا يجارى فيها، ولا يمارى، يجرجها على ¬

(¬1) أخرجه مسلم (1) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وأخرجه البخاري (50) من حديث عمر رضي الله عنه بنحوه. (¬2) انظر "الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر" للحافظ السخاوي (1/ 271). (¬3) انظر المرجع السابق (2/ 600).

القوانين المحرّرة بالدلائل المعتبرة، وهو فقيه النفس، وكان يكتب في كلّ يوم غالباً على أكثر من ثلاثين فُتيا" (¬1)، وقال البُقاعي: "وكانت فتاويه وأماليه كالشمس في الإشراق" (¬2)، ولهذا كان الناس لا يعوّلون إلاَّ على فتاويه، قال القاضي قطب الدين الخيضري: "المعوّل عند المشكلات عليه، ولا تركن النفس إلاّ إلى كلامه، ولا يعتمد الناس إلاّ على فتواه" (¬3)؛ ومع ذلك لم تجمع هذه الفتاوى في مؤلف مفرد، بل بقيت منثورة في مكتبات تلاميذه، لا سيما تلميذه البار الحافظ السخاوي رحمه الله، فقد نقل بعض هذه الفتاوى في بعض مصنّفاته" بل عقد فصلاً في ذكر نبذة من فتاويه المهمّة، في كتابه "الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر"، وكان قد همّ بإفرادها في مصنّف مفرد. وقد رام أ. د. عبد الرحيم بن محمد أحمد القشقري -الأستاذ بقسم الحديث، بكلّيّة الحديث الشريف، بالجامعة الإسلامية، بالمدينة النبوية- جمع هذه الفتاوى من مكتبات العالم، كمكتبات العربية السعودية، وسوريا، وتركيا، ومصر، والمغرب، وتونس، ومكتبات إسبانيا، فتمكّن من جمع عشرين مجموعة مختلفة، في الحديث وعلومه، والفقه وأصوله، وشيئا من التفسير والعقيدة، طبع منها عشر مجموعات بمكتبة أضواء السلف - الرياض، فجزاه الله خيرا؛ ¬

(¬1) المرجع السابق (2/ 614). (¬2) المرجع السابق (1/ 321). (¬3) المرجع السابق (1/ 332).

ولكنّه لم يهتد إلى الجزائر ليقف على كنوزها، ويطّلع على أسرارها. وقد وقفت -فضل الله وتوفيقه- على نسخة خطّية من فتاوى الحافظ ابن حجر رحمه الله بالمكتبة الوطنية بالجزائر، وهي برقم: (2632)، وتقع ضمن مجموعة برقم (10)، وكتبت بخطّ مغربي، مع استعمال اللون الأحمر. ولا يشكّ أحد في صحّة نسبة هذه الرسالة إلى الحافظ، ويدلّ عليه أمور، منها: أنَّه ورد اسم الحافظ ابن حجر في الجواب الأوّل، حيث قال: قاله وكتبه أحمد بن علي بن حجر الشافعي عفا الله عنه. الثاني: الجواب الثاني، كتب بخطّ الشريف الجزري، ونقله هو من خطّ الحافظ. الثالث: نقل بعض هذه الفتاوى تلميذه الحافظ السخاوي في كتابيه: "الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر"، و"المقاصد الحسنة"، وقد نبّهت على ذلك في موضعها. الرابع: أحال الحافظ رحمه الله بعض هذه الفتاوى إلى بعض كتبه، فقال: وقد بسطته في الكلام على كتاب الأذكار. وهو كتاب: "نتائج الأفكار في تخريج أحادث الأذكار"، طبع منه ثلاثة أجزاء، بتحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، بمطبعة دار ابن كثير. دمشق - بيروت. هذا، وقد قمت بنسخ الرسالة حسب قواعد الإملاء المعمول بها، وخرّجت أحاديثها، وعلّقت عليها، ونبّهت على التصحيف الواقع فيها، بحسب بضاعتي المزجاة، والله المستعان، وعليه التكلان.

وفي الختام، أسأل الله العظيم أن يجعل عملي هذا خالصًا لوجهه الكريم. وكتب أبو عبد الرحمن عبد المجيد جمعة الجزائر: 22 ربيع الأول 1426 هـ

الورقة الأولى من المخطوط

جواب الحافظ عن حديث "الظالم عدل الله في أرضه"

الحمد لله سئل حافظ عصره، وإمام وقته، الشيخ شهاب الدين بن حجر الشافعي العسقلاني (¬1) عن رجل قال: ورد "الظَالِمُ عَدْلُ اللهِ في أَرْضِهِ، يَنْتَقِمُ مِنَ النَّاسِ، ثُمَّ يَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ" (¬2)، فقال له آخر: الذي سمعناه ورد: "الظالم عبد الله في أرضه، ينتقم من الناس، ثمّ ينتقم الله منه"، فقال الطالب: كيف يوصف بالظلم، وينسب الظلم إلى أنّه عدل ¬

(¬1) أشار الحافظ السخاوي إلى أن هذا السؤال -والذي بعده، وغيره- قد ورد من القاهرة. انظر "الجواهر والدرر" (2/ 918). (¬2) قد سبق المصنّف إلى نفي وجوده الإمامُ الزركشيُّ رحمه الله، فقال في التذكرة في الأحاديث المشتهرة (1/ 174): لم أجده. لكن رواه بمعناه الطبراني في الأوسط (3358) عن جابر - رضي الله عنه - بلفظ: "إنَّ اللهَ يقول: أَنْتَقِمُ ممَنْ أُبْغِضُ بمَنْ أُبْغِضُ، ثمّ أُصَيِّرُ كُلاًّ إلى النَّارِ"، وقال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 289) بعدما عزاه إلى الطبراني: وفيه أحمد بن بكر البالسي، وهو ضعيف؛ وهذا تساهل، فقد قال ابن عدي: روى أحاديث مناكير عن الثقات، ثمّ ساق له ثلاثة أحاديث، وأقرّه الحافظان الذهبي وابن حجر، وقال أبو الفتح الأزدي: كان يضع الحديث، ولهذا حكم على الحديث بالوضع غير واحد من أهل العلم. انظر الكامل لابن عدي (1/ 188) ميزان الاعتدال (1/ 219) لسان الميزان (1/ 140) المقاصد الحسنة (668) الأسرار المرفوعة (281) الفوائد المجموعة (668).

معنى "عدل الله"

منه تعالى؟ قال السائل: فهل ورد في الأخبار شيء من هذين اللفظين؟ وإذا لم يرد فهل يجوز إطلاق مثل هذا؟ فأجاب: الحمد لله، اللهمّ اهدني لما اختلف فيه من الحقّ بإذنك. هذا الحديث لا استحضره، ومعناه دائر على الألسنة، [و] (¬1) على تقدير وجوده فلا إشكال فيه، بل الرواية بلفظ: "عدل الله" أظهر في المعنى من الرواية (¬2) بلفظ: "عبد الله". وأمّا قول القائل: كيف يجوز وصفه بالظلم، وينسب إلى أنّه عدل [من الله تعالى] (¬3)؟ فجوابه: أنّ المراد بالعدل هنا ما يقابل الفضل، فالعدل أن يعامل كلّ أحد بفعله: إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشرّ، والفضل أن يعفو فضلاً (¬4) عن المسيء، وهذا على طريق أهل السنّة، بخلاف المعتزلة، فإنّهم يوجبون عقوبة المسيء، ويدّعون أنّ ذلك هو العدل، ومن ثَمَّ سمّوا أنفسهم أهل العدل والعدلية. وإلى ما صار (¬5) عليه أهل السنة يشير قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ} [الأنبياء: 112]، أي: لا تمهل الظالم، ولا تتجاوز عنه، بل عجّل عقوبته، لكنّ الله تعالى ¬

(¬1) زيادة من "الجواهر والدرر" (2/ 928) و"المقاصد الحسنة" (ص 286). (¬2) في الأصل: رواية، والتصحيح من الجواهر والمقاصد. (¬3) زيادة من الجواهر والمقاصد. (¬4) كذا في الأصل، وفي الجواهر والمقاصد: مثلا. (¬5) كذا في "الجواهر" و"المقاصد"، وفي الأصل: صاروا، وهو على لغة: "أكلوني البراغيث".

يمهل من شاء، [ويتجاوز عمّن يشاء] (¬1)، ويعطي من شاء، ويمنع من شاء، لا يسأل عمّا يفعل سبحانه. هذا الذي فتح الله به من الجواب عن هذا الإشكال، وربّنا الرحمن المستعان. قاله، وكتبه: أحمد بن علي بن حجر الشافعي عفا الله عنه. ¬

(¬1) زيادة من الجواهر والمقاصد.

رأي الحافظ في كتاب "البهجة"

وسئل عن قول الشيخ زين الدين بن رجب المقدسي في كتاب "طبقات الحنابلة" (¬1) في مناقب الشيخ عبد القادر الكيلاني: "وقد جمع الشيخ أبو الحسين المقرئ الشطّنوفي (¬2) المصري في أخباره -يعني الشيخ عبد القادر- ثلاث مجلّدات، [وهي المسمّات بالبهجة] (¬3)، وقد قرأت بعض الكتاب، فلا يطيب على قلي أن أعتمد عل شيء مما فيه بالنقل منه إلاّ ما كان مشهورًا معروفًا من غيره، [وذلك لكثرة ما فيه] (¬4) من الرواية عن الجهولين (¬5)، وفيه من الشطح، والطامات، والدعاوي، والكلام الباطل، ما لا يحصى، ولا يجوز نسبة مثل ذلك للشيخ عبد القادر. ثمّ وجدت الكمال جعفر الأُدْفُوي (¬6) ذكر: أنّ الشيخ الشَّطّنُوفِي (¬7) ¬

(¬1) انظر كتاب "الذيل على طبقات الحنابلة" (1/ 293). (¬2) في الأصل: الشضوفي، وهو تصحيف، والتصحيح عن "الذيل"، و"الجواهر والدرر" (2/ 941)، والشطّنوفي: نسبة إلى شطّنوف -بفتح أوّله، وتشديد ثانيه، وفتح، وآخره فاء- بلد بمصر، من نواحي كورة الغربية، عنده يفترق النيل فرقتين: فرقة تمضي شرقيا إلى تنيس، وفرقة تمضي غربيا إلى رشيد، على فرسخين من القاهرة، وهو مركب. انظر معجم البلدان (3/ 344). (¬3) زيادة من الجواهر (2/ 941)، ولم ترد في الذيل. (¬4) كذا في الذيل والجواهر، وفي الأصل كلمة غير واضحة، لم أهتد إلى قراءتها. (¬5) في الجواهر: المجهول. (¬6) في الأصل: الأدفري، وهو تصحيف، والتصحيح من الذيل والجواهر؛ والأدفوي: نسبة إلى أدفو -ضمّ الهمزة، وسكون الدال، وضمّ الفاء، وسكون الواو- اسم قرية بصعيد مصر الأعلى بين أسوان وقوص، وهو كمال الدين أبو الفضل جعفر بن تغلب بن جعفر بن الإمام العلامة الشافعي، ولد في شعبان سنة خمس وثمانين، وقيل: خمس وسبعين وستمائة، وسمع الحديث بقوص والقاهرة، وأخذ المذهب والعلوم عن علماء ذلك العصر، منهم ابن دقيق العيد، قال أبو الفضل العراقي: كان من فضلاء أهل العلم، صنّف تاريخًا للصعيد، ومصنّفًا في حلّ السماع، سمّاه: "كشف القناع"، وغير ذلك، توفي في صفر بمصر سنة 748، ودفن بمقابر الصوفية. انظر شذرات الذهب (3/ 153) معجم البلدان (1/ 126). (¬7) في الأصل: الشضوفي.

نفسه (¬1) كان متّهمًا فيما يحكيه في هذا الكتاب بعينه. وادّعى ابن رجب أيضاً أنّ كتابي: "الغنية" (¬2)، و"فتوح الغيب" من تصانيف الشيخ، فهل صحّ ذلك أم لا؟. وقال الذهبي (¬3): كان الشطنوفي (¬4) مغرمًا ببهجة الشيخ عبد القادر، فراج عليه فيها حكايات مكذوبة. والمسؤول من صدقات شيخ الإسلام إشباع الكلام في ذلك، وأن يبيّن ما تبيّن من حال "البهجة" ما يزيل اللبس، وما معنى قوله: وقدمي هذه على رقبة كلّ وليّ لله؟ فأجاب: أمّا ما يتعلّق بالبهجة فقد طالعت أكثرها، فما رأيت [الأمر كما ذكره الحافظ ابن رجب] (¬5) على إطلاقه، بل هي مشتملة على أقسام: القسم الأول: ما لا منابذة لقاعدة الشريعة فيه بحسب الظاهر، بل هو جائز شرعًا وعقلاً، وهذا معظم الكتاب، فإنّ ظهور الخوارق على البشر واقعة في الوجود، ولا ينكرها إلاّ معاند. القسم الثاني: منابذ لقوانين الشريعة في الظاهر، فإن أمكن حمله بالتأويل على ¬

(¬1) في الأصل: في نفسه، والتصحيح من الجواهر والذيل. (¬2) في الأصل: "المضمنة"، وهو تصحيف، والتصحيح من الذيل (1/ 296)، وهو "الغنية لطالبي طريق الحقّ". (¬3) عبارته في تاريخ الإسلام (39/ 100): جمع الشيخ نور الدين الشطّنوفي المقرئ كتابًا حافلاً في سيرته وأخباره، في ثلاث مجلدات، أتى فيه بالبرّة وأذن الجرّة، وبالصحيح والواهي والمكذوب، فإنّه كتب فيه حكايات عن قوم لا صدق لهم. (¬4) في الأصل: الشضوفي (¬5) في الأصل: الآن كما نقله الشيخ زين الدين.

ضابط الكرامات

أمر [ظاهر سائغ] (¬1) فذاك، وإلاّ، فينبغي اجتنابه؛ وتحسين الظنّ بقائله يحتاج إلى أن يدّعي أنّ ذلك [صدر] (¬2) في حال غيبة له من غير اختيار. القسم الثالث: ما تردّد بين الأمرين، فهذا ينبغي الجزم بحمله على المحمل الصحيح، ولو بالتأويل، بخلاف الذي قبله، فإنّه يجوز أن يكون غير ثابت. ولا شكّ أنّ من ليست له بصيرة بنقد الرواة ثم قصد الإكثار فإنّه يصير حاطب ليل، يجمع الغثّ والسمين، وهو لا يدري، وهذا حال جامع "البهجة". وقد ذكر أئمّتنا لما يظنّ (¬3) من الخوارق ضابطًا يتميّز به المقبول من المردود، فقالوا: إن كان الواقع ذلك له أو منه على المنهاج المستقيم فهي كرامة، كالشيخ عبد القادر، وقد قال شيخ الإسلام عزّ الدين بن عبد السلام: ما وصلت إلينا كرامات أحد بطريق التواتر مثل ما وصلت إلينا كرامات الشيخ عبد القادر، وروينا هذا الكلام بمعناه (¬4) بسند صحيح عن الحافظ شرف الدين علي بن محمّد اليونيني، أنّه سمع ابن عبد السلام يقوله، وفي رواية الذهبي عنه (¬5)، قيل له: -مع ما عرف من اعتقاده، يعني من المسائل التي يخالف فيها الحنابلة والشيخ منهم، والأشاعرة، وابن عبد السلام منهم-، فقال: نعم، إذ (¬6) لازم ¬

(¬1) في الجواهر: شائع. (¬2) زيادة من الجواهر. (¬3) في الجواهر: يظهر. (¬4) في الأصل: بمعنى، والتصحيح من الجواهر. (¬5) انظر سير أعلام النبلاء (20/ 443) تاريخ الإسلام (39/ 92). (¬6) في الأصل: إذا، والتصحيح من الجواهر.

موقف الحافظ من كرامات الشيخ عبد القادر

المذهب ليس بلازم (¬1)؛ وإن كانت الواقعة منه أوّله على الوجه المباين للشريعة المطهّرة فليست فيها دلالة على الولاية والكرامة (¬2)؛ فهذا هو الحدّ الفارق بين الكرامة الدالّة على الولاية، والخارق الذي لا يدلّ عليها، بل ربما دلّ على ضدّها، كما يظهر في كثير من أحوال المبتدعة المتمسكين بما يباين الأمور الشرعيّة، فإنها أمور (¬3) شيطانية، لا يغترّ بها إلاّ الجهلة، وربما ظهرت من أناس في حال غيبتهم وذهولهم، وهم على قسمين: من كان قبل ذلك على المنهج القويم، فتلك كرامة، ولكن لا يُقتدى (¬4) بأقوال من كان هذا سبيله (¬5)، ولا بأفعاله، بل يعذر على ما يصدر منه لكونه في حال غيبة عقله الذي هو مناط التكليف، والأولى منع جهلة العامة من ملازمة مثل هذا لئلاّ يُظنّ (¬6) أنّ الذي يصدر منه في حال غيبته هو الحقّ، فيُقتدى (¬7) به، ومن هنا ضلّ كثير منهم، وبالله التوفق. وإذا عرف ذلك فالشيخ عبد القادر لم يكن من هؤلاء، بل كان حاضر الحسّ، ¬

(¬1) علّق الحافظ الذهبي رحمه الله على هذه العبارة في السير (20/ 443) فقال: "قلت: يشير إلى إثباته صفة العلو ونحو ذلك، ومذهب الحنابلة في ذلك معلوم، يمشون خلف ما ثبت عن إمامهم رحمه الله إلاّ من يشذّ منهم، وتوسّع في العبارة". (¬2) في الجواهر: ولا كرامة. (¬3) في الجواهر: أحوال. (¬4) في الأصل: يعتمد، والتصحيح من الجواهر. (¬5) في الأصل: فعله، والتصحيح من الجواهر. (¬6) في الجواهر: يظنّوا. (¬7) في الجواهر: فيقتدوا.

يتمسّك بقوانين الشريعة، ويدعو إليها، وينفر من مخالفتها، ويشغل (¬1) الناس فيها، مع تمسكه بالعبادة والمجاهدة، ومزج ذلك بمخالطة الشاغل غالبا (¬2) عنها كالأزواج والأولاد، ومن كان هذا سبيله كان أكمل من غيره، لأنّ هذه صفة صاحب الشريعة، ومن هنا قال تلك الكلمة المشهورة، لأنّه لا يعرف في عصره من كان يساويه في الجمع بين هذه الكمالات. وإذا تقرّر هذا، فلا يضرّ ما وقع في هذه "البهجة" مما ينسب (¬3) إليه، لأنّه إن كان على قانون الشريعة فنسبته إليه جائزة، وما عدا ذلك، إن كان ثابتًا عنه حمل على أنَّه صدر (¬4) منه في حال غيبته (¬5)، وإن كانت أحواله الغالبة لم تكن له فيها غيبة، وإن لم يكن ثابتًا فالعهدة على ناقله؛ والغرض تعظيم شأنه؛ وهو بلا شكّ يستحقّ التعظيم، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (¬6). قاله وكتبه أحمد بن علي بن حجر الشافعي حامدًا مصليًّا مسلّمًا، ومن خطّ تلميذه الشريف الجزري نقلت، وهو نقل من خطّه، والله الموفّق. ... ¬

(¬1) في الأصل: شغل، والتصحيح من الجواهر. (¬2) في الأصل: غائب، والتصحيح من الجواهر. (¬3) في الجواهر: نسب. (¬4) في الأصل: صار، والتصحيح من الجواهر. (¬5) في الجواهر: غيبة ما. (¬6) قال الحافظ الذهبي في السير (20/ 450 و451): "قلت: ليس في كبار المشايخ من له أحوال وكرامات أكثر من الشيخ عبد القادر، لكن كثيرًا منها لا يصحّ، وفي بعض ذلك أشياء مستحيلة. ثمّ قال: وفي الجملة، الشيخ عبد القادر كبير الشأن، وعليه مآخذ في بعض أقواله ودعاويه، والله الموعد، وبعض ذلك مكذوب عليه".

حكم إهانة الخبز

وسئل الشيخ شهاب الدين بن حجر - رضي الله عنه -، هل قال أحد من المسلمين بجواز إهانة الخبز، وما سقط منه من اللباب؟ وبجواز وطئه بالأقدام؟ وما يجب على فاعل ذلك؟ وهل يجوز إلقاؤه في الأرض؟ وما قيل في تعظيمه: "عَظِّمُوا الخُبْزَ، فَإِنَّهُ مَا أَهَانَهُ قَوْمٌ إِلاَّ ابْتَلاَهُمُ اللهُ بالجُوعِ" (¬1)؟ وهل هذا الحديث صحيح؟ وهل ما قيل: "إنّ النبي صلى الله عليه وسلم تسليمًا دخل على سيّدتنا عائشة، فوجد كسرة ملقاة في الأرض، فأخذها، وقبّلها، ووضعها على رأسه، ثمّ قال: يَا عَائِشَةُ! أَجلِّي نِعَمَ اللهِ، فَإِنَّهَا قَلَّ مَا نَفَرَتْ عَنْ قَوْمٍ وعَادَتْ إِلَيْهِمْ" (¬2)؟ وهل هذا حديث أم لا؟ ¬

(¬1) أخرجه أبو نعيم في الحلية (9/ 397) عن أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: "أكرموا الخبز فإنّ الله تعالى سخّر له بركات السماء والأرض، ولا تسندوا القصعة بالخبز، فإنّه ما أهانه ... " وذكره، وذكره الديلمي في الفردوس (رقم: 200 و1049) بدون إسناد، وضعّفه الشيخ الألباني رحمه الله في الضعيفة (4/ 422)، وعزاه الحافظ ابن حجر في اللسان (4/ 267) إلى أبي سعيد الماليني في المؤتلف له، في ترجمة علي بن يعقوب بن سويد الورّاق، ونقل عن أبي سعيد بن يونس أنه قال فيه: كان يضع الحديث، وساق له هذا الحديث. وله شاهد عن ابن عباس رضي الله عنه مرفوعاً بلفظ: "ما استخفّ قوم بحقّ الخبز إلاّ ابتلاهم بالجوع"، أخرجه الخطيب في المتفق والمفترق (1/ 430) وابن الجوزي في الموضوعات (2/ 195)، لكن لا يفرح به، قال ابن الجوزي: هذا حديث موضوع، قال أحمد بن حنبل: إسحاق بن نجيح أكذب الناس، وقال: يحيى: هو معروف بالكذب، ووضع الحديث، وقال ابن حبان: يضع الحديث، وقال الحافظ الذهبي في تلخيصه (رقم: 625): فيه كذّابان: الحسين بن أحمد الصفّار، وإسحاق بن نجيح (¬2) سيأتي تخريجه بعد قليل.

الأحاديث الواردة في إهانة الخبز

فأجاب بما نصّه: لا أعلم أحدًا من العلماء قال بجواز إهانة الخبز، كإلقائه تحت الأرجل، وطرح ما تناثر منه في المزبلة مثلاً أو نحو ذلك، ولا نصّ أحد من العلماء على المبالغة في إكرامه، كتقبيله مثلاً، بل نصّ أحمد رضي الله عنه على كراهة تقبيله (¬1)، ومع عدم القائل بجواز الإهانة فيضاف إلى من أهانه استلزام ارتكاب عموم النهي عن إضاعة المال، فيمنع من طرحه تحت الأرجل، لأنّ الغير قد يتقذّر بعد ذلك، فيمتنع من أكله، مع الاحتياج إليه. وأمّا الأحاديث الواردة في ذلك فمنها حديث: "أَكْرِمُوا الخُبْزَ، فَإِنَّ اللهَ أَكْرَمَهُ، فَمَنْ أَكْرَمَ الخُبْزَ أَكْرَمَهُ اللهُ " أخرجه الطبراني (¬2) من حديث أبي سكينة، وسنده ضعيف، وفي لفظ: "فَإِنَّ اللهَ أَنْزَلَ لَهُ مِنْ بَركَاتِ السَّمَاءِ، وسخَّرَ لَهُ مِنْ بَرَكَاتِ الأَرْضِ" أخرجه البزار والطبراني وابن نافع (¬3) من حديث عبد الله بن أمّ حرام، وسنده ضعيف جدًّا. ¬

(¬1) انظر "منار السبيل" (2/ 188) "الإنصاف" للمارداوي (8/ 334). (¬2) أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 335)، وقال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 34) بعدما عزاه إليه: وفيه خلف بن يحيى، قاضي الريّ، وهو ضعيف، وأبو سكينة، قال ابن المديني: لا نعلم له صحبة. كذا قال في خلف، وهو من تساهله، فقد قال فيه أبو حاتم: متروك الحديث، كان كذّاباً، لا يشتغل به، ولا بحديثه. ومن هنا تعلم أنّ قول المصنّف: سنده ضعيف، قصور، لا سيما وقد أقرّ أبا حاتم على كلامه في موضع آخر. انظر الجرح والتعديل (3/ 372) ميزان الاعتدال (5/ 454) لسان الميزان (2/ 405) (¬3) أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (15) وكذا البزار (2877 - كشف الأستار) وابن حبان في المجروحين (2/ 134) والعقيلي في الضعفاء (3/ 27)، وقال الحافظ الهيثمي في المجمع (5/ 34): رواه البزار والطبراني، وفيه عبد الله ابن عبد الرحمن الشامي، ولم أعرفه، وصوابه: عبد الملك بن عبد الرحمن الشامي، وهو ضعيف. كذا قال، وعبد الملك هذا، قال فيه البخاري: منكر الحديث، وقال أبو حفص الفلاس: كذّاب، ولهذا أورده غير واحد في الموضوعات. انظر الموضوعات لابن الجوزي (2/ 193 - 194) تنزيه الشريعة (رقم: 6) اللآلئ المصنوعة (2/ 181) الفوائد المجموعة (رقم: 26 و153) السلسلة الضعيفة (6/ 420).

ومنها حديث أبي هريرة: "أَنَّ النَّييَّ صلى الله عليه وسلم تسليمًا نَهَى عَنْ قَطْعِ الخُبْزِ بالسكينِ" أخرجه ابن حبان في كتاب الضعفاء (¬1)، وسنده واه، وأخرجه الطبراني (¬2) من حديث أمّ سلمة، وسنده ضعيف أيضًا. ¬

(¬1) أخرجه ابن حبان في الضعفاء والمجروحين (3/ 48) وكذا ابن عدي في الكامل (7/ 43) كلاهما في ترجمة نوح بن أبي مريم أبي عصمة، وقال فيه ابن حبان: كان ممن يقلب الأسانيد، ويروي عن الثقات ما ليس من حديث الأثبات، لا يجوز الاحتجاج به بحال، وقال ابن عدي: هذا حديث منكر، وقال الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء (رقم: 1315): رواه ابن حبان في الضعفاء، وفيه نوح بن أبي مريم وهو كذّاب؛ ولهذا حكم على الحديث بالوضع غير واحد، انظر موضوعات الصغاني (رقم: 119) الموضوعات لابن الجوزي (2/ 194) وتلخيصه للحافظ الذهبي (رقم: 624) الفوائد المجموعة (رقم: 40) (¬2) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (23/ 285) وكذا البيهقي في شعب الإيمان (رقم: 6007)، وقال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 37): رواه الطبراني، وفيه عباد بن كثير الثقفي، وهو ضعيف. كذا قال، قال أبو طالب: سمعت أحمد بن حنبل يقول: عباد بن كثير أسوؤهم حالاً، قلت: كان له هوى؟! قال: لا، ولكن روى أحاديث كذب لم يسمعها، وكان من أهل مكّة، وكان رجلاً صالحاً. قلت: كيف كان يروي ما لم يسمع؟ قال: البلاء والغفلة، وقال ابن المبارك: انتهيت إلى شعبة، وهو يقول: هذا عباد بن كثير! فاحذروا روايته، وقال البخاري: تركوه، وقال النسائي: متروك الحديث. انظر الكامل في "الضعفاء" (4/ 333) الضعفاء للعقيلي (3/ 140) المجروحين (2/ 166) الجرح والتعديل (6/ 84).

ومنها حديث: "أكْرِمُوا الخُبْزَ، فَإِنَّ كَرَامَةَ الخُبْزِ أن لاَ يُنْظَرَ بِهِ الأُدُمُ" أخرجه الحاكم في المستدرك (¬1) من حديث عائشة، وأخرج ابن ماجه (¬2) من وجه آخر عن عائشة قالت: "دخل النبي صلى الله عليه وسلم تسليمًا عليّ فرأى كسرة ملقاة فأخذها يمسحها، ثمّ أكلها وقال: يَا عَائِشَةُ! أَكْرِمي نِعَمَ اللهِ، فَإِنَّهَا مَا نَفَرَتْ عَنْ قَوْمٍ قَطّ فَعَادَتْ إِلَيْهِمْ" وسنده ضعيف، ولم أر في شيء من طرقه أنّه قبّلها، ومداره على ¬

(¬1) أخرجه الحاكم (4/ 136) بلفظ: "أكرموا الخبز، وإنّ كرامة الخبز أن لا ينتظر به، فأكله وأكلنا"، وقال: هذا الحديث صحيح الإسناد، ولم يخرّجاه، وأقرّه الحافظ الذهبي، لكن قال: قلت: المرفوع منه "أكرموا الخبز". (¬2) أخرجه ابن ماجه (3353) بلفظ: "أكرمي كريما فإنّها ... "، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (4/ 31): هذا إسناد ضعيف، لضعف الوليد بن محمد الموقري أبو بشر البلقاوي؛ وهذا تساهل، قال الحافظ فيه في التقريب: متروك؛ وقد ورد من طرق أخرى كلّها ضعيفة. انظر الإرواء (1961)؛ وللحديث شواهد أخرى، لكنّها ضعيفة أو موضوعة. قال الحافظ السخاوي رحمه الله في "المقاصد الحسنة" (ص 98): "وفي الجملة، خير طرقه الإسناد الأوّل على ضعفه، ولا يتهيّأ الحكم عليه بالوضع مع وجوده، لا سيما، وفي المستدرك للحاكم من طريق غالب القطان عن كريمة ابنة همام عن عائشة أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أكرموا الخبز"، حسب، قال شيخنا (يعني الحافظ ابن حجر): فهذا شاهد صالح"، ومال إلى تصحيح رواية الحاكم أيضًا الشيخ الألباني رحمه الله فقال في الضعيفة (6/ 424): "وجملة القول: إنّ الحديث ضعيف من جميع طرقه، لشدّة ضعف أكثرها، وإضراب متونها، اللهمّ إلاّ طرفه الأول: "أكرموا الخبز"، فإنهّ النفس تميل إلى ثبوتها، لاتّفاق جميع الطرق عليها، ولعلّ ابن معين أشار إلى ذلك بقوله: أوّل هذا الحديث حقّ، وآخره باطل، ولأنّ حديث عائشة يمكن اعتباره شاهداً له، لا بأس به، لخلوّه من الضعف الشديد، بل قد صحّحه الحاكم والذهبي كما تقدّم، ونقل الحافظ السخاوي في "المقاصد الحسنة" عن شيخه أنَّه قال فيه: فهذا شاهد صالح، والله سبحانه وتعالى أعلم".

الوليد بن محمّد المُوقري، وهو ضعيف جدًّا. وبالجملة لا ينبغي مع ورود هذه الأحاديث إهانة الخبز احتياطًا، ولا تعظيمه. وأمّا بأن يجعل فوق الرأس أو يقبّل، فلا يشرع، والله سبحانه أعلم بالصّواب. ...

جواب الحافظ عما ورد في بعض كتب الفارسية: أن لإبراهيم ولأبي بكر الصديق لحية في الجنة

وسئل أيضًا (¬1) عن حديث معاذ في الترمذي (¬2) في دخول أهل الجنة جُردًا مُردًا أبناء ثلاث وثلاثين سنة، وفي بعض الكتب الفارسية: أنّ لإبراهيم الخليل [عليه السلام] (¬3) ولأبي بكر لحية في الجنّة، فما الحكمة في ذلك؟ وهل صحّ ذلك أم لا؟ فأجاب: أنّه لم يصحّ أنّ للخليل، ولا للصدّيق لحية في الجنّة، ولا أعرف ذلك في شيء من كتب الحديث المشهورة، ولا الأجزاء المنثورة، وعلى تقدير ورود ذلك (¬4) فيظهر لي أنّ الحكمة في ذلك: أمّا في حقّ الخليل [عليه السلام] (¬5) [فلكونه] (¬6) منزّلاً ¬

(¬1) ذكر الحافظ السخاوي رحمه الله في "الجواهر والدرر" (2/ 892) أنّ هذا السؤال من جملة الأسئلة التي وردت من مكّة، من العفيف محمد بن الشرف بن عبد الرحيم الجرهي، والد الشيخ نعمة الله. (¬2) أخرجه الترمذي (2545) وكذا أحمد (5/ 232 و239 و243) والطبراني في الكبير (20/ 64) عن معاذ بن جبل أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يدخل أهل الجنَّة الجنَّة جُردًا مُردًا مكحّلين أبناء ثلاثين أو ثلاث وثلاثين سَنَة"، وحسّنه الترمذي، وأقرّه الشيخ الألباني في صحيح الترمذي، وحسنّه أيضًا الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 398)، وله شاهد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه أحمد (2/ 295) وابن أبي شيبة (7/ 35) والطبراني في الأوسط (رقم: 5422) وفي الصغير (رقم: 808)، وحسّنه الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 399)، والشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب (رقم: 3700)، فالحديث صحيح بمجموع الطريقين، ولهذا صحّحه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب (رقم: 3698) وصحيح الجامع (رقم: 8072). (¬3) زيادة من الجواهر. (¬4) في الجواهر والمقاصد الحسنة (ص 132): وروده. (¬5) زيادة من المقاصد. (¬6) زيادة من الجواهر والمقاصد.

منزلة الوالد للمسلمين، لأنّه الذي سمّاهم [بهذا] (¬1) الاسم، وأمروا باتّباع ملّته (¬2). وأما في حق الصدِّيق [رضي الله عنه] (¬3)، فينتزع من نحو ما ذكر في حق الخليل [عليه السلام] (¬4)، فإنه كالوالد للمسلمين؛ إذ هو الفاتح لهم باب الدخول إلى الإسلام. لكن أخرج الطبراني (¬5) ¬

(¬1) زيادة من المرجعين السابقين. (¬2) في الجواهر: وأقرّوا له، وهو تصحيف. (¬3) زيادة من المرجعين السابقين. (¬4) زيادة من الجواهر. (¬5) لم أجده في المعجم الكبير، ولعله في الجزء المفقود منه، لكن لم يورده الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد"، والله أعلم، وقد أخرجه ابن عدي في الكامل (2/ 48)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 197)، وابن حبان في المجروحين (1/ 363 و 3/ 76)، وابن الجوزي في الموضوعات (2/ 429)، وأبو الشيخ في العظمة رقم (1045 - 44)، وأبو نعيم في صفة الجنة رقم (261)، والخطيب في تاريخ بغداد (13/ 488)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (7/ 388 - 389)، وساقه الديلمي في الفردوس رقم (1649) بدون إسناد من حديث جابر - رضي الله عنه -، وفيه شيخ ابن أبي خالد الصوفي، قال ابن عدي، أحاديثه مناكير، وعد هذا الحديث منها. وقال العقيلي: منكر الحديث، لا يتابع على حديثه وهو مجهول، وقال ابن حبان -وذكر له ثلاثة أحاديث، هذا أحدها-: ثلاثتهم أباطيل موضوعات، لا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاله، ولا جابر رواه، ولا عمرو -يعني: ابن دينار- حدَّث به، وليس هذا من حديث حماد بن سلمة، وقال الحافظ الذهبي في الميزان (3/ 393): متهم بالوضع، وذكر له هذا الحديث وغيره، وفيه أيضًا وهب بن يحيي بن حفص البجلي، قال أبو عروبة، هو كذاب، يضع الحديث، يكذب كذبًا فاحشًا، وقال الدارقطني: يضع الحديث، وقال ابن حبان في ترجمته: وهذا شيء حدث به ابن أبي السري، عن شيخ ابن أبي خالد، فبلغه فسرقه، وحدَّث به عن عبد الملك الجُدي متوهمًا أنه سمع منه. وانظر اللآلئ المصنوعة (2/ 455)، تنزيه الشريعة رقم (24)، =

من حديث ابن مسعود [رضي الله عنه] (¬1) بسند ضعيف (¬2): "أهل الجنة (¬3) جرد مرد إلا موسى عليه السلام، فإن له لحية تُضرب إلى سُرَّتِهِ"، وذكر القرطبي في تفسيره (¬4). ¬

_ = تلخيص الموضوعات رقم (967)، الميزان (7/ 151)، واللسان (6/ 234). وله شاهد عن ابن عباس قال: "أهل الجنة مرد إلا موسى بن عمران فإن لحيته إلى سرته، وكلهم يسمون بأسمائهم إلا آدم فإنه يكنى أبا محمد"، أخرجه أبو نعيم في صفة الجنة (2/ 108)، وعزاه السيوطي في اللآلئ المصنوعة (2/ 456) إلى ابن أبي الدنيا في صفة الجنة، ولم أجده فيه، والله أعلم. وفي سنده ليث بن أبي سليم، قال الحافظ في التقريب: صدوق اختلط جدًّا، ولم يتميز حديثه، فترك، وفيه أيضًا مجاشع بن عمرو الأسدي، قال ابن معين: قد رأيته أحد الكذابين، وقال ابن حبان: كان ممن يضع الحديث على الثقات، ويروي الموضوعات عن أقوام ثقات، لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل القدح فيه، ولا الرواية عنه إلا على سبيل الاعتبار للخواص. انظر الضعفاء والمجروحين رقم (1049)، ميزان الاعتدال (3/ 436) لكنه لم يتفرد به، فقد تبعه سويد بن الحكم، أخرجه القاضي أبو المحاسن الروياني في البحر. كما ذكره العلامة البرهان الناجي في "حصول البغية فمن يدخل الجنة بلحية"، نقله عنه محقق "الجواهر والدرر" (2/ 893)، لكن لم أجد من ترجمه، وقال عنه الناجي: إنه مجهول، قلت: وقد أسقط عبد الملك بن سعيد بن جبير الراوي بين ليث وعكرمة. (¬1) زيادة من الجواهر. (¬2) في المقاصد: بسند ضعيف من حديث ابن مسعود، بالتقديم والتأخير. (¬3) في الأصل: في أهل الجنة. (¬4) عزاه القرطبي في تفسيره (10/ 207، 208) دار إحياء التراث العربي - بيروت)، إلى الآجري من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - بلفظ: " ... ثم مضينا إلى الخامسة وإذا أنا بهارون بن عمران المحب في قومه، وحوله تبع كثير من أمته، فوصفه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال: طويل اللحية، تكاد لحيته تضرب في سرته". ثم عزاه إلى أبي سعيد عبد الملك بن محمد النيسابوري بلفظ: " ... استفتح الباب جبريل - عليه السلام - ففتح له، فإذا هو بكهل لم يُر كهل قط أجمل منه، عظيم العينين، تضرب لحيته قريبًا من سرته". =

أنّ ذلك ورد في حقّ هارون [عليه السلام] (¬1) [أخيه] (¬2) أيضًا، ورأيت بخطّ بعض أهل العلم أنّه ورد في حقّ آدم (¬3) [عليه السلام] (¬4)، ولا أعلم شيئًا من ذلك ثابتًا، والله أعلم. ¬

= قلت: وأخرجه الطبري في تفسيره (8/ 12)، والبيهقي في "دلائل النبوة". (2/ 393)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (512)، وابن أبي حاتم في تفسيره، وابن مردويه كما في "الدر المنثور" (5/ 197)، عن أبي هارون العبدي عنه -في قصة المعراج المطول- بلفظ " ... فوصفه النبي - صلى الله عليه وسلم -: طويل اللحية، تكاد لحيته تمس سرته" وأبو هارون العبدي، واسمه عمارة بن جوين -بجيم مصغرًا- كذبه حماد بن زيد، وقال شعبة: لئن أقدم فتضرب عنقي أحب إليَّ من أن أحدِّث عن أبي هارون. وقال أحمد: ليس بشيء، وقال ابن معين، ضعيف لا يصدق في حديثه، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال الدارقطني: متلون، خارجي، وشيعي، فيعتبر بما روى عنه الثوري، قال الجوزجاني: أبو هارون كذاب مفتر. انظر ميزان الاعتدال (5/ 209)، تهذيب التهذيب (7/ 361). (¬1) زيادة من الجواهر. (¬2) زيادة من المقاصد. (¬3) نقل محقق كتاب "الجواهر والدرر" (2/ 892) عن السفيري في "مختصره" أنّه قال: "قلت: وفي هذا ردّ لما قاله ابن الملقّن في شرح حديث المعراج من أنه ورد في بعض الأحاديث المرفوعة: "أهل الجنّة ليس لهم كنية إلاَّ آدم فإنَّه يكنى أبا محمد، وأهل الجنَّة ليس لهم لحية إلاَّ آدم، له لحية سوداء إلى سرّته، وذلك لأنَّه لم يكن له في الدنيا لحية، وإنما كانت اللحى لأولاده بعده" انتهى، ويحتمل أن يكون هو المراد بقول الشيخ (يعني ابن حجر، وليس كما توهّمه المحقق، حيث زعم أنَّه السخاوي): ورأيت بخط بعض أهل العلم، إلى آخره". قلت: وهذا الحديث أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (7/ 379) عن كعب بنحوه، وفيه بقية ابن الوليد، قال الحافظ في التقريب: صدوق، كثير التدليس عن الضعفاء، وموسى بن إبراهيم أبو عمران المروزي، كذّبه يحيى، وقال الدارقطني وغيره: متروك، وساق له الحافظ الذهبي في الميزان (6/ 535) أحاديث عدّها من بلاياه، وأقرّه الحافظ ابن حجر في اللسان (6/ 111). (¬4) زيادة من الجواهر.

جواب الحافظ عن دعاء "اللهم إني أسألك من النعمة تمامها ... "

وسئل أيضًا رضي الله عنه عن الدعاء الذي ذكره الغزالي في بعض كتبه: "اللهمّ إنّي أسألك من النعمة تمامها، ومن العصمة دوامها"، هل له أصل أم لا؟ فأجاب، لا أعرف له أصلاً في الأحاديث النبويّة. ***

جواب الحافظ عن حديث "أن موسى بن عمران لقي جبريل عليهما السلام ... "

وسئل أيضًا رحمه الله عن الدعاء الذي ذكره الحكيم الترمذي في كتاب نوادر الأصول (¬1): أن يقال قبل قراءة آية الكرسي: "اللَّهمّ إنّي أقدّم إليك بين يدي كلّ أنيس، ولمحة ولحظة وطرفة يطرف بها أهل السماوات وأهل الأرض، وكلّ شيء هو في علمك كائن أو قد كان، أقدّم إليك بين يدي ذلك كلّه، {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} الآية"، حديث صحيح أم لا؟ فأجاب بأنّ الحديث أورده الحكيم الترمذي ومحمّد بن علي بن بشر في الكتاب المذكور في أثناء الأصل السادس بعد الخمسين والمائتين، من حديث ابن عباس بسند واهٍ جدًّا إليه إلى ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليمًا: "أنّ موسى بن عمران لقي جبريل عليهما السلام فقال: ما لمن قرأ آية الكرسي كذا وكذا مرّة، وذكر أنّ فيها من الأجر ما لم يقو عليه موسى، فسأل ربّه أن لا يضعفه عن ذلك، ثم أتاه جبريل مرّة قال: إنّ ربّك يقول: من قرأ دبر كلّ صلاة مكتوبة مرّة واحدة: اللهمّ إنّي أقدّم إليك بين يديك، وكلّ نفس ولمحة ولحظة إلى آخرها". ... ¬

(¬1) انظر نوادر الأصول (3/ 267).

جواب الحافظ عن حديث "ثلاثة تحت العرش ... "

وسئل أيضًا عن حديث عبد الرحمن بن عوف: "ثلاثة تحت العرش يوم القيامة: القرآن يجيء، يحاجّ للعباد، له ظهر وبطن، والأمانة، والرحم، تنادي: أَلاَ مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللهُ، وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللهُ". فأجاب، هذا الحديث أخرجه حميد بن زنجويه في كتاب الترغيب (¬1) له عن مسلم بن إبراهيم عن كثير (¬2) بن عبد الله قال حدثني [الحسن] (¬3) بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه به، ولم يسمّه، فذكر نحوه، وقال: إنّه تفرّد به. قلت: وكثير [اليشكري] (¬4)، ذكره (¬5) ابن أبي حاتم (¬6) وقال: روى عنه أيضًا القواريري والصلة بن مسعود ومحمّد بن أبي بكر المقدسي، وذكره العقيلي في الضعفاء، وساق حديث هذا من طريق مسلم بن إبراهيم عنه، وقال: لم يتابع عليه (¬7). ¬

(¬1) أخرجه من طريقه البغوي في شرح السنة (13/ 22 رقم: 3433) وساقه الديلمي في الفردوس (4673) والحكيم الترمذي في نوادر الأصول (3/ 157 - 158 و4/ 168) بدون إسناد، وأخرجه العقيلي في الضعفاء (4/ 5) في ترجمة كثير بن عبد الله اليشكري. وأخرج البخاري في التاريخ الكبير (2/ 295) رواية الرحم فقط. وللحديث علة أخرى غير كثير، وهي جهالة الحسن بن عبد الرحمن، فقد ذكره البخاري في تاريخه وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (3/ 23)، وسكتَا عنه، وبه أعلّ الشيخ الألباني رحمه الله الحديث، انظر الضعيفة (1337). (¬2) في الأصل: بشر، وهو تصحيف. (¬3) في الأصل بياض، والزيادة من "شرح السنة" و"الضعفاء" للعقيلي. (¬4) في الأصل: المذهب، وهو تصحيف، والتصحيح من المرجعين السابقين. (¬5) في الأصل: ذكر. (¬6) انظر الجرح والتعديل (7/ 154). (¬7) عبارته في الضعفاء (4/ 5): ولا يصحّ إسناده، والرواية في الرحم والأمانة من غير هذا الوجه بأسانيد جياد، بألفاظ مختلفة، وأمّا القرآن فليس بمحفوظ.

جواب الحافظ عن حديث "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما عن ثمن الكلب ... "

وسئل أيضًا رضي الله عنه عن حديث: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليمًا عن ثمن الكلب، وكسب الزمارة". فأجاب: أخرجه أحمد بن عدي في الكامل في الضعفاء (¬1) من طريق سليمان بن أبي سليمان القافلاني (¬2) البصري عن محمّد بن سيرين عن أبي هريرة، وقال: سليمان متروك، وساقه البغوي (¬3) من طريق التمّام (¬4) حدثنا خالد بن أبي يزيد (¬5) حدثنا حماد بن زيد عن هشام عن محمّد عن أبي هريرة، والتمّام (¬6): اسمه أحمد بن غالب، أحد الحفّاظ، وفيه كلام، وشيخه خالد بن أبي يزيد (¬7) ما عرفته (¬8). ¬

(¬1) أخرجه ابن عدي في الكامل (3/ 261) وكذا البيهقي (6/ 126)، وقال الحافظ الذهبي في الميزان (3/ 298) في ترجمة سليمان بن أبي سليمان القافلاني: متروك، وساق له هذا الحديث. (¬2) في الأصل: الباقلاني، وهو تصحيف، والتصحيح من الكامل. (¬3) أخرجه البغوي في شرح السنة (8/ 22 - 23 رقم: 2038)، وكذا البيهقي (6/ 126) والخطيب في تاريخ بغداد (7/ 369 و8/ 304)، وصحّحه الشيخ الألباني رحمه الله في الصحيحة (3275). (¬4) في الأصل: تمتام، وهو تصحيف، والتصحيح من شرح السنة. (¬5) في الأصل: زيد، والتصحيح من شرح السنّة. (¬6) في الأصل: تمتام. (¬7) في الأصل: زيد، والتصحيح من شرح السنّة. (¬8) قلت: سمّاه الخطيب البغدادي في تاريخه (8/ 304 رقم: 4404) فقال: "خالد ابن أبي يزيد، وقيل: خالد بن يزيد، والصواب بن أبي يزيد، واسمه بهبذان بن يزيد بن البهبذان، ويكنى خالد أبا الهيثم، وكان فارسيًا، وهو خالد المزرقي والقطربلي والقرني -بسكون الراء نسب إلى قرية بين قطربل، والمزرقة تسمّى القرن-؛ ونقل عن أبي زكريا (يعني ابن معين) -وقد كتب عن خالد المزرقي- أنَّه قال: ولم يكن به بأس" اهـ، ثمّ ساق له هذا الحديث؛ والحافظ نفسه قال في التقريب (رقم: 1696): خالد بن أبي يزيد المزرفي -بفتح الميم، وسكون الزاي، وفتح الراء، بعدها فاء- ويقال: بن يزيد، صدوق من العاشرة، ق.

جواب الحافظ عن حديث "جرد الأمر بالتدبير"

وسئل عن حديث أنس: "أنّ رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم تسليمًا: أوصني! قال: جرّد الأمر بالتدبير" الحديث. فأجاب: أخرجه البغوي في شرح السنّة (¬1) بلفظه من طريق أبان بن أبي عياش عنه، وأبان متروك، وهو في مصنّف عبد الرزاق (¬2) عن معمر عن أبان به. ... ¬

(¬1) أخرجه البغوي في شرح السنة (13/ 178)، وكذا البيهقي في شعب الإيمان (4649) وابن عدي في الكامل (1/ 385) عن أنس أنَّ رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني! فقال النبي صلى الله عليه وسلم -فذكره بلفظ-: "خُذِ الأَمْرَ بالتدْبيرِ، فإِنْ رَأَيْتَ في عَاقِبَتِهِ خَيرًا فَأَمْضِهِ، وَإِنْ خِفْتَ غَيًّا فَأمْسِكْ"، وفيه أبان بن أبي عياش، وهو متروك، كما قال المصنّف، وسبقه إلى ذلك الإمام أحمد ويحيى بن معين والنسائي وغيرهم، وقال شعيب بن حرب: سمعت شعبة يقول: لأن أشرب من بول حمار حتى أروى أحبّ إليّ من أن أقول: حدثنا أبان بن أبي عياش. انظر ميزان الاعتدال (1/ 125). (¬2) انظر المصنف (11/ 165 رقم: 20212).

جواب الحافظ عن كلام سفيان "كان هذا المال فيما مضى ... "

وسئل عن قول سفيان الثوري: "كان المال فيما مضى يكره، أمّا اليوم فهو ترس المؤمن، وقال: لولا هؤلاء الدنانير لتمندل بنا هؤلاء الملوك". فأجاب: أخرجه أبو نعيم في الحلية (¬1)، في ترجمة سفيان رضي الله عنه. ... ¬

(¬1) أخرجه أبو نعيم في الحلية (6/ 381).

جواب الحافظ عن حديث "يتبع الدجال من أمتي ... "

وسئل عن حديث أبي سعيد الخدري: "يتبع الدجّال من أمّتي سبعون ألفا عليهم السيجان". فأجاب: أخرجه عبد الرزاق في مصنّفه (¬1) عن معمر عن أبي هارون العبدي (¬2) عنه، [وأخرجه] (¬3) بهذا البغوي في شرح السنّة (¬4)، وأخرجه أحمد ومسلم (¬5) من حديث أنس بن مالك بلفظ: "عليهم الطيالسة"، وأخرجه أبو يعلى (¬6) من وجه آخر عن أنس رفعه: "يخرج الدجّال من يهودية أصبهان معه سبعون من اليهود عليهم السيجان"، والسيجان: -بالمهملة والجيم- هي الطيالسة الخضر. ... ¬

(¬1) أخرجه عبد الرزاق في المصنّف (11/ 393 رقم: 20825)، وأبو هارون العبدي متروك كما تقدم. (¬2) في الأصل: العمري، وهو تصحيف. (¬3) زيادة يقتضيها السياق. (¬4) أخرجه البغوي في شرح السنة (15/ 62). (¬5) رواه أحمد (4/ 216) مطوّلا ومسلم (2944). (¬6) أخرجه أبو يعلى في مسنده (6/ 317 رقم: 3639) وكذا الطبراني في الأوسط (4930)، وقال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 338): رواه أحمد وأبو يعلى من رواية محمّد بن مصعب عن الأوزاعي، وروايته عنه جيّدة، وقد وثّقه أحمد وغيره، وضعّفه جماعة، وبقية رجالهما رجال الصحيح، ورواه الطبراني في الأوسط كذلك. كذا قال، وقال صالح جزرة: عامة أحاديثه عن الأوزاعي مقلوبة، ولخص الحافظ القول فيه، فقال في التقريب: صدوق كثير الغلط. وانظر الميزان (6/ 338) التهذيب (9/ 404).

جواب الحافظ عن حديث "مثل أصحابي في أمتي ... "

وسئل عن حديث أنس: "مَثَل أَصْحَابي في أُمَّتِي كَالمِلْحِ في الطَّعَامِ لاَ يَصْلُحُ الطَّعَامُ إلاّ بالمِلْحِ". فأجاب: أخرجه ابن المبارك في الزهد (¬1) عن إسماعيل بن مسلم المكّي عن الحسن، وأخرجه البغوي في شرح السنة (¬2) من طريق الحسن البصري - رضي الله عنه -، وإسماعيل هذا ضعيف (¬3)، وقد تفرّد به عن الحسن. ... ¬

(¬1) أخرجه ابن المبارك في الزهد (572) عن الحسن مرسلاً، ورواه أبو يعلى في مسنده (2762) والبزار (رقم: 2771 - كشف الأستار) والقضاعي في مسند الشهاب (1347) عن الحسن عن أنس، وقال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 18): رواه أبو يعلى والبزار بنحوه، وفيه إسماعيل بن مسلم، وهو ضعيف. اهـ؛ وفيه علّة أخرى، وهي عنعنة الحسن، فإنّه مدلس؛ وأخرجه القضاعي (1348) من طريق أخرى عن أبي هدية قال سمعت أنسًا يقول: فذكره بنحوه؛ وله شاهد عن سمرة بن جندب، أخرجه الطبراني في الكبير (7/ 267)، وقال الحافظ الهيثمي: رواه البزار والطبراني، وإسناد الطبراني حسن، ونازعه الشيخ الألباني رحمه الله فقال في الضعيفة (1762): كذا قال، وفيه جعفر بن سعد، وهو ضعيف، وحبيب بن سليمان، وهو مجهول، عن سليمان بن سمرة، وهو مجهول الحال. اهـ. وأغرب الإمام الشوكاني رحمه الله فأورده في الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة (رقم: 996). (¬2) أخرجه البغوي في شرح السنة (14/ 72 - 73). (¬3) انظر ترجمته في ميزان الاعتدال (1/ 409) وتهذيب التهذيب (1/ 289)

جواب الحافظ عن قول عمر "والله لليلة من أبي بكر خير ... "

وسئل عن حديث عمر، وأنَّه ذُكر عنده أبو بكر يومًا، فبكى وقال: "وددت أنّ عملي كلّه مثل عمله يومًا واحدًا من أيَّامه، وليلة واحدة من لياليه". فأجاب: أخرجه البيهقي في الدلائل (¬1) من طريق محمّد بن سيرين قال: "ذكر رجال على عهد عمر، فكأنّهم فضّلوا عمر على أبي بكر، فلمّا بلغ عمر فقال: "والله لليلة من أبي بكر خير من عمر" الحديث، وهذا فيه انقطاع، وأخرجه أيضًا من طريق ضبة (¬2) بن محصن عن عمر مطوّلاً (¬3)، وأخرجه الحاكم في الإكليل (¬4) من هذا الوجه ¬

(¬1) أخرجه البيهقي في دلائل النبوة (2/ 477) وكذا الحاكم في المستدرك (3/ 7)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين لولا إرسال فيه، ولم يخرّجاه. وقال الحافظ الذهبي في تلخيصه: صحيح مرسل. قلت: ورواه أحمد في فضائل الصحابة (1/ 290 رقم: 381) ثني يوسف بن أبي أميّة الثقفي نا يونس ابن عبيد عن الحسن قال: قال أبو موسى الأشعري: فذكره بنحوه، وإسناده صحيح لولا تدليس الحسن، يوسف بن أبي أمية الثقفي ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (9/ 219 رقم: 913)، وسكت عنه، وأورده ابن حبان في الثقات (9/ 280 رقم: 16438)، وقال: كان من خيار عباد الله، كتب عنه صالح بن محمد بن جزرة. فهو شاهد قويّ (¬2) في الأصل: هبة، وهو تصحيف، والتصحيح من الدلائل؛ وضبة بن محصن: هو العنزي البصري: ثقة مشهور. انظر التهذيب (4/ 388). (¬3) أخرجه في الدلائل (2/ 477 - 478)، وقال الحافظ الذهبي في تاريخ الإسلام (1/ 91): وهو منكر، سكت عنه البيهقي، وساقه من حديث يحيى بن أبي طالب: أنا عبد الرحمن بن إبراهيم الراسبي حدثني فرات بن السائب عن ميمون عن ضبة بن محصن عن عمر، وآفته من هذا الراسبي، فإنه ليس بثقة، مع كونه مجهولاً، ذكره الخطيب في تاريخه فغمزه. (¬4) الكتاب غير مطبوع، بل لعلّه مفقود، ولهذا لم يتسنّ لي التوثيق من المصدر.

أتمّ منه، وفي قصّة ضبة (¬1) مع أبي موسى ثمّ مع عمر، لكن السند الذي قبله أمتن منه، والله أعلم. ¬

(¬1) في الأصل: أهيبة، وهو تصحيف.

جواب الحافظ عن حديث "من أكل في قصعة ... "

وسئل عن حديث نبيشة: "مَنْ أَكَلَ في قَصْعَةٍ ثُمَّ لحَسَهَا، تَقُولُ لَهُ القَصْعَةُ: أَعْتَقَكَ اللهُ مِنَ النَّارِ كَمَا أَعْتَقْتَني مِنَ الشَّيْطَانِ". فأجاب: أخرجه أحمد في مسنده (¬1) من رواية أمّ عاصم عن رجل من هذيل، يقال له: نبيشة عن النبي صلى الله عليه وسلم تسليمًا. ¬

(¬1) أخرجه أحمد (5/ 76) وكذا الترمذي (1804) وابن ماجه (3272) والدارمي (2/ 131 رقم: 2027) والبغوي في شرح السنة (11/ 316 رقم: 2877) عن أمّ عاصم -وكانت أمّ ولد لسنان بن سلمة- قالت: دخل علينا نبيشة الخير، ونحن نأكل في قصعة، فحدثنا أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فذكره، وقال الترمذي: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلاَّ من حديث المعلى بن راشد، وقد روى يزيد بن هارون، وغير واحد من الأئمّة عن المعلى بن راشد هذا الحديث، وكذا قال البغوي، والمعلى هذا، قال فيه الحافظ في التقريب: مقبول، يعني عند المتابعة، وإلاّ فهو ليّن الحديث، وفيه علة أخرى، وهي أمّ عاصم، قال فيها الحافظ أيضًا: مقبولة، ولهذا ضعّف الشيخ الألباني رحمه الله هذا الحديث في ضعيف السنن. وانظر المقاصد الحسنة (1071).

جواب الحافظ عن حديث "ينزل عيسى بن مريم إلى الأرض ... "

وسئل عن حديث عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم تسليمًا أنّه قال: "يَنْزِلُ عِيسَى بنُ مَرْيَمَ إلى الأَرْضِ، فَيَتَزَوَّجُ ويولَدُ له، وَيَمكثُ خَمْسًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةٍ، ثُمَّ يَمُوتُ، وَيُدْفَنُ مَعِي في قَبْرِي، فَأَقُومُ أَنَا وَعِيسَى بنُ مَرْيَمَ مِنْ قَبْرٍ وَاحِدٍ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ"، ذكره هكذا ابن الجوزي في كتاب الرجاء في سيرة المصطفى. فأجاب: هذا الحديث ذكره يونس بن بكير راوي السيرة النبوية الكبرى (¬1) عن ¬

(¬1) أخرجه الطبراني في الأوسط (5/ 331 رقم: 5464) وابن عدي في الكامل (7/ 177) من طريق يونس عنه بلفظ: "ينزل عيسى بن مريم فيمكث في الناس أربعين سنة"، وقال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 205): رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات. قلت: يونس بن بكير هو ابن واصل الشيباني أبو بكر الكوفي الحافظ، روى له مسلم متابعة، واختلف فيه، وثَّقه ابن معين ومحمد بن عبيد الله بن نمير وعبيد بن يعيش وابن عمار وابن حبان، وقال عثمان بن سعيد: لا بأس به، وقال أبو حاتم: محلّه الصدق، وقال الساجي: كان ابن المديني لا يحدّث عنه، وهو عندهم من أهل الصدق، وقال أبو زرعة: أمّا في الحديث فلا أعلمه مما ينكر عليه، وقال أبو داود: ليس بحجّة عندي، وقال النسائي: ليس بالقويّ، وقال مرّة: ضعيف، وقال العجلي: ضعيف الحديث، وقال الجوزجاني: ينبغي أن يتثبّت في أمره، ولخّص الحافظ الذهبي القول فيه في المغني (7261) فقال: صدوق مشهور شيعي، وقال الحافظ ابن حجر في التقريب: صدوق يخطئ. انظر الميزان (7/ 311) التهذيب (11/ 382). أمّا اللفظ الذي ورد في السؤال فقد أخرجه ابن الجوزي في العلل المتناهية (رقم: 1529) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وقال: هذا حديث لا يصحّ، والإفريقي ضعيف بمرّة. اهـ، والإفريقي هذا هو: عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، ترجم له الحافظ الذهبي في الميزان (4/ 279 رقم: 4871)، ونقل كلام أئمّة الجرح فيه، وساق له أحاديث، هذا منها، وعزاه لابن أبي الدنيا في بعض تواليفه. وانظر الكامل لابن عدي (4/ 279) التهذيب (6/ 157).

محمّد بن إسحاق من زياداته على ابن إسحاق قال: حدثنا هشام بن عروة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، قال ابن عدي (¬1): وهذا الحديث يعرف بيونس عن هشام، قلت: ويونس صدوق له أوهام، والباقون من رجال الصحيحين. ... ¬

(¬1) انظر الكامل في الضعفاء (7/ 177).

جواب الحافظ عن قول بعض الناس "عند ذكر الصالحين ... "

وسئل عن قول بعض الناس: "عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة"، هذا حديث مرفوع أم لا؟ فأجاب: لا استحضره مرفوعًا (¬1). ... ¬

(¬1) قد سبقه لذلك شيخه الحافظ العراقي رحمه الله، فقال في تخريج أحاديث الإحياء (1/ 145 رقم: 2109): ليس له أصل في الحديث المرفوع، وإنما هو قول سفيان بن عيينة، كذا ذكره ابن الجوزي في مقدّمة صفوة الصفوة، وانظر المقاصد الحسنة (رقم: 720).

جواب الحافظ عن حديث "خلق الورد من عرقي ... " وحديث "لقد أصابني في المعراج ... "

وسئل عن حديث أنس - رضي الله عنه -: "خلق الورد من عرقي ليلة المعراج والورد الأحمر من عرق جبريل والورد الأصفر (¬1) من عرق البراق (¬2) "، وقال: "لقد أصابني في المعراج صعوبة شديدة، فقطر منّي على الأرض، فأنبت الله منه ريحان البنفسج (¬3) ". فأجاب: هما موضوعان. ... ¬

(¬1) في الأصل: الأحمر، وهو تحريف. (¬2) أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (13/ 131)، وقال عقبه: "قرأت بخطّ عبد العزيز الكتاني، قال لي أبو النجيب عبد الواحد بن عبد الله الأرموي: سعيد بن محمّد والحسن بن عبد الواحد مجهولان، وهذا حديث موضوع، وضعه من لا علم له، وركّبه على هذا الإسناد الصحيح" اهـ؛ وآفته الحسن بن عبد الواحد هذا، وهو القزويني، قال الحافظ الذهبي في الميزان (2/ 250): روى في خلق الورد الأحمر خبرًا كذبًا، وهو غير معروف. وانظر لسان الميزان (2/ 219) اللآلئ المصنوعة (2/ 234) السلسلة الضعيفة (767). (¬3) لم أجده.

حكم رد السلام لمن كان مشتغلا بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

وسئل عن حديث: "من صلّى عليّ مائة صلاة حين يصلّي الصبح قبل أن يتكلّم قضى الله له مائة حاجة عجّل له منها ثلاثين حاجة، وأخّر له سبعين، وفي المغرب مثل ذلك. قالوا: كيف الصلاة عليك يا رسول الله؟ قال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، اللهمّ صلّ عليه حتى يعد مائة"، ذكره ابن القيم في جلاء الأفهام (¬1) بإسناد أحمد بن موسى الحافظ (¬2)، فلو أنّ العامل بهذا الحديث سلّم عليه أحد في تلك الحالة أيجب عليه ردّ السلام أم يجعل كالمستقلّ بالدعاء؟ وقد قال النووي في الأذكار (¬3): الأظهر عندي في هذا -أي فيما إذا كان مشتغلاً بالدعاء مستغرقًا فيه مجتمعَ القلب- أنّه يكره السلام عليه، لأنّه يتنكّد عليه، ويشقّ به أكثر من مشقّة الأكل. انتهى كلامه، فلا يجب، هذا جوابه، لأنّ من سلّم في حال لا يستحب فيها السلام لم يستحقّ جوابًا كما صرح به في الروضة (¬4)، وإن ردّ السلام أيضًا، فهل يبطل ثوابه بهذا أم ينقص أم لا؟ وهل يكون ردّ السلام من التكلّم الذي يخل بهذا الثواب، -كما قاله النووي وغيره في شرح حديث (¬5): توبة ¬

(¬1) انظر جلاء الأفهام (رقم 465 - تحقيق مشهور) (¬2) عزاه إليه الحافظ السخاوي في القول البديع (ص 179) وضعّفه، وكذا في الأجوبة المرضية (3/ 946 رقم: 267) وقال: وعند ابن منده من وجه آخر عن جابر يرفعه: "مَن صلى عليّ في كلّ يوم مائة مرّة قضى الله له مائة حاجة: سبعين منها لآخرته، وثلاثين منها لدنياه"، وقال الحافظ أبو موسى المدني: إنّه غريب. (¬3) انظر الأذكار (ص 287 - ط. دار الفيحاء). (¬4) انظر روضة الطالبين (10/ 231 - 232 المكتب الإسلامي - بيروت). (¬5) انظر شرح مسلم (17/ 98 دار القلم - بيروت).

كعب بن مالك، وسلامه على أبي قتادة، وتركه ردّ السلام عليه (¬1)، أنّ السلام من التكلّم، لأنّه صلى الله عليه وسلم تسليمًا كان قد نهى المسلمين عن كلامهم- أم يجعل ردّ السلام من قبيل الذكر والتسبيح ونحوهما لاشتراكهما في كونهما طاعة، ومزية ردّ السلام بالوجوب فلا يكون من قبيل التكلّم كما هو جوابه في كتاب الإيمان، وقوله صلى الله عليه وسلم تسليمًا في آخر الحديث: "اللهمّ صلّ عليه" حتى يعد مائة، المراد به أن يقول: "اللهمّ صلّ عليه" حتى يتمّ مائة من غير ذكر السلام، وقال النووي في الأذكار: إذا صلّى على النبي - صلى الله عليه وسلم - فليجمع بين الصلاة والسلام لا يقتصر على أحدهما، هل قول النووي محمول على ما إذا اخترع صلاة من عند نفسه دون ما ورد به النصّ، فإنّ ذلك لا يزاد عليه ولا ينقص منه أم لا؟ فأجاب: الحمد لله، يجب على الذي يصلّي المائة ردّ السلام في أثنائها، ولا يقطع ذلك ردّ السلام إذا نوى بردّ السلام الدعاء، أو تلفّظ في الردّ بلفظ الدعاء، كأن يقول: اللهمّ سلّم فلانًا أو سلّم عليه مثلا، والتنظير بمسألة الداعي غير موجّه للتعليل بالاستغراق والتوجّه، وظاهر اللّفظ أن يقول: اللهمّ صلّ عليه، بعد أن يقدّم ذكره ليعود الضمير، كأن يبدأ فيقول: اللهمّ صلّ عليه، اللهمّ صلّ عليه، ولا يشترط اقترانها بالسلام، ومحلّ الكراهة التي ذكر النووي في حقّ من لم يسلّم أصلاً؛ أمّا من صلّى في محلّ، ¬

(¬1) أخرجه البخاري (2769) ومسلم (2769) عن كعب بن مالك قال: " ... حتى إذا طال ذلك عليّ من جفوة المسلمين مشيت حتى تسوّرت جدار حائط أبي قتادة، وهو ابن عمّي وأحبّ الناس إليّ، فسلَّمت عليه، فوالله ما ردّ عليّ السلام ... ".

وسلّم في محلّ، فلا مانع منه، ولا دليل على المنع، وقد بسطته في الكلام على كتاب الأذكار (¬1). ... ¬

(¬1) واسمه: "نتائج الأفكار في تخريج أحادث الأذكار"، طبع منه ثلاثة أجزاء، بتحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، بمطبعة دار ابن كثير. دمشق - بيروت، انتهى إلى المجلس الواحد والتسعين بعد المئتين. والمسألة المشار إليها ضمن الجزء غير المطبوع. أسأل الله القدير أن ييسّر على المحقّق إتمام ذلك.

§1/1