مسائل أبي الوليد ابن رشد

ابن رشد الجد

1 - هل تقضي الصلاة المتروكة عمدا؟.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما عونك اللهم! [1]- هل تقضي الصلاة المتروكة عمدا؟. خواطب الفقه الإمام الحافظ الأوحد، قاضي الجماعة بقرطبة، أبو الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد، رضي الله عنه، من مدينة المرية، بمسألة يسأل عنها، وهي: الجواب، رضي الله عنك، مع الرغبة إلى فضلك أن تقف على هذا السؤال، وتنظره، فقد وقع فيه ما أوجب الكشف عنه وذلك، أبقاك الله: ما تقول في الرجل العاصي، التارك للصلاة المفروضة، عامدا حتى خرج وقتها، هل تجب على تاركها، عمدا اعادتها، واجبا أم استحبابا؟ وان كان يجب عليه ذلك فرضا واجبا، هل يكون ذلك بالأمر الأول، أو بأمر ثان مبتدأ؟ وإن كان بأمر ثان، كما ذكر بعض الفقهاء، فبين صفته، والدليل على وجوبه، وان كان لا يوجد، بينة لنا، أيضا، يأجرك الله. ولقد قال بعض من ناظر في هذه المسألة: إن النبي صلى الله عليه وسلم قضى الصلاة يوم الوادي، بعدما طلعت

الشمس، ويوم شغله المشركون عن الصلاة بعد غروب الشمس، هل يقال في الجميع قضى النبي صلى الله عليه وسلم أو أداها؟ وبين لنا ما يجب في قول من قال: قضى النبي عليه السلام إن كان يجب عليه شيء، أم لا، وفسر لنا الجميع نوعا نوعا، وفصلا فصلا، وما يجب في ذلك، فهذا أمر قد وقع، وأحببنا الوقوف على مذهبك على حقيقته، مَانّاَ متفضلا، والله يأجرك، ويحسن جزاءك. فأجاب، أدام الله توفيقه وتسديده، بجواب نصه: تصفحت أرشدنا الله واياك، سؤالك ووقفت عليه، ومن نام عن الصلاة أو تركها، ناسيا لها، أو متعمدا، لعذر أو لغير عذر، حتى خرج وقتها، فعليه أن يصليها بعد خروج وقتها، فرضا واجبا، ولا يسعه تأخيرها، عن وقت ذكره اياها، ان كان أنْسِيهَا، ولا عند وقت قدرته عليها، ان كان تركها لعذر غلبه عليها. وأما ان كان تركها متعمدا لتركها، متهاونا بها دون عذر

غلبه عليها، فهو عاص لله عز وجل في تأخيرها عن وقتها، وفي تأخيرها بعد وقتها، بما أخرها. وهذا كله مما لا اختلاف فيه بين أحد من علماء المسلمين. هل قضاء الفوائت واجب الأول أم بالأمر الثاني؟ واختلف المتكلمون منهم في الاصول، هل وجب بالأمر الأول أو بأمر ثان ولا تأثير في وجوبه، إذ قد أجمعوا أن في الشرع أدلة كثيرة على ذلك. فمن قال: ان ذلك واجب بالأمر الأول، قال الأدلة الواردة في الشرع على ذلك مؤكدة له، ولو لم ترد، لا ستغنى عنها به. ومن قال: ان ذلك لا يجب بالأمر الأول جعل الأدلة الواردة في الشرع على وجوب ذلك استئناف شرع، لا مزية للأمر الأول عليها في انحتام الوجوب؛ كل منهما فيما وقع الأمر به. وهذا هو مذهب المالكيين من البغداديين، وهو الصحيح عندي. ومن الدليل على صحته أن من أمر أن يفعل فعلا في وقت بعينه، ففعله في غير ذلك الوقت، فقد عصى الأمر بترك ما أمره بفعله في

الوقت وفعل بعد الوقت ما لم يأمره بفعله، لأن الأمر، بالفعل في الوقت، لا يتناول الفعل بعد الوقت، بنص ولا بدليل بل تحديد الوقت لفعله يدل على أنه لا يفعل بعد الوقت عند من يقول بدليل الخطاب، وهو مذهب الإمام مالك رحمه الله. الا ترى انه استدل بقول الله عز وجل، {ليذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} [سورة الحج الآية: 28] على أنه لا يضحى بالليل. وأيضا فلو كان الأمر بفعل العبادة في الوقت يتناول فعلها بعد الوقت كما يتناول فعلها في الوقت، لا كتفى الله، عز وجل في ايجاب صوم شهر رمضان، بقوله: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} [سورة البقرة الآية: 185] عن قوله: {فمن كان منكم مريضا او على سفر فعدة من أيام أخر} [سورة البقرة الآية: 185] كما اكتفى بقوله: {ولو أن قرآنا سُيرت الجبال، أو قطعت به الأرض، أو كلم به الموتى} [سورة الرعد الآية: 184] عن ذكر الجواب بما دل عليه الكلام. [1] ومثل هذا في القرآن لا يحصى اذ من البلاغة في النطق الايجاز فيه وحذف ما يستغني الكلام عنه لدلالته عليه. أدلة وجوب قضاء الفوائت:

فاذا ثبت هذا، فالأدلة على وجوب قضاء الصلوات الفوائت، عمدا بعد الوقت كثيرة منها: صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الصبح بأصحابه بعد أن طلعت الشمس اذ نام عنها في الوادي. وصلاة العصر بعد غروب الشمس يوم الخندق. وقوله عليه الصلاة والسلام {إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو نسيها، ثم فزع إليها، فليصلها كما كان يصليها في وقتها الحديث} وقوله صلى الله عليه وسلم فيه: " أو نسيها "، يدخل فيه التارك لها عمدا: لأن النسيان، في اللغة هو الترك، فيحمل على عمومه في السهو والقصد، لا سيما وهو في العمد أظهر منه في السهو، لأنه حقيقة في العمد، ومجاز في السهو، اذ انما الحقيقة فيه، في السهو، أنسيت ولا نسيت. وقد روى عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من نسي صلاة فليصل إذا ذكر، لا كفارة لها الا ذلك} اذ الكفارة لا تكون الا فيما يلحق فيه الاثم، وهو العمد دون عذر، لأن الله عز وجل قد تجاوز لامة محمد نبيه صلى الله عليه وسلم عن النسيان والسهو، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {تجاوز الله لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهو عليه}.

وقوله في الحديث: {فليصل إذا ذكر} معناه: فليصل متى ذكر تركه الصلاة عمدا: لأن التارك في لها، عمدا، لا ينفعك من أن يعتريه الذهول عن ذكرها في بعض الأحيان على أغلب الأحوال. مصطلح الاداء والقضاء والأداء يستعمل فيما صلي من الصلوات في وقتها، والقضاء فيما صلي منها بعد فوات وقتها. والأصل في ذلك: ان الاداء لما جاء من الأمانات المعينات، قال عز وجل: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} [سورة النساء الآية: 58] ، وقال {ومن أهل الكتاب من ان تامنه بقنطار يؤده اليك، منهم من ان تامنه بدينار لا يؤده اليك الا ما دمت عليه قائما} [سورة آل عمران الآية: 75] وكانت الصلوات المفروضات موكولة إلى أمانات العبادة: قال الله عز وجل: {انا عرضنا الأمانة} يريد ما تعبد به عبادة من الإيمان به وشرائع دينه، {على السموات والأرض والجبال} [سورة الاحزاب الآية: 72] وكانت أوقاتها معنيات – سمي فاعلها في وقتها مؤديا لها. وأن القضاء. لما جاء في الديون الثابته في الذمة بالمعاوضات والمبادلات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للتي سألته: هل تحج عن أبيها أرأيت لو كان على ابيك دين، أكنت قاضيته؟ قالت نعم. قال: فدين الله احق ان يقضى وكانت الصلوات المفعولة بعد الوقت

واجبة عن عوض وبدل، وهو الصلاة التى كانت عليه في الوقت – سمى فاعلها بعد الوقت قاضيا لما وجب عليه منها في وقتها، سواء تركها في وقتها مفرطا فيها، أو متهاونا بها، أو متعمدا لتركها أو ناسيا، أو كان قد نام عنها، أو غلبه على فعلها عذر غالب. فإذا لم تختص تسمية فعل الصلاة بعد الوقت بالقضاء، بأحد هذه الوجوه دون سائرها، لم يمتنع أن يقال في صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح يوم الوادي، بعد الطلوع، والعصر يوم الخندق بعد الغروب – إن ذلك قضاء لا أداء. وقد تقرر وعلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يترك صلاة العصر يوم الخندق إلى بعد غروب الشمس إلا لغلبة المشركين إياه على فعلها في الوقت بكل حال، أو نسيانه اياها، لاشتغاله بما دهمه من أمرهم، فلا يمتنع في اللسان، أن يسمى فعل الصلاة في وقتها (أو) بعد وقتها قضاء وأداء، لانها واجبة في الموضعين جميعا، والدين الواجب على الرجل يجوز أن يقال فيه أداه عن نفسه، وقضاه عنها، قبل حلوله، وبعد حلوله؛ الا أن الأولى تسمية فعل الصلاة في وقتها أداء، وبعد وقتها قضاء، لما ذكرته وشرحته. فالاداء لما وجب بالامر الاول، والقضاء لما وجب بالامر الثانى،

2 - قسمة تركة بين ابن خنثى، وابن ابن خنثى، وعصبة

[2] هذا هو المختار، وبالله تعالى / التوفيق، لا شريك له. [2]- قسمة تركة بين ابن خنثى، وابن ابن خنثى، وعصبة وقال الفقيه الإمام الحافظ قاضى الجماعة ابو الوليد ابن رشد رضي الله عنه: وقع في نوازل سحنون من كتاب الولاء من العتيبة، في رجل توفي وترك ابنا خنثى، وابن ابن خنثى، ان للابن ثلاثة ارباع المال، أصلها من أربعة وعشرين، وخمسة أسهم لابن الابن، ويفضل سهم من اربعة وعشرين للعصبة. أساس بناء سحنون على نظرية التداعى لابن القاسم فقال أيده الله فيها: بنى سحنون جوابه هذا على مذهب ابن القاسم في التداعى، فأخطأ في بنائه عليه. وتفسير ما ذهب اليه: أن الابن يدعي جميع المال، لانه يقول: إنه ذكر، وأن ابن الابن أنثى، وابن الابن يدعي نصف المال، لأنه يقول: انه ذكر وأن الابن انثى، فيقال لابن الابن: قد أقررت للابن بالنصف، فادفعه اليه، والنصف الثاني يقسم بينكما بنصفين لتداعيكما فيه، فيحصل للابن ثلاثة ارباع المال، ولابن الابن الربع. ثم يقول العصبة لابن الابن: إنما لك من هذا الربع السدس، لأنكما جميعا انثيان، فيقول: بل هو لى كله، لأني ذكر، فيحصل

التداعى بينهما في نصف السدس، فيقسم بينهما، فيحصل للعصبة ربع السدس وهو سهم من اربعة وعشرين كما قال. سبب خطأ سحنون: انه اعتبر تداعي العصبة وابن الابن في نصف السدس ومكان الخطأ في هذا البناء تقديره فيه: ان العصبة تقول لابن الابن انما لك من هذا الربع السدس، لأنها لم تقر لابن الابن بالسدس من الربع الباقي بيده، وانما اقرت له بالسدس من النصف تكملة الثلثين: على انهما جميعا انثيان، فالسدس الذى أقرت له به قد أخذ منه الابن نصفه بدعواه انه ذكر، وهذا بين. تصحيح ابن رشد للخطأ على أساس تداعي العصبة وابن الابن في السدس والصحيح في بناء المسألة على مذهب ابن القاسم في التداعي: ان الأبن يقول لابن الابن وللعصبة: أنتما مقران لى بالنصف غير منازعين لى فيه لأني ان كنت انثى فلي النصف، كنت أنت ذكرا على ما تدعي، أو أنثى على ما تدعيه العصبة، فأسلماه إلى، فيأخذ النصف: ستة من انثى عشر. ثم يقول ابن الابن للعصبة: انتم مقرون لي من هذا النصف بالسدس تكملة الثلثين، لانكم تدعون أني أنثى، فأسلموه إلي، فيأخذ منه السدس سهمين، ويبقى بايدى العصبة الثلث: اربعة أسهم.

ثم يرجع الابن فيقول لابن الابن: هذا السدس الذي بيدك، هو لي لاني ذكر، فيقول له: بل هو لي، لانك أنثى، فيقسم بينهما فيأخذ منه سهما، ويبقى بيده سهم. ثم يرجع إلى العصبة فيقول لهم: هذا الثلث، بأيديكم، هو لي، لاني ذكر، فيقول له العصبة: بل هو لنا، لأنكما جميعا انثيان، فيقسم بينهما، فيأخذ منهم سهمين من الاربعة الاسهم، فيكمل له ثلاثة ارباع المال، لأنه كان بيده النصف ستة اسهم وأخذ من ابن الابن سهما. واحدا، ومن العصبة سهمين، فذلك تسعة أسهم من اثنى عشر سهما. ثم يرجع ابن الابن على العصبة، فيقول لهم: هذان السهمان اللذان بأيديكم، هما لي، لأني ذكر، فيقول له العصبة: بل هما لنا: لأنكما انثيان، فيقسم بينه وبينهم بنصفين، فيأخذ منهما ابن الابن سهما واحدا، فيصير بيده سهمان، وهو السدس، ويبقى بيد العصبة سهم واحد، وهو نصف السدس. يتم الحل بإقامة أربع فرائض: وكذا يجب لهم نصف السدس، والسدس لابن الابن، والثلاثة أرباع للابن، على ما رتبه أهل الفرائض في عمل الفريضة من إقامة اربع فرائض: فريضة على أنهما ذكران. وفريضة على أنهما انثيان. وفريضة على أن الابن ذكر، وابن الابن انثى.

3 - جرور الولاء فى الميراث

وفريضة على أن الابن انثى، وابن الابن ذكر. وضرب الفرائض بعضها في بعض، الا ان تتداخل، واضعافها أربع مرات، وقسمتها على الفرائض، واعطاء كل واحد منهم ربع ما اجنمع له، لأن عملهم في مسائل الخنثى كلها انما تخرج على مذهب ابن القاسم في التداعى. التداعى لدى مالك على أساس العول ويأتي في هذه، على مذهب مالك في التداعي، الذي يرى القسمة فيه على حساب عول الفرائض؛ ان يقسم المال بينهم أجزاء من أحد عشر، لان الابن يدعي الكل، وابن الابن يدعي النصف، والعصبة تدعي الثلث. وعلى هذا القول قال ابن حبيب في ابن ذكر، وابن خنثى: أن المال يقسم بينهما أسباعا. فلا يصح في المسألة الا هذان القولان: احدهما على مذهب مالك، والثانى على مذهب ابن القاسم، وما سواهما، خطأ، وبالله التوفيق. [3]- جرور الولاء في الميراث وقال الفقيه الإمام / الحافظ قاضي الجماعة ابو الوليد ابن رشد [3]

رضي الله عنه: وقع في سماع أصبغ من كتاب العتق مسألة وهي: وسئل ابن وهب عن اختين اشترتا اباهما، فعتق عليهما وهما من حرة، كانت أمها حرة، فتوفيت احداهما، فورثها ابوها، ثم توفي الاب، قال: ترث الباقية النصف بالرحم والولادة، وترث نصف النصف الباقي بالولاء، ويبقى الربع فلهما النصف: نصف هذا الربع الباقي، لان اباها جر ولاء ولده، لانه حين عتق، جر ولاء ولده بعضهم إلى بعض، وكان مولاهما جميعا، فجر ولاء هذه إلى هذه، وولاء هذه إلى هذه، فصار لها ها هنا سبعة اثمان الميراث. (شرح مسألة العتبية بعد طلب) قال ابو الوليد بن رشد: فسألنى سائل ان أشرح له معنى هذه المسألة، الذى من أجله صار للباقية من الأختين من ميراث ابيها سبعة اثمان؛ لأنه قال فيها: " ان الاب جر ولاء هذه إلى هذه وولاء هذه إلى هذه ". ولم يبين وجه الجرور، كيف هو، ولا ما حكمه وما سأل عنه لا يخفى على من عرف كحم الميراث بالولاء، وأنا أذكر

من ذلك جملة ملخصة تبين له بها معنى ما أشكل عليه منها، إن شاء الله تعالى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انما الولاء لمن أعتق». ونفى به أن يكون أحد أحق من المعتق بولاء ما أما أعتق، ولم يكن فيه دليل على أنه لا ولاء الا لمن أعتق، فالولاء يجب للمعتق، ولمن يجب له بسبب المعتق، ممن ينجر اليه عن المعتق، أو يجره اليه المعتق، على ما أحكمته السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم. من ذلك أن الموالى ثلاثة: مولى الرجل الذى أعتقه، ومولى أبيه ومولى أمه. فالولاء ينجر عن السيد المعتق إلى ولده وعصبته، الأقرب فالاقرب، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الولاء للكبر». والعبد المعتق يجر ولاء ولده الذين لم يعتقوا، وولاء مواليهم إلى مواليه، والأمة المعتقة تجر ولاء ولدها، الذين لم يعتقوا، وولاء مواليهم إلى مواليها أيضا، إذا كان ولدها من زنا، او كان قد نفاهم أبوهم بلعان أو ان كان عبدا أو كافرا. فلما اعتقت الابنتان أباهما، في مسألتك التى سألت عنها وكانتا حرتين لم تعتقا، ثم توفى الاب بعد موت احدهما، وجب ان ترث الابنة

الباقية النصف بالرحم والولادة، وترث نصف النصف الباقى بالولاء، لانه أعتق عليها نصفه، ونرث نصف الربع الباقى بجرور الولاء، لان النصف الثانى الذى أعتق منه على اختها الميتة، ينجر اليها نصف ولائه، لأنها، أعنى الباقية، لما أعتق عليها نصف أبيها، جر إليها الأب نصف ولاء ابنته الميتة على ما بيناه، من أن العبد المعتق يجر، إلى مواليه، ولاء ولده. تنظير لجرور الولاء الا تعرف انها لو ماتت، بعد الأب لورثت أختها الباقية منها النصف بالرحم، ونصف النصف الباقى بجرور الولاء لانها ابنة مولى، لها نصف ولائه، واذا جر الأب اليها نصف ولاء اختها فهو يجر اليها، أيضا، نصف ولاء ما أعتقت على ما بيناه. والذى أعتقت انما هو نصف أبيها الثانى، فلها ولاء نصف هذا النصف، وهو فوجب لها ثلاثة أرباع ولاء ابيها، النصف بعتقها اياه. والربع يجر الولاء على ما بيناه، وهذا كله بين. تنظير آخر ومما يزيده بيانا وايضاحا ان الابنة الميتة، لو أعتقت عبدا أجنبيا لكان للابنة الباقية، نصف ولائه، لانه مولى ابنة رجل أعتق عليها نصفه، فذلك يكون لها نصف ولاء النصف الثانى، الذى أعتقه من أبيها، لأن المرأة ترث بالولاء من أعتق من أعتقت.

غلط ابن القاسم بإدخاله «شركة الولاء» كسبب للميراث وقد روى عن ابن القاسم في الاختين اللتين اشترتا أباهما فأعتق أن الأب ان توفى قبلهما فورثتاه ثم توفيت احداهما: ان الاخت الباقية ترث النصف بالنسب، ونصف النصف بشركة الولاء، ونصف الربع بجرور الولاء اليها. وهو غلط ظاهر، والصحيح ما ذكرناه من ان لها النصف بالنسب، ونصف النصف بجرور الولاء، وهو منصوص عليه لابن الماجشون. تنطير أوسع لجرور الولاء ولو ان امرأتين لم تعتقا اشترتا / اباهما، فعتق عليهما، ثم [4] اشترت احداهما مع ابيها، أخا لهما لأبيهما، فعتق عليهما، ثم مات الاخ بعد موت ابيه واخته التى لم تشتره، لكان لأخته التى اشترته مع ابيها، من ميراثه سبعة اثمانه ونصف ثمنه، لانها ترث النصف بالنسب، ونصف النصف الباقى وهو الربع، بولاء العتاقة، لان نصفه أعتق عليها، فلها نصف ولائه بذلك ونصف الربع الباقى، هو الثمن، لان النصف الثانى الذى أعتق منه على ابيه لها نصف ولائه، لان اباه عتق عليها وعلى اختها الميتة، فصار نصفه مولى لمولى؛ لها من ولائه النصف، فوجب لها بذلك ربع ولائه، لان المرأة ترث بالولاء معتق معتقها، وترث

4 - مغارسة بأجر مجهول

أيضا، نصف الثمن الباقي، لان الثمن، الذي وجب للاخت الميتة من ولائه، لها نصفه، لأنها ابنة لمولى، لها من ولائه النصف، والمرأة ترث بالولاء معتق معتق ولد من اعتقت. وبالله التوفيق، لا شريك له. [4]- مغارسة بأجر مجهول وسئل الفقيه الإمام الحافظ قاضي الجماعة ابو الوليد ابن رشد رضي الله عنه، ع عقد إنزال. ونسخته، من أوله إلى آخره: عقد المغارسة " صلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليما " أنزل فلان بن فلان الفلاني فلان فلان بن فلان الفلانى في الجبل المشعر المحدد بكذا، بأن أعطاه نصفه مشاعا، على ان يحترق المنزل النصف الباقي بيد المنزل فلان، ويغرسه نقول شجر كذا من صنف كذا، على المتعارف من تقارب الغرس وتباعده، نقولا جيادا تكون من عند المنزل فلان، وعليه ان يعتمرها مدة عشرة اعوام، من تاريخ هذا الكتاب بحرثتين جيدتين، وحفرتين بليغتين، في كل عام من

الاعوام المذكورة في أوان العمارة، على أن يشرع المنزل فلان في ذلك كله في عام تاريخ هذا العقد وعند امكان ذلك، ونزل المنزل فلان في نصف الجبل المحدود منزلة المنزل له فيه وحل فيه محله، على سبيل الإجارة الصحيحة، ولهما ان يقتسما، متى احبا، أو دعا إلى ذلك احدهما، بعد ان اختبرا عمق الشعراء في الأرض، وأحاطا علما بمبلغ المؤنة في ذلك، وعلما أنهما متى اقتسماه بالقرعة، كان كل نصيب منهما مساويا للآخر في المؤنة والعمارة لتساويه وتقاربه. الجواب، رضي الله عنك في العقد المنعقد فوق هذا، هل هو صحيح على مضمنه، أو فاسد؟ وان كافاسدا، هل يصلح العقد بزيادة شرط فيه، خلا العقد منه، أو اسقاط شرط منه؟ وكيف لو أخذه بنصف فدان مشاع، على أن يحرث له نصف فدان متساو في القسمة؟ وان كان بين المسألتين فرق، فلك الفضل في بسط الفرق بينهما، وبيان وجه فساد الفاسد منهما، يعظم الله اجرك. تصفحت رحمنا الله واياك، سؤالك هذا، ونسخة العقد الواقع فوقه، ووقفت على ذلك كله الربا اساس فساد عقد المغارسة وهو عقد فاسد لانه لو استأجره على غرس نصف الجبل، بنصفه على الإشاعة، وان كان يعتدل في القسم، على ان يقتسماه قبل الغرس، على

ما يوجبه الحكم من القسم بالقرعة، على أن يغرس الاجير للمستأجر حظه الذ يحصل له من القسمة بالسهمة بالحظ، الذي يصير اليه بها، لكان غررا لا يجوز، لان الاجير لا يدرى اى الجهتين تخرج له بالسهمة فقد صارت اجرته مجهولة. ومما يدل على أنها مجهولة انه، لو اراد بيعها، لما جاز له ذلك. ولا يجوز، ان تكون الاجرة الا مما يجوز بيعه. ولو استأجر، أيضا، على غرس نصف الجبل المحدود بنصفه، على الاشاعة فإن كل واحد يعتدل في القسم، على ألا يقتسماه الا بعد الغرس، لكان غررا لا يجوز، أيضا، لأنه يعمل على أن تكون أجرته على عمله نصف الغرس بعد غرسه ولا يعلم كيف يكون حاله، وذلك من أعظم الغرر. فان لم تجز هذه الاجارة على شرط تعجيل القسمة قبل الغرس ولا على شرط تأخيرها إلى بعد الغرس، لتقرر الغرر في كلا الوجهين، فقد تبين، أيضا انها غير جائزة، على ما تضمنه العقد، من أن لهما أن [5] يقتسماه، متى احبا ومن دعا منهما إلى ذلك فذلك / له، اذ لا يخرجان بذلك عن احد الوجهين الفاسدين. وكذلك ايضا لو وقعت الإجارة بينهما على هذا، وسكتا عن القسمة، لا يخرج فعلهما إلى وجه جائز.

مصير عقد المغارسة الفاسد فان وقعت الاجارة على ما تضمنه العقد، ولم يعثر عليها حتى فاتت، فغرس الاجير جميع الجبل مشاعا، كان على الاجير قيمة نصف الجبل مشاعا يوم قبضه، على حكم البيع الفاسد، إذا فات، وكان له نصف أجرة مثله، في غرس جميعه، فان كان لأحدهما في ذلك فضل على صاحبه، رجع بذلك عليه وكان الغرس مشتركا بينهما. وان لم يعثر على ذلك حتى اقتسما الجبل، وغرس الأجير حظه، وحظ المستأجر، كان على الاجير للمستأجر قيمة حظه الذي صار له مقسوما، وعلى المستأجر للأجير أجر مثله في غرسه حظه، وترادا الفضل بينهما. وان عثر على ذلك، بعد غرس الاجير حظه، وقبل أن يغرس حظ المستأجر، كان على الاجير قيمة حظه الذي فوته بالغرس. وان كان عثر على ذلك، بعد أن غرس الاجير حظ المستأجر وقبل أن يغرس حظه، زكان الجبل كله لصاحبه، وكان عليه للاجير اجرة مثله، في غرسه حظه وكذلك يكون الحكم بينهما إذا وقع الأمر مسكوتا عنه. ولو قال: أؤاجرك على أن تغرس جميع الجبل، ويكون لك نصفه إذا غرسته، لكان الحكم فيه إذا لم يعثر عليه حتى فات بالغرس، ان يكون للأجير اجر مثله في غرسه جميعه، ويكون جميع الجبل مغروسا لربه. تنظير وتفريق وهذه المسألة تشبه الرجل يدفع الجلود إلى الرجل ليدبغها على

النصف، في جميع وجوهها بخلاف مسألة الرجل يستأجر الرجل على حمل طعامه إلى بلد كذا بنصفه، فان ذلك جائز على مذهب ابن القاسم: إذا اشترط ابن القاسم له أن يأخذ حظه، متى شاء وأن ذلك جائز على مذهب سحنون، ما لم يشترط على ألا يأخذ نصيبه حتى يوصله إلى ذلك البلد والفرق بينهما ان الطعام يقسم على الكيل، من غير قرعة، فلا يدخله الفساد إذا اشترط انه يأخذ حظه منه متى شاء، والجلود تقسم بالقرعة، فلا تجوز بحال وان اشترط ان يأخذ حظه متى شاء. وأما المسألة التي ذكرت في سؤالك في استئجار الرجل على حرث نصف فدان مشاع، متساو في القسمة، بأصل نصف فدان آخر فهي مسألة جائزة لا اشكال فيها ولا في جوازها، ولا نسب بينها وبين التى سألت عنها لان هذه المسألة الاجرة فيها منفصلة مما يستوفي فيه العمل، وكلاهما معلوم، الا ترى ان نصف الفدان، الذي هو أجرة عمله معلوم، يجب له بالعقد، ويجوز له بيعه وما جاز بيعه جاز الاستئجار به والعمل ايضا مقدر معلوم، إذ إنما يلزم في الاجازة تقدير العمل لا تعيين ما يستوفي فيه، والمسألة التي سألت عنها، الاجرة فيها غير منفصلة مما يستوفي فيه العمل فدخلها ما قد بينته من الجهل والغرر. شروط جواز المغارسة فلا يجوز الاستئجار على غرس نصف الجبل بنصف أصله على الإشاعة إلا ان يكون متسويا، معتدلا في القسمة بالذرع، ويشترطان

5 - حبس معقب على البنت مع اشتراط المرجع

قسمته قبل الغرس ويعنيان الجهه التي يأخذ الاجير منها النصف لنفسه في أجرته والجهه التي يغرسها لرب الجبل. وبالله التوفيق. [5]- حبس معقب على البنت مع اشتراط المرجع وسئل رضي الله عنه في مسألة من مدينة دانية وهي في رجل حبس املاكا له على ابنته وعقبها وشرط: إن ماتت ابنته وعقبها في حياته أو ماتت في حياته ولا عقب لها فالحبس راجع اليه وإن ماتت بعده ولا عقب لها أو ماتت ومات عقبها، رجع الحبس إلى أقرب الناس به. فوفيت الابنة المحبس عليها بعده ولا عقب لها وللمحبس ابن أخ وابن عم فثبت ابن العم، الحاجة وأراد الدخول في الحبس مع ابن الأخ هل ذلك له ام لا؟ ينفذ هذا الحبس من الثلث فأجاب أيده الله فيها: تصفحت / سؤالك هذا، ونسخة عقد التحبيس الواقعة فوقه، ووقفت على ذلك كله. وما تضمنه عقد التحبيس من اشتراط رجوع الحبس إلى

6 - هل تنتقض الحوالة بانتقاض البيع؟

المحبس ان توفيت ابنته المحبس عليها، وعقبها في حياته، أو توفيت ولا عقب لها، يوجب الا ينفذ الحبس الا من ثلث مال المحبس، فان حمله الثلث نفذ، ولم يكن لابن العم دخول مع ابن الأخ، وان لم يحمله الثلث نفذ منه ما حمله الثلث، ولم يكن لابن العم فيه دخول مع ابن الاخ ايضا وكان ما بقي ميراثا بين جميع ورثة المحبس يوم مات وقد كان من حق سائر ورثة المحبس ان يدخلوا مع الابنة في غلة الحبس طول حياتها، وان حملها الثلث فلهم الرجوع بذلك في مالها. وبالله التوفيق، لا شريك له سبحانه. [6]- هل تنتقض الحوالة بانتقاض البيع؟ وسئل رضي الله عنه رجل باع حصة له من كرم بثمن إلى أجل وأحال على المبتاع، بالثمن رجلا كان له عليه دين مثله، فدخل عليه وأشهد المستحيل على المحال عليه بالعدد المذكور. فأثبت رجل: انه ابتاع الحصة المذكورة من المحيل قبل بيعه اياها من المحال عليه واستحق الحصة، وحكم له بها وفسخ البيع الثاني فهل تنفسخ الحوالة، يرجع المستحيل بحقه على الذي أحاله أو يلزم المحال

7 - رجوع في عقد التدبير بدعوى الاحتياط ضد ممثل السلطة المرابطية

عليه ان يدفع إلى المستحيل ما استحال عليه، ويرجع على البائع بما دفع اليه؟ أفتنا مأجورا موفقا ان شاء الله. فأجاب. وفقه الله: تصفحت، رحمنا الله واياك سؤالك هذا، ووقفت عليه وإذا كان الامر على ما وصفه فيه، فتنقض الإحالة ويرجع المحال بدينه على الذي احال به، ولا يكون له قبل المحال عليه شيء لسقوط الثمن عنه بما ذكرت من استحقاق الحصة من يده. وهذه المسألة عندي، خارجة من الاختلاف لكون الاستحقاق فيها من جهة المحيل بخلاف إذا لم يكن من جهته. وقد سئلت عن هذه المسألة منذ مدة، فأجبت فيها بمثل هذا الجواب في المعنى، وان خالفه في اللفظ. [7]- رجوع في عقد التدبير بدعوى الاحتياط ضد ممثل السلطة المرابطية وسئل رضي الله عنه في امرأة كانت لها خادم صفراء وعند دخول المرابطين اشبيليه تغلب على الخادم المذكورة، أحدهم وأخذها، وبقيت عنده مدة.

8 - ضرر الكشفة بين دارين مقابلتين

ثم انه تبين له: أن الخادم كانت للمرأة فصرفها عليها ومع ذلك لم تأمن من التسبب اليها فيها فعقدت لها عقد تدبير، وذهبت الان المرأة إلى فسخ التدبير إذ أمنت ما كانت تتوقعه من التسبب اليها: فأفتنا ان كان لها فسخ التدبير أم لا يعظم الله اجرك. فأجاب ايده الله: لا تصدق المرأة فيما ادعته، ولا يكون لها إلى فسخ التدبير سبيل، الا ان تكون قد أشهدت في السر، قبل تدبيرها: أنها دبرتها لما تتوقعه من التسبب اليها فيها بغير حق، لا لبر تقصده، وانها إذا أمنت من ذلك فهي أمتها، لا تدبير لها وتكون البينة عالمة بتوقيعها ما ذكرت من التسبب اليها بغير حق. والله ولي التوفيق. [8]- ضرر الكشفة بين دارين مقابلتين وسئل أدام الله توفيقه في رجلين متجاورين، بينهما زقاق نافذ فأحدث الرجل الواحد منهما في داره بابا، وحانوتين، تقابل باب دار جاره، ولا يخرج أحد من أهله ولا يدخل الا على نظر من الذين يجلسون في الحانوتين المذكورين لعمل صناعتهم، وذلك ضرربين يثبته صاحب الدار وكشفة بينة لعياله؛ هل يجب على صاحب الحانوتين

9 - ترجيح بين عقدين بالملكية واثبات مجرى نهر

غلقهما بسبب هذا الضرر البين، والكشفة، وسد باب الدار التي تقابل باب جاره المحدث عليه؟ أفتنا بالواجب في ذلك، مأجورا. فأجاب ادام الله تأييده. إذا كان الامر على ما وصفت فيؤمر ان ينكب ببابه وحوانيته عن مقابلة باب جاره، فان لم يقدر على ذلك ولا وجد اليه سبيلا، ترك، ولا يحكم عليه بغلقها وبالله التوفيق. [9]- ترجيح بين عقدين بالملكية واثبات مجرى نهر وسئل رضي الله عنه في رجل أقام رحى في أرضه، وأخرج / طرف السد في أرض جاره دون ان يأذن له جاره في ذلك، فقام عليه وأراد ان يهدم السد، فوقعت بينهما مخاصمة ومنازعة في الارض، وقال: انه ليس ارضك وانما هو حرف الوادي فعقد صاحب الارض عقدا تضمن ما تقف عليه: عقد بملكية ارض، أدخل جزء منها في سد " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " يشهد من تسمى في هذا الكتاب من الشهداء: انهم يعرفون الرحى المحدثة التي هي على وادي شبيرة ويعرفون المحدث لها: محمد بن يحيى ومن شركه فيها، وقد احدثوا سدّا في أرض محمد بن خلف، دون ان

يأذن لهم في ذلك، وهي الارض الجوفية من السد المذكورة ولا يعرفون محمدا رضي به، ولا أباحه لهم في عملهم. يشهد بذلك كله من علمه، حسبما ذكر فيه ويجوز الارض المذكورة المحدث فيها السد، بالوقوف عليها والنظر لها. واوقع شهادته بذلك في ربيع الأول من سنة ثمان وتسعين واربعامائة وثبت العقد على نصه بشهادة من جوزت شهادتهم. ثم ان القوم عليهم عقدوا عقدا تقف عليه. عقد باثبات مجرى النهر وان الجزء المأخوذ بالسد كان من تغيير المجرى " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " يشهد من تسمى في هذا الكتاب من الشهداء: أنهم يعرفون محمد ابن يحيى بعينه واسمه وان الذي احدث في الوادي بقرية شبيرة من صرفه على مجراه الان هو مجراه القديم، الذي كان عليه قد عرف وان الذي احدث فيه، منذ ثلاثة اعوام، انما احدثه الوادي لقوته وانه لم يكن ممره منذ عام الا بالوجه المذكور فيه. يشهد بذلك من علمه حسب نصه، واوقع شهادته على ما اختلف

فيه ممن يجوز الوادي المذكور، ويعلم مجراه القديم، بالنظر اليه والتعيين له. وكان ايقاعهم لشهادتهم إذ سئلت منهم، وذلك في منسلخ شهر ربيع الاول الذي من سنة ثمان وتسعين واربعمائة تأمل - رضي الله عنك - ما تضمنه العقدان، وأفتنا بالواجب في ذلك. ومن الشهود، وفقك الله، الذين شهدوا في الارض لصاحبها يشهدون على مجرى الوادي في العقد الذي انعقد فيه. بين لنا بيانا موضحا شافيا ترفع به الإ شكال ان شاء الله فأجاب، أيده الله: تصفحت، رحمنا الله واياك سؤالك هذا ووقفت عليه، وعلى العقدين المنتسخين فوقه. والعقد الاول هو الذي يجب الحكم والقضاء به إذا حاز شهوده ما شهدوا فيه، بعد ان يزيدوا في شهادتهم: أن الموضع الذي ابتنى فيه السد مال القائم وملكه، اذ لم يتضمن ذلك العقد بنص عليه، وبعد ان يعذر في شهادتهم إلى المقوم عليه، فيعجز عن المدفع فيها. والله ولي التوفيق بعزته.

10 - تكرار اليمين بالطلاق

[10]- تكرار اليمين بالطلاق وسئل رضي الله عنه في رجل تزوج امرأة وشرط لها، عند عقد نكاحه اياها على الطوع منه: أن الداخلة عليها بنكاح طالق، فتزوج امرأة، فطلقت عليه، فانقضت عدتها، ثم إنه تزوجها ثانية أتتكرر عليه اليمين ام لا؟ بين لنا ما يجوز في ذلك يعظم الله اجرك، وبين لنا في هذا الاصل من تنازع عند ابن القاسم: مأجورا. فأجاب ايده الله: تتكرر عليه اليمين ويلزمه اتلطلاق فيها كلما تزوجها ولا اختلاف في ذلك اعلمه، وانما اختلف قول ابن القاسم في تكرر اليمين في المرأة المعنية إذا قال: ان تزوجت عليك فلانة فهي طالق، فتزوجها عليها مرة بعد اخرى. والله ولي التوفيق بعزته. [11]- هل تلزم اليمين الناشئة عن اسباب مظنونة؟ وسئل رضي الله عنه في رجل وهبته امرأته هبة صحيحة،

12 - كيفية اعادة الصلاة، لنسيان مسح الرأس مرتين

وملكها اعواما، ثم اعمرها الزوجة طول حياتها وملكها لها فبقيت في ملكها ما شاء الله، ثم تشاجرا، فظن الزوج أن الزوجة منت عليه بتلك الهبة، فأقسم بالهبة صدقة على المساكين، إن قبلها طول حياة الزوجة، فأقسمت له الزوجة، انها ما منت عليه ولا عرضت له بمن. افتنا يرحمك الله: هل تتعلق اليمين بالهبة؟ وهل على الزوج فيها شيء إن امسكها؟ مأجورا إن شاء الله. فأجاب، أيده الله: تلزمه اليمين وتتعلق بالهبة وتجب عليه الصدقة بها على جميع المساكين ان ردتها اليه، فقبلها منها، الا انه لا يقضي عليه بذلك وبالله التوفيق بعزته. [12]- كيفية اعادة الصلاة، لنسيان مسح الرأس مرتين وسئل رضي الله عنه عن مسألة من الصلاة جاءت من العدوة وهي: الجواب رضي الله عنك في رجل توضأ للصبح وصلى، ثم توضأ للظهر، من حدث، وصلى، ثم توضأ للعصر، من حدث وصلى، ثم توضأ للمغرب، من حدث، وصلى، ثم توضأ للعتمة من حدث وصلى. فلما صلى العتمة ذكر أنه نسي مسح رأسه ولايدري من أي

الأوضية تركه، فأمر بمسح رأسه واعادة الصلوات فنسي مسح رأسه وأعاد الصلوات كلها بغير مسح. أفتنا بالواجب في ذلك. فأجاب، أيده الله. تصفحت سؤالك هذا ووقفت عليه واذا كان الرجل قد اعاد الصلوات كلها بالوضوء الذي توضأ لصلاة العشاء الآخرة، قبل ان يفعل ما أفتي به من مسح الرأس، بفور ذكره، ناسيا لذلك؛ فالواجب عليه أن يتوضأ ان كان انتقض وضوءه أو فاته إصلاحه، ويعيد صلاة العشاء الآخرة لانه صلاها مرتين بوضوء واحد يشك في مسح رأسه منه ولا تصح الصلاة إلا بطهارة متيقنة ولا اعادة عليه لما سواها من الصلوات لانه لما اعادها بوضوء صلاة العشاء الآخرة حصلت كلها بطهارة كاملة لا شك فيها اذ صلى كل صلاة منها بالوضوء الذي توضأ لها مرة ثانية وبالوضوء الذي توضأ لصلاة العشاء الآخرة وهو موقن بكمال احد الوضوءين فصحت له احدى الصلاتين كرجل توضأ لصلاة من الصلوات فصلاها، ثم أحدث فتوضأ ونسي انه قد صلى، فصلى مرة ثانية، فلما فرغ من صلاته ذكر انه قد كان صلى وذكر انه نسي مسح رأسه، لا يدري من أي الوضوءين فلا إعادة عليه باجماع؛ إذ قد صحت له احدى الصلاتين.

13 - العمرى بين الطوع والشرط في عقد النكاح

وبالله التوفيق. [13]- العمرى بين الطوع والشرط في عقد النكاح وسئل رضي الله عنه في رجل طاع لزوج ابنته عند عقد نكاحها معه بان يسكن معه بيتا معينا من دار سكناه امد الزوجية بينهما فلم يقم الزوج لأخذ سكناه ولا سكن البيت المذكور ولا قبضة، ولا دخل بالزوجة ولا خرج والد الزوجة المذكور من البيت المذكور ولا من شيء من داره المذكورة إلى أن مرض واتصل مرضه بموته. فهل ترى وفقك الله هذا الإسكان نافذا للزوج سائغا له أخذه بعد موت المسكن ام ترى ذلك غير جائز إذا لم يقبضه في حياة الطائع له وصحته فتكون عطية لم تقبض؟ وكيف الجواب ان كان المسكن والد الزوجة قد باع رقبة هذه الدار المبتاع من رجل أجنبي بعد الطواعية المذكورة وفوتها بالبيع وقبض ثمنها من المبتاع ثم اكتراها منه واتصل سكناه فيها إلى ان مات حسبما ذكر؟ فأجاب أيده الله: تصفحت سؤالك ووقفت عليه وان الاب انما طاع له بالاسكان المذكور ولم يكن شرطا انعقد عليه النكاح فهي عطية مفتقرة إلى

14 - شهادة رجل واربع نسوة في هبة نصف الصداق المؤجل

الحيازة تبطل ان كان لم يقبض البيت في حياته، ولا حاز عنه إلى ان توفي باع الدار او بقيت على ملكه إلى ان توفي عنها. وبالله التوفيق. [14]- شهادة رجل واربع نسوة في هبة نصف الصداق المؤجل وسئل رضي الله عنه في امرأة وهبت لزوجها في صحتها نصف صداقها المنعقد لها، وقبل ذلك زوجها وأشهد على ذلك رجلا واحدا وأربعا من النساء قوابل ثم ان المرأة عاشت بعد ذلك نحو عام أو أكثر ومرضت واشهدت على نفسها رجالا سوى ذلك الرجل والنساء وقالت لهم: إني قد كنت وهبت لزوجي في صحتي وجواز فعلي نصف صداقي وانا أشهدكم الان: أني قد وهبت له ذلك وكنت أمضيت له ذلك وقبل الزوج، ايضا ذلك ثم ان المرأة توفيت. أتجوز الهبة ام لا تجوز؟ وهل تجوز شهادة النساء وشهادة الرجل الواحد معهن؟ فبين لنا ما يجب في ذلك يعظم الله اجرك ويجزل ثوابك فأجاب رضي الله عنه:

15 - هل الصلح على ابقاء النكاح الأول - بعد طلاق - يعد عقدا جديدا؟

إن كان الرجل، عدلا، والنساء عدولا، أو اثنتان / منهن، ثبتت الهبة بشهادتهم، وجازت، ولا يلتفت إلى اشهادها على نفسها بذلك في مرضها الذى توفيت منه. وبالله التوفيق. [15]- هل الصلح على ابقاء النكاح الأول - بعد طلاق - يعد عقدا جديدا؟ وسئل رضي الله عنه، في رجل أنكح ابنته بكرا، في حجرة، من رجل بصداق معجل ومؤجل، فغاب الناكح، قبل بنائه بها، مدة، وأثبت أبوها مغيبه عند حكم الجهة، وطلقها عليه الحاكم. وأن الناكح قدم في اثر ذلك واصطلحا على إبقاء النكاح، ووهبه المنكح موضعا كان الناكح التزم بدفعه إلى المرأة، على وجه السياقة، وعلى أن أنظره بضم ابنته والدخول بها ستة أشهر، وافترقا على ذلك، وتشاهدا، ثم غاب الناكح إلى حاجته، وطلب معاشه، بسبب المهلة التى أمهله بها المنكح، فلم يغب إلا يسيرا، وأنكح الأب ابنته من رجل آخر، وعقد نكاحه معها، فقدم الآن الزوج الأول، ويريد الدخول بزوجته، فبين لنا الجواب في ذلك، أعظم الله أجرك. فأجاب أيده الله:

16 - هل يكون فسخا أو طلاقا عدم التزام الابن عند

ان كانا لم يجددا عقد النكاح بعد أن حكم عليه بالطلاق، وانما اصطلحا على ابقاء النكاح الأول، حسبما ذكرت، فلا يجوز ذلك، ويثبت النكاح الآخر. [16]- هل يكون فسخا أو طلاقا عدم التزام الابن عند البلوغ لما عقد عليه ابوه؟ وسئل رضي الله عنه في رجل زوج ابنا له صغيرا من يتيمة بكر، بالغ، زوجها ابن عمها بمهر معجل ومؤجل، التزم الأب دفع المعجل عن ابنه، وضربا للمؤجل منه اجلا. فلما بلغ الابن ابى من التزام النكاح، والشروط. بين لنا ما يلزم الاب فيما التزمه من النقد؟ وهل يمضى النكاح ام ينفسخ؟ يعظم الله أجرك. فأجاب ايده الله. إذا بلغ الابن فابى من التزام ما عقده عليه أبوه، قبل الدخول، كان مخيرا بين أن يمضى النكاح على نفسه، فليزمه كل ما شرط عليه أبوه، أو يرد النكاح عن نفسه، فلا يكون عليه شىء ويسقط عن الأب، أيضا، ما التزمه عن ابنه، من معجل المهر، لان ذلك يكون فسخا بغير طلاق.

17 - هل ينعزل «صاحب المناكح» يموت الذى ولاه؟

وهذا الذى أختاره، وأتقلده مما قيل في ذلك. وبالله التوفيق بعزته. [17]- هل ينعزل «صاحب المناكح» يموت الذى ولاه؟ وسئل رضي الله عنه في مدينة فيها امير وليس فيها قاض، فكتب الامير إلى الأمير الأعلى ان المدينة ليس فيها قاض لينظر في أمور المسلمين فيها، وفيها فلان يصلح للقضاء، فكتب اليه الأمير الأعلى: أن يوليه القضاء، ففعل الأمير ما خوله له الامير الأعلى وولاه القضاء، وكتب له بذلك صحا عن أمر الامير الاعلى، فحكم القاضى المذكور، وفي البلد الموصوف. ثم بعد ذلك صاحب المناكح، وكتب له بذلك صحا، وجعل اليه النظر في المناكح وجميع احكامها. فحكم صاحب المناكح المذكور طول حياة القاضى المذكور فيما جعل اليه من ذلك، ويعلم ذلك الامير. فمات القاضى وبقى صاحب المناكح على خطته، يحكم كما كان يحكم في حياة القاضى الذى ولاه، ويشهد عنده فقهاء المصر وأعلامه في الطلاق وغير ذلك من احكام النكاح، ويزوج من أحب الزواج، ويطلق من وجب تطليقها، ويحكم على الحاضر والغائب، إذ رأى فقهاء البلد ان ذلك من الصلاح للبلد، واذ لا غنى لهم عمن يحكم في الطلاق.

18 - دعوى على التركة بغلة حصة فى الرحى المشتركة

فهل يجب، وفقك الله. أن تفسخ أحكامه بعد موت القاضى، والبلد محتاج إلى ذلك، ام لا؟ بين لنا ذلك مأجورا إن شاء الله تعالى. فأجاب ايده الله: تأملت سؤالك ووفقت عليه. ولا ينتقض تقديم المقدم للمناكح بموت الذى قدمه، وهو على خطته حتى يعزله عنها الذى خلف بعده، فما حكم فيه أو قضى به مما جعل إليه بعد موت الذى قدمه لذلك، فهو كله جائز، نافذ لا يصح فسخ شىء منه ولا رده. وبالله التوفيق. [18]- دعوى على التركة بغلة حصة في الرحى المشتركة وسئل رضي الله عنه في امرأة لها حصة معلومة في رحى مع رجل آخر، على الإشاعة، فغابت المرأة عن الجهة اعواما معلومة، وانبسطت يد الشريك على استغلال الرحى، ولم يدفع اليها ولا لاحد [10] بسببها / شيئاً وجب لها في حصتها عن غلة الرحى. فلما رجعت إلى البلد الذى فيه الرحى، طلبت نصيبها من الغلة، للمدة التى غابت عن الجهة، فسوف بها، وما طلها؛ تارة يقر، وتارة ينكر الاستغلال حتى ادركه حيفه فمات، وطلبها متماد، والشهود

19 - هل يصح للزوج عوض الخلع مع ثبوت الاعتراض؟

العدول يشهدون لها بكل ذلك، وترك مالا تعدى فيه، وورثة. بين لنا ما يجب لهذه المرأة في حصتها من الغلة للاعوام المذكورة، وكيف وجه اعدائها على ماله بها، وسبب الوصول إلى ذلك. فأجاب ايده الله: إذا اثبتت المرأة حصتها من الرحى، وأن الشريك اغتلها، الاعوام المذكورة، وجب ان تعدى فيما تخلفه، بكراء حصتها، للأعوام التى اغلتها فيها، على ما يقدره به أهل البصر والمعرفة، الاعذار إلى الورثة، والعجز عن المدفع. وبالله التوفيق. [19]- هل يصح للزوج عوض الخلع مع ثبوت الاعتراض؟ وسئل رضي الله عنه في رجل تزوج امرأة بكرا في حجر ابيها، وله معها احد عشر شهرا، منذ ابنتى بها وهى تريد التخلى عنه ويأبى، الا ان تترك جميع مالها قبله، وهى لا تستطيع الصبر عما يلتحقها به من الضرر؛ فيما يرغب النساء من ازواجهن بين لنا، اكرامك الله ان كان ضررها يبين ام لا وان كان يجب له أن يطلقها، دون ان يؤدى مالها قبلة، مأجورا ان شاء الله. فأجاب ايده الله:

20 - هل التنازل عن فضل ماء السقى يكسب حق

ان كان الضرر الذى تدعى: انه اعترض عنها، ولم يمسها منذ دخل بها، وهو منكر لذلك، فالقول قوله فيما يدعى، من اصابته لها. مع يمينه. وان اقر بالاعتراض عنها، ضرب له أجل سنة، فإن ألم بها فيها، والا فرق بينهما، ولا يلزمها ان تترك له من حقها شيئاً. وبالله التوفيق. [20]- هل التنازل عن فضل ماء السقى يكسب حق الملكية للمستفيد؟ وسئل رضي الله عنه في رجل حفر في حائطه بئرا، وسقى بها اعواما، وعلى مقربة منه حوائط، لقوم آخرين، من جيرانه، كانت غامرة فتحاسدوا معه، وشرعوا في حفر ماء في حوائطهم، وفي عمارتها مدة، غير ان ماءهم غير كاف لحاجتهم، ولا عميم لارضهم فرغبوا إلى جارهم ان يمدهم من فضل مائه، ليخلص لهم ما فعلوه من الخضر، فتوسع لهم مدة طويلة إلى ان جفوه بكثرة القذع منهم، ومن اولادهم، وعيالاتهم، فأندمه ذلك واحرجه، واشتد قلقه، وعاد صبره لهم وبالا عليه.

أترى صبره عليهم وتوسعته لهم، هذه المدة توجب لهم حجة بدعوى ملك ان ادعوه؛ وكيف ان احتجوا ببئر قديمة دائرة كانت لجميع المسلمين فوق حائطه وعلى مقربة منه وقد باد رسمها ودرس وخفي موضعها وطمس لتفاهتها ويسارة خطبها وقالوا له: هذا الماء الذي استجاب لك في حائطك انما هو ماء البئر القديمة التي كانت للمسلمين فوق حائطك فلا اثرة لك فيه علينا ونحن وأنت فيه سواء، ولا ندعك عليه وحدك دوننا؟ وجماعة المسلمين لا تطلب شيئاً من ذلك ولا تذكره لغناهم عنها مع علمهم بركاكتها وضعفها ويسارة خطرها مع انهم على غير يقين مما زعم هؤلاء. أترى لهم الكشف عن ذلك دون جماعة المسلمين وهم لا يريدون بذلك حسبة وانما هو على الوجه المذكور ام لا سبيل لهم إلى ذلك؟ يبين لنا ما يجب، مأجورا ان شاء الله تعالى. فأجاب ايده الله: لا يستحق جيران الرجل في بئر جارهم حقا، بانتفاعهم بفضل مائة على الوجه الذي ذكرت، وان طال زمان ذلك وله منعهم اياها إذا شاء. وان احتاج الناس إلى ماء البئر التي بفناء المسلمين ومن حقوقهم وثبت على هذا الرجل انه استفزع ماءها وصيره إلى نفسه، قضي عليه

21 - هل يورث الشوار المبتل عن المرأة اذا ماتت قبل الدخول؟

بردم بئره، حتى يرجع الماء إلى البئر التي لجماعة المسلمين وبالله التوفيق. [21]- هل يورث الشوار المبتل عن المرأة إذا ماتت قبل الدخول؟ وسئل رضي الله عنه في رجل أنكح ابنته من رجل فتم ذلك [11] بينهما على ما يلزم، فماتت الابنة المذكورة قبل الدخول / بها وقام الاب يطلب الزوج بصداقها وبالنفقة والكسوة، مدة حياتها، من يوم انكحها منه إلى أن ماتت. ثم قام الزوج يطلب أباها بما اكتسبه لها ليجهزها به إلى الزوج المذكور. هل يصح لهما، او لا حدهما شيء مما طلبه؟ بين لنا ما يلزمهما ويجب لهما وعليهما، ان شاء الله. فأجاب أيده الله: ان كان ما اكتسبه الاب ليجهز ابنته به، أمضاه لها وبتله فهو موروث عنها وكذلك ما سمي لها من الصداق، موروث عنها، ولا يلزم الزوج لها نفقة ولا كسوة. وبالله التوفيق.

22 - تبعيض اليمين بتبعيض " الحوز " في الدعوى الجماعية بين الحارات

[22]- تبعيض اليمين بتبعيض " الحوز " في الدعوى الجماعية بين الحارات وسئل رضي الله عنه في قرية تشتمل على حوائر كثيرة مفترقة وكل حارة منها منسوبة إلى قوم معروفة لهم ولآبائهم فقام اهل حارة من تلك الحوائر، على أهل حارة أخرى فادعوا عندهم املاكا وارتفعوا جميعا إلى صاحب احكامهم ووكل كل فريق منهم وكيلا مفوضا على الاقرار والانكار والخصام وقبض الايمان وردها وغير ذلك مما يتضمنه التوكيل الجامع لمعاني التوكيل واخذ وكيل منهما نسخة صاحبه. فقال وكيل المطلوبين لوكيل: قل لموكليك يحوزوا ما ادعوا به ويحلفوا عليه أنه لهم، ويستحقوه فعقد عليهم عقدا بالرضا بأيمنهم بعد الحيازة. فلما جاء الطالبون بعضوا تلك الأملاك المطلوبة: فقالوا عن بعضهم: هي لجميعنا وعن بعضها: هي لفلان ولأخيه فلان ابني فلان منا، وقالوا عن بعضها: هي لجميعنا ولفلان وفلان معنا ممن لم يخاصم معهم، ولا وكل بتوكلهم. بين لنا هل تجوز الحيازة على هذا التبعيض؟ وهل يلزم المطلوبين اسلامها بعد ايمان الطالبين، ام لا؟ وبالواجب في ذلك، يعظم الله أجرك.

23 - شركة في الزراعة

فأجاب أيده الله: تصفحت سؤالك ووقفت عليه. واذا كان الامر على ما وصفته، فلمن شاء من الطالبين الذين وكلوا الوكيل ان يحلف على ما جازه وحده وادعاه، أو بعضه، ملكا لنفسه، فاذا حلف على ذلك استحق ما حلف عليه بيمينه، وليس ذلك لمن لم يخاصم معهم ولا دخل في توكيل وكيلهم. وبالله التوفيق. [23]- شركة في الزراعة وسئل رضي الله عنه في رجل قلب في أرض سكة واحدة ثم انه اشترك مع رجل آخر ليزرعا الارض المذكورة وغيرها، فقال له الشريك الداخل: أنت قد خرقت هذه الارض، اتركها لك، وأخرق أنا غيرها. فقال له: ثنها بزوجك المشترك بيننا، أنت مرة ثانية، وانا قد وهبتك ما خرقت فيها أولا. وبنيا على ذلك فثناها هذا الداخل ثم زرعاها جميعا بزريعتهما على الشركة، وزرعا غيرها. فلما حان الزرع وكمل، وحان حصاده أنكره في ذلك، قال له ليس لك في هذه الأرض التي خرقتها حق، إذا كنت أنا قد

24 - التداعي بين ملاكين مجاورين في أرض بينهما

خرقتها قبل ان أشركك، واستأثر بالزرع دون شريكه، ولم يعطه من ذلك شيئاً والزرع الذي زرعا به مشترك بينهما والزريعة منهما على حسب الشركة ولم يكن عليه شفوف في شيء منها الا ما كان من خرقه الارض سكة واحدة، التي كان وهبه اياها وأنكره في ذلك. فهل ترى - وفقك الله - حق هذا الشريك الثاني واجبا في الزرع المرتفع في الارض المذكورة أم لا؟ بين لنا الواجب فيه يعظم الله أجرك. فأجاب أيده الله: تصفحت، رحمنا الله واياك سؤالك هذا ووقفت عليه. واذا كان الامر على ما وصفته فيه، فالزرع بينهما على ما اشتركا عليه ويرجع الذي كان حرث الفدان على شريكه من قيمه حرثه، بقدر نصيبه، بعد يمينه، فيما ادعاه عليه من الهبة. وبالله التوفيق بعزته. [24]- التداعي بين ملاكين مجاورين في أرض بينهما وسئل رضي الله عنه في رجل له قرية تلاصقها فدادين غلب عليها الشعراء لطول ترك العمارة لها وكان لرجل جنان في

25 - هل تنفذ المعاوضة على الأخ الغائب، في المال المشترك بالغرس والبناء

ناحية منها فعمر ناحية من تلك الفدادين فقال له رب القرية: من أين تدعى ان هذه الناحية ولم تكن لابيك؟ فقال: نعم لم تكن لأبي ولكن مالي وملكي وملكه لها حديث، يعرف انه لم يكن له [12] فيها قط ملك إلا على سبيل المغنم لما ملك منها. وقال له رب القرية: بل هي لي ومن فدادين قريتي، المتصلة بها. بين لنا هل للقائم المدعي ملكها، فيها حق ام هي لرب القرية؟ مأجورا ان شاء الله. إذا لم يعرف ذلك الموضع المتنازع فيه، في يد أحدهما واعتماره قبل، ولا له عليه بينة، فالواجب ان يقسم بينهما بنصفين بعد أيمانهما. وبالله التوفيق بعزته. [25]- هل تنفذ المعاوضة على الأخ الغائب، في المال المشترك بالغرس والبناء وسئل رضي الله عنه في اخوة كان بينهم مال فغاب أحدهم وساق الباقون لزوجاتهم من مالهم سياقة، ثم انهم عاوضوا ببعض الأملاك المشتركة بينهم وبين اخيهم الغائب وزوجاتهم. ثم ان الأخ الغائب قدم والرجل الذي عاوض أخوته قد بنى وغرس فطلب الأخ الغائب فقال له: ان أخوتك عاوضوني بنصيبك ونصيبهم، فقال: لا يلزمني هذا، وقالت زوجات الأخوة: انما عاوض أزواجنا بغير أمرنا وقال الأخوة: انما عاوضنا بانصبائنا، ولا بانصباء

26 - متى يعتبر عزل الوكيل؟

زوجاتنا وأخينا وأعطانا هو عوض انصبائنا فدانا غرسناه وقد خرج نصفه لغيره وعاوضنا بما لم يكن له، وقال الرجل: انما عاوضتكم بالنصف الذي لي، لم أعاوضكم بما ليس لي. فجاوبنا على ذلك، موفقا ان شاء الله بما يتهيأ في نصيب الغائب الذي بنى فيه الرجل وغرس وقال الذي عاوض لزوجات الأخوة: قد علمتم بالعوض ورأيتموني أبني وأهدم ولم تغيروا على ذلك منذ خمسة أعوام. والله المستعان. فأجاب أيده الله: واذا كان الامر على ما وصفت، فللغائب الذي حصته مما اغترس وبني اخوة في نصيبه بعد ان يدفع اليه قيمة الغرس والبناء قائما الا ان يشاء أخوة المذكور ان يعطيه قيمة حصته من البقعة براحاً لا غرس فيها ولا بناء. وبالله التوفيق. [26]- متى يعتبر عزل الوكيل؟ وسئل رضي الله عنه في رجل وكلته امرأة للخصام عنها وعن ابنتها البكر، التي تحت نظرها: بايصاء ابيها بها اليها في عهده، الذي توفي عنه والاقرار عليها والانكار عنها وجعلت اليه ان يوكل من رأى توكيله. فوكل الرجل المذكور غيره، بمثل توكيلها له.

ثم وقف وكيل الرجل المذكور على ملك: ان كان تركه فلان المتوفي ميراثا لورثته او صار إلى المرأة المذكورة عنه، أو إلى ابنتها منه اللتين هما زوج المتوفي وبنته؟ فقال الموقف المذكور: لم يترك المتوفي ميراثا ولا صار إلى المراة ولا إلى اليتيمة عنه وتقيد عليه القول عند الحكم. ثم استظهر وكيل المرأة بعقد، تضمن عزلته للوكيل الذي وكله لهما تقدم تاريخه تاريخ المقال المذكور. فهل العزلة المذكورة نافذة من حين تاريخها ويسقط المقال المذكور بسببها ام لا؟ وهل يجوز ان يوكل على اليتيمة من يقر عليها، أو ينكر عنها؟ بين لنا الواجب في ذلك كله موفقا ان شاء الله تعالى. فأجاب أدام الله تأييده: تصفحت، رحمنا الله وإياك سؤالك الواقع في بطن هذا الكتاب ووقفت عليه. ولا يلزم اليتيم اقرار وكيل مصيه عليه الا فيما يلزمه فيه اقرار الوصي مما يجوز له فعله ابتداء، فإن وكله على الإقرار عليه، فيما سوى ذلك، لم يجز. وما تقيد على وكيل الخصام من المقالات لازم لمن وكله ما لم يعزله عند الحكم الذي وكل عنده على الخصام. والله ولي التوفيق برحمته.

27 - القيام بالحسبة، على من تزوج مطلقته بالثلاث البته

[27]- القيام بالحسبة، على من تزوج مطلقته بالثلاث البته وسئل رضي الله عنه في رجل كانت له زوجة فطلقها ثلاثة البتة واعتدت منه، وبقيت بعده عامين، ثم تزوجها رجل غيره وبنى عليها وأقام معها ما شاء الله، ثم باراها واعتدت منه ثم تزوجها الزوج الاول فقام عليه من طالبه ورفعهما إلى صاحب الأحكام فقال له: اثبت عندي ان كانت تزوجت بعدك زوجا غيرك وانه بنى عليها. فأثبت الزوج الأول صداقها المنعقد بالزوجية بينها وبين الزوج الثاني وأقر الزوج الثاني بالزوجية وانه بنى عليها وأقرت الزوجة بذلك. فكلفه الحكم اثبات البناء عليها فشهد ببناء الزوج الثاني عليها خمسة شهود ممن كان ساكنا معهما في دار واحدة، فقال له الحكم: لست أميزهم. بين لنا ما يجب في ذلك وهل يثبت النكاح للزوج الأول بعد الزوج الثاني على ما فسر ام لا؟ فعلت مأجورا ان شاء الله تعالى.

28 - تداع في" سياقة" الأم وفي الميراث، لجهل تاريخ

فأجاب أيده الله: لا تقر مع الزوج الأول ولا يثبت نكاحه معها إلا أن يثبت بناء الزوج الثاني بشهادة شاهدين عدلين او يكون بناؤه بها امرا معروفا فاشيا مشتهرا بالسماع من لفيف الرجال والنساء وان لم تعرف عدالتهم. وبالله التوفيق. [28]- تداع في" سياقة" الأم وفي الميراث، لجهل تاريخ وفاة الأب والجد: وسئل رضي الله عنه في رجل كان له بنون ذكور ثلاثة، فغاب احدهم وبقي الاثنان فتصدق الأب، على الأولاد الثلاثة، بثلاثة ارباع ماله واحتبس ربعه فساق الاثنان الحاضران لزوجتيهما نصف ما أعطاهما وساق الغائب، أيضا، لزوجته نصف ما أعطاه. ثم ان الأخ الغائب مات ومات أبوهم فقامت ابنة الغائب تطلب ما حصل لها من أبيها، فقال لها أعمامها: أثبتي ان والدنا مات قبل والدك، وحينئذ تأخذين مالك، فقالت المرأة: هذا صداق أمي بالسياقة التي ساق أبي وتصدق بها أبوكم، اعطوها لي، فقا الأخوة: لعل أباك كان لم يتزوج امك قبل موت ابينا، فقالت بنت

29 - هل للسفيه ان يطالب المقدم عليه بما استغل من فؤائد المال المشترك قبل الحجر؟

اخيهم ان كان مات أبي وترك أباه، فسياقة امي جائزة وان كان مات أبوكم قبله فوالدي يرث معكم فيما ترك والده لابد من هذا، والمرأة لا تقدر ان تثبت ذلك. فهل ترى رحمك الله ان أوقفتهما المرأة عند الحكم على ذلك أيلزمهما الجواب على " من مات قبل صاحبه، ان كان أبوهم أو ابوها؟ " اذ الأخوان يقولان: لا يدري من مات قبل صاحبه. بين لنا ذلك موفقا ان شاء الله تعالى. فأجاب أيده الله: إذا جهل ايهما مات قبل صاحبه فلا يورث بعضهما من بعض وتأخذ الابنة ما زجب لها بالميراث في أبيها من الصدقة إذا ثبتت على ما يجب، أو أقر بها الأعمام. وبالله التوفيق. [29]- هل للسفيه ان يطالب المقدم عليه بما استغل من فؤائد المال المشترك قبل الحجر؟ وسئل رضي الله عنه في رجل كان له شريك في أملاك مشاعة وكان هذا الرجل اكثر دهره، غائبا، متصرفا في أسباب التجارات وكان هذا الشريك يضم جميع المال، ويستغل فؤائده وما يعود منه ثم انه ظهر من هذا الرجل الغائب سفه فقام حكم الجهة، فضرب على يده وقدم على النظر عليه شريكه في الاملاك، فأقام هذا الرجل

30 - ترجيح ابن رشد لعقد شراء على عقد حبس لعدم تحديد الفندق المحبس

مولى عليه مدة ثلاثة اعوام، ثم يطلب شريكه المقدم عليه، في النظر له، بما استغل من فؤائد ماله، قبل أن يقدم عليه. هل له ان يطلبه في حال التحجير عليه؟ أو هل يكون هذا الشريك المقدم وصيا، ان ثبت انه أكل مال المحجور عليه، قبل التقديم؟ بين لنا وجه الحكم في ذلك، يعظم الله أجرك. فأجاب أيده الله: له ان يطلبه بحقه، فان جحده فيه وقامت عليه به البينة فتبين انه ذهب إلى استهضامه وأكل ماله عزل عن النظر له. وبالله التوفيق. [30]- ترجيح ابن رشد لعقد شراء على عقد حبس لعدم تحديد الفندق المحبس أجاب أيده الله، على مسألة ابن زهر مع ابن ايمن بهذا الجواب تصفحت خطابك وما أدرجت إلينا بطيه ووقفت على ذلك كله والحيازة من تمام التحبيس التي لا يصح القضاء به دونها؛ اذ لا يصح لحاكم ان يحكم بمعين الا بعد ان يتعين عنده بالحيازة. هذا ما لا اختلاف فيه ولا ارتياب في صحته. فإذ قد باد شهود عقد التحبيس الذي قام به زهر بن عبد الملك،

ولم يبق من يعين هذا الفندق المقوم فيه، ويحوزه في جهاته الأربع، فيقول: هذا هو الفندق الذي أشهدنا المحبس محمد بن مروان على تحبيسه ولا تضمن عقد التحبيس من تحديده ما يعلم به أنه هو الفندق المقوم فيه على احمد بن عبد الله، فلم يثبت التحبيس بعد لاحتمال أن يكون للمحبس فندق سواه كان يوم التحبيس مشتهرا بتحويله إلى المحبس كما تضمنه كتاب التحبيس ثم حول بعد ذلك دارا أو غيره أو يكون هذا الا انه قد زيد فيه بعد التحبيس زيادة لم تكن منه يوم التحبيس ومن أصولهم: أنه لا يجوز ان يخرج من يد مالك شيء الا بيقين عليه بينة وتثبت فيه الشهادة، لا بأمر محتمل مشكوك فيه. وقد نزلت عندنا بقرطبة مثل هذه المسألة، أيام شيوخنا رحمهم الله قام رجل يسمى بعيسى بن أبي عبده وهو المعروف بالمنجل في دار محبسه عليه وعلى اخيه بكتاب حبس، عقده والده سنة تسع وعشرين وأربعمائة في دار كانت له قرب مسجد طرفة، فأثبت التحبيس وسأله الحاكم في القضية الحيازة، فعجز عنها ولم يجز له الا باب الدار منها، فشاور في ذلك، فاتفق جميع فقهاء ذلك الوقت على الا يقضي له بالحبس بعجزه عن الحيازة. فهذا هو الجواب في مسألتك التي استطلعت رأينا فيها إذ لا سبيل إلى سقوط الحيازة عن القائم زهر بن عبد الملك الا ان يقر له المقوم عليه، أحمد بن عبد الله: ان الفندق الذي قام عليه فيه بالتحبيس هو

الذى أشهد جده على تحبيسه إياه في كتاب التحبيس الذى قام به عليه، وهذا لم يقربه، فيما اظهرته الينا، ولا يقتضيه طلبه الاعذار في كتاب التحبيس دون ان يسأل تكليفه الحيازة، بل يقتضى ذلك انكاره للتحبيس وتكذيبه به، بدليل استظهاره بما أثبت على الشهود الذين ألفيت أسماءهم في كتاب التحبيس وأن الفندق لم يسمع فيه بتحبيس، حسبما تضمنه العقدان اللذان أظهرتهما الينا. فاذا لم يثبت التحبيس في الفندق، المقوم فيه، بتمام الشهادة بالحيازة له على ما يجب، ولا تقرر فيه باقرار المقوم عليه به، فلا منفعة للقائم زهر بن عبد الملك في اثبات ملك جده له، ولا في اقرار المقوم عليه أحمد بن عبد الله بابتياع سلفه منه، أوجب ذلك اليد أو الملك، اذ قد ارتفع وانتقل بالعقد الذى اثبته عليه احمد بن عبد الله ببيعه إياه من سلفه على السماع المستفيض. وان كان العقد المذكور لم يتضمن تسمية المبتاع من سلفة، بعينه فلا يبطله ذلك ولا يوهنه. وسواء كان الابتياع المذكور قبل تاريخ كتاب التحبيس او بعده لبطلان الحبس بالوجه الذى قدمته. فاستخر الله تعالى، ونفذ القضاء باطلاق يد المقوم عليه احمد بن عبد الله على الفندق، وقطع اعتراض زهر بن عبد الملك فيه، وتكرره بالخصام عليه، إلا أن يأتى بوجه غير ما أتى به فتنظر له بالواجب، إذ الاحباس مما لا يعجز فيه، وذلك بعد ان يحوز الفندق المذكور

31 - دور الحيازة فى الصدقة

الشهود على السماع بالابتياع المذكور، فهذا هو الجواب الذى يوجبه الاجتهاد والنظر. وبالله التوفيق. ترجيح بعض قرطبة لعقد الحبس: وجاوب الفقيهان المشاوران أبو محمد وأبو القاسم أبنا القاسم أبنا عتاب في مسألة ابن زهر هذه المتقدم جواب الفقيه الحافظ أبى الوليد عليها باسقاط الحيازة عن زهر في الفندق المذكور، وأن اقرار ابن أيمن أحمد بن عبد الله بابتياع سلفه للفندق من جد القائم عليه يوجب له الملك، فيقضى له بالحبس، الا ان يكون الشهادة على السماع بالابتياع أقدم من تاريخ التحبيس. وتابعهما على ذلك ابو محمد عبد الصمد وخالفهما الفقيه المشاور ابو القاسم أصبغ بن محمد. والصحيح ما جاوب به الفقيه الإمام الحافظ أبو الوليد ابن رشد، رضي الله عنه. [31]- دور الحيازة في الصدقة وسئل الفقيه الإمام الحافظ ابن رشد رضي الله عنه في قوم قرابة، كانت لهم املاك مشتركة بينهم، مشاعة، يحرث كل واحد منهم ما امكنه، على سبيل التوسع والتغابن من بعضهم لبعض، ويتعاوره

32 - شرح خلافات المدونة والنوادر والتقريب فى اجتماع الصرف والبيع

بالحرث والانتجاع عاما بعد عام، مدة عشرة أعوام. فتوفيت منهم امرأة، واستظهر ابن اخيها، بعد موتها، بعقد تضمن صدقتها عليه، بما كان يتعاور بالحرث من الاملاك المشاعة المذكورة، بزعمه انها تصدقت عليه دون بنيها، ولا انفردت به دون احد من القرابة المذكورة، والتى هى الاملاك بينهم مشاعة، إلى هلم جرا. هل يجوز له هذه الصدقة المذكورة التى زعمها، أم كيف تراه؟ افتنا بما يجب في ذلك مأجورا ان شاء الله. وكيف ان كان بنوالمرأة المتوفاة يحرثون من الاملاك المذكورة [15] منزلا هو اغبط / من الملك الذى بيد مدعى الصدقة المكتوبة دون حيازة؟ أفتنا في جميع ذلك ان شاء الله. فأجاب أيده الله: إن كان قد حاز في حياة المتصدقة ما تصدقت به عليه، واعتمره من الشركاء، صحت له الصدقة، ونزل معهم في الإملاك بمنزلتها. وبالله التوفيق. [32]- شرح خلافات المدونة والنوادر والتقريب في اجتماع الصرف والبيع وسئل رضي الله عنه في حلى فيه جوهر كثير، له قيمة عالية

وفيه ذهب كثير، بثمن كثير، الا ان الجوهر في سلكه والجوهر غير مركب عليه الذهب، هل يجوز أن يباع جميع ذلك بفضة، على مذهب المدونة؟ فإنه وقع الحديث في كراهية صرف وبيع مجملا. وقد تكلم عبد الحق، وخلف مولى ابن بهلولفى التقريب على مسألة المدونة في كتاب العلم فيمن رد في فضة الطوق المبيع، عرضا: انه لا يجوز الا أن يكون العرض يسيرا، ولا ندرى ان كان هذا مذهب المدونة أم لا، وانما تكلمنا في ذلك على مسألة المدونة. ونقل في النوادر عن ابن حبيب: أن ذلك جائز في الحلى دون غيره، فلا أدرى ان كان قول ابن حبيب خلافا، أو على المدونة. وكذلك ما ذكره عبد الحق، وخلف، وان كان على المدونة، فإن الحديث اتى بكراهية صرف وبيع مجملا. فالرغبة اليك، وفقك الله، الجواب على مذهب المدونة وما به العمل، ولا نطلب الخلاف، فإنه كثير.

بين لنا ذلك مأجورا ان شاء الله. فأجاب أيده الله: تصفحت سؤالك ووقفت عليه. ولا يفترق الحلي عن غيره في جواز البيع والصرف عند من لا يجيزه الا إذا كان الذهب الذي فيه، مربوطا بما معه من الحجارة، فلا يجوز على مذهب ابن القاسم في المدونة، وروايته عن مالك: ان يباع الحلي الذي فيه الذهب الكثير، والجوهر الكثير، بالدراهم، وان كانا منظومين معا؛ ما لم يكن الذهب مركبا في الجوهر، لا يستطاع نزعه منه إلا بنقصه وكسره، وافساد صياغته لأن نثره من نظمه لافساد فيه، فهو كالمنثور غير المنظوم، وكالذهب مع العروض. وليس قول ابن حبيب بخلاف لهذا، لأنه انما نص في كتابه على جواز بيع الحلي الذي يكون فيه الذهب الكثير بالدراهم إذا كان مركبا في الحلي ومصوغا معه، لأن الصرف والبيع في الكثير يدخله، عند من لا يجيزه، التأخير في الصرف، وعدم المناجزة فيه، لعله طريان الاستحقاق في العروض، فلا يبيح ذلك الا عند الضرورة، وهى تشبث الذهب بالحجارة، كما يباح بيع الحلي، يكون فيه الذهب اليسير، بالذهب الا عند الضرورة وتشبث الذهب بالعروض. فإنما العلة في إباحة الوجهين الضرر الداخل على صاحب الحلي بنقصه وكسره وافساد صياغته، وأما النظم بالفرادى فلا تأثير له

في اباحة شىء من ذلك. واما إذا لم يكن الذهب مركبا فيه، ولا منظوما معه، فلا اشكال في انه بمنزلة الذهب المسكوك مع المعروض فيما يحل من ذلك ويحرم فيه. فقول عبد الحق في مسألة طوق الذهب المبيع بالدراهم يصالح عن العيب فيه بعرض: انه لا يجوز الا أن يكون العرض يسيرا صحيح على مذهب ابن القاسم لا ارتياب في صحته، لان الامر آل إلى بيع طوق ذهب، وعرض، بدراهم، فهو كبيع ذهب مسكوك وعرض بدراهم سواء. ومن ذهب إلى ان يفرق بين الحلي وغيره بغير العلة التى حكيناها وهى تشبث الذهب بالحجارة فقد اخطأ خطأ لائحا، اذ لا فرق عند احد من العلماء، فيما يجوز في الصرف ابتداء، مما لا يجوز فيه بين الذهب المصوغ والمسكوك، والتبر. فهذا بيان ما سألت عنه على مذهب ابن القاسم في المدونة. حكم اجتماع الصرف والبيع: وليس اجتماع الصرف والبيع في صفقة واحدة بالحرام البين، فقد اجازه جماعة من العلماء. والى ذلك ذهب اشهب، وانكر ان يكون مالك كرهه قال: انما البيع والصرف الذي قد كره؛ الذهب بالذهب

33 - أخذ الأجرة على تعليم القرآن

معهما سلعة، او الورق بالورق معهما سلعة؛ لمكان الحيلة في الفضل بين الذهبين او الورقين، وهو أظهر، لان ما عللوا به / البيع والصرف من دخول النسئية فيه وعدم المناجزة لعلة طريان استحقاق العرض يدخل علينا في بيع أصناف حلي الذهب أو الفضة صفقة واحدة، وقد أجمعوا على اجازة ذلك. وبالله التوفيق لا شريك له. [33]- أخذ الأجرة على تعليم القرآن وسئل رضي الله عنه عن اجازة معلم القرآن. فأجاب، ايده الله على ذلك بهذا الجواب: تصفحت، رحمنا الله واياك، سؤالك ووقفت عليه. ومذهب مالك، رحمة الله، وجل أهل العلم، أن أخذ الاجر على تعليم القرآن جائز، ومن لم يجز من اهل العلم للمعلم الاجر على تعليم القرآن اشترط ذلك او لم يشترطه، او لم يجزه له مع الشرط، محجوج بمن اجاز ذلك، لأنهم الجمهور والقدوة. والحجة لهم من طريق الاثر: الحديث الذي نصصته من سؤالك بالنص على اجازته، وما كان مثله، وفي معناه. ومن طريق النظر والقياس: أن هذا عمل لا يلزمه ان يعمله،

فجائز ان يأخذ الأجرة على عمله، وان كانت فيه قربة، اصل ذلك الاستئجار على بنيان المساجد، وما أشبه ذلك. وأما الحديث الذي ذكرته في سؤالك اولا، فلا حجة فيه لمن تعلق به في تحريم الأجرة على تعليم القرآن، إذ ليس بنص في ذلك، ومن اصحابنا المالكيين من تأوله لاحتماله التأويل، فقال: انما قال ذلك النبى صلى الله عليه وسلم في القوس لشىء علمه فيها بعينها من غضب او ما أشبه ذلك. ويؤيد هذا التأويل ما في بعض الآثار ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له، حين رأى القوس بيده: أنى لك هذا؟ فقص عليه القصة، فابتدار النبى صلى الله عليه وسلم إياه بالسؤال عنه لرؤيته في يده ظاهرة الانكار، قبل ان يعلم انه اخذه على تعليم القرآن. ومنهم من قال: معناه أن تعليمه كان لوجه الله، فكره له النبى صلى الله عليه وسلم ان يأخذ أجرة على عمل نواه لله عز وجل، دون أن يأخذ عليه أجرا. ومن حمل الحديث على ظاهره في تحريم الأجرة على تعليم القرآن، قال: انما كان ذلك في أول الإسلام حين كان تعليم القرآن فرضا على الأعيان، فلما سقط الفرض بتعليمه، لفشوه وظهوره وكثرة حامليه، ولم يجب على أن يترك أشغاله ومنافعه، ويجلس لتعليم القرآن، كان له ان يأخذ الاجرة على ذلك. فهذا جواب ما سألت عنه. وبالله التوفيق.

34 - الاختلاف فى اقامة الجمعة بين مسجدين: قديم وحديث

[34]- الاختلاف في اقامة الجمعة بين مسجدين: قديم وحديث وسئل رضي الله عنه، في حصن من حصون المسلمين له مسجد قديم داخله، وخارجه مسجد حديث، دعاهم الذين داخل الحصن لإقامة الجمعة في مسجدهم القديم، واعطاء الاجرة للامام، إذ لم يجدوا من يقيمها بهم بغير أجر. فأجاب، ايده الله: لا يلزم أهل المسجد الخارج المحدث إتيان الجامع القديم الا لصلاة الجمعةخاصة، ولا يلزمهم التزام الأجرة لامامه ولا اداؤها اليه، وانما تجب اجرة الإمام على من التزمها ورضى بادائها. فإن لم يريدوا ان يستأجروا من يقيم بهم الجمعة ولا وجدوا من يقيمها بهم، دون اجر؛ لم يصح لهم المقام بذلك البلد، ووجب عليهم الانتقال منه، والسكنى حيث تكون الجمعة، او بمكان لا يلزمهم فيه اتيان الجمعة، وكان حقا على الإمام ان يجبرهم على ذلك. وبالله التوفيق. [35]- اجنماع النكاح والاجارة في عقد واحد وسئل، رضي الله عنه من مدينة شلب، فيمن تزوج امرأة على ان ساق اليها نصف بقعة محدودة على ان يبنيها بنيانا تواصفاه، وتكون

فأجاب ايده الله: تصفحت، رحمنا الله واياك، سؤالك ووقفت عليه والنكاح جائز على مذهب ابن القاسم لأنه يجيز البيع والاجارة في نفس المبيع، إذا عرف وجه خروجه، فإذا جاز على مذهبه ان يبتاع الرجل البقعة على أن يبنيها البائع، وان يتزوج المرأة على ذلك، جاز ان يتزوجها بنصف البقعة على ان يبنيها البائع بناء موصوفا؛ لأن التحجير إذا لم يكن في الشىء المبيع على المبتاع، جاز على مذهبه ايضا. من ذلك مسألة كتاب كراء الدور والارضين من المدونة. فهذا وجه جواز المسألة، لا قول من قال: إنما جاز ذلك لأنه انما ساق اليها نصف هذه العرصة مبنية اذ لم تكن في وقت السياقة مبنية. وقد سأل بعض الاصحاب من عندكم عن هذه المسألة، فأجبت بنحو هذا الجواب ومعناه. وبالله التوفيق بعزته. بين ابن القاسم وابن الماجشون في الالتزام بالتحجير على حقوق الملكية ومسألة كتاب الأرضين من المدونة، التى اشرنا اليها، هى مسألة الرجل يكري ارضه من الرجل، السنة المقبلة، ولربها فيها زرع

ذلك العام، فأجاز ذلك ابن القاسم ومنع من ذلك ابن الماجشون، من اجل ان المكرى إذا اكرى ارضه، العام المقبل، وله فيها زرع في هذا العام، فقد حجر على نفسه بيع ارضه والتصرف فيها، بما يجوز لذى الملك في ملكة، من الهبة غير ذلك. وكذلك هذه المسألة، لا تجوز على قياس قول ابن الماجشون، من أجل أن الزوج لا يقدر على بيع نصف بقعته، الذى أبقى لنفسه، بما شرط على نفسه من بنيان جميعها، وذلك جائز على مذهب ابن القاسم. تنظيرات: ولو اشترى رجل من رجل نصف بقعته على الا يقسمها معه، ولا يبيعها ويشتركان في حرثها، لوجب ان يجوز البيع ويبطل الشرط. [19] فإذا لم يفسد البيع بالتحجير على البائع من جهة / الشرط، فأحرى ألا يفسد بالتحجير الذى يوجبة الحكم؛ إذ قد وجدنا اشياء كثيرة لا يجوز ان تشترط في العقد، وان كانت الأشياء قد يوجب الحكم مثلها في العقود، ولا تفسد بها: من ذلك ان رجلا لو باع من رجل شيئاً، على أن فلانا عليه بالخيار، لرجل قد سماه؛ ان شاء ان يأخذ منه ما اشترى بالثمن الذى وزنه فيه للبائع اخذه؛ لم يجز. واذا اشترى الرجل شقصا، له شفيع، فهو بالخيار عليه من جهة الحكم فيما اشترى، ان شاء ان يأخذه منه بالثمن، أخذه. ومثل هذا كثير.

36 - البيع في حالة الإكراه

وقد اجازوا ان يعامل الرجل الرجل على بنيان الرحى الخربة والبيت الخرب بالجزء من ذلك ولم يلتفتوا إلى حال ذلك في القسمة قبل البناء ولا بعده والباني مبتاع للجزء بعمله. فهذا أيضا، حجة في ترك الاعتبار بامتناع القسمة في ذلك. خلاصة: فلا فرق بين ابتياع البقعة على ان على البائع بنيانها وبين ابتياع نصفها، على ان على البائع بنيان جميعها ويكون للمبتاع نصفها، الا من جهة التحجير على البائع في النصف الذي يقع فيه بيع، وقد بينا ان ذلك جائز على مذهب ابن القاسم، خلافاً لابن الماجشون. وبالله التوفيق. [36]- البيع في حالة الإكراه وأجاب رضي الله عنه، على مسألة مضغوط. تصفحت رحمنا الله واياك، سؤالك الواقع فوق هذا، وما انتسخته في بطنه وو قفت على ذلك كله. وليس ما تقيد على القائم احمد المذكور في المقالة المذكورة بمبطل للاسترعاء الذي قام به إذ لم يتضمن خلاف مقالته، لان من أضغطه

في الغرم بغير حق واكره على ذلك بما يصح الاكراه به ثم اطلق تحت الضمان، ليأتى بما الزم من المال، فلم يخرج من الضغط بعده، وبيعه في تلك الحال بيع مضغوط. وقد اختلف اهل العلم في بيع المضغوط في غير حق، اختلافا كثيرا. والذي أقول به من ذلك واتقلده: ما ذهب اليه سحنون ورواه عن مالك وهو ان يرد عليه ما باع من ماله، بعد غرم الثمن الذي قبض، الا أن يكون المبتاع عالما بضغطته، فيتبع الضاغط بالثمن ويرد على المضغوط ماله بغير ثمن. فالواجب عندي إذا عجزت المقوم عليها من الدفع، ولم يأت وكيلها بغير ما احتج به: أن يقضي للقائم احمد المذكور بالدار، التي قام بها، ويرد الثمن، الذي قبض فيها من المبتاع، إلى المبتاع لها، الا أن يثبت عليها، أو على الذي ابتاع لها العلم بحال البائع من الضغط والاكراه فترد الدار عليه بغير ثمن وتتبع المرأة بالثمن الضاغط، الا أن يكون الذي ابتاع لها الدار هو العالم بالضغط دونها، فيكون لها الرجوع بالثمن عليه لأنه أتلفه لها بتعديه عليها في ذلك. وان لم يثبت علم ذلك على احدهما ودعا البائع إلى تحليف من ادعى ذلك عليه منهما كان ذلك له على فلا يلزم أن يستفسر الشهود عن شيء من الوجوه التي ذكرت إذا كانوا من أهل الانتباه والمعرفة وشهادتهم جائزة عاملة.

37 - شهادة النساء في الأحباس بين ابن القاسم وابن الماجشون

وبالله التوفيق، لا شريك له. [37]- شهادة النساء في الأحباس بين ابن القاسم وابن الماجشون وسأله رضي الله عنه، ابن حسون من مالقة في اجازة شهادة النساء في الأحباس. فأجاب: وقفت، أبقاك الله، على ما ضمنته من السؤال عما اختلف فيه عندك من اجازة شهادة النساء في الحبس وإعمالها. فالمشهور المعلوم من مذهب مالك رحمه الله وأصحابه: ان شهادتين في ذلك عاملة، لأن الاحباس من الأموال ولا اختلاف ان شهادة النساء على الاموال جائزة، وانما اختلف فيما جر إلى الأموال، كالوكالة عليها، وشبه ذلك. وانما يتخرج ان شهادتين في ذلك غير عاملة على مذهب ابن الماجشون وسحنون، في ان شهادة النساء لا تجوز الإ حيث تجوز اليمين مع الشاهد، إذا قلنا: إن الحبس لا يستحق باليمين مع الشاهد، وفي ذلك بين اهل العلم اختلاف. فهذا ما عندي فيما سألت عنه. والله أساله التوفيق برحمته.

38 - هل ترك الصلاة كفر؟

[38]- هل ترك الصلاة كفر؟ وسئل رضي الله عنه، من غرناطة فيمن قال بتكفير تارك [20] الصلاة وضلل الأئمة المقتدي بأقوالهم، وتبرأ من مذهبهم وآرائهم. فأجاب أيده الله، بهذا الجواب: تصفحت - عصمنا الله واياك، من الخطأ والزلل ووفقنا لما يرضيه في القول والعمل - سؤالك ووقفت على مضمنه، وأحطت بمجمله ومفصله. وما حكيت فيه عن هذا الرجل من القول الذي أذاعه واستبصر فيه واحتج له وأبى من الرجوع عنه: وهو أن تارك الصلاة كافر، لأن الصلاة ايمان ومن ترك الصلاة فقد ترك الايمان ومن ترك الايمان مخلد في النيران هو قول من لم يتحقق بمعرفة عقائد الدين ولا تحصلت عنده معاني أقوال علماء المسلمين، فهو كما قالت عائشة ام المؤمنين رضي الله عنها، لأبي سلمة بن عبد الرحمن من التابعين: هل تدري ما مثلك يا أبا سلمة؟ مثل الفروج يسمع الديكة تصرخ، فيصرخ معها، أو قول من نكب عن سبيل المؤمنين فلم يصر اليها أو مال إلى أصل المبتدعين فلم يجد عنه لأن ما قاله لم يقل به أحد من علماء السنة ولا ذهب اليه احد من اهل الملة، لان الايمان عند اهل السنة هو التصديق الحاصل في القلب بالله وحده لا شريك له وبملائكته وكتبه ورسله وما جاءوا به من عنده وباليوم الآخر على

اختلاف بينهم: هل من شرط صحته العلم بذلك أم لا، على قولين الأصح منهما في النظر أن ذلك ليس بشرط في صحته، قال الله تعالى: وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين أي وما انت بمصدق لنا ولو كنا صادقين. ومنه قولهم: فلان يؤمن بالبعث ويؤمن بالشفاعة، ويؤمن بعذاب القبر، أي يصدق بذلك وفلان لا يؤمن بذلك، أي لا يصدق به، فهو من أفعال القلوب، لا اختلاف بين أحد من اهل السنة في ذلك. وما روي ان الصلاة من الايمان على قاله أهل التأويل في قول الله عز وجل: {وما كان الله لضيع ايمانكم} [سورة البقرة الآية: 143] أي صلاتكم إلى بيت المقدس، صحيح، لأن الصلاة لا تصح الا مع الايمان، إذ من شرط صحتها النية، واعتقاد الوسيلة إلى الله بها، والقربة اليه وذلك لا يصح مع عدم الايمان. فلما كانت الصلاة لا تصح الا مع مقارنة الايمان لها، قيل فيها: إنها ايمان، ومن الايمان، لأنها لو تجردت عن الايمان لم تكن صلاة ولا طاعة فسميت باسم الاصل، الذي له الحكم والتسمية به وهو الايمان وكذلك ما لا يصح فعله الا بنية من الفرائض والسنن والنوافل هو ايمان ومن الايمان على هذا الوجه. يشهد بصحة ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم الايمان بضع وسبعون خصلة،

أعلاها شهادة ان لا اله الا الله وأدناها اماطة الأذى عن الطريق. فإذا ترك الرجل الصلاة عامدا وهو مؤمن بالله تعالى معتقدا أنه أوجبها عليه فليس بكافر لوجود الايمان به، لأن الكفر، وهو الجهل بالله والحجة له ضد الإيمان، فوجود الايمان به ينفي الكفر عنه. هذا مالا يخفي على عاقل. تأويل احاديث الكفر فليس معنى قول من قال من أهل السنة. فإن تارك الصلاة عامداً كافر أنه بتركه الصلاة يكون تاركا للايمان فيصير بذلك كافرا مخلدا في النيران كما قاله هذا الانسان؛ لأن المؤمن لا يذهب ايمانه بتركه الايمان، الا ان يتركه لضده، وهو الكفر بالله تعالى، والجحد له وأما إذا تركه بغفلة عنه، او لنسيان له، او اشتغاله بما سواه ساعة من دهره، او ساعات، فليس بكافر، لانه إذا رجع إلى نفسه فتذكر الايمان وجده بقلبه دون الكفر ولم يكلف الله عباده استصحاب تذكر الايمان على كل حال من الاحوال، ولو كلفهم ذلك لكان تكليفهم اياه اعلاما منه بوجوب تخليدهم في النار، اذ ليس ذلك بداخل تحت قدرتهم واستطاعتهم، مثل قوله تعالى: {ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط} [سورة الاعراف الآية: 40]

وان معنى ما ذهبوا اليه أن من ترك الصلاة عمداً دون عذر ولا علة في الايمان ولم يصدق في ادعائه وحكم له بحكم الكافر، فقتل ولم يورث منه ورثته من المسلمين على ظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم: {من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله ورسوله ومن ابى فهو كافر وعليه الجزية} يريد أنه يحكم له بحكم الكافر لا أن ترك الصلاة عندهم كفر على الحقيقة وانما هو عندهم دليل عليه. يبين ذلك من مذهبهم قول اسحق بن راهويه منهم وقد أجمعوا في الصلاة على شيء لم يجمعوا عليه في سائر الشرائع وهو أن من عرف بالكفر، ثم رئي يصلي الصلاة في وقتها حتى صلى صلوات كثيرة، في اوقاتها ولم يعلم أنه يعلم أنه أقر بلسانه بالتوحيد، فإنه يحكم له بحكم الإيمان، بخلاف الصوم والزكاة والحج، يريد انه يحكم له بفعل الصلاة، دون سائر الشرائع، بحكم الإيمان والاسلام، فكذلك يحكم له، إذا تركها، دون سائر الشرائع بحكم الكفر والارتداد. وقول أحمد بن حنبل رحمه الله: " لا يكفر احد من اهل القبلة بذنب إلا بترك الصلاة عامدا، أي لا يحكم له بحكم الكفر بذنب إلا

والى هذا نحا أصبغ من أصحابنا في العتبية، لأنه قال فتركه اياها واصراره على انه لا يصلي جحد لها فيقتل إذا قال: لا أُصلي ولن زعم أنه غير جاحد لها " فيقتل عندهم على الكفر بالمعنى الذي ذكرناه. ولا يرثه ورثته من المسلمين إذ لا يصدق عندهم فيما يدعي من الايمان كالزنديق الذي يقتل بما ثبت من كفره، ولا يصدق فيما يدعي من إيمانه وليس يقتل عند هؤلاء على ذنب من الذنوب كما ذهبت اليه من سؤالك ردا على المسؤول عن قوله، لانه لو قتل عندهم على ذنب من الذنوب لورثوا منه ورثته من المسلمين. وهذا المذهب يروي عن على بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله وابي الدراء، من الصحابة، رضي الله عنهم اجمعين. ومن أهل العلم من يرى انه يضرب أبدا ويسجن، حتى يصلي، ولا يبلغ به القتل إذا أقر بفرضها. ترجيح ابن رشد: والذي نقول به ونعتقده ونوقن بصحته ونتبعه: أحسن الاقاويل في ذلك لقول الله عز وجل: {فبشر عبادي الذي يستمعون القول، فيتبعون احسنه، اولئك الذي هداهم الله واولئك هم اولوا الالباب} [سورة الزمر الآية: 18] وهو ما ذهب اليه مالك رحمه الله والشافعي وأكثر أهل العلم: أن ترك الصلاة عمدا ليس بكفر على الحقيقة ولا بدليل عليه، وان الحكم في

تاركها عمدا، وهو مقر بفرضها، ان يقتل إذا أبى من فعلها، على ذنب من الذنوب ويرثه ورثته من المسلمين. وانما قلنا ان هذا القول احسن الاقاويل واولاها بالاتباع لوجوب القتل عليه بقول أبي بكر الصديق رضي الله عنه، في جماعة من الصحابة من غير نكير عليه " والله لا قاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة " فقاتلهم ولم يسبهم لانهم قالوا: بعد ما كفرنا بعد إيماننا ولكننا شححنا على اموالنا. وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم {نهيت عن قتل المصلين} فدل ذلك على أنه امر بقتل من لم يصل مع الحكم بالايمان - لا قراره به لانه من افعال القلوب فلا يعلم الا من جهته، فيحكم به لمن اظهره والله اعلم بما يبطله. وذهب ابن حبيب إلى ان تارك الصلاة عامدا لتركها أو مفرطا فيها أو متهاونا بها كافر على ظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم {من ترك الصلاة فقد كفر} وقال ذلك ايضا في أخوات الصلاة كلها واحتج للمساواة بينها وبينهن بقول أبي بكر الصديق رضي الله عنه " والله لاقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ". وقوله شاذ بعيد في النظر خطأ عند اهل التحصيل من العلماء،

لان الادلة تمنع من حمل الحديث على ظاهره، فالقياس عليه غير صحيح. المعتزلة وحكم تارك الصلاة وانما يتخرج ان ترك الصلاة كفر على الحقيقة كما ذهب اليه المسؤل عن قوله في سؤالك على مذهب المعتزلة الذين يزعمون ان الايمان في الشريعة هو فعل جميع فرائض الدين من العبادات وترك المحظورات وانه قد نقل هذا الاسم عن مقتضى اللغة، وجعل في الشرع اسما لجميع الواجبات. ومن ذهب مذهبهم لا يفرق بين الصلاة وبين سائر الواجبات كما فعل هذا القائل. فقوله بدعة، صار بانفراده به من بين جميع الامم، وحده أُمة. موجبات الكفر فان ثبت بما قلناه وأوضحناه: أن الايمان من أفعال القلوب، فلا يصح ان يحكم على احد بكفر الا من ثلاثة اوجه: الوجهان منهما متفق عليهما والثالث مختلف فيه. [22] فأما الاثنان المتفق عليهما فاحدهما: أن يقر على نفسه بالكفر بالله تعالى والثاني: أن يقول قولا، أو يفعل فعلا، قد ورد السمع والتوقيف وانعقد الاجماع: ان ذلك لا يقع الا من كافر، وإن لم يكن ذلك في نفسه كفرا على الحقيقة، وذلك استحلال شرب الخمر، وغصب الاموال وترك فرائض الدين والقتل والزنا وعبادة الاوثان والاستخفاف بالرسل وجحد سورة من القرآن وأشباه ذلك كثير فصارت هذه الأقاويل، بانعقاد الاجماع على انها كفر، علما على الكفر، وان

لم تكن من جنس الكفر بمثابة ان لو قال النبي صلى الله عليه وسلم: من أكل هذا الطعام أو دخل هذه الدار، فهو كافر لكان دخول تلك الدار وأكل ذلك الطعام علما على الكفر وان لم يكن من جنس الكفر وبهذا القسم يلحق تارك الصلاة من كفره من اهل السنة بتركها على ما ذكرناه وليس ذلك بصحيح اذ لا دليل عليه لقائله إلا ظواهر آثار محتملة للتأويل، نحو قوله صلى الله عليه وسلم {من ترك الصلاة فقد كفر} {ومن ترك الصلاة فقد حبط عمله} وما اشبه ذلك من الاثار. والثالث المختلف فيه: ان يقول قولا يعلم ان قائله لا يمكنه مع اعتقاد التسمك به معرفة الله تعالى والتصديق به وان كان يزعم انه يعلم الله تعالى ويصدق به. فهذا الوجه حكم بالكفر به من كفر اهل البدع والزيغ بمال قولهم وعليه يدل قول مالك في قوله الواقع له في العتبية: ما آية أشد على أهل الاهواء من هذه الآية {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين استودت وجوهم} [سورة آل العمران الآية: 106] وأما القطع على أحد بكفر او ايمان فلا يصح لاحتمال ان يبطن خلاف ما يظهر الا بتوقيف النبي صلى الله عليه وسلم لنا على ذلك، اللهم الا ان يظهر

39 - بيع المال المغصوب، وهو حال البيع، بيد الغاصب.

لنا عند مناظرة من نناظره على مذهبه: انه معتقد لما يناظر عليه ويذهب إلى نصرته ظهورا يقع لنا به العلم الضروري لما يظهر إلينا منه من حسن الأمارات والاسباب وقصد القاصد إلى ما يورده من الخطاب، الخجل والوجل والشجاعة والجبن والعقوق والبر. فهذا وجه القول فيما سألت عنه من تكفير تارك الصلاة، عمدا موعبا موجزا. ومن الواجب ان ينهى هذا الرجل عن الخوض فيما لا علم له به والتكلم فيما لا أصل عنده منه وان صح عليه ما ذكرت من تضليل الأئمة المقتدى بهم ولعنهم وتبريه من مذاهبهم فالواجب: أن يستتساب من ذلك فان تمادى على قوله ولم يتب، فعل به كما فعل عمر بن الخطاب بُصبيغ المتهم في اعتقاده، لسؤاله عن المشكلات. وبالله التوفيق. [39]- بيع المال المغصوب، وهو حال البيع، بيد الغاصب. وسئل رضي الله عنه من مالقة في بيع الاموال المنتزل عليها فأجاب أيده الله، بهذا الجواب.

تصفحت، رحمنا الله واياك، سؤالك ووقفت عليه. وبيع الأموال التي قد تنزل على اربابها فيها ومنعوا منها بيع فاسد يفتيه ما يفيت البيع الفاسد. وقد نص على ذلك ابن حبيب في الواضحة وهو مذهب مالك رحمه الله وجميع اصحابه، ولا اختلاف بينهم وبينه؛ فإن كانت الأملاك المبيع منها القطيع المذكور بيد رجل منزل قد منع منها أهلها وحال بينهم وبين استغلالها. وأثبت المبتاع: انه غارس في القطيع الذي ابتاعه منها، قبل قيام البائعين عليه فيه بفسخ البيع كان القول قول البائعين بعد ايمانها فيما اقرأ ببيعه منه، لأن المبتاع مدعى عليه في الزائد وصحح البيع في ذلك بالقيمة يوم القبض بعد ارتفاع الانزال، لفواته بالمغارسة. وان كان لم يثبت المبتاع ما ادعاه من أن مغارسته فيه كانت قبل قيام البائعين عليه بفسخ البيع فيه فسخ البيع فيه. ويفسخ البيع في حظ الايتام منه، قائما كان أو فائتا، ان كانت قيمته يوم وقع البيع فيه اكثر من الثمن الذي بيع به بمالا يشبه ان يتغابن الناس فيه في البيوع.

وأما البيع عليهما فيه دون فاقة ولا حاجة، فلا تأثير له فيما يوجبه الحكم من تصحيحه بالقيمة إذا فات، لعله الاشتراك. ومن قال: ان بيع المال المنتزل عليه يفسخ على كل حال ويرد [23] بعينه إلى البائع، قائما كان أو فائتا، على مذهب مالك، فقد أخطا خطأ ظاهرا. وما قول أحمد بن خالد الا خارج عن مذهب مالك وجار على غير أصوله، فإن كان أحمد بناه على مذهبه فما أنعم النظر؛ إذ من قول مالك رحمه الله وجميع أصحابه في بيع العبد الآبق: ان البيع فيه يفوت بالقبض مع حوالة الاسواق فما فوقه مما يفوت به البيع الفاسد. ولا يخفي على ذي نظر: ان لا فرق بين المسألتين لا ستواء علة الفساد فيهما: وهو كون البائع ممنوعا مما باعه، لا يقدر على تسليمه إلى المبتاع ولا يقدر المبتاع على قبضه والوصول التي الانتفاع منه فيدخلهما الغرر قولا واحدا فإذا وجب الا يرد الآبق بعد القبض والفوت ويصحح بالقيمة من أجل انه بيع ما لا يملك فكذلك الاموال المنتزل عليها بل هي احرى بذلك، للجهل بصفة الآبق،

والمعرفة بصفة المال المنتزل عليه وقد كان بعض شيوخنا يجيزه، ويقيم اجازته من كتاب الصرف وكتاب الغصب من المدونة وان كنا لا نقول بذلك، ولكنه يدل على فساد قول من يجعله أشد في الفساد من بيع العبد الآبق. أنواع البيع الفاسد: وما احتج به من أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ما لا يملك واذا صح النهي عن بيعه فلا ينعقد للمبتاع فيه عقد إلى آخر ما ذكره، لا حجة له فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع أشياء كثيرة وهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام: [1] فمنها ما ينفسخ البيع فيه ما كان المبيع قائما ويصحح بالقيمة إذا فات وهي ما نهى عن بيعه من أجل غرر أو فساد، يكون في ثمنه أو مثمونه، كبيع الثمر قبل أن يبدو وصلاحها وبيع حبل الحبلة وما أشبه ذلك. ومنها ما يختلف في فساد العقد فيه، لمطابقة النهي له كالبيع في

وقت صلاة الجمعة وبيع الحاضر للبادي وبيع المتلقي وما أشبه ذلك مما لا فساد ولا غرر في ثمنه ولا في مثمونه ومنها ما يفسخ على كل حال، وهو ما لا يصح بيعه على حال، كبيع الحر وام الولد وجلود الميتة، ولحوم الضحايا، وما أشبه ذلك. ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لا يملك يحتمل ان يكون أراد به: ما لا يتقرر للبائع عليه ملك كالحر، وام الولد ومال غيره وما أشبه ذلك. فإن كان النبي صلى الله عليه وسلم أراد ذلك فلا يصح الاحتجاج به في بيع الشيء المغصوب المنتزل عليه. ويحتمل ان يكون أراد به ملا يملكه في تلك الحال الا أن ملكه باق عليه في الحقيقة، كبيع الشيء المغصوب وهو في يد الغاصب الممتنع به وبيع العبد والجمل الشارد وما أشبه ذلك. فإن كان أراد ذلك فالمعنى في نهيه عنه ما يدخله من الغرر، إذ لا يعلم البائع ولا المبتاع متى تزول يد الغاصب ولا متى يرجع العبد الآبق ويؤخذ الجمل الشارد ويمكنه قبض ذلك وهو من القسم الاول الذي يفسخ ما كان المبيع قائما ويصحح بالقيمة إذا فات، باجماع من مالك وأصحابه.

وهذا كله بين لا اشكال فيه، ولا ارتياب في صحته ولا حجة لمن ذهب إلى مثل قوله فيما روي عن مالك رحمه الله من أن المبيع الحرام من الربا وغيره من يرد إلى أهله أبدا، فات او لم بفت، لأنه قد نص في غير ما موضع من المدونة وغيرها، على أن البيع الحرام إذا فات تراد المتبايعان القيمة فيه ولم ترد السلعة المبيعة بعينها. ولم يقل احد من أهل النظر: إن ذلك اختلاف من قوله، بل تأولوه على ما يصح فقالوا: ان معنى قوله: يرد البيع فات أو لم يفت: أن يرد المبيع بعينه ما كان قائما وترد القيمة إذا فات ويكون رد قيمته كرد عينه لما في رد عينه بعد الفوات، من الظلم لأحد المتبايعين وقد قال الله تعالى: {وان تبتم فلك رؤوس اموالكم لا تظلمون ولا تظلمون} [سورة البقرة الآية: 279] ورد قيمته في الفوات هو المراد بعينه وهو التصحيح بالقيمة، وان اختلفت العبارة في ذلك. فهذا حكم البيع الفاسد، لما دخله من الربا، أو الفساد في الثمن، أو المثمون ويطلق عليه: انه بيع حرام. [2] وأما البيع المكروه، فإنه ما يختلف اهل العلم في جوازه، وهو ينقسم على أقسام:

40 - هل يجوز ان يستطلع الغيب بواسطة الخط؟.

فمنه ما يكره ابتداء / فاذا وقع مضي ولم يفسخ. ومنه ما يفسخ ما لم يقبض. ومنه ما يفسخ وان قبض ما لم يفت وكان قائما فان فات، مضي بالثمن. [3] ومنه بيوع الشروط التي يسمونها بيوع الثنيا ويفسخ ما دام مشترط الشرط متمسكا بشرطه، فان ترك الشرط جاز البيع هذا هو الصحيح لا قول من ذهب إلى أن البيع الحرام يفسخ، عند مالك في القيام والفوات، وان البيع المكروه هو الذي تكلم عليه في البيوع الفاسدة. وقد سئلت عن هذه المسألة، منذ مدة فأجبت فيها بجواب مجرد عن الحجة، هذا معناه ووجب في هذا السؤال أن أدل صحة جوابي بما يتبين به الفصل بين المختلفين عليه فذكرت من ذلك ما حضرني، على سبيل الايجاز. والله ولي التوفيق. [40]- هل يجوز ان يستطلع الغيب بواسطة الخط؟. وسئل رضي الله عنه، فيمن ذهب إلى تصحيح علم الغيب من جهة الخط، لما روي في ذلك من الاحاديث، ووجه تأويلها. ونص السؤال: ما تقول، وفقك الله، في هذا الخط الذي يخطه

الحساب في التراب وفي ضرب القرعة، هل أخذ الأجرة عليه حلال ام لا؟ وهل ضربها بغير أجر مباح أم لا؟ وعن هذه الحجج التي يحتجون بها هل تصح أم لا؟ وهي ما روي عن ابن عباس أنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم في علم الخط في التراب فقال: كان نبي من الأنبياء يخط، فمن وافق خطه علم ومن رواية معاوية بن الحكم كذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، فمن وافق فهو الخط. ويقال: ان النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يخط في الرمل، كان هو ادريس ويقال: ابراهيم، على نبينا وعليهما السلام، في قوله: {فنظر نظرة في النجوم فقال اني سقيم} [سورة الصافات الآية: 89] معناه في الخط. وذكر عن اسماعيل القاضي وعلي بن المثني وسفيان بن عيينه وصفوان بن سليم عن عطاه بن يسار وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخط في التراب فقال: علم علمه نبي من الأنبياء عليهم

السلام فمن وافق علمه علم. فقال صفوان: فحدثت به أبا سلمة بن عبد الرحمن، فقال: حدثني به ابن عباس. وروي عن سفيان أنه كان أمر رجلا أن يخط له في الرمل فسئل عن ذلك فقال: لحديث صفوان، اقترحت عليه بأن يخط لي وقال على بن المثني: حدثت سفيان: أن محمد بن صدقة كان يخط في الرمل لحديث صفوان. وقيل في قوله تعالى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} أنه: الخط في الرمل وقيل في قوله تعالى {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} انه الخط في الرمل. قاله ابن عباس وأكثر المفسرين. كمال السؤال. فأجاب أيده الله، على ذلك بهذا الجواب: تصفحت - عصمنا الله واياك من الاعتقادات المضلة ولا عدل بنا وبك عن سواء المحجة وجعلنا لكتابه متبعين ويهدي أهل السنة والجماعة مهتدين - سؤالك ووقفت عليه. وادعاء مشاركة الله تعالى في علم غيبه وما استأثر بمعرفته من ذلك دون غيره ولم يطلع عليه الا أنبياؤه ورسله بواسطة زجر، أو تنجيم أو بخط في غبار أو غير ذلك أو بغير واسطة والتصديق بشيء منه: كفر.

وقد كذب الله عز وجل مدعي علم غيبه وأخيرا أنه المستبد بعلم ما كان وما يكون في غير ما آية من كتابه، فقال تعالى {عالم الغيب، فلا يظهر على غيبه أحدا الا من ارتضى من رسول فانه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا} [سورة الجن الآية: 89] وقال تعالى: {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير} [سورة لقمان الآية: 34] وقال: {قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب الا الله وما يشعرون} [سورة النمل الآية: 65] وقال تعالى في قصة عيسى {وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [سورة آل عمران الآية: 49] فجعل ذلك في دليل النبوة وما لا يطلع عليه الا ما أوحي به اليه. فادعاء معرفة ما يستتر الناس به من أسرارهم وما ينطوون عليه من أخبارهم، أو مايحدثه الله من غلاء الأسعار ورخصها ونزول المطر ووقوع القتل وحلول الفتن وارتفاعها وغير ذلك من المغيبات: ابطال لدلائل النبوات وتكذيب للآيات المنزلات. وقد روى عنه النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: {من صدق كاهنا أو عرافا وفي بعض الأخبار: أو منجما، فقد كفر بما أنزل الله على قلب محمد}.

وقال صلى الله عليه وسلم: «أصبح من عبادى مؤمن بى وكافر بى، فأما من قال: مطرنا بفضل الله، فذلك مؤمن بى كافر بالكوكب. وأما من قال: مطرنا بكوكب كذا وكذا، فذلك كافر بى، مؤمن بالكوكب. في مثال هذه الرواية، يطول جلبها. فلا جائز أن يخبر أحد بشىء من المغيبات اخبارا متواليا، من غير أن يتخلله غلط أو كذب، الا من يخبر عن الله عز وجل من نبى أو رسول. فاحذر ان تشكك في ذلك، أو يخلط عليك فيه. ان من يدعى علم ذلك يخبر عن الشيء، فيكون على ما يقول، فانما يمكنه أن يصادف المغيب في بعض الجمل، وأكثرها يواقع فيها الغلط والكذب. وأما تفصيل شىء منها فلا يعرفه، ولا يدريه ولا يمكنه تعاطيه. وهذه صفة الحرز والتخمين التى يشاركهم فيها جميع الناس، كمثل ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم خبأ لصاف بن صياد، وكان

رجلا يتكهن، (من سورة الدخان: 10) «يوم تأتى السماء بدخان مبين» فقال: هو الدخ. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اخسأ فلن تعدو قدرك. يريد أتك لا يمكنك الاخبار بالاشياء على تفاصيلها، كما يخبر بها الأنبياء عليهم السلام. ومثل ما روى عن هرقل أنه أخبر أنه نظر في النجوم فرأى ملك الختان قد ظهر، فانما أخبر بهده الجملة المنغلقة التى أهمته وحيرته، وكدرت حاله، وخشى ان يكون ذلك سببا إلى خلع مملكته، ولم يعلم من جهة نظره في النجوم، وتخرصه في علم الغيوب، شيئاً من حال النبي صلى الله عليه وسلم، وبعثه وظهور أمره، وما ينتهى اليه شأنه، حتى يخبر به على وجهة، لأن الله تبارك وتعالى لم يجعل شيئاً من خلقه دليلا على غيبه. وما يحدثه من فعله، كما يعتقد من أضله الله وأعواه، ولم يرد هداه، أعاذنا الله من الشيطان الرجيم، ولا نكب بنا عن المنهج المستقيم، برحمته، انه هو الغفور الرحيم. وأما ما ذكرت أنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الخط، فلا يصح عنه من طريق صحيح، وان صح، فلا بد ان يتأول على ما يطابق القرأن، ولا

يخرج عما انعقد عليه أهل السنة، الإجماع، فنقول: ان معنى قوله: «فمن وافق خطه علم» الانكار لا الاخبار. وذلك أن الحديث خرج على سؤال سائل، سمع ان نبيا من الأنبياء كان يخط، فاعتقد صحة معرفة المغيبات من جهة الخط، على ما كانت تعتقده العرب، فأجاب، صلى الله عليه وسلم، بكلام معناه الإنكار لاعتقاده، والانباء ان ذلك من خواص ذلك النبى ومعجزاته، الدالة على نبوته، وهو قوله: ((كان نبى من الانبياء يخط، فمن وافق خطه علم)) فقوله: ((كان نبى من الانبياء يخط)) اعلام منه بذلك واخبار به. وقوله: فمن وافق خطه علم معناه: أي لا يكون ذلك، فهو كلام ظاهرة الاخبار، والمراد به النهى عن اعتقاد ذلك، والانكار له. ومثل هذا في القرآن وفي السنن الواردة عن النبى صلى الله عليه وسلم، كثير: من ذلك قوله تعالى: {قل: الله اعبد مخلصا له دينى فاعبدوا ما شئتم من دونه} [سورة الزمر: 15] فظاهر هذا الكلام الامر بعباده ما شاؤوا من دون الله والمراد به النهى عن ذلك والوعيد عليه. ومنه قوله تعالى لا بليس: {واجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الاموال والاولاد وعدهم، وما يعدهم، الشيطان الا غرورا} [سورة الاسراء: 64] فظاهره ايضا الامر، والمراد به النهى والوعيد عليه. ومن ذلك ما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم انه قال {نحن احق بالشك من ابراهيم)) فظاهر هذا الكلام من النبى صلى الله عليه وسلم الاخبار بتحقيق الشك

عليه في قدرة الله تعالى على احياء الموتى، اذ شك ابراهيم في ذلك، والمراد به: تحقيق نفى الشك عن ابراهيم اذ لا يشك هو في ذلك. فلو لم يعدل بهذه الالفاظ الواردة في القرآن والسنن وما شاكلها عن ظاهرها بالتأويل، إلى ما يصح من معانيها، لعاد الإسلام، شركا، والدين لعبا. ومما يبطل حمل قوله عليه السلام: {فمن وافق خطه علم} على ظاهرة، ابطالا لائحا، ويويد تأولينا فيه: انه ليس على طريق الاخبار، تأييدا ظاهرا، انه قد روى في بعض الاخبار: فمن وافق خطه، علم الذي علم وفي بعضها ان نبيا من الانبياء كان يأتيه امره في الخط. فلو كان على سبيل الاخبار لوجب، إذا وافق خطه، ان يعلم من جهته الأشياء المغيبات باعيانها التي علم ذلك النبي من جهة ذلك الخط، في وقته الذي كان فيه، لقوله ((علم الذي علم))، ولوجب ايضا، اذ وافق خطه الذي يعلم منه ان الله امره بكذا أو نهاه عن كذا أو احل له كذا أو حرم عليه كذا، على ما روى انه ياتيه أمره في الخط ان يعلم هو من جهته إذا وافقه انه مأمور بمثل ذلك، ومنهى عما نهى عنه، ومحلل ما احل له، ومحرم عليه ما حرم عليه، فيكون بمنزلته في النبوة. فلما بطل هذا بطل ان يحمل الكلام على ظاهره، ولزم ان يتأول

على ما قلناه، وعلم، ان صحت هذه الاحاديث، ان الله خص ذلك النبي بالخط، وجعل له فيه علامات على أشياء من المغيبات، وعلى ما يأمره به من العبادات، كما جعل فور التنور علامة لموسى صلى الله عليه وسلم على لقاء الخضر، وكما جعل منع زكرياء من تكليم الناس ثلاثة ايام الا رمزا علامة له على هبة الولد له، وكما جعل الله تعالى لنبينا عليه السلام نصره اياه والفتح عليه، ودخول الناس في الدين افواجا علامة له على حلول اجله المغيب عنه، على ما روى في تفسير سورة النصر. ومثل هذا، لو تتبع كثير وهي كلها من خواص الانبياء ومعجزاتهم الدالة على صحة نبواتهم. وأما قولك: وقيل في قوله تعالى: {او اثارة من علم} [سورة الاحقاف: 4] انه الخط في الرمل، فقد يصح هذا التأويل على معنى نبأ، وهو أن العرب كانوا أهل عيافة، وهو الخط وزجر، وكهانة، فقال تعالى لنبيه عليه السلام: {قل لهم يامحمد أرايتم ما تدعون من دون الله} يريد: آلهتم التي كانوا يعبدون من دون الله ((أرونى ماذا خلقوا من الارض أم لهم شرك في السماوات، ايتونى بكتاب من قبل هذا، الكتاب يشهدلكم أن الهتكم خلقت لكم شيئاً من ذلك، فاستحقت من اجله عبادتكم لها ((أو

أثاره من علم)) وهو الخط على اعتقادكم الذي تعتقدونه، ومذهبكم الذي تدينون به أي انكم لا تقدرون على اقامة حجة على دعواكم، أن آلهتكم تستحق العبادة بوجه من الوجوه، والدعوى، إذا لم تكن معها حجة، بطلت فيصح هذا التأويل على هذا المعنى: لان الذي ننكر، ولا نصححه: ان يكون الخط في التراب والرمل يعلم به علم الغيب، من جهة نبوة نبي، او بتأويل شىء من القرآن، لان النصوص الواردة فيه، التي لا تحتمل التأويل، تبطل ذلك. وقد قيل في قوله تعالى او أثره من علم ((معناه: او خاصة من علم خصصتم بها. وقيل معناه: او علم توثرونه، أي تستخرجونه. وقيل معناه: او علم توثرونه عن احد من قبلكم. وقيل معناه: او بينة من الامر. وقيل معناه او بقية من علم وهذا التأويل أبين، لان العرب تسمى البقية أثاره كما قال الشاعر: وذات اثارة اكلت عليه ... نباتا، في اكمته فغارا

41 - نزع الملكية لتوسيع مسجد سبتة الجامع

يريد: ناقة ذلت من شحم: وبعض هذه التأويلات قريب من بعض؛ لان البقية شىء يؤثر، وقرىء، ايضا اثره، وأثره. وأما قوله عز وجل، في قصة ابراهيم: ((فنظر نظرة في النجوم فقال: اني سقيم)) فلأهل العلم بالتأويل في ذلك غير ما تأويل واحد، تركت ذكرها اختصارا، ولا أعلم من قال معناه الخط، وان قيل، فقد دللنا على خطئه. واما قوله عز وجل ((ولا يحيطون بشىء من علمه الا بما شاء وسع كرسيه)) فمعناه عند اهل العلم بالتأويل، الا بما شاء ان يطلع عليه انبياءه ورسله، فلا يجوز الاشتغال يضرب القرعة في التراب، وهي من حبائل الشيطان، وأخذ الاجرة عليها حرام. والله أساله التوفيق، / والهدي، واعوذ به من الضلال والعمى، برحمته، انه ولى ذلك. [41]- نزع الملكية لتوسيع مسجد سبتة الجامع: وسأله رضي الله عنه، الفقيه القاضى ابو عبد الله ابن عيسى بمدينة سبتة، أيام قضائه بها، في الزيادة في جامعها، اذ اختلف اهل العلم، بهذا السؤال؛

ونصه: ما تقول رضي الله عنك في مسجد جامع مصر من الامصار، ضاق عن أهله وعمن يصلى فيه، واحتيج إلى الزيادة فيه، وحواليه حوانيت لقوم شتى، طلبنا منهم البيع في تلك الحوانيت لتزاد في الجامع، فامتنعوا، فهل يجبرون على البيع بالقيمة؟ وكيف ان ادعى بعضهم التحبيس في ذلك، وأثبته، او لم يثبته، فهل يجبر على البيع، لاجل الضرورة المذكورة، او يناقل في ذلك بربع الجامع المذكور، ان ثبت التحبيس؛ وقد فضل للجامع من كراء ربعه ما تشرى به الحوانيت المذكورة وأكثر؟ وقد علمت - وفقك الله - ما ذكر ابن حبيب وابو الفرج وغيرهما في هذا المعنى بين لنا ذلك ان شاء الله. فأجاب ايده الله، بهذا الجواب ونصه: تصفحت، رحمنا الله واياك، سؤالك، ووقفت عليه: واذا ضاق المسجد الجامع عن اهل الموضع، واحتيج إلى الزيادة فيه، كما وصفت، ولم يكن حواليه ما يزاد فيه الا من الحوانيت التي أبي اربابها من بيعها، فالواجب في ذلك ان توخذ منهم بالقيمة، ويحكم عليهم بذلك، على ما أحبوا او كرهوا، لمنفعة الناس بذلك وضرورتهم اليه، وهو قول ابن الماجشون (روى ذلك ابو زيد عنه) في الثمانية.

واليه ذهب اكثر شيوخنا المتقدمين وبذلك قضى عثمان بن عفان رضي الله عنه على من أبى البيع من ارباب الدور، التي زادها في مسجد النبى عليه السلام المحبسة وغيرها. وقد روى ابن عبدوس عن سحنون انه قال في نهر إلى جانب طريق الناس، والى جانب الطريق أرض لرجل، فمال النهر على الطريق، فهدمها، قال: ان كان للناس طريق قريبة يسلكونها، ولا ضرر عليهم في ذلك، فلا ارى لهم على هذا الرجل طريقا، وان كان يدخل عليهم في ذلك ضرر، رأيت ان يأخذ لهم الإمام طريقا من أرضه ويعطيه قيمتها من بيت المال. وهذه مثل مسألتك بعينها لا فرق بينهما وهذا الحكم هو من باب القضاء على الخاصة لمنفعة العامة كقول مالك وغيره من اهل العلم: ان الطعام إذا غلا، واحتيج اليه، وكان في البلد طعام، ان الإمام يامر اهله باخراجه إلى السوق، وبيعه من الناس لحاجتهم اليه. ومما يشبه ذلك من منفعته العامة قول النبى صلى الله عليه وسلم {لا بيع حاضر لباد، ولا تلقوا السلع، حتى يهبط بها إلى الاسواق}: فلما رأى النبى صلى الله عليه وسلم أن ذلك مما يصلح العامة امر بذلك فيه

ولهذا المعنى ضمن أهل العلم الصناع، وأخرجوهم عن حكم الاجراء في ألاضمان عليهم. ومثل هذا كثير. وقد كان بعض الشيوخ يخالف في هذا، ويقول: لا سبيل إلى ان يكره الإمام احدا على بيع داره للزيادة في الجامع، ولا يخرجه عنها الا بطيب نفس، ويحتج لذلك بحديث مروي لا حجة له فيه، لاحتماله وجوها من التأويل. وقد احتج بعض من ذهب إلى هذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: {لا يحل مال امرىء مسلم الا عن طيب نفس منه} وليس ذلك بصحيح؛ لان الحديث ليس على عمومه، وانما هو مخصوص بما يخصصه من أدلة الشرع. وكذلك ما كان في معناه، مما ورد في القرآن والسنة بألفاظ عامة، الا ترى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة للشفيع على المبتاع، وقال {من اعتق شركا له في عبد قوم عليه قيمة العدل}. الحديث فلم يكن اخذ الشفيع الشقص من المبتاع بغير طيب نفس منه، ان أبي ان يعطيه اياه بقيمته ولا أخذ شقص الشريك من العبد بقيمته بغير طيب نفس منه، ان ابى ان يعطيه اياه بقيمته، او يعتق نصيبه منه، معاضا لقول النبى صلى الله عليه وسلم: {لا يحل مال امرىء مسلم بغير نفس منه} بل كان مفسرا له، ومبينا لمعناه، اذ جعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشفعة حقا للشفيع على المشترى، لعله الانتفاع بخط شريكه وازالة ضرر الشركة عن نفسه، / وفي العبد المعتق حقا للعبد، لازالة ضرر الرق عن نفسه وللا نتفاع بكمال حريته.

واذا ثبتت الاحكام بالسنن للمعاني والعلل، وجب القياس عليها، وقد قال مالك رحمه الله وجميع أصحابه، قياسا على ذلك: ان من بنى في بقعة رجل بغير امره، أو بأمره إلى مدة، فانقضت، ان لصاحب البقعة ان يأخذ نقض الباني بقيمته، ان شاء الله ذلك الباني أو أباه للعلة الجامعة بين ذلك وهي الانتفاع ونفي الضرر. فإذا وجب بالسنن الثابته في هذه المسائل التي ذكرناه، ان يخرج الرجل عما يملكه من الأموال بغير طيب نفسه ان أبي ان يطوع بذلك لمنفعة رجل واحد، وازالة الضرر عنه، فذلك أوجب في منفعة عامة المسلمين، وازاحة الضرر عن جميعهم، إذ لا يشك احد ولا يتمري ان منفعة الناس بالزيادة في جامعهم الذي يضطرون إلى صلاة الجمعة فيه ولا تجزيهم فيما سواه من المساجد، أكثر وأن الضرر الداخل عليهم في الصلاة في الرحاب المتصلة والطرق المتصلة به إذا ضاق المسجد عليهم، لا سيما عند الطين والمطر، اشد وابين. وكذلك يجب إذا أدعى أرباب الحوانيت المذكورة انها محبسة عليهم، أثبتوا ذلك أو لم يثبتوه، إذا ابوا من بيعها، ان تؤخذ عنهم بالقيمة، جبرا على ما احبوا أو كرهوا ويؤمرون أن يجعلوا القيمة، التي يأخذونها فيها في حبس مثله؛ من غير ان يقضي بذلك عليهم، على ما روى ابن القاسم عن مالك رحمه الله، اذ لم يختلف قول مالك وجميع اصحابه المتقدمين والمتأخرين ان بيع الحبس القائم جائز؛ ليتوسع به في المسجد الجامع إذا احتيج إلى ذلك، وانما اختلفوا فيما سواه من المساجد، على ما اتت به الروايات عنهم في العتبية والواضحة وغيرها.

42 - توجيه روايات حديث الموطأ: ((يا نساء المؤمنات))

وما حكاه أبو الفرج عن مالك وذكره ابن حبيب في الواضحة يشهد لما ذهبنا اليه إذا اعتبر. وإذا فضل للجامع من كراء ريعه ما تشترى به الحوانيت المذكورات، فلا تصح المعاوضة فيها بشىء من احباسه. وبالله التوفيق. [42]- توجيه روايات حديث الموطأ: ((يا نساء المؤمنات)) وسئل رضي الله عنه من جيان في مسألة وقع الاختلاف فيها بين الفقهاء. ونص المسألة: ما تقول، رحمك الله، في قول النبى صلى الله عليه وسلم: ((يانساء المؤمنات إلى آخر الحديث: كيف قيدته وحملته عن الشيوخ، اعلى الدعاء المفرد في نساء، ورفع ((المؤمنات)) بعده ام كيف؟ وبين لنا، ان كان يحمل على ما يجوز في العربية، أم يقتصر على الرواية؟ وكيف وقع في غير الموطأ؟ وأين وقع؟ ومن تكلم عليه؟ وان كان بلغك من اين ارتفع المؤمنات؟ فأجاب ايده الله: تصفحت، أرشدنا الله وإياك، سؤالك ووقفت عليه. واكثر الشيوخ يروون الحديث: ((يانساء المؤمنات)) بنصب النساء)) وخفض المؤمنات على حكم النداء المضاف. ووجه ذلك: ان خطاب النبى صلى الله عليه وسلم توجه إلى نساء بأعيانهن، أقبل

بندائه عليهن، فقال: ((يانساء المؤمنات)) فعمت الاضافة على معنى المدح لهن، والترفيع لاقدراهن، كما تقول: يارجال القوم، ويافوارس العرب، فيكون معنى الكلام: ياخيرات المؤمنات، لا تحقرن احداكن لجارتها الحديث، وهو معنى صحيح يصح الكلام على ظاهره، دون تفسير ولا اضمار، ويتضمن المدح، وهو زيادة فائدة في الحديث. ورواه بعض الشيوخ ((يلنساء الؤمنات)) والمؤمنات برفع النساء على النداء المفرد، ورفع المؤمنات على النعت للنساء على اللفظ، ونصبها على الموضع وقال: المعنى ياأيها النساء المؤمنات. وممن ذهب إلى ذلك، وقال: ان الاضافة في ذلك لا تصح: ابن عبد البر رحمة الله، ومعنى ما ذهب اليه: ان ذلك لا يجوز من جهة المعنى، لما كان المؤمانت بعض النساء، ولا يصح في المعنى أن يضاف الشىء إلى بعضه، لا يقال قأت قرآن الأم، ولا رأيت رجل اليد، وانما يصح ان يقال، قرأت ام القرآن، ورأيت يد الرجل، فكذلك يصح في الكلام ان يقال: رأيت مؤمنات النساء، ولا يصح ان يقال: رأيت / نساء المؤمنات. هذا ما احتج به من ذهب إلى أن ذلك لا يجوز من جهة المعنى، وأن جاز من جهة اللفظ، وهو جائز من جهة المعنى واللفظ على الوجه الذي بيناه. فرواية من روى الحديث على الاضافة أظهر أكثر لصحة معناه مع حمله على ظاهره، دون تقدير ولا اضمار، مع ما يتضمن من مدحهن، وهما زيادة فائدة.

43 - زكاة المال بين العملة الخالصة والمشوبة بالنحاس

وبالله التوفيق. [43]- زكاة المال بين العملة الخالصة والمشوبة بالنحاس وسئل رضي الله عنه فيمن تملك عشرين مثقالا فأزيد من ذهب شرقية وما أشبهها، هل ان يزكي من عينها، من حساب ربع العشر، كما عليه في الذهب الطيبة، ام عليه ان يقومها كما يفعل بسائر العروض، إذا كان مديرا أم يراعي اجتماع وزن عشرين مثقالا مما فيها من الذهب الخالصة، فيزكي ذلك فما زاد، ام لا يجب عليه زكاة في هذه الصفة من الأذهاب الا ان تكون طيبة خالصة؟ بين لنا الجواب في ذلك يعظم الله أجرك: فأجاب أيده الله: تصفحت - رحمنا الله واياك - سؤالك ووقفت عليه. ولا تجب عليه زكاة في الذهب الشرقية، وما أشبهها من الذهب المشوبة بالنحاس حتى يبلغ ما يملك منها ما يكون فيه وزن عشرين مثقالا من ذهب خالصة، فاذا بلغت ذلك أخرجت زكاتها ربع

44 - بين الوصي ومشاوره في عقد النكاح

العشر منها أو دارهم بقيمتها ولا يقومها المدير لأن العين لا تقوم وانما يزكي عدده؛ إذا بلغ ما تجب فيه الزكاة على ما بيناه. وبالله التوفيق. [44]- بين الوصي ومشاوره في عقد النكاح وسئل رضي الله عنه، من مدينة بطليوس في مسألة من النكاح نزلت عندهم فاختلف فيها فقهاؤها. ونص المسألة من اولها إلى أخرها: الجواب، رضي الله عنك، في رجل مات، وترك ولدا، وابنة بكرا، واوصى بهما إلى رجل، وجعل معه رجلا آخر، يشرف على جميع افعاله فيما يتولاه من أمر ابنته، ولا ينفذ الوصي امراً من نكاح او غيره الا بأمر المشرف المذكور. ثم مات المشرف المفوض اليه الامر، فقام الوصي وقدم على انكاح اليتيمة اخاها الذي في الولاية معها، فعقد النكاح بينها وبين رجل. ثم مات الزوج قبل الدخول بها فطلب الوصي الصداق والميراث وامتنع ورثة الزوج من دفع الصداق، واحتجوا بأن النكاح لا يصح في عدم المشرف، الا بمن يقوم مقامه، وقالوا: هو بمنزلة الاب، في عدم الاب، وقالوا ايضا: انما يجب الصداق في مثل هذا النكاح بالدخول إذ هو عوض عن البضع، بخلاف النكاح الصحيح.

واستظهروا على قولهم بما في الجزء الاول من نكاح النوادر حيث قال مالك، في المرأة لها وليان فزوجها كل واحد منهما على حدة من رجل: " فإن لم يول كل منهما صاحبه، لم يجز نكاح كل واحد منهما وان أمر كل واحد منهما صاحبه، فنكاح أولهما أولى، إلا ان يبني الآخر " قال محمد: وهذا في الوصيين والسيدين، فجعل محمد الأوصياء بمنزلة السيدين. وقد جاءت الروايات في المدونة وغيرها: ان انكاح احدهما لا يجوز بغير اذن السيد الآخر، وان اجازة الآخر، ويفسخ قبل البناء وبعده وذلك الفسخ انما هو لفساد العقد. فكذلك احد الأوصياء إذا نكح اليتيمة البكر، فساده في عقده والنكاح، إذا فسد لعقده، لا يجب فيه صداق الا بالبناء،، كذلك في ثالث نكاح النوادر في باب احكام النكاح الفاسد، وان كان يقع فيه الطلاق. بين لنا الجواب في ذلك وما تقتضي الروايات فيه، هل الموت والفسخ بمنزلة واحدة في سقوط الصداق فيما فسد عقده مما يقع فيه الطلاق على ظاهر الروايات التي في ثالث نكاح النوادر مأجورا ان شاء الله تعالى. فأجاب أيده الله بهذا الجواب: تصفحت رحمنا الله واياك سؤالك ووقفت عليه.

وليس انكاح احد الوصيين دون صاحبه اليتيمة التي إلى نظرهما بمنزلة انكاح الوصي اياها دون اذن المشاور؛ لان الوصيين وليان لها جميعا، كالسيدين في الامة، لا يجوز لأحدهما ان ينفرد بعقد النكاح عليها دون صاحبه الا ان يوكله على ذلك، فان فعل كان العقد فاسدا كنكاح عقده غير ولي. [30] وأما المشاور فليس بوصي ولا ولي ولا إليه من ولاية العقد شيء وانما له المشورة، التي جعلت اليه خاصة، فاذا شاوره الوصي في النكاح، فرآه سدادا ونظرا لها انفرد هو بالعقد فإن أنكحه الوصي دون إذن المشاور فالعقد في نفسه صحيح، إلا انه موقوف على نظره فان رأى ان يجيزه أجازة وان رأى ان يرده رده كالسفيه يتزوج بغير إذن وصيه والصغير بغير اذن ابيه، والولي يزوج وثم من هو أولى منه حاضر على مذهب من يرى الخيار في الرد او الاجازة للولي الاقرب. فانكاح الوصي في مسألتك التي سألت عنها اليتيمة التي إلى نظره، بعد موت المشاور، ليس بعقد فاسد، وانما موقوف على نظر القاضي؛ إن رأى ان يجيزه اجازه، وإن رأى ان يرده رده بوجه النظر. فان لم يعثر على الأمر ولا رفع اليه حتى مات الزوج فقد فات موضع النظر ووجب للزوجة الصداق المسمى والميراث، اذ لاحظ لها في

الرد بعد موت الزوج لان ذلك يسقط ما وجب لها من الصداق والميراث لغير وجه نظر. ولو كان العقد فاسدا، لوجب لها ايضا، الصداق المسمى، على مذهب من يرى الميراث والطلاق في العقد الفاسد، الذي لم يتفق على فساده. وكذلك لو طلق قبل الفسخ، لوجب لها بالطلاق نصف الصداق المسمى على هذا القول، لان الصداق المسمى يجب جميعه بالموت، ونصفه بالطلاق، بنص القرآن. فإذا وجب الا يسقط الميراث المتفق على وجوبه الا بعقد متفق على فساده، فكذلك يجب الا يسقط جميع الصداق المسمى بالموت ولا نصفه بالطلاق، اذ قد نص الله عز وجل على وجوبه واجمعت الأمة على لزومه الا في عقد متفق على فساده. وما وقع في النوادر من كتاب محمد بن المواز من سقوط الصداق في العقد الفاسد، إذا فسخ قبل الدخول، فليس بخلاف لما قلناه والفرق بينهما ان الزوج في الفسخ مغلوب على الفراق، بخلاف الطلاق فوجب الا يكون لها شيء من الصداق؛ كالذي يجن او يجزم قبل دخوله بامرأته، فيفرق بينهما، أنه لا شيء لها من الصداق المسمى وأيضا، فإن الله تعالى لما نص على وجوب نصف الصداق المسمى بالطلاق فقال تعالى: {وان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن، وقد فرضتم

لهن فريضة فنصف ما فرضتم، الا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقد النكاح الآية تيقن وجوبه، وما ثبت بيقين، وجب الا يسقط الا بيقين مثله وهو الاتفاق على فساد العقد. ولما لم يوجد في محكم القرآن ولا في شيء من السنن والاثار نص ولا دليل، على وجوب نصف الصداق المسمى في الفسخ، وجب الا يثبت فيه إذ الاصل براءة الذمة والا يثبت فيها شيء الا بيقين هذا الذي يأتي في أصولهم، ولا أعرف نص الرواية في سقوط الصداق المسمى في النكاح الذي فسد لعقده حقيقة إذا لم يعثر عليه حتى مات أحد الزوجين على مذهب من يرى الميراث بينهما. وانما أعرف ذلك لعيسى بن دينار في سماعه من كتاب النكاح من العتبية في الذي يتزوج المرأة على ألا ميراث بينهما، أو على ألا نفقة لها. وهذا النكاح لم يفسد لعقده حقيقة وانما فسد للشرط الفاسد المقترن به فله تأثير في فساد الصداق فهو كالنكاح الذي فسد لصداقه؛ ترى أنه يكون لها بعد الدخول، صداق المثل، لا المسمى. ولقد روى عن أصبغ في النكاح الذي فسد لصداقه، أنه راعى التسمية الفاسدة، فأوجب للمرأة صداق المثل، إذا مات الزوج قبل

45 - الصداق في الانكحة الفاسدة

الدخول فكيف إذا فسد حقيقة، والصداق صحيح لا فساد فيه! وقد سئلت عن هذه المسألة منذ مدة فأخبر سائق السؤال انها نزلت بيطليوس فأجبت فيها بايجاب الصداق، والمراث، وكان في السؤال، زيادة على هذا السؤال، تقوى وجوب الصداق، وبالله التوفيق، لا شريك له. [31] [45]- الصداق في الانكحة الفاسدة وسئل رضي الله عنه في مسألة من النكاح، جرت باشبيلية فاختلف فيها فقهاؤها. ونص المسألة: الجواب / رضي الله عنك، في رجل تزوج، وهو محرم، أو تزوجها نكاح شغار، أو وقع نكاحه فاسد العقد، صحيح الصداق، الا أنه مما يقع فيه الطلاق، والميراث قبل فسخه؛ لاختلاف الناس فيه، وهو مما يفسخ قبل الدخول وبعده، لفساد عقده، هل يجب فيه صداق، ان مات الزوج، أو ماتت المرأة قبل الفسخ، أو فسخ النكاح، والصداق في ذلك كله انما هو عوض عن البضع في مثل هذا النكاح. بين لنا الواجب في ذلك، مأجورا ان شاء الله. فأجاب أيده الله، بهذا الجواب، تصفحت سؤالك ووقفت عليه.

والانكحة الفاسدة تنقسم على قسمين: نكاح فسد لصداقه ونكاح فسد لعقده. [1]- النكاح الفاسد للصداق: فأما الذي فسد لصداقه فالصحيح في المذهب المنصوص عليه لأصحابنا: ألا شيء للمرأة الا بالدخول. وقد روي عن اصبغ فيمن تزوج بغرر، ثم مات قبل الدخول: ان لها صداق مثلها، وان طلق فلا شيء لها؛ فراعى التسمية الفاسدة، وجعله كنكاح التفويض التفويض على مذهب من رأى أن بالموت يجب في التفويض صداق المثل، وليس هذا معروفا في مذهبنا. [2]- النكاح الفاسد للعقد: وأما ما فسد لعقده فإنه ينقسم على قسمين: نكاح متفق على فساده، ونكاح مختلف في فساده. فأما ما اتفق على فساده مثل نكاح ذوات المحارم ونكاح المرأة في عدتها، أو على أمها، او بنتها أو أختها، أو عمتها، أو خالتها، أو ما أشبه ذلك؛ فلا اختلاف أنه لا يجب الصداق المسمى فيه بالموت ولا نصفه، لأنه لا ميراث فيه، وانما يوجبه، الدخول. وأما المختلف في فساده فإنه ينقسم، أيضا، على قسمين: قسم لا تأثير لفساد عقده في الصداق، وقسم لفساد تأثير في الصداق. فأما مالا تأثير لفساد عقده في الصداق، مثل نكاح المحرم، ونكاح

المرأة بغير ولي وما أشبه ذلك، فقيل إنه لا طلاق فيه ولا ميراث، ولا يكون فسخه طلاقا. وقيل: ان الطلاق والميراث يكون فيه، وان فسخه طلاق: مراعاة للاختلاف فمن راعى الاختلاف وأوجب الطلاق والميراث فيه، فيجب على أصله، ايجاب الصداق المسمى في الموت، ونصفه في الطلاق قبل الدخول؛ إذ لا يصح لأحد أن يفرق بين الميراث والصداق الصحيح المسمى، فيوجب احدهما ويسقط الآخر، إذ لا مزية لأحدهما على صاحبه في الوجوب، لأن الله تبارك وتعالى نص على وجوب الصداق للزوجة على الزوج كما نص على وجوب الميراث بينهما وأجمعت الامة على ذلك لا خلاف بين احد أهل العلم: أن الصداق المسمى يجب للمرأة نصفه بالطلاق وجميعه بالموت وان لم يدخل بها كما لا اختلاف بينهم في ايجاب الميراث بينهما وأما ان أدرك هذا النكاح قبل الدخول ففسخ، فلا اختلاف أعلمه انه لا شيء لها من الصداق، وان كان فسخه بطلاق؛ لان النكاح الصحيح إذا فرق بين الزوجين فيه قبل الدخول، لسبب يعلم انه ليس من جهته، كالذي يجذم او يجن، لا شيء لها من الصداق في قول اصحابنا المتقدمين، وإن كان للمرأة الرضا بالمقام على الزوج فكيف بمالا رضا في المقام عليه لأحد الزوجين. وأما ما لفساده تأثير في الصداق، مثل نكاح المحلل، ونكاح الامة

على ان ولدها حر، والنكاح على الا ميراث بينهما، وما أشبه ذلك فاختلف فيما يكون للزوجة فيه ان فات بالدخول: فقيل صداق المثل، لان للفساد تأثير في الصداق، وقيل الصداق المسمى، لأنه نكاح فسد لعقده، والصداق فيه صحيح. فهذا الضرب من الأنكحة الفاسدة المنصوص فيها الا يجب للمرأة من الصداق المسمى شيء إذا مات أحد الزوجين قبل الدخول وهذا بين على قول من يوجب للمرأة في هذا النكاح صداق المثل، الا ما حكيناه عن أصبغ، فيمن تزوج بغرر فمات قبل الدخول ان لها صداق مثلها. وأما على مذهب من يوجب المرأة بالدخول الصداق المسمى فالأمر [32] محتمل والا ظهر أن لا شيء لها من الصداق الا بالدخول. طبيعة المهر: وليس الصداق عوضا عن البضع، كما قلت، ان كان لا يستباح الفرج الا به وانما هو نحلة من الله عز وجل، فرضا للزوجات على ازواجهن لا عن عوض الاستمتاع، لانها تستمتع به، ويلحقه في ذلك مثل الذي يلحقها، لان المباضعة فيما بينها وبين زوجها واحدة، قال الله تعالى {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} [سورة النساء الآية: 4] والنحلة: مالم تعوض عليه. فمتى وجب الميراث فالصدق المسمى واجب كان العقد فاسدا.

46 - تقديم الخال على النكاح مع وجود ابن العم

وبالله التوفيق بعزته. [46]- تقديم الخال على النكاح مع وجود ابن العم وسئل رضي الله عنه في رجل توفي وترك زوجة وبنات فقدم حكم الجهة الأم على البنات ثم تزوجت الام بعد ذلك، ثم بعد عقد نكاحها، زوجت الام احدى البنات، وقدمت على عقد نكاح الابنة اخاها: خال الابنة المذكورة؛ وللابنة اولاد عم غيب عن البلد على مسافة يومين، لم يحضروا عقد النكاح ولا شووروا فيه، فلما علموا به ارادوا فسخه، وزعموا ان الام سفيهة وان الزوج غير كفء لها. بين لنا ما توجبه السنة في ذلك، ان شاء الله تعالى. فأجاب أيده الله تعالى: تصفحت - رحمنا الله واياك - سؤالك ووقفت عليه. والنكاح صحيح، جائز، لا سبيل إلى فسخه، الا ان يثبت الاولياء ما ادعوه من أن الزوج غير كفء لها وان تزويجها منه ضرر بها وغير نظر لها، ببينة عدلة، ويعذر في ذلك إلى الزوج والام، فلا يكون عندهما في ذلك مدفع وبالله التوفيق.

47 - هل تستعمل " الحيل " في مضمون الايمان اللازمة؟

[47]- هل تستعمل " الحيل " في مضمون الايمان اللازمة؟ وسئل رضي الله عنه في رجل له فدان، يجاوره فيه رجل آخر فتعدى المجاور المذكور وحرث له فدانه تعديا. فلما جاء رب الفدان ووجده محروثا، عوز عليه وحلف بالايمان له لازمة وقال: أنت الذي حرثته بغير حق، لا بد ان يثنيه. فلما جاء وقت الثناء جاء معهما حائز يجوز لهما أرضهما، ثم ان الحائز رغب لرب الفدان المذكور ان يتركه لجاره. فقال صاحب الفدان: قد حلفت فثنى فيه خطين؟ أتراه قد بر في يمينه ام لا؟ بين لنا الواجب في ذلك ان شاء الله تعالى: فأجاب وفقه الله: تصفحت رحمنا الله وإياك، سؤالك هذا ووقفت عليه. ولا بر لحالف الا أن يثنى جميع الفدان، فإن كان لم يفعل ذلك فقد حنث وبانت منه امرأته، بثلاث تطليقات، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ولزمه سائر ما يلزم في الأيمان اللازمة. وبالله التوفيق.

48 - هل تبطل العمرى حيازة الصدقة؟

[48]- هل تبطل العمرى حيازة الصدقة؟ وسئل رضي الله عنه في رجل تصدق بداره على رجل آخر وحازها المتصدق عليه ثم ان المتصدق عليه أعمر المتصدق فيها حياة المتصدق، وأسكنه اياها. بين لنا وفقك الله ان كان المعمر تصح له الصدقة ام لا؟ وان كانت تبطل بالحديث " العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه " أولا يدخل الحديث ههنا متفضلا ان شاء الله تعالى. فأجاب وفقه الله: تصفحت رحمنا الله وإياك سؤالك ووقفت عليه. وان كان المتصدق عليه أعمر المتصدق الدار، التي تصدق به عليه قبل ان يتم، لحيازته اياها العام، ونحوه فالصدقة باطلة ليس من أجل الحديث الذي ذكرت، لأنه ليس من هذا المعنى، ولكن من أجل أن المتصدق، إذا لم تجز عنه الصدقة في صحته، اتهم في ابطال حق الوارث، وقد قال ابو بكر الصديق رضي الله عنه، فيما كان وهبه لابنته عائشة رضي الله عنها: " لو كنت حزته لكان لك، وانما هو اليوم مال وارث " ليكون ذلك سنة لمن بعده، لأنه ليس ممن يتهم. وبالله التوفيق.

49 - هل تنقل الملكية بشهادة السماع؟

[49]- هل تنقل الملكية بشهادة السماع؟ وسئل رضي الله عنه عن مضمن هذا الرسم. عقد لاثبات ثورة ابن زيفل - سماعا " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " يشهد من تسمى في هذا الكتاب من الشهداء: انهم يعرفون سعيد بن أحمد بن زيفل بعينه واسمه ويعلمونه ايام حياته، قد ثار بحصن شقورة، ورأس فيه واستولى عليه، وعلى جميع جهاته، أعواما كثيرة يجي جميع فوائد ذلك البلد ويضرب الضرائب على الرعايا، ويضم إلى نفسه جميع ما كان، في تلك الجهات، لبيت مال المسلمين، إلى ان [33] ظهر ذلك المال، ونما وكسب منه بجيان وغيرها أصولا ورباعا وأموالا ولا يعلمون له، قبل قيامه في الحصن المذكور، مالا ولا حالا يفي بما اكتسبه، ولا ببعضه. شهد بذلك كله من علمه، حسب نصه. وأوقع شهادته بذلك، في هذا الكتاب اذ سئلها في المحرم سنة اثنتيتن وتسعين واربع مائة. تصفح رضي الله عنك، وأرضاك، العقد المنتسخ فوق هذا السؤال وقف على أصوله وفصوله، فإنه انعقد في التاريخ المذكور، وشهد فيه شهداء بنصه بعضهم، وعلى السماع بعضهم، ثم رجع من شهد فيه

50 - هل تكرى الاحباس للأمد الطويل؟

بالنص وقال بعضهم: انما اعرف ذلك بالسماع، وقال بعضهم: انما أعرفه كان قائاد بالحصن المذكور، لا غير. هل يجب، بذلك، على من في يده من اصول ابن زيفل المذكور بشراء أو بوارثة حق؟ أفتنا به مأجورا ان شاء الله تعالى. فأجاب، ايده الله: تصفحت رحمنا الله وإياك سؤالك والعقد الواقع فوقه، ووقفت علي ذلك كله. ولا تجوز شهادة السماع في هذا، ولا يستخرج بها من يد احد شيء. ولو ثبت العقد بالشهادة فيه على البت، والقطع، لوجب ان يضم إلى بيت مال المسلمين ما يوجد من أصوله بيد ورثته، وأما قد فات منها بالبيع فلا سبيل على المشتري في شيء منها. والله ولي التوفيق برحمته. [50]- هل تكرى الاحباس للأمد الطويل؟ وسئل رضي الله عنه من مدينة بطليوس، في وجيبة كراء الاحباس. ونص المسألة: الجواب رضي الله عنك، في ملك محبس على ضعفاء

بني إسحق، فعمد رجل من أهل الدنيا، إلى رجل واحد ممن يجب له الدخول في هذا الحبس وابتاع منه حصته، وهي الثلث من الحبس المذكور بتسعة مثاقيل ذهبا، ثم رأى المشترى المذكور: أنه إن ظهر عقد الشراء أخذ عليه فيه شهرة الحبس المذكور ومعرفة الناس به فعقد على البائع عقدا آخر، بأنه اكترى منه الحصة المذكورة لخمسين عاما، وتملك هذه الحصة المذكورة من الملك المحبس المذكور، اعواما، إلى أن توفي، وقيم على بنيه فأخرجوا عقد الشراء المذكور، فأخذ عليهم فيه، فأخرجوا عقد الكراء، وتعلقوا به وقالوا: تبقى هذه الحصة المذكورة بأيدينا إلى ان ينقضي أمد اكتراء أبينا لها فإن مات المكرى من أبينا، خسرنا ذلك، والمعترض لهم يقول: ان الكراء لمثل هذه المدة لا يجوز. فهل ترى، وفقك الله، ان الكراء جائز من أجل المدة أو مفسوخ؟ وهل قول المحبس في تحبيسه على ضعفاء بني اسحق إن كان حكمه حكم الاعيان أو حكم الاحباس المحبسة على المساجد؟ بين لنا ذلك بيانا شافيا ان شاء الله تعالى. فأجاب أيده الله: تصفحت رحمنا الله وإياك سؤالك هذا ووقفت عليه.

51 - أملاك باشبيلية وهبت ثم بيعت وهي في الحالتين بيد غاصب

وان الكراء وقع بالنقد فهو فاسد، يجب فسخه. وقد اختلف فيه إلى مثل هذه المدة، ان لم ينقد على قولين الصحيح منهما عندي قول من قال: انه لا يجوز. وهذا فيما يفسخ فيه الكراء بموت المكرى، كمسألتك التي سألت عنها. وأما الاحباس المحبسة على المساجد والمساكين وما أشبه ذلك، فلا ينبغي لمتولي النظر فيها ان يكريها لاكثر من اربعة اعوام، ان كانت ارضا او لاكثر من عام واحد، ان كانت دارا لان هذا جل عمل الناس، وعليه قضى عمل القضاء في كراء الأحباس فان أكراها إلى أبعد من ذلك على وجه النظر، مضى ولم يفسخ على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك. وبالله التوفيق. [51]- أملاك باشبيلية وهبت ثم بيعت وهي في الحالتين بيد غاصب وسئل رضي الله عنه في امرأة كان لها املاك بجهة من الجهات، منزلة في أيام ابن عباد، تصدقت بها على ابن لها: والاملاك بيد غيرها، يعتمرها بالإنزال المذكور، ولا تستطيع المرأة منعه عنها، ولا أن تخرجها من يده ولا تقبض شيئاً من كرائها فقبل ابنها المذكور الصدقة المذكورة على حسب ما ذكره وبقي المعتمر فيها كما كان

52 - هل يصح نكاح اعترف الولي فيه، بعد الدخول انه لم يكن وليا؟

ولا يقبض من كرائها شيئاً منه إذا كان ممنوعا من ذلك بسبب الانزال فباعها الابن من المعتمر فيها وهي بيده. فلما انقضت دولة بني عباد اراد البائع ان يرجع في املاكه المبيعة، فقال للمبتاع: انما كان هذا الانزال على فائدة المال لا على رقبة أصله. بين لنا الواجب في ذلك مأجورا ان شاء الله تعالى فأجاب أيده الله تعالى: [34] البيع فاسد لا يجوز / ويفسخ على كل حال، كان الانزال على فائدة المال أو على أصل رقبته. فإذا فسخ البيع، قبض الابن الأملاك بالهبة، ان كانت الواهبة حية وان كانت قد توفيت قبل ذلك، بطلت الهبة، وكانت الاملاك ميراثا بين جميع ورثتها. وبالله التوفيق. [52]- هل يصح نكاح اعترف الولي فيه، بعد الدخول انه لم يكن وليا؟ وسئل رضي الله عنه في رجل تزوج امرأة يتيمة بنت خمسة عشر عاما انكحها عم لها، وقال: انه وليها، لا ولي لها غيره وكانت لها أم قالت كذلك، أيضا وزعما أنها بالغ، فلما دخل الزوج بها،

53 - هل تكتسب الام حق الحضانة بعد الزواج؟

ومكث معها أزيد من شهر كرهته وهربت منه، وقال العم: لست عمها، وقالت الام كذلك، وانها غير بالغ. هل يفسخ النكاح بذلك؟ وعلى من صداقها، أولا يفسخ؟ بين لنا ذلك، ان شاء الله تعالى. فأجاب أيده الله: تصفحت رحمنا الله وإياك سؤالك ووقفت عليه. والواجب رد المرأة إلى زوجها، وامضاه النكاح، لوقوعه على الصحة في ظاهره في ولا سبيل إلى فسخه بقول العم والأم ودعواهما. وبالله تعالى التوفيق. [53]- هل تكتسب الام حق الحضانة بعد الزواج؟ وسئل رضي الله عنه في رجل له ابنة طلق والدتها، وله منها ابنة وتركها عند والدتها، منذ تزوجت الزوج، الذي هي معه، وترك الابنة معها منذ مدة من خمسة اعوام أو نحوها، ويريد الآن اخذها من والدتها، اذ تستخدم بها الزوج، فلم يحتمل ذلك، ومنعته الام من اخذها. أفتنا بالواجب ذلك يعظم الله أجرك. فأجاب أيده الله: تصفحت سؤالك ووقفت عليه. واذا كان الرجل قد ترك ابنته عند امها، بعد ان تزوجت، المدة

54 - اختلاع امرأة على أساس اسقاط الكالئ وتحمل نفقة الحمل إلى الفطام

التي ذكرت، فليس له اخذ منها الا ان يثبت تضييع الأم لها واستخدام زوجها لها. والله ولي التوفيق. [54]- اختلاع امرأة على أساس اسقاط الكالئ وتحمل نفقة الحمل إلى الفطام وسئل رضي الله عنه في رجل اختلعت منه امرأته بكالئها، وأسقطت عنه مؤونة حمل حمل ان ظهر بها، وما يحتاج اليه ما تضعه من مؤونة، إلى فطامه فإذا فطمته كانت مخيرة في صرفه على ابيه، وفي أن تقوم بجميع مؤونته إلى البلوغ، طائعة بذلك متبرعة، من غير ضرر. وأشهدت على نفسها بذلك عدولا، من الشهود، ثم قامت على الزوج واثبتت انها عديمة. أتلزم الزوجة النفقة على الحمل ام لا تلزمه حتى تضع؟ وكيف ان كانت قد أشهدت على نفسها، عند الخلع انها متى اثبتت انها عديمة، فذلك باطل، وأقرت انها موفرة الحال؟ بين لنا ما يجب في ذلك مأجورا ان شاء الله.

55 - طبيعة حق الشفعة

فأجاب أيده الله: إذا ثبت عدمها وعسرها، لزم الزوج الانفاق عليها ويتبعها فيما أنفق عليها إذا أيسرت. وان كانت قد أشهدت على نفسها بالوفر والا تقبل بنيتها على العدم فلا تنتفع بمن يشهد لها بالعدم، حتى يشهدوا على معرفة ذهاب مالها وتلف وفر حالها التي أقرت به على نفسها. وبالله التوفيق. [55]- طبيعة حق الشفعة وسئل رضي الله عنه، عن هبة أحد الشفعاء الشفعة للمبتاع ونص المسألة من أولها إلى آخرها: الجواب، رضي الله عنك، في قوم سهم واحد في قرية، ولهم أشراك من غيرهم، فباع اهل هذا السهم وبقي أحدهم، فقال المبتاع لهذا الباقي: اما أن تشفع، واما أن تضع الشفعة، فوهبها ذلك الرجل الواجب له الشفعة، للمبتاع، طيبة بها نفسه فقام بعض الأشرال من غير هذا السهم فقال: إني أشفع، فهل له شفعة؟ أو هل هي تلك الهبة جائزة؟ فبين لنا ذلك يرحمك الله.

نزلت هذه المسألة بقرطبة، فذهب بعض اصحابه إلى إعمال الهبة واسقاط الشفعة، ولم يصح ذلك عنده. فأجاب أيده الله، فيها بهذا الجواب، ونصه من أوله إلى آخر حرف فيه: تصفحت رحمنا الله وإياك سؤالك ووقفت عليه. والذي أقول به: أن هبة من لم يبع حظه من أهل السهم المشتري الشفعة الواجبة له لا تسقط حظ سائر الأشراك فيها، ان أرادوا ان يأخذوا بها، على مذهب مالك، رحمه الله وأصحابه، وذلك منصوص عليه في المدونة وغيرها، وفي سماع يحيى عن ابن القاسم من قول مالك الا ان يفرق احد بين قول الشفيع: قد سلمت الشفعة للمشتري، او تركتها له، أو أعطتيتها له، أو وهبتها له، وذلك محال؛ لأن الاحكام انما تختلف باختلاف المعاني لا باختلاف الألفاظ. [35] وقد حكى ابن حبيب في الواضحة عن أصبغ، في غير هذه المسألة ما يمكن ان يدخل الاختلاف منه فيها بالمعنى، وليس ذلك بصحيح لأن قول أصبغ قول شاذ ضعيف، معترض، لا يصح عند النظر والتحصيل، لان أهل العلم قد أجمعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم انما اوجب الشفعة للشركاء، وقضى بها من أجل ضرر الشريك، الذي ادخله البائع عليهم فاذا باع أهل السهم حظه منهم وأخذ من لم يبع منهم بالشفعة، فقد ارتفع الضرر عن سائر الأشراك باخراج المشتري عنهم وان أبي ان يأخذ بالشفعة، ورضي بشركة المشتري وأراد ان

يقره فيما اشترى بأن يقول إني أهبة ما كنت أحق به من سائر اشراكي فليس ذلك حجة لان من حجتهم ان يقولوا له: ان كنت رضيت بالضرر الذي من أجله جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الشفعة، فلا نرضى نحن به، ولست أنت احق بنفي الضرر عن نفسك منا، فلنا الخيار في الأخذ بالشفعة إذا أبيت أن تأخذ، فيرتفع الضرر عنا، وهذا بين ظاهر لاخفاء فيه ولا اشكال فيه، على من تأمله ونظر فيه وليست الشفعة الواجبة لمن بقي من أهل السهم على المشتري كمال استحقه قبله فإذا وهبه له لم يكن لغيره أن يأخذه منه ولو كان كذلك، لكان له ان يهبها لغير المشتري، فيستشفع الموهوب له ما كان للواهب ان يستشفعه عليه كما له ان يهب الدين الذي يكون له على رجل لرجل آخر ويحيله له عليه، فاجماع اهل العلم: أن ذلك لا يصح ولا يجوز كما لا يجوز له ان يأخذ بالشفعة لغيره، دليل على ضعف قول أصبغ، وأن الحاصل من المذهب أن يكون الشفيع مخيرا بين ان يأخذ بالشفعة أو يسلمها، فإن أسلمها وجبت الشفعة لأحق الاشراك فيها بعده. وفيما دون هذا كفاية وغنية. والله أسأله التوفيق بعزته.

56 - دور الحيازة في الاثبات

[56]- دور الحيازة في الاثبات وسئل رضي الله عنه في رجل توفي وترك ابنا وابنتين وملكا وعاشت الابنتان مدة طويلة إلى أن تزوجتا وولدتا اولادا ثم ماتت جميعا، وتركتا اولادا، وأزواجا فعاش الازواج مدة طويلة بعد موتهما ولم يعرف لهم طلب في الملك المذكور الذي تركه الميت الاول. فقام، الآن: اولاد البنتين المذكورتين يطلبون نصيب امهاتهما في الملك - المذكور، وعاش اخو البنتين المذكورتين بعد موتهما، مدة من خمسة وعشرين عاما، يهدم ويبني، ويغرس، بعلم الازواج، وبني الاختين ولم يعترضوه، قط في شيء من الاملاك المذكورة. بين لنا على من اقامة البينة ان كانت على الطالبين للملك أو على الذي هو بيده، وكيف يكون العمل في ذلك؟ يعظم الله أجرك. فأجاب أيده الله، تصفحت رحمنا الله وإياك سؤالك هذا ووقفت عليه. وان كان الابن قد حاز الملك. المدة التي ذكرت: بالهدم والبنيان والغرس؛ وبنو الاختين وأزواجهما حضور، لا يغيرون، ولا ينكرون أو يدعون ولا يعترضون وادعى انه صار اليه بمقاسمة ولا شراء، أو انفرد به دونهم فالقول قوله في ذلك مع يمينه. وبالله التوفيق بعزته.

57 - كيفية تنفيذ الوصية عندما لا يجيز الورثة ما زاد على الثلث

[57]- كيفية تنفيذ الوصية عندما لا يجيز الورثة ما زاد على الثلث وسئل رضي الله عنه في امرأة كتبت في وصيتها قطيعا معلوما، فأوصيت لقوم بذهب معلوم، ولقوم آخرين بربع معلوم، وقدمت اوصياء، فزعم الوارث أن القطيع أكثر من الثلث، فرجع الأوصياء معه إلى الثلث وجميع مال المرأة: جنة ورباع: فحفز اصحاب الذهب المعين فيما لهم فأعطاهم الأوصياء نصف العدد، مما انتجعوا. فلما رأى ذلك الذين كتب لهم الربع قالوا: لابد ان يعطي لنا من مالنا قدر ما اعطى لغيرنا. فأعطاهم الأوصياء من الربع قالوا قدر نصف ما لهم واطلقوا ايديهم على الاستغلال، ووقف الباقي وضم الوارث من الجنة واستغل. فهل رضي الله عنك، يحاسب الذين دفع لهم نصف الربع بالاستغلال إذا دفع لمن له ذهب معلوم نصف عدده؟ وهل يحاسب الوارث بما استغل عند كمال الثلث، ليكثر به الثلث ام لا؟ بين لنا ما يجب في ذلك، مأجورا ان شاء الله. فأجاب أيده الله: تصفحت رحمنا الله وإياك سؤالك هذا ووقفت عليه. وما فعل الأوصياء والوارث خطأ من الفعل، وانما الواجب إذا / زعم الوارث أن الوصايا اكثر من الثلث أن ينظر الإمام في ذلك، فإن

58 - صلح متكرر بين ورثة لا يحيطون بالتركة وبين

وجد الثلث لا يحملها، خير الوارث بين ان يجيز الوصايا على وجهها فيدفع إلى الموصى لهم وصاياهم كاملة مما يعجل بيعه، ويدفع الربع إلى الموصى لهم به، وبين ان يقطع لهم جميع الثلث، فينزل الموصى لهم معهم بمنزلة الأشراك في كل ما تخلفته المرأة من شىء؛ فما بيع اخذوا ثلث ثمنه، فتحاصوا فيه على قدر وصاياهم، وما اغتل كان لهم ثلثه، يتحاصون فيه ايضا، على قدر وصاياهم، ولا تجعل وصية الموصى لهم بالربع فيما أوصى لهم به خاصة، إذا حالت الوصايا، ورفعت إلى الثلث. هذا نص الرواية في مسألتك هذه بعينها، فينبغى ان يستدرك النظر في ذلك على هذا الوجه. وبالله التوفيق بعزته. [58]- صلح متكرر بين ورثة لا يحيطون بالتركة وبين خزينة ابن عباد صاحب اشبيلية وباغه وسئل رضي الله عنه في مسألة نزلت بباغه. ونص المسألة من أولها إلى آخرها الجواب، رضي الله عنه: في ورثة ورثوا عن موروثهم املاكا: دورا وأرضين وجنات، وغير ذلك، بجهة من مدينة باغة.

وكانوا غير محيطين بالوراثة، وكان بيت مال المسلمين يدخل معهم في الميراث، فتملكوا تلك الاملاك المذكورة وبقيت بأيديهم المدة الطويلة، يقتسمون غلتها بينهم على حسب اشتراكهم، وما باعوا من اصل فكذلك، أيضا، يقتسمون الثمن، على حسب ذلك، تمادى امرهم على ذلك السنين الكثيرة. وكانوا يقولون: ان هذه الاملاك خرجت في حطنا من موروثنا وأن السلطان، أيده الله، خرج إلى غير ذلك من سائر الميراث. ثم ان والى الجهة المذكورة، في مدة ابن عباد، رأى من النظر، من أجل الفتنة، أن يضم ما بعد عن سور المدينة إلى لصقة وقربة، وان يحلق ذلك أيضا بسور ثان ليتحصن الناس فيه، ويتوسعوا داخله، فكان من جملة ما دخل تحت هذا السور الحديث، جنة للورثة المذكورين، من جملة الاملاك المذكورة، فعمد الوالى المذكور إلى تلك الجنة، فاقتطع منها الثلث او اكثر، وأقام فيها حوانيت وقيسارية وفرنا، غير ذلك، واستخلصه لبيت مال المسلمين، ولم يصدق الورثة المذكورين فيما كانوا يقولون. ثم ان الورثة المذكورين عمدوا إلى بقية الجنة واقتطعوا عراصا

وباعوها ممن بناها دورا او غير ذلك، وتملكها اربابهاالبانون لها، أزيد من عشرين عاما نحوها. فلما كان الآن منذ خمسة اعوام أو نحوها، قام من للنظر لبيت مال المسلمين، فطالب الورثة المذكورين، وذكر أنهم كانوا غير محيطين بوراثة موروثهم، وان بيت مال المسلمين وارث معهم الثلث وتخاصموا في ذلك، فتصالحوا على ان خرج الورثة المذكورون عن جميع ما كان يجب لهم من الاملاك المذكورة، وتخلوا عنه لبيت مال المسلمين، وانقضى صلحهم على ذلك. ثم ان القائم المقدم المذكور طالب أهل هذه الدور المذكورة أيضا، بسبب ان قاعتها من الجنة، التى هى من تلك الاملاك، وذكر ان فيها حقا لبيت مال المسلمين، وخاصمهم، في ذلك، ورافعهم إلى صاحب احكام اشبيلية، فاحتج اهل الدور المذكورة عليه بما كان الورثة يقولون، وبطول الملك بأيديهم، وبأن الذى صار لبيت مال المسلمين من الجنة المذكورة هو قدر حقه منها، واكثر واغبط. ثم ان من رغب الأجر من المسلمين جرى بينهم بالصلح، فصالحهم المقدم المذكور بما وقع اتفاق كل واحد منهم معه عليه، وأشهدوا بجميع ذلك على ما يجب. أترى لبيت مال المسلمين حقا في هذه الدور المذكورة أم لا؟ بين لنا الواجب في ذلك، مأجورا ان شاء الله تعالى. فأجاب أيده الله، عليها بهذا الجواب: تصفحت، رحمنا الله وإياك سؤالك ووقفت عليه.

59 - اسغلال شريك لنفوذه بمحاولة الزام شركائه

واذا كان الامر على ما وصفته فيه، من اقتطاع الثلث المذكور فأكثر من الجنة المذكورة لمنافع المسلمين، ثم مصالحة ارباب الدور المتقطعة منها، للقائم عليها فيها بالسبب المذكور، فلا حق لبيت مال المسلمين فيها، ولا قيام لأحد على أربابها بدعوى يدعيها عن المسلمين في قاعاتها، لان حق المسلمين فيها / قد سقط بأحد الوجهين اللذين ذكرت، فكيف إذا اجتمعا؟ وبالله التوفيق. [59]- اسغلال شريك لنفوذه بمحاولة الزام شركائه بالبيع له وسئل رضي الله عنه في مسألة نزلت ببطليوس. ونص المسألة من أولها إلى آخرها. جوابك، رضي الله عنه، في جماعة مشتركة في حمام، منهم ثمانية ايتام ذكران واناث، أكثرهم صغار، ورثوا حصصهم في الحمام المذكور عن ابيهم، وشركهم بابتياع ربع الحمام من ابيهم، رجلان من بنى عمهم، نحل أحدهما بحظه منه ابنته صغيرة في حجرة. ثم شرك الكل ممن ذكر، بربع آخر في الحمام المذكور، بيع على الايتام في دين كان على ابيهم، رجل له حال وسعه في المال.

فدعا هذا الرجل الوافر الحال شركاءه إلى بيع حظوظهم في الحمام المذكور، أو المقاومة، لينفرد بالحمام من أجل جدته وسعة حاله، ويريد اخراج الايتام الاصاغر وغيرهم منه. هل له ان يقاومة معهم او مع الشريكين، دون الأيتام، وليس لهم أجمعين قدرة على الشراء ولا بهم حاجة إلى البيع؟ وهل يجبر الأيتام الأصاغر على البيع؟ وهل له ان يشترى منهم على هذا الوجة أيضا، وهو جل ما بأيديهم، وغلته ترمقهم، وهى تسترهم، ومتى بيع عليهم هذات الأصل لم يقم ثمنه بهم إلا مدة يسيرة، ثم لم يؤمن عليهم، بعد، سوء الحال، والاستعطاف، والسؤال؟. بين لنا، وفقك الله، ما يحملون عليه مما يوجبه الحق، ويقتضيه الشرع، والسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مأجورا إن شاء الله عز وجل. فأجاب، أيده الله، الأيتام وغيرهم، ما دعا اليه شريكهم من البيع أو المقاومة، وانكره البقاء معهم على الشركة باع نصيبه ممن شاء على الإشاعة بما وجد من الثمن.

60 - انفاق فضل غلات مسجد لاصلاح آخر

ولا يحكم ببيع مالا ينقسم، إذا دعا إلى ذلك أحد الأشراك الا فيما كان في التشارك فيه ضرر، كالدلو أو الحائط. وأما مثل الحمام والرحى وشبه ذلك مما هو للغلة فلا. وبالله التوفيق. [60]- انفاق فضل غلات مسجد لاصلاح آخر وسئل رضي الله عنه في مسجد جامع تهدمت بلاطاته وليس في مستغلاته ما يبنى منه، بعد نفقات وقيدة، وأجرة أتمته وخدمته، وعندنا مساجد قد فضل من غلاتها كثير. فهل ترى - رحمك الله - ان تبنى البلاطات المذكورة من فضلات هذه المساجد، فقد جاء، لا بأس ان تصرف الاحباس بعضها في بعض. وان كنت لا تراه جائزا فهل تؤخذ الفضلات على السلف، إلى ان تقضى من غلات المسجد الجامع، ولا يكون من فعله متعديا، ان لم يفضل من غلات المسجد الجامع ما يقضى به السلف المذكور الا بقطع وقيده وأجرة أتمته وخدمته؟ بين لنا ذلك كله مأجورا ان شاء الله تعالى. فأجاب، أيده الله: تصفحت سؤالك هذا، ووقفت عليه.

61 - على من علف الفرس المحبس للجهاد؟

وما كان من المساجد لا يفضل من غلة احباسها الا يسير فلا يجوز ان يؤخذ من غلة احباسها شىء لبنيان الجامع مخافة ان تقل الغلة فيما يستقبل فلا تقوم بما يحتاج اليه، وما كان منها يفضل من غلة احباسها كثير، حتى يؤمن احتياج المسجد اليها، أو إلى بعضها، فيما يستقبل، فجائز ان يبنى ما انهدم من الجامع بها، إذا لم يكن في غلة احباسه ما يبنى به ما انهدم منه، على ما أجازه من تقدم من العلماء في مثل هذا المعنى. والواجب: ان يقدم بنيانه وربحه على اجر ائمته وقومته الا ألا يوجد من يؤم فيه ويخدمه بغير أجر، فيكون ذلك سببا لتضييع الجامع وتعطيله. وبالله التوفيق بعزته. [61]- على من علف الفرس المحبس للجهاد؟ وسئل رضي الله عنه في رجل حبس فرسا على رجل ليجاهد به العدو، على من يكون علفه؟ بينه لنا، ان شاء الله تعالى. فأجاب، أيده الله: تصفحت سؤالك، ووقفت عليه. ولا يلزم المحبس علف الفرس الذى حبسه الا أن يشاء، فإن أبى المحبس عليه ان [38] يعلفه رجع إلى صاحبه ملكا له، إن كان حبسه عليه بعينه، ـ ولم يبتليه / في السبيل، وان كان بتله في السبيل اخذ منه، إذا ابى الانفاق

62 - يتهم الوصى الحاضن فى اقراره عند الموت لليتمية بدين؟

عليه، ودفع إلى غيره ممن يلتزم علفه، ويجاهد عليه في السبيل. وبالله التوفيق. [62]- يتهم الوصى الحاضن في اقراره عند الموت لليتمية بدين؟ وسئل رضي الله عنه في الرجل يكون وصيا على يتيمة، فيشهد عند موته: أن لها عليه عشرين مثقالا ولا يدعى هو أن له عليها شيئاً، فتموت، وتطلب اليتيمة الذهب، فيدعى ورثته ان له عليها حضانة، ويثبتون انها كانت في حضانته مدة طويلة. فهل لهم أن يحاسبوها ام لا؟ بينه لنا بفضلك نأجورا. فأجاب، أيده الله: تصفحت، رحمنا الله وإياك، سؤالك ووقفت عليه. واشهاد الوصى لها عند موته بالعشرين مثقالا، يوجبها لها، ويبطل دعوى الورثة عليها، ولا يلتفت إلى ما اثبتوه، ولا يحاسبونها بشىء وبالله التوفيق بعزته. [63]- قيام البائع فيما باع بدعوى الجهل بالمبيع والغبن في الثمن وسئل رضي الله عنه في رجل باع املاكا انجرت اليه بالوراثة،

64 - كيف يخاطب على العقود ببلد لا يوجد له قاض؟

وهو غائب عنها أنه لم يدخلها قط، من عمره، ولا عرف قدرها ومبلغها، حين باعها، وقد انعقد عليه عقد بالبيع وقبض الثمن، وانعقد عليه في العقد أنه يعرف قدرها ومبلغها، وأشهد عليه بذلك، على حسب ما يكتب في وثيقة الابتياع. وكل من في الموضع، الذي فيه الأملاك المبيعة، يشهد أنه لم يدخلها قط، ولا يعرف قدرها، ولا مبلغها، ولا يحوزها، لا قيل الابتياع، ولا بعده، فأراد أن يقوم على المبتاع فيها بفسخ البيع، لأنه باعها ببخس من الثمن. هل له ذلك أم لا؟ افتنا بالواجب في ذلك، وكيف يكون وجه الحكم، مأجورا ان شاء الله تعالى. فأجاب، أيده الله: إذا لنعقد عليه في العقد ما ذكرت، فلا يلتفت إلى دعواه، ويجوز عليه البيع ولا يكون له قيام منه. وبالله التوفيق. [64]- كيف يخاطب على العقود ببلد لا يوجد له قاض؟ وسئل رضي الله عنه في رجل قيم عليه في أملاك بجيان، واستحقت من يده، بعقود القائم، فاعذر إلى المقوم عليه، فيما ثبت

من ذلك، فادعى مدفعا، فأجله القاضى أجلا بعد أجل ووسع عليه في الأجل ثم تلوم عليه تلوما قاطعا لمعاذيره، فأظهر اليه عقد شراء ابيه من طالبه: عقد ببياسة، وبياسة لا حكم فيها تثبت عنده الحقوق فيخاطب بها. كيف ترى وجه العمل فيما ثبت عليه اذ قد انصرمت الآجال عليه والتلوم، وطال الامر. بين لنا الواجب في ذلك مأجورا ان شاء الله تعالى. فأجاب ايده الله: تصفحت - رحمنا الله واياك - سؤالك ووقفت عليه. وإذا أظهر المقوم عليه العقد بما ذكرت ولم يكن ببياسة، ولا فيما يقرب منها حكم، يثبت عنده العقد: فالواجب ان يتلوم عليه ويوسع له في الأجل، فان طال الامد ولم يقدم بالجهة حكم، كتب القاضى الذي يتخاصمان عنده، إلى رجل ثقة، عدل، مرضي من أهل الجهة، فيشهد عنده الشهود، ويخاطبه بذلك، فإذا ورد عليه جوابه بشهادة الشهود عنده، وقبوله لهم، ثبت العقد بذلك عنده وقضى. والله ولى التوفيق بعزته.

65 - حصانة الأحباس ضد الحيازة والتقادم

[65]- حصانة الأحباس ضد الحيازة والتقادم وسئل، رضي الله عنه، عن مسألة في القضاء بالحبس وحكم اغتلاله، ونص المسألة: والجواب، رضي الله عنك، في رجل كانت بيده املاك شتى في قرية بعينها، محبسة عليه وعلى عقبه، ثم على مسجد، ان انقرض العقب. فباعها من رجل غير عالم بالتحبيس المذكور. ثم ان المشترى لها، بعد أن تملكها، خلطها باملاك كانت له بتلك القرية، متصلة بالأملاك، ولعتمرها على ذلك مدة حياته إلى أن توفي فاورثها بنيه. ثم ان البنين تقاسموا تلك الاملاك كلها، وما انضاف اليها من ملك ابيهم، وانفرد كل واحد منهم بحصته وتملكها، واعتمرها وبنى، وهدم، وغرس، وعوض، وفعل كثيرا من وجوه التفويت مما يفعل ذو الملك في ملكه. ثم انتقلت عن هولاء مع غيرها مما اكتسبوا بعدها إلى ورثتهم فتقاسموها، وفعلوا من التفويت نحوا مما فعله موروثهم، عن غير علم من جميعهم بشىء مما ذكرت من التحبيس قبل، إلى أن قام الآن ابن البائع لهذه الاملاك / أولا، بعد نحو من سبعين عاما، لتاريخ البيع، وأظهر عقدا يتضمن ما ذكر من تحبيس الاملاك المذكورة، وذكر مواضعها وحدودها، وذرعها، وعقدا آخر يتضمن: أن المشترى لهذه الأملاك

استطال على البائع لها بجاهه وتمكنه من السلطان، فلم يجد بدا من بيعها منه لما ذكر عنه. وهذا المشا ر اليه في عقد الاسترعاء كان من الاعتدال وحسن الهدى وقويم الطريقة، بحيث لم ينتسب اليه قط شىء مما ذكر عنه. وثبت العقدان بما وجب ثبوتهما، ولم يبق من اهل تلك القرية ولا من غيرها أحد يحوز شيئاً من تلك الاملاك، ولا يعين موضعها، ولا يفرق بينه وبين املاك غيره، من سائر الورثة المذكرورين لهذه القرية، وكان هذا القائم الان، وابوه قبله، ساكنين على مسيرة يومين من موضع هذه الاملاك في المدينة التى اليها عمل هذه القرية وأحكامها، وجميع امرها، عالمين لما ذكر من الاعتمار، والتقاسم، والتفويت لا ينكران شيئاً مما ذكر ولا يمنعها عذر من القيام بما قام به هذا الآن، في اكثر المدة المذكورة قبل. بين لنا - وفقك الله - هل في سكوتهما طول هذه المدة المذكورة قبل، وترك القيام، مع علمهما عنهما، حجة عليهما وقطع لدعواهما؟ ثم كيف الحكم مما قد أشكل من حيازة الأملاك وكيف ان ثبتت الحيازة، هل يكون على الورثة المذكورين فيه كراء ما اعتمروا من الاملاك المذكورة؟ بين لنا ذلك إن شاء الله تعالى.

66 - هل تعتبر هبة الشىء اسقاطا لحق العمرى عليه؟

فأجاب، ايده الله بهذا الجواب، ونصه: تصحفت - رحمنا الله وإياك - سؤالك هذا ووقفت عليه. ولا يجب القضاء بالحبس إلا بعد أن يثبت التحبيس، وملك المحبس لما حبسه، يوم التحبيس، وبعد ان تتعين الأملاك المحبسة بالحيازة لها، على ما تصح الحيازة به. فإذا ثبت ذلك كله على وجهه، وأعذر إلى المقوم عليهم، فلم تكن لهم حجة، الا ما اعتلوا به من ترك القائم، وأبيه قبله، القيام عليهم وطول سكوتهما عن طلب حقهما، مع علمهما بتفويت الأملاك بالوجوه المذكورة، فالقضاء حينئذ، بالحبس واجب، والحكم به لازب. وأما الغلة، أو الكراء، فلا يجب الرجوع على الورثة بشىء من ذلك، اذ لم يعلموا بالحبس، على ما اختاره الشيوخ، وتقلدوه من الاختلاف في ذلك. وبالله التوفيق بعزته. [66]- هل تعتبر هبة الشىء اسقاطا لحق العمرى عليه؟ وسئل، رضي اله عنه، في مسألة بسبتة، فاختلف فيها فقهاؤها ونص المسألة: جوابك، رضي الله عنك، في امرأة وهبت ميراثها في ابنتها لحفدتها، بنى ابنتها المذكورة في جميع ما تخلفته، وكان مما تخلفته

نصف جنة، قد كانت امتعت امها بغلتها، طول حياتها، في صحتها، وعقدت بذلك عقدا. فقالت الام: انها لم تهب الغلة الواجبة لها بالامتاع، وانما وهبت ما صار اليها بالميراث عن ابنتها من الرقبة. فأجاب، ايده الله، فيها بهذا الجواب، تصفحت - رحمنا الله واياك - سؤالك هذا، والعقدين النتسخين فوقه ووقفت على ذلك كله. وإذا ثبت عقد الامتاع المذكور على نصه، ولم يكن عند الأب فيه مدفع، فلا يبطل ما تضمنه من الامتاع بثمرة نصف الجنة، بطول حياة المتعة، ما انعقد عليها من هبتها لجميع ما ورثته عن ابنتها في الجنة وغيرها، لان ثمرة نصف الجنة قد وهبت لها طول حياتها بالامتاع، في صحة ابنتها، فليست موروثة عنها، وانما الموروث عنها من الجنة مرجع نصفها بعد وفاة امها. فالهبة انما وقعت من الجنة فيما جره الميراث اليها منها، وهو حظها من المرجع المذكور، وذلك باطل، لأنها هبة بعد الموت، لا تجوز الا من الثلث، على سبيل الوصية وهي لم ترد بها الوصية، فهي أحق بغلة نصف الجنة طول حياتها، فإذا انقضت حياتها، ورث عنها الحظ الواجب لها منها بالميراث عن ابنتها. ولا يحمل عليها. أنها اسقطت حقها، الواجب لها بالامتاع المتقدم، الا بنص وبيان؛ لان الاصل: ان الاملاك لا تنتقل عن ملك اربابها الا بيقين، وان احدا لا يؤخذ الا بما أقر به على نفسه.

67 - ترجيح عقد الشراء على عقد الحبس لفقدان تحديد الاملاك المحبسة

والله ولى التوفيق [67]- ترجيح عقد الشراء على عقد الحبس لفقدان تحديد الاملاك المحبسة وكتب ابن منظور قاضي / مدينة اشبيلية إلى الفقهاء المشاورين بقرطبة رضي الله عنهم، يسألهم عن مسألة ابن زهر التي نزلت به في قيام ابن زهر على ابن خالص. فأجاب فيها الفقيه الإمام الحافظ ابو الوليد ابن رشد، رضي الله عنه، بهذا الجواب المبرم، والايراد المحكم، وقد تقدم هذا الجواب في الجزء الاول وفي لفظه خلاف اللفظ الاول غير أن المعنى فيهما واحد. تصفحت خطابك، وما أدرجت طيه، ووقفت على مضمن ذلك كله. وقول يحيي بن محمد بن خالص المقوم عليه في الاملاك التي بيده، لقرية فلانة ابتاعها من انجزت اليه بالوراثة عنه، من محمد بن مروان ابن زهر اقراره له منه بالملك، إلا أن القائم عليه فيها بالتحبيس لم يأت في الحيازة، بما له فيه منفعة؛ اذ لم يعرف الحائزون: ان الاملاك التي حازوها هي المحبسة المذكورة في كتاب التحبيس، الثابت عندك،

ولا شهدوا بذلك، وانما شهدوا بملك ما حازوا لمحمد بن زهر خاصة، والملك قد اقر له به المقوم عليه ابن خالص، فلم تفدنا الحيازة معنى يوجب حكما، ولا تحقق لها تحبيس هذه الاملاك المقوم فيها على ابن خالص. واذ لم يبق من شهود عقد التحبيس من يعين ان هذه الاملاك، التي بيد ابن خالص، هي التي اشهده المحبس على تحبيسها، ولا تضمن عقد التحبيس من وصف الاملاك وتحديدها ما يعلم به انها هي بموافقة الحدود لها، فلا يعتبر بوقت وقوع البيع، الذي اثبته عندك القائم على ابن خالص، بالسماع ان كان قبل تاريخ كتاب التحبيس أو بعده، ولا يحتاج ان يسأل الشهود عن ذلك. وشهادتهم، على نص ما تضمنه العقد من انهم لم يزالوا يسمعون، على الاطلاق، من غير تقييد، محمولة على أنهم لم يزالوا يسمعون ذلك، على مر الايام وسوالف الاعوام، منذ نشأوا وعقلوا، على ما يقتضيه الاطلاق، وذلك أكثر من المدة التي حددها اهل العلم في اجازة شهادة السماع، بخلاف ما لو عرى العقد من لفظه، لم يزالوا، وقيدت فيه لمدة غير محصورة ولا محدودة. واذ ثبت عندك - وفقك الله - الاسترعاء بالسماع المذكور على نصه، واستنفذت حجج المتخاصمين عندك، فلم يكن للواحد منهما من الحجة غير ما أظهره اليك، واثبته عندك، فالقضاء ببقاء الاملاك بيد ابن خالص واجب، والحكم بمنع القائم بالتحبيس من الاعتراض له والتكرر عليه لازب، الا ان يأتي بغير ما اتي به اولا، فتنظر فيه

اذ لا تعجيز في الاحباس. ولا يلزم ابن خالص، إذا قضيت ببقاء الأملاك بيده، وحكمت بقطع الاعتراض عنه، شىء من ثمنها، اذ قد مضى من طول المدة ما يصدق فيه المبتاع على أداء ثمن ما ابتاعه، في قول مالك رحمة الله، وأصحابه كلهم. ولو وجب ان يحكم على ابن خالص، بالثمن لما صح ان يمكن ابن ذهر من قبضه وتموله، الا ان يرجع عنا ادعاه من التحبيس إلى تصديق ابن خالص فيما ادعاه من البيع، على اختلاف اصحابنا المتقدمين رحمهم الله في ذلك. وسائر ما تضمنه عقد التحبيس الثابت عندك لا يوجب ان يسأل من بيده شىء من ذلك؛ من أين صار اليه؟ ولا يعتقل عليه، ولا يكلف اثباتا ولا عملا الا من بعد أن يثبت القائم بالتحبيس ملك المحبس لما حبسه، ويجوز ما أثبت تحبيسه حيازه صحيحة على الوجه الذي ذكرناه وهذا أصل اختلاف فيه، اعنى: أن من بيده ملك يدعيه لنفسه لا يكلف اثبات من أين صار اليه، حتى يثبت المدعى ما ادعاه ويحوزه والله ولى التوفيق بعزته

مخالفة أربعة من المشاورين بقرطبة لرأى ابن رشد: وافتى الفقيهان المشاوران ابو محمد، وأبو القاسم ابنا الإمام الشيخ أبي عبد الله ابن عتاب، رحمه الله: أن يسأل الشهود الذين شهدوا على البيع بالسماع، عن تاريخ وقت البيع، فان كان ذلك قبل تاريخ كتاب التحبيس، قضى ببقاء الاملاك بيد ابن خالص، وأبطل قيام ابن زهر بالتحبيس، وان كان ذلك بعد تاريخ كتاب التحبيس، أو لم يؤرخوا شيئاً، نفذ التحبيس وقضى به، وأبطل البيع. واحتجا في إعمال المؤرخ على غير المؤرخ لما حكاه ابن حبيب / في الواضحة. وتابعهما على جوابهما واعمال الحيازة وترك اعتراضهما واعمال الحبس واكماله باقرار ابن خالص بالملك، إذ أقر بالبيع؛ الفقيه القاضي ابو عبد الله ابن حمدين، قاضي الجماعة بقرطبة، والفقيه ابو محمد عبد الصمد رحمهما الله. - مخالفة اصبغ بن محمد لابن رشد، ايضا: وقال الفقيه الاجل ابو القاسم اصبغ بن محمد رضي الله عنه:

68 - مطالبة ببضاعة بعد إبراء في أمرها

لا يصح التحبيس الا بعد اثبات ملك التحبيس لما حبسه، وقت التحبيس، وليس في اقراره ابن خالص بالشراء من المحبس إلا الإقرار بالملك يوم البيع، وذلك مالا منفعة فيه. فان ارخ الشهود السماع مدة تجوز فيها شهادة السماع، مثل الثلاثين سنة، إلى نحو ذلك، قضي لابن خالص، بما بيده من الأملاك، وأبطل الحبس، وسجل بذلك، وان لم يجدوا الا مدة قريبة نحو العشرة الاعوام إلى خمسة عشر علما، قضي لابن زهر ببقاء الأملاك بيده، على ما يقربه من التحبيس. والله التوفيق. [68]- مطالبة ببضاعة بعد إبراء في أمرها وسئل الفقيه الإمام الحافظ ابو الوليد ابن رشد، رضي الله عنه، نصف هذا العقد، ونصه: عقد إبراء: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) أشهد أحمد بن صبيح النمرى، وعبد الرحمن بن طويل على أنفسهما شهداء هذا الكتاب في صحتهما وجواز امرهما، بالمذكور عنهما. وذلك ان أحمد منهما، كان قد دفع إلى عبد العزيز بن محمد، أخى عبد الرحمن المذكور، دارهم ليبتاع له بها غزلا من حرير

فزعم عبد الغزيز أنه ابتاع ذلك، ووجه من ذلك، مع أخيه عبد الرحمن، إلى أحمد بن صبيح، ثلاثة ارطال الا ثلث رطل، بوزن الحرير الجاري بجيان منذ عشرة اعوام ونصف عام متقدمة لتاريخ هذا الكتاب، وأن عبد الرحمن المذكور لحقه ضرر في الطريق، فضاع الغزل المذكور، الذي كان يجلب لاحمد المذكور، فترافع إلى الحق، وأقر عبد الرحمن بذلك، وأوجب اهل العلم على عبد الرحمن غرم ذلك، بعد ان يحلف عبد الرحمن على صفة الغزل، فحلف عبد الرحمن: أن الغزل كان مقطوعا منفردا، وحلف احمد في مقطع الحق: أنه ما قبض الذي أتلف عبد الرحمن من عبد الغزيز أخى عبد الرحمن. المذكور، وقدر أهل البصر قيمة الغزل الذي حلف عليه عبد الرحمن بخمسة عشر درهما كل رطل، فوجب لذلك خمسة دنانير ثلثية ودرهم واحد. وقبضها أحمد، وأبرأ ذمة عبد الرحمن من جميعها، ولم يبق بينهما من سبب هذه الدعوى في الغزل المذكور من الثلاثة الارطال الا ثلثا يمين، ولا حجة ولا شىء من الاشياء، إلا ان أوجبت له السنة على عبد الرحمن شيئاً. شهد. تصفح - بفضلك - هذا العقد فوق هذا، فإنه جرى الحكم به بجيان منذ ثلاثة اعوام متقدمة، وانعقد به بينهما العقد المذكور فوق هذا. ثم قام، الآن أحمد بن صبيح يطلب من عبد الرحمن غزلا طيبا ويذهب عبد الرحمن إلى الوقوف إلى ما توجبه السنة. أفتنا بالواجب في ذلك ان شاء الله.

69 - سبب آخر لضمان الغزل

فأجاب أيده الله: إذا ثبت العقد المنتسخ فوق هذا إلى بن صبيح فيه، فلم يكن عنده فيه مدفع، فلا قيام له على عبد الرحمن بسبب هذه الدعوى ان شاء الموفق للصواب. وليس فيما تضمنه العقد ما يوجب على عبد الرحمن ضمان الغزل، ولكني الجواب على هذا الفصل، اذ لم يقع عنه السؤال، مخافة أن يكون تلقينا لعبد الرحمن، وتنبيها له على طلب أحمد بما اغرمه إياه من قيمة الغزل. ويحتمل ان يكون انما افتى عليه بالضمان لشيء أقربه عند المفتي سقط في العقد بقلة التحصيل. [69]- سبب آخر لضمان الغزل ثم كتب اليه في المسألة بعينها سؤاله، ذكر فيه ان المبعوث معه الغزل تركه في بعض الطريق في الفحص ونهض إلى بعض حوائجه وأرسل عنه، فزعم الرسول انه لم يجده فسئل: فهل يلزمه بهذا ضمان الغزل؟ وهل يصدق في صفته ان ادعى مالا يشبه صفة غزل ذلك الموضع؟ فأجاب، وفقه الله.

70 - هل طلب القسمة يبطل حق الشفعة؟

إذا كان الامر علي ما وصفته فالمبعوث معه الغزل ضامن للصفة التي يقربها، مع يمنيه. وقد سئلت في غير هذا السؤال، أنه قد حكم عليه بذلك فحلف: أن الغزل الموجه كان مقطوعا، منفردا، وأغرم ما قوم به أهل المعرفة بقيمة الغزل، الصفة التي اقربها وحلف عليها. [70]- هل طلب القسمة يبطل حق الشفعة؟ وسئل رضي الله عنه في رجلين اشتريا ارضا وغرساها كرما وشجرا وتملكاها مدة. ثم ان أحدهما اشرك اخاه في نصف نصيبه، ولم يعلم بذلك شريكه. فلما كان بعد مدة احتاجا إلى قسمتها، وأحضرا لذلك رجالا عدولا، وقسما الأرض بنصفين، فزاد احد النصفين على صاحبه، فجعلا بينهما ذهبا، فوقعت الزيادة على الشريك الذي لم يشرك في نصيبه فأمضى له شريكه النصيب بالزيادة المسماه، وأبى أخوة المشرك أن يمضي له شريكه النصيب بالزيادة فقال له الشريك: أما أنت فلم أشركك، ولا انعقد بيني وبينك وثيقة، وان كنت اشتريت من شريكي، فلي الشفعة فيما اشتريت. فهل تتم القسمة بينهما، إذا لم ينعم لهما الاخ المشرك ام لا؟

71 - هل تقبل الشهادة على التخمين في تقدير غلة المغصوب

وهل تجب له القسمة عليه؟ وأفتنا بالواجب، يعظم الله أجرك. فأجاب وفقه الله: لا تنفذ القسمة بينهما، إذا لم يرض الأخ المشرك بها، وللشريك ان يستشفع على أخي شريكه ما أشركه فيه من نصيبه، بالثمن، الذي أشركه به ان كان لم يدعه به إلى المقاسمة، ولا حاول ما حاول منها الا وهو غير عالم بأن له معه شريكا، ان شاء الله. [71]- هل تقبل الشهادة على التخمين في تقدير غلة المغصوب وسئل رضي الله عنه في رجل شهد عليه أنه استغل ضيعة رجل ظلما وعدوانا، ثم شهد الشهود: أن قيمة غلة الضيعة على التقريب، مائتا مثقال وخمسون مثقالا. هل تجوز شهادة الشهود على التقريب دون معاينة بيع المستغل بقيمة محدودة ام لا؟ وأثبت الرجل المطلوب انه يعمر الضيعة ويقوم عليها ويؤدي عليها الخراج للسلطان. هل يجب ان يقطع له، مما شهد به عليه، حق العمارة، وما أداه من الخراج ام لا؟

72 - كيف ينفذ على أموال الغائب؟

بين لنا وجه الحق في ذلك، يعظم الله أجرك. فأجاب أيده الله: لا تجوز شهادة الشهود على التقريب والتخمين، وانما تجوز على القطع، والتحقيق، ومعرفة الاستغلال، فتستنزل البينة حتى تشهد على ما تقطع عليه ولا تشك فيه. فان انكر ان يكون استغل اكثر مما شهد به عليه الشهود حلف على ذلك في مقطع الحق، بالله لا اله الا هو، ويكون له ما أنفق في عمارة الضيعة والقيام عليها فيما عليه من الغلة. وكذلك ما أداه إلى السلطان من الخراج ان كان حقا واجبا، والا فلا. ولله الموفق للمطلوب بعزته. [72]- كيف ينفذ على أموال الغائب؟ وسئل رضي الله عنه في رجل غائب ثبت عليه حق لرجل ثان وللغائب خصم يخصم عنه، بتوكيل ثابت استقر بيده، فادعى الخصم ان عند المطلوب بالحق ما يدفعه، هل ان يؤجل الغائب على قدر بعد قطره، ليرسل ما بيده، ام تطلق، من حين ثبوت الدين، يد الطالب على أملاك الغائب ينتصف منها؟

73 - هل يقضي لوكيل الغائب في المال المتنازع فيه؟

بين لنا وجه الحق يعظم الله أجرك. فأجاب أيده الله: ان كان الذي ثبت عليه الدين قريب الغيبة على مسيرة اليوم واليومين والثلاثة ونحوها، وأجل له أجل على قدر بعد الموضع. وان كانت غيبته بعيدة، لم يكتب اليه، ولا تلوم عليه، وأعداه الحاكم فيما ثبت له من الدين فيما يجب من مال حاضر، بعد أن يحلفه بالله الذي لا اله الا هو، في مقطع الحق، ان دينه ثابت عليه، لم يقبضه منه، ولا وهبة له، ولا أحال به عليه، ولا سقط عنه، بوجه من الوجوه ويكون الغائب على حجته إذا قدم. والله الموفق للصواب بعزته. [73]- هل يقضي لوكيل الغائب في المال المتنازع فيه؟ وسئل رضي الله عنه في رجل غاب عن مكانه، وترك به دارا خربة فعمد اليها بعض قرابته وبناها من ماله. ثم إلى مدة، توكل له القريب المذكور، وزاد من ماله بينايا في الدار المذكورة، والبينة ببنيانه، الا انها لا تعلم أمن مال الحاضر، ام من مال الغائب؟ فقام رجل ادعى حقا على الغائب، وثبت له فاراد بيع الدار المحدودة، لينتصف منها، وطلب حق بنيانه، الذي شهد له به فادعى طالب الحق من الغائب على الوكيل: أن البنيان من مال

74 - سقوط الحق في الحضانة

الغائب، والوكيل يقول: من مالي / بنيت. أفتنا رضي الله عنك، على من اثبات ما يدعيه؟ والقول قول من [43] منهما؟ ان شاء الله تعالى. فأجاب أيده الله: إذا قامت البينة، كما وصفت، على ولاية البنيان، فالقول قوله مع يمنيه، في مقطع الحق، على أنه إانما انفق فيه من ماله، ويستحقه، الا ان تقوم عليه بينة بخلاف ذلك. وبالله التوفيق. [74]- سقوط الحق في الحضانة وسئل رضي الله عنه في رجل كانت له زوجة، فطلقها وله منها ابنة فتزوجت الزوجة، وترك الاب الابنة المذكورة مع امها، بعد ان تزوجت مدة من ثلاثة اعوام، ثم اراد اخذها منها. هل له ذلك ام لا؟ فأجاب أيده الله: ان ترك الاب الابنة عند أمها، بعد ان تزوجت المرأة المدة المذكورة، فهو رضا منه بتركها عندها، ومسقط لما وجب له من حضانتها. فالواجب: ان ترد إلى امها، تكون في حضانتها وكفالتها، ويجري الاب عليها النفقة.

75 - رجوع البائع فيما باع بدعوى الاكراه والغبن

والله الموفق للصواب. وهي رواية وجدتها في كتاب أبي اسحق التونسي. [75]- رجوع البائع فيما باع بدعوى الاكراه والغبن وسئل رضي الله عنه في رجل كان له عقار في ناحية من النواحي، ولم يقف على مبلغ العقار، قط اذ لم يكن في ملكه، وكان يتملكه رجل من أهل الناحية، يمت اليه بقرابة، تملكه أزيد من عشرين عاما، وكان صاحب العقار يخاف سطوته لجاهه وقدرته. فلما كان بعد الأمد الموصوف من تملكه اياه، خاف على نفسه الطلب فعمد إلى صاحب العقار، وابتاعه منه ببخس من ثمنه، لم يخرجه قط من ملكه ولا عرف قدر ما باع منه اذ كان على ملكه. وذهب الان اعزك الله، صاحبه ليطلب حقه بحسب الواجب، في ذلك كله. فهل ترى له القيام في ذلك، اذ لم يعرف قدر ما باع ولا خرج من يد المتباع له قط. أفتنا بالواجب في ذلك يعظم الله أجرك. فأجاب أيده الله: تصفحت رحمنا الله وإياك سؤالك ووقفت عليه.

وان أثبت القائم في العقار أن الابتياع وقع فيه، وهو بيد المبتاع على سبيل الغصب له والتسور عليه، وربه ممنوع منه، غير قادر على اخراجه من يده، لجاهه وقدرته على الامتناع من ان تجري عليه الأحكام، فسخ البيع فيه ورد إلى البائع، ورد البائع على المبتاع الثمن، الذي قبض منه فيه. وان كان الذي العقار بيده ابتاعه من ربه، بعد ان زال جاهه وأمنت سطوته وصار ممن تجري عليه الأحكام ولا يقدر على الامتناع من الحق، فابتياعه منه وهو على هذه الحال، جائز وان كان العقار بيده، لم يصرفه إلى ربه. هذا الذي أختاره، وأتقلده، وأفتى به مما قيل في ذلك. وقول البائع: انه لم يعرف قدر ما باع ادعاء غير مسموع منه، ولا مقبول قوله فيه؛ غير انه يجب له في ذلك اليمين على المبتاع إن ادعى عليه أنه علم أنه باع منه ما جهله، ولم يعرف قدره. وبالله التوفيق. (ابن حمدين يخالف ابن رشد) وأجاب فيها الفقيه ابو عبد الله ابن حمدين رحمه الله: ان كان باعه منه بعد أن أمكنه، ولم يكن ثم مانع يمنعه منه فالبيع جائز، ولا سبيل إلى نقضه، إلا أن يكون لم يعلم قدر ما باع جاهلا به فينتقص البيع. والله الموفق للصواب برحمته.

76 - عقوبة من سب الرسول عليه السلام

[76]- عقوبة من سب الرسول عليه السلام وكتب قاض جيان إلى الفقيه الإمام الحافظ أبي الوليد ابن رشد، رضي الله عنه بهذا السؤال ونصه: الجواب رضي الله عنك في رجل شرطي شهد عليه انه شتم النبي صلى الله عليه وسلم بشتم قبيح، مرة وثانية، وهو سكران، وغير سكران. فأجاب أيده الله، بهذا الجواب، ونصه: إذا ثبت على هذا الملعون بشهادة شاهدين يقبلهما الحاكم لمعرفته بهما أو لعدالة من عدلهما عنده، أنه سب النبي صلى الله عليه وسلم، وآذاه بكلمة واحدة فما فوقها مما وصفت عنه، وأعذر اليه فيمن شهد على عينه بذلك فلم يكن عنده مدفع، فالانتقام لله ولرسوله منه بالقتل، من غير استتابة، واجب وتعجيل اراحة العباد والبلاد منه لازب. وقد سئل الفقيه ابو عبد الله ابن عتاب، رحمه الله، عن عشار، شهد عليه انه قال لرجل، عندما فتش عليه متاعه أد ما عليك إلى [44] واشك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال لآخر قال له عند تضييقه عليه، إلى كم هذا التضييق على الناس، وقد رأيتك بغرناطة تفعل مثل هذا، ورأيتك تسأل الناس، وستكون كذلك ان شاء الله فقال العشار: ان كنت سألت فقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم فأفتى ابن عتاب رحمه الله تعالى عليه بالقتل.

77 - قيام أبي العلاء ابن زهر بالحبس في ضيعة ببادية إشبيلية

فيكف بهذا الملعون الذي انتهى من سب النبي صلى الله عليه وسلم واذايته إلى هذا المنتهى! وقد امر الله عباده بتوقير النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه ونصره وفرض عليهم اجلالا له وتعظيما واكراما، وقال: {ان الذين يؤذون الله ورسوله، لعنهم الله في الدنيا والآخرة، واعد لهم عذابا مهينا} [سورة الاحزاب الآية: 57] ولا يعذر هذا الفاسق الملعون بالسكر فالحدود تجب على السكران من الخسر كما تجب على الصحيح. وبالله التوفيق. [77]- قيام أبي العلاء ابن زهر بالحبس في ضيعة ببادية إشبيلية وسئل رضي الله عنه، من مدينة اشبيلية، في مسألة من مسائل ابن زهر، ونص السؤال: الجواب، رضي الله عنك، في رجل في ملكه ضيعة ببادية اشبيلية ورثها عن سلفه منذ سبعين عاما، لم يزل هو وأبوه قبله، يتصرف في الضيعة المذكورة بما يتصرف به ذو الملك في ملكه، من العمارة والبنيان والاستغلال وغير ذلك، إلى ان قام عليه رجل، فادعى ان الضيعة رهن بيده، به تملكها سلفه قبله، واسترعى عقدا على

السماع، بالرهن فاثبت الذي بيده الضيعة، على السماع، أن جده ابتاعها من جد القائم عليه فيها، فافتي: ان شهادة الشراء أعمل. ثم قام ذلك الرجل بعينه يدعي ان تلك الضيعة حبس عليه، وأثبت عقد التحبيس بالشهادة على خطوط شهدائه يتضمن: أن فلان ابن فلان حبس على ولده فلان وعلى كل ولد يولد له، وعلى اعقابهم، وأعقاب أعقابهم، جميع ضيعته بقرية فلانة المشتهرة بالنسبة اليه، وجميع املاكه بقرية فلانة المشتهر جميع ذلك بالنسبة إلى المحبس، اغنى اشتهارها عن تحديدها، وجميع الفندق الذي بمكان كذا، المشتهر بالنسبة إلى المحبس، ثم أكمل العقد. شهد على اشهاد المحبس ممن حضر وعاين تخلي المحبس عن جميع ما وصف من الاملاك وقبض المحبس عليه لها وذلك في ذي القعدة من سنة اربع عشرة وأربع مائة. فهل ترى قيامه بالرهن، اولا، يبطل قيامه بالحبس، أم لا؟ وكيف ان عجز عن اثبات ملك المحبس لما حبسه بالبينة القاطعة، هل يجوز اثباته بالسماع؟ وهل تجوز شهادة السماع في اثبات نسبة وأنه من عقب المحبس. فأجاب أيده الله، بهذا الجواب، ونصه؟ تصفحت رحمنا الله وإياك سؤالك ووقفت عليه، وعلى عقد التحبيس وكان من وجه الحكم، فيما سألت عنه: الا يكلف الذي بيده الضيعة اثبات من اين صارت اليه ولا يسأل عن شيء حتى يثبت

القائم فيها: ملك الراهن لها، ورهنه اياها، موته، وأنه وارثه، او وارث وارثه، لا وارث له غيره، في علم من شهد له بذلك، بينة تحوزها وتعينها. وكذلك الحكم في قيامه بالحبس سواه في مذهب مالك، جميع اصحابه المتقدمين والمتأخرين، لا اختلاف بينهم في هذا الاصل. غير ان قول المقوم عليه: ان الضيعة المقوم عليه فيها ابتاعها جده من جد القائم عليه فيها اقرار منه له بملكها، فاذا كان هو المحبس، واثبت حفيده القائم فيها عقد التحبيس المذكور، وأنه من عقب المحبس، لا عقب له غيره، بالسماع، ان عجز عن اثبات ذلك بالبينة القاطعة، وأعذر إلى المقوم عليه فيما ثبت من ذلك، فلم يكن عنده فيه مدفع، فالواجب ان يسأل المقوم عليه عن الضيعة التي اقر بشراء جده لها من جد القائم عليها فيها؛ فإن أقر أنها هي التي وقع ذكرها في كتاب التحبيس لم يجب على القائم فيها حيازة، لاتفاقهما عليها، نظر إلى تاريخ كتاب التحبيس وتاريخ السماع لشراء جد المقوم عليه من جد القائم، فإن وجد تاريخ الحبس اقدم قضي به وبطل الشراء، ووجب الرجوع بالثمن، وان وجد تاريخ السماع بالشراء أقدم، أو لم يعلم ايهما قبل صاحبه، قضي بالشراء، وبطل التحبيس، [45] وهكذا الرواية في ذلك. وان أنكر المقوم عليه أن تكون هي التي وقع ذكرها في كتاب التحبيس، لم يصح لحاكم ان يحكم للقائم بها، ولا ينظر له فيها، لاحتمال صدق قوله بأن يكون المحبس انما حبس ضيعة كانت له بالقرية

المذكورة مشتهرة، حينئذ، بالنسبة اليه ثم اكتسب هذه الضيعة المقوم فيها بعد ذلك، وباعها من جد المقوم عليه، على ما شهدت به البينة، على السماع او غير ذلك من الوجوه المحتملة. ولا يصح لحاكم أن يحكم إلا بيقين، لا اشكال فيه ولا احتمال، وهو معدوم في هذه المسألة إلا من جهة اقرار المقوم عليه، على ما وصفت لك، اذ قد باد شهود التحبيس الذين تصح بهم حيازة ما اشهدهم المحبس عليه، ولم يقع في كتاب التحبيس تحديد للضيعة المقوم فيها، فيمكن ان يحاز بها: على الصفة التي وصفها أهل العلم في الحيازة على الحدود إذا مات من شهد على الأصل. والله أسأله التوفيق بعزته. أصبغ بن محمد وقيمة شهادة السماع في الحبس وأجاب فيها الفقيه أبو القاسم أصبغ بن محمد، رحمه الله بهذا الجواب: ونصه تصفحت رحمنا الله وإياك سؤالك وعقد التحبيس. واذا لم يثبت القائم ملك المحبس فقيامه باطل ولا تصح شهادة السماع في هذا، اذ لم يستخرج بشهادة السماع شيء من يد الحائز. وبالله التوفيق. اعتراض ابن الوزان على أصبغ بن محمد تأييدا لابن رشد فقيل: ان هذا الجواب جواب على غير تدبر، اذ أقر الذي بيده الضيعة بملك المحبس لها، اذ قد ادعى شراء جده اياها منه واثبته بالسماع.

ولا يصح في المسألة غير ما أجاب به الفقيه الاجل الإمام الحافظ ابو الوليد ابن رشد رضي الله عنه. جواب مختصر مما سبق في المسألة بعينها: وسئل الفقيه الإمام الحافظ ابو الوليد ابن رشد رضي الله عنه في مسألة ابن زهر ايضا، بسؤال آخر، فأجاب أيده الله، بهذا الجواب. ان اقر المقوم عليه: أن الاملاك المقوم عليه بها، هي التي وقع ذكرها في كتاب التحبيس، وثبت ان عقد التحبيس وقع قبل الشراء الذي اثبته اتلمقوم عليه بالسماع، لم يكلف القائم إثبات ملك المحبس لها لقول المقوم عليه: ان موروثه اشتراها منه وقضي للقائم بتحبيسها بعد الإعذار فيما اثبته القائم. وان لم يقر المقوم عليه بذلك، وكان قد مات جميع شهود عقد التحبيس، ولم يبق منهم من يجوز ما شهد فيه، ويعينه، لم يصح به حكم، وان ثبت بالشهادة على خطوط شهدائه، اذ لم يتضمن من تحديد الاملاك المذكورة ما يستدل بيد مدعيها الا أن ثبت القائم غير ذلك بما يجب ان ينظر له فيه. وقد سئلت عن هذه المسألة في غير هذا السؤال، فجاوبت فيها بأبسط من هذا الجواب.

78 - قيام أخت على أخيها في تركة الاب بعد مدة طويلة

[78]- قيام أخت على أخيها في تركة الاب بعد مدة طويلة وسئل رضي الله عنه بسؤال من جهة بسطة ونصه: الجواب رضي الله عنك، في رجل قامت عليه اخته تطلبه بميراثها من أبيها فيما تخلفه من الاصول ووقفته على الاملاك، ذكرت ان أباهما تخلفهما فأقر ببعضهما وادعى ان أباه تصدق عليه بثلثها على الاشاعة عند نكاحه وقال في بقيتها: ان بعضها له، صارت اليه من غير ابيهما وبعضها لزوجته صارت اليها من ميراث ابيها. ثم وقف وكيله على الخصام على التوقيف المذكور على نصه، فقال إن جميع الاملاك مال موكله وملكه. ثم وقف عليه مرة ثانية فقال: ان موكله قد قاسم في جميعها اخته وقبضت حصتها من ذلك واستظهر بعقد تضمن ان الناظر لاخته بتقديم صاحب احكام الجهة، قبض ما وجب لها من الأصول، التي تخلف ابوهما، منذ ستة عشر عاما، وذلك كذا وكذا. فهل يكون اضطراب قول الموكل مكذبا لشهود الاسترعاء؟ وكيف يكون الحكم في ذلك؟ فأجاب أيده الله، على ذلك بهذا الجواب:

ان كان المقوم عليه قد جعل، إلى وكيله على المخاصمة عنه، الاقرار والانكار عليه، فقوله: ان مؤكلة قاسم اخته في جميع الاملاك التي وقف عليها، اقرار منه عليه لمشاركته اخته له في جميعها، فينفذ ما تضمنه عقد الاسترعاء من القسمة فيما يحوزه شهوده ويعينونه من الاملاك المذكورة في التوقيف، إذا ثبت على نصه، ولم يكن للاخت، أو القائم عنها فيه مدفع، ويقضي لها بميراثها في سائرها، ان كانت في يديه، الا أن تكون له بينة على ما ذكر من صدقة ابيه بثلث ما سمى منها وان كان من الاملاك المذكورة شيء في يدي زوجته لم يجز اقراره عليها بها ولا شهادته عليها وتوقف هي على ذلك، فما ذكرت انه صار اليها بالميراث عن ابيها كان القول فيعه قولها مع يمينها، الا ان تقوم بينة بخلاف ذلك وما ذكرت انه صار اليها بالوصية من قبل أبي زوجها لم تصدق في ذلك الا ان تكون لها بينة عليه. ولا يكون ما اختلف من قول الوكيل مكذبا بشهود الاسترعاء المذكور. وبالله التوفيق. جواب أصبغ بن محمد في المسألة وأجاب عن السؤال بعينه الفقيه ابو القاسم أصبغ بن محمد رحمه الله الجواب، ونصه: إذا ثبت الاسترعاء المذكور بالقسمة، ولم يكن للأخت فيه مدفع قضي به ولم يلتفت إلى شيء مما سواه وهو جواب كما تراه.

79 - فساد البيع بالغر في الثمن

[79]- فساد البيع بالغر في الثمن وسئل الفقيه الإمام الحافظ أبو الوليد ابن رشد رضي الله عنه في رجل ابتاع له - ولا خويه صغيرين في حجر ابيهما من ابيهم وعن اذنه لهما، صفقة واحدة، املاكا في قرى، على الإشاعة بثمن معلوم، نجم الثمن عليهم على اعوام معلومة وليس للصغرين مال. من اين يؤخذ ما لزمهما في كل نجم حاشا مستغل حظهما من هذا المبيع إذا كانت فيه غلة، وان لم تكن فيه غلة، انظرهما متربصا لانتظار غلة وان مات البائع، هل يمضي البيع للصغرين ام يرجع ميراثا؟ وهل يجوز هذا البيع؟ بين لنا ذلك ان شاء الله. فأجاب أيده الله: ينفذ للأخ الكبير، المالك لامر نفسه، ما ابتاع لنفسه من الاملاك المذكورة، ويبطل ما ابتاع لاخويه الصغرين منها، إذا كان ابتياعه لها على الصفة التي ذكرت، الا ان يكون في أصل البيع شرط: أن يقتضي الثمن من غلة المبيع، إن كان له غلة، فيبطل البيع في الجمميع، ويرجع ميراثا. والله الموفق للصواب بعزته.

80 - صورة من العتق المؤجل بين اختيار ابن رشد وقول أشهب

[80]- صورة من العتق المؤجل بين اختيار ابن رشد وقول أشهب وسأله، رضي الله عنه، الشيخ الفقيه ابو المطرف الشعبي، رحمه الله من مالقة وذكر انه خولف ابو المطرف المذكور فيما ذهب اليه في هذه المسألة والله اعلم. ونص المسألة من أولها إلى آخرها. جوابك رضي الله عنك في امرأة عقدت لمملوكة لها عتقا، لقبل السبب الذي يكون منه وفاتها بشهر، وشرطت في العقد انها ان تعوقت او تخلفت او أبقت فلا عتق لها ويبطل ما عقدته من عتقها. فثبت تخلفها وتعوقها وأرادت السيدة بيعها، فشاور حكم البلد في امرها، فمن الفقهاء من أجاز ذلك، وحمله على العتق المؤجل الذي نص عليه ابن العطار وغيره منهم من جعله بخلاف المؤجل، واحتج: أنه

ان وقع البيع على المملوكة لا يؤمن ان تموت السيدة من الغد وشبهه فيكون البيع قد وقع على من كان وجب له العتق. فتدبر ذلك وجاوب عليه مأجورا ان شاء الله تعالى. فأجاب أيده الله، عليها بهذا الجواب. للسيدة ان ترد عتقها المملوكة وتبطل حريتها، ان كان تعوقها قبل ان تجب لها الحرية لقول النبي صلى الله عليه وسلم المسلمون على شروطهم. فإذا ثبت تعوقها وتخلفها، وقفت عن بيعها، حتى يمضي شهر، فان تم شهر كامل وهي صحيحة، ليس بها مرض، كان لها ان تبيعها، وان ماتت قبل شهر، أو مرضت مرضا اتصل بموتها بعده، خرجت حرة من رأس المال، ولم يكن إلى ردها في الرق سبيل؛ لان الغيب قد كشف: أن تعوقها لم يكن الا من بعد وجوب الحرية لها. الا ترى انه يجب لها في مال سيدتها، على مذهب، ابن القاسم في [47] رواية عيسى عنه، كراء ما اختدمها / الشهر وما اتصل به، مما مرضت فيه، إلى أن ماتت. وجوابي هذا الذي اتقلده: على هذه الرواية، التي جرى العمل بها وأما على قول اشهب في الذي يعتق عبده قبل موته بمدة: انه لا يعتق إذا مات الا في الثلث، فيكون لها أن تبيعها، متى ما ثبت تعوقها وتخلفها، بشرطها الذي شرطت، لأنه لا يجب لها العتق، على

81 - بين الحبس المطلق والحبس المقيد بصدقة ونحوها

مذهبه الا بعد الموت، وفي المسألة قولان آخران سوى هذين. وبالله التوفيق بعزته. [81]- بين الحبس المطلق والحبس المقيد بصدقة ونحوها وسئل رضي الله عنه في مسألة جرت بجيان فاختلف فيها فقهاؤها. فكتب بها احدهم اليه يسأله عنها. ونص المسألة من أولها إلى آخرها: الجواب رضي الله عنك، فيمن حبس حبسا على معينين، وأشهد على نفسه فيه أنه أراد به وجه الله العظيم، هل هذا الحبس مسجل لا يتخلله القولان المنصوصان في المدونة بعد موت المعنيين من أنه يتملك او لا يتملك أو يكون بمنزلة من قال حبس صدقة أو حبس لا يباع ولا يوهب ويبقى على حاله من أجل أنه أراد به وجه الله العظيم؟ تنازع فيها - اعزك الله - اصحابنا: فمنهم من ذهب إلى أنه بمنزلة الحبس المسجل ومنهم من ذهب إلى أنه بمنزلة حبس صدقة واحتج كل واحد منهم لقوله بحجة تركت نصها مخافة التطويل. بين لنا ما رأيك في ذلك بيانا، شافيا، مأجورا، ان شاء الله.

فأجاب أيده الله، عليها بهذا الجواب: تصفحت رحمنا الله وإياك سؤالك هذا ووقفت عليه. والذي اقول به: أن اختلاف قول مالك رحمه الله في المدونة فيمن قال: هذه الدار حبس على فلان داخل فيمن قال هي حبس عليه لله، لان لفظ الصدقة اقوى في التحريم من قوله: لله. وقد روى عن مالك فيمن قال: هذه الدار حبس صدقة على فلان إنها ترجع اليه، بعد موته، ملكا. وانما قلنا ان ذلك أقوى في التحريم، لأنه لم يختلف في أنه لا اعتصار في الصدقة. وقد اختلف فيمن وهب لابنه لله أو لوجه الله: هل له اعتصارها منه ام لا، على قولين. ولا يلزم ان يساوي بين قوله: حسبا لله وحبسا صدقة على مذهب من ساوى بين قوله وهبت لله وتصدقت في امتناع الاعتصار لان الشيء الموهوب قد خرج عن ملك الواهب بالهبة فلا يكون له الاعتصار الا بيقين، وهذا لا يقول لله لاحتمال ان يكون اراد بقوله: لله الصدقة.

82 - أحكام القاصر والسفيه

والمرجع في الحبس على معين باق على ملكه في أحد قولي مالك حتى يأتي بلفظ لا احتمال في أنه قصد به اخراجه عن ملكه، كالصدقة على أحد قوليه، والتعقيب على كيلهما. وبالله تعالى التوفيق بعزته لا شريك له. [82]- أحكام القاصر والسفيه وقال الفقيه الإمام الحافظ أبو الوليد ابن رشد، رضي الله عنه بعد حمد لله تعالى والثناء عليه بما هو أهله، والصلاة والسلام على نبيه المصطفى وأهل بيته: سألت - وفقنا الله واياك - عن الحد الذي يجوز للانسان، بالبلوغ اليه التصرف في ماله، ويرتفع عنه التحجير فيه، ذكرا كان أو اثنى، بكرا كانت او ثيبا. ذوي ابن القاسم كانوا أو يتامى، مولى عليهم كانوا او مهملين، بغير ولاية، وأحكام افعالهم في جميع احوالهم. فأنا أبين ذلك لك، ملخصا بمبلغ وسعى ومنتهى طاقتي،، ان شاء الله تعالى وبه أستعين، لا رب غيره. شروط اربعة لصحة التصرف في المال اعلم - ايدك الله - ان التصرف لا يصح للانسان في ماله الا بأربعة أوصاف، وهي البلوغ، والحرية، وكمال العقل، وبلوغ الرشد فأما اشتراط الحرية في ذلك فلأن العبد لا يملك ماله ملكا مستقرا إذ لسيده انتزاعه منه فهو مجبور عليه فيه لحق الملك

وأما الرشد، فلأن الله تبارك وتعالى جعل الاموال قوام العيش وسببا للحياة، وصلاحا للدين والدنيا، ونهى عن اضاعتها وتبذيرها في غير وجوهها، نظرا منه لعباده، ورأفة بهم، فقال: {ولا تبذر تبذيرا ان المبذرين كانوا اخوان الشياطين} [سورة الاسراء الآية: 26،27] وقال {والذين إذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا، وكان بين ذلك قواما} [سورة الفرقان الآية: 67] وأمرنا الا نمكن منها السفهاء حراسة لها من أن تبذر وتنفق في غير وجوهها، فقال {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قيما / وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا، وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فان آنستم منهم رشدا فادفعوا اليهم اموالهم} [سورة النساء الآية: 5] وأما اشتراط البلوغ وكمال العقل في ذلك فلانهما جميعا مشترطان في صحة الرشد وكماله، إذ لا يصح رشد من صبي لضعف ميزه، بوجوه منافعه، ولا من مجنون لسقوط ميزه وذهاب رأيه؛ فوجب الاحتياط للأموال وقطع مادة الضرر عنها، بأن يمنع من التصرف فيها من ليس بأهل التصرف فيها، ويحجر عليه فيها، ويحال بينه وبينها، خشية الإضاعة لها، امتثالا لأمر الله تعالى فيها. تحديد البلوغ: فصل وأما البلوغ فحده الاحتلام في الرجال، والمحيض في النساء أو ابن القاسم يبلغ احدهما من السن أقصى سن من لا يحتلم واختلف فيه من خمسة عشر عاما إلى ثمانية عشر عاما واختلف قول

مالك فيمن وجب عليه حد، وقد انبت ولم يبلغ اقصى سن من لا يحتلم فادعى أنه لم يحتلم، هل يصدق فيما ادعاه، أو يقام عليه الحد بما ظهر من انباته، على قولين: الأصح منهما تصديقه والا يقام عليه الحد بشك في احتلامه ولا اختلاف عندي أنه لا يعتبر بالإنبات فيما بينه وبين الله تعالى من الاحكام. تحديد العقل: واما العقل فمحله القلب، وحده علوم يتميز من وصف بها من البهيمة والمجنون وهي كالعلم بأن الاثنين اكثر من الواحد، وأن الضدين لا يجتمعان وان الجزأين لا بد ان يكونا مجتمعين، أو مفترقين وأن السماء فوقنا، والأرض تحتنا وما أشبه ذلك. تحديد الرشد: فصل، فحد البلوغ وكمال العقل بنيان، تدرك معرفتهما بأدنى حظ من النظر والاستدلال. وأما الرشد فحده حسن النظر في المال، ووضع الامور فيه مواضعها، واختلف هل من شرط كما له الصلاح في الدين، ام لا على قولين. وهو مما يخفي ولا تدرك معرفته الا بطول الاختبار في المال والتجربة له فيه، ولهذا المعنى وقع الاختلاف بين أهل العلم في الحد الذي يحكم للانسان فيه بحكم الرشد، ويدفع اليه ماله، ويمكن من التصرف فيه.

أربعة أحوال للرشد والسفه فصل، والاختلاف في هذا انما هو على حسب الاحوال، وهي تنقسم إلى أربعة اقسام: [1]- حال الأغلب من صاحبها السفه، فيحكم له فيها بحكمه وان ظهر رشده. [2]- وحال الاغلب من صاحبها الرشد فيحكم له فيها بحكمه وان ظهر سفهه. [3]- وحال محتملة للرشد والسفه، والأظهر فيها السفه، فيحكم له فيها بحكمه، ما لم يظهر رشده. [4]- وحال محتملة، أيضا للرشد والسفه، والأظهر فيها الرشد فيحكم له به ما لم يظهر سفهه، على اختلاف كثير بين أصحابنا في بعض هذه الاقسام. [1] فصل، فأما الحال التي يحكم له فيها بحكم السفه، وان ظهر رشده فمنها حال الصغير. لا اختلاف بين مالك وأصحابه: أن الصغير، الذي لم يبلغ الحلم من الرجال والحيض من النساء، لا يجوز في ماله معروف من هبة ولا صدقة ولا عطية ولا عتق، وان أذن له في ذلك الاب أو الوصي، ان كان ذا أب او وصي.

وان باع، أو اشترى، أو فعل ما يشبه البيع والشراء، مما يخرج عن عوض، ولا يقصد فيه إلى فعل معروف كان موقوفا على نظر وليه، ان كان له ولي: فإن رآه سدادا وغبطة أجازة وانقذه، وان رآه بخلاف ذلك رده وابطله، وان لم يكن له ولي قدم له ولي، ينظر له في ذلك بوجه النظر والاجتهاد، وان غفل عن ذلك حتى يلي امره، كان النظر اليه في اجازة إنقاذ ذلك او رده. واختلف إذا كان فعله سدادا او نظرا، مما كان يلزم الولي أن يفعله، هل له أن يرده، أو ينقضه ان آل الامر إلى خلاف ذلك، بحوالة سوق، أو نماء فيما باعه او نقصان فيما ابتاعه، أو ما يشبه ذلك فالمشهور المعلوم بين المذهب أن ذلك له، وقيل: ان ذلك ليس له، وهو الذي يأتي على ما وقع لاصبغ في الخمسة: وعلى رواية يحيى في كتاب التخيير والتمليك، خلاف ما يقوم مما وقع لاصبغ في نوازله من كتاب المديان والتفليس. ويلزمه ما أفسد وكسر في ماله، مما لم يؤتمن عليه، ولا يلزمه، بعد بلوغه ورشده عتق ما حلف بحريته، وحنث به، في حال صغره. واختلف في ما حلف به في حال صغره، وحنث به في حال رشده فالمشهور أنه لا يلزمه وقال ابن كنانة: ذلك يلزمه.

ولا يلزمه يمين فيما ادعى عليه به، واختلف إذا كان له شاهد واحد هل يحلف مع شاهده أم لا، فالمشهور أنه لا يحلف، ويحلف المدعى عليه: فان نكل غرم، ولم يكن على الصغير يمين اذ بلغ، وان حلف برئ إلى بلوغ الصغير، فاذا بلغ؛ حلف وأخذ حقه، فان نكل لم يكن له شيء، ولا يحلف المدعى عليه ثانية. وقد روى عن مالك والليث أنه يحلف مع شاهده. ولا شيء عليه فيما بينه وبين الله من الاحكام، والحقوق، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع القلم عن ثلاثة، فذكر منهم: "الصبي حتى يحتلم " فصل ومنها حال البكر ذات الاب أو الوصي، ما لم تعنس على مذهب من يعتبر تعنيسها، وقد اختلف في حده، على ما سنذكره بعد ان شاء الله تعالى، أو ما لم تتزوج ويدخل بها زوجها على مذهب من لا يعتبر تعنيسها. ومنها حال من تثبت عليه ولاية من قبل الاب، أو من قبل السلطان، حتى يطلق منها، على قول مالك، وكبراء أصحابه، خلافا لابن القاسم.

[2] وأما الحال التي يحكم له فيها بحكم الرشد، وان علم سفهه، فمنها حال السفيه إذا لم تثبت عليه ولاية من قبل أبيه ولا من قبل السلطان على مذهب مالك وأكثر أصحابه، خلافا لا القاسم ايضا، وحال البكر اليتيمة إذا لم تكن في ولاية على مذهب سحنون. [3] وأما الحال التي يحكم فيها بحكم السفه، ما لم يظهر رشده، فمنها حال الابن بعد بلوغه، في حياة ابيه، على المشهور في المذهب، وحال البكر ذات الاب، أو اليتيمة التي لا وصي لها إذا تزوجت ودخل بها زوجها من غير حد ولا تفرقة بين ذات الاب واليتيمة، على رواية ابن القاسم عن مالك، خلافا لمن حد في ذلك حدا، أو فرق بين ذات الاب واليتيمة على ما سنذكره ان شاء الله. [4] فصل: وأما الحال التي يحكم له فيها بحكم الرشد، مالم يظهر سفهه فمنها حال البكر المعنس على مذهب من يعتبر تعنيسها، واختلف في حده، أو التي دخل بها زوجها، ومضى لدخوله بها العام او العامان او السبعة اعوام، على الاختلاف في الحد المؤقت في ذلك بين من وقته، او حال الابن ذي الأب بعد بلوغه والابنة البكر ذات الاب بعد بلوغها على رواية زياد عن مالك.

تطبيق الحالات الاربع على الابن فصل، ولا يخرج عن هذا التفصيل الذي فصلناه وقسمناه إلى اربعة اقسام، شيء من الاختلاف الحاصل بين اصحابنا في هذا الباب. وأنا أذكر من ذلك ما حضر لي حفظه باخصر ما اقدر عليه، ان شاء الله. أما الابن فهو في ولاية أبيه، ما دام صغيرا، لا يجوز له فعل الا بإذنه ولا هبة ولا صدقة، وان كان ذلك باذنه، فاذا بلغ فلا يخلو امره من ثلاثة احوال: احدها: ان يكون معلوم الرشد. والثاني: ان يكون معلوم السفه. والثالث: ان يكون مجهول الحال، لا يعلم رشده من سفهه. فأما إذا كان معلوما بالرشد، فأفعاله جائزة، ليس للاب ان يرد شيئاً منها وان لم يشهد على اطلاقه من الولاية، فقد خرج منها من بلوغه مع ما ظهر من رشده. وأما إذا كان معلوما بالسفه فلا يخرجه الاحتلام من ولاية ابيه وأفعاله كلها مردودة: غير جائزة. وأما إذا كان مجهول الحال لا يعلم رشده من سفهه؛ فاختلف فيه على قولين احدهما: انه محمول على سفهه، حتى يثبت رشده وهو نص رواية يحيى عن ابن القاسم في كتاب الصدقات والهبات، قال فيها: ليس الاحتلام بالذي يخرجه من ولاية ابيه، حتى تعرف حاله، ويشهد العدول على صلاح امره، وهو ظاهر سائر الروايات عنه وعن مالك [50] رحمه الله في المدونة وغيرها، من ذلك ما وقع في المدونة في الكتاب

الاول من النكاح وفي كتاب الهبة والصدقة وفي متاب الجعل والاجارة. والثاني: انه محمول على الرشد حيث يثبت سفهه، ويخرج بالاحتلام من ولاية ابيه، إذا لم يعرف سفهه، وان لم يعرف رشده روى ذلك زياد عن مالك، وهو ما وقع في اول كتاب النكاح في المدونة في قوله: إذا احتلم الغلام فله ان يذهب حيث شاء الا ان يتأول انه اراد: بنفسه لا بماله كما تأول ابن أبي زيد رحمه الله. واستحسن بعض الشيوخ الا يخرج من ولاية ابيه حتى يمر به بعد الاحتلام العام ونحوه، والى هذا ذهب ابن العطار في وثائقه؛ على انه اضطرب في ذلك قوله فذكر انه يجوز للرجل تسفيه ابنه الا ان يكون معلوما بالسفه، ولم يفرق بين قرب ولا بعد. وحكى غيره من الموثقين: ان تسفيهه جائز، وان لم يعلم سفهه، إذا كان بحرارة بلوغه قبل انقضاء عامين. فصل: فان مات الاب، وهو صغير، وأوصى به إلى احد، او قدم عليه السلطان، فلا يخرج من ولاية وصي ابيه او مقدم السلطان، حتى يخرجه منها الوصي او السلطان ان كان الوصي مقدما من قبله.

وأفعاله كلها مردودة وان علم رشده ما لم يطلق من الحجران هذا قول ابن زرب: ان الوصي من قبل القاضي لا يطلق من الولاية الا باذن القاضي وقد قيل: ان اطلاقه من إلى نظره، بغير اذن القاضي جائز وان لم يعرف رشده الا بقوله، وقيل لا يجوز اطلاقه اياه بغير اذن القاضي الا ان يكون معروفا بالرشد إذا عقد له بذلك عقدا ضمنه معرفة شهدائه لرشده. وأما وصي الاب فاطلاقه جائز، وهو مصدق فيما يذكر من حاله، وان لم يعرف ذلك الا من قوله، وقيل: ان اطلاقه لا يجوز الإ إن تبين حاله ويعلم رشده؛ وهي رواية أصبغ عن ابن القاسم، في كتابه الوصايا من العتبية. فصل: وأما قولنا إن افعاله كلها مردودة وان علم رشده ما لم يطلق من ثقاف الحجران، الذي لزمه هو المشهور في المذهب المعمول به؛ وقد قيل: ان حاله مع الوصي كحاله مع الاب، وانه يخرج من ولايته إذا علم رشده، او جهل حاله على الاختلاف المتقدم وهو ظاهر ما وقع في كتاب الهبة والصدقة من المدونة قوله: فقد منعهم الله تعالى من أموالهم مع الاوصياء بعد البلوغ، الا بالرشد فكيف مع الأباء الذين هم أملك بهم الاوصياء، وانما الاوصياء بسبب

الأباء ونحوه لابن الماجشون في الواضحة قال ان البكر: إذا عنست أو نكحت جازت افعالها كانت ذات أب او وصي. وأما ابن القاسم فمذهبه: ان الولاية لا تعتبر بثبوتها، إذا علم الرشد ولا بسقوطها إذا علم السفه، أعني في اليتيم لا في البكر، وقد روى ابن وهب عن مالك مثل قول ابن القاسم. وروى زونان عن ابن القاسم: ان من ثبتت عليه ولاية فلا تجوز افعاله حين يطلق منها، وان ظهر رشده، مثل قول مالك وكبار أصحابه. فصل: فان مات الاب ولم يوص به إلى أحد، ولا قدم عليه السلطان وصيا ولا ناظرا، ففي ذلك اربعة اقوال: احدها: قول مالك وكبراء اصحابه: ان افعاله كلها بعد البلوغ جائزة نافذة رشيدا كان او سفيها معلنا بالسفه او غير معلن اتصل سفهه من حين بلوغه أو سفه بعد أن أونس منه الرشد من غير تفصيل في شيء من ذلك. والثاني: قول مطرف وابن الماجشون: انه ان كان متصل السفه من حين بلوغه، فلا يجوز شيء من افعاله، وأما ان سفه وبعد ان اونس منه الرشد، فافعاله جائزة عليه، ولازمة له ما لم يكن بيعه بيع سفه وخديعة بينة مثل ان يبيع ثمن ألف دينار بمائة دينار وما أشبه

ذلك فلا يجوز عليه ولا يتبع باثمن: ان افسده، من غير تفصيل بين ان يكون معلنا او غير معلن به. والثالث قول اصبغ: إنه كان معلنا بالسفه، فافعاله غير جائزة وان لم يكن معلنا به فافعاله جائزة من غير تفصيل بين ان يتصل سفهه او لا يتصل. [51] (4) وذهب ابن القاسم إلى أن ينظر إلى حاله، يوم بيعه وابتياعه فان كان رشيدا جازت افعاله، وان كان سفيها لم يجز منها شيء من غبر تفصيل بين ان يتصل سفهه او لا يتصل، واتفق جميعهم: ان افعاله جائزة لا يرد منها شيء، ان جهلت حاله، ولم يعلم بسفه ولا رشد. تطبيق حالات الرشد والسفه على البنت البكر فصل: وأما الابنة البكر فلا اختلاف أيضا بين اصحابنا ان افعالها مردودة غير جائزة ما لم تبلغ المحيض، فاذا بلغت المحيض فلا يخلو أمرها من ثلاثة احوال: أحدها ان تكون ذات أب والثاني ان تكون يتيمة ذات وصي قد اوصى عليها او سلطان والثالث: ان تكون يتيمة لا وصي لها من قبل ابيها ولا مقدما من قبل السلطان. [1] فأما ذات الاب فاختلف فيها على ثمانية اقوال: أحدها: رواية زياد عن مالك: انها تخرج، بالمحيض، من ولاية أبيها، ومعنى ذلك عندي: إذا علم رشدها، أو جهل حالها، وأما إذا علم سفهها فهي باقية في ولايته.

والثاني قول مالك في الموطأ والمدونة وفي الواضحة من رواية مطرف عنه: أنها في ولاية ابيها حتى تتزوج ويدخل بها زوجها ويعرف من حالها أي يشهد العدول على صلاح امرها، فهي على قول مالك هذا – ما لم تنكح، ويدخل بها زوجها ويعرف من حالها في ولايته، مردودة افعالها وفاذا دخل بها زوجها، حملت على السفه، وأقرت في ولايته وردت افعالها ما لم يظهر رشدها،، ان علم رشدها وظهر حسن حالها جازت افعالها وخرجت من ولاية ابيها وان كان ذلك بقرب بناء زوجها عليها، الا ان مالكا استحب في رواية مطرف عنه: ان يؤخر أمرها العام نحوه، استحباب من غير ايجاب. والثالث: انها في ولاية ابيها ما لم تعنس، او يدخل بها زوجها ويعرف من حالها، فهى، على هذه الرواية، بعد التعنيس محمولة على الرشد، مجوزة افعالها، ما لم يعلم سفهها وقبله: مردودة افعالها وان علم رشدها. [4] ولا تخلو ان تزوجت، ان يكون دخول زوجها بها قبل حد التعنيس أو بعده، فان دخل بها قبل حد التعنيس فهي من يوم يدخل بها إلى ان تبلغ حد التعنيس، محمولة على السفه، حتى يتبين رشدها وبعد بلوغها حد التعنيس محمولة على الرشد حتى يعلم سفهها. وان دخل بها بعد التعنيس فلا يؤثر دخوله في حكمها الذي قد ثبت لها بالتعنيس، من كونها محمولة على الرشد حتى يتبين سفهها. وقد اختلف في حد التعنيس هذه فقيل: اربعون عاما وقيل: من الخمسين إلى الستين.

[5] وروى عن مالك ان هباتها واعطياتها وعتقها جائزة بعد التعنيس ان اجازها الوالد، معناه ان قال الوالد في المجهولة الحال: انها رشيدة في احوالها؛ اذ التي علم سفهها لا يجوز للوالد اجازة اعطياتها والتي علم رشدها لا يجوز للوالد ردها اعطياتها. فعلى هذه الرواية لم يحمل المعنسة المجهولة الحال على السفه ولا على الرشد واعمل قول الوالد في ذلك. فهذا القوا الثالث يتفرع على ثلاثة اقوال، على ما بيناه، تتمه خمسة اقوال. والقول السادس: انها في ولاية أبيها حتى تمر بها سنة بعد دخول زوجها وهو قول مطرف في الواضحة، وظاهر قول يحيى بن سعيد في المدونة. فعلى هذا القول، تكون افعالها قبل دخول زوجها بها، مردودة وان علم رشدها، وبعد دخول زوجها؛ ما بينة وبين انقضاء العام مردودة ما لم يعلم رشدها وبعد انقضاء العام جائزة ما لم يعلم سفهها ووافقه ابن الماجشون، في تجويز السنة وخالفه في ترك الاعتبار بالتعنيس فرأى انها إذا عنست وعلم حسن حالها، وخرجت من ولاية ابيها ووصيها. والقول السابع: أنها في ولاية ابيها حتى تمر بها عامان، وهو قول ابن نافع في كتاب الصدقات، والهبات من العتبية.

والقول الثامن: انها في ولاية أبيها حتى تمر بها سبعة أعوام. وهذا القول يعزى إلى القاسم، وبه جرى العمل عندنا. وقال ابن ابى زمنين: إن الذى ادرك عليه الشيوخ ان تجوز افعالها، وتخرج من ولاية ابيها إذا مضى لها في بيت زوجها من الستة اعوام إلى السبعة، ما لم يجدد / الاب عليها السفة، قبل ذلك. [52] وهذا قريب من القول الثامن، فيكون حالها، بعد هذا الامد، محمولا على الرشد حتى يعلم خلافه، على ما بيناه. وقول ابن ابى زمنين: «ما لم يجددالاب عليها السفة قبل ذلك» به كان يفتى القاضى ابن زرب، رحمه الله، واليه ذهب ابن العطار في وثائقه، وهو أمر مختلف فيه، كان ابو عمر اتلاشبيلى نصف رحمه الله يذهب إلى ان ذلك لا يجوز عليها، ولا يلزمها، الا ان يكون قد تضمن عقد التجديد للسفه معرفه شهدائه لسفهها، وبه كان يفتى ابو عمر ابن القطان، رحمه الله، وهو القياس على مذهب من حد لجوازافعالها حدا، لانه حملها، ببلوغها اليه، على الرشد، وأجاز افعالها، فلا يصدق الاب، في ابطال هذا الحكم لها، بما يدعيه من سفهها، الا ان تعلم صحة قولها. ويتخرج قول ابن ابى زمنين، ومن ذهب نذهبه، على الرواية، التى

رويت عن مالك: ان عتقها وهباتها وصدقاتها جائزة بعد التعنيس ان أجازها الوالد. وقد تكلمنا على معنى الرواية، بما يؤيد تأويلنا هذا فيها. بين التسفيه ةالإيصاء على البنت بعد الزواج فصل: اختلف، ايضا، المتأخرون من شيوخنا، الذين حكموا باعمال التسفيه عليها، في الاب يولى على ابنته بعد دخول زوجها بها، وقبل ان تبلغ الحد، الذى وقت لجوازافعالها؛ ثم تتراخى مدته. إلى ان تبلغ ذلك الحد، ثم يموت بعد ذلك، هل يلزمها حكم تلك الولاية الثابتة ام لا، على قولين؛ فمنهم من رأى ايصاءه عليها لازما كتجديده السفه عليها، الذى لا تنفك عنه وتخرج منه الا بثبات رشدها بالبينة العادلة، ومنهم من لم ير ذلك لازما لها، بخلاف تجديد السفه عليها، وقالوا: ذلك بمنزلة الاب يولى على ابنته، وهى بكر ثم يزوجها، فتقيم مع زوجها سبع سنين او أكثر فيموت: ان الايصاء، ساقط عليها، واحتجوا، ايضا برواية أشهب عن مالك، الواقعة في كتاب الوصايا من العتيبة. ولم أعلمهم اختلفوا في لزوم الولاية لها، إذا وصى عليها، بعد دخول زوجها بها، ثم مات، قبل بلوغها الحد الذى وقت لخروجها من ولايته، ولا يبعد دخول الاختلاف في ذلك بالمعنى. وأما من أوصى على ابنته، وهى صغيرة، او بكر، ثم مات وهى بكر قبل دخول زوجها بها، أو بعد دخول زوجها بها: قبل مضى المدة الموقتة لخروجها من ولايته، فالولاية لها لازمة.

[2] فصل: واما ان كانت يتيمة، ذات وصى من قبل أبيها، أو مقدم من قبل القاضى، فلا تخرج من الولاية وان عنست، أو تزوجت، ودخل بها زوجها وطال بها زمانها، وحسنت حالها، ما لم تطلق من ثقاف الحجران، الذى لزمها بما يصح اطلاقها منه به، وقد بينا ذلك قبل هذا، هذا هو المشهور في المذهب المعمول به. وقد تقدم من قول ابن الماجشون: أن حالها مع الوصى كحالها مع الاب، في خروجها من ولايته بالتعنيس، أو النكاح؛ يريد مع طول المدة وتبين الرشد، وهى رواية مطرف، وابن عبد الحكم، وعبد الرحيم عن مالك. [3] واما ان كانت يتيمة لم يول عليها أب ولا وصى، فاختلف فيها على قولين: أحدهما: أن افعالها جائزة إذا بلغت المحيض، وهو سحنون في العتبية، وقول غير ابن القاسم في المدونة ورواية زياد عن مالك. والثانى: ان افعالها مردودة ما لم لم تعنس. واختلف في تعنيس هذه على خمسة اقوال: احدها، وثلاثون سنة، وهو قول ابن الماجشون، وقيل أقل من الثلاثين، وهو ابن نافع، وقيل: اربعون، وهى رواية مطرف عن مالك، وأصبغ عن ابن القاسم،

وقيل من الخمسين إلى الستين وهى رواية سنحنونعن ابن القاسم. وفي المدونة لمالك من رواية ابن القاسم عنه: ان افعالها لا تجوز حتى تعس وتقعد عن المحيض، او ما لم تتزوج ويدخل بها زوجها، وتقيم معه مدة، يحمل أمرها فيها على الرشد، قيل: اقصاها العام، وهو قول ابن الماجشون، واليه ذهب ابن العطار في وثائقه، وقيل: ثلاثة اعوام ونحوها. [53] وقال ابن ابى زمنين: ان الذى أدرك الشيوخ عليه: ألا تجاز / افعالها حتى يمر بها في بيت زوجها مثل السنتين والثلاث. احكام السفيه فصل: قد أتينا، بحمد الله، على شرطنا من بيان الحدود المتميزة بين من يجوز فعله ممن لا يجوز في الأبكار وغيرهن، فنرجع الان إلى ذكر القول في احكام افعال من لا تجوز افعاله من السفهاء البالغين؛ إذ قد تقدم القول في احكام افعال الصبيان، فنذكر من ذلك ما أمكن ذكره، وحضر حفظه على شرط الايجاز والاختصار، وترك التطويل والاكثار، ان شاء الله وهو المستعان. اعلم، أيده الله، أن السفيه البالغ يلزمه جميع حقوق الله، التى اوجبها على عبادة، في بدنه، وماله، ويلزمه ما وجب بدنه من حد او قصاص ويلزمه الطلاق، كان بيمين حنت فيها، أو بغير يمين، وكذلك الظهار وينظر له وليه فيه بوجه النظر؛ فان رأى ان يعتق عنه،

وتمسك عليه زوجيه، فعل، رأى الا يعتق عنه، وان آل ذلك إلى الفراق بينهما، كان ذلك، ولا يجزئه الصيام ولا الإطعام، إذا كان له من المال ما يحمل عتق رقبته. وقال محمد بن المواز: إذا لم له وليه، ان يكفر عنه بالعتق فله هو ان يفكر بالصيام، فلا تطلق عليه في مذهبه، الا بعد ان يضرب له الايلاء، ان طلبت امرأته ذلك، لان له ان يفكر بالصيام. وعلى القول الاول، تطلق عليه من غير ان يضرب له أجل الايلاء، إذا رفعت المرأة ذلك، وهو قول أصبغ، ولا حد في ذلك عند ابن القاسم. وقال ابن كنانة: لا يعتق عنه وليه الا في اول مرة، فان عاد إلى الظهار، لم يعتق عنه، لان المرة الواحدة تأتى على الحليم والسفيه والى هذا ذهب محمد بن المواز. وأما الايلاء فان دخل عليه بسبب يمين بالطلاق، وهو فيها على حنث، او بسبب امتناع وليه عن ان يكفر عنه في الظهار، لزمه، وأما ان خلف على ترك الوطء فينظر إلى يمينه، فان كانت بعتق او صدقة او ما أشبه بذلك، مما لا يجوز له فعله، ويحجر عليه في ذلك وليه، لم يلزمه به إيلاء، وان كانت بالله تعالى، لزمه الايلاء ان لم يكن له مال، ولم يلزمه إن كان له مال. وان كانت يمينه بصيام ارجبه على نفسه، أو صلاة او ما أشبه ذلك مما يلزمه، لزمه الايلاء.

وعلى قول محمد بن المواز يلزمه الايلاء باليمين بالله تعالى، وان كان له مال. ولا يلزمه هبة، ولا صدقة، ولا عطية، ولا شىء من المعروف في ماله، الا ان يعتق أم ولده. فيلزمه عتقها، لانها تشبه الزوجة التى ليس له فيها الا الاستمتاع بالوطء. واختلف هل يتبعها مالها ام لا على ثلاثة اقوال: أحدها: انه يتبعها، وهو قول مالك في رواية أشهب عنه، والثانى: انه لا يتبعها وهى رواية يحيى عن ابن القاسم، الثالث: التفرقة بين ان يكون مالها قليلا او كثيرا، وأراه قول اصبغ. وقال المغيرة وابن نافع: لا يلزمه عتقها ولا يجوز عليه، بخلاف الطلاق. ولا يجوز إقراره بالدين، الا ان يقربه في مرضه فيكون في ثلث ماله، قاله ابن كنانة، واستحسن ذلك أصبغ، ما لم يكثر، وان حمله الثلث. وأما بيعه وشراؤه، ونكاحه، وما أشبه ذلك، مما يخرج عن عوض، ولا يقصد به قصد المعروف، فانه موقوف على نظر وليه، ان كان له ولى: ان رأى ان يجيزه اجازه، وان رأى ان يرده رده، بوجه النظر له والاجتهاد، وان لم يكن له ولى قدم له القاضى ناظرا، ينظر له في ذلك نظر الوصى، فان لم يفعل حتى ملك امره، كان هو مخيرا في رد ذلك واجازته: فان رد بيعه وابتياعه وكان قد أتلف الثمن،

الذى باع به، او السلعة التى ابتاعها، لم يتبع ما له بشىء من ذلك. واختلف ان كانت امة فأولدها، فقيل: إن ذلك فوت، ولا ترد، وقيل: ان ذلك ليس بفوت كالعتق وترد، ولا يكون عليه من قيمة الولد شىء. واختلف ان كان قد أنفق الثمن فيما لا بد له منه، مما تلزمه اقامته، المسلمين يتبع ماله بذلك ام لا، على قولين. وان كان الذى اشترى المشترى منه، أمه، فأولدها أو أعتقها، او غنما فتناسلت او بقعة فبناها، أو شيئاً له غلة فاغتله، كان حكمه في جميع ذلك، حكم من اشترى من مالك، فيما يرى، فاستحق من يده ما اشترى بعد ان أحدث فيه ما ذكرت، ترد إلى المولى / عليه الامة التى [54] اعتقها وينقض العتق فيها، ويأخذ الامة التنى ولدت وولدها منه بالقيمة على الاختلاف المعلوم في ذلك، وان كان الولد من غيره بتزويج، أخذهم مع الام، وكذلك يأخذ الغنم ونسلها وكان عليه فيما بناه قيمة بنيانه قائما، وكانت الغلة، التى اغتل، له بالضمان. هذا كله ان كان لم يعلم بانه مولى عليه، لا يجوز بيعه، وأما ان علم أنه مولى عليه، متعد في البيع بغير اذن وليه، فيما بناه، قيمته منقوضا. واختلف، فيما فوت السفيه من ماله بالبيع والهبة والصدقة والعتق، وما أشبه ذلك، فلم يعلم به حتى مات، هل يرد بعد الموت ام لا، على قولين.

واختلف، إذا تزوج، فلم يعلم وليه بنكاحه حتى مات هل ترد المرأة ويلزمه الصداق ام لا، على ثلاثة اقوال: أحدها: انه لا ميراث لها، ولا صداق، الا ان يكون قد دخل، فيكون لها منه قدر ما تستحل به. والثانى: ان لها الميراث وجميع الصداق. والثالث: ان لها الميراث، وينظر الولي في النكاح: فان كان نكاح غبطة مما لو نظر فيه الولي في حياته لم يفسخه وأجازه، فلها الصداق مع الميراث، دخل بها او لم يدخل بها، وان كان نكاحه نكاح فساد، وعلى غير وجه غبطة، وجب لها الميراث، وردت الصداق، دخل بها، او لم يدخل بها، ويترك لها في الدخول ربع دينار؛ وهذا قول اصبغ في الخمسة، والقولان المتقدمان لابن القاسم، وهما جاريان على الاختلاف في فعله هل هو على الجواز حتى يرد، او على الرد حتى يجاز. واختلف هل يزوجه الولي بغير امره كالصغير، ام لا يزوجه إلا بامره، على قولين قائمين من المدونة، منصوصين في الواضحة. وكذلك اختلف، أيضا، هل يخالع عنه بغير اذنه ام لا، على قولين فله في المدونة: الا يخالع عنه الا باذنه، وروى عيسى عن ابن القاسم: انه يخالع عنه بغير اذنه كالصبي. ويلزمه في ماله ما افسد وكسر؛ ما لم يؤتمن عليه باتفاق، ومما ائتمن عليه باختلاف.

ولا تلحقه يمين فيما ادعى به في ماله. وأما إذا ادعى عليه مما يجوز عليه فيه اقراره فتلحقه فيه اليمين، ويحلف مع شاهده في حق يكون له، فان حلف استحق حقه، وان نكل عن اليمين حلف المدعي عليه وبرىء في مذهب ابن القاسم، وقال ابن كنانة: ان نكل عن اليمين حلف المدعى، وبرىء إلى ان تحسن حاله فيكون له ان يحلف مع شاهده، ويستحق حقه كالصغير إذا بلغ. ويعقل مع العاقلة ما لزم العاقلة من الجرائر ويجوز عفوه عن دمه، خطأ كان او عمدا. واختلفت في عفوه عما دون النفس مما في بدنه من الجراح او الشتم هل يجوز ذلك أم لا على قولين: احدهما: قول مطرف وابن الماجشون: ان عفوهم لا يجوز في شىء من ذلك. والثانى قول ابن القاسم: ان عفوهم، عن كل ما ليس لمال جائز. واختلف في شهادته، ان كان مثله لو طلب ماله أخذه، وهو عدل: فروى اشهب عن مالك: أن شهادته جائزة، وقال اشهب: لا تجوز، وهذا الذي يأتى على المشهور من مذهب مالك: ان المولى عليه لا تجوز أفعاله، وان كان رشيدا في احواله، حتى يخرج من الولاية. هذه بندة من احكام المولى مختصرة، ملخصة، مجموعة. وهي قائمة من الاصول، استخرجتها منها بجد عنايتى، وإعمال نظرى. والله ولى التوفيق والهداية، وما توفيقى الا بالله، {وما كنا لنهتدى لولا ان هدانا الله}. {سورة الاعراف: 43}

83 - شراء البائع لطعام باعه بأجل

تمت مسألة التسفيه والترشيد بحمد الله، وحسن عونه لا اله غيره. [83]- شراء البائع لطعام باعه بأجل وقال الفقيه الإمام الحافظ ابو الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد، رضي الله عنه، فيمن باع طعاما بثمن إلى أجل، فأراد ان يشتريه، أو بعضه، أو أكثر منه بمثل الثمن، أو أكثر، أو أقل نقدا أو إلى الأجل بعينه، أو إلى / أبعد منه. تفريع المسألة إلى أربع وخمسين وهذه المسألة تنتهى، في التفريع، إلى أربع وخمسين مسألة، وذلك أنه لا يخلو من أن يشترى مثل الطعام، لا أقل منه ولا أكثر، بمثل الثمن، أو بأقل منه، أو بأكثر، فهذه ثلاث مسائل، أو يشترى بعضه، بمثل الثمن أو أقل منه، أو أكثر، فهذه ست مسائل، أو يشتريه وزيادة عليه، بمثل الثمن، أو أكثر، أو أقل، فهذه تسع مسائل. وهذه التسع مسائل لا يخلو المبتاع فيها من ان يكون غاب على الطعام، أو لم يغب عليه، فهذه، ثمان عشرة مسألة، تسع إذا غاب عن الطعام، وتسع إذا لم يغب، وكل مسألة من هذه الثمان عشرة مسألة تنقسم إلى ثلاثة أقسام، فتنتهى إلى اربع وخمسين مسألة، كما ذكرنا: أحد الاقسام: ان يكون الشراء بالنقد، أو إلى أجل دون الأجل والثانى: أن يكون الشراء إلى الأجل بعينه. والثالث: ان يكون إلى أبعد من ذلك الأجل. حكم الست والثلاثين مسألة فيما اشترى بالنقد او إلى نفس الأجل. فأما الست والثلاثون مسألة اللواتى تتفرع فيما اشترى بالنقد الأجل بعينه فمنها خس عشرة مسألة لا تجوز.

ومسألة يختلف في جوازها، وهي أن يشتري منه أقل من الطعام، بعد أن غاب عليه، بمثل الثمن، إلى الأجل، لأنه يكون مقاصة فيدخله الاقتضاء، من ثمن الطعام طعاما، فكرهه مالك في أحد قوليه، واتهمه في أن يكون دفع طعاما في أقل منه، إلى أجل ليحرزه في ضمانه إلى ذلك الأجل، واستخفه في القول الثاني، لما بعدت التهمة عنده في ذلك، لأن الناس، في الأغلب، لا يقصدون إلى أن يدفعوا كثيرا في قليل، للضمان. وعشرون منها جائزة. ويعرف ما يجوز منها مما لا يجوز بوجهين: أحدهما: أن يكون الشراء بأقل من الثمن، الثاني: ان يكون الشراء بأكثر من الطعام. فهذان الوجهان لا يجوز ما تفرغ منهما، نقدا ولا مقاصة، أن غاب على الطعام، ولا نقدا، ان لم يغب عهلى الطعام، فينتهى ما يتفرع من كل واحد من هذين الوجهين، بانفراد، على ما شرطناه فيهما، إلى تسع مسائل غير جائزة، يتكرر منها ثلاث في الوجهين جميعا، فيعود ما تحصل منهما باجتماعها إلى خمس عشرة مسألة، كما ذكرناه. وبيان ذلك: انه لا يجوز له ان يشترى منه، بأقل من الثمن، مثل

طعامه، بعد ان غاب عليه، ولا أقل منه، ولا أكثر منه، نقدا، فهذه ثلاث مسائل. ولا مثل طعامه، ولا أقل منه، ولا أكثر منه، إلى الأجل مقاصة، فهذه ثلاث اخرى، ولا طعامه بعينه، قبل ان يغيب عليه، ولا بعضه، ولا طعامه وزيادة عليه، نقدا، فهذه ثلاث اخرى، تتمة تسع مسائل. ولا يجوز له، أيضا، ان يشترى منه أكثر من الطعام، بعد أن غاب عليه، بمثل الثمن، ولا بأقل منه ولا بأكثر منه نقدا، فهذه ثلاث مسائل، ولا بمثل الثمن، ولا بأقل منه، ولا بأكثر منه، إلى الأجل مقاصة، فهذه ثلاث أخرى، ولا يجوز له أن يشترى منه طعامه بعينه، وزيادة عليه بمثل الثمن، ولا بأقل منه، ولا بأكثر منه نقدا، فهذه ثلاث أخرى، تتمة تسع مسائل اخرى، منها ثلاث متكررة، في التسعة الأولى: احداها: شراء أكثر من الطعام، بعد ان غاب عليه، بأقل من الثمن نقدا. والثانية: شراء أكثر من الطعام، بعد أن غاب عليه، أيضا، بأقل من الثمن، إلى الأجل، مقاصة. والثالثة: شراء الطعام بعينه، وزيادة عليه، بأقل من الثمن نقدا. فعاد ما تحصل من الوجهين، جميعا، إلى خمس عشرة مسألة، غير جائزة، كما ذكرنا. وما عدا هذين الوجهين من الوجوه فيجوز ما تفرع منها، بكل حال، حاشا المسألة المتخلف فيها. ويعرف الفساد فيما لا يجوز منها بأن تنظر إلى ما خرج من يد كل واحد منهما، وما يرجع اليه، فتجد المكروه قد وقع بينهما.

ومتى وجد المكروه قد وقع بين المتبايعين، باجتماع الصفقتين، اتهما على القصد اليه، على مذهب مالك بالمنع من الذرائع، ومن قال بقوله. حكم الثمان عشرة مسألة في الشراء إلى أبعد من الأجل وأما الثملن عشرة مسألة المتحصلة في الشراء إلى أبعد من الأجل، فمنها: ثلاث عشرة مسألة لا تجوز. [2] ومسألة يختلف في جوازها / وهى: أن يشترى منه مثل الطعام، بمثل الثمن، إلى أبعد من الأجل؛ لأنه يدخله: ((اسلفنى وأسلفك))، استخفه ابن القاسم، وكرهه ابن الماجشون، ولو لم يغب على الطعام لجاز باتفاق، لأن طعامه رجع اليه بعينه، فكان لغوا، وأسلف المبتاع الأول البائع الأول عشرة دراهم، عند شهر، يأخذها منه عند شهرين، فهو قرض صحيح من المبتاع للبائع. وأربع جائزة. ويعرف ما يجوز منها، مما لا يجوز، بوجهين: احدهما: أن يكون الشراء بأكثر من الثمن. والثانى: أن يكون المشترى بعض الطعام. فهذان الوجهان لا يجوز ما تفرع منهما، غاب على الطعام أو لم يغب،

وسائرها يجوزما تفرع منها، ان لم يغب على الطعام، ولا يجوز ان غاب على الطعام، حاشا المسألة المختلف فيها، المتقدمة الذكر. وتعرف الفساد فيما لا يجوز منها بأن تنظر أيضا إلى ما خرج عن يد كل واحد منهما، وما يرجع اليه، فتجد المكروه قد وقع بينهما، فيتهمان على القصد اليه، والاستحلال له، بما أظهر من البيعتين الصحيحتين في الظاهر. هذا إذا كان الطعام، الذي يشتريه من صفة الطعام الذي باع، فان كان من غير صفته، فله حكم غير هذا. وحكم العروض في ذلك حكم الطعام إن لم يغب عليه. الخمس عشرة مسألة الممنوعة من الست والثلاثين في الشراء بالنقد والى نفس الأجل [3 - 17] فاحدى المسائل التي لا تجوز من الست والثلاثين مسألة. المتفرعة فيما اشترى بالنقد والى الأجل: ان يشترى منه مثل الطعام، بعد ان غاب عليه، بأقل من الثمن، نقدا. مثال ذلك: ان يبيع منه عشرة أرادب، بعشرة دراهم، إلى أجل، ثم يشترى منه، بعد أن غاب على الطعام، عشرة أرادب، من صفة طعامه، بخمسة دراهم. بعد ان غاب على الطعام، عشرة أراداب، من صفة طعامه، فخمسة دراهم.

فهذا لا يجوز، ويدخله الزيادة في السلف، وبيع دراهم وطعام نقدا بدراهم اكثر منها، إلى أجل، وطعام معجل، لأن الأمر آل بينهما إلى أن البائع الأول دفع إلى المبتاع الأول دراهم نقدا، ويأخذ منه عشرة دراهم، عند الأجل، وأسلفه ايضا، عشرة ارادب، قبضها منه بعد أن غاب عليها، وانتفع بها. والثانية: ان يشترى منه طعاما بعينه، قبل ان يغيب عليه، باقل من الثمن، نقدا. فهذا لا يجوز ايضا، ويدخله تسليم دراهم في أكثر منها إلى أجل؛ لأن الأمر آل بينهما إلى أن دفع البائع الأول إلى المبتاع خمسة دراهم، في عشرة، إلى أجل، ودفع اليه طعامه بعينه، فكان لغوا. والثانية: ان يشترى منه طعاما، بعد أن غاب عليه، بأقل من الثمن، إلى الأجل. فهذا لا يجوز، ايضا، وتدخله الزيادة في السلف؛ لأن الأمر آل بينهما إلى ان دفع البائع إلى المبتاع عشرة ارادب، فغاب عليها، وانتفع بها، ثم ردها اليه، على ان يأخذ منه خمسة دراهم، عند الأجل، وسقطت خمسة بخمسة، فكانت مقاصة. الرابعة: ان يشترى منه أكثر من الطعام، بعد ان غاب عليه، بمثل الثمن، نقدا، فهذا لا يجوز، أيضا. مثال ذلك: ان يبيع منه عشرة ارادب بعشرة دراهم إلى شهر، ثم يشترى منه، بعد ان غاب عليه، خمسة عشر اردبا، بعشرة دراهم نقدا. فهذا لا يجوز، وتدخله الزيادة في السلف، لأن الأمر آل بينهما إلى

أن أسلفه عشرة ارادب، وعشرة دراهم في خمسة عشر اردبا، وعشرة دراهم إلى أجل ويدخلها، أيضا، دراهم وطعام، في أجل وطعام. والخامسة: ان يشترى منه أكثر من الطعام، بعد أن غاب عليه، بمثل الثمن، إلى ذلك الأجل. فهذا لا يجوز، وتدخله الزيادة في السلف، لأن الأمر آل بينهما إلى ان دفع البائع إلى المبتاع عشرة ارادب في خمسة عشر اردبا، والدراهم بالدراهم مقاصة. والسادسة: ان يشترى منه طعاما بعينه، وزيادة عليه، بمثل الثمن، نقدا. فهذا لا يجوز، أيضا وتدخله الزيادة في السلف: لأن الأمر آل بينهما إلى أن دفع البائع إلى المبتاع عشرة ارادب، ويأخذ منه، إذا حل الأجل، عشرة دراهم، على أن زاده المبتاع خمسةارادب، نقدا / والعشرة الأرادب، على ما نزلناه، رجعت اليه بعينها، فكانت لغوا. والسابعة: ان يشترى منه أكثر من الطعام، بعد أن غاب عليه، بأقل من الثمن، نقدا. فهذا، لا يجوز وتدخله الزيادة في السلف؛ لأن الأمر آل بينهما إلى أن دفع البائع إلى المبتاع عشرة ارادب وخمسة دراهم، في خمسة عشر إردبا وعشرة دراهم. والثامنة: أن يشترى منه أكثر من الطعام، بعد أن غاب عليه بأقل من الثمن، إلى ذلك الأجل.

فهذا لا يجوز، لأنه الزيادة في السلف؛ لأن الأمر آل بينهما إلى أن دفع البائع إلى المبتاع عشرة ارادب، وأخذ منه خمسة عشر اردبا، بعد أن غاب على عشرة أرادب، وأخذ منه خمسة عشر اردبا، بعد أن غاب على العشرة، وانتفع بها، وخمسة دراهم إذا حل الأجل، وتسقط خمسة بخمسة مقاصة. والتاسعة: أن يشترى منه طعامه بعينه، وزيادة عليه، بأقل من الثمن، نقدا. فهذا لا يجوز، أيضا، وتدخله الزيادة في السلف؛ لأن الأمر آل بينهما إلى أن دفع البائع إلى المبتاع خمسة دراهم نقدا، في عشرة، إلى أجل، وزاده المبتاع أيضا، خمسة دراهم نقدا، في عشرة، إلى أجل، وزاده المبتاع أيضا، خمسة ارادب، نقدا، والعشرة أرادب رجعت اليه بعينها، فكانت لغوا. والعاشرة: ان يشترى منه أكثر من الطعام، بعد ان غاب عليه، بأكثر من الثمن، نقدا. فهذا لا يجوز، أيضا، ويدخله البيع والسلف؛ لأن الأمر آل بينهما إلى ان البائع اشترى الخمسة أرادب الزائدة على العشرة بالخمسة الدراهم الزائدة على الثمن، على أن أسلفه عشرة ارادب، عشرة دراهم. والحادية عشرة: ان يشترى منه أكثر من طعامه، بعد أن غاب عليه، بأكثر من الثمن مقاصة. فهذا لا يجوز، ايضا، ويدخله البيع والسلف، لأن الأمر آل بينهما إلى ان اشترى البائع الأول من المبتاع الأول الخمسة الأرادب الزائدة

على الطعام، بالزائدة على الثمن. وهى الخمسة الدراهم، على ان أسلفه عشرة ارادب، فانتفع بها، وردها اليه، وتسقط العسرة بالعشرة لأنها مقاصة. والثانية عشرة: ان يشترى منه طعاما بعينه، وزيادة عليه، بأكثر من الثمن، نقدا. فهذا لا يجوز، ويدخله البيع والسلف؛ لأن ما زاد على الطعام بما زاد على الثمن مبايعة، على ان أسلف البائع المبتاع عشرة دراهم، ويأخذها منه، إذا حل الأجل، ورجع اليه طعاما بعينه، فكان لغوا. والثالثة عشرة: ان يشترى منه أقل من الطعام، بعد أن غاب عليه، بأقل من الثمن، نقدا. فهذا لا يجوز، أيضا، ويدخله البيع والسلف؛ لأن ما نقص من الطعام بما نقص من الثمن مبايعة، على أن أسلفه البائع خمسة أرادب وخمسة دراهم. والرابعة عشرة: ان يشترى منه أقل من طعامه، بعد ان غاب عليه، بأقل من الثمن، مقاصه، إلى الأجل. فهذا لا يجوز، ويدخله البيع والسلف، لأن ما نقص من الطعام بما نقص من الثمن مبايعة، على أن أسلفه عشرة أرادب، فانتفع بها، ثم ردها اليه، والخمسة الدراهم في الخمسة مقاصة. والخامسة عشرة: ان يشترى منه بعض طعامه، بعينه، بأقل من الثمن نقدا. فهذا لا يجوز، ويدخله البيع والسلف، لأن ما نقص، من الطعام بازاء ما نقص من الثمن مبايعة، على أن أسلفه البائع خمسة دراهم،

يأخذها منه إذا حل الأجل، والخمسة الأرادب رجعت اليه بعينها فكانت لغوا. الثلاث عشرة مسألة الممنوعة في الشراء إلى أبعد من الأجل [18 - 30] فصل، واحدى المسائل التي لا تجوز من الثماني عشرة مسألة، المتحصلة في الشراء إلى أبعد من الأجل: ان يشترى منه مثل طعامه، بعد ان غاب عليه، بأكثر من الثمن، إلى أبعد من الأجل. مثال ذلك: ان يبيع منه عشرة ارادب، بعشرة دراهم، إلى شهر، فيغيب المبتاع على الطعام، ثم يشترى منه عشرة أرادب من صفة طعامه، بخمسة عشر درهما، إلى شهرين. فهذا لا يجوز، لأنه يدخله سلف دراهم في أكثر منها، إلى أجل، لأن المبتاع الأول يدفع إلى البائع الأول، عند شهر، عشرة دراهم، ويأخذ منه خمسة عشر درهما إلى شهرين، وقد دفع البائع الأول إلى المبتاع الأول عشرة ارادب، فغاب عليها، وانتفع بها، / ثم ردها اليه، فكأن المبتاع الأول أسلم إلى البائع الأول دراهم في أكثر منها، إلى أجل، على ان أسلفه البائع عشرة ارادب. والثانية: ان يشترى منه طعامه بعينه، قبل ان يغيب عليه، بأكثر من الثمن، إلى أبعد من الأجل. فهذا لا يجوز، لأنه يدخله سلف دراهم في أكثر منها، إلى أجل، لأن المبتاع الأول يدفع إلى البائع الأول عشرة دراهم إلى شهر، على ما نزلناه، ويأخذ منه خمسة درهما، إلى شهرين، ورجع إلى البائع الأول طعامه بعينه، فكان لغوا.

والثالثة: ان يشترى منه أقل من طعامه، بمثل الثمن، وقد غاب عليه، إلى أبعد من الأجل. فهذا لا يجوز أيضا، وتدخله في السلف، لأن البائع الأول دفع إلى المبتاع عشرة ارادب، ثم اشترى منه خمسة أرادب، بعد ان غاب عليها، فكأنه أسلفه اياها، وترك الخمسة الارادب الاخرى، على أن أسلفه المبتاع عشرة دراهم، عند شهر، فينتفع بها، ويصرفها اليه، إلى شهرين. والرابعة: ان يشترى منه بعض طعامه، بعينه قبل ان يغيب عليه بمثل الثمن إلى أبعد من الأجل. فهذا لا يجوز، وتدخله الزيادة في السلف، لأن المبتاع الأول يدفع إلى البائع الأول عشرة دراهم، عند شهر، فيأخذها منه عند شهرين، فكأنه أسلفه اياها، على ان اعطاه البائع خمسة ارادب من العشرة التي باع منه، والخمسة الأخرى رجعت اليه بعينها، فكانت لغوا. والخامسة: ان يشترى منه أقل من طعامه، بعد ان غاب عليه، بأكثر من الثمن، إلى أبعد من الأجل. فهذا لا يجوز أيضا، ويدخله سلف دراهم في أكثر منها إلى أجل، لأن المبتاع الأول يدفع إلى البائع الأول عشرة دراهم إلى شهر، ويأخذ منه خمسة عشر درهما عند شهرين، على أن يسلفه البائع خمسة أرادب من العشرة التير باع منه، وأعطاه الخمسة الأخرى. والسادسة: ان يشترى منه بعض طعامه بعينه، بأكثر من الثمن، إلى أبعد من الأجل، ولم يغب عليه. فهذا لا يجوز، ويدخله سلف دراهم في أكثر منها، لأن المبتاع

الأول يدفع إلى البائع الأول عشرة دراهم إلى شهر، ويأخذ منه خمسة عشر درهما، إلى شهرين، على أن أعطاه البائع الأول خمسة ارادب من العشرة التي باع منه، والخمسة الأخرى رجعت اليه بعينها فكانت لغوا. والسابعة: ان يشترى منه أكثر من الطعام، بأكثر من الثمن، بعد أن غاب عليه، إلى أبعد من الأجل. فهذا لا يجوز، لأنه بيع وسلف، لأن ما زاد المبتاع من الطعام بما زاد البائع من الثمن، مبايعة، على أن أسلف المبتاع الأول إلى البائع الأول عشرة دراهم عند شهر، يأخذها منه عند شهرين، ويسلف البائع المبتاع، عشرة ارادب يأخذها منه بعد أن غاب عليها، وانتفع بها والثامنة: ان يشترى منه طعامه بعينه، وزيادة عليه، بأكثر من الثمن، إلى أبعد من الأجل. فهذا لا يجوز، ويدخله البيع والسلف؛ لأن ما زاد على الثمن، بما زاد على طعام، مبايعة، على ان أسلف المبتاع الأول للبائع عشرة دراهم عند شهر، يأخذها منه عند شهرين، والعشرة أرادب رجعت اليه بعينها فكانت لغوا. والتاسعة: ان يشترى من أقل من الطعام، بعد أن غاب عليه، بأقل من الثمن إلى أبعد من الأجل فهذا لا يجوز أيضا، ويدخله البيع والسلف، لأن ما نقص من الطعام بما نقص من الثمن، مبايعة، على أن أسلف البائع الأول للمبتاع الأول خمسة أرادب، ينتفع بها، ويردها اليه، بعد أن غاب عليها، وانتفع بها، وأسلفه المبتاع خمسة المبتاع خمسة دراهم عند شهر، يأخذها منه عند شهرين.

والعاشرة: أن يشترى منه طعامه، بعينه، قبل ان يغيب عليه، بأقل من الثمن، إلى أبعد نت الأجل. فهذا لا يجوز ايضا، ويدخله البيع والسلف، لأن ما نقص من الطعام، بما نقص من الثمن، مبايعة، على أن أسلف المبتاع الأول للبائع / الأول ارداب رجعت اليه بعينها، فكانت لغوا. والحادية عشرة: أن يشترى منه أكثر من الطعام، بعد أن غاب عليه، بأقل من الثمن، إلى أبعد من الأجل. فهذا لا يجوز، لأنه تدخله الزيادة في السلف، لأن البائع الأول دفع للمبتاع عشرة ارادب، فغاب عليها، وانتفع بها، ثم رد اليه خمسة عشر اردبا، فكانت الخمسة ارادب ثمنا لما أقرضه. ولو كان لم يغب على الطعام، لجاز، لأن طعامه يرجع اليه بعينه، وخمسة ارادب زيادة، فآل الأمر إلى ان دفع المبتاع إلى البائع خمسة ارادب، وعشرة دراهم عند شهر، ويأخذ منه خمسة دراهم عند شهرين، فلا يتهمان. والثانية عشرة: أن يشترى منه أكثر من الطعام، بعد ان غاب عليه، بمثل الثمن إلى أبعد من الأجل. فهذا لا يجوز وتدخله الزيادة في السلف، لأن البائع الأول دفع إلى المبتاع عشرة ارادب، فغاب عليها، وانتفع بها، ورد اليه خمسة عشر اردبا، وأسلف المبتاع عشرة دراهم عند شهر، ليأخذها منع عند شهرين. ولو لم يغب على الطعام لجاز، لأن الأمر آل بينهما إلى ان دفع

المبتاع إلى البائع عشرة دراهم عند شهر، يأخذها منه، عند شهرين، وأعطاه، ايضا، خمسة ارادب، فهو قرض، وزيادة من المقرض، فصار المعروف قد فعله معه المكبتاع من جهتين. والثالثة عشرة: أن يشترى منه مثل طعامه، بعد ان غاب عليه بأقل من الثمن إلى أبعد من الأجل. فهذا لا يجوز، وتدخله الزيادة في السلف، لان البائع الأول دفع للمبتاع عشرة ارادب، فغاب عليها بها، وردها اليه، على ان يعطيه المبتاع، عند شهر، خمسة دراهم، لما أسلفه؛ ويسلفه خمسة دراهم، وتكون عنده إلى شهرين. ولو لم يغب على الطعام، لكن جائزا، لأن طعامه يرجع اليه بعينه، فكان لغوا، ويدفع المبتاع إلى البائع، عند شهر، عشرة دراهم، ويأخذ منه، عند شهرين، خمسة، فلا يتهمان في ذلك. العشرون مسألة الجائزة، في الشراء بالنقد والى نفس الأجل [31 - 50] فصل: في ذكر المسائل الجائزة المتقدمة الذكر، المتحصلة في الشراء بالنقد، والى الأجل، وهي عشرون، تتمة الست والثلاثين: احداها: أن يشترى منه طعامه بعينه، بأقل من الثمن، إلى الأجل. مثال ذلك: أن يبيع منه عشرة ارادب بعشرة دراهم إلى شهر، ثم يشتريه منه، بعينه، بخمسة دراهم إلى ذلك الأجل. فهذا جائز؛ لأن طعامه رجع اليه بعينه، فكان لغوا، واذا حل الاجل قاصه بخمسة من العشرة، ودفع اليه المبتاع خمسة، فآل إلى ان

اعطى المبتاع البائع خمسة دراهم، عند الأجل، عن غير شىء، فلا يتهمان في ذلك. والثانية: أن يشترى منه بعض طعامه، بعينه، بأقل من الثمن، إلى ذلك الأجل. فهو جائز، أيضا، لأن الخمسة الارادب التي اشتراها منه بعينها، رجعت اليه، فكانت لغوا، ويقاصه عند الأجل بالخمسة دراهم من العشرة، التى كانت له عليه، ويدفع اليه المبتاع الخمسة الدراهم عند الأجل، فال أمرهما إلى أن ابتاع المبتاع الخمسة الأرادب، التى بقيت عنده من الطعام، الذى كان ابتاع بالخمسة دراهم الباقية، قبله، من الثمن، إلى ذلك الأجل فلا تهمة في ذلك. والثالثة: أن يشترى منه طعاما بعينه، وزيادة عليه، بمثل الثمن، ولم يغب عليه، إلى ذلك الأجل فهذا جائز، أيضا، لأن طعامه رجع اليه بعينه، فكان لغوا، وزاد المبتاع خمسة أرادب، ويقاصه عند الأجل، بجميع الثمن، فآل امرهما إلى أن أعطى المبتاع الأول - البائع الأول خمسة ارادب معجلة، من غير عوض، فلا تهمة في ذلك. والرابعة: ان يشترى منه طعامه بعينه قبل ان يغيب عليه، وزيادة عليه، بأقل من الثمن، إلى ذلك الأجل. فهذا جائز، لأن طعامه رجع اليه بعينه، فصار لغوا، وزاده خمسة [60] ارادب، ويقاصه عند الأجل بخمسة من العشرة، التى له عليه ويدفع اليه الخمسة الباقية، فآل الأمر إلى أن أعطى المبتاع الأول خمسة

ارادب نقدا، وخمسة نقدا، وخمسة ارادب نقدا، وخمسة دراهم عند الأجل، على غير شىء، فلا تهمة في ذلك. والخامسة: أن يشترى منه طعامه بعينه وزيادة عليه، بأكثر من الثمن إلى ذلك الأجل. فهذا جائز، أيضا: لأن طعامه رجع اليه بعينه، فكان لغوا، وزاده المبتاع خمسة دراهم ارادب، ويقاصه، عند الأجل، بجميع الثمن، ويدفع اليه البائع الخمسة الدراهم الباقية عليه، فآل الأمر بينهما إلى ان باع المبتاع الأول من البائع الأول خمسة دراهم معجلة بخمسة دراهم إلى شهر. فهذا جائز. والسادسة: ان يشترى منه مثل طعامه وقد غاب عليه، بمثل الثمن، نقدا. فهذا جائز: لأن البائع رجع اليه مثل طعامه، فكأنه، أسلفه اياه، ويدفع اليه أيضا، عشرة دراهم، فآل الأمرالى ان أسلف البائع المبتاع سلفين صحيحين، فلا تهمة في ذلك. والسابعة: ان يشترى منه مثل طعامه، بعد ان غاب عليه، بمثل الثمن، إلى ذلك الأجل فهذا جائز، لأن البائع رجع اليه مثل طعامه، فكأنه أسلفه اياه، ويقاصه عند الأجل، بجميع الثمن، فآل الامر بينهما إلى أن أسلف البائع الأول المبتاع الأول عشرة ارادب، على غير شىء. والثامنة: ان يشترى منه طعامه بعينه، قبل ان يغيب عليه، بمثل الثمن نقدا.

فهذا جائز، لأن طعامه رجع اليه بعينه، فكان لغوا، ويدفع البائع إلى المبتاع عشرة دراهم نقدا، ويأخذها منه عند الأجل، فكأنه اسلفه اياها، فآل الأمر بينهما إلى أن أقرض البائع المبتاع عشرة دراهم إلى أجل، على غير عوض. فهذا جائز. والتاسعة ان يشترى منه طعامه بعينه، قبل ان يغيب عليه بمثل الثمن، إلى ذلك الأجل. فهذا جائز، ايضا، لأن طعامه رجع اليه بعينه، فكان لغوا، ويقاصه عند الأجل، بجميع الثمن، فآل الأمر بينهما إلى الإقالة الصحيحة، في الطعام الذى باعه منه. والعاشرة: ان يشترى منه طعامه، بعد غاب عليه، بأكثر من الثمن، نقدا. فهذا جائز، لأن البائع رجع اليه مثل طعامه، فكان اسلفه اياه، ودفع البائع إلى المبتاع خمسة درهما، ويأخذ منه عند الأجل عشرة دراهم، فلا تهمة في ذلك. والحادية عشرة: ان يشترى منه مثل طعامه، وقد غاب عليه، بأكثر من الثمن، إلى ذلك الأجل. فهذا جائز، لأن رجع اليه مثل طعامه، فكأنه أسلفه اياه، ويقاصه، عند الأجل، بجميع الثمن، ويعطيه الخمسة الباقية، فآل الأمر بينهما إلى ان اسلف البائع الأول المبتاع الأول عشرة ارادب، وأعطاه خمسة دراهم عند الأجل، ففعل معه البائع معروفين.

والثانية عشرة: أن يشترى منه طعامه بعينه، قبل ان يغيب عليه، بأكثر من الثمن، نقدا. فهذا جائز، لأن طعامه رجع اليه بعينه، فكان لغوا، ويدفع اليه البائع خمسة درهما نقدا، ويأخذ منه عند الأجل عشرة دراهم، فلا يتهم أحد في دفع كثير في قليل. والثالثة عشرة: ان يشترى منه طعامه بعينه، قبل ان يغيب عليه، بأكثر من الثمن، إلى ذلك الأجل. فهذا جائز، لأن طعامه رجع اليه بعينه، فكان لغوا، ويقاصه، عند الأجل، بعشرة عن عشرة، ويعطيه الخمسة الدراهم الباقية، فآل الأمر بينهما إلى ان اعطى البائع الأول للمبتاع الأول خمسة دراهم عطية، عند الأجل، على غير شىء. فهذا جائز. والرابعة عشرة: ان يشترى منه أقل من الطعام الذي باع منه، بعد أن غاب عليه بمثل الثمن، نقدا. فهذا جائز، لأن البائع رجع اليه بعض طعامه، بعد ان غاب عليه، فكأنه أسلفه اياه، واعطاه الخمسة الارادب الباقية، ويدفع اليه عشرة دراهم نقدا، يأخذها منه عند الأجل، فكأنه اسلفه اياها. فآل الأمر بينهما / إلى أن أسلف البائع الأول المبتاع الأول خمسة ارادب وعشرة دراهم، وأعطاه خمسة ارادب، فهذه ثلاث وجوه من المعروف، صنعها البائع مع المبتاع.

والخامسة عشرة: أن يشترى منه بعض طعامه بعينه، قبل ان يغيب عليه، بمثل الثمن نقدا. فهذا جائز، لأن ما رجع اليه من طعامه صار لغوا، ويدفع اليه عشرة دراهم نقدا، يأخذها منه عند الأجل، فآل الأمر بينهما إلى ان أسلفه عشرة دراهم، ووهبه خمسة ارادب، فلا تهمة في ذلك. والسادسة عشرة: أن يشترى منه بعض طعامه بعينه، قبل ان يغيب عليه، بمثل الثمن، إلى ذلك الأجل. فهذا جائز، لأن بعض طعامه رجع اليه بعينه، فكان لغوا، وأعطاه بقيته، ويقاصه عند الأجل، بجميع الثمن، فآل الأمر بينهما إلى ان اعطى البائع المبتاع خمسة ارادب، هبة عن غير شىء، فلا تهمة في ذلك. والسابعة عشرة: أن يشترى منه أقل من طعامه، وقد غاب عليه، بأكثر من الثمن، نقدا. فهذا جائز، لأن البائع رجع اليه بعض طعامه، بعد ان غاب عليه المبتاع، فكأنه أسلفه اياه، وأعطاه بقيته، ودفع اليه دراهم في أقل منها، إلى أجل، فلا تهمة في ذلك. والثامنة عشرة: أن يشترى منه أقل من طعامه، الذي باع منه، بعد ان غاب عليه، بأكثر من الثمن إلى ذلك الأجل. فهذا جائز؛ لأن البائع رجع اليه بعض طعامه، فكأنه أسلفه اياه، وأعطاه بقيته، ويقاصه عند الأجل بعشرة عن عشرة، ويعطيه الخمسة الباقية، فآل الأمر بينهما إلى أن أقرض البائع المبتاع خمسة أرادب،

وأعطاه خمسة ارادب نقدا، وخمسة دراهم عند الأجل فلا تهمة في ذلك. والتاسعة عشرة: أن يشترى منه بعض طعامه بعينه، ولم يغب عليه، بأكثر من الثمن، نقدا. فهذا جائز، لأن البائع رجع اليه بعض طعامه بعينه فكان لغوا، وأعطى المبتاع بقيته، ودفع اليه خمسة عشر درهما، نقدا، ويأخذ منه، عند الأجل، عشرة دراهم فلا تهمة في ذلك. والعشرون: أن يشترى منه بعض طعامه بعينه، ولم يغب عليه، بأكثر من الثمن، إلى الأجل. فهذا جائز، لأن البائع رجع اليه بعض طعامه بعينه، فكان لغوا، وأعطى المبتاع بقيته، ويقاصه بعشرة عن عشرة، عند الأجل، ويعطيه الخمسة الباقية، فآل امرهما إلى ان وهب البائع المبتاع خمسة أرادب نقدا، وخمسة دراهم، عند الأجل، فلا تهمة في ذلك. الأربع مسائل الجائزة، في الشراء إلى أبعد من الأجل [51 - 54] فصل في ذكر المسائل الجائزة، من الثمان عشرة مسألة، المتحصلة في الشراء، إلى أبعد من الأجل، وهي أربع مسائل، تتمة العدد المذكور: احداها: أن يشترى منه طعامه، الذي باعه منه بعينه، قبل ان يغيب عليه، وزيادة عليه، بأقل من الثمن، إلى أبعد من الأجل. فهذا جائز؛ لأن طعامه البائع رجع اليه بعينه، فكان لغوا، وآل الأمر بينهما إلى أن دفع المبتاع الأول إلى البائع الأول خمسة أرادب من طعام، ويدفع اليه، أيضا، عند الأجل، الأول عشرة دراهم، ويأخذ

منه عند الأجل الثاني، خمسة دراهم، ولا يتهم أحد أن يدفع خمسة ارادب، عشرة دراهم، في خمسة دراهم إلى أجل. وهذا على انه باع منه عشرة أرادب بعشرة دراهم إلى شهر، ثم اشترى منه خمسة عشر اردبا، بخمسة دراهم إلى عشرين. والثانية: ان يشتري منه طعامه بعينه وزيادة عليه، بمثل الثمن إلى أبعد من الأجل. فهذا جائز، أيضا طعام البائع رجع اليه بعينه، فكان لغوا، وآل الأمر بينهما إلى أن دفع المبتاع الأول إلى البائع الأول خمسة أرادب من طعام، ويدفع اليه، أيضا، عند الأجل الأول عشرة دراهم، ويأخذها منه عند الأجل الثاني، فيكون كأنه قد أسلفه عشرة دراهم وأعطاه خمسة أرادب على التنزيل الذي نزلناه. وهذا ما لا اختلاف في جوازه، لأنه قرض وزيادة من المقرض. والثالثة: ان يشتري منه طعامه بعينه، بأقل من الثمن، إلى أبعد من الأجل. [62] فهذا جائز، أيضا لأن طعام البائع رجع اليه بعينه، فكان لغوا ويأخذ من المبتاع عشرة دراهم عند الأجل الأول، ويدفع اليه، عند الأجل الثاني، خمسة دراهم، ولا يتهم احد في سلف كثير في قليل. والرابعة: ان يشتري منه طعامه بعينه، قبل ان يغيب عليه، بمثل الثمن، إلى ابعد من الأجل.

84 - بطلان الحبس لعدم القبض في حياة المحبس

وقد تقدم القول وجه جوازها. والله ولي التوفيق برحمته، لا شريك له. [84]- بطلان الحبس لعدم القبض في حياة المحبس. وسئل الفقيه، الإمام، الحافظ، قاضي الجماعة، أبو الوليد ابن رشد أيده الله، عمن حبس على ابن صغير له، في حجره، وقبض له الحبس إلى أن يبلغ، فبلغ، ولم يقبض ولم يعلم به، حتى مات الأب، ولم يجز، عند عقد التحبيس، الأب. فأجاب على ذلك، أيده الله: تصفحت سؤالك هذا ووقفت عليه. وان بلغ الابن المحبس عليه، وملك أمره في حياة أبيه، ولم يجز عنه الحبس إلى أن توفي، فهذا باطل؛ علم الابن بالحبس او لم يعلم، كان الأب قد حازه، او لم يحزه. وبالله التوفيق. [85]- آل النبي عليه السلام، الذين لا تحل لهم الزكاة. قال الفقيه، الإمام الحافظ، ابو الوليد محمد بن احمد بن أحمد ابن رشد رضي الله عنه: سأل عن آل النبي صلى الله عليه وسلم الذين جاء فيهم: أن الصدقة لا تحل لهم وعن قرابته الذين جعل الله لهم حظا في الفيء، وخمس

الغنيمة، من هم؟ وما يحرم عليهم من الصدقة، ويجب لهم من الفيء حقا وخمس الغنيمة؟ فقلت: آل النبي عليه الصلاة والسلام، الذين جاء فيهم: ان الصدقة لا تحل لهم هم ذوو القربى، الذين جعل الله لهم حقا في الفيء وخمس الغنيمة فقال تعالى: {واعلموا أنما غنتم من شيء فان لله خمسة وللرسول ولذي القربى} [سورة الأنفال الآية: 41] وقال تعالى {وماأفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى} [سورة الحشرة الآية: 7] لأن الله تعالى وجل عوضهم ذلك، من الصدقة، التي حرمهم اياها، إكراما لهم لأنها أوساخ الناس يغسلونها عنهم، فنزلهم الله تعالى عنها؛ لما في أخذها من الغضاضة والمهانة لكونها غسالة، وأبدلهم منها ما هو اخذه شرف ورفعة، لأنه مأخوذ على وجه الغلبة والعزة، واعلاه الذكر واعلاه كلمة الدين واصغار المشركين. سبعة أقوال في تعيين آل النبي عليه السلام. وقد اختلف أهل العلم في تعيينهم على سبعة أقوال: أحدها: انهم بنو هاشم، وهم كل من يلتقي مع النبي عليه السلام، في هاشم أبي جده لأنه، صلى الله عليه وسلم هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن

خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن سعد بن عدنان فبنو هاشم هم ولد عبد المطلب من بني هاشم، ما تناسلوا، وان بعدوا: آل عباس وآل على وآل جعفر وآل عقيل، اذ لم يعقب احد من ولد هاشم سوى عبد المطلب والى هذا ذهب أكثر أهل العلم. والحجة لهم: ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {ان الله اصطفى كنانة من ولد اسماعيل واصطفى قريشا من كنانة بني هاشم من قريش واصطفاني من بني هاشم}. وما روى، أيضا عن على بن أبي طالب، رضي الله عنه، أنه قال: " لما نزلت: وأنذر عشيرتك الأقربين " قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم {يا على، اجمع لي بني عبد المطلب، وهم أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصونه}، وفي رواية أخرى عنه: قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم {اجمع لي هاشم وهم أربعون رجلا، أو اربعون الا رجلا} وما روى عن ابن عباس انه قال: نحن هم يعني آل محمد وقد أبى ذلك علينا قومنا وقالوا: قريش كلها قربى} والثاني: أنهم بنو هاشم المذكورون وبنو عبد المطلب خاصة من بني عبد مناف ما تناسلوا وان بعدوا والى هذا ذهب الشافعي.

والحجة له إدخال رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب مع بني هاشم في سهم ذوي القربى لدخولهم معهم في الشعب وذلك ان كفار قريش اجمعوا لأمرهم على أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبذلوا [63] فيه لقومه بني هاشم ديته مضاعفة على أن يسلموه فأبوا ومنعوه وظاهرهم على ذلك بنو عبد المطلب فلما رأوا أنهم منعوه ويئسوا مما أرادوا اخرجوهم من مكة إلى الشعب وتعاقدوا على منابذتهم، وترك مناكحتهم ومبايعتهم، فأدخلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل ذلك في سهم ذوي القربى، وقال " انما بنو هاشم وبنو عبد المطلب هكذا وشبك بين أصابعه " والثالث: انهم بنو هاشم وبنو عبد مناف كلهم ما تناسلوا، وان بعدوا. وهذا القول يتخرج على ما روى ان الله عز وجل، لما انزل: " وأنذر عشيرتك الاقربين " انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رضفة جبل فعلا عليها، ثم قال: " يا بني عبد مناف، اني نذير لكم بين يدي عذاب

شديد فبين بمناداته اياهم انهم عشيرته الاقربون وعشيرته الاقربون: هم آله على ما قاله اصبغ بن الفرج وغيره. والرابع: انهم بنو هاشم وبنو عبد مناف وبنو قصي، وما تناسلوا، وان بعدوا. وهذا القول يتخرج، ايضا على ما روى ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: {يا بني هاشم، يا بني قصي يا بني عبد مناف، انا النذير، والموت المغير والساعة الموعد} لانه لما انتهى لمناداته إلى قصي، دل ذلك على ان من فوقهم ليس من آله، الذين هم عشيرته الاقربون. والخامس: انهم بنو هاشم وبنو عبد مناف، وبنو قصي وبنو كلاب، وبنو مرة وبنو كعب وما تناسلوا، وان بعدوا. وهذا القول يتخرج على ما روى عن أبي هريرة قال: لما نزلت: " وأنذر عشيرتك الاقربين " قام نبي الله صلى الله عليه وسلم فنادى: يا بني كعب بن لؤى، انقدوا انفسكم من النار، يا بنى عبد مناف: انقذوا انفسكم من النار، يا بني عبد المطلب انقذوا انفسكم من النار يا فاطمة ابنة محمد انقذي نفسك من النار، فاني لا املك لكم من الله شيئاً، غير ان لكم رحما سابلها ببلالها "

ان هذا الحديث يدل على ان آله وعشيرته الاقربين بنو كعب فمن دونهم. والسادس: انهم بنو هاشم، وبنو عبد مناف، وبنو قصي وبني كلاب وبنو مرة وبنو كعب وبنو لؤي وبنو غالب. والى هذا ذهب اصبغ بن الفرج من اصحابنا واستدل بما روي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى، يوم نزلت: " وأنذر عشيرتك الاقربين " يا آل قصي، يا آل غالب يا فاطمة بنت رسول الله، يا صفية عمة رسول الله اعملوا لما عند الله، فاني لا املك من الله شيئاً " والسابع: انهم قريش كلهم وهو بنو فهر فمن دونهم، وما تناسلوا وان بعدوا وقيل: انهم بنو النضير بن كنانة فمن دونهم وما تناسلوا وان بعدوا. والى هذا ذهب جماعة من الصحابة، على ما روى ابن عباس، انه قال: نحن هم - يعني آل محمد وقد ابى ذلك علينا قومنا، وقالوا: قريش كلها قربى. ومن الحجة لمن ذهب إلى هذا ما روى عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انزل الله عليه " وأنذر عشيرتك الاقربين " يا معشر قريش واشتروا انفسكم من الله، لا اغنى عنكم من الله شيئاً.

هل تحل الصدقة لموالي آل البيت؟ فصل، فهذا جملة الاختلاف في تعيين آل النبي عليه السلام واختلف في مواليهم، فقيل انهم يدخلون مدخلهم، فيما لهم من الفييء وخمس الغنيمة، وفي تحريم عليهم، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مولى القوم منهم " وقيل: انهم لا يدخلون مدخلهم في ذلك وان معنى الحديث انما هو في البر والحرمة، لا فيما يجب لهم، ويحرم عليهم. الصدقة المحرمة على آل البيت هي الزكوات والكفارات فصل، والصدقة التي تحرم على آل النبي عليه السلام في قول كافة العلماء، هي الزكوات والكفارات، واما صدقة التطوع، مثل ان يجعل الرجل شيئاً من ماله صدقة صدقة على المساكين، فاختلف هل يحل ان يعطي من ذلك لفقراء آل النبي صلى الله عليه وسلم شيء ام لا على قولين. وجائز ان يتصدق الرجل على من شاء منهم بما شاء من ماله تطوعا.

والاصل في جواز ذلك ما روي عن ابن عباس قال: قدمت عير [64] المدينة فاشترى منها النبي عليه الصلاة والسلام / متاعا، فباعه بربح اواق من فضة، فتصدق بها على ارامل لبني عبد المطلب، ثم قال: لا اعود ان اشترى بعدها شيئاً، وليس ثمنه عندي. وحكم النبي عليه السلام في خاصة نفسه خلاف هذا، فانه كان لا يقبل الصدقة، ويقبل الهدية، وكان إذا أتي بالشيء سأل اهديه ام صدقة؟ فان قالوا: صدقة قال لاصحابه: كلوا وامسك هو وان قالوا: هدية، بسط يده. ستة اقوال لتعيين آل البيت في الفيء وخمس الغنيمة فصل، واما حقهم في الفيء وخمس الغنيمة فاختلف فيه على ستة اقوال: احدهما: انه لا يتعين لهم في ذلك حق ولا لسائر الاصناف المذكورين في الآتيين الا ما يراه الإمام بنظره واجتهاده ان رآه لانهم على هذا القول انما ذكروا تأكيدا لامرهم، لا ان يخصوا بذلك، دون سائر منافع المسلمين، والى هذا ذهب ما لك رحمه الله.

والثاني ان يقسم ذلك بالاجتهاد، بين الاصناف المذكورين في الآتيين ولا يخرج منه شيء عنهم إلى غيرهم. والثالث: انه يقسم على ستة اسهم بالسواء، سهم لله تعالى، يجعل في سبيل الخير، وسهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسهم لقرابته، وسهم لليتامى وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل. والرابع: انه تؤخذ منه قبضة فتجعل في الكعبة ويقسم الباقي بالسواء على الخمسة الاصناف المذكورين. والخامس: انه يقسم على خمسة اسهم بالسواء ويجعل لله مفتاح الكلام، لان الدنيا وما فيها لله. والسادس: انه يقسم على اربعة اسهم بالسواء، لذوي القربى، واليتامى والمساكين وابن السبيل ويكون معنى قوله: لله وللرسول ان لهما الحكم في قسم ذلك بين من سمي في الآتيين. ثلاثة اقوال في مصير سهم الرسول والقرابة بعد وفاته عليه السلام. فصل، وقد اختلف الذين رأوا ان الفيء وخمس الغنيمة يقسمان على خمسة اسهم في سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسهم قرابته بعد وفاته: فقالت طائفة منهم: يجعل في الكراع والسلاح.

86 - ظهور حقوق على التركة بعد قسمتها

وقالت طائفة: يكون سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للخليفة بعده وسهم قرباته لقرابة الخليفة بعده. وقالت طائفة: منهم يقسم سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على سائر الاصناف ويكون سهم قرابته باقيا عليهم إلى يوم القيامة. ومن ذهب إلى ان سهم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يسقط بوفاته لم يحرم عليهم الصدقة والى هذا ذهب ابو حنيفة في احد قوليه حكاه الطحاوى عنه وهو بعيد روي عن ابن عبد الله بن عباس رضي الله عنه انه قال: ما اختصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء دون الناس الا بثلاث اسباغ الوضوء والا نأكل من الصدقة والا ننزي الحمر على الخيل. واخباره رضي الله عنه، بهذا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم دليل على بقاء ذلك الحكم لهم وقيامه فيهم، إلى يوم القيامة، والله اعلم. وبه التوفيق، ولا شريك له. [86]- ظهور حقوق على التركة بعد قسمتها. وقال الفقيه الإمام الحافظ، ابو الوليد محمد بن احمد بن احمد ابن رشد، ايده الله:

اعلم انه إذا قسم مال الميت، ثم طرأ بعد ذلك من له فيه حق، فلا يخلو ذلك من احد تسعة اوجه، وهي: [1] ان يطرأ غريم على غرماء. [2] او يطرأ غريم على ورثة. [3] او يطرأ غريم على غرماء وورثته. [4] او يطرأ غريم على موصى له بجزء وعلى ورثة. [5] او يطرأ غريم على موصى له بعدد وعلى ورثة. [6] او يطرأ موصى له بعدد على ورثة. [7] او يطرأ موصى له بجزء على ورثة. [8 - 9] او يطرأ موصى له على موصى لهم، او يطرأ وارث على ورثة. أربعة احوال من التسعة: فأما إذا طرأ غريم على غرماء او طرأموصى له على موصى لهم او طرأ وارث على ورثة او طرأ موصى له بجزء على ورثة فمذهب ابن القاسم، في الأربعة الأوجه: ان ينظر إلى ما كان يجب لهذا الطارئ لو كان حاضرا، يوم القسمة فيتبع كل واحد منهم بما حصل في نصيبه، من ذلك الجزء. وقيل: انه إذا وجد واحدا منهم، ساواه فيما في يده، ان كان كل جزؤه مثل جزئه ويتبعان معا أصحابهما، قياسا على المسألة التي في كتاب محمد وهي:

[65] الرجل يترك زوجة، وورثة غيرها فيقتسمون / المال ثم طرأ، بعد ذلك زوجة أخرى، فتجد هذه الزوجة، الأولى، التي أخذت الثمن كله عديمة. قال ترجع بحصتها في يد من وجدت مليئا من الورثة ثم يتبع ذلك الذي رجعت عليه بحصتها فيما في يديه، الزوجة الأولى معها. وابن حبيب يجعل طريان الموصى له بجزء من الورثة كطريان الغريم، على الورثة. ثلاث حالات أخرى بين رأي ابن القاسم واعتراض ابن رشد: وأما إذا طرأ غريم على ورثة أو طرأ غريم على موصى له بجزء وورثة أو طرأ موصى له بعدد على ورثة، فمذهب ابن القاسم: أنه ان طاع الذين اقتسموا المال بأداء هذا الطارئ، أو طاع احدهم بأداء جميعه، من عند نفسه، صحت قسمتهم وان أبوا أو أبى أحدهم فالقول قول من أبى وتنفسخ القسمة الا أن يكون استحقاق الدين بشهادة هذا الذي أبي مع مستحقيه فلا تنفعه ابايته وحده وتنفذ القسمة، ويلزمه ما ينوبه من الدين، لأنه يتهم: أنه انما أراد بالاقرار بالدين، نقض القسمة. وهذا معترض من قوله، لأنه كان ينبغي له إذا اتهمه، ألا يجيز شهادته، كما أتى في نوازل سحنون من كتاب الأقضية من العتبية في:

رجل مات وشهد رجلان أنه أوصى بوصية وجعل اليهما تنفيذها. فقال: يسألهما القاضي، إذا شهد عنده، هل قبلا تنفيذ الوصية، فان قالا: نعم قبلناها، أسقط شهادتهما، وان قالا: لم نقبل أجازهما. وهؤلاء، الذين اقتسموا مال الميت، ضامنون لما أكلوا أو استهلكوا من ذلك، وأما ما ذهب بأمر من السماء فلا ضمان عليهم فيه لصاحب هذا الحق الطارئ عليهم، ولا بعضهم لبعض، وكذلك إذا جنى على شيء مما في يد واحد منهم يتبعون جميعا الذي جنى عليه ومن باع منهم شيئاً مما في يده فإنما عليه الثمن الذي باعه به إذا لم تكن في البيع محاباة ويقتسمون ما بقي بعد اخراج حق هذا الطارئ. رواية أشهب ورأيه: ويأتي على رواية أشهب عن مالك: أن القسمة تنفسخ على كل حال وان رضي أحدهم، أو جميعهم بأداء حق هذا الطارئ، لحق الله عز وجل في ذلك. وقال أشهب من رأيه: ان القسمة تصح ولا تنفسخ، ويأخذ هذا الطارئ حقه من كل واحد منهم، على قدر الأجزاء. التي اقتسموا عليها، زادت أو نقصت.

رأي سحنون، وابن حبيب: وسحنون يقول مثل قوله في صحة القسمة؛ غير أنه يخالفه في صفة الرجوع، فيقول: يأخذ هذا الطارئ حقه من كل واحد منهم، على قد ما بيده يوم الحكم. وابن حبيب يقول: إذا دعا أحدهم إلى تصحيح القسمة، فالقول قوله، ويغم ما ينوبه ان كان نصيب أصحابه لم يتلف ولا نقص، وان كان تلف أو نقص، لم يكن ذلك له الا أن يحمل نوبه مما نقص أو تلف. وكذلك يقول في طريان الموصى له بجزء على الورثة، ويجعله كطريان الغريم عليهم. الحالة الثامنة: وأما إذا طرأ غريم على غرماء وورثة فمذهب ابن القاسم، وروايته عن مالك: أنه ان كان حين أخذ الغرماء دينهم يبقى في يد الورثة ما يحمل دين هذا الطارئ، لم يتبع هذا الطارئ الغرماء، وأخذ حقه من الورثة، ان كانوا أملياء، واتبعهم ان كانوا عدماء، ولم يكن له على الغرماء رجوع، وان لم يكن فيما أخذ الورثة كفاف اتبع الورثة بما أخذوا والغرماء بما بقي له مما كان يحصل لو كان حاضرا يوم القسمة، وليس له رجوع على الغرماء بقيمة ما بأيدي الورثة، إذا أتلفه

87 - هل تنقلب ذات الخمر اذا الخمر تخللت؟

الورثة، لأن الغرماء لديونهم إذا لم يعلموا بدين هذا الطارئ عليهم، كأنه حكم قد وقع، فلا يرد. الحالة التاسعة: وأما إذا طرأ غريم على موصى له بعدد، وعلى ورثة، فإنما ينظر إلى ثلث ما يبقى من المال بعد اخراج الدين، فإن كان بقدر ما أخذ الموصى له، لم يكن للغريم أن يتبعه بشيء ويأخذ دينه من الورثة، ان كانوا أملياء، فإن كانوا عدماء، أخذ دينه مما يد هذا الموصى له واتبع الموصى له الورثة بما أخذه منه صاحب الدين. وان كانت وصيته أكثر من ثلث ما يبقى، بعد اخراج الدين أخذ صاحب الدين ذلك الزائد، وأخذ من الورثة ما بقي من دينه، ان كانوا كلهم أملياء / أعني: الموصى له والورثة وان كان الورثة عدماء والموصى له مليا، أخذ دينه مما في يد هذا الموصى له واتبع الموصى له الورثة بما نقصه أداء الدين من ثلث ما بقي من المال، بعد اخراج الدين وان كان الورثة أملياء، والموصى له عديما، يأخذ دينه من الورثة وأتبع الورثة والموصى له بما أخذ زائدا، على الثلث ما بقي من المال، بعد اخراج الدين. وبالله التوفيق. [87]- هل تنقلب ذات الخمر إذا الخمر تخللت؟ وقال الفقيه، الإمام الحافظ، أبو الوليد: محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد أيده الله.

جواب أبي عبد الله ابن حمدين: سئل الفقيه القاضي أبو عبد الله محمد بن على، وفقه الله، الفصل بين مختلفين تنازعا، في الخمر إذا تخللت، هل انقلبت ذاتها أم لا؟ فأجاب وفقه الله، على ذلك بجواب محكم النظام، جزل المقال، استدل لقوله فيه بآي من القرآن، وسنن مروية من الآثار، وتمثل في ذلك بغريب من الأشعار. تذييل ابن الألبيري لجواب ابن حمدين: وذيل ابن الالبيري، وأرشده الله، جوابه المذكور بتذييل استدرك به في زعمه، ما زعم أن القاضي، وفقه الله، أهمله من الأدلة العقلية، فأتى في ذلك بكلام فاسد معتل، خطأ مختل. فلما انتهى إلى، ووقفت عليه، وكنت قد رأيت له سقطات كثيرة، فاحشة في رده على الغزالي في مسألة الروح، نبهته على بعض المواضيع الفاسدة منه لينتبه ويتحفظ فيما سواه فعظم ذلك وأنف منه وكتب إلى عاضدا لكلامه ومحتجا لخطئه ومحاله، بزخارف من القول جعجع بها ليوهم من سمعها أنه أصاب فيما قال، ولم يأت فيه بكلام فاسد ولا محال. فلما سلك هذا المسلك، وذهب إلى أن يوهم ويمخرق رأيت أن

انبه على خطأه في هذا التذييل، ليبين للخاص والعام أنه ليس في هذه الطريقة من أهل التحصيل، كي لا يغتر به جاهل، فيقلده في شيء من هذه المعتقدات، وهو يحسبه ثابت القدم في معرفة أصول الديانات. وبالله التوفيق.

رد ابن رشد على تذييل ابن الألبيري: ذكر ما وقع من الفساد والخطأ والوهم والخلل، في تذييل ابن الألبيري جواب الفقيه القاضي أبي عبد الله محمد بن على ابن حمدين وفقه الله في مسألة الخمر تتخلل: [1]- إغفال الأدلة العقلية والاشارة إلى النفي والاثبات قبل ايراد السمعيات: من ذلك أنه استقبح كلامه فيه، بأن قال: ولما ذهب شيخنا، رحمه الله في هذه المسألة إلى وجازة العبارة وتلخيص الجواب، ولم يعرض إلى شيء من الادلة العقلية حسبما جرت به عادة أئتمنا، رضي الله عنهم، قصدت إلى ذلك، جريا على سنن المتكلمين، ليكون تذييلا للمسألة، اذ فيها اشارة النفي والاثبات، قبل ايراد السمعيات. هذا نص قوله في هذه المقدمة التي بسطها لكلامه. وقوله فيها: ليكون تذييلا للمسألة، اذ فيها اشارة إلى النفي والاثبات، ليس بصحيح، لانه خص بقوله هذا هذه المسألة بالنفي والاثبات وذلك عام في جميع ما يختلف فيه من المسائل الموجودات؛ لأن كل مختلفين في نوع من أنواع العلوم فسبيل كل واحد منها: أن يثبت ما يدعي خصمه نفيه، أو ينفي ما يدعي خصمه اثباته، ولا يختص بموضع من المواضع دون ما سواه، بل يعم جميع أعيان المسائل: العقليات والسمعيات، القطعيات والظنيات.

ولم يحقق، أيضا، فيها النفي والاثبات اذ فيها اشارة اليها وذلك خطأ في الخطأ. [2] تعريف الشيء بين المثبت والموجود: ومن ذلك قوله، في أول كلامه: فقلت: الشيء اسم عام، يقع على كل مثبت ما عندنا ما عدا الحال، فإنها مثبتة عند بعض أئمتنا وليست بشيء ولا نقيضه. وهو خطأ فاحش، لا يعذر في مثله من تعاطى استدراك ما أهمل بزعمه، من تحقيق الحجاج العقلية وتحرير الأدلة النظرية. وبيان ذلك: أنه لم يستثن من المثبتات الا الحال، فزعم أن كل مثبت شيء، الا الحال، فيقال له: ما الساعة عندك، والحشر والنشر، والثواب والعقاب وما أشبه ذلك، من المعدومات أمثبتات هي أم لسيت بمثبتات؟ فإن قال: هي مثبتات، ولا بد من ذلك، قيل له: فكيف لم [67] تستثنها كما استثنيت الحال وهي لسيت بأشياء على مذهب أهل السنة والحق لأنها معدومات وانما هي أشياء على مذهب أهل الاعتزال والزيغ الذين يقولون: إن المعدومات أشياء، ويؤول بذلك قولهم إلى صريح الالحاد والتعطيل. ولو استثنيت المعدومات، أيضا، فقلت: الشيء اسم عام، يقع على كل مثبت ماعدا الحال، وما عدا المعدوم، لما صح لك الا المعنى

خاصة، ويبقى عليك فساد اللفظ؛ اذ عدلت أن تفسر الشيء بالموجود إلى ان تفسره بالمثبت ما عدا المعدوم، فصرت كمن عبر على الثمانية بعشرة إلا واحدا وإلا واحدا وذلك عي ظاهر. وانما الحد الصحيح في الشيء عند أهل السنة والحق: أنه الموجود فهو الذي يطرد وينعكس ويحصر المحدود حصرا لا يدخل فيه ما ليس منه ولا يخرج عنه ما هو منه لأن كل موجود فهو شيء وكل شيء فهو موجود، وهذا بين. [3]- الشيء والمثبت: ولما قال ان الشيء اسم عام يقع على كل مثبت ما عدا الحال وصل ذلك بأن قال: ولذلك انطلق اسم الشيء على القديم تعالى. وذلك سقطة كبيرة ووهلة عظيمة، لأن المثبت يقع على المعلوم: الموجود والمعدوم. محصول قوله إذا اعتبر، أن الشيء لما كان يقع على الموجود والمعدوم، وانطلق أن يسمى الله تعالى به، فأستعيذ بالله من خطأ يؤدي إلى مثل هذه الشناعة. [4]- الشيء الواحد، والجوهر الواحد: ومن ذلك أنه قال وإذا قلنا، ان الشيء الواحد من الموصوفات رجع معناه في عرف المتكلمين إلى ما تستحيل قسمته وتبعيضه.

وليس ذلك بصحيح والصحيح ان الشيء الواحد من الموصوفات، وان كان يقع حقيقة على ما لا يتجزأ ولا يتبعض، فإنه في عرف المتكلمين وسائر الخلق أجمعين، راجع إلى الجملة المتصلة، كالانسان الواحد والثوب الواحد والدابة الواحدة وما أشبه ذلك؛ فلا يقع باطلاقه دون بيان، عند الجميع إلا على ذلك بدليل إجماعهم ان الرجل الواحد لو حلف: ألا يشترى اليوم الا شيئاً واحدا، أو يشتري اليوم شيئاً واحدا، فاشترى ذلك اليوم ثوبا واحدا، أو دابة واحدة أو غلاما واحدا، أو ما أشبه ذلك مما هو جملة واحدة متصلة لبر في يمينه، ولم يقع عليه حنث. وانما الذي يرجع، في عرف المتكلمين، دون من سواهم إلى ما تستحيل قسمته وتبعيضه: الجوهر الواحد، لا الشيء الواحد كما زعم. فان قالوا: الجوهر الواحد، علم أنهم أرادوا به الجزء الذي لا يتجزأ وان كان، عند غيرهم، واقعا على الشيء القائم بنفسه، المتحيز، وان لم يكن منفردا وفي اللغة واقعا على أصل الشيء. [5]- الصفة الواحدة وقوله بعد ذلك وذلك إذا قلنا في الصفة، فإنما المراد به ما اتصف به الواحد، الذي استحالت قسمته، وامتنع تبعيضه، هو أيضا خطأ واضح لاخفاء؛ لأن الواحد الذي تستحيل قسمته وتبعيضه ويتصف بصفات كثيرة مختلفات الأجناس، كاللون، والطعم، والحياة والعلم وما أشبه ذلك من الصفات المختلفات الأجناس. فيكف يصح لذي تحصيل لكلامه أن يقول: ان الصفة الواحدة

هي ما يتصف به الواحد على الاطلاق، وهو يتصف بصفات كثيرة؟ وانما كان يصح كلامه لو قيده، بأن يقول وانما المراد به ما اتصف به الواحد، الذي استحالت قسمته، وامتنع تبعيضه، من جنس واحد. [6]- مصير ارتفاع الصفة: ومن ذلك قوله بعد ذلك: فإذا قلنا بثبات واحد ودوام وجوده على صفة ما ثم قدر ارتفاع تلك الصفة، لم ترتفع الا إلى مثل، أوضد أو اجتماعهما، أو مثلها بخلاف. وهو كله كلام مختل فاسد، في غاية من الفساد، وفي نهاية من اختلافه، لأن قوله فيه: ثم قدر ارتفاع تلك الصفة لا يستقيم، اذ ارتفاع الصفة أمر معلوم بقاءها في العقول، مستحيل فكيف يصح أن يقال، فيما هو معلوم وخلافه مستحيل: إذا قدرنا هذا الامر على صفة كذا، لزم عليه، لولا الذهاب عن التحصيل؟! وقوله فيه: لم ترتفع الا إلى مثل أوضد، لا يجوز الا عن تجاوز في العبارة، لأن مثل الصفة ضد لها، لاستحالة كونه معها في محل / [68] واحد، وهو حقيقة الضدين. وصواب الكلام، على غير تجاوز، أن يقال: لم ترتفع إلا إلى ضد: مثل أو خلاف، وهذا المقدار قد يتسامح فيه.

وأما قوله: أو اجتماعها، فهو كلام مستحيل، لأن الصفة الواحدة لا تتصف بالاجماع حقيقة ولا مجازا، فكيف يقال: ان الصفة الواحدة ترتفع إلى اجتماعها؟ هذا كلام غير معقول. وكذلك قوله: أو مثلها بخلاف هو مستحيل أيضا، لأنه ان أراد بالخلاف، الخلاف في الجنس الواحد، كالسواد مع البياض، فلا يجوز لانهما لا يجتمعان في محل واحد، وان كان أراد به خلاف الجنس كالعلم مع البياض، فلا يجوز أيضا؛ إذ ليس من شرط عدم الصفة الواحدة عن المحل أن يخلفها فيه مثلها، مع خلافها عن غير جنسها، وانما تحل كل صفة من الصفات المختلفات الأجناس محل ضدها: مثلها أو خلافها من جنسها. وبيان ذلك بالمثال: أن الجوهر الواحد يتصف بالعلم والبياض مثلا، فإذا عدم البياض حل محله عرض من جنسه: بياض يماثله، أو سواد يخالفه ولم يجزأن يحل محله علم ولا جهل، لاستحالة اجتماع العلمين أو العلم والجهل في محل واحد، وكذلك إذا عدم العلم، حل محله عرض آخر من جنسه علم يماثله، أو جهل يخالفه، ولم يجزأن يحل محله بياض ولا سواد، لاستحالة اجتماع البياضيين، أو البياض والسواد في محل واحد. وهذا يبطل قوله: أو مثلها بخلاف، إبطالا ظاهراً [7]- تحديد انقلاب الجواهر حقيقة ومجازا: ومن ذلك قوله: وهذه الأعراض إذا خرج الجوهر من بعضها إلى

بعض، وجبت له تسمية الانقلاب مجازا واتساعا، لأن الانقلاب حقيقة انما يرجع إلى العكس في الكون، وذلك أن العرب تقول: انقلب الاناء ومعناه: تحول من حالة إلى حالة أخرى، وعليه ورد النص: قوله تعالى {ومن ينقلب على عقبيه} [سورة آل عمران الآية: 144] ، كناية عن التحول من حال إلى حال. فلما كانت الصفات المتعاقبة على الشيء تحيله إلى محالفة ما كان عليه، لم يستحق ذلك لنفسه، بل استحقه لما تعاقب عليه من غير جنسه، هذا نص قوله في هذا الفصل. وهو كلام فاسد كله: قوله فيه وجبت له تسمية الانقلاب مجازا واتساعا لا يصح، لأن تسمية الشيء باسم ما مجازا إذا لم تكن تلك التسمية بعينها لذلك الشيء بعينه مسموعة من العرب، وانما أطلقت عليه بمعنى القياس على ما سمع منهم في غيرها، كنحو ما ذهب اليه في هذه المسألة، لأنه أجاز أن يسمى انقلابا مجازا ما حالت صفاته، كما سمت العرب انقلابا ما نعكس كونه على زعمه، لم يصح أن يقال: إن تلك التسمية واجبة له، وانما يقال: انها جائزة ألا ترى أنه يجوز أن تطلق التسمية على الانسان بأنه أسد وجمل وخيل وحمار وثور

وبهيمة وجماد مجازا واتساعا، ولا يجوز أن يقال في شيء من هذه التسميات: ان تسميه الانسان بها واجب، وانما يقال: ان تسميته بها جائزة على المجاز والاتساع للمعاني الموجودة فيه فمن لم يضع لفظ الجائز والواجب مكانه فما حصل كلامه. وكذلك القول في قوله: بل استحقه لما تعاقب عليه من غير صنفه، لأن الاستحقاق في معنى الوجوب، واطلاقه. قوله فيه وهذه الأعراض إذا خرج الجوهر من بعضها إلى بعض لا يصح، لأن هذه التسمية لا يصح أن تطلق عليه مجازا الا إذا خرج عن الصفة، التي هو عليها إلى صفة تخالفها، لا إلى صفة تماثلها، وهذا مالا يصح فوجب انكاره، وانما كان يصح كلامه لو قال: وهذه الأعراض إذا خرج عن بعضها إلى ما يخالفها، لأن الجسم، ما بقي على حالة واحدة، ولم تتبدل صفاته الا بأضدادها المماثلة لها لم يجز عليه من التسمية سوى ما جاز قبل باجماع من العقلاء وقول فيه ان الانقلاب حقيقة انما يرجع إلى العكس في الكون لا يصح لأن الكون لا عكس له في الحقيقة انما، لأنه انما هو التحيز في المكان فإذا لم يخرج الاناء إذا انقلب بانقلابه، عن أن يكون في مكان، وكانت التحييزات متماثلة من حيث إنها أكوان، استحال أن يكون بانقلابه [69] منعكس الكون وامتنع أن يطلق ذلك عليه بالقول.

فليس حقيقة القلب في اللسان عكس الكون، كما زعم، وانما هو عكس الحركة، لأن الحركة إلى العلو عكس الحركة إلى السفل، وكذلك الحركة إلى اليمين عكس الحركة الي الشمال. وقد عبرت العرب عن مجرد هذا المعنى بعينه، بالقلب، فقالوا: قلبت الصبي من المكتب، فانقلب وانقلب الرجل إلى أهله أي رجع اليهم، قال الله تعالى: {واذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فاكهين} [سورة المطففين الآية: 31] وقال تعالى {فانقلبوا بنعمة من الله وفضل} [سورة آل عمران الآية: 31] وقال: {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون} [سورة الشعراء الآية: 31] وفي الحديث أن صفية، رضي الله عنها، أتت النبي صلى الله عليه وسلم تزوره في اعتكافه، فتحدثت معه ساعة، ثم قامت تنقلب فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلبها. ومنه قول عثمان بن عفان لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما لما عاتبه على التأخير عن التهجير إلى الجمعة، يا أمير المؤمنين، انقلبت من السوق فسمعت النداء فما زدت على أن توضأت، الحديث.

فالانصراف في هذا كله عن المكان عكس اليه فهو عكس الحركة، كما قلنا فسموا رجوع الانسان عن المكان انقلابا، لما كان عكس ذهابه اليه قبل. وأما قلب الاناء فهو قلب الحقيقة في المعنى دون اعتبار ما سواه لانعكاس الإناء بانعكاس حركات جواهره لأن الجزء الأعلى يرجع نحو مكان الجزء الأسفل والجزء الأسفل يرجع نحو مكان الجزء الأعلى، وان لم يصرف في قلبه اياه أعلاه أسفله، وانما قلبه على جنبه من جنباته، فمعنى القلب فيه موجود، أيضا، لاختلاف حركات جواهره بالعكس، مع انتقاله عن الهيأة التي كان عليها. وأما الحركتان إلى جهة واحدة، فليس احداهما عكسا للأخرى ولا يسمى الجسم بذلك منقلبا، مجازا، ولا حقيقة، ومتى أضافوا القلب الي جماد، فهو مجاز. فقولهم: قلبت الاناء، فهو مقلوب، حقيقة، وقولهم: انقلب الاناء، فهو منقلب، مجاز، وكذلك إذا عبروا بالقلب عما ليس بانتقال ولا حركة، فهو مجاز. فقوله في قول العرب: انقلب الاناء: انه حقيقة ليس بصحيح، وكذلك قوله تعالى: ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً هو مجاز وليس بحقيقة. وبالله التوفيق. فان قال قائل: كون الشيء في مكان عكس كونه في مكان آخر؟

قيل له: هذا لا يسلم، وقد أبطليه أيضا بقولك: ان الانقلاب حقيقة انما يرجع إلى العكس في الكون لأنه يوجب أن يكون كل متحرك منقلبا عند العرب، وذلك خلاف ما عرف من لغتهم. انما قلنا في قولهم: قلبت الاناء فهو مقلوب، انه حقيقة، لأن الاستعمال متى كثر في المجاز لحق بالحقيقة، كما قالوا في ضربت زيدا فهو مضروب: انه حقيقة، لكثير الاستعمال مع ما فيه من المجاز. انقلاب الخمر بالتخلل وتسميتها منقلبة فصل تضمن معنى انقلاب الخمر. ولم يسأل هل تسمى الخمر في اللسان منقلبة مجازا، إذا تخللت أم لا؟ فالتكلم على هذا خروج عن المسألة إلى غير ما سأل عنه السائل، اما لقصور عن فهم غرضه في سؤاله واما لحيدة عن جوابه. وانما سأل عن حقيقتها في نفسها، إذا تخللت، هل انقلبت أم لا؟ ولا دليل على شيء من ذلك، في جواز تسميتها بالانقلاب، وانما يستدل عليه بأدلة العقول. فالجواب عند ذلك: أن يقال له: سؤالك محتمل، لا يصح الجواب بنعم ولا بلا، ولابد في ذلك من تقسيم وتحصيل يأتي الجواب عليه. والواجب في ذلك أن نقول له:

الانقلاب بمعنى التحول من الخمر إلى الخل: ان كنت أردت بانقلابها: أنها إذا تخللت، ان جسمها الذي هو مجموعة جواهرها، عاد بعينه لا يعود الجسم جوهرا الا بأن تعدم أجزاؤع، حتى لا يبقى منها الا جوهر واحد وكما لا يعود الجوهر جسما إلا بأن تضاف اليه جواهر آخر، يتجسم بها وكما لا يعود الجوهر عرضا، ولا العرض جوهرا ولا السواد سوادا بياضا، ولا البياض سوادا، ولا البياض بياضا، ولا السواد سوادا، وكذلك ما أشبه هذا من الصفات. فلا نقول، إذا رأينا جسما من الاجسام قد ابيض بعد سواده أو اسود بعد بياضه: أن السواد بعينه عاد بياضا ولا أن البياض بعينه عاد سوادا، وانما الحقيقة في: أن السواد أعدامه الله، فخلق مكانه بياضا بقدرته وأن البياض أعدمه الله فخلق مكانه سوادا بقدرته وكذلك سائر الصفات من الحلاوة، والمرارة والحرارة والبرودة وما أشبه ذلك. الانقلاب بمعنى اعدام جسم الخمر وخلق جسم الخل مكانه: وان أردت بانقلاب الخمر، إذا تخللت، ان الله تعالى أعدم جسمها وخلق في ثاني حال عدمه، جسمه الخل مكانه، بغير فاصلة، فلا نعلم ذلك ضرورة كما فلا نعلم توالي الأعراض المتماثلة على المحل الواحد.

ضرورة، وانما نعلمه بالنظر والاستدلال، فذلك جائز في قدرة الله تعالى الا أنه ليس كل ما هو جائز في قدرة الله تعالى أن يفعله، يجوز أن نقول قد فعله، الا أن نعلمه ضرورة او استدلالا أو بنص من صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم واعدام الله تعالى جسم الخمر وخلقه مكانه جسم الخل لا نعلمه ضرورة ولا طريق لنا إلى معرفته من جهة النظر والاستدلال ولا ورد من ذلك نص عن النبي صلى الله عليه وسلم فوجب أن ندفع ذلك ونكذب من ادعاه كما أن الله تعالى قادر على أن يخلق بحضرتنا أشخاصا، ولا يخلق لنا ادراكا نراها به ولو ادعى ذلك مدع لوجب تكذيبه ولم يصح تصديقه ولا الشك في دعواه. الانقلاب هو بمعنى اعدام الصفات وبقاء الجسم فنحن نعلم يقينا أن جسم الخل بعد التحليل، هو جسم الخمر بعينه، الذي تخلل ولا شك في ذلك ولئن جاز على أحد أن يشك في هذا ليجوزن عليه أن يشك في نفسه، إذا تغيرت صفته بالمرض بعد الصحة أو الصحة بعد المرض ان كان هو ذلك أو غيره، وهذا مما لا يجوز على من لا يصح تكليفه من أهل العقول كما نعلم، أيضا ضرورة أن صفات الخل، الموجودة به بعد التخليل، على غير صفات منها الخمر، التي كانت موجودة بها قبل التخليل وان صفات الخمر عدمت منها فخلف مكانها صفات الخل

هذا ما لا يدفع فيه الا معاند أو مخذول، يتكلم بغير معقول وتسميتنا جميع جسم الخمر ذاتا واحدة تجوز وتوسع، لأن كل جزء من أجزائها ذات وشيء وصفاتها كلها، الموجودة بها ذوات وأشياء أيضا وكذلك كل جسم خلقه الله، فهو ذوات كثيرة وأشياء كثيرة فذوات الخمر التي هي مجموعة جسمها، إذا تخللت، باقية، ذواتها التي هي صفاتها، معدومة ذاهبة، وصفات الخل، الموجودة فيها بعد التخليل غيرها خلقت مكانها، واسم الخمر لا يقع على مجرد جسمها دون صفاتها، ولا على صفاتها دون جسمها، وانما يقع على مجموعة جسمها وصفاتها فلا يصح أن يقال في الخمر إذا تخللت: أنها انقلبت، بمعنى انها عدمت وخلف مكانها سواها، إذا لم يعدم جسمها فخلف مكانه جسم سواه ولا أنها تنقلب بمعنى أنها لم تعدم فخلف مكانها سواها؛ لأن صفاتها عدمت، فخلف مكانها صفات الخل. الانقلاب والانتقال والتبدل والتغير: وكذلك القول في عين الخمر وفي ذاتها، ان أردت به مجموع ذواتها. وان أردت بذاتها صفاتها، التي من أجلها سميت خمرا جاز أن نقول: إنها تبدلت على الحقيقة، لأن الصفة، إذا عدمت، وخلف مكانها غيرها، فقد صارت بدلا منها، وجاز أن تقول: انها انتقلت على تجاوز في العبارة، لأن حقيقة الانتقال هو الزوال من مكان إلى مكان آخر.

وذلك مستحيل على الأعراض، ولم يجز أن نقول: إنها انتقلت بمعنى أنها هي بعينها الا أنها استحالت إلى خلافها من صفة الخل لأن أدلة العقل قد قامت على استحالة ذلك وانما يجوز أن تقول، انها انقلبت بمعنى أنها تبدلت. وان أردت بذاتها، أو بعينها، مجموع جواهرها دون صفات الخمر الموجودة بها لم يجز أن تقول مع بقائها في موضعها، انها انقلبت ولا أنها انتقلت ولا أنها تبدلت. وانما يجوز أن تقول انها حالت وتغيرت، بتبدل صفات الخمر منها بصفات الخل هذا هو حقيقة القول فيما سأل عنه السائل لا ما سواه مما تضمنه هذا التذييل مما وقع بغير تحصيل. تحويل الخمر إلى خل عند ابن حمدين وهذا الذي قلته هو معنى قوا الفقيه قاضي الجماعة وفقه الله في جوابه وذلك أنه قال فيه وذلك ما ذكره أن الخل والخمر انما [71] هو ماء العنب يغيره الله تعالى من حال إلى حال في الرائحة واللون والفعل والطعم والعين العين والذات الذات، لا أنه ذهب ماء العنب وحدث شيء غيره، لأنه قصد بالجواب إلى أظهر محتملات السؤال، فأوجز في ذلك القول، واحكم بين المختلفين الفصل فاستوفيت أنا الكلام على جميع محتملاته وأتيت على سائر تفصيلاته، وتقسيماته، فاتضحت بذلك الحقيقة، على منهاج الأئمة في هذه الطريقة. ومن الله التوفيق والعونة.

مدخل الشبهة على ابن الألبيري: فصل: انما دخلت الشبهة على من قال: ان الخمر، إذا تخللت، فقد انقلبت، بمعنى أن جواهرها تبدلت بجواهر سواه من أجل اطلاق أهل العلم ان الخمر محرمة العين نجسة الذات وإجماعهم على أنها، إذا تخللت، محللة العين، ظاهرة الذات فظنوا أن الذات الواحدة يستحيل أن تكون نجسة في حال، طاهرة في حال آخر، وليس ذلك كما ظنوا. النجس لذاته والنجس لمعنى طرأ عليه وتحقيق القول في هذا المعنى يفتقر إلى تقسيم وتحصيل، وهو أن الشيء النجس على ضربين: أحدهما نجس من أصله كبول بني أدم ولحم الخنزير وشحم الميتة وما أشبه ذلك. والثاني نجس لمعنى طرأ عليه كالسمن أو الزيت تشرب فيه الدابة أو تقع فيه النجاسة أو الثوب يصيبه البول، أو ما أشبه ذلك. فأما الشيء النجس من أصله، فيستحيل، في العقل، أن يكون في حال طاهرا من أصله باستحالة أصله ولا يستحيل فيه أن يكون طاهرا في الحكم وانما يمتنع ذلك من جهة الشرع، الا في بعض المواضع وعلى وجوه مخصوصة، ولا مجال في ذلك للعقل. وأما الضرب الثاني، وهو الشيء النجس لمعنى طرأ عليه، فذلك المعنى علة شرعية في انتجاس ذلك الشيء، فاذا ارتفعت بما يصح ارتفاعها به من جهة الشرع، من غير ان تخلفها علة اخرى، موجبة لمثل حكمها، طهر ذلك الشيء.

نوع نجاسة الخمر ونجاسة ذات الخمر من هذا الضرب من النجاسات، ألا ترى انها كانت طاهرة قبل ان يطرأ عليها صفات الخمر، فلما نجست بوجود صفات الخمر فيها وجب أن تطهر بعدمها منها سواء تخللت او خللت. وقد قيل: انها إذا خللت لم توكل عقوبة. وقال عبد الوهاب في المعونة إن ذلك لبقائها على النجاسة، وذلك بعيد الا ان يريد ببقائها على حكم النجاسة في الأكل خاصة فيكون لذلك وجه وهو القياس على رفع النجاسة من الثوب بما عدا الماء من المائعات لزوال العين وبقاء الحكم في الصلاة خاصة. وفي جواز تخليل الخمر، في بعض المواضع، اختلاف ليس هذا موضع ذكره. فجسم الخمر يطهر بارتفاع صفة الخمر عنه، كما يطهر الثوب النجس بارتفاع النجاسة عنه، بما يصح رفعها به وهو الماء عند مالك. وبالله التوفيق. تلخيص وتلخيص تقسيم هذا الفصل ان تقول فيه: ان الشيء النجس على ضربين:

أحدهما: نجس لذاته. والثاني: نجس لمعنى طرأ عليه. فأما الذي نجس لذاته فلا توجد أبدا الا نجسة. وأما الذي نجس لمعنى طرأ عليه فينجس بوجود ذلك المعنى فيه ويطهر بعدمه منه، والخمر من هذا القبيل من النجاسات. مناقشة تعابير وكلمات حول انقلاب الخمر إلى خل ومن المواضع البين فسادها في التذييل بقلة التحصيل، قوله فيه فلو كان الانقلاب عائدا إلى نفي الذات المتحيزة وحدوث أخرى لكن محالا بقاؤها وحدوث أعراض فيها بعد عدم أعيانها وفي حكم العقل بالجواز دليل على بقاء الذات وتعاقب الصفات، ويتخصص البقاء، المجوز بالعلم الضروري، بخروج المحل على الصفة إلى ضدها. وهو كلام مختل فاسد، بين الفساد والاختلال. أما قوله في أوله: فلو كان الانقلاب عائدا إلى نفي الذات المتحيزة وحدوث أخرى لكان محالا بقاؤها، وحدوث اعراض فيها بعدم أعيانها فانه استدلال فاسد لا يخفي فساده على متأمل ناقد لأنه جعل الدليل على نافي بقاء الذات المتحيزة استحالة بقائها، فاستدل بالشيء على نفسه ومن حجة خصمه، القائل: إن الذات المتحيزة لا تبقى، ان يقول

له وكذلك نقول له: انه بقاؤها محال، وهو الذى قلته بعينه، فأين / [72] الدليل على أنها تبقى؟ فان قال: الدليل على ذلك انما هو في قولى بعد ذلك، «وفي حكم العقل بالجواز دليل على بقاء الذات، وتعاقب الصفات»، قيل له: انه اذ قد أقررت بفساد دليلك الأول، فهذا الثانى أيضا، أفسد منه، لأنك قلت: ان حكم العقل بالجواز دليل على بقاء الفرات، فجعلت جواز البقاء دليلا على وجوبه، فاذا ثبت الجواز ارتفع الوجوب، وهذا لا يخفى على من له أدنى محصول، لأن أحكام العقل ثلاثة لا رابع لها: واجب، وجائز، ومستحيل؛ فاذا ثبت في الشىء انه حائز استحال ان يكون واجبا، أو مستحيلا، واذا ثبت فيه انه واجب، استحال ان يكون جائزا أو مستحيلا، واذا ثبت فيه أنه مستحيل، استحال ان يكون جائزا أو واجبا. وقوله بعد ذلك: «ويتخصص البقاء، المجوز بالعلم الضرورى، بخروج المحل عن الصفة إلى ضدها»، كلام لا يصح ايضا، لأن التخصيص انما يكون في الالفاظ العامة التى تحمل على عمومها، حتى يأتى ما يخصصها، وذلك في الاحكام الشرعيات، وأما الأحكام العقليات فلا تخصيص فيها، ولو جاز أن يطرأ على أحكام العقول ما يخصصها، لبطلت الأدلة، وانقضت الحقائق. مذهب أهل السنة في بقاء الأجسام فصل: فان قال لنا قائل: فقد نقضتم جميع ما استدل به على نافى بقاء الذات المتحيزة، فما الصحيح عندكم فيها: هل بقاؤها واجب، أو جائز، أو مستحيل؟ وما تصححونه من ذلك وتعتقدونه؟.

قلنا له: الذى نقول به، ونعتقد صحته مذهب أهل السنة والحق، وهو أن بقاء الاجسام المتحيزة واجب على الجملة، زمنا ما. وانما قلنا: على الجملة «تحزرا من إيجاب بقاء جميع الجواهر لأننا لا نقطع بذلك على التعميم، بل يجوز أن يعدم الله تعالى بعض جواهر الجسم في الزمن الثانى من خلقه، فلا يكون له بقاء البتة. فنحن نعلم بقاء الأجسام على الجملة، لا بقاء آحادها، وندعى انا نعلم ذلك ضرورة فنستغنى عن إقامة الدليل عليه، لأن كل واحد منا يعلم نفسه، فلا يشك في أنه يبقى مدة من الزمن، فلا يدخلنا في ذلك شك ولا ارتياب. مناقشة النظام في تجديد الله للعالم فان قال قائل: كيف يصح لكم في هذا دعوى الضرورة، وما يعلم ضرورة لا يختلف فيه العقلاء. ومن أهل الاعتزال في يخالف في ذلك، ويدعى ان الله تعالى يجدد العالم في كل زمن على التوالى والاتصال؟ قيل: ليس له من أهل الاعتزال من يقول ذلك سوى النظام، والواحد تجوز عليه مكابرة الضرورة، ودفع العيان، وأيضا، فانه لا يقول: ان الله تعالى يبدله في زمن، وانما يقول: انه يجدده مع بقائه، واستمرار وجوده، وهذا باطل؛ ومن الدليل على بطلانه أنا نقول

له: ان كان قولك انه يجدده في كل زمن، بمعنى انه يوالى خلق الاعراض فيه التى لا يصح خلوه منها، وهى شرط في صحة بقائه، فهو الذى نقول له، وانما نخالفك في تسميتك ذلك تجديدا للعالم، ولا مشاحة في الاسماء إذا صحت المعانى. وان كان قولك يجدده بمعنى انه يخلقه باخراجه من العدم إلى الوجود، فذلك باطل؛ لأنه بوجوده استغنى عن الفعل، وهذا بين. تحديد: الصالح لقبول النماء ومن ذلك قوله، «فالصالح لقبول النماء هو المبتدأ الكون، كالبذر المزروع، والنطفة للا نسان «وهو خطأ، لأن الصحيح في حد الصالح لقبول النماء ان يقتصر فيه على المبتدأ الكون، فيطرد وينعكس، لأن كل ما يصلح لقبول النماء فهو مبتدأ الكون يصلح لقبول النماء، وزيادته فيه: «كالبذر المزروع، والنطفة للا نسان» تفسده وتصيره غير حاصر للمحدود؛ إذ يخرج عنه بالزيادة ما ليس من قبيل البذر والنطفة، الذين أجرى الله تعالى العادة بخاقه النماء فيها، كنحو نمو الطعام اليسير، الذى أطعم النبي صلى الله عليه وسلم / منه [73] البشر الكثير، عشرة عشرة حتى شبعوا ثم أكل منه هو، صلى الله عليه وسلم، حتى شبع، وقام عنه، وهو نحو ما كان عليه، لا يتبين فيه النقصان.

ابن الألبيرى يقع في نفس السبب الذى كفر، هو به الغزالى ومن ذلك قوله: فذا انصاف الشىء إلى مثله نما كانا موصوفين، «فأطلق لفظ الشىء» وأضاف اليه قبول النماء، والشىء ينطلق على القديم تعالى، وعلى الحديث. وهذا كفر صريح متى حمل الكلام على ظاهرة وعمومه، وبمثل هذا الاطلاق، بعينه كفر الغزالى في مسألة الروح، وذلك ان الغزالى قال: «وكل موجود منزه عن الكمية والمقادير فانه من عالم الامر». فقال هو فيه: لو أراد شيئاً من المحدثات، لقال: وكل موجود محدث، منزه عن الكمية والمقادير، فانه من عالم الامر. فيقال له على هذا الالزام، الذى الزمه الغزالى، ولو أرادت أيضا، أنت شيئاً من المحدثات، لقلت: فاذا أنضاف الشىء المحدث إلى مثله، نما إذا كانا موصوفين. فلو حصل كلامه لوجب ان يتحرر من مثل ما ألزمه الغزالى، بأن يقول، فاذا انصاف الشىء المحدث إلى مثله نما إذا كانا موصوفين. فما أبين هذا في الغفلة والذهول، يتحرر مما لا يلزمه فيه الا الخطأ، بقوله «إذا كانا موصوفين؛ ليلا يلزم عنه نماء الصفات باتصال بعضها ببعض». ولا يتحرر مما يلزمه فيه الكفر، على ما ألومه الغزالى، بأن

يقيد الشىء بالمحدث «وكل مجر بالخلاء يسر». هذا وجه القول عليه في هذا الفصل. وصف الشىء الواحد بالحياة والنطق والعلم ..... وأما قوله في ذلك: «فالعقل يجوز ان يوجد الشىء الواحد حيا، ناطقا، عالما، قادرا، كاتبا، يضع دقائق الحكمة»، فلا يجوز على حال، لأننا ان حملناه على اطلاقه دون تقييد كان كفرا بواحا، وانحملناه على التقييد فقلنا: معناه: فالعقل يجوز أن يوجد الشىء الواحد «المتحيز» حيا ناطقا عالما، قادرا، كاتبا، يصنع دقائق الحكمة كان خطأ صراحا لاننا نعلم بمستقرالعادة أن ذلك لا يوجد ابدا، كما لم يوجد فيما مضى. وان كان الله قادرا على أن يوجده؛ كما نعلم، بمستقر العادة، ان الله تعالى لا يقلب البحار عسلا، ولا الجبال ذهبا، وان كان ذلك في العقول جائزا، وتحت قدرة الله داخلا، وفي العبر أقرب من كون الجوهر الواحد حيا، ناطقا، عالما، قادرا، كاتبا، حكيما، يصنع دقائق الحكمة لأن البحار والجبال موجودة، معلومة ضرورة فإحالتها عسلا وذهبا في العقول، داخل تحت قدرة الحى القيوم عند جميع الموجودين الموقنين باليعث من القبور، ليوم الجزاء والنشرو. وأما الجوهر الواحد، فلا نعلم زجوده ضرورة، وانما يعلم بالنظر والاستدلال، ومن العقلاء من يحيل وجوده، فضلا عن أن يوجد حيا،

عالما قادرا ناطقا كاتبا حكيما يصنع دقائق الحكمة، كتشيد البناء وعمل غريب الاعمال. وهذا وشبهه، مما لا تعلق له بما قصد له إلى بيانه، لو تخلص في ايراده لكان مخطئا، من أجل الاطالة بما لا فضل فيه ولا دلالة فكيف إذا أتى فيه بوجوده من الفساد والاحالة؟ ومتى خاض في هذا الباب من لم تثبت قدمه فيه، فقال برأيه واستنبط نتائج من عقله، زل، ولم يشعر وأتى وهو لا يعلم، فليس الخطأ في هذا الباب كالخطأ فيما سواه من الأبواب. ومن أجله كان التكلم به محجرا على من لم تثبت امامته فيه. وبالله التوفيق. تفسير مراحل خلق الانسان ومن ذلك قوله: فقول الله تعالى: خلقنا النطفة علقة، معناه: نقلتها من حال إلى حال، وكذلك إلى آخر الآية .... وهو كلام ما سمع قط أغرق منه في المحال، ولا أبين منه في الفساد والبطلان، لأنه قصد إلى تبيين حقيقة معنى قول الله عز وجل: خلقنا النطفة علقة، ثم خلقنا العلقة مضغة وكذلك إلى آخر الآية فقال: ان معنى ذلك أنه نقلها من حال إلى حال والحال

ليست بشيء عند من أثبتها، لأنها موجودة ولا معدومة وقد نص على ذلك في أول من كتابه فإذا على قوله: ابن آدم منقول في بطن أمه من لا شيء إلى لا شيء فهذا قول ليس بمعقول ولا بشيء. والصحيح انه منقول في بطن أمه من خلق إلى خلق، كما نص الله في محكم كلامه، ومعناه حقيقة خلق سائر الجواهر والاجسام، باخراجها من العدم إلى الوجود مع احكام الترتيب والتصوير. فان قال: هذا اردت، وعبرت عنه بالنقل من حال إلى حال مجازا لا حقيقة قيل له: من قصد إلى تبيين حقائق المعنى لم يسغ له عند [74] أحد المسلمين، أن يعدل عن الحقيقة من النص والبيان إلى الالفاظ المحتملة او المشتركة، او المجملة فيكف بالمجاز المستعمل في ضد ما قصد إلى بيان حقيقته. ولو جاز لمن قال ما لا يجوز، ان يقول: انما قلت ذلك على سبيل المجاز، لما تقيد على أحد حق، ولا لزمه قول. وهذا بين، وبالله التوفيق. تذييل ابن الألبيري لا يستحق الرد هذا آخر ما وقع في التذييل من الكلام الفاسد المختل المستحيل، وهو تتمه عشرين موضعا، وقعت له فيه على غير تحصيل، على أنه جملة

يسيرة من قوله نحو صفحة واحدة، فيكاد ألا تخلص فيه لفظة واحدة جائزة فانما قصدت إلى التعريف بتخلفه في هذا العلم الذي يدعيه لا إلى الرد عليه في شيء من كلامه فيه، اذ لا يجب ان يرد الا على من ندر الخطأ منه، لا على من غلب عليه، لأن الحكم للغالب، فاذا غلبت الصحة على الكلام وجب ان يبين ما شذ فيه من الخطأ؛ لئلا يحمل على صحته من الغالب واذا غلب عليه الخطأ لم يحتج إلى بيانه، بل لو بيان ما شذ فيه من الصحيح، لئلا يحمل على غالبه من الفساد، لكان له وجه. ثم ختم تذييله بأن قال: فمن أحب التوغل في هذه المسألة فليتأمل ما ذكرنا فيها النقص على الغزالي في انقلاب الصورة الظاهرة إلى المعنوية - فلقد دل بغرور من قبل نصائحه في استفادة حقائق هذه الأمور من نقصه على الغزالي المذكور، ان كان على هذا النحو من الفساد والاستحالة والخروج عن منهج الحق والاستقامة. والله ولي العصمة والتوفيق برحمته. الرد على من قال: إن بول ابن آدم ليس بنجس في أصله قال الإمام الحافظ أبو الوليد، رضي الله عنه وأيده .....

اعترض على بعض أهل النظر من مقدمي فهماء عصرنا ونبلائهم قولي في بعض فصول هذه المسألة: إن بني آدم نجس من أصله، بخلاف الخمر والزيت تموت فيه الدابة فقال: ان البول؛ ايضا، ليس نجس من أصله لأن أصله الماء المشروب وهو طاهر؛ فلا فرق بين ذلك وبين الخمر والزيت تموت فيه الدابة فانفصلت عن اعتراضه بأن قلت: قد تقرر العلم بأن الماء أصل كل ما فيه بلة ورطوبة من جميع النبات وأنواع الحيوانات. فلما كان الماء الذي يغتدي به جميع ذلك قد تشربه وحصل مستهلكا فيه، كان ملغى ووجب الاعتبار بما يخرج منه، من ذلك العصير من العنب والبول من بني آدم فلذلك قلت في البول: انه نجس من أصله بخلاف الخمر لأن البول حصل أصلا في نفسه، لالغاء ما قبله ما اغتذى به الجسم كما حصل العصير اصلا في نفسه، لالغاء ما قبله مما اغتذى به الكرم، فليس البول عين الماء المشروب، وانما هو رشح يصل إلى المثانة، ويجتمع فيها من بلة ورطوبته، كان شرب الماء او لم يكن ألا ترى أن المولود قد يبول يولد، قبل ان يطعم أو يشرب شيئاً. طهارة أبوال الأنعام بين أشهب وغيره وقد قال أشهب، رحمه الله، ان أبوال الأنعام طاهرة، وان شربت ماء نجسا، فلم يعتبر حكم الماء الذي شربت في أبوالها، لاستهلاك أعضائها اياه، قبل ان يصير بولا، وهو على قياس ما قلناه.

ومن حكم من أصحابنا لأبوالها بحكم الماء الذي شربت في الطهارة والنجاسة فقد فارق القياس. فهذا انفصال بين يبطل به الاعتراض وتثبت به صحة الجواب. اعتراض على الرد: ألا تعتبر الخمر أصلا في نفسها كالعصير؟ فاعترض على انفصالنا هذا بأن قال: إذا حصل البول أصلا في نفسه لإلغاء ما قبله ما اغتذى به الجسم كما حصل العصير أصلا في نفسه. لإلغاء ما قبله أيضا فكذلك الخمر تحصل أصلا في نفسها. لإلغاء ما قبلها من صفات العصير التي قلبتها صفات الخمر ولا فرق بينها في هذا المعنى وانما الفرق بينهما في معنى آخر قد وقف عليه، ولا تأثير عليه في هذا المعنى. فقلت، في ابطال هذا الاعتراض على الانفصال: لا يلزمه إذا حصل البول والعصير أصلين في أنفسهما لإلغاء ما قبلهما مما اغتذى به الجسم والكرم من الماء ان تحصل الخمر أصلا في نفسها، لإلغاء ما قبلها من صفات العصير، لأن الغاء صفات العصير [75] لا يوجب الغاء جسم العصير، اذ لم يجعل جسمه مستهلكا بذهاب صفاته في شيء خالطه، كما حصل الماء الذي الذي اغتذى به الجسم والكرم مستهلكا في الجسم والكرم بمخالطته اياهما.

88 - بيع سلعة من شخصين: الواحد بعد الآخر

لا يقع رضاع بلبن امرأة عصد به طعام وتبين هذا المعنى مسألة من الفقه، وهى أن لبن المرأة، إذا خلط بطعام، عصد به فغلب فيه، لم تقع به حرمة، لكونه مستهلكا في الطعام، ولو حالت صفة اللبن بعينه إلى صفة اخرى، بعيدةمن صفة اللبن او قريبته، لوقعت بذلك الحرمة، باجماع، وهذا بين. فإذا بطل الاعتراض على الانفصال، صح الانفصال، وثبت الجواب ولم يكن لأحد فيه مطعن، ولا مقال. وبالله التوفيق. [88]- بيع سلعة من شخصين: الواحد بعد الآخر قال الفقيه، الإمام الحافظ أبو الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد رضي الله عنه. سألني بعض من يعنى بطلب العلم من أصحابنا تحصيل القول في الرجل يبيع سلعته من رجلين واحد بعد الآخر وتلخيص وجوه الحكم فيما يقع بينهم من التداعي في ذلك اذ تشعبت عليه وجوه المسألة والتبست عنده معانيها. فأجبته إلى ذلك، رجاء ما وعد الله به من الثواب من بين ما شرعه الله في دينه من الاحكام وقلت بعد حمد الله العظيم والصلاة على نبيه الكريم:

للمسألة ثمانية عشرة فرعا هذه المسألة تنقسم على قسمين: أحد القسمين: ألا تكون لواحدة منهما بينة على دعواه. والقسم الثانى: ان يكون لهما أو لأحدهما بينة على دعواه. فأما القسم الاول، وهو ألا تكون لواحد منها بينة على دعواه، لا يخلو من وجهين أحد الوجهين: ان تكون السلعة بيد البائع، لم يدفعها إلى أحدهما، بعد. الوجه الثانى: ان يكون قد دفعها إلى أحدهما، فقبضها منه، وصارت بيده. في الوجه الاول. وهو مع انعدام البينة والقبض، خمس مسائل [5] فأما الوجه الاول من القسم الاول، وهو ألا تكون لأحدهما بينة على دعواه، والسلعة بيد البائع، لم يدفعها بعد تالى أحدهما، ففيه خمس مسائل: احدهما: ان ينكرهما البائع البيع جميعها. والثانية: أن يقر لأحدهما وينكر الثانى. والثالثة: ان يقر لأحدهما أنه هو الاول والرابعة: ان يقر أنه باع من أحدهما بعد الآخر ولا يعلم أيهما الاول. والخامسة: ان يقول. انما بعت منهما جميعا صفقة واحدة.

[1]- انكار البائع البيع مطلقا فأما المسألة الاولى، وهى ان ينكرهما البائع البيع مطلقا، والسلعة بيده، لم يدفعها، إلى أحدهما، ويدعى كل واحد منهما انه اشتراها منه دون صاحبه، أو قبله، أو أنه اشتراها منه ولا يعلم أن صاحبه اشتراها قبلة، ولا بينة لواحدهما على دعواه؛ فالحكم فيها: أن يحلف البائع لكل واحد منهما: انه ما باع منه شيئاً، فان خلف برئ، وان نكل عن اليمين، حلف المتباعان جميعا، يحلف كل واحد منهما على ما يدعى: من أنه اشتراها منه، دون صاحبه، او قبله، أوأنه اشتراها منه، يعلم ان صاحبه اشتراها قبله، ةان ادعى عليه العلم بذلك، وان لم يدع ذلك عليه، اكتفى بيمينه: انه اشتراها منه. فان حلفا، جميعا على ما ادعياه من ذلك، كانت السلعة بينهما، بنصفين، وأدى كل واحد منهما إلى البائع نصف الثمن الذى حلف عليه ان يدع دفعه اليه، وان كان ادعى دفعه اليه، زاد ذلك في يمينه، ورجع عليه بنصفه. وان حلف أحدهما، ونكل الآخر عن اليمين، صحت السلعة للحالف منهما بالثمن الذى حلف عليه، ولم يكن للآخر شىء. وان نكلا عن اليمين جميعا، بعد نكول البائع، كان القول قول البائع، وبئ كما لو حلف أولا.

[2]- اقرار البائع لواحد بالبيع: أ - ادعاء مجرد الشراء وأما المسألة الثانية، وهى ان يقر البائع لأحدهما أنه باع السلعة منه بالثمن الذى ادعاه، وينكر ان يكون باع من الثانى شيئاً، والسلعة بيده، أيضا، ولا بينة لواحد منهما، ويدعى كل واحد منهما انه اشتراها منه دون صاحبه، او قبله، أو أنه اشتراها منه، ولا يعلم صاحبه انه اشتراها قبله؛ فالحكم فيها: ان تكون السلعة للذى أقر البائع أنه باعها منه، بالثمن الذى اقر أنه باعها به منه، وينظر: فان كان الثمن، او قيمة السلعة، أكثر من الثمن، الذى أدعى الآخر شراها به حلف البائع بالله الذى لا اله الا هو ما باع منه شيئاً، ولا قبض منه شيئاً، ان ادعى انه دفع اليه الثمن، فان حلف برئ في دعواه، وان نكل عن اليمين، حلف هو: لقد اشتراها منه بكذا، ولقد اشتراها منه دونه، او قبله بكذا وكذا، ولقد دفع اليه الثمن، وكان له عليه الأكثر من قيمة السلعة، لأنه قد أتلفها عليه باقرارلاه بهذا، اولا، لغيره، أو الثمن الذى قبض فيها من الذى أقر ببيعها منه، وان كان لم يدفع اليه الثمن وهو ليس من جنس القيمة، أو الثمن الذى قبض فيها، دفعه اليه ورجع عليه بالأكثر من ذلك من ذلك، وان كان جنسه كان له عليه الأكثر مما زادت القيمة أو الثمن، الذى قبض من الذى له، بالشراء على الثمن الذى حلف هو عليه. وان يكن في ذلك فضل، لم يكن على البائع يمين.

ب - ادعاء شراء سلعة معينة. وان آدعى الذى أنكره البائع السلعة بعينها، كان له أن يحلف المقر له على ما ادعاه من الشراء، فان نكل عن اليمين، حلف هو على ما آدعاه من شرائها، وكان أحق بها من المقر له بالشراء، ودفع الثمن الذى حلف عليه إلى البائع، أو إلى المقر له بالشراء، إن كان المقر له بالشراء قد دفع الثمن إلى البائع، وكان مثله، أو أقل منه، فان كان أكثر منه، وقف الزائد للبائع، فان أكذب نفسه وآدعاه، أخده، وكانت العهدة عليه وان لم يكذب نفسه، فلا تكون العهدة عليه إلا برضاه، وقيل: إنما تكون عليه، والأول هو القياس. [3]- إقرار البائع بأسبقية الواحد: أ - ادعاء مجرد الشراء وأما المسألة الثالثة، وهى أن يقر البائع لأحدهما: أنه هو الذى باع منه، أولا، بالثمن الذى ادعاه، والسلعة بيده، أيضا، ولا بينه لواحد منهما، ويدعى كل واحد منهما أنه اشتراها دون صاحبه، أو قبله، أو أنه اشتراها، ولا يعلم أن صاحبه اشتراها قبله؛ فالحكم فيها: ان يكون القول قول البائع مع يمينه: ان هذا هو الأول، ويثبت الشراء له. فان نكل عن اليمين حلف الآخر على ما يدعى من انه اشتراها قبله، أو دونه، أو انه اشتراها، ولا يعلم أن صاحبه اشتراها قبله، ويرجع على البائع بالأكثر مما زادت: القيمة، او الثمن، على الثمن الذى أقر به. وان لم يكن في ذلك فضل كان القول قول البائع دون يمين.

ب - ادعاه شراء سلعة ميعنة. وان ادعى الذى زعم البائع أنه باعها منه أخيرا السلعة بعينها، كان أن يحلف صاحبه الذى أقر البائع له أنه هو الأول، على ما أقر به له فان نكل عن اليمين حلف هو أنه هو الاول، أو على ما يدعي من الوجهين الآخرين، وكانت له السلعة بما حلف عليه من ذلك وكان أحق بها من الذي اقر له البائع أنه هو الأول على حسب ما وصفناه في المسألة التي قبل هذه، فلا يفترق الحكم في هذه المسألة من المسألة التي قبلها الا في صفة الأيمان، فتدبر ذلك تجده صحيحا، إن شاء الله. [4]- اقرار بالبيع لكل واحد دون معرفة السابق وأما المسألة الرابعة وهي ان يقر البائع البائع أنه باع من أحدهما بعد الثاني، بالثمن الذي ادعاه كل واحد منهم انه اشتراها منه قبل صاحبه، أو دونه أو أنه اشتراها منه ولا يعلم ان صاحبه اشتراها منه. فالحكم فيها: ان يحلف البائع بالله ما يعلم من أيهما باع سلعته أولا فان حلف على ذلك قيل للمبتاعين يحلف كل واحد منكما على ما يدعي من أنه هو الأول او أنه اشتراها دونه أو انما اشتراها ولا يعلم ان صاحبه اشتراها قبله، فان حلفا على ذلك، أو

نكلا عن اليمين، أو قالا: لا علم لنا بالأول منا، كانت السلعة بينهما وأدى كل منهما نصف ثمنها وان حلف أحدهما ونكل الآخر عن اليمين، كانت السلعة للحالف وبطل بيع الناكل. وان نكل البائع، أولا عن اليمين وحلف كل واحد من المبتاعين انه هو الاول بعلم البائع كانت السلعة بينهما ورجع كل واحد منهما عبى البائع بالأكثر مما زاد من نصف قيمة السلعة او الثمن الذي أخذه منه على نصف الثمن الذي أقر به. فان نكلا جميعا عن الثمن او قالا: لا علم لنا بالأول منا او حلف أحدهما ونكل الآخر، فعلى ما تقدم إذا حلف البائع. مع اختلاف في مقدار الثمن. وأما ان خالفهما البائع في الثمن، مثل ان يقول: لا أدري ممن [77] بعتها اولا منكما باثنى عشر ويقول احدهما: بل بعتها مني أولا، بعشرة، ويقول الثاني: بل بعتها مني أولا بثمانية، فانهم يتحالفون، ويتفاسخون، فان حلفوا أو نكلوا انفسخ البيع بينهم وان نكل البائع وحلف المبتاعان كانت السلعة بينهما بالثمن الذي حلفا عليه ورجع كل واحد منهما، على البائع بالأكثر مما زاد نصف قيمة السلعة او الثمن الذي حلف عليه، فلا يكون لأحدهما عليه رجوع.

وان نكل البائع وحلف أحد المبتاعين كانت السلعة للحالف منهما، بالثمن الذي حلف عليه. وان حلف ونكل المبتاعان، كانا بالخيار ان شاءا أخذا السلعة بالثمن الذي حلف البائع عليه وان شاءا تركاها. الاختلاف في مقدار الثمن، مع أحد المشتريين فقط وأما ان خالف البائع أحدهما في الثمن، مثل أن يقول: لا أدرى ممن بعتها منكما، أولا، ويقول أحدهما: مني بعتها، أولا بعشرة، ويقول الثاني: مني بعتها، أولا بثمانية، فان البائع والذي ادعى انه اشتراها منه، أولا بثمانية يتحالفان، فان حلفا او نكلا، انفسخ البيع بينهما وكانت السلعة للآخر بالعشرة، وان حلف أحدهما، ونكل الآخر عن اليمين، فعلى ما تقدم، إذا لم يخالف البائع واحدا منهما في الثمن وقد تقدم الحكم في ذلك وعلى هذا يكون الحكم في ذلك. وعلى هذا يكون الحكم في جميع الوجوه، إذا قال البائع؛ انما بعتها من أحدكما، ولا أدرى من هو منكما. وبالله التوفيق. [5]- اقرار بالبيع للمشتريين معا صفقة واحدة: أ - القيمة أكثر من الثمن. وأما المسألة الخامسة وهي أن يقول البائع: اني بعت السلعة منهما جميعا صفقة واحدة وهي بيده ويدعي كل واحد منهما أنه اشتراها قبل صاحبه أو دونه، أو أنه اشتراها، ولا يعلم أن صاحبه اشتراها قبله؛

فالحكم فيها ان كانت قيمتها أكثر من الثمن: أن يحلف البائع ما باعها الا منهما جميعا صفقة واحدة فاذا حلف على ذلك، قيل للمبتاعين يحلف كل واحد منكما على ما يدعي من أنه اشتراها دون صاحبه، أو قبله، أو أنه اشتراها ولا يعلم ان صاحبه اشتراها قبله فان حلفا على ذلك، أو نكلا كانت السلعة بينهما، على ما حلف عليه البائع وان حلف أحدهما ونكل الآخر عن اليمين كانت السلعة للحالف وعهدته على البائع. وهذا القول يتخرج على رواية أصبغ عن ابن القاسم، وهو استحسان على غير قياس. ويتخرج على قول أصبغ: ان تكون عهدة الحالف في نصف السلعة على صاحبه الناكل عن اليمين، الا ان يرضي البائع أن تكون العهدة عليه وهو القياس. وان نكل البائع عن اليمين، وحلف المشتريان، وكان لكل واحد منهما نصف السلعة بنصف الثمن وكان له أن يرجع على البائع، لنكوله بما زادت قيمة نصف السلعة الذي اخذ صاحبه، على الثمن. وان نكلا كانت السلعة بينهما، ولم يكن لواحد منهما على البائع شيء. وان نكل أحدهما وحلف الآخر، كانت السلعة للحالف، وكانت العهدة على البائع قولا واحدا. ب - القيمة تساوي الثمن. وان لم يكن في قيمة السلعة فضل عن الثمن، لم تجب على البائع يمين.

في الوجه الثاني، وهو مع انعدام البينة، وتوفر القبض، خمس مسائل أيضا. [6 – 10] فصل، فأما الوجه الثاني من القسم الأول وهو أن يكون البائع قد دفع السلعة إلى أحدهما، فقبضها منه، وصارت بيده، ويدعي كل واحد منهما أنه اشتراها قبل صاحبه او دونه، أو أنه اشتراها ولا يعلم أن صاحبه اشتراها قبله، ولا بينة لواحد منهما على دعواه، ففيه أيضا، خمس مسائل: احداهما: ان ينكر البائع، فيقول: ما بعت من واحد منهما شيئاً. والثانية: ان يقر أنه باع من أحدهما، وينكر الثاني. والثالثة: ان يقر لاحدهما انه هو الاول منهما. والرابعة: أن يقر أنه باع من أحدهما بعد الآخر بعد الآخر، ولا يعلم الأول منهما. والخامسة: ان يقول انما بعت منهما جميعا صفقة واحدة. [1]- انكار البيع مطلقا: فأما المسألة الأولى وهي أن ينكر البائع، فيقول: ما بعت من واحد منهما شيئاً، وقد دفع السلعة إلى أحدهما، فقبضها منه، وصارت بيده، ويدعي كل واحد منهما أنه اشتراها قبل صاحبه، أو دونه أو أنه اشتراها ولا يعلم أن صاحبه اشتراها قبله ولا بينة لواحد منهما على دعواه. فالحكم فيها: أن يحلف البائع لكل واحد منهما أنه ما باع منه شيئاً [78] / فإن حلف على ذلك برئ، وان نكل عن اليمين، حلف قابض

السلعة منهما على ما أنه اشتراها دون صاحبه، أو قبله، أو أنه اشتراها ولا يعلم أن صاحبه اشتراها قبله ان أدعى عليه العلم بذلك، فان حلف على ذلك استحق السلعة بالشراء، وان نكل عن اليمين حلف الآخر واستحقها؛ فإن نكل عن اليمين، أيضا، كان القول قول البائع كما لو حلف، أولا، وبرئ من دعواهما جميعا. [2]- اقرار البائع لواحد بالبيع: وأما المسألة الثانية، وهى ان يقر البائع لأحدهما أنه باع منه بالثمن الذى ادعاه، وينكر الثانى، فيقول: ما بعت منه شيئاً، وقد دفعها إلى أحدهما وصارت بيده، ويدعي كل واحد منهما أنه اشتراها قبل صاحبه، أو دونه، أو أنه اشتراها ولا يعلم أن صاحبه اشتراها قبله، ولا بينة لواحد منهما على دعواه. فالحكم في ذلك: أن يقبل اقراره لمن ذكر أنه باعها، كان الذي قبضها، أو الذي لم يقبضها ولا يمين عليه للآخر، الا أن يكون في قيمتها، أو في الثمن الذي أقر أنه باعها به فضل عن الثمن الذي أدعى الآخر أنه اشتراها به فيحلف له فإن نكل عن اليمين حلف هو، وغرم له الأكثر مما زادت القيمة أو الثمن، الذي أقر أنه باعها به، على الثمن، الذي ادعى انه اشتراها به. [3]- اقرار بالبيع لكل واحد، مع الأسبقية لواحد وأما المسألة الثالثة، هي أن يقر البائع لأحدهما أنه هو الذي باع منه أولا، بالثمن ادعاه، ويدعى كل واحد منهما أنه هو الأول،

أو أنه اشتراها دونه، أو أنه اشتراها ولا يعلم أن صاحبه اشتراها قبله، ولا بينة منهما على دعواه، وقد دفعها إلى أحدهما: فالحكم في ذلك الذي دفعها اليه هو الذي أقر أنه باعها منه أولا، قبل قوله، ولم يكن للآخر عليه يمين، الا أن يكون في قيمة السلعة، أو في الثمن الذي أقر أنه باعها به من الذي قبضها عن الثمن الذي ادعى الآخر أنه اشتراها به منه، فإن كان في ذلك فضل، لزمته اليمين، فإن نكل عنها حلف الآخر، ورجع عليه بالفضل على ما ذكرناه. وان زعم أن الذي باعها منه أولا، هو الذي لم يدفعها اليه لم يصدق في ذلك، وكان له الفضل دون يمين. [4]- اقرار بالبيع لكل واحد، دون معرفة السابق وأما المسألة الرابعة، وهي أن يقر البائع أنه باعها من أحدهما بعد الآخر، ولا يعلم الأول منهما، ويدعي كل واحد منهما أنه اشتراها قبل صاحبه، أو دونه أو أنه اشتراها ولا يعلم أن صاحبه اشتراها قبله وقد قبضها أحدهما ولا بينة لواحد منهما على دعواه. فالحكم فيها: أن تكون السلعة للذي قبضها، ويرجع الذي لم يقبضها على البائع بالفضل المذكور، بعد يمينه: أنه هو الأول، وقيل بغير يمين. [5]- إقرار بالبيع صفقة واحدة وأما المسألة الخامسة وهي أن يقول البائع: انما بعت منهما، جميعا، صفقة واحدة ويدعي كل واحد منهما أنه اشترى جميعها قبل صاحبه

أو دونه، أو أنه اشتراها ولا يعلم صاحبه أنه اشتراها قبله، وقد قبضها أحدهما، ولا بينة لأحدهما على دعواه. فالحكم فيها: أن يحلف البائع بالله الذي لا اله الا هو ما باعهما الا جميعا صفقة واحدة، فإن حلف على ذلك قيل للمبتاعين: يحلف كل واحد منكما على ما يدعي فإن حلفا ونكلا كانت السلعة بينهما، على ما حلف عليه البائع. فإن حلف أحدهما ونكل الآخر عن اليمين كانت السلعة للحالف، وكانت عهدته على البائع، على الاختلاف الذي ذكرناه في المسألة الخامسة التي في الوجه الأول من القسم الأول؛ إذ لا معتبر في قبض أحدهما للسلعة مع يمين البائع في هذه المسألة. وان نكل البائع عن اليمين، فيتخرج في ذلك قولان: أحدهما: أن القول قول قابض السلعة. والثاني أنهما يتحالفان؛ فإن حلفا ونكلا كانت السلعة بينهما، وان نكل أحدهما وحلف الآخر، كان القول قول الحالف. ولو كان البائع هو الذي دفع السلعة إلى أحدهما، لكان القول قول القابض قولا واحدا. ثمان مسائل في القسم الثاني، وهو مع وجود البينة: [11 - 18] فصل فأما القسم الثاني، وهو أن يكون لأحدهما بينة على دعواه ففيه أربع مسائل: احداهما / أن ينكرهما البائع جميعا. [79]

والثانية: أن يقر لأحدهما، وينكر الثاني، أو يقر لأحدهما أنه هو الأول. والثالثة: أن يقر أنه باع من أحدهما بعد الآخر، ولا يعلم الأول منهما. والرابعة: أن يقول انما بعت منهما جميعا صفقة واحدة. وكل مسألة من هذه الأربع مسأئل يتفرع إلى مسألتين: احداهما: أن تشهد البينة لهما، أو لأحدهما، أنه اشتراها منه دون صاحبه أو قبله. والثانية: أن تشهد البينة لهما، أو لأحدهما، بالشراء خاصة. [1]- انكار البيع مطلقا، البينة بالشراء لواحد أو لكل واحد منهما: فأما المسألة الاولى وهي أن ينكرهما البائع البيع جميعا، والسلعة بيده، أو قد دفعها إلى أحدهما، ويدعي كل واحد منهما أنه اشتراها دون صاحبه أو قبله: فإن أقام أحدهما البينة على ذلك، قضى له ببتنته، ولم يكن للآخر شيء. وان اقام كل واحد منهما بينة تشهد له بالشراء له بذلك، وتكافأت البينتان سقطتا، وكانا كمن لا بينة له، وجرى الحكم على ذلك على ما تقدم في موضعه إذا لم تكن لهما بينة وان كانت احداهما أعدل من الاخرى قضي بالتي هي أعدل ولم يكن للآخر شيء

[2]- انكار البيع مطلقا، والبينة بمجرد الشراء، لواحد فقط الفرع الثاني من المسألة: وان أقام أحدهما بينة تشهد له على مجد الشراء خاصة، وهو يدعي أنه اشتراها قبله لم ينتفع بالشهادة. وان كان انما يدعي أنه اشتراها دونه، أو أنه اشتراها ولا يعلم ان كان تقدم لصاحبه شراء أم لا قضي له بها، ونظر: فإن كان الثمن الذي شهدت به البينة لهذا أكثر من الثمن الذي ادعى الآخر أنه اشتراها به وادعى هذا الآخر أنه اشتراها به، وادعى هذا الآخر على البائع أنه باعها منه أولا، لزمته اليمين، فإن نكل عنها حلف هو وكان له فضل ما بين الثمنين. وان لم يحقق عليه الدعوى في أنه باعها منه أولا ضعفت اليمين. وان قال: انه باعها منه دونه، لم يجب عليه يمين. وان أقام كل واحد منهما بينة تشهد له بذلك تخرج ذلك على قولين: أحدهما: أن يقضي بأعدل البينتين فإن تكافأتا سقطتا. والثاني: ألا يقضي بأعدلهما، لاحتمال أن تكونا صادقتين جميعا، وتسقطان؛ الا أن تكون احداهما عادلة والآخرى غير عادلة، فيحكم بالعادلة وسواء أرخت احدى البينتين أو لم تؤرخ. وقد قيل: انها أرخت فهي أعمل من التي لم تؤرخ، فإذا قضى بإحدى البينتين لعدالتها، أو لأنها أعدل، أو لأنها أرخت، على الاختلاف المذكور، وكان

في ثمنها فضل، لزمت البائع الأول اليمين للآخر على حسب ما ذكرناه إذ أقام أحدهما بينة على مجرد الشراء، وقضي له بها. [3]- اقرار لواحد بالبيع، أو بأنه السابق، أ - مشتر واحد يقيم البينة بالشراء وأما المسألة الثالثة، وهى أن يقر البائع لأحدهما أنه باع منه، وينكر الثانى، أو يقر لأحدهما أنه باع منه، أولا، والسلعة بيده، أو قد دفعها إلى أحدهما، ويدعى كل واحد منهما أنه اشتراها دون صاحبه، أو قبله، أو أنه اشتراها ولا يعلم ان كان تقدم لصاحبه فيها شراء أم لا. فإن أقام الذى أقر له البائع أنه باع منه، أو أنه باع منه أو لا، بينة تشهد على أنه اشتراها منه دون صاحبه، أو قبله قضى له بها، ولم يكن للآخر شىء. وان كان الذى أقام البينة بذلك هو الذى أنكره البائع البيع، أو الذى زعم أنه باع منه آخرا، قضى له بها، ورجع الآخر المقر له بالشراء، أو المقر له بالشراء أو لا، على البائع بما بين الثمنين، ان كان بينهما فضل، لأنه ربح سلعته، التى أقر له بها. وكذلك يكون الحكم هاهنا، ان أقام البينة بمجرد الشراء خاصة. ب - كل من المشتريين يقيم البينة بالشراء: وان أقام كل واحد منهما بينة تشهد له أنه اشتراها منه دون

صاحبه أو قبله، تكافأت البينات سقطتا، وكانا كمن لا بينة لهما، وجرى الحكم في ذلك على ما تقدم في موضعه. وان كانت احدى البينتين أعدل من الأخرى قضى بالتى هى أعدل للذى قام بها، فان كان هو الذى أقر له البائع أنه باع منه، أو باع منه، أو لا، لم للآخر شىء، وان كان الذى جحده البائع البيع، أو الذى زعم أنه باع منه آخرا، رجع الآخر المقر له بالشراء أو بالشراء أولا، على البائع بما بين الثمنين، ان كان بينهما فضل، لأنه ربح / سلعته. [4]- أ - الواحد يقيم بينة بمجرد الشراء الفرع الثانى من المسألة. وان أقام الذى أقر له البائع أنه باع منه، أو أنه باع منه أولا، بينة تشهد له على مجرد الشراء، خاصة، وهو يدعى أنه اشتراها قبله، لم ينتفع بالشهادة. وان كان يدعى أنه اشتراها دونه، أو أنه اشتراها ولا يعلم ان كان تقدم لصاحبه فيها شراء أم لا، قضى له بها، أيضا، ونظر؛ فغن كان الثمن الذى أدعى الىخر أنه اشتراها به، وأدعى هذا الآخر على البائع أنه باعها منه أولا، لزمته اليمين، فإن نكل عنها حلف هو، وكان له فضل ما بين الثمنين. وان يحقق عليه الدعوى في أنه باعها منه أولا، ضعفت اليمين.

وإن قال: انه باعها منه دونه لم تجب عليه اليمين؛ لأن البينة قد كذبته. ب- كل من المشتريين يقيم البينة بمجرد الشراء: وان أقام كل واحد منهما بينة تشهد له بمجرد الشراء دون تاريخ، أو ورخت إحداهما، ولم تؤرخ الأخرى، إحداهما أعدل من صاحبتها، فقيل: تسقط البيتان، وقيل: يقضى بالاعدل، وقيل: يقضى بالتي أرخت. وان كانت احداهما عدلة، والثانية غير عدلة، قضى بالعدلة، وان تكافأتا في العدالة سقطتا. فإن قضى باحدى البينتين لعدالتها، أو لأنها، أعدل من الأخرى، أو لأنها أرخت، على الاختلاف الذي ذكرناه، للذي أقر له البيع أنه باع، أو أنه باع منه أولا، وكان بين الثمنين فضل، وحقق الآخر على البائع أنه باعها منه، أولا، كان له أن يحلفه، فان نكل عن اليمين حلف هو، وكان له ما بين الثمنين من الفضل، وان قضي بها للآخر، رجع الذي أقر له البائع أنه هو الاول، أو أنه هو الذي باع منه، على البائع بما بين الثمنين، على ما تقدم. وبالله التوفيق.

[5]- اقرار بالبيع لهما، دون معرفة السابق أ - يقيم البينة بالشراء واحدا وكل واحد: وأما المسألة الثالثة، وهي أن يقر البائع أنه باع من أحدهما بعد الآخر، ولا يعلم الأول منهما، ويدعي كل واحد منهما أنه هو الاول، أو اشتراها دونه، أو أنه اشتراها ولا يعلم ان كان تقدم لصاحبه شراء أم لا، والسلعة بيد البائع، أو قد دفعها إلى أحدهما: فإن أقام أحدهما البينة على أنه هو الأول، أو على أنه اشتراها دون الآخر، قضي له بيمتنه، ولم يكن للآخر شىء. وان أقام كل منهما بينة تشهد له بذلك قضى بأعدل البينتين، ولم يكن للآخر شىء، وان تكافأت البينتان سقطتا، وكانا بمنزلة من لا بينة له، وجرى الحكم في ذلك على ما تقدم في موضعه. [6]- ب- يقيم الواحد بينة بمجرد الشراء الفرع الثانى منها وان أقام أحداهما البينة على مجرد الشراء خاصة، وهو يدعي أنه اشتراها قبله، لم ينتفع بالشهادة، وان كان يدعي أنه اشتراها دونه، أو أنه اشتراها، ولا يعلم ان كان تقدم صاحبه بها شراء أم لا، قضى له بها أيضا، ونظر: فإن كان الثمن أدعى الآخر أنه اشتراها به، وادعي على البائع أنهباعه اياها، أولا، كان له ما بين الثمنين من الفضل، قيل: بيمين وقيل: بغير يمين، إذ لا يمين على البائع في ذلك.

كل من المشتريين يقيم بينته بمجرد الشراء وان أقام كل واحد منهما بينته تشهد له بمجرد الشراء خاصة ولم يؤرخ واحدة منهما، أو ورخت احداهما ولم تؤرخ الأخرى، واحداهما أعدل من صاحبتها، ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدهما: أنها تسقط البينتان. والثانية: أنه يقضي بالأعدل. والثالثة: أنه يقضي بالتي ورخت. وان كانت احداهما عادلة، والاخرى غير عادلة قضي بالعادلة، وان تكافأتا بالعدالة سقطتا. فإن قضي باحدى البينتين في الوضع الذي يصح أن يقضي بها، على الاختلاف المذكور، وكان الثمن الذي شهدت به أكثر، كان الفضل للآخر، قيل: بيمين: وقيل بغير يمين. وبالله التوفيق. [7]- اقرار البائع بالبيع صفقة واحدة: أ - يقيم البينة بالشراء واحد، أو كل واحد وأما المسألة الرابعة: وهي أن يقول البائع: انما بعت منها جميعا صفقة واحدة، ويدعى كل واحد منهما أنه اشتراها قبل صاحبه، أو دونه، أو أنه اشتراها ولا يعلم صاحبه اشتراها قبله، والسلعة بيد البائع، أو قد دفعها إلى أحدهما: فالحكم فيها: إن أقام أحدهما بينة تشهد له أنه اشتراها دون صاحبه، أو قبله، أن يقضي له بها، ويكون لصاحبه نصف / فضل ما

بين الثمنين، ان كان بينهما فضل: وان أقام كل واحد منهما بينة تشهد له بذلك، وتكافأت البينتان في العدالة، سقطتا، وكانا بمنزلة من لا بينة لهما، وجرى الحكم في ذلك على ما تقدم في موضعه. وان كانت إحدى البينتين أعدل من الأخرى قضي بالتي هى أعدل، وكان لصاحبه نصف فضل ما بين الثمنين ان كان بينهما فضل [8]- ب - الواحد يقيم بينة بمجرد الشراء الفرع الثاني منهما. وان أقام أحدهما بينة على مجرد الشراء خاصة، وهو يدعى أنه اشتراها قبله، لم ينتفع بالشهادة على ما ذكرناه قبل هذا. وان كان يدعي أنه اشتراها دونه، أو أنه اشتراها ولا يعلم أن صاحبه اشتراها قبله، قضي له بها أيضا، ونظر: فإن كان الثمن الذي شهدت به البينة لهذا أكثر من الثمن الذي ادعى الآخر أنه اشتراها به، كان له نصف فضل ما بين الثمنين. فان ادعى على البائع أنه باعها منه، أولا، وجبت له عليه اليمين، فان نكل عنها، حلف هو، ورجع عليه بما بقى من فضل ما بين الثمنين. كل واحد يقيم البينة بمجرد الشراء وان أقام كل واحد منهما بينة تشهد له بذلك، وتكافأت البينات سقطتا؛ وان كانت احداهما عادلة دون صاحبتها، أو كانت احداهما أعدل من الآخرى، فقضى له بها، على ما ذكرناه من الاختلاف، كان للآخر نصف فضل ما بين الثمنين، ان كان بينهما أيضا فضل،

89 - تبعيض طلاق البتة

ووجبت له اليمين على البائع: أنه ما باع منه الا نصفها، فإن نكل عن اليمين حلف هو بالله الذي لا اله الا هو لقد باع منه جميعها أولا، ورجع عليه بنصف الفضل الثانى. وبالله التوفيق بعزته لا شريك له [89]- تبعيض طلاق البتة وقال الفقيه الإمام الحافظ، أبو الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد، رضي الله عنه: (رواية المبسوطة: البتة لا تتبعض) وقع في كتاب الايمان بالطلاق من المبسوطة ليحيى بن اسحق قال: وقال مالك: من قال لامرأته: أنت طالق ثلاث النتة، فهي طالق البتة، لان البتة لا تتبعض، ولا تبعض. فقلت في اختصارى لها: هذا خلاف مذهبه في المدونة، لأنه قال في كتاب الايمان بالطلاق منها: مذهب المدونة: البتة تتبعض إذا شهد شاهد على رجل انه قال لامرأته: أنت طالق ثلاثا، وشهد

آخر انه قال: أنت طالق البتة، إن شهادتها جايزة، وتطلق عليه. وعلى ما حكى ابن حبيب عنه من رواية مطرف وابن الماجشون: انها لا تصلق عليه، بشهادتهما، ويحلف مع كل واحد منهما؛ لأن البتة لا تتبعض، فهي غير الثلاث. طلب شرح رواية المدونة، وبيان علاقتها برواية الواضحة قال ابو الوليد، رضي الله عنه: فكتب إلى بعض الطلبة من اشبيلية، يسأل عن معنى في المختصر، وقال إنه لم يفهم كيف يقام من مسألة كتاب الإيمان بالطلاق من المدونة: إن البتة تتبعض، مع انه موجود في الواضحة، من قول مطرف وابن الماجشون مثل ما في المدونة، ولم يجد فيها من روايتها عن مالك خلاف ما له فيها، وانما تنفهم اقامته ذلك من مسألة الحكمين من المدونة؛ لا من المسألة التي أقمتها منها. ورغب في بيان ذلك، وشرحه بما يرفع الاشكال فيها. تلفيق الشهادة دليل على التبعيض لدى سحنون وابن رشد فاجبته بأن قلت: إن ذكرته في المختصر من أن قول مالك،

رجمه الله، في المدونة، بتلفيق شهادة الشاهدين يشهد أحدهما على الرجل بطلاق البتة، والثانى بطلاق الثلاث، يقوم منه: أنم البتة عنده تتبعض، فهو صحيح لما قلته فيه. ألا ترى سحنون، رحمه الله، قد احتج على من قال: إن البتة لا تتبعض، بتلفيق الشهادة في هذه المسألة، ورأى أن القول بتلفيقها، مع القول بأن البتة لا تتبعض، متناقض، وقال: يلزم من قال: إن الثلاث لا تتبعض، إن شهد شاهد بالبتة، والآخر بالثلاث، أن تكون شهادة مختلفة. فلو كانت البتة عند مالك، رحمه الله، على مذهبه في المدونة، لا تتبعض، لما لفق الشهادة، ولقال: إنه يحلف المشهود عليه، تكذيبا لشهادة كل واحد منهما، ويحبس امرأته إذ لو لفقها مع قوله ان البتة لا تتبعض، لكان قوله متناقضا، كما ذهب اليه سحنون، رحمه الله. مدلول البتة والثلاث لأن البتة، عند من يرى انها لا تتبعض، لفظ مبهم، لا يجزأ، ولا يخصص منه استثناء، والثلاث لفظ صريح، يجزأ، ويخصص، ويصح منه الاستثناء، فوجبا ألا يلفقا في الشهادة لما بينهما من اختلاف في المعنى. تخريج القولين من المدونة والواضحة فيقام من قوله في المدونة: إن الشهادة تلفق: أن البتة تتبعض

ومن مذهبه في الواضحة: أن البتة لا / تتبعض بتفرقته فيها بين أن يشهد أحد الشاهدين أنه طلق واحدة، والثاني أنه طلق البتة: أن الشهادة لا تلفق، أيضا، إذا شهد أحدهما بثلاث، والثانى بالبتة، فيكون قد جرى فيها على أصل واحد، إذ لا يصح أن يحمل عليه التناقض والاضطراب. فلهذا قلت في المختصر: وعلى ما حكى ابن حبيب في الواضحة، عنه من رواية مطرف وابن الماجشون: أنها لا تطلق عليه بشهادتهما، ويحلف مع كل واحد منهما فان كان في كتابك وحكى ابن حبيب فأصلحه ورده وعلى ما حكى ابن حبيب. روايات في الواضحة بتيعيض البتة وما وقع في الواضحة لمطرف وابن الماجشون، او المطرف وابن القاسم، على ما في بعض الروايات، من تلفيق هذه الشهادة، مثل ما في المدونة، وهو قول ابن الماجشون على أصله في أن البتة تتبعض، أيضا، ومن قول ابن القاسم في احدى الروايات على أحد قوليه، في أن البتة تتبعض أيضا، ومن قول مطرف على خلاف أصله في أن البتة لا تتبعض، فهو اختلاف في قوله من ذلك. ترجيح التبعيض والتسوية بين الثلاث والبتة والصحيح في النظر قول من قال: ان البتة تتبعض، وهو الذي أقمته من المدونة، ولا وجه لقول من قال: أنها لا تتبعض، لأن نهاية

الطلاق ثلاث، فإذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق بالبتة فإنما معنى قوله وارادته: أنت طالقة نهاية عدة الطلاق، كما قال عمر بن عبد الغزيز رحمه الله: لو كان الطلاق ألفا، ما أبقت البتة منه شيئاً من قال: البتة فقد رمى الغاية القصوى فلا فرق في المعنى بين أن يقول: أنت طالق ثلاثا، وأنت طالق البتة، لأنه واصف للطلاق في المسألتين جميعا، بأقصى ما تبين به المرأة عنه من عدد الطلاق، فوجب أن يستويا في جميع الاحكام، من التلفيق في الشهادة، والتبعيض بالاستثناء، وغير ذلك، ولا يقوم ذلك عندى من المدون الا من المسألة التي ذكرتها، وقد تقدم بيان الوجه في ذلك. مدلول البتة في طلاق الحكين من المدونة وأنا اقامة ذلك من مسالة الحكمين فيها، فليس بصحيح؛ لأن البتة عنده على مذهبه فيها: أن طلاق الحكمين واحدة بائنة، فلذلك تكون، إذا اختلفا فيما حكما به من عدد الطلاق، واحدة بائنة، ألا ترى أنهما لو اجتمعا على البتات لكانت واحدة بائنة، مع أن الذي في المدونة في الحكمين إنما هو لابن الماجشون. واختلاف الحكمين في الطلاق خلاف اختلاف الشاهدين في الشهادة في ذلك. فلما وقع في المختصر المذكور من قول مالك، رحمه الله نصا أن البتة

لا تتبعض، وهو قول ضعيف، خارج عن الأصول، على ما بيناه. بينت، بما ذكرته: ان مذهبه في المدونة خلاف ذلك. أدلة اخرى على ربط التبعيض بتلفيق الشهادة ومما يدل - وفقنا الله واياك - على صحة ما ذهبت اليه من أن من لم يلفق شهادة الشاهدين، إذا شهد أحدهما بطلقة، والثاني بالبتة في البعض، لا يلفقها، أنه إذا شهد أحدهما بثلاث، والثاني بالبتة في الكل، وهو مذهب مالك، ر حمه الله في رواية مطرف وابن الماجشون عنه المبنى على أن البتة لا تتبعض، وأن من لفق شهادتها إذا شهد احداهما بطلقة والثاني بالبتة في البعض، يلفقها إذا شهد أحدهما بثلاث، والثاني بالبتة في الكل، وهو مذهب الإمام مالك، رحمه الله، في المدونة، المبنى على أن البتة تتبعض، سوى ما تقدم من الادلة، واستشهدت عليه بقول سحنون من لالأثمة، وهو دليل واضح، على طريقة أهل الأصول المحققين: أ- وضعية تلفيق الشهادة انا نقول: قد تقرر، لا محالة، أن التلفيق بين شهادة الشاهدين اما يكون إذا شهدا، جميعا، على شىء واحد، واختلف لفظهما في الشهادة، أو عم أحدهما وخص الآخر، أو شهد أحدهما ببعض ما شهد به الآخر، على الاختلاف في ذلك. وأما شهادة أحدهما بغير ما شهد به الآخر، وان كان مثله، فلا تلفق شهادتهما في ذلك بلا خلاف. ب - العلاقة بين الثلاث والبتة: والثلاث تطليقات لا تخلو أن يكون هى البتة أو غيرها، فإن كانت

البتة فالواحدة منها هي بعضها، وان لم تكن هي البتة، وكانت غيرها، فالواحدة منها غيرها، وليست بعضها، إذ من المستحيل في العقل أن تكون الثلاث هي البتة، ولا تكون الواحدة منها بعضها، / أو أن تكون الواحدة منها بعضها، ولا تكون الثلاث هي كلها، كما أن من المستحيل في العقل أيضا، إن لم تكن الثلاث هي البتة، وكانت غيرها، أن تكون الواحدة منها هي بعضها، وإن كانت الواحدة منها بعضها، الا أن تكون هي كلها، وتكون غيرها. تلخيص: فإذا تقرر هذا، وثبت بالدليل الواضح الذي أثبتناه، والبرهان اللائح الذي أقمناه، علمنا أن مالكا، رحمه الله، لم يقل في رواية مطرف وابن الماجشون عنه في الشاهدين يشهد أحدهما بطلقة، زالثاني بالبتة: أن شهادتهما ترد، ولا تجوز، ولا يلفق شىء منها الا من وجه أن البتة عنده لا تتبعض، فالطلقة التي شهد بها أحد الشاهدين غير البتة التي شهد بها الشاهد الثاني؛ اذ لو كانت البتة عنده على هذه الرواية تتبعض، وكان الشاهد الذي شهد بالطلقة قد شهد على بعض ما شهد به الشاهد الذي شهد بالبتة لقال: ان الشهادة تلفق في ذلك وتجوز فيه، كما قال في روايتهما عنه، إذا شهد أحدهماعلى طلقة، والثاني على ثلاث. فإذا كانت الطلقة الواحدة التي شهد بها أحد الشادين عند مالك،

رحمه الله على هذه الرواية، غير البتة، التي شهد بها أحد الشاهدين، أي لا بعضها، فالثلاثة التي بها أحد الشاهدين غير البتة، التى يشهد بها اشاهد الثاني، اذ من المستحيل في العقل أن تكون الواحدة من الثلاث غير البتة، لا بعضها ـ وتكون الثلاث هى البتة، لا غيرها. فإذا كانت الثلاث عنده، على هذه الرواية، هى غير البتة، لا البتة، على ما قررناه مما لا محيص لأحد منه ولا خروج له عنه، وجب إذا شهد أحد الشاهدين بالثلاث، والثاني بالبتة، ألا تلفق الشهادة، وأن يحلف المشهود عليه على شهادة كل واحد منهما ويبقى مع امرأته. وهذا كله، بحمد الله، بين، لاخفاء به، ولا اشكاك فيه. فالقول بأن البتة تتبعض يستفاد من قول من قال: تلفق شهادة الشاهدين يشهد أحدهما بالثلاث، والثاني بالبتة كما يستفاد من قول من لفق شهادتها، إذا شهد أحدهما بواحدة والثاني بالبتة. والقول بانها لا تتبعض يستفاد من قول من لم يلفق شهادة الشاهدين، إذا شهد أحدهما بواحدة، والثاني بالبتة، كما يستفاد من قول من لم يلفق شهادتهما اذاشهد أحدهما بثلاث، / والثاني بالبتة. وبالله التوفيق.

90 - إعادة بناء فندق محبس بعد هدمه

[90]- إعادة بناء فندق محبس بعد هدمه وسئل الفقيه الإمام لحافظ أبو الوليد ابن رشد، رضي الله عنه، عن رجل بيده فندق حبس، قائم، بطبقتين، غير أن بعض السفل كان اصطبلا للدواب، وسائره يسكن فيه، فهدمه إلى الارض وبناه حسنا، اعاده بطبقتين للتجار، ومات ولم يذكر، لما بناه، ذكرا. فأراد ورثته، ومن أوصى له الميت بالثلث أن يرثوا في الأنقاض والبنيان، ومنع من ذلك الذي له المرجع، وقال: ان ذلك تبع للحبس. فأجاب، أيده الله، على ذلك، بأن فال: تصفحت سؤالك ووقفت عليه وقد اختلف أهل العلم فيما سألت عنه اختلافا كثيرا، والصحيح عندي من ذلك، الذي أقول به وأتقلده: أن ينظر إلى ما زادت قيمة البنيان الذي بناه، على قيمة البنيان الذي هدمه، فان كان قد استوفى ذلك في حياته، من فضل ما بين غلة الفندق، على ما كان عليه، وعلى ما صيره اليه، فلا حق لورثته فيما بناه، بعد وقاته، وان كان لم يستوف ذلك في حياته كان لورثته أن يستوفوا البقية من فضل ما بين الغلتين والله ولى التوفيق بعزته.

91 - وفاة أحد الموصى لهم قبل الموصي، وبين الموصى لهم جنين

[91]- وفاة أحد الموصى لهم قبل الموصي، وبين الموصى لهم جنين. وسئل، أيضا، رضي الله عنه، عمن أوصى لبني رجل، ولمن يولد له، فتوفى أحد ولد الموصى لولده، في حياة الموصي، ثم توفى الموصى، وامرأة الموصى لولده حامل. لمن يرجع نصيب الميت؟ وما يكون للحمل؟ فأجاب أيده الله: بأن نصيب الميت منهم مردود على الباقين، وعلى ما يكون من الحمل، ان كان ظاهرا يوم وجوب قسم المال، وخرج حيا، واستهل. وبالله التوفيق. [92]- حبس معقب مع شرط الرجوع عند الحاجة. وسئل، رضي الله عنه، عمن حبس حبسا على ابنه له، وعلى عقبها، وجعل مرجعه على مسجد، وشرط في حبسه: أنه ان تمادى به العمر، واحتاج، رجع في حبسه، وباعه، وأنفقه على نفسه. هل ينفذ له الحبس، ويجوز الشرط فيه؟ أو / يبطل الشرط وينفذ الحبس؟ أو يبطل الحبس؟ فأجاب أيده الله، بأن قال:

93 - التسعير فى المواد الغذائية، وفي مواد العطارة

الشرط الذي ذكرت ان كان في أصل التحبيس يوجب صرف الحبس بعد موت المحبس، إلى معنى الوصية، على مذهب مالك وأصحابه. فان كان قد ملت، نفذ الحبس من ثلثه، ان حمله الثلث، وان لم يحمله فما حمل منه الثلث. وبالله التوفيق. [93]- التسعير في المواد الغذائية، وفي مواد العطارة: وسئل، أيضا في صاحب السوق يريد التسعير على أهل السوق، في غير المأكول والمشروب؛ مثل ما يبيعه العطارون وغيرهم من الحناء، والفلفل، وأشباه ذلك، هل ترى ذلك جائزا؟ وان كان جائزا، هل يدخله من الاختلاف ما يدخل في تسعير المأكول والمشروب؟ وما الذي ترى وفقك الله، في قول أبي محمد عبد الوهاب في الكتاب المنسوب اليه، المترجم بالمجرد متصلا بقول حكى فيه عن مالك: أن التسعير لا يجوز على أهل السوق، ولكن من حط سعرا، قيل له: اما أن تلحق بأهل السوق واما أن تنغزل عنهم. قال عبد الوهاب متصلا بهذا: واختلف أصحابنا في قول مالك: من حط سعرا فقال البغداديون: من باع خمسة أرطال بدرهم، والناس يبيعونه ثمانية، وقال بعض من المصريين: من باع ثمانية والناس يبيعون خمسة. قال عبد الوهاب: وعندى: أن الأمرين جميعا ممنوعان. فهل يصح - وفقك الله، ما حكاه عبد الوهاب عن المصريين؟ وهل هو البصريين بالياءأو المصريين بالميم، فان الكتاب المذكور عندنا غير

94 - مباراة مقابل الكالىء ورد السياقة

مروي، ولا مقطوع بصحته؟ وما الصحيح في ذلك على مذهب مالك وأصحابه؟ بين ذلك ممتنيا متفضلا، ان شاء الله تعالى. فجاوب: أما التسعير فلا يكون الا فيما يؤكل ويشرب من الاطعمة والادام، التي بالناس فقر اليها، في معايشهم، على اختلاف في ذلك، أنت عالم به. وقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لحاطب بن أبي بلتعة: اما أن تزيد في السعر واما أن ترفع من سوقنا معناه عند جميع العلماء: اما أن أن تزيد في المثمون لا في الثمن ومن قال بخلاف هذا، فقد أخطأ خطأ، لا يلتفت اليه، ولا يعرج عليه، ولا يعد قوله في الخلاف، لأن النصوص تكذبه والقياس يرده ويدفعه. والكتاب الذي ذكرت، لم أره، وان صح ما فيه عن مؤلفه فليس أحد بمعصوم من الخطأ الا من عصمه الله بالوحي من أنبياء. وبالله التوفيق. [94]- مباراة مقابل الكالىء ورد السياقة وسئل رضي الله عنه، بسؤال بعد عقد، نصهما: نسخة عقد المباراة بارأ فلان زوجته فلانة، بعد بنائه بها، بطلقة واحدة، ملكت بها امر نفسها، على أن وضعت عنه جميع كالئها، المكلأ لها عليه في صداقها معه، الذي لم ينعقد بينهما نكاح

سواه، وصرفت اليه جميع ما ساقه اليها من الأصول الثابتة، بموضع كذا، على حسب ما كان ساقه اليها، حاشا الدار التي فوتتها بالبيع، فانها دفعت خمسة وعشرين مثقالا ذهبا، مرابطية، مرسية الضرب قبضها منها، وأبرأها منها، فبرئت، شهد. هل يدخل شرب الماء في أصول السياقة؟ ونص السؤال: تصفح، رضي الله عنك العقد الواقع أعلى هذا الرسم، فانه ثبت على نصه، بأن الزوج المذكور ساق اليها في جملة ما ساق اليها، شرب ماء، ويذهب الآن إلى أخذه وتأبى الزوجة من دفعه، وتزعم أنها إنما صالحته على العقار والارضين. فأفتنا رضي الله عنه، القول قول من؟ وهل قول العاقد: الأصول الثابتة يدخل فيه شرب الماء أم لا؟ بين لنا، رضي الله عنك وجه الحكم في هذه النازلة. الاعتبار لاستعمال الشرب فأجاب، وفقه الله، على ذلك، بأن قال تصفحت سؤالك هذا، ونسخة عقد المباراة الواقعة فوقه، ووقفت، على ذلك كله. وان كان الشرب الذي ساقه اليها لسقي السياقة فهو داخل فيما صرفته اليه، مما كان ساقه اليها، وان لم يكن لسقي السياقة إلا ليسقي به غير ذلك من مالها، فالقول قولها مع يمينها انها صالحته على العقار دون شرب، ان ادعى الزوج عليها أنها صالحته على الجميع وبالله التوفيق

95 - خمس مسائل يجب فيها الحد، ويثبت النسب

[95]- خمس مسائل يجب فيها الحد، ويثبت النسب. وكتب اليه بعض فقهاء جيان عن الخمس مسائل، التى يذكر انه يجب فيها الحد، ويثبت معه النسب. فأجابه، أيده الله، بأن قال: المسائل التى سألت عنها: احداهما: الرجل يشترى الأمة، فيولدها، ثم يقر على نفسه، بأنه اشتراها وهو عالم بحريتها. والثانية: أن يشترى الأمة، فيولدها، ثم يقر على نفسه: أنها ممن يعتق عليه، وأنه اشتراها، ووطئها، وهو عالم أن ذلك لا يحل له. والثالثة: أن يتزوج المرأة، فيولدها، ثم يقر على نفسه: أنه كان طلقها ثلاثا، وأنه تزوجها قبل زوج، وهو عالم ان ذلك لا يحل له والرابعة: أن يتزوج المراة، فيولدها، ثم يقر على نفسه: أنهاذات رحم منه، محرم عليه، من نسب، أو صهر، أو رضاع، وأنه تزوجها وهو عالم أن ذلك لا يحل له. والخامسة: أن يتزوج المرأة، فيولدها، ثم يقر نفسه أن له أربع زوجات سواها، وأنه تزوجها وهو عالم أن نكاح الخامسة حرام. الاعتبار بالظاهر في الحكم وامنا وجب ثبوت النسب في هذه المسائل، مع وجوب الحد، لأن النسب قد ثبت فيها بما ظهر من صحة النكاح، والملك؛ فاقراره على

96 - رهان المسابقة بالخيل

نفسه بما يوجب الحد لا يسقط حق الولد في ثبوت النسب. المقياس لوجوب الحد وثبوت النسب وكذلك الحكم فيما كان في معناها، فلا يقال فيها: انها خمس مسائل على سبيل الحصر، وانما يقال ذلك: فيها على سبيل التقريب، لأنها أمهات تتفرع إلى غيرها، ويقاس فيها سواها. والاصل الذي يضبط به هذا الباب: أن كل حد يجب بالاقرار، ويسقط بالرجوع عنه، فالنسب ثابت معه، وكل حد لازم، لا يسقط بالرجوع عنه فالنسب معه غير ثابت. وبالله التوفيق. [96]- رهان المسابقة بالخيل وسئل، رضي الله عنه، تلخيص القول، باختصار، فيما يجوز من الرهان في المسابقة بين الخيل مما لا يجوز. فقال. أيده الله: ثلاثة أنواع من الرهان الرهان في المسابقة بالخيل تكون على ثلاثة اوجه: وجه جائز باتفاق، ووجه لا يجوز باتفاق، ووجه مختلف في جوازه. [1] فأما الوجه الجائز باتقان، فهو أن يخرج أحد المتسابقين، إن كانا

اثنين، أو أحد المتسابقين ان كانوا جماعة جعلا لا يرجع اليه بحال ولا يخرج من سواه شيئاً، فان سبق مخرج الجعل، كان الجعل للسابق، وان سبق هو صاحبه، ولم يكن معه غيره، كان الجعل طعمه لمن حضر وان كانوا جماعة كان الجعل لمن جاء سابقا بعده منهم. وهذا الوجه في الجواز مثل أن يخرج الإمام الجعل فيجعله لمن سبق من المتسابقين، فهو مما لا اختلاف فيه بين أهل العلم أجمعين. [2] وأما الوجه الذي لا يجوز باتفاق فهو أن يخرج كل واحد من المتسابقين ان كانا اثنين، أو كل واحد من المتسابقين ان كانوا جماعة، جعلا على أن من سبق منهم أحرز جعله، وأخذ جعل صاحبه إن لم يكن معه سواه، أو أجعال أصحابه ان كانوا جماعة، فهذا لا يجوز باجماع، لأنه من الغرر، والقمار، والميسر، والخطار المحرم في القرآن. [3] وأما الوجه المختلف في جوازه فهو أن يخرج أحد المتسابقين ان كانا اثنين، أو أحد المتسابقين ان كانوا جماعة، جعلا ولا يخرج من سواه شيئاً، على أنه ان سبق أحرز جعله، وان سبقه غيره الجعل للسابق. فهذا الوجه اختلف فيه قول مالك، وهو على مذهب سعيد ابن المسيب جائز.

صورة من النوع الثالث: وجود محلل ومن هذا الوجه المختلف فيه: أن يخرج كل واحد من المتسابقين جعلا على أن من سبق منهما أحرز جعله، وأخذ جعل صاحبه، على أن يدخل بينهما محللا لا يأمنان أن يسبقهما على أنه أن سبقهما أخذ الجعلين جميعا. فهذا الوجه أجازة سعيد بن المسيب، ولم يجزه مالك ولا اختلف فيه قوله كما اختلف فيه قوله في الوجه الذي قبله، لأنه أخف في الغرر منه ويجمع بينهما في المعنى: أن حكم مخرج الجعل مع صاحبه في ذلك في حكم مخرج الجعل مع المحلل في هذه. وسواء كان مع جماعة المتسابقين محلل واحد، أو مع الاثنين المتسابقين جماعة محللون الخلاف في ذاك كله، إلا أنه كلما كثر المحللون، وقل المتسابقون، كان الغرر أخف والأمر أجوز. وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية أبي هريرة أنه قال: " من أدخل فرسا بين فرسين، وهو لا يأمن أن يسبق فلا بأس ومن أدخل فرسا بين فرسين وهو يأمن أن يسبق فذلكم القمار.

97 - غضب قمح وشعير لمالكين، وخلطهما

وهو حجة لابن المسيب. وبالله التوفيق. [97]- غضب قمح وشعير لمالكين، وخلطهما مسألة من غصب قمحا وشعيرا لرجلين فخلطهما. قال الفقيه الإمام القاضي أبو الوليد ابن رشد رضي الله عنه: ان سأل سائل عمن غصب قمحا وشعيرا لرجلين، فخلطهما: ما يجب لهما عليه، وهل لهما أن يبرياه من العداء دون رضاه، ويأخذ طعامهما، أم لا يكون ذلك لهما الا برضاه، وكيف يقتسمانه ان أبرياء برضاه أو بغير رضاه، على المذهب؛ إذ قد اختلفت في ذلك ظواهر الروايات، واختلف المتأخرون فيما حملوها عليه من التأويلات، فالذي نقول به والله الموفق للصواب برحمته، على منهاج قول مالك وأصحابه: أن الواجب على الغاصب أن يخرج لصاحب القمح مكيلة قمحه، ولصاحب الشعير مكيلة شعيرة، فان لم يكن له مال، بيع الطعام المخلوط على ذمته، فقسم ثمنه على قيمة القمح والشعير يوم الحكم، واشترى لكل واحد منهما بما ناب طعامه مثل طعامه، فما نقص من مكيلته فعلى الغاصب وما زاد فله، لا اختلاف بينهم في هذا. وانما اختلفوا إن رضي المغصوب منهما، أن يسقطا حكم العداء عن الغاصب ويأخذا القمح والشعير مخلوطا هل لهما ذلك ام لا، على قولين، أحدهما: أن ذلك لهما وهو مذهب ابن القاسم، والثاني: أن ذلك

ليس لهما الا برضاه؛ لأن القمح والشعير المخلوطين قد وجبا للغاصب بعدائه وترتب في ذمته لصاحب القمح، مثل مكيلة قمحه ولصاحب الشعير مثل مكيلة شعيره، فليس لهما أن يأخذا الطعام المخلوط عوضا عما ترتب لهما في ذمته الا برضاه، وهو قول أشهب. كيفية اقتسام الطعام المخلوط وعلى هذين القولين يجرى الاختلاف الحاصل بين أهل العلم في كيفية اقتسامهما الطعام المخلوط إذا أبرأ الغاصب، وفيما عدا ذلك من فروع المسألة: فيأتي على قياس القول الأول، وهو أن حق المغصوب منهما أن يسقطا حكم العداء عن الغاصب ويأخذا الطعام المخلوط: أنهما يقتسمانه بينهما، إذا أبرأ الغاصب على قيمة القمح والشعير، يوم الخلط، يريد: ويقوم القمح غير معيب، بدليل ما في المدونة، خلاف ما ذهب اليه سحنون. ولا وجه لقول من قال: انه لا يحل أن يقتسما الطعام المخلوط بينهما على القيم، وأن مراد ابن القاسم في الكتاب: أن يباع، وأن يقتسما ثمنه على القيم؛ لأنهما إذا أسقطا حكم العداء عن الغاصب، فقد صار الطعام كأنه اختلط من غير عداء، واذا اختلط من غير عداء، وجب أن يقتسماه بينهما على القيم. وقد روى عن سحنون أنه يباع، ويقتسمان الثمن، على قيمة القمح معيبا والشعير غير معيب، وذلك والله أعلم استحسان خوف الذريعة، إلى التفاضل في الصنف الواحد من طعامين لا على أن

[81] ذلك واجب في القياس، لأنه انما يباع على ملكهما فلو حرم على صاحب القمح أن يأخذ من الطعام المخلوط أكثر من مكيلة قمحه لما حل له أن يأخذ ثمن ذلك وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم، فباعوها وأكلوا أثمانها " ويؤيد هذا، أيضا، قول ابن القاسم، في رواية عيسى من كتاب الغصب: إذا ذهب الغاصب فلم يعرف، لا أحب لهما أن يقتسماه يريد الطعام على الكيل؛ لأنه انما منع اقتسامه بينهما على الكيل من أجل ان الذي يوجبه الحكم أن يقسم بينهما على القيم، فيدخله التفاضل بين الصنف الواحد من الطعام. ولفظه: لا أحب ها هنا ليست على بابها والمراد بها: لا يحل ومثل هذا كثير في التجاوز في الألفاظ. تكييف قسمة الطعام المخلوط على القيمة فان قال قائل: إذا كان الواجب لكل واحد من المغصوب منهما على الغاصب مكيلة طعامه فرضيا أن يبرياه، ويقتسما الطعام المخلوط بينهما على القيم، فقد باع كل واحد منهما ما وجب له على الغاصب بما تصير له بالقيمة من الطعام المخلوط وذلك التفاضل فيما لا يجوز فيه التفاضل؛ فالجواب: أن ذلك ليس ببيع، انما ذلك أمر أوجبه الحكم بين الشريكين المغصوب منهما الطعام، بعد أن فرط إبراؤهما الغاصب من

حكم العداء ولأن البيع، أيضا، انما يكون برضا المتابعين والغاصب في هذه المسألة محكوم عليه بأخذ الطعام، المخلوط فيه، شاء أو أبى وما يوجبه الحكم بين الشريكين لا يعتبر في ذلك رضا. فليس بحقيقة بيع ألا ترى أنه قد روى عن ابن القاسم فيمن حلف ألا يبيع سلعة فاغتصبها منه غاصب ففاتت عنده بنقصان كثير أنه لا حنث عليه في أخذ عوضها منه، وقد قال ابن حبيب فيمن سرق منه جلد أضحيته، أنه يقضي له على السارق بالقيمة ويتمولها ويأكلها ولا شيء عليه، ومثل هذا كثير. فإن أراد أحدهما على هذا القول أن يعطي صاحبه مكيلة طعامه، ويأخذ جميع الطعام المخلوط، لم يكن ذلك له ولو رضي صاحبه بذلك لكان حراما ولا يحل، لأنهما لما أسقطا العداء عن الغاصب وجب أن يكون الطعام المخلوط بينهما على القيم، فإذا أعطى أحدهما فيما وجب له من الطعام المخلوط مكيلة طعامه فقد تبايعا الطعام بالطعام من صنف واحد متفاضلا. فصل ويأتي على قياس القول الثاني وهو أن ليس للمغصوب منهما أي يبريا الغاصب ويأخذا الطعام المخلوط الا برضاه: ان ذلك لا يكون لهما برضاه، الا أن يقتسما الطعام المخلوط على الكيل، لأنهما لو أبرياه برضاه من غير شرط، على أن يقسماه على القيم لكان ذلك بيع الطعام بالطعام متفاضلا؛ لأن كل واحد منهما قد وجب له على الغاصب مثل طعامه فإذا أخذ به ما وجب له من الطعام المخلوط بالقيمة، فقد باع الطعام بالطعام متفاضلا.

98 - شرح مسألة الكفلاء الستة من المدونة.

ولو أراد أحدهما، على هذا القول، إذا ابرأا الغاصب على ان يقتسما الطعام المخلوط على الكيل: أن يعطي صاحبه مكيلة طعامه ويأخذ جميع الطعام المخلوط لكان ذلك حلالا جائزا إذا رضيا. ولو أراد احدهما، قبل ان يبريا الغاصب، أن يعطي صاحبه عن الغاصب، مكيلة، لم يجز ذلك لأنه يصير قد ابتاع الطعام المخلوط بالمكيلة التى وجبت له على الغاصب وبالمكيلة التي أعطى صاحبه عن الغاصب فيكون بمنزلة من باع مدي قمح بمدي طعام، أحدهما أرفع منه والثاني أدنى منه. ولو أخذ أحدهما من الغاصب مكيلة طعامه لم يكن لصاحبه أن يشارك الغاصب في الطعام المخلوط، بمكيلة طعامه التي وجب له عليه الا برضاه. فهذا هو وجه القول في هذه المسألة وقد تكلم عليها أبو اسحق التونسي وغيره في كتاب الوديعة وكتاب الغصب فلم يحصلوا الرواية ولا جروا في ذلك على أصل. وبالله التوفيق. [98]- شرح مسألة الكفلاء الستة من المدونة. وقال الفقيه الإمام الحافظ، أبو الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد رضي الله عنه. ان سأل سائل عن تفسير مسألة الستة الكفلاء، الواقعة في كتاب الكفالة من المدونة لغير ابن القاسم ومعرفة الحكم في رجوع من غرم

منهم جميع المال، أو أكثر مما عليه منه بسبب الحمالة على أصحابه إذا لقيهم مجتمعين أو مفترقين ووجه العمل في ذلك. عندما يلقى الغارم الكفلاء مجتمعين. فالجواب عنه: أن الحكم في ذلك هو أن يرجع من غرم المال شيئاً بسبب الحمالة على أصحابه بما غرم عنهم، على السواء ان لقيهم مجتمعين. عندما يلقى الغارم الكفلاء متفرقين. وان لقيهم متفرقين واحد بعد واحد، رجع على من لقي منهم بما ينوبه مما أدى عنه بسبب الحمالة وبنصف ما ينوب ما أدى عن صاحبه. وان لقي منهم اثنين معا رجع على كل واحد منهما بما ينوبه مما أدى عنه بالحمالة وبثلثي ما ينوب ما أدى عن الباقين. وان لقي منهم ثلاثة معا رجع على كل واحد منهم بما ينوبه من ذلك وبثلاثة ارباع ما ينوب ما أدى بالحمالة عمن غاب. عندما يلقى غارمان بقية الكفلاء. وان لقي اثنان منهم واحدا رجعا عليه بما أديا عنه من أصل الحق وبثلث ما أديا عن أصحابه بالحمالة. وان كانوا ثلاثة فلقوا واحدا، رجعوا عليه بما أدوا عنه في خاصته وبربع ما ادوه عن أصحابه، بالحمالة، فاقتسموا ذلك بينهم بالسواء.

القاعدة: هي تسلسل التراجع بين الكفلاء إلى حد التعادل في الغرم وان لقي أحد منهم من أصحابه من قد غرم بسبب الحمالة شيئاً حاسبه بذلك ورجع عليه بنصف الباقي. وان كان الذي قد لقي قد غرم بسبب الحمالة شيئاً وأغرم هو سواه حاسبه بالباقي على ما وصفناه. وان لقي واحد ومنهم أحد أصحابه فرجع عليه ثم لقيه ثانية بعد أن رجع هو على غيره رجع عليه فساواه فيما رجع به ثم ان لقي المرجوع عليه الغير الذي كان رجع عليه ثانية بما انتقصه الأول إذا لقيه ثانية ثم ان لقيه الأول ثانية رجع عليه فلا يزال التراجع يتردد بينهم حتى يستووا ثلاثيهم ولا يزال يرجع بعضهم على بعض أبدا كلما التقى منهم أحد مع صاحبه وقد أدى أكثر منه حتى يرجع إلى كل واحد منهم ما غرم بسبب الحمالة فيكون قد أدى ما عليه من أصل الحق دون زيادة ولا نقصان. أ - شرح ما فيه المدونة من صور التراجع. ولا تنحصر وجوه التراجع بينهم إلى عدد؛ اذ قد يلتقون على رتب مختلفة وصور شتى غير متفقة، ولا ينقضي التراجع بينهم بأقل من خمس عشرة لقية على أي رتبة التقوا عليها، ما لم تلق منهم الجماعة الجماعة أو الواحد الجماعة أو الجماعة الواحد وتنقضي بخمس عشرة لقية إذا التقوا على رتبة ما سأذكرها فيما بعد مفسرة ان شاء الله

ووجه العمل في المسألة ما يتبين الا بتنزيلها وتصويرها، فأنا أنزلها وأذكر من وجوه التراجع فيها ما ذكره في الكتاب بتفسير ما أشكل منها ثم اتبع ذلك بما سكت عنه من بقية التراجع عن الرتبة التي بدأ بها حتى يصل إلى كل واحد منهم ما أدى بالحمالة ويعتدلوا فيما أدوه من أصل الحق، ثم أذكر، ان شاء الله حكم التراجع بينهم مفسرا، إذا التقوا على الرتبة التي ذكرنا: أن التراجع ينقضي بينهم بخمس عشرة لقية مع ألا يلتقي منهم أكثر من اثنين معا، ان شاء الله ولا حول ولا قوة الا بالله. الغارم يلقى واحدا من الكفلاء: تقسيم الالتزام نصفين فصل في المسألة، وهى: رجل باع سلعة من ستة رجال، بست مائة درهم، على أن كل واحد منهم حميل عن أصحابه بجميعها وشرط ان يأخذ منهم من شاء بجميع حقه، فان وجد البائع احدهم، كان له ان يأخذ منه الست مائة كلها، لأن المائة / الواحدة منها واجبة عليه [86] من أصل الحق، والخمس مائة يأخذها منه بالحمالة عن أصحابه، الخمسة الباقون، فان اخذها منهم، ثم لقى الذى أخذت منه أحد الخمسة الباقين، فانه يرجع عليه بثلاث مائة، لأنه يقول له: أديت أنا ست مائة درهم منها مائة واجبة على، لا أرجع بها على أحد والخمس مائة الباقية أديتها عنك وعن أصحابك الاربعة الباقين، مائة مائة عن كل واحد منكم، فادفع إلى المائة التى عنك في خاصتك

ونصف ما أديت عن أصحابك بالحمالة وذلك مائتان لانك حميل معى بهم، فباخذ منه ثلاث مائة فيستويان فيما غرما أنفسهما، والحمالة عن اصحابها. من تحمل نصف الالتزام يلقى، بدوره واحدا من الكفلاء فصل فان لقى الثانى المأخوذ منه الثلاث مائة الثانى من الخمسة الباقين، فانه يرجع عليه بمائة وخمسة وعشرين لأنه يقول له، أديت انا ثلاث مائة، المائة الواحدة منها عن نفسى، لا أرجع بها عن أحد، والمائتان الباقيتان عنك وعن أصحابك الثلاثة، الغيب الباقين، خمسون خمسون عن كل واحد منكم، فادفع إلى الخمسين التى ديت عن أصحابك بالحمالة، لأنك حميل معى بهم. وهذا كله بين، لا اشكال فيه في الكتاب. هذا الغارم للمائة والخمسة والعشرين يلقى واحدا من الكفلاء ثم قال فيه: «وكذلك إذا لقى الرابع، المأخوذ منه المال، الثالث من الباقين، فانه يلأخذه بما أدى عنه من أصل الدين، وبنصف ما أدى عن أصحابه». وهو كلام فيه احتمال يفتقر إلى بيان، ومراده به: أن الثالث من الغارمين، المأخوذ منه مائة وخمسة وعشرون، لقى أحد الثلاثة الباقين، وسماه «رابعا» لأنه رابع للباقين، فرجع عليه بخمسين، لأنه يقول له: أديت انا مائة، وخمسة وعشرين، خمسون منها عن نفسى من المائة الواجبة على، من أصل الحق، لا أرجع على أحد، وخمسة وسبعين

بالحمالة عنك وعن صاحبك الغائبين، خمسة وعشرين عن كل واحد منكم، فادفع إلى الخمسة والعشرين، التى أديت عنكفى خاصتك، وخمسة وعشرين، نصف الخمسين التى أديت عن صاحبك بالحمالة، لأنك حميل معى بها، فيأخذ منه الخمسين. التعادل بين الأول والثانى والثالث فيما أدوه عن أنفسهم، وحمالة عن الباقين فصل ثم قال في الكتاب: «فان لقى الرابع الآخر من الأولين لم يرجع على الرابع بشىء» يريد: أن الأول، الذى غرم الست مائة، ورجع منها على الثانى، بثلاث مائة، لقى الثالث، الذى رجع عليه الثانى، بمائة وخمسة وعشرين، ولم يرجع هو بعد، عليه بشىء، ويريد ان لقيه ان يرجع هو على الرابع بالخمسين، وسماه في الكتاب رابعا، لأن الباقين ثلاثة، فهو رابعهم، وهو ثالث الغارمين. «فيرجع عليه بما أدى عنه من الدين، وذلك خمسون درهما، وينظر فيما بقى، مما أداة بالحمالة عنه فاذا هو خمسون درهما، وقد أدى الرابع بالخمالة خمسة وسبعين ومائة، بسبعة وثلاثين ونصف، حتى يعتد لا عشر ونصفا، «يريد: أن الأول والثالث، اللذين التقيا، هما اللذان اعتدلا فيما غرما بالحمالة: وأما الثانى فانما أدى بالحمالة خمسة وسبعين،

لأن الأول كان قد رجع عليه بثلاثة مائة، فيرجع هو منها على الثالث بمائة، وخمسة وعشرين، على ما بيناه، فبقى له مما أدى عن الثلاثة بالحمالة خمسة وسبعين، لأن المائة منها واجبة عليه في خاصته، لم يؤدها بالحمالة، فيرجع الأول والثالث على هذا الثانى بخمسة وعشرين اثنا عشر ونصف لكل واحد منهما، ان لقياه معا، فيصير الأول والثانى والثالث قد أدى كل واحد منهم بالحمالة عن الثلاثة الباقين، مائة، وعن أنفسهم مائة مائة، فاعتدلوا في ذلك، بمنزلة أن لو لقياه معا. ألا ترى أن الأول والثانى اللذين غرما الثلاث مائة لو لقيا الثالث معا، لرجعا عليه بمائةلأنهما كانا يقولان له: قد أدينا ست مائة، منها عن أنفسنا مائتان في خاصتنا وأر بع مائة عنك، فادفع الينا المائة التى أديناعنك، وثلث الثلاث مائة، التى أديناها عن أصحابك الثلاثة، لأنك حميل معنا بهم، فعليك ثلثها، فيأخذان منه [87] المائتين ويقتسمانها بينهما بنصفين، وهذه الزيادة في هذا الوجه سكت / عنها في المدونة ولم يذكرها فيها، وبها تتم. الأول يلقى الثالث، بعد أن رجع الثالث على الرابع بخمسين ويعادلهما فيما غرما بالحمالة فصل: فهذا ما ذكره في المدونة من وجوه هذه المسألة مشروحا مبينا. ولو كان انما لقى الأول الثالث بعد أن رجع على الرابع بالخمسين، على ما نزلناه، لوجب أن يرجع عليه بمائة واثنى عشر، ونصف. وتفسير ذلك: أنه كان يقول: غرمت أنا ثلاث مائة، لأنى رجعت،

من ست مائة التى غرمتها، بثلاث مائة، مائة منها على، من أصل الدين، لا أرجع بها على أحد، والمائتان غرمتها بالحمالة؛ خمسون عنك، ومائة وخمسون بالحمالة عن أصحابك إلى الخمسين التى غرمت عنك من أجل الدين، ونصف ما غرمت بالحمالة زائدا على ما غرمت أنت وذلك اثنان وستون ونصف؛ لأننى غرمت انا مائة وخمسين بالحمالة، وغرمت أنت بها خمسة وعشرين، لأن الخمسة والسبعين، التى غرمت بالحمالة للثانى، قد رجعت منها على الرابع بخمسين، فأتسقط الخمسة والعشرين، التى غرمت أنت من المائة والخمسين، التى غرمت أنا، تبقى اثنان وستون ونصف نصف فإذا دفع ذلك إليه اعتدلا بما غرما بالحمالة من أصل الدين. الثانى يلقاه الأول والثالث، ويتعادلون فيما غرموا بالحمالة. فصل. فإن لقيا جميعا، الثانى، الذى أخذ منه الأول ثلاث مائة، ورجع هو على الثالث بمائة وخمسة وعشرين، رجعا عليه بأربعة، وسدس أربعة، وسدس، فيعتدلون، ثلاثتهم، فيما غرموا بالحمالة. وذلك أن الأول والثالث غرما بالحمالة، على هذا، مائة وخمسة وسبعين، سبعة وثمانين ونصفا كل واحد منهما، وغرم الثانى بالحمالة خمسة وسبعين فذا رجعا عليه باربعة وسدس اربعة، وسدس، اعتدلوا ثلاثتهم فيما غرموا بالحمالة، وكان كل واحد منهم قد ادى بها ثلاثة وثلاثين وثلثا. الكفيل الرابع يلقى واحدا من الاثنين الباقين. فصل: لقى الرابع المأخوذ منه خمسون، أحد الاثنين الباقيين رجع عليه، على هذا الترتيب، بثمانية عشر وثلاثة أرباع، لأنه يقوله له:

غرمت أنا خمسين: خمسة وعشرون منها واجبة علىّ، لا أرجع بها على أحد وخمسة وعشرون بالحمالة عنك وعن صاحبك الغائب الباقي، اثني عشر ونصف عند كل واحد منكما، فادفع الي الاثني عشر ونصفا، التي أديت عن صاحبك الغائب بالحمالة لأنك حميل معي به، فيأخذ منه ثمانية عشرة وثلاث أرباع الباقي، على ما قلناه. الخامس يلقى السادس فصل، وان لقي هذا الخامس المأخوذ منه ثمانية عشرة وثلاثة أرباع الباقي من الستة رجع عليه بستة وربع التي أدى عنه لا غير، لأن الاثنى عشر ونصفا انما أداها عن نفسه فلا يرجع بها على احد. وهذه الثلاثة الأوجه لم يذكرها في الكتاب. وعلى هذا القياس والعمل، يرجع الأول والثاني والثالث على الرابع وعلى الخامس وعلى السادس بما أدوا عنهم مما يجب عليهم في خاصتهم وبما يجب عليهم مما أدوا عن أصحابهم، بالحمالة، لقوهم مقترنين أو مجتمعين، حتى يستووا فيما أدوا، فيكون كل واحد منهم قد أدى مائة مائة، كما وجب عليه من أصل الدين. الأول والثاني والثالث يلتقون بالرابع، وقد رجع الآخر على الخامس فصل فان لقي الأول والثاني والثالث معا، بعد ان استووا في الغرم، على ما رتبناه، الرابع الذي غرم خمسين ورجع منها على الخامس بثمانية عشر وثلاثة أرباع، فانهم يرجعون عليه بمائة وأربعة عشر ونصف ثمن، لأنهم يقولون له: أدينا نحن خمس مائة وخمسين، كل واحد منا مائة وثلاثة وثمانين وثلثا، وأديت أنت أحدا وثلاثين وربعا، والواجب عليك ربع الجميع، لأنك رابعنا، وذلك مائة وخمسة وأربعون، وثمنان ونصف ثمن،

أديت ذلك أحدا وثلاثين وربعا فبقي لنا عليك مائة وأربعة عشر ونصف ثمن يأخذونها منه، فيقتسمونها بينهم ثلاثيهم، فيجب لكل واحد منهم ثمانية وثلاثون وسدس ثمن كل واحد منهم قد أدى مائة وخمسة وأربعين وثمنين، ونصف ثمن / كما أدى هو. ولو لقوه متفرقين، واحدا بعد واحد، لرجع كل واحد منهم عليه بما أدى عنه بالحمالة في خاصته، ونصف ما أدى عن صاحبيه الغائبين بها بعد أن يسقط من ذلك ما أدى هو، أيضا، بالحمالة على ما بيناه فيما تقدم. فاذا التقوا ثلاثيهم، رجع بعضهم على بعض حتى يعتدلوا فيما أدوه بمنزلة أن لقوه ثلاثيهم معا، على ما فسرناه. الأول والثاني والثالث والرابع يلقون الخامس. فصل. فان لقي الأول والثاني والثالث والرابع معا، بعد أن استووا في الغرم، فصار على كل واحد منهم مائة وخمسة وأربعون وثمنان ونصف ثمن، الخامس، الذي رجع عليه الرابع بثمانية عشر وثلاثة أرباع فرجع هو منها على السادس بستة وربع، فانهم يرجعون عليه بمائة وستة وخمس وربع خمس، يقسمون ذلك فيما بينهم أربعتهم، فيجب لكل واحد منهم ستة وعشرون وخمسان، وثلاثة أرباع الخمس، وربع ربع الخمس فيسقط ذلك من المائة والخمسة والأربعين والثمنين ونصف الثمن الذي أدى فيكون الباقي الذي أدى كل واحد منهم مائة وثمانية عشر وثلاثة أخماس وثلاثة أرباع الخمس، كما أدى هو، لأنه أدى اليهم مائة، وستة وخمسا وربع خمس، وكان قد أدى اثني عشر ونصفا للرابع كما وصفناه، فالجميع مائة وثمانية عشر، وثلاثة أخماس وثلاثة أرباع الخمس، كما أدى كل واحد منهم. ولو لقوه متفرقين، واحدا بعد واحد، لرجع كل واحد منهم عليه

بما أدى عنه بالحمالة في خاصته، ونصف ما أدى عن صاحبه الغائب، لأنه حميل معه به، بعد ان يسقط من ذلك ما أدى هو ايضا بالحمالة على ما بيناه فيما تقدم. فاذا التقوا أربعتهم، رجع بعضهم على بعض، حتى يعتدلوا فيما أدوه، بمنزلة أن لو لقوه أربعتهم معا على ما فسرناه. الكفلاء الخمسة يلقون السادس فصل. إذا لقي الأول والثاني والثالث، والرابع، والخامس، معا بعد أن استووا في الغرم، فصار على كل واحد منهم مائة، وثمانية عشر وثلاثة اخماس وثلاثة أرباع الخمس على ما وصفناه، السادس الذي رجع عليه الخامس بستة وربع، فانهم يرجعون عليه بثلاثة وتسعين وثلاثة أرباع، فيقتسمونها بينهم، خمستهم بالسواء، فيصير لكل واحد منهم ثمانية عشر، وثلاثة أخماس، وثلاثة أرباع الخمس وقد كان أدى مائة وثمانية عشر، وثلاثة أخماس وثلاثة أرباع الخمس، فيصير الذي أدى كل واحد منهم مائة مائة، كما وجب عليهم من أصل الدين، قد كان السادس أدى أيضا، إلى الخامس ستة وربعا، فصار ذلك بالثلاثة والتسعين والثلاثة أرباع التي أدى الان إلى جميعهم، كما وجب عليه من أصل الدين، فاعتدل جميعهم في الغرم. ولو لقوه متفرقين واحدا واحدا، لرجع كل واحد منهم عليه بما أدى عنه من أصل الدين، وبنصف ما أدى عنه بالحمالة، فاذا التقوا خمستهم رجع بعضهم على بعض، حتى يعتدلوا فيما أدوه، فيكون كل واحد منهم، ايضا قد ادى مائة، كما وجب عليه من أصل الدين بمنزلة أن لو لقوه معا، على ما صورناه.

ب - ذكر ما سكتت عنه المدونة من صور التراجع. فصل. في تفسير المسألة، على الرتبة التي ذكرنا، وهي: [1]- أن يلقى الأول، الذي غرم جميع المال، أو أكثر مما يجب عليه، الثاني ثم الثالث، ثم الرابع، ثم الخامس ثم السادس، فيستوفي بذلك ما أدى بالحمالة. [2]- ثم يلقى الثاني، الذي رجع عليه الأول، الثالث، ثم الرابع، ثم الخامس، ثم السادس فيستوفي بذلك، أيضا، جميع ما أداه بالحمالة. [3]- ثم يلقى الثالث، الذي رجع عليه الأول والثاني، والرابع ثم الخامس، ثم السادس، فيستوفي بذلك، أيضا، جميع ما أداه بالحمالة. [4]- ثم يلقى الرابع، الذي رجع عليه الأول والثاني والثالث، الخامس ثم السادس فيستوفي بذلك أيضا، ما أداه بالحمالة. [5]- ثم يلقى الخامس، الذي رجع الأول والثاني والثالث والرابع السادس فيستوفي ايضا، ما أداه بالحمالة. [1] الأول يلقى الثاني، فيقسم الالتزام نصفين ووجه العمل في ذلك إذا لقي المأخوذ منه الست /: مائة الثاني من [89] اصحابه أن يرجع عليه بثلاثة مائة، لانه يقول له: أديت أنا ست مائة منها مائة واجبة على من أصل الدين، والخمس مائة أديتها بالحمالة عنك وعن أصحابك الأربعة الغائبين، مائة مائة عن كل واحد منكم فادفع إلى المائة، التي أديت عنك ونصف الأربع مائة، التي أديتها عن أصحابك، لأنك حميل معي بهم، فاذا رجع عليه بذلك استويا فيما غرما عن أنفسهم وبالحمالة عن أصحابهما.

وهذا الوجه في المدونة مشروع مبين. الأول يلقى الثالث. فصل. ثم ان لقي أيضا الثالث رجع عليه بمائة وخمسة وعشرين، لأنه يقول له: بقي لي، مما أديت، وثلاث مائة واجبة على من أصل الدين والمائتان أديتها عنك وعن أصحابك الثلاثة الغائبين، خمسين خمسين عن كل واحد منكم فادفع الي الخمسين التي أديت عنك، ونصف المائة والخمسين التي أديت عن أصحابك، لأنك حميل معي بهم فاذا رجع بذلك عليه بقي له مما أدى مائة وخمسة وسبعون. الأول يلقي الرابع. فصل. ثم ان لقي، أيضا الرابع رجع عليه بخمسين، لأنه يقول له: بقي لي مما اديت بالحمالة خمسة وسبعون، وأديتها عنك وعن أصحابك الغائبين: وخمسة وعشرون عن كل واحد منكم، فادفع إلى الخمسة والعشرين التي أديت عنك ونصف الخمسين التي أديت عن اصحابك بالحمالة، ولأنك حميل معي بهما فاذا رجع عليه بذلك بقي له مما أدى بالحمالة خمسة وعشرون. الأول يلقى الخامس ثم السادس. فصل، فان لقي، أيضا الخامس رجع عليه بثمانية عشر، وثلاثة أرباع، لأنه يقول له بقي لي مما أديت بالحمالة خمسة وعشرون، أديتها عنك وعن صاحبك الغائب، اثنا عشر ونصف، اثنا عشر ونصف عن كل واحد منكما، فادفع الي الاثني عشر ونصفا التي أديت عنك في خاصتك ونصف الاثني عشر ونصف، التي أديت عن صاحبك الغائب،

لأنك حميل معي به، فاذا رجع بذلك بقي له مما أدى بالحمالة ستة وربع، يرجع بها على السادس إذا لقيه، فيستوفي بذلك جميع حقه، الذي بقي بالحمالة [2] الثاني، بعد تحمله نصف الالتزام، يلقى الثالث. فصل. فان لقي الثاني الذي رجع عليه الأول بثلاث مائة الثالث الذي رجع عليه الأول بمائة وخمسة وعشرين، رجع عليه بسبعة وثمانين ونصف، لأنه يقول له: أديت للأول ثلاث مائة، منها مائة واحدة على، لا أرجع بها على أحد، والمائتان اديتها اليه بالحمالة خمسون عنك ومائة وخمسون عن أصحابك الثلاثة الغيب، وقد أديت أنت بالحمالة إلى الأول خمسة وسبعين فادفع إلى الخمسين التي أديت عنك ونصف ما بقي من المائة والخمسين، والتي أديت عن أصحابك بالحمالة، بعد طرح الخمسة والسبعين التي أديتها انت بالحمالة من ذلك وذلك سبعة وثلاثون ونصف. فاذا رجع عليه بذلك، بقي له مما أدى بالحمالة مائة وثلاثة عشر ونصف. الثاني يلقي الرابع فصل، ثم ان لقي، أيضا الرابع الذي رجع الأول بالخمسين،

رجع عليه باثنين وستين، ونصف؛ لأنه يقول له: بقي لي، مما أديت بالحمالة، مائة واثنا عشر ونصف، أديتها عنك وعن صاحبيك الغائبين: سبعة وثلاثون ونصف عنك، وخمسة وسبعون عن صاحبيك الغائبين: وقد أديت أنت بالحمالة إلى الأول خمسة وعشرين، فادفع إلى السبعة والثلاثين ونصفا التي أديت عنك، ونصف ما بقي من الخمسة والسبعين التي أديت بالحمالة عن صاحبيك بعد طرح الخمسة والعشرين، التي أديتها أنت إلى الأول بالحمالة، وذلك خمسة وعشرون فجميع ذلك خمسة وستون ونصف، كما قلناه. فاذا رجع عليه بذلك بقي له له مما أدى بالحمالة خمسون. الثاني يلقى الخامس ثم السادس فصل، ثم ان لقي، أيضا الخامس، الذي رجع عليه الأول بثمانية عشر وثلاثة أرباع، رجع عليه بأربعة وثلاثين وثلاثة أثمان، لأنه يقول له: بقي لي مما أديت بالحمالة خمسون، أديت نصفها عنك، ونصفها عن صاحبك الغائب، بالحمالة وقد أديت أنت بالحمالة إلى الأول ستة وربعا، فادفع إلى الخمسة والعشرين، التي أديت عنك ونصف الخمسة والعشرين التي أديت عن صاحبك بعد طرح الستة وربع، التي أديتها أنت بالحمالة إلى الأول من ذلك، وذلك تسعة وثلاثة أثمان، فجميع ذلك أربعة وثلاثون وثلاثة أثمان، كما قلناه فاذا رجع عليك بذلك بقي له مما أدى بالحمالة خمسة عشر وخمسة أثمان، يرجع بها على السادس، الذي رجع عليه الأول بستة وربع، إذا لقيه، فيستوفي بذلك جميع حقوقه، التي أدى بالحمالة عنهم.

الثالث يلقي الرابع. فصل. فان لقي الثالث الذي رجع عليه الأول بمائة وخمسة وعشرين، ورجع عليه الثاني بسبعة وثمانين، ونصف الرابع الذي رجع عليه الأول بخمسين، والثاني وستين ونصف رجع عليه بخمسين لأنه يقول له: تحملت فيما أديت للأول والثاني مائتين، واثنى عشر ونصفا، منها مائة عن نفسي، لا أرجع بها على أحد، والمائة والاثني عشر ونصف أديتها عنك وعن صاحبيك الغائبين، سبعة وثلاثون ونصف عنك وخمسة وسبعون عن صاحبيك، وقد أديت أنت بالحمالة للأول خمسة وعشرين، وللثاني خمسة وعشرين، فادفع إلى السبعة والثلاثين، ونصفا، التي أديت عن صاحبك بالحمالة إذا طرحت منها الخمسين، التي أديتها أنت بالحمالة أيضا، وكذلك اثني عشر ونصف، فيصير ذلك خمسون، على ما قلناه. فاذا رجع عليه بذلك بقي له مما أدى بالحمالة اثنان وستون ونصف. الثالث يلقى الخامس ثم السادس. فصل. فان لقي الخامس، الذي رجع عليه الأول بثمانية عشر وثلاثة أرباع ورجع اليه الثاني بأربعة وثلاثين وثلاثة أثمان، رجع عليه بسبعة وثلاثين ونصف ثمن، لأنه يقول له: بقي لي مما اديت بالحمالة اثنان وستون ونصف أديتها عنك وعن صاحبك الغائب، أحدا وثلاثين وربعا عنك وأحدا وثلاثين وربعا عن صاحبك الغائب بالحمالة وقد أديت

بالحمالة للأول ستا وربعا وللثاني تسعة، وثلاثة أثمان، فادفع الي الأحد والثلاثين وربعا التي أديت عنك في خاصتك ونصف ما بقي من الأحد والثلاثين وربع التي أدين عن صاحبك بالحمالة، إذا طرحت منها الخمسة عشر والخمسة الاثمان التي تحملت فيما اديت بالحمالة للأول والثاني، وذلك تسعة وستة أثمان، ونصف ثمن، فيصير [217 - م] ذلك تسعة وثلاثين ونصف ثمن على ما قلناه. واذا رجع عليه بذلك بقي له مما أدى بالحمالة ثلاثة وعشرون، وثلاثة أثمان ونصف ثمن، يرجع بها، على السادس، الذي رجع عليه الأول بستة وربع والثاني بخمسة عشر وخمسة أثمان إذا لقيه، فيستوفي بذلك جميع حقه، الذي أدى بالحمالة عنهم أجمعين. [4] الرابع يلقى الخامس ثم السادس. فصل. فان لقي الرابع الذي رجع عليه الأول بخمسين ورجع عليه الثاني باثنين وستين ونصف والثالث بخمسين، الخامس الذي رجع عليه الأول بثمانية عشر وثلاثة أرباع والثاني بأربعة وثلاثين وثلاثة أثمان والثالث بتسعة وثلاثين ونصف ثمن رجع عليه بخمسة وثلاثين وثمن وربع ثمن، لأنه يقول له: تحملت فيما أديت للأول والثاني والثالث مائة واثنين وستين ونصفا منها مائة عن نفسي، لا

أرجع بها على أحد، والاثنان والستون ونصف أديتها بالحمالة عنك وعن صاحبك الغائب، أحدا وثلاثين وربعا عنك واحدا وثلاثين وربعا عن صاحبك بالحمالة وقد أديت أنت بها للأول ستة وربعا وللثاني تسعة وثلاثة أثمان وللثالث سبعة وستة اثمان ونصف ثمن تحملت في ذلك ثلاثة وعشرين وثلاثة أثمان ونصف ثمن فادفع الي الإحدى والثلاثين والربع التي أديت عنك في خاصتك، ونصف ما بقي مما أديت بالحمالة إذا طرحت منها الثلاثة والعشرين والثلاثة الاثمان ونصف الثمن التي أديت أنت بها وذلك ثلاثة وسبعة أثمان، وربع ثمن فيصير ذلك خمسة وثلاثين وثمنا وربع ثمن كما قلناه. فاذا رجع عليه بذلك بقي له مما أدى بالحمالة سبعة وعشرون وثمنان وثلاثة أرباع الثمن يرجع بها على السادس، إذا لقيه فيستوفي جميع حقه، الذي أدى بالحمالة عنهم أجمعين. [5] الخامس يلقى السادس. فصل. فان كان لقي الخامس - الذي رجع عليه الأول بثمانية عشر وثلاثة أرباع والثاني بأربعة وثلاثين وثلاثة أثمان والثالث بتسعة وثلاثين ونصف ثمن والرابع بخمسة وثلاثين وثمن وربع ثمن السادس الذي رجع عليه الأول بستة وربع والثاني بخمسة عشر وخمسة اثمان الثالث بثلاثة وعشرين وثلاثة أثمان ونصف الثمن، والرابع بسبعة وعشرين وثمنين وثلاثة أرباع ثمن، لأنه يقول: تحملت فيما

أديت للأول والثاني والثالث والرابع، مائة وسبعة وعشرين، وثمنين، وثلاثة أرباع ثمن، مائة منها واجبة علي، لا أرجع بها على أحد والسبعة والعشرون والثمنان والثلاثة أرباع الثمن أديتها بالحماية عنك فادفعها الي. فاذا رجع عليه بذلك استوفى جميع حقه الذي أدى بالحمالة عنهم أجمعين وكان هذا السادس إذا رجع عليه بهذا العدد قد غرم مائة كاملة، كما وجب عليه من أصل الدين، وكما غرم كل واحد منهم، لأنه غرم للأول ستة وربعا، وللثاني خمسة عشر، وخمسة أثمان، وللثالث ثلاثة وعشرين وثلاثة أثمان ونصف ثمن، وللرابع سبعة وعشرين وثمنين، وثلاثة أرباع الثمن وللخامس سبعة وعشرين وثمنين وثلاثة ارباع الثمن، فصار جميع ذلك مائة، كما قلناه. فقد أتينا على ما شرطنا من شرح المسألة على الوجهين المذكورين فمن فهم ذلك ووقف عليه، على معناه لم يلتبس عليه وجه العمل فيها، على أية رتبة التقوا عليها، وهي كثيرة يبعد احصاؤها؛ ويطول استقصاؤها. وقد كان بعض الشيوخ، رحمه الله عليهم، لا يقرؤونها ويقولون اعتذارا في ترك قراءتها: انها مسألة حساب، فلا معنى للاشتغال بها وليس ذلك كما يقولون، انما انغلاقها من جهة الفقيه، لا من جهة الحساب، فمن فهمها من جهة الفقه، لم يلتبس عليه شيء منه عن طريق الحساب ولا من المسألتين الواقعتين في الباب بعدها وهما إذا اشترط صاحب الدين أن كل اثنين منهم حميلان بجميع المال، أو كل ثلاثة حملاء

99 - حول زكاة الحلي من المدونة.

بجميع المال فلهذا عنيت بشرحها وتفسيرها. [99]- حول زكاة الحلي من المدونة. وقال الفقيه الإمام الحافظ أبو الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد رضي الله عنه: ذكرت، في بعض أيام الاجتماع للمذاكرة عندي في باب زكاة الحلي من كتاب الزكاة من المدونة، مذهب مالك، رحمه الله في زكاة الحلي وما تأول الشيوخ عليه من التأويلات فيما روي عنه في الباب المذكور من الروايات. وما اخترته من ذلك وعولت عليه منه، ولخصت القول في ذلك. فسألني بعض من حضر، ممن لم يلقن جميعه، أن أمليه عليه، فأجبته إلى ذلك رجاء ثواب الله العظيم فيه، وقلت يعد حمد الله تعالى، والصلاة على نبيه: زكاة العين. أجمع أهل العلم، رحمهم الله، على أن العين من الذهب والورق في عينه الزكاة، تبرا كان أو مسكوكا، أو مصوغا صياغة لا يجوز اتخاذها، نوى به مالكه التجارة أو القنية. زكاة العين المتخذ حليا. واختلفوا إذا صيغ صياغة يجوز اتخاذها: فالذي ذهب اليه مالك، رحمه الله، أنه على ما نوى به مالكه في

الاشتراء والفائدة: فان نوى به التجارة زكاة وان نوى به الاقتناء للانتفاع بعينه فيما تنتفع فيه بمثله سقطت عنه الزكاة، وتخصص من أصله بالقياس على العروض المقتناه، التي نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على سقوط الزكاة فيها بقوله صلى الله عليه وسلم: " ليس من المسلم في عبده ولا فرسه صدقة " واعتبر في صحة العلة الجامعة بينهما يقول الله عز وجل {أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين} [سورة الزخرف الآية: 18] وان نوى به الاقتناء عدة للزمان، أو لم تكن له نية في اقتنائه رجع إلى الاصل، ووجبت فيه الزكاة، وان اتخذه للكراء وهو مما يصلح له الانتفاع به في وجه يباح، فعنه في ذلك روايتان احداهما وجوب الزكاة والثانية سقوطها وقد روى عنه استحباب الزكاة وذلك راجع إلى سقوط الواجب. زكاة الحلي من العين المصوغ مع الحجارة. فصل فاذا كان هذا الحلي مربوطا بالحجارة كاللؤلؤ والزبرجد ربط صياغة، فاختلف الروايات عن مالك في ذلك: رواية أشهب عن مالك: فروى عنه أشهب أن حكمه حكم العروض في جميع أحواله، كان الذهب تبعا لما معه من الحجارة أو غير تبع، يقومه التاجر المدير إذا حل حوله ولا يزكيه لتاجر غير المدير حتى يبيعه وان مرت عليه

أحوال. وان أفاده لم تجب عليه فيه زكاة، حتى يبيعه ويحول على الثمن الحول من يوم باعه وقبض ثمنه، ان كان ما تجب فيه الزكاة، أو كان له مال سواه، إذا أضافه اليه وجبت عليه فيه الزكاة. رواية ابن القاسم عن مالك روى ابن القاسم عنه أن ربطه بالحجارة لا تأثير له في حكم الزكاة، إلا في وجه واحد، اختلف فيه قوله: وهو إذا كان الذهب تبعا لما معه من الحجارة، فان ورثه وحال عليه الحول زكي ما فيه من الذهب، والورق، تحريا، ولم تكن عليه زكاة فيما فيه من الحجارة حتى يبيعه، ويحول الحول على ثمنه من يوم قبضه. ووجه العمل في ذلك، إذا باعه جملة: أن بفض الثمن على قيمة ما فيه من الذهب أو الورق مصوغا، وعلى قيمة الحجارة، فيزكي ما ناب الحجارة من ذلك، إذا حل عليه الحول. وان اشتراه للتجارة، وهو مدير، قوم ما فيه من الحجارة وزكي وزم الحجارة ما فيه من الذهب والورق تحريا، ولم يجب عليه الصياغة /. روايات المدونة وتأويلاتها. هذا ظاهر ما فيه المدونة، وذهب أبو اسحق التونسي إلى أنه يجب عليه تقويم الصياغة. ولو اشتراه للتجارة، وهو غير مدير، زكي، إذا حال عليه الحول، وزن ما فيه من الذهب أو الورق تحريا، ولم يجب عليه زكاة ما فيه من

الحجارة، حتى يبيعه فإذا باعه زكى ثمن ذلك زكاة واحدة وان كان بعد أعوام. ووجه العمل في ذلك إذا باع جملة، على ظاهر ما في المدونة: أن يفض الثمن على الذهب او الورق مصوغا وعلى قيمة الحجارة، فيزكي ما ناب الحجارة في ذلك. وعلى ما ذهب اليه أبو اسحق التونسي، لا يحتاج إلى الفض، وإنما يسقط من الثمن عدد ما زكاه تحريا، ويزكى الباقي. والذي ذكرناه هو المعلوم من قول ابن القاسم، وروايته عن مالك. ووقع في المدونة من رواية ابن القاسم وعلي بن زياد وابن نافع وأشهب لفظ فيه اشكال والتباس، واختلاف في الرواية، اختلف الشيوخ في تأويله وتخرجه اختلافا كثيرا. ونص الرواية: وقد روى ابن القاسم وعلي بن زياد وابن نافع أيضا: إذا اشترى الرجل حليا، أو ورثه، فحبسه للبيع كلما احتاج اليه باع، أو للتجارة، وروى أشهب معهم فيمن اشترى حليا للتجارة معهم، وهو مربوط بالحجارة لا يستطيع نزعه فلا زكاة فيه حتى يبيعه وان كان ليس بمربوط فهو بمنزلة العين، يخرج زكاته في كل عام

وزاد في بعض الروايات زكاه بعد قوله كلما احتاج اليه باع أو للتجارة وأسقط معهم. فأما على الرواية بثبوت لفظه زكاه واسقاط معهم فتستقيم المسألة، ويرفع الالتباس، لأن رواية أشهب تكون حينئذ منفردة منقطعة عما قبلها جارية على مذهبه المعلوم، وروايته عن مالك وتكون بمعنى رواية ابن القاسم، وعلي بن زياد، وابن نافع: أنه حلي، ذهب وفضة، ولا حجارة معهما. وأما على الرواية الأخرى، إذا سقطت لفظة زكاه وثبتت لفظة معهم فمن الشيوخ من قال: انها رواية خطأ، لا يستقيم الكلام بها. لأن اللفظ يدل، ان اعتبرته، على خلاف الأصول من وجوب الزكاة في العروض المقتناة ساعة البيع، لقوله، فلا زكاة عليه حتى يبيع وهو قد جمع الشراء والميراث في حلي مربوط بالحجارة، والحجارة عروض، لا اختلاف في أن الزكاة لا تجب فيها إذا كانت موروثة، الا أن بعد أن يحول الحول على ثمنها بعد قبضه. ومنهم من قال: معنى ذلك الحلي المربوط بالحجارة من ميراث، أنه يزكي نوب الذهب، ويستقيل بنوب الحجارة سنة من يوم قبضه، وان كان من شراء، زكي الجميع إذا باع، مديرا كان أو غير مدير. وهذا تأويل ابن لبابة، فيكون، على هذا التأويل في الكتاب، في الحلي المربوط بالحجارة ثلاثة أقوال

ومنهم من قال: إن معنى الرواية، أن المدير يقوم مثل رواية أشهب، فيكون على هذا لمالك في الكتاب قولان. ومنهم من قال معنى ذلك: أن المدير يقوم، وان ما تكلم عليه ابن القاسم قبل، في المدير وغير المدير، معناه في الحلي الذي ليس بمربوط، وأن الذي تدل عليه رواية ابن القاسم عن مالك في المدونة في الحلي المربوط مثل ما ذهب اليه مالك في رواية أشهب عنه، فلم يجعل في الحلي المربوط اختلافا في جميع المربوط اختلافا في جميع التأويلات بعد، وهذا أبعدها. والصحيح في تأويل / الرواية المذكورة إذا سقطت منها لفظة زكاه وثبت فيها معهات أن جواب مالك في رواية ابن القاسم، وعلي بن زياد، وابن نافع عنه في قوله: وان كان ليس بمربوط فهو بمنزلة العين يخرج زكاته في كل عام، وأن جوابه في رواية أشهب عنه في قوله: فلا زكاة عليه فيه، حتى يبيعه فيه، وأنه انفرد دونهم في الرواية عنه في الحلي المربوط وانفردوا دونه بالرواية عنه في الحلي الذي ليس بمربوط. وإنما وقع الاشكال في الرواية إذ جمعهم الراوى في الرواية أولا، ثم فصل ما أنفرد به كل واحد منهم دون صاحبه، وقصر في العبارة بتقديم بعض الكلام على بعض. والصواب في سوق الكلام دون تقصير في العبارة ان شاء الله أن نقول: وقد روى ابن القاسم وعلي بن زياد وابن نافع، وأشهب إذا

اشترى الرجل حليا، أو ورثه فحسبه للبيع كلما احتاج اليه باع، أو لتجارة. قال في رواية أشهب عنه فيما اشتراه للتجارة، وهو مربوط بالحجارة، لا يستطيع نزعه، فلا عليه فيه حتى يبيعه. قال، في رواية ابن القاسم، وعلي بن زياد، وابن نافع وان كان ليس بمربوط فهو بمنزلة العين، يخرج زكاته في كل عام، اشتراه أو ورثه. فعلى هذا التأويل انما تكلم مالك، رحمه الله في رواية ابن القاسم، وعلي بن زياد في الحلي الذي ليس بمربوط. وهي زيادة بيان فيما رواه عنه مفردا، في الحلي المربوط، ولم يجتمع ابن القاسم مع أشهب في الرواية عن مالك في الحلي المربوط في لفظ ولا معنى. وهذا التأويل هو الذي اخترناه، وعولنا عليه لصحته، وجريانه على المعلوم المتقرر من روايتهما جميعا، المتخلفة عن مالك في الحلي المربوط، واليه ذهب سحنون فيما جلبه من الروايتين. والله أعلم. ويحتمل أن يكون تأويل الرواية المذكورة بسقوط زكاه وثبوت معهم أن جواب مالك في رواية أشهب معهم في قوله وان كان ليس بمربوط فهو بمنزلة العين، يخرج زكاته في كل عام وأن جوابه في رواية أشهب دونهم في الشراء خاصة، في قوله فلا زكاة عليه فيه، حتى يبيعه وأنه جاء معهم في الرواية في الحلي الذي ليس بمربوط، وانفرد دونهم في الرواية في الحلي المربوط، / في الشراء خاصة،

100 الشاهد يشهد لنفسه ولغيره بوصية مال

ويكون الصواب في سوق الكلام، على هذا التأويل، دون تقصير في العبارة، أن يقول: وقد روى ابن القاسم، علي بن زياد، وابن نافع، وأشهب معهم، إذا اشترى الرجل حليا، أو ورثه فحبسه للبيع، كلما احتاج اليه باع، أو لتجارة، قال، في رواية أشهب عنه دونهم: إذا اشتراه للتجارة، وهو مربوط بالحجارة، لا يستطيع نزعه، فلا زكاة عليه فيه، حتى يبيعه. قال، في روايتهم كلهم، وأشهب معهم، وان كان ليس بمربوط بالحجارة فهو بمنزلة العين، يخرج زكاته في كل عام، اشتراه أو ورثه، فحبسه للبيع كلما احتاج اليه باع، أو للتجارة. وهذا التأويل، أيضا، جيد مختار، وفيه زيادة بيان على التأويل الذي اخترناه، وهي أن الحلي الذي ليس بمربوط لا اختلاف فيه بين الرواية عن مالك. والله ولى التوفيق برحمته. [100] الشاهد يشهد لنفسه ولغيره بوصية مال قال الفقيه الإمام الحافظ أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد، رضي الله عنه وقع في المدونة وغيرها في شهادة الشاهد يشهد لنفسه، ولغيره بوصية مال، اختلاف كثير، يفتقر تحصيله إلى تفصيل وتحصيل وتقسيم. في المسألة أربع حالات وذلك أنها مسألة تنقسم إلى قسمين، ولا يخلو كل قسم مكنهما من وجهين:

أحد القسمين أن يكون الموصي قد أشهد على وصيته في كتاب والثاني: أن يكون أشهد على وصيته لفظا بغير كاتب. حالتان للقسم الأول فأما القسم الأول، وهو أن يشهد الموصي على وصيته مكتوبة، قد أوصى للشاهد فيها بوصية فلا يخلو من وجهين: أحدهما أن يكون ما سمي للشاهد فيها يسيرا والثاني: أن يكون ما سمي له فيها كثيرا [1]- الوصية مكتوبة وما سمي فيها للشاهد يسير. فأما ان كان ما سمي له فيها يسيرا ففي ذلك أربعة أقوال: أحدهما: أن شهادة الموصى له لا تجوز لنفسه ولا لغيره؛ لأنه يتهم في اليسير كما يتهم في غير الوصية، وهي رواية ابن وهب عن مالك في المدونة. والثاني: أن شهادته تجوز لنفسه ولغيره؛ فان كان وحده حلف الموصي لهم مع شهادته: أن ما شهد به من الوصية حق، فتثبت الوصية بشهادته مع أيمانهم، وأخذ هو ماله فيها، لأنه في خيز التبع لجملة الوصية، وان كان معه غيره ممن أوصى له فيها، أيضا، بيسير، ثبتت الوصية بشهادتهما، وأخذ كل منهما ماله فيها بغير يمين، وان كان الشاهد الذي معه في الوصية ممن لم يوص له فيها بشىء ثبتت الوصية، أيضا، بشهادتهما وأخذ هو ماله فيها بغير يمين وهذا هو قول ابن القاسم في

المدونة، ورواية مطرف عن مالك في الواضحة. والثالث: ان شهادته تجوز لغيره، ولا تجوز لنفسه، فان كان وحده، حلف الموصى لهم مع شهادته، واستحقوا وصاياهم، ولم يكن له هو شىء، وان كان معه غيره، ممن أوصى له فيها، أيضا، بيسير ثبتت الوصية بشهادتهما، لمن سواهما، فأخذوا وصاياهم، بغير يمين، وحلف كل واحد منهما مع شهادة صاحبه، فاستحق وصيته، وان كان معه من لم يوص له فيها بشىء، ثبتت الوصية بشهادتهما لمن سواه، وحلف هو مع شهادة صاحبه، واستحق وصيته، وهو قول ابن الماجشون في الواضحة. والرابع: أن شهادته تجوز له ولغيره، إن كان معه شاهد غيره، ولا تجوز له، وتجوز لغيره، ان لم يكن / معه شاهد غيره. فإن كان معه شاهد غيره ثبتت الوصية بشهادتها وأخذ هو ماله فيها بغير يمين، وان لم يكن معه شاهد غيره، حلف غيره مع شهادته، واستحق وصيته، ولم يكن له هو شىء، وهو قول يحى بن سعيد في المدونة. [2]- الوصية مكتوبة، وما سمي فيها للشاهد كثير. وأما ان كان ما سمي له فيها كثيرا، فلا تجوز شهادته له ولا لغيره، في المشهور من الاقوال، وتجوز شهادته لغيره، ولا تجوز لنفسه، على قياس قول أصبغ في نوازله من كتاب الشهادات في العبدين يشهد ان بعد عتقهما: أن الذي أعتقهما غصبهما من رجل، مع مائة دينار، أن شهادتهما تجوز في المائة ولا تجوز في غصب رقابهما، لأنهما يتهمان أن يريدا إرقاق أنفسهما، ولا يجوز لحر أن يرق نفسه، إذ يقوم من قوله في هذه المسألة: أن الشهادة إذا رد بعضها للتهمة يجوز منها مالا تهمة فيه وهو خلاف المشهور في المذهب.

حالتان للقسم الثاني وأما القسم الثاني، وهو يشهد الموصي على وصيته لفظا بغير كتاب، فيقول: لفلان كذا ولفلان كذا، ولفلان كذا، والشاهد أحدهم، فلا يخلو من وجهين. أحدهما: أن يكون الذي أوصى به لأحد الشهود يسيرا. والثاني: أن يكون الذي أوصى به كثيرا. [3]- الوصية شفوية، وما سمي فيها للشاهد يسير. فأما ان كان الذي أوصي له به يسيرا، فلا تجوز شهادته لنفسه باتفاق، وتجوز لغيره، فان كان وحده، حلف الموصى لهم مع شهادته، واستحقوا وصاياهم وان كان معه غيره ممن غيره ممن شهد لنفسه، أيضا، بيسير، حلف كل واحد منهما مع شهادة صاحبه، واستحق وصيته، وأخذ من سواهما وصضاياهم بشهادتهما دون يمين. وان كان معه غيره ممن لم يشهد لنفسه بشىء حلف هو معه، واستحق وصيته، وأخذ من سواه وصيته، بشهادتهما دون يمين. وقد يقال: انه لا يجوز شهادته لنفسه، ولا لغيره، بتأويل ضعيف.

[4]- الوصية شفوية، وما سمى للشاهد كثير وأما ان كان الذي شهد به لنفسه كثيرا، فلا تجوز شهادته لنفسه باتفاق، وتجوز لغيره، على قول مطرف وابن الماجشون، في الواضحة، ولا تجوز على ما في سماع أشهب من كتاب الشهادات، فان لم يكن معه غيره، على مذهب مطرف وابن الماجشون، حلف الموصى لهم، واستحقوا وصاياهم بايمانهم مع شهادته، وان كان معه غيره، ممن شهد لنفسه بكثير، أيضا، حلف كل واحد منهما مع شهادة صاحبه، فاستحق وصيته، ان لم تكن شهادة كل واحد منهما لصاحبه في مجلس واحد، على مذهبهما في الشهود يشهد بعضهم لبعض: ان شهادتهم لا تجوز ان كانت على رجل واحد، في مجلس واحد، وأخذ من سواهما وصيته، بشهادتهما دون يمين. وبالله التوفيق بعزته. رد الشاهادة للتهمة في بعضها. فصل. فالمشهور في المذهب: أن الشهادة، إذا رد بعضها للتهمة، ردت كلها. وقد قيل: انه يجوز منها ما لا تهمه فيه، على قياس قول أصبغ الذي حكيناه. والمشهور في المذهب، أيضا، أن الشهادة إذا رد بعضها للتهمة جاز منها ما أجازته السنة، وقد قيل: انها ترد كلها، وذلك قائم من المدونة، من قوله، في شهادة النساء للوصي، أن شهادتين لا تجوز، إن كان عتق وأبضاع النساء. وكذلك المشهور، أيضا، في المذهب: أن الشهادة إذا رد بعضها،

101 - أحكام الميراث

لانفراد الشاهد بها، دون غيره، أنها انما تصح فيما تصح فيه شهادة الشاهد الواحد، وتبطل فيما لا تصح الا بشهادة شاهدين، مثل أن يشهد الرجل على وصية رجل، وفيها عتق ووصايا لقوم، فان الموصى لهم بالمال يحلفون مع شهادة الشاهد، وتكون وصاياهم فيما بعد ذلك البرقي عن أشهب، وجميع جلسائه. وأما إذا لم يأت الشاهد بالشهادة على وجهها سقط من حفظه بعضها، فانها تسقط كلها باجماع. والله ولى التوفيق برحمته. [101]- أحكام الميراث. قال الفقيه الإمام الحافظ، أبو الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد، رضي الله عنه: أسباب الارث ثلاثة. فصل. فيما يجب الميراث به. الميراث يكون بأحد ثلاثة أشياء: اما نسب ثابت، واما تكاح منعقد، واما ولاء عتاقة. وقد تجتمع الثلاثة الأشياء فيكون الرجل زوجالمرأة، وملاها، وابن عمها، وقد يجتمع منها شيئان لا أكثر، مثل أن يكون زوجها، ومولاها أو زوجها وابن عمها / فيرث بوجهين،

ويكون له جميع المال، إذا انفرد، نصفه بالزوجية، ونصفه بالنسب أو للولاء، ومثل أن تكون المرأة ابنة الرجل ومولاته، فيكون لها، أيضا جميع المال، إذا انفردت: ونصفه بالولاء وكذلك ما أشبهه. حقوق تخرج من التركة قبل الميراث فصل. ولا ميراث الا بعد أداء الدين والوصية، فاذا مات المتوفي أخرج من تركته الحقوق المعينات، ثم ما يلزم في تكفينه، وتقبيره ثم الديون على مراتبها، ثم يخرج من الثلث الوصايا، وما كان في معناها، على مراتبها أيضا، ويكون الباقي ميراثا بين الورثة. يرث من الرجال خمسة عشر. فصل في تسمية من يرث من الرجال، وهم خمسة عشر الأب، والجد، للأب، وان علا، والابن، وابن الابن، وان سفل، والأخ الشقيق، والأخ للأب، والأخ للأم، وابن الأخ الشقيق، وابن الأخ للأب. والعم الشقيق، والعم للأب، وابن العم الشقيق وابن العم للأب، والزوج، والمولى بولاء العتاقة. يرث من النساء عشر فصل في تسمية من يرث من النساء. وهن عشر.

الأم والجدة للأم، والجدة للأب والبنت وبنت الابن، والأخت الشقيقة، والأخت للأب والأخت للأم. والزوجة والمولاة المعتقة. ذوو الأرحام وعصبة النساء. فصل ولا يرث من ذوى الأرحام سوى من له فرض مسمى بارحامهم شيئاً، وهم الأجداد من قبل الأم، والأعمام للأم وبنوهم وبنو الأخ للأم والأخوال، والخالات وبنوهم، وبنو البنات، وبنو الأخوات. ولا يرث جميع العصبة من النساء بأنسابهن شيئاً، وهن العمات وبنات الاخوة، وبنات الأعمام، فهؤلاء، وأولادهم ومن علا من انسابهم مثل عمة الأب، وخالة الجد لا يرثون، ولا يحجبون وارثا لأن كل من لا يرث بحال، فلا يحجب. الحجب بالحرمان أو بالنقل من فريضة لأخرى. فصل في الحجب. الأب يحجب من فوقه الآباء ومن كان بسببه من الجدات ويحجب الاخوة وبنيهم، والجد يحجب من فوقه من الأجداد، ويحجب الاخوة للأم وبني الاخوة، وما كانوا الأعمام، وبنيهم. والأب يحجب من تحته من بني البنين، ويحجب الاخوة كلهم، ذكورهم وإناثهم ويحجب الأم عن الثلث إلى السدس، والزوجة عن الربع إلى الثمن، والزوج عن النصف إلى الربع.

والأخ الشقيق يحجب الأخ للأب. والأخ للأب يحجب ابن الأخ الشقيق. وابن الأخ الشقيق يحجب ابن الأخ للأب، الأقرب يحجب الأبعد ثم أبدا، فاذا استووا في القعدد فالشقيق احق. وابن الأخ وان سفل يحجب العم الشقيق. والعم الشقيق يحجب العم للأب. والعم للأب يحجب ابن العم الشقيق. وابن العم الشقيق يحجب ابن العم للأب، الأقرب يحجب الأبعد أيضا على ما تقدم في الاخوة. والأم تحجب جميع الجدات التي من قبلها والتي من قبل الأب، وكل واحدة من الجدتين تحجب من فوقها من الجدات. والبنت، وبنت الاب وان سفلت تحجب الاخوة للأم، والأم من الثلث إلى السدس، والزوج من النصف إلى الربع، والزوجة من الربع إلى الثمن. ميراث الأبناء باب ميراث البنين. الابن إذا انفرد، كان له جميع المال، فان كانوا أكثر من واحد كان المال بينهم بالسواء. والبنت الواحدة إذا انفردت لها النصف وللابنتين، فصاعدا الثلثان فان اجتمع البنون والبنات فلا فريضة للبنات كن

واحدة أو أكثر منهم والمال بين جميعهم: للذكر مثل حظ الاثنيين فان كان مع البنين من له فرض مسمى بدئ به وكان ما فضل بينهم للذكر مثل حظ الاثنيين، ان كانوا ذكورا واناثا، أو بينهم بالسواء ان كانوا ذكورا، وان كن اناثا فلهن مع أهل الفرض فرائضهم كاملة الا ان نقصها العول. وبنوا الأبناء كالأبناء في عدم الأبناء، ذكرهم كذكرهم، واناثهم كإناثهم يرثون كما يرثون ويحجبون كما يحجبون. ولا شيء لبني الابن ذكورا كانوا أو اناثا مع الابن الذكر ولهم مع البنت أو البنات ما يفضل عن فرائضهن على السواء ان كانوا ذكورا وللذكر مثل حظ ما للأنثيين ان كلنوا ذكورا واناثا فان كانوا اناثا فلا شيء لهن مع البنيتين فصاعدا، الا أن يكون معهن ابن ابن أبعد منهن أو بازائهن فيرد عليهن، ويكون الفضل بينهن وبينه، للذكر مثل حظ الأنثيين أنثيين. ولهن مع البنت الواحدة السدس تكملة الثلثين، ولا شيء لمن تحتها من بنات الأبناء الا أن يكون معهن ابن ابن بازائهن أو أبعد منهن فيرد عليهن ويكون الفضل بينهن للذكر مثل الأنثيين. ميراث الأب والأم باب ميراث الأبوين.

الأب إذا انفرد، كان له المال كله، وله مع البنتين السدس فريضة وله مع أهل الفرائض ما فضل عن فرائضهم ان فضل السدس أو أكثر فان فضل أقل منه لم ينقص الا ما نقصه العول. وللأم إذا لم يكن ولد، أو اثنان من الاخوة أو الأخوات، فصاعدا كانوا شقائق أو لأب أو لأم، الثلث فريضة، لا تزاد عليه ولا تنقص منه الا أن ينقصها العول. فان كان للمتوفى ولد أو ولدان ذكرا كان أو أنثى أو اثنان من الاخوة أو الأخوات فصاعدا كانوا شقائق أو لأب أو لأم، ورثا أو حجبا فلهما السدس، فريضة لا تزاد عليه ولا تنقص منه الا أن ينقصها العول. فهذا حال الأم، الا في الغراوين، وهما زوجة، وأبوان وزوج وأبوان فلها فيهما ثلث ما بقي بعد فريضة الزوج أو الزوجة. ميراث الجدات. باب ميراث الجدات. وللجدة الواحدة من قبل أب كانت أو من قبل أم السدس إذا انفردت فان اجتمعتا فالسدس بينهما بنصفين. فان كانت التي من قبل الأم أقرب فالسدس لها دون التي للأب وان كانت التي من قبل الأب أقرب فالسدس بينهما بنصفين. ولا يرث من الجدات الا جدتان: أم الأم وأمهاتها، وأم الأب وأمهاتها وأما أم أبي الأب، وأم أبي الأم فانهما لا ترثان.

ميراث الزوجين. باب ميراث الزوجين. للزوج من امرأته النصف، ان لم يكن لها ولد، فان كان لها ولد ذكرا أو أنثى، منه أو من غيره، أو ولد ولد ذكر، فله الربع. وللزوجة من زوجها الربع، ان لم يكن له ولد، فان كان له ولد ذكرا أو أنثى منها أو من غيرها، أو ولد ولد ذكر، فلها منه الثمن. فان كان للرجل زوجتان، فالثمن، أو الربع بينهن بالسواء، لا يزدن على ذلك شيئاً والمدخول بهن أو غير المدخول بهن في الميراث سواء. ميراث الجد. باب ميراث الجد. وميراث الجد للأب، وان علا كميراث الأب، إذا لم يكن دونه ولا ترك المتوفى إخوة شقائق، أو لأب، الا في الغراوين، فان للأم معه ومع الزوجة، أو الزوج الثلث، بخلاف ما لها مع الأب، فيرث الجد المال كله، إذا انفرد، فان كان معه أهل فرائض، فرض له السدس، ولم ينقص منه، الا أن ينقصه العول. ميراث الاخوة الأشقاء والاخوة للأب. باب الاخوة الشقائق وللأب. الأخ الشقيق، إذا انفرد، كان له المال كله؛ فان كانوا أكثر من واحد فالمال بينهم على عددهم، وهو مع أهل الفرائض، عاصب، فيما بقي لهم، فان استكملوا المال، لم يكن له أولهم إن كانوا عددا شيء الا أن يكون في الذين استكملوا المال اخوة لأم، ورثوا الثلث، فيشاركونهم فيه على أنهم اخوة للأم، وتسمى هذه الفريضة المشتركة،

وتعرف بالحمارية ولوفضل للاخوة الشقائق شيء لم يكن لهم الا ما فضل وان كان مما صار للاخوة للأم. وللأخت الواحدة الشقيقة النصف، وللأختين فصاعدا الثلثان، لا ينقصن من ذلك الا أن ينقصهن العول، فان كان معهن أخ، أو أخوة شقائق، فلا ف لهن معه ولا معهم والمال بينهم إذا انفردوا، أو ما فضل عما له فرض مسمى، ان كان معهم من له فرض مسمى، للذكر مثل حظ الأنثيين. والاخوة للأب كالاخوة الشقائق في عدم الشقائق ذكرانهم كذكرانهم، واناثهم كاناثهم الا في المشتركة فانهم لا يشتركون مع الأخوة للأم لخروجهم عن ولادتها فلا شيء للاخوة للأب مع الأخ الشقيق، ولهم مع الأخت الشقيقة، أو مع الاختين، ما فضل من المال على السواء ان كانوا ذكورا، أو للذكر مثل حظ الانثيين ان كانوا ذكورا واناثا، فان كانوا اناثا فلا شيء لهن مع الاختين فصاعدا ولهن مع الواحدة [94] السدس تكملة الثلثين ف والأخوات الشقائق أو اللواتي للأب مع البنات عصبة ولا ف لهن معهن، فان اجتمع الشقائق واللواتي للأب مع الابنة والبنات، فلا شيء للولتي للأب مع الشقائق، وان كانت شقيقة واحدة. ميراث الاخوة للأم. باب ميراث الاخوة للأم.

وأما الاخوة للأم، فان كان واحدا فله السدس، وان كانوا أكثر فهم شركاء في الثلث على السواء ذكورا كانوا أو اناثا وليس في الفرائض موضع يكون فيه الذكر والانثى سواء الا في ميراث الاخوة للأم، ولا يرثون الا في الكلالة وهي ألا يورث المتوفى بابن، وان سفل ولا باب وان علا الجد مع الاخوة الأشقاء أو للأب. باب ميراث الاخوة مع الجد. وينزل الجد مع الاخوة الشقائق، أو الذين للأب منزلة أخ فيقاسمهم المال للذكر مثل حظ الانثيين، الا أن يكون الثلث أفضل لهم فلا ينقص منه شيء. فان كان مع الشقائق إخوة لأب عادوا الجد بهم، فمنعوه كثرة الميراث ورد ما صار لهم في المقاسمة على الاخوة الشقائق، ولم يكن للاخوة للأب معهم شيء الا أن تكون الشقائق واحدة ويفضل من المال بعد ما صار للجد أكثر من النصف، فيكون الفاضل عن الاخت للأخوة للأب للذكر مثل حظ الأنثيين الجد مع الأخوة وأصحاب الفروض. وان كان مع الجد والاخوة من له فرض مسمى، بدىء به، ثم قاسم الاخوة فيما بقي، الا أن يكون ثلث ما بقي، أو السدس من رأس المال، أفضل له من المقاسمة، فيكون له الافضل من الثلاثة الأشياء فما صار للأخوة الشقائق أو الذين لأب، مع الجد وذوى الفرائض كان بينهم،

للذكر مثل حظ الأثنيين، فان اجتمعوا رجع الشقائق على الذين لأب، بما صار لهم في المقاسمة، ولم يكن لاخوة للأب معهم شىء، الا أن يكون الشقائق أختا واحدة، ويفصل من المال بعدما صار للجد، ولأهل الفرائض، أكثر من النصف، فيكون الزائد على النصف للأخوة للأب. الأكدرية. فان استكمل أهل الفرائض المال بسدس الجد، لم يكن للأخوة شىء، ذكورا كانوا أو اناثا، الا في الاكدرية، وهي امرأة توفيت عن زوج، وأم، وجد، وأخت سقيقة، أو لأب؛ فللزوج النصف، وللأم الثلث وللجد السدس، ويربى للاخت بالنصف، ثم يجمع سدس الجد، ونصف الاخت، بما دخل ذلك من العول، فيقسم بينهما، للذكر مثل حظ الاثنيين، فتنقسم من سبعة وعشرين، للزوج تسعة، وللأم ستة، وللجد ثمانية، وللأخت أربعة. المالكية. فصل فاذا لم ينقص الجد مع الاخوة الشقائق أو الذين لأب، من الثلث شىء، إذا لم يكن معهم من له فرض مسمى، أو مما بقي، ان كان معهم من كان له فرض مسمى، لأن الاخوة للأم يفرض لهم مع الاخوة الشقائق، أو الذين للأب، الثلث فريضة، لا ينقصون منه، الا أن ينقصهم العول، فلما كان الجد يحجبهم عن الثلث، وجب ألا ينقص منه شيئاً، اذ لو كان إخوة لأم لكان لهم ذلك الثلث.

وقد روى عن مالك في: زوج، وأم، وجد، وأخوة لأب، واخوة لأم، ان للزوج النصف، وللأم السدس، وللجد الثلث، الذي حجب عنه الاخوة، ولا شىء، لاخوة للأب معه، اذ لو لم يكن الجد، لم يكن لهم مع الاخوة للأم شىء، فكان أحق منهم بجميع الثلث، الذي حجب عنه الاخوة للأم. وهذه الفريضة تنسب إلى مالك، فتسمى المالكية، لقوله بها، وصحة اعتباره فيها. موانع الميراث اختلاف الدين فصل، فلا ميراث بين المسلم والكافر، فميراث الكافر لأهل دينه. الا أن يكون عبدا، فيرثه سيده بالملك الذي له فيه. وميراث المسلم لورثته من المسلمين، الا أن يسلم عبد لكافر فيموت قبل أن يباع عليه فيرثه بالملك الذي له فيه. الرق ولا بين الحر والعبد، أو من فيه بقية رق من مكاتب، أو مدير، أو معتق إلى أجل، أو أم ولد، وميراث هؤلاء لساد تهم، دون قراباتهم، الا أن يعتقوا أو يموت سيد أم الولد. فان موت سيد أم الولد عتق لها، وولد أم الولد من غير سيدها، وولد لبنتها من غير سيدها، أيضا، بمنزلتها؛ يعتقون بموت السيد، فلا ميراث بينهم وبين قرباتهم، الا أن يموت السيد، أو يعجل عتقهم، وولد من فيه بقية رق من أمته بمنزلته. الجنين

ولا يرث المولود حتى يستهل صارخا، ولا يورث. قاتل العمد ولا يرث قاتل العمد من المال، ولا من الدية / شيئاً، ويرث قاتل الخطأ من المال، ولا يرث من الدية، وهما يرثان الولاء جميعا. ولد الزنا ولا يرث ولد الزنا، ولا المنفي بلعان، من أبيه شيئاً، ولا يرثه فان استلحق الملا عن ابنه جلد الحد، ولحق به، ووارثه. وان استلحق الزاني ولده من الزنا لم يلحق به، إذا كان الزنا في الإسلام. من جهل موته ولا يتوارث من جهل موته، مثل أهل البيت يموتون جميعا بغرق أو هدم، أو غير ذلك، ولا يعلم أي واحد مات قبل صاحبه، فيرث كل واحد ورثته من الاحياء، ولا يورث بعضهم من بعض. من ولد في أرض الشرك. ولا يتوارث من ولد في أرض الشرك، مثل المسبيين والمستامنين، الا أن يثبت نسبهم ببينة، أو يكونوا جماعة كثيرة، تحملوا، فشهد بعضهم لبعض. أتوام المسبية، والمستأمنة، والمغتصبة، والملاعنة. ويتوارث أتوام المبيسة، والمستأمنة، بالأب، والأم. ولا يثوارث

أتوام الزانية الا بالأم. واختلف في أتوام المغتصبة والملاعنة، فالمشهور في أتوام الملاعنة أنهما يتوارثان بالأب والأم، والمشهور في أتوام المغتصبة أنهما لا يتوارثان الا بالأم. ميراث الخنثى المشكل. فصل في ميراث الخنثى. والخنثى المشكل يورث نصف ميراث ذكر، ونصف ميراث أنثى: على ما ذهب اليه أهل الفرائض وفي ذلك اختلاف. ولا يكون الخنثى المشكل زوجا ولا زوجة، ولا أبا، ولا أما. وقد قيل: انه قد وجد من ولد له من بطنه ومن ظهره، فان صح ذلك، ورث من ابنه لصلبه ميراث الأب كاملا ومن ابنه لبطنه ميراث الأم كاملا، وهو بعيد. والله أعلم. الفرائض وأصولها. فصل والفرائض التي فرضها اليه تعالى في المواريث ستة: ثلثان ونصف، وثلث، وربع، وسدس، وثمن. فان كان في الفريضة نصف، فأصلها من اثنين، وان كان فيها ثلث، أو ثلثان فأصلها من ثلاثة، وان كان فيها ربع، أو ربع وثلث ما بقي، فأصلها من أربعة، وان كان فيها سدس أو نصف وثلث، أو نصف وثلث ما بقي أو نصف وثلثان فأصلها من ستة، وان كان

فيها ثمن، أو ثمن ونصف، فأصلها من ثمانية، وان كان فيها ربع وثلث، أو سدس وربع، فأصلها من اثنى عشر، وان كان فيها ثمن وسدس، أو ثمن وثلث، فأصلها من أربعة وعشرين، وان كان فيها سدس وثلث ما بقي فأصلها من ثمانية عشر وان كان فيها وان كان فيها سدس وربع، وثلث ما بقى، فأصلها من ستة وثلاثين. الفرائض العائلة وغير العائلة. فأصول الفرائض تسعة، على ما ذكرناه، منها ستة لا تعول، وثلاثة قد تعول: احداها: فريضة ستة، فانها قد تعول، بالسدس، إلى سبعة، وبالثلث، إلى ثمانية، وبالنصف إلى تسعة، وبالثلثين، إلى عشرة وهي أكثر ما تعول به الفرائض. والثانية فريضة اثنى عشر، فانها تعول، بنصف السدس، إلى ثلاثة عشر، وبالربع إلى خمسة عشر، وبالسدس ونصف السدس، إلى سبعة عشر. والثالثة: فريضة أربعة وعشرين، فانها تعول، بالثمن إلى سبعة وعشرين.

أصل الفريضة التي ليس إلا عصبة. وما كان من الفرائض ليس فيه من له فرض مسمى، فأصلها من حيث تنقسم، وذلك ما يجتمع من عدد البنات، وضعف عدد البنين، ان كان الورثة بنين وبنات، وكذلك الإخوة مع الاخوات، أو ما يجمع من عدد العصبة الوارثين، أو الاخوة الذكور، أو البنين. أنواع الورثة من حيث الارث بالتعصيب، أو بالفرض، أو بهما معا. فصل. فالورثة ينقسمون على أربعة أقسام: فمنهم من له فرض مسمى، وليس بعاصب، فلا يزاد على فريضته، ولا ينقص منه، الا أن يدخل الفريضة عول، وهم: الأزواج، والزوجات، والأم، والجدات، والبنت، والاخوة، والاخوات للأم. ومنهم من له فرض مسمى وهو عاصب، يرث المال كله إذا انفرد ولا ينقص من فريضته إذا لم ينفرد، الا أن يدخل الفريضة عول، وهو الأب، والجد للأب، وان علا. ومنهم من هو عاصب في المال، في حال وله فرض مسمى في حال، وهن: الأخوات الشقائق، أو اللواتي لأب، لأنهن عصبة مع البنات. ومنهم من هو عاصب في كل حال؛ فيرث المال كله إذا انفرد، وما فضل عمن له فرض مسمى إن فضل عنه شىء، وهم الأبناء، وبنوهم، والاخوة وبنوهم، والأعمام وبنوهم، والموالى. والمواليات بولاء العتاقة. ميراث الولاء فصل في ميراث الولاء. الولاء كالنسب، يجب الميراث به عند عدم النسب / كما يجب

بالنسب، فللمولى المعتق المال كله له إذا انفرد، وهو مع من له فرض مسمى، عاصب فيما بقي. والمولى ثلاثة: مولى الرجل الذي أعتقه، ومولى أبيه، ومولى أمه، فان كان الرجل حرا معتقا، فولاؤه لمولاه الذي أعتقه، ثم لمن يجب له ذلك بسببه، وهم الأقرب فالاقرب من العصبة الرجال، فأحق الناس بولاء ما أعتق الرجل أو المرأة، من رجل أو امرأة: ابنه ثم ابن ابنه، وان سفل، الأقرب فالأقرب، ثم أبوه، ثم بنو أبيه، وهم اخوة، ثم بنوهم، وان سفلوا الأقرب فالأقرب، فان كانوا في درجة واحدة في القرب، فالمال بينهم بالسواء، الا ان يكون فيهم شقيق، فيكون أحق من الذي لأب، ثم الجد، ثم بنوه، وهم الاعمام، ثم بنوهم، وان سفلوا، الأقرب فالأقرب، أيضا. وان كانوا في درجة واحدة وبعضهم شقيق، فالشيق أحق من الذي لأب، ثم أبو الجد، ثم بنوه، على الترتيب الذي ذكرناه ثم جد الجد ثم بنوه، على الترتيب الذي ذكرناه، ثم أبو جد الجد ثم بنوه هكذا أبدا، إلى ما يمكن أن يمكن أن يعلم ويحصى. وان كان الرجل حرا، لم يعتق، وكان أبوه حرا معتقا، فولاؤه لمولى أبيه، ثم لمن يجب له ذلك بسببه، على الترتيب الذي وصفناه في مولاه. وان كان أبوه أيضا، حرا لم يعتق، فولاؤه لمولى جده، ان كان حرا معتقا، ثم لمن يجب له ذلك بسببه، أيضا، على ما بيناه. فان كان ولد زنا، أو منفيا بلعان، أو كان أبوه عبدا، أو كافرا فولاؤه لمولى أمه ان كانت حرة معتقة، ثم لمن يجب له ذلك بسببه على ما بيناه.

102 - تكميل مسألة المدونة فى الرجوع بالعيب في بيع العبد

وان كانت حرة لم تعتق. فولاؤها لموالي أبيها. وان كانت بنت زنا، أو منفية بلعان، أو أمة، أو كافرة فولاؤها لموالي أمها. ومتى استحلق الملاعن ابنه، أو أسلم الكافر، أو أعتق العبد، حر الولاء عن موالي الأم إلى مواليه، أو موالي أبيه، لأن كل ولد يولد للحر المسلم من الحرة فليس لموالي أمه من ولائه شىء، وولاؤه لمولاه، ان كان حرا معتقا، أو لمولى من كان من آبائه حرا معتقا فان لم يكن فيهم معتق، فميراثه لجماعة المسلمين. فان لم يكن لأحد من الموالي الثلاثة عصبة، أو كان، فانقرضوا، رجع الولاء إلى مولى مولاه، ان كان مولاه حرا معتقا، ثم لمن يجب ذلك له بسببه، على الترتيب الذي وصفناه. ولا يرث النساء من الولاء الا ما أعتقن، أو أعتق من أعتقن، أو ولد من أعتقن من الرجال، ان كان حرا لم يعتق، أو من النساء ان كان منقطع النسب، ومات أبوه عبدا، أو كافرا. وبالله التوفيق لا شريك له. [102]- تكميل مسألة المدونة في الرجوع بالعيب في بيع العبد. قال الفقيه الإمام الحافظ أبو الوليد ابن رشد، رضي الله عنه: أ- البيع الثانى أكثر من ثمن البيع الأول، والعيب قديم: إذا اشترى الرجل عبدا ممن باعه منه بأكثر من الثمن الذي اشتراه

به منه ثم وجد به عيبا، كان عند البائع الأول. فان كان البائع الأول مدلسا بالعيب لزمه العيب، ولم يكن له أن يرده على المشترى الأول، وهو البائع الثاني. وان كان لم يعلم بالعيب، كان له أن يرده على المشترى الأول، وهو البائع الثاني، ثم كان للبائع الثاني، وهو المشترى الأول، أن يرد عبى البائع الأول، وهو المشترى الثاني، فان رده كل واحد منهما على صاحبه، تقاصا بالثمنين، ورجع المشترى الثاني على المشترى الأول بالزيادة. العيب حادث عند المشترى الأول. فان لم يثبت قدم العيب عند البائع الأول، وأمكن أن يكون حدث عند المشترى الأول، وهو البائعالثاني، كان للبائع الأول أن يرده على البائع الثاني، وهو المشترى الاول. فان رده عليه، وأراد هو أن يرده على البائع الأول، لم يكن ذلك له، إذا لم يثبت أن العيب كان به عنده، ولزمه اليمين، أنه ما علم أن العيب كان به، أن كان من العيوب التي تخفى، فان كانت من العيوب الظاهرة، حلف على البتات، على مذهب ابن القاسم. العيب حادث عند المشترى الثاني. وان امكن أن يكون العيب حدث، أيضا عند البائع الأول، بعد أن اشتراه من المشترى، حلف المشترى الأول، وهو البائع الثاني: أنه ما

علم أن العيب حدث عنده، ولزم البائع الأول العبد، ولم يكن له أن يرده عليه. ب- البيع الثاني أقل من ثمن البيع الأول، والعيب قديم. وان كان البائع الأول اشتراه من المشترى الأول باقل من ثمن الذي كان باعه به عنه، مثل أن يكون باعه منه بعشرة، ثم اشتراه منه بثمانية، ثم وجد به عيبا، كان عند البائع الأول، كان للمشترى الأول. وهو البائع الثاني، أن يرجع على البائع الأول، وهو المشترى الثاني. بالدينارين، بقية الثمن الذي كان / اشتراه به منه، ويكون كأنه قد رده عليه. العيب حادث عند المشترى الأول. فان لم يثبت قدم البيع عند البائع الأول وأمكن أن يكون حدث عند المشترى الأول، وهو البائع الثاني، حلف البائع الأول: أنه ما كان به عنده، يوم باعه، ولم يكن للمشترى الأول، وهو البائع الثاني، أن يرجع عليه بالدينارين بقية الثمن وكان له هو أن يرده عليه. العيب حادث عند المشترى الثاني. وان أمكن ، أيضا، أن يكون العيب حدث عند البائع الأول، بعد أن اشتراه من المشترى الأول، حلف البائع الثاني، وهو المشترى الأول: أن العيب لم يحدث عنده في علمه، ان كان خفيا، ولم يكن من البائع الأول، وهو المشترى الثاني، أن يرده عليه، ولزمه البيع فيه بالثمانية، اذ قد برأ من غرم الدينارين بيمينه، أولا: ان العيب لم يحدث عنده.

103 - نقاش حول كيفية تلقي الوحي.

فهذه، الزيادة تكمل مسألة المدونة ان شاء الله تعالى. [103]- نقاش حول كيفية تلقي الوحي. وسئل، أيضا، رضي الله عنه، عن رجلين تكلما في شىء من أمر الوحي، وكيف يتلقاه الملك من الله تعالى: فقال الواحد: ان الملائكة، على منازلهم ومراتبهم التى رتبهم الله تعالى عليها، منهم المسبح، ومنهم الراكع، ومنهم الساجد، ومنهم من شاء الله كيف شاء الله، لا يعلم أحدهم فيه صاحبه، فاذا أراد الله تعالى أمرا، ألقاه في نفس الملك: فنهض، بحول الله، لما أمره الله به، وكذلك تلقي جبريل عليه السلام، القرآن وغيره، مما نزل به على محمد، صلى الله عليه وسلم وليس يسمع من الله تعالى كلاما، ولا لفظا، ولا حرفا. فقال له الآخر: فكيف تصنع وأنت تسمع الله تعالى يقول: {وكلم الله موسى تكليما} {سورة النساء رقم: 164} فسكتا عند ذلك، واقترفا. ورغبتهما اليك: أن تبين لهما في ذلك ما تعتمد عليه، ويرجع بحكم الكتاب والسنة، اليه، واشرح لهما ذلك شرحا بينا، وأوضحه ايضاحا شافيا، وما معنى قول الله عز وجل: {وكلم موسى تكليما}؟ مانآ بذلك، ومنعهما، مأجورا، متطولا، مشكورا، يعظم الله أجرك.

104 - ما فائدة الدعاء، وقد سبق القدر؟

فأجاب أيده الله، بهذا الجواب البليغ، المختصر، المقنع: لله كلام يسمع كلام الله تعالى، وان كان ليس من جنس كلام المخلوقين، فانه يسمعه منه عز وجل من أكرمه الله من ملائكته ورسله، بأن كلمه دون واسطة، قال الله عز وجل: {وما كان لبشر أن يكلمه الله الا وحيا أو من وراء حجاب} {سورة الشورى - رقم: 51} وقال الله عز وجل {وكلم الله موسى تكليما}. فمن أنكر هذا وجب أن يستتاب، فان تاب والا قتل. وان كانت هذه المسألة تحمل التطويل، ويتسع فيها القول، ففي هذه الجملة الكفاية، ان شاء الله تعالى. وبالله التوفيق. [104]- ما فائدة الدعاء، وقد سبق القدر؟ وسئل، رضي الله عنه، في رجل قال في دعائه: اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي، فسمعه رجل أخر، فقال له: أي معنى لهذا الدعاء؟ هذا دعاء لا منفعة منه، لأنه أمر قد فرغ منه. فقال له الداعي: أتق الله، ولا تقل هذا. فقال: له نعم، أقول هذا، وأعلن به أليس هذا في الحديث المأثور: أن الله تعالى إذا خلق الجنين في بطن أمه، فرغ من رزقه، وأجله،

وعمله، ذكر أم أنثى، شقي أو سعيد، حسن أم قبيح. الحديث، فقال له الداعي: نعم كذلك هو. فقال له ذلك الرجل: فأى معنى لدعائك. أن تقول؛ فحسن خلقي وهو شىء لا يكون أبدا؟ لأنه ان كان تعالى خلقه حسن الخلق، فلا يسوء خلقه أبدا، وان كان خلقه سيىء الخلق، فلا يحسن خلقه أبدا اذ هو أمر مفروغ منه، وهذا من الدعاء الذي لا معنى لقطع القلب فيه فسكت الداعي، ولم يكن عنده من الحجة ما يجاوبه بها. فلك الفضل في بيان ما يرجع إليه في هذه المسألة، وما يعتقد منه، وما ظهر اليك من الأدلة، في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن تسطره في جوابك، وما يردع به هذا المشعوذ وغيره، حتى لا يجتزىء على مثل هذا القول، وهل يحسب عليه في قوله هذا، أدب، أو غير ذلك؟ مانا بذلك، منعهما متطولا، مأجورا، مشكورا ان شاء الله. الدعاء عبادة منكرها كافر. فأجاب، أيده الله، بهذا الجواب ونصه:

105 - هل يسمح للمضطر أن يبيت فى المسجد الجامع بظرف للبول؟

لا ينكر الدعاء إلى الله، عز وجل، الا كافر بالله، مكذب بكتاب الله؛ لأن الله تعالى تعبد عباده في / غير ما آية من كتابه ووعدهم بالاستجابة، واجابته اياهم بما سبق في عمله من أحد ثلاثة أشياء، على ما ثبت من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما من داع يدعو إلا كان بين احدى ثلاثة: اما أن يستجاب له، واما أن يدخر له، واما أن يكفر عنه}. وبالله التوفيق [105]- هل يسمح للمضطر أن يبيت في المسجد الجامع بظرف للبول؟ وسئل، رضي الله عنه، عن سدنة المساجد الجامعة، التي لا تستغنى عمن يبيت فيها، لحراستها، وفي غير السدنة، ممن اضطر إلى المبيت فيها، ومنهم الشيخ والضعيف والزمن، ومن يشكو المرض، هل يجوز لهم أن يبيتوا مع أنفسهم ظروفا يبولون فيها بالليل، فاذا كان عند ىالصباح خرجوا بها، وأراقوها وغسلوها، وردوها في

106 - بماذا تؤدى الديون عند استبدال العملة؟

توابيهم إلى الليل، فمن خرج من دولته أخرج آنيته، ودخل غيره بآنيته، فلا تزال هذه المساجد المذكورة يمسك فيها، أبدا، ظروف البول، نزه الله سمعك ورفع قدرك، وقد يطول المطر والريح، والظلمة فلا يستطيع الرجل البائت الخروج في الليل، لما يحتاج اليه من هذا الأمر. فان لم يجز لهم ذلك، بوجه من الوجوه، ولا فيه رخصة يقوم، بها العذر عند الله عز وجل، وهم يسمعون الله تعالى يقول في كتابه {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه} {سورة النور رقم: 36} فهل عليهم نصف الواجب ألا يربطوا أنفسهم إلى الاستئجار على هذا المبيت ولا يدخلوا فيه أم لا؟ بين لنا ذلك مأجورا مشكورا موفقا، ان شاء الله تعالى. فأجاب، أيده الله بهذا الجواب: الأمر في هذا واسع أن شاء الله، لا حرج فيه على من فعله للضرورة التي ذكرت. وبالله التوفيق. [106]- بماذا تؤدى الديون عند استبدال العملة؟ وسئل، رضي الله عنه، عن الدراهم والدنانير، إذا قطعت السكة فيها، وأبدلت بسكة غيرها، ما الواجب في الديون والمعاملات المتقدمة، وأشباه ذلك؟

فقال رضي الله عنه: يجب الاداء بنفس العملة التي سبق أن تم بها التعامل. المنصوص لأصحابنا ولغيرهم من أهل العلم، رحمهم الله، أنه لا يجب عليه الا ما وقعت به المعاملة. الرد على من يقول: يجب الاداء بالعملة الجديدة. فقال له السائل: فان الفقهاء يقول: انه لا يجب عليه الا السكة المتأخرة، لأن السلطان قد قطع تلك السكة وأبطلها، فصارت كل شىء. فقال: وفقه الله: لا يلتفت إلى هذا القول، فليس بقول لأحد من أهل العلم، وهذا نفض لأحكام الإسلام، ومخالفة لكتاب الله تعالى، وسنة النبى عليه السلام، في النهي عن أكل المال بالباطل. ويلزم هذا القائل أن يقول ان بيع عرض بعرض لا يجوز ولمتبايعيه أن يتفاسخا العقد فيه بعد ثبوته، وأن يقول: ان من كان عليه فلوس فقطعها السلطان العقد، وأجرى الذهب والفضة فقط أن عليه احد النوعين وتبطل عليه الفلوس، وأن يقول: ان السلطان إذا أبطل المكاييل بأصغر أو أكبر، والموازين بأنقص أو أوفى، وقد وقعت المعاملة بينهما بالمكيال الأول، أو بالميزان الأول: أنه ليس للمبتاع الا بالكيل الاخر، وان كان أصغر، وأن على البائع الدفع بالثاني، أيضا، وان كان أكبر وهذا مما لا خفاء ببطلانه. وبالله التوفيق

107 - زق خمر وزق خل، اختلط ما فيهما بعد الانفتاق

[107]- زق خمر وزق خل، اختلط ما فيهما بعد الانفتاق. وسئل، رضي الله عنه، عن مسلم كان له زق خل، ولنصراني زق خمر، انفتق الزقان جميعا، وسال ما فيهما إلى مطمئن من الارض، واختلطا، وقد استحالا خلا، أو استحالا خمرا، فقال وفقه الله: الاستحالة إلى خل. إذا استحال جميع ذلك خلا، ملأ المسلم زقه، وأخذه وانتفع به، لأنه تخلل بطبعه، من غير صنعة لأحد في ذلك، فأشبه الخمر إذا تحلل من غير تخليل أحد له. الاستحالة إلى خمر وان استحال خمرا، ملأ النصراني زقه، فذهب به، ويهراق جميع الباقي على المسلم. ولا يصح أن يقال: يعطى جميع الخمر للنصرانى، ويضمن النصرانى للمسلم مثل خله، من وجهين: أحدهما: أن ذلك بيع للخمر، ولا يحل ذلك للمسلمين. والثاني: أن النصراني لم يقع منه قط تعد، فلم يلزمه شىء؟ أرأيت لو أن النصراني إذا طولب بضمان خل المسلم، قال: اني أترك له هذا الخمر كله: نصيبي ونصيبه أكان يلزمه شىء؟ فاذا بطل الضمان هنا،

108 - ضمان ما يهترق من المائعات عند الكيل

بطل هنالك. والله المستعان [108]- ضمان ما يهترق من المائعات عند الكيل. وسئل، أدام الله توفيقه، عن اختلاف بعض الناس في المكيال، إذا امتلأ ممن ضمانه، من البائع أو من المشترى؟ أرأيت إذا صب جميع ما في المكيال في القمع، فسقط القمع واهترق / ما فيه، وقد جرى بعض ماكان فيه في آنية المشترى، أو لم يجر منه شىء أصلا، هل يدخل في ذلك القولان؟. الضمان على البائع. فقال، أدام الله توفيقه: ما لم يصر في اناء المشترى فان ضمانه باق، على القول بأنه لابد من حق التوفية، سواء اهترق من المكيال عه أو من القمع. فقال السائل: أليس القمع من منافع المشترى، والبائع قد تفضل ببذله له، والمشترى لو ساق اناء واسعا، لم يحتج البائع إلى صبه في قمع؟ فقال هو، أيده الله: وإن كان فإن البائع، إذا الزم نفسه صب ذلك في القمع لزمه كل ما حدث بعده. هل يستطيع البائع رفض البيع لمن ليست لهم أوان واسعة؟ فقال له السائل: فما تقول، لو أن البائع قال إذا جاءه المبتاع

109 - حكم من أنكر ضرورة اللغة العربية للاسلام.

بالاناء، الذي لا يتأتي أن يصب فيه الا بقمع لا ألتزم ذلك، ولا أكيل لك شيئاً، حتى تأتيني باناء لا أحتاج فيه إلى قمع؟ فقال هو، أيده الله: ذلك له، والقول فيه قوله والله أعلم. وقال غيره، في المسألة بعينها، وفيما قاله الفقيه أبو الوليد رضي الله عنه: هذا كله صحيح، الا قوله: ان له أن يأبى من الصب في اناء لا بد فيه من القمع، فلا أقول به، ولا أراه، وأرى ذلك يلزمه، إذا كان من عادة الناس وعرفهم، كما يلزمه احضار كيل يكيل به اذ كان من عادة الناس وعرفهم لأن الذى يشترى الزيت، أو غيره مما يكال، فقد ترتب للمبتاع في ذمة البائع ذلك الكيل، على الوجه الذى يبيع الناس عليه، فقال السائل: فحاججت الغير في ذلك، فثبت عليه، وأبى الرجوع عنه، والقول الأول أحب إلى، لأن الكيل انما لزمه احضاره، لأن الكيل على البائع، لقول الله تعالى: «أوف لنا الكيل» وأما القمع فانما هو تفضل به البائع، فلا يلزمه ذلك الا أن يلزمه نفسه. وبالله التوفيق. [109]- حكم من أنكر ضرورة اللغة العربية للاسلام. وسئل رضي الله عنه، عمن قال: لا يحتاج إلى لسان العرب، هل يلزمه شىء أم لا؟.

110 - شرح نص من تلقين القاضى عبد الوهاب، حول

فقال، وفقه الله: هذا جاهل جدا، فلينصرف عن ذلك، وليتب منه، فانه لا يصح شىء من أمور الديانة والاسلام الا بلسان العرب، يقول الله تعالى: «بلسان عربى مبين» فقال له السائل: ان قائل هذا القول ليس بجاهل، ولكن ممن يقرأ الحديث، والمسائل. فقال، أيده الله: وان كان فان هذا منه جهل عظيم، فقال له، تب منه، وأقلع عنه، ولا يلزمه شىء، الا أن يرى أن ذلك منه لخبث منه في دينه، أو نحو ذلك، فيؤدبه الإمام على قوله ذلك، بحسب ما يرى، فقد قال قولا عظيما. والله المتوفق للصواب. [110]- شرح نص من تلقين القاضى عبد الوهاب، حول تتميم عتق العبد. وقال الفقيه الإمام، الحافظ، أبو الوليد محمد بن رشد رضي الله عنه: سألنى سائل أن أوضح له معنى قول القاضى أبى محمد عبد الوهاب بن نصر البغدادى المالكى، رضي الله عنه، في «التلقين» له:

«ولا يجوز تبعيض العتق ابتداء، ومن بعض العتق باختياره له، أو بسببه، لزمه تكليمه، كان باقى العبد له، أو لغيره؛ بشرطين أحدهما وجود ثمنه، والآخر بقاء ملكه، وقيل في هذا: يلزم في ثلثه. وسواء كان أحد الثلاثة مسلما، أو ذميا». معنى قوله: لا يخوز تبعيض العتق. فقلت: أما قوله، في أول كلامه: «ولا يجوز تبعيض العتق ابتداء» فانه كلام ليس على حقيقة ظاهرة، لأن تبعيض العتق هو: أن يعتق الرجل بعض عبده، أو شقصا له في عبد، ومن فعل ذلك لزمه العتق، ومضى عليه، بلا خلاف، ولزمه فيه حكم آخر، وهو التتميم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم انما قال: «من أعتق شركا له في عبد، قوم عليه قيمة العدل». الحديث. ولم يقل: من أعتق شركا له في عبد له لم يجز، ولو قال ذلك، لوجب أن يرد عتق من أعتق بعض عبده، أو شقصا له في عبده. فلا يصح أن يطلق في العتق: انه غير جائز، الا فيما يجب رده، كمعتق عبد غيره. فمراده رضي الله عنه، بقوله: «يجوز تبعيض العتق ابتداء»

أي لا يجوز اقرار العتق مبعضا، الا أن يمنع من تتميمه مانع»، وهذا مفهوم لا اشكال فيه، وإنما ذكرنا وجه مراده ليبين أنه ليس على حقيقة مقتضى كلامه، وان فيه تجاوزا، وللمخاطب أن يتجاوز في اللفظ، إذا امن من اشكال المعنى. معنى اختيار العتق، أو سبب العتق. قال ابو الوليد، رضي الله عنه: وأما قوله، «ومن بعض العتق باختياره له / أو بسببه لزمه تكميله، كان باقى العبد له أو [100] لغيره»: فاختياره للعتق هو أن يعتقه باختياره من غير أن يجب عليه عتقه، بنذر أو حكم. وعتقه بسببه هو أن يجب عليه عتقه بأمر كان سببه منه من نذر، مثل أن يقول لله على أن أعتق نصف عبدى، أو حظى من هذا العبد، ان شفانى الله من مرضى وما أشبه ذلك، أو حنت مثل كذا وكذا، فيفعله، أو بحكم، مثل يشترى بعض من يعتق عليه. وانما قال: باختياره له، أو بسببه. ولم يقل: باختياره له أو بغير اختيار، تحرزا من الميراث، اذ يعتق على من ورث شقصا في عبد، ممن اختياره، تحرزا من الميراث، اذ يعتق على من ورث شقصا في عبد، ممن يعتق عليه ما ورث، ولا يقوم عليه باقية، لم يكن له في عتقه

سبب من أجل أن الميراث جره اليه، بخلاف الذى يتريه هو باختياره. ورأيت في بعض النسخ: «ومن بعض العتق باختياره، أو لسببه» باللام، وهو لاظهر، ومعناه: ومن بعض العتق باختياره للعتق، او باختياره لسبب العتق، فيكون على هذا، اختياره للعتق، أن يعتقه ابتداء. أو لنذر، واختياره لسبب العتق، هو أن يفعل ما يوجب عتقه عليه، من التمثيل به، او شراء من يعتق عليه، أو قبوله ممن وهبه له، أو أوصى له به، وما أشبه ذلك. معنى الشرطين: وجود الثمن، وبقاء الملك. قال أبو الوليد، رضي الله عنه: وأما قوله: إن التكملة تجب عليه في الوجهين، بشرطين: أحدهما وجود ثمنه، والآخر بقاء ملكه «فليس مراده أن الشرطين جميعا في كل واحد من الوجهين، وان كان ذلك ظاهر قوله، وانما أراد: بشرط وجود الثمن في الذى أعتق شقصا له من عبد باختياره له أو بسببه، اذ لا يحتاج إلى ثمن فيمن أعتق بعض عبده، لأن باقية له، فهو يعتق عليه من غير أداء ثمن. وأراد ببقاء ملكه في الذى أعتق بعض عبده باختياره له، أيضا، أو بسببه اذ لا يتصور بقاء الملك فيمن أعتق شقصا له في عبد بينه وبين شريكه، اذ لم يبق له بعد فيه ملك يصح أن يشترط بقاؤه.

وأراد ببقاء ملكه: استدامة حياته، لأنه إذا مات، انتقل ملك ما بقى منه إلى ورثته، ولم يجب عتقه، وهنا قال: «وقد قيل، في هذا: يلزم في ثلثه» أي يعتق الباقى منه في الثلث، ان حمله الثلث، وان لم يحمله، عتق منه ما حمله الثلث، وكان الباقى رقيقا للورثة. وهذا قول لا اعرفه نصا في المذهب، وهو يقوم منه بالمعنى. وقد قيل: انه يعتق عليه بعد الموت باقية، من رأس ماله، حكى هذا ابن حبيب في الواضحة عن مالك وأصحابه، ولم يحك عنه فيه اختلافا، وظاهر ما في المدونة يخالفه، وعليه عول القاضى، رحمه الله، فيما شرط في ايجاب تكميله من بقاء ملكه، اذ هو الصحيح في القياس والنظر، لا ما حكاه ابن حبيب عن مالك وأصحابه، اذ ليس للميت بعد موته من ماله الا ثلثه، فاعتاقه عليه بعد موته من راس المال، ظلم للورثة، وانما يصح أن يعتق بعد موته، على مذهب من يرى أن جميعه حر بنفس عتق بعضه بالسراية. وقد قال بعض من لم يبن له وجه قوله: «وقيل في هذا يلزم في ثلثه» هو خطأ، واظنه: «ومثل هذا يلزم في ثلاثة، أي: في العبد يكون بين ثلاثة أشراك». وهذا فاسد؛ اذ لا يتصور الحكم الذى ذكره الا في الذى يعتق بعض عبده. صورة تتميم العتق. قال أبو الوليد، رضي الله عنه: وأما قوله: وسواء كان أحد الثلاثة مسلما أو ذميا»، فيريد بالثلاثة: العبد، والسيدين الشريكين فيه، فأراد: أن الحكم العبدين الشريكين يعتق أحدهما حظه منه، سواء

كان أحد الثلاثة مسلما، والأثنان ذميين، أو أحد الثلاثة ذميا، والاثنان مسلمين. واحد ذمى والاثنان مسلمان. فأما إذا كان أحد الثلاثة ذميا، والاثنان مسلمين، فلا اختلاف في وجوب التقويم، كان الذمى هو الشريك الذى أعتق، أو الشريك الذى لم يعتق، أو العبد. واحد مسلم والآخران ذميان. وأما إذا كان أحد الثلاثة مسلما، والاثنان ذميين، ففى ذلك تفصيل: أما إذا كان الشريكان هما الذميين. والعبد مسلما فلا اختلاف في وجوب التقويم على من أعتق حظه منها؛ لأنه إذا كان العبد المسلم يقوم على المسلم، إذا أعتق حظه منه، فأحرى أن يقوم على النصرانى إذا أعتق حظه منه. وكذلك إذا كان الذميان هما العبد والسيد الذى لم يعتق، لأنه حكم بين مسلم ونصرانى. واما إذا كان الذميان هما العبد والسيد الذى اعتق حظه فمذهب ابن القاسم، وروايته عن مالك في المدونة: أنه لا يقوم على المعتق. وقال أشهب، ابن نافع: يقوم عيه، لأن الحكم انما هو [101] بين / السيدين، وأحدهما مسلم. وهذا القول تقلد القاضى، رحمه الله، لا قول مالك، ولذلك قال، «وسواء كان أحد الثلاثة مسلما، او ذميا».

111 - نص ثان للقاضى عبد الوهاب حول ازالة النجاسة.

وبالله تعالى التوفيق. [111]- نص ثان للقاضى عبد الوهاب حول ازالة النجاسة. وسئل الفقيه الإمام، الحافظ، أبو الوليد ابن رشد، أدام الله توفيقه، عن قول القاضى أبى محمد عبد الوهاب، رحمه الله، ايضا، في «التقلين: «وأما ازالة النجاسة فاختلف هل هى من شروط الصحة، أوليس من شرطها؟ فاذا قيل: انه ليس من شرطها، فلا نقول: انه ليس بفرض، ولكنه ليس كل الفروض من شرط الصحة، فذا قيل: انه من شرط الصحة، فذلك مع الذكر والقدرة». ازالة النجاسة لا تكون فرضا، إذا لم تكن شرط صحة. فقال وصل الله توفيقه وتأييده: أما قوله: «فاذا قيل: انه ليس من شرطها فلا نقول: انه ليس بفرض، ليس كل الفروض من شرط الصحة». فانه كلام فيه نظر، لأنه جعل ازالة النجاسة من فروض الصلاة، مع أن ذلك ليس من شرط صحتها. وقد اختلف فيمن صلى بنجاسة، عامدا. هل يأثم، او لا يأثم، فعلى القول بأنه لا يأثم، ليست الازالة بفرض، على حال، وعلى القول بأنه باثم لا يصح اطلاق القول بأن ذلك من فرائضها. وان قيل: أنه فرض فيها، فمعناه: انه يأثم بتركه عامدا، اذ لا يعد من فرائض الصلاة الا ما

تبطل بتركه مع القدرة عليه. ألا ترى أن الخشوع في الصلاة واجب فيها، فريضة، وليس ذلك بمعدود في فرائضها، من أجل أنها لا تبطل صلاة من لم يخشع في صلاته، أو في شىء منها. وكذلك ترك الصلاة في المكان المغصوب فريضة، ولا يعد ذلك من فرائض الصلاة وما أشبه ذلك كثير. حول الذكر والقدرة في ازالة النجاسة قال أبو الوليد رضي الله عنه: وأما قوله: واذا قيل: انه من شرط الصحة، فذلك مع الذكر والقدرة، فليس بصحيح، لأن ابن وهب يرى ذلك شرطا في صحتها، على كل حال، فيوجب الاعادة على من صلى بثوب نجس، أو موضع نجس، أبدا وان كان ناسيا، أو مضطرا إلى ذلك، وكلامه يقتضي أنه لا خلاف في ذلك. أصل الاختلاف. والاصل في هذا الاختلاف اختلافهم في الطهارة من النجاسة في الصلاة هل هي فرض أو سنة: فمن رآها فرضا، أوجب الاعادة على من صلى بنجاسة أبدا على أي حال كان وهو مذهب ابن وهب فعلى قوله، تأتي ازالة النجاسة مشترطة في صحة الصلاة اشتراطا مطلقا. ومن رآها سنة من السنن، التي الأخذ بها فضيلة، وتركها إلى غيره، خطيئة لم يوجب الاعادة على من صلى بنجاسة على أي حال كان من

سهو أو عمد، الا في الوقت استحسانا مراعاة للخلاف فعلى هذا القول تأتي ازالة النجاسة في الصلاة غير واجبة ولا مشترطة في صحة الصلاة أصلا. الاعادة بين أشهب وابن القاسم. واختلف الذين ذهبوا إلى أنها من السنن التي الأخذ بها فضيلة، وتركها خطيئة. فمنهم من لم ير الاعادة، أيضا، على من صلى بنجاسة على أي حال كان من سهو أو عمد، الا في الوقت استحسانا مراعاة للخلاف، وهو قول أشهب في رواية البرقي عنه، وظاهر ما في المدونة في مسألة المحاجم. ومنهم من أوجب الاعادة، أبدا، على من صلى بنجاسة عامدا من غير ضرورة، من ناحية التهاون بالصلاة، يترك سنة من سننها عامدا، وهو المشهور من قول ابن القاسم وروايته عن مالك. وهذان القولان المبنيان على أن الطهارة، من النجاسة للصلاة، من سننها التي الأخذ بها فضيلة، وتركها خطيئة، تقلد القاضي، رحمه الله ونفى ما سواهما فقال على قياس القول الأول منها: ان ازالة النجاسة من فرائض الصلاة، وغير مشترطة في صحتها على حال، وقال على قياس القول الثاني منهما: ان ذلك مشترط في صحتها، مع الذكر

والقدرة، وقد مضى الكلام على ذلك من قوله. أقسام فرائض الصلاة باعتبار الصحة، والذكر والقدرة. قال أبو الوليد رضي الله عنه: ففرائض الصلاة، على ما قاله، تنقسم على أربعة أقسام: أحدهما: فرض مطلق، غير مشترط في صحة الصلاة، يأثم المصلي يتركه عامدا، ولا تبطل بذلك صلاته، كالخشوع فيها والاعتدال في الرفع من الركوع، والسجود وترك الصلاة في الدار المغصوبة، والصلاة [102] بالثوب / النجس، على أحد القولين في التلقين. والثاني فرض مطلق، مشترط في صحة الصلاة، كالنية، والطهارة، من الحدث، وكالطهارة من النجاسة، على قول ابن وهب. والثالث: فرض مشترط في صحة الصلاة، مع القدرة كالتوجه إلى القبلة، والركوع، والسجود، وما أشبه ذلك، وكستر العورة، على مذهب من يرى ذلك من فرائض الصلاة. والرابع فرض مشترط في صحة الصلاة مع الذكر والقدرة، كترك الكلام في الصلاة والصلاة بالنجاسة، على المشهور من مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك وهو القول الثاني في التلقين. وقد قيل في ترك الكلام في الصلاة: انها سنة وانما يعيد من تكلم فيها عمدا، غير مضطر إلى الكلام، في غير اصلاح الصلاة، من ناحية التهاون بصلاته بترك سنة من سننها عامدا،

فالاختلاف في ترك الكلام في الصلاة: هل هو فرض أو سنة، انما يعود إلى الاختلاف في عبارة وانما اختلفوا في الكلام فيها لضرورة اصلاحها. وبالله التوفيق. نص ثالث للقاضي عبد الوهاب: حول فرائض الصلاة، وسننها، وفضائلها. قال أبو الوليد، رضي الله عنه وقوله في أول الباب: ان الصلاة مشتملة على فروض وسنن وفضائل والفروض ضربان، منفصلة ومتصلة إلى آخر قوله فيه، أيضا نظر، لأن الشيء لا يشتمل على ما هو منفصل عنه وانما يشتمل على ما هو داخل فيه وغير منفصل عنه. وتحقيق القول في هذا: ان الصلاة تشتمل على أفعال وأقوال، منها فروض، ومنها سنن ومنها فضائل. فرائض الصلاة. فالفرائض منها ثمانية على مذهب مالك، هي أركانها التي لا تجزى الصلاة دون شيء منها، مع القدرة عليها، وهي تكبيرة الاحرام، وقراءة أم القرآن للامام والفذ، قيل في كل ركعة، وقيل في جملة الصلاة والقيام، والمتعين منه في كل ركعة على الإمام والفذ قدر ما يقرأ فيه أم القرآن، وعلى المأموم قدر ما يوقع فيه تكبيرة الاحرام، والركوع واختلف في الرفع منه، والسجود، والرفع منه والجلوس

الآخر والسلام. سنن الصلاة. والسنن منها ثمانية؛ يجب سجود السهو للسهو عنها، واعادة الصلاة على اختلاف، لتركها عمدا، وهي السورة التي تقرأ مع أم القرآن والجهر في موضوع الجهر، والاسرار في موضع الاسرار، والتكبير سوى تكبيرة الاحرام، والتحميد، والتشهد الأول، والجلوس له، والتشهد الآخر. فضائل الصلاة. وما سوى ذلك مما تشتمل عليه الصلاة من الافعال والأقوال، فضيلة، لا يجب السجود لنسيان شيء منها، ولا اعادة الصلاة لترك شيء منها عمدا، وان سمي شيء منها سنة، فلتأكيد فضيلتها على سواها، لا الحكم يجب على تاركها. شروط وجوب الصلاة. فصل، ولوجوب الصلوات الخمس، المشتملة على ما ذكرناه من الفرائض، والسنن، والفضائل خمس شرائط، لا تجب الا بها، وهي: البلوغ، والعقل، وارتفاع دم الحيض والنفاس، ودخول الوقت، والاسلام، على القول بأن الكفار غير مخاطبين بالشرائع.

شروط اجزاء الصلاة. ولجوازها ست شرائط، متفق على أنه لا تجزئ إلا بها وهي: النية، والطهارة من الحدث، ومعرفة، والتوجه الي القبلة، وترتيب أفعال الصلاة، وترك الكلام. فأما النية فهي فرض، على الاطلاق، إذ فرض لا يتصور ممن وجبت عليه عدم القدرة عليها، وكذلك ترتيب الأفعال للصلاة، وكذلك، أيضا معرفة الوقت، ولذلك تفسير. وأما الطهارة من الحدث فقيل: انها فرض على الاطلاق، وقيل، انها فرض مع القدرة، وقيل: انها شرط في الوجوب. فعلى القول بأنها فرض على الاطلاق، لا تجب على من عدم الماء والصعيد، والصلاة، حتى يجد أحدهما. وعلى القول بانها فرض مع القدرة، إذا لم يقدر على الوضوء، ولا التيمم، صلى بغير طهارة. وعلى القول بأنه شرط في الوجوب، إذا لم يقدر على الماء، ولا على الصعيد حتى خرج الوقت، سقطت عنه الصلاة. وأما التوجه إلى القبلة فانه فرض مع القدرة، اذ تجوز الصلاة إلى غير القبلة، في حال المسايفة. وأما ترك الكلام فانه فرض مع الذكر والقدرة، الا في اصلاح الصلاة على اختلاف / في ذلك. [103] واختلف في ستر العورة، والطهارة في النجاسة، فقيل انهما من الفرائض المشترطة في صحة الصلاة على الاطلاق، وقيل انهما ليستا من

112 - نص رابع للقاضي عبد الوهاب حول مفسدات الصلاة

الفرائض المشترطة في صحة الصلاة أصلا وقيل انهما من الفرائض المشترطة في صحتها مع الذكر والقدرة. وبالله التوفيق. [112]- نص رابع للقاضي عبد الوهاب حول مفسدات الصلاة وسئل أيضا رضي الله عنه، عن قول في التلقين ويفسد الصلاة اثنتا عشرة خصلة: قطع النية عنها جملة، فأما تغييرها ونقلها فله تفصيل. ما معنى قطع النية عنها جملة الذي لا اختلاف في أن الصلاة تفسد به؟ وما معنى التغيير والنقل؟ وهل هما شيء واحد عبر عنه بعبارتين مفترقتين، أو شيئان مفترقان؟ وما التفصيل الذي أشار اليه في ذلك؟ فقال وصل الله توفيقه وتأييده: قطع النية. أما قطع النية فهو رفضها، وابطالها، ومن فعل ذلك فقد أفسد صلاته، لأنه قطعها وخرج عنها؛ لأن شأن الصلاة أن يتصل عملها إلى آخرها، على النية التي أحرم بها، فان سها عن اسصحابها لم يضره

ذلك لبقائه على حكمها، اذ هو موصوف بها، ما لم يقطعها باعتقاد ضدها، كما أن المؤمن موصوف بالايمان، في حال سهوه عنه ما لم يرجع عنه باعتقاد ضده. تغيير ونقل النية. وأما التغيير والنقل فمفترقان، لأن التغيير هو أن يغير نيته في الصلاة نفسها، من حال إلى حال، والنقل هو أن ينقل نيته من صلاة إلى صلاة غيرها، ومن نافلة إلى فريضة ومن فريضة إلى نافلة. صور تغيير النية. فاذا غير نيته في الصلاة من حال إلى حال، مثل أن يحرم بنية صلاة سفر، فيغيرها إلى صلاة حضر، أو يحرم بصلاة حضر فيغيرها إلى صلاة سفر ففي ذلك تفصيل، كما قال، لأنه إذا أحرم بنية صلاة سفر، ثم غيرها إلى صلاة حضر فلا يخلو من أن يكون مسافرا أو حاضرا، ولا يخلو، أيضا من أن يكون فعل ذلك في الحالتين جميعا سهوا أو عمدا أو جهلا، وكذلك إذا أحرم بنية صلاة حضر، ثم غيرها إلى صلاة سفر لا يخلو من أن يكون مسافرا أو حاضرا ولا يخلو، من أن يكون فعل ذلك في الحالتين، جميعا سهوا، أو عمدا، أو جهلا. فان كان مسافرا، فأحرم بنية صلاة سفر، غيرها إلى صلاة حضر، فاتمها حضرية، فان كان جاهلا أو متعمدا، أعاد في الوقت وبعده، وقيل: لا يعيد الا في الوقت. وان كان ساهيا، فقيل: يسجد لسهوه، ولا إعادة عليه، وقيل: يعيد في الوقت، وقيل: يعيد في الوقت وبعده.

وان كان حاضرا، فأحرم بنية صلاة الحضر، ثم حول النية إلى صلاة السفر، فسلم من ركعتين، فان كان جاهلا، أو متعمدا، أعاد أبدا، وان كان ساهيا، فذكر بالقرب، رجع إلى تمام صلاته، قيل بتكبير، وقيل تكبير، ويسجد بعد السلام، وان لم يذكر حتى بعد الأمر، استانف صلاته. وأما إذا كان حاضرا، فأحرم بنية صلاة السفر، ثم غيرها إلى صلاة الحضر، فأتمها حضرية، كما وجب عليه، أو كان مسافرا فأحرم بنية صلاة الحضر، ثم غيرها إلى صلاة السفر، فسلم من ركعتين، كما وجب عليه، فصلاته، في الوجهين جميعا، فاسدة يعيدها أبدا، ناسيا كان أو جاهلا، أو متعمدا، لأن صلاته على أول نية فاسدة، فلا يصلحها تحويله بنية فيها إلى ما يلزمه من سننها. تغيير النية من الظهر إلى الجمعة، والعكس. فصل. ومن هذا المعنى أن يجد الرجل الإمام في التشهد في صلاة الجمعة فيدخل معه، على أن يصلي، إذا سلم، أربعا، فيذكر الإمام سجدة من الركعة الاولى فيقوم إلى ركعة، فقيل: انه يصليها معه، ويأتي بركعة، وتكون له جمعة تامة، وقيل انه يعيدها، ظهرا أربعا، من أجل أنه أحرم بنية أربع ثم حولها إلى نية الجمعة. وعكسها أن يجد الإمام، وقد رفع رأسه من الركعة، في الركعة الثانية، فيكبر، ويدخل معه، وهو يظنه في الركعة الأولى، فقيل: انه

113 - آيات تحريم الصيد هل تخاطب المحرمين أم غيرهم؟

يبني على احرامه، أربعا، وقيل: انه يستانف الإحرام بنية الجمعة وهي ركعتان. نقل النية. وأما إذا نقل النية من نافلة إلى فريضة، بعد أن دخل في النافلة، أو من فريضة إلى فريضة، مثل أن يحرم بصلاة الظهر، وقد دخل وقت العصر، فيذكر أنه قد كان صلى الظهر فينقل نيته إلى صلاة العصر، فلا اختلاف في أن الصلاة لا تجزئة بخلاف نقل نيته في الصلاة من الفريضة إلى النافلة، لأن / الفريضة تجمع نية الفريضة [104] والنافلة. واختلف إذا انتقل بنيته من صلاة إلى صلاة، أو فريضة إلى نافلة، سهوا، فقيل: صلاته تامة، ولا يضره تحويل نيته سهوا، وهو قول أشهب، وروايته عن مالك، وقيل تبطل صلاته. ان طال ذلك، أو ركع، طال أو لم يطل، وهو مذهب ابن القاسم. فهذا تفسير ما أجمله أبو محمد عبد الوهاب، رحمه الله، من هذا اللفظ في تلقينه وبالله التوفيق. لا شريك له. [113]- آيات تحريم الصيد هل تخاطب المحرمين أم غيرهم؟ وكتب اليه، وفقه الله، من مدينة لبلة، بهذا السؤال، ونصه،

الجواب، رضي الله عنه في قوله تعالى: {يأأيها الذين آمنوا، ليبلونكم الله بشيء من الصيد، تناله أيديكم ورماحكم، ليعلم الله من يخافه بالغيب، فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم}. [سورة المائدة الآية: 95] هل هذه الآية خطاب للمؤمنين فيما تنهى المحرم عنه من الصيد، أو هي خطاب لهم في غير مناسك الحج؟ وما الدليل أنها في الحج، أو غيره؟ فان عندنا رجلا يقول: انما يقول: ان هذه الآية في الحج، من لا يعرف القرآن ولا يفهمه، قال: وانما في المحرم: {يأأيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} [سورة المائدة الآية: 96] قال: وليس للمحرم عذاب أليم، وانما عليه الجزاء، وانما العذاب الأليم لمن تعدى، فأكل الميتة، أو وجد الصيد ميتا، فأكله، أو باعه، وقال للناس: أني صدته، فهذا معنى قوله: {فمن اعتدى ذلك فله عذاب أليم}. وذهب في هذا كله، إلى صيد أهل الكتاب حرام دون كراهية، كتحريم الخنزير والميتة، واحتج في ذلك بهذه الآية، وقال: لا فرق بينه وبين لحم الخنزير، والميتة والدم. فالرغبة إلى فضلك في بيان الحق والصواب ان شاء الله ومن اجازه من العلماء دون كراهية، وما الوجه الذي أجازوه من أجله؟ ومن كرهه منهم وما الوجه الذي كرهوه من أجله، ولم يلحقوه

بالحلال ولا الحرام المحض؟ وهل قال أحد من العلماء: انه حرام كالميتة، كما قال هذا الرجل، أم لا؟ فاني ما رأيت هذا الوجه قط. وهل يجوز صيد أهل الكتاب، إذا علم أنهم لم يذكروا اسم الله عليه، عند من يقول بتحليل صيد اهل الكتاب مع قول الله تعالى: {ولا تأكلوا مما لا يذكر اسم الله عليه} [سورة الأنعام الآية: 21] كما يجوز أكل طعامهم، وهم يتجرون بالربا، مع قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا} أم لا؟ [سورة آل العمران الآية: 130] وكذلك حكم ما ذكروه وذبحوه من غير الصيد، وما الحجة عند من أجازه، وعند من لم يجزه منهم؟ مأجورا مشكورا، ان شاء الله تعالى. الآية خاصة بالمحرمين. فأجاب، أدام الله توفيقه: تصفحت السؤال ووقفت عليه، والصحيح في الآية أن المراد بها المحرمون، لأنها نزلت فيهم، كذلك قال جماعة من العلماء من أهل التفسير وغيرهم، وممن نص على ذلك ابن حبيب في الواضحة، وروى عن ابن عباس أنه قال: نزلت في هذه الآية بالحديبية ابتلاهم الله بالوحش، فكانت تغشي رحالهم كثرة.

ومعنى الابتلاء الاختبار، فأراد الله أن يختبرهم ليعلم من يخافه بالغيب منهم في ترك الصيد المحرم عليهم، تمكنه بهم ومعنى ليعلم أي ليعلم وقوع الطاعة والمعصية منهم، فيجازى الطائع بطاعته، ويعاقب العاصي على معصيته، أو يتجاوز عنهما، اذ قد تقدم علمه في الأزل بمن يطيعه ممن يعصيه، لا اله الا هو. ومعنى قوله: فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم أي من تجاوز فقتل الصيد، بعد علمه بالنهي. وقوله فله عذاب أليم. معناه عند من أوجب الجزاء على من قتل الصيد، متعمدا، ضرب وجيع وعند من لم ير الجزاء الا على المخطئ، أو الناسي لاحرامه المتعمد للصيد، عذاب أليم في الآخرة، وقيل: الاعتداء المعاودة ومن عاد فقتل ثانية، لم يكن عليه جزاء واستوجب النقمة، بقوله عز وجل "ومن عاد فينتقم الله منه" وهو العذاب في هذه الآية، ذهب إلى هذا جماعة من العلماء. حكم صيد أهل الكتاب. وأما صيد أهل الكتاب فهو على مذهب مالك، رحمه الله، حرام لا يؤكل منه الا ما أدركوا ذكاته، فذكوه بما يذكى به النسي. ودليله على ذلك توجه الخطاب، في اباحة الصيد إلى المسلمين دون الكفار، في جميع أي القرآن.

وذهب جماعة من أهل العلم إلى اباحة الصيد، لقول الله عز وجل: {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} [سورة المائدة الآية: 5] وهو قول أشهب وابن وهب، [105] وعلى ابن زياد من أصحاب مالك واياه اختار سحنون. وكرهه جماعة من أهل، منهم ابن حبيب، والكراهة من ذلك على مذهب من أجازه، بينة لوجهين: أحدهما: مراعاة الخلاف لقول النبي صلى الله عليه وسلم {الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات، فمن اتقى المشتبهات استبرأ لدينه الحديث} والثاني: أن الصيد له حدود تلزم معرفتها، فاذا كان صيد الجاهل بها الذي لا يرع عن توقي ما يلزمه أن يتوقاه في صيده، مكروها فالذمي أحرى أن يكره صيده؛ ومن يجيز صيد أهل الكتاب لا يشترط في جواز ذلك التسمية اذ لا تصح التسمية منهم. وقول الله عز وجل: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه، قيل المراد بذلك التذكية لا التسمية، وقيل: المراد بذلك التسمية، الا أن الآية منسوخة بقول الله عز وجل: وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم لأن الله أباح بقوله هذا، أكل ذبائحهم، وهم لا يسمون الله عليها، وقيل: انها ليست بناسخة لها، وانما هي مخصصة.

114 - شرح نص من المدونة، حول بيع العرية.

فالتسمية على هذا شرط في صحة زكاة المسلم، قيل على كل حال وقيل: مع الذكر والقدرة، وهو مذهب مالك رحمه الله. وبالله التوفيق لا شريك له. [114]- شرح نص من المدونة، حول بيع العرية. وقال أيضا الفقيه الإمام الحافظ، أبو الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد، رضي الله عنه. وقع في العرايا من المدونة: قال مالك: لا أرى بأسا لصاحب العرية أن يبيعها ممن له ثمر الحائط، وان كان غير الذي أعراه، بخرصه، قال لي مالك: أنه يجوز أن يأخذ ذلك، بخرصه، من استرى ثمر الحائط، أو استرى أصل الحائط بثمره، لأن الثمرة إذا طابت زايلت النخل. فكتب إلى الفقيه، أبو عبد الله محمد بن جعفر، من أهل مدينة باغة، يسألني عن معنى قوله: لأن الثمرة إذا طابت زايلت النخل. وماذا علل به؟ ومعنى المسألة، جملة لأنه وجد في كتابه تنبيها عن بعض الشيوخ على ذلك: انظر ففي كتاب أوصى من قول ابن القاسم: أن العرية لا تكون الا بعد طيب الثمر، وما في سماع أشهب ويحيى من كتاب الصدقات: ان الثمرة، إذا أعريت، لا يجوز بيع الأصل حتى تؤبر

الثمرة. ورغب الي في بيان ذلك. فأجبته بأن قلت له: تأملت المسألة التي أشرت اليها، ووقفت عليها. وقوله فيها: لأن الثمرة إذا طابت، زايلت النخل لا يعود على ما ذكره من جواز بيع المعري عريته من غير الذي أعراه اياها بخرصها اذ لم يقصد إلى تعليل جواز الحد، الذي يجوز فيه ذلك، لأانه لم يقع الئؤال عنه، وانما سأله: هل يجوز بيعها بخرصها، بعد طيبها، من غير الذي أعراه اياها، كما يجوز ذلك من الذي أعراه اياها؟ فأجاز له ان بيعها بخرصها ممن له ثمرة الحائط دون الأصل، أو اشترى أصل الحائط بثمره، للعلة التي أنت عارف بها، وقد نص في الكتاب عليها. ولا يعود أيضا، على اشتراء أصل الحائط، اذ لا يصح أن تكون علة له، لأن شراء أصل الحائط الذي فيه العرية، بثمرته، جائز، إذا كانت الثمرة قد أبرت، وأن لم تطب، باتفاق، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم {ومن باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع الا أن يشترطها المبتاع} وانما اختلف في شرائه بثمرته، قبل الإبار، على ثلاثة أقوال:

أحدهما: أن ذلك لا يجوز، لأن ثمرة العرية كان البائع استثناها لنفسه قبل الابار. والثاني: أن ذلك جائز، اذ ليست في حكم المستثناة، لوجوبها للمعرى بالعرية قبل البيع. والثالث: الفرق بين أن يبيعه باختياره، وبين أن يباع عليه في الدين، والثلاثة الاقوال قائمة كلها من المدونة. اختلاف الموضوع بين نص المدونة والنصين المشار اليهما. قال أبو الوليد، رضي الله عنه: وأرى الذي بناه على هذا اللفظ، بما وقع في سماع أشهب، وسماع يحيى من كتاب الصدقات والهبات رده إلى أقرب مذكور، وتأول منه: أن بيع الحائط الذي فيه العرية بثمرته، لا يجوز، حتى تطيب الثمرة، وتزايل النخل، ورأى ذلك معارضا لما وقع في السماعين والمذكورين، في الذي يهب ثمرة حائط، أو يتصدق بها، ثم يبيع أصل الحائط، ان ذلك لا يجوز، حتى تؤبر الثمرة، فأخطأ [106] في تأويله، وساق الرواتين، أيضا، على غير وجهها، اذ ليستا في عرية، وانما هما في هبة وصدقة. النص منحول على العتبية. قال أبو الوليد، رضي الله عنه: وأما ما ذكر في كتاب أوصى من أن العرية لا تكون الا بعد طيب الثمرة، فلا أعرفه في العتبية، ولا هو صحيح، أيضا، لأنه يريد: أنه لا يجوز الإعراء في الثمرة،

115 - مراطلة دراهم ثلثيه بثمنيه.

الا بعد طيبها، فهو خطأ صراح، وان كان يريد أن شراء العرية بخرصها لا يجوز الا بعد طيب الثمرة، فسياقته من غير المدونة. وهو فيها مذكور مسطور، اغفال وقصور. توجيه نص المدونة. وانما يعود قوله: لأن الثمرة إذا طابت زايلت النخل على اشتراه ثمر الحائط دون الاصل، لأن ذلك هو الذي لا يجوز الا بعد طيب الثمر. فوقع في الكلام تقديم وتأخير، أوجب الاشكال في المسألة، وتقديره دون تقديم وتأخير: قال لي مالك: انه يجوز أن يأخذ ذلك بخرصه من اشترى ثمرة الحائط، لأن الثمرة إذا طابت، زايلت، يريد فجاز شراؤها دون الأصل، أو اشتراه أصل الحائط برحمته. وبالله تعالى التوفيق برحمته. [115]- مراطلة دراهم ثلثيه بثمنيه. وكتب اليه رضي الله عنه، من بعض بلاد الأندلس بهذه المسألة يسأال عنها ونصها من أولها إلى آخرها. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الجواب رضي الله عنك، في مسألة وقعت عندنا، وذلك أن رجلا أتى رجل بقطع ثمنية، فقال له: أبدلها لي بقطع ثلثية، فأجاب الرجل وجعل هذه الثلثية في كفة،

وهذه الثمنية في كفة أخرى، فلما اعتدل لسان الميزان أخذ صاحب الثلثية الثمنية، وأخذ صاحب الثمنية الثلثية. فاستفتيا في ذلك، فقال لهما أحد الفقهاء: ذلك جائز حلال وقال لهما آخر: ذلك ربا، لا يجوز، فان فضة القطع الثلثية أكثر من فضة القطع الثمنية، وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأن لا يشف بعضها على بعض، فان شف صار ربا. وكذلك الذهب الشرقية بالذهب المرابطية، أو العبادية لا يجوز بيعها على هذا الوجه فان الذهب يتفاضل حينئذ. وكذلك القراريط اليوسفية، لا يجوز أن تبدل بقطع ثلثية أو ثمنية، على ما ذكر، فان القراريط أكثر فضة، فيدخلها الربا. وقال صاحبه: ذلك كله جائز، لأنه معروف وقد جوز ذلك مالك وغيره بأن يبدل الدينار الناقص بالوازن على جهة المعروف. فقال الآخر: ليست المسألة تلك، وانما جوزه وغيره فيما خف، مثل الدينارين والثلاثة بأن يدفع الناقص، ويأخذ الوازن دون كفة ولا مراطلة على وجه المعروف وعلى أن يكون النقص يسيرا، ومسألتنا انما يبدلها لها بالميزان، على وجه المراطلة فافترقت المسألة من هذا الوجه ومن غيره. فان قال قائل، نترك الكفة، ونبدلها كذلك مجازفة، صار أحرم

وأحرم، لأنها عيون مقطعة تجرى وزنا، وليست تجرى عددا. بين لنا مذهبك في ذلك، وأي الجوابين أصح، بيانا، شافيا، مأجورا، موفقا ان شاء الله. فأجاب وفقه الله، بهذا الجواب، تصفحت سؤالك ووقفت عليه. وقد اختلف الشيوخ في الدنانير والدراهم المشوبة بالنحاس كالذهب الشرقية، والدراهم الثلثية. فمنهم من حكم لها بحكم الذهب والفضة الخالصتين لتناول اسم الذهب والفضة لهما، ورأى ما فيها من النحاس ملغى، لا حكم له في الزكاة والنكاح، والسرقة، والمراطلة، واستدل على جواز المراطلة فيها بقول أشهب في كتاب الصرف من المدونة. ومنهم من لم ير ذلك، واعتبر ما فيهما من الذهب والفضة دون النحاس في جميع الأحكام من الزكاة والنكاح وغير ذلك فلم يجز المراطلة فيها، وهو الصحيح الذي لا يصح القول بخلافه، لنهي النبي عليه السلام عن بيع الذهب بالذهب والورق بالورق إلا مثلا بمثل. ومعنى قول أشهب انما هو في اليسير على وجه المعروف بذليل قوله وانما يشبه ذلك البدل فلا حجة فيه لمن ذهب إلى اجازة ذلك. وقد كان شيخنا الفقيه أبو جعفر، رحمه الله يقول: لا يجوز على

116 - من دمي على رجل، وقد شهد عليه: أنه دمي على آخر قبل.

مذهب مالك، مراطلة الذهب العبادية بالذهب العبادية ولا الشرقية، بالشرقية، لأن ذلك ذهب وفضة بذهب وفضة وذهب ونحاس بذهب ونحاس، ومن قوله: انه لا يجوز الذهب بالذهب ولا الفضة [107] بالفضة مع أحدهما، أو مع كل واحد منهما، عرض، وقوله ظاهر في القياس، والنظر، فكيف بمن يريد اجازة ما سألت عنه؟ وبالله التوفيق، لا شريك له. [116]- من دمي على رجل، وقد شهد عليه: أنه دمي على آخر قبل. وسئل، رضي الله عنه، من مدينة اشبلية حرسها الله عن هذه المسألة، ونصها: رجل دمى على رجل، فشهد من شهود التدمية جماعة أنه دمى، قبل ذلك، على رجل أخر، سماه، وأنه لما سئل عن ذلك، قال: انما كنت قلت، ذلك، لأني خشيت أن يرجع الي هذا، فيتم على. وقيد هذا المعنى على جماعة منهم، بألفاظ مختلفة، ومعان مختلفة. تبطل التدمية الآخيرة. فأجاب أيده الله، على ذلك بأن قال: تصفحت سؤالك هذا وما استنسخت فوقه، ووقفت على ذلك كله. وما تقيد من شهود الشهود، الذين قيدت نصوص شهادتهم، يبطل

التدمية على يحيى بن ابراهيم، ويسقط القيام، بها، ان كانوا عدولا، لأن شهادتهم قد اجتمعت على أنه قد دمى، على غيره، وفي تدميته على غيره ابراء له. ولا يصدق في قوله: إنه خاف أن يتم عليه، لأنه كمن أبرأ رجلا من حق، ثم قام يطلبه به، وقال: انما أبرأته لوجه كذا، مما يعتذر به ولأنه، أيضا، لا عذر له في التدمية على برئ، لم يرع، أولا، عن التدمية على برئ، اتهمناه في أنه لم يرع آخرا عن التدمية على يحيى بن ابراهيم، وهو برئ؛ اتهمناه، لأن المقتول، انما قبل قوله في التدمية، وان كان غير عدل، من أجل أن الفاسق ينيب عند الموت، فلا يتهم بأن يتقلد بدمه برئيا، فلما أقر هذا على نفسه بأنه لم يرع، أولا، عن أن يرمي بدمه برئيا، اتهمناه في أنه لم يرع عن مثل ذلك آخرا. هذا هو الذي أقول به، على قياس قول ابن القاسم، سماع يحيى من كتاب الديات وغيره، ومذهب مالك الذي نعتقد صحته. تقوى التهمة على المدمى عليه الأول. واذا بطلت التدمية صار المدمى عليه في الحكم من قويت عليه التهمة بالدم، ولم توجد عليه بينة، ووجب أن يطال سجنه. وقد حكى مالك، رحمه الله: أن الرجل كان يحبس في الدم باللطخ والشهبة، حتى أن أهله ليتمنون له الموت من طول حبسه،

117 - تدمية متبادلة.

فان طال بسجنه الدهر الطويل، ولم تظهر براءته، استحلف خمسين يمينا، وخلى سبيله والله سائله وحسيبه. وبالله التوفيق، لا شريك له. [117]- تدمية متبادلة. وسئل، أيضا، رضي الله عنه، عن رجلين تشاجرا، اسم أحدهما أبو الوليد، والثاني عبد الملك، فجرح أبو الوليد عبد الملك بسكين كان عنده، فاتبع عبد الملك أبا الوليد الذي جرحه فأدركه أخ له: اسمه محمد، ومع عبد الملك قريب له اسمه عمر، فحبس له محمدا، أخا أبي الوليد وقال له: اضرب، اقتل، فجرحه. ودمي كل واحد منهم على صاحبه: دمى عبد الملك على أبي الوليد ودمى محمد أخو أبي الوليد على عبد الملك وقريبه عمر الذي حبسه وثبتت التدميتان، جميعا، الا أن البينة التي شهدت بتدمية محمد على عبد الملك، وقريبه عمر، لم تعاين الجرح الذي به، ومات محمد من جراحه فأراد أبو الوليد أن يقوم بدم أخيه محمد، على عبد الملك وعمر، وليس له، بالحضرة، من يقسم معه عليه، الا انه يدعي أن له بني عم ببلد آخر. فهل يقتل عبد الملك بالقسامة قبل، أن تبرأ جراحه، التي دمى بها على أبي الوليد، أو يؤخر حتى يبرأ من جراحه ويسجن، وما الحكم في ذلك؟

118 - هل تعتبر شهادة الواحد، غير العدل، لوثا يوجب القسامة؟

فأجاب على ذلك وفقه الله تصفحت السؤال ووقفت عليه. وتدمية محمد على عبد الملك، وقريبه عمر، عاملة، وان لم يعاين الشهود الجرح الذي به، ان ثبت بغيره أنه كان مجروحا، ولا يقتل عبد الملك بالقسامة حتى يبرأ من جراحه التي دمى بها على أبي الوليد، لأن في ذلك ابطال ما وجب عليه لأويائه من القسامة على قاتله. والواجب في ذلك أن يسجن المدمى عليهم ثلاثيهم: أبو الوليد وعمر وعبد الملك، فان صح عبد الملك من جراحه، ووجد أبو الوليد، من بني عمه، من يقسم معه، أقسموا على عمر، وعبد الملك، وقتلوهما، جميعا، بالقسامة، لأن هذا مما يقتل فيه الاثنان بالقسامة. وان مات عبد الملك من جراحه أقسم أبو الوليد، مع من وجد من بني عمه، على عمر، وقتلوه بقسامتهم، وأقسم، أيضا، أولياء عبد الملك على أبي الوليد، وقتلوه بقسامتهم. وبالله تعالى التوفيق. [108] [118]- هل تعتبر شهادة الواحد، غير العدل، لوثا يوجب القسامة؟ وخوطب، أعلى الله قدره، وأسمى ذكره من العدوة، بهذه المسألة، يسأل عنها، وهي مسألة تدمية، ونصها من أولها إلى آخرها. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. جوابك رضي الله عنك، في رجل قتل بين

أربع نفر، ولا يدرى منهم من قتله، ولم يحضر قتله حاشا امرأة واحدة. فبرأ اثنان من الأربعة، وتنازع الاثنان في قتله، فكل واحد منهما يقول لصاحبه: انت قتلته. فأخذهما الوالي، فسجنهما بنظره، وسرح الباقين. ثم ان أخا للمقتول رصد أحد اللذين برأهما أصحابه، فقتله، ودمى عليه، وثبتت التدمية عليه، بشاهدين عدلين، عند القاضي، فقام والده يطلب دمه على قاتله، فقام والد المقتول الأول، وزعم ان دم ولده المقتول، أولا، عند المقتول آخرا، وأتى بشهادة تلك المرأة على موته من بين الأربعة النفر، المذكورين، فحلفه القاضي خمسين يمينا، كما يجب، فهل ترى ذلك جائزا أم لا؟ بين لنا ذلك معانا، موفقا، ان شاء الله. اللوث عند مالك. فأجاب وفقه الله، على ذلك هذا الجواب، ونصه تصفحت السؤال ووقفت عليه. وما حكم به القاضي، من تحليف والد المقتول الأول خمسين يمينا، مع شهادة المرأة خطأ من الحكم وانما وجه الحكم في ذلك على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك، في أن اللوث لا يكون الا الشاهد العدل:

119 - هل كرامات الأولياء حق؟

أن يقسم أولياء المقتول الثاني بما ثبت من تدميته على قاتله، ويقتلوه. وأما على مذهب من رأى شهادة المرأة الواحدة لوثا فيقسم والد المقتول الاول، مع آخر من ولاته، خمسين يمينا: لهو قتل وليهما، فيستحقون بذلك دمه، ويبطل قيام من قام من ولاته طالبا له بالتدمية. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [119]- هل كرامات الأولياء حق؟ قال الفقيه الإمام الحافظ أبو الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد، رضي الله عنه سألت - عصمنا الله واياك عن اعتقادات أهل البدع والأهواء ولا عدل بك وبنا عن الطريقة المثلى – عما يروى من كرامات الصالحين، وبراهين عباد الله المتقين، هل هي باطل يلزم ابطالها، والتكذيب لها، أو حق يجب التصديق بها، والاعتقاد، لصحتها، وما وجه ما تعلق به من أنكرها؟ والدليل الذي اعتصم به صححها وأثبتها؟ انكار الكرامات وسيلة أهل الزيغ لانكار المعجزات. فأقول، والله الموفق للصواب برحمته، وتأييده، والهادي إلى المنهج المستقيم، بتوفيقه وتسديده: ان انكارها، والتكذيب بها، بدعة وضلالة، بثها في الناس اهل الزيغ والتعطيل الذين لا يقرون بالوحي والتنزيل، ويجحدون أيات الأنبياء، والمرسلين، ولا يعتقدون ان لهم ربا وخالقا يفعل ما

يشاء، ويقدر على ما أراد، من جميع الأشياء كي يوقعوا في نفوس الجهال والأغبياء، ابطال معجزات الأنبياء، من ناحية ابطال كرامات الأولياء، اذ هي من قبيل واحد، في أنها ليست من مقدورات البشر. واذا كان الله تعالى قد دل على صدق الأنبياء بالمعجزات، التي خرق لهم بها العادات، جاز أن يدل أيضا، على طاعة الأولياء في الحال والرضا عن عملهم فيها، بشرط موافاتهم عليها، بما أظهر على أيديهم من الكرامات، لطفا بهم، وبمن سواهم، ممن يطلع على ذلك، لما في ذلك من الحث على طاعته، التي جعلها سببا إلى ما أعد لهم من مثوبته وكرامته. أدلة وجود الكرامة. وذا جاز ذلك في العقل، ولم يمتنع، ولا جاء في الشرع ما يمنع منه، بل جاء فيه ما يدل عليه، من ذلك: قول الله تعالى في كتابه {الله لطيف بعباده، يرزق من يشاء} [سورة الشوى الآية: 19] وقوله عز وجل [كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا، قال يا مريم، أني لك هذا؟ [سورة آل العمران الآية: 37] الآية إلى آخرها قال أهل التأويل كان يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف،

ومن ذلك ما روى النبي عليه السلام، في قصة جريح، وقصة الثلاثة نفر الذين أووا إلى غار، فانطبقت عليهم الصخرة، إلى ما سوى ذلك مما يعز احصاؤه، ولا يمكن استقصاؤه، وجب لإيمان بها والتصديق بما صح منها. طريقان لصحة الكرامة. ولوجودها وصحتها، في الجملة، طريقان. أحدهما: التواتر في النقل الذي يوجب العلم ويقطع العذر [109] وذلك أنه قد روى منها، ونقل مالا يحصى عدده، ولا يمكن حصره، على مر الأيام، وفي جميع الأزمان، ومع اختلاف المواضيع والبلدان هذا ما لا يمكن، أحدا دفعه، لما فيه من جحد الضرورة، الذي هو كمكابرة العيان.

والنقل، إذا اتصل على الحد والمثال، يوجب العلم بما تضمنه في الجملة، اذ لا يمكن أن يتوطأ جميع الناقلين له بهذه الصفة على نقل الكذب في جميع ما نقلوه، لكثرة عددهم، مع افتراق بلدانهم، وتباعد زمانهم، ولا أن يدخل الوهم والخطأ على جميعهم في ذلك، وان جاز على بعضهم، ولا أن يدخل الوهم والخطأ على جميعهم في ذلك، وان جاز على بعضهم؛ فوجب أن يعلم بنقلهم صحة ما نقلوه في الجملة دون التفصيل، كما علم بهذا الجنس من النقل سخاء حاتم طي وشجاعة على، رضي الله عنه، وحلم معاوية، لأنا انما علمنا ذلك بكثرة الروايات عن حاتم في مواهبه في حياته، وبكثرة الروايات عن على في اقدامه في حروبه، وكثرة الروايات عن معاوية في حلمه عمن جهل عليه في أيامه، مع القدرة على عقابه، وان جاز على بعض النقلة، في بعض ما نقلوه من ذلك، الوهم والكذب والخطأ. والطريق الثاني، أن القول بها، والتصديق لها قد أجمع عليه أهل السنة والجماعة، وقد حصل العلم بصحة ما أجمعوا عليه بقول النبي صلى الله عليه وسلم" لن تجتمع أمتي على ضلالة." لا حجة لمن ينكر الكرامة. ولا وجه لما تعلق به من أنكرها وأبطلها الا الجهل والضلال، والحيرة، والعمى، اذ لا يجوز أن يدفع وينكر ما روى من الاشياء التي قد استفاضت، وشاعت، وذاعت الا أن يقوم الدليل على بطلانها،

والبرهان على استحالتها وهذا ما لم يقم دليل على بطلانه، ولا استحالته، بل قد قام الدليل على جوازه، ووجوده فوجب الاقرار به والحكم بفساد قول منكره. العلاقة بين المعجزة والكرامة. ولو جاز كرامة الأولياء بمجرد الدعوى، دون دليل، لجاز بذلك رد معجزات الانبياء لتساويهما في وقوع العلم بهما في الجملة دون التفصيل، لأن العلم لا يختلف في نفسه باختلاف الطرق في معرفته، ألا ترى أن العلم بأن الله إله موجود على ما هو به من صفات ذاته وافعاله، كالعلم بما علمناه بحواسنا من الاشياء، لا يفترق ذلك في كون المعلوم معلوما عندنا على ما هو به. وقول من قال: ان خرق الله تعالى العادة معجزة، فلو خرقها للأولياء لكانوا بمنزلة الانبياء باطل، والفرق بين المعجزة والكرامة: أن النبي عليه السلام يعلم إذا خرق الله له العادة، أنه خرقها له لتكون معجزة له، ومصدقة لرسالته، باعلامه اياه بذلك، فهو يتحدى الناس بها، ويعلم أيضا، أنه إذا أرسله رسولا: أنه سيفعل ذلك له قبل أن يفعل له ليصدق رسالته، ومن أكرمه الله من أوليائه يخرق عادة لا يعلم بها قبل أن تكون، ولا يعلم، إذا كانت، ان كانت الكرامة له

120 - خمس مسائل من موضوعات مختلفة.

أو لغيره، لأن ذلك علم غيب، لا يعلمه الا من أطلعه الله عليه من رسول، قال الله عز وجل: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا الا من ارتضى من رسول} [سورة الجن الآية: 27] فهو إذا ظهرت له، يرجو أن تكون له ويخفيها ويسترها، الله تعالى يظهرها إذا شاء الا اله الا هو، وهو حسبنا ونعم الوكيل وبه التوفيق لا شريك له. [120]- خمس مسائل من موضوعات مختلفة. كتب الفقيه الإمام الحافظ أبو الوليد ابن رشد، رضي الله عنه إلى بعض أصحابه، مجاوبا عن مسائل سأله عنها، ورغب اليه في الوقوف على رأيه فيها: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. تمم الله عليك نعمه، وظاهر لديك آلاءه وقسمه، وحرسك وأبقاك، وتولاك ورعاك، ومن توفيقه وعصمته لا أخلاك، انه منعم كريم. وصل إلى وصل الله حبلك وكثر في الأولياء الممحضين مثلك، كتابك الأثير الدال على ثبوت صحبتك، المعرب عن صريح مودتك، مضمنا من برد وسنا قولك، ما يشبه سعة فضلك، ويقتضيه كرم عهدك، ومحكم ودك والله يجعلنا من المتحابين في ذاته، المتراسلين في طاعته ومرضاته برحمته، ووقفت، أبقاك الله، على المسائل التي أردت الوقوف على رأيي فيها.

1 - مصالحة المشتري لأحد الشفعاء في غيبة الباقين

[1]- مصالحة المشتري لأحد الشفعاء في غيبة الباقين. فأما الذي اشترى / الشقص، فصالح أحد الشفعاء على تسليم شفعته [110] في مغيب أشراكه، ثم قدموا فأخذوا بشفعتهم، فلا رجوع له على الذي صالح بشيء مما صالحه به، لأنه على قول بأن الشفعاء يأخذون جميع الشقص بالشفعة قد انتفع بصلحه، إذ لم يدخل معهم الذي صالحه، فخف الضرر عنه بذلك اذ يقل ضرر الشركة بقلة الأشراك. ولعله، أيضا، انما كره شركة الذي صالحه بخاص، فقد تم له ما أراده. وأما على القول بأن الشفعاء لا يأخذون حظ الذي صالح على تسليم شفعته، فلا اشكال في أنه لا رجوع له عليه بشيء مما صالحه به لبقاء حظه في يده، لم يؤخذ منه بالشفعة. الفرق بين المصالحة على تسليم الشفعة والمصالحة على الدية في القتل العمد. فان شبه على أحد في هذه المسألة برواية يحيى عن ابن القاسم - في الرجل يقتل الرجلين عمدا، فيصالح أحد الأولياء القتيلين على الدية، ثم يقوم أولياء القتيل الآخر - أن لهم أن يقتلوه، ويرد على أولياء القتيل الذين صالحوا ما أخذوه؛ لانه صالحهم على النجاة من القتل، قيل له إن الفرق بين المسألتين: أن القاتل لا منفعة له في الصلح، إذا الصلح، إذا قتل بوجه من الوجوه،

2 - يؤخذ العلج، لفك الأسير، بالأكثر من الثمن القيمة

والقصاص اذ وقع، منفعته لأولياء القتيلين جميعا، من صالح، ومن لم يصالح سواء، لان الدم لا يتبعض، والمصالح، في الشفعة، له في الصلح منفعة متقررة على كل حال، حسبما بيناه، ولا منفعة للذى صالح في أخذ أشراكه، الذين لم يصالحوا، بالشفعة، اذ ليس له أن يدخل معهم. [2]- يؤخذ العلج، لفك الأسير، بالأكثر من الثمن القيمة وأما الأسير الذى لم يوجد سبيل إلى افتكاكه الا بالعلج الذى أبى صاحبه بيعه الا بأضعاف ثمنه، فالواجب: أن يؤخذ منه، في فك الأسير، بالأكثر من الثمن، الذى اشتراه به، أو من القيمة التى يساوى، على ما يعرف من حاله في بلده، ويرجى ان يفتك به مثليه، لا قيمته التى يساوى على وجهه، دون الاعتبار بحاله، وما يعرف من الرغبة في فدائه؛ لان العلوج يشترون لذلك، فترتفع به قيمتهم. [3]- ضمان الزوج لشوار زوجته وأما الزوج الذى ضمن شورة زوجته، ثم ادعى تلفها، أو قامت بذلك البينة، فان ضمنها مخافة التلف عليها، حيث تلفت، فهو لها ضامن، وان قامت البينة على تلفها. ان كان سبب ضمانها أنه أتهم على الغيبة عليها، ولم يؤتمن في ذلك، فلا ضمان عليه فيها، إذا قامت على تلفها بينة.

4 - تحمل البائع بالثمن، عن الشفيع، لصالح المشتري

[4]- تحمل البائع بالثمن، عن الشفيع، لصالح المشتري ولا يجوز للذى باع شقصا بثمن إلى أجل أن يتحمل للمشترى عن الشفيع بالثمن إلى الأجل؛ لان له في ذلك منفعة؛ إذ لعل الشقص لا يساوى الثمن، فان لم يشفع الشفيع لم يجد هو عند المشترى وفاء بثمنه، عند حلول الأجل، والحمالة معروف كالقرض لا يجوز أن يأخذ عليها عوضا، ولا يحتر بها نفعا. ويقوم هذا المعنى من المسألة التى أشرت اليها، لانه وان كان الحميل ها هنا تحمل لغريمه، وهناك تحمل به لا له فالمعنى يجمعهما، وهو اجترار النفع بالحمالة اليه في المسألتين جميعا، وهو في المسألة العتيبة أبين، لانه يأخذ السلعة بعينها التى تحمل بقيمتها. [5]- إشهاد القاضي على نفسه أنه أجاز شهادة الشهود بعلمه وقول القاضى في تسجيله، إذا شهد عنده، بما يعلمه، عدول وغير عدول، فقضى بشهادة العدول: انه أجاز شهادة غير العدول المعرفته بما شهدوا به، خطأ؛ لان معنى اجازة شهادتهم اعمالها وامضاؤها، والحكم وهو لم يعملها، ولا أمضاها ولا حكم بها، ولا بعلمه، أيضا، وانما حكم بشهادة من شهد عنده من العدول، وشهادة غير العدول كلا شهادة، لقول

121 - أربع مسائل أخرى من نفس السائل.

الله عز وجل: {ممن ترضون من الشهداء} [سورة البقرة الآية: 282] واذا كان انما أجازها لعلمه بما شهدوا به لا لان شهادتهم جائزة فلم يجزها اذن فقوله انما اجازها بمعرفته بما شهدوا به كلام متناقض، كأنه قال: أجزت شهادتهم، لم أجزها. وبالله التوفيق، والسلام الجزيل، الحفيل، الموصول، على سيدى ورحمة الله وبركاته. [121]- أربع مسائل أخرى من نفس السائل. وكتب اليه السائل عن المسائل المتقدمة، بعد الصدر: وصل الي - وصل الله علياءه، وأدنى أمله ومناه - كتابه الكريم، فحللت بمحكم تفصيله ومبرم توصيله، مقاعد البهاء، وملكت بالاقتداء بسناه، والاهتداء، مقاود البناه، [1]- مراجعة السؤال في مصالحة أحد الشفعاء [111] واحدى المسائل التي سألته عنها، وهي مسألة الشفيع الحاضر، الذي صالح المشتري في غيبة شركائه، انما وقع صلحه على حصته، وحصة أشراكه، ثم قدم اشراكه، وأخذ الجميع

2 - شهادة الوكيل في الحق الذى لم يشرع بعد في الخصام فيه

وجوابه ينبئ أنه انما ظهر له من سؤالي: أن الصلح انما وقع على حصته خاصة، على ظاهر التعليل؛ لانه قال في الفرق بين هذه المسألة ومسألة يحيى عن ابن القاسم في قاتل القتيلين إذا صالح أولياء القتيل الواحد، ثم قتله أولياء القتيل الأخر، أن الصلح ينتقض، لان القاتل إذا قتل، لم ينتفع بشىء من صلحه، والمشترى، إذا صالح احد الشفعاء، قد انتفع بصلحه، لقلة ضرر الشركة، واى شركة تبقى له، إذا أخذ الشفعاء الغيب جميع ما في يده، عسى أن ينعم النظر، ويبين ذلك لى بيانا شافيا، مانا متطولا. [2]- شهادة الوكيل في الحق الذى لم يشرع بعد في الخصام فيه وثم مسألة أخرى أردت استفهامة عنها، وهى: الرجل إذا وكل رجلا على خصومة، فقبل الوكالة، غير أنه لم يخاصم، ثم شهد لموكله في الحق الذى وكله عليه، هل ترد شهادته بنفس القبول، أم تكون محمولة على المضاء والتمام، حتى يشرع في الخصام؟ [3]- للوكيل المباشر استلام ما قبض وكيله، هو، لصالح الموكل الأصلي؟ ومسألة أخرى نزلت، وهى: أن رجلا وكل رجلا، وجعل اليه توكيل من رأى توكيله بمثل التوكيل المذكور، أو بما شاء منه، وكان توكيله تضمن القبض، وغير ذلك من فصول التوكيل، فاقتضى الوكيل الثانى ما وجب لموكل موكله، ثم أراد موكله قبض ذلك منه. هل له ذلك أم لا.؟

4 - هل يحمل العام الخاص فى حبس المسجد؟

[4]- هل يحمل العام الخاص في حبس المسجد؟ ومسألة اخرى وهى أن رجلا حبس فرنا على مسجد، ليكون في: «منافع المسجد» من: «وقيد، وحصر، وبناء مارث من الجدران»؛ هكذا انعقد في عقد التحبيس. هل يعطى من ذلك الإمام، يؤم في المسجد، وترى ذلك من منافع المسجد، والأئمة، في موضوع هذه النازلة، لا يتصرفون في المسجد بأكثر من الإمامة، لا يخدمون فيه، ولا يتصرفون بوقيده، ولا بغيره؟ وهل ترى أن ذلك مما يدخل في قوله: «يكون موقوفا على منافع المسجد» وقد جاء بعد هذا الإجمال، ما تقدم من تفسير الأوجه التى يصرف فيها؟ فهل يحمل الأمر على التفسير الخاص آخرا، أو اللفظ العام أولا؟ وفي الغتيبة أعمل العام في الصدقة والصلح. فقد وقع في العتيبة، في كتاب الصدقة، فة مسألة الذى يتصدق بمورثه ثم فسر المورث، واستثنى بعضه، وترك منه مهملا: ما لم يستثنه، ولا فسره في جملة ما فسر من معانيه، فحمله محمل المتصدق به، لقوله أولا: لمورثه. وفي كتاب الدعوى والصلح مسألة من هذا المعنى: إذا وقع الصلح عن مورث بالاندلس، وفي المورث من قرية غائبة يجهلها، لم تذكر في الصلح؛ إذا فسرت أنواع المورث المصالح عنها، وقد أشار فيها

إلى نحو ما في كتاب الصدقة من اعمال اللفظ العام أولا أختلاف المتأخرين في هذا. وقد رأيت المتأخرين يختلفون في هذا المعنى: فذكر القاضي أبو بكر ابن زرب، في مسائله، مسألة من قال فلان وصيي على ولدي فلان وفلان، وترك ولدا ثالثا لم يذكره، أن قوله على ولدى يتناوله، ويدخل المسكوت عنه فيه. ورأيت لغيره من الشيوخ أن الولد لا يدخل في ذلك، لسكوته عنه، ولا يتناوله قوله على ولدي. هل يرد الإمام ما دفع له الناظر؟ وكيف – دام عدك، وقام، على الليالي والأيام، مجدك – إن رأيت أن الإمام لا يدخل في قوله في التحبيس: يكون في منافع المسجد ان دفع اليه الناظر في هذا التحبيس، مدة، ثم عثر على ذلك، هل يرجع بذلك على الإمام، ويكون ذلك كمسألة الغسال الذي دفع الثوب إلى غير ربه، لأنه أخطأ في كلتا المسألتين على مال غيره ودفعه إلى غير مستحقه، أم تفترق المسألتان، لافتراق النظر في مسألة التحبيس بالتصرف فيه، وحمله على معانيه، ومسألة الثوب لم يؤذن للغسال فيها بتصرف واجتهاد، وتكون المسألة أشبه بمفرق زكاة يتيمة، فأعطى منها غنيا، يظنه فقيرا، لافتراق الاجتهاد والتصرف

بالنظر في المسألتين؟ بين لى – أدام الله عزك – ذلك بيانا شافيا، والله يمتع المسلمين منك بلحظ الغبيط، ويوسعنى واياهم شكرك، العريض، البسيط. والسلام الجزيل عليه، ورحمة الله. جواب الأربع مسائل. فراجعه الفقيه الحافظ أبو الوليد رضي الله عنه، على ذلك، ونص مراجعته /. بسم الله الحمن الرحيم. أبقاك الله بقاء طويلا، وصنع لك من فضله صنعا جميلا، وحرسك وأبقاك، وتولاك ورعاك، ومن توفيقه وعصمته لا أخلاك، انه منعم كريم. وصل إلى – وصل الله كرامتك، وأدام حفظك ورعايتك – كتابك الاثير، مضمنا من برد وسنا قولك ما يشهد بمحكم ودك، وينبىء عن كريم عهدك، والله يديم الامتاع بك، وينيم أعين الحوادث عنك، بعزته ورحمته. ووقفت، أبقاك الله، على ما اعترضت من جوابي، في مسألة الشفعة، وانما وقع جوابي فيها، على ما سبق إلى، من أن المشترى كان له شرك فيما اشترى منه الشقص فعللت امضاء الصلح بعلتين؛ احداهما قلة الضرر بقلة الأشراك، والثانية: أن الشفيع المصالح لا منفعة له في أخذ أشراكه بالشفعة، بخلاف القصاص الذي تكون المنفعة فيه لمن صالح، ولمن لم يصالح، فان كان لم يكن له شرك فيما اشترى، فالجواب صحيح، والعلة الثانية كافية ان شاء الله.

وما قبض وكيل الوكيل من مال موكل موكله فيلزمه أن يدفعه إلى من أراد قبضه منه من موكله، ومن صاحب المال – إذا ثبت أن المال له ببينة أو باقرار من الوكيل، وليس له أن يمتنع من ذلك، لأنه يبرأ بالدفع إلى من دفع اليه منهما. تبين هذا مسألة كتاب السلم الثاني من المدونة. فيمن وكل رجلا أن يسلم له في طعام، ثم اتى الآمر، وأراد قبض السلم. وأما الفرن المحبس على منافع – المسجد، من كذا وكذا، فلا يتعدى فيه ما سمي، ولا حق فيه للامام، لأنه قد بين المنافع التي أراد من منافع المسجد. ولا يخالف هذا ما في سماع يحيي من كتاب الدعوى، ولا في سماع أصبغ من كتاب الصدقات، والهبات، لأنه نص على العموم في المسألتين جميعا، لقوله فيهما جميعا جميع فوجب ألا يخص من ذلك شىء إلا بيقين، وهو الاستثناء، على ما وقع في المسألة سماع المذكورة.

العام الاحتمالى، والعام الصريح. ومما يبين هذا: أن الرجل إذا قال: نسائي طوالق، وله أربع نسوة، ثم أتي مستفتيا، فقال: انما أردت فلانة، وفلانة، وفلانة، نوي، وصدق، ولم يلزمه طلاق الرابعة، التي قال: انه لم يردها بقوله. ولو قال: جميع نسائي طوالق، لم ينو في أنه اراد بعضهن لنصه على جميعهن، الا أن يقول: قد اسثنيت، فقلت: الا فلانة، أو نويت الا فلانة، فيصدق في ذلك، إذا أتي مستفتيا، على الخلاف في الاستثناء بالا، دون تحريك اللسان، وان كان قال: نويت الا فلانة. مسألة ابن زرب ليست من قبيل العام. وأما المسألة التي حكيت الخلاف فيها بين ابن زرب وغيره من المتأخرين، فليست من هذا المعنى؛ لأن لفظ الولد يقع على الواحد وعلى الجميع، وقوعا واحدا في لسان العرب، فاذا سمي وجب ألا يتعدى ما سعي. فما حكيت في ذلك عن ابن زرب خطأ من الفتوى، لا يحتج به ولا يلتفت اليه، ولا يعرج عليه إن صح ذلك عنه. لا يرد الإمام ما قبض. وما دفع إلى الإمام في أجرته من غلة الفرن المحبس على الوجه المذكور، لا يرجع به عليه، ولا ضمان على دافع ذلك اليه؛ لأن المحبس لما لم ينص على أنه داخل في التحبيس، ولا أنه خارج عنه، حكمنا بظاهر اللفظ، فلم ندخله فيه الا بيقين.

واذا قبض من ذلك شيئاً لم نعرمه اياه، أيضا، الا بيقين، ولا يقين عندنا من ذلك، لاحتمال أن يكون المحبس أراد بحبسه خلاف ظاهر قوله. ولعل ابهام ذلك تقصير من الكاتب. تنظير عدم الرجوع بأجرة الإمام. ومما يؤيد هذا القول ابن القاسم، وروايته عن مالك، في سماعه من كتاب الصدقات والهبات، فيمن تصدق على ولده بما له غلة، فرأوا أن النساء ليس لهن فيها حق، فاقتسموها بين الذكور زمانا، ثم بلغ النساء أن لهن فيها حقا، فطلبن ذلك، انهن يأخذن فيما يستقبلن، ولا حق لهن فيما مضى. وقد بان، بما ذكرته لمثلك من أولي الفهم، الفرق بين هذه المسألة، وبين مسألة الغسال، فلا حاجة معك إلى أكثر من هذا البيان. من أخطأ في إعطاء الزكاة وأما الذي زكى مال يتيمه، ثم انكشف أنه أعطاه غنيا، وهو يظنه فقيرا، فلم يكن عليه أكثر مما صنع، لأن الذي تعبد به انما هو الاجتهاد في ذلك، ألا ترى أن من أهل العلم من يقول انه إذا أعطى زكاته لغني، وهو لا، أجزته، ولا اختلاف في أنه يجب أن تسترد من عنده إذا علم به، وقدر عليه، لأن الله قد نص أنه لا حق له فيها بقوله: {انما الصدقات للفقراء والمساكين} {سورة التوبة رقم: 60} والسلام عليك.

122 - اثنتا عشرة مسألة من موضوعات مختلفة

[122]- اثنتا عشرة مسألة من موضوعات مختلفة وكتب اليه، ايضا، سائلا عن مسائل، فجاوبه، أدام الله توفيقه: [1]- بيع أصول الغائب في نفقة الأبوين أو الزوجة أما ما حكيت عن ابن سهل، رحمة الله، من أنه ذكر في أحكامه: أن الرجل إذا غاب، وخلف أصلا، وقام أبواه بعدم الانفاق أن الحاكم لا يبيعه عليه، ولا يخرجه من يديه، فانما حكى ذلك عن الشيخ الفقيه أبى عبد الله ابن عتاب رحمه الله، وهو صحيح، لأن نفقة الأبوين قد كانت ساقطة عنه، فلا تجب عليه لهما، حتى يطالباه بها، فاذا غاب عنهما لم يصح أن يحكم لهما عليه بها مغيبة، وتباع عليه فيها أصوله، لاحتمال أن يكون في ذلك الوقت قد مات، أو قد استدان من اليون ما يغترقها، ويكون أحق بها من نفقتها، وذلك بخلاف نفقة الزوجة. الفرق بين نفقة الأبوين ونفقة الزوجة والفرق بينهما أن نفقة الأبوين ساقطة، حتى وجوبها، بمعرفة حياته، وأنه لا دين عليه يغترق ماله، وأن نفقة الزوجة واجبة، حتى يعلم سقوطها بمعرفة موته او استغراق ذمته بالديون، وهومن باب

استصحاب الحال، وهو أصل من الاصول تجرى عليه كثير من الاحكام؛ من ذلك الفرق بين من أكل شاكا في الفجر، أو شاكا في الغروب، والفرق بين من أيقن بالوضوء، وشك في الحدث بعده، وبين من أيقن بالحدث وشك في الوضوء بعده. ومن ذلك مسألة كتاب طلاق السنة. من المدونة في المفقود يموت ولده، في تفرقته بين أن يفقد وهو حر، أو يعتق بعد أن فقد ومثل هذا كثير. بيع اصول الغائب في نفقة الأبوين استحسان. وأما قوله: «ان الحاكم يضمن ان فعل، لأنه من الخطأ الذى لا يعذر فيه»، فليس بصحيح، وان كان الشيخ ابن عتاب، رحمه الله، قد قاله، فانما قاله اغراقا لمخالفه من أصحابه، وأفتى ببيع أصول الغائب في نفقة أبويه. وانما قلنا: ان ذلك ليس بصحيح؛ لأن ابن المواز قد حكى الاجماع في ذلك. وان وجد في بعض المسأئل الخلاف في ذلك فهو شذوذ، وخارج عن الاصول، وما في كتاب ارخاء الستور من المدونة وسماع أصبغ من العتيبة، من بيع مال الغائب في نفقة أبويه يحمل على ما عدا الأصول أستحسانا أيضا، على غير قياس، لأنم القياس، على ما ذكرنا، ألا ينفق عليهما في مغيبه شىء من ماله، إذ لا يؤمن من أن يكون قد مات، أو قد استدان من الديون ما هو أحق بماله من نفقه أبويه، ولهذه العلة قالوا: إن الغائب لا تؤخذ من ماله الناض. الزكاة.

2 - إقامة الجمعة في جامع غير مسقوف

وبالله التوفيق. [2]- إقامة الجمعة في جامع غير مسقوف وأما اقامة الجمعة في الجامع المهدوم فلا تصح، ان كان في البلد مسجد سواه تقام فيه الجمعة. وقد قيل: ان الجمعة لا تقام في مسجد سواه، الا تنقل اليه الجمعة على التأبيد. واختلف ان لم يكن في البلد مسجد سواه، ولا امكن أن يغطى من سقفه، قيل خروج وقت الجمعة، ما يقع عليه اسم مسجد؛ فقيل: انه تقام فيه الجمعة على حاله، ويحكم لموضع المسجد بحكم المسجد، والى هذا أشار ابن عبد البر، فيما حكيت عنه. وقد قيل: انه لا تقام الجمعة فيه، وهو الصحيح، لأن من شروط وجوبها المسجد. هذا الذى تدل عليه الروايات عن مالك وأصحابه. ما هو المسجد؟ وأما إذا انهدم سقف المسجد، وصار براحا لا سقف له، فليس بمسجد، وان كانت له حرمة المسجد، قال الله عز وجل: «في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه» ولا يسمى بيتا الا ماله سقف. وقال رسول صلى الله عليه وسلم: «من ابنتى مسجدا، ولو قدر مفحص قطاة، بنى الله له بيتا مثله في الجنة» وبالله التوفيق وبعزته.

3 - مسجد حيطانه من الطين المعجون بماء نجس

[3]- مسجد حيطانه من الطين المعجون بماء نجس وأما مسألة المسجد الذى بنيت حيطانه بالطين المعجون بالماء النجس، فقول من قال: انه تلبس حيطانه، ويصلى فيه ولا يهدم، هو الصحيح، الذى لا يصح خلافه، وجدت بذلك رواية أو لم توجد، فقد أجاز مالك، رحمه الله، في المدونة صلاة الرجل، وأمامه جدار مرحاض، إذا كان موضعه طاهرا، وأجاز للمريض أن يبسط ثوبا كثيفا، على الفراش / النجس، ويصلى عليه. [114] فاذا طر الحائط النجس بالطين الكثيف، الطاهر، لم يكن لما في داخله من النجاسة حكم. وهذا مالا اشكال فيه، والحمد لله. [4]- نكاح على نصف بقعة أرض يبنيها الزوج وأما الذى تزوج المرأة على أن يبنى عرصه له، سماها، بنيانا موصوفا، وتكون العرصة بينهما بنصفين، فهى مسألة فيها من معنى مسألة كتاب الجعل والاجازة من المدونة، التى أشرت اليها، طرف، وفيها ايضا، أن الاجازة في الشىء الذى وقع به النكاح، وذلك جائز، على مذهب ابن القاسم لأنه يجيز البيع والاجازة في نفس المبيع إذا

5 - بيع دار، وحصة من بئر مشتركة، ليهودي

عرف وجه خروجه، أو أمكنت فيه الاعادة، فاذا جاز على مذهبه أن يبتاع الرجل البقعة على أن يبنيها البائع، وأن يتزوج المرأة على ذلك، جاز أن يتزوج بنصف البقعة على أن يبنيها بنيانا موصوفا، وتكون بينهما. [5]- بيع دار، وحصة من بئر مشتركة، ليهودي وأما الذي باع داره من يهودي بحظه من البئر المشتركة بينه وبين جاره، فلا كلام لجاره في ذلك، اذ لا يفسد عليه ماء البئر استقاء اليهودي منها. سؤر اليهودي والنصراني. وانما يؤمر المسلم ألا يتوضأ بسؤر النصراني، واليهودي، ولا بما أدخلا فيه أيديهما، من الماء اليسير، لأنه محمول على غير الطهارة، كالكلب المخلي على القذر والنجاسة. وأما الماء الكثير لاسيما البئر المعينة فلا يتقي ذلك فيها، ولا يسأل عنه. سؤر السباع. وقد قال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، لصاحب الحوض،

6 - كيفية توزيع ما فدي به مركب

الذي ورد عليه هو وأصحابه، لما سأله عمرو بن العاص: هل ترده السباع ظ لا تخبرنا يا صاحب الحوض، فانا نرد على السباع، وترد علينا والاصل في ذلك: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، في ماء بئر بضاعة لما سئل عما يلقى فيها من الأقذار والنجاسات خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شيء يعني صلى الله عليه وسلم: الا ما غير احد اوصافه. وبالله التوفيق. [6]- كيفية توزيع ما فدي به مركب وأما المركب الذي صار في قبضة العدو، بما فيه من المتاع والتجار ففدي منهم بما فيه جملة، فالواجب: أن يفض ما فدي به على قيمة الأمتعة وما يعرف أنه يفدي به الأسارى دون مال من مثل ذلك المكان، على ما قالوا في الفادي والمفدى، إذا اختلفا في الفدية وأتى كل واحد منهما بما لا يشبه، ولا نظر في ذلك إلى ما يساوون على أنهم عبيد، ولا إلى دياتهم. وبالله التوفيق.

7 - هل يرجع من أنفق على أبيه المعدم على اخوته؟

[7]- هل يرجع من أنفق على أبيه المعدم على اخوته؟ وأما الذي انفق على أبيه المعدم فلا رجوع له على اخوته، بشيء، مما أنفق عليه، ليس من أجل ما ذكرت، من انه يحمل ذلك منه على الطوع، بل لو أشهد أنه انما ينفق عليه على أن يرجع على اخوته بما ينوبهم من ذلك، لما وجب له الرجوع عليهم بشيء من ذلك، لأن نفقته لم تكن واجبة عليهم حتى يطلبوا بها، بخلاف نفقة الزوجة. وبالله التوفيق. [8]- النكاح على عدد مسمى من أرض معينة وأما الذي تزوج المرأة على عدد مسمى من المواشي من أرض مسماه، قد عرفتها المراة، على أنه لم يكن فيها وفاء بها، أكمل لها البقية من أرض له أخرى قد عرفتها المرأة، أيضا ووقفت عليها: فان كانت الأرضان مختلفتين في الكرم، أو متباعدتين في المواضع، فالنكاح فاسد، للجهل بما يحصل لها من الأرض الأخرى وان كان يحصل لها منه شيء، أم لا لا لما ذكرت عن بعض الفقهاء من ان ذلك مجهلة في الأجل، اذ لم يذكر متى يقع الاكمال، لأن الأمر في ذلك محمول على الحلول، لا على أجل مجهول.

9 - تجريح شاهد بشهادة من سبق أن عدل هذا الشاهد

ولو كان السكوت عند وقت الاكمال مجهلة في الأجل، لكان النكاح على ذرع كذا من موضع كذا مسمى لا يجوز، ولكان شراء كيل مسمى من صبرة بعينها غير جائز، الا أن يذكر الوقت الذي يذرع لها حقها من الأرض، أو يكيل له كيلة من الصبرة؛ وقد أجمعوا على أن ذلك جائز. واما إذا كان الموضعان سواء في القرب والكرم فيجرى الأمر في جواز النكاح على اختلاف قول ابن القاسم وغيره في مسألة كراء الارضيين من المدونة. [9]- تجريح شاهد بشهادة من سبق أن عدل هذا الشاهد وأما الرجل الذي عدله الرجلان فلا يجوز تجريحه لأحدهما مع غيره بجرحه قديمة قبل تعديله، لأن في ذلك ابطال تعديله، فيؤول ذلك إلى اجازة شهادة من لم تثبت عدالته. ونظير هذه المسألة: قولهم في الرجل يتوفى، وله امة حامل وعبدان ويرثه عاصبه فيعتق العبدين وتلد الامة ابنا ذكرا فيشهد العبدان، بعد عتقهما: أن الامة كانت حاملا من سيدها المتوفى: أن شهادتين لا تجوز، لأن في اجازة شهادتهما ابطالا لعتقهما فيؤول ذلك إلى اجازة شهادة العبد. وبالله التوفيق. [10]- لا ترد الشهادة برؤيا النبي عليه السلام وأما الحكم الذي شهد عنده عدلان مشهوران بالعدالة، فلا يحل له

أن يترك الحكم بما شهدا به عنده، لما رأه في منامه، من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: لا تحكم بهذه الشهادة، فانها باطل؛ لأن ذلك ابطال للأحكام الشرعية بالرؤيا وذلك باطل، لا يصح أن يعتقد ولا يصح أن يقال اذ لا يعلم المغيب من ناحيتها الا الانبياء عليهم السلام الذين هي لهم وحي وأما من سواهم فانما رؤاهم جزء من ستة وأربعين من النبوة. ولذلك تفسير شرحه خروج عن المعنى المقصود اليه من السؤال. شرح حديث من رأني في المنام فقد رآني. وليس معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم {من رآني في المنام فقد رآني فان الشيطان لا يتمثل بي} أن كل من رأى في منامه أنه رآه فقد رآه حقيقة، ومن الدليل على أن ذلك ليس كذلك، أن الرائي قد يرى النبي، عليه السلام، مرات على صور مختلفات، ويراه الرائي على صفة ويراه غيره على صفة أخرى، ولا يجوز أن تختلف صور النبي عليه السلام وصفاته. فان معنى قوله صلى الله عليه وسلم {من رآني فقد رآني} أي من رآني على صورتي التي خلقني الله عليها، فقد رآني اذ لا يتمثل الشيطان بي وذلك بين من الحديث، اذ لم يقل فيه، من رأى أنه رآني فقد

11 - ما الموقف لو هدد العدو بمس حرمات النبي عليه السلام؟

رآني، وانما قال فيه من رآني فقد رآني، وأني لهذا الرآئي، الذي رأى في منامه أنه رآه على الصفة التي رآه عليها، وان ظن أنها موافقة لما روي من صفته عليه السلام أن تلك هي صورته بعينها، حتى يعلم أنه رآه حقيقة. هذا ما لا طريق إلى معرفته. وبالله التوفيق. [11]- ما الموقف لو هدد العدو بمس حرمات النبي عليه السلام؟ وأما السؤال عن العدو، أهلكه الله لو قدم البيت الحرام، أو قبر النبي عليه السلام، فقال للمسلمين: اما دفعتم الينا رجلا منكم يسمونه، والا هدمنا البيت أو نبشنا نبيكم، فهي من المسائل التي يبها في الناس أهل الزيغ والتعطيل، كي يلزمهم، بزعمهم، استباحة قتل النفس، التي حرمها الله، أو استباحة حرمة النبي، عليه السلام، فيسخروا بهم وبدينهم. النبي معصوم من الناس، حيا وميتا. والنبي عليه الصلاة والسلام، أكرم على الله من أن يمكن أعداءه الكفرة من استباحة حرمته، ونبشه من مضجعه، وكما عصمه الله عز وجل ممن أراد به سوءا مكروها في حياته، فكذلك يعصمه ممن أراد شيئاً من استباحة حرمته، بعد وفاته، ويهلك من تعرض إلى شيء من ذلك. ولو وصلوا إلى قبره. والله بعيد من ذلك، لهابوه، وعظموه، وحفظوه، ولتمسحوا به، واستشفوا بترابه. ألا ترى أن الروم، إلى

اليوم، على قبر أبي أيوب الأنصارى، يستصبحون، يستسقون به، إذا أجدبوا، لمكانه من النبي، عليه السلام، فكيف به، صلى الله عليه وسلم؟ على المسلمين التضحية حتى لا تستباح حرمة النبي ولما وقع السؤال عن هذا، الممتنع بفضل الله تعالى، المحال، لم يكن بد من الجواب عليه، لرفع شبهة من رام الطعن في الدين، لا لأن ذلك يخشى وقوعه، بفضل الله ورحمته، فيفتقر إلى معرفة الحكم فيه، فنقول: إن الواجب كان يكون على جميع المسلمين في ذلك أن يموتوا عن آخرهم، دون أن تستباح حرمة نبيهم، صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم، ولا يدفعوا اليهم الرجل الذي طلبوه، ليقتلوه، اذ ليس هو أولى من أن يكون بدأ لحرمته من كل واحد منهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: {والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب اليه من نفسه، وولده ووالده، والناس أجمعين}. وقال سعد بن الربيع للذي أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، ليأتيه بخبره: "أقرأ السلام مني وأخبره أني قد طعنت اثنتي عشرة طعنة وأني أنفذت مقاتلي، وأخبر قومك: انه لا عذر لهم عند الله، ان قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وواحد منهم حي "

12 - موصى عليه توفي وصية، فعقد نكاحه بنفسه، وتوفي قبل البناء

وحرمته، صلى الله عليه وسلم حيا وميتا سواء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {كسر عظم المسلم ميتا ككسره وهو حي} يريد في الاثم، فكيف به هو صلى الله عليه وسلم، في ذلك. وبالله التوفيق. [12]- موصى عليه توفي وصية، فعقد نكاحه بنفسه، وتوفي قبل البناء وأما الذي أوصى به أبوه إلى أمة، فتوفيت، ولم توص به إلى أحد، فتزوج، وتوفي قبل البناء: أ- إذا لم يثبت لدى القاضي ترشيده. فانها مسألة فيها ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا ميراث لها ولا صداق. والثاني: أن لها الميراث والصداق. والثالث: أن لها الميراث، وينظر السلطان في نكاحه، فان كان نكاح غبطة، مما لو نظر فيه الولي في حياته لأجازه، ولم يفسخه، كان لها الصداق مع الميراث، وان كان على غير ذلك، مما لو نظر فيه الولي لفسخه لم يكن لها من الصداق شيء وهو قول أصبغ في الخمسة، والقولان المتقدمان لابن القاسم، وهما جاريان على اختلاف في أفعاله: هل هي على الجواز حتى ترد، أو على الرد حتى تجاز، اذ قد ارتفع النظر في ردها، واجازتها، بموته.

123 - طلب تقدير عقد الحبس.

ب- إذا ثبت لدى القاضي ترشيده. وأما ان كان نكاحه، بعد أن ثبت عند القاضي رشده، فقضي بترشيده، فالنكاح ماض، ولها الصداق والميراث، قولا واحدا. والحكم نافذ لا يرد بشهادة، من شهد أنه لم يزل متصل السقه، وان كانوا أعدل من الشهود، الذين قضى القاضي بشهادتهم، اذ قد فات موضوع الترجيح بين الشهود بنفوذ الحكم. فانما توجب شهادتكم الحكم بتسفيهه، ويكون ما تقدم من أفعاله، من يوم حكم بترشيده إلى يوم حكم بتسفيهه، جائزة، ماضية. والروايات، التي ذكرت، صحيحة لا تعارض بينها، ولا يعارض شيء منها ما ذكرته في المسألة من وجوه نفوذ الحكم فيها بالترشيد. والقول في وجوهها، وتبين معانيها المتفرقة بينها، يطول وتكلف ذلك عناء، اذ لا يحصل السائل، بما دون المشافهة منها على شفاء. وبالله ولي التوفيق برحمته. [123]- طلب تقدير عقد الحبس. كتب اليه رضي الله عنه، رجل آخر: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يا سيدي المعظم، وعمادي المكرم، تولاني الله بدوام النعمة عليك، وحاطني بحسن الدفاع لي عنك، بعزته. دفع الي موصل كتابي، هذا دفع الله عنك كل محذور -

العقد الذي وقفت عليه، ورغبتي: أن تراجعني، في ظهر كتابي. بوجه ضعفه وبما فيه من الاختلاف، ووجه الصحة فيه. فان الشهود لم يضعوا أسماءهم فيه بعد، وهو حبس على الذكران دون الاناث، والاسترعاء فيه على ما يصح من الحبس اذ الشهود يقولون: سمعنا أنه على الذكران دون الاناث، فتشرح لي ذلك في ظهر كتابي بمجدك. هل يضمن السمسار ما ضاع عنده؟ وكذلك رغبتي ان تعلمني، أيضا، بمذهبك فيما ضاع عند السماسرة هل هو في ضمانهم أم لا؟ وعما جرى عليه العمل عندكم في ذلك؟ وهل هو سواء حكم السمسار مع من دقع اليه سلعته، وامره ببيعها، وحكمه مع من طلب منه السمار سلعة لمشتر كلفه طلبها له، على ما جرت به العادة في الاسواق؛ أن يأتي مشتر فيقول لدلال اطلب لي سلعة كذا، فيطلبها من التجار، فيأخذها، فتضيع عنده. واشرح لي ذلك مجملا إن شاء الله تعالى. والسلام على سيدي، ورحمة الله. تضمين الصناع، والسماسرة، وحارس الحمام، والراعي المشترك. فجاوبه، أدام الله توفيقه، بما يأتي بعد هذا ان شاء الله: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. صلى الله على محمد وسلم. يا سيدي، وأعظم عددي، ومن هو حرزي لأبدي، ومن أبقاه الله في عز تعتلي مراتبه، وحرز تحتمي جوانبه.

وصل الي – أبقاك الله – كتابك هذا مستفهما عما جرى عليه العمل عندنا في تضمين السماسرة بما أخذوه من الثياب للبيع فادعوا تلفه، وعن مذهبي في ذلك، وهل حكمهم في ذلك سواء مع أرباب السلع الذين دفعوها إليهم للبيع ومع التجار للطلايب التي يطلبونها منهم للمشترين أم لا؟ فأما استمرار العمل والفتوى في ذلك على حد واحد، فلا أثبته، والذي كنت أفتي به في لك، على طريق الاستحسان، مراعاة للاختلاف: ألا يصدقوا في دعوى التلف، الا أن يكونوا مأمومنين، معلومين بالثقة، وذلك أن الأصل فيهم ألا ضمان عليهم، لأنهم أجراء مؤتمنون. وقد حكى الفضل عن بعض رواة سحنون: أنه كان يضمنهم، قياسا على الصناع واستحسنه، وله وجه في القياس، لأنهم قد نصبوا أنفسهم لذلك، فصار لهم حرفة وصناعة. ولهذا المعنى ضمن بعض أهل العلم الراعي المشترك، وحارس الحمام. [117] فمن أنزلهم منزلة الصناع فيما أعطوه للبيع، دون أن يطلبوه، وجب عليه أن ينزلهم منزلتهم فيما يطلبونه من التجار ليبيعوه لهم ممن طلبه منهم، اذ لا فرق فيما يلزم الصانع من الضمان، بين أن يطلبوا السلع ليصنعوها، أو يعطوها. لذلك، دون أن يطلبوها.

124 - هل يدخل ابن الابن مع الابن في الحبس؟

ومن الناس من فرق بين المسألتين فأسقط عنهم الضمان فيما طلبوه من التجار ليبيعوه لهم، ممن طلبه منهم وليس ذلك ببين لما ذكرنا. واذا سقط عنهم الضمان، على هذا القول، أو على الأصل بأنهم مؤتمنون، كانت مصيبة ما تلف عندهم من الدافع اليهم، وقيل: من المرسل لهم لأنهم أمناء جميعا، فاختلف أي أمانة منهما تغلب والأظهر تغليب أمانة المرسل، لأنها المتقدمة، ولو قال: انه لا تغلب واحدة منهما، وتلزم المرسل قيمة نصف ذلك، لكان له وجه. وبالله التوفيق. والسلام. [124]- هل يدخل ابن الابن مع الابن في الحبس؟ وكتب رجل من أهل جيان اليه، في مسألة وهي: الجواب، رضي الله عنك، في رجل حبس حبسا مؤبدا، على ابنته وعلى كل ولد يحدث له بعدها، من ذكر وأنثى، ثم على أعقابهم، من بعدهم وأعقاب أعقابهم ما تناسلوا. هذا نص إشهاد المحبس. ثم انه ولد له، بعد الابنة ابنان، وابنة، ثم توفي، واستغل بنوه الحبس. ثم توفيت ابنة الأولى عن ابن وابنة، فدخل ابناها في الحبس مع عميهما وعمتهما دون حكومة، ثم توفيا، فعاد الحبس إلى ولدي

المحبس وابنتيه. ثم توفي الآن الواحد من ولد المحبس، وتخلف بنين، فقام بنوة وأرادوا الدخول مع عمهم وعمتهم في الحبس، فمنعوهم من ذلك، وقالوا: لا دخول لكم معنا، لان المحبس انما جعل للعقب بعد انقراض المحبس عليهم، بقوله: " ثم على أعقابهم من بعدهم " فراجع بما تراه، موفقا بتوفيق الله. والسلام عليك. المنع يخص أولاد المحبس عليهم مع آبائهم فجاوبه، رضي الله عنه: تصفحت - أعزك الله بطاعته، وأبقاك - سؤالك هذا ولا يمنع لفظ التحبيس، على النص الذي ذكرته، الا من دخول أولاد المحبس عليهم، مع آبائهم، في الحبس، لا من دخول ولد من مات منهم فيه مع من بقي من ولد أعمامهم، اذ لم يقل فيه: ثم على أعقابهم، من بعد انقراض جميعهم، فاحتمل أن يكون المحبس أراد: ثم على أعقابهم من بعد موت من مات منهم: دلالة عطف جمع على جمع بثم. لأن الجمع إذا عطف على الجمع بلفظ ثم مع اعادة ضمير الجمع اليهم لا يوجب الا تقدم آحادهم على آحادهم، لا تقدم جميعهم على جميعهم، تقول: اشتريت عشرة أدور، فبنيتها، ثم بعتها، فصح قولك، وان كنت كلما اشتريت دارا منها، فبنيتها، بعتها قبل أن تشتري سواها.

125 - كراء أرض الحبس ممن يبني فيها دورا الي مدة معلومة.

وقال الله عز وجل: {وهو الذي أحياكم ثم يميتكم} فلم تكن امانتهم بعد احيائهم جميعا، وانما كانت اماتة كل واحد منهم بعد احيائه. ومثل هذا كثير موجود في القرآن، معروف في اللسان. وبالله التوفيق. [125]- كراء أرض الحبس ممن يبني فيها دورا الي مدة معلومة. مسألة أتت من مالقة. الجواب رضي الله عنك في قوم كانت عليهم جنة محبسة، فأكروها ممن بني فيها دورا، إلى مدة معلومة، وكان لأحدهم، ولابنيه ثلاثة الأرباع، والآخر الربع ثم ان مدة الكراء انقضت، فقال صاحب الربع: أزيد على صاحب الأنقاض في الكراء، وأبى صاحب الثلاثة الأرباع، من ذلك، لما يتوقع في ذلك من المضرة والفساد. فقال صاحب الربع: هي حصتي، لا أرضى أن آخذ فيها - إذا أبيت أنت الزيادة - الإمثل ما تأخذ أنت في الثلاثة الأرباع، ومن أبي منهما أن يرضيني قومت عليه أنقاضه، وغرمت لك في ثلاثة أرباعك مثل ما كنت رضيت به من أولئك قبل. فهل لصاحب الربع ان يزيد في ربعه ما شاء، كما زعم، ويستبد بتلك الزيادة؟ وهل له أن يقوم الأنقاض على من أبي الزيادة، فيعطي لصاحب

الثلاثة الأرباع الكراء الذي كان رضي به من أولئك أم لا، وهو يأتي معاملة صاحب الربع، والاقتضاء منه؟ وهل إذا زاد صاحب الربع في ربعه، ورضي بذلك أصحاب الأنقاض هل لصاحب الثلاثة الأرباع أن يأخذ حصته من تلك الزيادة، اذ ليس ذلك ملكا لأحد منهم، انما لهم استغلال ما يصير في ذلك من الخروج والمنفعة؟ وهل ان اجتمعوا كلهم على الزيادة في الكراء، وأبى ذلك أصحاب الأنقاض هل [118] لهم أن يقوموا عليهم ويعطوهم فيه قيمة أنقاضهم أم ليس لهم التقويم، إذا كانوا لا يلحقون الأنقاض بالحبس، وانما يريدون أن تكون ملكا لهم خلاف القاعة؟ وهل لصاحب الربع أن يقوم على أصحاب الأنقاض ربع الأنقاض أم لا؟ وهل يجوز لهم أن يقتسموا الخرج، فيخرج كل واحد منهم بقدر حصته، إلى دور معلومة، فيكون هذا مثل قسمة أرض الحبس قسمة متعة، ليحرث كل واحد منهم وينتفع، ومدة الكراء قد انقضت؟ وهل يدخل هذه القسمة الغرر والدين بالدين، أم لا يدخله ذلك؟ بين لنا جميع ذلك موفقا مسددا ان شاء الله.

لصاحب الربع تقويم الأنقاض على أربابها فجاوب، وفقه الله: ان لم يتفق صاحب الربع مع أرباب الأنقاض على كراء حظه، فله أن يأخذ جميع الأنقاض بقيمتها مقلوعة لنفسه، دون أن يلحقها بالحبس، الا أن يشاء صاحب الثلاثة أرباع أن يأخذ منها بقدر حصته. فان لم يشأ ذلك، وسلم له أخذ جميعها، لم يلزمه أن يأخذ منه في كراء حظه من القاعة ما كان رضي أن يأخذه من أرباب الأنقاض. العلاقة بين صاحب الربع وصاحب الثلاثة أرباع فيما يخص الأرض المبنية. فان اتفقا في ذلك على ما يجوز بينهما، والا أكريت الدور قائمة على ما هي عليه، وفض الكراء بينهما على قدر قيمة ثلاثة أرباع القاعة وقيمة الربع مع جميع الانقاض. كراء الحصص على حدة. وان أكرى كل واحد منهما حصته على حدة، فله ما أكراها به، وليس لصاحبه عليه فيه دخول. الكراء صفقة واحدة وان اجتمعا على الكراء صفقة واحدة، فلا يجوز أن يخرج أحدهما في حصته إلى بعض المكرين دون بعض، وانما الذي يجوز أن يقتسما ما على كل واحد منهم، أو يجتمعا على التقاضي، فيقتسما بينهما ما تقاضياه على حكم الشركاء في الديون، تكون لهم على غرمائهم. وبالله التوفيق.

126 - عقد تحبيس مؤبد على الابن مع شرط الرجوع

[126]- عقد تحبيس مؤبد على الابن مع شرط الرجوع مسألة خوطب بها من غرناطة، يسأل عنها، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. كتاب حبس مؤبد عقده فلان بن فلان لابنه الصغير فلان في حجره وولاية نظره في الحوانيت الخمسة التي بحاضره غرناطة حدها كذا حبسها على ابنه فلان المذكور، وعلى عقبه وعقب عقبه، الذكران والاناث ما تناسلوا وامتد فرعهم. فان انقرض أو انقرض عقبه، رجع الحبس إلى الحبس ان كان حيا، أو إلى أقرب الناس بالمحبس، ومن انقرض منهم عن غير عقب، رجع نصيبه إلى الباقين، فان انقرضوا، ولم يكن للمحبس قرابة، رجع إلى المرضى المجذومين والعميان بغرناطة سواء بينهم. وشرط في حبسه: ان احتاج اليه، وأدركته فاقة، وضغطة، باعه وانتفع بثمنه، عند ثبوت فاقته، وحاجته، لوجه الله العظيم. وتولى احتياز ذلك من نفسه لابنه فلان المذكور بما يحوز به به الآباء لمن يلون أمرهم من صغار الأبناء، إلى أن يبلغ القبض لنفسه بعد معرفته بقدر ذلك، ومبلغه شهد. المحبس كتم هذا الحبس حتى توفي الابن تأمل، رضي الله عنك، العقد الواقع فوق هذا المحبس عقد هذا التحبيس لابنه، وكتمه عنه، وعن سائر الناس، حتى ملك الابن نفسه أزيد من ثمانية أعوام، ثم توفي الأب، فورث الابن الحبس المذكور مع سائر ما تخلفه له أبوه، اذ كان منفردا بميراثه، وعاش مدة طويلة،

ثم توفي في طريق الحج، وصحت وفاته، فظهر هذا التحبيس بعد أن صح موته. أفتنا، يرحمك الله، هل يورث عنه كما ورثه، ويبطل التحبيس، أم يصح، ويرجع لمن أرجعه المحبس؟ مأجورا موفقا ان شاء الله. الحبس يتحول وصية فجاوب، رضي الله عنه، على ذلك: تصفحت السؤال، ونسخة عقد التحبيس الواقعة فوقه، ووقفت على ذلك كله. وما تضمنه عقد التحبيس من رجوع الحبس إلى المحبس، ان انقرض المحبس عليهم في حياته، يوجب أن ينفذ الحبس بعد موته من ثلثه، على سبيل الوصية أجيز عنه في حياته، أم لم يجز، على ما جاءت به الروايات عن مالك وأصحابه رحمهم الله في العتبية والموازية وغيرهما من الدواوين. والواجب: أن ينظر إلى قيمة الحوانيت المحبسة يوم مات المحبس والى ما تخلف من المال: فان حملها الثلث نفذ التحبيس فيها للمرجع،

127 - حول الحديث الأول من موطأ مالك

وان لم يحملها الثلث، نفذ ما حمله الثلث، وكان الباقي ميراثا عنه لورثته، وورثة وورثته. والله ولي التوفيق. [127]- حول الحديث الأول من موطأ مالك: تأخير المغيرة لصلاة العصر. مسألة أتت من مدينة سبتة حرسها الله. جوابك - رضي الله عنك - في حديث مالك في [119] موطئه: أن المغيرة بن شعبة أخر الصلاة يوما، فدخل عليه ابو مسعود الأنصارى فقال: ما هذا يا مغيرة؟ منكرا عليه ذلك على ما جاء في نص الحديث إلى آخره، وانقياد المغيرة لما أنكره عليه أبو مسعود، وتسلسمه له ما أنكره عليه. أين موضع الحجة لأبي مسعود على مغيرة من الحديث؟ وقفنا - أعزك الله - على موضع النكتة، التي احتج بها أبو مسعود على المغيرة وبيها موفقا مشكورا ان شاء الله تعالى، وهو حسبنا، ونعم الوكيل. شرح الحديث. فجاوب، رضي الله عنه، عليها بالجواب الذي نصه: تصفحت رحمنا الله وإياك سؤالك ووقفت عليه.

ووجه الحديث: أن أبا مسعود، لما رأى المغيرة قد أخر الصلاة عن الوقت الذي صلاها جبريل عليه السلام بالنبي، صلى الله عليه وسلم، حين أقام له وقت الصلاة، وعلم أنه قد علم الوقت الذي صلاها فيه حين أقام له وقتها، كما علم هو ذلك، أنكر عليه فعله في تأخيرها عن ذلك الوقت وقرره على مخالفته للحديث مع علمه به، فقال له، موبخا على ذلك: ما هذا يا مغيرة، أليس قد علمت أن جبريل صلاها بالنبي عليه السلام حين أقام له وقت الصلاة، قبله؟ ولعلمه بأنه قد علم الوقت الذي صلاها جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم فيه، سكت عن أن يبين ذلك له في الحديث فيقول: اليس قد علمت أن جبريل نزل، فصلى فصلى رسول صلى الله عليه وسلم، في وقت كذا ثم صلى، فصلى الله عليه وسلم في وقت كذا، واكتفى بأن قال: أليس قد علمت أن جبريل نزل فصلى الله عليه وسلم ثم صلى، فصلى الله عليه وسلم الحديث وفهم المغيرة ذلك من مراده، فسلم له بقيام الحجة عليه، فهذا وجه حجة أبي مسعود عليه بالحديث. فالنكتة، التي هي موضع الحجة تقريره على العلم بالوقت، الذي صلى فيه جبريل بالنبي عليه السلام، بقوله: أليس قد علمت؟ وتوفيقه على أنه آخرها عن ذلك الوقت. هذا بين من مساق الحديث، مفهوم من فحواه، قائم من معناه يجرى مجرى النص وان لم يكن في الحديث نصا.

الوقت الذي أخر اليه المغيرة صلاة العصر والصلاة التي اخرها المغيرة بن شعبة هي صلاة العصر، بما دل على ذلك من غير هذا الحديث. ولم يؤخرها المغيرة إلى الوقت المنهي عن أن تصلى فيه وهو وقت الاصفرار، وانما صلاها، والله أعلم، قبل أن تصفر الشمس، وبعد القامتين المذكورتين في حديث امامة جبريل بالنبي عليه السلام. فانما وبخه أبو مسعود على تركه لوقت الفضيلة وان كان مصليا لها، بعد في وقتها، لأن وقت الفضيلة في صلاة العصر هو ما بين القامة إلى القامتين، لقول جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، ما بين هذين وقت ودل أن ما بين القامتين وقت لها ما لم تصفر الشمس، وان لم يكن وقت فضيلة: قول النبي عليه السلام، في حديث أنس بن مالك: تلك صلاة المنافقين، تلك صلاة المنافقين، يجلس أحدهم حتى إذا اصفرت الشمس، وكانت بين قرني الشيطان، أو على قرني الشيطان، قام ينقر أربعا، لا يذكر الله فيها الا قليلا وما روى عنه صلى الله عليه وسلم من أن وقتها ما لم تصفر الشمس، من رواية ابن عمر وغيره.

128 - زينب بنت رسول الله عليه السلام، وزوجها

وتوبيخه اياه على اياه على ترك الفضيلة كتوبيخ عمر بن الخطاب لعثمان بن عفان، رضي الله عنهما، بقوله: آلوضوء أيضا، وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالغسل؟ اذ جاء وهو يخطب، فقال له: أية ساعة هذه؟ فقال: يا أمير المؤمنين، انقلبت من السوق، فسمعت النداء، فما زدت على ان توضأت. وبالله التوفيق. [128]- زينب بنت رسول الله عليه السلام، وزوجها وسأله رجل من أهل جيان، في مسألة المدونة، وهي ما ذكر فيها عن عطاء بن أبي رباح أن زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تحت أبي العاص بن الربيع، فأسلمت، وهاجرت، وكره زوجها الإسلام. فبين لنا ما كانت عليه زينب، رضي الله عنها، قبل ذلك، وان قائلا قال: ان بنات النبي، عليه السلام، كن في وقت كذا على الشرك غير مسلمات. فاشرح لي صواب القول في ذلك، بتوفيق الله تعالى، معانا ان شاء [120] الله تعالى.

129 - أموال الولاة المعتدين، والمربطين، والمرتشين.

فأجاب، رضي الله عنه، على ذلك بجواب نصه: تصفحت يا سيدى، أعزك الله بطاعته، وتولاك بكرمته - سؤالك ووقفت عليه. ولا امتراه في أن زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي عنها، كانت على غير الإسلام، قبل أن تسلم، لأن الله تبارك وتعالى بعث نبيه، عليه السلام بالايمان والاسلام، على فترة من الرسل، وقد درست الشرائع والأديان، وعم الكفر والضلال، وأشرك في عبادة الله الأوثان، وكان الله عز وجل قد تولى نبيه عليه السلام، قبل مبعثه، فعصمه من الفواحش والأثام، وكره اليه ما كان عليه رهطه وعشيرته من عبادة الأوثان، وحبب اليه الانفراد والخلاء، فكان يذهب إلى التحنث في غار حراء، حتى جاءه الحق وهو فيه، ولا شك في تمسك بناته اللواتي ولدن قبل بعثه، بهدية، واتباعه على سيرته وفعله. والله ولي التوفيق برحمته. والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. [129]- أموال الولاة المعتدين، والمربطين، والمرتشين. قال الفقيه، الإمام الحافظ، أبو الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد رضي الله عنه: ان سأل أحدهم عن حكم أموال الظلمة، والولاة المعتدين، ومن كان في معناهم، كالمرابين والمرتشين، وأشباهم من المخلطين، في خاصة

أنفسهم، وما يجوز من معاملتهم. حالتان لهذه الأموال فالجواب: أن ذلك ينقسم على قسمين: أحدهما: أن يكون الحرام قد ترتب في ذمة آخذيه، وفات رده بعينه، إلى أربابه ومالكيه. والثاني: أن يكون الحرام قائما بعينه، عند آخذيه، ولم يفت رده بعينه، إلى أربابه ومالكيه. صور الحالة الأولى: المال الحرام في الذمة. فأما القسم الأول، وهو أن يكون الحرام قد ترتب في ذمة آخذيه، وفات رده بعينه إلى ربه، ومالكيه، فلا يخلو من ثلاثة أحوال: أحدها: أن يكون الغالب على ماله الحلال. والثاني: أن يكون الغالب على ماله الحرام. والثالث: أن يكون ماله حراما، اما بأن لا يكون له ماله حلال، واما بأن يكون قد استهلك من الحرام أكثر مما كان له من الحلال، فيكون مستغرق الذمة بالحرام. فأما الحال الأولى، وهى أن يكون الغالب على ماله الحلال،

فالواجب عليه، في خاصة نفسه: ان يستغفر الله تعالى، ويتوب اليه، برد ما عليه من الحرام لأربابه ان عرفهم، أو التصدق به عنهم، ان لم يعرفهم: فما كان من ذلك غضبا، أو سرقة أو خيانة، تصدق بوزنه، ان كان عينا، أو بالاكثر من قيمته يوم غصبه، أو الثمن الذي باعه به، إن كان عرضا، فباعه. وقد قيل: ان عليه أكثر مما انتهت اليه قيمته من يوم غصبه إلى يوم باعه، أو من الثمن الذي الذي باعه به. وان علم صاحبه في ذلك كله، اداه اليه، وما كان من ذلك من تغريم مال أغرمه أهل عمله للوالي، الذي قدمه على وجه العداء، لزمه أن يغرم لهم جميع ما قبضه منهم، وارتفع اليه، وجرى على يديه، دفعه إلى الوالى الذي قدمه، أو استأثر به نفسه، وان لم يعرفهم بأعيانهم تصدق به عنهم. وكذلك ما أهدي اليه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: هدايا الأمراء غلول كانت الهدية التي أهديت اليه على رد مظلمة، أو حكم بحق، أو قضاء بجور، غير أنها ان كانت على قضاء بجور، لزمه مع غرم الهدية، غرم ما أتلف على المحكوم عليه بالجور. وما كان من ذلك من ربا، أربي فيه في عرض، أو دين، لزمه أن

يتصدق بالزائد على رأس ماله من الدين أو العرض، لقول الله عز وجل: {وان تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون} [سورة البقرة اللآية: 279] وان كان الربا من بيع الذهب بالذهب، والورق بالورق، متفاضلا، لزمه أن يتصدق بما أخذ زائدا على ما اعطى، وان كان هو الذي أعطى الزائد، لم يلزمه الاستغفار. وان كان الربا من بيع دنانير بدراهم، أو دراهم بدنانير، نظرة لزمه أن يتصدق بما زادت قيمة ما أخذ على ما أعطى، بصرف يوم يتحرى من ذلك. والاختيار: أن يتصدق بما زادت قيمة ما أخذ على ما أعطى، بأعلى الصرفين. وان علم من بايعه في ذلك كله، رد عليه ما أربى فيه معه. فاذا فعل ذلك كله سقطت جرحته، وصحت عدالته وبرئ من الاثم، وطاب له ما بقي من ماله، وجازت مبايعته فيه، وقبول هديته وأكل طعامه، باجماع من العلماء. [121] معاملة صاحب المال المشبوه. واختلف إذا لم يفعل ذلك، في جواز معاملته وقبول هديته، وأكل طعامه فأجاز ابن القاسم معاملته، وأبى ذلك ابن وهب، وحرمه أصبغ، وقبول هديته وأكل طعامه محمول على ذلك. وقال ابن القاسم هو القياس، لأن الحرام قد ترتب في ذمته، فليس

متعينا في جميع ما في يده من المال، بعينه شائعا. وأما قول ابن وهب فوجهه: أن الحرام. لما اختلط بماله. صار شائعا فيه، فاذا عامله في شيء منه، فقد عامله في جزء من الحرام، فرأى ذلك من المتشابه، ومنع على وجه التوقي، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات، فمن اتقى المشتبهات، استبرأ لدينه} وعرضه الحديث. وأما قول أصبغ فانه تشديد، على غير قياس، لأنه جعل ماله كله عينا حراما، لأجل ما خالطه من الحرام، فقال: ان من عامله فيه وجب عليه أن يتصدق بجميع ما أخذ، وهو بعيد،، والله أعلم. ترجيح قول ابن وهب. فترك معاملته والامتناع من قبول هديته، أولى لمن أراد التورع لاسيما إذا كان ممن يقتدى به. والله الموفق لمن يشاء برحمته. [2] وأما الحال الثانية، وهو أن يكون العالب على ماله الحرام، فالحكم فيما يجب على صاحبه، في خاصة نفسه، على ما تقدم سواء. معاملة صاحب المال الغالب عليه الحرام. وأما معاملته، وقبول هديته، فمنع من ذلم أصحابنا، قيل: على

وجه الكراهة وقيل: على وجه التحريم، الا أن أن يبتاع سلعة حلالا فلا بأس أن تشتري منه، وأن تقبل منه هبة، ان علم أنه قد بقي بيده ما يفي بما عليه من التباعات، على القول بأن معاملته مكروهة. وأما لو ورث سلعة، أو وهبت له لجاز أن تبتاع منه، وأن تقبل هبة، قولا واحدا والله أعلم. [3] وأما الحال الثالثة، وهي أن يكون المال كله حراما، اما بأن لا يكون له مال حلال، واما بأن يكون قد استهلك من الحرام أكثر مما كان معه من الحلال، فالواجب عليه، في خاصة نفسه، أن يتصدق بجميع ما في يديه من المال، أو بعضه، في وجه من وجوه منافع المسلمين، على اختلاف بين أهل العلم: هل حكم هذا المال، الذي قد جهل أهله حكم الصدقة، أو حكم الفيء؛ حتى لا يبقى معه منه شيء، الا ما يستر به عورته، ويسد به جوعته. المديان وصاحب هذا المال الحرام كله. والفرق بينه وبين المديان، الذي يترك له، إذا فلس، لبسة مثله وثوبا جمعته، إذا لم يكن لهما كبير ثمن وما يعيش به هو وأهله

الأيام اليسيرة: أن الغرماء عاملوا المفلس باختيارهم، فدخلوا معه على أن يلبس ما يشبه، وينفق على أهله وعياله، بخلاف هؤلاء، الذين لم يعاملوه، ولا دخلوا معه على ذلك، ولا أذنوا له في شيء منه. معاملة صاحب المال الحرام. وأما معاملته، ومبايعته في ذلك المال، فيتحصل في ذلك أربعة أقوال: أحدها: أنه لا تجوز مبايعته فيه، ولا معاملته، ولا قبول هديته، ولا أكل طعامه، وان كان الشيء الذي وهب، أو الطعام الذي أطعم، قد علم أنه اشتراه، أو ورثه، أو وهب له، لأنه إذا صار اليه، وملكه، بوجه من الوجوه، وجب لأهل تباعاته، فصار حكمه كحكم سائر ما في يديه، فلم يجز له اتلافه عليهم بهبة ولا غيرها، وان جهلوا؛ لأنه في حكم المديان الذي قد اغترقت الديون ذمته، لا تجوز هبته عندنا، خلافا لأهل العراق. والقول الثاني: أن مبايعته ومعاملته تجوز في ذلك المال، وفيما اشتراه من السلع أو ورثة، أو وهب له، إذا عامله بالقيمة، ولم يحابه ولا تجوز هبته في شيء من ذلك ولا محاباته فيه. ووجه هذا القول: أنه إذا عامله بالقيمة، لم يدخل على أحد من أهل تباعاته نقصا.

ترجيح والقول الأول هو الصحيح: لأن البيوع على وجه المكايسة، لا تنفك من المغابنة فقد يكون الذي يأخذ أكثر من الذي يعطي، بما يتغابن الناس في مثله، في البيوع، وقد ترخص السلعة، التي باع منه، أو تغلو التي اشترى منه، فيكون قد أدخل على أهل تباعاته بذلك نقصا بغير اذنهم. ولأنه في هذه الحال، لاستبداده بالحرام، وامتناعه من جريان الحق عليه، في حكم المضروب على يده، لا تجوز مبايعته؛ ألا ترى أنه لا يجوز له أن يقضي بعض أهل تباعاته دون بعض، ان علمهم، بخلاف من أحاط بماله، لأن الغرماء قد دخلوا معه على أنه يبيع [122] ويشتري، فهو مطلق على ذلك، ما لم يضربوا على يده ويفلسوه، وله أن يقضي بعض غرمائه دون بعض، على اختلاف من قول مالك رحمه الله في ذلك. والقول الثالث: أنه لا يجوز لأحد أن يبايعه في ذلك المال، فان باع منه أحد سلعة كانت تلك السلعة عليه حراما، وكان الثمن على البائع حراما. فان باع هو تلك السلعة، التي اشتراها بذلك المال، وكان أصلها طيبا، طابت للمشتري، وكذلك لو أهداها لرجل، طابت للمهدى له وكذلك ما ورث من السلع، أو وهب له يجوز أن تشتري منه، وان تقبل منه هدية.

وهذا القول يروى عن ابن سحنون وابن حبيب، قال ابن حبيب: وكذلك هؤلاء العمال ما اشتروه في الأسواق، فأهدوا لرجل، طاب للمهدى له. ووجه هذا القول: أن العين الحرام من الدنانير والدراهم لا تؤثر فيه الغيبة عليه، فهو ما كان في يديه، له حكم العروض المعينات، لا يجوز أن تشترى منه، ولا أن تقبل منه هدية، فاذا اشترى به عرضا، صار الثمن في ذمته، لتحويله في العرض، وكان عليه، هو ذلك العرض حراما، لأنه اشتراه بمال حرام، فان وهبه لرجل، أو باعه منه، طاب للمشترى وللموهوب له، لأن أصله حلال، وقد ترتب الحرام في ذمة البائع والواهب، فهو المأخوذ به، والمسؤول عنه. وما روي: أن سحنون أتى بدينارين من مديان لا يرضاه فأرسل بهما إلى رجل، ليبد لهما له، فاستجازهما لتبدل الملك، ولا وجه له، الا أن يكون معناه: أنه كرههما لفساد سكتههما، لا لخبث أصلهما فاستجازهما لتبدل الملك اليه، من عند الذي أتى بهما من عنده، فيتخرج ذلك على القول الرابع، الذي نذكره، بعد، ان شاء الله ويكون ذلك، أيضا، خلاف المعروف من قوله، والمعلوم من روعه وفضله. وأما أن يكون أنه روي: أنهما طابا له بالمبادلة، فذلك بعيد، اذ

لا اختلاف بين أحد أهل العلم، أن المأخوذ في عوض الحرام حرام وانما الاختلاف في المأخوذ في عوض الحلال من الحرام إذا كان عينا قد غاب عليه صاحب الحرام، على ما سنذكره ان شاء الله. شراء السلعة الحلال بمال حرام. ففي شراء السلعة الحلال، تشترى بمال حرام، ثلاثة أقوال. [1]- أحدها: أن ذلك جائز، علم البائع بخبث الثمن، أو لم يعلم وهو قول ابن سحنون، وابن حبيب. [2]- والثاني: أن ذلك لا يجوز، وهو قول سحنون. [3]- والثالث: أن ذلك جائز، ان علم البائع بخبث الثمن، ولا يجوز ان يعلم، وهو ابن عبدوس. قال الدوادي نحا ابن عبدوس في قوله منحى الورع، ولم يصب، لأنه إذا لم يعلم، أعذر منه إذا علم. وليس قول الداودي بصحيح، وانما المعنى، فيما ذهب اليه ابن عبدوس أنه إذا علم البائع بخبث الثمن، فقد رضي بمعاملته، وصحت السلعة للمشترى، فجاز أن تشترى منه، واذا لم يعلم بخبث الثمن، كان له، إذا علم، أن ينقض البيع، ويسترد سلعته، لأنه يقول: انا لم أرض بمبايعة من استغرقت ذمته بالحرام، فاذا أوجب له نقض

البيع، وأخذ سلعته، لم يجز أن تشترى من المشتري، وهو كلام صحيح ينبغي أن يحمل على التفسير لقول ابن سحنون وابن حبيب، بأن يتأول عليهما أنهما إنما أراد بالمساواة بين أن يعلم البائع أو لا يعلم، في حين عقد البيع، إذا علم بعد ذلك، ورضي، فترجع المسألة إلى قولين: أحدهما: قول سحنون، أن ذلك لا يجوز وهو الصحيح، لما قد ذكرناه من أنه في حكم المضروب على يده. والثاني: أن ذلك جائز، إذا علم البائع بخبث الثمن، وكذلك لو ورث السلعة، أو وهبت له، لتخرج جواز شرائها منه على قولين، والله أعلم. والقول الرابع: أن المال الخبيث الحرام، إذا كان عينا، فهو على غاصبه حرام، فان وهبه لرجل، أو اشترى به منه سلعة، بعد أن غاب عليه، فهو حلال للبائع والموهوب له، حكي هذا القول عن ابن مزين وغيره، وعلى هذا، يرث ذلك المال عنه ورثته وهو قول ابن شهاب والحسن البصري: روي عن ابن شهاب أنه قال: فيمن كان على عمل، فكان يأخذ

منه الرشوة، والغلول، والخمس، وفيمن كانت أكثر تجارته الربا: أن ما تركا من الميراث سائغ لورثتهما، بميراثهم، بميراثهم، الذي فرضه الله لهم، علموا بخبث كسبه، أو جهلوه واثم الظلم على حانية. وروي عن الحسن أنه دخل على عبد الله بن الأهتم، يعوده في [123] مرضه فجعل عبد الله يصوب النظر إلى صندوق في بيته، فقال له: يا أبا سعيد، هذه مائة ألف، لم أود منها زكاة ولم أصل منها رحما، فقال الحسن لولده، بعد موته: أتاك هذا المال حلالا، فلا يكن عليك وبالا، أتاك، عفوا صفوا، ممن كان له جموعا منوعا، من باطل جمعه، ومن حق منعه. جوائز الخلفاء بين مالك والليث. ومن حجة من ذهب إلى هذا القول: أن عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه، لما ولي أعطي بيت المال، الذي وجده لمن قبله من أمراء الجور الفقهاء وغيرهم ممن يستحي العطاء، لأن ذلك قد صار مضمونا على جابيه في الذمة. وهذا لا حجة فيه، لأن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة أدى ما علم من المظالم في بيت المال. وقد كانوا يجبون الحلال والحرام. وقد قال سحنون في العتبية: ان جل ما كان يدخل بيوت الأموال بالامر المستقيم والذي كانوا يظلمون فيه قليل في كثير وهذا والله أعلم، تأول من قبل جوائز من لا يرضي من الخلفاء،

كالليث ومالك، رحمهما الله لأنه قد روي عن مالك أنه قال: المال المأخوذ في غير حق لا يحل لقاض في رزقه، ولا لعالم ولا لغيره. فلم يكن مالك، رحمه الله ليأخذ من مال يعتقد أنه لا يشوبه حلال، وهو يطلق القول فيه بأن ذلك يحل، وانما أخذ مما اعتقد أنه يشوبه الحلال تقية على نفسه ومداراة عليها، وهو لذلك كاره، ألا ترى أنه كان ينهى الناس عن الأخذ، فاذا قيل له: فإنك تأخذ؟ أكره أن أبوه باثمي واثمك. وهذا الاختلاف كله انما يصح إذا جهل أهل التباعات، وأيس من معرفتهم، وأما إذا علموا وتعينوا، فلا يصح من ذلك إلا القول الأول، والله أعلم. المستغرق الذمة بالحرام عندما تشغل ذمته من جديد. فصل. ولو اغتصب هذا المستغرق الذمة بالحرام رجلا دنانير، أو دراهم، أو طعاما، فغاب على ذلك، ولم يعرف بعينه، لساغ للمغصوب منه أن يضمنه في ذلك كله المثل، اذ لم يدخل على أهل تباعاته، لما أخذ نقصا. وكذلك لو اغتصب منه سلعة، فجحدها، لساغ له أن يضمنه قيمتها، لأنه لا يدخل بذلك، أيضا، على أهل تباعاته نقصا، قولا واحدا. وأما لو جنى على دابة رجل، فقتلها، أو على ثوبه، فخرقه، أو أفسده، لما ساغ له أن يضمنه القيمة في ذلك إلا على القول

الرابع، لأنه يدخل بذلك على أهل تباعاته نقصا. وكذلك اجارة في حجامته الا على القول الرابع، لأنهم يدخلون بذلك على أهل تباعاته نقصا، ولو كانت الاجارة فيما يتعلق بماله لجرت مجرى مبايعته وقد تقدم القول في ذلك. المستغرق الذمة بالحرام لا يتزوج بالمال المغصوب. ولا يجوز له، هو، أن يتزوج بذلك المال، لأنه كالمضروب على يده فيه، وقد سئل مالك، رحمه الله، عن الرجل، يتزوج بالمال الحرام: اتخاف أن يكون ذلك مضارعا للزنا؟ فقال: إي والله، إني لأخافه، ولكني لا أقوله. وكذلك لا تخالع به المرأة زوجها، ان كانت امراته ولا يؤدى منه أرش جناية عمدا كانت أة خطأ، ويطيب المهر للمرأة والخلع للزوج، والارش للمجني عليه على القول الرابع وان كان ذلك لا يجوز للدافع. المستغرق الذمة بالحرام لا يورث عنه ماله ولا تجوز وصاياه. فصل. ولا يرثه عنه ورثته، ولا تجوز فيه وصاياه، لأن التباعات التي عليه هي احق بماله ورثته، ومن أهل وصاياه، لأنها ديون

عليه ولاميراث لأحد الا بعد أداء الدين لقول الله عز وجل: {من بعد وصية يوصى بها أو دين} [سورة النساء الآية: 12] فان جهل أهل التباعات ويئس من معرفتهم تصدق بالمال عنهم، فان كان الورثة فقراء فقد ساغ لهم أن يأخذوه على سبيل الصدقة عن أهل التباعات لا على سبيل الميراث عن مورثهم هذا هو الصحيح من الأقوال. وما تقدم عن الزهري، والحسن البصرى، انما يتخرج على القول الرابع على ما ذكرناه. وقد قيل: ان ورثته ان كانوا ممن ينتفع بهم المسلمون ويغني عنهم في وجه من الوجوه، التي يجب أن يرزقوا عليها من بيت المال، ساغ لهم ان يأخذوه أيضا لانتفاع المسلمين بهم، على مذهب من يرى حكم هذا المال حكم الفيء لا حكم الصدقة. والقياس على ها القول: أن يأخذوه على سبيل الميراث لأنه إذا رأى حكمه حكم الفيء، فقد أسقط حق أهل التباعات منه للجهل، [124] واذا أسقط حقهم منه وجب أن يكون ميراثا للورثة للموالي بالنسب، كما أنه إذا سقط حق الورثة، للجهل بقعددهم كان ميراثا للموالي بالولاء ولو لم يسقط حق أهل التباعات منه للجهل بهم لوجب أن يتصدق

به عنهم وهو القول الآخر وهذا بين. الحالة الثانية المال الحرام لا زال بعينه. وأما القسم الثاني، وهو أن يكون الحرام قائما بعينه، عند آخذه لم يفت؛ رده بعينه إلى ربه ومالكه، فسواه كان له مال سواه أو لم يكن، لا يحل لأحد أن يشتريه منه ان كان عرضا، ولا يبايعه فيه ان كان عينا، ولا يأكله أن كان طعاما، ولا يقبل شيء من ذلك هبة، ولا يأخذه منه في حق له عليه، ومن فعل شيئاً من ذلك، وهو عالم، كان سبيله سبيل الغاصب، في جميع أحواله. وكذلك إذا فات عند الغاصب، ولم تذهب عينه بأمر من السماء، أو بجناية غير الغاصب عليه، لأن ذلك لا يقطع تخيير صاحبه في أخذه. وكذلك أيضا، لو أفاته الغاصب افاته لا تقطع تخيير صاحبه في أخذه، مثل أن تكون شاة، فيذبحها، أو بقعة فيبنيها، أو ثوبا فيخيطه، أو يصبغه، وما أشبه ذلك. ولو أفاته إفاتة تلزمه بها القيمة، أو المثل، فيما له مثل، ويسقط خيار بها في أخذها، عند بعض بعض العلماء، كالفضة يصوغها حليا، أو الصفر يعمل منه قدحا، أو الخشبة يصنع منها توابيت، أو ابوابا، أو الصوف والحرير والكتان يعمل من ذلك ثيابا وما أشبه ذلك، لما جاز، ايضا لأحد أن يشتريه، ولا أن يستوهبه لجلالة من يقول من العلماء: ان

لرب هذه الاشياء أن يأخذ الفضة مصوغة، والصفر معمولا، والخشب مصنوعا، والثياب، دون شيء يكون عليه للغاصب، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ليس لعرق ظالم حق}. ألا ترى أن رجلا لو غصب قمحا فطحنه، وخبزه، وشاة، فذبحها، وصنع منها طعاما، انفق عليه في عمله أضعاف قيمته، لما ساغ لأحد ان يستحيز أكله، على قول من لا يرى لربه الا مثل القمح، وقيمة الشاة. غصب العمل أو البذار. ولو غصب الغاصب بقرا وعبيدا، فحرث بأولئك العبيد، وتلك البقر أرضا حلالا، بزريعة حلال فرفع من ذلك زرعا لكان اشتراه ذلك الزرع منه مكروها مذهب حتى يصلح شأنه مع رب العبيد والبقر، لا خلاف في أن الزرع للغاصب، وليس قوة الكراهة في ذلك ككراهة شراء القمح، الذي غصبت زريعته، لأن من اهل العلم من يرى الزرع لصاحب الزريعة. غصب الأرض. وأما من غصب أرضا، فزرع زريعة حلالا، فلا يجوز الاشتراء من قمحه، لأن الخلاف في أن الزرع لصاحب الارض قوى مشهور، لقول

رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ليس لعرق ظالم حق}.لأنه يشبه ولادة الحيوان المتفق عليها. الأصل العام للمعاملة مع الغاصب. فعلى هذا فقس ما أشبه هذه الوجوه: ما كان من ذلك لا اختلاف بين أهل العلم أنه لا حق للمغصوب منه في عينه، ولا تخيير له في أخذه، فيكره اشتراه ذلك من الغاصب؛ حتى يصلح شأنه مع المغصوب منه. وما كان من ذلك فيه اختلاف ضعيف شاذ، قويت الكراهة في اشترائه من الغاصب، قبل أن ينصف المغصوب منه. وما كان من ذلك فيه لا اختلاف في أن المغصوب مخير في أخذه، لم يحل لأحد اشتراؤه. فقف على هذا الاصل، واحمل عليه جميع فروعه، تصب ان شاء الله. تفويت المغصوب معاوضة. فصل. واما إذا أفات الغاصب الشيء المغصوب بالمعاوضة فذلك يختلف على ما أذكره.

بيع الغاصب العرض المغصوب بعرض آخر. أما ان باع الغاصب العرض، الذي اغتصبه، بعرض آخر، لم يحل لأحد أن يشتري منه، أيضا، ذلك العرض، من أجل أن للمغصوب منه أن يأخذه، لأنه ثمن عرضه، الا أن يفوت العرض عند الغاصب، فيختار منه أن يأخذ عرضه من المشتري، فيجوز حينئذ أن يشترى ذلك العرض من الغاصب. وان لم يكن مستغرق الذمة، على ما تقدم من مذهب ابن القاسم. وكذلك ان باع الغاصب العرض الذي اغتصبه بعرض، ثم باع ذلك العرض بعرض آخر، لم يحل أن يشتري منه ذلك العرض، الا أن يفوت، فيختار المغصوب منه أن يأخذ عرضه من المشتري، الأول أو ثمنه من المشتري الثاني، ويكون الغاصب غير مستغرق الذمة، على ما تقدم من مذهب ابن القاسم، أيضا. بيع العرض المغصوب بدنانير أو دراهم. ولو باع الغاصب العرض، الذي اغتصبه بدنانير أو دراهم لم يجز لأحد أن يبيعه عرضا بتلك الدنانير والدراهم بأعيانها، ان لم يكن مستغرق الذمة، الا على تأويل ضعيف وهو أن العين لا يتعين، على قول قائل. ولو اشترى الغاصب بالدنانير أو الدراهم بأعيانها التي باع بها العرض المغصوب عرضا آخر، لجاز أن يشتري منه ذلك العرض، ان لم يكن مستغرق الذمة، لأن المغصوب منه لا سبيل له على هذا العرض، وانما هو مخير بين أخذ عرضه من الذي اشتراه، ويرجع الذي اشتراه

على الغاصب بالثمن، وبين أن يجيز البيع ويأخذ مثل الثمن من [125] الغاصب ومن أهل العلم من لا يرى للمغصوب منه ان يجيز البيع ويأخذ الثمن، لأن الاستحقاق عنده يبطل البيع، فكان لم ينعقد، فيرى الصفقات كلها منتقضة، لأن العين عنده كالعرض، ان كان اشترى به بعينه، ولم تقع الصفقة بالعرض، ثم دفع تلك العين. شراء سلعة بدراهم أو دنانير مغصوبة بأعيانها ولو غصب الغاصب دنانير، أو دراهم، لم يجز لأحد أن يبيع بها منه سلعة، ولا أن يقبلها منه هبة، وان لم يكن مستغرقة الذمة ولا أن يأكل من طعام اشتراه بتلك الدنانير أو الدراهم؛ وهذا إذا اشترى الطعام، أو السلعة، بتلك الدراهم أو الدنانير بأعيانها، لأن من أهل العلم من يرى البيع بها منفسخا، ويجعل الطعام والسلعة باقيين على ملك بائعها. شراء سلعة بدراهم أو دنانير مغصوبة، على الذمة وأما لو اشترى ذلك على ذمته، ثم نقد فيه تلك الدنانير أو الدراهم المغتصبة، لكان أكل ذلك الطعام، وشراء تلك السلعة مكروها، حتى ينصف المغصوب منه الدنانير أو الدراهم، أو يتحلل منها. شراء سلعة اشتريت بدنانير أو دراهم مغصوبة ولو غصب الغاصب دنانير أو دراهم، فاشترى بها بأعيانها سلعة لم يجز أن تشترى منه تلك السلعة، اذ من أهل العلم والعمل من يقول:

ان البيع الواقع بها غير منعقد، وان السلعة باقية على ملك بائعها، على ما ذكرناه، وهو قول الشافعي والمروزي وجماعة سواهما. وقد قيل: ان البيع منعقد، وللمغصوب منه الدنانير والدراهم أن يأخذ السلعة، السلعة التي اشترى بها الغاصب. وعلى قياس هذا القول، يأتي قول عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما ونافع مولاه، فيمن تعدى على وديعة فتجر فيها، وربح فيها: أن الربح لصاحبها. غلة المغصوب فصل، واختلف في غلات المغصوب، فقيل: انها للغاصب، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم {الخراج بالضمان} وقيل: انها للغاصب الا ما كان منها متولدا عن الشيء المغصوب، كلبن الغنم، وصوفها، وثمر الشجر فانه للمغصوب منه، لأنه متولد عن الشيء المغصوب، فأشبه ولادة الحيوان، وقيل: انه ليس للغاصب من ذلك إلاكراء الحيوان والثياب وهو الذي يأتي على آخذ قولي مالك في المدونة وقيل: انه ليس للغاصب من ذلك شيء لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم {ليس للعرق ظالم حق} وقيل: ان حكم غلات المغصوب كلها حكم الشيء المغصوب في جميع الاشياء. مراعاة الخلاف. فلا يجوز، لهذا الاختلاف لأحد أن يبتاع من الغاصب شيئاً من غلات المغصوب كلها كانت تمر نخل أو لبن شاة، أو خراج رقيق، أو

130 - ما يولد عليه الأطفال، ومصيرهم في الأخرى

كراء مساكن، ولا أن يستجيز قبول شيء من ذلك على وجه الهبة والعطية الا ان أشد هذه الأشياء، وأثبتها في التحريم، لبن الماشية وصوفها، وثمر النخيل وسائر الاشجار لقلة القائلين من أهل العلم: انها للغاصب، ثم يليها كراء المساكين، ثم يليها كراء الحيوان، والثياب، لكثرة القائلين من أهل العلم: انها للغاصب. وبالله التوفيق. لا شريك له. [130]- ما يولد عليه الأطفال، ومصيرهم في الأخرى قال الفقيه الإمام، الحافظ، أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد رضي الله عنه: سألني سائل على أن ألخص له اختلاف أهل العلم فيما يولد عليه الأطفال في الدنيا، وما يصيرون اليه من جنة أو نار في الدار الآخرى، وأدل على الصحيح من ذلك على مذهب أهل الحق والسنة، والمعتصمين بالقرآن وما يجب أن يحمل عليه ما ورد في ذلك من الآثار. فقلت بعد حمد الله تعالى، وجل، كما أوجب من حمده، والصلاة على محمد نبيه وعبده. هذه مسألة قد اختلف أهل العلم، فيها اختلافا كثيرا.

[1]- الميلاد على الإسلام، والمصير الجنة فمنهم من ذهب على أنهم يولدون على الإسلام، ويصيرون إلى الجنة، واستدل على ذلك بقوة النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة: " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه، أو ينصرانه " الحديث، فجعل الفطرة الإسلام، وجعل الحديث على العموم، اذ قد روى، أيضا: " ما من مولود الا يولد على الفطرة " [2]- التوقف عن الحكم. ومنهم من ذهب إلى أنهم لا يولدون لا على كفر، ولا على ايمان وأنهم، يصيرون إلى ما سبق لهم في علم الله من شقوة أو سعادة فلا يحتم على واحد منهم بجنة ولا نار. [126] واستدل بما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: أتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي، من صبيان الأنصار، ليصلي عليه، فقلت: طوبى له، عصفور من عصافير الجنة، لم يعمل سوءا، ولم يدركه ذنب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أو غير ذلك يا عائشة؟ ان الله تعالى خلق الجنة وخلق لها أهلا، وخلقهم في أصلاب آبائهم. وخلق النار وخلق لها أهلا، وخلقهم في أصلاب آبائهم ".

وليس من صحيح الحديث الذي يعتمد عليه وتأويل الفطرة المذكورة في الحديث: حديث أبي هريرة، على الخلقة، لا على الإسلام، واستدل لتأويله بما في آخر الحديث، من قوله، فيمن يموت وهو صغير " الله أعلم بما كانوا عاملين " [3]- البعض يولد مؤمنا والبعض الآخر يولد كافرا. ومنهم من ذهب إلى أن منهم من يولد على الإسلام، ومنهم من يولد على الكفر، وان كان أبواه مؤمنين واستدل على ذلك بحديث عائشة المذكور وبما روى من أن " الغلام الذي قتله الخضر كان طبع كافرا " ولم يحمل حديث أبي هريرة على العموم، لاحتمال الخصوص، على ما سنذكره فيما بعد ان شاء الله. [4]- يولد أولاد المسلمين على الإسلام وأولاد الكافر على الكفر. ومنهم من ذهب إلى أن أولاد المسلمين يولدون على الإسلام ويصيرون إلى الجنة، وان أولاد المشركين يولدون على الكفر، ويصيرون إلى النار. واستدل بحديث الصعب بن جثامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، في أولاد المشركين وهو منهم أو هم مع الآبار، وبأنه قال في أولاد المسلمين: لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد، فيحتسبهم،

الا كانوا له جنة من النار قالوا: فمحال أن يكونوا لأبويهم جنة من النار وهم من أهل النار، وبما أشبه ذلك من الآثار. تحصيل. فيتحصل في أطفال المسلمين قولان: أحدهما: أنهم في الجنة، والثاني: أنهم في المشيئة وفي اطفال المشركين ثلاثة اقوال، احدها: أنهم في الجنة والثاني: أنهم في المشيئة، والثالث: أنهم في النار، وقد قيل انهم توجج لهم يوم القيامة نار، ويقال لهم: اقتحموها، فمن أطاع واقتحمها، كانت عليه بردا وسلاما، وأدخل الجنة بطاعته ومن عصى أدخل النار بعصيانه. مستحيل أن يوصف غير العاقل بكفر أو ايمان فصل. فأما قول من قال: انهم يولدون على كفر أو إيمان، فلا يصح بحال، ويعلم قطعا أنه محال، لاستحالة وجود الايمان، أو الكفر مع عدم العلم والعقل، قال الله عز وجل: {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً} {سورة النحل رقم: 78} فمن المستحيل في العقل أن يوصف المولود من بني آدم بكفر أو ايمان على الحقيقة، كما يستحال أن يوصف بذلك من سواه من الحيوانات. يجب التأويل لتناقص العقل والدين، فاذا ثبت وتقرر بقيام البرهان، والدليل عليه، وجب أن يصرف

بالتأويل اليه، ما خرج عن ظاهره من الآثار، لاستحالة ورود الشرع بما ينافي العقل، كنحو ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {ألا ان بني آدم خلقوا طبقات، فمنهم من يولد مومنا، ويحيا مؤمنا، ويموت مؤمنا، ومنهم من يولد كافرا، ويحيا كافرا ويموت كافرا ومنهم من يولد مؤمنا ويحيا مؤمنا ويموت كافرا، ومنهم من يولد كافرا ويحيا كافرا ويموت مؤمنا} فنقول: ان معنى قوله في الحديث: يولد مؤمنا أي يولد وله حكم المؤمنين، في المواريث، وغسله، والصلاة عليه، ودفنه في مقابر المسلمين، وسائر ما شرع من أمره في الدين. وأن معنى قوله فيه يولد كافرا أي يولد وله حكم الكافرين، في الموارثة، وترك غسله، والصلاة عليه، ودفنه في مقابر المشركين. فالذي يولد مؤمنا ويحيا مؤمنا، ويموت مؤمنا، هو الذي يموت كبيرا من اولاد المسلمين على الايمان والاسلام. والذي يولد كافرا، ويحيا كافرا ويموت كافرا، هو الذي يموت كبيرا على الكفر من اولاد المشركين. والذي يولد مؤمنا، ويحيا مؤمنا ويموت كافرا، هو الذي يرتد إلى الكفر بعد بلوغه على الإسلام من أبناء المسلمين، فيموت على الكفر. والذي يولد كافرا ويحيا كافرا، ويموت مؤمنا، هو الذي يسلم بعد بلوغه على الكفر من أبناء المشركين، فيموت على الإسلام. وكذلك ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الغلام الذي قتله الخضر: إن الله طبعه، يوم طبعه، كافرا، فمعناه: خلق الكفر في قلبه، حين ميزه وعقله، وحكم له على ما سبق في سابق علمه،

وكان قتل الخضر اياه لكفره إما بعد بلوغه / على ما روى من أنه كان رجلا قاطع طريق، واما وهو صغير يعقل الكفر، ويعتقده، بشرع كان عليه، خلاف شرع الإسلام من وجوب الحد على من لم يحتلم. وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم {كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، كما تناتج الابل من بهيمة جمعاء}، الحديث إلى قوله {الله أعلم بما كانوا عاملين}. أولى ما قيل في تأويله: أن المراد بالفطرة المذكورة فيه: الخلقة التي خلق الله الناس عليها، لا الإسلام الذي أوجبه الله عليهم عند البلوغ، وأن المعنى المراد به: أن المولود يولد على الخلقة السلمية من الآفات، التهيئة لقول الدين عند بلوغ العقل والميز، الذي لو ترك وسوقها لاختار بها الإسلام على غيره من النحل والأديان؛ لوضوحه، وظهور الحق فيه، فأبواه ان كانا يهوديين، أو نصرانيين، يهودانه أو ينصرانه، أي يحملانه على اليهودية أو على النصرانية، ويقولانه اياها، وسمانه بسيمتها فيعرف بذلك، كما تنتج الابل سالمة الخلقة، فتثقب أنوفها، وتشق آذانها، لتعرف بذلك، فيقال: هذه بحائر، وهذه سوائب. ويؤيد هذا التأويل ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، حاكيا عن ربه عز وجل {اني خلقت عبادي حنفاء كلهم، فأتتهم الشياطين، فاختالتهم عن دينهم} لأن الحنيف، في كلام العرب، المائل، فمعنى الحديث:

أن الله خلق عباده ميلاء إلى الدين، بالجبلة التي فطرهم الله عليها، فلولا الشياطين، الذين يغرونهم عن الدين لكان جميعهم مسلمين، وهو معنى قول الله عز وجل: {فأقم وجهك للدين حنيفا، فطرة الله التي ناصر الله الناس عليها، لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيم} {سورة الروم، رقم: 30} وان كان محتملا لما سواه من التأويلات. وقد تعلق بهذا الحديث من ذهب إلى أن جميع الأطفال يولدون على اسلام، بأن أول الفطرة في الإسلام، وجعل خبر كل مولود في يولد على الفطرة فحمل الحديث على ظاهره من العموم. وتعلق به، أيضا، من ذهب إلى أن منهم من يولد على الإسلام، ومنهم من يولد على الكفر، بأن تأول الفطرة، أيضا، على الإسلام، وجعل يولد على الفطرة من صفة كل مولود والخبر فيما بعد ذلك من قوله {فأبواه يهودانه أو ينصرانه}؛ لأن تقييد الموصوف بالصفة يخص منه من ليس على تلك الصفة. وهذا كله غير صحيح لما قد بيناه من استحالة وصف من لا يعقل بكفر أو ايمان، ولو تحقق أن المراد بالفطرة المذكورة في الحديث، الإسلام، لما وجب أن يتحقق لهم بذلك، قبل بلوغ العقل، الإسلام، لاستحالة ذلك على ما ذكرناه، ولقلنا: ان المعنى في ذلك: كل مولود يولد لفطرة الإسلام، أي ليؤمن بذلك، ويتعبد به، كما تقول في قول

الله عز وجل، {وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون} {سورة الذريات، رقم: 56} ويكون ذلك مخصوصا فيمن يصح أن يتوجه اليه الأمر، أو أن المعنى فيه: كل مولود يولد فيه، وقد سبق في علم الله أن يكون مسلما، ويموت على الإسلام، وأبواه يهوديان أو نصرانيان، فهما يهودانه، أي يحملانه على اليهودية أو النصرانية، فيحكم له في الدنيا بحكمهما فيما سوى القتل، وما كان مثله، مما خص به الاطفال، وتكون فئدة الحديث، على هذا التأويل: الإعلام بأن ما فعلاه به من ذلك غير ضار له؛ اذ الأعمال بالخواتم. ويدل على هذا التأويل حديث الأسود بن سريع، قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، اربع غزوات، فتناول أصحابه الذرية، بعد ما قتلوا المقاتلة، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاشتد عليه، فقال: ألا ما بال أقوام قتلوا المقاتلة، ثم تناولوا الذرية، فقال رجل: يارسول الله، أليسوا من أبناء المشركين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انخياركم أبناء المشركين، ألا انه ليست تولد نسمة الا ولدت على الفطرة، فما تزال عليها حتى يبين عنها لسانها، فأبواها يهودانها أو يتصرانها. وموضع الدليل منه: قوله فيه ان خياركم أبناء المشركين فأخبر أنه قد يكون من أبناء المشركين من ينصره أو يهوده أبواه، وفي علم

الله / أنه يكون، كبيرا، من خيار المسلمين، بما سبق له من السعادة في أم الكتاب. وقوله في آخر الحديث، ألا انه ليست تولد نسمة الا ولدت على الفطرة. الحديث معناه ليست تولد للمشركين نسمة، قد علم الله أنها تموت كبيرة على الإسلام، وهي عند الله، من حين ولادتها، على حكم الفطرة، من ارادة تنعيمها بما علمه من خاتمتها، وان حملها أبواها على اليهودية أو النصرانية. ويدل على أنه انما قصد الاخبار عمن يموت وهو كبير، سؤالهم اياه في ىخر الحديث عمن يموت وهو صغير. فهذه وجوه يحتملها الحديث، والله أعلم بحقيقة مراده فيه، صلى الله عليه وسلم. ومما يدل على أن قول النبي صلى الله عليه وسلم {كل مولود يولد على الفطرة} لا يدل على كون الأطفال الصغار، قبل أن يعقلوا، مسلمين، قوله في آخر الحديث: {الله أعلم بما كانوا عاملين} فأخبر أنهم في المشيئة فلو كان معنى قوله، في أول الحدي انهم يولدون على الفطرة؛ أنهم يولدون على الإسلام، لما قال في آخره: انهم في المشيئة اذ قد علم من دين الإسلام ضرورة أن من مات على الإسلام فمصيره إلى الجنة. لا نسخ في الأخبار. ومن أهل العلم من ذهب إلى أن الحديث منسوخ، وأن ذلك كان في أول الإسلام، قبل أن تنزل الفرائض، ويفرض الجهاد فنسخه ما قرره

الشرع من اجازة سبي ذراري المشركين واسترقاقهم، وموارثة آبائهم اياهم. قال: فدل ذلك على أنهم انما يولدون على دين آبائهم، لا على الإسلام. ومنهم من ذهب إلى أن قوله، في آخر الحديث: الله أعلم بما كانوا عالمين ينسخ ما في أوله من أنهم يولدون على الإسلام. وذلك كله بعيد، غير صحيح، لأن الأخبار لا يدخلها النسخ، الا أن ترد لاثبات الأحكام، دون أ، يراد بها الاخبار، ولأنه قد روي في أن ذلك كان بعد فرض الجهاد، على ما جاء في حديث الأسود بن سريع. والصواب أن الحديث مبين لأول، ودال على ما ذكرناه من معناه، لا ناسخ له. الاحتجاج بأخبار الآحاد. وبالجملة، فما كان طريقه العلم لا يصح الاحتجاج فيه بأخبار الآحاد، المحتملة للتأويل، كنحو هذا الحديث وشبهه. وأما قول الله عز وجل {واذا أخذ ربك من بني آدم ظهورهم ذرياتهم، وأشدهم على أنفسهم: أليس ربكم؟} {سورة الأعراف: 272} الآية، فالمعنى فيها ما فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حديث عمر بن الخطاب على ما سنذكره

ان شاء الله، فمن قال بما سوى ذلك، فقد خالف في تأويله قول الرسول صلى الله عليه وسلم، وأتى بما لا يصح في العقول. ترجيح. فالصحيح المقطوع بصحته: أن الأطفال لا يولدون على كفر، ولا على ايمان، وأنهم انما يولدون على ما سبق لهم في علم الله من شقاوة أو سعادة، يصيرون اليها بخواتم أعمالهم، وانهم لا يخرجون عن علم الله السابق فيهم، ولا ينتقلون عنه، على ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفسير قول الله عز وجل، {واذ أخذ ربك من بني ىدم من ظهورهم ذرياتهم، وأشهدهم على أنفسهم أليس ربكم، قالوا بلي}، إلى قوله: غافلين. ثبت ان عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أنه سئل عنها، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ان الله خلق آدم، ثم مسح ظهره بيمينه، فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للجنة، وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره، فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون الحديث. فأعلم صلى الله عليه وسلم، في هذا الحديث: أن معنى الآية تقدم علم الله بأعمال بني آدم، وما يختم لهم به مما خلقهم له، من شقوة أو سعادة، وبان بقوله، أنهم يولدون على ما خلقهم له من ذلك.

ويصدق ذلك: الحديث المأثور عن ابن مسعود وغيره، واللفظ لابن مسعود قال: {حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق المصدوق: ان خلق بني آدم يمكثه في بطن أمه أربعين يوما، ثم يصير علقة أربعين يوما، ثم يصير / مضغة اربعين يوما، ثم يبعث الله عز وجل اليه ملكا، فيقول: يارب، أذكر ام أنثى، أشقي أم سعيد، فما الاجل، وما الاثر؟ فيوحى اليه، ويكتب الملك، حتى ان أحدكم ليعمل بعمل اهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها الا ذراع، أو قيد ذراع، فيغلب عليه الكتاب الذي سبق، فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار، وان الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى لا يكون بينه وبين أهل النار الا ذراع، أو قيد ذراع، فيغلب عليه الكتاب الذي سبق، فيعمل يعمل أهل الجنة، فيدخل الجنة. وما تضمنته الآية من اشهاد الله تعالى ذريات بني آدم على أنفسهم، وتقريره اياهم على أنه ربهم، واقرارهم له بالربوبية، ان لم يكن ذلك من المجاز، الذي لا ينكر وجوده في القرآن، مثل تعالى: {جدارا يريد أن ينقض فأقامه} {سورة الكهف، رقم: 77} مثل: {يوم يقال لجهنم هل امتلأت، وتقول هل من مزيد؟}. ، 30} ... {سورة ن وما أشبه ذلك، فغير مستنكر في لطيف قدرة الله تعالى أن يحييهم، ويجعل لهم، مع كونهم أمثال الذر، عقولا،

يعقلون بها خطابه، ويعلمون بها: أنه ربهم وخالقهم، ويطلق ألسنتهم بالاقرار له بذلك، ويسلب جميع ذلك الاطفال، مع كمال الخلق حين يولدون، كما ذكر، حيث يقول: {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً} [سورة النحل الآية: 78] فمن آمن بالله في شبيبة، وعبد الله حق عبادته، ثم مات كافرا، فهو ممن سبقت له من الله الشقوة في أم الكتاب، وكتب، في بطن أمة شقيا، ومن نشأ على الكفر والضلال، فأطاع الشيطان، وكفر بالرحمن، وعبد الاصنام، والأوثان، ثم ختم له عند الموت بالاسلام والايمان، فهو ممن سبقت له من الله السعادة، وكتب في بطن أمة سعيدا. فهذا هو الصحيح فيما يولد عليه الأطفال. مصير أطفال المسلمين وأما ما يصير اليه من مات منهم صغيرا، قبل أن يعقل، من جنة أو نار، فهذا لا مجال فيه للعقل، ولا مدخل فيه للقياس والرأي، ولا ورد في ذلك شيء يقطع العذر، ويوجب العلم من ناحية السمع، اذ لا طاعة لهم يدخلون بها من جملة وعده الله في كتابه، وعلى لسان رسول الله، بالثواب، ولا ذنوب لهم بها، أيضا في جملة من أوعده الله على ذنوبه بالعقاب. والذي يدل عليه الآثار: أن أطفال المسلمين في الجنة، فنحن نعلم ذلك، يقينا، بشهادة الآثار المأثورة بذلك على اختلاف ألفاظها، واتفاق معانيها. من ذلك حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: صغاركم

دعاميص الجنة " وحديثه أيضا أولاد المسلمين في جبل تكلفهم سارة وابراهيم، فاذا كان يوم القيامة دفعوا إلى آبائهم وما أشبه ذلك من الآثار. الا انا نقطع بذلك على التعميم في حق كل منهم لعدم النص في ذلك أو الاجماع المعصوم، لحديث عائشة المذكور. مصير أطفال المشركين. وأما أطفال الكفار فقد روي: أنهم في النار من ذلك حديث الصعب بن جثامة المتقدم، وما روي عن عائشة أنها، قالت: " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن ذراري المؤمنين، فقال هم مع أبائهم، قلت: بلا عمل؟ قال: الله أعلم بما كانوا عاملين. وسألته عن ذراري المشركين، فقال: هم مع أبائهم. قلت بلا عمل قال: الله أعلم بما كانوا عاملين زاد في بعض الروايات، والذي نفسي بيده: لئن شئت لأسمعتك تضاعيهم في النار " وما روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الوائدة والموءودة في النار، الا أن تدرك الإسلام الوائدة فيغفر لها " وما أشبه ذلك.

وقد روى: أنهم في الجنة. من ذلك ما روي عن عائشة أنها قالت: سألت خديجة النبي صلى الله عليه وسلم، عن أولاد المشركين فقال: هم من آبائهم، ثم سألته، بعد ذلك فنزلت: " ولا تزر وازرة وزر أخرى " [سورة الأنعام الآية: 164] فقالت " هم على الفطرة " وقال: " هم في الجنة "، وما أشبه ذلك من الآثار. وقد روى أنهم يمتحنون في الآخرة، وكل من أخبار الآحاد، التي لا توجب العلم، فلا يصح الحتم عليهم بجنة ولا نار، ولذلك كره جماعة من العلماء التكلم فيهم، روي عن ابن عباس أنه قال: لا يزال [130] أمر هذه الأمة مواتيا، أو متقاربا، حتى يتكلموا في الأطفال والقدر. فائدة التأويل. ووجه القول فيهم على استعمال الآثار؛ إذ هو أولى من حملها على التعارض وطرحها: أن تجعل الآثار التي وردت بانهم في الجنة في قوم مخصوصين منهم، سبقت لهم من الله السعادة في أم الكتاب، والآثار التي وردت بانهم في النار، في قوم مخصوصين أيضا منهم سبقت لهم من الله الشقوة في ام الكتاب، فنقول فيهم: انهم في المشيئة اذ لا ندري

الشقي منهم من السعيد، كما نقول، في العصاة من المسلمين: انهم في المشيئة، ان شاء الله أن يعذبهم، وان شاء أن يغفر لهم، اذ لا ندري الشقي منهم الذي لا يغفر له، بما سبق في أم الكتاب. ويشهد لهذا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله " الله أعلم بما كانوا عاملين " لأنه قيل: ان معناه الله أعلم بما يعمل بهم، وقيل: معناه أعلم بما كانوا يعملون لو أدركوا العمل، لأن الله عالم بما كان، وبما يكون، وبما لا يكون، لو كان كيف كان يكون، قال الله عز وجل: {ولو ردوا لعادوا لما نهوا وانهم لكاذبون} [سورة الأنعام الآية: 28] وما يفعل الله بهم من تعذيب أو تنعيم. فهو عدل منه وحكم مستقيم، يفعل ما يشاء، {ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون} [اقتباس من الآية 23: سورة الأنبياء] ويحكم بما يريد، لا راد لأمره، ولا متعقب لحكمه، فقد كان له أن يعذب المؤمنين الطائعين، وينعم الكافرين العاصين، اذ لا تنفعه الطاعة، ولا تضره المعصية ولا فوقه آمره، يقال: انه بمخالفة أمره جائز، تعالى عن ذلك علوا كبيرا، لكنه بفضله ورحمته، تفضل على المؤمنين بالخلود في الجنة التي أعدها لأوليائه المتقين، وحتم على الكافرين بالخلود في النار التي أعدها لأعدائه الكافرين. أجارنا الله منها، وزحزحنا عنها برحمته، انه غفور رحيم. وأما حكم الأطفال في الدنيا فقد قرره الشرع، وجاءت به نصوص الأخبار والروايات، فلا معنى لتكليف القول فيما هو مسطور موجود

131 - تقسيم الأفعال.

في الأمهات. وبالله التوفيق. وهو حسبنا ونعم الوكيل. [131]- تقسيم الأفعال. وقال الفقيه، الإمام الحافظ، أبو الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد، رضي الله عنه: سئلت عن وجه قول من ذهب إلى أن الأفعال لا تكون الا إما ماضية، وإما مستقبلة ونفي فعل الحال، ان كان له وجه يلوح، أو الدليل على بطلانه، ان كان غير صحيح. يقع الفعل في الحال فقلت: من زعم أن الأفعال لا تكون الا اما ماضية واما مستقبلة ونفى أن يكون، بين الماضي والاستقبال، حال تقع فيها الأفعال، فقد أخطأ خطأ ظاهرا، وأتى بمحال؛ لأنا نعلم، ببديهة العقل وضرورته، استحالة ايقاع الفعل في الزمان الماضي، وفي الزمان الالمستقبل؛ إذ لا منازعة في أنه لا يقدر أحد على أن يضرب عبده في الزمان الماضي بعد ذهابه، ولا في الزمان المستقبل، قبل اتيانه، فاذا تقرر أن ايقاع الفعل في الزمان الماضي، وفي الزمان المستقبل مستحيل، علم أنه انما يقع في الحال التي بينهما او لو امتنع وقوعه، أيضا في الحال التي بينها لما وجد فعل بحال، وذلك باطل ومحال. فالفعل انما يقع في الوقت من الزمان الذي بين الماضي والاستقبال، مع مرور الأزمان شيئاً بعد شيء، لأنه حركات وسكنات، فتقع كل

حركة منه أعني من الفعل أو السكون في زمن واحد، على التوالى والاتصال. حتى ينقضي الفعل، فتنقضي بانقضائه الأزمان التي وقع بجملته فيها، ويصير بعد تمامه ماضيا، لحصوله بتمامه فيما مضي من الأزمان. وقد كان قبل الشروع فيه مستقبلا، موصوفا، بالاستقبال فلما كان الفعل بعد تمام فعله ماضيا، وقبل التشبث بفعله مستقبلا، بطل أن يكون بجملته، في حال التشبث بفعله، ماضيا أو مستقبلا، لذهاب بعضه، وبقاء بعضه، على ما قررناه من أنه حركات وسكنات، لا تأتي الا في الزمن الواحد منه الا حركة واحدة أو سكون واحد، وجب أن [131] يختص في تلك / الحال، أعني حال التشبث به، باسم الحال، لأنه الزمان الذي يجرى عليه، وينضاف منه ما قبله وما بعده اليه فيكمل، ويصير كالشيء الواحد، لقرب بعضه من بعض، واتصال بعضه ببعض. فهذا تحقيق القول في هذه المسألة من طريق النظر، الذي تشهد العقول بصحته، ولا ترتاب فيه وتذعن إلى الاقرار به ويقضى بفساد قول من قال من النحاة: ان الافعال لا تنقسم إلا قسمين: ماض ومستقبل لا ثالث لهما، ويحكم بتصويب قول من قسمها منهم إلى ثلاثة، أحدها فعل الحال، مع تجوز في ذلك، لا ينفك منه الكلام وقد مضى من كلامنا ما يدل عليه، ويبين وجه المجاز. فيه عند ذوي الاذهان الثاقبة والافهام الوافرة الناقدة وبالله التوفيق. .

132 - حبس معقب، مع شرط الرجوع على المحبس او على عقبه

[132]- حبس معقب، مع شرط الرجوع على المحبس او على عقبه وسئل الإمام الحافظ. أبو الوليد محمد بن أحمد احمد بن رشد رضي الله عنه، عن رجل حبس على ابنته نصف جميع حصته من حمام، وهي الربع، وعلى عقبها بعد موتها، وعلى عقب عقبها ما تناسلوا. فان انقرضت ابنته المذكورة عن غير عقب، رجع الحبس إلى ابيها المحبس ان كان حيا، وكذلك ان انقرض عقبها، والمحبس حي، رجع اليه، أيضا، فان انقرضت ابنته المذكورة بعد موت أبيها، دون عقب، أو انقرض عقبها، وعقب عقبها، رجع الحبس على عقب المحبس، وعلى عقب عقبه، ما تناسلوا. بين لنا، رضي الله عنك، هل يرجع إلى عقب المحبس، بعد موت المحبس عليها، أو موت أبيها، أم يرجع إلى حفدة المحبس عليها، وهم ولد ابنتها؟ يعظم الله أجرك. ينفذ الحبس من الثلث فأجاب، أدام الله توفيقه: إذا كان التحبيس على ما وصفت، فلا ينفذ بعد موت المحبس، الا من ثلثه، ويكون لسائر الورثة الدخول مع الابنة المحبس عليها في حظها منه طول حياتها، على سبيل الميراث، فاذا ماتت سقط حقهم، وخلص الحبس لولدها: الذكور والاناث، وولد ولدها المذكور: ذكرانهم واناثهم، فاذا انقرضوا رجع الحبس على عقب المحبس، ولا دخول لولد بنات الابنة فيه على ذلك. وبالله التوفيق.

133 - الاختلاف فى ثمن الطعام بعد قبضه وأكله

[133]- الاختلاف في ثمن الطعام بعد قبضه وأكله وسئل، رضي الله عنه، في رجل اشترى قفيز قمح، فقبضه وأكله، ثم اختلفا في ثمنه، هل يكون القول قول المبتاع، أم يجب التحالف والتفاسخ؟ وهل فوت القمح وما يكال، أو يوزن، كفوت العروض في هذه المنزلة أم لا؟ فقد رأيت في كتاب ابن المواز: أنهما سواء. قال أبو محمد: يريد محمد: في قول مالك الأول. فهل تذكر - أعزك الله - ما ذكر الشيخ أبو محمد، رحمه الله، اغيره أم لا؟ وما المستعمل في ذلك؟ وما تدل عليه المدونة من ذلك؟ بين لنا ما تذكره، وتختاره في ذلك، معانا ان شاء الله القول قول المشترى، وينفذ البيع على مذهب ابن القاسم. فأجاب، أدام الله توفيقه: تصفحت سؤالك هذا، ووقفت عليه والصحيح من مذهب ابن القاسم: أن فوت المكيل والموزون كفوت العروض سواء، على ما رأيت لابن المواز، والغيبة عليه، أيضا، كفوات عينه، اذ لا يعرف بعينه بعد الغيبة عليه. ولهذا ذهب أبو إسحق التونسي في كتابه. وقد كان الشيوخ رحمهم الله يقولون: ما في كتاب ابن المواز، من قوله محمول على أنه مذهب ابن القاسم فيما لم يوجد له خلافه، وهذا ما لم

يوجد له خلافه، بل يقوم ذلك من المدونة، قال فيها، فيمن أسلم دراهم في طعامه، فاختلفا في مكيلته، بعد أن غاب على النقد، وحل الأجل: ان القول قول المسلم اليه. فاذ جعل القول قوله، ولم يقل: يتحالفان ويتفاسخان، ويرد مثل الدراهم، فأحرى أن يجعل القول قول مشترى الطعام، إذا فات الطعام عنه، ولا يقول: انهما يتحالفان ويتفاسخان ويرد مثله لأن الطعام يتعين. الا ترى أن البيع ينفسخ فيه باستحقاقه، ويكون أحق به في التفليس، عند جميعهم، بخلاف الدراهم التي لا ينفسخ البيع باستحقاقها، ولا يكون أحق بها، في التفليس، عند بعضهم، وان لم يغب عليها. مذهب أشهب: التحالف والتفاسخ فلا يصح أن يتحالفا، بعد فوت الطعام، ويتفاسخا إذا اختلفا في ثمنه. الا على مذهب أشهب، الذي يرى التحالف والتفاسخ في / السلع. كانت قائمة أو فائتة ويرى رد القيمة كرد العين، لأن المثل في المكيل والموزون، كالقيمة في العروض. ابن المواز وابن أبي زيد. وتأويل ابن أبي زيد على ابن المواز بعيد، لا يصح، لأن القبض، في الطعام وغيره، فوت، على قول مالك الأول، فات أو لم يفت، فانما يحتاج إلى التكلم على حكم الفوات ما هو، وهل تتساوى في ذلك العروض والمكيل والموزون أم لا، على ما اختاره ابن القاسم وأخذ به من اختلاف قول مالك. فتدبر ذلك بحسن نظرك تجده صحيحا ان شاء الله تعالى.

وبالله التوفيق بعزته. جواب ثان لنفس الموضوع. جواب ثان على مسألة مشتري قفيز قمح، فقبضه وأكله ثم اختلفا في ثمنه. وقد تقدم نص السؤال عليها، وجواب غير هذا، وان كان في معناه. وحدة الفوت في المكيل والموزون والعروض. تصفحت - رحمنا الله واياك - سؤالك، ووقفت عليه. والصحيح من مذهب ابن القاسم، وروايته عن مالك، رحمه الله، أن فوت المكيل والموزون في / ذلك كفوت العروض سواء على ما قاله ابن المواز، فان الغيبة عليه، أيضا، كفوت عينه اذ لا يعرف بعينه، بعد الغيبه عليه، والى هذا ذهب ابو اسحق التونسي في كتابه وهو صحيح، بين في المعنى، قائم من المدونة، قال فيها، فيمن أسلم دراهم في طعام فاختلفا في مكيلته، بعد أن غاب على النقد، وحل الأجل: ان القول قول المسلم اليه. وكان القياس أن يكون القول قول المسلم اليه، إذا غاب على النقد، وان لم يحل الأجل، مثل ماله ولغيره في المدونة، اذ لو لم يفت النقد بالغيبة عليه. لوجب الا يفوت بحلول الأجل. اعتبار الغيبة فوتا ونتائجها. فاذا قال ابن القاسم، رحمه الله: ان الغيبة على النقد، حل الأجل

أو لم يحل فوت، يوجب أن يكون القول قول المسلم اليه. ولا يتحالفان ويتفاسخان، فأحرى أن يكون عنده القول قول مشتري الطعام، إذا أكله، أو استهلكه، أو غاب عليه، لأن الطعام يراد لعينه، فينفسخ البيع باستحقاقه. بخلاف الدراهم التي لا ترادلأعيانها، ولا ينفسخ البيع باستحقاقها. أساس الاختلاف بين ابن القاسم أشهب. فالاصح ألا يتحالفا ويتفاسخا، بعد فوت الطعام، إذا اختلفا في ثمنه، الا على مذهب أشهب، وروايته عن مالك، الذي يرى التحالف والتفاسخ في السلع. التي كانت قائمة أو فائتة، ويرى رد القيمة كرد العين، لأن المثل في المكيل والموزون كالقيمة في العروض. قول أشهب عند اختلاف الأسواق وهذا إذا لم تختلف الأسواق في ذلك، وأما إذا اختلفت الأسواق فيه، فالذي يجب على قياس قوله، وروايته: أن يتحالفا ويرد قيمة الطعام، لا مثله، لأن المثل أنزل رتبة من العين. فاذا لم يرد العين، وكان قائما، إذا حالت أسواقه، فأحرى ألا يرد المثل في المكيل والموزون إذا فاتت عينه، وحالت سوقه. تأويل ابن زيد على ابن المواز وتأويل ابن أبي زيد على بن المواز بعيد لا يصح، لأن القبض، في الطعام وغيره فوت، على قول مالك الأول، فات أو لم يفت، فانما يحتاج إلى التكلم على حكم الفوات، ما هو، وهل يتساوى في ذلك العروض، والمكيل والموزون أولا، على ما اختاره ابن القاسم وأخذ به، من اختلاف قول مالك، رحمه الله.

134 - التزام نفقة ابن الزوجة

فتدبر ذلك تجده صحيحا، ان شاء الله. [134]- التزام نفقة ابن الزوجة وسئل، رضي الله عنه، وأدام توفيقه، في رجل تزوج امرأة، ولها ولد من غيره، وطاع بالتزام نفقة الولد، مدة أمد الزوجية، ثم طلقها طلقة واحدة، فانقضت عدتها، ثم تزوجها، هل يعود انفاق الولد، وهو لم يتطوع بذلك في النكاح الثاني؟ وهل يلزمه ذلك، ما بقي من طلاق ذلك الملك شىء أم لا؟. وهل تلزمه الكسوة مع النفقة ام لا، وقبل الطلاق الأول، وهو لم يتطوع الا بالنفقة؟ بين لنا ذلك مأجورا مشكورا إن شاء الله. يستمر التزام النفقة بعد الرجعة من الطلاق فأجاب، أدام الله توفيقه: تصفحت - رحمنا الله واياك - سؤالك ووقفت عليه. والنفقة التي التزمها، أمد الزوجة، واجبة عليه، ما بقي من طلاق ذلك الملك شىء، لأن قوله أمد الزوجية أو أمد العصبة سواء وذلك يقتضى جميع الملك، عند مالك وجميع أصحابه. هل تشمل النفقة الكسوة؟ وأما الكسوة فلا أرى أن تلزمه، بعد أن يحلف في مقطع الحق: أنه انما أراد النفقة من الطعام دون الكسوة. وكان ابن زرب وغيره من الشيوخ يوجبون عليه الكسوة مع النفقة،

135 - الاختلاف في ثمن سلعة، رهن فيها المشترى سلعة أخرى

ويحتجون بإجماع أهل العلم على ايجاب النفقة والكسوة للحامل، بقول الله عز وجل: وان كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتي يضعن حملهن، ولا أرى ذلك، لأن النفقة، وان كانت من ألفاظ العموم، فقد تعرفت عند أكثر الناس في الطعام دون الكسوة. وبالله التوفيق بعزته. [135]- الاختلاف في ثمن سلعة، رهن فيها المشترى سلعة أخرى وسئل، رضي الله عنه في رجل اشترى سلعة بنقد، ثم رهن عنده في ثمنها سلعة أخرى، ثم اختلفا في ثمن المشتراة، هل يكون الرهن شاهدا هاهنا أم لا؟ وكيف ان فاتت السلعة المشتراة عند المشترى، فكان القول قول المشترى، فيما يشبه، مع يمينه، هل يكون الرهن للبائع أم لا؟ بين لنا الواجب، ان شاء الله. الرهن شاهد للبائع. فأجاب أدام الله توفيقه: تصفحت - رحمنا الله واياك - سؤالك ووقفت عليه. واذا فاتت السلعة، فالرهن شاهد للبائع، على مذهب مالك، إلى مبلغ قيمته. وأما ما كانت السلعة قائمة، فلا يكون له الرهن شاهدا الا على مذهب من يرى دعوى الاشباه مع القيام.

136 - أحكام الرعاف في الصلاة

[136]- أحكام الرعاف في الصلاة وقال الفقيه، الإمام الحافظ، أبو الوليد محمد بن أحمد بن احمد بن رشد، رضي الله عنه: الرعاف ليس بحدث، ينقض الطهارة عند مالك، رحمه الله، وجميع أصحابه، قل أو كثر، خلافا لأبي حنيفة، وأصحابه في قولهم: انه ينقض الوضوء، إذا كان كثيرا، ولمجاهد في قوله: انه ينقضه وان كان يسيرا. الرعاف نوعان. وهو، أعني الرعاف، ينقسم، في حكم الصلاة، على قسمين: أحدهما: أن يكون دائما، لا ينقطع. والثاني: أن يكون غير دائم، ينقطع. [1]- الرعاف الدائم فأما القسم الأول، وهو أن يكون دائما لا ينقطع، فالحكم فيه: أن يصلي صاحبه الصلاة به في وقتها، على الحالة التي هو عليها، والأصل في ذلك: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، صلى حين طعن، وجرحه يثعب دما. فان لم يقدر على الركوع والسجود، اما لأنه يضر به ويزيد به،

ويزيد في رعافه، واما لأنه يخشى أن يتلطخ بالدم ان ركع أو سجد، أومأ، في صلاته كلها، ايماء، كما قال سعيد ابن المسيب، فكلا التأويلين قد يؤولان عليه. فان انقطع عنه الرعاف، في بقية من الوقت، وقدر على اتلصلاة راكعا وساجدا، لم تجب عليه اعادة، لأن ايماءه، ان كان لإضرار الركوع والسجود به، فهو كالمريض الذى لا يقدر على السجود، فيصلي ايماء، ثم يصح في بقية من الوقت: أنه لا اعادة عليه. وان كان مخافة أن تمتلىء ثيابة بالدم، فهو عذر يصح له به الايمان، اجماعا، فوجب ألا تكون عليه / اعادة كالمسافر، الذي لا علم عنده بالماء يتيمم ثم يجد الماء في الوقت، أنه لا اعادة عليه، من أجل أنه من أهل التيمم، أجماعا، بخلاف المريض والخائف فقد قيل: إنهما ليسا من أهل التمم، وبخلاف المصلي في الطين ايماء، اذ قيل: إنه ليس من أهل الايماء، ويلزمه أن يركع ويسجد في الطين، وان فسدت ثيابه، فما ذلك على الله بغزيز، وقد سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الماء والطين، فانصرف من الصلاة وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين. [2] – الرعاف منقطع: أ – قبل الدخول إلى الصلاة وأما القسم الثاني، وهو أن يكون غير دائم، ينقطع، فان أصابه قبل أن يدخل في الصلاة، أخر الصلاة حتى ينقطع عنه، ما لم يفته وقت

الصلاة المفروضة: القامة للظهر والقامتان للعصر، وقيل: بل يؤخرها، ما لم يخف فوات الوقت جملة، بأن يتمكن اصفرار الشمس للظهر والعصر، فيخشى ألا يدرك تمامها قبل غروب الشمس، فان خشي ذلك صلاهما قبل خروج الوقت كيفما أمكنه، ولو إيماء. ب- بعد الدخول في الصلاة. وأن أصابه ذلك بعد أن دخل في الصلاة، فلا يخلو من وجهين: أحدهما: أن يكون يسيرا، يذهبه الفتل. والثاني: أن يكون كثيرا، قاطرا، أو سائلا، لا يذهبه الفتل: الرعاف المتقطع اليسير فأما ان كان يسيرا يذهبه الفتل، فانه يفتله، ويتمادى على صلاته، فذا، كان أو إماما، أو مأموما، ولا اختلاف في ذلك، على ما روى عن جماعة من السلف، منهم سعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله أنهم كانوا يرعفون في الصلاة حتى تخصبت أصابعهم، أي الأنامل الأول منها من الدم الذي يخرج من أنوفهم فيقتلونه، ويمضون على صلاتهم. وأما ان تجاوز الدم الأنامل الأول وحصل منه في الأنامل الوسطى قدر الدرهم، على مذهب ابن حبيب، أو أكثر من الدرهم، على رواية على بن زياد عن مالك، فيقطع ويبتدىء، لأنه قد صار بذلك حامل نجاسة، فلا يصح له التمادى على صلاته، ولا البناء عليها بعد أن غسل الدم.

الرعاف المتقطع الكثير. وأما إن كان كثيرا، قاطرا أو سائلا، يذهبه الفتل، فالذى يوجبه القياس والنظر: أن يقطع، وينصرف، فيغسل الدم، ثم يبتدئ صلاته، لأن الشأن في الصلاة أن يتصل عملها، ولا يتخللها شغل كثير، ولا انصراف عن القبلة، الا أنه قد جاء عن جمهور الصحابة والتابعين، اجازة البناء في الصلاة بعد غسل الدم، ومعناه: ما لم يتفاحش بعد الموضع الذى يغسله فيه، وقال بذلك مالك رحمه الله وجميع أصحابه، في الإمام، والمأموم. واختلفوا في الفذ، فذهب ابن حبيب إلى أنه لا يبنى الفذ، قال: لأن البناء انما هو ليحوز فضل الجماعة، وقال محمد بن مسلمة: انه يبنى؛ ومثله في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة، في بعض روايات العتيبة، وهو قول أصبغ أيضا، وظاهر ما في المدونة، ما قاله ابن لبابة. من رعف بعد الاحرام، وقبل الركوع. واختلفوا، أيضا، فيمن رعف قب أن يركع، بعد أن أحرم، هل له البناء على احرامه أم لا، على أربعة أقوال: أحدهما: أنه يبنى على احرامه، جمله من غير تفصيل، وهو قول سحنون.

والثانى: انه لا يبنى، ويستأنف الإقامة، والاحرام جملة، أيضا، من غير تفصيل، وهو ابن عبد الحكم، ومثله في رسم «سلعة سماها» من سماع ابن القاسم. والثالث: انها ان كانت جمعة ابتدأ الاحرام، وان كان غير جمعة، بنى على احرامه، وهو قول مالك في روايته ابن وهب عنه، وظاهر ما في المدونة، عندى، واستحب أشهب في الجمعة أن يقطع. والرابع: أنه ان كان وحده، أو اماما، ابتدأ الاحرام، وان كان مأموما، بنى على احرامه. ومن رعف اثناء الركعة، قبل تمامها. واختلفوا أيضا، فيمن رعف في اثناء الركعة، فبل أن تتمم بركوعها وسجودها، على أربعة أقوال: احدها: انه يصح له ما مضى له منها، ويبنى عليه، كانت الأولى أوالثانية، بعد أن عقد الأولى. فان رعف، وهو راكع، فرفع رأسه للرعاف، ورفع من الركعة، واذا رجع، رجع إلى القيام فخر منه إلى السجود. وان وقف وهو ساجد، فرفع رأسه للرعاف، رفع من السجدة؛ فاذا رجع سجد السجدة الثانية، وجلس فتشهد ان كان [134] رعافه في السجدة الثانية، وان كان / رعف وهو جالس، في التشهد الأول فقيامه للرعاف قيام من الجلسة، فاذا رجع ابتدأ قراءة الركعة

الثالثة، الا ان يكون ذلك في مبتدأ الجلوس فليرجع إلى الجلوس، حتى يتم تشهده وهو قول ابن حبيب، حكاه عن ابن الماجشون. والثانى: أنه يلغى ما مضى من تلك الركعة، ولا يبنى على شىء منها ويبتدئها بالقراءة من أولها إذا رجع، كانت الركعة الأولى أو الثانية، بعد أن عقد الأولى، وهو ظاهر ما في المدونة عندى، وقد روى ذلك عن ابن القاسم. والثالث: أنه ان كان في الركعة الأولى لم يبن، واستأنف الاحرام، وان كان في الثانية قبل عقد الأولى ألغى ما مضى منها، واستأنف الركعة من أولها بالقراءة، إذا رجع، وقد تأول ما في المدونة على هذا، وهو قول ابن القاسم، وروايته، أيضا، عن مالك في رسم «سلعة سماها»، فمرة ساوى ابن القاسم بين الركعة الأولى والثانية، ومرة فرق بينهما، على ما قد ذكرته عنه. والرابع: أنه ان كان في الركعة الأولى لم يبن، واستأنف الاحرام، وان كان في الثانية، بعد أن عقد الأولى، صح له ما مضى منها، ووبنى عليه، إذا رجع، روى هذا القول عن ابن الماجشون. قيتحصل. إذا رعف، في أثناء الركعة الأولى، خمسة أقوال، واذا رعف في أثناء الركعة الثانية، بعد أن عقد الأولى، قولان. الشروط المتفق عليها اصحة البناء. فصل. ولصحة البناء في الرعاف أربع شروط متفق عليها:

احدها: الا يجد الماء، فيتجاوزه إلى غيره، لأنه ان وجد الماء في موضع، فتجاوزه إلى غيره، بطلت صلاته باتفاق. والثانى: ألا يطأ على نجاسة رطبة، لأنه ان وطئ على نجاسة - رطبة، انتقضت صلاته باتفاق. والثالث: ألا يسقط من الدم على ثوبه، أو جسده، ما يغتفر لكثرته وقد تقدم الاختلاف في حده، لنه ان سقط من الدم على ثوبه أو جسده كثير، بطلت صلاته باتفاق. والرابع: ألا يتكلم جاهلا، أو متعمدا، لأنه تكلم جاهلا او متعمدا، بطلت صلاته باتفاق. الشرطان المختلف فيهما لصحة البناء. وشرطان مختلف فيهما: أحدهما: ألا يتكلم ناسيا، لأنه قد اختلف، تكلم ناسيا، فقال ابن حبيب: لا يبنى، لأن الاسنة انما جاءت في بناء الراعف، ما لم يتكلم، ولم يخص في ذلك ناسيا من متعمد. وحكى ابن سحنون عن أبيه: انه يبنى على صلاته، ويسجد لسهوه، الا أن يكون الإمام لم لم يفرغ بعد من صلاته، فانه يحمله عنه. والثانى: الا يطأ على قشب يابس، لأنه اختلف أن وطئ على قشب يابس، فقال ابن سحنون: تنتقض صلاته، وقال ابن عبدوس: لا تنقض صلاته.

وأما مشية في الطريق لغسل الدم، وفيها أرواث الدواب، وأبوالها، فلا تنقض بذلك صلاته، لأنه يضطر إلى المشى في الطريق؛ لغسل الدم، كما يضطر إلى الصلاة فيها، وليس بمضطر إلى المشى على القشب اليابس. قاله ابن حارث. حكم البناء ابن القاسم، ومالك، وابن حبيب. فصل، وليس البناء في الرعاف بواجب، وانما من قبيل الجائز، وقد اختلف في المختار المستحب من ذلك، فاختار ابن القاسم القطع القاسم القطع، بسلام أو كلام على القياس، قال: فان ابتدأ ولم يتكلم، أعاد الصلاة، واختار مالك رحمه الله البناء على الاتباع للسلف، وان خالف ذلك القياس والنظر. وهذا على أصله: أن العمل أقوى من القياس، لأن العمل المتصل لا يكون أصله الا عن توقيف. وقد ذكر ابن حبيب ما دل على وجوب البناء، وهو قوله. ان الإمام إذا رعف، فاستحلف بالكلام، جاهلا أم متعمدا، بطلت ثلاته وصلاتهم، فجعل قطعه صلاته بالكلام بعد الرعاف، يبطل صلاتهم، كما لو تكلم جاهلا أو متعمدا، بغير رعاف. والصواب ما في المدونة بأن صلاتهم لا تبطل، لأنه إذا رعف فالقطع له جائز، في قول، ومستحب في قول، فكيف صلاة القوم بفعله ما يجوز، أو ما يستحب له.

الراعف يبقى في حرمة الصلاة. فصل: ولا يخرج الراعف عن الصلاة، وحرمتها، على مذهب من يجيز له البناء الا أن يقطع بسلام أو كلام، أو فعل ما لا يصح فعله في الصلاة وهذا وجه قول ابن حبيب: أنه من رعف، وهو جالس، [135] في وسط صلاته، أو راكع أو ساجد، فان قيامه / من الجلوس، أو رفعه من الركوع، أو السجود لرعافه، يعتد به من صلاته. الراعف مأموم. فصل. واختلف ان كان مأموما، فانصرف لغسل الدم، وهو يريد البناء، هل يخرج من حكم ام لا على أربعة أقوال: احدها: أنه يخرج من حكمه حتى يرجع اليه جملة، من غير تفصيل. والثاني: أنه ان رعف قبل أن يعقد معه ركعة، خرج عن حكمه. حتى يرجع اليه وان رعف بعد أن عقد معه ركعة لم يخرج عن حكمه. والرابع: أنه إن أدرك ركعة من صلاة الإمام، بعد رجوعه كان في حكمه، حال خروجه عنه، وان لم يدرك من صلاته ركعة بعد رجوعه، لم يكن في حكمه حال خروجه، فتكون على هذا القول أحكامه، حال خروجه، في ارتباط صلاته بصلاة الإمام، معتبرة بما يكشفه الغيب من إدراك الركعة فأكثر من صلاته.

فمن رأى أنه يخرج من حكمه حتى يرجع، يقول: ان أفسد الإمام صلاته متعمدا، قبل أن يخرج لم يفسد عليه هو، وان تكلم سهوا، سجد بعد السلام، ولم يحمل ذلك عنه الإمام، خلاف أصل ابن حبيب، الذي يرى أن ذلك يبطل عليه البناء. وان ظن أن الإمام قد أتم صلاته، فأتم صلاته في موضعه، ثم تبين له أنه لو مضى لأدرك الإمام في صلاته أجرأته صلاته، وان سها الإمام لم يلزمه من سهوه شيء. ومن رأى أنه لا يخرج عن حكمه، يقول: ان أفسد الإمام صلاته، متعمدا، فسدت عليه هو صلاته، وان أتم صلاته في موضعه، ثم تبين له أنه لو مضى لأدرك الإمام في الصلاة، لم تجزه صلاته، وان سها الإمام لزمه سهوه، وان تكلم ساهيا، حمل عنه الإمام، خلاف أصل ابن حبيب المذكور. وان قرأ الإمام بعده سجدة، فسجدها، فرجع هو بعد سلام الإمام، كان عليه أن يقرأها، ويسجدها. قاله ابن المواز على القياس هذا القول. الراعف امام. فصل. وحكم الإمام في الرعاف حكم المأموم في جميع الأشياء، لأنه يستحلف، عند خروجه، ثم يتم بالقوم صلاتهم، فيصير، المستحلف له إماما، بصلي معه ما أدرك من صلاته بعد غسل الدم، ويقضي ما فاته، ويكون في حكمه حتى يرجع اليه، على الاختلاف المذكور فوق هذا.

فان ظن الإمام أنه قد رعف، فانصرف، ثم تبين له أنه لم يرعف، بطلت صلاته. واختلف في صلاة القوم، فقال ابن عبدوس: لا تبطل. وحكى ذلك عن سحنون، في المجموعة، وقال ابن سحنون: تبطل. الراعف يعلم أنه لا يدرك الإمام. فصل. فاذا رعف الرجل خلف الإمام، فخرج وغسل الدم عنه فان علم أنه يدرك الإمام في صلاته، رجع اليه، فأتم معه، وان علم انه لا يدركه أتم صلاته في موضعه. فان كان قد فاته بعض صلاته، وصلى معه بعضها، ثم رعف في بقيتها، بدا بالبناء، قبل القضاء عند ابن المواز، وابن حبيب. وهو مذهب ابن القاسم، وقال سحنون يبدأ بالقضاء قبل البناء. مثال ذلك: أن يفوت الرجل ركعة من صلاة الإمام، فيدخل في الثانية، فيصليها معه، ثم يرعف في الثالثة، فلا ينصرف حتى يتم الإمام صلاته. فانه، على القول بتقديم البناء على القضاء، ويأتي بالركعة الثالثة يقرأ فيها بالحمد لله وحدها، كما قرأ فيها الإمام، لأنها ثالثة صلاته ويجلس فيها، لأنها ثانية بنائه، اذ ليس بيده الا الركعة الثانية، التي صلى مع الإمام، ثم يأتي بالركعة الرابعة، فيقرأ فيها بالحمد وحدها، ويقوم، عند ابن حبيب، لأنها ثالثة بنائه، ويجلس عند ابن المواز، لأنها رابعة صلاته، وآخر صلاة الإمام، فلا يقوم إلى القضاء الا من جلوسه، ثم ياتى بالركعة الأولى، التي فاتته بالحمد والسورة، كما فاتته، فتصير

صلاته جلوسا كلها على مذهبه. وعلى القول بتقديم القضاء على البناء يأتي، أولا، بالركعة الأولى، فيقرأ فيها بالحمد، وسورة، كما قرأ الإمام، ويجلس فيها؛ لأنها ثانية للركعة التي صلى مع الإمام، ثم يأتي بالركعة الثالثة، فيقرأ فيها بالحمد وحدها، ويقوم ولا يجلس فيها: لأنها ثالثة لما قد صلى، ثم يأتي [136] بالركعة الرابعة والحمد لله وحدها، أيضا، ويجلس، ويتشهد، ويسلم. ولو فاتته مع الإمام الأولى، وصلى معه الثانية، ورعف في الثالثة، وأدرك معه الرابعة، لكان عليه قضاء الأولى والثالثة يبدأ بقضاء الاولى، فيأتي بركعة يقرأ فيها بأم القرآن وسورة، ويقوم ولا يجلس، لأنها ثالثة له، ثم يأتي بالثالثة، فيقرأ فيها بالحمد لله وحدها ويجلس، ويتشهد، ويسلم قاله ابن حبيب. ولم يقل: انه يبدأ ببناء الثالثة، التي رعف فيها، على الثانية التي صلى مع الإمام على أصله في تبدئته البناء على القضاء؛ اذ قد حالت بينه وبين بنائه عليها الركعة الرابعة التي أدرك مع الإمام. وأما على مذهب من يرى أن القضاء يبدأ على البناء، فلا اشكال في صحة هذا الجواب في هذه المسألة، لأن البناء لما بعد فيها

ووجب قضاء الركعتين، وجب أن يبدأ بقضاء الأولى قبل الثالثة. وقد وقع لسحنون في المجموعة أنه يقضي الثالثة بالحمد وحدها، قبل الأولى، وذلك مخالف لأصله، بعيد من قوله. الراعف في صلاة الجمعة. فصل. وحكم الراعف خلف الإمام في الجمعة وغيرها سواء الا في موضعين: أحدهما: أنه إذا رعف في الجمعة بعد أن صلى مع الإمام ركعة فلم يفرغ من غسل الدم حتى أتم الإمام صلاته، أنه لا يصلي الركعة الثانية الا في المسجد الذي ابتدأ الصلاة فيه، لأن الجمعة لا تكون الا في المسجد؛ فان حال بينه وبين الرجوع إلى المسجد واد، أو أمر غالب، أضاف اليها ركعة، وصلى ظهرا أربعا، قاله المغيرة. والثاني أنه إذا رعف، قبل أن يتم مع الإمام ركعة بسجدتيها، ثم لم يفرغ من غسل الدم حتى أتم الإمام صلاته، لا يبني على صلاة الإمام تمام ركعتين، ويصلى أربع ركعات، في موضعه، على قول من رأى أنه يبني على اإحرام في الجمعة، وقد تقدم ذكر الاختلاف في ذلك. وبالله ولي التوفيق برحمته. الراعف في صلاة الجنائز، أو العيد. فصل فاذا رعف الإمام في صلاة الجنائز، أو صلاة العيد، استحلف من يتم بالقوم بقية الصلاة كصلاة الفريضة سواء.

وأما إذا رعف المأموم فيها فإنه ينصرف، ويغسل الدم، ثم يرجع، فيتم مع الإمام ما بقي من تكبير الجنازة، وصلاة العيد، فان علم أنه لا يدرك شيئاً من ذلك مع الإمام أتم في موضعه، حيث يغسل الدم عنه الا أن يعلم أنه يدرك الجنازة قبل أن ترفع، فإنه يرجع حتى يتم ما بقي من تكبير عليها. قال أشهب: فان كان رعف قبل أن يعقد من صلاة العيد ركعة، أو قبل أن يكبر من تكبير الجنازة شيئاً، وخشى، ان انصرف لغسل الدم، أن تفوته الصلاة، لم ينصرف، وصلى على الجنازة، وتمادى على صلاته، في العيد. وكذلك لو رأى في ثوبه، ونجاسة، وخاف، ان انصرف لغسلها، أن تفوته صلاة الجنازة أو صلاة العيد، يتمادى على صلاته، ولا ينصرف، لأن صلاة الجنازة أو العيد مع الرعاف، وبالثوب النجس، أولى من فواتهما، وتركهما، بخلاف صلاتهما بالتيمم، لمن لم يجد الماء؛ اذ ليس الصحيح الحاضر، من أهل التيمم. هذا كله، أعنى ما ذكرته في هذا الفصل، هو معنى ما في كتاب ابن المواز الذي ينبغي أن يحمل عليه، وان كان ظاهر بعضه مخالفا لبعضه. وبالله تعالى التوفيق. [23م]

137 - آيات العلم، في القرآن، بين المعتزلة وغيرهم.

[137]- آيات العلم، في القرآن، بين المعتزلة وغيرهم. قال الفقيه الجليل، الاستاذ النبيل، أبو عبد محمد بن أبي العافية، الاشبيلي، رحمه الله، وغفر له: قرأت - أدام الله اعتلاك، ووصل بالمزيد بشراك - المدرجة، الداخلة طي كتابك الكريم، ووقفت على مقتضاها، وفهمت غرضها ومغزاها. واشارة الفارسي، عفا الله عنه، في المسألة المطلوب جوابها، مشكلة معماة، وقد كنت نظرتها وتدبرتها، حين مطالعتي كتابه [162ع] المذكور، فعسر أمرها على وصعب فك غرضه فيها، ثم ان الله تعالى يسر منه ما شاء بتيسيره. وأنا أذكره لك مبينا بقدر الامكان والله المستعان. معنى علم الله عند المعتزلة وأبي على الفارسي. أعلم - أبقاك الله وأيدك بتقواه - أن أبا على الفارسي، رحمه الله، رأس في الاعتزال، مؤيد له على كل حال، وهم، بزعمهم، وسوء مذهبهم، ينفون العلم عن ربهم تعالى عن ذلك، ولا يصفونه به، فاذا

قالوا: علم الله أمر كذا، أو يعلم كذا، فمعناه عندهم: أنه لا يجهل، ويرون أن الفعل دخله المجاز، والمراد به هذا، كما دخل المجاز في قولهم: مات فلان مع أنه لم يحدث موتا: لكنه دليل على أنه ليس بحي. فاذا وجدوا لفظة العلم مضافة إلى الله ومسندة اليه، من جهة اللفظ، والمعنى، تحيلوا في صرفها إلى معنى الفعل، ليصح فيه ما ادعوه من المجاز، أو صرفها عن ظواهرها بوجه غيره. حسبما أذكره تأويل الآية: وعنده علم الساعة فلما وجد الفارسي في التنزيل لفظ العلم مسندا من جهة المعنى إلى الله تعالى: {وعنده علم الساعة} [سورة الزخرف الآية: 58] جعل اضافة المصدر إلى الساعة من باب اضافته إلى المفعول به، وتسبب إلى ذلك بالكلام على الظرف، الذي هو الساعة ليخرج العلم الذي يصح لخصمه التعلق به في اثبات العلم الله، وقدره معملا في موضع الساعة، ولا يكون معملا حتى يقدر بمعنى الفعل، الذي يدخله المجاز، على معتقده، فقال: انما معنى يعلم الساعة: يعرفها، وهي حق، وليس الأمر على ما الكافر عليه، انكارها وردها، أفلا تراه قد صرف قوله، وعنده علم الساعة الي يعلم الساعة، دون مقدمة تثبت صرف العلم، الي معنى يعلم فأوهم بذلك: أنه أمر قد استقر، وعلم ووقع الاتفاق، عليه، ولم يقدر المصدر بأن المسوغة إخراج المصدر إلى معنى الفعل معميا للأمر وملبسا فيه.

ثم أكد مذهبه هذا بأن حمل: وقيله يارب على موضع الساعة، ليصح له في ذلك كله اخراج العلم عن ظاهره إلى تأويله فعل، يصح له فيه المجاز، الذي ادعاه، وينفي بزعمه، العلم عن الله تعالى ذكره. الاضافة في الآية. ولا مانع يمنع من أن تكون اضافة: علم الساعة اضافة صحيحة مجردة عن معنى فعل في التقدير، اضافة اختصاص، جارية مجرى اضافة الملك، من غير تقدير فعل عامل في موضع المضاف اليه، كما يقال، هذا بناء فلان وعمله، من غير أن يريد: هذا أن بناه فلان، وان عمله. واذا كان هذا سائغا حسنا، لم يحتج إلى اخراج العلم عن ظاهره بغير ضرورة تدعو إلى ذلك. تأويل الآيتين: " إنما علمها عند ربي "، "انما علمها عند الله " فلما تخيل أبو علي مني هذه الآية ما ذكرته عنه وحلل العلم فيها إلى لفظ الفعل وفكه، خشي أن يعترض عليه بالآيتين، اللتين تلاهما، فيقال له: وهبك تحيلت في اضافة العلم إلى الساعة وأخرجت العلم إلى معنى، الفعل، وأعملته في موضع الساعة، فما تصنع في الظرف المكاني، الذي هو عند في قوله تعالى: انما علمها عند ربي، وانما علمها عند الله والعلم مبتدأ والظرف في موضع

خبره واذا كان كذلك، صح معنى اسناده معنى العلم إلى الله عز وجل؟ مخالفة القاعدة: الظرف يتعلق بمحذوف. فركب هواه، وطرد أصله فيما ادعاه، وزعم أن الظرف لا يتعلق بمحذوف، وجعله من صلة المصدر، ومعمولا له، وأضمر خبره عن المبتدأ، الذي هو العلم، كأنه أن يعلم ان الساعة حق، أو صحيح ونحو ذلك، والمعنى عنده: أن الله عز وجل لا يجهل وقت الساعة وحدوثها؛ وترك قوانين مقايسه، التي يهتف بها، ويعلم بأحكامها من أن ظرفي الزمان والمكان، إذا صلح أن يكون كل واحد منهما خبرا عن مبتدأ، فانه في الاصل، متعلق بمحذوف، وذلك أن المحذوف هو العامل في الظرف، الا أنه حذف واطرح ولم ينو، ولا أريد، وصار شريعة منسوخة. تأييد الاعتزال. ففعل ذلك كله وتعسف، وركب مجهول التأويل، وعدل عن معلومة ومشهورة، جريا إلى تأييد مذهب الاعتزال. على ما خيل من جائز أو محال وكذلك كل من ضاق عليه المجال، في شيء من مذهبه، خزل الفاظه، وعمى أغراضه، حتى كأنه انما يتكلم عن أصل قد ثبتت قواعده، وصحت معاقده.

الظرف إذا كان صلة الموصول ولم يحتج أبو على إلى مثل هذا الاعتذار في الآية الأولى، وهي قوله عز وجل " وعنده علم الساعة "، لأنه لا يصح أن يكون الظرف متقدما معمولا للمصدر المتأخر عنه، لما في ذلك من تقديم الصلة [163ع] على الموصول، واكتفى في ذلك بفهم المخاطب ووكله اليه، لأن عنده في الآية محمولة على صلة الذي، المذكورة قبل، في قوله تعالى: وتبارك الذي له ملك السموات والأرض وما بينهما، عنده علم الساعة؛ لأن الظرف إذا كان صلة لموصول، قوى معنى الفعل، فيه وثبتت قدمه في التقدم، فرفع الظاهر، وقد قدم: أن العلم عامل في موضع الساعة، واذا عمل فيه، فقد تحلل إلى معنى الفعل، واذا تحلل إلى معناه، تم له مراده الذي ادعاه وسلم بزعمه، من الاعتراض في عند وفي العلم. تأويل آية " أنزله بعلمه " وقد ركب، أيضا نحوا من هذا في آية آخرى، وهي قوله عز وجل: " أنزله بعلمه "فقال: ان العلم يراد به المعلوم، وأن الجار والمجرور في موضع الحال، كقولهم: خرج بثيابه، وركب بجنوده دعاه إلى هذا التأويل ما يذهب اليه، هو وأصحابه، من نفي العلم عن الله تعالى، فأخرج العلم إلى معنى المعلوم، اذ لا يصح له فكه إلى الفعل، لأنه ليس المعنى: أنزله بأن يعلم فلما استحال ذلك، صرفه إلى معنى المفعول، كما ذكرته عنه.

تعلق الظرف بمحذوف عندما يكون حالا أو خبرا فأما قوله: " ان الظرف لا يتعلق بمحذوف الا أن تجعله حالا " فهو في هذا أيضا، على أصله، ومذهبه، لأنه إذا جعل الظرف حالا: انما علمها كائنة عند ربي وعند الله حق، فكائنة معمولة العلم وانفك به العلم، بهذا، إلى معنى الفعل، لعمله في الحال، في الاصل ودخله المجاز الذي يزعمه، فانظره وتأمل وجه الفرق عنده بين تعلقه بمحذوف، إذا قدره حالا، وبينه، ولو علقه بمحذوف، وهو خبر المبتدأ، يلح لك وجه مقصده، في منعه تعلقه بمحذوف، إذا كان خبرا، واجازته تعلقه به، إذا كان حالا، فقد بينه وكشفته. وبالله التوفيق. لاثبات العلم لله يجب أن يتعلق الظرف بمحذوف قال أبو عبد الله، رحمه الله: الصحيح - أعزك الله - عندنا في المعنى والاعراب: اجازة ما منعه من تعلق الظرف بمحذوف، وكونه في موضع خبر المبتدأ، الذي هو العلم واثبات العلم لله عز وجل، كما أثبته هو تعالى لنفسه، من غير احالة لفظ عن ظاهره واخراجه عن موضوعه، وركوب ما ركبه من تعسف، لتأييد مذهبه هذا، مع وفور علمه باللسان، وادراكه منه ما لم يصل كثير من منتحليه، عصمنا الله من الضلال، ووفقنا لما يريضيه من صحيح المعتقد، وصالح الأعمال بمنه وطوله

ابن رشد ينتصر لأبي على الفارسي فلما وصل هذا الجواب الذي جاوب به أبو عبد الله ابن أبي العافية إلى الفقيه الإمام الحافظ، أبي الوليد ابن رشد. وقف عليه، فرأى أن الذي ذهب اليه أبو الفارسي هو الصحيح، وما تأوله عليه ابن أبي العافية بعيد، فأملى وفقه الله هذا الجواب الواضح، ونصه من أوله إلى آخر حرف فيه. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وقفت - وفقنا الله واياك - على جواب جواب الفقيه الأستاذ أبي عبد الله ابن أبي العافية رحمه الله، وما حمل عليه قول أبي على الفارسي، رحمه الله، في الآيتين المذكورتين فيه. والذي أقول في ذلك، والله الموفق للصواب برحمته: أن قول أبي على، رحمه الله، صحيح، وأن الذي تأول عليه الفقيه الأستاذ، أبو عبد الله بعيد. حمل العلم في الآية، على معنى الفعل، لا يعني الدفاع عن الاعتزال ووجه قول أبي علي رحمه الله في قول الله تعالى: وعنده علم الساعة: إن الساعة مفعول بها على الحقيقة هو: أن الساعة، لما

كانت لا تتصف بالعلم حقيقة، ولا يصح أن تختص باضافة العلم اليها اختصاص الموصوف بالصفة، كانت الإضافة في ذلك غير محضة، وكان تقدير الكلام وعنده العلم بالساعة، على تجوز في الكلام، لأن عند ظرف مكان، وعلم الله تعالى قائم بذاته، ليس بحال عنده في مكان، فالمعني في ذلك والله أعلم بالساعة؛ فاذا كان تقدير الكلام: وعنده العلم بالساعة، فالساعة محفوظة، بالباء الزائدة، وهي، في المعنى، مفعول بها، بوقوع العلم عليها؛ لأن معنى قول القائل: عندى العلم بكذا، قد علمت كذا، ولم يرد أبو علي، رحمه الله، بقوله هذا، ما تأول عليه الأستاذ أبو عبد الله، من أنه أعمل العلم في موضع الساعة مقدرا لمعنى الفعل، ليصح له به حمله على المجاز، الذي ذكر أنه يدين به أهل الاعتزال. والدليل على أنه لم يرد ذلك وجهان: أحدهما: أن أهل الاعتزال لا يقولون، بالمجاز في ذلك لأنهم وان كانوا ينفون / أن يكون الله تعالى موصوفا بالعلم، وأن يكون له علم، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا، فهم، مع هذا يقولون، ان الله عالم على الحقيقة، وأنه يعلم المعلومات كلها حقيقة لا مجازا. وقد أغرق ابن جني، منهم، في كتابه الخصائص، له، في

المجاز فقال: قام زيد مجاز، وكذلك: علم الله قيام زيد مجاز، لأنه ليست الحال، التي علم قيام زيد، هي الحال التي علم عليها قعود عمرو، فلا يظن ظان أن ذلك خلاف لما ذكرناه من مذهبهم، بل هو مطابق له؛ إذا لم يقل، في علم الله قيام زيد انه مجاز، لاستحالة أن يكون الله عندهم، قد علم قيام زيد، وانما قال: انه مجاز لاستحالة أن يكون الله، عندهم، قد علم قيام زيد وانما قال: انه مجاز، لاقتضاء اللفظ عندهم أن الله قد علم قيام زيد دون قعود عمرو، وسائر المعلومات، على بينة في اعتلاله، كما لم يقل، ايضا: إن قيام زيد مجاز، لاستحالة وقوع القيام من زيد، وانما قاله، لاقتضاء اللفظ عنده وقوع جميع جنس القيام منه، وهو محال، وهذا بين. والثاني: أنه قد نص على أن ذلك حقيقة لا مجاز، بقوله، لأن القديم، سبحانه، يعلم في كل وقت، فانما معنى يعلم الساعة يعرفها، وهي حق، فكيف يصح أن يتأول عليه أنه أراد المجاز بما قد نص عليه أنه حقيقة. قال أبو الوليد، رضي الله عنه: وقد رأيت لغيره جوابا عن هذه المسألة، قال فيه: ان الذي اضطر أبا على الفارسي إلى ما قاله في هذه الآية وما كان في معناها، أنه وشيعته من المعتزلة يقولون: ان علم الله تعالى من جنس علم مخلوقاته. وأنه مجاز، اذ لا يعلم الشىء الا إذا كان. وهذا كلام جاهل بمذهب القوم، لأنهم لا يوجبون لله علما، أصلا، ولا يصفونه به، بل ينفونه عنه، لاستحالته عندهم عليه.

حجة المعتزلة في نفى العلم عن الله ومن شبههم، التي يعتمدون عليها، في استحالة العلم على الله، تعالى أنهم يقولون: لو كان له علم لوجب أن يكون من جنس علم مخلوقاته، فكيف بقولهم بنفس المعنى، الذى من أجله استحال عندهم أن يكون لله علم. ولو أوجبوا لله علما، على هذا الوجه، لكان عندهم حقيقة لا مجازا، لأن من علم الشىء، إذا كان، فعلمه به حقيقة لا مجاز، فما نسب اليهم من أن علم الله عندهم مجاز، اذ لا يعلم الشىء الا إذا كان، محال أيضا. نقض حجج المعتزلة. قال أبو الوليد رضي الله عنه: ولما ذكرناه شبهة أهل الاعتزال، في نفي العلم عن الله تعالى بما أردنا أن نبين بذكرها من حقيقة مذهبهم، وجب أن تدل على بطلانها، لئلا يشبه على الضعفاء من غيرهم. ومن أقرب ما يبطل به عليهم: أن يقال لهم: ان هذا منكم استدلال بمجرد الشاهد والوجود، وذلك مما لا يجوز، ولو وجب ألا يكون لله علم من أجل أنه لا يعرف في الشاهد والوجود علم الا من جنس علومنا، لوجب ألا يكون الله عالما، اذ لا يعرف، أيضا، في الشاهد والوجود عالم الا من جنس علمائنا، وهذا ما لا خروج لهم عنه، ولا انفصال لهم منه. مناقشة تعابير لأبي عبد الله ابن أبي العافية. وقول الأستاذ أبي عبد الله أبي العافية، رحمه الله: ولا مانع يمنع من أن يكون اضافة، علم الساعة اضافة صحيحة، مجردة من معنى

فعل في التقدير، اضافة اختصاص، جارية مجرى اضافة الملك، كما تقول: كما تقول: هذا بناء فلان وعمله؛ بعيد عندي لأن البناء يضاف إلى فلان على وجهين: أحدهما: الملك، فنقول: هذا بناء فلان بمعنى هذا البناء لفلان. والثاني: الاختصاص بالبناء والعمل، فنقول: هذا بناء فلان، بمعنى هذا البناء بناه فلان. وهذان الوجهان، وما سواهما من الأوجه مستحيلة في اضافة العلم إلى الساعة، لأن العلم ليس بملك للساعة، ولا بمعدم لها، ولا بصفة من صفاتها. فاذا بطل بما ذكرناه من أن تكون اضافة العلم إلى الساعة اضافة صحيحة محضة، اضافة اختصاص، او على الوجه الذى نذكره ان شاء الله بأن نقول: ان الصحيح في السألة ما قاله أبو علي رحمه الله. وكذلك قوله: واذا كان كذلك فالظرف في قوله: قل انما علمها عند ربي، وقل انما علمها عند الله، لا يكون متعلقا بمحذوف، صحيح أيضا، ومعناه مفهوم وغرضه فيه معلوم. قال أبو الوليد، رضي الله عنه: فقوله فيه: واذا كان كذلك يريد: واذا كان العلم مضافا إلى الساعة، في قوله تعالى {وعنده علم الساعة}، اضافة غير محضة، وكانت الساعة مفعولا بها على الحقيقة، فلا يكون الظرف في قوله: قل انما علمها عند ربي وقل انما علمها عند الله متعلقا بمحذوف.

وهو كلام صحيح إذا تدبرته، لأن اضافة العلم في هاتين الايتين، أيضا إلى الضمير العائد على الساعة في قوله تعالى: علمها، ينوى به الانفصال، على ما بيناه من أن الاضافة في هذا المعنى غير محضة، فيكون تقدير الكلام، قل: انما العلم بالساعة عند ربي، وقل: انما العلم بالساعة عند الله. واذا قدرت الكلام بهذا، كان الظرف الذى هو عند متعلقا بالظاهر من الكلام، لا بمحذوف مقدر، لاستغناء الكلام عنه، واستقلاله بنفسه، وتبين معناه بتعليق الظرف بالظاهر منه دون محذوف مقدر، لأن كون علم الساعة عند الله صحيح، على المعنى الذى قلناه، ألا ترى أن القائل، إذا قال: انما زيد عند عمرو، وكانت عند متعلقة بالاستقرار المنوى في الكلام المحذوف منه. واذا قال: قل: انما استقرار زيد عند عمرو، كانت عند متعلقة بالاستقرار المذكور في الكلام، لا بقدر محذوف منه. وقول: الا أن تجعله في موضع حال، يريد فيكون الظرف حينئذ متعلقا بمحذوف. (1) - يحتم أن يريد بذلك: الا أن تجعل المبتدأ المقصود إلى الاخبار عنه وهو علمها، بمعنى حالها، فيحمله على ذلك، ويتأوله عليه، فيكون المعنى في الآية: ان الله تعالى عالم بحال الساعة، يريد: وقت قيامها، الذي هو المقصود بالسؤال عنه في الآية، حيث يقول: {يسألونك عن الساعة أيان مرساها}؟ أي متى وقت قيامها، وسائر الأحوال التي تجرى فيها، وعلم الله محيط بها، ويكون تقدير الكلام بإظهار المحذوف، الذي يتعلق به الظرف: يسألونك عن الساعة أيان

مرساها قل: انما حالها من العلم بوقت قيامها، وسائر أحوالها، معلومة عند الله، أي: في علم الله، لما قدمته من أن عند ظرف مكان، وعلم الله قائم بذاته، ليس في مكان. ووجه القول في أن المراد بعلمها في قوله تعالى: {قل: انما علمها عند ربي} حالها، هو ما قدمناه من أن الساعة لا تتصف بالعلم حقيقة، ألا ترى أنك إذا قلت: علم يوم كذا عند فلان، فلم ترد أن لذلك اليوم علما على الحقيقة، يعلمه فلان، لأن ذلك مستحيل، وانما أردت: أن أمر يوم كذا، أي: أحواله، التي جرت فيه، يعلمها فلان. فيتحصل، بما ذكرناه، في قول الله تعالى: {قل: انما علمها عند ربي}، وقل: انما علمها عند الله تأويلان: أحدهما: أن يحمل العلم في ذلك على حقيقته، وينوى بالاضافة الانفصال، فيكون الظرف، على هذا، متعلقا بالظاهر، لا بمحذوف مقدر. والثاني: أن يحمل الاضافة فيه على أنها اضافة محضة، خالصة، لا ينوى بها الانفصال، فلابد أن يجعل العلم، على هذا التأويل، بمعنى الحال، ويكون الظرف متعلقا بمحذوف مقدر، تقديره: قل: انما حالها معلوم عند الله، وعند ربي، هذا تأويل جيد، يصح أن يحمل عليه كلام أبي علي، رحمه الله، لاحتماله اياه، ويتبين به معناه، ويخرج على مذاهب أهل السنة. قال أبو الوليد، رضي الله عنه: فان قال قائل: صرف الضمير من قوله الا تجعله في موضع حال، إلى الظرف، والى أن يكون في موضع حال من الاعراب، أظهر؟

قيل له: إذا احتمل الكلام محتملات، بعضها أظهر من جهة اللفظ وبعضها أصح من جهة المعنى، وجب أن يحمل على ما يصح به معناه منها، وان لم يكن من جهة اللفظ أظهرها. وهذا ما لا اشكال فيه؛ ألا ترى أنا إذا حملناه على ما ذكر، فقلنا: تقدير الكلام؛ قل: انما علمهما، كائنة عند ربي، وعند الله، حق، على ما قدره عليه من حمله على اظهر محتملاته من جهة اللفظ، فسد معناه. ولم يمنع أبو علي، رحمه الله، من تعلق الظرف بمحذوف، يكون في موضع خبر المبتدأ، جملة، كما تأول عليه الفقيه الأستاذ، أبو عبد الله، رحمه الله، بل قدر المحذوف خبرا المبتدأ، حيث احتاج اليه، واقتضاه معنى الكلام، ولم يقدره حيث استغنى عن تقديره، وحسن عنده: أن يتعلق الظرف بالظاهر، دون مضمر محذوف، حسبما بينا. (2) ويحتمل كلامه وجها آخر، هو أشبه بمراده، إذا صح أنه من أهل الاعتزال، وهو أن يكون قوله هذا اشارة منه إلى / القول بالأحوال، وذلك أنهم يقولون: ان الله تعالى عالم، وليس له علم، لكنه على كل حال يفارق بها من ليس بعالم، فهم يصرفون معنى: علم الله، إلى هذه الحال، التي يثبتونها لله؛ فيكون معنى قوله ان الظرف لا يكون نتعلقا بمحذوف إلا أن تجعله في موضع حال، ان الظرف لا يتعلق، على الوجه الذي يصح أن يعلق به في الآية، إلا بهذه الحال؛ اذ ليس لله علم عندهم يتعلق الظرف به، على معنى ما، فلما كانت هذه الحال محذوفة من اللفظ في الآية مقدرة في نفوسهم، معتقدة في قلوبهم، قال: إن الظرف يتعلق بها، وهذا وجه محتمل على مذهب المعتزلة. وهذه الحال التي يثبتها أهل الاعتزال باطل، على قولهم: انها ليست بمعلومة، ولا مجهولة، ولا موجودة، ولا معدومة، اذ يستحيل أن يكون

138 - أحد الورثة يقر بوارث.

ثابتا ما ليس بمعلوم ولا مجهول، ولا معدوم. وهذا بين. وبالله تعالى التوفيق. [138]- أحد الورثة يقر بوارث. وسئل الفقيه الإمام الحافظ. أبو الوليد ابن رشد، رضي الله عنه، عن ايضاح وجه الحكم في أحد الورثة يقر بوارث، فيقول المقر به: عندى نصيبى، أو جزء منه، يسميه، مثل نصف، أو ثلث أو ثلاثة أرباع، أو ما أشبه ذلك. فأجاب، أيده الله، على ذلك بأن قال: لا يخلوها هذا الذى سألت عنه من وجهين: أحدهما: أن يكون قبل القسمة، والثانى أن يكون بعدها. [1]- الاقرار بالوارث قبل القسمة. فأما ان كان ذلك قبلها، فوجه العمل في ذلك: أن تنظر إلى ما يجب للمقر به في حظ المقر من أجزاء الفريضة، التى تنقسم منها على الاقرار والانكار، والى ما أقر أن عنده من ذلك، فتطرح من مبلغ الفريضة الأقل مما أقر أن عنده منها، أو مما يجب له منها، في حظ المقر، فيكون ما بقى بعد ذلك هو الذى يقسم عليه ما وجد للميت من مال ويسمى منه حظ كل واحد منهم: فان كان الذى يجب له في حظ الذى أقر به والذى أقر له سواء خرج بما عنده، ولم يدخل

عليهم فيما وجد للميت من مال، ولم يكن لواحد منهم ان يتبعه بشىء: وان كان الذى وجب له بالاقرار أكثر من الذى أقر أن عنده منه دخل عليهم فيما وجد للميت من مال، بما بقى له؛ وان كان الذى عنده أكثر من الذى يجب له بالاقرار اقتسم المنكرون والمقر ما وجد للميت من مال، على أن المقر منكر، واتبعه المنكر، واتبعه المنكر ببقية حقه. بعض الفرائض: تقع المحاصة باعتبار الاقرار والانكار. قال أبو الوليد، رضي الله عنه: وقد ذهب بعض الفرائض من أهل الحساب إلى انهم يتحاصون فيما وجدوا للميت من مال، فيضرب فيه المنكر منهم بما يجب له على الانكار، والمقر بما يجب له على الاقرار، ويتبعون المقر له جميعا بما أخذوا زائدا على حقه، فيتحاصون فيه أيضا، على هذا الحساب. وليس ذلك بصحيح من جهة الفقه، لن اقرار المقر يوجب للمقر له شيئاً، في جملة التركة فيصير بذلك كالوارث، من جملة الورثة، وانما يوجب له ذلك حقا في حظ المقر، بعد القسمة، فوجب لهذا المعنى ألا يتحاصون فيما وجدوا للميت من مال الا على أن المقر منكر. ومعنى آخر، أيضا، وهو أن المقر والمنكر من الابنين يتفقان على تساوى حقيهما في المال، لأن المنكر يقول: لى نصف المال، ولك نصفه، لأنك قد أقررت بباطل، والمقر يقول: لى ثلث المال، ولك ثلثه، لأنك جحدت حقا، وهذا بين، والله أعلم.

[2]- الاقرار بالوارث بعد القسمة. وأما ان كان ذلك بعد القسمة، فيفض ما أن عنده مال الميت على سهام الورثة، ويتبعه المنكر منهم بما ناب نصيبه من ذلك. واما المقر فان كان الذى أخذ من نصيبه مثل الذى يجب له فيه بالاقرار تقاصا بذلك، وان كان لأحدهما فضل على صاحبه اتبعه به، وأخذ منه. مثال ذلك: ان يترك المتوفى ابنين، فيقر أحدهما بأخ، ويقول المقر به عندى نصيبى، كله او ثلاثة أرباعه. فأما إذا قال: عندى نصيبى، فان كان ذلك في القسمة، أقمت فريضة الانكار من اثنين، وفريضة الاقرار من ثلاثة؛ فضربت اثنين في ثلاثة تكون ستة، فتقسم الستة على الانكار، يخرج لكل واحد منهما ثلاثة، ثلاثة، وتقسمها على الاقرار يخرج لكل واحد منهم اثنان؛ [138] اثنان، / فتعلم أن الذى عند المقر به من المال اثنان ستة، وأن الباقى من المال أربعة من ستة، تقسمها على اثنين، وهى فريضة الانكار، فيصير لكل واحد منهما اثنان، وهو ثلث جميع المال، فيكون المقر قد استوفى جميع حقه، ويتبع المنكر المقر له بسهم من ستة، وهو السدس من جميع المال، فيكمل له نصف جميع المال، ويبقى بيد المقر له سدس جميعه، وهو الواجب له في حظ الذى أقر به. وان كان ذلك بعد أن اقتسم الاثنان ما وجدا للميت من مال، بنصفين، صح لكل واحد منهما ما قبض، واتبع المنكر منهما المقر به، بالسدس الذى قبض من نصيبه، فكمل لهم بذلك جميع نصيبه، وهو النصف.

فصل. واما إذا قال: عندى نصف نصيبى، وذلك قبل القسمة. فقد علمت أن نصيبه هو السدس من راس المال، وهو الواجب له في حظ الذى اقر به فتطرح ذلك السدس من رأس الفريضة، تبقى منها خمسة، بين الأخوين، للمنكر منها ثلاثة، وللمقر اثنان، فياخذ االمنكر ثلاثة أخماس ما وجد للميت من مال، وللمقر خمسة، ويذهب المقر له بما أقر أن عنده منه، لأنه هو الواجب له في حظ الذى أقر به. وان كان ذلك بعد أن اقتسما ما وجد للميت من مال، وهو خمسة أسداسه، اذ قبض المقر به من السدس بينهما بنصفين، فحصل لكل واحد منهما سدسا المال، ونصف سدسه، رجع المنكر ببقية حقه وهو نصف السدس، على من وجد مليئا منهما، فإن رجع به على المقر خلص المقر له زعم انه عنده من مال الميت، وهو السدس، في حظ الذى أقر به، وان رجع به على المقر به، رجع المقر به بما رجع به عليه، على المقر، وكان كل واحد منهم قد وصل إلى حقه. وقال عبد الغافر في هذه الفريضة: انها تنقسم من اثنى عشر، للمنكر منها ستة وهى النصف، وللمقر اربعة، في حال الاقرار، ويرجع بواحد على المقر به، لأنه زعم أن عنده نصف نصيبه، ويرجع عليه المنكر بواحد، أيضا، فيكون للمنكر سبعة من اثنى عشر، ثلاثة أسداس، ونصف سدس، وللمقر خمسة من اثنى عشر، سدسا ونصف سدس، ويبقى المقر به لا شىء له، ولا شىء عليه.

وذلك وهم، وغلط بين، لا يستقيم على وجه من الوجوه، ولا يخرج على معنى صحيح؛ لأن المقر به إذا كان أراد، باقراره، أن عنده سدس حميع المال، إذ سدس جميع المال هو نصف نصيبه، الذى يجب له، لو ثبت نسبة، فلا اشكال في أنه يكون له ما عنده، ويقسم الأخوان المال أخماسا، يأخذ المنكر ثلاثة أخماسه، وهو النصف من جميع المال، كما يجب له، ويأخذ المنكر خمسية، وهو الثلث من جميع المال، كما يجب مكن أجل اقراره. وان كان أراد أن عنده من غير ما اقتسم أخواه، مثل نصف ما يجب له لو ثبت نسبة، مما اقتسماه، فعنده على هذا، سبع جميع المال: اثنان من أربعة عشر وعلى هذا تحمل الفريضة، واللع أعلم؛ لأن المال إذا كان أربعة عشر فإخذ المنكر منها سبعة، وجب أن يأخذ منها المقر خمسة الا ثلثا، والمقر به اثنين وثلثا. فبان غلطه ووهمه، والعالم من عد خطؤه، اذ يعصم من الوهم والخطأ الا الأنبياء والرسل، والتوفيق بيد الله. فصل. وأما إذا قال: عندى ثلاثة أرباع نصيبى، وكان ذلك قبل القسمة، فتقيم فريضة الانكار والقرار، وتضرب احداهما في الاخرى، ثم ما اجتمع في أربعة، تكون أربعة وعشرين، فهو مقر أن عنده من ذلك ستة؛ لأن الستة هى ثلاثة ارباع نصيبه، لو ثبت نسبه، أو أقر

له به أخواه جميعا، فالباقى على هذا، من المال ثمانية عشر، تقسمها على اثنين، وهى فريضة الانكار، فيصير لكل واحد من الأخوين تسعة، والواجب للمنكر منها اثنا عشر وهو النصف، وللمقر ثمانية، وهو الثلث، فيأخذ المقر الثمانية، التى له، وبيده سهم، فيأخذ المنكر، فيكون بيده عشرة، ويبقى له سهمان، يتبع بها المقر به، فإذا أخذ ذلك منه، استوفى جميع حقه، وذلك اثنا عشر سهما، ويبقى عند المقر به حقه الواجب / له عند المقر، وذلك أربعة أسهم. [139] وأما إن كان ذلك بعد أن اقتسم الأخوان ما بقى من المال، وهو ثمانية عشر، اذ عند المقر به، على ما زعم، ستة، فأخذ كل واحد منهما تسعة تسعة، فان المنكر يجب له على المقر به ثلاثة من حظ كل واحد منهما، ويجب للمقر به على المقر واحد، لأنه وجب له عنده باقراره به، أربعة، ولم يأخذ من نصيبه الا ثلاثة، فيتبع المنكر المقر به بسهمين على كل حال. وأما السهم الثالث بقية حقه، فله أن يأخذ ممن أيسر منهما، أولا؛ فان ايسر المقر أولا، فأخذه منه. فذلك الواجب عليه، لأنه زيادة على حقه، لأن حقه انما هو ثمتنية، وهو كان قد أخذ تسعة، وان أيسر المقر به اولا، فأخذ السهم منه، رجع المقر به على المقر بذلك، فاتبعه به، في ذمته، فاستوفى كل واحد منهم بذلك حقه الواجب له. قال أبو الوليد، رضي الله عنه: وهذه الفريضة غلط فيها عبد

139 - اختصاصات الوصي

الغافر، وقال: انها لا تنقسم أقل من ثمانية وأربعين، فلم يأت فيها بمقنع. وبالله التوفيق.، لا شريك له، وصلى الله على محمد المصطفى، وأهل بيته المرتضى، والحمد لله كثيرا، على نعمه التي لا تحصى، وجزيل آلائه ومننه العظمى، حمدا يوجب له به الزلفى، والكرامة، في الدار الأخرى بمنه. [139]- اختصاصات الوصي: وسئل رضي الله عنه، عن هذه المسألة، ونصها: أمتع الله بك، رأيت في الواضحة: أن الوصي ولي لكل من كان له الموصي وليا، من الأخوات وذوي القرابات فما تقول - اعزك الله - إذا مات المولى عليه، ولم يكن للوصي نظر على أحد، هل تبقى ولايته على ذوات القرابات في البضع، أو إذا رشد محجوزته ثم نكحت هل يكون وليا لها؟ هل جاء في ذلك نص، فنعلمه على يدك، أو ما رأيك فيه؟ مأجورا. ورأيت - أمتع الله بك - على ما علمك: أن الوصي ينكح بنات محجوزة، فهل يكون وليا لأم المحجوز على هذا؟ ما تذكره فيه - أعزك الله؟ وما رأيك العالى في ذلك؟ متفضلا ممتنا إن شاء الله عز وجل. فأجاب وفقه الله، على ذلك بهذا الجواب: تصفحت رحمنا الله وإياك سؤالك ووقفت عليه.

[1]- في الوصي المطلق: والذي في الواضحة، من أن الوصي ولي لكل من كان الموصي وليا له من الأخوات وذوي القرابات صحيح وهو مذهب ابن القاسم ومعناه في الوصي المطلق، الذي يقول الموصي فيه: فلان وصيي، ولا يزيز على ذلك. وقد قيل: انه لا يكون وليا لمن لا ولاية له عليهن، وقيل: انه ولي لهن، الا أن الولي أحق منه بالعقد. [2]- في الوصي المقيد. واما وصي المولى عليه، باسمه، من رجل أو امراة، فلا تتعدى ولايته إلى غير من إلى نظره ولا يزوج احدا من قرابات الموصي كان محجوزة حيا أو ميتا، اذ لا ولاية له على واحدة منهن، ولا اختلاف في هذا، غير أن ابن الهندي قال: انه ان زوج واحدة منهن، مضى وهو بعيد. بين المطلق والمقيد. ولو قال فلان وصيي على بضع بناتي، لكان وليا لجميع بناته في النكاح، وان كن مالكات لأمور أنفسهن. فقف على الفرق بين أن يقول: فلان وصيي ولا يزيد على ذلك أو يقول: فلان وصيي على فلانه أو فلان أو يقول: فلان

وصيي على بضع بناتي، فان أحكام هذه الألفاظ الثلاثة مفترقة، حسبما ذكرت لك. الولاية بعد ترشيد الوصي محجورته. وأما إذا رشد الوصي محجورته، فلا أذكر في ذلك نص رواية. قال أبو الوليد: والذي يوجبه النظر عندي، أن ولايته عليها في النكاح لا تسقط بتمليكه إياها أمر نفسها في حالها، لأنه قد حصل وليا من أولياء باقة الأب اياه لها، مقام نفسه، فوجب ألا تسقط ولايته عليها الا بما كانت تسقط به ولاية الأب عنها، والأب لو رشدها، لم تسقط بذلك ولايته عنها، فكذلك هو. الوصي يزوج بنات محجوره. واما ما رأيت من أن الوصي ينكح بنات محجوره فهو، كما رأيت، الرواية في ذلك منصوصة عن مالك رحمه الله، ومعناه في البنات الأبكار البالغات، والثيب اللائي لم يملكن أمر أنفسهن، والوجه في ذلك: أنه [140] رآه وصيا عليهن، بكونه وصيا على أبيهن وهو دليل ما في سماع ابن القاسم من كتاب النذور من العتبية، وقد كان بعض الشيوخ يقول: انه الا يكون الوصي وصيا على ولد محجوره الا بتقديم من السلطان، فعلى هذا لا يزوج احدا من بناته. الوصي وأم المحجور. وأما أمة فليس بولى لها، ولا خلاف في أنه لا يصح له أن يزوجها فالوصي يزوج إما محجوره بلا اختلاف، ويزوج بناته اللائي لم يملكن أمر

140 - هل الخمر محرمة الذات أو محرمة لسبب؟

أنفسهن، على اختلاف، ولا يزوج بناته اللائي قد ملكن أنفسهن، ولا أخواته، ولا مولياته، فان فعل مضى، على ما ذهب اليه ابن الهندي فهذا بيان ما سألت عنه ملخصا، دون ما يتفرع اليه. وبالله التوفيق، ولا شريك له. [140]- هل الخمر محرمة الذات أو محرمة لسبب؟ وخوطب الفقيه الإمام الحافظ، أبو الوليد ابن رشد رضي الله عنه، من بعض بلاد الأندلس بهذه المسألة، يسأل عنها، ونصها من أولها إلى آخرها: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. الجواب رضي الله عنك، في الخمر - أكرمك الله ونزه سمعك - هل هي محرمة العين، أو محرمة الذات، أو محرمة بسبب والسبب العلة، وان ارتفعت العلة، ارتفع الحكم. فان رجلا ورد علينا، وشغب بلدنا، وحير طلبتنا وقد وكلنا أمر مسألتنا اليك، فلك الفضل في مراجعتنا وتبيين مسألتنا وتفصيلها واقامة الأدلة على كل نوع من أنواعها. لا ينسى الله لك ذلك ووفقك مأجورا ان شاء الله فأجاب وفقه الله، على ذلك بهذا الجواب ونصه من أوله إلى آخره: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.

تصفحت سؤالك، الواقع في بطن هذا الكتاب، ووقفت عليه. والسؤال: هل الخمر محرمة العين، أو محرمة الذات، سؤال فاسد لأن عين الخمر هو ذاتها؛ فمن المستحيل أن يحرم أحدهما دون الآخر وكذلك السؤال: هل الخمر محرمة العين أو محرمة لسبب، سؤال فاسد أيضا اذ لا يستقيم أن يسأل عن علة تحريمها الا بعد المعرفة بتحريمها. فمسالتك ترجع إلى أسئلة: احدها: هل الخمر محرمة العين أم لا؟ والثاني: هل تحريمها لعلة، أو عبادة لغير علة؟ والثالث: السؤال عن العلة ما هي؟ والرابع: السؤال عن الدليل عن صحة العلة. الخمر محرمة العين. فتقول: إن الخمر محرمة العين، محرمة الذات، والدليل على تحريم عينها وذاتها الذي هو عينها، الكتاب والسنة واجماع الأمة. فاما الكتاب فقوله عز وجل: {انما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان، فاجتنبوه} [سورة المائدة الآية: 90] فأمر عز وجل باجتناب الخمر وأمره بذلك على الوجوب، والفرض عند جميع المسلمين وأخبر انها من عمل الشيطان وعمل الشيطان حرام وقال الله عز وجل: {انما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله، وعن الصلاة فهل أنتم منتهون} [سورة المائدة الآية: 91] فتوعد عز وجل على استباحتها بقوله: فهل أنتم منتهون ولا خلاف فيما توعد الله على فعله: أنه حرام.

وأما السنة فان الآثار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم بتحريمها، قد نقلت نقل التواتر، فلا تحصى. ومن ذلك حديث ابن عباس: أن رجلا أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم رواية خمر فقال له رسول الله: أما علمت أن الله حرمها؟ قال: لا فسارة انسان إلى جنبه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بم ساررته؟ قال: أمرته أن يبيعها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الذي حرم شربها حرم بيعها. وأما الاجماع فمعلوم من دين الأمة ضرورة: أن الخمر حرام، واطلاق التحريم في الكتاب والسنة والاجماع على الخمر نص في أن عينها هو المحرم، لأن الاسم هو المسمى عند أهل السنة. ومن ذهب إلى أن الاسم غير المسمى فقد وافقنا على أن التحريم انما وقع على المسمى بالخمر، لا على اسم الخمر، فحصل الاجماع على تحريم عين الخمر؛ ومن المستحيل في العقل أن يكون تحريم شرب الخمر واقعا على ما عدا عينها؛ وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم على تحريم عينها بقوله: حرمت الخمر بعينها والسكر من كل شراب أو المسكر من كل شراب على اختلاف الواة في ذلك. فمن قال: ان الخمر ليست بمحرمة العين، فهو كافر، حلال الدم يستتاب، فان تاب، والا قتل. وكذلك كل ما أسكر من جميع الأنبذة، فهو محرم العين، لا

يحل شرب القليل منه، ولاالكثير، عند مالك وكافة أهل العلم من [141] الصحابة والتابعين وفقهاء المسلمين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ما أسكر كثيرة، فقليله حرام. العلة أساس التحريم. ونقول: انها محرمة لعلة وان العلة في تحريمها المعنى الموجود بها من الشدة المطربة، المغيرة للعقول، الموجبة لها التسمية بالخمر، وهو الاسكار. والدليل على صحة هذه العلة، أنها مطردة منعكسة، يوجد التحريم بوجودها، ويعدم بعدمها، ألا ترى انها إذا كانت عصيرا، قبل أن يحدث فيها المعنى الذي يسكر، حلال، فاذا حدث فيها ذلك المعنى حرمت به، فاذا عدم منها بالتخليل حلت فاذا بعدمه منها. واطرد العلة وانعكاسها من أدل دليل على صحتها وقد بينها الله تعالى بقوله: انما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فدل عز وجل، بقوله هذا، على انه انما حرمها لما فيها من المعنى الموجب للعداوة والبغضاء، والصد عن ذكر الله وعن الصلاة. من يرى التحريم للاسم. ومن الناس من ذهب إلى انها محرمة لإسمها، فجعل العلة في تحريمها استحقاقها لاسم الخمر، في اللسان العربي، لما وجد التحريم فيها تابعا لاسمها، متى استحقت أن تسمى خمرا، حرمت، ومتى لم تستحق ذلك حلت.

141 - أربع مسائل حول نصوص من المدونة.

وذلك موافق لما قلناه من المعنى، لأنها انما تسمى خمرا بوجود الشدة المطربة المسكرة فيها، فاذا عدمت منها، لم تسم خمرا. ولا يصح أن يقال: انها محرمة لعينها، اذ لو كانت محرمة لعينها، لما صح أن تحل، إذا تخللت لبقاء عينها. فالاجماع على أنها يصح، إذا تخللت يبطل، أن تكون عينها علة في تحريمها، وانما الذي يصح أن يقال فيه: انه محرم لعينه، مسفوح الدم، ولحم الخنزير وشبهه. وبالله التوفيق، لا شريك له. [141]- أربع مسائل حول نصوص من المدونة. وخوطب رضي الله عنه، من بعض بلاد الأندلس، بهذه المسائل، يسأل عنها، ونصها من أولها إلى آخرها: بسم الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم. [1]- المرابحة في جزء مما اشترى صفقة واحدة. جوابك، رضي الله عنك، في قول مالك، رحمه الله، فيما وقع له في كتاب المرابحة، وما وقع له في كتاب الصلح، في الرجل إذا اشترى ثيابا جملة واحدة، فقال: لا يجوز أن يبيع منها واحدا مرابحة، الا أن يبين، ثم قال في المرابحة إذا كانت قيمتها مختلفة، وأدخلها ابن أبي زمنين في كتابه، فقال: لا تجوز ان كانت قيمتها مختلفة، فهل قوله هذا مقتضيا للخلاف، أو ليبين عدم الجواز؟

2 - انهدام الدار المعوض بها من سكنى دار منحت عمرى.

[2]- انهدام الدار المعوض بها من سكنى دار منحت عمرى. وما معنى قوله في آخر كتاب العرر في رجل أسكن رجلا دارا، ثم اشترى من المسكن سكنى الدار بسكنى دار له أخرى، فانهدمت الدار المعوض بها، حين حوز الثاني لها. بماذا يرجع على المسكن؟ والذي حكاه الشيخ أبو إسحق، رحمه الله فيها هل هو خلاف من قوله أم لا؟ وما احتج به من مسألة الصلح هل هي قولان أم لا؟ [3]- عيب يحدث بجارية في فترة الاستبراء بعد الإقالة. وما معنى قوله في الأمة إذا باعها، فاستقال منها بائعها، بزيادة زادها وأوقفت الزيادة في أيام الاستبراء وكانت قد حدث بها عيب في أيام الاستبراء بعد الاقالة. كيف تكون صفة التراجع بينهما؟ وهل ذلك بمخرج على ما له في كتاب العيوب، في صفة التراجع؟ وهل الذي ذكره الشيخ أبو إسحق جواب له، او اعتراض منه فانه أجمل ذلك في ذلك قوله، عند أقوام؟ [4]- استحقاق المبيع، وقد فات الطعام أو العرض الذي دفع ثمنا. وما معنى ما حكاه في كتاب الاستحقاق من المدونة، من قوله في

العروض والطعام إذا استحقت المشتراه به وفاتت العروض والطعام أطلق الجواب فيها بالقيمة. فهل ذلك خلاف، أو غير ثابت من الرواية؟ فانه وقع في جميع ذلك تنازع. بين لنا جميع ذلك مأجورا موفقا معانا مشكورا ان شاء الله تعالى. فاجاب وفقه الله، على ذلك بهذا الجواب، ونصه: تصفحت - أكرمك الله بطاعته، وتولاك برعايته وعصمنا وإياك بتوفيقه - الأسئلة التى سألت عنها. [1] فاما مسألة المرابحة منها، فلا يجوز، مذهب ابن القاسم، وروايته عن مالك في المدونة لمن ابتاع في صفقة واحدة، ثوبين أو ثيابا، أن يبيع واحدا منها مرابحة، بما يقع عليه من الثمن، دون أن يبين، اتفقت قيمتها، أو اختلفت، وذلك منصوص عليه في كتاب المرابحة، وكتاب [142] الصلح قال فيهما: انه لا يجوز لمن اشترى ثوبين، بأعيانهما، صفقة واحدة، أن يبيع أحدهما مرابحة، على نصف الثمن، بأعيانهما، صفقة واحدة، أن يبيع أحدهما مرابحة، على نصف الثمن، وان كانت قيمتها سواء وهو مذهب سحنون. قال أبو الوليد، رضي الله عنه: والوجه في ذلك: أن الثياب والعروض لا تكاد تتساوى وقد يغلط في استوائها، ألا ترى ان التجار

وقد يختلفون في كثير من الثياب، فيقول أحدهم: هذا أجود، ويقول الآخر: بل هذا أجود ويقول الآخر: بل هما سواء فاذا لم يؤمن من الغلط في ذلك، وجب ألا يجوز لمن ابتاع ثوبين، مشتريين صفقة واحدة، أن يبيع احدهما مرابحة، بنصف الثمن، دون ان يبين؛ مخافة ان يكون لم يقع عليه من الثمن الا أقل من نصفه، كما لا يجوز له، إذا كانا مختلفين، ان يبيع احدهما مرابحة، بما يقع عليه من الثمن؛ مخافة ان يكون لم يقع عليه من الثمن الا أقل من ذلك. ولا أعرف في كتاب المرابحة ما ذكرته من انه قال فيه: إذا كانت قيمتها مختلفة ولو كان ذلك لم يكن فيه دليل على انه يجوز إذا كانت قيمتها متفقة. فان كان ابن أبي زمنين ادخل المسألة في كتابه، على ما ذكرت، من انه قال فيها: ان ذلك لا يجوز ان كانت قيمتها مختلفة، فلا تعلق لأحد في قوله، لان المدونة حجة عليه، وليس هو بحجة عليها. ولمثل هذا وشبهه كان الشيوخ يعيبون قراءة المختصرات وانما أوقعه في ذلك لفظ وقع في كتاب الصلح، عقب لفظ يبين، انه لا فرق بين أن تكون قيمتها مختلفة او متفقة، وقد طرحه سحنون مخافة ان يتأول على غير وجهه، فيقام منه: ان ذلك جائز، إذا كانت قيمتها متفقة. وابن عبدوس يرى العلة في ذلك: ان الجلة يزاد فيها، فلا اشكال على مذهبه في ان ذلك لا يجوز، كانت الثياب معتدلة او مختلفة.

وقد وقع في سماع أبي زيد، في كتاب والآجال من العتبية مسألة تدل على جواز بيع أحد الثوبين مرابحة، إذا كانا معتدلين دون أن يبين. قال أبو الوليد، رضي الله عنه: ووجه ذلك: أن اعتدال الثوبين مما قد تدرك معرفته، ولا يقع فيه الغلط الا نادراً، بخلاف التقويم، وما في المدونة أظهر، والله أعلم. [2] وأما مسألة الاسكان فأجاز ابن القاسم في المدونة، لمن أسكن رجلا داره حياته، ان يبتاع منه السكنى، الذي أسكنه، بسكنى دار له أخرى. وقال سحنون، في كتاب العرايا منها: معناه أن يشتريه بسكنى دار له أخرى سنين معلومة. وكان الشيوخ يختلفون في قول سحنون هل هو تفسير لقول ابن القاسم، أو خلاف له. فان اشترى منه السكنى، الذي أسكنه حياته، بسكنى دار له أخرى حياته، أيضا على الظاهر من مذهب ابن القاسم في أن ذلك جائز خلاف قول سحنون، على ما كان يذهب اليه بعض الشيوخ فاستحقت الدار التي عوضه بها، أو انهدمت، رجع في سكنى الدار التي كان أسكن اياها. واما الذي اشترى منه السكنى بسكنى دار له سنسن معلومة على

ما ذهب إليه سحنون، فاستحقت، أو انهدمت، مما ذهب إليه أبو اسحق التونسي، من أنه يرجع بقيمة ما بقي من سكنى الدار، التي انهدمت أو استحقت، ولا يرجع في العوض، لأنه مجهول، يجري على أصل قد اختلف فيه ابن القاسم في المدونة وهل هو لمن استحق من يده ما صالح على الإنكار؛ ولو تقايلا في الصلح على الإنكار، أو في شراء السكنى المجهول بسكنى معلوم، أو ثمن معلوم لما جاز باتفاق، لأن الاقالة بيع من البيوع، ولا يجوز التراضي في البيع على الغرر والمجهول. [3] وأما الذي باع الأمة، فاستقال منها، وهي في المواضعة بزيادة فوقفت الزيادة خوفا من ان تكون حاملا، فحدث بها عيب، ولم يظهر بها حمل، فلم يتقلد الشيخ أبو اسحق فيها جوابا، وانما نبه على النظر في ذلك، فقال: ناظر هل يكون للبائع ان يردها على المبتاع، ثم يكون للمبتاع ان يردها عليه، فلا تلزمه الزيادة عليه أولا يكون [143] ذلك له وتلزمه الزيادة؟ لأن المبتاع يقول له: ضمانها منك وأنت قد رغبت في ردها، بما أربحتني ولم توقف الا للحمل، فقد تبين أنه ليس به حمل. قال أبو الوليد رضي الله عنه: والذي يوجبه النظر الصحيح: أن الزيادة لازمة للبائع؛ لأن العيب انما حدث بعد الاقالة وقد

كشف العيب ببراءة الأمة من الحمل، صحة البيع وجواز الربح فيه، لأن من حق المبتاع أن يلتزمها بالعيب الحادث بها، في أيام الاستبراء، إذا خرجت برئية من الحمل. فاذا صح له الئراء فيها، كان أن يلزم البائع اياها بعهدة الاقالة. ولا تشبه هذه المسألة مسألة كتاب العيوب، التي أشرت اليها؛ لأن تلك العيب فيها قديم، قبل البيع الأول، وهذه العيب فيها حادث بعد الاقالة؛ وقد كشف العيب صحة الاقالة بما ظهر من براءة الأمة من الحمل، لأن هذا الذي تحققناه آخرا من براءتها من الحمل، لو علمناه أولا، لجوزنا الاقالة، ولم نحتج إلى توقيف الزيادة؛ فوجب أن نحكم بما كشف العيب من كونها برئية من الحمل، حين البيع، وحين الاقالة. ولو كان المبتاع هو المستقيل فيها بزيادة، فحدث بها عيب، بعد الاقالة لم تلزمه الزيادة، لأن من حقه أن يردها، بما حدث من العيب في المواضعة، وان خرجت من المواضعة بريئة من الحمل. [4] وأما مسألة كتاب الاستحقاق، التي سألت عن معناها، فلم يصح لي فيها جواب، اذ لم تعين المسألة، التي أشرت اليها، ولا بينت المعنى الذي عنه سألت. وبالله التوفيق بعزته.

142 - وضعية الأيتام في الغبن والشفعة.

[142]- وضعية الأيتام في الغبن والشفعة. وكتب اليه رضي الله عنه، والفقيه المشاور، أبو القاسم ابن الإمام من مدينة اشبيلية حرسها الله، يسأله عن مسألة ذكر انها نزلت عندهم، فاحتلفوا فيها ورغب اليه في الجواب عليها، وتبيين جميع وجوهها، بيانا شافيا، يرفع الاشكال فيها، ويلوح به وجه الصواب فيرجع اليه، ويعتمد ان شاء الله عز وجل ونصها من أولها إلى آخرها: أن رجلين كانت بينهما أملاك مشتركة، بنصفين على الاشاعة، فتوفي أحدهما وترك بنين أصاغر، أوصى عليهم وصيا، وشرط عليه مشورة رجل سماه، فباع الوصي على الأيتام حظهم من الأملاك باذن المشاور، بما وجب بيعها به عليهم، من الشريك فيها. وتضمن عقد البيع الوجه الذي أوجب البيع على الأيتام، وجميع ما يفتقر اليه البيع في ذلك من الاجتهاد في التسويق والتقصي في طلب الزيادة، والسداد، وغير ذلك من الفصول المحكمة الربط، فكمل للشريك بذلك ملك جميع الأملاك. ثم أنه باع نصف جميعها على الإشاعة من رجل أجنبي. ثم ان بنت المتوفى احدى المبيع عليهم، رشدت بعد أعوام فاثبتت الغبن في بيع الأملاك عليها، وعلى إخواتها، وأنها كانت تساوي في اليوم الذي باعها الوصي عليها وعليهم أكثر من مثلي ما باعها به.

وذهبت إلى أن ترجع في حظها من الأملاك، بما ثبت في بيعها من الغبن وأن تشفع على الأجنبي، المشترى من شريك أبيها، في النصف الذي باعه من الأملأك المذكورة. ومن حجتها في ذلك أن تقول: ان بيع الغبن لا يجوز، فأنا أرجع في حظي واذا رجعت فيه، كان البيع كأن لم يكن، وبقيت شريكة لشريك أبي في الأملاك، فكان من حقي أن أشفع في النصف الذي باعه منها. والمشترى يقول: لا شفعة بها لك على؛ لأن البيع الذي باعه الوصي عليك وعلى اخوتك قد فوته المشترى بالبيع مني فحقك انما هو عنده فخذى حصتك مما بقى بيده من الأملاك، ان وجب لك الرجوع فيها، وأما أنا فلا سبيل لك على فيما اشتريت منها. فهل يكون للقائمة ما ذهبت اليه، من الرجوع في حظها، والأخذ بالشفعة أم لا؟ وهل البيع الذي باعه المشتري تفويت لبيع الغبن أم لا؟ وما الحكم في ذلك كله؟ بينه لنا بيانا شافيا يعظم الله أجرك. فأجاب وفقه الله، على ذلك بهذا الجواب ونصه: تصفحت السؤال ووقفت عليه. واذا كان الأمر على ما وضفته فيه، فالواجب للقائمة أن تنقض

البيع في نصف حصتها من الأملاك، فتأخذها من يد المبتاع من [144] الوصي ويكون لها عليه في النصف الثاني، ما زادت قيمته، يوم البيع على الثمن، الذي وقع البيع به، لفواته بالبيع. ولا مدخل في هذا للشفعة، بوجه من الوجوه، إذ ليس ببيع عداء فيكون لها على قولهم ان تأخذ جميع حصتها وان كان قد بيع بعضها بالاستحقاق، والبقية بالشفعة، ولا هو بيع فاسد، يجب فسخه، فيكون لها أيضا، ان تاخذ جميع حصتها والبقية بالشفعة، على قول من يرى أن البيع الفاسد لا ينعقد، وأن مصيبته من البائع ولا يفتيه بيع ولا غيره وهو قول شاذ في المذهب، قال به جماعة من أهل العلم في غيره، وانما بوجه جائز، جرى فيه على المبيع عليهم غبن، فكان من الحق لهم أن يرد البيع ما كان قائما، لم يفت، على اختلاف بين أهل العلم في ذلك، فقد قيل: ان للمبتاع أن يوفي تمام القيمة، يوم البيع، ولا يرد البيع، وان كان قائما لم يفت. وقيل: أنه يمضي له منه بقدر الثمن على قيمته يوم البيع، ويرد الباقي. وهذه الأقوال كلها قائمة من العتبية لابن القاسم، وسحنون في سماعه، وسماع أبي زيد ولها في المدونة نظائر. والنصف المردود على القائمة من حصتها انما يرجع اليها بملك مستأنف، لا على الملك الأول، فلا شفعة لها به على المبتاع الثاني، لا في بقية حصتها، ولا سائر المبيع، ولا له عليها فيه شفعة بصفقته المتقدمة، اذ ليس الرد يبيع محض، لأن البيع المحض ما يتراضى عليه المتبايعان، والمشترى الأول مغلوب على اخراج هذه الحصة من يده، فهو

بيع في حقها لكونها أخذة له، باختيارها، ونقض بيع في حقه، لأنه مغلوب على ذلك. قال أبو الوليد رضي الله عنه: والقول بأن بيع الغبن يفتيه البيه الصحيح، بين لا اشكال فيه؛ لأنه إذا كان يفتيه البيع الفاسد، الذي يغلب المتبايعان على فسخه، وقد قيل: انه ليس ببيع، على ما ذكرناه، فأحرى أن يكون في بيع الغبن فوتا، اذ لا ينتقض الا باختيار أحدهما، وهو البائع. وقد قال في المدونة وغيرها في الذي يخطئ على نفسه، فيبيع السلعة مرابحة، بأقل مما كان اشتراها به، ثم يقوم بذلك على المبتاع: ان للبائع أن يرجع في سلعته، ان كانت قائمة، وأنه يفتيها ما يفيت البيع الفاسد. وهذه تشبه مسألتك، لأنه غبن جرى على البائع بغلطه على نفسه في الثمن كما جرى على البائع غلط في بيع الغبن، بغلطه على نفسه بالجهل بقيمة ما باع، ولا فرق بين الغبن على الأيتام فيما باعه الوصي عليهم وبين الغبن على الرجل فيما باعه على نفسه، فيما يوجبه الحكم في ذلك على القول بوجوب الرجوع بالغبن للرجل فيما غبن فيه. وبالله التوفيق، لا شريك له.

143 - مراجعة في مسألة سبقت حول الحبس المعقب

سؤال ثان في نفس الموضوع، مع وجود مشاورين. قال الفقيه القاضي، أبو الوليد رضي الله عنه: أعيد إلى الئؤال عن هذه المسألة، بعد مدة طويلة وقد ضمن، أن الوصي شرط عليه مشورة رجلين، فأبى أحدهما، وهو شريك الأيتام في الأملاك، من التزام المشورة وابتاع من الوصي حصة الأيتام، باذن المشاور الآخر، دون أن يفرد بالمشورة. فأجبت في ذلك: تصفحت السؤال، ووقفت عليه. وما فعله الوصي من بيع الاملاك على اليتامى باذن أحد المشاورين دون أن يفرد بالمشورة، غير جائز، وان لم يكن فيه غبن فللقائمة من اليتامى الرجوع في حصتها من ذلك، وان كان المبتاع قد فوت بعضه بالبيع. وبالله التوفيق لا شريك له. [143]- مراجعة في مسألة سبقت حول الحبس المعقب وكتب اليه رضي الله عنه، بعض فقهاء جيان، يسأله عن مسألة حبس، له فيها جواب قديم، وان بعض الناس اعترض ذلك الجواب ونص ذلك كله: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم. يا سيدى المعظم وشيخي المقدم، عسى أن تتأمل المسألة:

رجل حبس ملكا على ولد له، فقال فيه: حبس على ولده فلان وعلى كل ولد يحدث له من بعده، ثم على أعقابهم، وأعقاب أعقابهم ما تناسلوا. فولد له بعد ذلك أولاد، ثم توفي المحبس، فاستغل أولاده الحبس، إلى أن توفي واحد من أعيان الولد، وتخلف أولا داً [145] فأرادوا الدخول مع أعمامهم في الحبس، هل لهم ذلك أم لا؟ فأجبت، وفقك الله: أن لولد الولد الدخول مع أعمامهم، لأن الحبس انما منع ولد الولد مع أبيه لا مع غيره. وانما قوله: ثم على أعقابهم انما هو عطف آحاد على أحاد لا عطف جملة على جملة، واحتجت بالآية: "وهو الذي أحياكم ثم يميتكم " ولو قال: ثم على أعقابهم من بعد انقراض جميعهم، لم يدخلوا مع الاعمام إلى سائر ما ذكرته، وفقك الله. وضعيف مخالف الاحتجاج بالأية، لفروق ذكرها، واحتج، فقال ولو صح الجمع بينهما، لقيل: ان المحبس لم يفهم ذلك، وما قصده وانما حبس على الأعيان ثم على من سواهم من بعدهم، فما بقي واحد من الأعيان، لم يصح فيه لغيره حق البائع هو لهم بنص قول المحبس، فاذا انقرضوا صح لغيرهم إلى كلام يطول ذكره. فتأمل، رضي الله عنك، وراجعني عليه متطولا. رد ابن رشد على اعتراض المراجعة. فأجاب وفقه الله، على ذلك بهذا الجواب، ونصه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. تصفحت ياسيدى، أعزك الله بطاعته،

وتولاك بكرامته السؤال، ووقفت عليه وعلى جوابي المتقدم فيه وهو صحيح به أقول واياه أعتقد، وما استدللت به فيه من كتاب الله وعز وجل وعرف كلام الناس، كاف عند من فهم موضع الاستدلال منه وأنصف ولم يعاند وأنا أزيد ذلك، لما ذكرته من مخالفة من خالف فيه، واعتراض من اعترض عليه، إما لقصور فهم، واما لمعاندة حق، ونصرة قول فرط منه، أنف من الرجوع عنه إلى ما أهو أحسن منه وما اهتدى، ولا حصلت له من الله بشرى من ذهب إلى هذا النحو والمعنى، قال الله عز وجل، فبشر عبادى الذين يستمعون القول، فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله، واولئك هم أولو الألباب. والأصل في هذا: أن المحبس انما حبس ماله الذي خوله الله اياه وأجاز له التصرف فيه، وند به إلى التقرب اليه به فيما شاء من وجوه القرب وان كان غيرها أفضل، فوجب أن يتبع قوله، في كتاب تحبيسه، فما كان فيه من نص جلي، لو كان حيا، فقال: انه أراد ما يخالفه، لم يلفت إلى قوله، ووجب ان يحكم به، ولا يخالف حده فيه الا أن يمنع منه مانع من جهة الشرع، وما كان فيه من كلام محتمل لوجهين، فاكثر من وجوه الاحتمال، حمل على أظهر محتملاته، الا أن يعارض أظهرها أصل؛ فيحمل على الأظهر، من سائرها، إذا كان المحبس قد مات، ففات أن يسأل عما أراد بقوله من محتملاته، فيصدق فيه، اذ هو أعرف بما أراد، وأحق ببيانه من غيره.

فاذ تمهد هذا الاصل، ولم يصح فيه الخلاف، بانت بتمهده، صحة الجواب في المسألة المذكورة، لبنائه عليه، ورده اليه، وذلك أن المحبس لما حبس على بنيه، وقال في تحبيسه: ثم على أعقابهم من بعدهم احتمل أن يريد بذلك: ثم على أعقابهم من بعد انقراض جميعهم وأن يريد به: ثم على أعقاب من انقرض منهم؛ إلى أن ينقرض جميعهم، لاحتمال اللفظ للوجهين جميعا، احتمالا واحدا، وصلاحه لهما، وكذلك كل ما كان على صيغته من الألفاظ عطف جمع على جمع بحرف ثم يجوز أن يعبر فيه عن كل واحد من الوجهين؛ ألا ترى أنك تقول: ولد لفلان عشرة أولاد، ثم ماتوا بعد أن ولدوا، فتكون صادقا في قولك، وان كان كلما ولد واحد منهم، مات قبل أن يولد الآخر. وتقول: اشترى فلان عشر دور فبناها، ثم باعها بعد أن بناها، فتكون صادقا في قولك، وان كان كلما اشترى دارا منها، فبناها، باعها، قبل أن يشترى الأخرى. وكفي من الدليل على هذا قول الله عز وجل: {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحيكم ثم اليه ترجعون} [سورة البقرة الآية: 28] : أنه أمات كل واحد منهم، بعد أن أحياه قبل أن يحيي بقيتهم، وأنه أراد بقوله: ثم يحييكم: أنه لم يحي منهم أحداأمات جميعهم والصيغة في اللفظين واحدة. فلولا أن كل واحدة منهما محتملة للوجهين، لما صح أن يريد [146] بالواحدة غير مراده بالأخرى، وهذا أبين أن يخفى.

ومما يدل على أن قول المحبس ثم على أعقابهم من بعدهم يحتمل أن يريد: ألا يدخل ولد منهم في الحبس الا بعد موت أبيه، دليلا ظاهرا، أنه لو كان حيا فقال: هذا الذي أردت لوجب أن يصدق في ذلك بلا خلاف. بساط قصد المحبس قال أبو الوليد رضي الله عنه: فلما احتمل أن تكون هذه ارادته، وكان الاصل: أن يولد الرجل أحق بماله، بعد موته، من أخيه، وجب الا يعدل بحظ من بني المحبس عن ولده إلى اخوته إلا بنص ولا نص في ذلك على ما بيناه، لاسيما والذي يغلب على الظن أن المحبس إلى هذا قصد وانما أراد ان يجعل هذا الحبس لبنيه على سبيل الميراث، فلم يقل: وعلى أعقابهم، لئلا يدخل الولد مع أبيه فيه وقال: ثم على اعقابهم، لئلا يدخل معه في حياته، ولم يرد ألا يدخل معه حتى ينقرض أعمامه، لأن هذا خلاف ما يعلم من فطرة الناس وما جبلوا عليه في أشفاقهم من أن ينفرد بعض اولادهم بميراثه، دون ولد من مات منهم في حياته قال أبو الوليد ابن رشد، رضي الله عنه: وقد جاءني غير واحد يسألني عن حيلة في أن يصير إليهم، بعد موته من ماله، مثل نصيب أبيهم، فلم أجد له وجها إلا ان يوصي لهم بثلثه، أو بما شاء منه.

تنظير لاحتمال البعضيه، بما لدى ابن زرب. وقد قال ابن زرب: إن الرجل إذا قال في حبسه: حبس على ولدى فلان وفلان، وعلى أقابهم: أنه لا يدخل في ذلك ولد الابنة لاحتمال رجوع الضمير من قوله: وعلى أعقابهم على الذكران من ولده دون الابنة. قال: وكذلك لوقال، أيضا: على ولدى فلان، وفلان وفلانه وعلى أعقابهم لاحتمال رجوع الضمير على الابنين دون الابنة اذ قيل: ان الاثنين جماعة. قال: ولا يدخل ولد الابنة في الحبس، الا أن يقول: حبس على ابنتي وعلى عقبها، أو يقول على ابني فلان وفلانه، وعلى أعقابهما. فهذا ابن زرب لم يجعل قوله: وعلى أعقابهم عاماً في جميع ولده ورأى ألا يدخل ولد الابنة فيه الا بنص جلي فكذلك مسألتنا لا ينبغي أن يصرف حظ الميت من بني المحبس إلى اخوته دون بنيه الا بنص جلي ولا نص في ذلك، لاحتمال رجوع الضمير من قوله: ثم على أعقابهم من بعدهم على من مات منهم، لا عاما في جميعهم. والمسألة أبين من أن يحتاج إلى الاستدلال على صحتها بقول ابن زرب أو غيره. لم يفرق المخالف بين العام المحتمل للتخصيص، والعام النص في العموم. قال أبو الوليد، رضي الله عنه: وتفرقة المخالف بين الصيغتين

وادعاؤه في قول المحبس: ثم على أعقابهم من بعدهم انه نص على أنه لا دخول لأحد من ولد ولده حتى ينقرض جميع ولده، تخلف بين في تمييز معاني الألفاظ ومقتضى الخطاب؛ قد قال الله عز وجل: {يوصيكم الله في أولادكم} [سورة النساء الآية: 11] فلم يقل أحد: غن ذلك نص في جميع أولاد المسلمين اذ ليس بنص، وانما هو عموم محتمل للتخصيص، وقد خص منه الكفار والعبيد، فعلم أنهم غير مرادين بالآية. وقال تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} [سورة التوبة الآية: 103] ، فقال جماعة من أهل العلم: إنه لا زكاة في أموال المجانين والصبيان، وذهب مالك إلى انه لا زكاة في اموال العبيد فلو كان نصا في اموال جميع الملمين، لما وسع الخلاف فيه وهذا أكثر من أن يحصى، وأبين من ان يخفى. فكذلك قول المحبس: ثم على أعقابهم من بعدهم، ليس بنص على أعقاب جميع ولده من بعدهم. ويحتمل أن يكون أراد به: ثم على أعقاب من مات منهم من بعده وهو الأظهر من أرادة المحبس على ما بيناه. فالقول بأن ذلك ليس بنص ليس بقول. اعتبار المقاصد بين المالكية والحنفية. ولو قال: انه الأظهر من مجرد اللفظ، وسلمنا ذلك له، لما لزم اتباع مجرد ظاهر اللفظ، إذا خالفه المعنى؛ لأنا انما تعبدنا بمعاني الألفاظ دون مجردها. ولو اتبعنا مجردها دون معانيها لعاد الايمان كفرا والدين لعبا، لأن الله عز وجل يقول: {فاعبدوا ما شئتم من دونه} [سورة الزمر الآية: 15]

144 - شهادة مداينة بعقدين مختلفي المبلغ.

لأنه لفظ ظاهره الأمر، والمراد به: الوعيد والنهي، وقال لابليس: وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وليس بمأمور في ذلك، انما هو منهى عنه وهذه من حجتنا على أهل العراق في اعتبارهم بمجرد الألفاظ في الأيمان دون معانيها. [147] وبالله التوفيق لا شريك له. [144]- شهادة مداينة بعقدين مختلفي المبلغ. وخوطب رضي الله عنه، من بعض بلاد الاندلس، بنسخة عقدين اثنين وسؤال تحتهما يسأل فيه وجه الحكم فيها. ونص ذلك كله من أوله إلى آخر حرف فيه. عقد سلف بأربع مائة مثقال. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليما أشهدت فاطمة بنت هشام بن المنت أقوطى، التي كانت زوجا للوزير الفقيه أبي عبد الملك الخولاني إلى أن توفي عنها: أن لابنتها زينب، التي هي زوج لأبي القاسم ابن بدرون قبلها، في مالها وذمتها، اربع مائة مثقال، ذهبا عبادية من سلف أسلفتها اياها مؤخرة عنها إلى انقضاء عشرين سنة، لا برءاة لفاطمة المذكورين من العدة الا يدفعها لمن يجب له قبضها، واقامة البينةعلى دفعها.

شهد بذلك كله من أشهدته فاطمة المذكورة فوق هذا بجميع ما ذكر عنها فيه. وذلك في رجب ثمان وخمس مائة ابراهيم بن خلف بن محرز اللخمي، وكان قد أوقع اسمه حين أشهدته في عقد غير هذا، فمتى قيم به، واسمه فيه، فانما هي هذه الأربع مائة مثقال. نفس العقد بثلاث مائة مثقال. نسخة العقد الآخر. " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليما. أشهدت فاطمة بنت هشام بن المنت أقوطي، التي كانت زوجا للوزير الفقيه أبي الملك الخولاني، إلى أن توفي عنها: أن لإبنتها زنيب، التي هي زوج لأبي القاسم ابن يدرون، قبلها، وفي مالها وذمتها، ثلاث مائة مثقال ذهبا عبادية، مؤخرة عنها إلى انقضاء عشرين سنة من تاريخ هذا الكتاب، لا براءة لفاطمة المذكورة من العدة المذكورة الا بدفعها لمن يجب له قبضها، وإقامة البينة على ذلك. شهد بذلك كله من أشهدته فاطمة المذكورة فوق هذا بجميع ما ذكر عنها فيه. وذلك في رجب الفرد، من سنة ثمان وخمس مائة. خلف بن محمد بن خلف. هل يلفق العقدان؟ وهل يحمل المطلق منهما على القيد؟ وهذه نسخة السؤال. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليما جوابك رضي الله عنك. فيما يقتضيه العقدان المسطوان فوق هذا فإن زينب المشهود لها في العقدين، وتوفيت، وقام ورثتها، على

فاطمة المشهود عليها في العقدين، فأنكرت جميع ذلك. فهل تلفق الشهادتان، ومضمن العقدين، أم يحكم بأن كل واحد منهما ذكر حق على حدة، لا تعلق له لصاحبه؟ وهل لإدعاء القائم بالعقدين أنه حق أو حقان تأثير في استحقاقهما، أو استحقاق أحدهما أم لا؟ ثم تأمل، رضي الله عنك، تقييد أحد العقدين بالسلف، واطلاق العقد الثاني، هل يوجب حمل المطلق على المقيد، أو يقضي لكل واحد منهما بحكمه؟ وهل للأجلين المذكورتين في العقدين تأثير أم لا؟ وهل يستوى الحكم في أن تبتدئ هي بالاقرار، أو تقر بعد طلب واستدعاء، اذ القائم يزعم أن ما شهد به لموروثه حال؟ فتصفح، رضي الله عنك، جميع ذلك، وما عسى أن أغفلته، من مقتضى العقدين، أو مضمن أحدهما، وأوعب لنا الجواب بأكمل وجوه التفصيل والتقسيم، وأتم ما يحتمل من الشرح والتبيين، فربما تعسف متأول، فتمسك منه بلفظ مشكل، حايزا، في الاهتمام بذلك، جزيل الأجر، ان شاء الله تعالى. في العقدين اجمال مخل. فأجاب أدام الله وتوفيقه، على ذلك بهذا الجواب، ونصه: تصفحت سؤالك هذا، ووقفت عليه، وعلى ما تقيد فوقه من شهادة كل واحد من الشاهدين المذكورين، بما شهدا به من إقرار المرأة لابنتها.

وهي شهادة مجملة، اذ ليس في واحدة منهما بيان، ان كان التاريخ فيها لوقت الاشهاد أو لوقت وضع الشهادة، ولا يدرى هل كان اشهادها لهما، معا في مجلس واحد، أو في مجلسين، في تاريخ واحد، أو في تاريخين، ولا هل حل أجل الدين الذي شهد به أحد الشاهدين ام لم يحل؛ اذ لم تتضمن شهادته أن الأجل من التاريخ، والحكم في ذلك يختلف باختلافه. يجب استفسار الشهود. قال أبو الوليد رضي الله عنه. فالواجب في ذلك: أن يسأل الشاهدان عن وجه شهادتهما، ويستفسر عنها. (1) - فان قالا: أشهدتنا، معا في وقت كذا، فقال أحدهما: أشهدتنا بأربع مائة، وقال الثاني: انما أشهدتنا بثلاث مائة، وهي [148] منكرة، فالمشهور من مذهب ابن القاسم الذي به الفتوى وعليه العمل: أن شهادتهما تصح في الثلاث مائة، والتي اتفقا عليهما، إلى الاجل الذي سمياه، فيحكم للطالب بها، دون يمين، وتحلف المرأة وتسقط عنها المائة الزادة، الا على القول بالحكم بالقضاء باليمين مع الشاهد، فيكون الطالب بالخيار بين أن يحلف ويستحق الأربع مائة، أو يأخذ الثلاث مائة، دون يمين، ويرد على المرأة، في المائة الزائدة اليمين، وان ادعى الطالب ما شهد به الشاهدان جميعا، قال: انهما حقان، لم يكن له شيء، لأنه يكون بذلك قد أكد بهما، في شهادتهما، وتحلف المرأة ويسقط عنها الجميع.

وقد قيل: ان ذلك تكاذب في الشهادة، وانه ليس من باب الزيادة، فعلى هذا القول، ان ادعى الطالب أحد المالين، حلف مع شهادة الشاهد به، على مذهب من القضاء باليمين مع الشاهد، وتحلف المرأة المشهود عليها فيسقط عنها ما شهد به الشاهد الآخر. وان ادعى المالين، جميعا وقال: انهما حقان تخرج ذلك على قولين: أحدهما أنه لا شيء له، وتحلف المرأة، الثاني: أنه يحلف مع كل واحد منهما ويستحق المالين، جميعا، على القول، أيضا بالحكم باليمين مع الشاهد. (2) - وان قال الشاهدان، إذا استفسرا عن وجه شهادتهما: لم تشهدنا المرأة معا، واتفقت شهادتهما على تاريخ واحد مع كونهما في مجلسين، والمراة منكرة كما ذكرت، القول قول الطالب فيما يدعي من أنهما حقان، أو حق واحد فان ادعى أنهما حقان، كان له أن يحلف مع شهادة كل واحد منهما، ويستحق ما شهد له به، على القول بالقضاء باليمين مع الشاهد. وان ادعى أحد المالين حلف مع شهادة الشاهد، الذي شهد له به وأخذه على القول، أيضا، بالقضاء باليمين مع الشاهد. تلفيق الشهادة. قال أبو الوليد، رضي الله عنه، واختلف هل تلفق الشهادتان في الثلاث مائة، التي اجتمعت شهادتهما فيها، ويأخذها دون يمين، ان دعا إلى ذلك وأبى أن يحلف، أو على ما جرى به العمل، من أنه لا

145 - اثنتا عشرة مسألة من سبتة

يقضي باليمين مع الشاهد، فقيل: انها لا تلفق، وقيل: انها تلفق، فيأخذها بغير يمين وتحلف المرأة المشهود عليها ان ادعى الطالب الأربع مائة، أو المالين جميعا، فتبرأ من الزائد على الثلاث مائة، وهو الأظهر، واليه ذهب ابن المواز، وهو مذهب ابن القاسم في المدونة. (3) - وان قال أحد الشاهدين، إذا استفسرا عن وجه شهادتهما: أشهدتني المرأة بما شهدت به، في تاريخ كذا، لتاريخ غيره، فهما حقان لا يختلف في أن الشهادة لا تلفق في ذلك، ويكون الحكم فيه: أن يحلف الطالب مع شهادة كل واحد منهما، ويستحق ما شهدا به جميعا، وان شاء حلف مع أحدهما، على ما شهد به، ورد اليمين على المرأة فيما شهد به الشاهد الآخر. وهذا على القول بالقضاء باليمين مع الشاهد. وأما على ما جرى به العمل من أنه لا يقضي باليمين مع الشاهد، فلا يمكن من اليمين، وتحلف المرأة، ويسقط عنها الحقان جميعا. ولا يصدق الطالب في أن المال الذي شهد به واحد من الشاهدين حال ولا يكون القول في ذلك قوله، ولا يمكن من اليمين فيه، لأن المشهود عليها منكرة، فلا يصح إذا قضى عليها بالشهادة، أن يأخذ بعضها، ويترك بعضها، وانما كان يكون القول قول الطالب في أن المال حال، لو كانت مقرة به، مدعية للأجل فيه وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [145]- اثنتا عشرة مسألة من سبتة وخاطبه رضي الله عنه، رجل من أهل سبتة، حرسها الله تعالى، بكتاب يسأل فيه عن جملة مسائل، وقد كان هذا الرجل المذكور خاطبه، قيل ذلك، بكتابين يسأله فيهما عن مسائل، ويعترض عليه في

1 - مراجعة حول من نسى مسح رأسه في وضوء إحدى الصلوات الخمس

أحدها، في مسألة أجاب فيها، كانت جاءته من عندهم، أيضا. فأجابه وفقه الله، على الكتاب الثالث، يبين له فيه لم أعرض عن مجاوبته على الكتابين المتقدمين، ويوضح له فيه عن المسائل التي كتب اليه بها فيه. ونص ذلك من أوله إلى آخر حرف فيه. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. أسبغ الله عليك نعمه، وظاهر لديك آلاءه وقسمه، وأدام الله لك السلامة، ووصل لك الغبطة والكرامة، وبلغك أملك وختم بخير الاعمال وأبرها عملك، برحمته، انه منعم كريم. وصل الي - وصل الله أنعمه لديك - كتابك الأثير، فقرأته، ووقفت على مضمنه. [1]- مراجعة حول من نسى مسح رأسه في وضوء إحدى الصلوات الخمس فأما ما ذكرته فيه من أنك خاطبتني، مستفهما عن مسائل، اختلف القول فيها عندكم، مرة بعد أخرى، فلم أراجعك على واحدة منها فالذي أوجب ذلك أن الكتاب الأول لم يوصله الذي بعثت به معه وأرسله مع غيره، فلم أعرف لمن هو، ولا من حيث أتي، الا من بعد مدة طويلة. وكان قد تضمن أنه وصل اليك جوابي فيمن صلى الخمس صلوات

بوضوء توضأه لكل واحدة منها على حدة، فلما فرغ من صلاة العشاء الآخرة، ذكر أنه مسح رأسه، لا يدري من أي وضوء فقام يمسح رأسه ويعيد الصلوات كلها، اذ لم يدر من أي وضوء نسيه فلما قام لذلك، نسى، أيضا مسح رأسه وأعاد الصلوات الخمس كلها، دون أن يمسح برأسه. وكان من جوابي في ذلك: أنهليس على من اعتراء ذلك الا اعادة صلاة العشاء الآخرة بعد اصلاح وضوئه، إن لم يفته اصلاحه أو إعادته، ان فاته اصلاحه، اذ لا يصح أن يقول بخلاف ذلك الا من وهم في المسألة. فذكرت، أيضا، أنه لما وصل اليك، أنكرته، ورأيت الصواب في قول من خالف في ذلك، فقال: انه تجب عليه اعادة الصلوات كلها بعد اعادة وضوء العشاء الآخرة أو اصلاحه واحتججت لذلك بما ذكرته من الحجاج، التي لا شك في أنك ذاكر لها، وواقف عليها، فلم اشك أنه كلام فرط منك لأول وهلة، قبل التدبر، لأن المسألة أوضح وأبين من أن تخفى على من المسلمينه أدنى حظ من فهم فكيف على مثلك في الفهم والتنقير على الأشياء وكثرة البحث، والسؤال على كل معنى مشكل، وعلمت أنه لا شك أنك قد ندمت على ما كان فرط منك في ذلك، ورجعت عنه، اذ لا يكل ذهنك، ولا ذهن ذى ذهن، عما هو أغمض من هذا، فكيف بهذا؟

دفاع عن نفس الجواب وذلك أن هذا الرجل انما ذكر أنه نسى مسح رأسه من وضوء واحد لا يدري ان كان من وضوء الصبح، أو الظهر، أو العصر، أو المغرب، أو العشاء الآخرة؛ فهو لما أعاد الصلوات كلها بوضوء العشاء الآخرة دون أن يمسح برأسه كان قد صلى كل صلاة من الصلوات الخمس مرتين بوضوءين، الوضوء الذي توضأه لها، والوضوء الذي توضأه للعتمة، حاشا صلاة العشاء الآخرة، فإنه صلاها، مرتين بالوضوء الذي توضأه لها خاصة، فوجب أن يعيد صلاة العتمة، مخافة أن يكون نسي مسح رأسه من الوضوء الذي توضأه لها ولم يجب عليه أن يعيد شيئاً من سائر الصلوات، مرة ثالثة، لحصول اليقين عنده، أنه قد صلاها بطهارة تامة، اذ قد صلاها بالوضوء الذي توضأه لها، وبالوضوء الذي توضاه للعتمة. فإن كان النقصان من الوضوء الذي توضأه لها، فقد أعادها بوضوء العتمة، وهو صحيح، لا نقصان فيه، وان كان النقصان من وضوء العتمة فقد صلاها، أولا، بالوضوء الذي توضأه لها، وهو صحيح لا نقصان فيه. فهذا لا يخفى والوهم لا يعصم منه أحد من البشر، الا الأنبياء والرسل وواجب على من قال قولا فبان له وهمه فيه، أن يرجع إلى الحق، فان الحق أحق أن يتبع فأنا أريد منك أن تريح نفسي بأن تعرفني ان كان تبين لك صحة جوابي في هذه المسألة، أم لا، فانه يعز على، ويعظم عندي: أن يخفى هذا المقدار على مثلك، ورحم الله

2 - حول حديث: ((من أتي البهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة))

الأصيلي، فانه يقول: لا أريد أن أخطىء، فاذا أخطأت فلا أريد أن اتمادى على الخطأ، فأخطىء مرتين. اعتذار عن كتاب لم يجب عنه، حول أول حديث الموطأ. وأما الكتاب الثاني فاختلط في جملة كتب، كانت بين يدي، وذهب فلم أجده، فهو الذي أوجب تأخير الجواب عليه، وأظنه تضمن السؤال عن موضع الحجة، من أول حديث من الموطأ، على المغيرة بن شعبة، رضي الله عنه، في تأخير الصلاة. فان كان السؤال عن ذلك، فقد نفذ جوابي عنه اليكم، عن سؤال فيه من عندكم، فلا معنى لاعادته. قال أبو الوليد رضي الله عنه: وأما المسائل التي استفهمت عنها في كتابك، الذي هذا جوابه، ورغبت الجواب عنها، فمنها. [2]- حول حديث: ((من أتي البهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة)) أنك سألت عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم: {من أتى بهيمة فاقتلوه، واقتلوا البهيمة} ما وجهه؟ وما معناه؟ والبهيمة غير مكلفة، ولو كانت مكلفة لسقط القتل عنها بالاكراه، فكيف وهي غير مكلفة؟ فالجواب عن ذلك: أن هذا حديث رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى انه قيل: لابن عباس ما شأن البهيمة؟ فقال: ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، في ذلك، شيئاً، ولكني

أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكره أن يؤكل لحمها، أو ينتفع بها وقد عمل بها ذلك العمل. نقد الطحاوى للحديث وتكلم الطحاوى عليه في كتاب مشكل الحديث له، فقال انه حديث يرجع إلى عمرو بن أبي عمرو واسماعيل بن أبي حبيبة، وعمرو ابن أبي عمرو قد تكلم في روايته، واسماعيل بن أبي حبيبة متروك الحديث، عند أهل العلم جميعا. فان كان الحديث غير صحيح، كفينا الكلام فيه، وان كان صحيحا، فهو منسوخ، بدليل أنه قد روى عن ابن عباس من وجوه ثابتة، صحاح، أنه قال: ليس على من أتي بهيمة حد. ولا جائز أن يقول، بعد النبي، صلى الله عليه وسلم، ما يخالف حديثه عنه، الا بعد ثبوت نسخه عنده، وبدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: {لا يحل دم امرىء مسلم الا باحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زنى بعد احصان أو قتل نفس بغير نفس} قال أبو الوليد، رضي الله عنه: هذا معنى قول الطحاوى دون لفظه. فأما قوله: انه منسوخ، فجيد، إذا حمل الكلام على ظاهره من القتل حقيقة وأما استدلاله على نسخه بما روي عن ابن عباس من أنه قال: ليس

على من أتى بهيمة حد فليس بصحيح عندنا، لأن الراوى إذا روى الخبر، وترك العمل به، لم يمنع ذلك من وجوب العمل به، اذ قد يتركه لنسيان أو تأويل، لا يراه غيره، أو لأنه قدم عليه ما لا يرى غيره أن يقدم عليه، الا ترى أن نأخذ بحديث عائشة رضي الله عنهما، في التحريم بلبن الفحل، وان كانت قد خالفت حديثها عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، اذ كان يدخل عليها من أرضعته بنات اخيها، وبنات أختها، ولا يدخل عليها من أرضعه نساء إخوتها أو نأخذ بحديث ابن عباس في أن الأمة تخير، إذا اعتقت تحت العبد، وان كان مذهبه أن بيع الأمة طلاقها. تأويل الحديث (1) - والتأويل في هذا الحديث ممكن، إذ قد يحتمل أن يكون ليس على حقيقة اللفظ في القتل، وأن يكون المراد به: القتل بالقول الذي هو اللعن، والابعاد، والاهانة، اذ قد يعبر عن ذلك بالقتل، على سبيل المجاز المعروف في كلام العرب الموجود كثيرا في القرآن، وقد جاء فيه، في هذا بعينه: قال الله عز وجل {قتل الانسان، ما أكفره} أي: لعن الانسان، يعني الكافر، وجاء في

التفسير: انها في عتبة بن أبي لهب، وقال عز وجل: {قتل أصحاب الأخدود}، أي: لعن أصحاب الأخدود. وجاء في التفسير: انهم قوم كانوا يعبدون صنما، وكان معهم قوم يكتمون ايمانهم، يعبدون الله، ويوحدونه، فعلموا بهم، فخدوا لهم أخدودا، وملؤوه نارا فاقتحموها، ولم يرتدوا عن دينهم، فأعلم الله بقصتهم، وما بلغت بهم بصيرتهم في دينهم، من أن يحرقوا بالنار، ولا يرجعون عنه، ولعن الفاعلين بهم ذلك، على فعلهم. وقال، عز وجل {قتل كيف قدر، ثم قتل كيف قدر}، معناه: فلعن كيف قدر ثم لعن كيف قدر. جاء في تفسير هذه الآية: أن الوليد ابن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقرأ عليه القرآن، فكأنه رق له، فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه، فقال له: أي عم، ان قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا، قال: لم؟ قال: يعطونك، فانك أتيت محمدا، تتعرض لما قبله. قال له: قد علمت قريش أني أكثرها مالا. قال: فقل فيه قولا، يعلم قومك أنك منكر لما قال، وأنك كاره له، قال: فماذا أقول فيه؟ فوالله ما منكم رجل أعلم بالأشعار مني، لا أعلم برجزه، ولا بقصيدة، ولا بأشعار الجن، وأعرف الكهانة، فليس بكاهن، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا، والله ان لقوله، الذي يقول، لحلاوة، وانه ليحكم ما تحته، وانه ليعلو ما بعده. قال: والله ما

يرضى قومك حتى تقول فيه، قال: فدعنى حتى أفكر فيه. فلما فكر، قال: هذا سحر يأثره عن غيره، فنزلت: ذرني ومن خلقت وحيدا، وجعلت له مالا ممدودا / إلى قوله تسعة عشر. ومعلوم من كلام الناس أن يقول الرجل، اذ وبخ وأهين، وقوبل بما يكره من القول: قد قتلني فلان، وقد أتى على مقاتلي بما قال. فيكون معنى الحديث: من وجدتموه على بهيمه فالعنوة والعنوا البهيمة، وأهينوه ووبخوه على فعله، واهجروه، واحكموا له بحكم من لا خير فيه، لأن ذلك قتل له، انه من ذهب خيره، الذى يذكر له، أو ماله فهو ميت الأحياء. ومن المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم للذي أثنى على أخيه: {قطعت عنق صاحبك}، وقوله {من قذف رجلا بكفر فهو قتله} فلعن هو، على هذا التأويل، لاستباحة ما حرم عليها من اتيان البهيمة لارتكاب المعصية فيها، باستباحة اتيانها، وان لم يكن منها فعل، ولا كان لها ذنب، كما لعنت الخمر، لارتكاب المعصية بها، باستباحة شربها وان لم يكن منها فعل، ولا كان لها ذنب. قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لعن الله الخمر، وعاصرها ومعتصرها، الحديث.

وروى عن أبي الدرداء أنه قال الدنيا ملعونة ملعون ما فيها، الا ما كان فيها من ذكر الله، وما والاه إلى الله. فاذا لعنت الدنيا لارتكاب العاصي فيها، فكذلك تلعن البهيمة إذا ارتكبت المعصية فيها. قال أبو الوليد، رضي الله عنه: فيحتمل أن يكون ابن عباس رضي الله عنه ذهب إلى هذا التأويل، ولذلك قال: ليس على من أتى بهيمة حد، لأن البهيمة لا عقاب عليها، ولو كان ذلك الفعل بها يحرم أكلها، لما وجب، لذلك قتلها، ولا تحريم الانتفاع بها، على مقتضى أصول الشرع. (2) - ويحتمل أن يكون انما قال ذلك لأنه تأول فيه أنه منسوخ، بتأويل لا يوافقه غيره عليه، وقد يثبت عنده أنه منسوخ، من وجه لا يثبت به عند غيره، فلا يصح أن يحكم بأنه منسوخ، بما صح عنه، من أنه قال ليس على من أتى بهيمة حد، ولو كان قد وقف من النبي، صلى الله عليه وسلم، على أنه منسوخ، لما حدث به، اذ لايصح أن يحدث بالمنسوخ من الحديث من علم أنه منسوخ، اذ ليس الحديث المنسوخ كالقرآن المنسوخ حكمه، الثابت بين اللوحين خطه، وانما كما نسخ خطه وحكمه، فلا يتلى ولا يعمل به. وكذلك لا دليل على أنه منسوخ، في قول النبي صلى الله عليه وسلم {لا يحل دم

3 - حول العبارة السائرة: الحديث مضله الا للفقهاء

امرى مسلم الا باحدى ثلاث: كفر بعد ايمان، أو زنا بعد حصان، أو قتل نفس بغير نفس لإحتمال أن يكون متأخرا عنه، فيكون مضافا إلى الثلاثة الأشياء، كما يضاف اليها القتل بالحرابة وبما سوي ذلك، مما قامت الحجة بالقتل فيه. فان لم يكن تأويل الحديث ما ذكرناه. وكلن المراد به، حقيقة. القتل، فانما هو منسوخ بالاجماع، المعصوم من الخطأ، الذى هو أحد أدلة الشرع، لقول الله عز وجل {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى، ونصله جهنم وساءت مصيرا ولقول النبي، صلى الله عليه وسلم {لن تجتمع أمتي على ضلالة}، لابما ذكره الطحاوى، مما ذكرناه عنه، وبينا ماعليه فيه. وبالله التوفيق، لا شريك له. [3]- حول العبارة السائرة: الحديث مضله الا للفقهاء ومنها أنك سألت فيه عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم {الحديث مضله الا للفقهاء} ما وجهه، والفقيه لا يستحق اسم الفقه الا بعد معرفته بالحديث؟ فعلى أي وجه تخرج الحديث؟ فالجواب عن ذلك أنا نقول: أما إضافتك هذا الكلام إلى النبي،

صلى الله عليه وسلم، وقولك فيه: انه من حديثه، فليس بصحيح، اذ ليس ذلك من حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وانما هو قول ابن عيينة أو غيره من الفقهاء. وهو كلام صحيح، بين معناه: لأن الحديث منه ما يرد بلفظ الخصوص، والمراد به العموم، ومنه ما يرد بلفظ العموم والمراد به الخصوص، ومنه الناسخ، ومنه المنسوخ، ومنه ما لم يصحبه عمل، ومنه مشكل، يقتضي ظاهره التشبيه، كحديث التنزل، وحديث الصورة، وقول النبي صلى الله عليه وسلم {من تقرب إلى شبرا تقربت اليه ذراعا، ومن تقرب إلى ذراعا، تقربت منه باعا، ومن أتاني يمشى أتيته هرولة} وكالأحاديث التي سألت عن معناها، في كتابك هذا؛ لأن هذا كله لا يعلم معناه الا الفقهاء، فمتى جمع الحديث أحد، ولم يتفقه فيه، اضله، بحمله، في جميع المواضع، على ظاهره، من الخصوص، والعموم، والتشبيه، والعمل بالمنسوخ. وقولك: ان الفقيه لا يستحق اسم الفقه الا بعد معرفته بالحديث لا يرد ما ذكرناه، لأنه وان كان لا يستحق اسم الفقه الا بعد معرفته بالحديث، فلا يستحقه لمعرفته بالحديث، وانما يستحقه لتفقهه في

4 - حديث: «ان امرأتى لا ترد يد لامس»

الحديث، وجامع الحديث، إذا لم يتفقه فيه ليس بفقيه، ومعرفته للحديث مضلة لم، إذا لم يتفقه فيه، كما قال ابن عيينة، أو من قاله من العماء. وبالله التوفيق. لا شريك له. [4]- حديث: «ان امرأتى لا ترد يد لامس» ومنها أنك سألت فيه عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم «ان امرأتى لا ترد يد لامس»، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «فاستمسك بها» ما وجهه مع الحديث في خبر الأمة، وقوله عليه السلام، بعد الأمر بجلدها: «بيعوها ولو بظفير». فالجواب عن ذلك: أنه حديث أخرجه أبو داود، من حديث ابن عباس، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «ان امرأتى لا تمنع يد لامس»، قال: «غيرها»، قال «أخاف أن تتبعها نفسى»، قال: فاستمتع بها» ورواه، أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم، هاشم مولاه، وقيل انه هو السائل للنبي صلى الله عليه وسلم، فالله أعلم. تأويل الحديث. قال أبو الوليد رضي الله عنه: واختلف في تأويله: (1) - فقيل: معناه: لا ترد يد سائل يلتمس منها العطاء، وانها

5 - حول حديث: «تزوج بكرا فوجدها حاملا»

كانت تبذر عليه ماله، فعلى هذا، لا اشكال في الحديث. (2) - وقيل: انه كناية عن كثرة فجورها، وهو الأظهر، فعلى هذا التأويل، المعنى في أمر النبي صلى الله عليه وسلم اياه بطلاقها بين، وليس اباحيه له أن يمسكها إذا كانت تعجبه، وخشى أن تتبعها نفسه، ان فارقها، ما يعارض حديثه في الأمة، لأن الاختيار له طلاقها، وجائز له أن يمسكها، إذا خشى على نفسه العنت بمفارقتها، مع أن يثقفها، ويحفظها، فيكون مأمورا في حبسها، وحفظها وحفظ دينه بها. وقد قيل: انما أباح له النبي صلى الله عليه وسلم الاستمتاع بها، فيما دون الوطء مخافة اختلاط الأنساب، وهو من التأويل البعيد، والله أعلم. [5]- حول حديث: «تزوج بكرا فوجدها حاملا» وأما الحديث الذى ذكرت، أيضا، وسألت عن معناه، وهو: أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: «يا رسول الله، تزوجت بكرا، ووجدتها حاملا» فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «طلقها وبع ولدها، واذا ولدت فاجلدها». فانه حديث لا أعرفه، وقد خرج أبو داود حديثا بمعناه، على خلاف هذا النص، يقرب معناه من معناه. تأيل الحديث. قال ابو الوليد، رضي الله عنه: فإن صح الحديث على النص الذى ذكرته، فتحتمل وجهين من التأويل. (1) - أحدهما: أن هذا الرجل كانت له أمة بكر، فوطئها فاذا

هى حامل، فسال النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وكنى له عن الوطء بالتزويج، على العادة في الكناية عن الوطء بما هو سببه، فامر النبي صلى الله عليه وسلم بعتقها إذ كره له التمادى على الاستمتاع بوطئها، من أجل أنه غذى ولدها في بطنها بمائة، فصار لها به شبهة حرمة أمهات الأولاد. وعبر له صلى الله عليه وسلم بالطلاق عن العتق، لقرب ما بينهما في المعنى، اذ الطلاق ترك ما يملك المطلق من العصمة، كما أن العتق ترك ما يملك المعتق من الملك، كما عبر هو له، أيضا بالتزويج عن الوطء، فقال له: طلقها، أي: طلقها من ملكك. وأعلمه أن له ان يبيع ولدها. وان كان الاختيار له أن يعتقه، بقوله: وبع ولدها لئلا يظن أنه قد صار ولدا له بتغذيته اياه بمائة، في بطن أمة، يحرم عليه ملكه. [153] قال أبو الوليد، رضي الله عنه: وقد / ذهب إلى ذلك بعض أهل العلم، فقال: انه لا يحل له أن يستعبده، وأنه يلحق به نسبه، وبالذى كان أصل الحمل منه، فيرثها ويرثانه جميعا، تعلقا بما روى أنرسول صلى الله عليه وسلم، رأى امرأة عند فسطاط يريد: حاملا، فقال: «لعل صاحب هذه أن يلم بها»، «لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه في قبره، كيف يورثه، وهو يحل له؟ وكيف يسترقه، وهو لا يحل له»؟.

ولا تعلق بالحديث، فيما ذهب اليه، لأن قوله: «كيف يورثه وهو لا يحل له» لا يدل إلا على ان نسبه غير ثابت منه، وقوله: «كيف يسترقه وهو لا يحل له»، معناه كيف يسترقه وهو لا يحل له، بنفس طيبة، دون إكراه، فيرجع معنى ذلك إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بجارية، اشتراها رجل، وهى حبلى، فقال عليه السلام «أتطؤها وهى حبلى؟» قال: «نعم». قال: «فانك تغدو في سمعه وفي بصره، فاذا ولد فاعتقه». وقيل انه يجوز له أن يبيعه، لقوله، في الحديث الذى سألت عنه: وبع ولدها. (2) - والوجه الثانى من التأويل هو أن يكون ذلك الرجل السائل للنبى، صلى الله عليه وسلم، تزوج جارية بكرا، على أنها حرة، فوطئها، وألقاها حاملا، ثم استحقها رجل، ووهبها له، أو استحقها هو أمة له، فسقط من الحديث ذكر الاستحقاق، ان كان استحقها هو، أو الاستحقاق والهبة، ان كان غيره استحقها، فوهبها له، فقال لع النبي صلى الله عليه وسلم: «طلقها»، اعلاما له أنها قد طلقت منه بملكه اياها، لا على معنى أن يستحدث لها طلاقا. وهذا مثل ما روى عنه صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «لا يجزى ولده والده، الا أن يجده عبدا، فيشتريه، ويعتقه». وهذا يكون حرا بنفس

الشراء، لا يستحدث له بعده عتقا. وقد مضى القول في معنى قوله «وبع ولدها» في التأويل الأول. وبالله التوفيق. قال أبو الوليد، رضي الله عنه: والحديث الذى خرجه أبو داود من رواية سعيد بن المسيب عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقال له بصرة قال: «تزوجت امرأة بكرا، في سترها، فدخلت عليها، فاذا هى حبلى، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لها الصداق بما استحللت من فرجها، والولد عبد لك، فاذا ولدت فاجلدوها»، فليس فيه ما يشكل الا قوله: «الولد عبد لك». ومعناه: أن يكون لك بمنزلة العبد، اذ هو ربيب لك تحضنه وتكلفه، ولا نسب له ينزع اليه، لكونه ابن زنا، فتصرفه تصريف العبد، والله أعلم. الجمع بين الآثار اولى من بقاء التعارض. فعلى هذا المعنى الذى ذكرناه من التأويلات تتفق الأحاديث كلها، وينتفى التضاد عنها، الحديث الذى سالت عنه، ان صح، والحديث الذى خرجه أبو داود، والحديث الذى احتج به من ذهب إلى أن من وطئ أمة حاملا، يثبت نسب الولد منه، ومن الذى كان اصل الحمل منه، والحديث الذى ذكرته حجة عليه. وهذا هو الوجه عند أهل العلم، فيما تعارض من ظواهر الآثار،

6 - حديثان حول فضل الجمعة والحج

والتبس من معانيها: أن يشرح ما التبس منها، ويلفق بينها بالتأويل، إذا امكن ذلك، ولا تحمل على التعارض فتطرح، ولا على أنها من المتشابه، الذى لا يعرف معناه، ولا يفقه، ولا على انها مما وهم الرواة فيها. وبالله التوفيق، لا شريك له. [6]- حديثان حول فضل الجمعة والحج ومنها أنك سألت فيه عن الحديث الذى جاء: «الجمعة حج المساكين» «و» الحج جهاد كل ضعيف»، «فالجواب عن ذلك: أنهما حديثان لا أعرفهما في شىء من الصحيح، انما ذكرهما صاحب الشهاب، لا أذكرهما في غيره ومعناها بين، وهو أن المسكين الذى يسقط عنه فرض الحج، لعدم استطاعته على الوصول إلى مكة، لمسكنته، لا يسقط عنه فرض إتيان الجمعة، ويقوم ذلك له مقام الحج، لمن وجب عليه فرضه، في تحميض الدنوب، وتكفير الخطايا. روى عن عبد الله بن أبى أوفى انه قال: «من سلم في جمعته من ثلاث كفر عنه بروحته ما بينه وبين الجمعة الأخرى، ثم كل صلاة

7 - حول قول عمر بن عبد الغزيز: «تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور»

[154] تكفر وتحط ما بين يديها / ما اجتنبت الكبائر، وهو أن يحدث حدثا من اثم، أو يتخطى رقاب الناس، أو يتكلم والامام يخطب» وقال سعيد بن المسيب: «لأن أشهد الجمعة مع المسلمين أحب إلى من حجة متطوعا». وكذلك من ضعف عن الجهاد، واستطاع السبيل إلى الحج، لا يسقط عنه ضعفه عن الجهاد ما يلزمه من فرض الحج. [7]- حول قول عمر بن عبد الغزيز: «تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور» ومنها انك سألت فيه عن وجه ما روى عن عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه، أنه قال: «تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور»، مع ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، من قوله؛ «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتى» وما روى أيضا من قوله: «اياكم ومحدثات الأمور، فان كل محدث بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار». وقوله: «من أحدث في امرنا ما ليس منه فهو رد».

فالوجه في ذلك أن ما حدث من النوازل، التي لا يوجد فيها نص في الكتاب ولا في السنة ولا فيما أجمعت عليه الأمة يستنبط لها من الكتاب والسنة لأن الله هز وجل يقول: " ياأيها الذين آمنوا، أطيعوا الله، وأطيعوا الرسول، وأولى الأمر منكم، فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول " [سورة النساء الآية: 59] معناه: إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وقال: " ولو ردوه إلى الرسول والى الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم " [سورة النساء الآية: 83] فجعل المستنبط من الكتاب والسنة علما، وأوجب الحكم به فرضا وقال عز وجل: " وما فرطنا في الكتاب من شيء " [سورة الانعام الآية: 38] قال أبو الوليد، رضي الله عنه: فلا نازلة الا والحكم فيها قائم من القرآن، اما بنص، واما بدليل، علمه من علمه، وجهله من جهله. وهذا المعنى من الاستنباط مثل ما جاء من أن أبا بكر الصديق، رضي الله عنه، كان يجلد في الخمر أربعين، وكان عمر، رضي الله عنه، يجلد فيها أربعين، إلى أن بعث اليه خالد بن الوليد يذكر له أن الناس قد استحقوا العقوبة في الخمر، وأنهم انهمكوا فيها فما ترى في ذلك؟ فقال عمر لمن حوله، وكان عنده على، وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف، ما ترون في ذلك؟ ما ترى ياأبا الحسن؟ فقال على، يا أمير المؤمنين، نرى ان يجلد فيها ثمانين جلدة فإنه إذا شرب سكر واذا سكر هذى، واذا هذى افترى، وعلى المفترى ثمانون

8 - حول التختم في اليمين أو في اليسار.

جلدة وتابعه أصحابه على ذلك، فقبله عمر، وأخذ به، لأنهم استنبطوه من الكتاب. قال أبو الوليد، رضي الله عنه: والوجه ذلك، فقبله عمر، وأخذ به، لأنهم استنبطوه من الكتاب. قال أبو الوليد، رضي الله عنه: والوجه في استنباطهم اياه منه أنه لما كان الأصل المتفق عليه أن الحدود وضعت للردع والزجر عن المحارم وجب أن يرجع في حد الخمر إلى أشبه الحدود بها في القرآن، فكان ذلك حد القذف، للمعنى الذي ذكره على بن أبي طالب، رضي الله عنه. فهذا وجه قول عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه، تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور، لا انه تحدث لهم أقضية مبتدعة بالهوى، خارجة عن الكتاب والسنة، وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [8]- حول التختم في اليمين أو في اليسار. ومنها انك سألت فيه وجه كراهة التختم في اليمين مع ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، انه كان يجب التيامن في أموره كلها وهل يسامح الاعسر في ذلك ام لا؟ وهل بين قريش وغيرهم في ذلك فرق أم لا؟

وقد كان الظاهر ان التختم في اليمين أولى، لما جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه يحب التيامن في أموره كلها ومع أن الاستنجاء بالشمال، وقليلا ما تخلو الخواتم من أن يكون اسم الله تعالى مكتوبا عليها. فالجواب عن ذلك أن ذهب اليه مالك، رحمه الله، من استحسان التختم في اليسار، هو الصواب، وانما أخذ ذلك من الحديث الذي ذكرت، فهو حجة له، لا عليه، وذلك أن الاشياء اما أن تتناول باليمين على ما جاءت به السنة فهو إذا أراد التختم تناول الخاتم بيمينه، فجعله في شماله، واذا أراد أن يطبع به على مال، أو كتاب أو شيء، تناوله بيمينه من شماله، فطبع به ثم رده في شماله، اذ أصل ما اتخذ الخاتم للطبع به، على ما جاء من أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد ان يكتب إلى كسرى وقيصر فقيل له: انهم لا يقبلون كتابا دون طبع، فاتخذ خاتما، ونقش فيه: " محمد رسول الله " ومن تختم في اليمين تناول الخاتم، إذا أراد التختم به أو الطبع به على شيء بشماله، لا بيمينه / فلهذا رأى مالك التختم في الشمال أحسن [155] وهو جيد من القول، والأمر في ذلك أوسع، ولا فرق فيه بين الأعسر وغيره ولا بين القرشي وغيره. قال ابو الوليد، رضي الله عنه: قد اختلفت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أصحابه، بعده في التختم في اليمين والشمال فممن كان يختتم في يساره ابو بكر، وعمر وعثمان، والحسن،

9 - حول حديث من حفظ ثلث القران أعطى ثلث النبوة.

والحسين وممن كان يختتم في يمينه جعفر بن أبي طالب ومحمد بن علي ابن الحنفية وابن عباس وعبد الله بن جعفر. واذا كان في خاتمه اسم الله تعالى، فالأحسن أن يحوله عند الاستنجاء إلى يمينه فان لم يفعل فالأمر فيه واسع، ان شاء الله وبه التوفيق لا شريك له [9]- حول حديث من حفظ ثلث القران أعطى ثلث النبوة. ومنها أنك سألت فيه عما جاء من ان من حفظ ثلث القرىن أعطى ثلث البنوة. فالمعنى في ذلك: أنه اعطى ثلث علم البنوة، خرج مخرج قوله تعالى واسأل القرية ومخرج قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا جبل يحبنا ونحبه يريد: ليحبنا أهله ونحب أهله. وذلك ان الله تعالى أنزل القرآن تبيانا لكل شيء وقال: ما فرطنا في الكتاب من شيء فمن حفظه، وعلم أحكامه من خاصة وعامه ومفصله ومجمله، وناسخه ومنسوخه ولحنه وفحواه، ومعناه، ووجه الاستنباط منه وقليل ما هم فقد اوتي علم النبوة، ومن حفظ بعضه فقد أوتي من العلم بقدر ما حفظ منه.

10 - هل الأفضل عتق الأمة أو العبد؟

وبالله التوفيق، لا شريك له. [10]- هل الأفضل عتق الأمة أو العبد؟ ومنها أنك سألت فيه: هل عتق الاماء والعبيد المسلمين في الأجر سواء؟ فالجواب عن ذلك: أن عتق الأكثر ثمنا منهم أعظم في الأجر ذكرا كان أو انثى، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، سئل: أي الرقاب أفضل؟ فقال أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها فعم، ولم يخص ذكرا من أنثى. وأما إذا استوى الذكر الانثى، في الثمن والنفاسة عند أهله فعتق الذكر أفضل من عتق الانثى، بما خصه الله به دونها، مما فضله به عليها، من الامامة، والشهادة والجهاد. كما أن العبدين أو الأمتين إذا استويا في الثمن والنفاسة عند الأهل، وأحدهما أفضل من صاحبه في الدين، فعتق الأفضل أعظم أجرا. قال أبو الوليد رضي الله عنه: وهذا كله ما لا اختلاف فيه وانما اختلف في الأفضل من عتق الكافر والمسلم، إذا كان الكافر أكثر ثمنا، فقيل: ان عتق الكافر أفضل، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: ان عتق المسلم أفضل، وان الحديث انما معناه مع استواء الرقاب، في الكفر أو الإسلام، وكذلك الأفضل من عتق الكفار من كان أكثر ثمنا منهم من ذكر أو أنثى.

11 - افتتاح الخطبة بالحمد لله الصمد

قال أبو الوليد رضي الله عنه: فاما إذا استووا في الاثمان فالذي أقول به: أن عتق الانثى أفضل: لأن نكاح الانثى يحل بذلك للمسلمين، ففي عتقها منفعة لهم ولا منفعة لهم في عتق الكافر الذكر اذ لا جزية عليه، إذا أعتقه الميلم. ويأتي على مذهب من يرى عليه الجزية ان عتقه أفضل من الانثى، لن أخذ الجزية منه أعم نفعا للمسلمين من نكاح الامة، والله اعلم. وبه التوفيق، لا شريك له. [11]- افتتاح الخطبة بالحمد لله الصمد ومنها أنك سألت فيه: هل يسوغ الخطيب أن يقول في خطبته: " الحمد لله الواحد الصمد، الذي لا والد له ولا ولد " فالجواب عن ذلك: أنه سائغ جائز ولا وجع للمنع من ذلك لأنه معنى قول الله عز وجل " قل هو الله أحد " [سورة الاخلاص الآية: 1] وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [12]- هل يجوز الدعاء بطلب شفاعة النبي عليه السلام؟ ومنها أنك سألت فيه: هل يجوز ان يأنف مسلم ان يقول: " اللهم لا تخلني من شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، واجعلني ممن ينال شفاعته، ولا يحرمها "

فالجواب عن ذلك: أنه لا يحل لمسلم أن يأنف من ذلك، بل يجب عليه أن يضرع إلى الله عز وجل، في ذلك، جاهدا، لأن شفاعته، صلى الله عليه وسلم، تنال جميع أمته، المحسنين والمذنبين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لكل نبي دعوة يدعو بها، فأريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتى في الآخرة " وأجمع أهل العلم على أن المقام المحمود الذي وعده الله به، في كتابه، هو شفاعته لأمته، فتنال شفاعته، صلى الله عليه وسلم [156]، المحسنين منهم في وضعين، أحدهما: الا راحة من الموقف، الثاني: الزيادة في الكرامة، والترفيع في المنزلة والدرجة. واما المذنبون فمنهم من تناله شفاعته في التجاوز عن ذنوبه، ومنهم من تناله شفاعته في اخراجه من النار، فلا يحرم أحد شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم الا الكفار. قال أبو الوليد، رضي الله عنه: ولعلها ألا تنال من يكذب بها من أهل الاهواء والبدع. فمعنى دعاء الرجل الا يحرمه الله شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم انما هو أن يميته الله على الإسلام، غير مبتدع ولا زائغ، فواجب عليه أن يدعو بها جهده، ولا يدعو أن يخرج من النار بشفاعته، لأنه دعاء في أن يكون من المذنبين، المستوجبين للنار. وبالله التوفيق، لا شريك له، وأقرأ عليك من سلامي أتمه وأحفله. والسلام الجزيل عليك، ورحمه الله وبركاته.

146 - حول تسعة أحاديث في الحث على استذكار القرآن

[146]- حول تسعة أحاديث في الحث على استذكار القرآن وكتب اليه، رضي الله عنه، الفقيه ابو عبد الله معمر، من مشيخة مالقة، بجملة أحاديث - ونصها. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. (1) - روى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم، انه قال: " عرضت على أجور أمتي، حتى القذاة ليخرجها الرجل من المسجد، وعرضت على ذنوبهم، فلم أر شيئاً أعظم من رجل تعلم آية، أو سورة من كتاب الله عز وجل، ثم نسيها " (2) - وروى سلمان الفارسي عن النبي صلى الله عليه وسلم، انه قال: " من اكبر ذنب توافى به أمتي يوم القيامة، سورة من كتاب الله عز وجل، كانت مع احدهم فنسيها " (3) - وروى عن سعد بن عبادة: " ما من احد تعلم القرآن ثم نسيه الا لقي الله أجذم " (4) - وروى عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " بسئما لأحدكم ان يقول نسيت آية كيت وكيت، بل هو أنسيها، استذكروا القرآن، فانه أسرع تفلتا من قلوب الرجال من الإبل من عقلها " (5) - وعن علي بن رباح عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم " تعلموا كتاب الله وتعاهدوه، وتغنوا به، قبل أن يتعلمه قوم يسألون

به الدنيا، فان القرأن يتعلمه ثلاثة نفر، رجل يباهى به، رجل يستأكل به ورجل يقرؤه لله تعالى " (6) - وعنه صلى الله عليه وسلم، أنه قال " اقرأوا القرآن، قبل أن يجيء قوم يقيمونه، كما يقام القدح يتعجلوه أجره، لا يتأجلونه " (7) - وعن ابن عمر قال: " يقال: أبقى الناس عقولا قرأة القرآن " (8) - وعن عطاء بن يسار قال: بلغني أن حمله القرآن عرفاء أهل الجنة ". (9) - روى أبو هريرة، وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن أحسن الناس صوتا بالقرآن قال: الذي إذا سمعته رأيته يخشى الله. وفي خبر آخر: أي الناس أحسن قراءة؟ قال: الذي إذا سمعته رأيته يخشى الله " ثم قال في آخرها: وقفت أيدك الله بطاعته - على هذه الأحاديث مقطوعة، فما ذكرت سنده، أو الديوان المذكورة فيه، بينته، وفسرت معنى النسيان لآى القرآن، فانه شديد ان يكون بمعنى ترك العمل، مأجورا موفقا، ان شاء الله تعالى.

فاجاب، ادام الله توفيقه، على ذلك بهذا الجواب: وقفت - نفعنا الله واياك - على الأحاديث التى ذكرتها. [1] فأما الحديث الأول منها: حديث أنس بن مالك، فانه حديث خرجه أبو عيسى الترمذى من رواية ابن جريح، عن المطلب بن حنطب، عن أنس بن مالك، وقال فيه: انه «حديث غريب لا أعرفه الا من هذا الوجه» وأنه ذاكر به بن اسماعيل فلم يعرفه، واستغربه، وقال: «لا أعرف للمطلب سماها من أحد، من أصحاب النبى، صلى الله عليه وسلم قال: «وسمعت عبدالله بن عبد الرحمن يقول: لا نعرف للمطلب سماها من احد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، الا قوله: حدثنى من شهد خطبه النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «وسمعت عبدالله بن عبد الرحمن يقول: لا نعرف للمطلب سماها من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال عبد الله: وأنكر على بن المدينى أن يكون المطلب سمع من أنس». [2] وحديث سلمان، الذى بعده، معناه معناه، فان صح احدهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، فمعنى قوله فيه، والله أعلم: «فنسيها» أي

فعل ما اوجب عليه نسيانها من ترك المعاهدة عليها، تهاونا بها، واستخفافا بحقها، ورغبة عن الثواب في قراءتها، قيتعلق الاثم في ترك تعاهد قراءتها على / هذا الوجه، اذ لا اثم على من ترك المعاهدة [157] على درس القرآن، غفلة عن ذلك، واشتغالا بما سواه من الواجبات، أو المندوبات، حتى نسى منه سورة أو آية، باجماع من أهل العلم، قال الله تعالى «سنقرئك فلا تنسى الا ما شاء الله» وروى عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمع رسول صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ في سورة بالليل فقال: «يرحمه الله، لقد اذكرنى كذا وكذا آية، كنت أنسيتها من سورة كذا». قال أبو الوليد، رضي الله عنه: فلو كان كان نسيان من القرآن ذنبا لما نسيه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وليس النسيان لشىء من القرآن، أو غيره، بكسب للعبد، اذ لا يكون بقصده واختياره، فيأثم بفعله وانما يأثم بأن يفعل ما ينسيه الله به ذلك، على الوجه المنهى عنه، وذلك بين من قول النبي صلى الله عليه وسلم «بئسما لأحدكم أن يقول: نسيت آية كيت وكيت بل هو نسى فنهى صلى الله عليه وسلم أن يقول الرجل «نسيت» فيضيف إلى نفسه ما ليس من كسبه، وأمره ان يقول «أنسيت». قال أبو الوليد، رضي الله عنه: وذلك استحباب لا ايجاب، بدليل

قول الله، عز وجل: «لا تؤخذنى بما نسيت» وقول النبي صلى الله عليه وسلم؟؟؟؟؟؟ أحدكم عن الصلاة أو نسيها». وأما قوله، صلى الله عليه وسلم. «إلى لأنسى، لأسن» فانما هو شك من المحدث في أي اللفظين قال، صلى الله عليه وسلم، فأنسى أحسن، وانسى جائز. [3] واما حديث سعد بن عبادة «ما من أحد تعلم القرآن ثم نسيه، الا لقى الله اجذم» فمعناه منقطع الحجة. وذلك إذا نسيه لترك المعاهدة عليه، استخافا بحقه، على ما بيناه من قبل. ويحتمل ان يكون المراد بالنسيان، في هذا الحديث: ترك الايمان به، او العمل بما فيه، لأن النسيان، حقيقة، هو الترك: قال الله عز وجل: «نسوا الله فنسيهم»، أي: تركوه فتركهم. وهو حديث مشهور، ذكره ابن أبى شيبة، وغيره، ومعناه صحيح، لأن مصداقة في كتاب الله تعالى. قال الله عز وجل: «ومن اعرض عن ذكرى فان له معيشة ضنكا، ونحشره يوم القيامة أعمى، قال: رب لم حشرتنى أعمى، وقد كنت بصيرا؟ قال: كذلك أتتك آياتنا فنسيتها، وكذلك اليوم ننسى» قال أهل التأويل: معناه أعمى عن الحجة، اى: «لا حجة له»، شاد لا حجة لأحد على الله تعالى، وقيل معناه: أعمى عن الحجة، وعن النظر إلى الاشياء، لعموم العمى في كل شىء من النظر وغيره.

وليس المراد بالنسيان المذكور في الآية تلفت حفظ القرآن عن الصدور، وانما معناه ترك العمل بما فيه، كذلك قال أهل التأويل، أو ترك الإيمان به. قال أبو الوليد، رضي الله عنه: وهو الأظهر، بدليل قوله في أول الآية: «ومن أعرض عن ذكرى»، لأن الاعراض عنه لا يكون الا بترك الايمان. ولا يحتمل هذا التأويل حديث أنس بن مالك الأول، لقوله فيه: «أمتى»، لأن من يؤمن بالقرآن فليس من أمة النبي صلى الله عليه وسلم. [4] وأما حديث عبدالله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم، انه قال «بئسما لأحدكم» الحديث فانه حديث صحيح خرجه البخارى، وغيره، وقد مضى. [5] وأما حديث على بن رباح عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فانه لم يوجد على نصه بكماله في الصحيح، فما تضمنه من الأمر بتعليم كتاب الله تعالى، وتعاهده، والاستغناء به، والتحذير من التباهى به، والاستيكال به موجود في الآثار الصحاح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيركم تعلم القرآن وعلمه»، وقال: تعاهدوا القرآن

فانه أشد تقصيا من قلوب الرجال من النعم من عقلها» وقال: «ليس منا من لم يتغن بالقرآن»، أي: يستغنى به. خرج ذلك كله اصحاب الصحاح: البخارى وغيره. وخرج الترمذى عن عمران بن الحصين: انه مر على قارئ يقرأ، ثم سأل، فاسترجع ثم قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: من قرأ القرأن فليسأل الله؛ فإنه سيجئ أقوام يقرأون القرآن، [158] يسألون / به الناس» قال: وهو «حديث حسن». [6] وهذا معنى الحديث الذى ذكرت بعده. ومثله ما روى عن عبدالله ابن سهل الأنصارى قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: اقرأوا القرأن، لا تغلوا فيه، ولا تجفوا عنه، تأكلوا به، ولا تستكثروا به». [8، 7] وأنما قول ابن عمر، وعطاء بن يسار، فليس فيه من فضل قراءة تالقرآن. الثابتة في ذلك اكثر من أن تحصى.

147 - عزل الموكل لوكيله المفوض دون عام الأخير.

وأما حديث ابى هريرة، الذى ذكرته، في أحسن الناس صوتا بالقرآن، فلا أذكره في الصحيح، الا أن أن معناه صحيح، لأن البتغى من حسن الأصوات بالقرآن، رقة القلوب بها، ورقتها بها انما انما تكون على قدر ما يظهر من خشوع القارئ في قراءته، وظهور الخشية عليه فيها. قال أبو الوليد رضي الله عنه: فبان بحمد الله معنى الحديث، وهو يرد تأويل من تأول ان معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم، «ما اذن الله في شىء ماأذن لنبى يتغنى بالقرآن»، هو أن يرتل القرآن، ويحسن صوته ما استطاع، استدعاء لرقة قلبه بذلك، اذ لا يرق قلب القارئ والمستمع لقراءته، الا مع الخشوع في القراءة، وظهور الخشية على القارئ فيها. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [147]- عزل الموكل لوكيله المفوض دون عام الأخير. وخاطبه، رضي الله عنه، بعض حكام الكور، يسأله عن مسألة توكيل، ونصها: الجواب، رضي الله عنك، في رجل وكل وكيلا على طلب حقوقه كلها، واستخراجها وقبضها، والانكار، وقبض الايمان، وصرفها، إذا وجبت، وكالة موضة تامة، أقامة بها مقام نفسه، وعوضا منه، وقبل الوكيل ذلك من توكيله ورضيه، وثبت التوكيل على أعيانهما عندى،

وعلى الواجب في ذلك. والوكالة مطلقة لم يتقيد فيها أنه وكله عند قاض. وحضر الوكيل مع خصمه بين يدى، وقيدت عليه مقالته باقرار على موكله الذى وكله. فلما طلب بذلك الاقرار، استظهر موكله بعزلة عزله اياها قبل الاقرار المذكور، دون أن يعلم الوكيل شيئاً منها. فهل يسقط الاقرار المذكور بالعزلة المذكورة، التى أشهد الموكل بها، أم يكون ماضيا عليه؟ وان كان في المسألة اختلاف، على ما ذكر بعض الموثقين، فاشرح ما جرى العمل به، مأجورا ان شاء الله. لا يصح العزل بعد بدء الخصام. فأجاب، أدام الله نوفيقه، على ذلك بهذا الجواب، ونصه: تصفحت السؤال ووقفت عليه. وما تقيد على الوكيل لازم لموكله، الا أن يكون عزله قبل مناشبة الخصام، عزلا أعلن به، وأشهد عليه، ولم يكن منه تفريط في تأخير اعلامه، اذ لا يجوز لمن وكل وكيلا على الخصام أن يعزله، بعد أن ناشب خصمه في الخصام، وقاعده فيه، ولا قبل ذلك سرا، اذ لوجاز ذلك لم يشأأحد أن يوكل وكيلا على المخاصمة عنه، ويشهد في السر على عزله، الا فعل ذلك؛ فان قضى له سكت، وان قضى عليه قال: كنت عزلته. قال أبو الوليد، رضي الله عنه: هذا الذى أقوله به، ولا يصح سواه على أصولهم، فلا يلتفت إلى ما يؤثر في ذلك، من خلاف، وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له.

148 - تنازع مسجدين جامعين على اقامة الجمعة

[148]- تنازع مسجدين جامعين على اقامة الجمعة وخوطب، رضي الله عنه، من شرق الأندلس بهذه المسألة، يسأل عنها، ونصها من اولها إلى آخرها: جوابك، رضي الله عنك، في قرية بين اربع عشرة قرية، وفي القرية المذكورة جامع قديم، كان أهل القرى المذكورة، في الزمان الأول، قد اتفقوا على بنيانه، والصلاة فيه، لما في ذلك من المنفعة لأهل القرى المذكورة، لكونه وسطا، فصلوا فيه إلى القتنة، ثم انتقلوا، من أجلها، إلى حصن في أعلى القرى المذكورة، فظلوافى جامعة إلى أول الهدنة؛ ثم انتقلوا إلى قرية على مقربة من الحصن، من احدى الأربع عشرة قرية المذكورة، فصلوا في مسجدها إلى أن تمكنت الهدنة، وانصرف الناس إلى أوطانهم في القرى المذكورة، فافترقوا فوقتين: طائفة تصلى في الجامع القديم وطائفة تصلى في الجامع الحديث، التى في القرية، التى انتقلوا اليها من الحصن في أول الهدنة. واحتج أهل هذه القرية المذكورة بأن قالوا: ان قريتنا فيها ثلاثون دارا، وأن القرية التى فيها الجامع القديم، ليس فيها الا اثنتا عشرة دارا، وقال اهل سائرا القرى المذكورة، لا / تكون صلاتنا الا في الجامع [159] القديم، لأنه في قرية وسط القرى وقريتكم تبعد عنا، فذلك من الضرر علينا؛ والرفق بنا: أن نصلى في الجامع القديم، حسبما كان في الزمان الأول، ولما بنى له. بين لنا، وفقك الله، هل تصرف الصلاة من الجامع الحديث إلى

149 - زوجة أرادت أن تأخذ بخيار الغيبة بعد قدوم الزوج

الجامع القديم، للمصلحة المذكورة، ام يبقيان على حالهما، أم تقام في الجامع الحديث، للشبهة التى ذكرها أهل قريته، من أن فيها ثلاثين دارا. بين لنا شافيا يرفع الاشكال فيه، فانه أمر وقع، وأحببنا الوقوف فيه على مذهبك، والله ولى توفيقك وتسديدك بمنه. فأجاب، أيده الله: بهذا الجواب، ونصه: تصفحت السؤال، ووفقت عليه، ولا يراعى قدم الجامع القديم، اذ لم تتصل اقامة الجمعة فيه، لانتقال أهله عنه. بالفتنة إلى جامع الحصن. فالواجب أن تقر الجمعة في القرية التى انتقلوا اليها من الحصن، في اول الهدنة، فأقاموا فيها الجمعة، ولا تنقل عنها إلى الجامع القديم، برجوع الناس إلى أوطانهم، في جميع القرى، ولا مسجد سواه. وبالله التوفيق، لا شريك له. [149]- زوجة أرادت أن تأخذ بخيار الغيبة بعد قدوم الزوج وسئل رضي الله عنه، عن الرجل يشترط لزوجة ألا يغيب عنها أكثر من ستة أشهر، فغاب ثمانية، ونص السؤال. الجواب، رضي الله عنك، في رجل تزوج امرأة، وشرط لها في كتاب صداقها معه: ألا يغيب عنها أكثر من ستة أشهر، فان زاد على هذا على هذا الأجل، فأمرها بيدها، ولها التلوم عليه ما أحبت فغاب ثمانية أشهر، وثبت ذلك.

فلما قدم، بعد الثمانية الأشهر، منعته من دخول الدار، وأرادت أن تأخذ بشرطها. بين لنا، رضي الله عنك، هل لها ذلك أم لا؟ ونزلت، أدامك الله توفيقك، واختلف فيها فقال بعض الشيوخ: ان لها أن تأخذ بشرطها، واحتج بما وقع في سماع اصبغ من كتاب النكاح من قوله: «وان ماتت النرأة التى تزوج عليها، أو فارقها قبل أن تعلم، ثم عملت، فلها أن تأخذ بشرطها» وبما وقع في وثائق الباجى، أن لها أن تأخذ بشؤطها، في مسألة بعينها، وفي مسائل ابن زرب. ووثائق الملون مثل ذلك. وقال بعضهم: ليس لها أن تأخذ بالشرط، ولم يستظهر في ذلك بنص. فبين لنا أرجح القولين في ذلك، وأصحهما، مأجورا مذهب مشكورا، ان شاء الله تعالى. قدوم الزوج يبطل الشرط. فأجاب أدام الله: توفيقه، بهذا الجواب، ونصه: تصفحت السؤال، ووفقت عليه. وما ذهب اليه بعض الشيوخ من أن لها أن تأخذ بشرطها، وهو حاضر، وبعد قدومه من مغيبة، ليس بصحيح، لنه إذا قدم فقد ارتفعت العلة، التى من أجلها وجب لها أن يكون أمرها بيدها، وذلك بين من قولهم في الشرط: «ولها التلوم عليه ما أقامت منتظرة له، ومتلومكة عليه، لا يقطع تومها شرطها»؛ اذ يقتضى ذلك يقتضى ذلك أن القضاء الواجب لها بحلول الأجل لا يبطله

ويخرجه من يدها الا قدوم الزوج، وان طال انتظارها قبل قدومه. ولا تشبه هذه المسألة مسألة سماع أصبغ، التى اشرت اليها في سؤالك؛ لأن القضاء قد وجب لها في مسألة سماع أصبغ بالتزويج عليها، وان ماتت، أو طلقها، لما تخشى المراة من أن يكون تزويجه عليها قد زهده فيها، ورغبه في سواها، فوجب ألا يبطل بموت المتزوجة، ولا بطلاقها، ولم يجب ها القضاء في هذه المسألة بانقضاء الأجل الا مع اتصال المغيب؛ لأن مغيب الزوج عن زوجته لا يزهد فيها، إذا قدم عليها، بل قد يرغبه فيها، ويريد في حرصه عليها. انما تشبه هذه المسألة مسألة الأمة تعتق تحت العبد، فلا تختار نفسها حتى يعتق زوجها، وقد قالوا فيها: إنه لا خيار لها، إذا أعتق زوجها قبل ان تختار، فكما لا يجب لها خيار إذا عتق زوجها قبل أن تختار، لذهاب العلة الموجبة لاختيارها نفسها، وهى رق الزوج، فكذلك لا يجب [160] للزوجة قضاء، إذا زوجها قبل ان تقضى، لذهاب العلة / الموجبة لقضائها في نفسها، وهى اتصال مغيب الزوج عنها، وهو نص قول ابن نافع غى المدنية أنه لا قضاء لها، إذا قدم زوجها، قبل أن تأخذ بشرطها على ما رأيته لبعض أصحابنا، فلا يلتفت إلى ما ذهب اليه الباجى في وثلئقه، أو سواه من المتأخرين، لمخالفى ذلك مذهب الفقهاء المتقدمين، على ما بيناه. وبالله التوفيق، لا شريك له.

150 - اليمين اللازمة المسبوقة بالتزام طلاق من يتزوجها

[150]- اليمين اللازمة المسبوقة بالتزام طلاق من يتزوجها وسئل، رضي الله عنه، عن رجل حلف لزوجه بالأيمان اللازمة، ليتزوجن عليها، وقد كان طاع لها، في كتاب صداقها معه: أن الداخلة عليها بنكاح طالق. ونص السؤال: جوابك، رضي الله عنه، في رجل حلف بالأيمان له لازمة، ليتزوجن على زوجة له، في عصمته، وقد كان طاع لها بشرط في صداقها: ان تزوج عليها فالداخلة عليها بنكاح طالق، فتزوج الرجل عليها، بغير أمرها، ودخل. هل يبر في يمينه بتزويجه من تطلق عليه بالشرط المذكور، أم لا يبر؟ وما يفعل مع زوجته الأولى؟ وهل يحال بينه وبينها، أم تطلق عليه؟ بين لنا ذلك بيانا شافيا مبسوطا. فأجاب أيده الله، على ذلك بهذا الجواب، ونصه - تصفحت السؤال، وفقت عليه. فان تزوج عليها، ودخل قبل أن يعثر على الأمر، بر في يمينه، لأنه لما حلف ليتزوجن عليها، بعد تقدم الشرط لها بطلاق كل امرأة يتزوجها عليها، فقد يمينه: ليفعلن ما لا يجوز له ان يفعله من تزوجه عليها، فوجب أن يبر بذلك إن فعله، وإن كان لا يجوز له أن يفعله كمن حلف بطلاق امرأته ليقتلن رجلا، أو ليتزوجن أخته من

الرضاعة، فتجرأ على ذلك وفعله. وان عثر على يمينه بالأيمان اللازمة، قبل أن يتزوج عليها، طلقت عليه بالتبة على ما مضى من فتوى من أدركنا من شيوخنا، في الزام الثلاث في الأيمان اللازمة، لأنه على حنث ولا يمكن من البر الا ان تشاء المرأة أن تدع ذلك، وتقيم معه، لا يطؤها، ولا ينظر إلى شعرها، فان شاءت ذلك لم تطلق عليه، وان رفعت أمرها، وطلبت الوطء طلقت مكانها، ولم يضرب لها أجل الايلاء، اذ لا يمكن من الفىء. وقيل: انه يضرب له أجل الايلاء، وان كان لا يجوز له الوطء، لعلها ترضى بالمقام معه على غير وطء. فاذا حل الأجل، ولم ترض بالمقام معه على غير وطء، طلقت عليه بانقضائه، والقولان قائمان من كتاب الايلاء من المدونة. ولو حلف، أيضا، بالأيمان اللازمة ليتزوجن عليها، ثم قال بعد ذلك: كل امرأة أتزوجها عليك فهي طالق، لم يبر بالتزويج عليها، لأن يمينه انما وقعت على تزويج يجوز له، وهو لا يمكنه، وهذا لا بين لابن القاسم في سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق. وبالله التوفيق. التغليط مقصود في الأيمان اللازمة وفي أيمان البيعة. وقال رضي الله عنه، أعني ابن رشد، في مسألة الأيمان اللازمة: ينبغي ألا يختلف اليوم فيها أنها تلزمه الثلاث، لأنه قد اتفق الناس أنه بالثلاث يحكم فيها، فيقصدون الحلف لتغليط اليمين عليهم بها، فكأنهم انما يقصدون الحلف بالثلاث.

وقال أيضا: ان ذلك مأخوذ من أيمان البيعة، لأنهم كانوا يؤخذ عليهم فيها الطلاق الثلاث، والعتاق، فحلف الناس بها من ذلك الباب. وقال: لا ينبغي ان يختلف فيها اليوم، ومن قال: انه تلزمه طلقة بائنة، ويرتجع بولي وصداق، وشاهدين - قال ابن رشد - فهو خطأ. تم بحمد الله، وعونه، وتأييده، ونصره، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. محتوى الأيمان اللازمة. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وصلى الله على محمد خيرته من خلقه، وعلى آله وسلم تسليما. قال القاضي أبو الوليد ابن رشد، رضي الله عنه، لما كان الأمر أن يؤخذ الناس في أيمان البيعة بالطلاق الثلاث، والمشي إلى مكة، وعتق عبيده، وكفارة يمين، وأيضا: فان أكثر عادات الناس اليوم في وقتنا هذا اليمين بالطلاق الثلاث. فيجب أن يلزم الحالف بالأيمان له لازمة، ذلك لأنها دخلت في يمينه. وأيضا، فان من الأيمان: الطلاق واحدة، والطلاق ثلاثا، والخلية، والبرية، والحرام، فمن قال: جميع الأيمان له

لازمة، فقد دخل تحت يمينه جميع هذه الأيمان، فكيف يقتصر به على أقلها؟ وأيضا، فان الذى يقول: الأيمان تلزمه، فانما قصد التغليط والتشديد والتضييق على نفسه، مع علمه، ومعرفته بما يلزم في ذلك، حتى لو سئل أكثر الحالفين بها فبل يمينه، مما يلزم من حلف بمثل يمينه تلك، لأجاب السائل بالأغلب من الفتيا، والأشد من القول. فقد قاربت هذه الفتيا اليوم الخروج من الاختلاف المتقدم، وكذلك قال لي من لقيته من الشيوخ، وبها رأيتهم يفتون، والقول بها وبطلاق السنة أحسن الأقاويل، وأشبه بطريق العلم، ولكل واحد منهما وجه في النظر، واحتمال في النظر والقياس. قال الله عز وجل الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب.

151 - استحقاق دابة بعد بيعها ثلاث مرات

[151]- استحقاق دابة بعد بيعها ثلاث مرات وسئل، رضي الله عنه، عن مسألة وقعت في أحكام الفقيه القاضي أبي الأصبع ابن سهل، رحمه الله، ونص السؤال: الجواب - أمتع الله المسلمين بك - في مسألة أشكلت علي. وذلك أن ابن سهل ذكر في أحكامه في رجل اعترف دابة فقومت بثلاثين مثقالا، وضعها المقوم عليه، ثم خرج بها إلى بلد أخر، يطلب بيعه، ثم طلب ذلك البائع منه، فقومت في البلد الثاني بأربعين، ووضعت فيها، ثم قومت في البلد الثلث بخمسين، ووضعت فيها، ثم قدم بها، فهلكت في الطريق. قال ابن عتاب، رحمه الله: له أرفع القيم، لأن النماء له فما تقول - رضي الله عنك، وأمتع بك - ممن يأخذ هذا المستحق الخمسين، ان كان من الذي هلكت في يده، أو من المقوم عليه، أولا؟ وكيف إن كان الذي هلكت في يده عديما، والمال، الموضوع في بلد آخر، غائب، على من جلبه؟ ولعله قد ضاع أو هلك في الطريق.

وكيف - أعزك الله، وأبقاك - ان كانت القيم بالعكس، قومت، أولا، بستين، ثم في البلد الثاني بخمسين، ثم في البلد الثلث بأربعين، وقد هلكت في يده الآخر، فغرم الأربعين، ممن يأخذ المستحق هذه العشرين؟ وهل - أكرمك الله - إذا خاطب الحاكم المقوم عليه، أولا، بما حكم عليه، فجاء بخطابه إلى البلد الثاني، فأخذ من بيعه الثمن، وأخذ البائع منه الدابة، ليطلب بها حقه، ووضع قيمتها، وخاطب المكتوب اليه للحاكم الأول / بذلك، هل ينطلق الرهن الأول أم لا؟ وأشكل هذا كله علي، ولم أجد عند نفسي، فيما علمت من ذلك، شفاء، فأنت الملجأ، فلك المن والطول، في مجاوبتى، على هذا كله، لأقيده، وأستفيده، ممتنا مأجورا ان شاء الله. للمستحق أرفع القيم فأجاب، أدام الله مدته، على ذلكط بهذا الجواب، ونصه: تصصفحت - أكرمك الله بطاعته اياه، ووفقنا الله واياك لما يحبه ويرضاه - سؤالك هذا، ووقفت عليه. [أ]- وقول أبي عبد الله ابن عتاب - رحمه الله: ان للمستحق أرفع القيم، لأن النماء له صحيح؛ وذلك أن كل واحد ممن ذهب بالدابة، لاستخراج حقه بها، قد ضمنها بالقيمة التي وضع فيها، إن تلقت في ذهابه وروجوعه بها إلى الموضع الذي وضع القيمة فيه، فلا يجوز أن تكون عليه القيمة التي وضع،

وتكون له القيمة التي وضعت له، وهي أكثر منها، فيكون قد أخذ بضمانه ثمنا، وذلك حرام، لا يحل، ولا يجوز. فقول ابن عتاب - رحمه الله: إن للمستحق أرفع القيم وهي الخمسون، معناه إذا تلفت الدابة بيد الذي وضع الخمسين، قبل أن يرجع بها إلى البلد الذي وضعها فيه. [ب]- وأما سؤالك ممن يأخذ المستحق الخمسين، ان كان من الذي هلكت الدابة في يده، أو من المقوم عليه أولا: فالجواب على ذلك: أنه ان كان المقوم عليه أولا، المستحق من يده الدابة، قضي له بالخمسين، فأتى بها أخذها منه، وان كان لم يقض له الا الثلاثين لم يكن له أن يأخذ منه الا الثلاثين، التي وضعها له، ويذهب عن العشرين الباقية له إلى حيث بقيت له فيه، وانما يقضي له بالخمسين، إذا ادعى هو والذي رجع عليه أنهما وضعا فيها خمسين، ولم يكن في مخاطبه القاضيين لهما في تسمية القيمة ما يكذب دعواهما. واما ان كان سمى كل واحد منهما في خطابع مبلغ القيمة الموضوعة عنده، فلا يقضي له الا بثلاثين. أمثلة القيم متصاعدة. قال ابو الوليد ابن رشد رضي الله عنه: وبيان هذه الجملة يلوح بالتنزيل: [1]- مثاله: ان زيدا استحق دابة بقرطبة من يد عمرو، وقد كان

عمرو ابتاعها بجيان، من بكر، وابتاعها بكر، بغرناطة. من خالد، وابتاعها خالد بالمرية، فوضع عمرو لزيد قيمتها بقرطبة، ثلاثين، ووضع بكر لعمرو قيمتها بجيان، أربعين، ووضع خالد لبكر قيمتها بغرناطة، خمسين، وذهب بها إلى المرية، فنققت في ذهابه بها، أو في رجوعه، فان القاضي بغرناطة لا يقضي لبكر بأخذه الخمسين، التي وضعها له خالد عنده، ان كان قد أقر عنده أنه لم يضع هو فيها بجيان الا أربعين، أو ذكر له ذلك قاضي جيان، في خطابه اليه، وانما يقضي له منها بأربعين، لأنه يقول له: العشرة الزائدة على الأربعين لا حق لك فيها، وانما هي لمستحق الدابة بقرطبة، فلا بد من بقائها له موفقة، فتسلم اليه الأربعين، ويخاطب له بذلك قاضي جيان، وكذلك يفعل قاضي جيان لا يسلم إلى عمرو من الأربعين، الموقفة له عنده، الا الثلاثين، التي وضع هو فيها بقرطبة، لزيد، مستحق الدابة، وتبقى العشرة موقفة على حالها، ويخاطب له بذلك قاضي قرطبة، فيسلم قاضي قرطبة لزيد مستحق الدابة الثلاثين، التي وضعها له عمرو وهو المستحق من يده الدابة، ويقول له: لك من قيمة دابتك عشرة بجيان، وعشرة بغرناطة، اذهب اليها، ان شئت، فتستوفي بذلك الخمسين التي هى أرفع قيم دابتك، على ما قاله ابن عتاب، رحمه الله ولو تلفت الدابة بيد واضع الأربعين، بعد أن ردها اليه واضع الخمسين التي وضعها الآخر واضع الثلاثين

بقرطبة، من الأربعين الموضوعة له بجيان، الثلاثين التي وضعها، وبقيت منها عشرة في موضعها للمستحق، فيأخذ المستحق الثلاثين، الموضوعة له بقرطبة، ويذهب إلى العشرة، الباقية له من الأربعين، إلى جيان، ان شاء، فيأخذها. ولو تلفت الدابة بيد واضع الثلاثين، بعد أن ردها اليه واضع الأربعين، وأخذ الأربعين التي وضعها الآخر مستحق الدابة / الثلاثين، الموضوعة له، ولم يكن له سواها. ولو لم تتلف الدابة، وأتى بها لردها إلى مستحقها، وأخذ الثلاثين التي وضعها له. فهذا بيان ما سألت عنه، ممن يأخذ المستحق الخمسين؟ وأما قولك: وكيف ان كان الذي هلكت الدابة في يده، عديما، فلا يحتاج اليه، لأن الخمسين، التي تجب عليه بالضمان، قد وضعها، فلا اعتبار بملئه من عدمه. القيم متنازلة وأما قولك: وكيف ان كانت القيم بالعكس، قومت أولا بستين، وفي البلد الثاني بخمسين، ثم في البلد الثالث بأربعين؛ فالجواب عن هذا: أن القيم لا يصح أن تكون بالعكس، لأنها إذا قومت، أولا بستين، فمن حق واضع الستين ألا يسلم الدابة حتى توضع له الستون، التي وضع، كما إن تلفت الدابة أخذها عوض الستين،

التي وضع عند صاحب الدابة، فوجبت له، إذ لم تصرف اليه الدابة وكذلك الثاني، اللهم الا أن يكون لم يتضمن خطاب واحد منهما أن القيمة التي وضعها ستون فلا يلزم الذي أراد أخذ الدابة لاستخراج حقه بها أن يضع فيها الا ما تساوى في ذلك الوقت، وفي ذلك البلد؛ فإن قومت في هذا الوجه على الثاني بخمسين، وعلى الثالث بأربعين، حسبما ذكرت، لم يلزم واحدا منهما، ان تلفت الدابة في يده، إلا ما قومت عليه به، فإن تلفت في يد الذي قومت عليه بأربعين، لم يلزمه الا أربعون، وغرم الذي قومت عليه بخمسين، تمام الخمسين، وذلك عشرة، والذي قومت عليه بستين، تمام الستين، وذلك عشرة، أيضا. ومن حق مستحق الدابة ألا تنطلق القيمة، الموضوعة له، إلى صاحبها، حتى ترد اليه دابته، فلا يكون للمستحق منه، إذا وضع القيمة، وأخذ الدابة، لاستخراج حقه بها، أن يأخذ القيمة حتى يأتي بالدابة. ولا يصح للقاضي أن يحكم له بذلك، وان راجعه القاضي الذي كتب اليه بأن الذي رجع عليه قد وضع له قيمة الدابة عنده، لما على المستحق من الضرر في الشخوص إلى بلد آخر، ولعله على مسيرة العشرة الأيام أو العشرين عن الدابة، إن ردها الذي ذهب بها، أو عن القيمة التي وضع فيها، والذي ذهب بالدابة، فوضعت له القيمة، أحق بالانتظار؛ حتى ترجع الدابة، فيردها، أولا ترجع، فيأخذ القيمة، الموضوعة له، عوضا عن القيمة التى وضع للمستحق.

152 - حول حديث بريرة في العتق والولاء

هل توضع القيم ببلد المستحق؟ قال أبو الوليد، رضي الله عنه: ولقد كان القياس أن يقال لهذا الثاني: ان أردت أن تضع قيمة الدابة، وتطلب حقك بها فاشخص إلى بلد المستحق، وضع القيمة عنده، كما فعل الأول؛ لأن من حق الأول أن يرد الدابة، أذ قد استخرج حقه بها فيأخذ رهنه. ولعمري إن هذا مما ينبغي للحاكم أن ينظر فيه، فان كان بلد المستحق بعيدا، والبلد الذي يريد أن يذهب هذا اليه قريبا، مكن من أن يضع قيمة الدابة، ويذهب بها، وان كان بلد المستحق قريبا، والبلد الذي يريد أن يذهب هذا اليه بعيدا، لم يمكن من ذلك، وقيل له: اذهب إلى بلد المستحق، فضع القيمة عنده، فينطلق إلى هذا رهنه، ولا يحبس المدة الطويلة، فيدخل عليه في ذلك ضرر شديد، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. فهذا وجه ما سألت عنه مستوفي. وهي مسألة جيدة، دقيقة، نعما قل من يعرفها، أو يبحث عن معرفتها، فما سألنى قط، أحد عنها سواك. والله يوفقنا، واياك، برحمته، لا اله غيره. [152]- حول حديث بريرة في العتق والولاء وسئل الفقيه الإمام أبو الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد، رضي الله عنه، عن معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعائشة رضي الله عنها، في حديث بريرة خذيها واشترطي لهم الولاء، فانما الولاء لمن أعتق،

كيف يصح ان يأمر النبي صلى الله عليه وسلم، عائشة أن تشترط في ابتياعها شرطا باطلا لا يجوز، قد أبطله في الحديث نفسه، بقوله فيه فانما الولاء لمن أعتق، وخطب الناس بابطاله فقال ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله، من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل، وان كان مائة شرط، قضاء الله / أحق، وشرط الله أوثق. وانما الولاء لمن أعتق. وهل يصح قول من قال، ممن تكلم على معاني الحديث، واستخرج ما فيه من الفقه: ان في هذا الحديث من الفقه أن الرجل إذا أراد شراء سلعة، أو زواج امرأة، ولم يرد رب السلعة، ولا أولياء المرأة، أن يبيعوا منه السلعة، ولا أن يزوجوا منه المرأة، الا على شروط يظنون أنها تحل وتلزم، وهو يعلم أنها لا تحل ةلا تلزم، أنه يجوز له أن يشترى السلعة، ويتزوج المرأة على تلك الشروط، لعلمه أنها شاقطة عنه، لا يلزمه أن يفي بها فيصل من ذلك إلى ما يريد من شراء السلعة، أو نكاح المرأة. ولو علم رب السلعة أو أولياء المرأة أن هذه الشروط لا تحل، ولا تلزم، لم يبيعوا منه السلعة، ولا زوجوه المرأة. لفظه واشترطي فأجاب، وفقه الله على ذلك بهذا الجواب، ونصه من أوله إلى آخر حرف فيه: ان هذه اللفظة في الحديث لم يتفق عليها رواته انفرد بها هشام، وانفرد بها عن هشام مالك، وجرير بن عبد الحميد، وقد ذكر

مالك الحديث من رواية يحيي بن سعيد عن عمرة، عن عائشة، باسقاط هذه اللفظة، فقال فيه: اشتريها واعتقيها، فانما الولاء لمن أعتق. فان صحت هذه اللفظة في حديث، فليست على ظاهرها من الأمر المحمول على الوجود، أو الندب، أو الاباحة، والمعنى فيها: أنها لفظة صيغتها صيغة الأمر لعائشة باشتراط الولاء لأهل بريرة، في اشترائها على أن تعتقها، والمراد بها النهي عن ذلك، مثل قول الله عز وجل: {فاعبدوا ما شئتم من دونه}، ومثل قوله عز وجل: لابليس: {وأجلب عليهم بخيلك ورجلك، وشاركهم في الأموال والاولاد وعدهم} ومثل قول النبي، صلى الله عليه وسلم: {من باع الخمر، فليشقص الخنازير} ومن فعل كذا وكذا، فليتبوأ مقعده من النار وما أشبه ذلك كثير. والدليل على هذا التأويل قوله في الحديث نفسه {فانما الولاء لمن أعتق}. فالمعنى في قوله: خذيها واشترطي لهم الولاء ان كنت تستبيحين ذلك، مع أني قد أعلمتك ان الولاء لمن أعتق. وقد روى الحديث من رواية ربيعة غن القاسم بما يدل على معنى الوعيد، قال: كان في بريرة ثلاث سنين: أرادت عائشة، رضي الله عنها، أن تشتريها وتعتقها، فقال أهلها: ولنا الولاء، فذكرت لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال لو شئت شرطته، فانما الولاء لمن أعتق، ثم قام، قبل الظهر او بعده، خطيبا، فقال: ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله. الحديث

فكان قوله، صلى الله عليه وسلم، في هذا الحديث: {لو شئت شرطته لهم} يعني الولاء الذي سألوه على الوعيد لا على الاباحة. تأويل الحديث [1]- وقد تأول جماعة من العلماء: أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: اشترطي لهم، أي اشترطي عليهم، لأن لهم قد تكون بمعنى عليهم، قال الله عز وجل لهم اللعنة، أي: عليهم وقال تعالى {ان احسنتم أحسنتم لأنفسكم، وان أسأتم فلها} أي: عليها. وقال: عز من قائل: {طعامه ما أنت عليهم بوكيل}. ومثل هذا كثير. قال أبو الوليد، رضي الله عنه: وهو عندي تأويل فيه نظر، لأن في أمر النبي، صلى الله عليه وسلم، عائشة، باشتراط الولاء لها عليهم، دليلا على انها لو لم تشترطه عليهم لم يكن لها، وهو لها على كل حال وان لم تشترطه؛ فلا معنى لاشتراطه. [2]- وتأول متأولون أن النبي عليه السلام، انما أمرها ان تشترط الولاء لهم اذ قد علموا أن الشرط لا يصح لهم، ولا يجوز، فلم يكن في اشتراط الولاء لهم غرور بهم. قال أبو الوليد، رضي الله عنه، وهذا شرط فاسد، إذ لا يصح أن يأمر النبي، صلى الله عليه وسلم، بفعل مالا يصح، ولا ينفذ إذا وقع؛ مع أنه ليس في الأحاديث ما يدل على انهم قد كانوا

علموا قبل ذلك أنه لا يجوز لهم اشتراط الولاء. لا يجوز البيع على قبول شروط لا تصح ولا تلزم وأما قول من قال: انه يجوز، بدليل هذا الحديث، لمن أراد شراء سلعة ممن لم يرد بيعها الا على شرط لا يجوز، وهو يظن أ، مذهب جائز، أن يشتريها منه على الشرط، / وهو يعلم أن لا يجوز، ولا يلزمه، فيصل بذلك إلى ما يريده من تملك السلعة على غير الوجه الذي أراد صاحبها بجواز البيع وبطلان الشرط عنه فهو قول مرغوب عنه، لا يصح أن يقال، ولا أن يعتقد، لأنه من الغش، والخلابة، والخديعة، التي حرمته الشريعة. قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: {من غشنا فليس منا} وقال: {لا خلابة، وقال لا يحل مال امرىء مسلم الا عن طيب نفس منه، وقال المؤمن أخو المؤمن، يشهده إذا مات، ويعوده إذا مرض، وينصح له إذا غاب أو شهد} فواجب على من أراد شراء سلعة ممن لا يريد بيعها الا بشرط يصح البيع له، ويبطل الشرط: أن ينصح له، بأن يعلمه ان هذا الشرط لا يجوز، ولا يغشه، بأن يشتريها منه على الشرط، وهو يعلم أن لا يلزمه، ويصح له البيع. وبالله التوفيق.

153 - سؤال امير المسلمين يوسف بن تاشفين حول الأشعرية.

[153]- سؤال امير المسلمين يوسف بن تاشفين حول الأشعرية. سؤال امير المسلمين، رضي الله عنه: للقاضى أبى رشد، رضي الله عنه. ما يقول الفقيه، القاضى الأجل الأوحد، أبو الوليد - وصل الله توفيقه وتسديده، ونهج إلى كل صالحة طريقة - في الشيخ أبى الحسن الأشعرى، وأبى اسحق الاسفراينى، وأبى بكر الباقلانى، وأبى بكر ابن فورك، وأبى المعالى وأبى الوليد الباجى ونظرائهم ممن ينتحل علم الكلام، ويتكلم في أصول الديانات ويصف الرد على أهل الاهواء، أهم أئمة رشاد وهداية، أم هم قادة حيرة وعماية؟ وما تقول في قوم يسبونهم، ويتنقصونهم، ويسبون كل من ينتمى إلى علم الأشعرية، ويكفرونهم ويتبرؤون منهم، وينحرفون بالولاية عنهم، ويعتقدون انهم على ضلالة وخائضون في جهالة، ماذا يقال لهم، ويصنع بهم، ويعتقد فيهم، أيتركون على أهوائهم مذهب أم يكف من غلوائهم، وهل

ذلك جرحة في أديانهم، ودخل في ايمانهم، أم لا؟. بين لنا مقدار الأئمة المذكورين، ومحلهم من الدين، وأفصح لنا عن حال المنتقص لهم، والمنحرف عنهم، وحال المتولى لهم، والمحب فيهم، مجملا، مفضلا ومأجورا، ان شاء الله تعالى. الأشعرية هم العلماء على الحقيقة فأجاب ابن رشد، رحمه الله: تصفحت، عصمنا الله، واياك، سؤالك هذا، ووقفت عليه. وهؤلاء الذين سميت من العلماء أئمة خير، وممن يجب بهم الاقتداء، لأنهم قاموا بنصر الشريعة، وأبطلوا شبه أهل الزيغ والضلالة، وأوضحوا المكشلات، وبينوا ما يجب أن يدان به من المعتقدات، فهم، بمعرفتهم بأصول الديانات، العلماء على الحقيقة، لعلمهم بالله عز وجل، وما يجب له، وما يجوز عليه، وما ينتفى عنه، اذ لا تعلم الفروع الا بعد معرفة الأصول. فمن الواجب أن يعترف بفضائلهم، ويقر لهم بسوابقهم، فهم الذين غنى رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم بقوله: «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغلين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين»، فلا يعتقد أنهم على ضلالة الا غبى جاهل، أو مبتدع زائغ، عن الحق مائل، ولا يسبهم، وينسب اليهم خلاف ما هم عليه الا

154 - أحد الشريكين فى رقيق يزوجه دون اذن الشريك الآخر

فاسق، وقد قال الله عز وجل: «والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوال بهتانا واثما مبينا». فيجب أن بصر الجاهل منهم، ويؤدب الفاسق، ويستتاب المبتدع، الزائغ عن الحق، إذا كان مستهلا ببدعته، فان تاب والا ضرب أبدا، حتى يتوب، كما فعل عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، بصبيغ المتهم في اعتقاده، من ضربه اياه حتى قال: «يا أمير المؤمنين ان كنت تريد دوائى فقد بلغت منى موضع الداء، وان كنت تريد قتلى فأجهز على فخلى سبيله. والله أسأله العصمة والتوفيق، برحمته، قاله محمد بن رشد. [154]- أحد الشريكين في رقيق يزوجه دون اذن الشريك الآخر وسئل رضي الله عنه، عن مسألة الأمة بين الشريكين، يزوجها احدهما بغير اذن شريكه، وكذلك ان كان عبدا، بين شريكين، فزوجه أحدهما بغير اذن شريكه، أن يبين وجه الحكم ووجه الصواب فيها، بيانا شافيا مأجورا ان شاء الله تعالى. فأجاب وفقه الله:، على ذلك هذا الجواب: تصفحت سؤالك، ووقفت عليه. [165] ولا نكاح للعبد والأمة بين الشريكين الا باجتماع من / الشريكين، جميعا على ذلك.

[1]- تزويج العبد فان تزوج العبد بإذن أحد سيديه دون اذن الآخر، أو زوجه أحدهما دون الآخر، كان السيد الآخر، إذا علم، بالخيار بين أن يجيز النكاح أو يفسخه. أ - العلم بالنكاح قبل الدخول فان اجازه جاز مذهب وان فسخه، كان ذلك قيل الدخول، بطل عنه الصداق، ان كان لم يدفعه، ورد اليه، ان كان قد دفعه فكان بيده مالا من ماله كما كان مذهب إلا أن يشاء سيداه أن يقتسماه. وان كانت المرأة قد أكلته أو اسهلكته غرمته إن كان لها مال. وام لم يكن لها مال، نظر في ذلك، فان كان هو تزوج باذن أحد سيديه، اتبعت هى بذلك دينا في ذمتها، ولم يكن على السيد الآذن شىء، لأنه لم يتعد فيما صنع، ولا غر، وان كان زوجه أحد الشريكين كان للشريك الذى رد النكاح أن يضمن الشريك الذى زوج العبد جميع الصداق، لأنه أتلفه بتزويجه اياه، فيقر بيد العبد، كما كان، ويتبع هو بذلك المرأة. وان شاء ضمنه النصف وأخذه، واتبع هو به المرأة، اذ لا يقسم مال العبد بين الشريكين الا بالتراضى منهما جميعا. وان كانت المرأة تجهزت بالصداق، ولم تأكله، ولا استهلكته، وقد علمت بالشريك، لزمها غرم الصداق، وكان لها الخيار، فإن لم يف الجهاز بالصداق، وهى عديمة، كان الحكم في النقصان على ما تقدم، في الجميع، إذا استهلكته. وان كانت لم تعلم بالشريك، لم يلومها غرم الصداق، ولم يكن عليها

أكثر من أن تسلم الجهاز لأنها إنما فعلت ما لها، اذ لم تعلم، وهى محمولة على غير العلم حتى يثبت عليها العلم، وضمن الشريك النقصان ان كان هو زوجه لتعديه في تزويجه، بغير اذن شريكه. ب - العلم بالنكاح بعد الدخول وان لم يعلم الآخر بالنكاح حتى دخل، فرد النكاح بعد الدخول، كان له أن يرجع على المرأة بجميع ما أصدقها فيقر ذلك بيد العبد مع ماله، اذ لا يقسم مال العبد بين الشريكين الا بالرضا منهما جميعا، وينظر في ذلك؛ فان كان هو تزوج باذن أحد سيديه، أو كان أحد سيديه هو زوجه، وأعلمها بأن له فيه شريكا، لم يكن لها على الآذن، أو المزوج الا حصته من الصداق، متى ما اقتسماه، أو اقتسماه مال العبد. وان كان هو زوجه، وكتم النرأة، فلم يعلمها بأن فيه شريكا، وغرها بذلك، رجعت عليه بجميع الصداق، الذى أخذ منها، ولها أن تتبع العبد ان شاءت بجميع ما أخذ منها، ان كان هو تزوجها، ولم يعلمها بأن له سيدا آخر، لم يأذن له في النكاح، الا أن يسقط ذلك عن ذمة السيد الذى لم يأذن له، على اختلاف في ذلك، فقد قيل: انه لا يسقط ذلك عن ذمته الا السلطان. هل يترك للأمة ربع دينار من الصداق؟ قال أبو الوليد، رضي الله عنه: واختلف أيضا، رجع عليها بالصداق، هل يترك لها منه ربع دينار أم لا؟ فقيل: انه لا يترك لها قول ابن الماجشون، واختيار ابن حبيب. وقيل: انه يترك لها،

وهو قول ابن القاسم، وروايته عن مالك. وقد روى عنهخ انه ضعف الترك، وقال: انما هو مال من مال السيد. [2]- تزويج الأمة وأما الأمة بين الشريكين، فان زوجها أحدهما دون الآخر، لم يجز النكاح، وان أجازه الآخر. ويفسخ قبل الدخول وبعده؛ فان عثر على ذلك قبل الدخول، بطل الصداق عن الزوج، ان كان لم يدفعه، ورده اليه ان كان قد دفعه. فان كانت الأمة قد استهلكته، أو تجهزت به، وهو لا يساوي القيمة، كان الذي زوجها ضامنا لذلك، ان كان غره، ولم يعلمه أن لغيره معه فيها شريكا. وان لم يعثر على ذلك حتى دخل، لم يجز، أيضا، وأن أجازه الشريك الذي لم يأذن، غير أنه ان أجازه لم يكن له الا نصف الصداق المسمى. واختلف ان لم يجزه، فقيل: ليس له، أيضا، الا نصف الصداق المسمى، وهو قول أشهب، ورواية سحنون عن أبي القاسم. وقيل: له الأكثر من نصف الصداق المسمى أو نصف صداق المثل. وهو مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة، ورواية عن ابن القاسم في غير المدونة، ويرجع الزوج / بالزائد على الشريك الذي زوجه ان اكن غره، ولم يعلمه أن لغيره معه فيها شريكا. قال أبو الوليد، رضي الله عنه: وهذا إذا رضيا بقسمة الصداق، لأنه مال من مال ألأمة، ولا يقسم مال العبد بين الشريكين الا بتراضيهما على ذلك.

155 - الشهادة على الشهادة

وأما ان أبي الشريك، الذي لم يأذن، من قسمته، وأراد أن يكون بيد الأمة، فيكون على الزوج أن يكمل لها صداق مثلها، على معنى ما ذكرناه من قول ابن القاسم في رواية أصبغ عنه، في المدونة، فيكون ذلك بيدها، فاذا اقتسماه رجع على الذي زوجه منها، بما استفضل من نصفه، ان كان لم يغره، وأعلمه أن لغيره معه فيها شريكا، أو علم هو ذلك دون أن يعلمه، وان كان لم يعلم بذلك، فغره، وادعى أن جميعها له، رجع عليه بجميع الزيادة التىغره منها. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [155]- الشهادة على الشهادة وخوطب، رضي الله عنه، من مدينة المرية، حرسها الله، اختلف فيها الفقهاء، حفظهم الله بها، ونصها من أولها إلى آخر حرف فيها الجواب، رضي الله عنك في رجل بيده ملك ورثه عن أبيه، فقام عليه فيه رجل يدعي فيه ملكا، واستظهر بعقد يتضمن إشهادا من المقوم عليه على نفسه مع قوم آخرين، أشهدوا فيه، أيضا، معه: أن جميع ذلك الملك بينهم كلهم، على أجزاء فسروها، وحصص بينوها، وتقارروا فيه عليها ما أشهدوا به من صفة الاشتراك، وجعلوه على نسخ، تحصينا لهم، ولمن يأتي من ورثتهم، بعدهم، فقام الآن هذا القائم، وهو أحد ورثة المشهدين، على هذا المقوم عليه، وهو، أيضا وارث

أحد المشهدين، بهذا العقد، وأثبته على نصه شهادة على شهادة ثبت ألصل والشهود الذين ثبت بهم الآن هذا العقد، في طبقة رابعة من شهود الأصل، لقدم الأصل، اذ له أكثر من ستين عاما، وثبت هذا العقد بما يجب، وحيز بما ينبغى، وطلب القائم من الحكم ان ينزله فيما أثبته. فهل - يلزم - وفقك الله - الشهود الذين ثبت بهم الأصل، أعني الشهود على الشهادة أن يذكروا في شهادتهم تلك، ما يلزم شهود الاسترعاءات بمعرفة ملك ان شهدوا به لزيد، قالا: لا نعلمه باع ولا وهب، أم لا يلزمهم ذلك، لأنهم يقولون: نحن انما شهدنا على شهادة بعد شهادة، فلا نعلم غير ما شهدنا، وأشهدنا عليه؟ وكيف ان لم يكلف الشهود ذلك، فهل يكلف ذلك القائم بهذا العقد، بشهود آخرين أنهم لا يعلمون فيه تفويتا، وهم لا يشهدون في العقد بشهادة؟ وهل يبطل العقد، ويسقط لعدم هذا الفصل، وشهوده يحجون بما ذكرت؟ بين لنا وجه الحكم في ذلك، مأجورا موفقا، ان شاء الله. يفرق بين الشهادة بالملك والشهادة على الشهادة فاجاب، أدام الله توفيقه، على ذلك بهذا الجواب: تصفحت سؤالك ووقفت عليه. ولا يلزم أن يكلف شهود العقد، الذين ثبت بهم على الشهادة ما يكلفه من شهد على الملك من أنهم لا يعلمون المشهود له باع، ولا وهب، اذ لم يشهدوا بملك، وانما اثبتوا بشهادتهم على

156 - التزام الأب لولده، بعد عقد النكاح، بالسكنى والنفقة وخمس الغلة

الشهادة، ما اقر به المشهدون على أنفسهم، كان حقا أو باطلا لا تلزمهم معرفة ذلك، ولا الشهادة به، ولا يصح، أيضا، أن يكلف القائم بالعقد اثبات ذلك بشهود آخرين؛ إذ لا تصح الشهادة بذلك مجردة عن معرفة الملك. والواجب في هذا، ان كان القائم بالعقد غائبا، طرأ والملك بيد المقوم عليه، بوراثة أبيه، المشهد على نفسه بما تضمنه: أن يوقف عليه، فان قال فيه: انه باطل، وعجز عن ابطاله، أو قال فيه: انه حق، وادعى أن تلك الحصة اشتراها والده، فعجز عن اثبات ذلك، ولو بالسماع، لطول المدة، وجب القضاء عليه، بما تضمنه العقد للقائم به. وباللع تعالى التوفيق، لا شريك له. [156]- التزام الأب لولده، بعد عقد النكاح، بالسكنى والنفقة وخمس الغلة وسئل، رضي الله عنه، عن هذه المسألة، ونصها. الجواب، رضي الله عنك، في رجل زوج ابنته من رجل، وتحمل الأب عنه النقد، والهدية، والكالىء معلوم إلى أجل معلوم. ثم ان أبا الجارية قال لأبي المتزوج: أعط لابنك من مالك شيئاً، فقال: لا أعطيه من مالي شيئاً، أنا أتطوع أن أنفق عليه ثلاث سنين، وأسكنه / دارا معلومة من ديارى، وأعطيه خمس ما أستغله من ضيعتى. بين لنا ما يجوز من ذلك، مأجورا موفقا ان شاء الله تعالى. فجاوب، رضي الله عنه: يلزمه ما تطوع به، بعد عقد النكاح، إذا أشهد بايجاب ذلك على نفسه، ويحكم عليه بخمس غلة ضيعته، ما دام

157 - طبيعة النحلى

الأب حيا، وبنفقته عليه مدة الثلاثة أعوام الا أن يموت الأب قبل ذلك. وأما الدار، التى أسكنه اياها، فان قبضها في حياة أبيه كان له سكناها، ما عاش في حياة الأب، وبعد وفاته. وبالله التوفيق. [157]- طبيعة النحلى وشئل، رضي الله عنه، عن هذه المسألة، ونصها. جوابك، رضي الله عنك، في رجل نحل ابنه، في حين عقد نكاحه، بثلث مستغل أملاكه، حيثما كانت، ولم يذكر حياة الناحل، ولا حياة المنحول، وتقيد الاشهاد على الناحل في ذلك، في عقد الصداق، ونصه على ما أنصه: عقد نحلى وممن اشهده ابو النكاح، وهبون بن عبد الله المذكور أنه نحل ابنه جعفر المذكور بثلث جميع مستغل أملاكه، في حين عقد نكاحه، مع ابنة جعفر المذكورة أعلى هذا، حيثما كان له ملك حين انعقاد هذا النكاح، نحلة صحيحة عرف قدرها ومبلغها، انعقد النكاح بها، وتم بسببها، وذلك في تاريخه. ثم - وفقك الله - الناحل والمنحول استغلا تلك الاملاك، عشرة أعوام، فقام سائر الورثة عليه، يقولون له: ليس لك، بعد وفاة ابيك شىء، وقال هو: بل لي ذلك حياتي، وذكر ان الاملاك في وقت النحلة لم يكن فيها مستغل، وادعى اثبات ذلك

158 - سؤر الطير السباع

فبين لنا - وفقك الله - ما يجب للمنحول في ذلك كله، وما يلزمه فيه؟ معانا، مؤيدا فيما تأتيه ان شاء الله تعالى. فأجاب - وفقه الله - على ذلك بهذا الجواب: تصفحت السؤال، ووقفت عليه. والذي اقول به في هذه مسألة على مذهب ابن القاسم: ان للمنحول ثلث غلة الأملاك ما بقيت، وكان لها غلة طول حياته، ولورثته بعد وفاته، قياسا على قوله فيمن وهب لرجل خدمة عبده، ولم يقل: حياة المخدم، ولا حياة العبد، أن لورثة المخدم خدمة العبد ما بقي، الا أن يستدل من مقالته على أنه انما أراد حياة المخدم. ويأتي على قول غيره انه انما للمخدم خدمة العبد حياة المخدم لا حياة العبد، أن يكون للمنحول في مسألتك ثلث غلة الاملاك ما دام حيا. وأما ان يسقط حقه بموت الناحل فذلك ما لا يصح على قول قائل من اهل العلم. وبالله تعلى التوفيق، لا شريك له. [158]- سؤر الطير السباع مسألة اسؤر البهائم السباع. وهي المسألة التي تكلم فيها على معنى قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: {إذا ولغ الكلب في اناء احدكم، فليغسله سبع مرات} املاء الحافظ أبي الوليد محمد بن احمد بن احمد بن رشد رضي الله عنه.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم. وقال الفقيه الإمام الحافظ ابو الوليد محمد بن رشد، رضي الله عنه: سؤر الهر اتفق مالك وأصحابه، فيما علمت، على ان الهر محمول على الطهارة، فلا ينجس ما ولغ فيه من ماء او طعام، الا ان يوقن بنجاسة فيه، حين ولوغه فيه، لقول النبي، صلى الله عليه وسلم، في الهرة: انها ليست بنجس، وانما هي من الطوافين عليكم أو الطوافات. ولما أعلم النبي، صلى الله عليه وسلم، في هذا الحديث بطهارتها، وبين أن العلة في ذلك طوافها علينا، ومخالطتها لنا، وجب، باعتبار هذه العلة، ان يكون ما عداها من جميع السباع، التي لا تخالطنا في بيوتنا، محمولة على النجاسة، فلا يتوضإ بسؤرها من الماء، ولا توكل بقيتها، من الطعام، وان لم يوقن بنجاسة افواهها في حين ولوغها. وهذا هو مذهب ابن القاسم في المدونة وروايته عن مالك، الا بيقين، وهو استحسان منه على غير طرد القياس. وحملها ابن وهب. أشهب على الطهارة، فلم يريا ان يطرح الماء ولا الطعام، إذا ولغت فيهما الا ان يوقن بنجاسة افواهها، تعلقا بظاهر ما روى ان رسول الله / صلى الله عليه وسلم قال: {لها ما اخذت في بطونها ولنا ما

بقي شرابا وطهورا، وتعلقا بقول عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، لصاحب الحوض، لا تخبرانا، فانا نرد على السباع، وترد علينا، لما سأله عمرو بن العاص هل ترده السباع؟ وهذا لا حجة فيه، لأن الحياض ماؤها كثير، فهي تحمل القذر من النجاسة. سؤر الطير واما الكلب فانه سبع من السباع. قال ابو الوليد، رضي الله عنه: والذي يوجبه النظر فيه: ان يكون محمولا على الطهارة، ان كان مأذونا في اتخاذه، قياسا على الهر، للعلة الجامعة بينهما، وهي الطوف والمخالطة، ولان الله تبارك وتعالى اباح اكل صيده، ولم يشترط غسله، وان يكون له إذا لم يكن مأذونا في اتخاذه حكم سائر السباع، في انه محمول على النجاسة في مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك. وذهب جماعة من العلماء إلى انه محمول على النجاسة بكل حال، كان مأذونا في اتخاذه، أو لم يكن، لما جاء عن النبي، صلى الله عليه وسلم، من الامر بغسل الاناء سبعا، من ولوغه فيه. وهو ظاهر قول مالك، في رواية أبي زيد عنه في الماء واللبن جميعا، ونص قول ابن الماجشون من رواية أبي زيد

عنه في الماء خاصة. وفي ذلك نظر، لان حمل الكلب المأذون في اتخاذه على النجاسة يفسد العلة التي نص النبي، صلى الله عليه وسلم، عليها، في طهارة الهر، لوجوده في الكلب المأذون في اتخاذه، ووجود العلة مع عدم الحكم مفسد لها، فانما يخرج ذلك على قول من اجاز تخصيص العلة. كالالفاظ العامة وهوضعيف. وليس في امر النبي، صلى الله عليه وسلم، بغسل الاناء سبعا من ولوغ الكلب فيه ما يدل على انه امر بذلك لنجاسته، فيحتمل ان يكون امر بذلك لنجاسته تعبدا، لغير علة، وعلى ذلك حمله مالك، رحمه الله، ودليله عليه التحديد في الغسل سبعا، فقال في رواية ابن الماجشون عنه: انه يؤكل الطعام، ويتوضأ بالماء إذا احتيج اليه، ويغسل الاناء بعد ذلك سبعا تعبدا، قيل: عند ارادة استعماله، وقيل بفور ولوغه فيه. واذا كان غسله تعبدا، فلا معنى لتأخير، العبادة، اذ لا تتعلق بالاستعمال، وانما يجب غسله عند ارادة استعماله، على القول بأنه يغسل، لنجاسة، لا لعبادة. وقال في المدونة: ان كان يغسل فمن الماء وحده. ووجه ذلك: أنه حمل الحديث على أنه خرج على ما تجده الكلاب، في أغلب الأحوال، وهي أواني الماء، لأن أواني الطعام شأن الناس فيها تحجيرها، والحفظ بها. قال أبو الوليد، رضي الله عنه: ومعنى ذلك عندي في الكلب المأذون في أتخاذه، لأن الكلب الذي لم يؤذن في اتخاذه، محمول على النجاسة، حسبما لخصناه. وقد اتفق قول مالك رحمه الله في أمر النبي، صلى الله عليه وسلم، بغسل الاناء

سبعا من ولوع الكلب فيه، فمرة حمله على عمومه في جميع الكلاب، ومرة قال: معناه في الكلب لم يؤذن في اتخاذه. فعلى القول بأنه على العموم في جميع الكلاب، وهو المشهور من قوله، يغسل الاناء في الكلب المأذون في اتخاذه سبعا، تعبدا، ويؤكل الطعام، ويتوضأ بالماء إذا احتيج اليه، ويغسل في الكلب الذي لم يؤذن في اتخاذه سبعا للنجاسة، الواجب منه ما يقع به الانقاء، وبقية العدد تعبدا، كالأمر في الاستنجاء بثلاثة أحجار؛ الواجب منها ما يقع به الانقاء، وبقية العدد تعبد. وعلى القول بأنه، في الكلب الذي لم يؤذن في اتخاذه، لا يغل في الذي أذن في اتخاذه أصلا، ويغسل في الذي لم يؤذن في اتخاذه سبعا، الواحدة، التي يقع بها الانقاء، واجبة، والبقية استحباب تعبدا. وقد قيل: ان الكلاب في البادية محمولة على الطهارة، سواء كان للرجل الذي ولغت في انائه زرع، أو ضرع، أو كان من أهل الصيد، أو لم يكن؛ وذلك لكثرة ما يحتاج إلى اتخاذها في البادية، فتخالط جميعهم، وتطوف عليهم / بخلاف الحاضرة، وهو قول ابن الماجشون في رواية أبي زيد عنه. وقيل: ان أهل البادية والحاضرة سواء، فلا يحمل على الطهارة، ما ولغت فيه، الا فيمن أبيح له اتخاذها منهم، وهو قول مطرف وأصبغ. وقول مالك في المدونة قد جاء هذا الحديث وما أدرى ما حقيقته، معناه عندى: طعامه أنه قد جاء وما أعلم للامر بغسل الاناء

سبعا معنى، أتحققه لكونه محمولا على الطهارة بظاهر القرآن، وما علل به النبي، صلى الله عليه وسلم، طهارة الهر؛ فذهب إلى أن ذلك تعبد، لا يظهر فيه وجه الحكمة، اذ من الصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وما توقعه من العداوة والبغضاء، ومنها ما استأثر الله تعالى بمعرفة وجه الحكمة فيه، كتحريم لحم الخنزير، وما أشبه ذلك. قال أبو الوليد، رضي الله عنه: والذي أقول به في معنى أمر النبي، صلى الله عليه وسلم بغسل الاناء سبعا من ولوغ الكلب فيه، والله تعالى أعلم، وأحكم: أنه أمر ندب وارشاد؛ مخافة أن يكون الكلب كلبا، فيدخل على أكل سؤره، أو استعمال الاناء قبل غسله منه ضرر في جسمه، والنبي، صلى الله عليه وسلم، ينهى عما يضر بالناس في دينهم ودنياهم. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد ههمت أن أنهى عن الغيلة، حتى ذكرت أن الروم وفارس يصنعون ذلك، فلا يضر أولادهم شيئاً، لا لنجاسة، اذ هو محمول على الطهارة، بالأدلة المذكورة؛ فإذا ولغ الكلب، المأذون في اتخاذه، في اناء فيه ماء، أو طعام، لم ينجس الماء ولا الطعام، على هذا التأويل، ووجب أن يتوقى من شربه، أو أكله، او استعمال الاناء قبلا غسله، مخافة أن يكون الكلب كلبا، فيكون قد داخل ذلك من لعابه ما يشبه السم المضر بالأبدان، على ما أرشد النبي، صلى الله عليه وسلم، بما أمره به من غسل الاناء الذي ولغ فيه سبعا، اشفاقا منه على أمته، صلى الله عليه وسلم، فإنه كان بالمؤمنين رؤوفا رحيما.

ويدل على صحة هذا التأويل تحديده، صلى الله عليه وسلم، لغسل الاناء سبعا؛ لأن السبع من العدد مستحب فيما كان طريقه التداوى، لا سيما فيما يتقى به السم، فقد قال، صلى الله عليه وسلم، في مرضه: {هريقوا علي من سبع قرب، لم تحلل أو كيتهن، لعلي أعهد إلى الناس}. وقال، صلى الله عليه وسلم: {من تصبح سبع ثمرات عجوة، لم يضره ذلك سم ولا سحر. استعمال الماء الذي ولغ فيه الكلب: فصل. فعلى هذا التأويل لا ينبغى شرب الماء الذي ولغ فيه الكلب، لما أرششد النبي، صلى الله عليه وسلم، مما يتقى منه، ولا يقع غسل الاناء به، ويجوز الوضوء به، وجد غيره أم لم يوجد. وعلى القول بأنه يغسل سبعا للنجاسة لا يجوز شربه، ولا غسل الاناء به، لأنه نجس، ويختلف في الوضوء به إذا لم يجد سواه على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يتيمم ولا يتوضأ به وهو مذهب ابن القاسم. والثاني: انه يتوضأ به ويتيمم ويصلي، وهو مذهب ابن الماجشون والثالث: انه يتيمم ويصلي، ثم يتوضأ ويصلي، وهو قول سحنون. وعلى القول بأنه يغسل سبعا، لا لنجاسة، يجوز شربه ولا ينبغى الوضوء به، إذا وجد غيره، مراعاة للخلاف في النجاسة، وكذلك لا ينبغى أن يغسل الاناء به، إذا وجد غيره مراعاة للخلاف، وأما إذا لم يجد غيره، فقيل: إنه يغسل الاناء به، كما يتوضأ به والأظهر أنه يغسل الاناء به، وان كان لا يتوضأ به؛ لأن المفهوم من أمر النبي، صلى الله عليه وسلم،

يغسل الاناء سبعا من ولوغ الكلب فيه، أن يغسل بغير ذلك الماء ويجوز على قياس هذا، أن يغسل بماء غيره، قد ولغ فيه كلب. حول نص، في الموضوع، من المدونة: فصل. وقد اختلف في معنى ما وقع في المدونة من قول ابن القاسم: وكان يضعفه فقيل: انه أراد بذلك أنه كان يضعف الحديث، لأنه حديث آحاد، وظاهر القرآن يعارضه، وما ثبت، أيضا، في السنة، من تعليل النبي، صلى الله عليه وسلم طهارة الهر بالطواف علينا، والمخالطة لنا. وقيل: بل أراد بذلك: أن كان يضعق العدد. قال أبو الوليد، رضي الله عنه: فالتأويل الأول ظاهر في اللفظ، بعيد في المعنى، اذ ليس / في الأمر بغسل الاناء سبعا ما يقتضي نجاسته، فيعارضه ظاهر القرآن، وما علل به النبي، صلى الله عليه وسلم طهارة الهر. والتأويل الثاني بعيد في اللفظ، ظاهر في المعنى، لأن الأمر محتمل للوجوب والندب؛ فاذا صح الحديث، وحمل على الندب والتعبد لغير علة، لم يكن معارضا لظاهر القرآن، ولا لما علل به النبي، صلى الله عليه وسلم، طهارة الهر. وأما التأويل الثالث: فهو بعيد في اللفظ والمعنى، اذ لا يصح تضعيف العدد مع ثبوت الحديث، لأنه نص فيه على السبع، ولا يجوز أن يصح الحديث ويضعف ما نص فيه عليه. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له.

159 - قصر الصلاة في السفر

تمت مسألة أسؤر البهائم، بحمد الله. وكان املاء الفقيه أبي الوليد لها في شعبان سنة عشروخمس مائة. [159]- قصر الصلاة في السفر: وأملى - رضي الله عنه - ايام المناظرة في المدونة، سنة عشر وخمس مائة، مسألة في قصر الصلاة، ونصها من أولها إلى آخر حرف فيها. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ - وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم - قصر الصلاة في السفر على مذهب مالك، رحمه الله وجميع أصحابه سنة من السنن، التي الأخذ بها فضيلة، وتركها إلى غير خطيئة. فان أتم المسافر الصلاة في السفر، قاصدا إلى الاتمام من أولها، ناسيا لسفره، أو متعمدا لترك السنة، أو جاهلا بها، أو متأولا فيها، أعاد في الوقت، ليدرك ما ترك من فضيلة القصر من يحرم بنية القصر، ثم يتم عامدا واختلف ان أحرم بنية ركعتين، ثم أتم متعمدا، فقيل انه يعيد في الوقت، وبعده. وقيل: انه يعيد في الوقت. وكذلك أيضا، يختلف

إذا حرم على الإتمام ثم قصر متعمدا. فقيل: يعيد في الوقت وبعده. وقيل: في الوقت. قال أبو الوليد. رضي الله عنه: فالقول الأول مبني على أن المسافر مخير بين القصر والاتمام، ما لم يتشبت بفعل الصلاة، فان تشبث بها لزمه ما أحرم عليه من قصر الصلاة أو اتمامها. والثاني مبني على أنه مخير، وإن تشبث بها، ولا يلزمه الاتمام على ما أحرم عليه من قصر أو اتمام. من يحرم بنية ركعتين، ثم يتم ساهيا وأما ان أحرم بنية ركعتين، ثم أتم، فيتخرج في ذلك، على القول بأنه يلزمه ما أحرم عليه من قصر الصلاة أو اتمام، قولان: أحدهما: أنه يسجد بعد السلام، وتجزئه صلاته. والثاني: أنه يعيدها أبدا، لكثرة السهو، وعلى القول بأنه لا يلزمه ما أحرم عليه من قصر أو اتمام قولان: أحدهما: أنه يسجد بعد السلام، وتجزئة صلاته، والثاني: أنه يعيد في الوقت، وذلك أنه يسجد بعد السلام، وتجزئه صلاته، والثاني: أنه يعيد في الوقت، وذلك أنه اختلف فيمن صلى خامسة ساهيا، ثم ذكر سجدة من الأولى، فقيل: انه يعتد بالخامسة، وقيل أنه لا يعتد بها. فعلى القول بأنه يعتد بها، يعيد الذي أتم ساهيا في الوقت، وعلى القول بأنه لا يعتد بها، يعيد الذي أتم ساهيا للسهو. فضيلة الجماعة تعادل فضيلة القصر فصل، وانمايعيد في الوقت من لم يؤمر بالاعادة الا فيه، ممن ذكرنا، إذا صلى منفردا، وأما إذا صلى في جماعة، فلا يعيد عند مالك؛ لأن معه من فضل الجماعة ما يقرب من فضل القصر، خلاف ما ذهب اليه ابن حبيب في ذلك.

أ- مسافر يؤم مسافرين فصل. فاذا صلى المسافر بمسافرين، فأتم بهم الصلاة، كان حكمه هو، في خاصة نفسه، في لتمامه بهم حكمه في اتمامه منفردا على التففصيل الذي ذكرناه من اتمام قاصدا إلى الاتمام من أول صلاته، أو من بعد دخوله فيها، أو ساهيا على الاختلاف الذي ذكرناه في ذلك أيضا. واختلف فيما يصنع القوم خلفه، إذا قام إلى الاتمام بعد الركعتين، على ثلاثة أقوال: أحدها: أنهم يسلمون لأنفسهم، وينصرفون، وقيل: انهم يقيمون من يسلم بهم. والثاني: أنهم ينتظرونه حتى يتم الصلاة، فيسلمون بسلامه. والثالثة: أنهم يتبعونه ويعيدون الصلاة. فصل. فاذا سلموا وانصرفوا، على قول من يرى ذلك، تمت صلاتهم، في الوجوه الثلاثة كلها، من احرام امامهم بنية الإتمام، جاهلا، أو متعمدا، أو متاولا أو ناسيا لسفره، أو أحرامه بنية القصر، واتمامه، متعمدا، أو احرامه بنية القصر واتمامه ناسيا، ولا تبطل عليهم الا في وجه واحد، وهو أن يكون الإمام أتم، لأنه نوى الإقامة

فصل، وأما ان قعدوا فسلموا بسلامة، على قول من يرىذلك فيها فهنا، / يختلف ابن القاسم وسحنون، في الوجوه الثلاثة المذكورة، فيقول ابن القاسم: انهم يعيدون في الوقت وبعده، في الموضع الذي يعيد فيه الإمام، في الوقت وبعده ولا يعيدون في الموضع الذي لا يعيد فيه الإمام الا في الوقت. ويقول سحنون: انهم يعيدون أبدا، في الوقت الذي يعيد فيه الإمام أبدا، وفي الوقت، في الموضع الذي يعيد الإمام في الوقت. قال ابو الوليد، رضي الله عنه: وبيان هذه الجملة: أن الإمام ان كان أحرم بنية الاتمام، ناسيا لسفره، أو متعمدا لترك السنة، في القصر، أو جاهلا، أو متأولا، أعادوا في الوقت عند سحنون، ولم تكن عليهم اعادة عند ابن القاسم. وان كان أحرم بنية القصر، ثمأتم عامدا، أو جاهلا أو متأولا، فعلى القول بأن الإمام يعيد في الوقت وبعده، يعيدون في الوقت وبعده، عند ابن القاسم وسحنون. ولا يعيدون عند ابن القاسم. وان كان أحرم بنية القصر، ثم اتم ساهيا، فعلى القول بأن الإمام يسجد لسهوه، وتصح صلاته، تصح صلاتهم، ويسجدون للسهو بسجوده، وعلى القول بأن الإمام يعيد في الوقت وبعده لكثرة السهو، يعيدون في الوقت وبعده عند سحنون ولا يعيدون عند

ابن القاسم، لأنهم لم يتبعوه على سهوه، وعلى القول بأن الإمام يعيد في الوقت، يعيدون في الوقت عند سحنون، ولا يعيدون عند ابن القاسم. وأما ان كان الإمام انما أتم لأنه نوى الاقامة، فلا اختلاف في وجوب الاعادة عليهم في الوقت وبعده؛ لأنهم تركزا ما يلزمهم من أتباع أمامهم على الاتمام. فصل. وأما ان اتبعوه، على قول من رأى ذلك، لإانهم يعيدون صلاتهم في الوقت وبعده مذهب ان كانوا اتبعوه، بنية الإعادة، وان كانوا انما اتبعوه بنية الاتمام في السفر، ناسيا لسفره، أو عامدا، أو جاهلا، أو متأولا، أعاد أيضا، في الوقت وبعده، وقيل: انهم لا يعيدون الا في الوقت، وذلك على اختلاف في المسافر يحرم بنية القصر، ثم يتم متعمدا، ولم يجب على الإمام أن يعيد الا في الوقت. وان كان الإمام انما أحرم بنية ركعتين، ثم أتم ساهيا، فيعيدون في الوقت وبعده، على القول بأنه يعيد في الوقت وبعده، وعلى القول بأنه يسجد لسهو مذهب وتجزئه صلاته، ويعيدون في الوقت على القول بأنه يعيد في الوقت. وأما ان كان الإمام إنما أتم، لأنه نوى الاقامة، فيتخرج ذلك ثلاثة أقوال:

أحدها: أن الصلاة تامة وأنه لا اعادة عليهم والثاني: أنهم يعيدون في الوقت. والثالث: أنهم يعيدون في الوقت وبعده، لأن ذلك مبني على الاختلاف في المسافر يدخل مع القوم، وهو يظنهم مسافرين فيجدهم حضريين. وان كانوا اتبعوه سهوا، نظرت في الإمام، فان كان أتم، أيضا، ساهيا، كانوا بمنزلته، فيما يلزمه من الاعادة أبدا، أو الوقت، أو الاجتزاء بسجود السهو. وكذلك ان كان الإمام أتم، لأنه أحرم بنية الاتمام، أعادوا أبدا وقيل: في الوقت، وقيل: يجتزئون بسجود السهو، ولم يعد الإمام الا في الوقت بأنه يعيد في الوقت، وأما على القول بأنه يعيد أبدا، فأنهم يعيدون، أيضا، ابدا وان كان الإمام انما أتم، لأنه نوى الاقامة، تخرج ذلك الاختلاف فيمن زاد في صلاته ركعة، ساهيا، ثم ذكر أن عليه سجدة، هل يعتد بها أم لا؟ ب- المسافر يؤم مقيمين: فصل. وأما ان صلى المسافر بمقيمين، وأتم صلاته، فالقول فيما يلزمه كالقول فيما يلزمه هو في خاصة نفسه، على ما تقدم، إذا صلى بالمسافرين، فأتم بهم. وأما هم فيفترق الحكم فيهم بين أن يتبعوه، أو يقعدوا ولا يتبعوه باختلاف أحوال الإمام، وهي أربعة أحوال، اذ لا يخلو، ان كان أحرم

بنية / القصر من حالين، أحدهما: أن يكون اتمامه ساهيا، والثاني: ان يكون اتمامه متعمدا، ولا يخلو، أيضا، ان كان أحرم بنية الاتمام، من حالين: أحدهما: أم يكون ناسيا لسفره أو جاهلا، أو متعمدا، أو متأولا، والثالث: أن يكون نوى الاقامة، وذلك يرجع من فعله إلى أربعة أحكام. أحدها: أن يكون فعل من اتمامه ما يجب عليه. والثاني: أن يكون فعل منه ما لايجوز له، وتلزمه فيه الاعادة، في الوقت وبعده. ولثالث: أن يكون فعل منه ما يكره له فعله، لتركه فضيلة السنة ولا تلزمه الاعادة الا في الوقت. والرابع أن يكون أتم صلاته ساهيا، ولا يقال فيه؛ انه فعل واجبا، ولا محظورا، ولا مكروها. فان كان فعل في اتمام ما يلزمه، وذلك أن يكون نوى الاقامة من أول صلاته، فان اتبعوه صحت صلاتهم، لأنه هو الذي يلزمهم. وان قعدوا ولم يتبعوه، بطلت صلاتهم لأنهم تركوا ما يجب عليهم، من اتباع امامهم، ولا خلاف في هذا. وان كان فعل في اتمامه ما يكره له، لتركه فضيلة السنة، فتجب عليه الاعادة، في الوقت. وذلك مثل أن يحرم بنية الاتمام متعمدا، أو

جاهلا، أو متأولا، أو ناسيا لسفره، فان اتبعوه تخرج ذلك على ثلاثة أقوال: أحدها: أنهم يكونون بمنزلته، ويعيدون في الوقت، وهو مذهب سحنون والثاني: أنه لا اعادة عليهم، لأنهم فعلوا من الاتمام، ما يلزمهم، وائتموا في ذلك بمن تجوز صلاته، ولا يؤمر باعادتها، إذا خرج الوقت، اذ لم يترك منها الا ما هو فضيلة فيها، وهو القصر. والثالث: أنهم يعيدون في الوقت وبعده، لأنهم صلوا بامام ما كان يلزمهم أن يصلوا أفرادا. وان قعدوا ولم يتبعوه، تخرج ذلك، أيضا على ثلاثة أقوال: أحدها: أن صلاتهم تبطل بجلوسهم عن اتباعه، وذلك على القول بأنهم ان اتبعوه صحت صلاتهم، أو أعادوا في الوقت. والثاني: أن صلاتهم لا تصح، وذلك على القول بانهم ان لتبعوه، بطلت صلاتهم، وأعادوا في الوقت وبعده. والثالث: انهم يعيدون في الوقت، كما يعيد الإمام، وذلك يتخرج على قياس مذهب سحنون. فصل، وان كان فعل في اتمامه مالا يجوز له، وتلزمه فيه الاعادة، في الوقت وبعده، وذلك مثل أن يحرم بنية القصر، ثم يتم متعمدا، على المشهور من الأقوال، بطلت صلاتهم، اتبعوه أو لم يتبعوه لبطلانها على الإمام. وأما على القول بأنها لا تبطل على الإمام، ويعيد في الوقت،

فيتخرج الحكم في صلاتهم على ثلاثة أقوال، اتبعوه أو لم يتبعوه، حسبما تخرج في المسألة التي قبلها، لمساوتها لها في هذا القول، في وجوب الاعادة على الإمام في الوقت. فصل، وأما ان كان أتم ساهيا، بعد أن أحرم على نية ركعتين، فاتبعوه، فعلى القول بأن الإمام يعيد في الوقت وبعده، فيعيدون هم، أيضا، في الوقت وبعده، قولا واحدا، لفساد صلاتهم بفساد صلاة امامهم. ويتخرج في ذلك، على القول بأن الإمام يجتزىء بسجود السهو، قولان، أحدهما أن صلاتهم لا تجزئهم. والثاني: أنها تامة. وذلك فيها من فاتته ركعه من الصلاة، هل يعتد بها أم لا يعتد بها ويتخرج في ذلك، على القول بأن الإمام يعيد في الوقت، ثلاثة أقوال: ألا إعادة، الثاني: الاعادة والثالث: الاعادة في الوقت وبعده، على ما تقدم، إذا اتبعوه وكان قد أحرم بنية الاتمام متعمدا. وأما ان قعدوا ولم يتبعوه، فيتمون صلاتهم، إذا سلم الإمام، وتجزئهم، ويسجدون للسهو، كما سجد الإمام، على القول بأن الإمام يسجد لسهوه، وتجزئه صلاته. وأما على القول بأن الإمام يعيد في الوقت وبعده، لكثرة السهو، فلا سجود عليهم للسهو، ولا اعادة، لأنهم لم يسهوا. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له.

160 - الغارمون الذين تجب لهم الزكاة

[160]- الغارمون الذين تجب لهم الزكاة تحصيل القول في الغارمين أوجب الله لهم حقا في زكوات المسلمين املاء الفقيه الحافظ أبي الوليد ابن رشد [173] رضي الله عنه. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. اختلف أهل العلم في الغارمين الذين أوجب الله لهم حقا في زكوات المسلمين، فقيل: هم الذين يتداينون في غير فساد، ولا يجدون قضاء لديونهم وقيل: هم الذين يتداينون في غير فساد، وان كانوا يجدون قضاء لديونهم. قال أحمد بن نصر الداودي: فمن قال بهذا القول، أخذ بظاهر قول الله عز وجل " والغارمين " وبحديث النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تحل الصدقة لغني، الا لخمسة: لغاز في سبيل الله، أو لعامل عليها، أو لغارم "، الحديث. قال أبو الوليد، رضي الله عنه: والذي أقول به: أن ذلك ليس باختلاف من القول لأن من قال: هم الذين لا يجدون قضاء لديونهم، معناه: أن الذين يجدون قضاء لديونهم لا يكونون من الغارمين، إذا كان يفضل لهم بعد قضاء ديونهم ما يكون غنى لهم.

منزلة ما لا يباع في الدين: فصل، وما لا يباع عليهم في الدين، فلا قضاء لديونهم باتفاق، وما يباع عليهم في الدين، ولا فضل فيه عما يحتاجون اليه، ويختلف هل يجعل قضاء لديونهم أم لا على قولين، وما فيه فضل عما يحتاجون اليه، يجعل قضاء لديونهم باتفاق. للغريم خمسة أحوال: فصل، فلا يخلو الغريم الذي عليه الدين، من خمسة أحوال: أحدها، أن يكون عليه في الدين مالا وفاء له به على حال، أو ما لا وفاء له به الا ما يباع في الدين، فهذا فقير عديم، يأخذ من الزكاة بحق الفقر، وبحق الدين، قولا واحدا. والحال الثانية: أن يكون له من الوفاء بدينه ما يباع عليه فيه، ولا فضل فيه عما يحتاج اليه، كدار سكناه وخادم خدمته، وفرس ركوبه وما أشبه ذلك، مما لا يكون به غنيا، تحرم عليه الزكاة. فهذا، على القول بانه لا يجعل ذلك قضاء للدين، يكون من الفقراء الغارمين، فيأخذ من الزكاة بحق الفقر، وبحق الدين، وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة. وعلى القول بأنه يجعل ذلك قضاء للدين يكون من الفقراء، ولا يكون من الغارمين فيأخذ من الزكاة بحق الفقر خاصة. قال أبو الوليد رضي الله عنه: وهذا القول يقوم من المدونة بدليل، وهو القياس، على ما أجمعوا عليه من ان من بيده مال، وعليه دين،

وله دار يسكنها، وخادم تخدمه، ولا فضل فيهما، أنه يجعل الدين فيهما ويزكي ما بيده. والحال الثالثة: أن يكون له من الوفاء بدينه ما يفضل عما يحتاج اليه في سكناه وخدمته، مثل أن يكون عليه الف درهم، دينا، وله دار وخادم، قيمتهما ألفان، تقوم به الألف الواحدة، لدار او خادم فهذا على القول بانه لا يجعل مالا فضل فيه عن حاجته قضاء من الدين، يكون من الاغنياء، فلا ياخذ شيئاً من الزكاة، وهو قول أشهب، ويقوم من المدونة بدليل، وهو القياس حسبما ذكرناه. وعلى القول بأنه يجعل ما لا فضل فيه عن حاجته، قضاء من الدين، يجعل الدين في الفضل، فيأخذ من الزكاة بحق الفقر خاصة، وهو الذي يأتي على قول ابن القاسم، وروايته عن مالك في المدونة. والحال الرابعة: ألا تكون له دار ولا خادم، ويكون له ناض، أو عرض للقنية أو للتجارة، يفي بما عليه من الدين، فهذا ياخذ من الزكاة، بحق الفقر، لأن الدين يستغرق ما بيده من المال. والحال الخامسة: ألا تكون له دار، ولا خادم، وتكون له ماشية تجب في عينها الزكاة، فهذا لا يأخذ من الزكاة، لأنه من اهل الزكاة اذ لا يسقط الدين زكاة الماشية. وبالله تعالى التوفيق لا شريك له.

161 - اثنتا عشرة مسألة من موضوعات مختلفة

[161]- اثنتا عشرة مسألة من موضوعات مختلفة: وكتب اليه رضي الله عنه، احد الفقهاء المشاروين بمدينة شلب، باثنتي عشرة مسألة، يسأله عنها، ونصها من أولها إلى آخر حرف فيها. الجواب - اوجب الله لك رضاه، وبلغك في الدارين أبلغ ما ترغبه وتتمناه - في المسائل التي يأتي السؤوال فيها بعد هذا ان شاء الله تعالى. [1]- قسمة الأرض الشعراء بين أهل قرية: الشعراء تكون لاهل قرية يريدون قسمتها، ولا يعلمون لما لهم من [174] عمارة القرية أصلا الا ما بيد كل واحد منهم من العمارة، كيف تقسم بينهم؟ وما معنى قوله في الواضحة: قسم بينهم على عدد جماجمهم، ولا يلتفت إلى كثر بياضه أو قل؟ [2]- اعتداء على حصة شريك في أرض الزراعة: من تعدى على حصة رجل من أرض مشتركة بينهما، فزرعها، ولم يخرج إبان الزراعة، ما الواجب للمعتدى عليه منهما؟. [3]- الحلف بالإيمان اللازمة على عدم تنفيذ عقد الزواج: من أنكح ابنته من رجل، ثم جرى بينهما خلاف، فحلف والدها بالايمان اللازمة: ان كانت له بامرأة، ان جعلت فيها الا

4 - حيازة بعض المتصدق به

الرمح وكان للحالف زوجة فبارأها مخافة الحنث، ثم انه أجبر على ابراز ابنته إلى زوجها. هل تنفعه المباراة أم لا. وما هي من مسألة المدونة: " لو كنت حاضرا لفقأت عينه "، ومسألة العتبية: " لو شققته لشققت جوفه "؟ [4]- حيازة بعض المتصدق به: من تصدق على ابنه، المالك لأمره، بملك له في قرية، مع دار له بها، فحوزه الملك ولم يحوزه الدار، وعقد له عقداً تضمن تحويز الملك وأن الدار استغنى عن حيازتها، لكونها تبعا للملك، وسكن المتصدق الدار حتى مات، هل تكون الدار داخلة في الصدقة أم لا؟ [5]- شهادة الخاطب على النكاح: من شهد في عقد نكاح كان فيه خاطبا، هل تجوز شهادته أم لا؟ [6]- شرط الموصي أن تنفذ وصيته دون تدخل قاض أو حاكم من أوصى بوصية أو بفكاك أسارى، أو غير ذلك من وجوه البر، وجعل تنفيذ الوصية إلى رجل أجنبي، أو لوارثه، وشرط في تنفيذ وصيته: دون مشاورة قاض، ولا تعقب حاكم. هل لأحد من الحكام نظر في شيء مما يفعله المنفذ، وارثا كان أو أجنبيا، وقد شرط الموصى للوصي ما تقدم ذكره أم لا؟ وهل يفترق الوارث في ذلك من الأجنبي؟

7 - طلب أكثر من شاهدين في الابراء أو في البيع

[7]- طلب أكثر من شاهدين في الابراء أو في البيع من دفع إلى رجل حقا، كان له عليه، أو باع منه شيئاً، فطلب الدافع من المدفوع اليه، أو المبتاع البائع أن يشهد له بذلك، فأشهد له شاهدين، عدلين، وأبى أن يشهد له غيرهما، وأراد صاحبه الاستكثار من البينة، هل يلزمه أن يشهد له اكثر من الشاهدين أم لا؟ [8]- مركب مشترك يسافر به من بر الأندلس إلى بر المغرب: مركب بين رجلين في بر الأندلس أراد السفر به إلى بر العدوة، ولأحدهما ما يحمل فيه حصته، وليس، للثاني ما يحمل في حصته، ولا وجد كراء هل له أن يأخذ من شريكه نصف كراء ما يحمل، أم لا؟ [9]- تنازع موطنين على تركة من مات في بلد وتخلف فيه وفي بلد آخر، مالا، وليس له وارث غير جماعة المسلمين وليس أحد البلدين له وطنا، فأراد صاحب البلد الذي مات فيه الرجل، أخذ المال الذي تخلفه، في البلد الثاني، ومنعه صاحبه، هل له ذلك ام لا؟ وكيف ان كان البلد الذي مات فيه وطنا له فأراد صاحبه أخذ المال الذي في غير بلده، او كان البلد الذي لم يمت فيه وطنا له، فأراد صاحبه أخذ المال الذي تخلفه الميت في البلد الذي مات فيه، هل له ذلك أم لا؟ [10]- طلب رهن السلعة في دين حال من كان له على رجل دين حال، وللغريم سلعة يمكن بيعها مسرعا فطلب صاحب الدين بيع السلعة، وطلب المديان ألا تفوت عليه سلعته وأن يضع السلعة رهنا ويؤجل أياما، ينظر فيها، في الدين، هل له ذلك، ام لصاحب الدين بيع السلعة؟

11 - الادعاء على قوم بافساد زرع

[11]- الادعاء على قوم بافساد زرع من كان له زرع، أو شجر، في موضع من المواضع، وهو ساكن به او غير ساكن فيه وجد في زرعه، أو شجره، فسادا وفي الموضع المذكور قوم ساكنون، فسألهم صاحب الزرع عمن افسد زرعه، أو شجره فأنكر كل واحد منهم ان يكون الفساد من قبله وبعضهم أقرب إلى موضع الفساد من بعض، او كلهم في القرب سواء وقال بعضهم عن بعض: ان الفساد من قبله، وقال الآخرون: بل هم المفسدون، او اجتمع اكثرهم على أقلهم، او على واحد منهم فشهدوا عليهم، أو عليه، وهم في ذلك عدول، او غير عدول. ما الواجب في ذلك؟ [12]- رجوع الزوجة بما اغتل الزوج من املاك السياقة رجل توفى وترك زوجة ذات أب، كان قد ساق لها عند عقد نكاحه معها مالا، ودارا، واغتل المال، وسكن الدار ثلاثة عشر عاما، منذ انتنى بها إلى ان مات عنها، فقامت الزوجة بعد موته طالبة لغلة المال وكراء الدار، هل لها الغلة والكراء جميعا للمدة كلها، ام ليس لها شيء منها؟ أو هل لها ذلك للمدة التي تحمل فيها على السفه، وليس لها ذلك للمدة التي تحمل فيها على الرشد؟ او هل يفترق سكنى الدار في ذلك من اغتلال المال ام لا؟

بين لنا الواجب في ذلك كله بيانا شافيا، مأجورا مثابا. مشكورا ان شاء الله تعالى. [175] فأجاب وفقه الله، على ذلك بهذا الجواب: قرأت - أقر الله بكل صالحة عينيك، وأحسن على طاعته عونك - المسائل التي ذكرتها في هذه الكراسة، ووقفت عليها. [1] فأما المسألة الأولى منها وهي مسألة الشعراء، فالحكم فيها: عند الاتفاق على السهام إذا اتفق أهل القرية على قسمتها، أن يقتسموها على أصل أسهام القرية في القديم قبل أن تقسم، لا على قدر ما بيد كل واحد منهم من أرضها، اليوم، إذا اتفقوا على السهام. عند الاختلاف على السهام: وان اختلفوا فيها، فقال بعضهم: لي من أصل القرية كذا وكذا وقال بعضهم لي منها كذا وكذا؛ مثل أن يكونوا ثمانية، فيقول أحدهم: لي ثلاثة أرباعها، ويقول الثاني: لي ثلثها، ويقول الثالث لي نصفها، ويقول الرابع: لي ثلاثة أثمانها، ويقول الخامس: لي ثلثها، ويقول السادس: لي ربعها، ويقول السابع: لي سدسها ويقول الثامن: لي ثمنها، فانها تقسم بينهم على ستة وسبعين سهما: لمدعي ثلاثة الأرباع ثمانية عشر سهما، ولمدعي الثلثين ستة عشر سهما، ولمدعي النصف اثنا عشر سهما ولمدعي ثلاثة الأثمان تسعة أسهم، ولمدعي الثلث ثمانية أسهم،

ولمدعي الربع ستة أسهم ولمدعي السدس أربعة أسهم، ولمدعي الثمن ثلاثة أسهم، بعد يمين كل واحد منهم على دعواه، أو نكولهم جميعا عن الايمان. عندما ينكل البعض: وان حلف بعضهم، ونكل بعضهم عن اليمين، اقتسم الحالفون الشعراء بينهم بالمحاصة، على قدر دعاويهم التي حلفوا عليها، ولم يكن لمن نكل شيء الا ان يفضل عما ادعوه فضل، فيكون الفاضل بين الناكلين، على حسب دعاويهم. أمثلة: (1) - مثال ذلك: أن يحلف مدعي النصف ومدعي الثلث ومدعي الربع، وينكل الباقون، فان الحالفون يقتسمون الشعراء، على ثلاثة عشر سهما: لمدعي النصف ستة أسهم، ولمدعي الثلث أربعة أسهم، ولمدعي الربع ثلاثة أسهم، ولا يكون للناكلين شيء. (2) - ولو حلف مدعي النصف، ومدعي الربع، ونكل الباقون، اخذ النصف مدعي النصف، والربع مدعي الربع، واقتسم الناكلون الربع الباقي بينهم، على قدر دعاويهم، فيكون بينهم على ثمانية وخمسين جزءا: لمدعي ثلاثة الأرباع ثمانية عشر جزءا، ولمدعي الثلثين ستة عشر جزءا ولمدعي الثلث ثمانية أجزاء، ولمدعي السدس أربعة أجزاء، ولمدعي الثمن ثلاثة أجزاء، ولمدعي ثلاثة الأثمان تسعة أجزاء، ولا شيء في الشعراء لمن لم يدع من أصل القرية سهما مسمى، وأقر أنه انما ابتاع منها أحقالا بأعيانها، أو وهب له منها مواضع بأعيانها، معلومة.

القسمة على الجماجم وانما تقسم الشعراء بينهم على قدر جماجمهم في وجهين: أحدهما: - أن يدعي كل واحد منهم جميع الشعراء لنفسه. فيحلفون ويقسمونها بينهم على السواء، كالثوب بأيدي الجماعة، ويدعيه كل واحد منهم لنفسه. والثاني: ان يدعوا أن الشعراء لهم، ومن حق قريتهم، ويقول كل واحد منهم: لا أعلم كم حقي منها. وبالله التوفيق، لا شريك له. [2] وأما المسألة الثانية، وهي السؤال عمن تعدى على حصة رجل من أرض مشتركة بينهما، فزرعها، ولم يخرج ابان الزراعة، ما لواجب للمعتدى عليه منهما، مسألة مختلف فيها، قيل: ان الشركة بينهما شبهة، توجب أن يكون الزرع لزراعة، ويكون عليه كراء حصة شريكه من الأرض وهو قول ابن القاسم في سماع عيسى من كتاب الشركة. وقيل: إنه لا شبهة له في ذلك وهو كالمتعدى في زراعة أرض رجل لا شرك له فيها فيكون له نصيبه من الأرض يزرعه، ولا يجوز له أن يسلمه لشريكه، الذي زرعه، ويأخذ منه الكراء، لأنه يدخله بيع الزرع قبل أن يبدو صلاحه، اذ قد استوجبه. وهذا ان كان لم ينبت، لأنه مستهلك، اذ لا يقدر على جمع

حبه من الفدان وكذلك ان كان قد نبت ولا منفعة له فيه ان قلعه ولو كان له فيه منفعة، لوجب أن تقسم الأرض بينهما، فيقلع المتعدي زرعه من حصة شريكه، ويسلمها اليه، فيزرعها لنفسه، أو يدع. وهذا الذي على ما في قياس ما في سماع سحنون من كتاب [176] المزارعة. وو بالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [3] وأما المسألة الثالثة، وهي السؤال عمن أنكح ابنته من رجل، ثم جرى بينهما كلام، فحلف والدها بالايمان اللازمة: ان كانت له بامرأة ان جعلت. فيها الا الرمح، وكانت للحالف زوجة، فباراها، مخافة الحنث، ثم أنه أجبر على إبراز ابنته إلى زوجها، هل تنفع المبارة أم لا، وما هي من مسألة المدونة: لو كنت حاضرا لفقأت عينه، ومسألة العتبية لشققت جوفه. لا يلزم من حلف بتلك الايمان طلاق الزوجة فالجواب فيها: أنها ليست من مسألة المدونة والعتبية بسبيل، لأنه لما حلف بما حلف به، بعد أن عقد نكاحها، دل على أنه انما أراد ألا يبني الزوج بها الا أن يغلب على ذلك، بعد أن يمنع منه بالمحاربة على ذلك بالرمح، فإذا بارأ امرأته، ثم أبرزها إلى زوجها، وامرأته ليست في

عصمته، لم يلزمه فيها طلاق الا انه يحنث في سائر ما يلزم في الايمان اللازمة. وفي رسم النذور، من سماع أصبغ من كتاب الايمان بالطلاق: بيان هذا في أول مسألة منه. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [4] وأما المسألة الرابعة، وهي السؤال عمن تصدق على ابنه المالك لأمره، بملك له في قرية مع دار له بها، فحوزه الملك، ولم يحوزه الدار، وعقد له عقداً تضمن تحويز الملك، وأن الدار استغنى عن حيازتها لكونها تبعا للملك، وسكن المتصدق الدار حتى مات، هل تكون الدار داخلة في الصدقة: فالجواب عن ذلك أنها داخلة الصدقة، إذ لا فرق بين أن يتصدق عليه بدارين، فيحوزه احداهما ويسكن الأخرى، حتى يموت فيها وهي تبع للتي حوزه اياها وبين أن يتصدق بملك أو دار، فيحوزه الملك، ويسكن الدار حتى يموت فيها، وهي تبع للملك الذي حوزه اياه. وقد قال ابن زرب، رحمه الله، فيمن تصدق على ابنته البكر بنصف جميع ماله، وله عقار وثياب، ودار ودواب وعين: إن الصدقة تجوز لها فيما سكن من الدور، وما لبس من الثياب، وفيما كان له من الناض، إذا كان ذلك كله تبعا لما لم يسكنه، ولا لبسه من العقار

والعروض، والحيوان، وهو بين اذ لا معنى للاعتبار بكون ما سكن من جنس ما حوز أو من غير جنسه. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [5] واما المسألة الخامسة، وهي السؤال عمن شهد في عقد نكاح، كان فيه خاطبا، هل تجوز شهادته أم لا: فالجواب في ذلك أن شهادته فيه جائزة، اذ ليس في ذلك وجه من وجوه التهم القادحة في الشهادات. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [6] واما المسألة السادسة، وهي السؤال عمن أوصى بوصية او بفكاك أسارى، أو غير ذلك من وجوه البر، وجعل تنفيذ الوصية إلى رجل أجنبي، أو لوارثه، وشرط في تنفيذ وصيته: دون مشورة قاض، ولا تعقب حاكم، هل لأحد من الحكام، نظر في شيء مما يفعله المنفذ، وارثا كان أو أجنبيا، وقد شرط الموصي ما تقدم ذكره، أم لا وهل يفترق في ذلك الوارث من الأجنبي؟ فالجواب عن ذلك: ان شرط الموصي عامل، في انه لا يجوز، لحاكم ولا قاض، ان يتعقب شيئاً من ذلك، ولا ينظر فيه، كان المتولي لذلك وارثا، أو اجنبيا، لقول الله عز وجل: فمن بدله بعد ما سمعه

فإنما اثمه على الذين يبدلونه ان الله سميع عليم. واذا لاحق له في ذلك، وانما الكلام في ذلك للورثة، فإن كانت الوصية مما تبقى لهم فيها منفعة، كالعتق وشبهه، كان لهم ان يقوموا في ذلك حتى يعلموا ان الوصية قد نفذت كان المنفذ لها وارثا او اجنبيا، وان كانت مما لا تبقى لهم فيها منفعة كالصدقة وشبهها، فلا قيام لهم في ذلك الا ان يكون المنفذ لها وارثا، مخافة ألا ينفذ ذلك ويأخذه لنفسه، فتكون وصية لوارث. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [7] واما المسألة السابعة، وهي السؤال عمن دفع إلى رجل حقا كان له عليه او باع منه شيئاً، فطلب الدافع المدفوع اليه أو المبتاع البائع أن يشهد له بذلك، فأشهد له شاهدين عدلين، وأبى ان يشهد له [177] غيرهما، وأراد صاحبه الاستكثار / من البينة، هل يلزمه ان يشهد له أكثر من الشاهدين ام لا. فالجواب عن ذلك: انه لا يلزمه ان يشهد له أكثر من شاهدين، عدلين، لقول الله تعالى: {وأشهدوا شهدين من رجالكم} [سورة البقرة الآية: 282] وهذا إذا كانا مبرزين في العدالة يمكن الاشهاد على شهادتهما،

إن أراد أن يحصن لنفسه مخافة الموت أو المغيب، أو النسيان. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [8] وأما المسألة الثامنة، التي بعدها، وهي مسألة المركب بين الشريكين، فالجواب فيها: أن الذي لم يجد لحظه من المركب كراء، ولا كان له ما يحمل فيه، أن يأخذ من شريكه كراء حصته، لما حمل فيه، وله أن يمنعه من السفر به لنفسه خاصة، حتى يواجبه على كراء يتفقان عليه، أو ينفصلا عن الشركة في المركب ببيعه واقتسام ثمنه، أو تقاومه فيما بينهما ان أحبا. وبالله التوفيق، لا شريك له. [9] وأما المسألة التاسعة، التي بعدها، وهي مسألة من مات في بلد، وتخلف فيه، وفي بلد آخر مالا، فالجواب فيها: أن عامل الموضع، الذي فيه استيطان المتوفي، أحق بقبض ميراثه، مات فيه أو في غيره، كان له مال فيه، أو في سواه من البلاد. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [10] وأما المسألة العاشرة، وهي السؤال عمن كان له على رجل دين حال، وللغريم سلعة يمكن بيعها مسرعا، فطلب صاحب الدين، بيع السلعة،

وطلب المديان ألا تفوت عليه سلعته، وأن يضع السلعة رهنا، ويؤجل أياما ينظر فيها في الدين، هل له ذلك أم صاحب الدين بيع السلعة؟ فالجواب فيها: أن من حقه أن يجعل السلعة رهنا، ويؤجل في احضار المال بقدر قلته وكثرته، ومالا يكون فيه ضرر على واحد منهما، على ما يؤدى اليه اجتهاد الحاكم في ذلك. فهذا الذي جرى به القضاء، ومضى عليه العمل، وهو الذي تدل عليه الروايات عن مالك وأصحابه. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [11] وأما المسألة الحادية عشرة: وهي مسألة دعوى الافساد في الزرع والثمرة، فالجواب فيها: أنه لا يلزم الفساد منقرب منه ولا من بعد، الا بشهادة عدلين. فإن شهد بالفساد بعضهم على بعض، جازت شهادتهم عليها. وان قال المشهود عليهم بالفساد، بعد أن شهد عليهم به: ان الشهود هم المفسدون، لم يلتفت إلى قولهم، وان كانوا عدولا؛ لأنهم في شهادتهم بعد الشهادة عليها، يدرأون عن أنفسهم، ولا تجوز في شىء من ذلك، ولا فيما سواه شهادة غير العدول. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [12]

162 - حول قول مالك في الموطأ: أدنى الوتر ثلاث

وأما المسألة الثانية عشرة، وهي آخر المسائل التي سألت عنها فالجواب فيها: أن للمرأة الرجوع في مال زوجها، بما اغتل مما ساقه اليها، قبل ان تملك أمر نفسها، وبعد ان ملكت أمر نفسها. وأما سكناه معها في الدار التي ساق اليها، فلا كراء لها عليه فيه، الا للمدة التي لم تخرج فيها من الولاية، على ما جرى به العمل في أحد قولي ابن القاسم في المدونة. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. قاله محمد بن رشد، رضي الله عنه. [162]- حول قول مالك في الموطأ: أدنى الوتر ثلاث وسأله رضي الله عنه، بعض الاصحاب عن هذه المسألة، ونصها من أولها إلى آخرها: نازع - ياسيدى، ومن أبقى الله نفعه - بعض الأصحاب في قول مالك في موطئه: أدنى الوتر ثلاث، وقال: انها كلها سنة مؤكدة، الا الركعة الآخرة منها، ولم يحفل بقول مالك في المدونة، ولا بقول ابن القاسم وغيره، في غيرها. وأرغب أن تبين قول مالك، ومذهبه، وان كانت الثلاث، على ما زعم القائل، كلها سنة مؤكدة أوان كانت السنة المذكورة انما

هي الركعة الآخرة والركعتان رغيبتان، كالركعتين قبل الظهر وبعدها، وقبل العصر، وبعد المغرب، وقبل العشاء وبعدها وقيام الليل وما جرى مجراها مما جاءت فيها الآثار واشرح ذلك، ففي قولك المقنع والرضا، مأجورا مشكورا، ان شاء الله تعالى، والسلام عليك. الوتر ركعة واحدة لدى مالك: فأجاب أدام الله توفيقه، على ذلك بهذا الجواب: تصفحت يا سيدي، أعزك الله بطاعته، وتولاك بكرامته، سؤالك هذا، ووقفت عليه. [178] ومذهب مالك، رحمه الله، أن الوتر ركعة واحدة عقب شفع، أدناه ركعتان، على ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، من رواية ابن عمر، أنه قال: صلاة الليل مثنى مثنى، فاذا خشي أحدكم الصبح، صلى ركعة واحدة، توتر له ما قد صلى ومعنى قوله في الموطأ: أدنى الوتر ثلاث، أي أدنى صلاة الليل، التي آخرها صلاة الوتر، ثلاث، وذلك بين من ارادته، لأنه كره ما روى من أن سعد بن أبي وقاص كان يوتر بعد العتمة بواحدة، فقال: ليس العمل على هذا عندنا، ولكن أدنى الوتر ثلاث، أي أدنى ما ينبغي للرجل أن يصلي من الليل ثلاث ركعات. وانما كره له ذلك لتركه الفضيلة جملة مع ما روي من أن

رسول صلى الله عليه وسلم نهى عن البتيراء وهي ركعة واحدة، لا صلاة من الليل قبلها. فالركعتان قبل الوتر عند مالك من صلاة الليل، وهي فضيلة، أدنى مرتبة من السنة، وأعلى مرتبة من النافلة، التي لا تختص باسم الفضيلة، نحو الركعتين قبل الظهر، وبعدها وقبل العصر، وبعد المغرب، وقبل العشاء، وما أشبه ذلك من النوافل التي لا تسمى فضائل ورغائب، وذلك أن الصلاة تنقسم على خمسة أقسام: فرض على الأعيان، وفرض على الكفاية، وسنة وفضيلة ونافلة. الوتر ثلاث لدى الحنفية ومن أهل العلم من ذهب إلى أن الوتر ثلاث، يفصل بين الاثنتين والواحدة بسلام ومنهم من ذهب إلى أن الثلاث كصلاة المغرب وذلك كله خلاف مذهب مالك ومذهبه، على ما بيناه، وهو الصواب. وقول من ذهب إلى أن الوتر ثلاث، يفصل بين الاثنتين والواحدة بسلام أضعف الأقوال، لأن السلام، يفصل بين الركعتين والركعة ويصيرهما صلاتين، والوتر انما هو صلاة واحدة باجماع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ألا ان الله زادكم صلاة إلى صلاتكم، ألا وهي

163 - محاسبة قاض عن أملاكه لوجود التهمة

الوتر " فهو إما ركعة واحدة على ما ذهب اليه مالك، واما ثلاث ركعات تباعا، كصلاة المغرب، على ما ذهب اليه أهل العراق، فلا يصح ان يتأول على مالك مثل هذا القول الضعيف، الشاذ، الخارج عن الاصول، من قوله: " ولكن أدنى الوتر ثلاث " قال أبو الوليد، رضي الله عنه: ولو قلنا إن الثلاث كلها وتر لقوله فيها: انها أدنى الوتر، لوجب أن نقول في الزيادة عليها، إنها وتر أيضا، لكونها أعلى من الثلاث، وذلك خلاف الاجماع، فلا يصح من التأويل على مالك في قوله الا ما قلناه. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [163]- محاسبة قاض عن أملاكه لوجود التهمة وكتب اليه رضي الله عنه، بسؤال، فوقه نسخة عقد ثابت، على أحد قضاة الأندلس، استغنينا عن اثبات ذلك هنا، وكتبنا الجواب عليه. تصفحت سؤالك، ونسخة العقد الواقعة فوقه ووقفت على ذلك كله. واذا ثبت العقد المذكور عند الفقيه القاضي، وفقه الله، بخطاب من يرضى ويثق بقوله وعدله من الحكام، فالواجب ان يعزل عن الأحكام، وترد أقضيته كلها، ثم يعذر بعد ذلك اليه في العقد المذكور، فإن كان له فيه مدفع يدعيه، سمع منه، ونظر فيه يواجب الحق، وان لم يكن له فيه مدفع اخرج من يده جميع ما تضمنه من أنه تسور عليه

164 - من كتاب مشكل الآثار للطحاوي

من أرض بيت مال المسلمين، حيثما كان، على ما يجده الشهود ويجوزونه، ولم يكن له فيما بناه فيها من الحوانيت، والفندق، والبرج، الا قيمة البنيان منقوضا، وقضى عليه بقيمة الموضع الذي أدخله في الحمام، الذي ابتناه لنفسه، وبقيمة ما أفسد من الارض بالساقية التي فتح فيها إلى رحاه، وبقيمة الرحا، التي قطع الماء عنها وهدمها، وغير أثرها، وشكلها، وطمس مكانها، وأغرم، أيضا جميع ما تضمنه العقد من انه قبضه من الأعشار، والزكوات، والمعونة، وبسط الحق بينه وبين كل من ادعى عليه حقا، يطلبه به في وجه من الوجوه، ولا شيء عليه في الأفران، التي نقصت قيمة كرائها، بما أحدث عليها من الافران؛ اذ ليس ذلك من الضرر، الذي يجب قطعه، عند أهل العلم وما بقي بيده، بعد هذا كله، مما اكتسبه في ولايته ترك له، الا ان يثبت انه كان عديما فقيرا يوم / ولي الأحكام لا مال له في علم من شهد بذلك. [179] وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [164]- من كتاب مشكل الآثار للطحاوي: حول الاجتهاد: وقرئ عليه، رضي الله عنه، وأنا اسمع في شهر رمضان المعظم سنة احدى عشرة وخمس ومائة، في الجزء الثالث من مختصر كتابه: بيان مشكل أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخراج ما فيها من الأحكام، ونفي التضاد عنها، لأبي جعفر الطحاوي، رحمه الله، مما عني هو أدام الله توفيقه، باختصاره، وتبويبه وترتيبه.

رأي الطحاوي: المجتهد قد يخطئ ما جاء في الحكم بالاجتهاد. قال أبو جعفر، رحمه الله، فيما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فيما يأمر به الرجل إذا ولاه على السرية: ان أنت حاصرت اهل حصن، فأرادوا أن تنزلهم على حكم الله تعالى، فلا تنزلهم على حكم الله عز وجل، فانك لا تدري أتصيب فيهم حكم الله ام لا ولكن انزلهم على حكمك: في هذا الحديث: أن الحكم بالاجتهاد، فيما ليس فيه آية مسطورة، او سنة مأثورة، او اجماع من الآمة، اذ لا تجتمع على ضلالة، يسعنا وان كنا لا ندري، هل هو عند الله عز وجل على ما أداه الينا اجتهادنا ام لا، وانه هو المفروض علينا، مع احتمال درك الصواب، او التقصير عنه لا إصابة الصواب فيه بعينه، اذ لم يكلفنا الله مالا نطيق ولا تعبدنا بما نحن عنه عاجزون؛ لأن فيه نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم رسله أن ينزلوا احدا من الحصول على حكم الله، اذ لا يدري ايصيبه ام لا وامرهم أن ينزلوهم على حكمهم الذي هو الاجتهاد، اصاب الحكم عند الله، او اخطاه. قال: ومثل ذلك ما كان من امر بني قريظة، الذين نزلوا لما اشتد بهم الحصار، على حكم سعد بن معاذ، فحكم فيهم ان يقتل رجالهم.

ونسيى ذرايهم وتقسم أموالهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد حكمت فيهم بحكم الله عز وجل وبحكم رسوله أفلا ترى أن سعدا قد حكم فيهم باجتهاده، قبل أن يعلم ما حكم الله عز وجل فيهم، فمحمد رسول الله، صلى الله عليه وسلم ذلك منه واذا كان ذلك واسعا في الدماء والفروج، فهو في الأموال أوسع. رأي ابن رشد: المجتهد لا يخطئ قال أبو الوليد، رضي الله عنه: الذي عليه أهل التحقيق: أن كل مجتهد مصيب، ومن الدليل على ذلك، وان كانت الأدلة فيه أكثر من أن تحصى. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال له: بم تحكم؟ قال: بكتاب الله قال: فإن لم تجد؟ قال فبسنة رسول الله قال فإن لم تجد؟ قال أجتهد رأيي قال الحمد لله الذي وفق رسول رسوله لما يرضي رسوله وما أرضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أرضى الله، ويستحيل في صفة الله، عز وجل، أن يرضى بخلاف ما هو الحكم عنده، وهي مسألة من الاصول فلا يصح الاحتجاج فيها بأخبار الآحاد، ولا بالظواهر المحتملة. ويحتمل أن يكون معنى قوله في الحديث الذي احتج به: فلا تنزلهم على حكم الله عز وجل. أي على نص حكم الله، عز وجل الذي لا تدري اتصيب فيهم حكم الله عز وجل نصا ام لا، وامره ان

ينزلهم على حكمه، ليحكم فيهم باجتهاده، ان عدم النص، فيوافق في ذلك حكم الله، الذي شرعه، وافترضه وحرم العدول عنه، باجماع. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. استدلال المخطية وقال، فيما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، من قوله: " القضاة ثلاثة، فقاضيان في النار، وقاض في الجنة، فأما الذي في الجنة، فرجل عرف الحق، فقضى به، فهو في الجنة، ورجل عرف الحق فلم يقض به وجار، فهو في النار، ورجل لم يعرف الحق، فقضى بين الناس على جهل، فهو في النار " " قد قال قائل: القاضي بالحق هو الذي وقف على الحكم عند الله عز وجل، فيما قضى به، وفي ذلك ما ينفي استعمال الاجتهاد، الذي قد يكون معه اصابة ذلك وقد يكون معه التقصير عنه، ولا يصح ذلك لأن الله لم يكلفنا مالا نطيق، وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا اجتهد الحاكم فأصاب، فله أجران، فاذا اجتهد فأخطا فله أجر دليل واضح على أن له أن يجتهد فيما لم يجده في كتاب الله منصوصا ولا [180] في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مأثورا، ولا في اجماع الأمة موقوفا عليه. ولما كان له أن يقضي باجتهاده، الذي قد تكون معه فيه اصابة الحق عند الله عز وجل، وقد يكون معه التقصير عنه وكان ما يقضي

به بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم اياه بالقضاء به حقا عقلنا بذلك ان الحق الذي القاضي به في الجنة، هو ذلك الحق، حتى تصح الآثار، ولا تتضاد. وذكر من الحجة بجواز الحكم بالاجتهاد ما قصة الله علينا من قصة داود وسليمان عليهما السلام، في قوله تعالى: داود وسليمان اذ يحكمان في الحرث إلى قوله: وكلا آتينا حكما وعلما وحديث معاذ بن جبل، اذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فقال له بم تقضي؟ الحديث. واستدل على ما ذهب اليه من ان المجتهد قد يكون، مع اجتهاده، مصيبا للحكم، ومخطئا له بما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان سليمان عليه السلام سأل ربه ان يؤتيه حكما، يصادق حكمه، فأعطاه اياه اذ لو كان مصيبا له على كل حال لما كان لسؤاله ربه في ذلك معنى. وبما روى ان عمر بن الخطاب كتب بقضية إلى عامل له، فكتب: " هذا ما رأى الله عمر " فقال: امحه واكتب: " هذا ما رأى عمر، فإن يك صوابا فمن الله عزو جل وان يك خطأ فمن عمر " وبما روي من ان ابن مسعود قال، لما سئل عن الرجل الذي تزوج المرأة فلم يدخل بها ولم يسم لها صداقا، حتى توفي: أقول فيها برأيي فإن يك خطأ فمن قبلي وان يك صوابا فمن الله عز وجل. استدلال المصوبة قال القاضي ابو الوليد شيخنا، رضي الله عنه: قوله في تأويل

الحديث: " ان الحق الذي القاضي به في الجنة هو ذلك الحق " يريد الذي فيه النص، من التاويل الفاسد الذي لا يصح؛ لأنه أخرج بذلك القاضي بالاجتهاد في موضع الاجتهاد عن التقسم الذي قسم به النبي صلى الله عليه وسلم القضاة إلى ثلاثة أقسام، وفي ذلك نسبة التقصير اليه في التقسيم وحاشا له من ذلك، لأنه معصوم ما ينطق عن الهوى، ان هو الا وحي يوحي [اقتباس من سورة النجم الآية: 3] وانما حمله على هذا التأويل ما ذهب اليه من أن المجتهد لا يدري أصاب الحكم الواجب عند الله عز وجل، أو أخطأه. وفي الحديث دليل ظاهر على أن المجتهد مدرك للحق، مصيب للحكم، لأنه لما قسم القضاة على ثلاثة أقسام، فجعل منهم في الجنة الذي عرف الحق فقضى به، علمنا أن قسم الجنة، هم الذين يقضون بما يجوز لهم القضاة به، من نص أو اجماع، أو اجتهاد في موضع الاجتهاد؛ اذ لا يجوز أن يخرج القاضي بالاجتهاد عن هذا القسم، لأن في ذلك نسبة التقصير إلى النبي صلى الله عليه وسلم في التقسيم، ومخالفة الاجماع، لأنه ان لم يكن من أهل الجنة، فهو من اهل النار، اذ ليس بعد الجنة الا النار، ولا بعد الهدى الا الضلال، وكيف يكون من أهل النار من فعل ما تعبد به، بما هو بين أجر واحد وأجرين. فإذا ثبت أنه من قسم الجنة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه: انه عرف الحق وذلك نص في موضع الخلاف. فإذا ثبت هذا، ولم يصح القول بخلافه، وجب ألا يحمل قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا اجتهد الحاكم فأخطأ، فله اجر، على أنه أراد بذلك: أنه أخطأ الحكم عند الله، اذ قد يحتمل أن يكون أراد به انه

أخطا النص، ان كان في نص لم يعلمه، أو أخطأ أن يحكم بالحق في الظاهر لمن هو له في الباطن، وان كان قد حكم بالحق، الذي هو الحكم عند الله تعالى؛ اذ قد يخطئ ذلك مع الحكم بالنصوص التي لا يختلف فيمن قضى بها، أنه قضى بالحق. وعلى هذا يتأول ما روى عن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، من كل منهما: ان يك خطأ فمني وكذلك، ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من ان " سليمان دعا ربه أن يوتيه حكما يصادف حكمه، فأعطاه اياه " محتمل للتأويل، أيضا مع ان الاحتجاج به في ذلك لا يجوز، لأن القول بتصويب المجتهدين مما طريقه العلم والقطع، فلا يصح الاستدلال عليه بأخبار الآحاد، ولا بما يحتمل التأويل. وبالله تعالى التوفيق. حول الرأي والدين: وقال، فيما روي عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أنه قال: " اتهموا الرأي على الدين "، وقال فيما روي عن أبي وائل قال: سمعت سهل بن حنيف، يوم الجمل، ويوم صفين يقول: اتهموا رأيكم، فلقد رأيتني يوم أبي جندل، ولو استطعت ان أرد أمر

[181] رسول الله صلى الله عليه وسلم لرددته. في هذين الحديثين: أن الرأي قد يصاب به حقيقة الصواب، وقد يقصر به عنه، وان ما اطلق لنا الحكم بالاجتهاد: في الحوادث التي لا نص فيها، وقد تكون فيه اصابة الحق، وقد يكون فيه التقصير عنه، وان كنا محمودين في اجتهادنا، اذ لا نستطيع غير ما فعلناه فيه بدليل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا حكم الحاكم فأصاب فله أجران، واذا حكم فاخطأ فله أجر " اذ كانوا قد اجتهدوا بالآلات التي يجتهد بمثلها، أصابوا الواجب او قصروا عنه، وهذا قول اهل السلامة ممن ينتحل الفقه، فأما من سواهم ممن قد دخل في الغلو في ذلك، حتى قال: انه إذا حكم بالاجتهاد، ومعه الآلة، التي لأهلها الاجتهاد، انه قد حكم بالحق، الذي لو نزل القرآن ما نزل الا به، ونعوذ بالله من هذا القول ومن أهله، وان كان بحمد الله، قولا منكرا، وأهله محجوجون بما لا يستطيعون دفعه، ولا الخروج منه. فمن كان على ذلك ابراهيم بن اسماعيل بن علية، فحدثني أبو جعفر بن العباس، قال: لما بلغني هذا القول عنه، أعظمته، فأتيته من يومي الذي بلغني ذلك القول عنه، فذكرت ذلك لأحق عليه، أنه قد قاله، فقال لي: قد قلته، قال: فقلت له: أهل استعملت في مسألة من الفقه رأيك، واجتهدت فيها، حتى بلغت عند نفسك غاية الاجتهاد، الذي عليك فيها، ثم تبين لك، بعد ذلك أن الصواب في غير ما قلت مما كان اذ ذاك اليه اجتهادك فيها؟ فقال: نعم يجري هذا أكثر

نهارنا. قال فقلت له: فأي القولين الذي لو نزل القرآن نزل به تلك الحادثة، هل هو القول الأول الذي قلته فيها، أو القول الثاني الذي قلته فيها؛ وقد بلغت في كل واحد من القولين الذي عليك أن تبلغه فيه من الاجتهاد. قال: فانقطع، والله في يدي أقبح انقطاع، وما رد عليه حرفاً. وقد أجاد أبو جعفر، رحمه الله، في ذلك، وأقام لله عزوجل، حجة من حججه على من خرج عنها، وعلا الغلو الذي كان فيه مذموما. والله نسأله التوفيق. التصويب هو مذهب اهل السنة قال القاضي أبو الوليد شيخنا، رضي الله عنه: قد تقدم لنا هذا من مذهبه. والقول الذي أنكره وجهل قائله، وجعله مذموما، فاستعاذ بالله منه، هو قول المحققين من الفقهاء بمعرفة أصول الديانات؛ إذ لا اختلاف بين أهل السنة ان الذي شرعه الله في دينه هو الحكم بالاجتهاد، فيما لا نص فيه، ولا اجماع، فاذا كان الله عز وجل قد أمر المجتهد بالحكم بما يؤديه اليه اجتهاده فالذي امره به هو الحق عنده، الذي تعبده اياه؛ اذ يستحيل في صفة الباري تعالى ان يأمر بخلاف الحق، وان يتعبد عباده بما سواه تعالى عن ذلك علوا كبيرا. قال القاضي أبو الوليد شيخنا، رضي الله عنه: وقول القائل: ان المجتهد إذا حكم باجتهاده فقد حكم بالحق، الذي لو نزل القرآن، ما نزل الا به، ليس على ما تأوله عليه، وانما معناه: ان القرآن لو نزل في ذلك بتصويب ما مضى الحكم به من جهة الاجتهاد، في حق كل من حكم به ممن يجوز له الحكم به، في الموضع الذي يجوز له الحكم فيه به لأنه لو نزل القرآن لنزل باقرار الحكم به، على جميع العباد، اذ قد

165 - اتهام بالقتل ادخل المنزل

يستحيل اقرار جميعهم على ما قد يتضاد من الأحكام، باختلاف آراء المجتهدين فيه، فاعتقد ابن علية صحة هذا القول، ولم يفهم معناه فلذلك انقطع عن جواب خصمه، ولو فهم ذلك، وكان بصيرا بالحجة، لما انقطع، ولقال: إن القرآن لو نزل في ذلك لنزل بتصويب حكمي، على ما أداه الي اجتهادي، من القول الأول، ما دمت أعتقد صحته، وبتصويب حكمي بالقول الثاني، مذ بانت لي صحته، وذلك جائز في حكمة الله، كالنسخ الذي قام به الدين، وكمل به الشرع. وقول عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: اتهموا الرأي على الدين، ليس فيه ما يدل على ان المجتهد قد يخطئ الحق عند الله تعالى، وقد يصيب مع بلوغه ما عليه من بذل الوسع في الاجتهاد، وانما معناه التحذير من التقصير في الاجتهاد، ومثله قول ابن حنيف، لا سيما وقد قاله لطائفتين يعلم قطعا أن احداهما على خطأ، بخلاف المختلفين بالاجتهاد في مسائل الاجتهاد. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [165]- اتهام بالقتل ادخل المنزل [182] وسأله، رضي الله عنه الشيخ الفقيه الحافظ أبو بحر سفيان بن العاصي الأسدي في نازلته التي نزلت به عن قتل أخيه، شقيقه: محمد بن مرباطر من حصون الشرق العتيقة، وذلك أنه دخل عليه ليلا، وخنق، ذي الحجة سنة عشر وخمس مائة، بعد العيد بأيام يسيرة. ونص السؤال من أوله إلى آخره: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وصلى الله

على سيدنا محمد وعلى آله ما يقول الفقيه الأجل، قاضي الجماعة، أعزه الله بطاعته، وأمده بتوفيقه، في رجل من أعيان بلده وذوي العقار فيه، التزم بعد أداء حجة الفريضة القيام على تثمير عقاره، وعلى ما يرجو به تنمية ما بيده، مستأنسا بالوحدة، لم يتخذ عيالا، ولا وطر له إلا اصلاح عقاره، والنظر فيه، بما ينمي غلته، وكان يقارض بما يتوفر بيده من غلة عقاره، من يتجر به، ويسلف جيرانه، عند ضرورتهم إلى السلف، برهان، وغير رهان ويكثر ذلك منه حتى استذاع عنه في بلده الذكر بسعة حال ووفور ناض، وكان سكناه في دار من دوره لها حجرة، وعليه مشرفة، يمضي اليها من دار خارجة، تتصل بباب، يدخل إلى الدار منها بعدها الحجرة المذكورة، فيسكن بيوت هذه الدار الخارجة المتصلة بالباب، من يضعف عن كراء من رجال ونساء، ممن ينسب إلى عفاف وخير من المسلمين، وينفرد هو في تلك الحجرة. وكان قد تعلق به فتى من أهل بلده، وجعل له رأس مال يتجر به فكان بذلك يلم به كثيرا ويقبض له كثيرا مما يقتضيه، ممن له قبله شيء ومما يبيعه من أثمان غلته ويتفقد ذلك له، ويكثر التكرار والدخول اليه، من ليل أو نهار، ويسهر عنده في بعض الليالي، مؤنسا له برهة كبيرة من الليل ويبيت في بعض الليالي مؤنسا عنده.

وكانت العادة أن الباب الذي كان يحتوي على هذه الدار التي يسكن السكان ما ذكر منها، يغلقه السكان إذا رجعوا من صلاة العشاء الآخرة بعد أن يصير هو إلى الحجرة فإن جاء هذا الفتى متأخرا فتحوا له، فدخل، واذا خرج، بعد السهر، أغلقوا الباب فجاء في ليلة من الليالي على عادته، ودخل على أعين هؤلاء السكان، وصار إلى باب الحجرة، ودخل على عادته، وسد السكان الباب الخارج على عادتهم، ولم يخرج هذا الفتى، وكان مؤخر هذه الحجرة يقارب سندا من جبل قصبة المكان، لقصر جدارها الذي يلي ذلك السند؛ من أجل ذلك فلا يتعذر كثيرا المرتقى اليه، فاذا بهذا الفتى قد وعد أمثاله من أهل الشر بما ظهر، مما أحدث في الرجل، فان ذلك ليس مما يقدر على فعله واحد، وربما رآه كثير من الجيران من اجتماعهم معه، في أمكنة ينفردون فيها عن الناس، ويبدو إلى من يراهم بما يظهر معه اليه من ذلك الانفراد، أنهم يريدون أمرا ويريغون شرا، وتسنموا إلى الحجرة من مؤخرها، المذكور، وعمدوا إلى الرجل وهو في فراشه، متجرد، نايم فشدوا أكتافه وخنقوه وانفردوا بالحجرة، ولا علم عند السكان الخارجين، ولا تقدم عندهم أمر يستريبون به، وباب الحجرة الذي بينها وبين السكان مغلق، على العادة وكسروا خزانة الرجل، التي فيها ناضه وثيابه، وأخرجوا ذلك كله وكل ما قدروا على اخراجه، مما له قيمة، من مؤخر الحجرة، حيث دخل المدخلون إلى الرجل، ولم يبقوا إلا مالا قيمة له، وثقل اخراجه، وخرج الجميع من جهة مؤخر الحجرة. فلما أصبح السكان، والرجل لم ينزل اليهم، على عادته في سائر

الأيام من نزوله وايقاظهم للصلاة ومشي من يمشي معه إلى المسجد، ظنوا أن لغلبة نوم، فقرعوا باب الحجرة، فلم يجبهم أحد ولا سمعوا حسا، فأعادوا القرع حتى رابهم ذلك، من انقطاع الحس فوجهوا إلى بعض قرابة الرجل، فأتى وقرع الباب، قرعا عنيفا، وصاح فلم يجبه أحد، فأيقن بالشر، وسأل القوم: من بات عنده؟ فأعلموا بمبيت ذلك الفتى، وأنه لم يخرج بعد دخوله، وأنهم وجدوا باب الدار مغلقا، كما تركوه اول الليل، فخلع باب الحجرة ومعه جماعة، فدخلوا فألقوا الرجل مكتوفا، مخنوقا، عريانا، مرميا من سرته في الأرض، وألقوا الخزانة وحجرته على حسب ما ذكر فمشى مع من صحبه من الناس إلى دار هذا البائت في الحجرة، مع الرجل ودخل اليها، فألقيت قد أخلاها مما كان له فيها من ثياب وغيرها، وقد فر إلى قرية له، وألقى [183] دار صهره من المتهم بدخول الحجرة معه، على نحو من ذلك. وقبل الانتباه إلى أمر هذا الرجل المقتول ذكرت امرأة من سكان الدار البرانية: أن أخت ذلك الفتى زوج صهره، المتهم بالدخول مع من دخل، جاءتها قبل طلوع الشمس واشتهار الحال، وقالت لها: ان سئلت عمن بات في الحجرة البارحة فلا تقري بأخي، وأنا أعطيك عشرة مثاقيل. وهذا البائت مع الرجل، وصهره، في السجن، وقد ضربا قبل هذا ضرب أدب، لكي منهما جلاء أمر، والأمر فيهما من السجن باق إلى الآن. فما ترى - وفقك الله - أن يترجى في أمرهما مع هذه الشبهات من سجن وأدب وحيث ينتهي من سجنهما وما يتعين بعد ذلك

كله عليهما، ان عدم اقرار، أو ارتفاع اشكال بأمر يثبت ليعمل به، وينتهي اليه، موفقا مسددا ان شاء الله تعالى، والسلام الأثم على الفقيه القاضي قاضي الجماعة ورحمه الله تعالى وبركاته. يجب لولاة المقتول القسامة: فأجاب أدام الله توفيقه، وتسديده، على ذلك بهذا الجواب، ونصه من أوله إلى آخره: تصفحت - عافانا الله وإياك سؤالك هذا ووقفت عليه. والذي أقول به، في هذه النازلة، إذا كان الأمر على ما وصفته فيها: أن لولاة المقتول ان يقسموا على من شاؤوا من المتهمين المسجونين، بما لحقهما، وتعلق بهما من اللطخ والسبب الذي ذكرته، ويقتلوه على ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في تبدئة الأنصار باليمين، في صاحبهم الذي قتل بخبير، لأن هذا اللطخ واَلسَّبَبَ أقوى من السبب الذي بد أبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، الأنصار باليمين. وقد سئل مالك، رحمه الله في أشهب عنه، عن اللوث الذي يوجب القسامة ما هو؟ فقال: الأمر الذي ليس بقوى ولا قاطع، فهذا من ذلك؛ لأن الأصل في القسامة: انها انما تجب بالشبهة التي يغلب على الظن بها صدق المدعي فيما ادعاه بدليل الحديث المذكور،

وبالقياس على الأصل، في غير الدماء، من الحيازة وارخاء الستور ومعرفة العفاص، والولاء وما أشبه هذه الأشياء. وقد شد ذلك ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " البينة على من ادعى واليمين على من أنكر، الا في القسامة " فإن نكل ولاته عن القسامة، او عفوا عنها بصلح أو غيره، ضرب كل واحد منهما مائة مائة، وحبسوا عاما كاملا، مستأنفا بعد الضرب، لا يعتد فيه بما كان قبله. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. ابن الحاج: يطال سجن المتهمين خالفه، الشيخ الفقيه أبو عبد الله محمد بن أحمد بن خلف التجيبي، المعروف بابن الحاج، شيخنا، رضي الله عنه، وأفتى بهذا الجواب، ونصه: تصفحت سؤالك الواقع في بطن هذه الرقعة. والذي يقتضيه الحكم عندي في أمر المتهمين بالدم بالشبهات، التي ذكرت، اطالة سجنهما في الحديد، فقد روي عن مالك، رحمه الله: أنه من ألطخ بالدم، ووقعت عليه التهمة، ولم يتحقق عليه من ذلك ما تجب به القسامة فليس عليه ضرب مائة، وسجن سنة، ولكن عليه الحبس الطويل جدا ولا يعجل اخراجه، حتى تتبين براءته، وتأتي عليه السنون الكثيرة، ولقد كان الرجل يحبس في الدم باللطخ والشبهة، ويطال سجنه، حتى ان أهله ليتمنون له الموت من طول سجنه، ولعل

في خلال سجنهما يثبت لأولياء الدم ما يوجب لهم القسامة، الا أن سجن من قويت التهمة عليه منهما، وظهرت في جانبه، ليكون أطول من سجن الآخر. وقد روي عن ابن عباس: " ما كان الله لينقر عن قائل المؤمن " وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة جاء يوم القيامة على جبهته مكتوب آيس من رحمة الله " وعنه، عليه السلام، أنه قال: " كل ذنب عسى الله أن يغفره، الا من مات مشركا، أو قتل مؤمنا متعمدا " فإن طال سجن هذين المتهمين الطول الذي نوعناه ووصفناه، ولم يظهر في أمرهما أكثر من الشبهات التي ذكرت، وجب أن يحلف كل [184] واحد منهما عند انقضاء سجنه، بحكم اجتهاد القاضي، في أمره في مقطع الحق خمسين يمينا: أنه ما قتله، ولا أمر بقتله، ولا شاهد قتله، ولا شارك في قتله، ولا أعان في قتله، وأنه لبرئ مما نسب اليه من قتله ويزيد في آخر يمين من أيمان القسامة، أو يفرد اليمين بذلك يمينا واحدة: أنه ما أخذ مال المقتول، ولا شيئاً منه، ولا غاب منه على قليل ولا كثير ولا تصير اليه شيء منه بوجه من الوجوه، وأنه لبرئ مما نسب اليه من ذلك؛ فإذا حلف خلي سبيله، وان نكل عن ايمان القسامة وجب عليه البقاء في السجن حتى يحلف، وان نكل عن اليمين في المال الذي ادعى عليه به، وحقق عليه الورثة أخذه، حلفوا وأغرموه اياه، وان لم يحققوا ذلك عليه، ولم تكن الا التهمة والظن

166 - اختلاف شريكين في البقر

بأنه أخذ المال، فبنكوله يجب عليه الغرم، ولا تصرف اليمين عليهم. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [166]- اختلاف شريكين في البقر: وسئل الفقيه القاضي أبو الوليد ابن رشد شيخنا، رضي الله عنه، عن مسألة اشتراك، ونصها: الجواب، رضي الله عنك، في رجلين تشاركا في بقر، كان للواحد عشرون رأسا، وللآخر اثنان وعشرون رأسا فتشاركا على أن أخرج الواحد عشرين، والآخر عشرين، ويكون الرأسان الزائدان لصاحبهما، لم يدخلا في الشركة، ولا بينة على ذلك غير اقرارهما بذلك، فعطب من جملة البقر واحدة، فقال صاحب الاثنين والعشرين: الواحدة الميتة من الشركة وقال الشريك الآخر: الميتة من التي شطت لك وكتب بها من نظر البحيرة، عقب جمادى الآخرة، سنة ثمان وخمس مائة. فأجاب وفقه الله، على ذلك بهذا الجواب، ونصه: ما ضاع يقسم بنسبة الثلاثة أرباع والربع إذا كان الأمر على ما وصفت فعلى صاحب الاثنين والعشرين من مصيبتهما ثلاثة أرباعهما وعلى الشريك، الذي أنكر أن تكون من بقر الشركة ربعها، وذلك أن الشريك الذي له البقرتان الزائدتان، قال هي من جملة البقر المشتركة، بيننا، فقد أقر أن مصيبته

167 - خمس مسائل من موضوعات مختلفة

نصفها منه، ونفي أن تكون مصيبة النصف الثاني منه والشريك الآخر الذي لا زائدة له، نفى أن يكون من مصيبة البقرة منه شيء فتقرر في هلاكها على الشريك الذي أقر أنها من جملة الشركة نصفها ونفى النصف الثاني، ونفاه، أيضا الشريك الآخر، فيقسم بينهما على نصفين، نصفه على نافي الجملة ونصفه الثاني على نافي النصف الآخر، فتصير الثلاثة الأرباع عليه من مصيبتها، والربع على نافي الجملة. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. قال له بعض أصحابه: وهي مسألة الدينار، يختلط بمائة دينار لرجل، فيذهب منها دينار واحد، التي اختلف فيها ابن القاسم ومالك؟ فقال: هي مثلها ان شاء الله تعالى. [167]- خمس مسائل من موضوعات مختلفة وكتب، اليه رضي الله عنه، بعض الفقهاء شلب، حفظهم الله بخمس مسائل، يسأله عنها ونصها من أولها إلى آخر حرف فيها. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. [1]- من المدونة: عتق عبد اشتري من بيع فاسد، والمعتق لا مال له: الجواب: رضي الله عنك، في معنى المسألة الواقعة في كتاب العيوب فيمن أعتق غلاما، كان اشتراه شراء فاسدا، وقبل أن يقبضه المشتري من البائع أو بعد أن قبضه وزدت هذا الفصل في المسألة: " قبل أو

بعد للحاجة لبيان الفرق، أو التسوية بينهما. ثم نعود إلى المسألة، فقال في الكتاب: ان كان له مال جاز العتق وان لم يكن له مال لم يجز عتقه، فاختلفنا في معنى لفظ الكتاب وهو قوله: لم يجز عتقه وهو لا مال له، هل كان موافقا للشرع، لأن الجائز ما وافق الشرع، وغير الجائز ما لم يوافق الشرع، فهذا، لما لم يكن له مال وقت عتقه للعبد، ولا يوم الحكم فيه، والنظر، فعتقه غير جائز وغير موافق للشرع، فوقع باطلا، فلم يجز قط في هذا العبد عتق صحيح واذا لم يجز العتق فهو على حالة الأولى، من الرق بيع بيعا فاسدا، فيفسخ البيع بينهما، لأنه لم يفت. ولا يصح أن يقال: أنه يقدر فوات العبد بالعتق، وهو لم يجز فيه بعد منه شيء على حال، ولا يصح له عتق مال الغير؛ اذ لا مال له فيصح من أجله عتق، ويفوت به، ولا استقر له عليه ملك صحيح؛ لأن البيع الفاسد، إذا لم يقبض ولم يفت حتى عثر عليه، فكأنه لا ملك له عليه. وهذا هو قول بعض الأصحاب، وقال: إنه صميم المذهب، وما عداه خلاف وغير صحيح، والله أعلم. وقال بعض الأصحاب، أيضا: انه إن لم يكن له مال ير [185] العتق فإذا أراد العتق نظر فيه يوم الحكم، فإن كان في قيمته يوم

الحكم والنظر فيه فضل على قيمته يوم العتق، أو على ثمنه وكانت القيمة يوم العتق، والثمن سواء مثل أن يبتاعه بعشرة، وقيمته اليوم خمسة عشر، فإنه يحتاط للعتق، وأجعله مليا، من أجل تلك الفضلة التي فيه على القيمة زائدة، كأنه في التمثيل، أعتق عبدين، هو مليء بأحدهما، أو كأنه رجل أعتق عبدا له وعليه دين، يغترق ثلثه أو ثلاثة أرباعه، فيباع للدين، ويعتق ما سواه. فقال له صاحبه الأول: انما يصح هذا في المسألة الثانية، التي ابتاع بيعا صحيحا، في ذلك الباب نفسه، وهي قوله: أرأيت ان اشتريت عبدا، أيكون لسيده أن يمنعني من قبضه، في قول مالك، حتى أدفع اليه الثمن؟ قال: نعم. قلت: فلو أعتقه المشتري، بعد وجوب الصفقة، وقبل أن يدفع، فقال في آخر المسألة: " ان كان له مال جاز عتقه، وأخذ منه الثمن، وان لم يكن له مال لم يجز عتقه، فان أيسر قبل أن يباع عليه، وقبض العبد، فذكر أنه يباع عليه، ان كان قبض وأعتق، ولا مال له فظاهره: ان كان ثمن العبد كفافا نفذ بيعه ووجب رقه، وإن كان فيه فضل، عتق منه ما فضل عن الدين، ورق الباقي المبيع في الدين، وهذا، لأنه بيع صحيح، وملك صحيح، فالعتق صحيح، إذا قبض، على ظاهر المسألة، ولو لم يقبض لم يكن له بيعه على ما يظهر من سياق المسألة، فكيف بذلك في البيع الفاسد، مع أنا لو جوزنا بيع الفضلة، احتياطا للعتق، لكنا قد أجزنا البيع الفاسد، وحكمنا بانفاذه اذ جوزنا له بيعه قبل أن يفوت.

2 - من المدونة: مدى التناجز في بيع الطعام

[2]- من المدونة: مدى التناجز في بيع الطعام: ومسألة ثانية، وهي الواقعة في كتاب السلم الثالث: أرأيت الرجل يأتي إلى البياع بالحنطة، ليبتاع منه بها زيتا، فيكتاله على باب حانوته، ويدخل يخرج له الزيت؟ فقال: لا يفعل ليخرج ويكتاله ثم يتقابضان، فيأخذ ويعطي. فاختلفنا فيها، وذلك أن بعض الأصحاب قال: لا يجوز أن يأتي المبتاع بالحنطة رجلا فيساومه قبل أن يخرج البياع الزيت ولكن يحضر الزيت وحينئذ يتبايعان ويتساويان وينعقد البيع بينهما ناجزا بحضرة الطعامين، ثم يتكايلان، ويتقابضان، فيأخذ ويعطي، ولا يجوز ما قال صاحبه عنده، وهو عنده طعام بطعام غير يد بيد والذي قال صاحبه من ذلك انما هو أنه لا يمتنع أن يأتي المبتاع بالحنطة لحانوت الزيت، فيريه ذوق زيته، أو لم يره شيئاً وبقول له: عندك زيت؟ فإن قال له عندي، لم يمتنع أن يساومه ويتعاقدان البيع ويترك الحنطة عند صاحبها، لا يكتالها لنفسه ولا يقبضها منه حتى يخرج زيته ويكتاله، ثم يكتال الحنطة لنفسه أو يكتال الحنطة، قبل لنفسه ثم يكتال الزيت ثم يتقابضان، فيأخذ ويعطي، ولا يقال في هذا: أنه طعام بطعام غير يد بيد.

3 - من يغفل عن رفع رأسه من الركوع مع الامام

وفي الكتاب لفظ يدل على هذا القول الآخر وفيه لفظ آخر يدل على القول الأول فيتعلق به قائله، لأنه قال: " لا يفعل ولكن ليترك ثم يخرج الزيت، فيبايعه ويأخذ ويعطي " فقال لهم صاحب القول الثاني: ضيقتم واسعا، فإن الطعام مشبه بالصرف ومحمول عليه ويجوز في الصرف أن يصارف رجلا، ثم يتسلف أحدهما دراهم أو دنانير من رجل غيره، وهذه الدراهم غائبة. ويلزم على هذا أن يقول: انه ذهب بدراهم غير يد بيد وكان يلزم على قولكم ألا يجوز هذا الصرف، حتى يخرج هذا ذهبه ويسلف هذا دراهم، فاذا تسلف هذا وأحضر هذا ذهبه صارفه بعد ذلك، وتعاقدا الصرف اذ ذاك ولا يجوز أن يعقداه قبل. وقالوا: أنه لو تسلف الدراهم منه، وهو معه، في داخل الحانوت وقام اليه ليأخذها منه، لم يجز الصرف، وانما يجوز ذلك كان بجانبه بحيث يلحقه بيده أو يعطيها له من يد إلى يد، حتى تصل اليه ولا يقوم اليه. فهل هذا النوع من المفارقة، هي مفارقة تبطل الصرف أم لا؟ وهل في هذا رواية تتعلق بها أم لا؟ وهل لها حكم أم لا؟ [3]- من يغفل عن رفع رأسه من الركوع مع الإمام [186] ومسألة ثالثة الرجل المأموم يفتتح الصلاة مع الإمام، فيقرأ معه ويقوم ويركع ثم يسهو، ويغفل عن رفع رأسه من الركوع مع الإمام،

4 - من نام خلف الامام في الركعة الأولى أو غيرها

حتى يسجد السجدة الواحدة أو السجدتين، وهذا كله في الركعة الأولى. فاختلفنا فيها على قولين: منا من جعل الركوع كالقيام في الركعة الأولى ولا يتبعه، كما يفعل في الثانية والثالثة، إذا عقد الأولى ويلغيها ويدخل معه في عمله، حيث كان وقال هذا القائل: هذا مذهب المدونة والصحيح عليها. وقال غيره: ان الركوع في الأولى كرفع الرأس منها ويتبعه على كل حال كما لو رفع رأسه معه، ثم سها فيما بعد ذلك، من العمل عن اتباعه فإنه يتبعه، ما لم يعقد الثانية. [4]- من نام خلف الإمام في الركعة الأولى أو غيرها ومسألة رابعة قواه: " يتبعه مالم يرفع رأسه من سجودها " في مسألة الناعس من الكتاب فقيل: يتبعه بالركوع، ما لم يرفع رأسه من السجود وقال الغير قول ابن القاسم مثل قول ابن أبي زمنين، وأنه المذهب، وأن الاتباع بالركوع والسجود معا، ما لم يرفع رأسه من سجودها. بين لنا المذهب في ذلك، وما عسى أن يحتج له في ذلك. [5]- الفرق بين الحلف بالطلاق، والشفعة ومسألة خامسة، قوله: ان تزوجتك فأنت طالق، وقوله: ان اشتريت كذا فقد سلمت لك الشفعة. هل افترقت في اللفظ، ولذلك افترقت في الحكم أو افترقت في المعنى والحكم. بين لنا الجواب في ذلك موفقا مأجورا، على الحق معانا، ان شاء الله تعالى.

فأجاب وفقه الله، على ذلك بهذا الجواب، ونقلته من الكاغد القادم عليه بالسؤال، وفي باقي ظهره، وسائر باطنه، كان الجواب مكتوبا بخط يده، أعلاها الله. ونصه من أوله إلى آخر حرف فيه: تصفحت، أرشدنا الله واياك، سؤالاتك الواقعة في ظهر هذا الكتاب، ووقفت عليها، وعلى ما احتج به الأصحاب بعضهم على يعض فيها: [1] فأما المسألة الأولى منها وهي مسألة من اشترى عبدا بيعا فاسدا، فأعتقه، ولا مال له غيره فالصحيح من التأويل في معناها، على مذهب ابن القاسم في المدونة: أنه ان لم يكن في قيمته يوم الحكم فضل عن قيمته يوم العتق، لم يجز عتقه، وفسخ البيع فيه ورد إلى البائع وان كان في قيمته يوم الحكم فضل عن قيمته يوم العتق، بيع منه للبائع بقيمته يوم العتق واعتق الفضل، سواء، في مذهبه في المدونة، أعتقه قبل القبض أو بعده. ما يكون فوتا في عقود الملكية وانما قلنا: ان البيع يفسخ فيه، إذا لم يكن في قيمته يوم الحكم، فضل عن قيمته يوم العتق، ولم نقل: انه يباع للبائع في القيمة، لأن من مذهبه المعلوم أن العقود التي تنتقل بها الأملاك، لا تكون فوتا في البيع الفاسد، إذا رجع الملك إلى المبتاع بانتقاض العقد، أو بما سوى

بين لنا ذلك من مذهبه: قوله في المدونة، فيمن اشترى عبدا بيعا فاسدا، فباعه ثم اشتراه، أو رد عليه بعيب، وهو على حاله، لم يفت بحوالة سوق فما فوقه: ان البيع يفسخ فيه وقوله، فيمن اشترى عبدا بيعا فاسدا فكاتبه ثم عجز من ساعته، قبل أن تحول سوقه: ان البيع يفسخ خلاف قول أشهب في ذلك. فكذلك مسألتنا إذا انتقض العتق بسبب الدين، ورجع إلى ملكه، فسخ البيع فيه ورد إلى البائع وهذا بين. الأولوية بين العتق والدين وانما قلنا: انه يعتق ما كان من فضل فيه على قيمته يوم العتق ولم نقل ان كانت قيمته يوم العتق أكثر من الثمن، الذي اشتراه به وانه يعتق ما كان فيه من فضل على الثمن الذي اشتراه به ويتبع ببقية القيمة دينا في ذمته، لأن القيمة انما ترتبت في مته بنفس العتق ومذهبه في المدونة تغليب الدين على العتق، وتبدئته عليه، إذا وقعا معا. يبين ذلك من مذهبه فيها قوله في المقارض يشتري من يعتق على رب المال، وهو عالم: انه يباع منه لرب المال برأس ماله وربحه،

يريد: ان كان في المال ربح يوم الشراء، ويعتق الباقي، فبدأ الدين على العتق وان كان انما ترتب في ذمة العامل بنفس العتق. هل العتق قبض؟ [187] وانما قلنا: انه لا فرق على مذهب ابن القاسم بين أن يعتق العبد قبل القبض أو بعده، لأن من مذهبه أن العتق قبض، خلاف قول سحنون في ذلك، فإذا كان من مذهبه أن العتق قبض فلا فرق بين أن يوقعه قبل القبض أو بعده، على القول بتغليب الدين على العتق، إذا وقعا معا. وانما يفترق ذلك على ماله في كتاب ابن المواز من تغليب العتق على الدين، إذا وقعا معا، وهو أحد قولي أشهب في ذلك. فيأتي، على ما لإبن القاسم في كتاب محمد بن المواز، أنه ان أعتقه قبل القبض، ولم يكن فيه فضل عن الثمن، لم يجز العتق وفسخ البيع فيه ورد إلى البائع، وان كان فيه فضل عن الثمن، بيع منه للبائع بالثمن، وأعتق الباقي، واتبع البائع المشتري ببقية القيمة، إن كانت القيمة أكثر من الثمن. وان كان أعتقه بعد القبض، عتقه، واتبعه البائع بجميع قيمته، دينا ثابتا في ذمته. وياتي على مذهب أشهب المذكور مثل ما حكيته عن ابن القاسم في تفرقته بين أن يعتقه قبل القبض أو بعده، حاشا انه إذا أعتقه قبل القبض، ولم يكن فيه فضل عن الثمن، فرد عتقه، يباع للبائع، ولا يفسخ البيع فيه؛ لأن العتق على مذهبه فوت في البيع الفاسد، وان

انتقض من أجل الدين، خلاف مذهب ابن القاسم. وقد تقدم ما دل على ذلك من مذهبه، وهو مخالفته ابن القاسم في المسائل المذكورة. ولا يلزم على القول بتغليب العتق على الدين، إذا أعتقه قبل القبض أن ينفذ العتق ويتبع بجميع القيمة دينا في ذمته، لأن العبد ما لم يقبضه المبتاع فهو رهن في يد البائع بالثمن الذي وقع البيع به، فلا بد من تبدئته على العتق، قولا واحدا. وانما يحصل الخلاف فيما زادت القيمة يوم العتق على الثمن، وقد ذهب محمد بن المواز إلى أن الخلاف يدخل في ذلك من مسألة الدور وليس ذلك بصحيح، لما ذكرنا فهذا تحصيل القول وتحقيقه في هذه المسألة. وأما من اشترى عبدا بيعا صحيحا، فأعتقه، قبل القبض، أو بعده، ولا مال له غيره، فلا اختلاف في أنه يباع منه للبائع بالثمن، ويعتق الباقي، ان كان فيه فضل. وبالله التوفيق. [2] والمسألة الثانية، وهي مسألة المتبايعان بالطعام، فلا يجوز أن يعقد البيع بينهما قبل اخراج الطعام، واحضاره، فان فعلا ذلك فهو ربا، يجب رده، الا أن يقرب الأمر جدا فيمضي على كراهة. وأما المساومة من غير عدة قبل احضار الطعام، فلا بأس بها،

ولا مكروه فيها. فان تضمنت المساومة مواعدة أحدهما صاحبه باتمام البيع معه، على ما سمياه من السوم، ثم تعاقدا البيع، بعد حضور الطعامين، على العدة المتقدمة، وتناجزا فيه فذلك مكروه، ولا يبلغ به الفسخ. هذا الذي ينبغي أن يحمل ما في الكتاب عليه، ويرد بالتأويل الصحيح اليه، لأنه الفروع مردودة إلى الأصول، محمولة عليها، ولا حجة لمن ذهب إلى اجازة عقد التبايع بينهما في الطعامين، قبل احضارهما، أو احضار أحدهما، بمسألة كتاب الصرف التي ذكرت. والفرق بينهما أن الطعامين اللذين تبايعاهما معينان، فلا بد من احضارهما قبل العقد ولا يجوز أن ينعقد البيع بينهما على طعام معين، بطعام غير معين، والصرف جائز على دراهم بغير أعيانها، فلما جاز على دراهم بغير أعيانها استخف عقد الصرف وان لم تكن الدراهم في ملكه حين عقد البيع، إذا اتصل بذلك التناجز والقبض. والقياس قول أشهب أنه لا يجوز. وبالله التوفيق. [3] والمسألة الثالثة فيمن ادرك الركوع مع الإمام فسها، أو غفل عن رفع رأسه، حتى رفع الإمام رأسه وسجد، فإنه يتبعه في الأولى والثانية، ما لم يعقد عليه الإمام الركعة التي تليها.

ولا يدخل عندي، في هذا، الاختلاف في عقد الركعة هل هو الركوع او رفع الرأس منه. وبالله التوفيق بعزته. [4] والمسألة الرابعة، فيتبع الإمام إذا سها عن الركوع معه حتى ركع الإمام ورفع بالركوع والسجود، في الموضع الذي يتبعه فيه، ما لم يرفع رأسه من السجدة الثانية من تلك الركعة، أو لم يعقد عليه الإمام الركعة التي تليها. ولا وجه عندي للخلاف الذي ذكرته في هذا. وبالله التوفيق بعزته. [5] والمسألة الخامسة. والفرق، على مذهب مالك، بين قول الرجل: ان تزوجت فلانة فهي طالق، وان اشترى فلان شقصا كذا فقد أسقطت عنه الشفعة: ان الطلاق حق لله عز وجل لا يملك المطلق رده إذا وقع، ولا يستطيع الرجوع فيه برضا المرأة المطلقة، اذ ليس ذلك بحق لها، فيلزم بعد النكاح، كما ألزمه نفسه قبل النكاح، واسقاط الشفعة ليس بحق لله، عزوجل وانما هو الحق له، قبل المشتري، يصح الرجوع فيه برضاه، فلا يلزمه له الا بعد وجوبه له عليه. وبالله التوفيق.

168 - امام مجذوم تكره جماعته الائتمام به

[168]- امام مجذوم تكره جماعته الائتمام به وكتب اليه، رضي الله عنه: من مدينة مرسية بهذا السؤال، ونصه من اوله إلى آخره حرف فيه: جواب الفقيه الأجل، الإمام، قاضي الجماعة، وصل الله توفيقه، في امام لمسجد جماعة، ظهر عليها داء الجذام، عافانا الله منه، فكرهت جماعته الائتمام به لذلك، وذهبت إلى تأخيره عن الامامة، والاستبدال بامام آخر مكانه، وذلك بعد مدة مضت له، في امامتهم، وهو على تلك الحال. فهل ترى، رضي الله عنك، امامته جائزة بريئا أم لا؟ وهل ترى لهذه الجماعة اجباره على التأخير عن امامتهم أم لا؟ وكيف به - وصل الله توفيقك - ان ادعى أن الذي به غير الجذام، انما هو داء بزعمه، هل يكلف الأطباء النظر اليه حتى يتحقق ذلك فيه بقولهم أم لا يلزم ذلك إذ هذه الجماعة لا تقدح في دينه، ولا في معرفته بما يتناوله في امامته، من قراءة وغيرها، انا يعافون مرضه المذكور خاصة؟ فيبين لنا رضي الله عنك، القول في هذه المسألة، كل البيان، فانها نازلة بنا، وواقعة عندنا، موفقا مأجوراً ان شاء الله تعالى. يبعد الضرر عن الجماعة فأجاب أدام الله توفيقه، على ذلك بهذا الجواب:

تصفحت - عافانا الله وإياك - سؤالك هذا ووقفت عليه. وامامة المجذوم جائزة، لا اختلاف في ذلك بين أحد من أهل العلم لأن العيوب، التي تقدح في صحة الامامة، انما هي في الأديان لا في الأبدان، الا أنه إذا تفاحش جذامه، وقبحت منظرته، وعلم من جيرانه أنهم يكرهون امامته لتأذيهم بها في مخالطته لهم، بشق صفوفهم، في الدخول إلى المحراب والخروج عنه، فينبغي له أن يتأخر عن الامامة بهم. فقد قال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، للمرأة المجذومة التي رآها تطوف مع الناس: يا أمة الله، لا تؤذي الناس، لو جلست في بيتك لكان خيرا لك. فان أبي من ذلك ورافعوه إلى الإمام، قضي عليه بالتأخر عن امامتهم، إذا تبين له ما ذكروه من تأذيهم به؛ لأن المنع من اذاية المسلمين واجب وقد قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في حلول الممرض على المصح: " أنه أذى " وقال صلى الله عليه وسلم: " من أكل من هذه الشجرة، فلا يقرب مساجدنا، يؤذينا بريح الثوم " وهو أخف أذي. وبالله التوفيق، لا شريك له.

169 - حيازة بعض الصدقة

[169]- حيازة بعض الصدقة وكتب اليه، رضي الله عنه، من مرسية، أيضا، بهذا السؤال، ونصه من أوله إلى آخر حرف فيه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. الجواب، رضي الله عنك، في رجل تصدق على ابنه الكبير، المالك لأمره، بحديقة أرض وحديقة أعناب، ودور، وجزء في سد رحا على نهر. وأشهد الأب على نفسه بتبتيل هذه الصدقة لابنه، وأشهد الابن على نفسه بقبولها في صحة الأب، وجواز أمره، وانعقدت هذه الصدقة بغير البلد الذي هي فيه، وتعذر على الابن الخروج اليها؛ فوكل رجلا على احتيازها من يد أبيه، بواجب التوكيل، وخرج الأب إلى بلد الصدقة والوكيل معه، فلما قدم بلد الصدقة أحضر الوكيل شهودا، طاف بهم على جزء من الصدقة، وعاينوا تخلي الأب منه، في صحته، وجواز أمره، وبقي سائر الصدقة لم يقدر الوكيل على الخروج مع الشهود اليه، للتطوف عليه، لكونه في قطر مخوف، بسبب العدو، أهلكه الله، لا يأمن فيه من دخله، ولا يجتاز عليه أحد الا على غرر ومخافة شديدة. والأب المتصدق المذكور لم يعتمر هذا الموضع المخوف منذ ثلاثين [189] عاما العذر من خوف العدو.

170 - مصالحة أحد الورثة عن القسامة في التدمية

فكيف ترى رضي الله عنك، ان مات الأب قبل أن يحاز من يده هذا الموضع المخوف بتطوف الشهود عليه هل يكون الاشهاد بتبتيل الصدقة من الأب كافيا من ذلك، أم يبطل هذا الجزء بموته ولا يكفي الاشهاد؟ بينه لنا موفقا وكيف إن كان بين العلماء اختلاف في ذلك في هذه المسألة؟ وان رأيت وفقك الله، أن تبين لنا مذهبك في ذلك، وما تختاره من أقاويلهم، وتقلده، فعلت مأجورا. وهذا الجزء المخوف لا ينفرد به الأب وحده في التملك، وانما هو فيه شريك مع غيره على الاشاعة. فأشرح لنا - وصل الله توفيك - ذلك شرحا كافيا يعظم الله أجرك ويجزل ذخرك. فأجاب، وفقه الله بهذا الجواب: لا تبطل الصدقة إذا منع من الحيازة الخوف تصفحت رحمنا الله وإياك سؤالك هذا ووقفت عليه، واذا حال الخوف بين الوصول إلى موضع الأملاك المتصدق بها لحيازتها بالتطواف عليها، اكتفي بالاشهاد، ولم تبطل الصدقة ان مات المتصدق بها، قبل امكان الوصول اليها. هذا معنى ما في المدونة وغيرها. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [170]- مصالحة أحد الورثة عن القسامة في التدمية وكتب اليه وفقه الله أحد الفقهاء المشاورين بغرناطة -

حرسها الله وحفظهم - بمسألة تدمية نزلت عندعم، فأفتى فيها بعضهم بشئ لم يجد هذا السائل نصا، يسأله عن التدمية، وعن قتل من أفتى به منهم، وعما ظهر له هو فيها. ونص ذلك كله: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم. وقعت عندنا - أكرمك الله، ووفقك - نازلة أفتى فيها بعض الفقهاء بشئ لم أجده نصا ولا اتجه لي فيه معنى: وذلك أن رجلا أدمى على آخر عمدا، ومات، رحمه الله، وثبتت التدمية بما يجب، وسجن المدمى عليه، كما يلزم وكان للمقتول أب واخوة أصاغر، فوجبت على الأب القسامة وارجاء القسامة الغير، كما يجب. فلما أراد الأب أن يقسم، صالحه المدمى عليه على ترك القسامة بمال أخذه منه وتم الصلح، وقبض المال، وانطلق المسجون. فقامت والدة المقتول تطلب سدسها من ذلك، على وجه الميراث. فأوجب لها ذلك أولئك الفقهاء، ورأيت أنا في الجز الثالث من أحكام الدماء، من نوادر ابن أبي زيد، رحمه الله: قال ابن القاسم في أخوين أحدهما غائب، قتل لهما أخ، فوجبت القسامة، فصالح الحاضر القاتل على ترك القسامة بشيء أخذه منه، فلما قدم الغائب طلب نصيبه من ذلك فقال ابن القاسم: لا شيء له، قال ابن المواز: لأن الدم لم يجب، ولم يذكر ابن أبي زيد فيها خلافا. ومن كتاب الديات من المدونة دليل على مثل هذه الرواية، قال:

وذلك موروث إذا استحفوا الدم؛ فدل على أنه إذا لم يستحق الدم لا يورث. فبين لي - وفقك الله - ان كانت هذه الرواية مع الدليل مثل تلك النازلة أم لا، فان لم تكن فما الفرق؟ وان كانت فكيف تصح الفتوى بخلافها، الا أن يكون ثم قول آخر، أو دليل مثله فعسى؟ وهل يصح أن يرجع من نص إلى دليل يخالفه أم لا؟ اشرح لي، وذلك بخط يدك ليكون أبلغ في الاعتماد عليه والاحتجاج به موفقا ان شاء الله. فوقف رضي الله عنه على سؤاله وأجابه عليه بما هذا نصه: وقفت - أعزك الله بطاعته، وتولاك برعايته - على المسألة، التي ذكرتها في كتابك. للوالدة حظها مما صولح به عن القسامة والذي أقول به فيها: أن لوالدة المقتول ميراثها مما صالح به الأب عن الدم قبل القسامة، كما كان يجب ذلك لها، لو كان الصلح بعد ثبوت الدم بالقسامة؛ لأن ما صولح به عن الدم انما هو كمال للميت المقتول. ولا فرق بين أن يكون الصلح قبل وجوب الدم بالقسامة أو بعد وجوبه بها، أو بالبينة على معاينة القتل، أو باقرار القاتل به، فيما يجب للأم من الدخول فيه، لأن المصالح مقر أنه انما صالح عن حق يدعيه، فوجب للمرأة الدخول فيه باقراره لها بحقها فيه. كما لو ادعى أحد الورثة دينا للميت على رجل على حظه منه بشيء أخذه منه لسائر الورثة الدخول عليه فيه، كانت مصالحته اياه على الانكار، قبل ثبوت الدين، أو بعد ثبوته، أو على [190]

الاقرار الحكم في ذلك سواء: لأن المصالح مقر أنه انما صالح عن حق يدعيه، وذلك بين منصوص عليه، في كتاب الصلح من المدونة وغيرها. فرق بين المسألة ومسألة النوادر. والمسألة التي ذكرتها من النوادر مسألة أخرى؛ لأنه انما تكلم فيها على دخول أحد الوليين على صاحبه، فيما صالح به عن نصيبه من الدم لا على دخول الورثة من النساء عليه في فهي مسألة أخرى والاختلاف فيها منصوص عليه، على علمك، في كتاب الصلح من المدونة وغيره. فما في كتاب ابن المواز لابن القاسم هو مثل أحد القولين في المدونة. ويقوم من تعليل ابن المواز قول ثالث في المسألة، وهو التفرقة بين أن يكون الصلح قبل وجوب الدم أو بعده، وهي تفرقة استحسان؛ اذ لا تخرج عن أحد القولين. ولا يدخل شيء من هذا الاختلاف في وجوب دخول الأم على أحد الوليين فيما صالح به عن حظه من الدم ألا ترى أنه لو صالح أحد الوليين على حظه من الدم، بعد وجوبه لكان للأم ميراثها من ذلك على كلا القولين، في وجوب دخول الولي الآخر، الذي لم يصالح عليه، فيما صالح به عن حظه. وبالله تعالى التوفيق، لا اله الا هو.

اعتراض السائل على الجواب فلما وصل هذا الجواب اليه، ووقفت عليه، اعترض فيه باعتراضات وتأويل فصوله على ما ظهر اليه من التأويلات، وأملي في ذلك املاء طويلا نذكره، في كتاب وقفت به إلى الفقيه قاضي الجماعة أبى الوليد محمد بن رشد رضي الله عنه، المنعم عليه في مسألته بالجواب. ونصه من اوله إلى آخره: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. فلما وصل هذا الكتاب الي الفقيه قاضي الجماعة أبو الوليد ابن رشد، رضي الله عنه، ووقف عليه، زاد المسألة بيانا وكتب اليه بما أملاه فيها كتابا، نصه من أوله إلى آخر حرف فيه: الرد على الاعتراض بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم تسليما. يا سيدي، وأعظم عددي، وأقول عمدي، ومذخوري لأبدي الثابت في خلدي، والصفي له ودي ومعتقدي ومن أبقاه الله عليا قدره، ساميا ذكره، مبلغا أمله موصولا جذله، محفوظا له ما وهبه. وصل إلى - وصل الله نعمتك، وضاعف بمزيد حرمتك - من قبلك منذ مدة، كتاب مطول ضمنته جميع ما اعترضك فيما كان نفذ به جوابي اليك في مسألة ميراث ما صولح به من دم العمد قبل القسامة النازلة عندك بما شبه عليك فيها والتبس عندك من معانيها لاتباعك فيها ظواهر المسائل، التي ذكرتها على انها بينة واضحة.

وقد وقع في جوابي عليها من البيان ما يرفع عنها كل اشكال ولو تدبرته حق التدبر لما خفيت عليك صحته ولا وسعك الاعتراض عليه بشيء مما ذكرته من الكلام، الذي لا يصح عند التحصيل، ولا فيه وجه دليل. وانا أبقاك الله أزيد المسألة بيانا وأدل على صحة جوابي، ثم أعود إلى ما اعترضت به عليه، فأبين وجه الانفصال عنه ان شاء الله تعالى. يدخل النساء فيما صالح به أولياء الدم. فوجه القول في هذه المسألة أن تذكر الأصل بني الكلام فيها على صحته، وهي أن دية العمد، إذا قبلت، لا يختص بها الأولياء الذين لهم قيام بالدم ويملكون العفو عنه بل يكون موروثا بين جميع الورثة كسائر مال المقتول. فاذا صح هذا الأصل وجب أن يدخل جميع الورثة من النساء فيما صالح به الأولياء عن الدم كان صلحهم بعد وجوب القصاص لهم بالبينة على معاينة القتل، أو باقرار القاتل بالقتل، أو بالقسامة مع اللوث، أو ما يقوم مقامه عن التدمية، على مذهب مالك رحمه الله، ومن قال بها من أهل العلم أو قبل الوجوب لهم بالقصاص، كان معهم سبب يوجب القسامة لهم، أو لم يكن لهم سبب سوى مجرد الدعوى، مع التهمة التي توجب القسامة على القاتل، لأنهم مقرون انهم انما صالحوا من حق يدعيه فسواء أكان ذلك الحق ثابتا أو غير ثابت، فيما يجب للنساء من الدخول عليهم فيما صالحوا فيه.

هذا الذي يصح ويلزم على قياس مذهب مالك، وجميع أصحابه. ولا أعرف لهم في ذلك نص خلاف لأحد منهم في شيء من [191] مسأئلهم. وانما اختلفوا إذا صالح احد الموليين على حقه من الدم، هل للولي الآخر الذي لم يصالح، الدخول عليه فيما صالح به، ام لا على قولين، منصوص عليهما في المدونة وغيرها. ولم يختلفوا في ان للنساء الدخول عليه فيما صالح به، وسواء في هذا كان الصلح قبل القسامة او بعدها، لا يختلف ان لسائر الورثة من النساء الدخول فيما صالح به. ويختلف هل للولي، الذي لم يصالح، الدخول عليه فيما صالح به أم لا، على قولين: أحدهما ان له الدخول عليه فيما صالح به ويرجعان جميعا على القاتل بحظه من الدية، فيكون بينهما بالسواء، ان كان صالحه بمثل حظه من الدية فأكثر، وان كان صالحه بأقل من حظه منها لم يكن له من ذلك الا ما رجع به عليه. وهذا ان كان الصلح بعد وجوب الدم بالبينة أو بالقسامة، واما ان كان الصلح قبل القسامة فقيل: انه يرجع عليه فيما صالح به وقيل: انه لا يرجع عليه فيه ويقسم، فيأخذ حظه من الدية، ولا اختلاف في أن حظ سائر الورثة من النساء في ذلك كله واجب حسبما بيناه للمعنى الذي ذكرناه من أن المصالح مقر أن ما أخذه ثمن للدم الذي يجب للنساء الدخول فيه، على ما أحكمته السنة من أن الدية موروثة على الفرائض.

مسألة النوادر. وما حكيت أنه وقع في الجزاء الثالث من أحكام الدماء من نوادر ابن أبي زيد من قول ابن القاسم وتعليل ابن المواز له ليس بخلاف لشيء مما ذكرناه؛ لأن ابن القاسم لم يتكلم عن رجوع النساء على الأخ فيما صالح به وانما تكلم في رجوع أخيه الغائب عليه: أنه لا شيء له وذلك مثل أحد قوليه في المدونة. وتعليل ابن المواز لذلك بأن الدم لم يجب يحتمل بأن يكون تأول عليه: أنه انما وجب له الرجوع على أخيه من أجل أن الصلح وقع قبل القسامة؛ ولو وقع بعدها، لكان له الرجوع عليه؛ فيكون قولا ثالثا في المسألة على ما ذكرناه في جوابنا المتقدم على المسألة. ويحتمل أن يكون انما علل قول ابن القاسم بأن الدم لم يجب من أجل أنه أطلق القول بأنه لا شيء له، فحمله على ظاهره من انه لا شيء له على أخيه ولا على القاتل؛ لأن الصلح إذا كان بعد وجوب الدم، يجب له الرجوع على القاتل، ان لم يرجع على أخيه، وان رجع على أخيه رجعا عليه جميعا، وهذا كله بين والله أعلم والحمد لله مسألة كتاب الديات من المدونة: وأما المسألة كتاب الديات، التي احتججت بها فيما ذهبت اليه من انه لا شيء للام على الأب فيما صالح به قبل القسامة بأن قلت: قوله فيها: ذلك موروث إذا استحقوا الدم يدل على أنه إذا لم يستحقوا الدم لا يورث، فلا حجة ذلك فيها بل هي حجة لنا ودالة على

قولنا إذا تؤملت على وجهها، واعتبرت بنصها، وذلك انه قال فيها: فان عفا أحد الرجال، على أن يأخذوا الدية، فهي موروثة على فرائض الله تعالى، يدخل في ذلك ورثة المقتول رجالهم ونسائهم، فكذلك القسامة والقتل عمدا، ببينة تقوم سواء، إذا استحقوا الدم؛ لن الظاهر منها أنه تكلم أولا فيها على العفو على الدية قبل وجوب الدم، فقال: انها موروثة على فرائض الله تعالى، يدخل في ذلك ورثة المقتول رجالهم ونسائهم، ولذلك قال: بعد ذلك: وكذلك القسامة والقتل عمدا ببينة تقوم سواء إذا استحقوا الدم، كما تورث إذا وقع العفو عليها بعد استحقاقه بالقسامة، أو بالبينة. وهذا بين اذ لو تكلم، أولا، فيها على العفو، بعد ثبوت الدم بالقسامة أو بالبينة لما صح ان يقول، فكذلك القسامة والقتل عمدا ببينة تقوم سواء إذا استحقوا الدم، اذ لا يشبه الشيء بنفسه، فلا يصح أن يتأول هذا التأويل على مثله، في فهمه وعمله. تسمية الدية وقولك فيما استدللت به علينا: ان الدية لا تسمى دية الا بعد وجوب الدم لا يصح اذ لا يمتنع أن يسمى الشيء قبل وجوبه بما يسمى به بعد وجوبه، بل نقول: ان ذلك جائز في اللسان وموجود [192] في جميع الكلام ولو لم يصح ذلك صح لسائل سؤال ولا أمكن

لمسؤول افهام؛ إذ لابد للسائل، إذا سأل عن الشىء لا يعرف ان كان يجب أو لا يجب، أن يسميه، فيقول، هل يجب كذا، وكذا، أو لا يجب، فانكار هذا مستحيل لا يصح، ولو صح لما كان فيه حجة، ولا دليل؛ لأن الأحكام انما هي للمعانى، لا لمجرد الأسماء. ولو جعلت مكان لا يسمى، لا يجب، لصح الكلام، وان لم تكن فيه حجة ولا بيان. اختلاف الروايات عن مالك في دخول النساء وأما قولك: وقد اختلفت الرواية عن مالك، رحمه الله، في النساء هل لهن مدخل في الدم بعد الوجوب من قود، أو عفو على قولين، ولم يختلف قوله، إذا لم يجب أنه لا مدخل لهن في ذلك بحال، فلا يصح؛ اذ ليس الاختلاف الذي ذكرته في جميع المواضيع، اذ منها ما لا اختلاف في أنه لا مدخل لهن فيه، ومنها ما لا اختلاف في أن لهن فيه مدخلا، ولا حجة فيه، أيضا، في أنه لا دخول للورثة من النساء فيما صالح فيه الأولياء، قبل وجوب الدم: اذ لو كانت العلة في أنه لا دخول لهن فيما صالح عليه الأولياء قبل وجوب الدم أنه لا مدخل لهن في القيام بالدم والعفو عنه، قبل وجوبه؛ لوجب أن يدخل الاختلاف في دخولهن فيما صالح عليه الأولياء بعد وجوب الدم، ولا اختلاف في ذلك.

هل ما وقع عليه الصلح يسمي مالا؟. وأما قولك، بعد ذلك: وأما الصلح قبل وجوب الدم فلا يصح أن يقال فيه: انه مال، ولا في حكمه، ولا تصح الشركة فيه، فانه كلام لا شك في أنه وقع منك على غير تحصيل، اذ لا يشك أحد في أن ما صولح به من المال عن الدم، قبل وجوبه، مال من الأموال، فالقول انه ليس بمال مكابرة للعيان، وجحد للضرورة، ولا اشكال في أن الشركة تصح فيه، فقولك، انها لا تصح غلط ظاهر، وانما الكلام هل تجب فيه أم لا: فتجب فيه للذي لم يصالح من الأولياء، على أحد قولي ابن القاسم، كما تجب له إذا كان الصلح بعد وجوب الدم، حسبما ذكرناه. الاعتراض على التنظهير واعتراضك لتنظيرنا المسألة بمسألة دعوى بعض الورثة لدين بما ذكرته من الوجهين. غير صحيح، لأن الفرع انما يحمل على الأصل إذا وافقه في المعنى الموجب للحكم، وان فارقه في غيره، اذ لو وافقه في جميع الوجوه لكان هو بعينه، ولأن كونه غير منصوص عليه لا تبطل الحجة به، إذا وقع الاتفاق عليه، ولم يصح الاختلاف فيه، فتتبع جميع ما ذكرته في كتابك يطول. وفيما ذكرناه منه كفاية، ان شاء الله تعالى.

171 - الوضوء بماء تغير أحد أوصافه

اغرب احتجاج: ومن أغرب احتجاجك علينا فيه قولك: انه لو كان ذلك لم يخف على أبي محمد بن أبي زيد، غالبا، وهو لم يذكر فيها خلافا، فجعلت سكون ابن أبي زيد عما لم يتكلم عليه حجة وما جعل الله قوله، ولا قول غيره من البشر، سوى صاحب الشرع، صلى الله عليه وسلم حجة، فكيف سكوته!. الاحتجاج بقاعدة الأصل براءة الذمة: وأما ما ختمت به كلامه من أن الأصل براءة الذمة من شىء وجب للأم على المدعى عليه أو على الأب، فمن ادعى خلافه فعليه الدليل. فان هذا ينعكس عليك، بأن يقال: ان الأصل وجوب دخولها فيما صولح به عن الدم، بماا حكمته السنة، من أن الدية موروثة على سبيل الفرائض، فمن ادعى اخراجها من ذلك فعليه الدليل. والله، عز وجل، الموفق للصواب، والهادى اليه برحمته، لا رب سواه. [171]- الوضوء بماء تغير أحد أوصافه: وسئل الفقيه القاضى أبو الوليد ابن رشد، رضي الله عنه، عن الوضوء بماء قد خالطه ما يغير أحد أوصافه، وكثيرا ما ينزل. ونص السؤال: جوابك - رضي الله عنك - في رجل أتي، للوضوء، لاحدى هذه القنوات، التي حول المسجد الجامع صانه الله، والميضات، فوجد ماءها يجري وقد خالط الماء نشارة الأرز وطعمه، حتى لا يكاد يقدر على شربه، هل يستعمل أم لا؟

وكذلك الانسان يشتري الكوب للبئر، فيرجع طعم الماء طيب الأرز، وكذلك الحبل الجديد النهر الاعظم: نهر قرطبة، في أيام الصيف، تنفع الكتان فيه من رشتشان إلى أسفل المدينة، فتجد طعمه متغيرا بالجملة، ورائحته كذلك، وربما تغير لونه، هل يستعمل هذا كله أم لا؟ يتوضأ بماء لم يتغير أحد أوصافه: فأجاب، وفقه الله، على ذلك بهذا الجواب / تصفحت سؤالك هذا، ووقفت عليه. ولا تصح الطهارة من الأحداث ولا الأنجاس الا بالماء الذي لم يتغي أحد أوصافه بشىء طاهر، أو نجس، حل فيه، فاذا كان ماء القناة قد تغير بما كان خالطه من نشارة الأرز، فلا يصح استعماله في شىء من ذلك، وكذلك الماء المستقر في حواشي النهر المتغير من الكتان المنقوع فيه. وأما الماء يسقى بالكوب الجديد، أو الحبل الجديد، فلا يجب الامتناع من استعماله في الطهارة الا أن يطول مكث الماء في الكوب، أو طرف الحبل فيه، حتى يتغير من ذلك تغييرا، بينا، فاحشا. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له.

172 - الوضوء بماء متغير بالتراب

[172]- الوضوء بماء متغير بالتراب وسئل، أيضا، رضي الله عنه، عن الوضوء بماء وقع فيه تراب ونص ذلك: جوابك رضي الله عنك، في رجل أخذ إناء من ماء، ليتوضأ به، فسقطت فيه من حائط إلى جانبه مدرة من تراب، فتغير الماء، هل يتوضأ به أم لا؟ فأجاب: لا حكم لتغير الماء من التراب، فوضوءه به جائز. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [173]- حول حديث الرجلين اللذين مر بقبرهما النبي صلى الله عليه وسلم وهما يعذبان وسئل، رضي الله عنه على معنى قوله عليه السلام في القبرين اللذين مر بهما، وهما يعذبان، فقال: أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، ما معنى قوله: لا يستتر من البول ان كان أراد ستر العورة، وان كان أراد النجاسة. فأجاب: المراد بذلك التوقي من البول. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له:

174 - استعمال ماء بئر سقط فيها هر

[174]- استعمال ماء بئر سقط فيها هر وسئل، رضي الله عنه، عمن توضأ بماء سقط فيه هر، ومات، ولم يعلم ذلك الا بعد أيام. ونص السؤال: جوابك، رضي الله عنك، في رجل كان له قط، ففقده من داره، عند صلاة العصر، ثم انه توضأ من ماء بئر داره، للعصر، وللمغرب، وللعشاء، ثم أجنب تلك الليلة، فتطهر من ماء تلك البئر، ثم صلى صلاة الصبح، وعجن من ذلك الماء خبزه، ثم بقي يومين، فلما كان في اليوم الثالث، بعد صلاة الصبح، وجد القط في البئر ميتا. ما ترى على الرجل المذكور في وضوئه، وغسله وعجينه هل عليه إعادة الصلاة، والطهر، أو اعادة أحدهما دون الآخر، وما يصنع بما بقي من الخبز؟ أفتنا بالواجب في ذلك، يعظم الله أجرك. فأجاب، وفقه الله، على ذلك بهذا الجواب، ونصه: ان كان الماء لم يتغير أحد أوصافه من ذلك، فيعيد الغسل، ولا يعيد من الصلوات الا ما كان في وقته، وينضح من ثيابه، ما أصابه شىء من ذلك الماء، وما بقي من الخبز الذي عجنه به، فلا يؤكل، ولا بأس أن يطعم البهائم. وبالله تعالى التوفيق لا شريك له. [175]- مستنكح بهبوط نقط البول بعد الوضوء. وسئل، رضي الله عنه، عن رجل يجد النقطة بعد وضوئه، ونص السؤال:

176 - الوسوسة من نقطة بول قد تخرج بعد الوضوء.

جوابك رضي الله عنك، في رجل يخرج من بيت الماء وقد استنجى بالماء، ثم توضأ، فيكون في الصلاة أو سائرا اليها، فيجد نقطة هابطة، فيفتش عليها، فتارة يجدها، وتارة لا يجدها، ويعتريه ذلك يكاد في كل صلاة، فيحصل له من ذلك - ان لم يتحفظ - أن يعيد الوضوء من مس ذكره، ويجد من ذلك في نفسه وجدا عظيما. فأجاب، وفقه الله، على ذلك بهذا الجواب، ونصه: إذا اعتراه ذلك كثيرا، كما ذكرت، فلا يلتفت اليه، ويتمادى على صلاته، لأن ذلك علة، قد استنكحته، ودين الله يسر. والله ولي التوفيق، لا شريك له. [176]- الوسوسة من نقطة بول قد تخرج بعد الوضوء. وسئل، رضي الله عنه، عن الرجل يستنجي بالماء، ثم يخاف أن يهبط نقطة فتحدث له شغلا. ونص السؤال: جوابك - رضي الله عنك - في الرجل يستنجي بالماء، ثم يريد الوضوء، فيعلم من نفسه أنه لابد أن يهبط له بعد ذلك نقطة من بول يقوم، وينزل، ويصعد وينحدر، كي تهبط، وحينئذ يتوضأ، أيصلح هذا أم لا؟. فأجاب: لا ينبغي له أن يفعل شيئاً من ذلك، لأن هذا وشبهه انما هو سواس من الشياطين، فاذا لم يلتفت اليه، وتهاون به، انقطع عنه، ان شاء الله.

177 - من احتلم أو جامع، ولم ينزل الا بعد الوضوء.

وبالله التوفيق، لا شريك له. [177]- من احتلم أو جامع، ولم ينزل الا بعد الوضوء. وسئل رضي الله عنه، عن رجل احتلم، ولم ينزل حتى قام وتوضأ للصلاة. ونص السؤال: جوابك، رضي الله عنك، في رجل احتلم، وهم أن ينزل، فانتبه أو أنبه، فلم ينزل شيئاً؛ فلما كان بعد أن قام، وتوضأ للصلاة، أنزل. هل عليه غسل أم لا؟ وكيف ان جامع / أهله، فقطع عليه، أو اكسل، فاغتسل، فلما كان بعد الغسل أنزل، هل عليه غسل ثان أم لا؟ فأجاب وفقه الله، على ذلك: أما الذي احتلم ولم ينزل، حتى استيقظ وتوضأ، فعليه الغسل. وأما الذي جامع ولم ينزل حتى اغتسل فليس عليه الا الوضوء. وقد قيل: يعيد الغسل. والقول الأول أظهر، والله أعلم. وبه التوفيق، لا شريك له. [178]- المرور أمام من يقضي فائته بعد سلام الإمام وسئل رضي الله عنه، عن الرجل يجبر ما فاته من الصلاة، هل له ان يمنع من يمر بين يديه أم لا؟ وهل المار آثم في مروره أم لا؟. ونص السؤال: جوابك، رضي الله عنك، في رجل فاتته، من الصلاة مع الإمام، ركعة أو ركعتان، فلما سلم الإمام، قام ليجبر ما فاته، فمر

179 - من وجد الامام في الظهر فتذكر أنه لم يصل الصبح

عليه انسان، هل له أن يمنعه، أم لا يمنعه؟ وهل يكون حكمه في قضائه، كحكمه مع امامه؟ وهل يكون المار بين يديه مأثوما أم لا؟ فأجاب وفقه الله: إذا قام لقضاء ما فاته من صلاته، فان كانت بقربة سارية سار اليها، وكانت سترة، له، في بقية صلاته، وان لم تكن بقربة سارية صلى كما هو، ودرأ من يمر بين يديه، وما استطاع. ومن مر بين يديه فهو آثم، وأما من مر بين الصفوف إذا كان القوم في الصلاة مع امامهم فلا حرج عليه في ذلك، لأن الإمام سترة لهم. وبالله التوفيق لا شريك له. [179]- من وجد الإمام في الظهر فتذكر أنه لم يصل الصبح وسئل، رضي الله عنه، عن الذي يجد الإمام في صلاة الظهر، فيتذكر هو أنه لم يصل الصبح من يومه، أين يصليها، ونص السؤال: جوابك، رضي الله عنك، في رجل دخل المسجد فوجد الإمام يصلي الظهر، فتذكر أنه لم يصل الصبح، فصلاها وراء الإمام وحده سريعا، ثم دخل مع الإمام، أو صلاها في فناء الجامع، ثم دخل معه، هل يجوز له بذلك أم لا؟ فأجاب: لا ينبغي له أن يصلي الصبح، والامام في صلاة الظهر في المسجد، ولا في شىء من أفنيته، التي تصلي فيها الجمعة.

180 - يرخص لمتعاهد القرآن ألا يكون على وضوء.

وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [180]- يرخص لمتعاهد القرآن ألا يكون على وضوء. وسئل رضي الله عنه، عن الذي يتعاهد، دراسة القرآن، كثيرا في المصحف وعلى المؤدب يشكل ألواح الصبيان ويمس المصاحف كثيرا هل لواحد منهما سعة ان يكون في تلك الحال على غير وضوء ام لا. ونص السؤال. جوابك، رضي الله عنك في رجل يريد دراسة القرآن، وتعاهده، في كل حين، في المصحف، أو المؤدب يؤدب الصبيان، ولابد له من إمساك المصحف، ولا يقدر على الوضوء في كل حين، لا سيما في البرد؛ هل له أن يمسكه، على غير وضوء أم لا؟ وكيف بالألواح التي يكتبها الصبيان، فيمحصها هو، ويشكلها هل هي بمنزلة المصحف أم لا؟ بين لنا ذلك. فأجاب وفقه الله، على ذلك: لا يجوز لأحد مس المصحف الا على طهارة وقد رخص للذي يتعلم القرآن أن يقرأ في اللوح على غير وضوء، وللمؤدب أن يشكل الواح الصبيان على غير وضوء لما عليهم من الحرج في التزام الطهارة لذلك، أعني طهارة الوضوء. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له.

181 - زكاة الدينار المشوب بالنحاس.

[181]- زكاة الدينار المشوب بالنحاس. وسئل رضي الله عنه، هل تجب الزكاة في عشرين دينارا شرقية أو ما يشبهها كما يجب في الذهب الخالصة، أم لا؟ ونص السؤال: جوابك - رضي الله عنك - في رجل له عشرون دينارا شرقية، أو عبادية، هل عليه فيها زكاة أم لا؟ وكيف ان كانت الشرقية، أو العبادية، أربعين مثقالا، هل فيها زكاة، أم لا؟ فأجاب وفقه الله، على ذلك بأن قال: لا تجب الزكاة من الذهب الا في عشرين مثقالا، من الذهب الخالصة؛ كالمرابطية وشبهها، فاذا كانت مشوبة بنحاس أو غيره، لم تجب الزكاة فيها؛ حتى يكون ما فيها من الذهب وزن عشرين مثقالا. وقد قيل: ان الزكاة تجب في عشرين مثقالا، وان كانت مشوبة بنحاس أو غيره، والأول هو الصحيح. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [182]- تحويل دين على فقراء إلى زكاة وسئل رضي الله عنه، عن الرجل تكون له دراهم عند أناس ضعفاء فيحول عليه حول الزكاة فيريد أن يتركها لهم، عوضا عن زكاته هل يجوز له أم لا؟ ونص السؤال:

183 - مضطر للشرب في رمضان يجامع ويأكل

جوابك - رضي الله عنك - في رجل له على انسان درهمان، وعلى آخر أربعة دراهم، وعلى ثالث عشرة دراهم، فلما حال عليه وقت الزكاة، رأى أن هؤلاء الذين عليهم الدين، أهل قلة فأراد أن [195] يتركها لهم، ويقطعها من زكاته، هل له ذلك أم لا؟ وكيف ان كانت زكاته كلها؟. فأجاب، رضي الله عنه، على ذلك: لا يجوز أن يعد ذلك من زكاته، ولا يجزئه إن فعل. وبالله التوفيق. [183]- مضطر للشرب في رمضان يجامع ويأكل وسئل رضي الله عنه، عن الرجل الذي يصبيه العطش الشديد في رمضان فيفطر، ويأكل بقية يومه ويجامع أهله ماذا يجب عليه؟ فأجاب على ذلك بهذا الجواب، ونصه. قد اختلف في هذا، والصحيح أن عليه القضاء والكفارة، الا أن يكون متأولا، يرى أن ذلك يجوز له. وبالله ولي التوفيق برحمته، لا شريك له. [184]- صائم يسيل منه مذى لنظر أو تذكر، دون إنعاظ. وسئل، رضي الله عنه، عن الصائم، أو يتدكر، أو ينظر ولا ينعظ، ثم يجلس ساعة ويهبط منه مذي، وهو في هذا يكاد أبدا، وقد لا يقصد.

185 - هل يجب الصيام على من عمره ثلاثة عشر عاما؟.

فقال وفقه الله: يجب عليه القضاء، ان كان في رمضان، أو صيام واجب. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [185]- هل يجب الصيام على من عمره ثلاثة عشر عاما؟. وسئل أصبغ بن محمد عن صبية من ثلاثة عشر عاما، وأنبتت ونهدت فلم الحيض، هل يلزمها الصيام أم لا؟ فقال: لا يلزمها الصيام، ان شاء الله تعالى. [186]- مضطر لوضع الدواء على ضرسه في رمضان وسئل، عن الرجل يقلع ضرسه من وجع به، فلا يفتر الوجع من الموضع الا بدواء يضعه عليه، كيف يفعل رمضان؟ ونصه. جوابك، رضي الله عنك في رجل قلع ضرسه من وجع به مدة وبقي في المكان ثقب مع وجع عظيم فإذا جعل في المكان حبة لبان زال وجعه، ومتى زالت عاوده وجع عظيم، لا يفتر، كيف يصنع في رمضان، في الصيام، هل يزيلها أم لا؟ فأجاب، رحمه الله إذا كانت حاله على ما صفت، فله سعة في أن يضع اللبان في الضرس في رمضان، ويقضي ذلك اليوم، الذي اضطر فيه إلى ذلك. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له.

187 - نكاح السكران وطلاقه.

[187]- نكاح السكران وطلاقه. وسئل رضي الله عنه، عن نكاح السكران وطلاقه، هل هما جائزان عليه لا زمان له، أم لا؟. فقال طلاقه جائز عليه ولازم له، نكاحه غير جائز وفي ذلك اختلاف. بالله التوفيق. [188]- من حلف بالايمان اللازمة اللازمة، ثم تبين أن ما حلف عليه كان حلما. وسئل رضي الله عنه، عن الذي يحلف، بالايمان اللازمة، على الشيء يظن أنه كذلك، ثم يتذكر أنه كان في النوم. ونص ذلك: جوابك رضي الله عنك، في رجل وقعت بينه وبين آخر مكابرة في رجل ذكراه، فقال احدهما، قد توفي، رحمه الله، وقال الآخر: بل هو حي، فلم يزالا كذلك حتى أحدهما بالأيمان تلزمه: لقد هو حي ولقد كلمته البارحة، فقيل له من كل جانب: بل هو ميت، ثم أفكر ساعة، وقال: لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم والله ما رأيته، ولا كلمته، الا في المنام، ما يلزمه من الطلاق أو غير ذلك؟ فأجاب رحمه الله: يلزمه الطلاق ثلاثا، وسائر ما يلزمه في الايمان

189 - بيع السلعة مرابحة عدة مرات

اللازمة الا كفارة اليمين بالله تعالى، لأن يمينه لغو واللغو لا يكون الا في اليمين بالله عز وجل. وبالله تعالى التوفيق. [189]- بيع السلعة مرابحة عدة مرات: وسئل، رضي الله عنه، عن الرجل يبيع السلعة بثمن، ثم يبتاعها من مبتاعها منه بأقل من الثمن الذي كان باعها به منه بأي الثمنين يعرف من أراد شراءها منه؟ ونص السؤال: جوابك، رضي الله عنك، في رجل تاجر، باع سلعة، مرابحة بمثقال، ربح الدرهمين، وقبض الرجل المبتاع السلعة، فلما كان بعد ذلك بيوم أو نحوه، أتاه الرجل فقال له: ان السلعة التي بعت مني، لم تصلح لي، ولكن أخلي لك الربح، واصرف الي المثقال، ففعل. كيف يعرف التاجر بشراء السلعة، هل يردها إلى الشراء الأول، أو إلى الشراء الثاني أم كيف يفعل؟. فقال لا يجوز له أن يبيعها مرابحة الا على المثقال الذي اشتراها به آخرا من المبتاع، وبالله التوفيق. [190]- بيع بالمثقال العبادي، واقتضاء بالمثقال المرابطي وسئل، رضي الله عنه عن رجل اشترى سلعة بمثقال غير ثمن، فلما جاء ليقضي الثمن قال للبائع: عندي مثقال مرابطي، وزنته مثقال

191 - بائع يبيع سلعة نقدا، ثم يشتريها نسيئة.

غير ثمن في مالك عندي، هل يجوز ذلك أم لا؟. فقال رحمه الله: ذلك جائز. وبالله تعالى التوفيق. [191]- بائع يبيع سلعة نقداً، ثم يشتريها نسيئة. وسئل، رضي الله عنه، عن الرجل يبيع سلعته، من رجل آخر، ثم يريد أن يشتريها منه، بنسية، هل يجوز ذلك أم لا؟ ونص السؤال: جوابك، رضي الله عنك، في الرجل، يبيع سلعته في السوق من تاجر، فاذا قبض ثمنه، قال: أريد أن تبيعها مني إلى أجل، وأقدم اليك من ثمنها شيئاً، أو لم يقدم، هل يجوز ذلك أم لا؟. فأجاب رحمه الله، على ذلك بهذا الجواب، ونصه: ان كان اشتراها لنية حدثت له في ابتياعها، بعد أن باعها منه، [196] وانتقد الثمن وهو لا يريد ابتياعها، جاز ذلك، وإلا لم يجز. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [192]- بائع يبيع دارا نقدا ثم يشتريها، بزيادة نسيئة. وسئل، رضي الله عنه، عن رجل باع دارا بمائة، نقدا، فلما قبض الثمن: قال للمشتري: أتبيعها مني بمائتين إلى عام، أيصلح ذلك أم لا؟ وهي مثل المسألة التي قبلها. فأجاب رحمه الله، على ذلك: الجواب في هذه المسألة كالجواب في المسألة التي تقدمت في بطن

هذا الكتاب، وهي الذي يبيع من التاجر السلعة بنقد، ثم يشتريها منه، بأكثر من الثمن إلى أجل. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. كيفية كتابة الاسئلة والاجوبة. قال القاضي أبو الوليد ابن رشد شيخنا، رضي الله، في نفس هذا الجواب، المذكور آنفا انها التي تقدمت في بطن هذا الكتاب، معناه: أن هذا الجواب كان سئل عنه في ظهر ورقة كبيرة كان سئل فيها عن جملة مسائل كثيرة، مختلفة حتى ملئت الورقة بطنا وظهرا، فوقع السؤال الأول، الذي تقدم في الصفح الآخر قبل هذا، في بطن تلك الورقة وهذا السؤال الثاني - وهو مسألة الدار في الظهر فاحتاج أن يقول في جوابه: في بطن هذا الكتاب، لهذه القصة التي نبهت عليها. ونقلت أنا جوابه هذا، مع غيره من الأجوبة، من تلك الورقة بعينها، ولم أغير شيئاً من كلامه، ولفظه، على ما ثبت فيها بخط يده، المباركة. وبالله تعالى التوفيق، والحمد لله.

193 - بيع سلعة بخدمة تقتضي تدريجيا.

[193]- بيع سلعة بخدمة تقتضي تدريجياً. وسئل رضي الله عنه، عن رجل باع سلعة من رجل، وأراد أن يقطع ثمنها، شيئاً بعد شيء، في ثياب يعطيها اياه يصبغها له. ونص السؤال من أوله إلى آخر حرف فيه: جوابك في رجل باع سلعة من صباغ بعشرة مثاقيل أو نحوها، وقال له: تصبغ لي في هذه العشرة المثاقيل ملاحم وعلى هذا تم البيع بينهما وعلى أن يعطيه صاحب السلعة نصف ثمن ما يصبغ، ويقطع له النصف الثاني ان صبغ ثيابا بمثقالين، أعطاه مثقالا وقطع له مثقالا، حتى يتم ثمن السلعة، وثمن الصبغ معلوم بينهما، وهو كسوتان ونصف من سمائي أو أحمر بمثقالين والأخضر ثلاث كسى بمثقال، والكسوة من أربعة وعشرين ذراعا، هل يجوز ذلك كله أم لا؟ وكيف وجه العمل في ذلك؟ فأجاب وفقه الله، على ذلك بهذا الجواب ك لا يجوز ذلك، لأنه يدخله غير ما وجه من الفساد، من ذلك الدين بالدين، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الكالئ بالكالئ. [194]- بيع السلعة إلى اجل على أن يكون الثمن خدمة وسئل، رضي الله عنه، عن رجل اشترى سلعة من رجل، بثمن

195 - الغش في الثياب المحشية

معلوم، إلى أجل معلوم، وأراد هذا المشتري أن يدفع اليه البائع ثيابا يخيطها له وينقطع أجرها من الثمن الذي عليه، ليخف عنه، والبائع يريد ذلك، وهذا كله قبل الأجل، وكيف ان كان بعد الأجل، هل يجوز شيء من ذلك أم لا؟ فأجاب، رحمه الله، بما هذا نصه: لا يجوز ذلك، حل الأجل، أو لم يحل الا أن يخيط له، أو يصبغ له على غير شرط، ثم يتحاسبا بعد ذلك. وبالله التوفيق، لا شريك له. [195]- الغش في الثياب المحشية وسئل، رضي الله عنه، عن مسألة من الغش الذي لا يجوز، وهي مما تسامح به أهل اقامة المحاشي في الأسواق، وحتى صارت عندهم عرفا. ونصها من أولها إلى آخرها: جوابك، رضي الله عنك، في رجل يقيم المحاشي، للبيع، ولها سيرة معلومة، وذلك أن أبدان البطائن يجعلونها من جيد الثياب من أجل ظهورها، وأكمامها من ردئها، لخفايها، ويقطنها القطان وقد علم السيرة، فيجعل جل القطن في مواضع التقليبات من المقدم، والأعمدة، ثم يترك من القطن شيئاً من ناحية

196 - بيع المصاحف والكتب الملحونة.

النواحي ليأخذه الخياط ويجعله في المناكب والمواضع التي يمسك بها المحشو إذا نشر ثم يدخله في السوق، ويبيعه، والتاجر يعلم ذلك كله بل يأمر به ليشتريه البدوي، أو من كان عليه شراؤه، هل يجوز ذلك أم لا؟ فقال، رحمه: هذا من الغش الذي لا ينبغي، ولا يجوز، وقد قال النبي عليه السلام: " من غشنا فليس منا ". فمن أراد التخلص لم يفعل شيئاً مقاما على هذه الصفة، في اقامته فان اشترى مقاما على هذه الصفة، بين ذلك على المبتاع، عند البيع. وبالله التوفيق. [196]- بيع المصاحف والكتب الملحونة. وشئل، رضي الله عنه، عن رجل اشترى مصحفا، أو كتابا، فوجده ملحونا كثير الخطأ غير صحيح ويريد أن يبيعه هل عليه أن يبين، وإن بينة لم يشتر منه؟ فأجاب على ذلك بأن قال: لا يجوز أن يبيع حتى يبين بذلك [197] وبالله التوفيق. [197]- الغش في بيع الملابس البالية. وسئل عن مسألة من البيوع المغشوشة، ونصها: جوابك رضي الله

198 - بيع الطعام مع تأخير رد الصرف

عنك، في الرجل عنده الثوب أو الغفارة، فيكون فيها مكان مرفو يظهر فيأخذه ويصلحه، بأن يمشي عليه ما يلزمه ويخفيه، ان كان سمائيا، مشي عليه شيئاً من مداد أو نحوه، وان كان أحمر مشي عليه زعفرانا، أو عكرا، ويبيعه في الشوق، ولا يعرف به غير أنه لا يخفي على المشتري موضع الرفو، ولكن لو تركه على لونه لنقص من ثمن وكذلك الخياط يأخذ ملحفة باليه من قطن فيصبغها، يكمدها، ويصنع منها محاشي، ويبيعها وملحفة باليه من كتان، ليكمدها ويصنع منها شراويل، ويبيعها، وهي في ظرهرها جدد، ولا يعرفها الا التاجر فقط هل يجوز شيء من ذلك؟ فاجاب رحمه الله: إذا وقف التاجر على ذلك وأحاط علما بجميعه، فلا شيء على البائع، ويجب على التاجر ان يبين بجميع ذلك إذا باع. وبالله التوفيق، لا شريك له. [198]- بيع الطعام مع تأخير رد الصرف وسئل، رضي الله عنه، عن رجل اشترى مدي طعام بمثقالين غير ربع مثقال، ودفع إلى البائع مثقالين، ولم يرد اليه صرف الرباعي بحضرة ذلك فدخله الصرف، المتأخر. ونص السؤال: جوابك، رضي الله عنك، في رجل اشترى مدي طعام، بمثقالين غير ربع مثقال، فدفع اليه مثقالين، على ان يدفع اليه صرف

199 - تسجيل العملة في عقد البيع، والقضاء بغيرها

الرباعي، وشرع في أخذ الطعام، وصار في منزل المشتري، ثم قال له أعطني صرف الرباعي، فقال: والله ما عندي ردهم، في وقتي هذا وظن المشتري انه لا يجهل هذا، فاستحيى منه ولم تكن له حيلة. بين لنا ما في ذلك، وكيف المخرج منه؟ وهل له أن يأخذ منه في ثمن الربع مثقال، طعاما أم لا؟ وقد ساله بعد ذلك أن يمسك من المثقالين واحدا، يحضره عند وزن صرف ربع المثقال، فقال: قد دفعتهما في دين كان علىُّ. وقد صار القمح في ظروف، وفي مكان يتعذر عليه اخراجه منه. وان كان يفسخ؟ والأمر موقوف حتى تفتينا بالواجب فيه يعظم الله أجرك. فقال رحمه الله: ان كان انعقد البيع بينهما في الطعام على الن يدفع المبتاع إلى البائع المثقالين، ويرد اليه صرف ربع المثقال، فدفع اليه المثقالين، ولم يرد اليه صرف ربع المثقال بحضرة ذلك، على ما ذكرت فالبيع منتقض لا يجوز، يرد المبتاع الطعام إلى البائع، ويتبعه بذهبه ولا يجوز لهما أن يمضيا أن يمضيا البيع، ويأخذ منه بربع المثقال، طعاما. وبالله التوفيق، لا شريك له. [199]- تسجيل العملة في عقد البيع، والقضاء بغيرها وسئل، رضي الله عنه، عن الرجل يبيع سلعته، إلى أجل، بمثقال

200 - حوالة بالدرهم عن الدينار

غير ربع أيكتب على المشتري مثقالا غير ربع المثقال، او صرفه يوم وقعت الصفقة؟ وما الوجه الجائز في ذلك؟ فأجاب بهذا الجواب: ونصه: إذا باع منه بذهب، فلا يجوز له ان يكتب عليه صرفه، وانما يكتب عليه الجزء الذي باع به منه سلعته من المثقال، فإذا حل الأجل، وأخذ صرفه منه بصرف يوم القضاء. وبالله تعالى ولي التوفيق. [200]- حوالة بالدرهم عن الدينار: وسئل، رضي الله عنه، عن الرجل يبيع السلعة بدينار ذهب ويحيله المبتاع بصرف بعضه دراهم. ونص السؤال: جوابك، رضي الله عنك، في رجل باع سلعته بمثقال ذهب، فلما جاء لاقتضائه، قال له المشتري: ليس عندي الآن ما أعطيك غير اثني عشر درهما، أحيلك بها ففعلا ذلك، والصرف يومئذ أربعة عشر درهما بمثقال. فلما جاء بعد ذلك ليقضي منه باقي حقه، قال له: الصرف اليوم مثقال باثني عشر درهما ونصف درهم، فلم يبق لك عندي غير نصف درهم، او رد إلى الاثني عشر درهما التي أحلتك بها، واعطيك مثقالا، فقال له: انما اعطيتني اثني عشر درهما بمثقال غير حبات من صرف ذلك اليوم.

201 - بيع سلعة بالدينار، واقتضاء جزء من الثمن بالدرهم

هل يجوز شيء من ذلك كله أم لا؟ وكيف ان كان الواجب أن يفعلا أولا؟ وما الواجب في ذلك آخرا؟ ان شاء الله؟ فقال رحمه الله: لا يجوز للرجل أن يحتال بدراهم عن ذهب ولا [198] يحل ذلك. والواجب أن يصرف عن غريمه الدراهم، التي قبض من المحال عليه، ويطلب بديناره لقول الله عز وجل، وان تبتم فلكم روؤس أموالكم، لا تظلمون، ولا تظلمون. وانما يجوز أن يقبض منه بعض صرف المثقال إذا قبضه منه فبضا ناجزا، يقطع منه فيه الصرف، على أن يبقى له قبله جزء معلوم من المثقال، يتفقان فيه، عند القضاء على يجوز بينهما. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [201]- بيع سلعة بالدينار، واقتضاء جزء من الثمن بالدرهم وسئل رضي الله عنه، عن الرجل يبيع السلعة بدينار، ويدفع اليه المشتري صرف جزء منه دراهم، ثم يختلف الصرف، وهي تشبه المسألة التي قبلها. ونص ذلك: جوابك، رضي الله عنك، في رجل اشترى سلعة بدينار، باعها، كذلك، بدينار، فدفع اليه المشتري من الثمن أربعة دراهم،

202 - بيع سلعة، مرابحة، بدينار، واقتضاء دراهم

والصرف ستة عشر درهما بدينار، ثم جاء بأربعة دراهم أخرى، فوجد الصرف قد ارتفع. هل يأخذ منه بما هو الآن، أم لا؟ وكيف إن دفع اليه خمسة دراهم، وهي أكثر من صرف ربع المثقال، أو أقل؟ فقال رحمه الله: إذا اشترى منه بذهب، فلا يجوز إن دفع اليه دراهم الا في جزء معلوم من المثقال، يقطع معه فيه الصرف، وتبقى عليه بقية المثقال، لا مواجبة بينه وبينه فيه، فاذا أتي بدارهم ليقضيه، أخذها منه بصرف يوم القضاء، أو بما يتراضيان عليه. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [202]- بيع سلعة، مرابحة، بدينار، واقتضاء دراهم: وسئل، رضي الله عنه، عن الرجل يبيع سلعته بدينار ذهب واتفقا في الربح بشيء زائد عليه، فدفع المبتاع اليه عشرة دراهم، وقال له: يبقي على الباقي، حتى أسوقه اليك، أيجوز هذا أم لا؟ وهي تشبه المسألة التي تقدمت. فقال: لا يجوز له أن يأخذ منه دراهم، الا بجزء معلوم من المثقال، ويبقى له عليه ما بقي من أجزاء المثقال، لا يكون بينه وبينه فيه صرف. وبالله التوفيق.

203 - بيع سلعة بالدرهم واقتضاء الثمن بالدينار

[203]- بيع سلعة بالدرهم واقتضاء الثمن بالدينار: وسئل رضي الله عنه، عن الرجل يبيع سلعته بدرهمين، فيقول له المبتاع: ليس عندي الا دينار ذهب، فيقول البائع: أنا أعطيك صرفه، أقطع منه الدرهمين، وأدفع اليك الباقي، هل يجوز ذلك أم لا؟. فأجاب بهذا الجواب ونصه. إذا كان ذلك كله يدا بيد، لا تأخير فيه فذلك جائز. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [204]- شراء سلعتين صفقة واحدة وسئل عن الرجل يبتاع السلعتين صفقة واحدة ويقوم كل واحدة منهما بحصتها من الثمن. ونص السؤال: جوابك رضي الله عنك، في رجل ابتاع سلعتين، صنفا واحدا، ليس بينهما شيء، وقوم هذه بنصف الثمن وهذه كذلك وكيف ان اختلفتا في الجنس وقوم كل سلعة بما يصلح لها من الثمن؟ وكيف ان عرف المشتري، يقول له: هذه اشتريتها مع هذه بكذا، وقومتها بكذا هل يجوز شيء من ذلك كله أم لا؟ فأجاب رحمه الله: جائز له ان يبيعها مرابحة، له، على ما قومها به عليه إذا بين ذلك للمبتاع. وبالله تعالى ولي التوفيق.

205 - مراطلة الدينار الخالص بالدينار المشوب

[205]- مراطلة الدينار الخالص بالدينار المشوب وسئل، رضي الله عنه، عن مراطلة الذهب المرابطية بالعبادية، أو الشرقية، هل يجوز بعض ذلك ببعض؟ فأجاب على ذلك، بأن قال: لا تجوز مراطلة الذهب المرابطية بالعبادية ولا الشرقية، ولا العبادية بالشرقية. وقد جوز ذلك من اوجب الزكاة في عشرين مثقالا، وان كانت مشوبة بالنحاس، كالشرقية ونحوها، وليس ذلك بصحيح. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [206]- شريك في التجارة يريد ان يعمل خارج الشركة وسئل عن شريكين في التجارة، يريد احدهما ان يصنع لنفسه شغلا، غير ما تشاركا فيه. ونص السؤال: جوابك، رضي الله عنك، في رجلين تشاركا في تجارة وأراد أحدهما أن يصنع لنفسه صنعة أخرى، مثل أن يقول له: الوقت الذي لا يعمل فيه شيئاً أو يكون حاضرا أعمل انا شغلي، فإن شغلي، فإن كنت غائبا، أو كثر علينا الشغل، صنعنا جميعا في الشركة المذكورة، ورضي الآخر بذلك. هل له ذلك أم لا؟ وكيف ان لم يرض، هل واحد، أم لا؟ فقال: لكل واحد من الشريكين أن يعمل لنفسه ما شاء في الأوقات التي لا يشتغل فيها بالتجارة، ولا كلام لشريكه في ذلك. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له.

207 - اقراض احد الشريكين للآخر للزيادة في رأس مال الشركة

[207]- اقراض احد الشريكين للآخر للزيادة في رأس مال الشركة: وسئل - رضي الله عنه - عن شريك يريد ان يسلف صاحبه ذهبا، يزيدها في رأس المال. ونص السؤال: جوابك رضي الله عنك - في شريكين بينهما [199] مائة مثقال لكل واحد منهما خمسون مثقالا، فلما مضت لهما أعوام أراد أحدهما ان يزيد في رأس المال خمسين مثقالا، لم يكن عند الآخر ما يزيد على هذا، فقال: أسلفك منها نصفها، خمسة وعشرون مثقالا وأزيد أنا النصف الثاني، يكون لكل واحد منهما خمسة وسبعون مثقالا، هل يجوز ذلك ام لا؟ فقال: ان كان يفعل ذلك لانتفاعه به لنفاذه به في التجارة ونحو ذلك فلا يجوز، وان كان ذلك منه على وجه الصلة والمعروف، دون سبب إلا إرادة الرفق به فذلك جائز ان شاء الله. وبالله التوفيق، لا شريك له. [208] إجازة بطعام يريد المؤجر ان يدفع فيه القيمة: وسئل عن رجل استأجر أجيرا بطعام، في بلد، ولم يدفع اليه الأجرة، حتى اجتمعا في بلد آخر.

209 - الأخذ بالعرف في جعل الدلال

ونص السؤال: جوابك رضي الله عنك، في رجل استأجر أجيرا بطعام، في مجريط، أعادها الله، ثم اتفق خروجهم منها، على الوجه الذي خرجوا، فاجتمع مع صاحبه بقرطبة عمرها الله بدعوة الإسلام فطلب منه طعامه، فقال المستأجر: لا أعطيك طعاما لان ثمنه هنا مضاعف ولا أعطيك الا مثل ما كان يساوي هناك. هل يجوز ذلك بينهما أم لا؟ وما الوجه بينهما؟ فقال رحمه الله: ليس للأجير الا مكيلة طعامه بمجريط، فإن رضي المستأجر أن يعطي مكيلة طعامه هذا، جاز ذلك، ولا يجوز له أن يأخذ منه في ذلك ثمنا، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام قبل استيفائه فإن لم يرض المستأجر ان يدفع اليه هنا مكيلة طعامه، وارتفعا إلى السلطان قضي للأجير عليه بقيمة عمله، لتعذر الوصول إلى مجريط. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [209]- الأخذ بالعرف في جعل الدلال وسئل عن التأجر في حانوته والخياط يأتيه رجل بسلعة ويقول له: أعط هذه السلعة لدلال، يبيعها لي، فيفعل، ثم يأتي الدلال بنصف أجرة تلك السلعة فيدفعه لصاحب الحانوت، فان أبى أخذه، قال له الدلال: هكذا أصنع مع سائر المسلمين، ويعزم عليه في أخذه ذلك هل يجوز له أن ياخذ منه أم لا؟

210 - جعل الدلال عندما يبيع سلعة له

فقال رحمه الله: إذا كان الأمر على ما وصفت فذلك سائغ له. وبالله تعالى التوفيق. [210]- جعل الدلال عندما يبيع سلعة له وسئل رضي الله عنه، عن الدلال يبيع لنفسه سلعة، هل يجوز له أن يأخذ عليها اجره أم لا يجوز ذلك؟ فقال رحمه الله: لا اجرة له عليها، الا ان يبين للمبتاع انها له ويشترط عليه الآجرة وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [211]- تخمير قدور الطعام ببيض غير نقي وسئل رضي الله عنه عمن طبخ طعاما في قدر، واراد ان يخمره ببيض لم تغسل وهي مملوءة بأذى الدجاج، هل يجوز ذلك أم لا؟ فقال رحمه الله، ما هذا بصواب غسلها أحسن، فإن لم يفعل فقد أساء ولا يفسد ذلك ما في القدر من الطعام. وبالله التوفيق. [212]- حول حديث " خفة الظهر أحد اليسارين ". وسئل، رضي الله عنه، عن معنى قوله عليه السلام: " خفة الظهر أحد اليسارين" فأجاب على ذلك، بأن قال: المعنى في ذلك: ان قلة المال مع خفة

213 - دخل صور وملاعب النيروز

الظهر يسر ولا يكون يسرا مع ثقل الظهر. وبالله تعالى التوفيق. [213]- دخل صور وملاعب النيروز وسئل رضي الله عنه، هل يحل عمل شيء من هذه الملاعب التي تصنع في النيروز من الزفافات والكمادين، وما يشبهها وهل ثمنها حلال لصانعها أم لا؟ فأجاب على ذلك بأن قال: لا يحل عمل شيء من هذه الصور، ولا يجوز بيعها، ولا التجارة بها، والواجب أن يمنعوا من ذلك. وبالله ولى التوفيق برحمته، لا شريك له. [214]- الاخلال باحترام النبي صلى الله عليه وسلم وكتب اليه - رضي الله عنه - قاضي كورة بياسة، يسأله عن نازلة نزلت بمدينة غرناطة، ونصها. الجواب، رضي الله عنك في رجل سب رجلا آخر، فرد عليه الآخر مثل ما قاله له: فعز على الرجل الأول ما راجعه به، فلما فهم الرجل منه ذلك، قال له: يشق عليك، أن أراجعك بمثل ما قلته لي، بالله الذي لا اله الا هو، لو ان نبيا مرسلا، أو ملكا مقربا، سبني، لرددت عليه بمثل ما سبني به.

ورجل عشار، أيضا، طلب من رجل قباله، فكأن الرجل هدده بأن يشكوبه، ففهم العشار منه ذلك، فقال له: اغرم، واشتك انت للنبي. ما الواجب عليهما جميعا فيما قالاه، يعظم الله أجرك. فراجعه، وفقه الله على سؤاله بما هذا نصه: تصفحت السؤال، الواقع فوق هذا، ووقفت عليه. والحالف بما ذكرته فيه متهاون بحرمة الأنبياء، والملائكة عليهم السلام فيجب ان يؤدب على ذلك، الأدب الموجع الا ان يكون [200] معروفا بالخير، ممن لا يتهم في اعتقاده، فيتجافى عن عقوبته، ويؤمر بالاستغفار مما قاله ولا كفارة عليه ليمنيه بحال. واما العشار، الذي قال ما قال، فيؤدب الأدب الموجع على كل حال. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. جواب ابن الحاج في مسألة الاخلال باحترام النبوة وأجاب في مسألة العشار، الفقيه أبو عبد الله ابن الحاج شيخنا [198ع] رضي الله عنه، بما هذا نصه. تأملت سؤالك، ووقفت عليه، وقد أتى الرجل المسبوب بعظيم من القول ومنكر من الكلام، واجترأ على ملائكة الله وأنبيائه، عليهم السلام، واستخف بما عظم الله من حقوقهم وفرض من تعزيزهم وتوقيرهم، فأبعده الله، ولحاه

215 - من فارس: حول الأشعرية وخصومهم

الا أن السب الذي وعد به، لم يقله، ولا وجد منه، ولو أمكن أن يقوم به، أو يوجد منه، لاستبيحت نفسه، وسفك دمه، دون استتابة فالذي أراه - والله المسدد: أن يضرب الضرب المبرح بالسوط، ويطال حبسه في السجن. وكذلك يكون في العشار الفاسق، أسحقه الله ومقته، الحكم ولو كان أحدهما ممن عرف بأشباه هذا من الاستخفاف بالدين، ولحي الملائكة والرسل عليهم السلام، كانا محكومين بالقتل، دون استتابة. والله أسأله العصمة والتوفيق، والحفظ من الزلل في القول والعمل فهو ولي ذلك لا رب سواه. [215]- من فارس: حول الأشعرية وخصومهم وكتب اليه رضي الله عنه - من مدينة فأس يسأل عن الاشعرية، ومن انتحل طريقتهم، وسمى له فيه جماعة منهم. ونص السؤال: ما يقول الفقيه القاضي، الأجل، الإمام الأوحد، أبو الوليد - وصل الله تسديده، وتوفيقه، ونهج إلى كل صالحه طريقة - في الشيخ أبي الحسن الأشعري وأبي اسحق الاسفرايني، وأبي بكر الباقلاني، وأبي بكر ابن فورك، وأبي المعالي، وأبي الوليد الباجي ونظرائهم ممن ينتحل علم الكلام، ويتكلم في أصول الديانات وينصف في الرد على أهل الأهواء، أهم أئمة ارشاد وهداية، أم هم قادة حيرة وعماية؟

وما تقول في قوم يسبونهم وينتقضونهم، ويسبون كل من ينتمي الي مذهب الأشعرية ويكفرونهم ويتبرؤون منهم، وينحرفون بالولايات عنهم، ويعتقدون أنهم على ضلالة، وخائضون في جهالة، ماذا يقال لهم ويصنع بهم ويعتقد فيهم، أيتركون على أهوائهم أم يكف من غلوائهم؟ وهل ذلك جرحة في أديانهم، ودخل في ايمانهم، وهل تجوز الصلاة وراءهم أم لا؟ بين لنا مقدار الأئمة المذكورين، ومحلهم من الدين، وأفصح لنا على حال المنتقض لهم والمنحرف عنهم وحال المتولي لهم، والمحب فيهم مجملا. فأجاب، رحمه الله، على ذلك بهذا الجواب، ونصه من أوله إلى آخر حرف فيه: تصفحت - عصمنا الله وإياكم - سؤالك هذا ووقفت عليه. وهؤلاء الذين سميت من العلماء أئمة خير وهدى، ممن يجب بهم الاقتداء؛ لأنهم قاموا بنصرة الشريعة، وأبطلوا شبه أهل الزيغ والضلالة، وأوضحوا المشكلات وبينوا ما يجب أن يدان به من المعتقدات؛ فهم لمعرفتهم بأصول الديانات العلماء على الحقيقة، لعلمهم بالله، عز وجل، وما يجب له، وما يجوز عليه، وما ينتفي عنه، اذ لا تعلم الفروع الا بعد معرفة الأصول. فمن الواجب أن يعرف بفضائلهم، ويقر لهم بسوابقهم، فهم الذين عنى النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم، بقوله: " يحمل هذا العلم، من كل خلف

216 - احوال النائم باعتبار إنقاض الوضوء

عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين فلا يعتقد أنهم على ضلالة وجهالة الا غبي جاهل، أو مبتدع زائغ عن الحق مائل، ولا يسبهم وينسب اليهم خلاف ما هم عليه الا فاسق، وقد قال الله عز وجل: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات، بغير ما اكتسبوا، فقد احتملوا بهتانا، واثما مبينا} [سورة الاحزاب الآية: 58] فيجب أن يبصر الجاهل منهم ويؤدب الفاسق، ويستتاب المبتدع الزائغ عن الحق إذا كان مستهلا ببدعته، فإن تاب، والا ضرب أبدا حتى يتوب، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بصبيغ المتهم في اعتقاده، من ضربه اياه حتى قال: يا أمير المؤمنين، ان كنت تريد دوائي فقد بلغت مني موضع الداء، وان كنت تريد قتلي، فأجهز علي فخلى سبيله. والله أسأله العصمة والتوفيق برحمته لا رب غيره. [216]- احوال النائم باعتبار إنقاض الوضوء وأملى علينا رضي الله عنه، أيام المناظرة في مجلسه، بسنة ثلاث عشرة وخمس مائة، فصلا حسنا في أحوال النائم، ونصه: أحوال النائم أربعة أحوال: مضطجع وساجد، وقاعد وقائم. المضطجع فأما المضطجع، فعليه الوضوء، على كل حال، طال نومه أم لم يطل.

217 - جرة زيت تنهرق بسبب فتح صاحب الدار بابه

الساجد وأما الساجد فاختلف فيه على قولين: أحدهما: أن عليه الوضوء، طال نومه أو لم يطل، كالمضطجع، والثاني: أنه لا وضوء عليه الا أن يطول، لأنه أخف حالا من المضطجع. القاعد وأما القاعد فقول واحد، لا وضوء عليه، الا أن يطول. القائم والمحتبي وأما القائم فلا وضوء عليه، لأنه لا يثبت، ولا يطول نومه، على حال، وكذلك المحتبي حكمه سواء مع القائم، لا فرق بينهما. الراكع، المستند، الراكب وأما الراكع فاختلف فيه على قولين، أحدهما؛ انه كالقائم حكمهما سواء والثاني أنه كالساجد، وقد تقدم الاختلاف في الساجد، فتحصل في الراكع ثلاثة أقوال. وأما المستند فاختلف فيه على قولين، احدهما: أنه كالمضطجع، والثاني: أنه كالقاعد. وأما الراكب فقولا واحدا: أنه كالقاعد سواء حكمهما واحد [201]. والله ولي التوفيق برحمته. [217]- جرة زيت تنهرق بسبب فتح صاحب الدار بابه وسئل رضي الله عنه، الرجل يسند جرة فيها زيت أو عسل

218 - ميراث الأتوام

إلى باب دار رجل، فيفتح صاحب الدار بابه، فتنكسر الجرة، وينهرق ما فيها. هل عليه ضمانها، وضمان ما كان فيها أم لا ضمان عليه ظ فأجاب على ذلك بما هذا نصه: تصفحت سؤالك، ووقفت عليه، ولا أذكر هذه المسألة منصوصة لأحد، غير أنها مسألة تجري، في أصولهم، على قولين؛ أحدهما: أنه يضمن صاحب الدار، والثاني: أنه لا ضمان عليه والصحيح عندي، الذي أقضي به: ألا ضمان على صاحب الدار. والله تعالى ولي التوفيق برحمته، لا شريك له. [218]- ميراث الأتوام وسئل، رضي الله عنه، عن أقسام الأتوام، ومواريثهم. فقال: الأتوام أربعة أقسام المسبية، والمستأمنة، والقسم الثاني: أتوام الزنا والقسم الثالث: أتوام الملاعنة، والقسم الرابع: أتوام المغتصبة. أتوام المسبية والمستأمنة: فاما أتوام المسبية والمستأمنة فإنهما يتوارثان من قبل الأب والأم: ليس في المذهب فيه اختلاف أعلمه. أتوام الزانية: وأما أتوام الزانية، فلا يتوارثان من قبل الأب على حال، لا أعلم

219 - يتبع في ذبح الأضحية امام الصلاة

في المذهب فيه اختلافا إلا قولة شاذة قالها ابن نافع ويتوارثان من قبل الأم على كل حال. اتوام الملاعنة: وأما أتوام الملاعنة فالقياس من طريق النظر والاستدلال: أنهما يتوارثان من قبل الأم فقط. والاستحسان: أن يتوارثا من قبل الأب والأم جميعا، وبالاستحسان جرى القضاء، وعليه تجرى الأحكام. أتوام المغتصبة: وأما اتوام المغتصبة، فاختلف فيها على قولين، أحدهما: انهما يتوارثان من قبل الأب والأم، والثاني: أنهما لا يتوارثان الا من قبل الام فقط، وبالقول الآخر جرى القضاء وبه الفتوى. وبالله التوفيق. [219]- يتبع في ذبح الأضحية امام الصلاة وسئل رضي الله عنه، عن ذبح الأضاحي، هل هي معتبرة بذبح الإمام، الذي تؤدى الآخر اليه الطاعة، أو امام الصلاة؟ فقال: المعتبر في ذبح الأضاحي الإمام الذي يصلي بالناس، لأن الأضحية مرتبطة بالصلاة. وبالله تعالى ولي التوفيق برحمته.

220 - ما يشبه التمليك في الطلاق

[220]- ما يشبه التمليك في الطلاق وكتب اليه، رضي الله عنه، من بعض بلاد الأندلس، يسأل عن مسألة تشبه التمليك ونصها من اولها إلى آخرها: جوابك، رضي الله عنك، في رجل وقع له مع زوجته كلام ومضاجرة، فقالت له: لا أحب البقاء معك، على هذا الحال فقال لها: ان شئت فقالت المرأة، على زعم الرجل: قد تركتك فقررها الزوج في حال على قولها، فأنكرت قول ذلك، وحلفت عليه، وعلى قولها الأول: أنها ما أرادت به طلاقا، أصلا، وانما كان جوابا لها وهو يحقق قولها: تركتك، وجاء هذا الرجل مستفتيا. فبين لنا ما الواجب في ذلك، واشرحه لنا فصلا فصلا، دون اجمال فان بعض المفتين سئل عن ذلك، فقال: لا سبيل لهذا الرجل إلى هذه المرأة فزاده إبهاما واشكالا. ففسر لنا، بفضلك، هذه النازلة، وتفسيرا دون اجمال، وهل يجوز للرجل تصديق المرأة في كل ما قالت أم لا؟ وهل فراقها بواحدة، أم ماذا يصنع؟ فانه قد التبس عليه أمره، ولم يجد فيه من يشفيه، مأجورا. فأجاب، رحمه الله، على ذلك بهذا الجواب، ونصه: تصفحت سؤالك هذا، ووقفت عليه. وان كان الزوج لم يرد تمليك زوجته الطلاق، بقوله لها: ان شئت جوابا على قولها، فلا يلزمه، بقولها: قد تركتك، شي.

221 - تعديل شروط عقد مباراة بعقد الاسترعاء على الضرب

وان كان أراد بقوله تمليكها الطلاق لزمه بقولها: قد تركتك، ثلاث تطليقات، الا أن يناكرها فيما فوق الواحدة، فيحلف على ذلك، ولا يلزمه سواه وهو مصدق في أنه لم يرد بذلك تمليكها الطلاق، إذا أتى مستفتيتا كما ذكرت. وأما ان حضرته البينة على قولها: ان شئت جوابا على قولها، فلا يصدق في انه لم يرد بذلك الطلاق، ويلزمه بما أقر به على نفسه، من أنها قالت له: قد تركتك، ثلاث تطليقات، الا ان يحلف أنه لم يرد بذلك الطلاق فتكون واحدة، وله ان شاء الله بعد ان انكر ان يكون أراد بذلك التمليك، أن يقول: انما أردت واحدة، على اختلاف في ذلك. وبالله ولي التوفيق، لا اله الا هو. [221]- تعديل شروط عقد مباراة بعقد الاسترعاء على الضرب: وخوطب رضي الله عنه، من مدينة، الأشبونة، قاصية غرب الاندلس، عمرها الله بدعوة الإسلام، يسال عن مسألة طلاق وقع [202] بسبب ضرر اتصل، وسمع، فطلق الزوج على ان أسقطت الزوجة جميع ما كان لها عليه، وان ردت ما كان تصير من أملاكه لها اليه. ونص جميع ذلك: عقد مباراة: بارأ عبيد الله بن محمد بن احمد بن أكامن الأزدي زوجته رأي

بنت الفقيه أبي يونس بن عبد الرزاق، بعد بنائه بها، اذ تفاقمت أمورهما، واختلف أهواؤهما، على ان أسقطته جميع ما كان أمهره لها من كالئ بعد معرفتها بعدده، على ان صرفت اليه جميع ما كان امهره لها في كتاب صداقها معه من دور بالربض الغربي من قصبة الاشبونة، المشهورة، لولد المباري المذكور، وجنات بنواحي الجهة المذكورة وأرضين بقرب مدينة الأشبونة من جميع جهاتها وخرج العدة إلى انقصائها، وما وجب لها من غلات، مما كان أمهره لها، من عقار بالجهة المذكورة، طائعة بذلك كله. وأمضى ذلك كله من فعلها والدها الفقيه أبو الوليد، اذ رأه نظرا لها وغبطة، ومصلحة، ورشادا. وعلى هذا الاسقاط المذكور، والامضاء الموصوف، ملكها عبيد الله المذكور أمر نفسها، ولم يبق بين رأي المذكور وعبيد الله المذكور شيء من الاشياء من جميع الدعاوي والتبعات وانفردت رأي المذكورة بجميع الثياب المقبوضة منه، المكتوبة، كانت عليه في كتاب صداقها معه، ولا حق لعبيد الله في جميع الثياب المقبوضة منه، وكذلك لا حق لعبيد الله المذكور قبل رأي المذكورة، ولا قبل أبيها الفقيه يونس في شيء من الاشياء من صداق أو تجارة ولا من شيء من الأشياء. شهد على اشهاد عبيد الله بن محمد بن أحمد، والفقيه يونس بن عبد الرازق على أنفسهما بجميع ما في هذا الكتاب عنهما من سمعه منها،

وعرفهما وهما بحال الصحة والجواز، لأربع بقين من شهر الله شعبان من سنة ثنتي عشرة وخمس مائة. ممن اشهدته رأي المذكورة على ما فيه عنها من سمع ذلك كله منها وعرفها وذلك التاريخ. ممن أشهده عبيد الله بن محمد: انه لا حق له قبل البند بنت سعيد، ولا قبل محمد بن يونس، ولا دعوة ولا حجة من شيء من الأشياء، وذلك في التاريخ. عقد بشهادة الاسترعاء على الضرر: يشهد من يكتب اسمه بعد هذا من الشهداء: أنهم يعرفون عبيد الله ابن محمد بن رقصونة بعينه واسمه، وأنهم سمعوا عنه، سماعا فاشيا، مستفيضا من لفيف النساء والخدم والجيران: أنه يضر بزوجته رأي بنت يونس بن عبد الرازق الكلاعي، في نفسها ضررا لا صبر عليه لمسلم وأنه يضيق عليها، لتفتدي منه، وأنه قد تكرر ذلك منه عليها المرة بعد المرة لم يقلع عن ذلك، في علم من شهد بذلك، على السماع المذكور، إلى حين شهادتهم هذه. شهد على ذلك كله من علم الأمر حسبما فسر ونص وعقد شهادتهم بذلك في ذي الحجة من سنة احدى عشرة وخمس مائة. تأمل رضي الله عنك، ان كان عقد المباراة صحيحا أم لا؟ وهل ان صح عقد المباراة، هل يعمل فيه عقد شهادة الاسترعاء على الضرر أم لا؟

222 - كيفية التحلل من ربابيع سلعة وشرائها بأقل من ثمن البيع

بين لنا ذلك كله وكل ثابت بالجهة. عند ثبوت الضرر، ترجع الزوجة بما وضعت عن الزوج، بعد يمينها فأجاب، رحمه الله، على ذلك بما هذا نضه من اوله إلى آخره: تصفحت سؤالك الواقع فوق هذا والعقدين المنتسخين فوقه، ووقفت على ذلك كله. واذا ثبت عقد الاسترعاء بالضرر، على السماع، بشهادة شاهدين عدلين، لا مدفع للزوج في شهادتهما، وجب للمرأة الرجوع على زوجها بما وضعت عنه وصرفت اليه، بعد يمينها في مقطع الحق: أن ما شهد لها به من اضرار زوجها بها: لحق وأنها لم تباره بما بارته به الا لتتخلص من إضراره بها، لا عن طيب نفس منها بذلك. وبالله ولي التوفيق برحمته، لا شريك له. ومما استدركه في جوابه: أن من تمام شهادة شهود عقد الاسترعاء بالضرر على سماع أن يزيدوا في شهادتهم: أنهم لا يعلمونه رجع عما سمعوه من اضراره بها إلى أن اتصل بهم مفارقته لها. وبالله ولي التوفيق برحمته. [222]- كيفية التحلل من ربابيع سلعة وشرائها بأقل من ثمن البيع وكتب اليه من كورة لوشة بهذه المسألة، يسأل عنها، وهي من مسائل الربا. جوابك، رضي الله عنك، في رجل اخذ من رجل سلعة، وكان بينهما امتزاج، يتحكم به كل واحد منهما، في مال صاحبه، وقرابة توجب

ذلك أيضا، وقال الآخذ لصاحب السلعة: أريدها لأداين بها رجلا وأبيعها منه بنسيئة وربما سأوسط من يشتريها منه، وتنصرف [203] اليك، فقال صاحب السلعة: افعل ما شئت ان انصرفت، والا فقيمتها كذا، وأنا لا أراجعك فيها، وهي بحكمك. فأخذها منه، ولم يزن شيئاً، ودفعها إلى رجل آخر، بثمن أجله عليه، ووسط اليه من اشتراها منه، وزنا بوزن تلك القيمة، وردها إلى صاحبها الأول، واعتقاده في ذلك: أنه لا حرج عليه في الذي أتاه من بيع سلعة لم يتم شراؤها به، وانعقاده نيته في حال بيعها على استصرافها وشرائها من المدين بها بدون تلك القيمة، التي باعها منه بها وردها إلى صاحبها الأول، جهل ذلك كله، ثم كله، ثم حان الدين وقبضه وامتزج بماله امتزاجا لا يتميز منه. ثم انه علم ذلك انه قد اخطا، وأربى وأراد التحلل، فلم يدر كيف يفعل، غير انه يقف على ربح المداينة. بين لنا - أكرمك الله - كيف التحلل مما وقع فيه جهلا، أيرد الربح إلى صاحبه، أم بالتصدق به على فقراء المسلمين، ام بالتصدق بجميع الصفقة، أم كيف يصنع؟ يتم التحليل من الربا برد الربح وبالتوبة فأجاب رحمه الله، على ذلك بما هذا نصه: تصفحت - عصمنا الله وإياك سؤالك هذا ووقفت عليه.

223 - هل تعتبر الكفاءة في المال بين الزوجين؟

والواجب على هذا الرجل أن يرد على الذي باع منه السلعة، ثم اشتراها منه ما زاد ما أخذه منه على ما أعطاه، لقول الله عز وجل: " وان تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولاتظلمون ". فإذا فعل ذلك واستغفر الله عز وجل، وندم على ما فعل، واعتقد ألا يعود، صحت توبته وخلص من الاثم، وارتفع عنه الحرج، لقول النبي عليه السلام: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له ". وليس عليه أن يتصدق بجميع الصفقة، ولا يتصدق بما بين الثمنين، الا إذا لم يعلم الذي بايعه، أو غاب عنه، ويئس من وجوده. وبالله ولي التوفيق برحمته، لا شريك له. [223]- هل تعتبر الكفاءة في المال بين الزوجين؟ وكتب اليه رضي الله عنه، من كورة رندة، يسأل عن هذه المسألة، وهي من مسألة النكاح، وهذا نصها. جوابك، رضي الله عنك، في يتيم مولى عليه، تحت نظر أمة، قدمت رجلا ليعقد عليه النكاح، فعقد النكاح المقدم، المذكور على اليتيم المذكور، من ابنة رجل عديم لا مال له، ظاهرا، ولا باطنا، ولا لا بنته واليتيم المذكور، مرغوب فيه من أهل الملاء واليسار، على صداق معجل ومؤجل، وقال في عقد النكاح: المعجل منه كذا مثقالا، يتأدى ذلك

224 - مسألتان من الأشبونة

عند البناء وقال في المؤجل: لأجل كذا، فتأمل رحمك الله، هل يجوز هذا النكاح على اليتيم المذكور وهو عار من النظر اليه والسداد والفائدة، اذ الزوجة ووالدها فقيران، وقوله، أيضا، في عقد النكاح، في النقد: يتأدى ذلك عند البناء والبناء في البلد مختلف فقد علق النقد بأجل مجهول. فهل ترى ذلك - أعزك الله - مما يوهن العقد، ويفسد به النكاح أم يفسد بكونه عاريا من النظر والسداد لليتم، أم ينفذ النكاح على الوجوه المذكورة في السؤال أم لا؟ فأجاب، رحمه الله، ان كان زوجة منها بصداق مثلها، أو أقل فهو نكاح جائز. وبالله تعالى التوفيق. [224]- مسألتان من الأشبونة: وخوطب، رضي الله عنه، من مدينة الاشبونة بهاتين المسألتين، يسأل عنهما. 1 - ادعاء قدم العيب بفرس بعد ستة أشهر من شرائه فاما الأولى منهما فهي رجل اشترى فرسا من رجل شراء السلامة والصحة، فلما مضت ستة أشهر، قام المشتري فأثبت ببينة

شهدت له: أن الفرس كان وقت الابتياع مريضا مرضا مخوفا؛ الخوف عليه أغلب من الرجاء. فقال فيها: حكمها حكم الرد بالعيب، ان شاء الله. وبه التوفيق. [2]- حبس على المذكور مع اجارة البنات له وأما الثانية، فهي رجل له أربعة من الولد: ذكران وأنثيان حبس في مرضه، على ذكور بنية، جميع داره مع أرض له. وتضمن عقد التحبيس المذكور: ممن أشهدته: فلانة وفلانة، ابنتا فلان المحبس على امضاء الحبس لأخويهما. ولهؤلاء البنات مع أزواجهن نحو من سبعة أعوام، لم يجدد الأب عليهن سفها ولا أطلقهن من الولاية. هل تصح اجازتهما قبل موت المحبس أم لا؟ وهل رضا الأب باشهادهن اطلاق من الولاية أم لا؟ فقال فيها رحمه الله: تصفحت سؤالك، ووقفت عليه. واذا بقي البنات مع أزواجهن من المدة ما ذكرت فهن محمولات على الرشد ويلزمهن ما أشهدن به على أنفسهن من امضاء الحبس قبل [204] موت الأب ان شاء الله.

225 - تقديم على قبض الكراء وصرفه حيث يشاء القابض

[225]- تقديم على قبض الكراء وصرفه حيث يشاء القابض: وكتب اليه رضي الله عنه، من مدينة باغة، يسأل عن هذه النازلة وهي تشبه العمرى وليست بعمرى، وتشبه الهبات والوصايا، ولسيت بهبة ولا وصية. وهذا نص جميع ما انعقد فيها، وما سجل به قاضي البلد على نفسه، بعد موت العاهد بها ثم السؤال، اثر ذلك عليها. عقد تقديم على قبض الكراء وصرفه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. أشهد أحمد بن محمد بن احمد الأنصاري على نفسه شهداء هذا الكتاب، وهو عليل الجسم، ثابت العقل والذهن، انه قد قدم أخاه، شقيقه، عبد الله بن محمد، للنظر في قاعات الدور المطيلة المبتناه في الجنة المعروفة بكذا أغنى اشتهارها عن تحديدها، وجعل اليه قبض ما يرتفع فيها من الكراء، وأن ينفق ذلك ويصرفه حيثما رأه من الوجوه، ووكل النظر في جميع ذلك إلى اجتهاد عبد الله المذكور، ورأيه، مدة حياة احمد المذكور، وبعد وفاته، ما رأى من المدة فاذا رأى قطع ذلك، وتخلى عن النظر فيه، رجعت القاعات المذكورة ميراثا بين ورثة احمد المذكور، على فرائض الله عز وجل. أشهد على اشهاد احمد بن محمد، المتقدم الذكر، بما ذكر عنه من عرفه وسمعه منه وهو بالحال الموصوفة عنه فوق هذا.

ممن أشهد عبد الله بن محمد المذكور على قبوله لتقديم أخيه أحمد، والتزامه لجميع ما جعل اليه وتوليه النظر فيه، وكان اشهاد أحمد وعبد الله ابني محمد المذكور في المنتصف ذي القعدة من سنة ثلاث وخمس مائة فلان وفلان. تسجيل القاضي بثبوت العقد السابق لديه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. شهد عند القاضي بمدينة باغة وعملها أحمد بن أحمد فلان وفلان أن شهادتهما الواقعة أسفل العقد المسطر أعلى هذا الكتاب، حق على حسب وقوعها فيه، وانهما يعرفان عين الشاهدين لهما: أحمد وعبد الله، ابني محمد حين شهدا، فقبل القاضي: أحمد بن احمد شهادتهما لعدالتهما عنده، وقبوله لهما، وثبت عنده ما شهدا فيه. وشاور في ذلك من وثق به اهل العلم، فأفتوه بامضاء العقد المذكور وتنفيذه، وتصديق عبد الله المجعول له انفاذ مضمنة، فيما يذكره من غير أن يكشف عنه أو يكلف بينة أو على جعله حيث يذكر جعله وانفاقه له، فأخذ بقولهم. هذا الذي رآه من رأيه، وموافقة مذهبهم مذهبه، فيه وحكم به ونظر في ذلك نظرا أوجب امضاء العقد المذكور، وتنفيذه والحكم بما أفتاه به من شاورهم فأمضاه وحكم به، وأشهد عليه وعلى ثبوت ما ذكر ثبوته فيه عنده، وأرجأ الحجة في ذلك لزوج احمد بن محمد المذكور وابنه محمد لغيبتهما في حين هذا التنفيذ.

شهد على اشهاد القاضي أحمد بن احمد، بما ذكر في هذا الكتاب عنه وعلى ثبوت ما ذكر ثبوته فيه وذلك في غرة ربيع الأول عام أربعة عشر، وخمس مائة. يتفضل الفقيه الأجل الإمام القاضي - أكرمه الله بطاعته، وامده بمعونته - بتأمل التقديم المسطر اعلى هذا الرق، فإن العاهد المذكور فيه توفي رحمه الله منذ مدة من السنين ويتولى المقدم المذكور النظر بعده فيما جعل اليه من ذلك، وقبض لنفسه، دون سائر ورثة العاهد. فهل يجوز له - أكرمك الله - ما يأتي به من انفراده بتلك الغلة، دون سائر الورثة، وأن يتمادى بالنظر فيه طول حياته، أم لا يجوز ذلك؟ وما الذي أراد العاهد بقوله في التقديم: انه متى تخلي الناظر عن النظر رجع ذلك ميراثا بين ورثة أحمد العاهد هل ورثته الذين ورثوه حين وفاته، أم الذين يكونون أحق الناس بميراثه عند تخلي الناظر عن النظر، ان كان هلك اؤلئك، أو هلك بعضهم؟ بين لنا جميع ذلك بيانا شافيا، ان شاء الله تعالى. يأخذ التقديم حكم الوصية: فأجاب رحمه الله، على ذلك بما هذا نصه: تصفحت رحمنا الله وإياك سؤالك هذا، وما انتسخت فوقه ووقفت علي ذلك كله. وحكم ما أشهد به المتوفى من تقديم اخيه بعد موته للنظر في قاعات الدور وقبض ما يرتفع فيها وتصريفه فيما يرى من الوجوه، حكم

226 - حكم ما عليه المرابطون من التلثيم

الوصية، فان حمل ثلثه القاعات، المذكورة نفذت وصيته لأخيه فيما اوصى به اليه، وليس له أن يستأثر بشيء منه لنفسه، ولا أن يصرفه في [205] وجوه منافعه، فإن فعل ذلك ضمنه للورثة، وان زعم أن الميت عهد اليه أن يصرف ذلك في وجه كذا وكذا، مما يذكره صدق في ذلك على ما حكم به القاضي؛ لأنه هو الواجب وان لم يحكم به حاكم الا أن يكون ذلك الوجه مما يتهم فيه فلا يصدق أن الميت امره به ومتى تخلى عن النظر في ذلك، عاد ميراثا لورثة الميت الموصي يوم مات لا يوم تخلى عن النظر. وان لم يحمل ثلثه القاعات كان هذا حكم ما حمل الثلث منها الا أن يجيز ذلك الورثة. وبالله التوفيق، لا شريك له. [226]- حكم ما عليه المرابطون من التلثيم: وسئل رحمه الله، عما نشا عليه المرابطون من التلثيم، الذي هو زيهم، هل يجب عليهم التزامه، أو يستحب ذلك لهم؟ أو هو مكروه لهم يستحب، لمن مال إلى العبادة منهم، أن يطرحه ام لا يستحب ذلك له؟ يكره للمرابطين مفارقة التلثيم: فأجاب على ذلك، بأن قال: تصفحت سؤالك هذا ووقفت عليه. وقد خلق الله الخلق أجمعين، وجعلهم شعوبا وقبائل، وباعد بينهم في البلاد وخالف بينهم في الأزياء، والهيئات؛ فلا يجب على أحد منهم الرجوع عما اختاره من زيه، وهيأته إلى زي سواه، وهيأته؛ لأن ذلك

من قبيل الجائز، المباح للعباد، قال الله عزو جل: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق، قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة} [سورة الأعراف الآية: 32] والتلثيم للمرابطين هو زيهم الذي اختاروه لأنفسهم، ونشأوا عليه وتوارثوه ودارجوا عليه، سلفا عن خلف، فلا كراهة فيه عليهم بل يستحب لهم التزامه، والمحافظة عليه، ويكره لهم مفارقته، لأنه شعارهم الذي تميزوا به من سائر الناس، في أول أمرهم، اذ قاموا بدعوة الحق ونصرة الدين ففي التزامهم اياه لتظهر كثرتهم، ويتوفر في أعين الناس عددهم غيظ على المشركين، وعز للمسلمين، لأنهم حماتهم الذابون عنهم والمجاهدون دونهم. ويكره لمن كان معروفا به منهم، فنبذ الدنيا، وأقبل على العبادة ان يطرحه تواضعا وزهادة، من باب الشهرة، ولئلا ينسب اليه الرياء، والسمعة ومخافة ان يذكر بذلك حتى يشار اليه فيه بالأصابع، فربما دخلت عليه بذلك داخلة من قبل الشيطان، لأنه ياتي الانسان من كل وجه فقد روي ان النبي عليه السلام، قال: " ما استوى رجلان صالحان أحدهما يشار اليه والثاني لا يشار اليه" وروي عنه عليه السلام انه قال"كفى بامرئ من الشر أن يشار اليه بالأصابع في دينه أو دنياه الا من عصم الله "

227 - ما يدعو اليه المتطرفون من الأشاعرة

فلا ينبغي ان يفعل ذلك الا القوي في دين الله، الراجي للقوة على دفع الشيطان عن نفسه، في ذلك بفضل الله تعالى. ومن التزمه يستحب له أن يزيله عند الصلاة، فإن صلى به تمت صلاته، ولم يكن عليه في ذلك اثم، ولا حرج. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [227]- ما يدعو اليه المتطرفون من الأشاعرة: وسئل الفقيه الأجل، الإمام الحافظ، قاضي الجماعة، أبو الوليد ابن رشد، رضي الله عنه، إيضاح الجواب في هذا السؤال: الجواب - رضي الله عنك، وأرضاك - فيما يقول أهل الكلام بعلم الأصول من الأشعرية ومذهبهم، فإنهم يقولون: انه لا يكمل الايمان الا به ولا يصح الإسلام باستعماله، ومطالعته وتحقيقه، وأنه يتعين على العلم والجاهل قراءته ودراسته، فهل يصح ذلك، وفقك الله، من قولهم وأن المسلمين مندبون إلى قولهم ومجبورون على مذهبهم، أم لا يسوغ لهم ذلك ولا يلزمهم البحث عليه والطلب له؟ وأن من قولهم، أيضا أنه لا ينبغي لأحد من المسلمين، في أول ابتدائه، لتبصرته بأمر دين الله ودخول في معرفة ما يقيم به أمر صلاته المفروضة عليه، من وضوء وصلاة: أن يتعلم شيئاً من ذلك الا بعد نظره وقراءته لعلم أصولهم، واقتدائه بمذهبهم لِلَّهِ ومتى خالف ذلك من أمرهم كفروه، وهو وفقك الله مع جهله، ربما أخرجه ذلك إلى التعطيل وتكسيله عن أداء الفرائض عليه.

بين لنا، وفقك الله، ذلك كله وفسره لنا، وأوضحه مشروحا، موفقا لذلك، مأجورا عليه ان شاء الله عز وجل، وما عجزنا - وفقك الله - من القول وأغفلناه من الذكر، الذي يتم به مفهوم نزعتنا ونهاية اشارتنا، فلك الفضل في التنبيه عليه، والاعلام به، مأجورا ان شاء الله، ولك الفضل في الإحالة على الكتب التي منها الجواب، وقوله كل من قال من أهل العلم في جوابنا منك ان شاء الله. [206] منهج القرآن في الاستدلال على واجب الوجوب فأجاب أدام الله توفيقه، بأن قال: تصفحت - عصمنا الله وإياك من الآراء المغوية والفتن المحيرة وأعاذنا واياك من حيرة الجهل وتعاطي الباطل، ورزقنا واياك الثبوت على السنة، والتمسك بها ولزوم الطريق المستقيمة، التي درج عليها السلف، وانتهجها بعدهم صالح الخلق - سؤالك هذا ووقفت عليه. وما ذكرته فيه عن الطائفة، المائلة إلى أهل الكلام، بعلم الأصول، على مذهب الأشعرية، من أنه لا يكمل الايمان الا به، ولا يصح الإسلام الا باستعماله ومطالعته، لا يقر به أحد من أئمتهم، ولا يتأوله عليهم الا جاهل غبي، اذ لو كان الايمان لا يكمل، والاسلام لا يصح الا بالنظر والاستدلال من طريق العقل، على القوانين التي رتبها أهل الكلام على مذهب الاشعرية والمناهج التي نهجونا على أصلهم من وجود الاعراض بالجواهر، واستحالة بقائها فيها، وما أشبه ذلك من أدلة العقول التي يستدلون بها، لبين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، للناس، وبلغه اليهم كما أمره الله تعالى في كتابه، حيث يقول: " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل

اليك من ربك، وان لم تفعل فما بلغت رسالاته " [سورة المائدة الآية: 67] فلما علمنا يقينا أنه صلى الله عليه وسلم لم يدع الناس إلى الاستدلال بالاعراض وتعلقها بالجواهر ولا أن أحدا من أصحابه تكلم بذلك، اذ لم يرو عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن واحد منهم كلمة واحدة، فما فوقها من هذا النمط من الكلام من طريق تواتر ولا آحاد من وجه صحيح ولا سقيم علم، صلى الله عليه وسلم وهم، رضي الله عنهم، عدلوا عنه إلى ما هو أولى وأبين واجلى وأقرب إلى الافهام؛ لسبقه اليها بأوائل العقول وبدائلها وهو ما أمر الله به من الاعتبار بمخلوقاته، في غير ما آية من كتابه اذ لم يمت صلى الله عليه وسلم حتى بين للناس ما نزل اليهم وبلغ اليهم ما أمرببيانه اليهم وتبليغه اليهم فقال صلى الله عليه وسلم في خطبة الوادع، وفي مقامات له شتى، بحضرة عامة أصحابه: الا هل بلغت، فكان الذي أنزل الله من الوحي، وأمر بتبليغه هو كمال الدين وتمامه، لقوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي} [سورة المائدة الآية: 3] فلا حاجة لأحد في اثبات التوحيد، وما يجب له من الصفات، ويجوز عليه منها ويستحيل وصفه بها إلى سوى ما أنزله الله في كتابه، وبينه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من الآيات التي نبه عليها، وأمر بالاعتبار بها من ذلك قوله عزو جل: {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} [سورة الذاريات الآية: 21]

اشارة منه إلى ما فيها من آثار الصنعة ولطيف الحكمة الدالين على وجود الصانع الحكيم، وأنه واحد قادر عالم، مريد، ليس كمثله شيء، كما ذكر في محكم كتابه و {هو السميع البصير} [سورة الشورى الآية: 11] ؛ لأن العاقل، إذا نظر إلى نفسه وما ركب فيها من الحواس، التي عنها يقع الادراك والجوارح التي يباشر بها القبض والبسط، والاعضاء المعدة للافعال التي تختص بها كالأضراس التي تحدث له عند استغنائه عن الرضاع وحاجته إلى الطعام، وكالمعدة التي ينضج فيها الطعام، ثم ينقسم منها على الاعصاب في مجاري العروق المهيأة لذلك ويرسب ثفله إلى الأمعاء حتى يبرز عن البدن. والى ما أمر به من الاعتبار بقوله: {أفلا ينظرون إلى الابل كيف خلقت والى السماء كيف رفعت والى الجبال كيف نصبت، والى الأرض كيف سطحت} [سورة الغاشية الآية: 20] ، والى قوله تعالى {ان في خلق السماوات والأرض، واختلاف الليل والنهار، لآيات لأولي الألباب} [سورة آل العمرانة الآية: 190] والى قوله: {أفرأيتم ما تمنون آنتم تخلقونه أم نحن الخالقون} [سورة الواقعة الآية: 59] إلى آخر الآيات والى ما أشبه ذلك من الأدلة الواضحة والحجج الملائمة التي يذكرها كافة ذوي العقول وعامة من لزمه حكم الخطاب وهي في القرآن أكثر من أن تحصى، فلا يمكن أن تستقصى؛ ثبت عنده وجود

الصانع الحكيم، ثم تيقن وحدانيته،. وعمله وقدرته، وادارته. بما شاهده من اتساق أفعاله، على الحكمة واطرادها في سبيلها، وجريها [207] على طرقها، وعلم سائر صفاتها توقيفا على الكتاب المنزل / الذى بان حقه، وعن صلى الله عليه وسلم الذى ظهر صدقه، بما ظهر على يديه من المعجزات، الخارقة للعادة؛ فكان الاعتقاد على هذا الاستدلال الذى نطق به القرآن، وعول عليه سلف الأمة هو الواجب اذ هو أصح وأبين، وفي التوصيل إلى المقصود أقرب؛ لأنه نظر عقلى بديهى، مركب على مقدمات من العلم، لا يقع الخلف في دلالتها. منهج المتكلمين في الاستدلال على و (3) الوجود وأما الاستدلال على ذلك بطريقة المتكلمين من الأشعريين، وان كان من طرق العلم الصحيحة؛ فلا يؤمن العنت على راكبها، والانقطاع على سالكها؛ ولذلك تركه السلف المتقدم من أئمة الصحابة والتابعين، ولم يعولوا عليه، لا لعجزهم عنه؛ فقد كانوا ذوى عقول وافرة، وأفهام ثاقبة، ولم يأت آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها. لا تعلم عقائد المتكلمين للمبتدئين فمن الحق الواجب على من ولاه امر المسلمين، ان ينهى العامة والمبتدئين عن قراءة مذاهب المتكلمين من الأشعريين، ويمنعهم من ذلك غاية المنع، مخافة أن تنبو أفهامهم عن فهمها، فيضلون بقراءتها، ويلزمهم أن يقتصروا، فيما يلزم اعتقاده، على الاستدلال الذى نطق به القرآن

ونبه الله عبادة في محكم التنزيل، اذ هو بين واضح، لائح، يدرك ببديهة العقل بأيسر تأمل في الحين، فيبادروا بعد إلى تعلم ما يلزمهم التفقه فيه من أحكام الوضوء، والصلاة والزكاة، والصيام، وسائر الشرائع والآحكام، ومعرفة الحلال في المكاسب من الحرام. لا يتعلم مذهب المتكلمين الا من تقدم في الدراسة وأما من شدا في الطلب، وله حظ وافر من الفهم، فمن الحظ له أن يقرأها إذا وجد إماما فيها، يفتح عليه منغلقها، لآنه يزداد بقراءتها، والوقوف عليها، بصيرة من اعتقاده، ويعرف بذلك فساد مذاهب أهل البدع، واضمحلال شبههم؛ فيمكنه الرد عليه ويجوز بذلك وجه الكمال في العلم، ويدخل به الصنف الذى عناهم النبي، عليه السلام، يقول: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين". هذا الواجب فيما سألت عنه، لا ما حكيته عن الطائفة المذكورة، من أنه يتعين على العالم والجاهل، قراءة مذاهب المتكلمين، من الأشعرية، والبداية بذلك قبل تعليم ما يقيم به أمر الله من وضوئه، وصلاته، وسائر العبادات المفترضة عليه، ويفكرون من خالف ذلك، وما الكفر الا في اعتقاد ما ذهبوا اليه من ذلك؛ لأنهم إذا لم يصلوا ولا صاموا، ولا حجوا، حتى يعرفوا الله تعالى من تلك الطريقة الغامضة البعيدة، قد لا يصلون إلى معرفة من تلك الطريقة الا بعد المدة.

228 - حول كتاب التجارة الى أرض العدو: من المدونة

الطويلة، أو تنبو أفهامهم عنها جملة فيمرقون عن الدين، ويخرجون من جملة المسلمين. أعاذنا الله من الشيطان الرجيم، ولا بنا عن المنهج المستقيم، برحمته، انه منعم كريم. وبالله التوفيق لا شريك له، قاله محمد بن رشد. [228]- حول كتاب التجارة إلى أرض العدو: من المدونة أملى علينا الفقيه الأجل، الإمام الحافظ، قاضى الجماعة، أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد، أدام الله الامتاع به، ورضى عنه، هذه المسألة في مجلس المناظرة عند قراءة «كتاب التجارة إلى أرض الحرب» من المدونة. أنواع التعامل بين الذمى المسلم [1]- التعاون بين المسلم والذمى جائز، فيما يجوز بين المسلمين. [2]- فان وقع التعامل فيما لا يجوز بين المسلمين، لم يخل ذلك من ثلاثة أوجه: أحدهما: أن يتعاملا فيما يجوز ملكه، ولا يجوز بيعه، كتراب الصواغين، والعبد الآبق، والجمل الشارد، وما أشبه ذلك. والثانى: أن يتعاملا فيما يجوز بيعه وملكه، على وجه لا يجوز من الغرر، وما أشبه ذلك مما لا يجوز في البيوع.

والثالث: ان يتعاملا فيما لا يجوز ملكه، كالخمر ملكه، كالخمر، والدم، والميتة، ولحم الخنزير وما أشبه ذلك. فاما الوجه الاول والثانى، فالحكم فيهما - إذا وقعا بين المسلم والذمى - كالحكم فيما بينهما إذا وقعا بين المسلم والذمى - كالحكم فيما بينهما إذا وقعا بين المسلمين. وأما الوجه الثالث فالحكم فيه، إذا وقع بين المسلمين والذمى، مفارق للحكم فيه إذا بين المسلمين، في بعض الوجوه، موافق لها في أكثرها. حالات الوجه الثالث وبيان ذلك أنه إذا اشترى الخمر مسلم من مسلم، أو مسلم من نصرانى، أو نصرانى من مسلم، فلا يخلو الأمر من ثلاثة أحوال: [1]- أحدها: ان يعثر على ذلك والخمر بيد / البائع، قد أبرزها [208] للمشترى. [2]- والثانى: أن يعثر على ذلك، والخمر قائمة بيد المشترى لم يستهلكها بعد. [3]- والثالث: ألا يعثر على ذلك الا بعد أن يستهلكها المبتاع. [1] فأما إذا عثر على ذلك، وهى بيد البائع، قد أبرزها للمشترى، فانها تكسر عليه، وينتقض البيع فيها. ويسقط الثمن عن المبتاع، ان كان لم يدفع، ويرد اليه، ان كان قد دفعه، وقيل: انه لا يرد عليه، ويتصدق به أدبا له، وسواء في هذا الوجه كان البائع والمبتاع مسلمين، أو أحدهما.

[2] وأما ان عثر على ذلك، وهى قائمة بيد المشترى، لم يستهلكها بعد، ففى ذلك قولان. أحدهما: أنها تكسر، أيضا على البائع، وينقض البيع فيها، فيسقط الثمن. عن المبتاع، ان لم يدفعه، ويرد اليه ان كان قد دفعه، وقيل: انه لا يرد عليه، ويتصدق به أدابا له بمنزلة إذا وجد بيد البائع سوء. والقول الثانى: أنها تكسر على المبتاع، ويتصدق بالثمن، قبضه البائع، أو لم يقبضه، باتفاق، ان كان البائع مسلما؛ اذ لا يصح أن يترك الثمن للمشترى، وقد كسرت عليه الخمر، ولا أن يأخذه البائع، وهو لا يحل له، لأنه مسلم. وأما ان كان البائع نصرانيا، فقيل: انه يتصدق، أيضا، بالثمن على كل حال، قبضه البائع، أو يقبضه، وهو سحنون. وقيل انه لا يتصدق به، إذا قبضه وهو قول ابن القاسم؛ فيفترق، في هذا الوجه، الحكم عن سحنون بين أن يكون البائع مسلما، أو نصرانيا، على ما ذكرناه. وقد قيل: انه إذا كان البائع نصرانيا، وقد قبض الثمن، كسر على المبتاع، وصح الثمن للبائع، الذى قبضه وان لم يقبض الثمن، كسرت الخمر على المبتاع وانتقض البيع، فسقط الثمن عن المبتاع. فيستحصل إذا وجدت الخمر بيد المشترى، والبائع نصرانى، ثلاثة اقوال: أحدهما أنها تكسر على البائع، والثانى، أنها تكسر على المبتاع،

والثالث: الفرق في ذلك أن يكون البائع قد قبض الثمن، أو لم يقبضه. وأما ان كان البائع مسلما فليس في ذلك الا قولان: أحدهما أنها تنكسر على البائع، والثاني أنها تنكسر على المبتاع، ولا فرق في ذلك بين أن يكون البائع قد قبض الثمن، أو لم يقبضه عند أحد. [3] أ- الخمر مكيلة وأما إذا لم يعثر على ذلك حتى استهلك المشترى الخمر، فان كان مسلما، اشتراها من مسلم، يتصدق بالثمن، قبض، أو لم يقبض، قولا واحدا. وان كان مسلما اشترى من نصراني، تصدق بالثمن ان كان لك يقبضه، باتفاق، وان كان قد قبضه، على اختلاف بين ابن القاسم وسحنون. وان كان نصراني اشترى من مسلم، فقيل: انه يغرم مثل الخمر، فتكسر على البائع وينتقص البيع، فيسقط الثمن عن المشتري، وان كان لم يدفعه، ويرد اليه ان كان قد دفعه؛ وقيل: انه لا يرد عليه ويتصدق به ادبا له. وقيل: ان البيع يمضي، ويتصدق بالثمن عن المساكين؛ قبض أو لم يقبض. وهذا كله إذا كان الخمر مكيلا. ب- الخمر جزاف وأما إذا كان جزافا، فسواء أكان المبتاع مسلما، أو نصرانيا، يمضي البيع، ويتصدق بالثمن، قبض أو لم يقبض، ان اكن البائع مسلما. وان كان نصرانيا تصدق به، ان كان لم يقبضه، باتفاق وان كان قبضه على اختلاف.

229 - مياه آبار الصحراء عندما تتغير بما يلازمها

فهذا تحصيل القول في هذه المسألة. وبالله التوفيق لا شريك له. [229]- مياه آبار الصحراء عندما تتغير بما يلازمها قال الفقيه القاضي أبو الوليد ابن رشد رضي الله عنه: سئلت، منذ مدة، عن آبار الصحارى، التي تدعو الضرورة إلى طيها بالخشب والعشب، لعدم ما تطوى به سوى ذلك؛ فيتغير لون الماء، ورائحته وطعمه من ذلك، هل يجوز الغسل، والوضوء به أم لا؟ فأجبت: بأن ذلك جائز. فسئلت سنة خمس عشرة وخمس مائة الدليل على صحة ما أوجبت به من ذلك، لمخالفة من خالف فيه. ما يصح أن يسمى ماء مطلقا فقلت: الدليل على صحة ما قلته في ذلك: أن الاصل في المياه الطهارة والتطهير؛ لقول الله عز وجل: {وأنزلناه من السماء ماء طهورا} {سورة الفرقان رقم: 48} ، وقال عز وجل: {وينزل عليكم من السماء ماء، ليطهركم به} {سورة المائدة: رقم 6} ، وقوله عز وجل: {وأنزلنامن السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض}. {سورة المؤمنون رقم: 18} فمياه الأرض كلها: العيون والآبار، والأنهار، من السماء، أنزلها الله إلى الأرض، وأسكنها فيها، تطهيرا لعباده، ورحمة لهم، فوجب ألا

ينتقل في الحدث الأكبر ولا الأصغر، عن الطهارة بالماء إلى التيمم الا / عند عدم المياه المذكورة، لقول الله عز وجل: {فلم تجدوا ماء، فتيمموا صعيدا طيبا}، لأن الماء، إذا أطلق، باطلاقه على كل ماء من هذه المياه، صافيا كان أو متغيرا، مثل أن يتغير أحد أوصافه وهي اللون والطعم، أو الرائحة، لركوده أو لحماة تكون عليه، أو لطحلب يتولد فيه وما أشبه ذلك؛ لأن تغييره من هذه الأشياء لا يمنعه من وقوع اسم الماء عليه باطلاقه، تسمية مقتضية له، على ما هو عليه من تغييره، فوجب ألا يكون لذلك تأثير في منعه من التطهير. وكذلك إذا تغير ماء بئر من آبار الصحارى من الخشب والعشب الذي طويت بهما للضرورة إلى ذلك؛ اذ لا فرق بين ذلك في المعنى، لاستوائهما في العلة، وهي عدم الانفكاك من السبب المغير للماء الراكد لا يخلو في الغالب من حماة أو طحلب يغيره، كما أن هذه الآبار التي في الصحاري، لا تخلو من العشب، اذ لا يستغنى في احتفارها عنه. بخلاف ما تغيرت أوصافه من المياه، بما انضاف اليه من الاطعمة والمائعات من الأشربة كالخبز والفول، أو الحمص أو ما أشبه ذلك ينقع فيه، حتى يتغير من ذلك أو كالعسل، أو الرب، أو ماء الورد، أو ماء الريحان، وما أشبه ذلك، يضاف اليه، فيتغير من ذلك جميع أوصافه، أو بعضها، لأن الماء إذا تغير أحد أوصافه، بشىء من هذا، فقد خرج عن حد الماء المطلق، الذي دل كتاب الله، عز وجل، على

جواز الغسل والوضوء به، اذ لا يكفى في تسميته باطلاق اسم الماء عليه، دون أن يوصف بأنه ماء الخبز أو ماء الفول، أو ماء الحمص، أو ماء مضاف بعسل، أو برب، أو بماء ورد، أو ببول بعير، أو شاة وما أشبه ذلك. فلما لم يصح أن يكفي في الإخبار عن شىء من هذه المياه، على ما هي عليه، باطلاق اسم الماء عليه، دون بيان ما تغير به من هذه الأشياء وجب ألا يجوز الغسل ولا الوضوء به، كما لا يجوز بماء الورد، وماء الريحان، وما أشبه ذلك، اذ ليس بماء مطلق. تنظير بالبر والحنث ومما يدل دليلا ظاهرا على انه لا فرق بين الماء المتغير من الخشب والعشب، اللذين تطوى بهما آبار الصحارى وبين الماء المتغير من ركوده، أو الحمأة، أو الطحلب المتولدين فيه: أن الحالف لو حلف أن يشترى ماء صرفا، فشرب ماء آبار الصحارى، المتغير من الخشب الذى طويت به، لبر في يمينه، كما لو شرب ماء متغير من الحمأة، أو الطحلب، وما أشبه ذلك، أو صافيا، لا تغيير فيه بحال. ولو حلف ألا يشرب ماء صرفا، فشرب ماء متغييرا بشىء من هذا كله، كما لو شرب ماء صرفا، لا تغيير فيه بحال. فوجب الا فرق بين الموضعين، لاستوائهما جميعا في البر والحنث. بخلاف ما لو حلف ألا يشرب ماء صرفا، أو ليشربنه، فشرب ماء الورد، أو ماء مشوبا بعسل، أو برب، أو بشراب من الأشربة، لأن

الحكم في ذلك: أن يحنث إذا حلف ألا يشربه، فشربه وأن يبر إذا حلف ألا يشربه، فشربه. أنواع المياه الطاهرة فالمياه الطاهرة على هذا، تنقسم على ثلاثة أقسام: ماء مصلق، وماء مقيد باضافته إلى غير عنصره، وماء مقيد باضافته إلى ما انضاف اليه من الأشياء الطاهرة. [1] فالماء المطلق هو ما كان من المياه يكتفى من تسميته، على ما هو به، باطلاق اسم الماء عليه، وهو الماء المطهر، الذي يرفع الاحداث، ويزيل من الثوب والبدن حكم النجاسة بزوال عينها، وذلك ماء البحر، وماء الأنهار، وماء الآبار، وماء العيون، صافيا كان أو متغيرا، إذا لم يكن تغييره بما انضاف اليه مما ينفك عنه. [2] وأما الماء المقيد باضافته إلى غير عنصره فليس بمطهر، ولا يرفع الحدث عن الجميع، ولا يزيل حكم النجاسة من ثوب ولا بدن، عند مالك وجميع أصحابه، وان ازال العين، خلافا لأبي حنفية، في قوله: ان كل ما ازال عين النجاسة أزال حكمها وهو ماء الورد، وماء الريحان، وما أشبه ذلك من مياه سائر الأشجار. [3] ثلاثة أقسام من الماء الذي انضافت اليه أشياء طاهرة: وأما الماء الذى يقيد باضافته إلى ما انضاف اليه من الأشياء الطاهرة، مثل الماء ينقع فيه الخبز، أو الفول، أو ما أشبه ذلك،

أو يضاف اليه العسل، أو السكر أو الرب، أو ماء الورد، أو ما أشبه ذلك من الأشربة، أو يقع فيه شىء من أبوال ما يؤكل لحمه، وأوراثه، فانه يقسم على ثلاثة أقسام: أ- أحدها: أن يكون ما انضاف اليه من ذلك كله يسيرا، لم يغير وصفا من أوصافه. ب- والثاني: أن يكون ما انضاف اليه من ذلك كله هو الغالب عليه ج- والثالث: أن يكون ما انضاف اليه من ذلك كله ليس هو الغلب عليه، الا أنه غير أوصافه، او بعضها. [أ] فأما إذا اكن ما انضاف اليه من ذلك كله يسيرا، لم يغير له وصفا من أوصافه، فلا تأثير له / عند الجميع، الا ما حكى عن أبي الحسن القابسي فانه اتقاه في اليسير من الماء، فالذي يأتي، على مذهبه فيه: أن يتوضأ به، ويتمم، وهو شذوذ في المذهب. [ب] وأما إذا كان ما انضاف اليه من ذلك كله هو الغالب عليه، فليس بمطهر، ولا يجوز الغسل، ولا الوضوء له عند الجميع، ولا يرفع حكم النجاسة عن ثوب ولا بدن، عند مالك وأصحابه، وان أزال عينها

وأما ان كان ما انضاف اليه من ذلك كله ليس هو الغالب عليه، ألا انه، قد غير أوصافه، أو بعضها، والطعم واللون، باتفاق، والريح على اختلاف، فالمشهور في المذهب، المعلوم من قول مالك وأصحابه: أنه ماء غير مطهر، فلا يجوز الغسل، ولا الوضوء به، ولا يرفع حكم النجاسة من ثوب ولا بدن، وان أزال عينها، وقد روي عن مالك أنه قال: وما يعجبنى أن يتوضأ به، فاتقاه عن غير تحريم. واعلم، وفقنا الله واياك، ان تأثير تغيير أوصاف الماء، أو بعضها بما انضاف اليه من الأشياء الطاهرة، إذا لم تكن هي الغالبة، في جواز التطهر به، ليس بمتفق عليه عند أهل العلم. وقد راعى مالك، رحمه الله، ذلك الاختلاف في أحد أقواله، على أصله في مراعاة الخلاف، وذلك قوله في المجموعة، في العدير ترده الماشية، فتبول فيه، وتروت، حتى يتغير لونه، وطعمه: ما يعجبنى أن يتوضأ به، من غير أن أحرمه. فعلى هذا من توضا به، وصلى، أجزأته صلاته، وأعادها، ما لم يذهب الوقت استحسانا. وان لم يجد سواه لم يقتصر على التيمم وحده، دون الوضوء به. فكيف يصح لقائل أن يقول، في الماء المتغير في آبار الصحارى من الخشب والعشب اللذين طويت بهما، مع الضرورة إلى ذلك، وكونه غير خارج من حد الماء المطلق على ما بيناه: ان الوضوء والغسل لا يحل به. هذا بعيد، وما ذلك الا كنحو ما روى عن بعض المتأخرين من أن

230 - القاضي أبو الفضل ابن عياض يسأل عن تسع مسائل

الماء المتغير في الآودية والغدر، مما سقط من أوراق الشجر النابتة عليهما، أو التي جلبتها الرياح اليها، لا يجوز الوضوء، ولا الغسل به وهو من الشذوذ الخارج عن أصل مذهب مالك في المياه، فلا ينبغى أن يلتفت اليه، ولا يعرج عليه. وبالله تعالى التوفيق لا شريك له. [230]- القاضي أبو الفضل ابن عياض يسأل عن تسع مسائل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. صلى الله على سيدنا محمد وعلى آل وسلم تسليما. مسائل سأل عنهاا لفقيه القاضي بسبتة ابو الفضل ابن عياض، وفقه الله، شيخنا الفقيه الأجل، الإمام الحافظ، قاضي الجماعة، أباالوليد ابن رشد، وصل الله توفيقه. قال ابو الفضل: الرغبة إلى شيخي المعظم، أدام الله جلاله، في النص في هذه المسائل التي أساله عنها، إذ هي نوازل كان من بعض لاصحاب فيها نزاع، فأرادت الاستنجاد برأيه، والاتداء بهديه، والله يعظم أجره، ويجزل ذخره، بعزته.

1 - تنازع الأولوية بين يمين الانكار واثبات البيع

[1]- تنازع الأولوية بين يمين الانكار واثبات البيع فأما الأولى منها فهي رجل قام على آخر بعيب في سلعة، فأنكر المدعي عليه السلعة، وأنه ما باعها منه؛ هل يقدم إثبات العيب قبل اليمين على انكر البيع مخافة ألا يكون بها عيب، فتذهب يمين الرجل باطلا، أو تقدم اليمين على انكار البيع؟ الأولوية ليمين الانكار الجواب، تصفحت - أعزل الله بطاعته مذهب وتولاك بكرامته - سؤالك هذا، ووقفت عليه. والذي أراه في هذا: أن من حق القائم بالعيب أن يحلف المقوم عليه على انكار البيع قبل أن يثبت العيب، إذ لا يلزمه أن يعني في اثبات العيب حتى تتقرر له العهدة على البائع. ألا ترى أن له أن يحلفه على انكار البيع، وان لم يدع ان بالسلعة عيبا، لما يخشى من طرو الاستحقاق عليها، فان حلف أنه ما باع منه السلعة، لزمه اثبات البيع، ان كانت له بينة لم يعلم بها واثبات العيب. وان نكل عن اليمين حلف هو، واستحق العهدة عليه، ولزمه أن يثبت العيب لا غير. وبالله التوفيق، لا شريك له، قاله محمد بن رشد.

2 - بيع زريعة لا تنبت

[2]- بيع زريعة لا تنبت سؤال آخر. وكذلك أسأله - أعزه الله - عن مسألة الزريعة المشتراة، إذا لم تنبت، ولم يبق منها مايجرب، هل يلزم فيها اليمين على البائع أنه ما باع منها الا نابتا؟ وكيف يحلف، ان لزمت؛ على البت، أو على العلم ها هنا؟ وقد وقع في المسألة المنصوصة اليمين فيها على العلم، وما فائدة التجربة، هل لايجاب اليمين، فلا تجب الا بعد التجربة والعلم أنها لم تنبت، أم ما فائدتها لعلها تنبت، فلا / يكون للمشترى حجة؟ الجواب، وكذلك تصفحت - أعزك الله بطاعته - سؤالك هذا، ووقفت عليه. ووجه تجربة الزريعة إذا ادعى المبتاع لها أنها لم تنبت ما بقي منها، هو أنه بذلك يعرف صدق دعوى المشتري، من كذبه، فيجب له إذا عرف صدقه الرجوع بقيمة العيب ان لم يكن البائع مدلسا، وبجميع الثمن ان كان مدلسا، ولا يجب له شىء إذا عرف كذبه. فاذا لم يبق منها ما يجرب به كلف المبتاع أن يثبت أنه زرعها في أرض ثرية تنبت، فلم تنبت، فاذا أثبت ذلك، كان الأمر فيه على ما تقدم من الرجوع بجميع الثمن، أو بقيمة العيب. وان لم يثبت ذلك حلف البائع على العلم: أنه ما علم أنها لا تنبت، على اختلاف في هذا الأصل، يتخرج على أحد القولين: أنه لا يمين عليه حتى يظهر العيب عند المبتاع. والتدليس يكون فيما لا منفعة فيه الا للزريعة، بأن يعلم أنها لا

3 - إدخال الغير في الدعوى أو الحكم

تنبت، وفيما يكون للزريعة وغير الزريعة كالشعير وشبهه، بأن يبيعها بشرط الزريعة، ويعلم أنها لا تنبت. فان باعها بشرط الزريعة، وقال: لم أعلم أنها لا تنبت وانما شرطت الزريعة لأنها كانت عندي في نقائها وصفتها مما تنبت، حلف على ذلك، ولم تلزمه الا قيمة العيب. وكذلك ان باعها وهو يعلم أنها لا تنبت، ولم يشترط الزريعة، ولم تلزمه الا قيمة العيب. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. قاله ابن رشد. [3]- إدخال الغير في الدعوى أو الحكم سؤال آخر. قال: وكذلك أساله - أعزه الله - عن قوم لهم جنات، وأخر لهم أرحاء، وسقي الجنات من الماء الذي تدور به الأرحام، فقام بعض أصحاب الجنات على بعض أصحاب الأرحاء، الذين فوقه، يخصمه في السقي. فهل يلزم الحكم في مثل هذا، وهو يعلم أن دعوى أصحاب الجنات وقيامهم واحد على جملة من أصحاب الأرحاء ان يجمعهم كلهم فينظر في أمرهم نظرا واحدا، أم ينظر في أمر من خاصم، دون من لم يخاصم وهو ان فعل ذلك تشتت عليه الأمر، واتسع عليه الخصام؟ الجواب عليه، وكذلك تصفحت - أعزك الله بطاعته - سؤالك هذا، ووقفت عليه

4 - طلب المدعي عليه إدخال جميع الورثة في الدعوى

ولا يلزم الحاكم أن يجمع أصحاب الجنات وان علم أن دعواهم مثل دعوى القائم عنده، ويلزمه أن يحكم للقائم عنده بما يوجبه الحق له، فيما طلبه. فان كان الحكم له وعليه في ذلك مما لا يختص به دونهم، كان من حق المقوم عليه أن يوقفهم على ما يدعونه، فان ادعوا مثل دعواه، قيل لهم: اجتمعوا على وكيل يخاصم عنكم، أو على رجل منكم توكلونه على الخصام عن جميعكم، أو تجتمعون جميعا، فتدلون بحجتكم معا، وليس لكم ان تتعاوروه بالخصام؛ إذا غاب هذا حضر هذا، واذا حضر هذا غاب هذا، يجدد من الحجة ما شاء. وبالله التوفيق، لا شريك له. [4]- طلب المدعي عليه إدخال جميع الورثة في الدعوى سؤال آخر. وكذلك ورثة قام بعضهم بطلب دين لأبيهم على رجل، قال المطلوب: اجتمعوا لخصامى، ولا تعنتونى بتوالى الطلب، واحدا بعد آخر، ما الحكم فيه؟. ورغبتى بيان هذا الباب، ففي بعض نصوص مسائله اشتباه. الجواب، وكذلك تصفحت اتلسؤال الواقع فوق هذا، ووقفت عليه. ومن حق المطلوب ما دعا اليه من أن يجتمع الورثة لخصامه، فيدلون بحجتهم معا، أو يجتمعون جميعا على وكيل يوكلونه عن جميعهم؛ اذ ليس لهم أن يتعاوروه بالخصام، فينوب من حضر منهم عمن غاب، حسبما تقدم في المسألة التي فوقها، على ما أتت الرواية به، عن

5 - هل يصبح حالا كراء الدار بالموت أو الفلس؟

ابن القاسم في سماع عيسي، من كتاب القضية، من العتبية. وبالله التوفيق، قاله محمد بن رشد. [5]- هل يصبح حالا كراء الدار بالموت أو الفلس؟ سؤال آخر. وكذلك - أعزه الله - أساله عمن اكترى دارا لسنين، بنجوم معلومة للشهور أو السنين، فمات أو فلس، هل تحل النجوم، وتكون كالديون الثابتة، أو لا يحل الا ما سكن، ويرث الورثة المنافع، ويكون الكراء عليهم؟ وفي التفليس من المدونة من هذا الباب مسائل، ورأيت للقرويين فيها خلافا ذكره اللخمى، فرأيه، أعزه الله، في ذلك لنعتمد عليه الجواب، تصفحت سؤالك هذا، ووقفت عليه. وهذه المسألة، أعزك الله بطاعته، تتخرج في المذهب على قولين: [1]- مذهب ابن القاسم أن الكراء لا يحل بالموت أو الفلس الأصح منهما في النظر أنه لا يحل الكراء بموت المكترى / ولا يتفليسه، إذا مات أو فلس، قبل أن يسكن، اذ لا يحل بموته، ولا بتفليسه، ما لم يقبض بعد عوضه، وهو أصل مذهب ابن القاسم، لأنه لا يرى قبض الدار المكتراة، لاستيفاء السكنى فيها قبضا للسكنى، وان كانت الدار مأمونة. ألا ترى أنه لا يجوز أخذ الدار للكراء من الدين، فيأتي على

6 - شرط المحظونة، في عقد النكاح، أن تزور حاضنتها

مذهبه، في هذه المسألة: ان الكراء لا يحل على المكترى بموته، وينزل الورثة فيه منزلته، الا أن يقول رب الدار المكرى: لا أرضي بذمتهم، فيكون له أن يفسح الكراء، ويأخذ داره. [2]- مذهب أشهب أن الكراء يحل بالموت أو بالفلس ويأتي على مذهبه في التفليس أن يأخذ داره، ولا يكون له أن يسلمها، ويحاص الغرماء بالكراء إلا برضى الغرماء، ومن قوله: ان له أن يسلمها ويحاص الغرماء بالكراء وذلك اضطراب من قوله وجريان فيه على غير أصله، ورجوع منه إلى مذهب أشهب لأن أشهب يرى قبض أوائل الكراء، قبضا لجميع لجميع الكراء، فيجيز قبض الدار للكراء من الدين. ويأتي على مذهبه أن الكراء يحل على المكترى بموته، وعلى المفلس بتفليسه، فيكون صاحب الدار بالخيار بين أن يأخذ داره، أو يسلمها ويحاص الغرماء بالكراء، كما قال ابن القاسم، لاضطراب قوله في هذا الأصل. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. قاله محمد بن رشد. [6]- شرط المحظونة، في عقد النكاح، أن تزور حاضنتها سؤال آخر. قال: وكذلك سألته - أعزه الله - عن الحاضنة والمربية إذا لم تكن ذات قرابة، فطلبت الزيارة حضنته، بحكم شرط الصداق، بزيارة أهلها من النساء هل يجب لها ذلك، والمضرة في

7 - تحجير قاض، على غير سفيه، بمنع بيع الرباع فقط

انقاطعها أشد من المضرة من بعيد الأقارب، ومحارم الرجال من الرضاع، والصهر ما تراه في ذلك أكرمك الله؟ الجواب أراه في هذا، والله الموفق للصواب برحمته: أن يكون لها من الشرط في حاضنتها مالها في قرابتها، لأن الاحكام انما هي للمعاني لا للاسماء؛ والمعنى فيما اشترطته انما هو في ألا يحال بينها وبين من تأنس بها وترجو الانتفاع برؤيتها، وقد علم بمستقر العادة أن الحاضنة أحب في المحضونة وأشفق عليها، وأنفع لها من كثير من قرابتها، وذوى محارمها من الرضاعة. والصهر في ذلك بمنزلة ذوى محارمها من القرابة. وبالله التوفيق، قاله محمد بن رشد. [7]- تحجير قاض، على غير سفيه، بمنع بيع الرباع فقط سؤال آخر. قال: وأسأله - أعزه الله - حاكم أشهد على رجل، غير مولى عليه، بتحجير البيع عليه في رباعه، خاصة، هل ينفذ ذلك؟ وهل هو حجران تام؟ وكيف باع ماله قدر من غير رباعه؟ الجواب. تصفحت - أعزك الله بطاعته - سؤالك هذا، ووقفت عليه. ولا يصح عندي ما فعله الحاكم من تحجير البيع على غير مولى عليه،

8 - الدعوى غير المحققة ويمين التهمة

في رباعه خاصة، اذ لا يجوز أن يحجر على أحد في ماله الا بعد ثبوت السفه عليه ببينة واذا ثبت عليه السفه ببينة لا مدفع له فيها، وجب أن ينظر له في ماله، بأن يحجر عليه فيه، ويحال بينه وبينه، ويمنع من التصرف في شىء منه، لقول اللهخ تعالى عز وجل {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [سورة النساء رقم: 5] وبالله التوفيق، لا شريك له. قاله محمد بن رشد. [8]- الدعوى غير المحققة ويمين التهمة سؤال آخر. وأساله - أعزه الله - عن المسألة عدم التحقيق في الدعوى المختلف فيها: ما يترجح عنده من القولين؟ [9]- دعوى الاقالة ووجوب اليمين بها وعن مسألة ما يتكرر من الدعوى في دعوى الاقالة، ونحوها، ماتفتي في ذلك ممتنا متطولا، وهل يحتاج لإيجاب اليمين فيها، إلى شبهة، أو تجب بنفس الدعوى؟ الجواب - تصفحت - أعزك الله بطاعته، وأمدك بمعونته - سؤالك هذا، ووقفت عليه. [8]

فأما يمن التهمة، وهي الدعوى التي لا تحقق على المدعي عليه، فقد اختلف، على علمك في لحوقها ابتداء، واختلف إذا لحقت على القول بأنها تلحق، هل ترجه ام لا والأظهر في القياس ألا تجب اليمين الا بتحقيق الدعوى، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " البينة على المدعي، واليمين على من أنكر وايجابها استحسان. والاظهر إذا وجبت، على القول بأنها يحقق القول على المدعي عليه بالنكول، دون ان يرجع اليمين على المدعي، اذ لا يكلف ان يحلف على ما لا يعرف. والذي اختاره في هذا: ان تحلف يمين التهمة إذا قويت وتسقط إذا ضعفت، وألا ترجع إذا لحقت. [9] واما دعوى الاقالة ونحوها فهي من باب دعوى المعروف وقد [213] كان بين شيوخنا في ذلك اختلاف. فمنهم من كان يذهب فيما وقع من ذلك في الأمهات، إلى انه اختلاف من القول، وانها مسألة فيها قولان، جملة من غير تفصيل. ومنهم من كان يقول ليس ذلك باختلاف من القول وان المعنى في ذلك ان الشيء المدعى فيه، ان كان بيد المدعي، او كان له فيه تشبث وجبت له اليمين في ذلك على المدعى عليه وان لم يكن بيده، ولا كان له فيه تشبث، لم يجب له في ذلك اليمين وهو تفصيل.

231 - احد ولاة المرابطين يسأل عن كيفية التوبة من ظلم الرعية

حسن، له وجه من النظر، وهو مراعاة الخلاف في وجوب الحكم بما لم يقبض من الهبات. والأظهر في دعوى الاقالة وجوب اليمين، اذ لا اختلاف في وجوب الحكم بها الا أن يدعي أنه أقاله فيها قبل التفرق بالأبدان، فتضعف اليمين في ذلك، مراعاة لقول من يقول: ان البيع لا يلزم الا بالافتراق بالأبدان. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له: قاله محمد بن رشد. [231]- احد ولاة المرابطين يسأل عن كيفية التوبة من ظلم الرعية مسألة سأل عنها بعض المتلثمين: جواب الفقيه الأجل أبي الوليد، أدام الله عزه في رجل من المتلثمين كان ممن يغرم بعض الرعية فبعد ذلك - أبقاك الله - اتخلع مما كان فيه وتقرب إلى الله تعالى، وحسن حاله، وتاب وصرف جميع ما في يده، فيما يجب عليه، بعد أن سأل أهل العلم والمعرفة فبينوا له ما يجب في ذلك المال وصرفه حيثما أمروه من طريق السنة. ثم انه أفاء الله تعالى عليه بمال من غير ما كان بيده، فأبقاه

لنفسه وتملكه مخافة الحاجة، والضيعة، وهو مال حلال، فيما يزعم، وما ذكر له فيه اهل العلم: انه سائغ له، غير أنه - أصلحك الله - مستمر على الانصاف من ذلك المال المستفاد، يؤدي منه التباعات، التي بقيت عليه ونيته ان يجتهد في أدائها حتى ياتي على جميع ذلك، إن مد الله في عمره إلى ذلك. هل يخرج هذا المرابطي الكفارات من ماله الجديد؟ فما ترى - أبقاك الله - ان وجبت عليه كفارة يمين الله أو كفارة رمضان، او غير ذلك من الكفارات هل يباح له ان يكفر من ذلك المال، الذي بيده ام لا؟ او ترى ان الصوم اوجب ولا يقدر عليه من اإطعام؟ وكيف إن كان الرجل المذكور لا يستطيع الصوم ولا يقدر عليه، ماذا يجب عليه؟ وتبين لنا - أصلحك الله - إذا وجب عليه الصوم هل يستوي في ذلك كفارة اليمين، وكفارة رمضان وغيره، أم تفرق بينهما؟ وبين لنا - أعزك الله - ما إذا كان بيده، وجب عليه ان يكفر منه من المال إذا كان كفافا لما عليه، او إذا كان فضله عما عليه بين لنا في الوجهين ما يجب عليه. هل تؤدي التباعات من عطايا السكان للوالي؟ وبين لنا - أبقاك الله - في وجه ثان، وذلك، فيما يعطيهم اخزانهم من المسلمين ويعينونهم من دنانير وكسوة ثياب، وبقر وغنم ودواب وغير ذلك مما يقع عليه اسم مال، هل يبيح لهم أخذه، وقبوله منهم ام

لا؟ فإن أبحته لهم هل يسوغ لهم دفعه فيما عليهم من التباعات أم لا والتخلص منه إذا وقع بأيديهم، أن يعطوه على وجه التبرئة؟ هل يأخذ المديان من الزكاة ومن بيت المال؟ بين لنا هذه الوحوه كلها: ما عرفنا منها بسؤالنا، وما لم نعرفه وتعرفنا، أيضا، ما حال من احاط الدين بماله، هل يسوغ له أخذ الزكاة المفروضة، وأخذه من بيت مال المسلمين، أم لا؟ وما حال من عليه تباعات الناس، هل له سعة في اخذ الزكاة، ومال بيت مال المسلمين؟ بين لنا - أعزك الله - جميع ما سألناك عنه، وكشفنا عليه، يعظم الله أجرك ويحسن على طاعته عونك، وبين لنا - أبقاك الله - اختلاف اصحاب مالك في ذلك وتنص قول تكلم في ذلك وتسميته ان استطعت، وخف ذلك عليك. وهل على الرجل المذكور، في هذا السؤال، زكاة الفطر من هذا المال أم لا؟ بين لنا في جميع هذا ان شاء الله تعالى. جوابها. تصفحت - وفقنا الله وإياك - سؤالك هذا ووقفت عليه. واذا كان الرجل الذي عليه التباعات من ظلامات الناس في اموالهم قد تاب إلى الله، مما اقترف من ذلك، ورجع إلى ربه، فأدى مما

بيده من المال، لمن عرف أن قبله تباعه وحقا ماله قبله، ثم تصدق بباقي ما عنده عمن منهم ويئس من معرفتهم حتى لم يبق عنده منه شيء؛ فقد بلغ الغاية التي عليه في التوبة، وانتهى إلى [214] النهاية التي يجب عليه فيها فما اكتسب بعد ذلك من المال او أفاده بوجه جائز فله ان ينفق منه على نفسه وعياله ويؤدي منه ما يجب عليه من الكفارات، وزكاة الفطر، اذ ليس التصدق عليه بجميعه واجبا، كالمال الذي كان تعدى فيه، وأخذه من غير حلة، وانما يستحب له ذلك. هذا الذي ياتي في ذلك على مناهج قول مالك، رحمه الله، وما يدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم في اللقطة: عرفها سنة، فإن جاء صاحبها، والا فشانك بها. واما ما أعطاه اخوانه المرابطون من الدنانير والدراهم والعروض والحيوان الحلال، التي صارت اليهم بوجبه جائز فله ان ياخذه إذا كان الذي يعطيه ذلك منهم غير مستغرق الذمة بما عليه من التباعات، يعلم ان بيده من المال، بعد ما عليه من التباعات، مثل ما يعطيه فأكثر. وأما من كان منهم مستغرق الذمة بما عليه من التباعات والظلامات فلا ينبغي له ان ياخذ منه شيئاً مما يعطيه، إذا اراد التورع والاستبراء لدينه وعرضه اذ قد اختلف اهل العلم في ذلك فهو

من المشتبهات التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن اتقى المشتبهات استبرأ لدينه وعرضه. وأخذ الدنانير والدراهم منه أكره له من أخذ العروض، التي يعلم أنها صارت اليه بوجه جائز من شراء أو ميراث. وأما ما صار منها بغير وجه جائز، فلا يحل له أخذها منه بوجبه من الوجوه فان فعل كان، في ذلك، بمنزلته وذلك بخلاف الدنانير والدراهم المغتصبة بأعيانها إذ قد قيل فيها: انها تضمن بالغيبة عليها. واذا استجاز أخذه منهم من ذلك على الوجه المذكور، كان له أن يتصدق به، فيما عليه من التباعات. واما من احاط الدين بماله، فله أن يأخذ الزكاة المفروضة، إذا كان مطلوبا بالدين لقول الله عزو جل: والغارمين، الآية. وأما بيت المال فله أن يأخذ منه ما أعطاه منه الإمام بوجه الاجتهاد والنظر، وان كان له مال ولم يكن عليه دين. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. قاله محمد بن رشد.

اعادة السؤال حول موضع الاستدلال من حديث اللقطة فلما وقف السائل على هذا الجواب، عقب بالسؤال عن بعض فصوله، بأن قال: وقفت - وصل الله توفيقك، وقضى عن الجميع حقوقك - على جوابك الكريم وعلى قولك في المال الذي اكتسبه من وجه جائز: انه لا يجب عليه التصدق بجميعه، وانه الذي يأتي على مناهج قول مالك، رحمه الله، واستدلالك عليه بقول النبي صلى الله عليه وسلم، في اللقطة. وقد خفي على - أعزك الله - وجه الدليل منه، فلك الفضل في بيان ما أشرت اليه من ذلك مأجورا مشكورا ان شاء الله تعالى. فجاوب - وصل الله توفيقك - عن ذلك: وقفت - وفقك الله واياي - على ما استفهمت عنه، وأردت الوقوف عليه، من موضع الدليل من الحديث، الذي ذكرته على صحة ما أجبتك به في السؤال الواقع في بطن هذا الكتاب. وموضع الدليل منه ان النبي صلى الله عليه وسلم قد أباح لملتقط اللقطة إذا عرفها سنة، فلم يأت صاحبها، أن يستنفقها، ولم يأمره بالتصدق بها عنه على ما حمل عليه اهل العلم قوله، عليه السلام: فشأنك بها؛ إذ قد جاء ذلك نصا جليا في غير هذا الحديث الا أن من اهل العلم من كره له أكلها، كان غنيا أو فقيرا، ومنهم من كرهها، له إذا كان

غنيا ومنهم من كرهها له إذا كان فقيرا؛ مخافة أن يأتي صاحبها في شيء من ذلك كله. فحصل الاجماع من العلماء على اباحة أكلها، وسقط وجوب التصدق بها إذا لم يخش وجوب اتيان ربها، أو أمن من ذلك. واذا جاز ذلك في اللقطة، مع ان صاحبها لو جاء لكان له حق في عينها، كان أحرى ان يجوز ذلك في هذا المال الذي اكتسبه بوجه جائز، من عليه تباعات لمن لا يعرفهم، اذ لو جاؤوا أو جاء احد منهم لم يكن له حق في عينه، لثبوت حقوقهم، قبل، في ذمته. وعلى هذا المعنى قال مالك رحمه الله، في رواية أشهب عنه من كتاب الجهاد من العتبية، فيمن انصرف من الغزو إلى بلده، فوجد في كبب خيوط، اشتراها من المغنم، صليب ذهب، زنته سبعون مثقالا: أنه لا بأس عليه فيه، اذ قد رجع إلى بلده وتفرق اهل الخميس إلى بلادهم، وهو لا يعرفهم. [215] فلهذا قلت: ان جوابي على منهاج قول مالك، رحمه الله، لأن من يتعين له حق في عين هذا الصليب، وفي ذمة الذي وجده، ان اكله، جماعات لا يعرفهم كما أن التباعات والظلامات، التي على هذا الرجل لجماعات لا يعرفهم فاستويا في المعنى، بل هذا في الجواز أحرى من اجل أن أصحاب هذه التباعات، لو قدموا، أو قدم أحد منهم، لم يتعين له حق الا في ذمته، لا في عين ما في يده من هذا المال

232 - من أراد ان يصلي نوافل، وعليه فرائض فوائت

الذي قد اكتسبه بوجه جائز، بخلاف الصليب الذي قال فيه مالك ما قال وبخلاف التي جاء الحديث فيها، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بإباحة أكلها للملتقطها. وتحرير القياس في ذلك ان نقول: ان هذا المال الذي بيد الذي عليه التباعات صار اليه بوجه جائز، قد أمن من أن يطلبه فيه أحد من اهل تباعاته؛ اذ لا يعرفهم، فجاز له ان يأكل، ولم يجب عليه التصدق به الا استحبابا؛ أصل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم، لواجد اللقطة إذا بلغ الذي عليه فيها، وامن من ان يأتي لها طالب شأنك بها، وقول مالك لواجد الصليب، الذي قد أمن من أن يأتي طالبوه، لتفرقهم وجهله بهم: " لا بأس عليك فيه " فهذا بيان ما سألت عنه مشروحا مبينا عنيت بشرحه، وبيانه، على ما رغبته، لتسكن نفسك إلى ما جاوبتك به، فيما السلعة؟ ألتني عنه لوقوفك على الحجة فيه، قال أو لم تؤمن؟ قال: بلى ولكن ليطمئن قلبي. والله ولي التوفيق لنا ولك برحمته، لا رب سواه. [232]- من أراد ان يصلي نوافل، وعليه فرائض فوائت ووو سئل، رضي الله عنه، عن الذي يصلي نوافل وعليه صلوات مفروضة قد ضيعها، كيف يفعل في أدائها؟

ونص السؤال من أوله إلى آخره: الجواب، رضي الله عنك وأرضاك، في مصلي النوافل، وعليه صلوات فائتات مفروضات، من أزمنة لا يتحققها، ولا يعلم صحيح رتبها وقد منعه من اعادتها موانع، حتى جهلها، بعد ان علمها. هل يسوغ له صلاة نافلة مع هذه الفرائض الفائتات، أم لا تكون له نافلة ما عليه صلاة فرض قائمة؟ ولا تصح له النافلة وعليه دين الفريضة. وهل الحديث المذكور: من لم تكمل فرائضه، نظر في عمله، فإن كانت له نوافل نظر له، والحديث لم يتحققه النافل بل أراد تحقيقه، فدل على ذكره، لتوضحه، وتبينه. وهذه الفرائض الفائتات بين لنا كيف يتحرى صلاتها مفوتها، حتى يؤديها ان شاء الله عز وجل. بين لنا ذلك كله، واوضحه مشروحا موفقا عليه، ماجورا ان شاء الله. ومن نسب، إلى مصلي النوافل، وعليه الفرائض، على الوجه المذكور والسبب الموصوف: العصيان، ما حجته؟ وهل هو بذلك، من نسبته اليه ذلك مخطئ أو مصيب؟ بينه لنا ان شاء الله تعالى. يجب تعجيل قضاء الفرائض الفوائت: فأجاب وفقه الله، على ذلك بما هذا نصه: تصفحت سؤالك، ووقفت عليه. ولا ينبغي لمن عليه صلوات فوائت، قد ضيعها، أو نام عنها، أو

نسيها، أو تركها، متعمدا حتى خرج وقتها، أن يشتغل عن قضائها بصلاة النافلة؛ لأن الواجب عليه أن يعجل قضاءها ما استطاع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو نسيها، ثم فزع اليها، فليصلها كما كان يصليها في وقتها، فان الله عز وجل يقول: أقم الصلاة لذكري فان كانت كثيرة، أمر أن يصلي متى ما قدر، ووجد السبيل إلى لك من ليل أو نهار حتى يأتي على جميع ما نسي أو ترك، دون أن يضيع مالا بد منه من حوائج دنياه فلا يجوز له أن يشتغل في أوقات الفراغ، ووجود السبيل إلى القضاء، بصلاة النافلة؛ اذ لا تجزيه من صلاة الفريضة. وانما يجوز له أن يصلي قبل تمام ما عليه من قضاء الصلوات الفائتة الصلوات المسنونات وما خف من النوافل المرغب فيها كركعتي الفجر وركعتي الشفع، المتصلة بالوتر، وما أشبه ذلك؛ اذ لا يخشى أن يفوته بذلك، لخفته، قضاء ما عليه من الصلوات. والأصل في جواز ذلك واستحبابه ما روي من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [216] صلى ركعتي الفجر قبل صلاة الصبح إذ نام في الوادي عن صلاة الصبح، حتى طلعت الشمس. واما ما كثر من النوافل المرغب فيها كقيام رمضان، مع الإمام في المسجد، فتعجيل قضاء الفوائب على الرجل آكد منه فلا ينبغي له أن يترك ما عليه من القضاء، ويشتغل عنه بقيام رمضان مع الإمام فان فعل لحقه في ذلك حرج من ناحية تأخير قضاء الفوائت مع

القدرة على أدائها، لا من ناحية قيامه مع الإمام، لأنه مأجورا في قيامه مع الإمام وان كانت عليه صلوات منسيات فهو ألأولى به من الاشتغال بغير قضائه. وما جاء من أنه لا تقبل من أحد نافلة وعليه فريضة معناه والله أعلم: في الرجل يصلي النافلة في آخر وقت الفريضة، قبل أن يصلي الفريضة، فتفوته بذلك صلاة الفريضة. مثال ذلك: أن يترك صلاة الصبح إلى قرب طلوع الشمس، بمقدار ركعتين فيصلي ركعتين الفجر، أو غيرهما من النوافل، ويترك صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، أو يترك صلاة العصر إلى قرب مغيب الشمس، بمقدار أربع ركعات، فينتقل، ويترك صلاة العصر حتى تغيب الشمس، بدليل ما روى من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ركعتي الفجر يوم الوادي بعد أن طلعت الشمس، قبل صلاة الصبح، على ما ذكرناه. فلا يصح قوله من قال: إن من صلى نوافل وعليه صلوات فوائت: انه عاص لله تعالى في فعله ذلك، الا أن يريد أنه عاص في تأخيره الفرائض؛ اذ لم يصلها في مكان النوافل لا في صلاته النوافل فيكون لذلك وجه، على ما بيناه. فليس وقت الصلاة القائمة، أو الصلوات الفائتات، حين تذكر، بوقت مضيق، لا يجوز التاخير عنه بحال كآخر وقت العصر، عند الغروب وكآخر وقت الصبح للصبح، قبل الطلوع، اذ قد فات وقتها المؤقت لها، وترتب قضاؤها في مدته، فإنما يؤمر بالتعجيل لها حين

يذكرها، مخافة ان تخترمه المنية قبل أداها، فيجوز له ان يؤخرها عن وقت ذكره لها في الموضع الذي يغلب على ظنه ان قضاءه لها لا يفوته بذلك، فهي تجب بالذكر لا على الفور. فهذا وجه ما سألت عنه. تخريج الحديث: اول ما يحاسب به العبد: واما الحديث الذي ذكرته، دون ان تحققه، فسألت عن تحقيقه فهو حديث رواه ابو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه سمعه يقول: اول ما يحاسب به العبد المسلم صلاة المكتوبة، فإن أتمها، والا قيل: انظروا هل له من تطوع، فإن كان له تطوع، أكملت الفريضة من تطوعه، ثم فعل بسائر الأفعال المفروضة مثل ذلك. فقيل: ان معنى ذلك فيمن كان عليه صلوات، نسيها، فلم يذكرها حتى مات اذ من كانت عليه صلوات تعمد تركها، حتى خرج وقتها، لا كفارة لها الا إتيان بها ولا تجزئة منها النافلة، اذ لا تجزئ نافلة عن فريضة، وليس ذلك عندي بصحيح، لأن من عليه صلوات نسيها، فلم يذكرها حتى مات فهو غير محاسب بها لقول النبي صلى الله عليه وسلم "تجاوز الله لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " فيحتمل أن يكون معناه فيمن نسي صلوات فذكرها، وأخر قضاءها عن وقت ذكره لها إلى أن نسيها حتى مات، فتكون النافلة كفارة لتفريطه في أدائه لها عن وقت ذكره اياها. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له.

233 - عدد من تجب عليهم الجمعة

[233]- عدد من تجب عليهم الجمعة وسئل رضي الله عنه، عن عدد من تجب عليهم الجمعة، نص السؤال من أوله إلى آخره. الجواب، رضي الله عنك، في العدد الذي تجب عليه اقامة الجمعة من الناس، هل يكون عدد البيوت، وعدد الرجال واحدا في ذلك، أم يكون الأصل عدد البيوت، ومتى غاب بعض أهل البيوت، وجبت الجمعة على من بقي منهم في البيوت، الذين تجب الجمعة على عدد مخصوص منهم أم لا تكون الجمعة الا على عدد مخصوص من الرجال، ولا معنى للبيوت، اذ المراد من البيوت الرجال؟ بين لنا الواجب في ذلك وكم يكون الأقل من عدد البيوت أو الرجال؟ ومن أحق بالرعاية في ذلك؟ بين لنا ذلك محققا موضحا موفقا ان شاء الله. فأجاب وفقه الله، بما هذا نصه تصفحت رحمنا الله وإياك سؤالك ووقفت عليه. والمراد في الحديث بعدد بيوت القرية التي تجب فيها الجمعة عدد الرجال أو ما قاربهم، لأن المعلوم أن البيت مسكن الرجل الواحد، في أغلب الأحوال. والى هذا الحديث ذهب ابن حبيب فيما حكي عن مطرف وابن [217] الماجشون فقال: إذا كانوا ثلاثين رجلا، أو ما قاربهم، جمعوا الجمعة وأما مالك رحمه، فلم يحد في ذلك حدا، وانما قال: الجمعة لا

234 - ثلاث مسائل مختلفة الموضوع

تجب الا في القرية الكبيرة، المتصلة البنيان، التي فيها الأسواق ومرة سكت عن اشتراط الأسواق، فمذهبه أن الجمعة لا تجب الا في الأمصار، أو في القرى العظام، التي تشبه الأمصار. وقال محمد عبد الوهاب: حد ذلك: أن يكونوا عددا يمكنهم الثواء وتتقرى بهم القرية. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [234]- ثلاث مسائل مختلفة الموضوع: وسئل رضي الله عنه، عن مسألة من الشركة، ومسألة من العتق، وعن خرص الزرع. ونص ذلك: يتفضل الفقيه الأجل، الإمام الأفضل، قاضي الجماعة أبو الوليد محمد بن رشد، وفقه الله، ورضي عنه، بالجواب. [1]- الشركة في الزرع: في رجلين اشتركا في الزرع، على أن جعل أحدهما أحدهما الأرض والبذر، والبقر والثاني العمل ويكون الربع للعامل بيده والثلاثة أرباع لصاحبه، هل يجوز ذلك أم لا؟ [2]- عتق المفلس: وفي عتق من أحاط الدين بماله هل يجوز ذلك أم لا؟

3 - خرص الزرع في الزكاة

[3]- خرص الزرع في الزكاة: وفي خرص الزرع هل يجوز، أم لا؟ بين لنا ذلك كله، يرحمك الله، بيانا شافيا، واشرحه شرحا كافيا، يعظم الله أجرك، وثوابك، لا زلت موفقا مسددا، بحول الله وفضله. فأجاب أدام الله توفيقه، على ذلك كله بأن قال: تصفحت الأسئلة المذكورة فوق ووقفت عليها. [1] فأما المسألة الأولى منها، وهي مسألة الاشتراك في الزرع، على الوجه الذي ذكرت، فلا يخلو الأمر فيها من ثلاثة اوجه: أحدها: أن يعقداها بلفظ الشركة، والثاني: أن يعقداها بلفظ الاجارة، والثالث: ألا يسميا في عقدهما شركة ولا إجارة. فإن عقداها بلفظ الشركة جازت، وان عقداها بلفظ الاجارة لم تجز وان لم يسميا في عقدهما شركة ولا اجارة، وانما قال له: أدفع اليك أرضي وبذري وبقري وتتولى أنت العمل ويكون لك ربع الزرع، أو خمسة، أو جزء من أجزائه، يسميانه، فحمله ابن القاسم على الاجارة، فلم يجزه، واليه ذهب ابن حبيب، وحمله سحنون على الشركة فأجازه. هذا تحصيل القول عندي في هذه المسألة، وقذ كان من أدركنا

235 - زنا يعقبه زواج دون استبراء

من الشيوخ لا يحصلونها هذا التحصيل، ويذهبون إلى أنها مسألة اختلاف جملة من غير تفصيل وليس ذلك عندي بصحيح. [2] وأما عتق من أحاط الدين بماله فلا اختلاف في أنه لا يجوز، الا أن يجيزه الغرماء، واختلف ان لم يعلموا به حتى طال الأمر وجازت شهادته، ووارث الأحرار، فقيل: ان لهم أن يردوه وقيل: ليس لهم أن يردوه، لاحتمال أن يكون قد أفاد في خلال المدة ما لا، لم يعلم به، ثم ذهب مع حرمة العتق. فان كانت الديون التي عليه قد استغرقت ذمته من تباعات لا يعلم أربابها، نفذ عتقه على كل حال، ولم يرد وكان الأجر لأرباب التباعات، والولاء لجماعة المسلمين. [3] وأما الزرع فلا يجوز خرصه على الرجل المأمون، واختلف ان لم يكن مأمونا، يخشى ان يكتم الواجب فيه عليه، على قولين، الأصح منهما عندي جوازه، إذا وجد من يحسنه. وبالله ولي التوفيق برحمته، لا شريك له. [235]- زنا يعقبه زواج دون استبراء: وسأله رضي الله عنه - رجل من برابر العدوة، القادمين علينا قرطبة عصمها الله في جموع سنة عشرة وخمس مائة،

عن مسألة نكاح فاسد. وهي: الجواب، رضي الله عنك، في رجل وامرأة زنيا، ثم انهما تناكحا بغير استبراء من الماء الفاسد، وتوالدا أولاداُ، ثم انهما تفارقا بطلاق، وتراجعا بعد الطلاق، ثم تفارقا ثانية بطلاق ثان. ثم أنهما اتهما أنفسهما وأنكرا فعلهما عليهما، وسألا عن فعلهما ذلك أهل الفتوى عندهما، فأفتوا عليهما بفساد أفعالها، وانها كانت على غير استقامة، وأن أولادهما لغير رشدة. ثم ان الرجل زوج المرأة المذكورة مات في خلال ذلك، فلم يورث الأولاد منه قليلا ولا كثيرا، وأخذت تركة الميت ففرقت على المساكين. فأفتنا - وفقك الله - في فعلهما، أولا، من زواجهما بعد الزنا من غير استبراء، وفي طلاقهما، وارتجاعهما بعد الطلاق، إلى آخر ذلك [218] من أفعالهما وفي ميراث الأولاد من الوالد، هل يجب لهم ميراث أم لا يجب؟ بين لنا ذلك كله، وفسره مأجورا عليه، وان كان يجب لهم الميراث هل يلزم المفتين ضمان ما تصدقوا به أم لا؟ بين لنا مشروحا واضحا، ان شاء الله عز وجل، وهذان الزوجان - أكرمك الله - انما وقع الطلاق بينهما على هذا الوجه المذكور، ثلاث مرات، هل يكون الحكم عليهما كالحكم على الزواج الصحيح، لا يتراجعان الا بعد زوج أم لا يكون الحكم فيهما واحدا؟ بين لنا ذلك أيضا موفقا معانا عليه، ان شاء الله. فأجاب، رضي الله عنه، على ذلك بأن قال: تصفحت - عصمنا الله وإياك - سؤالك هذا ووقفت عليه.

236 - تبعات الغضب المتبادل قبائل صحراء المغرب

والنكاح الأول الذي وقع عنده قبل الاستبراء من ماء الزنا، فاسد، لا يلحقه فيه طلاق، فتكون مفارقته إياها فيه بطلاق فسخا بغير طلاق. والنكاح الثاني صحيح، يلحقه فيه الطلاق، فان كان وقع قبل الدخول وجب لها نصف الصداق، ولم يكن لها ميراث، ان كان وقع بعد الدخول، وجب لها جميع الصداق والميراث، ان كان مات قبل انقضاء العدة، الا ان يكون الطلاق الذي طلقها بائنا وأما الاولاد فلاحقون به على كل حال، يجب لهم الميراث منه ويلزم من تسور عليه فتصدق به ضمانه. واما المفتون فلا ضمان عليهم، اذ لم يكن منهم أكثر من الغرور بالقول وانما الضمان على من استفتاهم وتسور على ميراثهم بفتواه فتصدق به دون تثبت ولا أمر واجب على حال. وبالله التوفيق، لا شريك له. [236]- تبعات الغضب المتبادل قبائل صحراء المغرب وسأله رضي الله عنه رجل مرابطي من ملثمي الصحراء عن مسألة غضب عندهم. ونص السؤال: جواب الفقيه الأجل، أدام الله توفيقه، في قوم من قبائل شتى، في الصحراء، يتغاصبون فيما بينهم، وليس لهم مال غير الماشية وهذا الغصب المذكور فيما بينهم من قديم من آبائهم وأجدادهم وأنهم يتوارثون ذلك المال المغصوب فيما بينهم.

هل يسوغ لأحد، له مال حلال، لا يشوبه حرام، وهو ممن راغ عن التباعات، وأراد التورع، هل يجوز له أن من يبتاع من ذلك المال المغصوب أم لا؟ وأن هؤلاء القوم المذكورين يهدون إلى أمير المسلمين، وناصر الدين، أيده الله، من تلك الابل المغصوبة فيما بينهم، هل يسوغ لأحد، أراد التورع، إن وهبه أمير المسلمين من تلك الابل شيئاً، أن يأخذه، أم لا؟ وهل يسوغ له، أيده الله، يثيبهم على هديتهم من بيت مال المسلمين، أم لا؟ وأنهم يهدون لأمير أمره عليهم امير المسلمين أيده الله، وهو ممن يغصب مثل غصبهم وأن ذلك الأمر يهدى إلى أمير المسلمين، أيده الله، من تلك الإبل المغصوبة، هل يسوغ لأحد أخذه، ان أعطاه امير المسلمين اياه أم لا؟ وأن هؤلاء القوم المذكورين لا يغصبون الا من غصبهم، أو غصب آباءهم. بين لنا هذا السؤال، واشرحه موفقا مشكورا، ان شاء الله تعالى. فأجاب، رضي الله عنه، على بما هذا نصه: تصفحت - عصمنا الله واياك - سؤالك هذا، ووقفت عليه. أ - عندما لا يعرف المغصوب منه بعينه. وان كانت هذه الماشية، التى بأيدى هؤلاء القوم من القبائل، قد توارثوها عن آبائهم، وأجدادهم، كما ذكرت وهى في الأصل مغصوبة،

ولا يعلم اليوم، لقدم العهد أصحابها الذين غصبت منهم، ولا ورثتهم، ولا يمكن صرفها إلى أصحابها بأعيانهم، ولا صرف شىء منها إلى صاحبه بعينه للجهل به، فحكمها بأيدى الذين هى في ايديهم بما ذكرت من الميراث عن أبائهم وأجدادهم، حكم القطة، بعد التعريف بها، واليأس من وجود صاحبها، التى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيها لواجدها: «شأنك بها». فيستحب لهم التصدق بها، ولا يجب ذلك عليهم، فرضا واجبا، لا سيما ان تكن هى المغصوبة بأعيانها، وانما هى أنسالها، فيجوز شراؤها منهم، لمن أراد من الناس أن يشترى شيئاً منها. وما أهدوا منها لأمير المسلمين - أدام الله أيامه - فوهبه لأحد، ساغ لمن وهب له أن يأخذه، وحل له تملكه، ولم يكن عليه في ذلك اثم ولا حرج، ان شاء الله عز وجل. ولأمير المسلمين - أدام الله أيامه - ان يثبت من أهدى منهم اليه شيئاً منها من بيت مال المسلمين؛ / إذ إنما يقبل ذلك منهم ليصرفه [219] في منافع المسلمين. وأما ما يهدون من ذلك لوالى أمير المسلمين عليهم، فلا يسوغ له قبوله منهم، لما من جاء من أن «هدايا الأمراء غلول» الا أن يكافئ عليها، فان كافأ عليها بقيمتها من الثواب، وأهدى منها شيئاً لأمير المسلمين - أدام الله توفيقه وتأييده، فأعطاه لأحد صح له بعطيته اياه، وساغ له.

237 - هل الجهاد أفضل لأهل الأندلس، أم الحج؟

وسواء أكان الغاصبون لهذه الماشية غصبوها لمن يغصبهم، أو لمن غصبهم، أولمن غصب أباءهم، قبلهم، وقد كانت القبيلة قد غصبت القبيلة، فلم يعلم كل واحد منهم بعينه أنه أخذ مال من صار اليه ماله بعينه. ب - عندما يعرف المغصوب منه بعينه وأما ان كان هؤلاء القوم، الذين هذه الماشية في أيديهم، قد غصبوها، هم أو من ورثوها عنهم من آبائهم وأجدادهم، قبلهم، لمن غصبهم، أو لمن يغصبهم، ويعرفون أربابها، الذين غصبت منهم، ولا يمكنهم ردها اليهم بأعيانهم، أو إلى ورثتهم، فالواجب المعين عليهم، الازم لهم: أن يصرفوها على أربابهم، فلا يحل لهم، ان يتمسكوا بشىء منها، فان لم يفعلوا، وتمسكوا بها، فلا يحل لأحد أن يشترى منهم شيئاً منها، ولا يقبلها هبة، ولا صار اليه من قبلهم، بأى وجه صارت اليه، فان فعل شيئاً من ذلك، وهو عالم به، كان حكمة في ذلك حكم الغاصب. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [237]- هل الجهاد أفضل لأهل الأندلس، أم الحج؟ وكتب اليه، رضي الله عنه، أمير المسلمين وناصر الدين، على بن يوسف بن تاشفين، أدام الله أمره، وعز نصره، يسأله: هل الحج أفضل لأهل الأندلس، أو الجهاد؟ ونص السؤال.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. صلى الله علي سيدنا محمد وعلى آله وسلم. جوابك، رضي الله عنك، فيمن لم يحج من أهل الأندلس، في وقتنا هذا، هل الحج أفضل له، أم الجهاد؟ وكيف ان كان قد حج حجة الفريضة؟. راجعنا في ذلك بما نراه، موفقا مأجورا ان شاء الله تعالى. فآجاب أدام الله توفيقه، على ذلك بما بما هذا نصه: تصفحت، رحمنا الله وإياك، سؤالك هذا، ووقفت عليه. وفرض الحج ساقط عن أهل الأندلس، في وقتنا هذا، لعدم الاستطاعة، التى جعلها الله شرطا في الوجوب، لأن الاستطاعة: القدرة على الوصول، مع الأمن على النفس والمال، وذلك معدوم في هذا الزمان. واذا سقط فرض الحج، لهذه العلة، صار نفلا مكروها؛ لتقحم الغرر فيه. فبان بما ذكرناه: أن الجهاد، الذى لا تحصى فضائله، في القرآن والسنن المتواترة والآثار، أفضل منه، وأن ذلك أبين من أن يحتاج إلى السؤال عنه؛ وموضع السؤال انما هو فيمن حج حجة الفريضة، والسبيل مأمونة، هل الحج أفضل له، أم الجهاد؟ والذى أقول به: أن الجهاد له أفضل، لما ورد فيه من الفضل العظيم. وأما من لم يحج حجة الفريضة، والسبيل مأمونة، فيتخرج ذلك على الاختلاف في الحج: هل هو على الفور، ام على التراخى.؟ وهذا إذا سقط فرض الجهاد على الأعيان بقيام من قام به، وأما

في المكان الذى يتعين فيه على الأعيان فهو أفضل من حجة الفريضة، قولا واحدا، للاختلاف فيه هل هو على الفور ام على التراخى. وبالله التوفيق، لا شريك له. وبالنسبة لأهل المغرب. ومما استدركه، رضي الله عنه، في جوابه، اذ سأله أمير المسلمين، بسبته، أول سنة خمس عشرة، وخمس مائة، عن أهل العدوة، هل هم مثل أهل الأندلس في ذلك أم لا؟ فقال: ان من سوى أهل الأندلس، من أهل العدوة، سبيلهم سبيل أهل الأندلس، إذا كانوا لا يصلون إلى مكة الا بخوف على أنفسهم، وأموالهم. وان كانوا لا يخافون على أنفسهم، ولا على اموالهم، في الوصول إلى مكة، فالجهاد عندى فالجهاد عندى لهم أفضل من تعجيل الحج، اذ قد قيل: انه على التراخى، وهو الصحيح من مذهب مالك، رحمة الله، الذى تدل عليه مسائله. وهذا فيمن عدا من يقوم بفرض الجهاد. وأما من يقوم بفريضته من حماة المسلمين وأجنادهم، فالجهاد هو الواجب عليهعم؛ اذ لا يتعين تعجيل الحج منهم الا على من بلغ منهم المعترك؛ لأن الواجب

238 - ثلاث مسائل من مدينة مراكش.

على التراخى له حاله يتعين فيها، وهو ان يغلب على ظن المكلف أنه يفوت بتأخيره، والحد من ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «معترك أمتى ما بين الستين / إلى السبعين». [220] وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [238]- ثلاث مسائل من مدينة مراكش. مسألة، كتب الفقيه المعدل، أبو عبد الله التطيلى إلى الفقيه القاضى، أبى الوليد ابن رشد من حضرة مراكش، حماها الله، في آخر شهر سنة خمس عشرة وخمس مائة، بثلاث مسائل، يسأل عنها. وهذا نص جميعها، وجوابه على كل واحدة منها، يتصل بها: [1]- تلفيق الشهادة في الطلاق فأما الأولى منها، فهى ما وقع في كتاب الأيمان بالطلاق من المدونة، عن أبى الزناد، وابن شهاب، «في رجل شهد عليه رجال متفرقون على طلاق، واحد بثلاث، وآخر باثنين، وآخر بواحدة: ذهبت منه بتطليقتين». قيل له: وفي نسخة أخرى: «شهد عليه رجال متفرقون واحد بواحدة، وآخر باثنتين، وآخر بثلاث ذهبت منه بتطلقتين». الجواب عليها: تصفحت سؤالك هذا، ووقفت عليه. وهذا الذى ذكرت من الاختلاف الواقع بين نسخ المدونة في

حديث ابن شهاب لا تأثير له فيما يوجبه الحكم من تلفيق الشهادة، على قول من يرى أنها تلفق. والواجب على القول بالتلفيق: أن تلزمه طلقتان، كما وقع في المدونة لابن شهاب، وهو مذهب ابن القاسم، وروايته عن مالك فيها، خلاف ما لهما في غيرها، سواء أرخ كل واحد من الشهود شهادته، أو لم يؤرخها، اختلفوا في التاريخ أو اتفقوا عليه، اذ لا تأثير للتاريخ فيما يجب من تلفيق الشهادة عند من يلفقها، لأنه لو وجب قبول شهادة الشاهد الواحد بانفراده، في تعيين اليوم الذى شهد فيه أنه طلق فيه، لوجب قبول شهادته، بانفراده، فيما شهد به من طلاق، فلما لم تقبل شهادة الشاهد الواحد بانفراده فيما شهد به من الطلاق؛ وجب ألا تجوز شهادة واحد منهم فيما انفرد به من التاريخ، وألا يعتبر بالتاريخ، اذ لا تأثير له؛ اذ لم يثبت فيما يلزمه من الطلاق. ألا ترى أن العدة لا تكون في ذلك الا من يوم الحكم، وان أرخ كل واحد منهم شهادته، كما إذا لم يؤرخ. ولو اجتمع شاهدان على تاريخ واحد، لوجب أن تكون العدة منه. والتفصيل الذى فصله اللخمى في تبصرته، من الفرق بين أن يكون تاريخ الشاهد بالثلاث متأخرا عن تاريخ شهادة الشاهدين، أو متقدما عليهما، أو على أحدهما ليس له وجه يصح. وكذلك قوله: «ويختلف، إذا عدمت التواريخ، هل تلزمه طلقتان، أو ثلاث، لأن الزائد على الاثنين من باب الشك في الطلاق»، غلط ظاهر، لا يصح، اذ لا اختلاف في أن الحاكم لا يحكم على المنكر بشك،

2 - أداء دين الدنانير بحلى الذهب

وانما الاختلاف هل يحكم عليه بالشك، إذا أقر به على نفسه. وبالله التوفيق. [2]- أداء دين الدنانير بحلى الذهب وأما الثانية فهى رجل، كانت له دنانير في ذمة رجل، فقضاه وزنها حلى ذهب في جودة ذهبه، او أقل عيارا منها، بوزنها، دون عادة، ولا شرط، ولا عدة، والدنانير إذا امتحنت بالوزن، منفردة، وجد بعضها أفى من بعض. فإذا جمعت المائة منها بالصنجة ربما صدقت أو نقصت من الوزن. وكيف إن قضاه مرابطية عن عبادية؟. جوابها: تصفحت سؤالك هذا، ووقفت عليه. فأما الذى اقتضى من دنانير له، تجوز عددا، حلى ذهب، بوزن دنانيره، مثل عينه أو أدنى، فلا يجوز لعدم المماثلة في ذلك، مع القصد إلى المبايعة، لما في ذلك من اختلاف الأغراض. وأما اقتضاؤه الذهب المرابطية من العبادية فهو جائز؛ لأن الفضل في ذلك من جهة واحدة، اذ العبادية أدنى في العيار، وأقل في الوزن. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [3]- المبلغ الذى تجب به اليمين في المسجد الجامع وأما الثالثة فهى رجلان تقايلا في دينارع فصاعدا، ثم اختلفا في التقاضى، فقال البائع: بقى لى عندك ثمن دينار، وقال المبتاع: قد دفعته إليك، مع جميع ثمن السلعة، هل تجب اليمين في المسجد الجامع أم لا؟ -

239 - ضرر تعلية البناء بين جارين

وكيف ان ابتاع منه سلعة، فقام عليه بعيب، فزعم البائع أنه قد بينه له، وانكر ذلك المبتاع، وقيمة العيب أقل من ربع دينار - أين تجب اليمين؟ وهل يختلف الحكم في فوات السلعة وحضورها؟. وجوابها: تصفحت سؤالك هذا، ووقفت عليه. فأما الذى من بقى أقل من ربع دينار، وادعى عليه دفع ذلك [221] اليه، فأنكره عليه، / فلا يلزمهى اليمين في ذلك، في الجامع. وأما الذى قام بعيب قيمته أقل من ربع دينار، في سلعة اشتراها، قيمتها أكثر من ربع دينار، فادعى البائع أنه تبرأ اليه، فإن كانت السلعة قائمة، يجب ردها بالعيب، لزمته اليمين في ذلك في الجامع، وان كان قد فات ردها بالعيب لم يجب اليمين في ذلك في الجامع. كما إذا اختلف المتبايعان في ثمن السلعة، في أقل من ربع دينار، وهى قائمة، يتحالفان في الجامع، بخلاف ما إذا كانت السلعة قد فاتت، هذا الذى لا يصح سواه. وقد وقع في كتاب ابن المواز وفي سماع ابن القاسم من كتاب العيوب من العتيبة، في التداعى في العيب في السلعة ما ظاهره خلاف ما ذكرناه. والصواب أن يتأول على ما ذكرناه؛ إذ لا يصح سواه. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [239]- ضرر تعلية البناء بين جارين وخوطب، رضي الله عنه، من مدينة لبلة، أعادها الله، بهده

المسألة، يسأل عنها، وهة مسألة اطلاع على سقف جار. ونصها: جوابك، رضي الله عنك، في رجل له غرفة مشرفة على أسطوان داره، بمدينة لبلة، ولها إلى جهة الغرب، على ظهر سقف بيت من دار، جاره، والبيت المذكور متصل بالغرفة المذكورة، ودونها في العلو، وباب الغرفة على ظهر، ولا يكشف منه على واحد، قرب منه أو بعد، ولم يزل كذلك مدة من الدهر، إلى أن باع الآن صاحب البيت داره، فأراد المبتاع لها رفع البيت المذكور، وتسويته مع الغرفة المذكورة، وتطميس بابها القديم وصاحب الغرفة لا يسوغه ذلك. أفتنا بالواجب في ذلك يعظم الله أجرك، ويجزل ذخرك. فأجاب أدام الله توفيقه، على ذلك بأن قال: تصفحت سؤالك هذا، ووقفت عليه. ومن حق صاحب البيت أن يرفع بيته ما شاء، وليس له أن يسد الباب على صاحب الغرفة ان كانت له فيه منفعة، باقية، بعد رفع البيت، ويقال لصاحب البيت: استر على نفسك ان شئت، لأنها منفعة قد حازها على بائع الدار منه، إلا أن لا يكون لصاحب الغرفة في الباب منفعة، إذا رفع البيت، الا بالطلع عليه، فيكون من حقه أن يسده عليه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار». وبالله التوفيق، لا شريك له.

240 - هل يدخل بنو البنين مع البنين في الحبس المعقب؟

جواب ابن الحاج في الموضوع: وأفتى فيها الفقيه أبو عبد الله ابن الحاج، فقال: له أن يرفع البيت ما أحب، ما لم يضر بجاره. وبالله التوفيق لا شريك له. [240]- هل يدخل بنو البنين مع البنين في الحبس المعقب؟ وكتب إليه، رضي الله عنه، أحد الفقهاء للمشاورين بجيان، يسأله عن مسألة حبس، وذلك سنة ثلاث عشرة وخمس مائة: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. صلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما. جوابك - رضي الله عنك، ووفقك - في رجل حبس ملكاً على ابنيه، فقال في إشهاده به: " ملكي هذا حبس على ابني فلان وفلان، ثم على أعقابهما، وأعقاب أعقابهما، ماتناسلوا " فمات الأبناء، ولهما بنو بنين، فأراد بنو البنين أن يدخلوا مع من فوقهم. فبين لنا - وفقك الله، وسددك - وجه الحكم في ذلك، وهل يكون الترتيب في الدرجة التي ذكر فيها، ثم على أعقابهما لا غير، أو يكون فيها، أو فيما بعدها، وإن كان في ذلك اختلاف فبما تختار منه؟ ووجهه؟ موفقا، معاناً، مسددا، إن شاء الله تعالى. فأجاب، أدام الله توفيقه، على ذلك بهذا الجواب: تصفحت سؤالك، ووقفت عليه.

وإذا كان نص التحبيس على ما ذكرته فيه، فلبني البنين الدخول في الحبس مع من فوقهم من البنين. هذا نص قول مالك في المدونة، ولا اختلاف أحفظه في أنهم يدخلون معهم؛ لأنه قد شَرَكَ بينهم بالواو، التي موضعها لإدخال الثاني فيما دخل فيه الأول، وإنما الاختلاف هل يقسم ذلك بينهم بالسوية، أو على قدر الحاجة، والذي جرى به العمل: أن يقسم ذلك بينهم على السوية الذكر والأنثى، والغني والفقير. واختلف، أيضا، هل يدخل في ذلك، أولاد البنات، عند مالك، على ثلاثة أقوال: أحدها: أنهم لا يدخلون فيه، على مذهبه، بحال، لأن ولد البنت ليس بعقب عنده. والثاني: أنه يدخل فيه، على مذهبه، أولاد بنات الابنين المسمَييْن، لأن بناتهما من عقبهما، فأولاد هن عقب عقبهما، فوجَبَ أن يدخلوا في الحبس، لقوله فيه: " وعلى أعقاب أعقابهما "، ولا يدخل فيه، على هذا القول: أولاد بنيات الابنين، ولا أولاد بنيات بناتهما، إلا أن يقول: " ثم على أعقابهما، وأعقاب أعقابهما وأعقاب أعقابهما "، وكذلك كلما زاد تعقيبا يدخل ولد البنات إلى تلك الدرجة التي انتهى إليها. ولو اقتصر على قوله: " ثم على أعقايبهما ما تناسلوا "، ولم

241 - أحد عشر سؤالا من القاضي أبي الفضل ابن عياض

يزد: " وأعقاب أعقابهما "؛ لما دخل في الحبس أحد من أولاد بنات الابنين على مذهب مالك، رحمه الله. وبهذا القول حضرت شيخنا الفقيه أبا جعفر ابن رزق، رحمه الله، يفتي وبه جرى العمَل، وهو أظهر الأقوال. والقول الثالث: أنه يدخل في ذلك، على مذهب مالك، أولاد بنات الابنين، وأولاد بنات بنيهما وبناتهما ما تناسلوا، لقوله: " ما تناسلوا "، بعد أن قال: " ثم على أعقابهما، وأعقاب أعقابهما "، بخلاف إذا اقتصر على قوله: " ثم على أعقابهما وأعقاب أعقابهما "، ولم يقل: " ما تناسلوا ". ولا يدخل أحد من بني الابنين المسمَّيين مع أبيه في الحبس، ما دام حيا، لقوله " ثم على أعقابهما " لدخل معه، قيل: فيما فضل عنه، وقيل: بالسوية، وقيل: على قدر الحاجة، لأنهم فرقوا، في أحد الأقوال، بين حكم الولد، وولد الولد، ويبن حكم ولد الولد، وولد ولد الولد، إذا أشرك بينهم بالواو، فقالوا فيه: يؤثر الولد على ولد الولد، فلا يدخل ولد الولد إلا فيما فضل عن الولد، ولم يقولوا ذلك في ولد ولد الولد مع ولد الولد. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [241]- أحد عشر سؤالا من القاضي أبي الفضل ابن عياض وسأله، رضي الله عنه، القاضي بسبتة أبو الفضل ابن عياض، عن

1 - شروط من يوجهه القاضتي في الإعذار أو التحليف

إحدى عشرة مسألة، كتب بها إليه في آخر سنة خمس عشرة، وخمس مائة. وهذا نص جميعها، والجواب على كل واحد منها يتلوها: [1]- شروط من يوجهه القاضتي في الإعذار أو التحليف فأما الأُولى منها، فهي عمن يوجهه القاضي في الإعذار، أو في تحليف من غاب عن حضرته، أو في النظر إلى عيب، أو اعتراف بحد، وكل موضع أجيز فيه الواحد هل يشترط في عدالته ما يشترط في عدالة من جاء مجيئ الشهادة؛ لنص العلماء أن يكون عدلا، أم لا يشترط في ذلك هذا؛ إذ ليس حكمه حكم الشهادة، وإنما هو من باب نقل الخبر، فحسبه أن يكون ثقة، غير معروف بجرحة، كما حده أهل بالعلم، فيمن يعدل رواة الحديث، وقالوا: إنه يصح فيه تعديل العبد، والمرأة لأنه مخبر وليس بشاهد. لك الفضل في بيان هذا، فإنه قد قام بنفسي فيها تعلة، منك جلاؤها، إن شاء الله تعالى، وهو المستعان، لا إله غيره. المختار: أن يوجه في الأعذار ونحوه شاهدان عدلان: الجواب عليها. تصفحت - أعزك الله بطاعته، وأمدك بمعونته - سؤالك هذا ووقفت عليه. والاختيار: ألا يوجه القاضي في الإعذار وفي تحليف من غاب

2 - المختار توجيه شاهدين في الحيازة

عن حضرته، وما أشبه ذلك مما يغيب عنه، إلا رجلين عدلين؛ فإن وجه واحدا فلا يكون إلا من تعرف عدالته، لا من يجهل حاله، فإن قصر فيما ينبغي له أن يفعله من ذلك، فوجه من لا تعرف عدالته، لم يصح له الحكم بما ينقل إليه إلا بعد أن تصح عنده عدالته، بتزكية رجلين مبرزين في العدالة بالعدل والرضاء، أو بأن يسأل عنه في السر من يثق به، كما يفعل في الشاهد عنده بشهادة، ولا يعرف بعدالة. والاختيار إذا سأل عنه، أيضا، ألا يكتفي بسؤال واحد عن حاله، فإذا اكتفى بذلك جاز من ناحية قبول خبر الواحد، وإن كان امرأة، وكذلك إن كان عبدا في وجه القياس، وإن كان مالك يفرق في ذلك بين المرأة والعبد، استحسانا، من أجل أن العبد لا تجوز عنده شهادته، في موضع من المواضع، ويكون بذلك عنده مبقول الشهادة، كما يكون المخبر عند من حدثه مقبول الخبر بذلك، فالثقة الذي يقبل نقله للخبر بذلك، فالثقة الذي يقبل بنقله للخبر هو العدل، إذ لا يكون ثقة إلا عدلا، ولا عدل إلا ثقة. ويجوز قول الطبيب فيما يسأله القاضي عنه بما يختص بمعرفته الأطباء، وإن كان غير عدل، أو نصرانيا، إذا لم يوجد سواه. والاختيار أن يكونا اثنين عدلين، وكذلك القاسم الموجه للقسمة، وما أشبههما. وبالله تعالى التوفيق لا شريك له. [2]- المختار توجيه شاهدين في الحيازة وأما الثانية فهل يجوز للحاكم أن يوجه في الحيازة على الشاهدين في الأملاك واحدا؛ إذ هو نائب منابه في الحضور، فبابه باب الأعذار وشبهه، أم لا بد من اثنين؟

3 - هل يقدم الكفيل بطلب من الدائن، أو بحكم القضاء؟

ما تراه في ذلك؟ وهل فيه نص لأحد من الأشياخ؟ فقد لاح لي فيه شيء أردت رأي أمامي فيه، بتوفيق الله. الجواب عليها. تصفحت سؤالك هذا ووقفت عليه. ولا فرق بين الموجه لحضور حيازة ما شهد به الشهود، وبين سائر ما يوجه فيه القاضي من الأعذار وشبهه، العدل الواحد يجزيء، والاختيار أن يكونا اثنين. وبالله تعالى التوفيق لا شريك له. [3]- هل يقدم الكفيل بطلب من الدائن، أو بحكم القضاء؟ وأما الثالثة فهي مسألة الضامن، هل يلزم الحاكم أن يوجهه على من وجب عليه أخذ الضامن بالمال، أو بالوجه، إلا أن يتركه من وجب له، أم لا يلزمه ذلك بعد طلب من يجب له ذلك، أو يفرق في ذلك بين من يعرف ما يجب، كما حدده بعضهم في مثل ذلك؟. ب- هل يخضع تحديد الآجال للقضاء، أم لرغبة الطَّالِبِ؟ وكذلك مدة الآجال، وتطويل ما يجب تطويله من ذلك، هل يبدأ بذلك الحاكم، إذا طلب من له ذلك، ويضربها على ما حده أهل العلم من آمادها، وهو الظاهر من أقوال العلماء، وسير من شاهدته من الحكام، أم يقف بذلك على رغبة الطالب، في حد أجله، وتطويل أمد

منفعته، ولهذا وجه في الظاهر، إن شاء الله تعالى؟ [أ] الجواب عليها. تصفحت سؤالك هذا، ووفقت عليه. وإذا حكم القاضي للرجل بما يوجب عليه الضمان، فيلزمه أن يعلم خصمه بوجوبه له، إذا كان ممن يمكن أن يجهل ذلك، لئلا يظن أنه إنما حكم عليه دون ضَامِنٍ، فإن تركه وإلا قضى له به، وذلك في مثل الرجل يحل له الدين على الرجل، فيسأل المطلوب أن يؤجل به، حتى يحضره، فيرى ذلك القاضي، ويحكم له به على الطالب، ومثل الرجل يسجن فيما يحل عليه من الدين، فيثبت العُدْم، ويسأل أن يطلق من السجن، والطالب يكذب بيبنته، التي شهدت له بالعدم، فيحكم القاضي بإطلاقه من السجن، والأعذار إلى الطالب في بينته، وما أشبه ذلك. وأما إذا لم يحكم بما يوجب الضمان عليه، فلا يحكم عليه بالضمان، حتى يسأل ذلك الطالب، وليس عليه أن يعلمه بوجوب ذلك له. وذلك مثل أن يدعي رجل على ر جل حقا، فينكر، فيسأل الطالب أن يؤخذ له حميل حتى يقيم بينته، على حقه، وما أشبه ذلك. [ب] والذي حده أهل العلم في ضرب الآجال على المطلوب في حَلِّ ما ثبت عليه للطالب إنما لهو منتهى ما يؤجل فيه، إذا لم يقنع بأقل من ذلك. والمعلوم منه أنه إِنما يطلب ضرب الأجل له، ليوسع عليه فيه،

4 - الحد الذي يوجب اليقين في الشهادة

فلذلك استمر العمل على أن يضرب له ما حده العلماء من الآجال إذا سأل أن يؤجل، ليطلب منافعه، دون أن يسأل عن شيء. [4]- الحد الذي يوجب اليقين في الشهادة وأما الرابعة فشهادة الكافة غير الموسومين بالعدالة، وكيف إن كان فيهم أهل ستر وصيانة، وتوسم، رما الحد الذي يقطع بشهادتهم فيه عندك؟ ورغبتي أن تشبع لي الجواب في هذا السؤال، فلم أقف فيه على شيء يشفي، على كثرة مطالعتي وفتشي، عنه وعن مثله، ولست أريد باب الشهادة في السفر، ولا ما سطره المتكلمون والأصوليون في حد نقلة متواتر الخبر. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. الجواب عليها - تصفحت سؤالك هذا، ووقفت عليه. وما لم يبلغ عدد الشهود حد التواتر، من الذي يوجب العلم، فلهم حكم الشهادة على وجهها.

5 - بيع وصية بثلث أملاك، محملة بالعمرى

والشهود على إحدى عشرة مرتبة، منها: المعلوم بالعدالة، والمرسوم بها، والذي لا تتوسم فيه جرحة ولا عدالة. فأما المعلوم بالعدالة فتجوز شهادته في كل شيء، إلا في ستة مواضع على اختلاف في بعضها، واثنان فما فوقهما، فيما عدا الزنا، بمنزلة سواء في ثبوت الحق بشهادتهم، إلا ما قاله بعض العلماء في الترشيد من أنه لا تعمل فيه إلا شهادة الجماعة. وأما الشاهد الموسوم بالعدالة فلا تجوز شهادته إلا فيما يقع بين المسافرين في السفر على ما ذهب إليه ابن حبيب، والاثنان فما فوقهما. بمنزلة سواء. وأما الذي لا تتوسم فيه جرحة ولا عدالة، فلا تجوز شهادته في موضع من المواضع، وقد تكون شبهة توجب حكما. ولا أدري من أجاز شهادة الكافة منهم، كما ذكرت، في المذهب على سبيل الشهادة، وإنما تجوز إذا وقع العلم بخبرهم من جهة التواتر. [5]- بيع وصية بثلث أملاك، محملة بالعمرى وأما الخامسة فهي امرأة أمتعت زوجها حياته في أملاكها، ثم أوصت في مرضها بإخراج ثلثها للمساكين، ولم تترك سوى الأملاك المذكورة. فقام وارثها يدعي أن إمتاعها كان في مرضها، وقام الزوج ببينة، أن مرضها بإخراج ثلثها للمساكين، ولم تترك سوى الأملاك المذكورة. فقام وارثها يدعي أن إمتاعها كان في مرضها، وقام الزوج ببينة، أن مرضها كان من الأمراض غير المخوفة كالخدر وشبهه. ثم صالح الوارث على أن يسقط الزوج متعته، ويستوجب نصابه، من الأملاك بشيء اتفقا عليه.

6 كراء الدابة واشتراط قبض الثمن بموقع انتهاء السفر

فهل يسوغ للناظر للمساكين أن يسمح له في ثلث الأملاك، ويرخص يبع ذلك منه، ليسقط متعته، ويكون استعجال ذلك نظراً للمساكين، أو يوجب به بيع ثلث الأملاك بقيمتها على غررها، إلى قدر عمر ذلك في تماديه إلى أقصى الأعمار، واخترامه عن قريب. بين لنا ما يوجبه الحق عندك، مأجورزا موفقا، إن شاء الله تعالى. جوابك عليها: تصفحت - أعزك الله بطاعته، وأمدك بمعونته - سؤالك هذا ووقفت عليه. وإن أراد الوصي الناظر في تنفيذ الثلث على المساكين أن يصالح الزوج من ماله عن الثلث من الأملاك، على أن يسقط دعواه بالإمتاع فيها، كما فعل الوارث معه في حظه، ليصح له بيع الثلث وتعجيل تنفيذه للمساكين؛ كان ذلك جائزا على مذهب ابن القاسم. ولا يجوز له أن يصالحه على ذلك من الثلث الموصى به للمساكين. وإن لم يصالح على ذلك، وصح له الإمتاع، جاز له أن يبيع المرجع من الثلث من الزوج على مذهب ابن القاسم، ولا يجوز له أن يبيعه من الوارث، ولا من غيره، لأن ذلك من الغرر لمنبهي عنه في البيوع، وإن لم يرد الزوج شراءه، لم يكن بد من تأخير الأمر إلى موته. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [6] كراء الدابة واشتراط قبض الثمن بموقع انتهاء السفر وأما السادسة فهي المكتري للدواب على النقد، في البلد الذي إليه منتهى السفر، وهو معلوم، والكراء بالعين، هل يدخله شيء؟ وهل

الكراء خلاف البيع للعرف، باستعجال الخروج في الكراء، وإيجاب الحكم في ذلك؟ جوابها: تصفحت سؤالك هذا، ووقفت عليه. واكتراء الدواب على أن ينقذ كراءها في البلد الذي اكتريت إليه جائز، ولا غرر في ذلك، لأن الركوب حال، كما ذكرت، وسواء أكان الركوب معينا أو مضمونا. وإنما جاز ذلك في المضمون، وإن كان يدخله الدين بالدين، للضرورة إلى ذلك، وهي خوف غدر المكاري، وقد قال مالك رحمه الله في ذلك، كم كري قد هرب وترك لأصحابه لِلَّهِ وقد قيل: إنه يدخله في المعين ما يدخله في المضمون؛ لأن الركوب لا يقتضي إلا شيئاً شيئاً، إلا أنه أجيز أيضا، للضرورة، خوف غدر الأكرياء، فعلى هذا لا يجوز كراء دار بدين. وقد وقع في كتاب محمد بن المواز ما يدل على ذلك، والمشهور أن ذلك جائز، ولو كان الكراء على هذا بسلعة بعينها، لم يجز باتفاق. وأما بيع السلعة، على أن يقبض ثمنها ببلد آخر، وهو دنانير أو دراهم، ولا يضرب لذلك أجل، فالمشهور أن ذلك لا يجوز، إلا أن يسمى وقت الخروج إلى ذلك البلد. ويكون قدر المسير إليه معروفا،

7 - الرجوع بنفقة الحمل بعد ثبوت انفشاشه

ويكون ذلك كالأجل المضروب، فإذا حل، أخذ منه حقه حيثما وجده، وقيل: إن ذلك لا يجوز، ويحمل على الحلول. [7]- الرجوع بنفقة الحمل بعد ثبوت انفشاشه وأما السابعة فهي امرأة ظهر بها حمل من زوج طلقها، ففرض لها، ثم انفش الحمل، وشهد بذلك، ثم ظهر، فطلبت النفقة، ثم انفشَّ وشهد النساء بأن ليس بها شيء. وهي في كل ذلك تدعي الحمل، فقام الزوج يطلب بما أخذت منه في فرض الحمل، قبل هذا، وقد مضى لأمد طلاقها أزيد من عامين. هل للزوج ذلك على رأي من يرى له الرجوع؟ وكيف إن أقامت هي نساء أخر، يشهدن بالشك في أمرها، وأنهن يرين أمرا مشكلا، لا يدرين أهو ولد أم داء، هل يوجب بذلك إيقاف الزوج عن أخذ ما أعطى أم لا؟ وكيف إن أقامت، الآن شهودا بإثبات الحمل، هل يرجع فتأخذ، أم تتوقف، لاضطراب حالها، واختلاف بأمرها، وطول مدتها، إلى أن تلد أو يتقين انكشافه، وزواله، أو يمضي من الأمد ما يوئس منه؟ والله المستعان. الجواب عليها: تصفحت سؤالك هذا، ووقفت عليه. وإذا ثبت عند القاضي، بشهادة النساء أن الحمل قد انفشَّ كان له الرجوع بما أنفق عليه، على القول بوجوب الرجوع له بذلك. وقد اختلف في ذلك على أربعة أقوال؛ أحدها: أن له الرجوع بذلك،

8 - هل تحبيس المبيع يفيت الرد بالعيب؟

والثاني: أن لا رجوع له به، والثالث: أن له الرجوع بما أنفق إن كانت نفقته بقضاء، ولا يرجع به، إن كان أنفق متطوعا. والرابع: بعكس هذه التفرقة. ولا يلتفت إلى شهادة من شك في شهادته منهن. ثم إن ثبت الحمل بعد ذلك عاد عليه الإنفاق، وذلك بعد الأعذار إلى الزوجة في شهادة من شهد أن الحمل قد انفش، إذا كانت مدعية للحمل، وبعد الأعذار إلى الزوج في شهادة من شهد بالحمل، إذا لم يكن منكرا له. وبالله التوفيق. [8]- هل تحبيس المبيع يفيت الرد بالعيب؟ وأما الثامنة فهي رجل أوصى بشراء دار، توقف حبسا، لمسجد، فامتثل وصية ذلك وزاد من مال نفسه شيئاً، وحبس الدار، ثم ظهرت بها، بعد أمد، عيوب كثيرة قبيحة مفسدة لكثير من منافعها، توجب ردها، هل يفيتها هذا التحبيس، وتكون كمسألة العبد الموصى بشرائه، وعتقه، لنصهم أن الحبس مفيت، أم ما تراه؟. الجواب عليها: تصفحت سؤالك هذا، ووقفت عليه. وليس تحبيس الدار على هذا الوجه الذي وصفت مما يفيت ردها بالعيب، وإنما يكون التحبيس فوتا في الدار يمنع من ردها بالعيب، إذا اشتراها الرجل لنفسه، ثم حبسها.

9 - هل يقسم الحبس المعقب بالسواء، أو باعتبار الحاجة؟

وأما هذا فلم يشترها لنفسه، وإنما اشتراها للحبس، للإيصاء إليه بذلك، فلم ينتقل الملك فيها بتحبيسه إياها، بعد الشراء، عما كانت عليه، مما اشتراها له، لأن تحبيسه إياها بعد الشراء إنما هو إعلام بأنه إنما اشتراها عما كانت عليه لما اشتراها من مال الموصي، على ما أوصى به إليه، من أن يكون حبسا؛ فلم أن يردها إذا وجد بها عيبا، وإن لم تكن ملكا له، من أجل أنه وكيل على شراء سلعة، فوجد بها عيبا، فله أن يردها وإن لم تكن ملكا له، لهذه العلة. ولا تشبه هذه المسألة مسألة العتق، لأن للعتق حرمة تمنع من رده، وهو موارثته الأحرار، وجواز شهادته، وما أشبه ذلك مما يبيين به الحر عن العبد. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [9]- هل يقسم الحبس المعقب بالسواء، أو باعتبار الحاجة؟ وأما التاسعة فعقد تضمن تحبيس فلان على ابنيه؛ فلان وفلان، بجميع الرحا الكذا، بالسوية بينهما، والاعتدال، حبسها عليهما، وعلى أعقابهما، حبسا مؤبدا، ثم عقد الحبس على واجبه، وحوزه، ومات الأب والابنان بعده، وتركا عقبا كثيرا، وعقب أحدهما أكثر من عقب الآخر، وفي بعضهم حاجة. فكيف ترى قسمة هذا الحبس بين هؤلاء الأعقاب، هل على

10 - معارضة الزوج في إمتاع الزوجة أباها بسكنى

الحاجة، أم السوية، أم يبقى في يد كل عقب ما كان في يد أبيه؟. وجه لنا رأيك في ذلك، نعتمد عليه إن شاء الله. الجواب في هذا الحبس، إذا كان الأمر فيه على ما وصفت: أن يقسم على أعقاب الولدين جميعا على عددهم، وإن كان عقب الولد الواحد أكثر من عقب الآخر، بالسواء، إن استوت حاجتهم، فإن اختلفت فضل ذو الحاجة منهم على من سواه بما يؤدي إليه الاجتهاد، على قدر قلة عياله، أو كثرتهم، ولا يبقى بيد ولد كل واحد منهم ما كان بيد أبيه، من قبله. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [10]- معارضة الزوج في إمتاع الزوجة أباها بسكنى وأما المعاشرة فهي امرأة أمتعت أباها سنين مسماة في دار، لا تملك سواها، أو هي أكثر من ثلثها، فقام وزجها برد فعلها، وقال: تفويتها للمنافع تفويت للأصل، هل له ذلك، وتكون كمسألة الوصايا، أم هي بخلافها، لاستحقاق بالورثة المال بموت الميت، والزوج إنما استحقاقه مترقب، وهي لم تفوت أصلا؟ جوابها: تصفحت سؤالك هذا، ووقفت عليه. وإذا كانت أمتعته الدار، السنين الكثيرة، التي تستغرق مدة

11 - حكم النحلى في وسط يجهلها

معترك زوجها، فتبين من فعلها أنها إنما قصدت الإضرار به، بتفويت الدار عليه، فله رد ذلك عليه إن توفيت، ولا كلام له في ذلك ما دامت حية. وبالله التوفيق، لا شريك له. [11]- حكم النحلى في وسط يجهلها وأما الحادية عشرة فامرأة نحلت ابنتها، عند عقد الصداق، بمال، فلما أبرزته طلبها الزوج بميراث الابنة من أبيها، فقالت له: هو ما نحلتها فيه. فقال لها: النحلة عطية، وهي غير ما استحقته. فهل تعذر المرأة بجهالتها بذلك أم لا؟ فقد كانت نزلت فلم يعذرها بعض شيوخنا، وأفتى بإلزامها المالين. وأخذ معي فيها القاضي أبو محمد ابن منظور، وهو كان الحاكم فيها، رحم الله جميعهم، فملت إلى عذر المرأة، وأن الناس لا يعرفون اليوم معنى النحلة، إلا القليل منهم، بل إنما يفهمون منها: مالها من مال، فكأنه مال إلى ذلك، ورأيته بعد أن أحلف المرأة: أنها ما أرادت بالنحلة سوى ميراثها، ولعمري، لقد كان الزوج ابن أخته، رحمه الله. فنزلت، الآن عندي، فأرادت رأيك العالي في ذلك، مأجورا. وربما نحل بعضهم وليته بنحلة، وأشهد على ذلك، فإذا جاء عند إبرازها، كتبها صدقة، فإذا قيم عليه، قال: هذا الذي أردت. يبن لنا ذلك معانا، إن شاء الله تعالى.

242 - حول الحديث: " ماله أهجر؟ استفهموه! "

الجواب عليها: تصفحت سؤالك هذا، ووقفت عليه. وما حكم به القاضي أبو محمد، رحمه الله، باشارتك عليه، في هذه المسألة، صحيح عندي، وبه أقول. فإذا قد نزلت عندك، فأنفذ ذلك من حكمك فيها، موفقا معانا، إن شاء الله، عز وجل. والسلام على الفقيه القاضي، ورحمة الله وبركاته. [242]- حول الحديث: " ماله أهجر؟ استفهموه! " وكتب إليه، رضي الله عنه، الفقيه أبو محمد ابن خالد من أهل كورة لوشة، يسأله عن معنى حديث وقع في صحيح البخاري. ونص السؤال بعد البسملة: الجواب، رضي الله عنك، فيما وقع في صحيح البخاري، من حديث ابن عباس، في موت النبي، عليه السلام، من قوله فيه: " ماله أهجر؟ " ما معنى هذه اللفظة؟ فقد قيل: إنها من الهجر، وقيل: بمعنى هذى، وقيل معنى غير هذا وهو عليه السلام، منزه عن هذين، وفي الحديث دليل على دفع هذين التأويلين، وهو قوله: " ولا ينبغي عند نبي تنازع "، وهذا كلام صحيح.

فلك الفضل - أدام الله عزك - في مراجعتنا بما تراه في ذلك مأجورا مشكورا، إن شاء الله تعالى. الجواب عليها: تصفحت سؤالك هذا، ووفقت عليه، وعلى ما سألت فيه من معنى اللفظة الواقعة في حديث ابن عباس، وهي قوله فيها: " أهجر "، فهي لفظة وقعت في حديثه، على ما روى عنه سعيد بن جيبر، من أنه قال: " يوم الخميس، وما يوم الخميس لِلَّهِ ثم بكى حتى خضب دمعه الحصباء، قال: فقلت: يا ابن عباس، وما يوم الخميس؟ قال: اشتد بالنبي، عليه السلام، وجعه، فقال: ائتوني بكتف أكتب لكم كتابا، لن تضلوا بعده أبدا، فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: ماله أهجر؟ استفهموه، فقال: دعوني، فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه ". الحديث. فالهجر الهذيان في المرض، يقال: هجر، وأهجر، بمعنى هذى، وقيل: هجر إذا هذى، وأهجر إذا قال الهجر، وهو الخنا. وقد قريء الحديث: " ماله أَهَجَر؟ ". " وماله أَهْجَر؟ " على اللغتين جميعا. في الهجر الذي هو الهذيان. والصحيح في الرواية، الذي به يستقيم تأوي الحديث، على ما يصح أن يحمل عليه: " ماله أهجر؟ " بصيغة الاستفهام، والمراد به التقرير، بمعنى النفي، لأن الأَوْلى تنزيه النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا المعنى، وإن كان لا نقيصة فيه.

والمعنى عندي في ذلك، والله أعلم، وأحكم أنَّ النبي عليه السلام، لما اشتد به وجعه، الذي توفي منه، فقال، ائتوني بكتف أكتب لكم فيه كتابا لا تضلون بعده؛ اختلف أصحابه الحاضرون في ذلك، لما رأوه من شدة ما كان به من الوجع؛ فمنهم من رأى ذلك وأراده، وحرص عليه، ومنهم من لم يره، تخفيفا عن النبي عليه السلام، لشدة ما كان به من الوجع، وقال: عندنا كتاب الله حسبنا، على ما جاء في حديث ابن العباس، من رواية عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس، قال: لما اشتد بالنبي صلى الله عليه وسلم، وجعه، قال: ائتوني بكتف أكتب لكم كتابا، لا تضلون بعده، قال عمر: إن النبي، عليه السلام، غلبه الوجع، وعندنا كتاب الله عز وجل، حسبنا، فاختلفوا، وكثر اللغط، قال: قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع، فخرج ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين محمد عليه السلام، وبين كتابه. فيحتمل أن يكون تكلم النبي، صلى الله عليه وسلم، في خلال تلك المنازعة التي وقعت بينهم بكلام خفي لم يفهموه عنه، لغلبة الوجع عليه، فمنهم من لم ير أن يراجع فيه، ولا أن يستفهم عنه، إرادة التخفيف عنه، ومنهم من أراد أن يستفهم عنه، فكثر في ذلك بينهم اللغط المذكور في الحديث، وكان من جملة هذا اللغظ قول هذا القائل منهم: " ماله

243 - هبة علج لفداء أسيرين بدار الحرب

أهجر؟ استفهموه لِلَّهِ " يريد: ماله، فيما يظنون، أهجر؟ أي: أهو ممن يظن به الهجر من المرض، فيمتنع من استفهامه عما لم يفهم من كلامه؟ بل لا يظن به ذلك، فاستفهموه. فهذا معنى ما وقع من حديث سعيد بن جبير، عن ابن عباس، من قول القائل، " ماله أهجر؟ استفهموه لِلَّهِ " يريد: ماله، فيما يظنون، أهجر؟ أي: أهو ممن يظن به الهجر من المرض، فيمتنع من استفهامه عما لم يفهم من كلامه؟ بل لا يظن به ذلك، فاستفهموه. فهذا معنى ما وقع من حديث سعيد بن جبير، عن ابن عباس، من قول القائل، " ماله أهجر، استفهموه "، فلما سمع النبي عليه السلام، ذلك من تنازعهم، وكثر لغطهم، كره ذلك منهم، ووقال: " دعوني، فالذي أنا فيه " يريد. والله أعلم، من مناجاة من كان يناجيه من الملائكة " خير مما تدعوني إليه "، على ما جاء في الحديث. فهذا جواب ما سألت عنه، مشروحا مبينا. وبالله تعالى التوفيق لا رب غيره. [243]- هبة علج لفداء أسيرين بدار الحرب: وخوطب، رضي الله عنه، من بعض بلاد الأندلس، يسأل عن رجل، وهب غلاما نصرانيا ليفتك به رجلان مسلمان، معينا، من دار الحرب، دمرها الله. ونص السؤال: الجواب رضي الله عنك، في رجلين أسرا بدار الحرب، خربها الله، فوهب رجل من المسلمين غلاما ليفتك به الرجلان كلاهما، فانتدب ولي أحدهما للشخوص به، وبعث ولي الثاني معه رجلا، وتحاصصا مؤونة الإنفاق عليه، حتى وصلا إلى موضع الفتش عليهما، والاستقصاء عليهما، ففحصا عنهما، واجتهدا في طلبهما، في مدة من عامين وأربعة أشهر، فوجد ولي الأسير أسيره، ولم يوجد الآخر، ولا

سمع به، ولا علم له مستقر، ولا تيقن له موت ولا حياة، ففك، بالعبد، الأسير الموجود، ثم قدم، فطالبه ولي الأسير الثاني بنصف العبد، الموهوب بهما. فهل له المطالبة بنصف العبد، ويتحاصون في الإنفاق عليه؟ وإن ثبت ذلك، هل يقوم يوم الهبة، أو يوم الشخوص به، أو يوم دفعه في المفاداة؟ وهل يرجع العبد، أو نصفه إلى الواهب لعدم وجود الأسير الآخر، أم لا؟. بين لنا ذلك مأجورا مشكورا، إن شاء الله تعالى. فأجاب، أدام الله توفيقه، على ذلك بهذا الجواب، ونصه: تصفحت سؤالك هذا ووقفت عليه. وإذا كان الأمر على ما وصفته، فيلزم ولي الأسير، الذي فدي أسيره بجميع العبد، أن يغرم نصف قيمته يوم فدي به الأسير، فيكون موقفا، ما رجي وجود الأسير الآخر وافتكاكه به. فإذا يئس من ذلك، وانقطع الرجاء فيه، رجع ذلك إلى الواهب، إن قال: أنه لم يهب ذلك للأسير، وإنما أراد فكه به من الرق الذي أصابه، ويستحب له أن يجعله في أسير غيره. وإن قال: إنه وهب ذلك للأسير كان ذلك موروثا عنه، إذا وجب ميراثه. وللولي، الذي فدى بالعبد أسيره، أن يتبعه بقيمة نصف العبد، بعد يمينيه: أنه إنما فداه به على أن يتبعه بقيمته، إنْ أغرم إياها، والنفقة بينهما على ما أنفقاها.

244 - هل أئمة الأشعرية مالكيون؟

وبالله التوفيق، لا شريك له. [244]- هل أئمة الأشعرية مالكيون؟ وكتب إليه، رضي الله عنه، الأمير أبو إسحق ابن أمير المسلمين، رحمه الله، من مدينة أشيبلية حرسها الله، سائلا عن أئمته الأشعريين هل هم مالكيون أم لا؟ وهل ابن أبي زيد ؤ، ونظراؤه، من فقهاء المغرب، أشعريون أم لا؟ وهل أبو بكر ابن الباقلاني مالكي أم لا؟. فأجابه على ذلك بما هذا نصه: لا تختلف مذاهب أهل السنة في أصول الديانات، وما يجب أن يعتقد من الصفات، ويتأول عليه ما جاء في القرآن، والسنن والآثار من المشكلات، فلا يخرج أئمة الأشعريين، بتكلمهم في الأصول، واختصاصهم بالمعرفة بها، عن مذاهب الفقهاء في الأحكام الشرعيات، التي تجب معرفتها فيما تعبد الله به عباده من العبادات، وإن اختلفوا في كثير منها، فتباينت في ذلك مذاهبهم، لأنها كلها، على اختلافها، مبنية على أصول الديانات، التي يختص بمعرفتها أئمة الأشعرية، ومن عنى بها بَعْدَهم. فلا يعتقد في ابن أبي زيد، وغيره من نظرائه: أنه جاهل بها، وكفى

245 - هل يمنع المبروص من عقد الأشربة والمعاجن وبيعها؟

من الدليل على معرفته بها، ما ذكره في صدر رسالته مما يجب اعتقاده في الدين. وأما أبو بكر ابن الباقلاني فهو عارف بأصول الديانات، وأصول الفقه على مذهب مالك، رحمه الله، وسائر المذاهب، ولا أقفُ هل ترجح عنده مذهب مالك عن سائر المذاهب أم لا؛ لأن المالكي إنما هو من ترجح عنده مذهب مالك على سائر المذاهب، لمعرفته بأصول الترجيح، أو أعتقد أنه أصح المذاهب من غير علم فمال إليه، والعالم، على الحقيقة، هو العالم بالأصول والفروع، لا من عني بحفظ الفروع، ولم يتحقق بِمَعْرِفَةِ الأصول. وبالله التوفيق لا شريك له. [245]- هل يمنع المبروص من عقد الأشربة والمعاجن وبيعها؟ وكتب إليه، رضي الله عنه، من مدينة سبتة، حرسها الله، يسأل عن رجل مبروص، يصنع الأشربة، ويبيعها من الناس، هل يباح له ذلك، أو يمنع منه؟ ونص السؤال: جوابك، رضي الله عنك، في رجل عطار، مبروص، البدن، بين البرص وهو يعقد الأشربة، ويعمل المعاجن بيده، وهو بالحال الموصوفة من البرص الموصوف.

فهل له أن يعمل ذلك لجماعة المسلمين؟ وهل هو ممنوع من ذلك؟ أو هل أتى فيه أو في مثله، حديث أم لا؟. بين لنا ذلك بيانا واضحا، يأجرك الله تعالى. فأجاب، وفقه الله، على ذلك بما هذا نصه: تصفحت - عافانا الله وإياك - سؤالك هذا، ووقفت عليه. ولا يجب أن يمنع هذا الرجل، بسبب ما ابتلاه الله به من البرص، من عمل الأشربة والمعاجن يبده، وبيعها ممن يأتيه، فيشتريها منه، لحاجته إليها؛ إذ لا تأثير لبرصه فيها، يعديه إلى سواه؛ فقد نفى النبي، عليه السلام، ذلك بقوله: " لا عدوى "، وإن كانت النفس قد تعاف ذلك. والاختيار لمن عافت نفسه الاشتراء منه، ألا تشتري منه، لقول النبي، عليه السلام، في نحو هذا المعنى: " إنه أذى " مخافة أن يوافق ذلك قدر الله، فيظن ما فعله كان لذلك سببا. وإن كان قد يشتري منه من يظنه صحيحا، ولا يعلم بمرضه، فلا يصح أن يمنع من معاشه، من أجل ذلك، لأن من لم يعلم بمرضه لم يتأذَّ بالشراء منه، ومن علم بمرضه، فقد رضي بالشراء منه. ولمن اشترى منه، ولم يعلم، أن يرد ما اشترى منه، ما لم يفت، إذا علم، ولا يلزمه هو أن يعلم، ببرصه، لمن يريد أن يشتري منه، فيوهمه

246 - لا تجوز الهبة المشروطة بالمرجع

بذلك ما قد نفاه النبي، عليه السلام، من العدوى، إلا أنه لا يجوز له أن يبيع ما عمل من ذلك بيده ممن يبيعها من الناس، على أنه هو الذي عمله، لأن ذلك من الغش المنهي عنه. فهذا هو الذي يجب أن يمنع منه، لا ما سواه. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [246]- لا تجوز الهبة المشروطة بالمرجع وسئل عمن وهب لابنته هبة، وشرط فيها: أنها إن توفيت، عن غير ولد، وكانت ابنة أختها حية، يوم موتها، فترجع الهبة المذكورة إلى ابنة أختها، تكون لها مالا وملكا، وإن لم تكن ابنة أختها حية، يوم موتها، وكان لها ولد، كانت الهبة لولدها، فإن لم تكن حية ولا كان لها ولد، يوم موت الموهوب لها، والواهب حي، رجعت الهبة إليه، وإن لم يكن حيا، فالهبة حينئذ موروثة، عن الموهوب لها، كسائر مالها. فأجاب وفقه الله، على ذلك بأن قال: تصفحت سؤالك هذا، ووفقت على نسخة الهبة المذكورة فوقه. وما شرطه الواهب في هبته لابنته، من أنها إن توفيت عن غير ولد، إلى آخر قوله، لا يصح ولا ينفذ، لأنه شرط غير جائز. فإن كان الواهب حيا، قيل له: أن تبتل الهبة، وتسقط

247 - عذر المسح على العمامة أو التيمم

الشرط، وأما أن تأخذ هبتك. وإن كان قد مات صحت الهبة، وبطل الشرط. وبالله تعالى التوفيق لا شريك له. [247]- عُذر المسح على العمامة أو التيمم: وخوطب، رضي الله عنه، من حاضرة مراكش حرسها الله بسؤال مطول يسأل فيه عن رجل ضعيف، كثير المرض، أراد أن ينتقل، في وضوئه، من مسح الرأس إلى المسح على العمامة، وفي الطهور، من الغسل إلى التيمم. ونص السؤال من أوله إلى آخره: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. جوابك، رضي الله عنك، في رجل ضعيف الجسم والدماغ، متى أراد المسح على رأسه في الوضوء يزيد مرضه، وأصابته نزلة شديدة، كذلك، أبدا. هل يكون فرضه المسح على العمامة، أم لا؟ وهو مع ما هو بسبيله من هذه الحال المذكورة: تنتابه نُوَبٌ من أمراض تصيبه، تنضاف إلى الضعف المتقدم المذكور، الذي لا ينفك عنه، فإذا أصابته النوب المذكورة لم يقدر على الوضوء بالماء، وإن كان حارا، ويخاف من الهواء. هل يتيمم في هذه الحال الموصوفة، ويكون فرضه فيها التيمم، أم لا؟ أم كيف يفعل؟. وكيف لو أصاب أهله في هذه الحالة، هل يتيمم لجنابته، ما دام على

هذا الحال، ويجزئه ذلك؟ ومتى أصابته جنابة من ممارسة أهله، في الحالة الأولى، المتقدمة الذكر لا يقدر على غسل رأسه بالماء، وربما احتاج إلى الاغتسال من الوجه المذكور، من الثلاثة أشهر إلى الأربعة، أو أقل من ذلك أو أكثر، لضعفه. فإن صب الماء على رأسه كان حارا، أو باردا، مرض، وخاف على نفسه. فهل يكون فرضه، في الغسل، في هذه الحال، المسح على رأسه، وغسل جسده بالماء أم كيف يفعل؟. راجعنا على ذلك، فصلا فصلا، مأجورا إن شاء الله. هل تعمل أعذار التيمم، والمسح، في جنابة المعصية؟ وقعت عندنا - أدام الله توفيقك - هذه المسألة، فتكلم فيها الفقهاء، إلى أن ركب عليها: أن لو أصابت من حالته ما تقدم فوق هذا، جنابة من معصية - عافانا الله بفضله، ورحمته - كيف يصنع؟ فقال بعضهم: لا رخصة له في ذلك، وقاسها بمسألة المسافر سفر المعصية، أنه لا يقصر، ولا يفطر، ولا يأكل الميتة إن اضطر إليها. وقال آخرون: ليست تشبه مسألة المسافر سفر المعصية، والرخصة له في مسح رأسه إذا كان من شأنه ما تقدم فوق هذا من الضعف، وسواء أكان الغسل مترتبا عليه من حلال أو من حرام. قال: وذلك أن سفر المعصية إنما منع من القصر فيه، والفطر، وأكل الميتة في أحد القولين، لأنه يتقوى بذلك عن المعصية، التي هو فيها ساع، ومسألة الغسل ليست كذلك، إذ المعصية قد انقضت، فيقع المسح المرخَّصُ فيه، وهو غير متشبث بالمعصية، ولا دَاخِلٍ فيها، والله أعلم.

بين لنا، بفضلك، أيضا، هذه المسألة مأجورا، والصواب فيها، واشرح لنا ذلك شرحا بينا، والله يؤيدك ويوفقك، بقدرته ورحمته، لا رب سواه. فأجاب، وفقه الله، على ذلك كله بما هذا نصه: تصفحت - رحمنا الله وإياك - سؤالك هذا، ووقفت عليه. ولا رخصة لها الرجل بما وصفه من ضعف جسمه، ودماغه في المسح على عمامته في الوضوء على حال، إذا لم يكن برأسه جرح يمنعه من المسح عليه، بوجه من الوجوه؛ لأن الذي ذكرت مما يخشى أن يصيبه منه بعيد، فهو من وسواس الشياطين الذي لا ينبغي أن يلتفت إليهم، ومتى فعل ذلك، وجب عليه الوضوء، وإعادة الصلاة أبدا، وكذلك ما ذكرت من أنه إذا أصابه نوب، فانضاف إلى الضعف المتقدم، لم يقدر على الوضوء بالماء، وإن كان حارا، لما يخاف من الهواء، هو من تخويف الشيطان إياه، ليفسد عليه دينه، فلا رخصة له في الانتقال إلى التيمم في هذا الحال، بوجهٍ. وليس هذا القدر من الحرج الذي رفعه الله عن عباده في الدين، بقوله: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]. وأما الذي أصاب أهله في الحال الأولى فله سعة في الانتقال إلى التيمم، إن خشي على نفسه، في صب الماء على رأسه وغسله، ولا يجوز له أن يمسح على رأسه، ويغسل سائر جسمه، وقدرته على إصابة أهله في هذا الحال دليل على أنه لم ينته به ضعف جسمه ودماغه إلى حال لا يقدر معها على المسح على رأسه بالماء في الوضوء، وكذلك الذي أصاب أهله، في الحالة الثانية، نم النوب الذي أصابه

248 - متى تكون اليمين في الجامع؟

فانضاف إلى ما كان به من ضعف جسمه ودماغه له أن يتيمم إذا خشي على نفسه في الغسل، وهو أعذر من الأول، ولا فرق، في حكم الغسل، بين أن يجب من حلال أم حرام. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [248]- متى تكون اليمين في الجامع؟ وكتب إليه، رضي الله عنه، من حاضرة مراكش، أيضا، يسأله عن مسألة من الصرف. ونص السؤال: جوابك رضي الله عنك، في رجل صرف من رجل دينارا بدراهم، وقبض الدراهم، ونهض المصرف للدينار بالدراهم المذكورة، فعدت الدراهم، فنقص منها درهم. فقال له مشتري الدينار منه: إنما دفعت إليك العدد كاملا، وقال قابض الدراهم: ما خرجت الدراهم عن يدي، ولقد دفعتها إلي ناقصة العدد. أين تكون اليمين، إن توجهت، في الجامع أم لا؟ بين لنا ذلك بفضلك مأجورا مشكورا. فأجاب، وفقه الله، على ذلك بأن قال: تصفحت - رحمنا الله وإياك، سؤالك هذا، ووقفت عليه. واليمين في مثل هذا تتعين في المسجد الجامع، لأن الأمر يؤول،

249 - رجوع الشاهد عن الشهادة بعد الحكم

بما ادعاه قابض الدراهم من نقصان عددها، إلى انتقاص صرف جميع الدينار. وبالله تعالى التوفيق لا شريك له. [249]- رجوع الشاهد عن الشهادة بعد الحكم وخوطب، رضي الله عنه، من مدينة بلنسية، بنسخة، عقد مبايعة، وقع بين امرأتين في ملك، ثبت عند حاكم الموضع، فحكم به وأمضاه، ثم رجع عن شهوده رجلان، فخشي الحاكم أن يبطل العقد، بسبب رجوعهما عن الشهادة، فبعث إليه بنسخته سائلا عن ذلك، والسؤال بعقبه. وهذا نص جميع ذلك من أوله إلى آخره: عقد بيع بين امرأتين: " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وصلى الله على سيدنا محمد. اشترت ادلال، أم ولد فلان، من عائشة بنت فلان، جميع الدوالي بحاضرة بلنسية، وداخل سوررها المحدث وبحومة كذا، ومنتهى حدها كذا، بعامة جميع حقوق الدار والجنة، المبيعتين المحدودتين فوق هذا، ومنافعهما، ومرافقهما، الداخلة فيهما، والخارجة عنهما، وبقاعة ذلك كله، وبنيانه، وأنقاضه، على ذلك وسفله، وبما في الجنة من ضروب

الشجرات، وأنواع الغراسات المثمرة، وغير المثمرة، اشتراء صحيحا، تاما مبتولا، تاما دون شرط، ولا ثنيا، ولا خيار. عرفتا قدر ذلك، ومبلغه، بثمن مبلغه كذا، وبرئت المبتاعة ادلال المذكورة بجميعه إلى البائعة عائشة المذكورة، طيبا جيدا، مقلَّباً. وقبضته البائعة المذكورة منها على الصفة المذكورة، وأبرأتها منه تامة، وخلص للمبتاعة المذكورة ادلال بملك جميع ذلك وحلت فيه محل البائعة المذكورة، ونزلت منزلتها، ومحل ذي الملك في ملكه، على سنة المسلمين في بيوعهم، ومراجع أَدْرَاكِهِمْ بينهم. شهد على إشهاد المتبايعتين: ادلال، وعائشة، المذكورتين على أنفسهما بالمذكور في هذا الكتاب عنهما، من سمعه منهما وعرفهما، وادلال منهما بحال صحة وجواز أمر، وعائشة المذكورة عليلة الجسم ثابتة العقل والذهن، وعاين قبض البائعة عائشة للثمن الموصوف من المبتاعة ادلال، وذلك في شهر رمضان، المعظم، سنة خمس عشرة وخمس مائة ". السؤال: تصفح، رضي الله عنك، العقد المنتسخ فوق هذا، فإنه ثبت عند الحاكم على نصفه وأنه أعذر في ثبوته إلى المتبايعتين المذكورتين فيه، فلم يكن عندهما فيه مدفع، ولا اعتراض فألزمهما مضمنه، وحكم عليهما به الحاكم المذكور. وكانت البينة في العقد المنتسخ فوق هذا، بثلاثة رجال، فرجع منهم

رجلان، بعد أن أشهد الحاكم على نفسه بالحكم في ذلك، عن بعض شهادتهم. فهل - وفقك الله - يكون رجوع الشاهدين بعد الأعذار والحكم، عاملا، ويبطل العقد، أم لا يكون عاملا، ويصح العقد؟ بين لنا في ذلك ما توجبه السنة موفقا مأجورا إن شاء الله. فأجاب - وفقه الله - على ذلك، بأن قال: تصفحت - رحمنا الله وإياك - سؤالك هذا ووقفت عليه، وعلى نسخة عقد الابتياع، الواقعة فوقه. والسؤال سؤال ناقص، إذ لم تبين فيه المعنى الذي وقع فيه الحكم، مما تنازعت فيه المتبايعتان، ولا ما رجع عنه الشاهدين من شهادتهما، حتى يعرف وجه الحكم في ذلك. فإن كانت المتبايعتان بالتبايع في الدار، والجنة، المحدودتين في كتاب التبايع، فادعت كل واحدة منهما خلاف ما تضمنه العقد، مثل أن تقر البائعة: شرطت عليك شرطا لم يتضمنه العقد وتقول المبتاعة: بل أنا شرطت عليك فيه كذا مما لم يتضمنه العقد فحكم الحاكم على كل واحدة منهما لصاحبتها بما تضمنه العقد من أن البيع لم يكن فيه شرط، ولا ثنيا، ولا خيار، بعد الإعذار إلى كل واحدة منهما، كما ذكرت في سؤالك، وما أشبه ذلك مما يمكن أن تكونا تداعتا فيه، ثم رجع الشاهد أن بعد الحكم بما تضمنه العقد من أن البيع لم يتصل به شرط، ولا ثنيا، ولا خيار، فشهد لكل واحدة منهما على

250 - هل هيأت الصلاة واحدة، أم تتكون من فرائض وسنن ومستحبات؟

صاحبتها بما ادعته، أو لإحداهما دون الأخرى، فالحكم جائز نافذ، لا يبطله رجوع الشاهدين عن شهادتهما. تجريح الشاهد بالرجوع عن الشهادة فإن كان قالا أولا، إذ شهدا أنهما أشهدتاهما على أنهما لم يكن بينهما شرط، ولا ثنيا، ولا خيار، ثم رجعا عن ذلك بعد الحكم كان ذلك جرحة فيهما، ولم تجز شهادتهما فيما يستقبل. وأما إن كانا لم ينصا على ذلك، أولا، في شهادتهما، وإنما شهدا أنهما أشهدتاهما بما تضمنه العقد، ثم رجعا بعد الحكم فشهدا بما شهدا به، وقالا: لم نظن أولا إلا أن العقد قد تضمن ذلك فلا يكون ذلك جرحة فيهما، وتجوز شهادتهما فيما يستقبل، ولا يبطل ما تضمنه العقد مما سوى ذلك. وقد كنا في سعة من ترك الجواب لإبهام السؤال عن موضع الحاجة إلى الجواب لَكِنَّا تكلفنا ذلك رجاء ما عند الله تعالى في ذلك من الثواب، مع رغبة من رغبه من الإِخوان. وبالله تعالى التوفيق لا شريك له. [250]- هل هيأت الصلاة واحدة، أم تتكون من فرائض وسنن ومستحبات؟ وكتب إليه، رضي الله عنه، من بعض بلاد الأندلس يسأل: صلاة جبريل بالنبي عليهما السلام، هل كانت على نحو صلاتنا، اليوم أم لا؟

وأكبر ظني أن أبا محمد ابن خالد من أهل لوشة كان السائل عن ذلك. ونص السؤال: جوابك، رضي الله عنك، في الأخبار الواردة في صلاة جبريل بالنبي، صلوات الله عليهما، الصلوات الخمس، هل صلاها به، على نحو ما نصليها اليوم من تكبير وقراءة الفاتحة، والسورة وركوع، وسجود وطمأنينة، وغير ذلك، أم لا؟. فإن سائلا سأل، في مجلس مناظرة، عن ذلك، وكان من استدْلالِهِ أن قال: إن كان صلاها به على ما تقدم. فجميع أقوالها، وهيآتها، فرض؛ إذ كان ما جاء به جبريل عن الله عز وجل، إلى النبي، عليه السلام، على وجه البلاغ، فطريقه الفرض. وإذا كان ذلك فأي بمدخل للسنن في الصلاة، فقوبل استدلاله بحديث أبي هريرة، وابن مسعود، وابن بحنية، والأعرابي. فزعم أن ذلك موقوف فيما ورد فيه، لا يجوز القياس عليه عندكم، لأن أصل القياس عندكم قياس يالفرع على الأصل بعلة جامعة بينهما، فأيهما عندكم الأصل: ما ورد فيه الحديث، أو ما تقدم ذكره؟ فأرجو الجواب حتى نسترشد في ذلك رأيك السديد، ومذهبك القويم، إن شاء الله تعالى.

251 - ادعاء الأخوة التوليج على أخيهم الأكبر فيما صيره الأب له

فأجاب، أدام الله توفيقه، على ذلك بما هذا نصيه، تصفحت سؤالك هذا، ووقفت عليه. والصلوات المفروضة تشتمل على فرائض، وسنن، واستحبابات، فلا تتم وتجزيء إلا بجميع فرائضها، ولا تكمل إلا بسننها وفضائلها، ولا شك في أن جبريل، عليه السلام، لم يصلها بالنبي، صلى الله عليه وسلم، حين فرضت عليه في الإسراء، ليعلمه بمواقيتها، إلا على أكمل فرض مما ليس بفرض، وما يداوم عليه مما ليس منها بفرض، ليكون سنة فيها، مما لا يداوم عليه منها؛ ليبين لأمته أن ذلك مستحب فيها، من فعله أجر، ومن تركه متعمدا غير راغب عن نفعله، لم يؤثم. فبين ذلك، عليه السلام، لأمته قولا وفعلا، وأحكم في الشرع: أن الفرائض لا يجزيء فيها سجود السهو، وأن السنن يجزيء فيها سجود السهو، وأن الفضائل لا يجب فيها سجود السهو. فلا يلزم ما قاله هذا المتعرض، من أن جبريل، عليه السلام، لو كان صلى الصلوات بالنبي عليه السلام، بقراءتها، وتحميدها، وتكبيرها، وسائر سننها وفضائلها، لكان جميع ذلك كله فرضا فيها؛ إذ قد شرعت في الدين السنن والفضائل، لكان جميع ذلك كله فرضا فيها؛ إذ قد شرعت في الدين السنن والفضائل، كما شرعت فيه الواجبات والفرائض. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [251]- ادعاء الأخوة التوليج على أخيهم الأكبر فيما صيره الأب له وسئل، رضي الله عنه، في رجل صير لابن واحد من بنيه مالا

على وجه أذكره كتاب الإشهاد به؛ فلما توفي الرجل المصير قام سائر ولده يطلبون الدخول بالميراث مع أخيهم في ذلك المصير إليه. ونص السؤال: الجواب، رضي الله عنك، في رجل أصابه الكبر، وله مال وبنون؛ ولم تكن له امرأة، فآوى إلى كبير بنيه، فكان يتموَّنه هو بنفسه، ومن عنده، ويَلطفونَ به. فباع بعض ماله، وتصدق على بعض بنيه منه ببعض. وأشهد على نفسه، قبل موته بأعوام، وهو بتلك الحال: أن لابنه الذي يأويه عليه دنيا، من نفقة ذكر أنه أنفقها عليه، ومن ديون ذكر أنه أداها عنه، إلى غرماء ذكر أنه عاملهم قديما. وكتب بذلك عقدا، وأشهد الابن: أن الذي أدى إلى غرماء أبيه كان من ماله، ومال زوجته، فصير إليهما في ذلك مالا، وعقد لهما بذلك عقدا. وبقي الابن يعتمر الأملاك، والأب متماد على إشهاده، بما أشهد به أولا. ثم مات الأب، وقام ورثته، لينزلوا معه بالميراث فيها؛ فاستظهر بعقد أبيه له المذكور، وثبت له ذلك. فقال الورثة: إن أبانا كان يميل إليك عنا، وكنت تتملكه، بضعفه، وحاجته إلى الكون معك، مع

252 - أخذ الحبس لتوسيع المسجد الجامع بمرسية

تفضيله لك قديما، فخدعته؟ وإنما كان يقول ويفعل ما تأمره به، وأدخلت بيننا وبينه العداوة، حتى ولَّج إليك ماله، وحلت بيننا وبينه ولو مكنا لكنا أَبَرَّ بِهِ منك، مع أن أبانا كان ماله يقوم به، ويفضل له منه، بل كنت أنت تتصرف في ماله وتتحكم، وتصرفه في منافعك، ولا يقدر معك على شيء، وأثبتوا جميع ذلك، ولم يجد الابن المصير إليه بينة على أن أباه كان قد ادَّانَ دينا، فأداه هو عنه، ولم يعرف ذلك إلا بإقرار الأب، بل شهد أنه كان غنيا عن أخذ الدَّيْنِ. بين لنا هل ينتقض التصيير أم لا؟ مأجورا، ومشكورا، إن شاء الله تعالى. الجواب: إذا كان الأب صحيحا، يوم أشهد لابنه بما أشهد، لا مرض سبه إلا الضعف من الكبر، فيصح للابن جميع ما أشهد له به، لا سيما إن كان قد حاز الأملاك التي صيرها إليه، في الذهب التي أشهد له بها، وعمرها في حياة أبيه. [252]- أخذ الحبس لتوسيع المسجد الجامع بمرسية نسخة جوابه، رضي الله عنه، لأمير المسلمين، وناصر الدين، علي

يوسف بن تاشفين، أصلحه الله، في سؤاله إياه عن الزيادة في جامع مرسية، عمرها الله بدعوة الإسلام. وصل إليَّ كتابه الكريم، الأثير، الدال على مذهبه المبرور، في توخيه الحق، الذي يرضي الله تعالى، في جميع الأمور ووقفت على إشارته السنية فيه، من تدبر أمر المال المذكور في المدرجة، التي اشتمل عليها الكتاب، المدرج طيه، هل هو مما يسوغ بنيان الجامع بمثله أم لا؟ وهل يجوز، أيضا، إضافة الأرض، المنسوبة إلى ابن طاهر، إليه أم لا؟ فأما إضافة الأرض المنسوبة إلى ابن طاهر، إذا لم تكن لمن يدعيها ملكا لنفسه بوجه جائز، فلا إشكال، ولا احتمال، ولا اختلاف ببين أحد من أهل العلم في أن إضافتها إلى الجامع جائز، بل هو واجب، إذا كان قد ضاق عن أهله، لاسيما بما ظهر فيه من عقد التحبيس ليزاد فيه. وكذلك الدار المحبسة بشرقي الجامع، يجوز إدخالها في المسجد الجامع بغير ثمن، إذا احتيج إلى أن يتوسع فيه بها، إلا أن تكون مُحَبَّسة على معينين، فلا يؤخذ منهم إلا بالثمن. هذا، أيد الله أمير المسلمين، قول مالك، رحمه الله، وجميع أصحابه المتقدمين، والمتأخرين، لا اختلاف بينهم فيه؛ وإنما اختلفوا فيما سوى المسجد الجامع من المساجد على ما أتت به الرواية عنهم في ذلك.

253 - المعاوضة في الحبس رفعا للضرر.

تبرع حرم أمير المسلمين: السيدة " الحرة "، لتوسيع الجامع وأما المال الذي أخرجته " الحرة " لبناء الزيادة في الجامع، فإن كان من طيب مالها الذي اكتسبته من وجه حلال، فذلك جائز، وإن لم يكن من طيب المال، المكتسب من وجه حلال، ففي ذلك بين أهل العلم اختلاف. ومنهم من ذهب إلى أن المال، الذي هذه صفته، حكمه حكم الفيء، يجعل في أهم أمور المسلمين، فإن جعل، على هذا القول، في بناء الزيادة في الجامع، وترك ما هو أهم منه، جاز ومضى، كمن أعطى زكاة ماله، لفقير مسكين، وترك من هو أفقر منه، وأشد مسكنة وحاجة، وهو فيما قصدت بذلك فيما بينها وبين خالقها، على نيتها: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " الأعمال بالنيات، ولكل امريء ما نوى "، الحديث ومنهم من ذهب إلى أن المال، الذي هذه صفته، حكمه حكم الصدقة، لا حكم الفيء، فعلى هذا القول لا يجوز أن تبني منه الزيادة في الجامع، فإن فات ذلك ومضى، كان ضمان المال عليها، حتى تضعه في وجهه، وصحت الزيادة، المبنية به، وجازت الصلاة فيها. وبالله التوفيق، لا شريك له. [253]- المعاوضة في الحبس رفعا للضرر. وسئل، رضي الله عنه، عن أرض محبسة على رجل، اشتكى ضررا من دار رجل تجاوره، هل يجوز المعاوضة فيها؟. ونص السؤال: جوابك، رضي الله عنك، في قطعة أرض محبسة على

رجل، وهي متصلة بباب بدار ضيعة لرجل آخر، وهي لاتنفك، في الغالب، من أذى أهل الدار، ولا يخلو عنه، ولا حيلة في كف الأذى عنها من الحومة فضلا عن الجيران. ويذهب المحبس عليه هذه القطعة لأجل الضرر الداخل عليه من الضيعة المجاورة لها؛ إذ لا يستطاع رفع هذا الضرر، إلا أن يعاوضه صاحب الضيعة بمكان غيره، يجور أرضه، هو أغبط للحبس، وأكثر نفعا له. بين لنا هل يجوز ذلك؟ مأجورا مشكورا إن شاء الله تعالى. فأجاب، رحمه الله، على ذلك، بما هذا نصه: تصفحت سؤالك هذا، ووقفت عليه. وإن كانت هذه القطعة المحبسة قد انقطعت المنفعة منها جملة، بما غلب عليها مما وصفت، فلم يقدر من أجل ذلك على اعتمارها، ولا على كرائها، وبقيت معطلة لا فائدة فيها، لعدم القدرة على رفع هذا الضرر عنها، فلا بأس بالمعاوضة فيها بمكان غيرها، يكون حبسا مكانها، على ما قاله جماعة من العلماء، في الربع المحبس إذا قرب، ويكون ذلك بحكم من القاضي، بعد أن يثبت عنده السبب المبيح للمعاوضة فيها، والغبطة للحبس فيما وقعت به المعاوضة، ويسجل بذلك، ويشهد عليه.

254 - خمس مسائل من القاضي أبي الفضل ابن عياض

وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [254]- خمس مسائل من القاضي أبي الفضل ابن عياض وكتب إليه، رضي الله عنه، القاضي بسبتة - حرسها الله - أبو الفضل ابن عياض - أكرمه الله - بخمس مسائل، يسأل عنها. ونص كل واحدة منهما على انفراده، والجواب بأثرها: [1]- إثبات النسب فأما الأولى فهي رجل يدَّعِي في رجل آخر أنه غلامه من أمة كانت له، وقال المدعَى فيه: إنما أنا ابنك من امرأة حرة، بِنْتِ حُرَّيْنِ، وشهد لمدعي البنوة، رجال عدة، بإقرار الأب بأنه ابنه، إلا أنهم غير عدول، وشهد للمدعي شهود غير عدول بالسماع الفاشي: أنه غلامه لا بإقرار الأب. بين لنا في ذلك، بفضلك، ما يجب فيه، وهل الشهادة على الحي والميت في ذلك سواء، أن تفترق؟ جاوبنا عليه مأجورا مشكورا، إن شاء الله تعالى. الجواب، تصفحت، يا سيدي - أعزك الله بطاعته، وتولاك برعايته - سؤالك هذا، ووقفت عليه.

2 - إقرار الزوج في المرض، بدين لزوجته

وشهادة غير العدول كلا شهادة. وأما شهادة السماع الفاشي بالنسب، إذا لم يكن مشتهرا عند التشاهد، اشتهارا يقع له العلم به، فلا يثبت به النسب مع حياة الأب، وإنكاره على حال. وإنما يختلف فيه - على علمك - بعد الموت. على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يكون له مال، ولا يثبت له النسب، وهو مذهب ابن القاسم. والثاني: أنه يثبت هل النسب، ويكون له المال. والثالث: أنه لا يثبت له النسب، ولا يكون له المال؛ لأن المال لا يجب إلا بعد ثبوت النسب. وبالله تعالى التوفيق لا شريك له. [2]- إقرار الزوج في المرض، بدين لزوجته وأما الثانية فهي امرأة أشهد لها زوجها، في مرضه الذي توفي منه، بدين، ولم يكن له وارث سوى أبيه، ثم ظهر بالمرأة حمل قبل وفاته، وعلم به الزوج، ورجع من كثير وصاياه، بسبب هذا الحمل، وثبت على الإقرار بدين الزوجة إلى أن توفي. هل الحمل، ههنا، كالولد الظاهر؟ وكيف إن لم ينظر في التركة إلا بعد ولادة المرأة، وحينئذ قامت هي بدينها؟ يبن لنا الواجب في ذلك.

3 - هل يعزل المشرف بخصامه مع اليتيم، أن بالريبة فقط؟

جوابها: تصفحت - أعزك الله بطاعته، وأمدك بمعونته - سؤالك هذا، ووقفت عليه. والذي أراه في هذا: أن علمه بالحمل يرفع التهمة عنه في إقراره لها بالدين؛ فإن علم بالحمل، بعد الإقرار لها بالدين فلم يرجع عنه حتى توفي، جاز لها الإقرار؛ ورجوعه عما رجع عنه من وصاياه، بسبب الحمل، لما علم به، من أدل الدلائل على انتفاء التهمة عنه في إقراره بالدين. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [3]- هل يعزل المشرف بخصامه مع اليتيم، أن بالريبة فقط؟ وأما الثلاثة فَرَجُلٌ مشرف، جرى بينه وبين من في نظره شنآن ومخاصمة، هل يجب عزله بمجردها، أم حتّى يظهر منه ما يوجب الريبة له في شأنهم؟. وكيف إن أخفى لهم مالا، واختلسه من عند الوصي، واحتج باحتياطه لهم بأخذه، واتهامه الوصي فيه، هل يرفع عنه هذا، الريبة، التي ظهرت عليه باختلاسه، وإنكاره له أولا، أم لا؟ أم يعذر في ذلك بما زعمه؟. بينه لنا مأجورا مشكورا إن شاء الله تعالى. الجواب عليها: تصفحت سؤالك هذا، ووقفت عليه.

4 - هل ترد المرأة الصداق، إذا تزوجت قبل انقضاء العدة؟

وما جرى بين المشرف وبين اليتيم، الذي جعل إليه الإشراف عليه، وألزم الوصي ألا يفصل في شيء من أموره دون رأيه، يوجب أن يسقط إشرافه عليه، ومشورته في أموره؛ لأن العدو لا يؤمن على عدوه في شيء من أحواله. واختلاسه المال من عند وصيه، وصرفه، بعد الإنكار له، ريبة في أمره، لا يسقطها عنه ما اعتذر به في ذلك. فإذا ثبت هذا من حاله، وجب أن يصرف عما جعل إليه من الإشراف عليه، ويقوم مكانه سواه، مع الوصي. وبالله تعالى التوفيق لا شريك له. [4]- هل ترد المرأة الصداق، إذا تزوجت قبل انقضاء العدة؟ وأما الرابعة فهي: أشهاد على الاعتراف بالزوج داخل العدة " أشهد محمد بن أحمد بن محمد اللخمي، على نفسه، شهداء هذا الكتاب في صحته، وجواز أمره: أنه لما ابتنى بزوجه فاطمة ابنة محمد المعروف بابن نجومة، انكشف له من حالها وتأخير دمها، ما أوقع في نفسه أنه عقد نكاحه معها، قبل انقضاء عدتها من زوجها علي بن محمد، الذي كان طلقها.

فجعل محمد يسألها، ويكرر عليها، ويعلمها بما يلزمها وبما عليها في دينها، إلى أن أقرت له: أنها لم يأتها دمها بعد طَلَاقِ زوجها: علي، المذكور غير مرتين، وأنها جهلت ذلك. فاعتزلها محمد، وشاور في ذلك من وثق به من أهل العلوم، فأفتاه بطلاقها، وأنها لا تحل له، ففارقها. شهد بذلك على محمد من أشهده به، وهو بالحالة الموصوفة، وأشهدته فاطمة المذكورة بما فيه عنها، وذلك يوم الأحد، الثالث والعشرين من شهر كذا، من عام كذا "؟ إشهاد على إعلام هذه المرأة بوجوب العدة. " يشهد من تسمى، أسفل بهذا العقد، من الشهداء: أنه حضر الحاج حدورا، وهو يكلم محمد بن أحمد بن محمد، في الخطبة بينه وبين فاطمة بنت محمد بن نجومة، فقال له محمد المذكور: قال لها: تتقي الله العظيم ربها، وتتربص بنفسها، حتى تنقضي عدتها، وعرفها عن كانت ممن ترى الدم، فبثلاث مرات، وإن كانت لا تراه، فبثلاثة أشهر كاملة، لا يحل لها أن تتزوج، ولا أن تخطب، إلا بعدما ذكرت لك. وحذرها أن تفعل مثل فعلها مع الفاسي، الذي كان خطبها، وعزمت أن تعقد النكاح معه قبل انقضاء عدتها. شهد فلان بن فلان، وفلان بن فلان ".

إشهاد على إقرار المرأة بانقضاء العدة " شهد عند القاضي بسبتة وأعمالها، أبو الفضل ابن عياض - وفقه الله - حماد بن أحمد الأنصاري، ومنصور بن علي الأزدي: أن أم أبي القاسم: زوجة الحاج حدور، أشهدتهما: أن زوجها حدورا، المذكور، وجهها لفاطمة بنت محمد، المعروف بابن نجومة، لتعلمها بجميع ما ذكره له محمد بن أحمد فوق هذا، وأنها ذكرت لها ذلك، وأعلمتها به، وأن فاطمة المذكورة قالت لها: إن عدتها قد انقضت، وأنها قد رأت الدم ثلاث مرات، بعد طلاق زوجها الأول ". جواب الفقيه الإمام، أدام الله رفعته، في القضية المنتسخة فوق هذا السؤال. والزوج يطلب القيام بالصداق، والمرأة تتمسك به وتدعي الجهالة، وقد قامت للزوج شهادات من نساء بأنهن عرفنها ذلك على لسانه، وبين لها الأمر وقت عدتها من الزوج الأول، حسبما قيد عن بعضهن تحت الرسم الثاني، والزوج يقول: في هذا البيان ما يرفع الجهالة. فبين حكم ذلك كله مأجورا مشكورا إن شاء الله. الجواب: على ذلك: تصفحت - أعزك الله بطاعته، وأمدك بتوفيقه - سؤالك هذا، وما انتسخته على ظهره، ووقفت على ذلك كله.

5 - الصلح بين أصحاب جنات وأصحاب أرحاء، في ماء يستعملونه.

وإذا لم يثبت لهذه المرأة ما حكته زوجة الحاج عنها، من أنها قالت لها: لما أعلمتها بأن العدة ثلاث حيض، وحذرتها من أن تتزوج قبل انقضائها: أن عدتها قد انقضت، وأنها قد رأت الدم ثلاث مرات، بعد طلاق زوجها الأول. فالذي أراه - والله الموفق للصواب برحمته - أن تحلف: ما علمت أن العدة ثلاث حيض، ولا أعلمت بذلك، ولا تزوجت فلانا إلا وهي تظن أن عدتها من زوجها الأول قد انقضت. قال حلفت على ذلك، في مقطع الحق، لم يجب عليها أن ترد عليه شيئاً من الصداق، وإن نكلت عن اليمين لم يكن لها منه إلا قدر ما يستحل به الفرج، وترد عليه سائره. وبالله التوفيق، لا شريك له. [5]- الصلح بين أصحاب جنات وأصحاب أرحاء، في ماء يستعملونه. وأما الخانسة فهي ماء عليه جنات وأرحاء، لم تزل الأرحاء تطحن به، والجنات تسقى منه إلى أن وقع بين أصحاب الجنات والأرحاء تشاح، منذ نحو من عشرين سنة، فتصالحوا على أيام معلومة، تكون لأصحاب الجنات، أيام شهور السقي المعلومة، وحدودها، وسائر ذلك لأصحاب الأرحاء، وعقدوا عقدا بينهم بذلك، يتضمن قطع الحقوق بعضهم عن بعض، في غير ما تصالحوا عليه.

ثم إنه يحدث في بعض السنين، إذا كان جدب وقحط، حاجة بالجنات إلى سقي في غير الشهور المعروفة، وحاجة لترطيب أرضها، وتثرية للحرث عند عدم الأمطار، فقام أصحاب الجنات بذلك، وادعوا أن الصلح إنما كان على العادة. هل لهم قيام؟ وكيف حكم من لم يحضر هذا الصلح، ولا انعقد عليه من أصحاب الجنات، فلما قام، قال له أصحاب الأرحاء: قد جريت على عادة المصالحين هذه المدة، فهو رضا منك بما صالح إشراكك وجيرانك، وكيف إن شهد لهؤلاء أن الجنات إن لم تسق في مثل هذه الضرورات، هلكت؟. يبن لنا ذلك بفضلك. الجواب عليها: تصفحت - أعزك الله بطاعته - سؤالك هذا ووفقت عليه، وإن كان الماء غير متملك فمن حق أصحاب الجنات أن يبدأوا بالسقي به على أصحاب الأرحاء، على ما يدل عليه ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قضى في سيل مهزور ومُذَيْنِب. فالصلح الواقع بينهم إنما هو رضا من أصحاب الجنات بترك حقوقهم في السقي، فتلزمهم اليمين: أنهم إنما رضوا بما أشهدوا به على أنفسهم من ذلك، ما لم ينقص الماء عما هو عليه، انتقاصا يضربهم، فيما يحتاجون

255 - إثبات العتق.

إليه، من سقي جناتهم، فإن حلفوا على ذلك بقوا على حقهم بالتبدئة بالسقي على أصحاب الأرحاء، وإن نكلوا عن اليمين لزمهم ما أشهدوا به على أنفسهم في عقد الصلح، ومن لم يحضره منهم، فهو على حقه من السقي، دون يمين تلزمه. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [255]- إثبات العتق. وسئل، رضي الله عنه، عن مسألة عتق، لم يشهد عليه المعتق. بل كتب بذلك خط يده في رقعه، وتركه عند أَمَته، التي نوى عتقها، فاستظهرت به بعد وفاته. ونص المكتوب: إقرار خطي بالعتق: " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. إن وقع بي حَدَث الموت، الذي لا محيد منه، ولا ملجأ عنه، فالمستظهرة بخط يدي هذا زهر أمتي، حرة لوجه الله العظيم، ولها من مالي خمسون مثقالا، مرابطية، وكل ما احتوت عليه خزانتها من ثوب يصلح للبسها، وهي مصدقة فيما عينته لها من غير ذلك، وحرام على من ضايقها، أو منعها شيئاً من حقها. وكتبه عبد الله بن سفيان التُّجيبي ". ثبت في هذا الكتاب، فوق هذا، عقد استرعاء: أنه خط عبد الله بن سفيان وهذا نصه:

استرعاء بمعرفة الخط " يشهد من تسمى بعد هذا من الشهداء: أنهم وفقوا، ونظروا نظر استثبات وتأمل، إلى الخط المكتتب في رقعة الورق، المنوطة منها هذه الرقعة بعتق أبي محمد عبد الله بن سفيان التجيبي لأمته زهر، وما ذكره لها بأن تعطاه على حسب ما ذكره، فدَلَّهم النظر والعيان، والمعرفة بالخط أنه خط يد أبي محمد المذكور، لا يشكون في ذلك، ولا يمترون فيه. شهد بذلك من عرفه، وكتب شهادته بذلك، على ذلك، إذ سئلها، في ذي الحجة سنة خمس عشرة، وخمس مائة ". وهذا نص السؤال في الفصلين اللذين فوق هذا، من أوله إلى آخره: تصفح - رضي الله عنك - الخط المنتسخ أعلى هذه الصفحة، وتأمل العقد المنتسخ بعده، فإنه ثبت على نصه عند من وجب فهل هو عامل فيما تضمنه الخط من الفصول؟ وكيف الحكم فيه؟ وما الحكم في الأمة: زهر، المذكورة فيه، وإن لم يثبت عينها؟ وهل الشهادة على خط الموصي بالعتق عاملة فيه أم لا؟. بين لنا الواجب في ذلك كله، بيانا واضحا، موفقا مأجورا إن شاء الله تعالى. فأجاب، رضي الله عنه، على ذلك بما هذا نصه: تصفَّحتُ سؤالك هذا، ووقفت عليه، وعلى ما انتسخت فوقه ووقفت على ذلك كله. وإذا لم يشهد الموصي على نفسه بما كتبه بخط يده، ولا كان

256 - إقرار الزوج، بعد مدة، أنه اشترى بمال زوجته

لزهر من يشهد لها بأنه دفع الكتاب إليها لتستظهر به بعد وفاته، فلا يجب الحكم لها بشيء مما تضمنه بالشهادة على خط لها؛ لاحتمال أن يكون كتب ذلك ليؤامر نفسه فيه. ولم يعزم بعد على إنفاذه. والرواية بذلك مسطورة عن مالك، رحمه الله. وبالله التوفيق لا شريك له. [256]- إقرار الزوج، بعد مدة، أنه اشترى بمال زوجته وكتب إليه، رضي الله عنه، من مدينة الأشبونة قاصية غرب الأندلس، أعاده الله بسؤال في نازلة من البيوع، ونسخة عقدين اثنين كانا في النازلة وتلخيص ذلك كله ما هذا نصه. رجل ابتاع ثلثي دار، وسكنها مع زوجه، أزيد من ستة أعوام. ثم اشترى بعد ذلك الثلث الباقي لزوجه باسمها، وذكر في العقد أن الدار كلها خلصت لها بتقدم ملكها لسائرها، وتقيد في عقد الإشهاد على الزوج أن ابتياعه ثلثي الدار إنما كان لزوجه بمالها وأمرها، وتمادى في السكنى في الدار إلى أن توفي فيها، ثم تزوجت الزوجة زوجا غيره فتوفيت عنها بعد عام. فاختلف ورثتها وورثة الزوج الأول في الدَّار؛ فقال ورثة الزوجة: جميعها لها، إذ قد أقر الزوج أن الثلثين منها كان ابتاعها لها

بمالها وأمرها وقد كان لها عنده مال من استغلاله لأملاكها، مدة اثني عشر عاما، صحبها، ومن ثمن ثياب شورتها، باعها لها. وقال ورثة الزوج: ليس لها إلا ثلث الدار، الذي اشتري باسمها، وأما الثلثان فإنما اشتراهما لنفسه، وبماله، وتملك الدار وسكنها، إلى أن توفي فيها، وأثبتوا بذلك استرعاء أثبتوه، وأثبت ورثة الزوجة عقد استرعاء باستغلاله لأملاكها مدة صحبته لها، وكانت الزوجة مولى عليها. فأجاب، أدام الله توفيقه، على ظهر البطاقة التي كتب السؤال فيها، بما هذا نصه: تصفحت السؤال الواقع في بطن هذا الكتاب، والعقدين المنتسخين فوقه، ووقفت على ذلك كله. وقد تقدم جوابي عليه بأن الواجب فيه أن يكون ثلث الدار للزوجة موروثا عنها بما تضمنه عقد الشراء من أن الابتياع كان لها، وأن الثلثين منها لا يصحان لها، والواجب أن يكونا ميراثا عنه؛ وذلك من أجل أنه لا يصح أن يقبل إقرار الزوج، بعد المدة الطويلة، وفي دار اشتراها باسمه، أنه إنما اشتراها لزوجه، لأنهم يتهم أن يكونه وهبها لها، بعد وفاته: اشتراها لنفسه، فأشهد أنه اشتراها لها، ليسكن فيها طول حياته، فيكون لها بعد وفاته. والتهمة في هذه النازلة ظاهرة بما تضمنه عقد الاسترعاء من أنه اشترى ثلثي الدار باسمه، وتملكها، وسكن فيها أزيد من ستة أعوام، ثم اشترى بعد ذلك، الثلث الباقي، وسكن فيها، أيضا، بعد الشراء، ولم يخرج عنها إلى أن توفي، في علم الشهداء بذلك. فوجب إذا لم يكن عند ورثة الزوجة مدفع في عقد الاسترعاء

المذكور، أن يحمل إقراره، بعد أزيد من ستة أعوام، في الثلثين من الدار، اللذين كان اشتراهما باسمه، أنه إنما كان اشتراها لزوجه بمالها وأمرها، محمل الهبة فيها، فتبطل بسكناه في جميع الدار، إلى أن توفي. ولا يلزم أن يسأل الشاهدان اللذان ثبتا على شهادتهما في الاسترعاء، إذا قبلا، من أي بوجه علما أنه دفع الثمن في ثلثي الدار التي اشترى باسمه، من ماله، إذا لم يبطل إقراره ربأن السراء كان لزوجه بمالها، بشهادتهما، بماله وإنما بطل بشهادتهما: أن الشراء كان باسمه، وأنه سكن في الدار بعد ذلك، أزيد من ستة أعوام، قبل الإقرار؛ لأن من اشترى باسمه شيئاً فهو محمول على أنه إنما اشتراه بماله حتى ثبت خلاف ذلك، أو يقرّبه المشتري على نفسه في فور ذلك، إقرارا لا تهمة عليه فيه. وإذا اتهم في إقراره بما وصفناه لم يصح أن يأخذ الثمن من ماله؛ إذ لو أعملنا قوله في أن الثمن لها، لأعملناه في أن الشراء لها، فكانت تصح لها الدار، وإن سكن فيها إلى أن توفي، وإنما يؤخذ من ماله ما ثبت أنه باع من شورتها، أو استغله من أملاكها حسبما تضمنه عقد الاسترعاء، الواقع فوق هذا. وإذا كان شهوده قد زادوا في شهادتهم ما ذكرته، وجب أن يوقفوا على ما زادوه؛ حتى يحققوا المقدار الذي لا يشكون فيه، فإن قالوا: لا نشك أنه استغل منها، في كل عام من الأعوام المذكورة، أكثر من عشرة دنانير، أخذت العشرة لكل سنة من ماله بعد أن يسقط نم ذلك ما اشتري به ثلث الدار لها. إن ادعى ورثته أنه اشتراه لها من ذلك،

257 - هل يجوز التعامل في الحلي المشوب كما يجوز في الحلي الخالص؟.

إلا أن يجيز ذلك وصيها الناظر لها، فلا يسقط من ذلك شيء، وتخلص الدار للزوج، فتكون ميراثا عنه، وحلف ورثته، إن كانوا مالكين لأمر أنفسهم: أنهم ما يعلمون أنه استغل من أملاكها أكثر مما شهد به الشهود، أو أنهم لا يعلمون أنه استغل لها منها شيئاً. وبالله التوفيق لا شريك له. [257]- هل يجوز التعامل في الحلي المشوب كما يجوز في الحلي الخالص؟. وسئل - رضي الله عنك - عن مسألة من الحلي. وهذا نصها: الجواب، رضي الله عنك، فيما يصاغ من الذهب حليا، لزينة النساء على اختلاف عيارات الذهب؛ إذ منه طيب خالص، لا دخل فيه، ومنه ما يكون نصفا نصفا، وثمنا وثلثين، وثلاثة أرباع، وسبعة أثمان، ونحو ذلك، وهو معلوم عند أهل المعرفة والتجارب للذهب في عياراته، لا يخفي عليهم زائد اليسير فيه ولا نقصانه، وأغراض الناس مختلفة في اقتناء الحلي منه، فمنهم من يريد الطيب ذخيرة لزمانه، وزينة لنسائه، ومنهم من يريد سائر الأصناف، على قدر يسر الناس وعسرهم. ومن ذهب إلى أقلها عيارا فغرضه خفته في وزنه، ونهاية في جرمه، وقلة ثمنه، والطيب منه ثقيل في الوزن، حقير في العين، كثير الثمن.

فهل - وفقك الله - يجوز يبع جميعه بالدرهم أم لا؟ وهل تجوز المراطلة في جميعه بالذهب العين المسكوك، وزنا بوزن، يدا بيد، أم لا؟ وهل تجوز المراطلة في طيبه دون أدناه، أو في أدناه دون طيبه، أم هو جائز في جميعه، أم لا؟ وهل لحاكم من الحكام أن يمنع الناس من اقتناء الحلي، الذي هو أقل عيارا من الطيب الخالص، أم لا؟ وهل له منع الصاغة من صياغته للناس، أو لأنفسهم، أم لا؟ وهل يستوي فني ذلك من يصوغه لاقتنائه مع من يصوغه لبيعه، أم لا، وهل لحاكم أن يكسر ما بأيدي الناس من الحلي الذي لا يكون طيبا خالصا، وإفساد الصياغات فيه على جميع الناس، وإجبارهم على اقتناء الطيب خاصة أم لا؟ بين لنا في ذلك مأجورا مشكورا، إن شاء الله تعالى. فأجاب، وفقه الله، على ذلك بما هذا نصه: تصفحت - رحمنا الله وإياك - سؤالك هذا ووفقت عليه. وصياغة الحلي من الذهب الخالصة، وغير الخالصة المشوبة بالفضة، والصفر، والنحاس جائزة واستعمالها مباح، إذا كان ذلك يمتاز كما وصفت؛ قال الله عز وجل: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف: 18]. وكذلك اقتناؤه عدة للزمان مباح، إذا زكي، إن بلغ ما تجب فيه الزكاة، أو كان له مال سواه، إذا أضافه إليه، وجبت فيه، وبيعه بالعروض جائز نقدا، أو إلى أجل وبالفضة والدراهم جائز، يدا

258 - هل يعتبر الجهل في السياقة جهلا في الصداق؟

وأما المراطلة فيه بعضه ببعض، أو بالذهب الخالصة، أو بالذهب المسكوكة، فلا تجوز إلا في الخالص منه دون سواه. فلا ينبغي أن يمنع الصاغة من عمله، عملوه للناس بالأجر، أو لأنفسهم للبيع، أو للاقتناء، لأن ذلك كله حلال جائز. ولا يجوز أن يكسر ما في أيدي الناس منه، فتهلك أموالهم، لأن الصياغة في الحلي عرض من العرض، يقومها المدير للتجارة في الزكاة، وإنما الذي يجب أن يكسر، ويمنع عمله ما كان مغشوشا؛ أعلاه ذهب، وداخله صفر أو نحاس. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [258]- هل يعتبر الجهل في السياقة جهلا في الصداق؟ وسأله، رضي الله عنه، الفقيه أبو مروان ابن مسرة، رحمه الله، عن سياقة ساقها رجل لزوجه، عند عقد نكاحها، وقعت في عقد صداقها، احتكم عنده فيها، أيام توليته الأحكام بحصن الفنداق، حماه الله، وهي: الجزء الخاص بالسياقة من عقد الصداق " وساق الناكح فلان لزوجه فلان دارا بقرية كذا، وتكسير ثلث

مُدْي من أرضه؛ نصفه في الأرض البيضاء، ونصفه في الزيتون ". وكان في السؤال أنه لا يعرف " التكسير " بقرية الزوج ولا هو جار عندهم. فأجاب، رضي الله عنه، بما هذا نصه: تصفحت - وفقنا الله وإياك - سؤالك هذا وعقد الصداق الواقع في بطنه، ووقفت على ذلك كله، وتأملت فصل السياقة المذكورة في كتاب الصداق. والذي أقول به فيها: أنها جائزة على حسب ما وقعت، والعقد عليها صحيح، وإن كان قد وقع فيها تقصير من الكاتب؛ إذا لم يذكر معرفتهم بمقدار مساحة المدي فيما ساق الزوج إليها من أرضه وزيتونه؛ في القرية المذكورة، ولا معرفة الزوج، ولا الزوجة بأرض الزوج في القرية المذكورة، ووقوفها على طيبها من رديئها، وبعلها من سقيها ولا على جودة الزيتون من رديئها، ولا على صفاقتها؛ لأنهم محمولون على العلم والمعرفة بذلك كله، ما لم يعلم دخولها على الجهل به، بتقاررهم على ذلك، فيكون حينئذ الحكم في ذلك حكم النكاح الفاسد لصداقه. فالواجب فيما سألت عنه أن يعرف " تكسير " مبذر المدي في أرض تلك القرية المذكورة يوم عقد النكاح، فنعرف ما يقع من ذلك تكسير سدس المدي، فتكون شريكة له بذلك الجزء ما بلغ، قل؛ أم كثر، في جميع ما كان له من الأرض بالقرية المذكورة يوم عقد النكاح، جيدها ورديئها، بعلها وسقيها، على الإشاعة معه في ذلك كله. وكذلك يفعل فيما كان له من الزيتون بالقرية يوم عقد النكاح،

يكسر جميع أرضها فما وقع من ذلك تكسير سدس المدي كانت به شريكة في جميعها على الإشاعة، ولا يلتفت في هذا، إلى جهل أهل ذلك البلد بوجه تكسير المدي في البلد الذي كتب فيه الصداق ولا إلى معرفتهم بذلك، إذ لا يوجب بذلك حكما سوى ما وصفناه. وأما الدار التي ساق إليها فلم تعين في كتاب الصداق، ولا حدث فيه، فالذي أختاره في ذلك، وأقول به، وأتقلده، مما قاله أهل العلم في ذلك: أن ينظر؛ فإن كان للزوج في القرية دار على الصفة المذكورة في كتاب الصداق، كانت لها، وإن لم تكن له في القرية دار على تلك الصفة قضي لها في ماله بقيمة دار في القرية المذكورة، على الصفة الموصوفة في كتاب الصداق، في أواسط مواضعها، لا في أدناها ولا في أعلاها. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. مناقشة بين أبي الوليد بن رشد، وتلميذه ابن مسرة فلما وقف الفقيه أبو مروان ابن مسرة على هذا الجواب، قال له: أين يقع تجويز هذا مما ذكره ابن حبيب في الواضحة على ما نقله فضل في مختصره، وهو قوله، في باب مهور النساء: " ومن الغرر في الصداق أن يتزوج الرجل المرأة بأرض لزوج، ولا يسمى موضع الأرض، ولا حدودها، ولا ذرعها، ولا تعرف بعينها، أو توصف بحالها،

ويفسخ به النكاح قبل البناء، ويثبت بعد البناء، وترد المرأة إلى صداق مثلها، ولا تعطى وسطا من الأرض. وسواء أصدقها أرضا، وسكت، أو قال: أرضا لزوج بقرية، أو قال: أرضا لزوج تختارها من أرضي، في قرية فلانة. إلا أن يقول: أرضا لزوج في قرية فلانة، ولم يقل تختارها؛ فإن كانت قد عرفت أرضه في تلك القرية، أو عرف ذلك أبوها، إن كانت بكرا، فذلك جائز وتكون شريكة له في أرض قريته، بأرض زوج، إن كانت أرضه لثلاثة أزواج فلها ثلثها، وإن كانت لزوجين فلها نصفها، وهكذا قال لي أصبغ وغيره، عن مالك ". فقال له القاضي أبو الوليد، رضي الله عنه: قول ابن حبيب: " إلا أن يقول: أرضا لزوج من قرية فلانة "، معناه إلا أن يقول: أرضا لزوج من أرضي في قرية فلانة؛ لأن الاستثناء لا يعود إلا على أقرب مذكور. فالذي ذهب إليه: أنه إذا قال: أرضا لزوج من أرضي في قَرْيَةِ فلانة لم يجز، إن قال: تختارها، وجاز إن لم يقل ذلك، وتكون شريكة له في أرض قريته، بزوج، إن كانت أرضه في القرية لثلاثة أزواج كان لها الثلث منها على الإشاعة، وإن كانت أرضه بها لأربعة أزواج كان لها منها الربع، على الإشاعة، وكذلك إن زادت أرضه على ذلك أو نقصت عنه. وسواء على مذهبه أكانت أرضه مستوية في الطيب والكرم، أو غير مستوية، على شيء واحد من سقي أو بعل، أو نَضْحٍ، أو مختلفة في

ذلك، على أصله في أنه لا يجوز شراء ثوب من ثياب على الخيار، إلا أن تكون الثياب، على صفة واحدة مستوية في الجودة لأن الأرض، وإن كانت مستوية فالأغراض في نواحيها مختلفة. وعلى هذا يأتي قول غير أبي القاسم في كتاب كراء الأرضين من المدونة في أن كراء الأرض بالأذرع لا يجوز وإن كانت مستوية. ويجوز على مذهب ابن القاسم، في جواز تزويج الرجل المرأة بأرض لزوج على أن تختارها من أرضه، إذا كانت مختلفة في الطيب والكرم، على شيء واحد من سقي أو بعل أو نضح، قولان؛ أحدهما: أن ذلك جائز على ما أجازه في كتاب الخيار من المدونة في اشتراء ثوب، من ثياب، على الخيار، وإن كان بعضها أفضل من بعض، إذا كانت على رقم واحد. والثاني: أن ذلك لا يجوز، على ما وقع له في كتاب كراء الأرضين من المدونة، من أن كراء الأرض بالأذرع لا يجوز إذا كانت الأرض مختلفة، لأن المعنى فيها إنما هو إذا اكتراها بالأذرع على أن يختارها، فيأخذ من أي موضع شاء من أرضه. ويقوم اختلاف قوله ذلك، من اختلاف قوله في جواز قسمة

259 - أربع مسائل حول الموطأ، والمدونة، والقراءات

الأرض بالسهمة إذا كانت مختلفة في الطيب والكرم، وأما إذا كانت مختلفة فيما تستقى به من عين أو نضح أو بعل فلا يجوز أن يتزوجها بأرض زوج على أن تختارها فيما أحبت من ذلك إلا على مذهب عبد العزيز بن أبي سلمة، في المدونة. وأما إذا لم يقل: على أن تختارها، فيجوز على مذهبهم، كلهم، استوت الأرض في الطيب والكرم، أو اختلفت في ذلك، أو فيما تسقى به من عين، أو نضح، أو بعل، وتكون شريكة له بمبلغ أرض الزوج في أرضه كلها، على الإشاعة، وإن اختلفت في جميع ما ذكرناه. وبالله تعالى التوفيق. [259]- أربع مسائل حول الموطأ، والمدونة، والقراءات وكتب إليه، رضي الله عنه، بعض طلبة العلم من مدينة بطليوس ثبتها الله بسؤال يحتوي على أسئلة، في أشياء وقعت في الموطأ، والمدونة وغيرهما. وهذا نصه: [1]- عبارات الافتتاح في الموطأ: سئل مالك، قال يحيى: الجواب، رضي الله عنك، فيما وقع في الموطأ من نحو " سئل مالك عن كذا "، أو قال يحيى: " سألت مالكًا " ونحو ذلك، هل هذا وشبهه مما زاده يحيى على ما كان ألفه في الموطأ، أم ما حقيقته؟.

2 - اختيار المدونة: " ربنا ولك الحمد " بالواو.

[2]- اختيار المدونة: " ربنا ولك الحمد " بالواو. وعما وقع في المدونة من اختيار: " ربما ولك الحمد " بالواو، وهل هو من اختيار ابن القاسم، أم من اختيار مالك؟ وما وجه اختياره لذلك؟ [3]- حول نص من المدونة في كتاب الكفالة. وعما وقع في كتاب الكفالة من المدونة عن غير ابن القاسم: " إلا أن يكون في النظر في ذلك وفي تثبيته بعيد " هل هو خلاف أم تفسير؟ وهل عليه العمل، أم لا؟ [4]- وجه اختيار إحدى القراءتين المتواترتين. وعما يقع في كتب المفسرين والمقرئين في اختيار إحدى القراءتين المتواترتين، وقولهم هذه القراءة أحسن، أذلك صحيح أم لا؟ فإن كان فَمَا وجهه؟. والله تعالى يعظم على ذلك أجرك. فأجاب وفقه الله على ذلك بهذا الجواب، ونصه من أوله إلى آخره: تصفحت - رحمنا الله وإياك ر- أسولتك هذه، ووقفت عليها. [1] فأما سؤالك الأول منها عما وقع في الموطأ من نحو: " سئل مالك عن

كذا "، و " قال يحيى: وسألت مالك، " هل هذا وشبهه مما زاده يحيى على ما كان ألفه في الموطأ أم حقيقته "؟. فالجواب عن ذلك: أنه لا يصح أن يقال ولا أن يعتقد أن يحيى بن يحيى زاد في الموطأ شيئاً على ما ألفه مالك فيه، وليس فيه: " وسألت مالكا كما ذكرته، وإنما فيه كثير: " قال يحيى " و " سئل مالك "، و " قال يحيى "، و " سمعت مالكا يقول "، و " قال يحيى: قال مالك "، العبارتان: " قال يحيى "، و " سئل مالك ". فما فيه من قوله: " قال يحيى "، و " سئل مالك ". يحتمل وجهين: أحدهما: أن مالكا لما ألفه، وكتبه بيده، قال فيه: " وسئلت عن كذا، فلما نسخه النقلة له، قال كل واحد منهم، في انتساخه له: " وسئل مالك "، إذ لا يصح أن يكتب الناسخ: و " سئلت "، فيوهم أنه هو المسؤول. والوجه الثاني: أن يكون مالك، رحمه الله، لم يكتب الموطأ إذ ألفه بيده، وإنما أملاه على من كتبه، فأملى، فيما أملى منه: " وسئلت عن كذا وكذا "، فكتب الكاتب: " وسئل مالك "، إذ لا يصح إلا ذلك، وهذا بين. العبارات: " سمعت مالكا يقول ": وحدثني مالك "، و " قال مالك ". وأما قوله: " وسمعت مالكا يقول " فإنما قال في الموطأ فيما سمعه

منه، بلفظه وهو يسير من جملة الموطأ، لأن مالكا - رحمه الله - إنما كان يقرأ عليه، فيسمعه الناس بقراءة القاريء عليه، على مذهبه في أن القراءة على العالم أصح للطالب من قراءة العالم، فما سمعه عليه بقراءته، وبقراءة غيره، ولم يسمعه من لفظه، وهو الأكثر قال فيه: " حدثني مالك "، و " قال مالك "، وما اتفق أن يسمعه منه من لفظه، قال فيه: " وسمعت مالكا يقول كذا ". ولو كان قد وقع فيه: " وسألت مالكا عن كذا " كما ذكرت، لاحتمل ذلك أن يكون قد سأل مالكا قبل أن يروي عنه الموطأ، فأجابه بما في الموطأ، فلما كتب الموطأ قال في ذلك الشيء: " وسألت مالكا عن كذا ". فهذا بيان ما سألت عنه. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [2] وما وقع في المدونة من اختيار " ربنا ولك الحمد " بالواو، هو لمالك، والله أعلم، لأنه الظاهر؛ لأن ابن القاسم حكى اختلاف قول مالك في ذلك، ثم قال: " وأحبه إليَّ اللهم ربنا ولك الحمد ". ووجه اختيار قول مالك بزيادة الواو: هو ما فيه من زيادة المعنى، لأن الواو، إذا سقط من الكلام، لم يكن فيه أكثر من الإقرار بوجوب الحمد لله رب العالمين، وإذا ثبتت فيه اقتضى الكلام الإقرار بوجوب الحمد لله رب العالمين، والدعاء إليه، والرغبة والطلبة في

الإجابة والقبول؛ لأن الكلام يكون فيه من الضمير، الذي لا يتم دونه ما معناه: اللهم استجب لنا كما وعدتنا، ولك الحمد على هديتنا، أو ما أشبه ذلك مما يصح أن يضم فيه من هذا المعنى. ومثل هذا الإضمار كثير في القرآن، وفصيح الكلام، قال الله عز وجل: {اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ} [الشعراء: 63]، معناه: فضرب، فانفلق، وقال: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] معناه: فأفطر فعدة من أيام أخر. وقال عز وجل: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا} [الرعد: 31]، فأضمر تعالى الجواب، وقيل: إن المضمر: لكان هذا القرآن، والله أعلم. [3] وقول غير ابن القاسم في كتاب الكفالة من المدونة، الذي سألت عنه، تفسير لقوْلِ ابن القاسم، لا اختلاف له، على ذلك حملناه عمن أدركناه من الشيوخ، وبه جرى العمل؛ لأنه صحيح في المعنى. وبالله التوفيق. [4] وأما ما سألت عنه مما يقع في كتاب المفسرين والمقرئين من تحسين

260 - إلغاء جزء من إيصاء بإيصاء لاحق.

بعض القراءات، واختيارها عن بعض، لكونها أظهر من جهة الإعراب، أو أصح في النقل، أو أيسر في اللفظ، فلا ينكر ذلك؛ كرواية ورش التي اختارها الشيوخ المتقدمون، عندنا، فكان الإمام في الجامع لا يقرأ إلا بها، لما فيها من تسهيل الهمزات، وترك تحقيقها في جميع المواضع. وقد تؤول ذلك فيما روي عن مالك من كراهية النبر في القرآن في الصلاة. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [260]- إلغاء جزء من إيصاء بإيصاء لاحق. وسئل، رضي الله عنه، من مدينة بطليوس - أعادها الله عن مسألة من الوصايا. ونص السؤال من أوله إلى آخره: الجواب، رضي الله عنك، في رجل عهد: أنه متى حدث به حدث الموت، الذي لا بد منه، فإن فلان وصي على بنيه، ويفعل كذا، وكذا إلى آخر العهد. وتاريخه في غرة رمضان عام عشرة وخمس مائة. ثم عهد عهدا آخر، ذكر فيه أمورا، ولم يذكر فيه وصيا على بنيه وقال في آخره: وجعل عهده هذا ناسخا لكل عهد تقدمه.

261 - ملكية ما ينبت في ساقية ماء تمر في أرض الغير.

وتاريخه في النصف من رمضان عام عشرة وخمس مائة. فهل يكون الوصي المذكور في العهد الأول منسوخا بالنسخ المذكور في العهد الثاني، ويتناوله عموم النسخ المذكور، أم لا يتناول إلا ما كان من سائر الأشياء المذكورة في العهود التي ليست بتقديم وصي، من ذكر ما لكان من صدقة وعتق، وغير ذلك؟. والله تعالى يعظم أجرك، ويجزل ثوابك. فأجاب، وفقه الله، على ذلك بما هو نصه: تصفحت سؤالك هذا، ووقفت عليه. وإذا لم يذكر في العهد الثاني في أمر بنيه، الذين أوصى عليهم، في العهد الأول، شيئاً، فلا يكون قوله فيه: أنه ناسخ لكل عهد تقدمه، ناسخا لما تضمنه العهد الأول من التقديم على بنيه، وإنما يكون ناسخا لما سوى ذلك مما رجع عنه إلى ما ذكره في العهد الثاني؛ لأن النسخ إنما لهو رفع الحكم بحكم غيره، وأما رفع الحكم بغير حكم فلا يسمى نسخا، وإنما هو رجوع منه، وإبطال له. فلو قال، في هذا العهد الثاني: أنه مبطل لكل عهد تقدمه لبطل، بذلك، جميع ما تضمنه العهد الأول من أمر بنيه وغير ذلك. وبالله تعالى التوفيق لا شريك له. [261]- ملكية ما ينبت في ساقية ماء تمر في أرض الغير. وسئل، رضي الله عنه، عن رجل له ساقية رحى، تمر على أرض

رجل آخر، فنبت في الساقية وجانبيها شجر، ونشم كثير لمن يكون منهما؟ وأكبر ظني أن السؤال من مرسية. ونص السؤال: رجل له ساقية رحى، تمر في أرض رجل، وقد نبت في جانبي الساقية وفي قعرها، وشفيرها، نشم كثير، وغير ذلك من الشجر، فأراد صاحب الساقية أن يقطعها، هل لصاحب الأرض يمنعه أم لا؟ وهل لصاحب الأرض أن يحرث على شفير الساقية، أم له حد يقف عنده؟ وهل لصاحب الساقية أن يلقي طين الساقية في أرض هذا الرجل، إذا أراد تنقيتها، أم لا؟ ولمن هو ما نبت في حافتي الساقية، وقعرها، لصاحب الأرض أم لصاحب الساقية؟. بين لنا ذلك يرحمك الله. فأجاب على ذلك، وفقه الله، بأن قال: تصفحت سؤالك هذا، ووفقت عليه. وإن لم تكن رقعة الساقية لرب الرحى، وإنما له مرور الماء إلى رحاه على أرض الرجل، فلا حق له فيما ينبت من الشجر، وهو لصاحب الأرض، وإن كان له أصل رقعة الساقية، وهو موضعها من الأرض، فله جميع ما نبت في قعرها، وجوانبها من الشجر، إن شاء قطعه، وإن شاء تركه. وإن تداعيا في ذلك، ولم تكن لواحد منها بينة على دعواه، فالقول

262 - الحنث عن جهل في الأيمان اللازمة

قول صاحب الرحى، مع يمينه: أن رقبة الساقية، التي يمر فيها الماء إلى رحاه، ماله وملكه. وليس لصاحب الساقية أن يلقي طين ساقيته، إذا أنقاها، إلا على حافتي الساقية، فيما لا يضر برب الأرض، وعلى ما جرى به العرف والعادة في ذلك، إذ لكل ملك حريم، وهو القدر الذي يحتاج إليه، ولا يستغني عنه، ولصاحب الأرض أن ينتهي بحرثه إلى شفير الساقية، إذا لم يحتج صاحب الساقية إلى إلقاء طينها على حافتها، بحسب العرف والعادة في ذلك. وبالله التوفيق لا شريك له. [262]- الحنث عن جهل في الأيمان اللازمة وسئل، رضي الله عنه، عن مسألة من الأيمان اللازمة، وهي في رجل من أهل البادية، تشاجر مع زوجته، فحلف بالأيمان تلزمه، أن جامعها إلى ثلاثين يوما، فحمله جهله باليمين على أن جامعها قبل تمام الأمد المذكور، وحنث في ذلك، وجاء مستفتيا فيما يجب عليه من يمينه، وما يلزمه من طلاق أو غيره. فأجاب، وفقه الله، على ذلك بأن قال: تصفحت سؤالك هذا ووقفت عليه. وإن كان هذا الحالف حلف بهذه اليمين، وهو يظن أن الطلاق لا يلزمه بها في امرأته، فلا شيء عليه فيها، ويلزمه، إذ قد حنث، سائر ما يلزمه في الأيمان اللازمة.

263 - الاختلاف في نوع الحبات التي يؤدى بها الكراء.

وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [263]- الاختلاف في نوع الحبات التي يؤدى بها الكراء. وسئل، رضي الله عنه، عن مسألة كراء، وهي رجل اكترى قاعة دار من رجل لمدة اتفقا عليها، بثمان حبات من الذهب المرابطية في كل شهر. فقال له المتكاري: أعطيك ثمان حبات من حساب ستة وسبعين حبة في المثقال، وقال رب القاعة: لا آخذ إلا من حساب اثنتين وسبعين حبة في المثقال. فأجاب، وفقه الله، على ذلك بأن قال: الواجب عليه في الثمان حبات لرب القاعة تسع المثقال. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. جواب الفقيه ابن الحاج في الموضوع. وأجاب فيها الفقيه أبو عبد الله ابن الحاج، بأن قال: قد جاء من حديث يحيى بن أبي كثير عن جابر بن عبد الله أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: " الدينار أربعة وعشرون قيراطا " والقيراط وزن ثلاث حبات من شعير، فجميعها اثنتان وسبعون حبة، ووزنها درهمان من وزن قرطبة. فالذي يجب للمكري على المكتري ما تقع ثمان حبات في النسبة من عدد حبوب المثقال وذلك تسعة.

264 - وقف المدعى فيه بشهادة عدل واحد.

وبالله التوفيق. [264]- وَقْفُ المدَّعَى فيه بشهادة عدل واحد. وسئل، رضي يالله عنه، عن ملك بين رجلين استأثر أحدهما بشيء منه على صاحبه، ثم ادعى فيه. ونصه: ملك بين رجلين استأثر أحدهما بفضل منه على صاحبه، وادعى المستأثر عليه المساواة بينهما فيه، وشهد له، فيما ادعاه من المساواة في ذلك، شاهد عدل، وفي شهادته أن العقد المتضمن للمساواة بينهما بيد المستأثر بالفضل على صاحبه، وللمدعي في المساواة شهود بمثل شهادة الشاهد المذكور، وهم بحيث لا يمكنه الآن الاستظهار بشهادتهم، والقيام بها فيما ادعاه، ويدعو إلى توقيف الملك بشهادة الشاهد المذكور، هل له ذلك أم لا؟. فأجاب، وفقه الله، على ذلك بأن قال: لا يجب بذلك توقيف القدر المدعى فيه، إلا وقفا يمنع من الأحداث فيه، والتفويت له. والله ولي التوفيق، لا شريك له. جواب أصبغ بن محمد في الموضوع. (وأجاب فيها الفقيه أبو القاسم أصبغ بن محمد: إذا كان الأمر على ما وصفت، فلا يوقف الملك، ويبقى على حاله، حتى يتمكن لمدعي الشهادة الإتيان بشهدائه، إن شاء الله).

265 - دعوى تحبيس حقل بيد الغير.

[265]- دعوى تحبيس حقل بيد الغير. وسئل، رضي الله عنه، عن مسألة حبس، وهي رجل استظهر بعقد قديم على رجل بيده حقل، تملكه هو وأبوه قبله، ووقف إليه القائم بالتحبيس ببَيِّنَةٍ عادلة، ووافق اسم هذا الحقل، وتذريعه ؤ، وتحديده، ووقوعه في الحبس المذكور، ولم يخالفه في شيء، ولا يعلم بحومة ذلك الحقل مكان يرتسم بمثل هذا الرسم، ويحتد بتلك الحدود، ويحتمل ذلك التكسير، غيره. بين لنا لمن يكون فيه مِنْهُما: للقائم بالحبس، أم الذي هو يبده؟ فأجاب، وفقه الله، على ذلك بما هذا نصه: تصفحت، رحمنا الله وإياك سؤالك هذا، ووقفت عليه. وإذا ثبت كتاب التحبيس بما يجب أن يثبت به، وَوَافَقَ ما تضمنه الفَدَّان المقوم فيه في التسمية، والحدود، والذرع، وثبت أنه ليس بالجهة فدان يسمى بذلك الاسم. ويحتد بتلك الحدود سواه، كما ذكرت، فالواجب أن يوقف، ويعذر إلى المقوم عليه فيه، فيما ثبت من ذلك، فإن لم يكن له فيه مدفع قضي بتحبيسه، على ما تضمنه كتاب التحبيس، وذلك كله بعد أن يثبت ملك المحبس لما حبسه، يوم التحبيس. والله ولي التوفيق برحمته.

266 - اعتبار البساط في الأيمان اللازمة

جواب أصبغ بن محمد في الموضوع. وقال فيها الفقيه أبو القاسم أصبغ بن محمد، رضي الله عنه: إذا ثبت عقد التحبيس وثبت ملك التحيبس لما حبسه وثبت ما ذكرته في سؤالك، لحق الحقل بالحبس إن شاء الله. [266]- اعتبار البساط في الأيمان اللازمة وسئل رضي الله عنه، عن رجل حلف بالأيمان اللازمة. ونص السؤال: رجلان متزارعان خرجا للحصاد، فخبزت زوج إحداهما، وطحنت لهما، فأرادت الالتقاط وراء الحصادين، فمنعها شريك زوجها، فقال عند ذلك زوجها: الأيمان له لازمة، أن أدخل يده في صفحة واحدة معه أبدا. فَضُيِّفا، وأكلا جميعا في صحفة واحدة. بين لنا ما تراه في ذلك، من حنث، أو غيره، إن شاء الله. فأجاب، وفقه الله، على ذلك بأن قال: تصفحت - رحمنا الله وإياك - سؤالك هذا، ووقفت عليه. وإذا كان الأمر على ما وصفت فيه، فلا حنث على الحالف في يمينه، لأن بساطه يدل على أنه إنما أراد ألا يأكل معه مما تصنع زوجته، معاقبة له على منعه إياها الالتقاط خَلْفَ الحصادين. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له.

267 - مشمولات قطع الدعوى في الخلع.

[267]- مشمولات قطع الدعوى في الخلع. وسئل، رضي الله عنه، في عقد انعقد بخلع في أشياء سميت فيه، وَتَضمَّنَ قطع الدعاوى بينهما فيه. فقال: إنما يرجع قطع الدعاوي فيه إلى جميع ما يتعلق بالذمة، مما سمي فيه. وبالله تعالى التوفيق لا شريك له. جواب أصبغ بن محمد في الموضوع. وفيها أجاب أصبغ بن محمد، رحمهما الله: قطع الدعاوى بينهما في العقد إنما يرجع إلى ما سمي فيه من الخلع. والله ولي التوفيق. [268]- شهادة الصحة أعمل من شهادة المرض. وسئل هو وأصبغ بن محمد، رحمهما الله، عن عقد صدقة تضمن أن الشهود شهدوا، أن المتصدق تصدق في صحته، وقام المتعرض على الصدقة بعقد تضمن أن الشهود شهدوا بأنها كانت في بحال المرض. فقالا: شهادة الصحة أعمل من شهادة المرض. وبالله التوفيق.

269 - دار وهبت لبنتين، ثم قدمت نحلى، لإحداهما.

[269]- دار وهبت لبنتين، ثم قدمت نحلى، لإحداهما. وسئل، رضي الله عنه، في مسألة جمعت هبة وابتياعا، ونحلة، ونصها: رجل من طلبة العلم، أشهد في صحته، وجوازا أمره: أنه استقر بيده عدد من الذهب، سماه لابنتَيْه الصغيرتين، في حجره، وولاية نظره، وهبه إياهما جدهما هبة لله، عز وجل. وأنه رأى لهما من الرأي أن يبتاع لهما من نفسه جميع الدار، التي له بحاضرة كذا، حدودها كذا، وأنه قبض الذهب الموصوفة، لنفسه، من أمانته، وصير لهما فيها الدار الموصوفة حتى صارت لهما مالا وملكا، بالسواء، لا فضل لواحدة منهما فيها على صاحبتها. ثم إن إحدى الابنتين أدركت، فأنكحها أبوها، ونحلها الدار الموصوفة بأجمعها، وانعقد نكاحها مع زوجها على ذلك. ثم أن الابنة الصغرى أدركت، بعد أكثر من عشرة أعوام، فأنكحها أبوها رجلا، ونحلها من ماله دارا، أفضل من نصف الدار، التي كانت لها، وثيابا، وأسبابا، ودخل بها زوجها، في حال الحجر، وولاية النظر. ثم إن الأب أوصى على الصغيرة أختها الكبرى، وزوجها، وزوج أختها الكبرى. ثم توفي الأب، فألفيت الوثيقة التي تضمنت بيع الأب الدار من الابنتين المذكورتين، فأخذها الوثيقة التي تضمنت بيع الأب الدار من الابنتين المذكورتين، فأخذها زوج الصغرى، وأثبتها، وقام على أخت زوجه يطلب الاشتراك في الدار المذكورة، ووقفت الاخت الكبرى يعلى ذلك، فقالت: إن أباها نحلها في نكاحها جميع الدار، وأنها فاتت الدار يبدها بطول الزمان، وأن أباها تلزمه القيمة لابنته

الصغرى، في حصتها، وأنه ترك ما تؤدى منه القيمة إن وجبت، وأنه قد أبرزها من ماله بدار، وشورة، وأنه أنفق عليها، إلى أن أنكحها، ودخل بها زوجها، وكل ذلك يستغرق أضعاف القيمة اللازمة له في نصف الدار، التي فوت لها، ولم يثبت تصيير الجد لها، ولاختها، الذهب الموصوفة التي باع منهما، الدار المذكورة. فكيف ترى، وفقك الله، في ذلك؟ وما الواجب بالذي يجب العمل به فيما وصف في هذا السؤال. بين لنا - وفقك الله، وأعزك بطاعته - وجه القضاء فيه، ومنهج الحكم، واشرح لنا ذلك شرحا يبنا مأجورا مشكورا، إن شاء الله تعالى. فأجاب، وفقه الله، على ذلك بأن قال: تصفحت سؤالك هذا، ووقفت عليه. وإذا لم يعلم ما ذكره الأب من استقرار الذهب بيده لابنته، بالوجه الذي ذكره، فحكم ما أشهد به على نفسه، من تصيير الدار لهما بذلك، حكم الهبة، فإن كان الأب ساكنا فيها بطلت الهبة لهما، ومضت النحلة للابنة الكبرى بها، وإن لم يكن ساكنا صحت الهبة، ومضت النخلة في جميعها، وكانت للابنة الصغرى في ماله قيمة نصف الدار الواجب لها بالهبة يوم النحلة. هذا الذي أقول به في هذه المسألة، وأتقلده مِمَّا قيل فيها.

270 - هل يدخل ولد البنات، وولد بنات البنات في الحبس المعقب؟

وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [270]- هل يدخل ولد البنات، وولد بنات البنات في الحبس المعقب؟ مسألة من مسائله البارعة في الحبس. قال الفقيه القاضي أبو الوليد ابن رشد، رضي الله عنه: سئلت عن الحبس المعقب، هل يدخل فيه ولد البنات، وولد بنات البنات، ما تناسلوا أم لا، على مذهب مالك، رحمه الله، ووجه قول من أدخلهم فيه، أو أخرجهم عنه. خمسة أنواع في ألفاظ الحبس. فقلت: الحبس المعقب تفترق أحكامه باختلاف ألفاظه، وله خمسة ألفاظ، وهي: الولد، والعقب، والبنون، والذرية، والنسل، وفي كل لفظ منها خمس مسائل: إحداها: في لفظ الولد أن يقول: حبست على ولدي، أو على أولادي، ولا يزيد على ذلك. والثانية: أن يقول: حبست على ولدي، وولد ولدي أو على أولادي، وأولاد أولادي. والثالثة: أن يقول: حبست على ولدي وأولاد أولادي، وأولادهم أو أولادي وأولادهم.

والرابعة: أن يقول: حبست على أولادي ذكورهم وإناثهم، ولا يسميهم بأسمائهم، وعلى أعقابهم. والخامسة: أن يقول: حبست على أولادي، ويسميهم بأسمائهم، ذكورهم وإناثهم ثم يقول: وأعلى أعقابهم. [1]- أن يقول: حبست على ولدي، أو على أولادي. فأما المسألة الأولى، وهي أن يقول: حبست على ولدي، أو على أولادي، فلا يدخل فيها، على مذهب مالك، ومن يقول بقوله - أحد من أولاد البنات لأنهم مخصوصون عنده من عموم اللفظ، يعرف استعمال الشرع، قياسا على تخصيصهم من عموم قول الله عز وجل: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11] بالسنة والإجماع. فقد قال بعض يالناس: إنما لم يدخلوا فيها لأن اسم الولد لا يقع عليهم إلا مجازا لا حقيقة، وليس ذلك بصحيح، لوجود معنى الولادة فيهم، وإنما المجاز أن يسمى بالولد من لا يوجد فيه معنى الولادة، كأولاد الأدعياء، والرجل يقول للصبي: يا ولدي، يريد تقريبه بذلك، وما أشبه ذلك. ومن أهل العلم من خالف مالكا، رحمه الله، فقال: إنهم يدخلون فيها بعموم اللفظ، كما دخلوا في التحريم بعموم قول الله عز وجل: " حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم " وليس ذلك بصحيح، لأنه قد ثبت بالشرع تخصيص آية المواريث، ولم يأت فيه ما يخصص آية التحريم فبقيت على عمومها.

والحبس إنما يصح حمله على آية المواريث، لا على آية التحريم، لأن ما يحظر به الشيء أقوى مما يباح به، فوجب ألا تستباح بنات البنات إلا بيقين، وألا يدخل ولد البنات في الحبس إلا بيقين، لاحتمال تخصيصهم من عموم اللفظ، قياسا على تخصيصهم بالإجماع من عموم آية المواريث. [2]- أن يقول: حبست على ولدي، وولد ولدي، أو بالجمع وأما المسألة الثانية، وهي أن يقول: حبست على ولدي، وولد ولدي، أو على أولادي، وأولاد أولادي، فذهب جماعة من الشيوخ إلى أن ولد بنات المحبس يدخلون فيها، على مذهب مالك، بظاهر اللفظ، لأن لفظ الولد يعم الذكر والأنثى، فلا فرق بين أن يقول: على ولدي، وولد ولدي، أو يقول: على وَلَدي ذكورهم وإناثهم، وعلى أولادهم كلهم، فيما يوجبه الحكم. وعلى هذا جرى العمل عندنا، وبه كان يفتي شيخنا الفقيه أبو جعفر ابن رزق، رحمه الله. وقد روي عن مالك، رحمه الله، فيمن حبس على ولده وولد ولده: أن ولد البنات لا يدخلون في ذلك فيحتمل أن يريد بولد البنات ولد بنات أبناء المحبس، لا ولد بنات المحبس ويحتمل، أيضا، أن يكون لم يتكلم على أن المحبس نص على أنه حبس على ولده وولده ولده، وإنما أراد الحبس الذي يكون على الولد، وولد الولد، بقول الحبس: حبست على ولدي فقط.

وتأول قوم: أنه إنما قال ذلك، لأن الناس كانوا بعهده يخرجون البنات من أحباسهم، فحمل الأمر على المتعارف عندهم، ولم يلتفت إلى لفظ المحبس في قوله: ولدي وولد ولدي، وما يوجبه بحق عمومه. وإن حملت الرواية على ظاهرها - في أن ولد البنات لا يدخلون فيها، كانوا بنات المحبس، أو بنات أبنائه، مع نص المحبس على أنه حبس على ولده وولد ولده - فلها وجهان: أحدهما: أو ولد البنات، وإن كانوا ولد ولده، فإنهم لا ينتسبون إليه، ولا يوارثونه، فحمل على المحبس أنه أراد من ولد ولده من ينسب إليه منهم، ويوارثه، دون من لا ينتسب إليه منهم، ولا يوارثه؛ لأن الميراث والنسب هو المعنى الذي يراد الولد له، ويرغب فيه من أجله؛ قال الله عز وجل: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [مريم: 5 - 6]، وكان لفظ ولد الولد لا يقع عنده بإطلاقه إلا على من يرجع نسبه إليه. والثاني: أن ولد الابنة، وإن كان ولد ولده، فإنه لا يعلم ذلك إلا الخاص من الناس، وأكثرهم يعتقدون: أن الولد لا يقع إلا على الذكر دون الأنثى. وإذا سألت أحدهم هل له ولد، ولا ابن له ذكر؟ قال لك: ليس لي يولد، وإنما لي ابنة، فوجب أن يحمل لفظ المحبس على ما يعرف من مقاصد الناس بألفاظهم، وإن خالف ذلك موجب اللفظ في اللسان العربي، ألا ترى أن من حلف ألا يأكل لحما، أو بيضا، لا يحنث بأكل الحيتان، وبيضها، وإن كان ذلك لحما في اللسان.

ولا يلزمه على ذلك أن يخرج من الحبس بنات المحبس لأن البنات قد كره إخراجهن من الحبس. وقيل: إنهم يدخلون فيه، وإن نص على إخراجهم منه، فكيف إذا دخلوا فيه بحقيقة اللفظ في اللسان، فلم يخرج بنات المحبس من الحبس إلا بالنص على إخراجهن منه، ولا أدخل ولد البنات فيه إلا بالنص على إدخالهم فيه. وإنما يلزم عليه ذلك فيمن حبس على ولد رجل أجنبي، وعلى هذا المعنى تأتي رواية أصبغ عن ابن القاسم فيمن أوصى لولد فلان: أن الوصية تكون لذكور ولد فلان دون إناثهم. فإذا قلت: إنَّه يدخل ولد البنات في الحبس عند مالك، على هذه الرواية، إذا قال: ولدي، وولد ولدي، كما لا يدخلون فيه عنده إذا قال: ولدي، ولم يزد. ففائدة قوله: وولد ولدي، البيان: أنه لم يرد أن يخص بحبسه ولده دنية، دون من تحتهم من ولد الولد، إذ قد اختلف في ذلك. [3]- أن يقول: حبست على ولدي وأولادهم، أو بالجَمْعِ. وأما المسألة الثالثة، وهي أن يقول: حبست على ولدي، وأولادهم، أو على أولادي، وأولادهم، فحكى ابن أبي زمنين، في مقربه، عن مالك: أن ولد البنات لا يدخلون فيها بهذا اللفظ. ووجه ذلك، إن صحت الرِّواية عن مالك، على هذا النص؛ إذ قد يحتمل أن يكون ابن أبي زمنين، رحمه الله تعالى، ساقها بالمعنى، قياسا

على ما روي عنه فيمن حبس على ولده، وولد ولده؛ فقد كان الشيوخ - رحمهم الله - لا يميزون بين اللفظتين، ولا يحررون القول في الكلمتين، لما قدمناه من أن الأولاد في عرف كلام الناس لا يقع إلا على الذكران دون الإناث، فرجع ضمير الجَمْعِ في قوله: " وأولادهم " عليهم جميعا. وأدخل ولد بنات المحبس دنية بهذا اللفظ في الحبس من الشيوخ من أدخلهم فيه بقوله: جبست على ولدي، وولد ولدي، إلا أن يزيد درجة، فيقول: وأولاد أولاد أولادي فيدخلون في الدرجة الثالثة أيضا، وذلك كل ما زاد درجة يدخلون إلى حيث انتهى المحبس بقوله من الدرجات. وبإدخالهم بهذا اللفظ قضى القاضي أبو بكر محمد بن السليم بِفَتْوَى أكبر أهل زمانه. ودخولهم به أبين من دخولهم باللفظ الأول، إذ لا يمكن تخصيصهم من هذا اللفظ إلا بوجه واحد، وقد يخصصون من اللفظ الأول بوجهين، على ما ذكرناه. وبإدخالهم باللفظين جميعا كان الفقيه أبو جعفر شيخنا، رحمه الله، يفتي، وبذلك أقول. [4]- أن يقول: حبست على أولادي ذكورهم وإناثهم، وعلى أولادهم وأما المسألة الرابعة، وهي أن يقول: حبست على أولادي، ذكورهم

وإناثهم، ولا يسميهم بأسمائهم، ثم يقول: وعلى أولادهم، فلا نص عن مالك يؤثر في ذلك؛ والظاهر من مذهبه، رحمه الله: أن أولاد بنات المحبس يدخلون في ذلك، كما لو سَمَّى، بخلاف ما إذا قال: أولادي، ولم يقل: ذكرانهم، وإناثهم، ثم قال: وأولادهم، للعلة التي قدمناها، من أن لفظ الأولاد لا يوقعه أكثر الناس إلا على الذكران دون الإناث. وقد وقع ذلك في كتاب محمد بن المواز مسألة استدل بها بعض الناس على أن ولد البنات لا يدخلون في الحبس على مذهب مالك، وإن قال: حبست على أولادي ذكرانهم وإناثهم، وعلى أعقابهم، وهي قوله، فيمن حبس على ولده الذكر والأنثى، وقال فَمَنْ مات منهم فولده بمنزلته: قال مالك: لا أرى لولد البنات شيئاً، وهي رواية ضعيفة خارجة عن الأصول؛ فلا يصح الاستدلال بها، ولا أن يجعل أصلا بقياس عليه مع أنها محتملة التأويل؛ إذ قد يمكن أن يكون تكلم على الحبس الذي يكون على الذكر والأنثى من ولد المحبس، بقوله: حبست على ولدي، ولا يزيد، ثم يقول: فمن مات منهم فولده بمنزلته، فالقول بإدخالهم في هذه المسألة بين لا شبهة فيه، والله أعلم. [5]- أن يقول: حبست على ولدي، ويسميهم، وعلى أعقابهم. وأما المسألة الخامسة، وهي أن يقول: حبست على أولادي، ويسميهم بأسمائهم ذكورهم وإناثهم، ثم يقول: وعلى أولادهم، فإن ولد بنات المحبس يدخلون في ذلك، على مذهب مالك، وجميع أصحابه المتقدمين، والمتأخرين، ابن أبي زمنين، وأبي عمر الاشبيلي، ومن تلاهم من شيوخنا، ومن أدركنا منهم ومن لم ندرك منهم، إلا ما روي عن ابن

زرب، وهو خطأ لا وجه له، فلا يعد خلافا، لأنه لم يقله برأيه، وإنما بناه بالقياس الفاسد على ما ذهب إليه من تقليد غيره، وذلك أنَّه كان يفتي بما عليه الجماعة من دخول ولد البنات، إلى أن نزلت، فقال: رأيت لموسى بن طارق، قاضي زيبد أنه سأل مالكا عمن حبس على ولده، وولد ولده، فقال: ولد البنات في هذه المسألة ليسوا بعقب، فقال له موسى هل تعلم في ذلك اختلافا ما بين فهاء المدينة؟ فقال: لا أعلم في ذلك اختلافا بينهم، فرجع عن مذهبه، واشتد على رجوعه، فكان من قوله في الذي يقول: داري حبس على ولدي فلان، وفلان، وفلان وفلانة، وعلى أعقابهم، وأعقاب أعقابهم، أنه ليس لولد فلانة شيء، كقول الرجل على أولادي وأعقابهم، وفيهم أنثى قال: وكذلك إذا قال: حبس على ولدي فلان، وفلان وفلانة، وعلى أعقابهم، لاحتمال رجوع ضمير الجميع إلى الاثنين، ليس يرجع إلا إلى الذكر خاصة، ولا يدخل في ذلك ولد البنات إلا بحق لا شك فيه، وذلك تحكم لا دليل عليه. والذي ذهب إليه الجماعة من أن الضمير عائد على جميعهم الذكران والإناث هو الصواب، الذي لا يصح إليه القول بخلافه؛ لأن الظاهر من قول المحبس رجوع الضمير إلى جميع المذكورين، فلا يخصص من ذلك الإناث، ويخرجون من الحبس، والمحبس قد أدخلهم فيه بما ظهر من لفظه، إلا بدليل على ذلك. ورجوع ابن زرب عن القول بهذا إلى ما حكيت عنه، من أجل

الرواية التي حكاها، غلط ظاهر يبن؛ لأن الرواية إنما هي فيمن حبس على ولده، وولد ولده، فهي مسألة أخرى، غير المسألة التي رجع عن جوابه فيها، وقد بينا وجهها فيما تتقدم، فلا معنى لإعادة القول في ذلك. تكرار التعقيب في الحبس فصل. ولو كرر التعقيب لدخل ولد البنات إلى الدرجة التي انتهى إليها المحبس على ما ذهب إليه الشيوخ، ولا يأتي في هذه المسألة على ظاهر قول مالك هذا، أن يدخل ولد البنات إلا في الدرجة الأولى الخاصة، وإن كرر التعقيب ثالثة فما زاد فَتَدَبَّرْ ذلك. تلخيص وضعيات بنات المحبس. فصل. فالمسألة الأولى لا يدخل أولاد البنات المحبس منها إلا مَنْ وهم في قوله، وأخطأ في قياسه، وحكمه، وهو ابن زرب، على ما ذكرناه عنه. وأما المسألة الثانية فالصحيح في النظر دخول أولاد البنات فيها إلى الدرجة التي ذكر المحبس، على ما ذهب إليه الشيوخ، وإن كان ذلك مخالفا لظاهر قول مالك. ودخولهم في المسألة الثالثة أبين، ثم في الرابعة، وقد ذكرنا ما تعلق به من الشبهات من خالف ذلك.

هل هي سواء: العقب، الولد، النسل، الذرية؟ فصل وحكم هذه المسائل الخمس في لفظ العقب "، على ما ذكرناه في لفظ " الولد " سواء؛ إذ لا فرق، عند أحد من العلماء، بين لفظ " العقب " و " الولد " في المعنى، وإنما اختلف الشيوخ في " الذرية "، و " النسل "، فقيل: إنهم بمنزلة " الولد " و " العقب "، لا يدخل ولد البنات فيهما، على مذهب مالك، وقيل إنهم يدخلون فيهما على مذهبه. وفرق ابن العطار، رحمه الله، بين " الذرية "، و " النسل "، فقال: إن " النسل "، بمنزلة " الولد "، و " العقب " لا يدخل فيه ولد البنات، إلا أن يقول المحبس: ونسل نسلي، على ما ذهب إليه في تكرير لفظ التعقيب، وأن الذرية يدخل فيها ولد البنات. واحتج لذلك بقول الله عز وجل: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ} إلى قوله: {وَعِيسَى} [الأنعام: 84] فجعله من ذرية إبراهيم صلى على محمد وعليه، وهو من ولد البنات، لأنه ابن مريم، العذراء البتول، وهو احتجاج صحيح، في أن ولد بنت الرجل من ذريته. وكذلك نقول أيضا، أنه من نسله، وأنه من عقبه، كما أنه من ولده، خلاف ما ذهب إليه ابن العطار. وقد بينا وجه إخراج مالك، رحمه الله، ولد البنات من الحبس المعقب، مع كونهم من الأبناء والأعقاب. ومن الناس من ذهب إلى أن ولد بنت الرجل ليس من ذريته، وضعف احتجاج ابن العطار لذلك بالآية المذكورة بما لا وجه لذكره، لفساده.

271 - هل يرتبط ذبح الأضحية بصلاة الإمام، أم بذبحه؟

لفظ البنين. فصل. وأما لفظ البنين في قوله: حبست على بني أو على بنتي وبني بنتي، أو على بني وبنيهم، فالحكم في ذلك كالحكم في الولد والعقب، على القول بأن لفظ " جميع " المذكور، يدخل تحته المؤنث. وعلى القول بأنهن لا يدخلن فيه ينفرد الذكران من بنيه، وبني بنيه، بالحبس دون الإناث، وهو الصحيح من الأقوال. وأما إذا قال: حبست على بني ذكورهم وإناثهم، سماهم أو لم يسمهم، وعلى أعقابهم، فالحكم في ذلك على ما ذكرته في الولد والعقب. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [271]- هل يرتبط ذبح الأُضْحِيَةِ بصلاة الإمام، أم بذبحه؟ وكتب إلى الفقيه القاضي أبي الوليد ابن رشد رضي الله عنه بعض طلبة العلم من أهل بلنسية ثبتها الله بسؤال في شأن ذبح الأضاحي. ونص ذلك كله: جوابك، رضي الله عنك، في نازلة رأيتها عندكم، ومسألة تقع في قطركم، وهي أن الإمام بكم، يوم عيد الأضحى، لا يخرج أضحيته إلى المصلى، فيذبحها عند انصرافه عن الخطبة، واعلم، أدام الله عزّك، أن ذلك جائز، وأن الأولى به إخراجها إلى المصلي، ثم إن الناس ينصرفون بانصرافه، فيوقعون الذبح، والإمام المذكور لا يذبح إلا عند

انصرافه إلى داره، وأكثر الناس يسبقونه بالدخول إلى دورهم، فيوقعون ذبحهم قبل ذبحه. فهل تقول: إن عليهم الإعادة، بإيقاعهم الذبح قبله، أم تقول: إنهم فعلوا ما يجب عليهم، ولا يفتقرون إلى ذبحه قبلهم، والمراعاة للوقت، وهو أساء في تأخيره الذبح، وتركه إخراجها إلى المصلى، فيوقع الذبح قبلهم؟. نزل عندنا ببلنسية، وتكابرنا فيها، وذهبنا إلى مطالعة رأيك، والوقوف عند فتياك، ولم أجد - أكرمك الله - لأحد في هذا الغرض، الذي ذهبت أسألك عنه، كلاما، فتدبره بفضلك مأجورا ومشكورا. فأجاب، وفقه الله، بما هذا نصه من أوله إلى آخره: تصفحت، رحمنا الله وإياك، سؤالك هذا، ووقفت عليه. والذبح يوم النحر للضحايا مرتبط بذبح الإمام أضحيته، على مذهب مالك، رحمه الله، فيجب على أهل كل بلد وقرية، تصلي فيه صلاة العيد بجماعة: ألا يذبحوا ضحاياهم حتى يذبح إمامهم، الذي يصلي بهم صلاة العيد، فمن ذبح منهم قبل أن يذبح إمامه، وإن كان بعد أن صلى، وخطب، فلا تجزئه أضحيته عند مالك رحمه الله رحمه الله وأصحابه، وهو مذهب الشافعي وأصحابه، وعليه أن يعيدها، على ما

جاء: أن أبا بردة ابن نيار ذبح أضحيته قبل لأن يذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم الأضحى، فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أَمَرَهُ أن يعود بأضحية أخرى، قال أبو بردة: لا أجد إلا جذعا يا رسول الله؟ قال: " وإن لم تجد إلا جذعا فاذبح ". وقد قيل: إن قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الجحرات: 1] نزلت في قوم ذبحوا قبل أن يذبح النبي صلى الله عليه وسلم، فأمرهم أن يعيدوا. ومن السنة أن يخرج الإمام أضحيته إلى المصلى، فيذبحها بيده، عند فراغه من الصلاة، والخطبة، كي يذبح الناس بعده. وقد اختلف إن لم يفعل ذلك، وأخرج أضحيته، حتى ينصرف إلى داره، فقيل: على الناس أن يؤخروا ذبح ضحاياهم إلى القدر الذي ينصرف فيه إلى داره، فيذبح من غير توان، ولا تأخير، فإن ذبح أحد قبل ذلك لم يجزه، وهو مذهب ابن القاسم، وقيل: ليس عليهم أن يؤخروا بعد صلاته إلا إلى القدر الذي كان يذبح فيه أضحيته، لو أخرجها إلى المصلى على السنة، في ذلك؛ فإن ذبح بعد ذلك أجزأته أضحيته. ذهب إلى هذا أبو المصعب من أصحاب مالك، وهو أظهر من قول ابن القاسم.

وأما إن منع الإمام من ذبح أضحيته مانع من عذر غالب، فيلزم الناس انتظاره إلى زوال الشمس، وهو آخر الوقت لصلاة العيد، فإن أمكنه الذبح إلى ذلك، وإلا ذبحوا هم وأَجْزَأَتْهُمْ ضَحَايَاهُمْ. وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن الذبح مرتبط بصلاة الإمام، لا بذبحه، بدليل ما روى عن البراء بن عازب، قيل: " خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم أضحى إلى البقيع، فبدأ فصلى ركعتين، ثم أقبل علينا بوجهه، فقال: إن أول سنتنا، في يومنا هذا، أن نبدأ بصلاة، ثم نرجع، فننحر، فمن فعل ذلك فقد وافق سنتنا، ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو لحم عجله لأهله، ليس من النسك في شيء، فقام خالي، فقال: يا رسول الله، إني ذبحت، وعندي جذعة، خير من مسنة؟ فقال: اذبحها، ولا تجزيء، أو لا توف، عن أحد بعدك. وما روى عن جندب قال: " شهدت النبي صلى الله عليه وسلم، يوم النحر، فمر بِقَوْمٍ قد ذبحوا قبل أن يصلي، فقال: " من كان قد ذبح قبل الصلاة فليعد، فإذا صلينا فمن شاء ذبح، ومن شاء فلا يذبح ". وما روي عن أنس بن مالك " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، صَلَّى ثم خطب، فأمر من كان ذبح قبل الصلاة أن يعيد ذبحه ". وهذا لا حجة فيه على مالك، رحمه الله، إذ ليس في أمر النبي صلى الله عليه وسلم، بالإعادة لمن ضحى قبل الصلاة ما يدل على إجازة ضحية من ذبح بعد الصلاة، قبل ذبح الإمام، بل قد جاء

272 - لا يجوز التحجير على المشتري فيما اشتراه.

عنه أنه أمر في ذلك على ما ذكرناه من رواية أبي بردة بن نيار. واستدلوا لمذهبهم، أيضا، بِحُجَجٍ من طريق النظر لا يصح عند إعمال النظر الصحيح. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [272]- لا يجوز التحجير على المشتري فيما اشتراه. وكتب إليه، رضي الله عنه، من مدينة شلطيش، حرسها الله، بنسخة عقد انعقد بين رجلين في بيع فاسد، وتحته سؤال يسأل فيه عما انعقد في العقد، وأحدهما قد ذهب إلى نقض الصفقة، وأخذ الأجرة في عمله. وهذا نص العقد: عقد بإبطال مغارسة فاسدة، وتحويلها إلى بيع يُؤَدَّى الثمن فيه خدمة. " أشهد محمد بن خلف، وعلي بن محمد على أنفسهما شهداء هذا الكتاب، في صحتهما، وجواز أمرهما، أنهما وقفا عندما أوجبه الحق، من نقض صفقة المغارسة، التي كانت وقعت بينهما فاسدة، في الجنان الذي بقرية كذا، من إقليم كذا، لعمل كذا، حده كذا، ففسخاها لفسادها، فعادت الجنة المذكورة بأجمعها لربها، محمد المذكور، وانقطعت علقة علي بن محمد عنها، وبريء كل واحد منهما من صاحبه، وتساقطا التباعة في جميع معاني المغارسة.

ثم إن زعم الثواب سأل من محمد المذكور أن يتخلى لعلي بن محمد على نصف الجنان المحدود المذكور، بقيمة يوجبها على المذكور على نفسه، وفي ماله لمحمد المذكور، على وجه البيع لنصف الجنان المذكور مشاعا وذلك ستة مثاقيل من الذهب العبادية الضرب تترتب عليه حالة في ذمته، يتولى له فيها خدمة النصف المشاع الباقي على ملك محمد المذكور، مدة من سبعة أعوام أولبها تاريخ هذا الكتاب، يصل ذلك بخدمة منابع هذا، المبيع منه، مشاعا غير مقسوم. ويحرث الجميع أربع حرثات، يقصد بها أوقات طيب الحرث، ويتحراها، ويتعاهد الجميع، ويحرسه من السوائب، ويذكر الكل، للمدة المذكورة، كلما انقضى عام انقضى بخدمته، فإذا اطلع عام غيره تولى الخدمة متصلا حسبما فسر فيه، حتى تنفذ الأعوام المذكورة أو تفرغ ذمة على من الذهب، إذ كان محمد قد رأى أن يتأدى الثمن على ما ذكر، وفيما فسر. وصارت الجنة المذكورة بينهما على السواء والتناصف بجميع منافعها، وأشجارها، والتزم علي بن محمد، على الطوع منه، وعن غير شرط: أنه متى طلب المقاسمة في هذه الجنة، وإبراز نصيبه، في المدة المذكورة فنصيبه منها صدقة على المساكين لا حق له معهم، فيه غير ذلك. وعرف قدر ذلك ومبلغه، كما عرفا، معا، قدر الاتِّفاق المذكور من أوله إلى آخره، وصار هذا الكتاب بينهما حجزا قاطعا عن الخلاف،

ونسخا بهذا المذكور بهذا الاتفاق المذكور جميع ما تقدمه من الأعمال الصحيحة والفاسدة. شهد على إشهاد فلا وفلان ". السؤال: تصفح، رضي الله عنك، العقد المنصوص أعلى هذا الكتاب، وتأمل، مأجورًا، قول العاقد فيه، في الفصل الأول منه: " إن المشهدين فيه تفاسخا المغارسة لفسادها، وأن الجنة عادت بأجمعها إلى ربها، وانقطعت علقة المغارس علي، عنها، وبريء كل واحد من صاحبه، وتساقطا التباعة، في جميع معاني المغارسة " المذكورة، إلى سائر ذلك من فصول العقد المذكور إلى قوله: " ونسخا بهذا الاتفاق جميع ما تقدمه من الأعمال الصحيحة والفاسدة ". فإن العامل ذهب إلى الرجوع على رب الأرض يطلب العمل من أول نزوله في الجنة المذكورة، ورب الأرض يقول له: لا رجوع لك عليَّ، فإنك قد أشهدت على نفسك بإسقاط التباعة، والعلق فيما سلف من عملك، إلى تاريخ العقد المقَيَّدِ فوق هذا وقد بريء كل واحد منا من صاحبه. فهل ترى، وفقك الله، للعامل رجوعا على رب الأرض، فيما سلف من عمله، أم لا؟ فأجاب، وفقه الله، على ذلك بما هذا نصه: تصفحت - رحمنا الله وإياك - سؤالك هذا ووقفت عليه، وعلى نسخة العقد الواقعة فوقه. وما تضمنه من تخلي محمد بن خلف عن نصف الجنة لعلي بن محمد، على أن يخدم له نصيبه، المدة الموصوفة، مشاعا غير مقسوم لا يجوز، لما في ذلك من التجحير على المبتاع فيما ابتاع.

273 - هل يلزم البكر ما أسقط أبوها عن زوجها من الصداق؟

والواجب في هذا أن يخير البائع محمد بن خلف بين أن يسقط الشرط، ويمضي البيع، إلى أن يقسم المبتاع متى شاء، ويفعل في نصيبه ما شاء، من بيع أو غيره، أو يفسخ البيع، والقول قوله مع يمينه فيما أدعاه المبتاع عليه من قيمة عمله في الجنة، من أول نزوله فيها، يحلف في مقطع الحق بالله الذي لا إله إلا هو، ما اتفق معه الاتفاق المذكور في نصف الجنة المذكورة إلا بعد أن أوصل إلى حقه فيما عمله في المغارسة الفاسدة، التي تساقطاها لفسادها، ولم يبق له بسببها قبله حق، إذ ليس ذلك بِبَيِّن في العقد. وبالله تعالى التوفيق لا شريك له. [273]- هل يلزم البكر ما أسقط أبوها عن زوجها من الصداق؟ وسئل، رضي الله عنه، عن رجل أسقط عن زوج ابنته قطيعا من الصداق قبل الدخول، ثم دخل الزوج بها، ومكثت في عصمته أعواما، ثم توفيت، وورثها ورثتها، ثم توفي وزجها بعدها، فأرادت ابنته منها القيام فيما كان أسقط جدها عن أبيها من الصداق. وهذا نص السؤال: للفقيه الأجل الطول في المجاوبة على ما أسأله عنه، وذلك أن مريم بنت محمد بن عيسى، كان جدها عبد الرحمان بن يزيع، والد أمها، قد أسقط عن أبيها محمد بن عيسى المذكور من نقد أمها عزيزة ابنة عبد الرحمن المذكور، أربعين مثقالا عن

274 - هل يدخل أولاد البنات في الحبس المعقب مرتين.

زوجها محمد بن عيسى المذكور، حين أراد الدخول بها، رفقا به، وإحسانا إليه، وأَنَّهُ دخل بها، وهي بكر، ثم توفيت عنه، وورثها، ثم توفي هو بعدها أرادت الآن ابنتها مريم القيام فيما كان أسقطه جَدُّها المذكور لأبيها المذكور، وزعمت أن ذلك لا يجوز على أمها. فهل يجوز هذا الإسقاط المذكور على أمها أم لا، إذ لم يرد والدها قبل وقت البناء على أمها طلاقها، ولا ذكر في صداقها جدها عند الإسقاط أكثر من قوله: " رفقا به، وإحسانا إليه "، ولم يذكر أنه إنما فعل ذلك به لعسره بالمهر، ولا خوف الطلاق، ولا لوجه ينظر فيه أكثر من اللفظة المتقدمة؟ بين لنا ذلك يعظم الله أجرك. فأجاب وفَّقَهُ الله، على ذلك بأن قال: تصفحت سؤالك هذا، ووقفت عليه. وما وضعه الأب من صداق ابنته عن زوجها عند ابتنائه بها جائز عليها، نافذ؛ لأن أمره في ذلك محمول على النظر إليها، حتى يعلم خلاف ذلك، إذ لو زوَّجَها منه ابتداء بما بقي من صداقها بعد الوضيعة لجاز ذلك عليها. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [274]- هل يدخل أولاد البنات في الحبس المعقب مرتين. وسئل، رضي الله عنه، عن مسألة حبس.

275 - هل يقسم السقي المشترك على الحصص أو باعتبار الأعلى؟

ونصها: جوابك، رضي الله عنك، في حبس محبس من تَحْبِيس رجل على ابنه، ورجل على ابنته، والمال مشترك إذ كانا أخوين، وشرك المحبس منهما: على الأعقاب وأعقاب الأعقاب، ذكرانهم وإناثهم في ذلك سواء، ومن توفي عن غير عقب رجع نصيبه إلى الباقي؛ فانقرض الجميع، وبقي لهم ثلاث بنات، فتوفيت واحدة، وتَرَكَتْ أولادها من غير العقب، فهل لهم دخول من الابنتين اللتين بقيتا من العقب أم لا؟. فأجاب وفقه الله، على ذلك بأن قال: تصفحت سؤالك هذا ووقفت عليه. وإذا كان أحد هذين الأخوين قد حبس على ابنه، وعلى عقبه، وعقب عقبه، وحبس الآخر منهما على ابنه وعلى عقبه، وعقب عقبه، أولاد بنات ابنه، ذكورهم وإناثهم، ويدخل في حبس الذي حبس على ابنته وعلى عقبها، وعقب عقبها، أولاد بنات ابنته، ذكورهم وإناثهم، أيضا. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [275]- هل يقسم السقي المشترك على الحصص أو باعتبار الأعلى؟ وسئل، رضي الله عنه، عن مسألة سقي. ونصها: قوم ابتاعوا ملكا من رب واحد، في وقت واحد والملك

276 - ثمانية أسئلة من القاضي أبي الفضل ابن عياض.

على نهر قريب منبعه؛ ثم اقتسموا الملك على قدر أشريتهم، فصار بعض المبتاعين فوق بعض، وفي حصة كل واحد منهم تمر وأرحاء، وقد نضب بعض ماء النهر، وليس يقوت الكل. أتراهم يقتسمون الماء على قدر حصصهم، إذ رب الكل واحد، أم يكون حكم السقي وغيره للأعلى؟. بين لنا ذلك. فأجاب، وفقه الله، بأن قال: الأعلى فالأعلى أحق بالتبدئة بالسقي، إذا لم تكن قسمتهم على أن يكون السقي بينهم على حصصهم. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [276]- ثمانية أسئلة من القاضي أبي الفضل ابن عياض. وكتب إليه، رضي الله عنه، القاضي بسبتة أبو الفضل، ابن عياض وفقه الله، ورضي عنه بثمان مسائل يسأله عنها، وهي: مما نزل بين يديه، فأشكل أمرها عليه. ونص كل مسألة على حدة، والجواب بأثرها، وذلك في سنة ست عشرة، وخمس مائة. [1]- دعوى العاصب بالتوليج فيما وهب الأب لابنته، وفيما أقر لها به. فأما المسألة الأولى منها فهي رجل توفي، وترك زوجة،

وابنة منها، وابن عم، وكان المتوفى قد وهب لابنته، في صحته وجواز أمره، رباعا: دارين وثلاثة حوانيت، وسلط عليها حكم الاعتصار، ولم يترك من الرباع حاشا دار سكناه، وترك ما لا قدر له خارجا عن المدينة؛ وأشهد لابنته المذكورة: أن أمها تصدقت على ابنتها المذكورة بمائة مثقال واحدة، وأنه تجر فيها، فربح فيها ثلاثين مثقالا، وأنه اجتمع بيده لها من غلة الربع، الذي وهبه لها، سبعون مثقالا. ثم توفي الرجل بعد سنين، ولم يوجد له من المال سوى دار سكناه، ومن الناض سوى نحو العشرة مثاقيل، وودج له أثاث من ثياب ظهره، وغيرها لا يبلغ به ما أقر به لابنته، وترك أيضا، ثيابا، وحليا، وماعونا نحاسا، كان وهبه لها، وسلط على ذلك كله حكم الاعتصار، ووجد جميع العقود بالهبات والإقرارات في خزانته. فقام العاصب يدفع في تِلْكَ الهبات والإقرارات بحكم التوليج للبنت بها. واحتج بأن بينه وبين الميت مهاجرة. فهل ترى له من هذا حجة، تقدح في هذه الهبات، وتكون توليجا، أم لا؟ وكذلك تأمل إقراره على نفسه بما في يده لابنته من قبل الأم،

وقد قامت بينه ثلاثة: أحدهم: المشرف على الطفلة، والثاني: زعم العاصب أن بينه وبينه عداوة يثبتها، والثالث: يشهد على إقراره دون معاينة المال المذكور. هل يجتزأ بذلك على مذهب من لم يجز إقراره بذلك، أم تشترط معاينة القبض، أو يجتزأ في هذه المقالة بالشاهد الواحد، أم لا بد من شاهدين؟. وكذلك أشهد المتوفى على نفسه أنه اجتمع بيده من غلة هذا الربع، الذي وهبه لابنته، سبعون مثقالا. ووجد في لوْحٍ مكتوب، يقال أنه خطه، ولم يثبت: أنه اجتمع بيده من غلة هذا الربع، أيضا، ثلاث وثلاثون مثقالا سوى السبعين. وكيف إن لم يقم على الخط إلا شاهد واحد، أتحلف معه الابنة، على رأي من رأى ذلك أم لا، إن كانت بالغة، أم رأيك على ما في كتاب ابن الجلاب في الشاهد الواحد على الخط: أنه لا ينتفع به، ولا يحلف معه؟. وهل تحاسب الابنة بنفقته عليها، في هذه الأعوام، أم لا؟ وهل يكون إقراره بما أقر لها به، وهذه الهبات على حسب ما وقع توليجا أم لا؟ وكيف إذا لم يجتزأ في المسألتين بالشاهد الواحد، أو كانت الابنة غير بالغة، ممن لا يحلف، ما الجواب على ذلك؟ وما معنى ما وقع في الرواية في مسألة إقرار الأب، من قوله: " إذا جاء بما لا يستنكر،

وسبب لذلك وجها يعرف "، هل هذا السبب إقامة البينة العادلة، أم اللوث أم ما يمكن؟. وهل يكون في مسألتنا أن يعرف للأم مال، أم إقرارها وموافقتها الأب على ما قال، أم معاينة القبض؟. بين لنا ذلك كله، متفضلا مأجورا إن شاء الله تعالى. الجواب عليها: تصفحت، يا سيدي - أعزك الله بطاعته، وعصمك بتوفيقه - سؤالك هذا ووقفت عليه. وما وهبه الأب لابنته، في صحته، وجواز أمره، من الرباع: الدارين والحوانيت الثلاثة جائز، نافد، ماض؛ لأنه هو الحائِزُ لها، فلا كلام للعاصب فيه بما ادعاه من أنه توليج. وكذلك ما وهب لها في صحته من الثياب، والحلي، وما عون النحاس، يجوز وينفذ، إذا ثبتت الهبة فيه بالشهادة على عينه. وما أشهد به على نفسه من أنه استقر لابنته بيده عنده مما اغتل لها من الربع الذي وهبه لها نافذ لها، يحكم لها به، فيما تخلفه، إذا أشبه أن يغتل لها ذلك العدد من الربع، الذي وهبه لها، من يوم وهبه لها إلى يوم إشهاده لها بذلك. وأما ما شهد به لابنته من أن أمها تصدقت عليها بمائة مثقال، وأنه تَجِرَ لها بها، فربح فيها ثلاثين مثقالا، فلا يجوز ذلك لها، ولا ينفذ؛ لأن الصدقة بالعين على الصغير لا تصح إلا بأن يخرجها المتصدق من ماله، ويَضَعَهَا على يد من يحُوزها له، بمعاينة الشهود لذلك؛ فإذا لم يكن إلا

إِقْرَارُ الأب بذلك، وتصديق الأم له فيه، اتهم الأب في أن يكون أراد أن يولِّج إليها ذلك من ماله بعد وفاته، فلا يصح ذلك إلا بمعاينة البينة على الصدقة، بدفع المال إلى الأب، ليحوزه لابنته على الأم المتصدقة به عليها. وسواء في هذا كله علمت بين العاصب والمتوفى منافرة ومباعدة، أو لم تعلم. وأما ما وجد في اللوح مكتوبا من أنه استغل لابنته من غلة الربع الموهوب، أيضا. ثلاثة وثلاثين مثقالا، سوى السبعين مثقالا فإن ثَبَتَ أنه خط يده، وكان قد مضى من المدة من يوم أقر لها بأنه تجمع عنده مما اغتل لها سبعون مثقالا إلى يوم كتب بذلك الكتاب في اللوح، ما يشبه أن يغتل من ذلك العدد المذكور نفذ، أيضا، وإن لم يشهد على الخط بذلك إلا شَاهِد واحد، رأيت أن تحلف مع شهادته، وتستحق ذلك في ماله؛ لأن الشهادة على خط المقر كالشهادة على الإقرار سواء، على القول بإجازة الشهادة على خط المقر، وهو المشهور المعروف في المذهب. ولا تحاسب الابنة بما أُنفق عليها مما اغتله لها مما وهبها إياه، لإشهاده لها على نفسه بذلك؛ لأنه لما أشهد به لها دَلَّ على أنه لم يرد محاسبتها في ذلك بشيء من نفقته عليها، والرواية بذلك مأثورة عن مالك رحمه الله. وإن كانت الابنة غير بالغة، وقف ما يجب لها الحق فيه، مع

2 - هل تتكرر اليمين مع الشاهد، في نفس المال؟

الشاهد، حتى تبلغ، فتحلف إن شاءت. ولا بد في ذكر السبب الذي ترتفع به التهمة عن الأب في إقراره لابنته من معرفة ذلك السبب الذي ذكره، بما تصح به المعرفة من الشهادة التامة، لقوله في الرواية: " فإن سبب لذلك سببا يعرف جاز، وإن لم يسبِّب لها سببا يعرف لم يجز ". وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [2]- هل تتكرر اليمين مع الشاهد، في نفس المال؟ وأما الثانية، فهي رجل توفي، وترك ورثة كبارا، وابنة صغيرة، فقام عليه قوم بديون، من جملتهم الزوجة بصداقها، وثبت ذلك كله على ما يجب. (ووجب الأعداء على ما يملكه الميت، فأثبتوا له ملكا بشاهد واحد، ثبتت شهادته على ما يجب)، وأحلف أصحاب الدين معه، وفي جملتهم المرأة وقبضوا ديونهم، وحكم للزوجة بحقها من الميراث في الملك المذكور، وأخر قسم الميراث، رجاء ثبات شهادة أهرى، بسبب الصغيرة. فماتت الصبية قبل ثباتها، فقامت الأم تطلب مورثها، وتقول: قد حلفت مع الشاهد على إثبات الملك، وحققت شهادته، ووجب لي بذلك ديني، وميراثي من زوجي، وأنا الآن آخذ بذلك ميراثي، من نصيب ابنتي، إذ هو ملك واحد، قد حلفت معه، وحققت شهادته، وجميع مطلبي فيه.

فهل تجزئها اليمين الأولى، أو تحلف الآن، يمينا ثانية، على ملك الزوج، أيضا، مع ذلك الشاهد، وحينئذ تستحق ميراثها من الابنة؟. ما تراه في ذلك وكأنه يظهر لي أن في هذا الأصل في المذهب قولين من مسألة الغرماء، إذا قام لهم شاهد بدين لغريمهم المفلس أو الميت، فحلفوا ونكل بعضهم هل، لمن حلف، حصته فقط، أم يرجع في حصة من لم يحلف، على ما في كتاب ابن حبيب وغيره. ويَقْوى عندي: أنه لا بد من اليمين، إذ اليمين مع الشاهد ليست لثبات حق، وإنما هي إيجاب حكم بالمال المحلوف عليه. ومن هذا الباب، والله أعلم، وراثة المولى بشهادة السماع في الولاء عند من رأى ذلك، وأشباه هذا. فرغبتي جوابه عن هذا كله، وهل فيه نص أم لا؟. وقد رأيت لبعض المتأخرين إيجاب اليمين فيها. جوابه عليها: تصفحت - أعزك الله بطاعته، وتولاك بكرامته - سؤالك هذا، ووقفت عليه. ويمين المرأة أن ما شهد به الشاهد حَقٌّ لتستحق بذلك حظها مما أحقته لزوجها يمينها مع الشاهد تجزئها فيما تصير إليها في ذلك الميراث عن ابنتها؛ لأنها قد حلفت على ذلك، إذ قد حلفت على

الجميع، حين لم يصح لها أن تبعض شهادة الشاهد، فتحلف على أنه شهد بحق، في مقدار حصتها، فتكون قد أكذبته في شهادته. وهذا مما لا يسع عندي فيه اختلاف بوجه من الوجوه؛ لأنها، وإن كانت لم تستحق بيمينها، أولا، إلا قدر حظها، فقد حلفت على الجميع، فإذا رجع الحق إليها مِمَّا لم تستحقه بيمينها مما حلفت عليه، اكتفت باليمين الأولى. هذا الذي يأتي على منهاج قول مالك، رحمه الله، وجميع أصحابه، من ذلك قوله، في المرتهن، يدعي في رهن قيمته عشرة دنانير: أنه ارتهنه بخمسة عشر دينارا ويقول الراهن: ما رهنت إياه بخمسة دنانير، أن يحلف: لقد أرتهنته منه بخمسة عشر دينارا، فيستحق، بيمينه، عشرة دنانير من الخمسة عشر دينارا التي حلف عليها، ولا يستحق بها جميعها؛ لأنه من الخمسة منها مدع على الراهن؛ القول فيها قوله، فإن نكل الراهن عن اليمين أخذها بيمينه الأولى، ولم يجب عليه أن يحلف ثانية، ليستحق الخمسة الباقية، إذ قد خلف عليها أولا، فكما يأخذ المرتهن الخمسة بيمينه الأولى، إذا رجع إليه الحق فيها بنكول الراهن، فكذلك تأخذ المرأة ما وجب لها بالميراث عن ابنتها من الدين بيمينها الأولى، إذ قد حلفت على الجميع. وكذلك المتبايعان يختلفان في ثمن السلعة، فيقول البائع: بعتها بمائة، ويقول المشتري: اشتريتها بثمانين، يحلف البائع: لقد باعها بمائة، ولا يستحق بيمينه المائة، لأنه في العشرين منها مدع على المبتاع، يحلف المبتاع، ويسقطها عن نفسه بيمينه، فإن نكل عن اليمين استحق البائع

المائة كلها يبمينه الأولى، ولم يجب عليه أن يحلف ثانية، وإن رجع الحق إليه بنكول المبتاع، ومثل هذا كثير. ولا يوجد في شيء من المسائل أن أحدا يحلف مرتين على شيء واحد. ولا يقوم من الاختلاف الذي ذكرت في حصة من نكل من الغرماء عن اليمين مع الشاهد هل يرجع إلى من حلف منهم أو لا يرجع إليهم، اختلاف في تكرير اليمين على الزوجة فيما ورثته من ذلك عن ابنتها؛ إذ لا يقول مَنْ يوجب لمن حلف من الغرماء حظ من نكل منهم عن اليمين، أنهم يحلفون ثانية، وحينئذ يستحقون ذلك، ولا العلة عند من قال: إنه لا يجب لهم حظ من نكل عن اليمين منهم أن أيمانهم إنما وقعت على ما يجب لهم من ذلك؛ إذ لو كانت العلة عندهم في ذلك هذا، لقالوا: إنهم يحلفون ثانية، ويستحقون أنْصِبَاءَهُمْ وذلك ما لا يصح أن يقال، وإنما قال من قال: إن الحالفين يستحقون حصص الناكلين عن اليمين؛ لأنه رأى أنهم بنكولهم عن اليمين قد رضوا بترك محاصتهم في ذلك الدين. وقال من قال: إن حصص الناكلين لا ترجع إلى الحالفين من أجل أن الورثة لما نكلوا عن اليمين مع الشاهد صار الحق في ذلك للغرماء؛ فمن حلف منهم استحق حقه، ومن نكل عن اليمين، رجعت اليمين في حظه على الغريم الذي عليه الدين، فحلف على تكذيب الشاهد، وبطل ذلك عنه، وقد قيل: إن لمن نكل منهم حظه في الدين، بيمين من حلف أن ما شهد به الشاهد حق، وذلك نحو ما روي عن مالك رحمه الله، في الحبس المعقب يشهد به شاهد واحد: أنه يحلف الجل من أهل الحبس، أو الواحد منهم، على اختلاف الرواية في ذلك،

3 - هل يسقط التعزير القسامة؟.

فيستحق الحبس لنفسه، ولجميع أهله، ولمن يأتي منهم باليمين مع الشاهد. ويأتي على طرد قياس هذا القول في مسألتنا: أن البنت تستحق حقها، وإن نكلت عن اليمين، إذا بلغت؛ بحَلِفِ أمها مع الشاهد، إذ قد أحقت بيمينها المال للمتوفى، وهذا يدل على سقوط الاختلاف في يمين الأم مرة أخرى، لأنه يبعد أن يقال: إن الأم لا تجزئها يمينها الأولى فيما صار إليها من حظ ابنتها، مع أن من أهل العلم من يرى أنها تجزئ ابنتها. وبالله تعالى التوفيق لا شريك له. [3]- هل يسقط التعزير القسامة؟. وأما الثالثة فهي رجل ادعى عليه بقتل، وقام عليه لوث، أدى اجتهاده فيه إلى التعزير المبرح، وبعد ذلك قام للمقتول أولياء يطلبون القسامة باللوث، ولم يكن يعلم بهم. ما تراه في ذلك؟. الجواب عليها، تصفحت - وفقنا الله وإياك - سؤالك هذا ووقفت عليه. ولا يسقط حق الأولياء في القسامة باللوث الذي يوجبها لهم ما تقدم من تعزير المدعى عليه القتل. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له.

4 - القصاص في إسقاط الثنايا.

[4]- القصاص في إسقاط الثنايا. وأما الرابعة فهي رجلان أتى أحدهما متعلقا بالثاني، وقد سقطت ثناياه، فادعى أنه ضربه بجحر، فسئل المطلوب، فقال: رماني، فرميته، فوقع الحجر، الذي رميته به، في الأرض، ثم ارتفع إلى فَمِهِ، ولم يزد على هذا. ثم قال بعد ذلك، وقد استفسر: أن ذلك كله كان على وجه اللعب، وأنكر المضروب، وقال: بل تعمدني بذلك. وكيف أن ادعى المضروب أن بعض ثناياه سقطت في جوفه لمغاصفة الضربة، وأنه يجد من ذلك ألما يخشى عقباه. الجواب عليها: تصفحت - وفقنا الله وإياك - سؤالك هذا، ووقفت عليه. والذي أراه في هذا، وأقول به فيه، أن يكون للذي أسقطت ثناياه القصاص من الذي أقر بالجناية عليه، بعد يمينه في مقطع الحق: أنه رماه تعمدا، على غير وجه اللعب. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له.

5 - هل تعزل المرأة عن الوصاية لابنتها بمجرد الزواج؟

[5]- هل تعزل المرأة عن الوصاية لابنتها بمجرد الزَّواج؟ وأما الخامسة، فامرأة قدَّمَهَا القاضي وصيا على ابن لها، يتيم، ابن ستة أعوام، أو نحوها، وشرط عليها في التقديم مشاورة ابن عم الصبي في بيع الأصول خاصة، فأرادت المرأة الزواج، فادعى المشرف، أن هذا هو السبب لِتَلَفِ مال الصبي، وذهب إلى عزلها، بمجرد الزواج، وجعل يشتكي من ذلك، والمرأة صالحة الحال، وافرة المال، ظاهرة السداد، حسنة النظر لابنها. بين لنا هل يجب عزلها بمجرد التزويج؟ وكيف إن ثبت أن المشرف مطالب لها، معاند لقولها من قبل الزواج؟. الجواب عليها: تصفحت - أكرمك الله بطاعته - سؤالك هذا، ووقفت عليه. وإذا علم أن حال المرأة وافر، على ما وصفت من صلاح حالها، ووفور مالها، وظهور سدادها، وحسن نظرها، أقرَّت على حالها، بعد أن يحصن أمر المال عندها بالإشهاد عليه. وإن جهل حالها أشرك معها في النظر من يكون المال عنده، كما قال مالك رحمه الله. ولا تعزل بالتزويج عن الإيصاء إلا أن يثبت عليها ما يوجب ذلك. وبالله تعالى التوفيق. لا شريك له.

6 - هل تجوز شهادة المشرف والوصي لليتيم الذي تحت نظرهما؟

[6]- هل تجوز شهادة المشرف والوصي لليتيم الذي تحت نظرهما؟ وأما السادسة فالمشرف المستشار في الوصية هل تَجوز شهادته لمن يشرف عليه، إذ ليس في يده قبض مال، ولا تصرف فيه أم لا يجوز، لما في ذلك من سبب، كالوصي؟ وكيف إن أشهد الوصي بِعَزْلِ نفسه من الوصية لتصح شهادته، ومتى يصح انعزاله لذلك؟. بينه لنا مأجورا مشكورا. الجواب: تصفحت - أعزك الله تعالى بطاعته - سؤالك هذا، ووقفت عليه. وشهادة المشرف جائزة، إذ لا تهمة عليه في شهادته، وأما الوصي فلا تجوز شهادته لمن في نظره، وإن أشهد بعزل نفسه عن الوصية، إذ ليس ذلك إليه، بعد التزامه النظر. وبالله تعالى التوفيق لا شريك له. [7]- هل يمضي بيع وارث لنصيبه من التركة، وعليها دين؟ وأما السابعة، فهي يميت مات، وترك ديونا ومالا يفي بها، ويفضل، فقام بعض ورثته فباع من بعض رباعها نصيبه منها لو لم يكن دين، وانعقد البيع على ذلك النصيب، المعلوم له من الربع، مثل أن يكون له النصف، فأشهد أنه باع نصيبه من الدار، وهو النصف، وذلك قبل إخراج الدين.

8 - إقرار الزوج بدين لزوجته في المرض.

هل يجوز هذا البيع؟ وهل يجوز أن يبيع بعض الورثة لنفسه، وثَمَّ دين، أم يبيع وحده للدين؟. بين لنا ذلك مأجورا إن شاء الله به. وبه التوفيق. الجواب عليها: تصفحت - أعزك الله بطاعته - سؤالك هذا، ووقفت عليه. وإن سلم له سائر الورثة بيع نصيبه من الدار، وأَدَّوْا الدين من بقية التركة، جاز ذلك على مذهب ابن القاسم، وروايته عن مالك خلاف رواية أشهب عنه، في أن البيع لا يجوز على حال. وقول ابن القاسم وروايته عن مالك أظهر عندي، إذ قد اختلف في فساد البيع إذا طابقه النهي، على علمك، وليس هذا بمطابق للنهي حقيقة، فبه أقول. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [8]- إقرار الزوج بدين لزوجته في المرض. وأما الثامنة فهي رجل مريض، أقر في مرضه بدين لزوجه، وهي حامل، ويعرف منه إليها ميل، وانقطاع أَيَكُونُ الحمل مقام الولد الظاهر، أم هو أضعف؟. بينه لنا مأجورا. الجواب عليه: إذا عرف منه انقطاع إليها وميل، فلا يجوز إقراره لها في مرضه، الذي توفي منه، بالدين، وإن لم يورث بولد.

277 - هل تنقض قسمة المسارح المشتركة بين أهل القرى؟

وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [277]- هل تنقض قسمة المسارح المشتركة بين أهل القرى؟ وكتب إليه، رضي الله عنه، من العدوة بمسألة من القسمة، يسأل الجواب عليها. ونصها من أولها إلى آخر حرف فيها. الجواب رضي الله عنك، في أهل قرى أسلموا عليها، وتداولوها وراثة بين بنيهم، وبني بنيهم من بعدهم، مع مرور الأعوام، وكانت لهم بين تلك القرى مسارح لا فضل لواحد منهم على سائر أرباب تلك القرى فيها. ثم إن من توارث تلك الأرضين من بنيهم اتفق ملوءهم، واجتمع رأْيُهُم على قسمه تلك المسارح عن تضامن جميعهم بحسب حصصهم وحضر تلك القسمة بينهم قاضي بلدهم، وأنفذها، وصار حظ كل واحد من أرباب تلك القرى معينا معلوما. بين لنا، يرحمك الله، إن كانت تلك القسمة جائزة، نافذة، أم لا؟ وكيف إن ذهب أحد من أرباب تلك القرى إلى نقض القسمة فيها؟. فسر لنا ذلك يعظم الله أجرك، ويجزل ثوابك برحمته. فأجاب، وفقه الله، على ذلك بما هذا نصه: تصفحت، رحمنا الله وإياك، سؤالك هذا، ووقفت عليه.

278 - سبع مسائل من القاضي أبي الفضل ابن عياض.

وإذا كانت تلك المسارح التي اقتسموها في داخل قراهم غير خارجة عنها، ينفردون بالسرح فيها، ولا يصل أحد من غيرهم إلى السرح فيها، إلا بالدخول إليها على قراهم فالقسمة فيما بينبهم جائزة نافذة، على ما تقارروا عليه من أنها ملك لهم، ليس أحد منهم جحة في نقضها لرضاه بها. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [278]- سبع مسائل من القاضي أبي الفضل ابن عياض. وكتب إليه، رضي الله عنه، القاضي بسبتة أبو الفضل ابن عياض، وفقه الله، بسبع مسائل، يسأل عنها، وهذا جميعها، وجوابه على كل مسألة يتلوها. [1]- لا تثبت أولوية المرتهن على الرهن إلا بحيازته فأما الأولى فهي: أطال الله بقاء معظمي، وسيدي الأعلى، موفقا لما يرضاه، مختوما له بحسناه، مصنوعا له ما يتمناه، نزلت بين يدي - أعزك الله - نازلت أردت استطلاع رأيك العلي فيها. وهو أن مديانا فلس بين يدي، فقام بعض غرمائه بعقد تضمن رهنه لدار سكناه، عند الغريم المذكور، في دينه، قبل تفليسه، فشهد عندي من أثبت به العقد. بتحويز المديان الراهن للغريم المرتهن الدار المذكورة، ومشاهدتهم إياه خالية من السكان، والأثاث وغلق الراهن

للدار المرتهنة، ودفعه مفتاحها للغريم المرتهن بحضرتهم. فقام سائر الغرماء يزعمون أن المديان لم يزل عنها ولا فارقها، وأنه الآن ساكن بها، وأن ذلك كله تحبل لإبطال حقهم، وشهد لهم جماعة الجيران، وفيهم من يُقْبَلُ: بأن المديان المذكور لم يفارق الدار المذكورة، في تلك المدة، إلى حين تفليسه، والقيام عليه، ودخول من وجهته لكشف الأمر، فوجدوا الدار مشغولة بأهله ومتاعه. فوفقت المرتهن على ذلك، فقال: لا علم لي بشيء من هذا، بل حزت رهني بحضرة بينتي، وأخذت مفتاح رهني، وأكريت الدار من مكتر، ليحلها من أول المهل، منذ أيام، وأثبت عندي كراءه المذكور؛ قال: وإن كان المديان رجع إليها، فقد افتات علي، ولم أعلم به. وجهالته، وفقك ؤالله، بذلك تبعده من طريق الظن، وصورة الحال، والأمر مستراب لاستغراق المذكور في الديون منذ مدة. وقام الغرماء بشهادة قوم من الجيران، لم تثبت عندي شهادتهم، بما يقتضي أن الغريم المرتهن عالم بكون المديان في الدار، من قوله (واجتماعهما به في الدار، ونحو هذا)، وأتوا إليَّ ببعض يمن شهد في الحوز، ممن قَبِلْتُه، فذكر أنه كان رأى في الدار، وهي خالية حينئذ، قصاريا بجلود للدباغ قليلة، وقرروا بقية الشهود: كذا شاهد تم جنبة اليبت والغرف خالية؟ فقالوا: لم نبحث على ذلك، ولكنا رأينا الدار والمجلس فارغين بحضرتنا، ودفع مفتاحها إليه.

2 - إنكار الزوج لما يطلبه الورثة من شوار الزوجة المتوفاة

فرأيك - أعزك الله - في هذه الشبهة، وصورة هذه الشهادة، هل تقدح الحوز أم لا، مع ما في الأصل من خلاف؟ بينه مأجورا مشكورا إن شاء الله تعالى. جوابها: سيدي - أعزك الله بطاعته، وتولاك بكرامته، ولا أخلاك من توفيقه وتسديده، - تصفحت سؤالك الواقع فوق هذا، ووقفت عليه. وما ذكرته فيه موهن للحيازة، وقادح فيها، ومؤثر في صحتها، وقد قال الله عز وجل: " فرهان مقبوضة " [البقرة: 283]، فلا ينبغي أن ينفذ الرهن إلا بحيازة صحيحة، لا علة فيها، توهنها، لا سيما وقد قال مالك، رحمه الله، على علمك، في أحد أقواله: " إن رهن من أحاط الدين بماله لا يجوز "، ومراعاة الخلاف أصل من أصول مالك، رحمه الله. فإذا حكمت بإبطال رهن هذه الدار، وقضيت بمحاصة جميع الغرماء، فيها، كنت أخذت بالثقة، ولم تحكم بالشك، ووافقت الحقَّ، إن شاء الله عز وجل. وبه التوفيق. [2]- إنكار الزوج لما يطلبه الورثة من شوار الزوجة المتوفاة وأما الثانية فهي امرأة توفيت وتركت زوجا وورثة، فقاموا يطلبون الزوج بجهازها، الذي جهزها به أبوها، وأورده بيت بناء الزوج المذكور، فأنكر الزوج أن يكون أورد بيت بنائه فاسترعوا بينة ببعض أشياء منها، فتقيد عليه إنكارها، ثم قوله: لا أدري وصلت

3 - لا تجوز مصالحة الوكيل على الغائب إلا بتفويض

أم لا؟ فهل إنكاره يضره ويلزمه إحضار كل ما شهد به أنه وصل بيت بنائه، أم لا يلزمه شيء من ذلك، ولا يضره إنكاره؟؛ إذ لو أقر بوصوله لم يلزمه سوى اليمين: أنه ما غاب على شيء منه، ما لم يشهد عليه بالضمان، حسبما نصه أهل العلم، وهو الذي يظهر لي؛ لأنها بينة قامت في قضية لو أقر بها لم تلزمه، فكذلك إذا أنكرها، بخلاف من أنكر حقا طلب به، ثم لما ثبت عليه ادعى البراءة منه؛ لأن ذلك ليس بنفس الثبات قبل الإنكار أو بعده، يحكم عليه بالأداء، وهذا لا يحكم عليه بالأداء، وإن ثبت عليه. ووقع فيها بين أصحابنا نزاع، ورأيي ما ذكرته، فأردت معرفة رأيك العلي في ذلك. الجواب عليها: تصفحت - أغرك الله بطاعته - سؤالك هذا، ووقفت عليه. والذي ظهر إليك هو الذي أراه، ولا يصح عندي سواه، فلا يلزم الزوج سوى اليمين: أنه ما أخذ من مالها شيئاً، في حياتها، ولا بعد وفاتها، ولا غاب على شيء من تركتها، ووجد لها سوى ما أحضره منها، لاحتمال أن تكون هي قد أتلفت ما جهزت به إليه، أو تلف من غير فعلها. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [3]- لا تجوز مصالحة الوكيل على الغائب إلا بتفويض وأما الثالثة فالمصالحة على الغائب، هل أجازها أحد؟ فقد رأيت

4 - هل تتكرر يمين الاستبراء إذا بعد ما بين اليمين والاقتضاء؟

لبعض من لا يعتد به من الموثقين أجازتها، إذا شهد فيها بالسداد للغائب، مثل أن يثبت عليه حق، فتلزم مثبته يمين الاستبراء، فيدعو إلى المصالحة عنها بما يشهد فيها بالسداد. والفرق يبنه وبين المحجور، الذي يتفق على جواز الصلح عنه، بين؛ إذ المصالحة مبايعة ومعاوضة، وذلك سائغ عن المحجور دون الغائب. الجواب عليها: تصفحت - أعزك الله بطاعته - سؤالك هذا، ووقفت عليه. ولا يجوز لوكيل الغائب المصالحة عليه، إذا لم يفوض ذلك إليه في توكيله إياه. هذا هو المنصوص عليه في الروايات، على علمك، ومن خالف ذلك من الموثقين برأيه فقد أخطأ. ومصالحة الوصي على المحجور عليه بخلاف ذلك، كما ذكرت. وبالله التوفيق لا شريك له. [4]- هل تتكرر يمين الاستبراء إذا بَعُدَ مَا بَيْن اليمين والاقتضاء؟ وأما الرابعة فقوله: يقع في البال - أدام الله عز معظمي - نتائج، وسؤالات، ومباحث تحقيقية، إن استقصي النظر فيها، خولف ما جرى عليه رسم الفتيا والحكم، وإن تغوفل عنها، بقيت في النفس حزة منها، وقد تقدم بي سؤال، أو سؤالان، من هذا الباب.

ومن ذلك - أعزك الله - ما جرى به الرسم في القضاء لمن أثبت حقا على غائب، أو ميت أو محجور، وشبهه من إحلافه يمين الاستبراء المعلومة، وهي موضوعة على تقدير دعاوى المحكوم عليه لو كان حاضرا، أو تسويغ حججه، فإذا حلف حكم للقائم بما أثبته. وقد يكون بين وقت الحكم له وبين تأتي القبض مدة طويلة من جميع مال المحكوم عليه، أو بيع عقاره، أو المخاصمة فيما ثبت له من ديون، وتقدير الدعاوى في هذه المدة ممكنة، وفرض حجج المحكوم عليه سائغة غير مستحيلة ولا ممتنعة، كحالها أولا من إسقاط الدين المذكور، أو توجيه الغائب إليه به، كما لو كان حاضرا، فقام المطلوب بحجة من تلك الحجج، فلزم المدعى عليه بها، الذي هو الطالب، اليمين عليها، فحلف، ثم كسرنا مال المطلوب، وبعنا ربعه، وطال الأمد في ذلك، فقام المطلوب حينئذ يدعي أنه قضى خصمه أثناء ذلك من وجه وجهه، أو أن الطالب وهبه، أو أخذه، أو استحال بدينه، لكانت دعوى توجب اليمين. فإن اتبعنا القياس في المسألة الأولى لم يكن فرق، ووجب تجديد اليمين حين قبض الدين، والناس على خلافه، فما وجه هذا عندك؟. وكيف إن كان الدين، الذي ثبت، لغائب، نجوما، فأحلف يمين الاستبراء عند قيامه لأول نجم، هل يلزمه تكرار اليمين للنجم الآخر؛ لأنه إنما حلف أولا لما اقتضاه وحاز، أم تجزئة اليمين الأولى للجميع كما قالوا، فيمن حلف مع شاهده في حق، ثم ظهر أن له في شهادة ذلك

الشاهد حقا آخر، مما ينفع فيه الشاهد واليمين: أن اليمين الأولى تجزئه؟. فرغبتي تأمل هذا الفصل، وتدبر هذا السؤال، والجواب عليه بما تؤجر وتحمد عليه، إن شاء الله تعالى، والسلام. جوابها: تصفحت يا سيدي، أعزك الله بطاعته، وتولاك بكرامته، ونفعك باجتهادك وتهممك، وبحثك عن حقائق الأشياء بحسن تدبرك، وأداك الإمتاع بك، وأنام أعين الحوادث عنك، برحمته. وما ذكرته - أعزك الله - من أن يمين الحكم فيمن أثبت دينا على غائب وشبهه، إذا كان موضوعها استيفاء الحق للغائب فيما عسى أن يدعيه، فيلزم على قياس ذلك إذا استحلف، ثم تأخر القضاء: أن تعاد عليه، إذ لو كان حاضرا، فادعى عليه أنه قضاه بعد ذلك، أو وهبه، لكان له أن يستحلفه، والناس على خلاف ذلك. فالجواب عليه: أن ما الناس عليه من أن اليمين لا تعاد هو الصواب، إذ لو أعيدت اليمين عليه ثانية عند القضاء، لذلك الاحتمال الذي ذكرت، من أن يكون حقه قد وصل إليه في خلال تلك المدة، لوجب أن تعاد عليه كلما حلف، وجاء ليقبض يحقه، لاحتمال أن يكون قد وصل إليه حقه مع من بعث إليه به معه في طريقه من المسجد الجامع إلى دار القاضي، إلى ما لا نهاية له، وذلك ما لا خفاء في بطلانه. واليمين الأولى التي استحلف بها، لا نص على وجوبها، لعدم الدعوى

5 - إقرار المفلس بدين وعليه ديون أخرى ثابتة بالبينة

عليه بما يوجبها، إلا أن أهل العلم رأوا ذلك على سبيل الاستحسان نظرا للغائب، وحياطة عليه، وحفظا على ماله، للشك في بقاء الدين عليه، أو سقوطه عنه فإذا حلف مرة، وتأخر القضاء، لم يصح أن يحلف ثانية، بالتوهم المحتمل. ولا يشبه ذلك، إذا كان صاحبه حاضرا، فادعى عليه أنه قد قضاه بعد ذلك، أو وهبه إياه؛ لأن اليمين عليه واجبة في هذا الموضع بنص قول النبي صلى الله عليه وسلم: " البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر ". ولو تأخر القضاء بعد يمينه، إلى أن جاء الغائب، فأقام معه مدة، ثم غاب، لوجب ألا يقضي حقه حتى يحلف ثانية، لأن الشك ها هنا حاصل، كما كان أول مرة، وكذلك الدين المنجم لا يجب عليه فيه أن يحلف عن كل نجم إلا أن يقدم الغائب في خلالها، أو تبعد النجوم، بحيث يمكن أن يكون بعد أن قبض النجم الأول قد مضى، فاقتضى النجم الثاني، أو وكل من اقتضاه. وأما إذا حلف مع شاهده في حق، ثم طرأ له في شهادته حق آخر، فليس عليه أن يحلف ثانية، كما ذكرت، ولا اختلاف في هذا، وقد تقدم جوابي إليك في مثله. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [5]- إقرار المفلس بدين وعليه ديون أخرى ثابتة بالبينة وأما الخامسة فهي قوله: وجوابه، وفقه الله، في مسألة المديان الأول، وبعض الغرماء لهم دين ثابت، وأكثرهم أقر له به، حين قاموا

6 - ادعاء أحد الغرماء أن ما بيده من متاع المفلس هو رهن عنده

عليه في المجلس، وأخذ به يذكر كل ما عليه من دين، حسبما يجب في السنة، وهو قد ألقى بيده، واعترف بعجزه، وفي المسألة من الخلاف ما لعلمت، فما الذي تعتمد في الفتيا عليه من ذلك؟ وهل يتأكد إقراره لمن عرف بمعاملته، وتقاضيه، حسبما وقع في كتاب محمد وغيره، وليس بيده ما يقوم بمن له بينة منهم؟. والجواب عليها: تصفحت السؤال، ووقفت عليه. والذي أراه، وأقول به: أن ما أقر به المديان على نفسه من الديون في مجلسك، حيث رفعه الغرماء إليك، في أول أمره، قبل أن يسجن، فهو جائز لمن أقر له به، ممن لا يتهم عليه، وإن لم تعرف مداينته له، وهو فيمن عرفت مداينته له أجوز، إذ قد روي عن مالك: أن إقرار المفلس جائز لمن يعرف منه إليه تقاض في مداينته، وخُلْطَة مع يمينه، ويحاص من له بينة. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [6]- ادعاء أحد الغرماء أن ما بيده من متاع المفلس هو رهن عنده وأما السادسة فهي في فصل مِن المسألة المذكورة، وهو أنه وجد بيد بعض الغرماء متاع، زعم أنه رهن عنده للمفلس، ووافقه عليه، وليس له به بينة، ونازعه الغرماء، وقالوا: هو مال مفلسنا، فسألهم: على

7 دعوى الضرر بعد السكوت عنه خمسة أعوام

أي وجه هو عنده؟ وقالوا: لا يلزمنا، أو قالوا: لا ندري. هل حكم الغرماء ها هنا حكم صاحب السلعة، إذا ناكر الغريم في أنها ليست برهن وأنه مصدق له، إذا قال: لا أدري، أم الغرماء بخلافه؟ وكيف إن ادعى عليهم علم الرهن، وفيهم من لا يظن به العلم؟ وكيف إن خاصمه بعضهم في الرهن، فقالوا: حتى يجتمعوا أيحلف له، أم حتى يجتمع جميعهم، وإن حلف لواحد، هل تجزئ يمينه لغيره؟. جوابها: تصفحت السؤال، ووقفت عليه. ولا يصدق المفلس، بعد التفليس، في تصديقه للذي عنده المتاع في أنه عنده رهن، رهنه إياه قبل التفليس، ويحاص فيه جميع الغرماء، وإن قالوا: لا ندري ما يدعي من أنه رهن عنده بخلاف صاحب السلعة يقول ذلك، إلا أن يقوم على ارتهانه إياه قبل التفليس يبينة ؤ، وإن ادعى عليهم معرفة ذلك لحقتهم اليمين، ولا يجتزئ بعضهم بيمين بعض، ومن حلف منهم أخذ ما وجب له منه بِالْمحَاصَّةِ، ومن نكل منهم عن اليمين رجع حظه منه إليه بعد يمينه. وبالله التوفيق. [7] دعوى الضرر بعد السكوت عنه خمسة أعوام وأما السابعة فهي رجل له جنة، فيها عين ماء، نصب عليها رحا، وطحنت له مدة، وله صهر يجاوره في جنة أخرى، استنبط فيها عينا، بينها وبين عين الأول أزيد من خمسين ذراعا، عرضا، فضعفت عين

الأول، وتعطل طحنه، وتشكى من فعل صهره، وزعم أن ماءه هو الذي عنده، إلا أنه لم يخاصمه، ثم نصب هذا الآخر رَحَا على الماء الذي خرج عنده وطحنت نحو الستة أعوام والأول حاضر عالم، إلا أنه منكر غير مخاصم، ثم قام بعد ذلك يطلب المخاصمة في مائه. فهل بناؤه ونفقته، بمحضره، حوز، يقطع دعواه، كما وقع لابن القاسم، لاسيما وهو لم يخاصم، وإنما تشكى وقد علمت ما حكى ابن سحنون عن أبيه فيمن خاصم، ثم ترك أنه لا يدفع الحوز إلا أن يقولوا: لم يزل يخاصم ويطلب، أم لا ترى في هذه المسألة من الحيازة المعلومة في غيرها؟. بينه مأجورا. الجواب عليها: تصفحت، وفقنا الله وإياك، سؤالك هذا، ووقفت عليه. والذي أراه فيما سألت عنه: أن يحلف صاحب العين الأول في مقطع الحق بالله الذي لا إله إلا هو، ما رضي بإسقاط حقه فيما أضر به صهره فيه، بانتقاص ماء عينه، باستنباط العين في جنته، ولا سكت طول هذه المدة إلا على أن يقوم بحقه متى شاء، فإن حلف على ذلك كان له أن يقوم عليه بردم العين التي استخرج في جنته، إن قال أهل المعرفة والبصر: أنه اجتَرَّ بها ماء عين صهره، وأضربه في ذلك ضررا بينا، لا يشكون فيه. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له.

279 - أربع أسئلة من بطليوس.

[279]- أربع أسئلة من بطليوس. وكتب إليه، رضي الله عنه، من مدينة بطليموس بسؤال احتوى على جملة أسئلة. ونصه من أوله إلى آخر حرف فيه. [1]- الصلاة أول الوقت الجواب - رضي الله عنك - في هذه المسألة، وهي: الصلاة في أول الوقت أفضل عند مالك أم لا؟ فإن كان ذلك مذهبه، فلِمَ لمْ يعجبه ما جاء " أن الرجل ليصلي الصلاة ولما فاته وقتها، ولما فاته من وقتها أعظم؟. [2]- استحسان مالك لكيفية من كيفيات الوضوء وعما وقع في أول كتاب الوضوء من المدونة، من قول مالك، وعبد العزيز: " هذا أحسن ما سمعناه في ذلك، وأعمه عندنا في مسح الرأس "، ما يريد بقوله: " في ذلك ": أجميع ما ذكره من صفة الوضوء، أم مسح الرأس وحده، كما يريد: (بأعمه)؟. [3]- ربط نص في المدونة حول المذي وهل ما وقع في هذا الكتاب من قوله: " قطراً قطراً "، أذلك: في مسألة واحدة أم الأول في المذي، والثاني في الوضوء؟.

4 - حول نص المدونة: " الحائض تقعد أيام لداتها ".

[4]- حول نص المدونة: " الحائض تَقْعُدُ أيام لداتها ". وفيما وقع في باب الحائض: " وقد روى علي بن زياد عن مالك: تقعد أيام لداتها " أهكذا الرواية فيه، أم: " وقد رواه علي بن زياد عن مالك "، وتكون كرواية ابن القاسم، أم: " وقد رواه علي بن زياد عن مالك. وقال علي: إنها تقيم مقدار أيام لداتها ". والله يعظم أجرك، ويجزل ذخرك، برجمته. فأجاب وفقه الله، على ذلك بما هذا نصه: تصفحت - رحمنا الله وإياك - سؤالك هذا، ووقفت عليها. [1] والصلاة عند مالك رحمه الله، في أول الوقت أفضل، في جميع الصلوات إلا في مسجد الجماعات، فإن التأخير فيها شيئاً من أول الوقت أفضل ليدرك الناس الصلاة. والدليل على صحة مذهبه ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، سئل عن أفضل الأعمال، فقال: الصلاة لأول ميقاتها. وما روي عنه من أنه صلى الله عليه وسلم قال: " الصلاة في أول الوقت رضوان الله، وفي وسطه رحمة الله، وفي آخره عفو الله ". فكان أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، يقول: " رضوان الله أحب إلي من عفو الله " وقد قال الله عز وجل: " والسابقون السابقون أولئك المقربون " [الواقعة: 10] فلا يكون من بادر إلى فعل الطاعة كمن تأنى فيها، ولم يبادر إليها.

وقد تأول بعض المتأخرين على مالك، رحمه الله، من إنكاره لحديث يحيى بن سعيد: أن أول الوقت وآخره في الفضل عنده سواء، وهو تأويل بعيد؛ لأن مالكا، رحمه الله، لم ينكر حديث يحيى بن سعيد لما فيه من الدليل على أن أول الوقت أفضل من آخره، وإنما أنكره لاقتضائه العموم في ذلك، ومن مذهبه أن تأخير الصلاة في مساجد الجماعات أفضل، ليدرك الناس الصلاة، من المبادرة بها في أول أوقاتها. وقد قيل: إنه إنَّما أنكره لأنه اقتضى عنده أن المصلي يأثم بتأخير الصلاة عن أول وقتها، وهذا لا يقول به إلا أهل البدع؛ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما بين أول الوقت وآخره: " ما بين هذين وقت ". وهذا التأويل على مالك إنما هو فيما عدا صلاة الصبح، وصلاة المغرب، أما صلاة الصبح فالنص الوارد عنه في ذلك أن التغليس بها أفضل، بدليل مداومة النبي صلى الله عليه وسلم، على ذلك؛ إذ لا يصح أن يداوم النبي صلى الله عليه وسلم، على التغليس بها، وهو أشق على الناس إلا لما في ذلك من زيادة الفضل، إذ لو استوى الفضل في ذلك لداوم على الأيسر على الناس، لأنه إنما بعث ميسرا، ولم يبعث معسرا، وقد قالت عائشة، رضي الله عنها، " ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم، في أمرين إلا اختار أيسرهما - ما لم يكن إثما، فإن كان إثما، كان أبعد الناس منه ". وأما المغرب فالإجماع فيها على أن أول الوقت أفضل، إذ قد قيل: إنه ليس لها إلا وقت واحد.

[2] وأما قول مالك وعبد العزيز بن أبي سلمة في الأثر: أحسن ما سمعناه في ذلك وأعمُّه عندنا في مسح الرأس هذا " فالأظهر في ذلك، عندي، أنهما استحسنا جميع ما تضمنه الأثر من صفة الوضوء، وتكرر الغسل فيه، وعموم مسح الرأس، مع البداية لمقدمته، والرجوع إليه. [3] وأما ما وقع في المدونة من إنكار مالك لما أنكره بقوله: " قطرا قطرا "، فقد تُؤُوِّلَ أنه قال، في المكان الأول، إنكارا لقول من يقول: أن المستنكح بِالْمَذْيِ وضوء عليه، إلا أن يقطر مذيه، أو يسيل، وأنه في المكان الثاني، قاله إنكارا لقول من يقول: إن الوضوء لا يجزئ

حتى يقطر الماء عن الوضوء من أعضاء المتوضئ. واستدل من ذهب إلى هذا بإدخال سحنون قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المذي عقب الأول، وبإدخاله عقب الثاني، قول مالك: " وقد كان بعض من مضى يتوضأ بثلث المد ". والأظهر عندي: أنه قاله، في الموضعين جميعا، إنكارا لمن يقول: إن الوضوء لا يجزئ حتى يقطر الماء من أعضاء المتوضئ عن الوضوء، لأنها حكاية واحدة، تكررت في الموضعين؛ وقد دل على أنه أراد ذلك، أيضا، في الموضع الأول قوله فيه: " فهل حد في هذا أنه يجزئ " ما لم يقطر أو يسيل؟ فقال: ما سمعته حد في هذا حدا، ولكنه قال: يتوضأ. [4] وأما ما وقع في باب الحائض فالرواية فيه: " وقد رواه علي بن زياد عن مالك: أنها تقيم قدر أيام لداتها "، وذلك سواء في أنها " تقعد فيما بينها ويبن الخمس عشرة ليلة "، وانفرد علي بن زياد بالرواية عنه: " أنها تقيم قدر أيام لداتها ". وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له.

280 - خمس مسائل من بطليوس، أيضا.

[280]- خمس مسائل من بطليوس، أيضا. وكتب إليه، رضي الله عنه، من بطليوس، أيضا، بسؤال احتوى على أسئلة، ونص ذلك كله من أوله إلى آخره: يا سيدي الأعظم، لك الفضل في الجواب عن هذه المسائل، حسب عادتك الكريمة، وهي: [1]- اليمين بالطلاق والظهار معا. ما وقع في كتاب الظهار من المدونة من قول مالك في رجل قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، وهي علي كظهر أمي "، إنه إن تزوجها وقع عليه الطلاق والظهار معا. قال ابن القاسم: والذي قدم الظهار أبين عندي ". من أين كان أبين عنده؛ أذلك مراعاة لقول من قال: إن الواو تقتضي الترتيب، أم لا؟ وما الفرق بين من قال لامرأته: أنت طالق البتة، وأنت علي كظهر أمي. وبين من قال لأجنبية: إن تزوجتك فأنت طالق، وأنت عليَّ كظهر أمي، لم يلزمه الظهار في المسألة الأولى، إن تزوجها بعد زوج، وألزمه ذلك في المسألة الثانية؟ وعلل ذلك بأمر لم يبد لي وجهه، فلك الفضل في إيضاحه. [2]- واجب المقدم للمناكح. وفي المقدم للمناكح إذا جاءه رجل وامرأة ليعقد النكاح بينهما، ما الأشياء التي لا بد للمقدم من تحصيلها، وحينئذ يجوز له العقد؟ وهل يثبت ذلك عنده، أو عند القاضي؟ وهل يجوز له أن يأخذ الأجرة من

3 - شريك يشرك الغير في حصة شريكه المفقود

الزوجين، أو أحدهما، على تولي العقد، أم لا؟ وإذا كتب الشرك بلفظ الطوع، والعرف في البلد أنها على الشرط، هل تكون أحكامها أحكام الشرط أم لا؟. [3]- شريك يشرك الغير في حصة شريكه المفقود وفي يرجل كانت بينه وبين رجل آخر أربع مائة رأس من غنم، بنصفين ففقد أحدهما، فأشركها الباقي مع غيره، فجاء المفقود والغنم قد رجعت إلى مائتين، أو تلف جميعها، كيف الحكم في ذلك؟. [4]- طهارة ذرق بالطير. وفي ذرق الخطاق أنجس هو أم طاهر؟ وما حكم ذرق الطاير، الذي عيشه الذباب على قول مالك: أنه لا يؤكل الجراد وشبهه إلا بذكاة؟. [5]- حول كلمة من كتاب الرجم من المدونة. وكيف صحت اللفظة التي وقعت في كتاب الرجم: " مرعوس "، أهي بالسين غير المعجمة وتسكين الراء، أم لا؟ وهل الكلمة مصروفة؟ وهل هو اسم رجل؟. والله يعظم أجرك، ويبقي على المسلمين نفعك، برحمته، والسلام الجزيل على الفقيه الأجل، الحافظ، أبي الوليد ورحمة الله وبركاته. فأجاب - أمتع الله المسلمين ببقائه، وزاد في رفعته وعلائه، على

ذلك كله بأن قال: تصفحت - أرشدنا الله وإياك - أسئلتك هذه، ووقفت عليها. [1] وإنما قال ابن القاسم، رحمه الله، في الذي يقول: إن تزوجت فلانة فهي طالق، وهي علي كظهر أمي: أنه إن تزوجها وقع عليه الطلاق والظهار معا، لأنه لم يجب عليه شيء بنفسه نُطْقِهِ بالطلاق والظهار، وإنما وجب عليه ما أوجب على نفسه منها بنفس تزوجه إياها، فوجب ألا يقدم أحدهما على صاحبه، وأن يقعا معا، لإيجابهما على نفسه جميعا معا، بشرط تزوجه. ولو كانت له نية في تقديم الطلاق لزوم الظهار له أيبن، لما نواه من تقديمه على الطلاق، إذ لو نوى تقديم الطلاق عليه لم يلزمه ظهار. فلهذا قال ابن القاسم: إن الذي قدم الظهار في اللفظ أبين، لأنه إذا قدمه في اللفظ كان الأظهر منه تقديمه له في النية، فإذا لم تكن له نية في تقديم أحدهما على الآخر، لزماه جميعا، قدم الطلاق في لفظه أو أخره، وهو، إذا أخره، أبين كما قال ابن القاسم حسْبَمَا بينَّاه. والفرق بين أن يقول: إن تزوجت فلانة فهي طالق، وهي علي كظهر أمي، وبين أن يقول لامرأته: أنت طالق ثلاثا، وأنت علي كظهر

أمي، هو أن الذي قال لامرأته: أنت طالق ثلاثا، وأنت علي كظهر أمي، يلزمه الطلاق لفظه به فتصير بائنة منه بتمام فراغه من قوله: أنت طالق ثلاثا، دون مهلة، فيصير قوله، عقب ذلك: وأنت علي كظهر أمي فيمن بانت منه فلا يلزمه، والذي قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، وهي علي كظهر أمي، لا يلزمه شيء إلا بالتزويج، فيقعان عليه جميعا، إلا أن ينوي تقديم الطلاق على الظهار، فلا يلزمه الظهار، كما إذا قال: امرأتي طالق ثلاثا، وهي علي كظهر أمي. والصحيح في النظر أنه يلزمه الظهار في قوله لامرأته: أنت طالق ثلاثا، وأنت علي كظهر أمي؛ لأن الطلاق لا يقع بنفس تمام اللفظ بالطلاق، حتى يسكت بعده سكوتا يستقر فيه الطلاق، ولا يمكنه فيه تعليقه بصفة، ولا استثناء. وهو الذي يأتي على ما كتاب الأيمان بالطلاق من المدونة، في الذي يقول لامرأته، قبل أن يدخل بها: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، وأنت طالق، وأنت طالق، وأنت طالق، ولا نية هل في أنها طالق ثلاثا، إذ لو كان الطلاق يقع عليه بنفس تمام اللفظ لما لزمته إلا طلقة واحدة، لأن التي لم يدخل بها تبين بواحدة، كما تبين التي دخل بها بالثلاث. فعلى ما في كتاب الظهار لا يلزمه في هذه المسألة إلا طلقة واحدة، وعلى ما في كتاب الإيمان بالطلاق، يلزمه في مسألة كتاب الظهار، الظهار، إن تزوجها بعد زوج، وهو الأظهر، والله أعلم.

[2] والذي يلزم صاحب المناكح إذا سئل تزويج المرأة أن يعرف أنها أيم، غير ذات زوج، ولا في عدة منه، وأنه لأولى لها، أو أنها ليس لها إلا ولي غائب، وأن الزوج كفء لها، وأن الذي فرض لها صداق مثلها، إن كانت بكرا يتيمة، فإن فوض إليه القاضي، الذي قدمه، إثبات ذلك عنده، وإلا لم يصح له تزويجها، حتى يثبت ذلك كله عند القاضي، فيعلمه بذلك. وإذا كان العرف في البلد في الشروط، أنها مشترطة في أصل العقد، فهي على ذلك محمولة، وإن كانت كتبت في كتاب الصداق على الطوع منه، لأن الكتاب يتساهلون في مثل هذا اللفظ، وهو خطأ ممن سمعه. [3] وإذا أشرك الشريك في حصة شريكه المفقود من الغنم، ودفعها إلى المشترك، فهو ضامن لها. [4] وذرق الطير طاهر على مذهب مالك، الذي يرى الأرواث والأبوال تبعا للحوم. وبالله التوفيق، لا شريك له. [5]

281 - نكاح التحليل: حول نص من المدونة.

والذي قال في الحديث، الذي قال: " زنيت بمرعوس بدرهمين "، المعنى فيه: زنيت بِعَبْدٍ أسود قيمته درهمان، وقيل: على درهمين أخذتهما منه على الزنا. والرواية فيه بالسين غير المعجمة، وتسكين الرَّاء. وبالله التوفيق، لا شريك له. [281]- نكاح التحليل: حول نص من المدونة. وكتب إليه، رضي الله عنه، أيضًا، منها بهذه المسألة: يتفضل الفقيه الإمام، القاضي - أدام الله اعتلاءه، وأمتع به - بأن يبين لي ما وقع في خامس نكاح المدونة، من قول بعضهم: " اتق الله، ولا تكن مسمار نار في كتاب الله "، ما معنى تشبيهه بمسمار نار؟ وما يريد بقوله: " في كتاب الله "؟ وبين لنا، يرحمك الله، هل يحتمل قوله: " في كتاب الله " أن يكون معناه: في حكم الله؟ فإن كان يحتمل ذلك فلخص لي معناه: وإن كان لا يحتمل ذلك: فبين لنا معناه، يأجرك الله تعالى، ويجز لك ذخرك، إن شاء الله تعالى. فجاوب، وفقه الله، على ذلك، بأن قال: تصفحت، سؤالك هذا، ووقفت عليه.

282 - بيع المرابحة مع تغير سعر الصرف.

والكلام الذي سألت عنه فيه تقديم وتأخير التبس من أجل ذلك معناه، وتقديره: اتق الله في كتاب الله، ولا تكن مسمار نار، يريد، في جهنم، أي: اتق الله في كتاب الله، فلا تخالف حده فيه بالتحليل، فتكون، إذا فعلت ذلك، سببا للجمع بينهما كالمسمار الذي يجمع بين الخشبتين، المتفرقتين، يريد: فتكون بذلك معهما في النار إلا أن يتجاوز الله عنك. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [282]- بيع المرابحة مع تغير سعر الصرف. وكتب إليه، رضي الله عنه، في رجل من تجار الدكاكين، ابتاع سلعة بدينار ونصف دينار، فدفع الدينار صرفا: ستة عشر درهما، وفي نصف الدينار ثمانية دراهم، والصرف يومئذ كذلك، فأقامت السلعة عنده أشهرا، فزاد الصرف إلى أن بلغ عشرين درهما بدينار، فباع السلعة مرابحة، وبين أنه عقدها بدينار ونصف، وأنه نقد صرف ستة عشر درهما، فلم يكن عند المبتاع منه دينار، وأراد أن يعطيه دراهم، كما هو الصرف يوم البيع، عشرون درهما بدينار، وتراضيا على ذلك. هل يطيب لبائع السلعة أن يأخذ منه دراهم أم لا، وهو إنما دفع في

صرف الدينار ستة عشر درهما؟ وهل يدخله شيء أم لا؟ وكيف أن نقد، أيضا، دينارا عينا، ونقد نصف الدينار ثمانية دراهم، كيف يعرِّف بالشراء، هل يقول بدينار ونصفه، أم يقول: بدينار وثمانية دراهم؟ وهل يطيب له، أيضا، أن يأخذ في نصف الدينار أكثر مما أعطى من أجل ازدياد الصرف؟. بين لي، رضي الله عنك، كيف وجه العمل في ذلك، فإني قد سألت فيها جماعة من الفقهاء المفتين، فلم يذكر أحد منهم فيها نصا. فرغبتي أن تتفضل علي، وتجيب في هذه المسألة، وتشرح معانيها، إن شاء الله تعالى. فجاوب: وفقه الله، على ذلك بأن قال: تصفحت سؤالك هذا، ووقفت عليه. وإذا تبين البائع على المشتري ما عقد عليه جاز أن يبيع منه، مرابحة على ما عقد عليه من الذهب، إن كان الصرف قد ارتفع، وعلى ما نقد من الدراهم إن كان الصرف قد اتضع، وأن يأخذ منه بالذهب دراهم، وبالدراهم ذهبا؛ وإن كان ذلك أكثر من الذي وزن أو أكثر من الذي عقد عليه، كان كل ذلك حلالا جائزا، لا فساد فيه ولا مكروه.

فالذي اشترى السلعة بدينار ونصف دينار فدفع في الدينار صرف ستة عشر درهما، وفي نصف الدينار ثمانية دراهم، والصرف يومئذ كذلك، ثم باعها، بعد ذلك، مرابحة، بدينار ونصف دينار، والصرف قد طلع إلى عشرين درهما، وبين للمبتاع أنه وزن فيها الدراهم من سوم ستة عشر درهما، فلم يكن عند المبتاع ذهب، فأخذ منه دراهم في المثقال، ونصف مثقال، من سوم عشرين درهما، على ما هو الصرف يومئذ، فذلك حلال جائز، طيب للبائع، لا يدخله شيء من المكروه. والذي اشترى السلعة بدينار ونصف، وأعطى المثقال ذهبا، وأعطى في نصف المثقال ثمانية دراهم، وأراد أن يبيع مرابحة، فبين للمبتاع أنه اشتراها بدينار ونصف، وأنه دفع في النصف ثمانية دراهم، على ما كان عليه الصرف يومئذ؛ جاز أن يبيع مرابحة على الذهب، أو يأخذ منه في نصف المثقال صرفه في ذلك الوقت، وإن كان أكثر من الثمانية الدراهم التي وزن هو فيها. وجائز أيضا، أن يبيع مرابحة على ما وزن، ويأخذ منه دينارا، وثمانية دراهم، رأس ماله الذي وزن، وما يتفقان عليه من ربح، وإن كانت الثمانية الدراهم التي أخذ أكثر من نصف المثقال الذي عقد عليه، إن كان الصرف يومئذ اثني عشر درهما بمثقال.

283 - اشتراط القليب في كراء الأرض

ولو اشترى سلعة بعشرين درهما، وأعطاه فيها مثقالا، على ما كان الصرف عليه يومئذ، فباع مرابحة على عشرين درهما، وبين أنه دفع في ذلك مثقالا؛ والصرف قد رجع إلى ستة عشر درهما، فلم يجد عنده دراهم، فأراد أن يأخذ منه مثقالا، بستة عشر درهما، وباقي العشرين درهما دراهم اتَّفَقَا عليه من الربح، كان ذلك حلالا جائزا، لا مكروه فيه. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [283]- اشتراط القليب في كراء الأرض وسئل، رضي الله عنه، عن مسألة من كراء الأرضين، وهذا نصها: الجواب: رضي الله عنك، في رجل أكرى أرضه من رجل، في زمن القليب، لعام واحد؛ على أن يقلبها المكتري، في وقت القلب، ويزرعها في زمن الزراعة، فترك المكتري قلبها، وزرعها في زمن الزراعة. هل لرب الأرض عليه جحة فيما ترك من قليبها، الذي اشترطه عليه، يجب له عليك لذلك حق، أم لا؟. فجاوب: وفقه الله، على ذلك بما هذا نصه: تصفحت سؤالك هذا، ووقفت عليه. ومن اكترى أرضا في وقت القليب، على أن يزرعها في وقت

الزراعة، فمن حقه أن يقلبها ليجود بذلك زرعه، وإن لم يشترط ذلك على رب الأرض. وقد يكون لرب الأرض في ذلك مصلحة منفعة؛ لأن الأرض تجود بذلك، إن أراد أن يزرعها في العام الذي بعده، ولم يرد أن يجمها بترك زراعتها، فإذا اشترط على المكتري أن يقلبها، ويثني عليها بالحرث عن زراعتها لما له في ذلك من المنفعة كان الكراء جائزا، والشرط لازما. فإن ترك المكتري القليب باختياره، أو حال بينه وبينه مانع، وقد اشترط ذلك عليه، وجب أن ينظر إلى قيمة كراء الأرض في العام، على أن تقلب قبل الزراعة، وعلى ألا تقلب؛ فإن كان قيمة كراء الأرضين على أن تقلب أقل من قيمة كرائها على ألا تقلب، كان لرب الأرض على المكتري، زائدا على كرائه، ما بين الكراءين، وإن كانت قيمة كراء الأرض على أن تقلب أكثر من قيمة كرائها على ألا تقلب، وقد اشترط المكتري على رب الأرض أن يقلبها لزراعته فيها، فحال بينه ويبن قلبيه مانع من عذر أو نحوه، حط عنه من الكراء، الذي أكراها به، ما زاد فيه بشرط القليب، وذلك بأن ينظر إلى ما بين الكراءين في القيمة؛ فإن كان الخمس، أو السدس، أو العشر، حط عنه من الكراء، الذي أكراها به، ذلك الجزء، ما كان قل أو كثر. وبالله تعالى التوفيق.

284 - التبعية بين الشرب وأصول "السياقة"

[284]- التبعية بين الشِّرْب وأصول "السياقة" وكتب إليه، رضي الله عنه، من مدينة مرسية، بنسخة عقد مباراة، وتحته سؤال، ونص ذلك: عقد مباراة. " بارأ فلان بن فلان الفلاني زوجه فلانة بنت فلان الفلاني، بعد بنائه بها، بطلقة واحدة، ملكت بها أمر نفسها، على أن وضعت جميع كالئها المكلأ لها عليه، في صداقها منه، الذي لم ينعقد بينهما سواه، وصرفت إليه جميع ما كان ساقه إليها من الأصول الثابتة بموضع كذا، على حسب ما كان ساقه إليها، حاشا الدار التي فوتها بالبيع، فإنها دفعت إليه فيها خمسة وعشرين مثقالا، ذهبا مرابطية، مرسية الضرب، والجواز، وقبضها منها، وأبرأها منها، فبرأت. شهد ". السؤال: تصفح - رضي الله عنك - العقد الواقع أعلى هذا الرسم، فإنه ثبت على نصه، فإن الزوج المذكور كان ساق إليها، في جملة ما ساق، شرْب ماء، ويذهب الآن إلى أخذه، وتأبى الزوجة من دفعه، وتزعم أنها إنما صالحته على العقار والأرضين. فأفتنا، رضي الله عنه، القول قول من؟ وهل قول العاقد: " الأصول الثابتة " يدخل فيها شرب الماء أم لا؟ بين لنا، رضي الله عنك، وجه الحكم في هذه النازلة.

285 - الارتفاق بإرسال الماء من دار إلى عرصة مجاورة.

فجاوب، وفقه الله، على ذلك بأن قال: تصفحت سؤالك هذا، ونسخة عقد المبارأة الواقعة فوق، ووقفت على ذلك كله. وإن كان الشِّرب الذي ساقه إليها يسقي السياقة فهو داخل فيما صرفته إليه مما كان ساقه لها، وإن لم يكن لسقي السياقة إلا ليسقي به غير ذلك من مالها، فالقول قولها مع يمينها: أنها إنما صالحته على العقار دون الشرب، وإن ادعى الزوج عليها أنها صالحته على الجميع. وبالله التوفيق لا شريك له. [285]- الارتفاق بإرسال الماء من دار إلى عرصة مجاورة. وكتب إليه، رضي الله عنه، يسأل عن عين نبعت في دار رجل، وكثر الماء في داره، حتى أراد إخراجه على عرصة جاره، هل له ذلك أم لا؟. ونص السؤال: جوابك، رضي الله عنك، في عين نبعت في وسط دار قديمة فأمسك صاحب الدار الماء فيها، حتى أضرَّ بها، وضاق السكنى فيها، وبإزاء الدار المذكورة عرصة لرجل ثان، ونهر هذا الماء عليها، فذهب صاحب الدار أن يخرج الماء المذكور إليها، ويسرِّب له تحت الأرض، ويكون صلاحا بالفريقين، إذ ليس بالعرصة ما يفسد، وبإزاء العرصة ملك صاحب الدار، وفيه سرب قديم، لمجرى ماء العامة: وللدور التي تلي الدار المذكورة مجار إلا هذه، لسي يصاب

إليها من يدري لها مجرى على العرصة لعدم الشيوخ. فأفتنا، رضي الله عنك، بوجه الحكم في هذه النازلة، واشرحها، فإنها مشكلة، أو في أي كتاب، أو من أي كتاب، تخرَّج، مأجورزا إن شاء الله تعالى. فجاوب، وفقه الله، على ذلك بأن قال: تصفحت، رحمنا الله وإياك، سؤالك هذا، ووقفت عليه. وإن كانت العين نبعت في داره من غير أن يَسْتَنْبطها هو فيها، ويستخرجها، ولم يقدر على أن يغير ماءها في داره، بالتغوير له فيها، فمن حقه أن يرسله إلى هذه العرصة، إن كانت في الجهة التي إليها انصباب الماء، وليس له أن يحفر للماء تحتها سربا، إلا بإذن صاحب العرصة ورضاه. وإن كان هو استخرج العين في داره، فليس له أن يرسل على عرصة جاره، ولا أن يحفر له تحتها سربا إلا بإذن صاحب العرصة ورضاه. هذا هو الواجب فيما سألت عنه، على منهاج قول مالك وأصحابه، بدليل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، من قوله: " لا ضرر ولا ضرار "، ومن قوله: " كل ذي مال أحق بماله، وكل ذي ملك أحق بملكه ". وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له.

286 - أساس التراجع بين الركاب فيما طرح في البحر اضطرارا.

[286]- أساس التراجع بين الركاب فيما طرح في البحر اضطرارًا. وسئل، رضي الله عنه، عن أهل مركب، هال عليهم البحر، فطرحوا من أمتعتهم، وأرادوا أن يحاصوا أهل الناض في ذلك، هل يجب لهم ذلك أم لا؟ ونص السؤال من أوله إلى آخره. الجواب رضي الله عنك، في أهل سفينة هال عليهم البحر، واضطرهم إلى أن يطرحوا ويخففوا مما فيها، ففعلوا ذلك، وخففوا من ثقلهم، وكان فيهم من عنده ذهب وورق لهم، ولسواهم بضائع عندهم، فأرادوا أن يحصلوا ذلك عليهم، مع جميع ما بقي في المركب، هل لهم ذلك أم لا؟ بين لنا الواجب في ذلك، مأجورا مشكورًا. فجاوب، وفقه الله، على ذلك بما هذا نصه: تصفحت - عصمنا الله وإياك - سؤالك هذا، ووقَفْت عليه. ولا يجب فيما طرح في البحر من المراكب، عند شدة الخوف، عليه شيء، على ما عند الركاب فيه من الناض الذهب والورق؛ كان لهم، أو وديعة عندهم، أو بضاعة بأيديهم، وإنما يجب ذلك على الأمتاع؛ لأنها هي التي تثقل المراكب، ويخشى عليه الغرق من أجلها.

287 - الشرط في البيع.

هذا هو الصحيح من الأقوال، الذي نذهب إليه ونعتقد صحته. فقد كان القياس أن يكون التراجع يبنهم في ذلك على ثقل الأمتاع، لا على قيمتها؛ إذ لا تأثير لغلائها ورخصها في الخوف على المراكب، ومن فيه، فإن كان ثقل ما طرح وقيمته في التمثيل مائة مثل ثقل ما لم يطرح، وقيمة ذلك ألف، أو عشرة آلاف، أو أقل، أو أكثر كان للذي طرح متاعه، وقيمته مائة، أن يرجع بخمسين على أهل الأمتعة، بقدر ثقل متاع كل واحد منهم من متاع صاحبه. فإذا كان هو القياس، والقول بالتراجع بينهم على القيم خارج عن القياس، مبني على الاستحسان، بَعُدَ في وجه النظر أن يكون من ذلك على الناض شيء. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [287]- الشرط في البيع. وسئل، رضي الله عنه، عن رجل باع قطيعا من أملاكه، وشرط على المبتاع من الوظيف أكثر مما ينوبه، هل له ذلك أم لا؟. ونص السؤال: الجواب - رضي الله عنك - في رجل ابتاع نصف جميع أملاكه له على الإشاعة، وتبرأ إليه على ما يكتبه الموثقون، بعد كمال البيع وانعقاده، بعيب وظيف من هذه الوظائف المعلومة، والمعاون المشهورة، في النصف الذي اشتراه بقطيع ذكره.

مثال ذلك: أن يكون تكسير هذه القرية، المبيع فيها هذه الأملاك المذكورة، خمسين دينارا، تنفرض على ذلك مَعَاوِنُهُم، ويأخذ كل من في القرية حظه من المجعول عليها فكان قطيع جميع هذه الأملاك، المبيع نصفها، أربع دنانير من جملة القطيع المذكور، فتبرأ البائع في النصف الذي باعه بقطيع عشرين درهما، وقال: إنه واجب النصف المذكور. ثم تبين بعد ذلك: أن قطيع الأملاك، المبيع نصفها، ديناران. وكيف إن كان المبتاع قد علم أن قطيع القرية أربعة دنانير، فألزم نفسه من ذلك أكثر مما يلزم النصف الذي اشتراه، وقد انعقد الشرط على الطواعية حسبما يعقده الناس بعد كمال عقد البيع، على ذلك؟ وكيف به إن طال الزمان في ذلك اثني عشر عاما، أو نحوها؟ وهل يسقط عن المبتاع ما اشترطه على نفسه، أو يفسخ البيع؟. أفتنا بالواجب. فجاوب، وفقه الله، على هذا بأن قال: تصفحت، رحمنا الله وإياك، سؤالك هذا، ووقفت عليه. وإذا كان القطيع الذي ينوب القرية المبيع نصفها من الأصل الذي تنفرض عليه لوازمهم أربعة دنانير، فتبرأ البائع إلى المبتاع من ذلك بعشرين درهما، ولم يشترط عليه أن يحمل عنه من لوازم القرية ما ينوب أربعة دراهم الزائدة على نصف الأربعة الدنانير، فالبيع جائز، ولا يلزم المبتاع إلا نصف ما يلزم القرية.

288 - هل يحتفظ بحق الصغار في التدمية إلى حين البلوغ؟

وإن اشترط عليه أن يحمل عنه ما ينوب الأربعة الدراهم من لوازم القرية، فالبيع فاسد إن وقع ؤالبيعب على ذلك بشرط من المتبايعين. وإن كان انعقد ذلك في التبايع على الطوع، حسبما جرت عادة كتاب العقود، وادعى أحدهما أن البيع انعقد بينهما على الشرط، وكذبه الآخر فالقول قول من ادعى الشرط منهما مع يمينه، لشاهد العرف له، ويفسخ البيع. وإن اتفقا جميعا على أن المبتاع طاع بذلك بعد انعقاد البيع بينهما على شرط، صح البيع، ولزم المبتاع ما طاع به من ذلك إلى الأمد الذي يزعم أنه نواه، وأراده مع يمينه على ذلك؛ وإن مات سقط عنه ما طاع به من ذلك بموته. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [288]- هل يحتفظ بحق الصغار في التدمية إلى حين البلوغ؟ مسألة تدمية العمد، النازلة بقرطبة، سنة ست عشرة وخمس مائة. قال الفقيه الأجل، الحافظ، الإمام، القاضي العدل، أبو الوليد محمد بن رشد، شيخنا، رضي الله عنه. سألني جماعة من طلبة العلم، الباحثين عن معانيه، مستفهمين لي عن وجه ما اتصل بهم من فتواي، فيمن ادعى على رجل بدم عمد، وله بنون صغار، وعصبة كبار، بأن ينتظر الصغار حتى يبلغوا، ولا يمكن

العصبة من القسامة، والقود؛ إذ البنون الصغار أحق بالقيام بالدم والقسامة فيه، والعفو عنه منهم، بخلاف الرواية المأثورة في ذلك عن مالك وعن غيره من أصحابه؛ إذ خفي عليهم المعنى في ذلك، وظنوا أنه لا يسوغ للمفتي العدول عن الرواية الموجودة في ذلك، وليس ذلك على ما ظنوا، بل لا يسوغ للمفتي تقليد الرواية والفتوى بها إلا بعد المعرفة بصحتها. هذا ما لا اختلاف فيه بين أحد من أهل العلم، لقول الله عز وجل: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل، إذ بعثه إلى اليمن واليا ومعلما: " بم تقضي؟ قال: بكتاب الله. قال: فإن لم تجد؟ قال: فبسنة رسول الله، قال: فإن لم تجد؟ وقال: أجتهد، رأيي، فقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسوله لما يرضي رسوله ": فكان الذي أرضاه صلى الله عليه وسلم، فيما لم يجد في الكتاب ولا في السنة، الاجتهاد، لا الرجوع إلى قول عالم مثله قال قولا باجتهاده ورأيه، وما أرضى رسول الله، فقد أرضى الله عز وجل، وما أرضى الله عز وجل فهو الحق عنده، الذي لا تحل مخالفته، ولا العدول عنه. والرواية التي افتيت بخلافها للأصول عدل بها عن القياس للمعنى الذي أذكره استحسانا على ما سنبينه، فوجب العدول، عنها، بالنظر الصحيح، إلى ما هو أولى منها، لا سيما ما ذكر من أن المدعى عليه كان سكرانا إذ جرح المدعي، ومن أهل العلم من يقول:

إنه لا يقاد من السكران بمن قتل في حال سكره؛ وإن كنا لا نقول بقوله، فمراعاته واجبة، على أصل مذهب مالك، الذي نعتقد صحته، في مراعاة الخلاف. والواجب في بيان صحة ما قلناه في هذه المسألة بأن نذكر أصلها من الكتاب والسنة، الذي يرد إليه، ويبني الحكم فيها عليه. والأصل فيها، بإجماع العلماء، قول الله عز وجل: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} [الإسراء: 33]، أي: جحة، يقوم بها في أخذ حقه. واختلف أهل العلم هل من حقه أن يعفو عن الدم على الدية، شاء القاتل، أو أبى، أم ليس ذلك له، على اختلافهم في تأويل قول الله عز وجل: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178]: هل المعفو له ولي الدم، أو القاتل؟. (1) فمن ذهب من أهل العلم إلى أن لولي الدم أن يعفو عن القاتل، على أن يأخذ الدية منه، شاء أو أبى، يوجب انتظار بني المقتول الصغار بالقسامة، على كل حال، إلى أن يبلغوا؛ إذ لا يصح على مذهبهم أن يمكن العصبة من القسامة والقود، فيبطل بذلك حق البنين الصغار فيما لهم من أخذ الدية من القاتل شاء أو أبى بقسامتهم إذا بلغوا، قياسا على ما أجمعوا عليه في الحقوق الواجبة في غير الدماء، من ذلك الشفعة إذا وجبت للصغار بشاهد واحد، لا اختلاف في أن الشفعة لا تصير إلى من هو أحق بها منهم بعدهم لصغرهم، وإنما هم على حقهم إذا كبروا، يحلفون ويستحقون الشفعة وكذلك سائر الحقوق.

ولو ادعى صبي على رجل أنه استهلك له عروضا، أو قتل له دابة، أو عبدا، وأقام على ذلك شاهدا واحدا، لكان على حقه إذا بلغ، وهذا قول أشهب، وأحد قولي ابن القاسم، ورواية مطرف، وابن الماجشون عن ذلك، ومذهب الشافعي، والأوزاعي من فقهاء الأمصار. ودليلهم على ذلك من طريق الأثر: الحديث الصحيح، من رواية أبي هريرة، خرجه البخاري وغيره، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " من قتل له قتيل، فهو بخير النظرين: إنا أن يؤدي، وإما أن يقاد "، وما روي عنه، صلى الله عليه وسلم، من أنه قال: " من قتل له قتيل، فهو بخير النظرين: أن يعقل، أو يعفو، ويأخذ الدية. ومن طريق النظر: أن على القاتل استحياء نفسه بماله، فإذا لم يفعل ما عليه من ذلك أخذ به وإن ؤكره، وقال مالك، رحمه الله،: تؤخذ الدية منه وإن كره، لأنه لا يدرأ عن ماله، إذا لا انتفاع له بماله إذا قتل. (2) ومن ذهب إلى أنه ليس له أن يأخذ الدية من القاتل إلا برضاه، وهو قول مالك في رواية ابن القاسم عنه، وقول جماعة من أصحابه، وأحد قولي ابن القاسم، فالقياس، أيضا على مذهبهم انتظار البنين الصغار حتى يبلغوا؛ إذ هم أحق بالقود، والعفو، وبمصالحة القاتل من العصبة، قياسا، أيضا على ما أجمعوا عليه في الحقوق، إلا أنهم رأوا، استحسانا، على غير قياس، ما أتت به الروايات عنهم من ألا ينتظر الصغار إلا أن يقرب بلوغهم. هذا معنى قولهم، إذ لا يجب

لهم الدية على القاتل على مذهبهم إلا برضاه، وإنما يجب لهم القود، وهو الذي تدعو إليه العصبة أو العفو من غير شيء. ووجه الاستحسان منهم إيثار القود على العفو لما فيه من الزجر عن القتل، والانتهاء عنه به، اعتبارا بقول الله عز وجل: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179]. والأظهر أن العفو أولى من القود، لقول الله عز وجل: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40]، وقوله عز وجل: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى: 43]، وقوله عز وجل: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 133 - 134]، ومن مثل هذا في القرآن كثير، ألا ترى أن أهل العلم قد قالوا: إنه ينبغي للإمام أن يرغب أولياء في العفو قبل القسامة، فإن أبوا إلا القسامة والقود أمكنهم من ذلك. فإذا كان العفو هو المستحب، والعفو في مسألتنا إنما هو للصغار إذا بلغوا، وجب أن ينتظروا حتى يبلغوا، فيعفوا إن أحبوا، ابتغاء الأجر والثواب، ولا يفوت عليهم، بتمكين العصبة من القود بالقسامة، الأجر الذي يكون من حقهم أن يكتسبوه إذا كبروا.

فإذا ثبت بما مهدناه وقررناه، وبيناه من أن المسألة ترجع إلى قولين، لا ثالث لهما: أحدهما: أن الواجب انتظار الصغار حتى يكبروا، دون حق يكون للعصبة معهم في القسامة، والقود. في نظر ولا استحقاق. والقول الثاني: أن لهم ذلك في الاستحسان دون النظر، وضعف الاستحسان بما يبناه من أن العفو أولى من القود، لم يبق إلا وجوب انتظار البنين الصغار حتى يكبروا. فإن قال قائل: إن القتل أولى من العفو، فالحجة عليه ما تلوناه من الآيات في العفو. فإن قال: معنى ذلك في غير الدم، قيل له: الدليل على أنها على عمومها في الدم وغيره: ما رُوِي عن أنس بن مالك، قال: " أتى رجل بقاتل وليه إلى النيب، صلى الله عليه وسلم، فقال له: اعف، فأبى، قال: خذ الأَرش، فأبى، قال: أتقتله، فإنك مثله إن قتلته؟ فخلى سبيله "، فهذا نص بين في أن العفو أفضل من القود لأن النبي صلى الله عليه وسلم، لا يندب إلا إلى الذي أفضل، وقد بين ذلك صلى الله عليه وسلم، بقوله: " فإنك مثله إن قتلته "، لأن المعنى في ذلك: أن أجره يذهب باستيفاء حقه منه، وترك العفو عنه، ويذهب عن القاتل الوزر بالقود منه، لأنه يكون كفارة له، على ما جاء من أن: " الحدود كفارات لأهلها "، فيستويان جميعا في أنه لا أجر لواحد منهما، ولا وزر عليه.

289 - كراء رحى

هذا الذي أقول به في تأويل هذا الحديث، وقد قيل فيه غير وجه واحد، لا يسلم من الاعتراض، ولو سلمنا أن القود أولى من العفو، فصح الاستحسان في أن لا ينتظر بلوغ البنين الصغار على أحد قولي مالك، وابن القاسم، ومن تابعهما على ذلك، لما صح في مسألتنا هذه، لما قد قيل: أن القاتل كان سكران حين جرح المدمِّي، إذ لا شك ولا امتراء في أن العفو عن السكران أولى من القود منه لا يجب عليه، وإذا كان العفو عنه أولى، بإجماع، حصل الإجماع على وجوب انتظار البنين الصغار، ولم يصح القول بخلافهم. فهذا وجه ما ذهبت إليه في المسألة، فقد بانت صحته، واتضحت حقيقته، والحمد لله، وقد كان في دون هذا البيان كفاية إلا أن المرء قد يحب معرفة وجه الصواب، وموقع الجحة، كما قال مالك، رحمه الله، في موطئه. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [289]- كراء رَحَى: وسئل، رضي الله عنه، عن عقد انعقد بين قوم في كراء بيت رحى دائرة، وتحت العقد السؤال. ونص ذلك. عقد كراء الرحى وشروط الاستغلال. " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. اكترى محمد بن عبد الرحمن بن طارق الأنصاري، وعبد الصمد بن علي الأموي، ومحمد وعلي ابنا عبد الله بن

حرب اللخمي، بينهم على السواء والاعتدال، من أحمد بن جزي التجيبي، ومن عبد الله بن دلول، الناظرين للقريش بقرطبة جميع الرحى الدائرة، المعروفة ببيت الساقية، بقرب الخرب، على ضفة وادي بلون، من جيان، لمدة من سبعة أعوام متصلة، أولها منتصف ذي الحجة، الأَدْنَى، إلى تاريخ هذا الكتاب، بمائة مثقال واحدة، وأربعين مثقالا من الذهب المرابطية الوازنة. يدفع منها محمد بن عبد الرحمان، وعبد الصمد، ومحمد، وعلي، ابنا عبد الله المذكورون لأحمد وعبد الله المذكورين، أو إلى من يجب له ذلك بسبب القريش، المذكورين أرباب القرية وبيت الرحى المذكورين، انقضاء كل شهر من أول الأمد المذكور، مثقالا واحدا، وثلثي مثقال، أداء متواليا، إلى تمام العدد، وانصرام الأمد؛ وعلى أن يطلق محمد بن عبد الرحمن، وعبد الصمد، والأخوان: محمد وعلي، المذكورون في البيت المذكور، أربعة أجحار طاحنة، تكون محناة، وأجحارها ثمانية، من مقطع أربظة، غلط كل جحر شبر وثلثه، وسعته أربعة أشبار ونصف، بالشبر الوسط، وتكون دواليبها من البلوط، بأعمدة الحديد، وقطب، وحلق، وصنوج، وقنوات، ومصب البيت أربع من الألواح، ويرفعون سد الرحى المذكورة بالجحارة والسلل والأوتاد، ويخرج ماؤها في ساقية الرحى، وعلى أن يقيموا، من جوفي بيت الرحى اصطبلا للدواب، سعته مثل سعة بيت الرحى، يتصل بالبيت، طوله أربع

ألواح، وارتفاعه ثلاث ألواح، بالطابية، غلظ الحائط شبران، بالشبر الوسط، رأسه بالحجر والطين، وعدته بالجوز، وغطاؤه وغطاء بيت الرحى بالقراميد، ويشركون البيت المتصل ببيت الرحى المذكورة، من ناحية الغرب، بالجص. وتواصفوا ذلك كله، صفة أقاموها مقام العيان. فإذا انقضت المدة المذكورة، ترك محمد بن عبد الرحمان، وعبد الصمد، والأخوان: محمد، وعلي، المذكورون، الأربعة الأحجار المذكورة طاحنة، بآلاتها كلها، مستقيمة في جريتها في البيت المذكور للقريش المذكورين، أرباب القرية المذكورة. وطاع محمد، وعبد الصمد، والأخوان: محمد، وعلي: المذكورون، بعد تمام الاكتراء المذكور، طوعا صحيحا، دون شرط: أن يطحن عبد الله وأحمد بن جزي المذكوران في الرحى المذكورة، في كل شهر من أشهر الأعوام المذكورة، فقيزين من القمح، بكيل جيان، دون أجر. وعرفوا قدر ذلك، شهد عليهم بذلك من أشهدوه به، في صحتهم، وجواز أمورهم، في شعبان من سنة تسع وخمس مائة ". نسخة السؤال: يتصفح الفقيه الأجل الإمام الأفضل، وصل الله توفيقه وتسديده، العقد الواقع في أعلى بطن هذه الورقة، أهو عامل أم لا؟ وهل ترى أن الكراء جائز لازم، ولا يعلم المتكارون بماذا انعقد الكراء، بالبنيان والإنشاء، أم بالذهب المذكورة؟ وهل ترى أن وصف البنيان قائم تام، أم لا؟ وإن كان عقد الكراء صحيحا، كيف ترى أن يترك

290 - هل يدخل الأبناء مع الآباء، وبنو الأخ مع الأعمام، في الحبس المؤبد؟

العاملون هذه الرحى، أببقية الأحجار، وإن كانت الأيام قد أذهبت قوتها، بتغيير البنيان وفناء الآلات، أم يحددون ذلك كله على الوصف الأول، أم يعالجه بالرم بعض معالجة؟ أم كيف ترى ذلك، إذ لم يجعل في ذلك في العقد حد؟ أم كيف ترى وجه الحكم في ذلك؟. بين لنا وجه العلم، وطريق الحكم في ذلك كله، معانا موفقا، إن شاء الله تعالى. فأجاب - وفقه الله، على ذلك وأدام تسديده - بأن قال: العقد عامل، والكراء، على ما تضمنه، جائز، ولأرباب الرحى، إذ صح الكراء عليهم بما يجب من تفويضهم ذلك إلى من عقده عليهم، أخذ رحاهم إذا انقضى أمد الكراء مبنية قائمة، طاحنة، ولا حجة لهم على المكترين في بلاء البنيان، وما انتقص من الأحجار، إذا لم يقصروا في شيء من ذلك كله، على الصفة التي اشترطت عليهم وبالله التوفيق، لا شريك له. [290]- هل يدخل الأبناء مع الآباء، وبنو الأخ مع الأعمام، في الحبس المؤبد؟ وكتب إليه، رضي الله عرنه، من أغرناطة، حرسها الله، يسأل عن مسألة حبس، وهذا نصها: الجواب، رضي الله عنك، في رجل أوصى، في عهده الذي لم ينسخه بغيره، إلى أن توفي، بأن يحبس عنه على أمي ولده: سرية، وهناء

العيش، جميع أملاكه بقرى سماها في عهده المذكور سواء بينهما، ومن انقرض منهما رجع نصيبها إلى صاحبتها، فإن انقرضتا، رجع الحبس المذكور على أحمد والحسن ابني عم المحبس، سواء بينهما، ثم على أعقابهما، وأعقاب أعقابهما، ومن انقرض منهما رجع نصيبه إلى عقبه، ومن انقرض منهما من غير عقب رجع نصيبه إلى أخيه، فإن انقرضا، ولم يعقبا، أو انقرض عقبهما، رجع الحبس المذكور إلى فخذثان من بني عم المحبس، وعلى أعقابهم، وأعقاب أعقابهم، فإن انقرضوا ولم يعقبوا، رجع الحبس إلى فخذ ثالث، من بني عم المحبس، فإن انقرضوا ولم يعقبوا رجع الحبس المذكور على الفقراء والمساكين بحضرة أغرناطة وألبيرة، وشرط في حبسه المذكور أن يكون منه للذكر من أعقاب من أعقاب من ذكر مثل حظ الأنثيين. فنفذ العهد المذكور لسرية وهناء العيش، المذكورتين، ثم توفيت هناء العيش المذكورة، وصار الحبس المذكور بجملته إلى صاحبتها سرية، ثم توفي، في حياة سرية أحمد المذكور عن غير عقب، وورثه أخوه الحسن، ثم توفي الحسن المذكور، عن بنين ذكرانا وإناثاً، ثم توفي بعض بني الحسن المذكور عن ابن ذكر، ثم توفيت بعد ذلك سرية المذكورة في حياة بعض بني الحسن المذكور، وأحفاده، بني من أدرك موت سرية المذكورة، وابن ولد الحسن الذي لم يدرك موتها، ثم مات بعض ولد الحسن المذكور عن بنين، وذكران وإناث. هل يدخل في هذا الحبس المذكور الأبناء مع الآباء، وبنو الأخ مع الأعمام، أم لا؟ وإن دخلوا معهم كيف يقتسمونه؟ وهل تنتقض القسمة

بينهم بموت من مات منهم، أو ولادة أحد فيهم؟ وهل يدخل فيهم بنو بنات المحبس وبنو بنات بنيه، أم لا؟ بين لنا ذلك كله، وواجب الحق والحكم فيه، موفقا مأجورا مشكورا، إن شاء الله تعالى. فأجاب، وفقه الله، على ذلك بما هذا نصه: تصفحت - أعزك الله بطاعته، وتولاك بكرامته - سؤالك هذا ووقفت عليه. وإذا كان الحبس على نص ما ذكرته فالواجب أن يدخل فيه الأبناء مع الآباء، وبنو الأخ مع الأعمام، ويقتسمونه بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، على ما شرطه المحبس، ويدخله بنو بنات الحسن، لقوله: " ثم على أعقابهما، وأعقاب بأعقابهما " لأن بنت الحسن من عقبه، فولدها من عقب عقبة. ولا يدخل فيه بنو بنات بنيه، لأن بني بنات بنيه إنما هم عقب عقب عقبه، لا عقب عقبه، وإنما هو حبس على عقب الحسن، وعلى عقب عقبه، فلا يدخل في حبسه إلا من يرجع نسبه إلى الحسن. والى ولد الحسن، ذكرًا كان ولده أو أنثى. وإن كان الحبس مما ينقسم، فاقتسموه بينهم للسكنى، وإن كان مما يسكن، أو للازدراع إن كان مما يزدرع، قسمة متعة، انتقضت القسمة بموت من مات منهم، وبولادة ولد يولد لأحد منهم، وقد قيل: إن القسمة لا تنتقض بموت من مات منهم، إن كان نصيبه ينقسم على من بقي منهم دون ضرر. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له.

291 - عقوبة من يسب الله عز وجل

[291]- عقوبة من يسب الله عز وجل. وكتب إليه، رضي الله عنه، بعض الحكام من بعض بلاد الأندلس بنسخة عقد ثبت عنده على رجل تكلم بكلام سوء في حين خرج. وهذا نصه: عقد إشهاد على من سب الله عز وجل. " يشهد من يضع اسمه أسفل هذا الرسم من شهدائه أنهم يعرفون عبد الله بن محمد المغراوي والمنبوز بالكلبوس بعينه واسمه، وأنهم حضروا مجلسا يوم الأربعاء الثامن عشر من صفر سنة ست عشرة، وخمس مائة، وقد تشاجر مع علي بن مالك، فسبه عبد الله المذكور، وسب أبويه، وزاد إلى ذلك أن قال لَهْ: " الفعال الذي خلقك "، وهو في نهاية من الحرج والغضب، لما وقع بينه وبين علي المذكور. شهد بذلك كله من حضر ذلك حسب نصه، واستوعب مقال عبد الله المذكور، وتحققه وعرف عينا واسما وبحال صحة، وجواز أمر، وقيد به شهادته في التاريخ المؤرخ فوق هذا ". وتحت نسخة العقد هذا السؤال، ونصه: يتصفح الفقيه الأجل، الإمام الحافظ، المشاور، الأكمل، أبو الوليد بن رشد أدام الله توفيقه، العقد المسطر فوق هذا، فإن رجلا من المسلمين قام به عندي بالحسبة وأثبته عندي بشهادة من قبلت وأجزت من العدول على عين عبد الله المذكور فيه، بواجب الثبت ومقتضاه، فاستحضرت عبد الله المذكور، ووقفت عليه، وأعلمته كيف ثبت وبمن ثبت، فأنكر ذلك، وتبرأ منه، وأعذرت إليه على واجب

الإعذار، وصيرته مسجونا. موثقا بالحديد، وأجلته آجالا، وسَّعْتُ عليه فيها، وتلومت عليه تلوما تاما متقصيا. ثم استحضرته وسألته: هل له حجة، أو بيده شيء، ليسقط به شيئاً مما شهد عليه به من ذلك، فلم تكن له حجة في شيء غير التمادي على الإنكار، فعجزته لعجزه، وتعين سؤالك في أمره، وما يجب من الحكم عليه، لتراجع متطولا، مأجورا، موفقا بما تتقلده في ذلك، لأعمل به، إن شاء الله تعالى. فأجاب أدام الله توفيقه، على ذلك بأن قال: تصفحت - أعزك الله بطاعته وتولاك بكرامته - سؤالك هذا، ووقفت عليه. والواجب على هذا المشهود عليه بما شهد به عليه، مما تضمنه العقد: الأدب الموجع، إذ لم يقصد، على ما تضمنه، العقد العقد، إلى سَبِّ الله تعالى، وإنما قصد إلى سب المنازع له، فجرى على لسانه بالحرج ما لم يعتقده، والله أعلم. ولو قصد أن سب الله تعالى، بما تضمنه العقد لوجب، عليه القتل. والحد في الأدب له مصروف إلى اجتهادك، فيكون على قدر حاله، وما يعرف من استهتاره، أو اعتدال أحواله. وبالله تعالى التوفيق.

292 - التدمية على شخص بأوصافه دون عينه

[292]- التدمية على شخص بأوصافه دون عينه وكتب إليه، رضي الله عنه، قاضي كورة جيان، أكرمه الله، بنسخ عقود ثبتت عنده في تدمية على رجل، وتحت ذلك كله سؤال. وهذا نص الجميع على اختصار: رجل جرح جرحا مات منه، فدمي على رجل آخر، وقال، في تدميته عليه: أن مصيبة بالجرح، الذي به، على سبيل العمد، الذي فيه القصاص، عبد الر حمن المعروف بابن عربي، من ساكني قرية كانبش السفلى من قرى جيان، وثبتت التدمية على نصها عند موت المُدَمِّي من جراحه المذكورة، ووراثته، وأن أحق الناس بالقيام بدمه أبويه وأخوه شقيقه. وأقر المدعى عليه القتل أنه عبد الرحمن بن عربي، وأنكر القتل، وقال القاضي: أنه أعذر إليه في جميع ما ثبت فعجز عن المدفع في شيء منه، وأنه وجه من وثق به إلى القرية المذكورة، يبحث ويكشف هل بها من يسمى باسمه، وينسب بنسبه، فما وجد أخدا غيره. فجاوب أدام الله توفيقه وحراسته، على ذلك بأن قال: تصفحت يا سيدي، أعزك الله بطاعته وأمدك بتوفيقه ومعونته، سؤالك هذا، ونسخ العقود الواقعة فوقه، الثابتة أصولها عندك على ما ذكرته، ووقفت على ذلك كله.

وإذا لم يكن إشهاد المدمِّي بالتدمية على عين المدمى عليه، وإنما قال، للشهود الذين أشهدهم بذلك: إن مصيبه بما فيه، والمأخوذ بدمه: عبد الرحمرن المعروف بابن عربي: من ساكني قرية فلانة، فلابد أن يثبت، عندك، على هذا المدعى عليه القتل: أنه عبد الرحمن المعروف بابن عربي، من ساكني القرية المذكورة، ببنية عدلية، تشهد بمعرفة ذلك، أو بإقراره به على نفسه. وحينئذ يتبحث: هل في سكان القرية المذكورة من يسمى بعبد الرحمن بن عربي سواه، أم لا؟. وقد تضمن العقد المنتسخ آخرًا، المؤرخ بربيع الأول من عَامِنَا هذا، إقراره على نفسه بأنه عبد الرحمن بن عربي، وليس فيه من إقراره تصريح بأنه من سكان القرية، فإن كان قد ثبت عندك أنه من سكانها، أو أنه أقر بذلك على نفسه، إقرارا صحيحا، وقال الذي وجهته للبحث عن ذلك: أنه لم يجد من سكان القرية من يسمى بذلك الاسم، وينسب إلى ذلك النسب سواه، وجب لأبي المقتول وأخيه الاستفادة منه، إذ قد أعذر إليه في جميع ما ثبت عليه، فعجز عن المدفع في شيء، بعد القسامة عليه، بأن يقسمها خمسين يمينا يردد عليها يمينا يمينا: أنه هو الذي قتله، يقول الأب في يمينه، بمقطع الحق، قائما مستقبل القبلة، إثر صلاة العصر من يوم الجمعة، على ما مضى عليه عمل القضاة: " بالله الذي لا إله إلا هو، عالم الغيب والشهادة لقد قتل هذا - ويشير إليه - ابني فلانا بالجرح الذي أصابه به، ومات منه، على سيبل العمد، بغير حق ". وكذا يقسم الأخ، إلا أنه يقول: " لقد قتل أخي فلانا "، فإذا استكملا خمسين يمينا، على هذه الصفة، أسْلِمَ برمته إليهما، فاستقادا منه بالسيف: قتلا مجهزا، على ما أحكمه الشرع من القصاص في القتل.

293 - خمس مسائل من القاضي أبي الفضل ابن عياض

والله أسأله التوفيق لنا ولك، والسبيل إلى ما فيه الخلاص والنجاة. برحمته. [293]- خمس مسائل من القاضي أبي الفضل ابن عياض وكتب إليه، رضي الله عنه، القاضي بسبتة أبو الفضل ابن عياض، أكرمه الله، في شهر رمضان المعظم، سنة ست عشرة، وخمس مائة، بخمس مسائل يسأل عنها، وقبل الأولى منها نسخة عقد، والسؤال الأول تحته. [1]- إشهاد بمعرفة طريق عامة وهذا نص جميعها، وجوابه على كل واحدة منها " بسم الله الرحمان الرحيم، يشهد من يتسمى أسفل هذا العقد من الشهداء: أنهم يعرفون الزنقة الضيقة الحاجزة بين جنة فلان وفلان، بقرية كذا، من بلد كذا، ويعلمون هذه الزنقة مسلوكة من البحر إلى أعلاها، مسلوكة لعامة المسلمين، تجازُ بما تجازُ به الطرقات، وتحترم بحرمتها، وأول هذه الزنقة كذا، وآخرها كذا، إلى الطريق العظمى، وكذلك الساكنون بهذه الزنقة المذكورة تفضي بهم إلى الطريق المذكورة. وعلى هذه الحالة عَرَفُوا الزنقة المذكورة، وعرَّفوها، وعلى هذه الصفة عدوها وعلموها. شهد بذلك من علمه حسب نصه، وعينه بالوقوف إليه، وأوقع بذلك شهادته، في كذا ".

إزالة ضرر عام بإعادة فتح زنقة، أدخلها الخواص في ملكه السؤال: يتأمل الفقيه الأجل أدام الله توفيقه، هذا العقد، وقد شهد فيه عدة من العدول بنصه، وحازوا الطريق المذكورة، وحدوها، بحضرة البينة، هل هو عامل تام، يجب الحكم به، وإخراج ما اقتطع بعض الجيران من هذه الطريق وأدخله جنته، حتى قطع المرور بها، وبقي أسفلها لا ينفذ إلى أعلاها؟ وهل يضطر في العقد أن يقال: " منذ عقلوا " حسبما نصه الموثقون، أم لا يقدح إسقاطه بالعقد إذ شهادتهم فيه تامة نصها في العقد عاقده؟ وهل تحتاج شهادتهم إلى ذكر المدة التي عرفوها، وطولها، أم لا يحتاج هنا، لأنهم أخبروا عن أول علمهم بهذه الطريق أنها بهذه السبيل، ولم يشهد غيرهم بخلافه، فصار كمن شهد لمن لا يصح الحوز عليه من صغير، أو سفيه، أو غائب، بتقدم ملكه لشيء يدعيه غيره، ويحتج بكونه في يده، فلا يحتاج هنا بأكثر من أن يقولوا: ما عَلْمها ملكا لفلان، أو في حوزه قبل أن تصير في يد هذا، فكانت الشهادة لمتقدم الملك أعمل، إلا أن يبطلها حوز، أو تنقل ملك. وكذلك الشهادة بهذه الطريق، شهدوا أنهم يعلمونها أولا في حوز جماعة المسلمين، قبل أن يتعدى عليها مقتطعها، فلا يحتاجون إلى أكثر.

وطول حوزه، هو، لها باقتطاعه، بعد معرفتهم غير ضائر، إذ لا يحاز على الطرق. والمسألة التي شرط فيها في كتبنا طول أمد المعرفة، قامت هناك للمطلوب يبنة أنها طريق محدثة، بلا حق، حسبما وقع في الرواية. فهنا الشهادة للملك الأقدم، وهو ملك المدعى عليه، لإثبات شهود ملكه قبل إحداثها، فكانت أعمل، إلا أن يأتي من طول المدة ما يحاز عليه به الطريق ضد مسألتنا. فجاوب بما تراه، مأجورا، إن شاء الله تعالى. الجواب عليها: تصفحت - أعزك الله بطاعته، وأمدك بعونه - سؤالك هذا، والعقد المنتسخ فوقه، ووقفت على ذلك كله. والعقد صحيح، لا يقدح فيه، ولا يوهنه، خلوه من معرفة الشهود لما تضمنه منذ عقلوا، إذ ليس بشرط في صحة شهادة الشاهد، فقد لا يعرف الشيء منذ عقل، ويعرفه بعد ذلك، فتصح له (به الشهادة). وهذا ما لا إشكال فيه. وكذلك، أيضا، ذكر المدة فيه ليس بشرط في صِحَّةِ الشهادة في هذه المسألة، للمعاني التي ذكرتها، ولما سوى ذلك، فالحكم به واجب، والقضاء بصرف الطريق على ما كانت عليه، وهدم ما أحدث من البناء فيها، الذي قطع المرور عليها، لازم، فأنفذه من حكمك، وأمضه من قضائك معانا إن شاء الله، والسلام عليك.

2 - زوجة مدبرة تطالب تركة الزوج بالكالئ، وبالدين

[2]- زوجة مدبرة تطالب تركة الزوج بالكالئ، وبالدين وأما المسألة الثانية فهي رجل توفي وترك زوجته مدبرة، فقامت في كالئها، وقد ثبت لها، من يحلف يمين الاستبراء أهي أو مدبرها؟ وهل حكمها حكم السفيه في ذلك، على ما فيه لشيوخنا؟ وكيف إن كانت مأذونا لها؟ وكيف إن قام لها شاهد بدين عليه، وهي غير مأذون لها، من يحلف اليمين؟ وكيف إن كان إقراره في المرض، وورثته عصبة، هل تكون بمنزلة الصديق الملاطف؟. تأمل هذه الفصول، مأجورا، إن شاء الله تعالى. الجواب عليها: تصفحت السؤال، الواقع فوق هذا، ووقفت عليه. والذي أراه في هذا على أصولهم: أنه إن كانت المدبرة مأذونا لها في التجارة، أو كان سيدها المدبر لها، قد أذن لها بقبض كالئها، حلفا جميعا، لأن الكالئ يسقط بإقرار من أَقرَّ منهما بقبضه، وإن لم تكن ثَمَّ بينة على الدفع لها. وأما إن كان سيدها لم يأذن لها في التجارة، ولا في قبض كالئها، فلا تحلف هي إذ لو أقرت بقبضه، لم تصدق في ذلك، ويحلف هو: أنه ما قَبَض، ولا علم أنها قبضت لأنه لو أقر هو أنه قبضه، أو أنه يعلم أنها قد قبضته لبريء الزوج منه. وأنا إن كان لها دين على زوجها بشاهد واحد فهي تحلف مع شاهدها: أن ما شهد لها به حق، وأنها ما قبضت، ولا وهبت، كان مأذونا لها في التجارة أو لم تكن، غير أنها إن لم تكن مأذونًا لها في

3 - إلى من يعود حظ من مات في العمرى المشتركة؟

التجارة، فنكلت عن اليمين، كان من حق سيدها إن يحلف، إن شاء، مع الشاهد ويستحق الدين لها، وإن شاء انتزعه منها. ولا يدخل في نكولها عن اليمين إن نقلت عنه، الاختلاف الذي في نكول السيفه، إذ ليست بسيفه، وإقراره لها بدين في المرض، وورثته عصبة، كإقراره للصديق الملاطف مع العصبة، حسبما ذكرت. وبالله تعالى التوفيق. [3]- إلى من يعود حظ من مات في العمرى المشتركة؟ وأما الثالثة فهي امرأة أعمرت أبويها في دار، فمات أحدهما، فقامت المُعْمِرَة تطلب نصف الدار، هل لها ذلك، على رأي من رآه في الأجنبيين؟ وهل الأبوان والأجنبيات في ذلك سواء، أو يفترقان، لأن كل واحد من الأجنبيين إنما جعل له المنفعة بنصف الدار على الاشتراك مع الآخر، والمقصد من إعمار الأبوين نفع كل واحد منهما بالجملة؟. بين لنا ما عندك في ذلك. الجواب عليها: تصفحت السؤال الواقع فوق هذا، ووفقت عليه. ولا إشكال في المسألة إذا كانت المعمرة حية، كما ذكرت، في سؤالك، لأنها مصدقة فيما تزعم من أنها إنما أرادت أن يرجع إليها حظ من مات منهما، لا إلى صاحبه حتى يموتا جميعا. وإن ادعي الباقي منهما عليها أنها نَصَّتْ في إعمارها على أن الدار تبقى على الآخر موتًا منهما، لزمتها اليمين.

4 - اختلاف البينات على موقع البناء

ولو كانت قد ماتت، فلم يدر ما أرادت، لتخرَّج ذلك على الاختلاف في الذي يحبس الحبس على معينين، فيموت بعضهم، هل يرجع حظه على المحبس، أو إلى من يبقى منهم، حتى يموتوا كلهم؟ ولا فرق في هذا بين الأبوين وغيرهم. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [4]- اختلاف البينات على موقع البناء وأما الرابعة فهي رجل بنى حائطا لجنته، في بطن واد، وقد كان حائطه دون ذلك، فشهد له قوم أنه بنى في حقه، وشهد آخرون أنه خرج عن حقه، وكيف إن ضيق به بطن الوادي والطريق فيه، وكاتن في ذلك سعة، بحيث لا يضرها بما بناه أجنبي. برأيك في ذلك، وما يترجح عندك من القولين لأيمتنا المشهورين؟ وكيف إن كان أمامه جنة لغيره، فقال له: بتحصينك وتضييقك، يصب الوادي عليَّ، ويضرني عند حملته؟ وكيف الجواب في هذا الفصل، مع اختلاف الشهادات له، وعليه، أو مع ثبات أنه بَنَى في حقه، إذ لا خفاء بمنعه من ضرر غيره، إذا بنى في غير حقه، إن شاء الله؟. الجواب عليها: تصفحت السؤال الواقع فوق هذا، ووقفت عليه. وإذا كان الحائط الذي بناه لجنته يضر بالطريق، أو بجاره فيما

5 - أنقاض الروضات والقبب في المقارب ليست حبسا

يخاف من صب ماء الوادي عليه عند حملته فيهدم ما بناه، إلا أن تكون البينة التي شهدت أنه بناه في حقه أعدل من البينة التي شهدت أنه بناه في غير حقه، فيقر ولا يهدم. وإن كان الحائط لا يضر بالطريق ولا بجاره، نظر إلى أعدل البينتين: فإن استوتا في العدالة لم يهدم عليه حائطه. وهذا على القول بأن من يزيد من طريق المسلمين في داره ما لا يضر بالطريق يهدم بنيانه. والذي يترجح عندي من القولين إلا يهدم عليه بنيانه، إذ لم يضر بالطريق، لما له من الحق في البناء، وإذ من أهل العلم من يبيح له، ابتداء، وهو الذي أقول به في هذه المسألة. وبالله التوفيق، لا شريك له. [5]- أنقاض الروضات والقبب في المقارب ليست حُبُسًا وأما الخامسة فهي نَقْصُ ما بني في الروضات، وقبب المقابر، إذا تهدمت، هل يكون حكمها حكم ما بني في الحبس، على الخلاف المعلوم، أم هي بخلافه، وتبقى على ملك صَاحِبِهَا، لأنه وإن وضع موضع الحبس، فهو حبس ممنوع في الشرع، غير مأذون فيه، لكراهة البناء عليها، فحكمه الرد، كمن حبس حبسا لا يوجبه الشرع، فإنه مردود منتقض، باق على ملك صاحبه، والله أعلم. والسلام على شيخي ومعظمي، ورحمة الله وبركاته. الجواب عليها: تصفحت السؤال الواقع فوق هذا، ووقفت عليه. ونقض ما بني من الروضات لصاحبه، لا يلحق بالحبس، باتفاق،

294 - يمين حواء بنت تاشفين.

ولا يدخل فيه الاختلاف في نقص ما بنى في الحبس، للمعنى الذي ذكرت من الفرق بين الموضعين فإنه صحيح. وبالله التوفيق، لا شريك له. [294]- يمين حواء بنت تاشفين. وكتب إليه، رضي الله عرنه، الأمير أبو الطاهر. تميم بن يوسف بن تاشفين، أصلحه الله، من مدينة أشبيلية أعادها الله يسأله في يمين حلفت بها زوجه الحرة، حواء بنت تاشفين، صانها الله، إثر موت زوجها الأول قبله. ونصها من أولها إلى آخر حرف فيها، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. ما تقول، رضي الله عنك، في امرأة توفي عنها زوجها، وكان ساكنا معها، في دار الإمارة، بالبلد الذي توفي فيه؛ إذ كان أميرا فيه. فلما وضع في نعشه، وخرج به من دارِ الإمارة إلى قبره، خرجت تتبع نعشه، فلما فرغ من دفنه، وهي على شفير قبره، قال لها قائل: قومي ارجعي إلى دارك، فقالت مجيبة له: إلى أي دار تعني؟ قال لها: إلى دارك المعروفة، التي خرجت منها. فقلت: ثلث مالي على المساكين صدقة، وصوم سنة يلزمني، ورقيقي أحرار لوجه الله لا رجعت إلى تلك الدار أبدا، أين الوجوه التي كنت أعرف فيها، وأسكنها معهم؟. ولما كان بعد زمان، تزوجها أمير تلك البلدة، الساكن في دار

الإمارة بها، فجبرها على السكنى معه فيها، ولم يوسعها في ذلك عذرا، وقد كانت أخرجت الثلث من مالها، بعد هذه اليمين، لحنث آخر لزمها في يمين أخرى، قبل سكنى الدار، وزال عن ملكها من كانت تملك من الرقيق، في وقت اليمين المذكورة. أجبنا في ذلك موفقا، مأجورا، مشكورا، إن شاء الله تعالى. فجاوب، أدام الله توفيقه وتسديده، بما هذا نصه: تصفحت السؤال الواقع في بطن هذا الكتاب، ووقفت عليه. ولا حنث على هذه المرأة الحالفة في رجوعها إلى سكنى دار الإمارة مع زوجها الأمير في ذلك البلد، لأن الظاهر من أمرها أنها إنما كرهت الرجوع إليها، على غير الحال التي كانت عليها مع زوجها المتوفى، وحلفت على ذلك إذ دعاها القائل إليها، حين قال لها: ارجعي إلى دارك، فلا شيء عليها في رجوعها إليها على الحال التي كانت عليها مع زوجها المتوفي، إذ لم تحلف على ذلك. أساس الأحكام بين المالكية والحنفية. هذا هو الذي أراه، وأقول به، في ذلك، وأتقلده؛ لأن الأيمان إنما تحمل على بسَاطِها، وعلى المعاني المَفْهومة من قصد الحالف، لا على ما تقتضيه ألفاظها في اللغة. وهو أصل مذهب مالك، رحمه الله، من ذلك قوله في رواية أشهب، في الذي سأله النقيب، عن امرأته إن كانت حاضرة أم لا، فحلف بالطلاق: أنها الآن في البيت؛ إذ كان تركها

فيه، وهي لم تكن في ذلك الحين فيه، إذ قد كانت خرجت منه إلى الحجرة، فقال: إنه لا حنث عليه؛ لأن يمينه إنما خرجت على سؤال النقيب إياه عن حضورها. ومن ذلك، أيضا، قول ابن القاسم في الذي خرج ليشتري لأهله لحما، فوجد على المجزرة زحاما، فحلف ألا يشتري لأهله ذلك اليوم لحما، ولا عشاء، فرجع فعاتبته امرأته، على ذلك، فخرج، فوجد لحما في غير المجزرة، فاشتراه: أنه لا حنث عليه، إذ كانت يمينه لكراهة الزحام في المجزرة. وأهل العراق يخالفون في ذلك، ويرون الحالف حانثا، بما لفظ به في يمينه، ولا يعتبرون في ذلك بنية، ولا بساط، ولا معنى. وذلك خطأ بين في الفتوى؛ لأن الأحكام إنما هي لمعاني الألفاظ المعتبرة المفهومة منها، دون ظواهرها. ولو اتبعت ظواهرها دون معانيها، المفهومة منها، في كل موضع لعاد الإسلام كفرا والدين لعبا، قال الله عز وجل: {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} [الزمر: 15]. فكان في ذلك، في ظاهره، أمرا، والمراد به النهي والوعيد؛ إذ هو المفهوم منه، ومثله قوله عز وجل لإبليس: {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ} [الإسراء: 64] ومن هذا المعنى قوله عز وجل في قصة شعيب، وما ذكره فيها، من قول قومه له: {إِنَّكَ

295 - خمسة عشر سؤالا من القاضي أبي الفضل ابن عياض

| MRV{الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} [هود: 87]؛ لأن ظاهره المدح والثناء، ومرادهم به ضد ذلك من السب والاستهزاء، ومن مثل هذا كثير في هذا القرآن، والسنن المتواترة والآثار. وبالله تعالى التوفيق. [295]- خمسة عشر سؤالا من القاضي أبي الفضل ابن عياض وكتب إليه، رضي الله عنه، القاضي بسبتة أبو الفضل ابن عياض، أكرمه الله تعالى في النصف الثاني من شهر رمضان المعظم، سنة ست عشرة وخمس مائة، بخمسة عشر سؤالا، في نوازل نزلت به، فأشكلت عليه. وهذا نصها، والجواب بأثر كل واحد منها. [1]- هبة وإقرار للوارث، في حال المرض. فأما الأول فرجل توفي، وأثبتت عندي زوجه صداقها، فقام الورثة، والمقدم على النظر في ثلثه، الموصى به للمساكين، بشهادة شاهد ممن قبلته، بما هذا نصه: عقد إشهاد بوصية للزوج " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ - أشهدت فاطمة بنت الفقيه فلان، وهي عليلة الجسم ثابتة العقل والذهن، حين كتبت وصيتها، وأشهدت عليها،

في وقت كذا: أنها وهبت لزوجها فلان كالئ مهرها، الذي مبلغه ستون مثقالا، وأن العبيدي، والتستري الأبيض والمعجزيين، والجمان، وعقدي الجوهر، جميع ذلك لا حق لي فيه ". وزاد في شهادته: " أنه لا يعلم أن الزوج قبل هذه الهبة، وأنَّهُ استقصى حينئذ منه هذه الشهادة ". وثبت عندي صحة المرأة بعد، من هذا المرض، وحياتها إلى الآن، وشهد عندي عدلان: أن الزوج وقف المرأة قبل موته بحضرتهما على أنها وهبته كالئها، فقالت مجيبة له من وراء الستر: بعد موتي، فسكت الزَّوْج، وشهد عندي هذان العدلان بأن الزوج أبرأ المرأة قبل موته، وفي مرضه، براءة تامة. فتأمل - أعزك الله - ما شهد به الشاهد من الهبة في المرض، ثم طرو الصحة بعد ذلك، وهل للورثة قيام بها إذا لم تثبت على الزوج ردا لهذه الهبة، سوى ما تقيد من شهادة الشهود، حسبما تقدم؟ وهل اقتضاء الزوج الشهادة وطلبها قبول، مع كون الدين في ذمته، فقام مقام الحوز التام؟ وهل يشترط في هذا معرفة القبول وثباته، أم يغني عنه اقتضاء الشهادة مع الحوز، ويقوم مقامه؟ وهل يورث القبول كغيره، أم لا؟ وهل يلفق إقرارها للشاهدين الآخرين بالهبة مع دعواها: " بعد العين " أم لا؟ وما يجب للناظر في الثلث لغير معين

من ذلك؟ وهل يستحق صاحب الثلث شيئاً بيمين الورثة، مع شهادتهم إن وجب؟ وهل يشترط أن يكون القبول متصلا بالهبة، أم يبطله طول المدة في مسألتنا، وما وهب له بيده؟ وما الحكم فيما أقرت به في شهادة الشاهد من الثياب، والجوهر، وقطبعت فيه دعواها، وقد ادعى الآن الورثة أن ذلك عندها؟ وهل إبراء الزوج لها في شهادة الشاهدين إبراء من الطلب بذلك أم لا، إذ من حجة الورثة أن يقولوا: إنه أبرأها مما يدعي عليها به، وأما هذا فهي مقرة به، ولعله حين أبرأها كان ما أقر به عنده، وفي حوزه، ثم بعد ذلك صار عند الزوجة " وكيف إن قالت الزوجة: ليس يعندي شيء مما ذكر، وقد أخذ متاعه حينئذ، وفعل به ما شاء، أو قالت: ذلك عندي، وقد قطع فيه الطلب عني بإبرائي؟. فجاوبني متفضلا، مأجورا على ذلك، فصلا فصلا، فالأمر فيه موقوف. والسلام عليك، ورحمة الله وبركاته. الجواب عليه: يا سيدي، وأعظم عددي، وأجل أوليائي في الله، وعمدي ومن أبقاه الله مؤيدا بتقواه، معانا على ما فيه بره ورضاه، تصفحت سؤالك الواقع فوق هذا، ووقفت عليه. وسكوت الزوج على قول المرأة مِنْ وراء الستر: " بعد موتي "، حين

2 - ادعاء عاصب أن بعض التركة ملكه، وأن يد المتوفى كانت يد مرتهن

وقفها على هبة الكالئ له، بحضرة الشاهدين، وتركه رد ذلك عليها، تسليم منه لقولها، وإبطال للهبة، وإذا بطلت الهبة بهذا، لم يحتج إلى التكلم فيما سألت عنه، مما يتعلق بذلك. والقول قول المرأة مع يمينها في الثياب والعقود التي أقرت في مرضها إنها لزوجها. وإن قالت له: إنه قد أخذها، وإنها ليست عندها، حلفت على ذلك. وإن ادعت أن إقرارها بها له في مرضها إنما كان على وجه التوليج منها إليه صدقت في ذلك مع يمينها، وإن كانت قد صحت من مرضها؛ بدليل إبراء الزوج لها، وإقراره: أنه لا حق له عندها، مع ضعف إقرارها له، لأن أصله كان في المرض، ولم يعلم أنها تمادت عليه، بعد أن صحت من مرضها، ولا قام هو عليها في صحتها. وقد قال جماعة من كبار أصحاب مالك المدنيين: أن إقرار الرجل في صحته بدين لوارثه لا يجوز إلا أن يقوم عليه فيه في صحته، فكيف إذا كان الأصل الإقرار في المرض. هذا بين إن شاء الله. وبه التوفيق. [2]- ادعاء عاصب أن بعض التركة ملكه، وأن يد المتوفى كانت يد مرتهن وأما السؤال الثاني فالجواب في فصل من هذه القضية المتقدمة، وهو أن عاصب الميت ادعى في بعض تركته أنها رهن عند مورثه، كان

3 - اختلاف بالزوجة والورثة في متاع البيت

أبوه في حياته رهنها في سلف لا يعرف مبلغه، ولا يثبت شيء من دعواه، وكيف إن كان مع هذا سماع وذكرٌ، وكيف إن وجد خَطُّ الاب بعدد ما جعل فيه هذا الرهن من السلف؟. الجواب عليه: تصفحت: السؤال الواقع فوق هذا، ووقفت عليه. ولا يستحق العاصب ما ادَّعاه من الرهن بالسماع ولا يكون ذلك، ولا ما وَجَدَ في خَطِّ أبيه شبهة، توجب أن يكون القول قوله فيما ادعاه من ذلك. والذي يوجبه الحكم فيه: أن يحلف من كان من الورثة مالكا لأمر نفسه: إنه ما يعلم شيئاً من ذلك. وبالله تعالى التوفيق. [3]- اختلاف بالزوجة والورثة في متاع البيت وأما السؤال الثالث فهو ما اختلف فيه الورثة والزوجة من متاع البيت، وادعته الزوجة أنه لها، مما يملكه النساء، وفيه من الخلاف لما علمت، ما تفتي به؟ هل يترجح عندك أن تستحقه بيمين، أم بغير يمين؟ وما كان للرجل، أولهما، فصالحها عليه الورثة أو قطعوا دعواهم فيه، ما حكمها مع الناظر في الثلث إن شاء الله تعالى؟ الجواب عليه: تصفحت السؤال الواقع فوق هذا الكتاب، ووقفت عليه. وما ادعته الزوجة من متاع النساء أنه لها، وكذبها فيه الورثة، وادعوه ملكا لموروثهم، فلا اختلاف في وجوب اليمين عليها فيه، فإن

4 - هل تقبل شهادة الأسرى لأسير بينهم، وهم غير معروفين بالعدالة؟

نكلت حلفوا إنه لموروثهم، واستحقوه ميراثا. وإنما الاختلاف عندي، إذ لم يحققوا الدعوى إنه لموروثهم، وقالوا: لا ندري لعله لموروثنا. فاحلفي أنه لك، فالاختلاف المأثور في هذا جار على الاختلاف في لحوق يمين التهمة. والذي أراه في هذا الوجه نظر الحاكم فيما يظهر إليه في ضعف التهمة أو قوتها. وأما ما كان للرجل، أو لهما، فصالحها عليه الورثة، فالنظر في ذلك للناظر في الثلث إن رأى إمضاء الصلح نظرا أمضاه، وأخذ ثلثه للوصية، ويترك المرأة، وإن لم يره نظرا، بأن ظهر إليه أنها ترضى أن تصالح بأكثر من ذلك، أو تبرأ من الجميع، ولا تحلف، كان من حقه ألا يمضيه. فإن صالحته على يمينها عن الثلث بشيء، كان له ولم يكن للورثة فيه شيء، وإن نكلت عن اليمين غرمت له ثلث ما زادت على ما صالحت عليه الورثة، وله ثلث ما صالح عليه الورثة على كل حالٍ. [4]- هل تقبل شهادة الأسرى لأسير بينهم، وهم غير معروفين بالعدالة؟ وأما السؤال الرابع فرجل مأسور جمعت له فدية من وصية وسلف، فجاء وزعم أنه افتدى ببعضها، وشهد له أسرى كانوا معه بدار الحرب بذلك، هل تقبل شهادتهم ها هنا، على التوسم، للضرورة أم لا؟

5 - هل يضمن السمسار ما يحدث في الثوب حين التناول؟

وإن قبلت هل يقع الحصاص بين الوصية والسلف فيما بقي منها؟. جاوبني على ذلك مأجورا. الجواب عليه: تصفحت السؤال الواقع فوق هذا، ووقفت عليه. وإجازة شهادة المأسورين مع الأسير في هذا، على التوسم، جائزة، لأن الضرورة فيه ظاهرة، أظهر منها في السفر، حيث أجازها ابن حبيب، على علمك، مراعاة لقول من يرى الشاهد مَحْمُولا على العدالة حتى تعلم جرحته، بظاهر قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " المسلمون عدول بعضهم على بعض، ألا مجلودا في حد، أو مجربا عليه شهاد زور "، وما بقي من المال، المجتمع من الوصية والسلف للأسير، بعد ما افتدى به، مفضوض بين الوجهين. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [5]- هل يضمن السمسار ما يحدث في الثوب حين التناول؟ وأما السؤال الخامس ففيما حدث من نشر السمسار للثوب، وطيه، من تمزق، أو قطع أو جبذ مسمار، في حين تناوله، هل لا يضمنه، للإذن له فيه، ما لم يخرق في فعله، أم يضمنه؛ إذ فيه نوع تفريط كالنسيان، وبخلاف السقوط؟. الجواب عليه: تصفحت السؤال الواقع فوقه هذا ووقفت عليه.

6 - لا يجوز توكيل عدو الخصم، ولا عدو وكيل الخصم.

وما حدث في الثوب من نشر السمسار له، لا ضمان عليه فيه، إذا لم يخرق، ولا تعدى، بأن تجاوز القدر الذي أذن له فيه، فإن تجاوز القدر الذي أذن له فيه، أو قال أهل البصر: إن مثل هذا الذي حدث بالثوب لا يحدث إلا عن خرق وتعمد، ضمن. وإن لم يعلم هل خرق وتعدى، أو فعل ما يجوز له، ولم يتعد، وقال أهل البصر: إن مثل هذا يحتمل أن يحدث بالثوب من غير خرق، وتعد في النشر، جرى ذلك على الاختلاف في الذي يفقأ عين عبده، أو امرأته، فيقول العبد والمرأة: فعل بنا ذلك عمدا، ويقول هو: كنت أؤَدبهما فأخطأ، هل هو محمول على العَدَاء حتى يعلم خلافه، أو على غير العداء حتى يعلم خلافه، والأظهر أنه محمول على العداء حتى يظهر خلافه. وبالله التوفيق. [6]- لا يجوز توكيل عدو الخصم، ولا عدو وكيل الخصم. وأما السادس ففيمن وكل وكيلا لخصومة، فوكل خصمه وكيلا آخر، بين أحد الموكلين والوكيل الآخر عداوة، هل يمنع خصمه من توكيله عليه، لعداوته لموكله، أم يباح له، إذ كلامه إنما هو مع الوكيل، فهو آمن من أذاه بقوله، أو جفاء، إلا أن يراعي الأذى بتسبب خُصومة الباطل عليه، بسبب العداوة التي بَيْنَهُمَا، والله أعلم؟

7 - عند توجه اليمين على الغائب، الذي له وكيل

الجواب عليه: تصفحت السؤال الواقع فوق هذا، ووقفت عليه. والذي أراه في هذا أن لا يباح لأحد توكيل عدو خصمه على الخصام، ولا عدو المخاصم عنه، لأن الضرر في الوجهين جميعا على ما ظهر إليك. وبالله التوفيق، لا شريك له. [7]- عند توجه اليمين على الغائب، الذي له وكيل وأما السؤال السابع فرجل غائب وكل وكيلا على القيام بعيب في سلعة اشتراها من رجل بحضرته، فوقفه الوكيل، فأنكر أن يكون باع من موكله هذه السلعة، وإنما باعها من آخر، فلزمته اليمين؛ إذ لم تكن في ذلك بينة، فذهب إلى رد اليمين على الغائب، فما الحكم فيه؟ وهل البعيد الغيبة، والقريب في ذلك سواء؟ وهل يوقف الثمن، أو يؤخذ منه جميل؟. أجب بما عندك فيه، مأجورا إن شاء الله تعالى. الجواب عليه: تصفحت السؤال الواقع فوق هذا، ووقفت عليه. والذي أراه، إذا لم يسمِّ المقوم عليه من باع منه السلعة، أو سمي رجلا غائبا، بعيد الغيبة، فتبين بذلك لدده؛ أن يؤخذ منه حميل بالثمن، إلى أن يكتب إلى الموكل في الموضع، الذي هو فيه، فيحلف، وسواء أكان قريب الغيبة، أو بعيد الغيبة.

8 - اعتبار البساط والنية في اليمين بالطلاق.

ولا يدخل، في هذا، الاختلاف الذي في الوكيل الغائب على قبض الدين، يُقِرُّ بِهِ الغريم، روعى أنه قضاه؛ لأن هذا مقر للغائب بالحق، ومدع للقضاء، والمقوم عليه في مسألتنا مدعى عليه، غير مقر للغائب بشيء. وأما أخذ الثمن منه، فلا أراه، إذ لم يثبت عليه بعد شيء. وبالله تعالى التوفيق. [8]- اعتبار البساط والنية في اليمين بالطلاق. وأما السؤال الثامن، فرجل طلبت منه زوجته مخالعتها على صداقها، فقال له بعض من حضر: اقبل منها، وطلقها تطليقة تملكها بها نفسها، فقال الزوج ما أطلقها إلا ثلاثا، فقيل له، ما قلت؟ فقال: اكتب لها طلقة بائنة، فحضر عندي، فسألته عن مراده بقوله الأول، فقال: ما أدري، ما كنت في عقلي، وربما قال: لم أرد بالطلاق إلا واحدة، وقال الشاهد الحاضر: إنه لم ينفهم لي منه الحال في الطلاق بل الاستقبال. وأما هو فيقول: لم أرد إلا واحدة، فإذا قيل له: ما أردت بقولك: نطلقها ثلاثا؟ قال: ما أدري، لم أكن في عقلي.

9 - الالتزام بالنفقة لمدى الحياة يسقط بموت الملتزم

الجواب عليه: تصفحت السؤال الواقع فوق هذا، ووقفت عليه. والظاهر من الأمر: أنه إنما أراد بقوله: " ما نطلقها إلا ثلاثا " الأخبار بما يعزم على فعله، جوابا على قول القائل له: اقبل منها، وطلقها تطليقة تملك بها أمر نفسها، لا إيجاب الطلاق على نفسه ثلاثا، فيحمل قوله على ذلك، سواء أقال: لم أرد إلا واحدة، أو قال: لم تكن لي بذلك نية، ولا كنت في عقلي، ولا تلزمه إلا طلقة المباراة، التي أمر بعد ذلك بكتابتها. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [9]- الالتزام بالنفقة لمدى الحياة يسقط بموت الملتزم وأما السؤال التاسع فهو فيمن تطوع بالنفقة على آخر حياته، أو مدة ما، ثم توفي المتطوع، فقام الآخر يطلب النفقة في تركته، وهل إن كان هذا سفيها، أو جائز الأمر في يطلب النفقة، سواء؟ أو هل تعرف فيها خلافا في المذهب؟ الجواب عليه: تصفحت السؤال الواقع فوق هذا، ووقفت عليه. وإذا مات المتطوع بالإنفاق، فقد سقط عنه ما بقي من المدة، لأنها هبة لم تقبض، تسقط بالموت، ولا خلاف في هذا احفظه في المذهب، وسواء أكان المتطوع عليه بالإنفاق سفيها، أو جائز الأمر. وبالله التوفيق لا شريك له.

10 - أداء دين الدينار دراهم، مع التأخير

[10]- أداء دين الدينار دراهم، مع التأخير وأما السؤال العاشر فهو من له على رجل مثقال ذهب، قائم، فنجمه عليه أثلاثا، أو أرباعا، يأخذ منه، في كل نجم، صرف ذلك الجزء. ما رأيك فيه، وفتياك، وقد علمت ما وقع فيه من الخلاف، في أصولنا، عند محمد وغيره؟. الجواب عليه: تصفحت السؤال الواقع فوق هذا، ووقفت عليه. وإذا كان نجَّم عليه الدينار، على أن يأخذ منه في كل نجم صرف ذلك الجزء، لم يجز باتفاق، سمَّى الصرف أو لم يسمه، لأنه أخره بالدينار، الذي له عليه، على أن يأخذ منه به دراهم، والصرف المتأخر لا يجوز باتفاق. وإن كان نجَّمه عليه وسكت، فلم يشترط بأن يأخذ منه في كل نجم صرف ذلك الجزء فذكر في ذلك، في كتاب محمد، قولين، والاختلاف فيه من قول مالك، وابن القاسم قائم من العتبية. ووجه هذا الاختلاف: أن الثابت له في الذمة من أجزاء الدينار ذهب، والذي يوجبه الحكم فيها عند القضاء دراهم، بصرف يوم القضاء؛ إذ لا يتبعض الدينار، فأجيز ذلك مرة، على مراعاة ما ثبت في الذمة، ولم يجزه مرة على مراعاة ما يوجبه الحكم؛ لأنه يأتي على مراعاة ما يوجبه الحكم، الصرف المتأخر. فهذا وجه ما سألت عنه، والأظهر ألا يجوز، وذلك لو كانت عليه أثلاث دينار منجمة، فأراد أن يعجل له بها دينارا، لجرى ذلك على هذا الخلاف.

11 - هل يتدخل القضاء، إزاء المقدم المفوض، لتنفيذ وصية؟

وبالله تعالى التوفيق لا شريك له. [11]- هل يتدخل القضاء، إزاء المقدم المفوض، لتنفيذ وصية؟ وأما الحادي عشر فالمقدم على تنفيذ ثلث ميت، إذا أراد مقاربة الورثة، ومسامحتهم وقد جعل له في التقديم؛ إنه لا اعتراض عليه من حاكم، أو غيره، بوجه من الوجوه، هل للحاكم النظر في تحصيل الثلث، والحَوْطة عليه، ثم، يفوض نظره إليه، إذ التفويض إليه إنما هو في التفريق وحده، أم لا سبيل للحاكم إليه؟ الجواب عليه: تصفحت السؤال الواقع فوق هذا، ووقفت عليه. ولا يجوز للمقدم على تنفيذ الثلث مقاربة الورثة في تقديم مال المتوفى، ولا مسامحتهم في ذلك. وإن اتهمه القاضي بذلك شرك معه من يثق به في تحصيل الثلث، ثم يكل تنفيذه إليه في الوجوه التي جعل إليه تنفيذها فيه، أو فيما يراه باجتهاده، إن كان فوض إليه النظر في ذلك بقول الموصي، ولا اعتراض عليه من حاكم أو غيره. وهذا في الوصي المأمون وأما غير المأمون، الذي يخشى عليه إن يتقبض على الوصية ولا ينفذها، فيكلفه إقامة البينة على تنفيذها، على معنى ما وقع في سماع أشهب في كتاب الوصايا؛ فإن لم يأت بالبينة على ذلك ضمن، إن كان مارقا معلنا، وإن كان متهما، ولم يكن بهذه

12 - هدم من بيده الأمر للقبب والروضات في المقابر

الصفة، استحلف، ولم يضمن، إلا أن ينكل عن اليمين، وإن كان مأمونا لم تكن عليه يمين، وهو محمول على أنه مأمون حتى يثبت أنه غير مأمون. وبالله التوفيق، لا شريك له. [12]- هدم من بيده الأمر للقبب والروضات في المقابر وأما الثاني عشر ففيما ابتدع من بناء السقائف، والقبب، والروضات، على مقابر الموتى: وخولفت فيه السنة، فقام بعض من بيده أمر في هدمها وتغييرها، وحط سقفها، وما عولي من حيطانها، إلى حد ما. فهل يلزم أن يترك من جدرانها ما يدفع دخول الدواب فيها، أم لا، قطعا للذريعة، ولا يترك منها إلا ما أباحه أهل العلم من الجدار اليسير: لتتميز به قبور الأهلين، والعشائر، للتدافن؟ وكيف إن قال بعضهم: لبقاء جداري منفعة لصيانة ميتي؛ لئلا يتطرق إليه بالحدث عليه، لا سيما ما كان منها بقرب العمران؟ وهل هذا عذر يوجب أن يترك عليها من الجدران أقل ما يمنع هذا، أم لا؟ لأن الضرر العام بظهور البدعة في بنائها وتعليتها أعظم وأشد، مع أنه لا يؤمن استتار أهل الشر والفساد فيها في بعض الأحيان، وذلك أضر بالحي والميت من الحدث عليه، ومراعاة أشد الضررين وأخفهما مشروع؟

13 - أنقاض ما يهدم من هذه الأضرحة ليست على حكم الحبس

بينه وجاوب عليه، مأجورا إن شاء الله تعالى. الجواب عليه: تصفحت السؤال الواقع فوق هذا، ووقفت عليه. وما بني من السقائف والقبب والروضات في مقابر المسلمين هدمها واجب، ولا يجب أن يترك من حيطانها إلا قدر ما يحتاز به الرجل قبور قرابته، وعشريته من قبور سواه؛ لئلا يأتي من يريد الدفن في ذلك الموضع، فينبش قبول أوليائه، والحد في ذلك ما يمكن دخوله من كل ناحية، ولا يفتقر فيه إلى باب. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [13]- أنقاض ما يهدم من هذه الأضرحة ليست على حكم الحبس وأما الثالث عشر ففي نقض ما هدم من هذه الأبنية المذكورة فوق هذا، هل يكون لعامة المسلمين، إذ بناها بانيها في الحبس، وبمعناه، وقد علمت ما وقع في هذا الأصل من الخلاف، أم يرجع إلى ملك صاحبها، وهو الأشبه، والصحيح، إن شاء الله؛ لأنه وإن قلنا بذلك الأصل، فهذا حبس غير مأذون فيه، ولا مشروع، بل هو محظور، منهي عنه فهو رد؟ فأردت جوابك في هذا إن شاء الله تعالى. الجواب عليه: تصفحت السؤال الواقع فوق هذا، ووقفت عليه. والنقض لأربابه الذين بنوه، لا يكون حبسا كالمقبرة التي جاعل فيها،

14 - يجب هدم ما يبنى في المقابر

ولا يدخل في ذلك الاختلاف في نقص ما بني في الحبس، للمعنى الذي ذكرت من الفرق بين الوجهين. وبالله تعالى التوفيق. [14]- يجب هدم ما يبنى في المقابر وأما الرابع عشر ففي قبر أعلي بناؤه نحو العشرة أشبار، أو أزيد، هل يجب هدمه وتغيير بدعته؟ وكيف إن شكا بعض جيرانه بضرره، من ستره باب فندقه عن بعض الواردين بارتفاع سمكه، أو منعه مسرح النظر للجلاس في أسطوانه، هل صاحب الفندق في هذا جحة؛ إذ يقول: منعني منفعة بغير منفعة له، بل بما لا يجوز؟ وهل لأولياء صاحب القبر حجة لحوزهم بناء القبر عليه، أم لا حجة لهم فيه، لحوزهم غير منفعة، ولا أمر مباح؟ وكيف إن كان بناء القبر قبل بناء الفندق، إذ من حجة صاحب الفندق أن يقول: لي في زوال هذا البناء منفعة، والشرع يوجب إزالته؟. فتأمل، وجاوب عنه، مشكورا مأجورا إن شاء الله، وهل يباح التخاصم في مثل هذه المنكرات؟ الجواب عليه: تصفحت السؤال الواقع فوق هذا، ووقفت عليه. وإن كان البناء على نفس القبر فلا يجوز، ويهدم، وإن لم يكن إلا حواليه، كالبيت بني عليه، فإن كان في ملك الرجل وحقه، فلا يهدم

15 - منع ضرر الكشف على الجيران من صومعة الجامع

عليه، لشيء مما ذكرت من حجة صاحب الفندق المواجه، وإن كان في مقابر المسلمين، فقد تقدم في المسألة التي قلبها: إنَّ هَدْمَه واجب. وبالله التوفيق، لا شريك له. [15]- منع ضرر الكشف على الجيران من صومعة الجامع وأما السؤال الخامس عشر، وهو آخرها: فإنه في صومعة أحدثت في مسجد، فشكا منها بعض الجيران الكشف عليه، هل له في ذلك مقال، وقد أباح أئمتنا، لمن في داره شجرة، الصعود فيها لجمع ثمرها، مع الإنذار لطلوعه، وأوقات الطلوع للأذان معلومة، وفي مدة قصيرة، وأنها يتولاها في الغالب أهل الصلاح ومن لا يقصد مضرة، إن شاء الله؟ الجواب عليه: تصفحت السؤال الواقع فوق هذا، ووفقت عليه. وليست الصومعة في المسجد كالشجرة في دار الرجل، لأن الطلوع لجني الثمر نادر، والصعود في الصومعة للأذان يتكرر مرارا في كل يوم من الأيام. والرواية في سماع أشهب عن مالك، بالمنع من الصعود فيها، والرقي عليها، منصوصة على عملك، والمعنى فيها صحيح، فبها أقول: فإن كان يطلع منها على الدور، من بعض نواحيها دون بعض، فيمنع من الوصول منها إلى الجهة التي يطلع منها، بحاجز يبنى من تلك الجهة وغيرها من الجهات. وهذا عندنا بقرطبة، في كثير من صمعها. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له.

296 - أحكام الإقالة في كراء الرواحل والدواب من المدونة

[296]- أحكام الإقالة في كراء الرواحل والدواب من المدونة تلخيص مسائل الإقالة في الكراء المضمون والمعين، الواقعة في كتاب كراء الرواحل والدواب من المدونة، إملاء ابن رشد، رضي الله عنه. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. قال الفقيه الأجل، الإمام الحافظ، القاضي العدل أبو الوليد ابن رشد شيخنا، رضي الله عنه، وقرأت ذلك عليه، في منزله بقرطبة، في ذي القعدة، سنة ست عشرة، وخمس مائة. سألني بعض أصحابنا أن أملي عليه ما أوردته عليهم في مجلس المذاكرة، من تلخيص مسائل الإقالة في الكراء المضمون والمعين، الواقع في كتاب كراء الرواحل والدواب من المدونة، وتحصيلها، بالتقسيم لها إلى ما لا زيادة عليه، وما يجوز منها مما لا يجوز، وما يدخل ما يجوز منها من المكروه. أ- في كراء الرواحل فقلت، بعد حمد الله، عز وجل، والرغبة إليه في التوفيق، في القول والعمل، والعصمة من الخطأ والزلل. في الكراء المضمون الإقالة في الكراء المضمون، كالإقالة في السلم الثابت في الذمة، يعتبر فيها الفساد في وجهين: أحدهما: أن يكون الفساد في الإقالة بمجردها.

والثاني ألا يكون الفساد في الإقالة إلا بإضافتها إلى الصفقة الأولى، فيتهمان على القصد لذلك، والعمل عليه، فيمنعان من ذلك، من باب حماية الذرائع. في الكراء المعين وأما الكراء المعين فاختلف فيه، قيل: إنه يعتبر فيه الفساد، في الوجهين جميعا كالمضمون، وقيل: لا يعتبر الفساد فيه، إلا في صفقة الإقالة خاصة كالسلع المعينات. أربع وعشرون صورة في إقالة الكراء المضمون بزيادة فصل، وبيان هذه الجملة أن الرجل إذا اكترى كراء مضمونا، ثم استقال أحدهما صاحبه، بزيادة، فإن الزيادة لا تخلو أن تكون من المكري، أو من المكتري. فإن كانت من المكتري فإنها تنقسم على وجهين: أحدهما: أن يكون استقاله بزيادة قبل أن ينقد. والثاني: أن يكون استقاله بزيادة بعد أن ينقد، غاب المكري على النقد، أو لم يغب، إذ لا فرق في زيادة المكتري بين أن يغيب المكري على النقد أو لا يغيب، وفي كل وجه من هذين الوجهين ست مسائل، إذ لا يخلو من أن يستقبله، على أن يزيد دنانير، أو دراهم، أو عروضا، نقدا، فهذه ثلاث مسائل، أو تكون مؤجلة، فهذه ثلاث أخر، تتمة ست مسائل، وإن كان قد نقده فلا يخلو الأمر من أن يستقيله بزيادة دنانير، أو دراهم، أو عروض، نقدا أو إلى أجل، فهذه ست مسائل أخر.

وإن كانت الزيادة من المكري، فإنها تنقسم، أيضا، على وجهين: أحد الوجهين: أن يكون استقاله بزيادة، قبل أن ينقد، أو بعد أن نقد، قبل أن يغيب على النقد؛ إذ لا فرق في هذا الوجه بين أن ينقد أو لا ينقد، إذا لم يغب المكري على النقد. والوجه الثاني: أن يكون استقاله بعد أن نقده، وغاب على النقد، وفي كل وجه من هذين الوجهين، أيضا، ست مسائل؛ إذ لا يخلو من أن يستقيله على أن يزيده دنانير أو دراهم، أو عروضا، نقدا، أو دنانير، أو دراهم، أو عروضا، إلى أجل. فصل، تنحصر مسائل الإقالة في الكراء المضمون، على التقسيم الذي قسمناه، إلى أربع وعشرين مسألة، لا زيادة فيها، اثنتا عشرة مسألة في استقالة المكنزي بزيادة، واثنتا عشرة مسألة في استقالة المكري بلا زيادة. الثلاث مسائل التي في استقالة المكتري، بزيادة مؤجلة، قبل النقد. فصل، فأما إذا استقال المكتري المكري في الكراء المضمون، قبل النقد، بزيادة، فإن كانت الزيادة مؤجلة، فلا تجوز باتفاق، كانت الزيادة دنانير، والكراء دنانير، أو كانت دراهم أو عروضا، لأن الكري تحول من الكراء الذي وجب له على المكتري إلى الركوب الذي عليه، وإلى الزيادة المؤجلة؛ فيدخله، إن كانت الزيادة عروضا، فسخ الدين في يالدين، وإن كانت دنانير، والكراء دنانير، بيع ذهب

بذهب إلى أجل، وعرض، وإن كانت الزيادة دراهم، دخله الصرف المتأخر. الثلاث الأخرى الزيادة المعجلة وإن كانت الزيادة دنانير معجلة، والكراء بدنانير أو عروض معجلين، جاز ذلك على مذهب ابن القاسم، الذي يرى انحلال الذمم بخلاف انعقادها؛ لأن الزيادة إن كانت دنانير، فقد أخذ بعض حقه، وتحول بالباقي منه إلى الركوب الذي عليه، وهو في حكم المعجل لبراءة ذمته منه، بالإقالة على مذهبه فجاز. وإن كانت عروضا فقد تحول من الكراء، الذي كان له، إلى الركوب الذي عليه، وهو في حكم المعجل، على ما ذكرناه من مذهبه، ولا يجوز شيء من ذلك على مذهب من يرى انحلال الذمم بمنزلة انعقادها، لأنه يكون قد تحول من الكراء الذي وجب له على المكتري إلى الركوب الذي عليه وهو في حكم المؤجل، فيدخله، عنده، فسخ الدين في الدين. وإن كانت الزيادة دراهم معجلة، والكراء بدنانير، لم يجز ذلك على مذهب ابن القاسم إلا أن يكون أقل من صرف دينار؛ وقيل: إن ذلك جائز، وإن كان أكثر من صرف دينار، وذلك يأتي على مذهب من يجيز البيع والصرف، ويرى انحلال الذمم بخلاف انعقادها. وقيل: إن ذلك لا يجوز، وإن كان أقل من صرف دينار، وذلك يأتي على مذهب من يرى انحلال الذمم بمنزلة انعقادها، وهو قول أشهب، وابن نافع، فيدخله الصرف المتأخر. وذهب الفضل إلى أن الصرف المتأخر لا يدخله على

مذهبهما، إلا أن يكون الكراء مؤجلا، لم يحل، ولا فرق عندي في الكراء المضمون بين أن يحل، في هذا، لأنه، وإن حل، فلا يمكن المكتري قبضه، إلا شيئاً فشيئا. وذهب ابن لبابة إلى أن الإقالة في الكراء المضمون قبل النقد لا تجوز على حال، لا بزيادة، ولا بغير زيادة، وشبه ذلك بالإقالة من السلعة الغائبة، قبل النقد، وقوله على قياس من القول بأن انحلال الذمم بمنزلة انعقادها. الست مسائل التي في استقالة المكتري بزيادة، بعد النقد فصل، وإن كان استقاله بزيادة بعد النقد، قبل أن يغيب عليه، أو بعد أن غاب عليه، وكانت الزيادة ذهبا، والكراء بذهب فلا يجوز، إلا أن تكون مقاصة من الكراء الذي نَقَدَ، على ما نص عليه في المدونة. وإن كانت دراهم فعلى الثلاثة الأقوال التي تقدمت إذا لم ينقد: الجواز، والمنع، والفرق بين أن تكون الدراهم أقل من صرف دينار، أو أكثر. وإن كانت عروضا جاز أن تكون معجلة ومؤجلة باتفاق؛ لأن المكتري باع الركوب الذي وجب له، والعرض الذي دفع معجلا، أو مؤخرا، بالكراء الذي يسترجعه، وذلك جائز. فهذا وجه القول في الاثنتي عشرة مسألة، التي في استقالة المكتري بزيادة.

الست مسائل التي في استقالة المكري بزيادة قبل الغيبة على النقد فصل، وأما إن كان المكري هو المستقيل بزيادة، ولم ينقد، أو انتقد، ولم يغب على النقد، فذلك جائز، إن كانت الزيادة معجلة، دنانير كانت، أو دراهم، أو عروضا؛ لأن المكتري باع الركوب الذي له على المكري، بالزيادة التي أخذها معجلة وبالكراء الذي استرجعه من الكري، إن كان قد نقده إياه، أو سقط من ذمته، إن كان لم ينقده، فلا وجه في ذلك من المكروه. وإن كانت الزيادة مؤجلة لم تجز باتفاق، على حال، كانت دنانير، أو دراهم، أو عروضا؛ لأن المكتري تحول، من الركوب الذي الذي له على المكري، إلى الزيادة المؤجلة، وإلى الكراء الذي يسترجعه من الكري، إن كان نقده إياه، أو يسقط عن ذمته إن كان لم ينقده إياه، فيدخله فسخ الدين في الدين. الست مسائل التي في استقالة المكري، بزيادة، بعد الغيبة على النقد. وأما إذا كان المكري هو المستقيل بزيادة، بعد أن انتقد، وغاب على النقد، فلا يجوز على كل حلا، كانت الزيادة معجلة أو مؤجلة، ما كانت، وتدخل الزيادة في السلف، لأنهما يتهمان على إظهار الكراء والإقالة، ليجيزا بينهما السلف على زيادة، إلا أن يكون قد سار في الطريق ما يرفع التهمة عنهما في ذلك، فيجوز إن كانت الزيادة نقدا، ولا يجوز إن كانت إلى أجل، لأنه يكون من الدين

بالدين؛ ألا ترى المكتري تحول من الركوب، الذي له على المكتري، في ذمته، إلى زيادة مؤجلة. فهذا وجه القول في الاثنتي عشرة مسألة، التي في استقالة الكري بزيادة. ثلاث تأويلات لنص من المدونة وما قاله في المدونة من أن الإقالة في الكراء بخلاف البيوع يحتمل وجوها من التأويل. (1) أحدهما: أن الكراء المضمون بخلاف السلم الثابت في الذمة (في جواز الإقالة في الكراء بعد الركوب، بزيادة معجلة، يزيدها المكبري بعد أن غاب على النقد، بخلاف السلم الثابت في الذمة)؛ إذ لا تجوز الإقالة فيه، بزيادة يزيدها المُسْلَمْ إليه، بعد أن غاب عن النقد، وإن كان قد قبض بعض السلم، خلاف مذهب أشهب في مساواته في هذا بين الكراء والبيوع؛ لأنه يمنع من الإقالة بزيادة الكري بعد أن غاب على النقد قبل الركوب وبعده، كما يمنع من الإقالة في السلم بزيادة المُسْلَمِ إليه، بعيد أن غاب على رأس المال قبل قبض شيء من السلم، وبعده. (2) ويحتمل أن يريد: أن الكراء المُعيَّن بخلاف بيع السلع المعينات، في أن الإقالة بزيادة الكري بعد أن غاب على النقد، لا تجوز، كانت الزيادة معجلة أو مؤجلة، بخلاف الإقالة في السلع المعينات

بزيادة البائع بعد الغيبة على الثمن، زيادة معجلة، أو مؤجلة، إن لم يكن أهل العينة، أو معجلة إن كان من أهل العينة؛ لأن أهل العينة يتهمون، وإن كانت السلعة الأولى، بالنقد إذا كانت الثانية إلى أجل؛ وهذا على القول الذي حكم فيه للكراء المعين بحكم الكراء المضمون. [3]- ويحتمل أن يريد: أن الحكم للكراء المضمون الثابت في الذمة بخلاف البيع في السلع المعينات في أنه لا يجوز لمن أكرى كراء مَضْمونا، أن يستقيل، بعد النقد، بزيادة معجلة، ولا مؤجلة، إلا أن يكون قد سار من الطريق ما يرفع التهمة عنهما، فيجوز بزيادة معجلة. ويجوز لمن باع سلعة معينة أن يستقيل، بعد أن غاب على الثمن، بزيادة مؤخرة ومعجلة إن لم يكن من أهل العينة، أو مؤجلة إن كان من أهل العينة. قسمان للكراء المعين. فصل: وإما إن كان الكراء في دابة معينة فإن ذلك ينقسم على قسمين؛ أحدهما: أن يكون الكراء مؤخرا بشرط، أو عرف، أو حكم، والثاني: أن يكون الكراء نقدًا بشرط أو عرف: [1] اثنتا عشرة صورة للكراء المؤخر فأما القسم الأول، وهو أن يكون الكراء مؤخرا، فلا يخلو من وجهين، أحدهما: أن يكون المكري هو المستقيل، بزيادة، والثاني: أن يكون المكري هو المستقيل بزيادة وفي كل وجه من هذين الوجهين

ست مسائل؛ إذ لا تخلو الزيادة التي يزيدها كل واحد منهما من أن تكون دنانير أو دراهم، أو عروضا (معجلة، أو دنانير، أو دراهم أو عروضا) مؤجلة. الست مسائل التي في استقالة المكتري بزيادة. فأما إذا كان المكتري هو المستقيل بزيادة، وكانت الزيادة عرضا، جاز ذلك نقدا ولم يجز إلى أجل، لأنه يدخله فسخ الدين (في الدين)؛ لأن الكري تحول من الكراء الذي له على المكتري إلى الزيادة المؤجلة، وإلى الركوب الذي عليه. وإن كانت الزيادة ذهبا، والكراء بذهب، لم يجز إلا إلى محل أجل الكراء، على المقاصة، ولا يجوز نقدا، لأنه يدخله: " ضع وتعجل ". ولا إلى أجل سوى محل أجل الكراء، لأنه إن كان إلى أجل أبعد من أجل الكراء، دخله " البيع والسلف"، لأنه أخره ببعض ما كان له عليه من الكراء، على أن أخذ منه بالباقي الركوب الذي عليه وإن كان إلى أجل أقرب من محل أجل الكراء دخله ما لم يدخل إذا كان نقدا، وهو: " ضع وتعجل ". وإذا كانت الزيادة دراهم لم تجز نقدا، ولا إلى أجل؛ لأنه يدخله الصرف المتأخر. وهذا كله على مذهب ابن القاسم، الذي يرى انحلال الذمم بخلاف انعقادها، وأما على مذهب من يرى انحلال الذمم بمنزلة انعقادها، ويقول ابن القاسم: إن من كان له دين على رجل لا يجوز له أن يحوله في

ركوب دابة بعينها، فلا تجوز الإقالة على حال؛ لأن المكري تحول من الكراء الواجب على المكتري في ركوب لا يتنجز قبضه على مذهبه، فيدخله فسخ الدين في الدين. الست مسائل التي في استقالة المكري بزيادة. وأما إن كان المكري هو المستقيل بزيادة، فإن كانت الزيادة عرضا، جاز إن كان معجلا ولم يجز إن كان مؤجلا، لأنه يدخله فسخ الدين في الدين؛ وكذلك إن كانت الزيادة ذهبا، والكراء بذهب إن كانت مؤؤجلة، لأن إن كانت معجلة فالمكتري تحوَّل من الركوب، الذي له على المكتري، إلى الكراء الذي عليه، وإلى الذهب الذي يزيده إياه المكري معجلة، فلم يكن بذلك بأس، وإن كانت الزيادة من الذهب مؤجلة دخله فسخ الدين في الدين؛ لأن المكتري تحول من الركوب، الذي على المكتري، إلى الكراء الذي عليه، وإلى الزيادة المؤجلة التي يزيده إياها. هذا كله على مذهب ابن القاسم، الذي يرى انحلال الذمم بخلاف انعقادها، وأما على مذهب من يرى انحلال الذمم كانعقادها، ويقول بقول ابن القاسم، إن من كان له على رجل دين فلا يجوز أن يحوله في ركوب دابة بعينها، فلا يجيز الإقالة بحال، وإن لم يزد أحدهما صاحبه شيئاً، لأن كل واحد منهما يتحول مما له على صاحبه، في شيء لا يتنجز قبضه. [2]- أربعة وعشرون صورة للكراء بالنقد فصل، وأما القسم الثاني، وهو أن يكون الكراء نقدا، بشرط، أو عرف، فإنه ينقسم على وجهين، أحدهما: أن يكون (لم ينقد، والثاني:

أن يكون قد نقد، غاب على النقد أو لم يغب، وإن كان المكتري هو المستقيل بزيادة. وإن كان البائع هو المستقيل بزيادة قلت فيه: إنه ينقسم على وجهين، أحدهما: أن يكون لم ينقد، أو نقد، ولم يغب على النقد، والثاني: أن يكون قد نقد وغاب على النقد. وتتفرع هذه الأربعة الوجوه إلى أربع وعشرين سؤالا، ستة أسئلة في كل وجه، على التقسيم الذي قسمناه في الكراء المضمون، وشرحنا وجوهه؛ فما كان منها لا يجوز لفسخ الكراء في زيادة مؤجلة، يزيدها المكتري للكري، فلا يجوز، أيضا، في الكراء المعين، وما كان منها لا يجوز لفسخ الركوب المضمون في زيادة مؤجلة يزيدها الكري للمكتري، قبل النقد أو لا، يجوز لزيادة يزيدها الكري للمكتري معجلة أو مؤجلة، بعد الغيبة على النقد، فيتخرَّج ذلك على قولين، حسبما أصلناه في أول كلامنا، وأحكمناه. وبالله تعالى التوفيق. ب- في كراء الدور فصل، وحكم الإقالة في كراء الدور كحكم الإقالة في كراء الراحلة المعينة في جميع الوجود، حاشا وجه واحد، سأذكره إن شاء الله. فإذا اكترى الرجل الدار، ثم استقال منها، أو أقاله بزيادة ما كانت، أو ممن كانت، فعلى القول بأن كراء الدار كالسلم الثابت في الذمة المضمونة، لاقتضاء المنافع شيئاً فشيئا، يعتبر الفساد في ذلك

باجتماع الصفقتين من طريق التهمة، حماية للذرائع كبيوع الآجال، وفي الإقالة بمجردها. وعلى القول بأن ذلك كالسلع المعينات لا يعتبر الفساد في ذلك إلا في الإقالة بمجردها: أن تنعقد على ما لا يجوز من فسخ الدين في الدين، أو الصرف المتأخر، أو ما أشبه ذلك مما لا يجوز في البيوع. ست وثلاثون مسألة في كراء الدور وبيان هذه الجملة أن الرجل إذا اكترى الدار، ثم تقايل مع صاحبه على زيادة فلا تخلو الزيادة من أن تكون من المكتري، أو من المكري. فإن كانت من المكتري فلا تخلو من ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون الكراء مؤجلا والثاني: أن يكون ؤالكراء بنقد ولم ينقد، والثالث: أن يكون بنقد، وقد نقد وغاب على النقد، أو لم يغب، ذلك سواء، وفي كل وجه من هذه الأوجه الثلاثة ست مسائل، إذ لا تخلو الزيادة من أن تكون ذهبا، أو وَرِقا، أو عروضا معجلة، فهذه ثلاث مسائل، أو تكون مؤجلة: فهذه ثلاث مسائل أخرى تتمة ست مسائل. فيتحصل في زيادة المكتري على هذا التفريع، ثمان عشرة مسألة. وفي زيادة المكري مثلها، أيضا؛ لأن ذَلِكَ لا يخلو من ثلاث أوجه، أحدها: أن يكون الكراء مؤجلا، والثاني: أن يكون نقدا، ولم ينقد، أوْ نَقَد، ولم يغب على النقد، والثالث أن يكون قد نقد وغاب على النقد، وفي كل وجه منها ست مسائل، أيضا، حسبما ذكرناه في زيادة المكتري. الست مسائل التي في استقالة المكتري بزيادة، والكراء مؤجل فأما إن كانت الزيادة من المكتري، والكراء مؤجلا بدنانير، فلا يجوز أن يزيد دنانير نقدا، ولا إلى دون الأجل، لأنه: " ضع وتعجل "،

ولا إلى أبعد من الأجل، لأنه " بيع وسلف " ويجوز إلى الأجل على المقاصة. ولا يجوز أن يزيده دراهم نقدا، ولا إلى أجل، ويجوز أن يزيده عروضا، نقدا، لا إلى أجل. وهذا كله على مذهب ابن القاسم، الذي يرى انحلال الذمم بخلاف انعقادها، وأما على مذهب من يرى انحلالها كانعقادها، ويقول بقول ابن القاسم: أن من كان له دين على رجل لا يجوز له أن يحوِّله في كراء دار، فلا يجوِّز الإقالة على حال؛ لأن المكري تحول في الكراء، الواجب له على المكتري، إلى كراء دار، فيدخله فسخ الدين في الدين. الست مسائل التي في استقالة المكتري بزيادة، والكراء نقدٌ لم يُؤَدَّ وأما إن كانت الزيادة من المكتري، أيضا، والكراء بنقد، ولم ينقد، فلا يجوز أن يزيده شيئاً إلى أجل، لأنه يدخله فسخ الدين في الدين، ويجوز أن يزيده دنانير معجلة، وعروضا معجلة على لاقول بأن انحلال الذمم بخلاف انعقادها. وإن زاده دراهم نقدا، تخرج ذلك على ثلاثة أقوال، قد ذكرناها في استقالة المكتري في الكراء المضمون. الست مسائل في استقالة المكتري، والكراء قد أدِّيَ وأما إذا كانت الزيادة من المكتري، أيضا، وقد نقد الكراء؛ فإن زاده ذهبا لم يجز، إلا أن تكون مقاصه من الكراء؛ وإن زاده دراهم تخرج ذلك، أيضا، على ثلاثة أقوال؛ وإن زاده عروضا جاز أن تكون معجلة أو مؤجلة، لأن المكتري باع الركوب الذي وجب له، والعرض الذي دفع معجلال أو مؤخرا، بالكراء الذي يستخرجه، وذلك جائز.

الست مسائل التي في استقالة المكري، والكراء مؤجل وأما إن كانت الزيادة من الكري، والكراء مؤجل: فإن كانت الزيادة مُعَجَّلة جاز، كانت دنانير، أو دراهم، أو عروضا على القول؛ بأن انحلال الذمم بخلاف انعقادها، وإن كانت مؤجلة يجز على حال، ويدخله فسخ الدين في الدين. الست مسائل التي في استقالة المكري، والكراء نقد لم يغب عليه وكذلك إن كان الكراء نقدا، ولم ينقد، أو نقد ولم يغب على النقد، يجوز أن تكون الزيادة معجلة ما كانت على حال، ولا يجوز أن تكون مؤجلة. الست مسائل التي في استقالة المكري، والكراء نقد قد غيب عليه وأما إن كانت الزيادة من المكري، بعد أن انتقد، وغاب على النقد، فعلى القول بأن الكراء في الإقالة كالسلم الثابت في الذمة، لا يجوز ذلك، ما كانت الزيادة على حال، وإن كان قد مضى بعض المدة؛ بخلاف كراء الدابة، إذا كان قد سار من المسافة ما يسقط التهمة، وعلى القول بأنه كالسلع المعينات يجوز إن كانت الزيادة معجلة، ولا يجوز إن كانت مؤجلة. ج- في كراء الأرض وحكم الإقالة في كراء الأرض حكم الإقالة في كراء الدور، إلا في وجه واحد، وهو أن الزيادة، إذا كانت من المكري، في المَوْضِع الذي تصح الإقالة على الزيادة منه لا يجوز أن تنقد الزيادة، وتكون

297 - كراء الأرض لمدة طويلة يتوفى المكتري قبل تمامها

موقوفة، عينا كانت أو عرضا، إلا أن تكون الأرض، مأمونة؛ لأن المكري يحصل في الإقالة مكتريا، فإن لم تُرْوَ الأرض انفسخ الكراء الأول، ولم تصح له الزيادة. وأما إن كانت الزيادة من المكتري، والأرض غير مأمونة، فلا يجوز بحال، عينا كان أو عرضا، نقدا كانت أو مؤجلة؛ لأن النقد فيها لا يصلح، إذ ليست بمأمونة فتكون كالمؤجلة لا تجوز. وبالله التوفيق، لا شريك له. [297]- كراء الأرض لمدة طويلة يتوفى المكتري قبل تمامها مسألة في كراء أرض، لا يجوز النقد فيها. قال القاضي ابن رشد: سئلت عمن اكترى أرضا لا يجوز فيها النقد، لأعوام كثيرة فتوفي قبلها؛ هل يجب أن يؤخذ من تركته ما بقي من الكراء معجلا؟ وهل يقوم ذلك من قول ابن شهاب في المدونة، أم لا؟. فجاوب فيها بهذا الجواب: لا يصح - أعزك الله بطاعته - أن يعجل للمكري من تركة المكتري كراء ما بقي من الأعوام في الأرض، التي لا يجوز النقد فيها بحال. والذي يوجبه الحكم في ذلك، إن لم يرد الورثة أن يلتزموا الكراء في أموالهم: أن تكرى لما بقي من المدة؛ فإن نقص ذلك من الكراء،

298 - ادعاء شريك على أحد شركائه أنه وهب نصيبه في معدن مشترك

الذي اكتراها به، الميت، وقف من تركته قدر النقصان، وأدى إلى المكري الكراء عند وجوبه، عاما بعد عام. وكذا يجب أن يكون الحكم في الدار، على الصحيح من الأقوال، وهو الذي يأتي على ظاهر قول ابن شهاب. وقد رأيت لبعض الشيوخ: أن جميع الكراء يعجل للمكري من تركة المكتري؛ لأنه يحل عليه بموته، كما يحل بما عليه من الديون المؤجلة، وذلك غير صحيح، لأنه إنما يحل عليه بموته ما قبض عوضه، وكذا ما بقي من المدة لم يقبض بعد عوضه؛ لأنه منافع إنما تقتضي شيئاً بعد شيء، وقد يخرج قوله: " بزحف، إذ لا يؤمن الانهدام على الدار "، على القول بأن قبض أوائل الكراء كقبض جميع الكراء. وبالله التوفيق. [298]- ادعاء شريك على أحد شركائه أنه وهب نصيبه في معدن مشترك وسئل، رضي الله عنه، عن رجل ادعي عليه أنه وهب نصيبا له في معدن. ونص السؤال: الجواب، رضي الله عنك، في رجل كان له جزء في معدن من معادن الفضة، فكان يشركه في المعادن ستة عشر شريكا، ثم إنه قام أحد الأشراك المذكورين، وادعى على هذا الرجل أنه وهب

299 - بين المعتزلة وأهل السنة حول الآية: {إنا كل شيء خلقناه بقدر} القمر:49

له نصيبه في المعدن، واستظهر فيه بعقد هبة، على الإشاعة، وشهد على العقد المذكور رجلان، وهما لم (يريا المعدن، ولا عايناه، ولا عرفا ما هو، ولا حضرا حيازة له)، وإنما المعدن غائب ببلد، والشهود في بلد آخر، ثم إن الرجل المذكور، المدعى عليه بالهبة، استظهر بعقد أن تلك الهبة إنما كانت بيعا، وإنما عقدت تلك الهبة على طريقة التحليل للبيع. بين لنا بفضلك، هل هذه الهبة جائزة، على هذا الوجه، أو يبطلها عقد البيع. فجاوب، وفقه الله، على ذلك بأن قال: تصفحت سؤالك هذا، ووقفت عليه؛ وإذا كان باعه، أو وهبه، حظه من الغار في المعدن، ولا نيل فيه بخرق ظاهر إلا ما يرجو الحافر فيه من العثور عليه، فذلك جائز؛ إذ ليس البيع بيعًا، وإنما ترك، بما أخذ منه، ما هو أولى به من الطلب في ذلك الموضع؛ لتقدم حفره فيه. وبالله تعالى التوفيق ولا شريك له. [299]- بين المعتزلة وأهل السنة حول الآية: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49] وسئل، رضي الله عنه، عن إعراب قول الله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49]. وما وجه إعراب أبي محمد مكي، رحمه الله،

وأبي عبد الله بن أبي العافية، وأبي العباس الكناني، رحمه الله، فيه، إن كان صحيحًا، أم لا؟. فأجاب على ذلك بأن قال، سألت - وفقنا الله إياك - عما تَضَمَّنَتْهُ الأجوبة المأثورة عن أبي محمد مكي بن أبي طالب القيسي، والفقيهين الأستاذين أبي عبد الله بن أبي العافية، وأبي العباس الكناني في قول الله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49]، من تعلق أهل الاعتزال به فيما يذهبون إليه من أن العباد خالقون لأعمالهم، بقراءة من قرأ من الشواذ، " إنا كل شيء خلقناه بقدر؟ "، برفع "كل"، على ما تحتمله الآية، على ذلك، الإعراب، من كون " خلقناه " صفة لشيء، هل ذلك صحيح، أم لا؟ وما وجهه إن كان صحيحا؟. فالذي أقول به في ذلك: أنه لا تعلق به لأهل الاعتزال في هذه الآية، على حال، وإنما فيها على قراءة العامة، بنصب " كل "، دليل عليهم لأهل السنة، وحجة ظاهرة في أن الله تعالى خالق لأفعال العباد. وأما على من يرفع " كل "، فيسقط الدليل، الذي لأهل السنة عليهم من الآية، من غير أن يكون لهم فيها تعلق، ودليل على التأويل الذي ذكرت، من كون، " خلقناه " صفة لشيء.

ويثبت الدليل، الذي لأهل السنة عليهم فيها، على تأويل آخر من جهة الإعراب أيضا، هو أظهر التأويلين، وأولاها بالصواب. وبيان هذا الذي ذكرناه: أن قول الله عز وجل {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49]، على قراءة العامة بنصب " كل " المضافة إلى " شيء " مفعولة بإضمار بفعل، يفسر ذلك " خلقناه "، فتقدير الكلام: إنا خلقنا كل شيء بقدر، ومعناه: إنا خلقنا كل شيء مخلوق بقدر؛ لأن الله وصفاته غير مخلوقة؛ فهي، من العموم المذكور، بالعقل مخصوصة، وإذا خص من العموم شيء، بقي ما بعد الخصوص على عمومه، فاقتضت الآية، بحق، حملها على ما بقي من عمومها، بعد ما خص منها؛ إن الله خالق لجميع المخلوقات، وتناولت الأقوال والأفعال، كما تناولت الجواهر والأجسام، فصح بذلك الدليل لأهل السنة على أهل الاعتزال. وأما قوله عز وجل: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49]، على قراءة من قرأ " إنا كل "، فيحتمل وجهين في الإعراب: أحدهما: أن يكون " خلقناه " خبرا للمبتدأ، و " بقدر " صفة للخلق، كأنه قال: كل شيء مخلوق مقدر. والثاني: أن يكون " خلقناه " صفة " لشيء "، و " بقدر " خبر للمبتدأ. " كل شيء مخلوق مقدر ". فأما الوجه الأول، وهو أن يكون " خلقناه " خبر للمبتدأ، فالآية تقتضي العموم؛ لأن الفائدة في الخبر، فإذا خص منها بالعقل ما استحال أن يكون مخلوقا، كان الباقي على عمومه، وتناول الأفعال

والأقوال، كما تناول الجواهر والأجسام فصح بذلك أيضا، الدليل لأهل السنة على أهل الاعتزال. وأما الوجه الثاني، وهو أن يكون " خلقناه " صفة " لشيء "، و " بقدر " خبر للمبتدأ، فيبطل فيه العموم؛ لأن الوصف للجملة يخرج منها ما ليس على تلك الصفة، ألا ترى أن الرجل إذا قال: " كل عبد لي حر " فجميع عبيده أحرار؛ لأنه قد عمَّهم بالحرية، وإذا قال: " كل عَبْدٍ لي، أذنت له في التجارة، فهو حر "، فلم يعمهم بالحرية، لأنه قد أخرج منهم عن الحرية من ليس بمأذون له في التجارة، فكذلك إذا جعل " خلقناه " صفة " لشيء "، لم تكن الآية عامة في خلق كل شيء بقدر؛ لأنه قد أخرج منها ما لم يخلقه، فأهل السنة يقولون: إن الذي لم يخلقه منها هو نفسه، وصفاته، وأهل الاعتزال يقولون: إن الذي لم يخلقه منها هو نفسه وأفعال العباد، فلا دليل لواحد منهم على ما يدعيه، وهذا بين. ألا ترى أن الذي قال: " كل عبد لي أذنت له في التجارة، فهو حر "، لو ادعى عبد من عبيد هـ أنه أذلن له في التجارة، ليستوجب بذلك الحرية، وأنكره سيده أن يكون أذن له في التجارة، ليستديم عبديته، لم يكن في قول السيد " كل عبد لي، أذنت له في التجارة، فهو حر " ما يدل على أنه أذن له في التجارة على ما قال العبد، ولا على أنه لم يأذن له فيها، على ما قال السيد، ولوجب أن يرجع في ذلك إلى سائر أدلة الشرع من بينة، أو إقرار، واستصحاب حال، فكذلك مسألتنا إذا لم يكن في الآية دليل على هذه القراءة والتأويل، رجعتها

300 - آثار الاستلحاق عندما يستلحق شخصان ولدا.

إلى سائر الأدلة، وهي بحمد الله كثيرة، جلية في القرآن والسنن الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأدلة العقول. وبالله التوفيق. [300]- آثار الاستلحاق عندما يستلحق شخصان ولدا. مسألة نفقة من استلحقه رجلان. انظر إذا كبر صغير، وقد استلحقه رجلان، وأنفقا عليه حتى كبر، فافتقر هذان الرجلان، هل عليه نفقتهما أم لا؟، أو افتقر أحدهما؟. الظاهر أنه لا يخرج، إذا افتقرا، إلا نفقة رجُلٍ واحد، يقتسمانه بينهما، بعد أيمانهما، وإن افتقر الواحد فعليه نصف نفقة رجل واحد، يدفعها إليه، لأنه إنما أنفق عليه نصف النفقة. قاله بعض أصحابنا. وهو صحيح؛ لأنهما كما أنفقا عليه جميعا نفقة واحدة، وكذلك تقسم بينهما نفقة واحدة. وانظر إذا مات المستلحق، وترك مالا. قال ابن رشد، رضي الله عنه: يحلفان ويقتسمان، وأما إن ماتا هما معا، أو مات أحدهما، فإنه يقال له: وآلِ من شئت منهما، وخذ ميراثك منه، ولا يصح لك أن تأخذ ميراثهما معا. وبالله التوفيق. [301]- الفرق بين نكاح المتعة والزنا. مسألة نكاح من مدينة بطليموس. سئل الفقيه الإمام، القاضي، أبو الوليد، رحمه الله، عن رجل من

أهل العلم والمعرفة الصحيحة، تزوج امرأة نكاح متعة، إلى أجل مسمى، بلا ولي، ولا صداق، إلا نصف درهم من هذه القراريط اليوسفية، فقرره الحاكم على الوطء، فأقر به، فأمر أن يقيم البينة على ما ادعى من هذا النكاح، فسار إلى داره، وسار معه غلام الحاكم، فأخرج صداقا، تضمن ما قال، وفيه شهادة شاهدين غير عدلين. فقال له رجل من أهل المجلس: أما كفى أنك تزجت نكاح المتعة وهو حرام، وأوقعته بلا ولي ولا صداق، ما أنت إلا زانٍ. فقال الناكح: لا أنكر تحريم نكاح المتعة، غير أني تعلقت فيه بما يحكى من الخلاف عن ابن عباس وغيره. وسبَبُ هذا الزواج: أني علقتها، وكنت ممن لا يقدر على زواجها، صحيحا؛ مخافة أبي، ليس كان يتركني، ولا كانت تصلح لمثلي، فرأيت التعلق بالاختلاف المذكور خيرا من الزنا. وقولكم: إني أوقعته بلا ولي ولا صداق، فهي صفة نكاح المتعة، ولا يحتاج فيه إلى أكثر من إذن المرأة، وأن تعقد له على نفسها؛ لأنها تؤاجر سلعتها، وإنما تحتاج إلى الولي في الموضع الذي يتأبد فيه ملك بضعها بوجه النكاح. وأما قولكم: بلا صداق، فالقائل بجواز المتعة لا حد عنده لأقل الصداق.

وأما قولكم: لم أشهد عدولا، فلم أقدر أن أكشف الأمر إلى غيرهما، ولو دعوت عدولا، إلى أن يشهدا لي على ذلك، لما شهدا لي عليه فرأيت أن أصنع ذلك كله، ولا أزني. ولعل الله أن يقبل هذا العذر، ويصنع بي ما هو أهله. فالرغبة إلى فضل الفقيه الجواب في هذه المسألة، أن تبين ما يلزمه من حدِّ أو أدب. وهل ذلك عذر يسقط عنه شيئاً من ذلك؟ وهل هو عند الله أخف من الزنا على ما قال؟ وهل له أن يطلب من قال له: " ما أنت إلا زان "، بحده، أم لا، لأن له على ذلك البينة؟. بين لنا ذلك بيانا شافيا، لا يكون فيه إشكال، والله يخلصك في الدنيا والآخرة، ويوفقك لما فيه الصواب. فجاوب فيها رضي الله عنه: تصفحت - عصمنا الله وإياك - سؤالك هذا، ووقفت عليه: ونكاح المتعة، الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وحرَّمه، وأجمع العُلماء على تحريمه، إلا من شذَّ منهم، فلم يعتد بخلافه منه: هو أن يتزوج الرجل المرأة إلى أجل معلوم، بولي، وصداق، وشهيدي عدل، فتكون

أحكام الزوجية كلها قائمة بينهما، إلى ذلك الأجل، ما عدا الميراث. وأما من تواطأ مع امرأة، فيما بينه وبينها. على أن يطأها، ويستمتع بها، مدة من الزمان. على شيء (يبذله) لها من ماله، فلسي ذلك بنكاح المتعة، وإن سميناه نكاحا، وإنما هو زنا. فالواجب أن يُحَدُّ هذا الرجل، الذي سألت عنه، حد الزنا، فيرجم إن كان محصنا ويجلد إن كان بكرا، لا قراره بوطءِ المرأة، التي عثر على كونه معها، إذ ليس ما زعمه من أنه نكحها نكاح المتعة، للوجه الذي ذكر، بشبهة تسقط عنه الحد، إذا لم يشهد له بذلك من تجوز شهادته، ولا كان دخوله بها على وجه النكاح، الذي زعم، فاشيا، منتشرا، ومعلوما. وينبغي إن كان بكرا، أن يضرب، بعد إقامة الحد عليه، الضرب الوجيع، ويسجن السجن الطويل، لاستخفافه بالدين، وإلباسه على المسلمين؛ وما ذكرت عنه من المعرفة والطلب حجة عليه، توجب له الخزى في الدنيا والآخرة، وتنزله أسوأ المنازل؛ لأنه عرف الحق فكابره، والصواب فخالفه، والمحظور فاقتحمه، اجتراء على الله، واستخفافا بحدوده، وتلاعبا بدينه، وقد روي: " إن من شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة عالما لم ينتفع بعلمه ". فكيف بمن أضرت به معرفته وتطرق بها إلى مواقعة المحظور، ومخالفة الجمهور. والله أسأل العصمة والتوفيق.

302 - إجارة ملاح لنقل حمولة تين من اشبيلية إلى سبتة.

[302]- إجارة ملاح لنقل حمولة تين من اشبيلية إلى سبتة. مسألة إجارة ملاح. سئل القاضي أبو الوليد بن رشد، رضي الله عنه، عن رجل اكرى ملاحا ليحمل له من اشبيلية إلى سبتة مائة عدْل من تين على البحر، فقبضه إياها، وألقاها في مركبه واندفع بها والبحر طيب، فحملها لمدينة سلا من غير ضرورة. فجاوب، رضي الله عنه: يلزم الملاح حمل التين باشبيليه وسياقتها إلى سبتة ولا يلزمها من سلا إلى سبتة، وهو قول ابن القاسم، فقيل له: قد أفتى غيرك بأن يرد التين من سلا إلى سبتة، ما أحب الملاح أو كره، ويلزم الملاح ضمانها، إن هلكت في طريقه من سلا إلى سبتة. فقال: قد ذكر هذا ابن حبيب وليس بجيد، ولا اعتقده، إن شاء الله، وسئل عنها في ربيع الآخر، سنة ثمان، وخمس مائة. [303]- شرح نص حول الكفالة من المدونة. شرح المسألة الواقعة في كتاب الدعوى من كتاب الكفالة من المدونة، وهي: " وسألت ابن القاسم عن ثلاثة نفر اشتروا سلعة من رجل، وكتب عليهم أيهم شئت أخذته بحقي، وكل واحد منهم حميل بما على صاحبه، فمات أحد الثلاثة، فادعى ورثة الهالك أنه قد دفع المال كله إلى بائع السلعة، وأقاموا شاهدا؟ قال، يحلفون مع شاهدهم،

ويبرأون، ويرجعون على الشريكين الباقيين بما أدى عنهم صاحبهم ". قال الفقيه أبو الوليد، رضي الله عنه: وهذا بين لا إشكال فيه. نكول الورثة عن اليمين: أ- الميت مليء وأما إن نكل الورثة عن اليمين مع شاهدهم فإن الأمر لا يخلو من أن يكون الميت مليا أو معدما فأما كان الميت مليا فإن الأمر لا يخلو من ثلاثة أوجه: أحدها: أن يصدق الشريكان الورثة فيما ادعوا من أن الميت دفع جميع الحق من ماله إلى البائع عن نفسه، وعنهما، ليرجع عليهما بما ينوبهما منه. والثاني: أن يقولا: إنما دفع جميع ذلك من أموالنا، بوكالتنا إياه على ذلك. والثالث: أن يقولا: إنما دفع ذلك من ماله إلى البائع، وأموالنا؛ إذ كنا قد دفعنا إليه ما ينوبنا منه، ووكلناه على دفعه عنا. (1) فأما الوجه الأول، وهو أن يصدق الشريكان الورثة فيما ادعوا من أن الميت دفع جميع الحق من ماله إلى البائع عن نفسه، وعنهما بما ينوبهما منه، فترجع اليمين على البائع، فيحلف على تكذيب بما شهد به الشاهد، ويرجع بجميع حقه، فيأخذ ثلثيه مِنَ الشريكين، وثلثه من مال المتوفى وليس للورثة أن يرجعوا على الشريكين بما ينوبهما من المال، الذي أقرأ أن موروثهم أداه على ما شهد به الشاهد، وإن كانا قد صدقاه

في شهادته بذلك؛ لأن الميت ضيع في تركه الأشهاد؛ فالمصيبة منه قال ابن أبي زيد: إلا أن يكون الدفع بحضرتهما، فيكون لهم الرجوع بذلك عليهما. قال أبو الوليد ابن رشد، رضي الله عنه: وذلك ما روى أبو زيد عن ابن القاسم، خلاف ما روى عنه عيسى، من أنه لا رجوع لهم عليه وإن كان الدفع بحضرتهما. قال في هذا الوجه، في الكتاب: " ولا يحلف الشريكان، لأنهما يغرمان "، فأما قوله: " لأنهما يغرمان " فتعليل فيه نظر، يوهم أنه أراد: أنهما لا يحلفان، لأنهما إن حلفا، غرما للورثة، وإن لم يحلفا غرما للبائع؛ ولذلك لم يحلفا: ولو كان مراده ذلك لكان من حقهما أن يحلفا، إن شاءا، ليسقطا طلب البائع عنهما، بما قد يرجون من مسامحة الورثة لهما في الاقتضاء. ولا يصح أن يكون مراده ذلك لما بيناه من أنه لا رجوع للورثة عليهما بما ينوبهما، مما أدى الميت عنهما من ماله، وإن صدقاه على الدفع، إلا أنه يقرا أنه كان بحضرتهما، على إحدى الروايتين المذكورتين عن ابن القاسم، وإنما كان يجب أن يقول: ولا يحلف الشريكان، ويغرمان للبائع، فإن نكل البائع في هذا الوجه عن اليمين، بعد نكول الورثة سقط حقه، ورجع الورثة على الشريكين بما ينوبهما من الحق.

(2) وأما الواجب الثاني، وهو أن يقولا: إنما دفع جميع ذلك من أموالنا، بوكالتنا إياه على ذلك، ففي ذلك من المتأخرين اختلاف، قال ابن أبي زيد: يحلف الشريكان لقد دفع الميت ذلك، ويبريان، ويرجع البائع على الورثة، بما ينوبهما، لنكولهم، بعد يمينه: أنه ما قبض من وليهم شيئاً، وللشريكين أن يحلفا الورثة، إن كانوا كبارا: ما يعلمون أنهما دفعا إلى وليهم شيئاً، فإن نكلوا عن اليمين حلفا: لقد دفعا جميع الحق إليه، ورجعا إليه بالثلث الذي ينوبهم منه. وذهب أبو إسحق التونسي إلى أن البائع يحلف، فيأخذ من جميعهم ماله، ويحلف الورثة للشريكين: أنه ما يعلمون أنهما دفعا إلى وليهم شيئاً، فإن نكلوا عن اليمين حلف الشريكان: لقد دفعا ذلك إليه، ورجعا عليهم في التركة، بما ينوب الميت من ذلك. قال: ولا يكون للشريكين أن يخلفا: لقد دفع الميت ذلك من أمولاهما، ويبريان؛ لأن ما في يد الميت على ملكه حتى يثبت الدفع إليه. وذهب بعض الأندلسيين إلى أن الشريكين يحلفان: لقد دفع الميت ذلك من أموالهما ويبريان، ويرجعان على الورثة بما ينوبهما منه، إذا لم يختلفوا. فهذه ثلاثة أقوال في هذا الوجه. أحدها: أن الشريكين يحلفان ويبرآن من نصيبهما ولا يرجعان على الورثة بما ينوبهما.

والثاني: أنهما يحلفان ويبرآن من نصيبهما، ويرجعان على الورثة بما ينوبهما. والثالث: أنهما لا يمكنان من اليمين. قال الفقيه أبو الوليد، رضي الله عنه: والذي يوجبه النظر عندي، إذا لم يكن للشريكين بينة على ما ادعيا من دفع المال إلى الميت، ولا شهد بذلك الشاهد: أن يقال للورثة: احلفوا أنكم ما تعلمون أنهما دفعا إليه شيئاً، فإن حلفوا على ذلك، لم يمكن الشريكان من اليمين، وحلف البائع لنكول الورثة، ورجع عليهما، وعلى الورثة، بحقه، وإن نكلوا عن اليمين حلف الشريكان: لقد دفعا ذلك إليه، ولقد دفع ذلك هو إلى البائع، وبرئا من نصيبهما، ورجعا على الورثة بما ينوبهما. (3) وأما الوجه الثالث، وهو أن يقولا: إنما دفع ذلك إلى البائع من ماله، وأموالنا ففي قول ابن أبي زيد: يحلف الشريكان ويبرآن، ويحلف البائع ويرجع، على الورثة بما ينوبه من ذلك، وعلى ما ذهب إليه أبو إسحق التونسي: لا يمكن الشريكان من اليميبن، ويحلف البائع، ويرجع على جميعهم بماله. قال الفقيه أبو الوليد، رضي الله عنه: والذي يوجبه النظر عندي على ما تقدم: أن يقال للورثة: احلفوا أنكم ما تعلمون أنهما دفعا إليه شيئاً، فإن حلفا على ذلك لم يمكن الشريكان من اليمين، وحلف البائع، ورجع على جميعهم بماله، وإن نكلوا عن اليمينه حلف الشريكان: لقد دفعا ذلك إلى الميت، وحلفا مع الشاهد: لقد دفع ذلك الميت إلى البائع، وبرئا من نصيبهما، وحلف البائع: ما دفع إليه شيئاً، ورجع على الورثة بما ينوبه.

ب- الميت معدم فصل، وكذلك إذا كان الميت معدما، لا يخلو الأمر أيضا، من الثلاثة الوجوه المذكورة: فأما الوجه الأول منها، وهو أن يصدق الشريكان الورثة فيما ادعوا من أن الميت دفع جميع الحق من ماله إلى البائع، عن نفسه، وعنهما بما ينوبهما، فذهب ابن أبي زيد إلى أن للشريكين أن يحلفا مع الشاهد؛ ليبرأا من حمالة الثلث، الذي الميت به عديم، قال: فإن حلفا غرما للورثة الثلثين، ورجع البائع عليهم في ذلك بالثلث إذا حلف: أنه لم يقبض من وليهم شيئاً. وذهب أبو إسحق التونسي إلى أن الشريكين، إذا حلفا مع الشاهد، ليبرأا من حمالة الثلث، الذي الميت به عديم، لا يغرمان الثلثين للورثة، وإنما يغرمان ذلك للبائع بعد يمينه، وهو الصحيح، على ما بيناه من أنهما لا يلزمهما للورثة بما دفع الميت عنهما من ماله لأنه أتلف ذلك على نفسه بتضييعه الإشهاد. وقد مضى القول على الوجه الثاني والثالث، إذا كان الميت مليا، ولا فرق بين أن يكون مليا أو معدما إلا في اتباع ذمته إن طرأ له مال. وبالله التوفيق.

304 - اثنان وعشرون سؤالا من بطليوس.

[304]- اثنان وعشرون سؤالا من بطليوس. وسأله، رضي الله عنه، أهل بطليوس حين قدومهم على قرطبة، آخر جمادى الأولى وصدر جمادى الآخرة، سنة سبع عشرة وخمس مائة، عن اثنين وعشرين سؤالا فجاوبهم على ذلك، وهذا نص جميعها، وجوابه عقب كل سؤال منها: [1]- تعارض سجل وشهادة في إثبات ملك فأما السؤال الأول، فهو رجل قام بسجل، أشهد على نفسه فيه قاضٍ: أنه حكم لأم القائم به بثلث القرية التي يحوز القنجيل، وفيها رحى، ولم تحد القرية في السجل. فقامت ابنة أخي المرأة المحكوم لها بثلث القرية، وأثبتت أن قرية بحوز القتجيل، وحَدَّتها من جميع جهاتها، كانت لأبيها مالا وملكا، إلى إن توفي ووارثها ورثته. ووجدت هذه القرية المحدودة بيد القائم بالسجل؛ وذكر أن هذه القرية هي القرية المذكورة في السجل، وأنها كانت لوالد أمه، وليس لبنات خاله فيها إلا ثلثاها، مع من شركهن في ميراث والدهن. فقالت هذه المرأة، التي أثبتت القرية لوالدها: ليس لأمك فيها شيء، لأن القرية المذكورة، التي فيها الرحا، ليست محدودة في السجل، ومن صفة القرية المذكورة في السجل: أن فيها رحى، وهذه القرية التي

أثبتها أنها لوالدي، ليس فيها رحى، ولا يخرقها نهر، ولا كان قط فيها رحى. فشهد للقائم بالسجل بينة أن هذه القرية، التي أثبتتها المرأة لوالدها إنما كانت لجدها، والد القائمة بالسجل، وهذه البينة، التي شهدت بهذه الشهادة لم يدركوا بأسنانهم والد القائمة بالسجل. فهل يقضى بالقرية المحدودة لوالد القائمة به؛ إذ ليس في هذه القرية رحى، ولا خرقها قط نهر، والقرية التي يطلبها القائم بالسجل، فيها رحى، أو يقضى بها أنها القرية المذكورة في السجل، على حسب ما شهدت به البينة للقائم بالسجل؟ وهل تصح شهادة هذه البينة، مع العلم بأنهم لم يدركوا، بأسنانهم، والد القائمة بالسجل؟ تفضل: بالجواب على ذلك مأجورا. والواجب فيما سألت عنه أن ينظر إلى ما تضمنه التسجيل من الحكم بثبوت القرية لأم القائم به: هل كان بالوراثة عن أخيهما، أو كيف كان؟ وتسأل المشهدة أن القرية لأبيها: من أين كانت له؟ والشهود نم أين علموا ذلك؟ ويسأل الشهود الذين شهدوا للقائم بالتسجيل: أن القرية التي أثبتتها المرأة، لوالدها، إنما كانت لجدها، والد القائمة بالتسجيل: من أين علموا ذلك، أيضا؟ ويعمل في ذلك

2 - وصي سابق للأيتام يدعى دينا لنفسه على شريك الأيتام في الغنم

بحسب ما ينكشف فيه؛ فإن قال الشهود، الذين شهدوا بملك جميع القرية لأبي القائم، وحَدُّوها: أنهم إنما شهدوا بملكها له لطول انفراده باعتمادها، دون حق يعلمونه فيها لغيره، كان الذي القرية بيده أحق بثلثها على ما ادعاه، واستظهر به من التسجيل. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [2]- وصي سابق للأيتام يدعى دينا لنفسه على شريك الأيتام في الغنم السؤال الثاني: وصي أشرك أيتامه مع رجل في غنم، كانت لأيتامه، وعقد بذلك عقدا بين الرجل وأيتامه، وذكر في خلال العقد: " ولفلان - يعني الوصي - على شريك الأيتام سبعون مثقالا من الذهب المرابطية ". ثم عزل الوصي المذكور عن النظر للأيتام، وقدم على الأيتام سواه، فقام الوصي الآخر بالعقد، يطلب الشريك، بعد مفاصلة وقعت بينه وبين الأيتام، بالسبعين مثقالا المذكورة في الشركة، وقام الوصي الأول يدعيها لنفسه، وقال: إنها لم تكن من الشركة، إنما كانت لي دينا على الشريك. فلمن يقضى بالسبعين مثقالا، للأيتام، أو للوصي الأول، إذ وقع أمرها مبهما في يعقد الشركة؟ تفضل بالجواب عن ذلك، مأجورا إن شاء الله تعالى. الجواب عليه: تصفحت السؤال ووقفت عليه

3 - آثار نكاح عقده من تحت الحجر، ولم يجزه الوصي والمشرف

وإن كانت السبعون مثقالا إنما ذكرت، في عقد الشركة، بعد انقضاء الكلام في أمر الشركة، ولم يكن فيه ما يدل على أنها للأيتام من الشركة، استحقها الوصي مع يمينه على ما ادعاه. وبالله التوفيق. [3]- آثار نكاح عقده من تحت الحجر، ولم يجزه الوصي والمشرف السؤال الثالث فيمن كان تحت ولاية وصي، وإشراف مشرف، تزوج امرأة، وانعقد بينهما بذلك عقد صداق، ولم يقع فيه إشهاد على الوصي والمشرف بإمضائه، حتى توفي الزوج؛ هل يقضى للزوجة بالصداق، والميراث، أو بأحدهما، أو لا يقضى لها بشيء؟ وبأي قول من الاختلاف في ذلك العمل؟ وهل يقوم علم الوصي والمشرف بالنكاح مقام إشهادهما على أنفسهما بإمضائه، أو لا يكون علمهما بذلك كافيا، حتى يشهد عليهما بإمضائه؟ بين لنا الواجب في ذلك. الجواب عليه: تصفحت السؤال، ووقفت عليه. والمسألة مسألة قد اختلف فيها في المذهب، اختلافا كبيرا، يتحصل فيه ثمانية أقوال، الذي أقول به منها، وأختاره، وأتقلد الفتوى به: أن ينظر في النكاح إن كان لم يجزه الوصي بأمر المشرف حتى مات الزوج؛ فإن كان نكاح غبطة، مما لو نظر فيه الولي أجازه، كان لها الميراث والصداق، وإن كان على غير هذه الصفة، لم يكن لها ميراث

4 - هل تعاد الشهادة عند قاض جديد، بعد أخذ نفس الشهادة لدى قاض سابق؟

ولا صداق، إلا أن يكون قد دخل بها، فيكون لها ما تستحل به. وإذا لم يحضر الوصي العقد، وإنما اتصل به، بعد أن عقده السفيه بغير أمره، فلم يقض فيه برد ولا إجازة حتى مات السفيه، فهو بمنزلة إذا لم يعلم به حتى مات، إلا أن يكون قد دخل بعلمه، فيكون ذلك إجازة منه له. وبالله التوفيق، لا شريك له. [4]- هل تعاد الشهادة عند قاض جديد، بعد أخذ نفس الشهادة لدى قاض سابق؟ السؤال الرابع في بينة شهدت عند قاض في عقد، وأشهد على نفسه بثبوته عنده، ثم عزل القاضي، وولَّي غيره، والشهداء أحياء، هل يكررون الشهادة عند القاضي الثاني أم لا؟ وهل يجري إشهاد القاضي على نفسه بثبوت العقد عنده مجرى الحكم، أو مجرى الشهادة على الشهادة، ولا يشهد شهود الفرع ما دام شهداء الأصل أحياء؟ وكيف إن كان أحد الشهود في الأصل توكل في الحق المطلوب في العقد، الذي شهد فيه، هل تصح شهادته، وقد توكل في ذلك الحق أم لا؟ الجواب عليه: تصفحت السؤال الواقع فوق هذا، ووقفت عليه. وإشهاد القاضي على نفسه بثبوت العقد عنده حكم بعدالة البينة عنده، فلا يلزم أن يعيد الشهود شهادتهم عند غيره؛ لأن ذلك يوجب ألا يحكم بشهادتهم إلا بعد علمه بعدالتهم، أو بعد تزكيتهم عنده. وإذا ثبت عنده أن القاضي الأول أشهد بثبوت العقد عنده، قضى

5 - التزام منفذ الوصية بحصة الزوجة الطارئة من التركة

بشهادتهم بعد الإعذار، دون تزكية، وإن لم يعرف عدالتهم. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [5]- التزام منفذ الوصية بحصة الزوجة الطارئة من التركة السؤال الخامس في مقدم على تنفيذ ثلث رجل توفي، وترك من جملة ما ترك، بقرا، فباع هذا المقدم ثلث البقر، فأخذ هذا المبتاع للثلث من البقر، مع ورثة الميت، البقر، وحملوها لبلد آخر. وكان هذا الميت تحت إيصاء أمه، وإشرافه عمته فقام قائم، وذكر أن هذا الميت تزوج امرأة، وقام عن المرأة، وطلب المنفذ عند القاضي في أمر البقر فقال المنفذ: بعت ثلثها، وحملها المبتاع مع الورثة، لبلد آخر للبيع. فرغب هذا المنفذ أن يلتزم حصة الزوجة منها حتى يقدم الذين حملوا البقر. فأجاب إلى ذلك، فعقد القائم عن الزوجة. عقد اعتراف بدين " أشهد فلان بن فلان الفلاني - يعني المنفذ - على نفسه شهداء هذا الكتاب: أن عليه للزوجة المذكورة كذا وكذا مثقالا ثمن حصتها من البقر، التي تخلفها زوجها فلان ". ووضع الشهداء أسماءهم فيها، ولم يُقْرَأ العقد على المنفذ، فلما كان

يعد مدة طلب هذا المنفذ بالعقد المذكور، فأنكر أن يكون أشهد على نفسه في العقد، فوقف بالشهود، فرجعوا عن هذه الشهادة، وقالوا: إنما نشهد أنه التزم حصة الزوجة من البقر لذهاب الذين ذهبوا بها، حتى يقدموا. فهل يلزمه ما شهد به عليه، ويكون ذلك من ناحية الابتياع لحصة الزوجة. أو من ناحية الضمان؟ وكيف إن كان من ناحية الضمان، هل يكون هو المطلوب، دون الذين حملوا البقر، أم لا؟ وإن كان من ناحية البيع، هل يجوز هذا البيع لغيبة البقر أم لا؟. وكيف إن صح البيع، وطلب بالثمن، هل يطلب للقائم على الزوجة أن يدفع إليها حصتها من البقر، وحينئذ يدفع إليه الثمن، أم لا؟ أجبنا في ذلك، بفضلك. الجواب عليه: تصفحت السؤال الواقع فوق هذا، ووقفت عليه. وإذا رجع الشهود عن شهادتهم، على نص العقد، إلى ما ذكرت أنهم شهدوا به فالواجب أن يكون عليه ضمان قيمة حصتها من البقر يوم باعها المنفذ، وذهب بها المبتاع مع الورثة، إن تلفت، أو باعوها بأقل من ذلك، أو لم يرجعوا، ويتلوم في ذلك له إن تأخروا، بحسب الاجتهاد. وبالله التوفيق.

6 - لأي تكون الأسبقية في غلة المسجد: لأجرة الإمام، أم لإصلاح المسجد؟

[6]- لأي تكون الأسبقية في غلة المسجد: لأجرة الإمام، أم لإصلاح المسجد؟ السؤال السادس في مسجد جامع احترق منه بلاطان، مُسَقَّفانِ، وليس في غلته ما يبني منه إلا بأن لا يدفع لإمامه وقَوَمَتِه شيء، هل يبنى الجامع، ويكون بنيانه مقدماً على إمامه وسَدَنِتُه، أم يترك دون بنيان، وتدفع غلته لمن ذكر؟ وكيف إن أمتنع إمامه من الصلاة فيه، وخَدَمَتُه من خِدْمته إلا أن تستمر عليهم غلته، هل يكون ذلك جرحة فيهم أم لا، والعامة لا تعدل (بإمامهم) أحداً، لميلهم إليه؟ بين لنا الجواب في ذلك. الجواب عليه: بنيان ما احترق من بلاطات الجامع مقدم على أجرة إمامه، وقومته، إلا إجارة المثل في خدمته التي لا بد منها؛ من فتحه، وغلقه، وكنسه، ووقيده، إن لم يوجد من يتطوع بذلك من غير أجرة. وبالله التوفيق. [7]- هل يلزم الضامن حاكم استلف من غلة مساجد أخرى لبناء مصاطب الجامع؟ السؤال السابع في حاكم استلف من غلة أحباس مساجد، لبنيان مصاطب حول الجامع، وقد علم أنه لا يفضل من غلة أحباس الجامع ما يؤدي منه السلف، هل يلزمه الضمان أم لا؟ الجواب عليه: لا ضمان عليه في ذلك. وبالله التوفيق.

8 - هل يوفر من غلة المسجد إذا كانت كثيرة؟

[8]- هل يوفر من غلة المسجد إذا كانت كثيرة؟ السؤال الثامن في مسجد له غلة واسعة، هل تستنفذ غلته في أجرة إمامه، وحصره، وزيت وقيده، ولا يوفر منها شيء، أو يوفر من غلته. وتوقف؟ وكيف إن توفر من غلته شيء، هل يبتاع منه أصل، يكون حبسا عليه أم لا؟ وكيف إن لم يجز أن يبتاع منه أصل، فابتاعه حكم، هل يكون ضامنا للمال، ويكون له أصل، أم لا؟ الجواب عليه: تصفحت السؤال، ووقفت عليه. ولا يجوز أن تستنفذ غلة أحباس الجامع في أجرة إمامه. وقومته، وحصره، وزيته، ووقيده والواجب فيما فضل من غلته، بعد أجرة إمامه المفروضة بالاجتهاد، وبعد أجرة قومته، وما يحتاج إليه من حصر، وزيت ووقيد، بالسداد في ذلك دون سرف: أن يوقف لما يحتاج إليه من نوائبه، أو لما يخشى من انتقاص غلته، وإن كان في الفاضل منها ما يبتاع منه أصل يكون بسبيل سائر أحباسه فذلك صواب، ووجه من وجوه النظر، فكيف يجب في ذلك ضمان على فاعله! وبالله التوفيق. [9]- هل يعتبر قدم الغَرْس عيبا في الكرم، يجب به الرد؟ السؤال التاسع. من ابتاع كرما، فظهر له، بعد ابتياعه: أنه شارف قد خلق، هل يرده بذلك؟ وإن ادعى البائع أن المبتاع عَلِمَ أن الحومة، التي فيها الكرم، قديمة الغراسة يعلم من غرسها، هل يقوم ذلك مقام

10 - هل يوفق ما باعه أصحاب المواريث عندما يثبت مدع أن المبيع لقريبه الغائب

التبري من العيب، إن كان أقر المبتاع بالعلم، وإن أنكر، هل عليه اليمين أم لا؟ الجواب عليه: تصفحت السؤال، ووقفت عليه. ولسي هذا من العيوب، التي يجب الرَّدُّ بها؛ لأنها من العيوب الظاهرة. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [10]- هل يوفق ما باعه أصحاب المواريث عندما يثبت مدع أن المبيع لقريبه الغائب السؤال العاشر في أصحاب المواريث، إذا باعوا شيئاً على أنه لبيت المال، فقام من أثبت عند القاضي أن هذا المبيع هو لقريب منه، وأنه حي، وحازه عند القاضي، هل يفسخ القاضي البيع، ويوقفه للغائب، أو يبقى عند المبتاع حتى يقدم الغائب؟ الجواب عليه: لا يمكن القاضي القريب من المخاصمة عن قريبه الغائب، فيما باعه صاحب المواريث من العقار، دون وكالة، وإنما يمكنه من إثبات حقه في ذلك، والتحصين له بالإشهاد عليه، مخافة أن تغيب البينة، أو تغير. وبالله التوفيق، لا شريك له.

11 - هل لصاحب المواريث المخاصمة في حقوق بيت المال دون إذن له بذلك؟

[11]- هل لصاحب المواريث المخاصمة في حقوق بيت المال دون إذن له بذلك؟ السؤال الحادي عشر: أصحاب المواريث، هل يجوز لهم الخصام في شيء يدعونه لِبَيْتِ المال، وهو بيد رجل يدعيه لنفسه، أم لا يجوز لهم خصامه، ويقيمون البينة على انفراد بَيْت المال به دون الذي هو بيده؟. الجواب عليه: لا يمكن صاحب المواريث من الخصام في ذلك، دون أن يجعل إليه الطلبَ فيه، والمخاصم، وإن أراد أن يثبت ذلك لبيت المال، ويحصنه بالإشهاد عليه دون مخاصمة من هو في يديه، كان ذلك له. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [12]- هل تقبل الشهادة بناءً على التزكية، أو بناء على علم القاضي؟ السؤال الثاني عشر، في حاكم كان يقبل بينة بعلمه، دون تزكية، ثم عزل، ثم ولي غيره، هل يكتفي هذا الذي ولي بعده بعلم الأول بهم، أم لا يكتفي بذلك، حتى يزكو عنده؟. الجواب عليه: إذا أشهد القاضي أنه قد قبل البينة، وثبت ذلك عند الحاكم بعده، حكم بها بعد الإعذار، دون تزكية، وإن لم يعلم هو عدالتها.

13 - ادعاء الوصي بعد عزله: أنه كان ينفق على الأيتام من ماله

وسواء أزكيت البينة عند الأول، أو كان عارفا بعدالتها: لأن أمر قبول الشهداء مصروف إلى الحاكم، لقول الله عز وجل: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282]. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [13]- ادعاء الوصي بعد عزله: أنه كان ينفق على الأيتام من ماله السؤال الثالث عشر، في وصي على أيتام، كان بيده لهم غنم، وبقر، وحرث، ثم عزل عن إيصائه، وأقام بينة أن الأيتام كانوا في حضانته، ولم تدر البينة، هل كان ينفق على الأيتام من مالهم، أو من ماله؟ فادعى أنه كان ينفق عليهم من ماله وأراد الرجوع بذلك عليهم، في مالهم، وادعى أن المال، الذي كان بيده من الغنم والبقر والحرث، لم تكن له غلة؛ وشهدت بينة أن مالهم، الذي كان بيد الوصي، كانت غلته تقوم بنفقتهم. هل يقبل قول الوصي، الذي ادعى أنه كان ينفق من ماله، أم لا؟ الجواب عليه: تصفحت هذا السؤال، ووقفت عليه. وإذا شهدت البينة أن في غلة ما كان بيده للأيتام ما يقوم بنفقتهم، ببينة عَدْلَةٍ لا مدفع له فيها، فلا شيء له فيما ادعاه من أنه أنفق عليهم من ماله. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له.

14 - شروط الإفتاء في حالتي الاجتهاد والتقليد

[14]- شروط الإفتاء في حالتي الاجتهاد والتقليد السؤال الرابع عشر. هل يجوز أن يستفتى من قرأ الكتب المستعملة مثل المدونة والعتبية، دون رواية، أو الكتب المتأخرة، التي لا توجد بها روايات، أم لا؟ وإن استفتي وأفتى، وقد قرألها دون رواية، هل تجوز شهادته أم لا؟. الجواب عليه: تصفحت هذا السؤال، ووقفت عليه. ومن قرأ الكتب التي ذكرت، وتفقه فيها عن الشيوخ، وفَهِم معانيها، وعرف الأصول التي بنيت عليها مسائلها من الكتاب والسنة والإجماع، وأحكم وجه النظر والقياس، ولم يخف عليه ناسخ القرآن من منسوخه، ولا سقيم السنة من صحيحها، إذا نظر فيها، وكان معه من اللسان ما يفهم به معنى الخطاب، جاز أن يستفتى فيما ينزل من النوازل، التي لا نص فيها، فيفتي فيها باجتهاد، ومن لم يلحق بهذه الدرجة فلا يصح أن يستفتي في (المجتهدات) التي لا نص فيها، ولا يجوز أن يفتي برأيه في شيء منها، إلا أن يخبر برواية عن عالم، فيقلد فيما يخبر به من حجة نقلها عنه؛ وإن كان فيها اختلاف بينهم أخبر بالذي ترجح عنده من ذلك، وإن كان ممن له فهم، ومعرفة، بوجوه الترجيح بين الروايات، جاز للحكم أن يقضي بقوله، إذا لم يجد سواه، ممن كملت له آلات الاجتهاد، وكان للقاضي أن يقلده، أيضا، حينئذ في فتواه. وإن لم يتفقه فيما قرأ، فلا يجوز أن يستفتي، ولا يحل له هو أن يفتي،

15 - الرواية شرط في الانتصاب لتدريس الموطأ وأمهات الشريعة

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه، ولكن يقبضه بقبض العلماء حتى لا يبقى عالم، فإذا كان ذلك اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فأفتوا بغير علم، فضلوا، وأضلوا ". وقد أدركنا هذا الزمان. والله الموفق للصواب برحمته. [15]- الرواية شرط في الانتصاب لتدريس الموطأ وأمهات الشريعة السؤال الخامس عشر. هل يجوز لأحد أن يناظر في الموطأ، ولم يسمعه على أحد، ولا عنده كتاب صححه، أم لا؟ وكيف إن ناظر في ذلك بكتاب صحيح، هل يجوز له ذلك وهو لم يَرْوِه عن أحَدٍ أم لا؟ الجواب عليه: لا يصح لمن لم يعن بالعلم، ولا سمعه، ولا رواه: أن يجلس لتعليمه في الموطأ ولا في غيره من الأمهات وإن كانت من الأمهات المشهورة. وإذا قرأها، وتفقه فيها على الشيوخ، وإن لم يحملها إلا إجازة، جاز له أن يعلم ما عنده عن الشيوخ من معانيها، وأن يقرئها، إذا صحح كتابه، على رواية شيخه فيها. وبالله تعالى التوفيق.

16 - تسقط نفقة الابن عن الزورجة - بعد المراجعة - إذا سبق أن التزمت بها في الخلع

[16]- تسقط نفقة الابن عن الزورجة - بعد المراجعة - إذا سبق أن التزمت بها في الخلع السؤال السادس عشر. من خالع امرأته على أن تحملت نفقة ابنه منها إلى الحُلُم، ثم راجعها بنكاح جديد، ثم طلقها، هل يسقط عن الزوجة ما تحملته بمراجعته إياها، أم لا؟ وكيف إن طلبها بما تحملته ر، وهي في عصمته بالمراجعة التي راجعها بها هل يقضى له بذلك أم لا؟ الجواب عليه: إذا راجعها سقط عنها ما تحملته من نفقة ابنه، ورجعَت النفقة عليه، ولا تعود عليها، إذا طلقها، ولم تتحمل له بها ثانية. وبالله التوفيق، لا شريك له. [17]- امرأة تدعي الحمل، عندما يطالبها الزوج إن تخرج من الدار التي تعتد فيها السؤال السابع عشر. في امرأة يطلقها زوجها، وتعتد في الدار التي طلقها فيها، وتنقضي المدة التي تنقضي عدتها في مثلها، فيريد الزوج إخراجها من داره، ويذكر أن عدتها قد انقضت، وتدعي هي حملا بها، ويكذبها الزوج، ويريد أن يريها النساء هل يقضي له بذلك أم لا؟ وكيف إن لم يجب أن يريها النساء، هل عليها يمين أنها مسترابة، أو لا؟. الجواب عليه: تصفحت السؤال، ووقفت عليه.

18 - هل يشمل " الإسكان " مدة العدة في طلاق المتبرع لها بالإسكان؟

وإن ادعت ذلك بعد الأربعة الأشهر ونحوها، صدقت دون يمين، وإن ادعت ذلك بعد الستة أشهر، ونحوها، صدقت مع يمينها. واختلفت إن ادعت ذلك بقرب انقضاء الحول، فقيل: إنها تصدق مع يمينها، وقيل: إنها لا تصدق، إلا أن يكون سمع ذلك من قولها قبل ذلك. وإن ادعت ذلك بعد انقضاء الحول، لم تصدق حتى يراها النساء، فيصدقنها فيما ادعت من ذلك. هذا الذي يأتي، في هذه المسألة، على مذهب ابن القاسم في العتبية، وكتاب ابن المواز. وبالله التوفيق. [18]- هل يشمل " الإسكان " مدة العدة في طلاق المتبرَّع لها بالإسكان؟ السؤال الثامن عشر، فيمن أسكن أحدا منزله، فسكنه مع زوجه، وطلقها فيه، وأراد رب الدار إخراج المرأة من داره، ولا تعتد بها. هل يقضى له بذلك أم لا؟ وكيف إن لم يقض له بذلك، هل يلزم المطلَق الكراء طول العدة، أم لا؟ الجواب عليه: إن كان أسكنه حياته، أو إلى أجل مسمى، فليس له أن يخرجها، إلا أن ينقضي الأجل، أو يموت، إن كان أسكنه حياته، قبل أن تنقضي عدتها، فيكون من حقه أن يخرجها. فإن رضي أن يبقيها بعد انقضاء أجل السكنى حتى تنقضي عدتها،

19 - بيع أصول الكروم من النصارى

بكراء المثل، لزمه ذلك؛ وإن كان السكنى إلى غير أجل نظر إلى قدر ما يرى أنه أراد بسكناه، فيكون ذلك كالأجل المضروب، إلا أن يدعي أنه أراد دون ذلك، فيصدق فيه مع يمينه. وبالله التوفيق. [19]- بيع أصول الكروم من النصارى السؤال التاسع عشر، في بيع أصول الكروم من النصارى، هل يجوز ذلك، وهم يعصرون ثمرتها خمرا، أم لا؟ وكيف إن لم يجز ذلك، ووقع البيع، هل يفسخ، أم لا؟. الجواب عليه: ذلك مكروه، ولا يبلغ به التحريم فيفسخ. وبالله التوفيق، لا شريك له. [20]- الخيار الناتج عن جائحة الفنادق والأرحاء السؤال الموفي العشرين، في المتقبلين للفنادق والأرحاء، إذا قل الواردون لسكنى الفنادق، والطعام للطحن، هل ذلك جائحة يُحَطُّ بها الكراء عنهم، أم لا؟. الجواب عليه: إذا قل الواردون من البلاد لسكنى الفنادق المكتراة المتحدة للنزول فيها، من فتنة أو خوف، حدث في الطريق، وما أشبه ذلك، أو قل الواردون للطحن في الأرحاء المكتراة، لجهد أصاب أهل ذلك المكان، وما أشبه ذلك، كان ذلك عيبا فيما اكتراه المكتري، يكون مخيرا بين أن يتمسك بكرائه، أو يرده، ويفسخه عن نفسه، فإن سكت،

21 - هل قلة التجر جائحة في كراء الحوانيت؟

ولم يقم حتى مضت المدة، أو بعضها، لزمه جميع الكراء؛ ولا يسقط عنه الكراء إلا بجلاء أهل ذلك الموضع؛ حتى تبقى الرحى معطلة لا تطحن، والفنادق خالية لا تسكن. ولا يلزم المكري إذا قلت الواردة أن يحط المكتري من كرائه، بقدر ما نقص من الواردة، بغير رضاه، وإنما يوجب ذلك للمكتري التخيير، على ما وصفناه. [21]- هل قلة التجر جائحة في كراء الحوانيت؟ السؤال الحادي والعشرون. المكتري للحوانيت، إذا قلت التجارة لضعف الناس في مثل هذا العام، هل هي جائحة يحط عنهم من الكراء بقدر ما نَقَصُهم من التجر؟ وكيف إن كانت الحوانيت للأحباس، هل حكمها وحكم غير المحبسة سواء، أم لا؟. الجواب عليه: تصفحت السؤال، ووقفت عليه. وليست قلة التجر في الحوانيت المكتراة، بما أصاب الناس من ضعف الحال، بجائحة يكون للمتكري لها القيام بها، سواء أكانت الحوانيت للأحباس، أو لم تكن، الحكم في ذلك سواء. وإن رأى القاضي في حوانيت الأحباس أن يحط عن المكتري، من الكراء لما تشكوه، على سبيل الاستيلاف، جاز، كما يجوز للوكيل المفوض إليه أن يحط من أثمان ما باع لموكله، على هذا الوجه. وبالله التوفيق.

22 - هل يسقط كراء الأرض الزراعية بما يصيب الزرع من صر وقحط؟

[22]- هل يسقط كراء الأرض الزراعية بما يصيب الزرع من صر وقحط؟ السؤال الثاني والعشرون، وهو آخرها، في الزرع إذا أصابه الصر، وهو ربيع، ثم أصابه القحط بعد ذلك، هل يلزم الكراء للزارع، وهو يحتج بأنه لو لم يكن قحط، لا يجد ما أصابه الصر، بالمطر، لو كان بإِثْر الصِّرِّ، أم لا؟. الجواب عليه: إذا توالى القحط حتى علم أن الزرع لو سلم من الصر لأهلكه القحط، فالكراء عنه ساقط. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [305]- أم تسقط حق الحضانة، بعوض، عند الطلاق وسئل، رضي الله عنه، عن رجل طلق امرأته، وأسقطت عنه المرأة حضرانة ابنه معها، لعوض أخذته منه. وهذا نص السؤال: رجل طلق امرأته، وله منها ولد تحضنه، فواطأت زوجها أبا الصبي على أن أسقطته الحضانة بعوض أخذته منه؛ هل ينفذ هذا العقد بينهما، أم لا؟ وكيف إن تعلق بالعوض غرر، هل يجوز، ويجري ذلك مجرى الخلع، أم لا؟ فإن المسألة اختلف أهل شورى الجهة، التي نزلت بها، فيها، فمنهم من أجاز بيع الحضانة، وقاسها ببيع الشفعة، ومنهم من منع ذلك، وأجرى المسألة على ما وقع في

المرأة إذا أرادت الحج، فمنعها زوجها، فبذلت له صداقها، على أن أباح لها ذلك، وعلى مسألة المرأة إذا نذرت صيام أيام، فمنعها زوجها، فبذلت له مالا على أن أباح لها صيام الأيام، على ما في علمك، أي القولين أجدر بالحق، وأولى بالصواب، مأجورا، إن شاء الله؟ فجاوب، رضي الله عنه: تصفحت - رحمنا الله وإياك - سؤالك هذا، ووقفت عليه. والذي أراه فيما سألت عنه، على منهاج قول مالك، الذي نعتقد صحته: أن ذلك جائز؛ لأن الحضانة حق للأم، إن شاءت أخذته، وإن شاءت تركته. واختلف هل ذلك حق لها، تنفرد به دون الابن، أم لا، فقيل: إنها تنفرد به دونه؛ وقيل: إنها لا تنفرد به دونه، وأن له فيها حقا معها، لأنه إنما وجبت لها من أجل أنها أرفق به من أبيه، وأرأف عليه منه. وهذا معنى ما يعبر به من الاختلاف في الحضانة، هل هي حق للأم، أو للولد؛ فعلى القول بأنها حق للأم تنفرد به دون الأب، يلزمها تركها له، على عوض، أو على غير عوض، ولا يكون لها أن ترجع فيها؛ وعلى القول بأن في ذلك حقا للولد، لا يلزمها تركها، ويكون لها أن ترجع فيها، تركتها، أيضا، على عوض أو على غير عوض، وترجع في العوض، إن كانت تركتها على عوض. ولا وجه لقول من منع من ذلك، واحتج بما ذكرت؛ لأن ما اتفقا عليه إنما هو صلح صالحها بما أعطاها على أن سلمت إليه ابنه،

وتركت له حقها في حضانتها إياه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحا أحلَّ حراما، أو حرم حلالا "، وليس في ترك الحضانة له، بما بذل لها على ذلك، تحليل حرام ولا تحريم حلال، فوجب أن يجوز ذلك. وإذا جاز، عند مالك وأصحابه، رحمهم الله، إذا خافت المرأة نشوز زوجها عليها، وخَشِيت مفارقته إياها، أن تترك له حقها، الذي أوجبه الله تعالى لها عليه في ألا يؤثر عليها من سواها من أزواجه على مال يعطيها إياه، بدليل قول الله عز وجل: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128]، جاز له أن تترك له حقها في حضانة ولدها منه، على مال تعطيها إياه، إذ لا فرق في المعنى بين الموضعين. ومن قاس جواز ذلك على جواز تسليم الشفعة بعد وجوبها، على عوض، فما أبعد القياس! وأما من منع من ذلك، قياسا على ما قالوه في المرأة تريد الحج، فيمنعها زوجها من ذلك، فتضع عند صداقها، على أن يبيح لها ذلك، فقد أخطأ في القياس؛ لأنه إنما لم يسقط عنه المهر بذلك، من أجل أنه يلزمه أن يأذن لها في ذلك، وذلك إذا لم تعلم أن الإذن لها في ذلك يلزمه، وأما إن علمت ذلك فتجوز عليها الوضيعة، والرواية بذلك منصوصة عن ابن القاسم.

306 - مسؤولية الزوج عن شورة الزوجة، وقد التزم بضمانها.

ولو وضعت عنه على أن يأذن لها بالحج، قبل وقت الحج، أو في أوان الحج متطوعا، لسقط عنه بذلك المهر؛ إذ لا يلزمه أن يأذن لها في ذلك، فكذلك إذا أعطاها على أن تركت له حضانة ولدها منه، يجوز لها، إذ لا يلزمها ذلك. وكذلك الذي بذلت لزوجها مالا، على أن يبيح لها صيام الأيام التي نذرت صيامها، إن كانت أيامها يسيرة، ليس له أن يمنعها من صيامها؛ إذ لا ضرر عليه في ذلك؛ فلا يجوز له أن يأخذ منها شيئاً على ألا يمنعها. وإن كانت أياما كثيرة للزوج أن يمنعها من صيامها لما عليه في ذلك من الضرر، وجاز له أن يأخذ منها ما أعطته على ألا يمنعها، على القياس مسألة الحج. ويجوز أن تترك له الحضانة على ثمرة لم يبد صلاحها، وما أشبه ذلك من الغرر؛ إذ ليس بمبايعة، وإنما هو صلح في غير مال، فيشبه الخلع. وبالله عز وجل التوفيق، لا شريك له. [306]- مسؤولية الزوج عن شورة الزوجة، وقد التزم بضمانها. وسئل، رضي الله عنه، عن الزوج إذا ضمن شورة زوجته عندما تزف إليه، وضاعت الشورة بعد ذلك.

307 - عشرة أسئلة من القاضي أبي الفضل ابن عياض

ونص السؤال: الجواب، رضي الله عنك، في الزوجة إذا زُفَّت إلى زوجها، وضمن الزوج الشورة، التي جهزت بها إليه، وضاعت، هل يلزمه ما ألزم نفسه، أو يكون ذلك من باب من التزم ضمان ما لا يغاب عليه في العارية، وعلى من أسقط الشفعة قبل وجوبها؟ أو هل تجري المسألة على مسألة من قال: أنا ضامن لرهنك، وما نقص نقص من حقك؟. فجاوب على ذلك، رضي الله عنه، بأن قال: تصفحت سؤالك هذا، ووقفت عليه. والواجب في هذا: أن ينظر إلى الوجه، الذي خرج عليه ضمان الشورة؛ فإن كان من أجل أنه خشيت عليها الزوجة، فلا يلزمه ضمانها، إن قامت البينة على تلفها من غير فعله، وإن كان من أجل أنه خشي هو، عليها، فلا شيء عليه، إن قامت البينة على تلفها من غير فعله ويلزمه ضمانها على كل حالٍ، إن لم توجد، وادعى تلفها، فلم يعلم ذلك إلا بقوله. وبالله التوفيق، لا شريك له. [307]- عشرة أسئلة من القاضي أبي الفضل ابن عياض وكتب إليه، رضي الله عنه، القاضي بسبتة أبو الفضل ابن عياض حرسه الله، بعشرة أسئلة، نزلت في الأحكام بين يديه، وهي كلها في شأن ارحاء، وسقي جنات وخضر، وهذا نص كل سؤال منها، وجوابه عليها.

1 - كيف يقسم الماء بين أصحاب الأرحاء وأصحاب الجنات؟

[1]- كيف يقسم الماء بين أصحاب الأرحاء وأصحاب الجنات؟ فأما السؤال الأول فهو: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. أدام الله توفيق الفقيه الأجل، معظمي، وأبقاه، وختم له بحسناه، وجمع له خير دنياه وأخراه، ضمنت مدرجتي هذه أسئلة، رغبتي جوابه عنها مأجورا مشكورا إن شاء الله، وهو، أعزه الله: أن جماعة أصحاب جنات خاصموا رجلا من أهل الأرحاء، في قطعة الماء عن جناتهم، وهم محتاجون إلى السقي، والانتفاع بالماء المذكور، فزعم صاحب الأرحاء أن لا حق لهم فيه، وأن أرحاءه سبقت إلى حوز الماء المذكور، وعليه بناها، وطحنت به عدة سنين كثيرة. فأثبت القوم شهادات من قبلته: أنهم كانوا يسقون من الماء المذكور جناتهم، قيل إنشاء الأرحاء، وبعدها. وطلب صاحب الأرحاء النظر في هذه الشهادات، والمدافع، فأوقفت الماء عن الأرحاء، والجنات المذكورات على مجرى آخر، وأجلت صاحب الأرحاء في البينات. فيما رأيك إن انقضى أمد السقي، والمنفعة التي طلبها أصحاب الجنات، قبل انقضاء أجل المدفع، فقام صاحب الأرحاء يسأل حل العقلة، ويحتج بأن خصامهم معه إنما هو زمن السقي والعصير، وما

عدا ذلك يجري الماء على مناصب أرحائه، ولا مطلب لهم فيه، ولا حاجة، تلك المدة، وإنما ينازعهم في زمن آخر؛ هل يسمع قوله، وتوجب له هذه الحجة حل العقلة، ويبقون في مطلب حججهم، فإن انقضى خصامهم قبل سنة أخرى، وإلا فيعتقل الماء، إذا حان زمن السقي من السنة الأخرى، أم ترى العقلة باقية، حتى يتم خصامهم، إذ من حجة الأخر أن يقولوا: هذا شيء متنازع فيه، يدعي فيه حقا، فلا نبقيه بيد خصمنا، حتى ينقضي فيه الخصام؟. الجواب عليه: تصفحت - أعزك الله بطاعته، وتولاك بكرامته - سؤالك هذا، ووقفت عليه. وأصحاب الجنات أحق بالماء لسقي جناتهم من أصحاب الأرحاء، وإن كانوا أنشأوا جناتهم بعد إنشاء أهل الأرحاء لأرحائهم، فإذا استغنوا عن السقي به صرفه أهل الأرحاء إلى أرحائهم. هذا الذي أراه، وأقول به في هذه المسألة عن معنى ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في سَيْل مهزور ومذينيب؛ لأنه قضى أن يمسك الأعلى الماء إلى الكعبين، ثم يرسله على الأسفل. فلما لم يخص، صلى الله عليه وسلم، الأَعْلى بجميع الماء دون الأسفل أبدا، لم يكن لأصحاب الأرحاء أن يختصوا بجميع الماء لأرحائهم أبدا، دون أصحاب الجنات، وإن كانوا فوقهم، أو سبقوهم بالإنشاء، فلا يحتاج، على هذا، إلى ما سألت عنه من التوقيف والإعذار. وبالله التوفيق لا شريك له.

2 - نصيب الشهادة الموجب للعقلة

[2]- نصيب الشهادة الموجب للعقلة السؤال الثاني: وتأمل - أعزك الله بطاعته - إن دفع صاحب الأرحاء في جملة الشهود سوى واحد، فادعى على الآخر أن لهم شهودا أخر، يقومون بها، أو ادعى صاحب الأرحاء ألا مدفع في ذلك الشاهد الباقي، وسأل العقلة، على مذهب من يرى العقلة بالشاهد الواحد. هل يقضي له بذلك، أم لا تنحل العقلة، على مقتضى القولين، إلا بالدفع في الجميع أو هو حكم نفذ، فلا يحكم بغيره إلا بسقوط جملة شهوده، بخلاف ابتداء الحكم بالعقلة؟. الجواب عليه: تصفحت سؤالك، ووقفت عليه. وما تقدم من جوابي على المسألة الأولى يأتي على الجواب في هذه. وبالله التوفيق، لا شريك له. [3]- هل يمنع أصحاب الجنات من السقي، إذا ثبت أن مرور الماء إلى جناتهم يضر بالطريق العامة؟ السؤال الثالث وجوابه: وفقه الله، في هذه القضية، إن ثبت أن بعض قضاة العدل كان قد حكم بقطع جري هذا الماء في الطريق التي منها يستقي أهل هذه الجنات، لضررها بالطريق، وبأن فلانا أحدث

جريها فيها، وتمضي الحكم في ذلك على فلان المحدث، ولم يجر لأحد من المذكورين القائمين ذكرا. ولا ممن باع منهم، إذ أكثرهم اشترى بعد تاريخ الحكم، والإعذار. فاحتج القائمون الآن بأن الحكم لا يلزمهم إذ لم يعذر إليهم، أو إلى من باع منهم، وقد اشتروا الجنات بحقوقها. واحتج صاحب الأرحاء، بأنه لو كان للبائعين، أو من كان حينئذ من هؤلاء، في هذا الماء حق سوى من حكم عليه، لذكره القاضي وأعذر إليه في حكمه، فكيف وقد بين في الحكم أن فلانا، المحكوم عليه، أحدث جري هذا الماء، وأن البائعين منكم لم يعترضوا الحكم؟ وكيف إن زعموا أن الطريق الآن، قد أصلحت حتى لا ضرر فيها، وأنها بخلاف ما كانت حين الحكم، والله ولي التوفيق. وكيف إن تفجر عنصر آخر في هذه الطريق بعد الحكم، هل يجري الحكم عليه أم يستأنف؟. الجواب عليه: تصفحت سؤالك، ووقفت عليه. وإذا ثبت الحكم بقطع جري الماء على الطريق إلى الجنات لضرر ذلك بالطريق، بإشهاد القاضي الحاكم بذلك على نفسه، ببينة عَدْلِة، لا مدفع فيها لأصحاب الجنات، ولم يكن له طريق سواه، بطل حقهم في

4 - هل يحتج على المدعي بوثائقه، التي بين يديه؟

السقي به: إلا أن يقدروا على رفع الضرر عن الطريق، بتحصين مجراه، تحصينا يعلم انقطاع الضرر عنه، أو يثبتوا أن ذلك ليس بضرر على الطريق، ببينة هي أعدل من البينة التي قضى بها الحَكَم، أو يجرحوا شهود العقد الذي ثبت بهم الضرر عند الحاكم، فيكونوا حينئذ أحق بالماء، لسقي جناتهم، زمن حاجتهم إلى السقي به. وما تفجر بعد الحكم من الماء في الطريق، فيستأنف النظر فيه، إن شاء الله. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [4]- هل يحتج على المدعي بِوَثَائِقِه، التي بين يديه؟ السؤال الرابع: وجوابك، أعزك الله، في فصل منها، وقد دعاهم صاحب الأرحاء إلى إِخْرَاجَ وثائق أملاكهم، فوجدوا في بعضها الشراء بالسقي من موضع آخر غير هذا الماء. هل يقطع هذا طلب صاحب هذه الوثيقة، أم يبقى له طلب لقوله في الوثيقة بعد ذلك: " بحقوقها "؛ فهو يقول: ومن حقوقها السقي من هذا الموضع المتنازع فيه؟ وخصمه يقول له: لما نص أن سقيك من ماء آخر، دلَّ أن لا حق لك في هذا الماء. ووجد في بعض الأشرية لبعضهم: " بحقوقها ومرافقها " ولم يجر فيها للسقي ذكر، فاحتج عليه خصمه: أن لا سقي له، إذ لو كان لنص عليه. فهل يدفع عن خصامه، حتى يثبت سقيه معينا (إن شاء الله)؟. الجواب عليه: تصفحت السؤال، ووقفت عليه.

5 - أخذ نسخ من حجج الخصوم ومن التسجيل

ولا حجة على أصحاب الجنات بما في وثائق أشريتهم، على ما تقدم من جوابي في المسألة الأولى، فلا يلزمهم إخراجها، إذ لا يوجب مضمنها عليهم حكما. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [5]- أخذ نسخ من حجج الخصوم ومن التسجيل السؤال الخامس: وجوابك، أعزك الله بطاعته، في طالب صاحب الأرحاء، لنسخ هذه الوثائق، فقال له خصاؤه: أما نسخها كلها فلا فائدة لك فيها، ولكن الفصل الذي تحتاج منها في ذكر السقي تنقله، وتأخذ الشهادات عليه، إذ لا حاجة بنا لكشف جميع ما في وثائقنا لك، وكونها بيدك لا منفعة لك فيها، في غير فصل ذكر السقي. هل يكتفي بهذا، أو لا بد من أخذ الوثيقة كلها؟ وكيف إن طلبوبهم نسخة تسجيل الحاكم بقطع الماء عن تلك الطريق، هل يباح لهم أخذه، والنظر فيه، أم لا؟ بين لنا ما تختاره من هذا لنعتمد عليه، لا سيما في هذه النازلة، وقد ثبت ألا ذكر لهم هم في هذا السجل على ما تقدم إن شاء الله؟

6 - هل تعطى الأولوية في السقي للأسبق من الجنات أو الأرحاء؟

الجواب عليه: تصفحت السؤال، ووقفت عليه. ولا يلزم أصحاب الجنات دفع نسخ أشريتهم إلى أصحاب الأرحاء، ولا ودفع نسخة فصل من فصولها؛ إذ لا حجة عليهم في شيء منها، وإنما الحجة فيها لبعضهم على بعض، ولهم أخذ نسخة التسجيل لقيامهم بها عليهم. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك ولا حول ولا قوة إلا بالله. [6]- هل تعطى الأولوية في السقي للأسبق من الجنات أو الأرحاء؟ السؤال السادس. جوابك - أعزك الله - إن لم يثبت لهؤلاء القائمين حق في السقي من هذا الماء، سوى أنهم كانوا يصرفونه في بعض الأحايين إلىجناتهم منذ مدة، إنشاء هذه الأرحاء أو نحوها، وأثبتوا أن المياه الأخر التي كانت بها تقوم بجناتهم وتحيا، قد انقطعت، وقلت وغارت، حتى لا تصل إليهم، وإن جناتهم إن لم تحي بهذا الماء المذكور، هلكت، إذ هو أقرب المياه إليهم، وفيه فضل مما يليه من الجنات. فاحتج عليهم صاحب الأرحاء بحيازته، وإيقافه المال الكثير في بناء هذه الأرحاء عليه. هل هي حجة له؟ وكيف إن ثبتوا، هم، أنهم كانوا، أيضا، يسقون أحيانا، إذا احتاجوا معه، وقبله، فاحتج عليهم بأنكم سقيتم على

7 - هل تطبق العقلة على ماء السقي؟

طريق مَنَع منها الحق، وحكم الحاكم بقطع الماء منها، مع منعي لكم من ذلك، فلو ثبتت حيازتكم لكانت حوزا بغير حق، وأنا حزت بوجه جائز، وحق؟. الجواب عليه: تصفحت السؤال، ووقفت علي. وأصحاب الجنات أحق بسقي جناتهم من أصحاب الأرحاء، وإن كانت الأرحاء أقدم من الجنات؛ لما ذكرناه في جواب المسألة الأولى، ولأن الثمرات، إن لم تسق في وقت سقيها هلكت، والأرحاء لا تهلك بقطع الماء عنها، وإنما تنقطع المنفعة في ذلك الوقت بها. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [7]- هل تطبق العقلة على ماء السقي؟ السؤال الرابع: وجوابك، وفَّقَكَ الله، في حكم حاكم بقطع جري ماء نهر عن بعض الطرق، التي بين الجنات، بعد ثبات ضرره بالمارة، وأن فلانا أحدث جريه في تلك الطريق، ولم يك يجري فيها قط، وتم الحكم فيه على فلان وحده، بما يجب، وبأنه لا يجري في الطريق بوجه. ثم بعد أربعين سنة من الحكم، قام جماعة بأن سقي جناتهم من هذا الماء، وأن لهم فيه حقا، وأن الحكم إنما توجه على فلان وحده، والماء

المذكور، لا يصل إليهم إلا على الطريق المذكورة، التي حكم بقطع الماء عنها، وثبت أن فلانا أحدث جريه فيها، وأثبتوا أنهم لم تزل جناتهم تسقى من ذلك الماء، بأمد يقتضي قبل الحكم وبعده إلى الآن، ودعوا إلى طلب المدافع في شهود العقد بالضرر والإحداث، الذي حكم به الحاكم؛ إذ لم يجر ذكر إعذار لواحد منهم فيه، سوى من حكم عليه. وقد بنيت على هذا الماء، من طريق أخرى، أَرْحاء منذ سنين، فنازعهم صاحبها فيما أثبتوه، وقام بحيازته الماءَ لأرحائه، وشهد له بذلك، وبحكم الحاكم، من قطع الماء عن طريقهم، وطلب المدفع فيمن شهد لهم. هل يجب وقف الماء عن الأرحاء والجنات، حتى ينفصل فيه الحكم، وتنقضي الآجال، وتعديله إلى طريق أخرى، أم حكم الحاكم المتقدم على بعضهم يمنع من ذلك، حتى يثبت لهم أمر لا مدفع فيه، إن شاء الله وبه التوفيق لا شريك له. الجواب عليه: تصفحت السؤال، ووقفت عليه. ولا يرد حكم الحاكم بما شهد به لأصحاب الجنات من أنهم لم يزالوا يسقون في ذلك الماء منذ كذا، لأمد يقتضي قبل الحكم وبعده إلى الآن، فلا سبيل لهم إلى السقي به، إلا أن يثبتوا أن ذلك ليس بضرر على الطريق، بينة هي أعدل من البينة التي قضى بها الحَكَم، أو يجرحوا

8 - تعطى الأولوية لشهادة التسجيل بالحكم على غيرها من الشهادات

شهود العقد، الذي ثبت به الضرر عند الحاكم، أو يقدروا على دفع ذلك الضرر على الطريق، بتحصين مجرى الماء فيه، تحصينا يعلم انقطاع الضرر به عنه، فيكونوا حينئذ أحق بالماء لسقي جناتهم إلى سقيها، وإن كانت محدثة بعد الأرحاء. ولا يجب توقيف الماء في مدة الخصام إلى انقضاء الآجال، كما يجب توقيف الشيء المدعى فيه؛ إذ ليس بملك، وإنما هو غيث ساقه الله إلى الناس، وصرفه بينهم. ووجه الحكم في ذلك: أن يكون كل واحد من أصحاب الأرحاء، وأصحاب الجنات أحق بالماء في مدة الإعذار إلى صاحبهم، ولا يتوقف الماء عنهم جميعًا، وإنما ينتقل من بعضهم إلى بعض، بحساب انتقال الإعذار من بعضهم إلى بعض، فيما يثبت بعضهم على بعض. وبالله تعالى، التوفيق، لا شريك له. [8]- تعطى الأولوية لشهادة التسجيل بالحكم على غيرها من الشهادات السؤال الثامن. وكيف ترى - أعزك الله - إن تعارضت شهادة الشهود لأصحاب الجنات بما ذكر مع شهادة من شهد في تسجيل الحاكم بأن جريه محدث كما تقدم، أيتها تغلب؟ وهل ترى، هنا، تغليب أخَفِّ الضررين، إذ ضرر الجنات، بيبس ثمارها، لا سيما والمياه الأخر، التي كانوا يسقون بها، قد انقطعت في هذه المدة، أشد وأضر من ضرر المارة

9 - توزيع الماء بين أصحاب الجنات وأصحاب الأرحاء باعتبار الأعلين والأسفلين.

بالماء في الطريق، ببلل أرجلهم، ونعالهم، وتلويث ثيابهم، من رش الماء.؟ جاوب على ذلك مأجورا إن شاء الله. وهل يراعى هذا، وإن لم يثبت لهم في الماء المتنازع فيه حق، إذ قد ثبتت حاجتهم، ونضوب المياه الأخرى التي كانوا يسقون منها قبل؟ الجواب عليه: تصفحت السؤال، ووقفت عليه. وشهادة من شهد في التسجيل بالحكم هي العاملة، فلا يلتفت معها إلى شهادة من شهد لأصحاب الجنات بما ذكرت من أنهم لم يزالوا يسقون بالماءِ قبل الحكم وبعده؛ لأن سقيهم به قبل الحكم يبطله الحكم، وسقيهم به بعد الحكم لا يبطل الحكم. وليس هذا عندي موضع تغليب أحد الضررين، لما يتعلق بذلك من حق أصحاب الأرحاء. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [9]- توزيع الماء بين أصحاب الجنات وأصحاب الأرحاء باعتبار الأعلين والأسفلين. السؤال التاسع. وجوابك - أعزك الله - في ماء غير متملك الأصل، يسقي به أعلون وأسفلون، على قديم الأيام، فأحدث أصحاب العلو خضرا ومباقل: أن سقوها مع ثمارها أضر ذلك بالأسفلين وحبسوا عنهم الماء، فمنعوا من ذلك، وقصروا على السقي للثمار

والأصول حتى يتموا ثم يرسلوا لمن تحتهم. فقال بعض الأعلين: أنا آخذ قدر ما اسقي به ثماري من الماء، اسقي به خضري ومباقلي، وأعطل ثماري، هل يباح له هذا؟ أو يقال له: إما أن تسقي ثمارك الواجب لك سقيها، أو تسرح الماء لمن تحتك؟. وكيف إن أحدث الأعلى غرسا وثمارا لم تكن، أو مكان ما تحطم من ثماره، فمنعه صاحب السفل، وقال له: لا تحدث عليَّ ما يزيد إمساك الماء عني، ويضر بثماري، التي هي أقدم من تزيدك، هل تكون له حجة في ذلك؟ الجواب عليه: تصفحت السؤال، ووقف عليه. ولا يجب أن يبدأ الأعلون على الأسفلين إلا بسقي ثمارهم، وأما ما أحدثوه من الخضر والمباقل فلا يبدأون به على الأسفلين؛ إلا أن يكون فيما يفضل عنهم ما يقوم بهم، فلا يضرهم تبدئة الأعلين عليهم بسقي خضرهم ومباقلهم. وإذا أخذ الأعلون من الماء قدر ما يكفيهم لثمارهم، فلا حجة للأسفلين عليهم في أن يسقوا بذلك خضرهم ويتركوا ثمارهم. وأما إحداث الأعلى غرسا بعد إحداث الأسفل، فقيل: إنه يبدأ على الأسفل، وإن لم يفضل عنه ما يقوم به، على ظاهر الحديث، وهو قول أصبغ، وقيل: يبدأ الأسفل عليه، إلا أن يكون فيما يفضل عن

10 - هل للأسفلين حق في الماء إذا كان يصل إليهم رشحا بباطن الأرض؟

الأعلى ما يقوم بالأسفل، وهو قول ابن القاسم، في رواية أصبغ عنه، والأظهر في القياس. ولا يدخل هذا الاختلاف في إنشاء الأرحاء فوق الجنات، ولا في إنشاء الجنات فوق الأرحاء , وإذا أنشئت الجنات فوق الأرحاء، كانت أحق من الأرحاء بالسقي، زمن السقي، قولا واحدا، وإذا أنشئت الأرحاء فوق الجنات فأهل الجنات، أيضا، أحق بالسقي زمن حاجتهم إلى سقي جناتهم قولا واحدا. وأما جبر الأعلى في حائطه ثمارا مكان ما تحطم من ثماره، فلا حجة لصاحب الأسفل عليه في ذلك باتفاق. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [10]- هل للأسفلين حق في الماء إذا كان يصل إليهم رشحا بباطن الأرض؟ السؤال العاشر، وهو آخرها: وهل ترى - أعزك ؤالله - إن كان الأعلون، إذا سقوا، وأرسلوا الماء إلى من تحتهم، لم يظهر الماء في بطن الوادي، وتغوَّر. فبعد أيام يظهر في سواني، وزبُى للأسفلين، يرفعون منها الماء في السواقي للسقي، فقال الأعلون: إذا كان الماء لا يصل إليكم على وجهه، وإنما يصل إليكم رشحه تحت الأرض، فذلك مضرة بنا، بلا كبير منفعة لكم، فاتركوا فُضْلة الماء لنا ننتفع به، فقال الأسفلون: إذا انتفعنا به فسواء كان من فوق الأرض أو من تحتها، المقصود وصوله، أو ما وصل منه إلينا. ما ترى في ذلك مأجورا إن شاء الله تعالى؟

308 - الهبة للوارث مع شرط المرجع.

الجواب عليه: تصفحت السؤال: ووقفت عليه. ومن حق الأسفلين على الأعلين، إذا سقوا، أن يسرحوا الماء إليهم، إذا وصل نفعه إليهم من تحت الأرض، أو من فوقها. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [308]- الهبة للوارث مع شرط المرجع. وسأله، رضي الله عنه، الفقيه المشاور أبو محمد بن عبد القوي من أهل إشبيلية، عن مسألة هبة، نزلت عندهم، فاختلف فيها الفقهاء المشاورون بها، لشرط شرطه الواهب فيها. وهذا نصه. وشرط الواهب أيوب: أنه إن توفيت ابنته عائشة الموهوب لها، عن غير ولد، فإن الهبة المذكورة راجعة إلى حفيدته أمة الرحمن، المدعوة بفتنة، ابنة ابنه أحمد، مالا لها وملكا. وإن لم تكن فتنة حية، يوم موت عائشة، ولا كان لها ولد، وانقرضت، وانقرض عقبها، وأيوب يومئذ حي، فإن الهبة راجعة إلى أيوب. وإن لم يكن أيُّوبُ حيا، يوم موت عائشة، فإن الهبة موروثة عن عائشة كسائر مالها. وبالله التوفيق، لا شريك له. فأجاب: أدام الله توفيقه، على ذلك بأن قال: تصفحت سؤالك هذا، ووقفت عليه. والهبة التي سألت عنها، بما شرطه الواهب فيها من رجوع الهبة إليه

مالا وملكا، إن ماتت ابنته الموهوب لها، ولا ولد لها، وقد ماتت حفيدته فتنة: ابنة ابنه أحمد قبلها، لم تبتل بعد للموهوب لها، ولا لحفيده الواهب بعدها، ولا تبتل لها ولا للحفيدة بعدها من رأس ماله، إلا إن ماتت ابنته الموهوب لها، في حياته، ولها ولد، أو لا ولد لها، وحفيدته، المسماة، حية. وأما إن مات هو قبلها، فلا تصح الهبة لها إلا من ثلثه، بإجازة الورثة. فالحكم في الهبة، على الشرط المذكور، معتبر بما ينكشف من موت الواهب قبل الموهوب لها، أو موتها قبله؛ فإن كان حوزها الهبة في حياته، وصحته، كانت في يديها واسْتَوْجَبَت الانتفاع بها، ولم يلزمها أن تفوتها بوجه من وجوه التوفيت، فإن ماتت هي قبله، وهو صحيح، لا دين عليه، يغترق الهبة، ورثت عنها إن كان لها ولد، فإن لم يكن لها ولد، كانت مالا وملكا لحفيدة الواهب فتنة، المذكورة، إن كانت حية حينئذ، وإن كانت قد ماتت قبلها، رجعت الهبة إلى الواهب مالا وملكا، على ما شرطه في هبته. وإن كان عليه دين ترد الهبة يوم ماتت ابنته الموهوب لها، بيعت في دينه، وبطلت الهبة، لأنها حينئذ بُتِّلت، وإنما كانت تستغل، قبل، على ملكه، ولا تجوز هبة من عليه دين.

309 - ثلاثة عشر سؤالا من بعض فقهاء الأندلس

وأما إن مات هو قبل ابنته، الموهوب لها، كانت الهبة لها من ثلث ماله، إن أجازها لها الورثة، لأنها وصية لوارث، والوصية للوارث لا تجوز إلا أن يجيزها الورثة، فإن لم يجيزوها كانت ميراثا بين جميعهم. هذا حكم هذه الهبة، التي سألت عنها، على الشرط المذكور، على منهاج قول مالك وأصحابه، الذي نعتقد صحته. [309]- ثلاثة عشر سؤالا من بعض فقهاء الأندلس وخاطبه، رضي الله عنه، بعض فقهاء الأندلس، حماها الله، يسأله عن ثلاث عشرة مسألة: [1]- من حلف بالطلاق ثلاثا: ألا يدخل - دار سكناه مع زوجته - أبواها فأما المسألة الأولى منها فهي رجل حلف بالطلاق ثلاثا لزوجه: ألا يدخل عليها دار سكناه معها أبواها، فدخل عليها أحدهما، هل تطلق عليها أم لا؟ وهل تشبه هذه المسألة مسألة كتاب العتق الأول من المدونة، في الذي حلف لزوجتيه بالطلاق ألا تدخلا دارا، فدخلت إحداهما، ويتصور فيها من الخلاف ما يتصور في تلك؟ فإنها نزلت عند

2 - مشتري الدار يبني فيها، بعدما تطوع للبائع بالإقالة متى ما أحضر الأخير الثمن

بعض الحكام، وشبهها بها، وقضى فيها بما نص ابن القاسم عليه في تلك، فما حقيقة الصواب في ذلك، مأجورا إن شاء الله؟. [2]- مشتري الدار يبني فيها، بعدما تطوع للبائع بالإقالة متى ما أحضر الأخير الثمن وأما المسألة الثانية فرجل باع من رجل دارًا بيعا صحيحا، ثم تطوع بعد تمام العقد: إن متى جاء البائع بالثمن إلى أجل كذا، فهو مقال في الدار، وراجع فيها. فبنى المبتاع في خلال الأجل: ماذا يكون له في البنيان، عند رجوع البائع، هل قيمته قائما، أو منقوضا؟ وهل تشبه هذه المسألة مسألة من اشترى شقصا في دار، فبنى المشتري فيه، ثم قام الشفيع بالشفعة، هل حكمهما في أمر البنيان سواء أم لا؟. وما حقيقة الواجب في ذلك؟ [3]- بيع الغرس واشتراط أن يكون القبض بعد عام وأما المسألة الثالثة، فرجل باع غرس شجر، وشرط على المشتري ألا يقبضه ألا بعد عام، ولا ثمر فيه يوم البيع. هل حكم ذلك حكم الأرض والدار، في تراخي القبض، أم خلافه؟

4 - من باع حقلا له، وقد كان قدم للزوجة، " سياقة "، نصف أملاكه على الإشاعة.

ما حقيقة الواجب في ذلك، إن شاء الله؟. [4]- من باع حقلا له، وقد كان قدم للزوجة، " سياقة "، نصف أملاكه على الإشاعة. وأما المسألة الرابعة فرجل تزوج امرأة، وساق لها، في عقدة النكاح، نصف أملاك له، بقرية عَيَّنها، فلما كان بعد مدة باع الزوج حقلا معينا في تلك القرية، وادعى أنه أفاده بعد عقدة النكاح، ووقوع السياقة، وأنكرت المرأة ذلك وادعت أنه من جملة الأملاك المسوق منها النصف، وذهبت إلى استحقاق النصف من الثاني بالشفعة. القول قول مَنْ من الزوجين؟ وكيف إن لم يبع الزوج من أحد، ووقع مثل هذا التنازع بينهما، عندما ذهب إلى مقاسمة الأملاك، وادعى الزوج في بعض بما في يده، بتلك القرية المذكورة: أنه أفاده بعد عقد النكاح؟. هل الحكم في المسألتين سواء، أم بخلافه، لتعلق حق الأجنبيين في الأولى، وحيازته للحقل بالشراء، وعدم ذلك في الثانية؟ وهل يتصور في هذه المسألة من الخلاف ما يتصور في المسألة التي ذكرها ابن حبيب في واضحته، وهي: من قال: مالي صدقة على فلان، عشت، أو مت، ثم مات، فادعى ورثة الموصي: أنه أفاد الميت أموالا بعد الصدقة، وقال الموصى له: لم يفد شيئاً، ما حقيقة الواجب في ذلك؟

5 - الاختلاف في عدد الغنم بين الراعي والمالك

[5]- الاختلاف في عدد الغنم بين الراعي والمالك وأما المسألة الخامسة فرجل استأجر راعيا، يرعى غنما له، إلى أمد معلوم؛ فلما كان في بعض الأجل، أو عند انصرامه، اختلفا في عدد الغنم، فقال ربها: استأجرتك على مائتي شاة، وهي جملة ما بيد الراعي وقت التنازع، التي بيدي، هي مالي، وملكي، كانت عندي وقت الاستئجار، أو أفدتها بعد ذلك، بوجه سائغ يدعيه. القول قول من منهما؟ وكيف إن لم يدعها الراعي لنفسه، وادعى أنها لرجل أجنبي حاضر عند وقت الدعوى، أو غائب، والغنم المذكورة في وقت اختلافهما قد يمكن أن يأوى بها الراعي بالليل إلى داره، أو إلى دار رب الغنم، أو إلى دار أجنبي، أو لا تأوي إلى مكان، وتكون في الفحص، فهل الحكم في ذلك كله سواء، أو يفترق باختلاف المواضع التي يكون فيها في وقت التداعي؟ ما وجه الحكم في ذلك كله، إن شاء الله؟ [6]- من يطالب بِشِرْب أرضه، ولم يزرعها وأما المسألة السادسة فرجل باع من رجل حقل أرض بشربه من ماء معين، معلوم للبائع، يسقيه منه كل ثلاثين يوما، على اختلاف ما

7 - المشتري يدعي السلف عند حلول أجل الأداء

يزرع في الحقل المذكور من أنواع الحبوب. فلما كان في بعض الأعوام عجز المشتري عن زراعة الحقل، أو ترك ذلك اختيارا منه، وأراد، متى جاء ماء البائع الذي له فيه شرب الحقل المذكور، ألا يترك حقه فيه، هل له ذلك؟ فإن كان فماذا له: هل يأخذ، من الماء نفسه، القدر الذي كان يمكن أن يسقي به حقله لو كان مزروعا، ويفعل في ذلك ما شاء من سقي أرض له أخرى، أو هبته لغيره، أو ما عسى أن يريد، أم قيمة ذلك دراهم؟ وكيف إن باع المشتري الحقل، أو بناه دورا، ماذا يكون الحكم في حظه من الشِّرْب في ذلك كله؟ [7]- المشتري يدعي السلف عند حلول أجل الأداء وأما المسألة السابعة فرجل ادعى على رجل أنه باع منه طعاما، بثمن معلوم، إلى أجل معلوم، فلما حل الأجل، وطلب منه الثمن، قال المدعى عليه: لم أشتره منك، وإنما أعطيته لي سلفا. القول قول من منهما؟ وهل يتصور في هذه المسألة من الخلاف ما يتصور في مسألة من قال: أقرضتك، وقال الثاني: أودعتني وتلف؟ فإنها نزلت عِنْدَ بعض الحكام، وشبهها بها بعض من سأله عنها. وقال غيره: لا تشبهها، والقول في هذه المسألة، قول مدعي السلف قولا واحدا. والفرق بينهما وبين تلك المسألة: أن هناك من ادعى الوديعة لم يوجب في ذمته شيئاً لمن ادعى عليه، وفي هذه المسألة قد أوجب في ذمته، سلفا، فمن ادعى على الذمة خلاف ما اعترف به، أو زائدا، فعليه البيان، فهل لهذا الفرق وجه أم لا؟ فما وجه الحكم في ذلك؟

8 - استلاف ماء السقي بين أهل القرى، أو شراؤه

[8]- استلاف ماء السقي بين أهل القرى، أو شراؤه وأما المسألة الثامنة فأهل قرية لهم عين ماء مأمونة، ويقتسمون الماء على دول معلومة بينهم، فجرت عادتهم بالسلف فيه، بعضهم من بعض، يأخذ أحدهم ماء صاحبه يوما كاملا، أو طول الليل، على أن يعطيه مثل ما يأخذ، بعد أربعة أيام، أو خمسة، أو ما عسى أن يقع الاتفاق عليه، ويعين له يوما معلوما، يصرف عليه فيه الماء؛ إذ في ذلك اليوم المصروف هو شرب الآخذ للماء من العين؛ وقد يمكن ألا يكون، أيضا، لآخذ السلف حظ في ماء القرية، ويأخذه على يوم معلوم يصرفه فيه، أو غير معلوم متى اتفق له كراؤه ممن يكري ماءه، إذ جرت عادتهم بكرائه بينهم. فهل ذلك كله جائز، ويكون حكمه حكم السلف، الذي يجوز على الحلول، أو إلى أجل، وغير أجل، أم لا يجوز إلا إذا وقع إلى أجل معلوم؟ فإذا كان ذلك فماذا يجب إذا أخذه على يوم معين، ولم يمكنه الصرف فيه، والأداء، هل قيمة الماء المدفوع، أو قيمة الماء المشترط أخذه؟ ما وجه الحكم في ذلك كله، إن شاء الله؟ [9]- هل الفوت في العروض، وفي المكيل، والموزون سواء؟ وأما المسألة التاسعة فمتبايعان اختلفا في ثمن طعام، فقال البائع: بعدد عينه، وادعى المبتاع أقل منه، والطعام المشترى وقت اختلافهما قد ذهبت عينه، أو هو باق، وقد حالت سوقه.

هل حكم الطعام وجميع المكيلات والموزونات حكم سائر العروض التي لا تكال، ولا توزن، أم المكيل والموزون بخلاف ذلك، ويقع التحالف والتفاسخ على مذهب ابن القاسم في رد المثل؛ إذ المكيل والموزون، عنده، لا يفوت بحوالة سوق، ولا بذهاب عينه في غير ما مسألة، قال في مسألة من باع طعاما بيعا فاسدا؛ إنه يرد مثله، وإن فات، خلافا لابن وهب. وفي كتاب العيوب، فيمن باع عبدا بمكيل أو موزون، فاستهلك ذلك البائع، ثم وجد المبتاع بالعبد عيبا؛ إنه يرده، ويرجع بمثل ما دفع؛ لأن المكيل والموزون بمنزلة العين، فإذا أخذ مثله، فكأنه أخذ عين شيئه، وفي كثير من نظير هذا من الأحكام. فهل حكم التداعي في ثمن المكيل والموزون مثل هذا أم لا؟ فإذا كان بخلافه فما الفرق، إن لم يجعلوا المثل في هذه المسألة كما جعلوه في سائر المسائل؟. وهذا كله إنما الغرض منه معرفة مذهب المدونة، لا ما في العتبية، في سماع يحيى فيها، وما في الواضحة، وغيرها، على ما في علمك. فقد نزلت ببلنسية، فطائفة جعلت ما وقع في العتبية مطابقا للمدونة، وطائفة جعلت ذلك خلافا، وقالت: إن مذهب المدونة أن المكيل والموزون لا يفوت بشيء على حال من الأحوال، ورد الأمثال عوض الأعيان. فما وجه الصواب من ذلك إن شاء الله تعالى؟

10 - من اشترط بكرا، والبكر تعني، في العرف المحلي، العذراء؟

[10]- من اشترط بكرا، والبكر تعني، في العرف المحلي، العذراء؟ وأما المسألة العاشرة فمن تزوج في وقتنا هذا، وشرط أنها بكر، ولم تشترط عذراء، والبكر عند عامتنا إنما هي عندهم بقاء العذرة، لا ما يعتقد الفقهاء في ذلك. فهل إذا كان هذا اعتقادهم، وعليه يدخل من شرط في امرأة أنها بكر منهم، إذا وجدها موطوءة، وثبت ذلك بما يجب، هل للزوج مقال؟ فإن كان، فما الحكم فيه، إذا نزل، إن شاء الله تعالى؟ [11]- هل يصدق الصانع في دعوى الرد، والسمسار في دعوى البيع؟ وأما المسألة الحادية عشرة فالصناع والسماسرة، في وقتنا هذا، إذا ادعى الصانع صرف المتاع مصنوعا إلى ربه، والسمسار أنه بَاعَ ما دفع إليه للبيع من تاجر عينه، فأنكر التاجر الشراء، ورب المتاع رد الصانع له، هل يرتفع الضمان عنهم بجري العادة في زماننا هذا: إن صائحا لا يشهد حين عقد البيع ولا صانعا عند الرد، ويقبل منهم ما أدوه، كما قبل بدعوى مشترى الطعام في دفع ثمنه، إذا عضده العرف، وأرباب المتاع في الدفع إلى الأكرياء بعد أيام من دفع الأحمال، وفي كل ما يشبه ذلك، مما يوجب العرف لمدعيه براءة الذمة فيه، أم لا يكون حكمهم كذلك، ويكون الضمان لازما لهم، على كل حال من الأحوال؟ فما الواجب في ذلك، ووجه الصواب فيه؟

12 - هل يجوز بيع حقل شجر، مع استثناء الثمار، وهي لم تؤبر؟

[12]- هل يجوز بيع حقل شجر، مع استثناء الثمار، وهي لم تؤبر؟ وأما المسألة الثانية عشرة فما وقع في العتبية في سماع أشهب، فيمن تصدق بثمرة حائطه سنة، قال: " ليس له بيع الرقاب حتى تؤبر الثمرة، قال يحيى، عن ابن القاسم: إلا في دين رهنه، وقد فلس ". فهل، على هذا القول، إذا جوز له البيع، هل يباع الحائط بشرط استثناء الثمرة قبل الأبار، ويكون الثمن للمتصدق عليه، كما قالوا في المساقاة، إذا أفلس رب الحائط بحكم الضرورة؛ لأن ذلك مما أوجبته الأحكام، ولم يقع قصد فيه، أم يباع، ويكون الثمن لمبتاع الأصل، وتبطل الصدقة، إذ هو مما لا يجوز استثناؤه، كما قالوا، فيمن تصدق بما في بطن أمته على رجل، ففلس المتصدق، قبل الوضع: إنها تباع بما في بطنها، ولا شيء للمتصدق عليه؛ وكذلك لو أعتقها السيد، أيضا، فما وجه الصواب في ذلك؟ [13]- الشفعة لبيت المال وأما المسألة الثالثة عشرة فما ذكره ابن زرب، على ما حكاه عنه ابن سهل في أحكامه، في مسألة الشفعة لبيت المال: أنها لا تجب، ولا حكم للناظر في المواريث، في شيء من ذلك. وسحنون، رحمه الله، قد قال، في المرتد، يقتل، وقد وجبت له شفعة: أن السلطان يأخذها إن شاء لبيت المال، أو يترك؛ أفليس هذا نصا جليا على الشفعة لبيت المال،

اللهم إلا إن كان بين المسألتين فرق، فالغرض معرفة ذلك، والحقيقة فيه وفي كل ما تقدم ذكره، بعون الله وتأييده وتوفيقه وتسديده، إن شاء الله. فجاوب. أدام الله توفيقه، وأمتع به المسلمين، على كل مسألة منها بما يأتي نصه بعد هذا، إن شاء الله تعالى: تصفحت السؤالات الواقعة فوق هذا، ووقفت عليها: [1] فأما المسألة الأولى، وهي التي يحلف بالطلاق ثلاثا: ألا يدخل دار سكناه، مع زوجه، أبواها، فيدخلها أحدهما، فالصحيح على أصل مذهب مالك في مراعاة المعاني في الأيمان دون ما يقتضيه مجرد الألفاظ: أن يحنث الحالف بدخول أحدهما، لأن معنى يمينه إنما هو ألا يدخل داره واحد منهما. ويأتي على مذهب أهل العراق، في الاعتبار في الأيمان بما يقتضيه مجرد الألفاظ دون مراعاة المعاني والمقاصد فيها: ألا يحنث الحالف إلا بدخول أبويها الدار جميعا. وعلى هذا يأتي قول ابن القاسم في مسألة كتاب العتق الأول من المدونة، فليس قوله فيها بجار على أصل مذهب مالك، وكذلك كل ما يوجد في المذهب من الاعتبار في الأيمان بما يقتضيه مجرد الألفاظ، دون مراعاة المعاني والمقاصد فيها، كمسألة البلاعة الواقعة في سماع سحنون من كتاب الأيمان بالطلاق، وشبهها، ليس على أصل مذهب مالك، الذي نعتقد صحته، وإنما هو على مذهب أهل العراق، فما حكم به الحاكم في

المسألة الثانية، التي سألت عنها، يخرج على مذهب أهل العراق، وعلى ما يوجد في المذهب من المسائل على أصولهم. ولا يصح أن يقال: إنه قول ابن القاسم، فيقلد فيه على مذهب من يرى التقليد، إذ لم يقله، ون كان يلزمه أن يقوله، على قياس قوله في مسألة العتق التي ذكرت، إذ قد تفترق المسألتان عنده. وبالله التوفيق. [2] وأما المسألة الثانية وهي التي التزم المبتاع فيها طائعا، بعد انعقاد البيع في الدار، على غير شرط: أنه متى جاءه البائع بالثمن، إلى أجل سماه، فقد أقاله في الدار، فليس للمبتاع فيما بناه في الدار، قبل انقضاء الأجل، إلا قيمة بنيانه منقوضا؛ لأنه متعد في البنيان، للشرط الذي التزمه للبائع؛ إذ ليس له أن يفوتها بوجه من وجوه التفويت حتى ينقضي الأجل، كَمَنْ باع دارا على أن المشتري بالخيار، فبنى فيها المبتاع بنيابنا قبل انقضاء أمد الخيار. ولا تشبه مسألة الشفعة التي سألت عنها؛ لأن المعنى فيها: أن الشفيع كان غائبا، فقاسم المشتري شركاءه فيها، وقاسم السلطان على الشفيع الغائب، وهو لا يعلم، فبقي على حقه في الشفعة ولم يتعدّ المشتري في البنيان، لأنه إنما بنى في حقه، الذي صار له بالقيمة، وظن أن قسمة السلطان على الغائب تقطع الشفعة.

[3] وأما المسألة الثالثة، وهي التي باع غرس حائطه، ولا ثمرة فيه، على أن يقبضه المشتري بعد عام، وهو يثمر فيما دونه، فتتخرج إجازة ذلك على الاختلاف في المستثنى هل بمنزلة المشتري، أو مبقى على ملك البائع، فيجوز البيع على القول بأن المستثنى مُبَقّيً على ملك البائع، ولا يجوز على القول بأنه بمنزلة المشتري، " لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن بيع الثمار قبل لأن تخلق، وقبل أن تزهى ". [4] وأما المسألة الرابعة، وهي التي ساق لزوجه نصف جميع أملاكه، ثم باع حقلا، وادعى أنه ابتاعه بعد السياقة، أو لم يبعه، فتنازع فيه مع الزوجة، وادعى أنه ابتاعه بعد السياقة، وأنكرت ذلك؛ فعليه أن يقيم البينة على ما ادعاه من ذلك في الوجهين جميعا؛ فإن لم تكن له بينة حلفت، واستحقت نصفه، وأخذته إن كان قد بيع، والنصف الآخر بالشفعة. ولا يدخل بالخلاف في ذلك من المسألة التي ذكرت؛ لأن الثلث لم يجب للموصى له بنفس الصدقة، وإنما وجب له بعد الموت على حكم الوصية، فاحتمل ألا يكون للموصى له شيء إلا بيقين. والأظهر أن يكون له ثلث جميع ماله يوم يموت، إلا أن يعلم أنه أفاد منه شيئاً بعد يوم الصدقة، فلا يكون له منه شيء، ولو قيل: إنه يكون له ثلث جميع ماله يوم مات، على حكم الوصية، وإن علم أنه

أفاده بعد ذلك، لقوله: " عشت أو مت "، لكان قولا؛ لأن من أوصى بثلث ماله لرجل فله ثلث ما أفاد بعد الوصية. [5] وأما المسألة الخامسة، وهي مسألة الأجير يدعي أن بعض الغنم، التي بيده له، فالذي أراه في بذلك: ألا يصدق، إلا أن يأتي بسبب يدل على صدقه، فيحلف معه. وإن أقر بشيء منها لغير الذي استأجره فهو له شاهد، تقبل له شهادته، إن كان عدلا. وسواء في هذا كله أكان مأوى الراعي إلى داره، أو إلى دار الذي استأجره. [6] وأما المسألة السادسة، وهي مسألة الذي باع حقل أرض له، وله شِرْب معلوم بمائه، فاستغنى المشتري عن زراعته، أو بناه دورا، أو باعه دون الماء، وأراد أن يأخذ الشِّرب الذي له، فيسقى به أرضا له أخرى، أو يبيعه، أو يهبه، أو يصنع به ما شاء، فالواجب فيها: أن ذلك له، إن كان له في أخذه منفعة، وأما إذا أراد أن يأخذه، ويحفر له بركا يحبسه فيها، ولا يتركه لمن يشاركه فيه، فليس ذلك له. [7] وأما المسألة السابعة، وهي الرجل يبيع من الرجل الطعام، بثمن إلى أجل، فينكر المبتاع الاشتراء، ويقول: إنما أخذته منك سلفا: فالجواب

فيها: إن القول قول المدعى عليه الابتياع في أنه إنما أخذ الطعام منه سلفا. ولا يدخل في ذلك الاختلاف في المسألة التي ذكرتها؛ لأن المعنى فيهما مفترق، والوجه في افتراقهما هو المعنى الذي أشرت إليه، وإن كانت العبارة غير جيدة. [8] وأما المسألة الثامنة، وهي مسألة الماء بين الأشراك يقتسمونه على دول معلومة، فليسلف بعضهم من بعض دولته من الماء، على أن يصرفه إليه بعد أيام، في يوم يعينه له، من أيام الشرب، أو على أن يشتريه له، إن لم يكن له حظه في ماء القرية، فالجواب فيها: إن ذلك جائز، على أن يرده إليه في يوم من الأيام، التي له فيها الشرب، يسميه، قرب أو بعد، إلا أن يستسلفه منه في الفصل الذي تقل فيه الحاجة إلى الماء، على أن يصرفه في الفصل الذي تكثر فيه الحاجة إلى الماء؛ وتتأكد، مثل أن يسلفه إياه في فصل الشتاء على أن يرده إليه في فصل الصيف، فلا يجوز ذلك، لأنه سلف جر منفعة. وأن أسفله إياه على الحلول جاز، ويعطيه إِيَّاهُ متى ما طلبه منه، في أول دولة تأتيه في الفصل الذي أسفله إياه فيه. وإن كان المستسلف لا حظ له من ماء القرية، جاز السلف أيضا، على الحلول، أو إلى أجل، على أن يشتري له الماء، إذا حل أجل السلف عليه، إلا أن

يكون السلف في فصل الشتاء على أن يرده عليه في فصل الصيف، فلا يجوز، ولا يحل. وإن لم يكن مع المستسلف ماء، ولا وجده للشراء، كان عليه قيمة الماء يوم استلفه منه. وقد قيل: إن السلف على الحلول في ذلك جائز، ويعطيه إياه متى ما طلبه منه، وإن كان في الصيف، وقد أسلفه إياه في الشتاء، وهو قول أصبغ، والأول هو الصحيح الذي يأتي على مذهب ابن القاسم. [9] وأما المسألة التاسعة، وهي مسألة الاختلاف في ثمن الطعام المبيع، فالجواب فيها: أن الصحيح من مذهب ابن القاسم أن فوت المكيل والموزون كفوت العروض سواء، وهو قول ابن المواز. والغيبة عليه، أيضا، كفوات عينه، إذ لا يعرف بعينه بعد الغيبة عليه. وإلى هذا ذهب أبو إسحق التونسي في كتابه، وقد كان الشيوخ، رحمهم الله، يقولون: ما في كتاب ابن المواز من قوله محمول على أنه مذهب ابن القاسم فيما لم يوجد خلافه له، وهذا مما لا يوجد له خلافه، بل يقوم ذلك من المدونة، قال فيها، فيمن سَلَّم دراهم في طعام، فاختلفا في مكيلته، بعد أن غاب على النقد، وحل الأجل: أن القول قول المسلم إليه؛ فإذا جعل القول قوله، ولم يقل: يتحالفان ويتفاسخان، ويرد مثل الدراهم، فأحرى أن يجعل القول قول مشترى الطعام إذا

فات عنده، ولا يقول: إنهما يتحالفان، ويتفاسخان، ولا يرد مثله، لأن الطعام يتعين. ألا ترى أن البيع ينفسخ فيه باستحقاقه، ويكون أحق به في التفليس عند جميعهم بخلاف الدراهم، التي لا ينفسخ البيع باستحقاقها، ولا يكون أحق بها في التفليس عند بعضهم، وإن لم يغب عليها. فلا يصح أن يتحالفا بعد فوت الطعام، ويتفاسخا، إذا اختلفا في ثمنه، إلا على مذهب أشهب، الذي يرى التحالف والتفاسخ في السلع كانت قائمة، أو فائتة، ويرى رد القيمة كرد العين؛ لأن المثل في المكيل والموزون كالقيمة في العروض. والفرق بين هذه المسألة وبين المسائل التي ذكرت مراعاة الاختلاف في التحالف والتفاسخ، فقد قال مالك، في أحد أقواله إن القبض فوت، وهو الأظهر من الأقوال لأن القبض ائتمان وقد قال الله عز وجل: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: 383]، فإذا دفع إليه، ولم يتوثق منه بالإشهاد على الثمن، وجب أن يكون القول قوله. وبالله التوفيق، لا شريك له. [10] وأما المسألة العاشرة، وهي الذي يتزوج المرأة بشرط أنها بكر، فيجدها غير عذراء، والعوام تظن أن البكر ذات العذرة، وتجهل أن البكر إنما هي التي لم يكن لها زوج: فاتها مسألة قد اختلف أهل العلم

فيها، فلم يعذره أشهب بالجهل في ذلك، إذا قصر في أمره، وترك أن يتثبت فيه، ويسأل، إذا كان يجهل: هل ينفعه هذا الشرط أم لا، فرأى الشرط لا ينفعه إلا أن يشترط عذراء، أو يكون في الشرط بيان، مثل أن يقول: فإن لم أجدها بكرا رددتها، وهو مذهب سحنون، فقد قال: في رجل جاهل من الأعراب وقف بالسوق فقام برأس من الرقيق، فقال للتاجر: هل فيه من عيب؟ فقال له التاجر: هو قائم العينين، فأخذه على ذلك، فذهب به، ونقده الثمن، فسأله " عن القائم الْعَيْنَيْن "، فقالوا: الذي لا يبصر بهما، وهو عيب: أنه لا ينتفع بجهله، والبيع له لازم. قال الراوي، ولقد عاودته فيها غير مرة، فأبى إلا ذلك. وَقَدْ قِيلَ: إنه يعذر بجهله في ذلك، ويكون له ردها إن لم يجدها عذراء، وهو ظاهر قول أصبغ، والذي يأتي على مذهب ابن القاسم في الذي يشتري الياقوتة، وهو يظنها ياقوتة، فإذا هي غير ياقوتة: إن له أن يرد البيع، خلاف رواية أشهب عن مالك، وهو أظهر القولين، وأولاهما بالصواب، والله أعلم. [11] وأما المسألة الحادية عشرة، وهي الصانع يدعي رد المتاع، أو السمسار يدعى بَيْع المتاع من تاجر بعينه، والتاجر ينكره؛ فأما الصانع يدعي رد المتاع، فقد قيل: إن القول قوله، إلا أن يشهد عليه بالدفع، وإن كانوا لا يصدقون في دعوى الضياع، قاله ابن الماجشون؛ ونفي أن

يكون مالك قال: أنهم لا يصدقون في دعو الرد، ليس من قبيل ما ذكرت من أن العرف في الصناع أنهم لا يشهدون على الرد، وإنما هو من أجل أن الأصل في الصناع أنهم مؤتمنون، وإنما ضمنوا إذا ادعوا التلف، لمصلحة العامة، فبقوا في دعوى الرد على أصل الائتمان. والمشهور المعلوم من قول مالك، وجميع أصحابه: ابن القاسم وغيره: أنهم لا يصدقون في دعوى الرد، كما لا يصدق في دعوى الضياع. وأما السمسار يدعي بيع بالسلع من رجل عينه، وهو ينكره فلا اختلاف في أنه ضامن لتركه الأشهاد؛ لأنه أتلف السلعة على بها؛ إذْ دفعها إلى المبتاع، ولم يتوثق عليه بالأشهاد؛ ولا يراعى، في هذا، العرف بترك الأشهاد، إذ ليست من المسائل التي يراعى فيها ذلك؛ لافترلااق معانيها. [12] وأما المسألة الثانية عشرة، وهي مسألة من تصدق بثمرة حائطه، سنة، ثم أراد بيعه: أن ذلك لا يجوز، إن كانت الثمرة لم تؤبر، فهي كمسألة المساقاة سواء؛ إذ لا فرق بين أن يكون الحائط، أو بعضه، قد وجب قبل بيع الحائط لغير رب الحائط بهبة أو مساقاة؛ وفي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها: أن ذلك لا يجوز، في قلس، ولا غيره؛ لأن ذلك بمنزلة ما لو باع حائطه، واستثنى ثمرته، قبل الإبَار، أو قبل الطلوع، وهو نص قول غير ابن القاسم في مسألة المساقاة من المدونة، لأنه إذا لم يجز

ذلك في الفلس فأحرى ألا يجيزه في غير التفليس. والثاني: أن ذلك جائز في الفلس وغيره؛ لأن البائع لم يستثن الثمرة لنفسه، فيكون إذا استثناها، كأنه قد اشتراها، وإنما أعلم بوجوبها، لغيره، فهو عيب تبرأ منه في بيعه. والثالث: الفرق بين الفلس وغيره، وهو قول ابن القاسم في سماع يحيى في الهبة وقوله في المدونة، في مسألة المساقاة، وإلى هذا القول رجع سحنون، ورآه من جنس الضرورة، قال: " لأن أصحابنا يُجيزون عند الضرورة من البيع ما لا يجيزونه عند غير الضرورة ". وعلى القول بأن البيع لا يجوز في الفلس ولا غيره، يوقف الحائط في الفلس في المساقاة حتى تؤبر الثمرة، فيجوز بيعه، واستثناء ثمرته. ويتخرج فيه في الصدقة ثلاثة أقوال: أحدها، أنه يوقف، أيضا. والثاني: أنه يباع بثمرته، وتبطل الصدقة، قياسا على عتق الجنين. والثالث: الفرق بين أن يكون المتصدق بالثمرة هو صاحب الحائط أو غيره؛ فإن كان هو، بيع بثمرته، وبطلت الصدقة بها. وإن كان غيره وقف حتى تؤبر الثمرة. والذي أقول به لصحته فيه النظر، أن ذلك جائز في الفلس، وغيره؛ لأن بيع الحائط واستثناء ثمرته، قبل أن يؤبر، إنما لم يجز على قياس القول بأن المستثنى بمنزلة المشتري؛ لأنه يصير كأن رب

310 - خمس مسائل من القاضي أبي الفضل ابن عياض

الحائط قد باع حائطه بما سمى من الثمن، وبالثمرة التي استثناها، وهذا لا يتصور إذا كانت الثمرة قد وجبت قبل بيع الحائط، لغير رب الحائط، وعدم علة المنع يوجب الجواز، فلا يدخل اختلاف، من هذه المسألة، مسألة الذي يبيع حائطه قبل أن تؤبر ثمرته، ويستثنيها للعلة التي ذكرناها: إلا أن ذلك يجوز، على قياس القول بأن المستثني مبقى على ملك البائع، وإن كان ذلك غير موجود في المذهب نصا. [13] وأما الثالثة عشرة، وهي مسألة الشفعة لبيت المال، فليس ما قاله ابن زرب بخلاف لقول سحنون، لأن سحنونا قال: إن للسلطان أن يأخذ بالشفعة لبيت المال إن شاء، وقال ابن زرب: ليس لصاحب المواريث أن يأخذ بها، إذ لم يجعل ذلك إليه، ونما جعل إليه جمع المال وتحصينه، فلو جعل إليه السلطان الأخذ بالشفعة، إن رأى ذلك نظرا لبيت المال، لكان له الأخذ بها عنده، على ما قاله سحنون. وبالله تعالى، التوفيق، لا شريك له. [310]- خمس مسائل من القاضي أبي الفضل ابن عياض وكتب إليه، رضي الله عنه، القاضي بسبتة أبو الفضل ابن عياض، وفقه الله، في جمادى الآخرة، سنة ثمان عشرة وخمس مائة، يسأله عن خمس مسائل:

1 - الإعذار إلى الغائب

[1]- الإعذار إلى الغائب فأما الأولى فنصها. رغبتي إلى الفقيه الأجل، القاضي، أدام الله توفيقه: أن يفسر لي رأيه، وما يفتي به في الإعذار للغائب، وما ينقطع فيه، ويجب معه، ومقدار ذلك من المسافة مع أمن الطريق، وارتفاع الفتن. وهل يلزم لمن خَلف البحر، ولا سيما في زمن منع ركوبه، وغير ذلك من فصول، المسألة. وأن يذكر لي في ذلك ما عنده رواية، ورأيا، مأجورا إن شاء الله تعالى. الجواب عليها: تصفحت - أبقى الله القاضي الأجل، وأعزه بطاعته، وتولاه بكرامته، وأمده بتوفيقه وتسديده - سؤالك هذا، ووقفت عليه. وحد الغيبة القريبة، التي لا يُحْكم فيها على الغائب إلا بعد الإعذار، بأن يكتب إليه فأما أن يوكل، وأما أن يقدم، فإن لم يفعل حكم عليه، ولم ترجأ له حجة: الثلاثة أيام ونحوها. وحد الغيبة البعيدة، التي يحكم فيها على الغائب فيما عدا الأصول، على مذهب مالك، ولا يعذر إليه، وترجأ له الحجة: العشرة أيام ونحوها. وابن الماجشون، وسحنون يقولان: أنه يحكم في هذه الغيبة على

2 - من أوصى بوصايا منها عتق جارية حاملة منه

الغائب في جميع الأشياء من الأصول وغيرها، ولا ترجأ له حجة، فينفذ عليه الحكم، إلا أن ينكشف أن الشهود عبيد، أو على غير الإسلام، أو مولى عليهم. فعلى قولهما: أنه لا ترجأ له الحجة، يوكل له وكيل، يعذر إليه، ويحتج عنه وعلى مذهب ابن القاسم، ومن يرى أنه ترجأ له الحجة، لا يوكل القاضي له وكيلا، وهو الصواب؛ إذ قد لا يعرف الموكل له حجته، فالقضاء عليه وإرجاء الحجة له أحوط له. وهذا الذي ذكرناه من حد الغيبة القريبة والبعيدة، معناه: مع الأمن، والطريق المسلوكة، وإذا لم تكن الطريق مسلوكة، ولا مأمونة، فيحكم على الغائب فيها، وإن قربت غيبته، وترجأ له الحجة. ومن خَلْفَ البحر في الجوار القريب المأمون كالبر الواحد المتصل، إلا في الأمد، الذي يمتنع فيه ركوب، فيكون للقرب فيه حكم البعد. هذا الذي أقول به، وأراه على منهاج مذهب مالك، رحمه الله، الذي نعتقد صحته. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [2]- من أوصى بوصايا منها عتق جارية حاملة منه وأما الثانية فهي رجل توفي، وقد أوصى بوصايا، منها عتق جارية له، وذكر في وصيته أنها حامل منه، واعترف بوطئها؛ فما ترى إن ظهر حملها، (وخرجت من رأس المال، هل تنفد الوصايا في ثلث بقية المال، لا سيما وقد ذكر عن الوصية بما أوصى به ما

3 - الغلط في توزيع الوصية على معين وغير معين

بلغه من حملها، أم في المسألة نظر، لكونها لو لم تحمل، مبدأة، فلما خرجت بالحمل من رأس المال، كانت الوصايا فيما زاد على قيمتها أمة من الثلث، والباقي للورثة؟ بين لنا ذلك مأجورا إن شاء الله تعالى. الجواب عليها: تصفحت - أعزك الله بطاعته، وتولاك بكرامته - سؤالك هذا، ووقفت عليه. وإذا ثبت حمل الجارية الموصى بعتقها من سيدها، وخرجت حرة من رأس المال، كانت الوصايا في ثلث بقية ماله، كان عنده أنها غير حامل منه أو كان على شك من ذلك، بما ذكرت له، الحكم في ذلك سواء لأن الحمل لما ثبت منه بطلت الوصية بعتقها، وكانت الوصايا في ثلث بقية المال، بمنزلة أن لو ماتت، أو استحقت، بحرية أو ملك. ولا اختلاف في ذلك، وإنما يختلف، على علمك، إذا استحقت بحرية أو ملك، فرجع فيها بالثمن، هل تدخل في الثمن الوصايا أم لا؟ وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [3]- الغلط في توزيع الوصية على معين وغير معين وأما الثالثة فهي رجل أسندت إليه وصية ثلث، فنظر مع الورثة في بيع التركة حتى خلصت، وفرق الثلث على معين وغير معين،

4 - من وضع كرسيا للحدث على ماء يجرى بجناته

حسبما في الوصية، وكان في التركة شقص في ربع تشارك فيه بعض الورثة وغيره، فبيع فيما بيع، واشتراه الشريك الوارث، وتوزع ثمنه على قدر المواريث والوصية. فلما كان بعد مدة تأملت القصة، فإذا وقع فيها غلط، ووهم، وقد بيع من الربع من الوارث أكثر من نصيب الميت، وتبين ذلك، وثبت، ووجب له الرجوع بالثمن في التركة، إذ لم يجز سائر الإشراك بيع الزائد، فأخذ من كل وارث نصابه، وبقي ما وجب من النصيب للثلث، وقد فرق كما ذكرت. ما رأيك وفتيناك في ذلك، هل يرجع به على الوصي أم لا؟. الجواب عليها: تصفحت - رحمنا الله وإياك - سؤالك هذا ووقفت عليه. ولا ضمان على الوصي فيما نقده مما يجب من الثمن للحصة الزائدة على حق الميت، ويرجع المبتاع بما ناب الوصية من ذلك، على من وجد من الموصى لهم المعينين، وتكون المصيبة منه فيمن لم يجد منهم، وفيما فرق على المساكين، على مذهب ابن القاسم، وروايته عن مالك، الذي نعتقد صحته. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [4]- من وضع كرسيا للحدث على ماء يجرى بجناته وأما الرابعة فهي في ماء جار في جنات، وعليه أرحى، وأهل الجنات يسقون به ثمارهم، ويصرفون ما يحتاجون منه لمنافعهم، وشربهم،

فبنى بعضهم عليه كرسيا للحدث، واحتج بأن ذلك لا يغيره لكثرته. وحجة الآخرين: أنه، وإن لم يغيره، فإنه يقذِّره، ويعيفه، وربما رسبت الأقذار في قراره وبِغُدُرِه، وأن ذلك مما ينغّصه علينا. فهل يباح له ما فعل، أو يغير عليه؟ وما القدر الذي يجوز من ذلك، في الماء الجاري، إذ ما دعاه إلى تقذره فيه مضرة على من ينتفع به؟ الجواب عليها: الحكم بقطع هذا الضرر واجب، والقضاء به لازم، قام بذلك بعض أهل الجنات، أو من سواهم بالحسبة، وعلى الحاكم أن ينظر في ذلك، إذا اتصل به الأمر. وإن لم يقم عنده به قائم، بأن يبعث إليه العدول: فإذا شهدوا عنده به قضى بتغييره لما في ذلك من الحق لجماعة المسلمين، خارج الجنات، على ما ذكرته في السؤال الواقع أسفل ظهر هذا الكتاب، ولا يسعه السكوت عن ذلك. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. السؤال الذي أشار إليه، رضي الله عنه، في هذا الجواب هو: جوابك أعزك الله، إن سكت أصحاب هذا الماء عنه، هل للحاكم النظر فيه، إذ قد ينتفع به جماعة المسلمين خارج الجنات، أم يسعه السكوت عنه، ويسقط الحرج لذلك؟ فجمع له القاضي أبو الوليد ابن رشد، رضي الله عنه، الجواب في موضع واحد على السؤالين جميعا، إذ كانا من قبيل واحد. والله الموفق لما يشاء.

5 - التحجير على الراشد بالمنع من بيع العقار

[5]- التحجير على الراشد بالمنع من بيع العقار وأما المسألة الخامسة فهي رجل حَجَر عليه حاكمٌ بَيْعَ عقاره، دون ما سوى ذلك من تصرفات؛ هل هذا حجر يلزم، ويبطل فعله وبيعه وحده، أم يبطل سائر أفعاله، أم لا يبطل شيء من ذلك؟ وكيف الحكم إن لزم فيما استبان أنه باعه من رباعه لضرورة من دين رهقه، أو غيره من لازم لزمه؟ الجواب عليها: تصفحت - أعزك الله بطاعته، وتولاك بكرامته - سؤالك هذا، ووقفت عليه. وتحجير الحاكم على الرجل بيع عقاره دون ما سوى ذلك من تصرفاته خطأ من الحكم، لأن الله تبارك وتعالى قال: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: 5] فعم ولم يخص عقارًا من غيره. ومن الدليل على خطأ هذا الحكم أنه إذا أطلقه على التصرف فيما عدا بيع عقاره، لزمه ما تداين به، فوجب أن يباع عليه في ذلك عقاره. فمن ثبت سفهه ممن ليس في ولاية، أو من لم يثبت رشده ممن هو في ولايته، لم يصح أن يطلق على التصرف في ماله، دون بيع عقاره، إلا أن يكون مَالَهُ من المال سوى العقار قدرَ ما يختبر به السَّفِيهُ، فيكون لذلك وجه، ويكون حكمه في ذلك حكمه قبل أن يلزمه ما تداين به في ذلك المال الذي أطلق عليه، ليختبر به، وقيل: لا يلزمه. فإن حكم القاضي على رجل، ليس في ولاية، بأن حجر عليه بيع عقاره، دون ما سوى ذلك من تصرفاته، إذ يلم يتحقق سفهه، فباع شيئاً من عقاره، رد بيعه، إلا أن يبيعه في دين رهقه، لا وفاء له به إلا

311 - ثلاث مسائل من القاضي أبي الفضل ابن عياض.

ببيع ما باع من عقاره، وإن كان تداين ذلك الدين بعد أن حجر عليه القاضي بيع عقاره. وإن حكم بذلك على رجل قد لزمته الولاية، إذ لم يتحقق رشده، فباع شيئاً من عقاره، رد بيعه، إلا أن يكون باعه فيما كان يبيعه عليه القاضي لو لم يطلق يده على شيء من ماله؛ لأن هذا سفيه لم يتحقق رشده، والآخر: رشيد لم يتحقق سفهه، فبان الفرق بينهما. هذا الذي أراه، في هذه المسألة، على منهاج مذهب مالك، الذي نعتقد صحته. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [311]- ثلاث مسائل من القاضي أبي الفضل ابن عياض. وكتب إليه، رضي الله عنه، القاضي بسبتة أبو الفضل ابن عياض، حفظه الله. آخر شهور سنة ثمان عشرة وخمس مائة، يسأل عن ثلاث مسائل، نزلت به في الأحكام: [1]- ارتفاق المسيل بين دارين فأما الأولى فهي يفي رجل له دار ذات مطمر، غير مسربة، بناها وأصلحها، وأخرج ماءها المستقر فيها من الأمطار على بابها، فيجتمع مع ما يجتمع من ماء المطر في الزقاق، ويشق دار أحد جيرانه إذ عليها يجري ما يجتمع من ماء المطر في الزقاق المذكور، فمنعه جاره

من ذلك، وقال: لا يجري ماؤك عليَّ؛ إذ لم يكن يجري قبل، فزعم هذا أنه كان يجري، ووقف على داره ببينة عدلة من أهل المعرفة، فشهدوا: أن لا مجرى لماء المطر منها إلا على الزقاق المذكور. وأن ماء المطر المذكور لابد من خروجه من الدار المذكورة. فزعم خصمه أن الدار قبل أن يبنيها قليلة السقف، قل ما يجتمع فيها من الأمطار، وذلك القليل يجري في المطمر المذكور، ويحمله، وتسفه أرض الدار المذكورة، وأما على باب الدار فلم يجر قط، وأنه لما بناها الآن، أحدث فيها سقفا كثيرة، ومساكن يجتمع فيها مياه المطر، وسطح باقيها، فكثر الماء، ولا يحمله المطمر المذكور، فلذلك احتاج إلى خروجه من باب الدار من حيث يمكنه، ومانَعَهُ من إجرائه على باب الدار، إلى الزقاق، لكون ما يجتمع هناك يشق داره، ولا طريق له سواه. فهل ترى له متكلما، أعزك الله؛ لهذا الذي ذكره من جمع الماء بسبب البنيان، إن ثبتت شهادة أهل البصر المذكورة في هذا، أو قامت لصاحب الدار الجديدة بينة، أن ماء داره قبل بنيانه كان يخرج على بابها إلى الزقاق، أم لا حجة له، إذ الماء النازل في الدار على حد واحد قبل البناء وبعده، ولابد لكل بقعة من حق ومرتفق لِخُروج مياهها الضرورية، ولا يمنع صاحب البقعة من التصرف فيها بما لا مضرة فيه على غيره.

2 - اختلاف الجارين في الارتفاق بمرور الرحاضة

جاوبني بفضلك على هذا كله من الوجهين، من قيام البينة، أو عدمها إلا بحكم البصر والنظر، مأجورا مشكورا إن شاء الله. الجواب عليها: تصفحت - أعزك الله القاضي بطاعته، وتولاه بكرامته - السؤال الواقع فوق هذا، ووقفت عليه. وإذا شهد لصاحب الدار الجديدة بدليل العيان بينة عدلة بما ذكرت من أنه لا مجرى لماء المطر منها إلا على الزقاق المَذْكُور، وأنه لا بد له من خروجه عنها، أو شهدت له بينة عدلة على معرفة خروج ماء المطر عنها، على باب دارها إلى الزقاق المذكور، فمن حقه أن يخرج ماء المطر عنها إلى الزقاق، ولا حجة لجاره الذي يمر ماء الزقاق على داره، فيما احتج به من كثرة الماء بسبب تسطيح الدار، وتكثير سقفها، إذ من حق صاحب الدار، إذا ثبت له خروج ماء المطر عنها إلى الزقاق، أن يخرج جميعه إليه، ولا يغور فيها شيئاً منه. وبالله التوفيق، لا شريك له. [2]- اختلاف الجارين في الارتفاق بمرور الرحاضة وأما المسألة الثانية فعن فصل من المسألة الأولى، وهو: أن صاحب الدار الجديدة تصيرت إليه دار أخرى صغيرة، تحت داره هذه، مسربة على دار جاره المذكور، بِسَرْبٍ تشقه الرحاضات، والأثقال، من هذه الدار الصغيرة، فعمد إلى هذه الدار الصغير، فصير

فيها مطمرا، وقطع سربها، وأجرى عليها سربا من الدار الجديدة إلى مجرى سربها الأول على الدار المذكورة، مكان سرب الصغيرة، إذ لم يكن للجديدة سرب للرحاضة كما ذكرت لك. فنازعه الجار وقال له: إنما لك عليَّ سرب هذه الدار الصغير، يجري على داري، حق من حقك، وإما أن تنقله، وترد عوضه غيره من دارك الأخرى، فلا. وقال له صاحبه: لي عليك جري سرب رحاضة من أسفل هذه الدار الصغيرة فيها عليك، جرت رحاضته منها، أو من دار غيرها، إنما أجرى عليك سرب رحاضة واحدة، حق من حقي، لازم لك، وتعيينه لا يلزمك، وتغييره لا يقطع حقي من إجرائه عليك. بين لي - أكرمك الله - ما تفتي به في ذلك، وهل لهذا الجار منع هذا من تنقيل سربه من دار إلى دار، وإن كان مدخل السرب بها إلى دار جاره واحدا؟ وهل له حجة في تكثير الثفل في السرب بكثرة من يسكن الدار الكبرى، أم لا حجة له في ذلك كله. إذ حق هذا في إجراء سرب عليك، ولا عليه هو من أين هو، وأن مراعاة العدد في الدارين غير لازم، كما لا يلزم في واحدة، إذ له أن يكري داره من العدد الكبير، وإن كانت صغيرة، ولا حجة لجاره في تكثير الثفل في السرب. والماء لكثرة الساكن، ما لم يكن شيء يرى أن السرب لا يحمله.

3 - من أدخل طريقا عامة في حقله، واغتله

بين لي هذه الوجوه، مأجورا مشكورا إن شاء الله تعالى، وبه التوفيق، لا شريك له. الجواب عليه: تصفحت السؤال، ووقفت عليه. وليس للرجل المذكور أن يجرى على دَارِ جاره غير سرب الدار الصغيرة، الذي كان من حقه أن يجريه عليه، إلا بإذنه ورضاه. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [3]- من أدخل طريقا عامة في حقله، واغتله وأما المسألة الثالثة فهي في رجل، أدخل طريقا من طرق المسلمين في جنته وحازها، وغرسها، وقطع المرور فيها، واغتلها مده. ثم بعد ذلك قامت فيها البينة، وحيزت، ولزم إخراجها للمسلمين. ماذا يلزمه في ذلك؟ وما ترى فيما اغتل مما غرسه فيها، وفي شهادته، وأين من قطع الطريق بالكلية مِمَّن أخذ بعضها، وفي علمك ما ورد في هذا. أَفْتِنَا بما عندك في ذلك، واختيارك من الأقوال، لا سيما إن كان فعل ذلك ممن يخاف، أو الشهود ممن لا يعلم أن القيام يلزمهم. جاوبني عليه مأجورا إن شاء الله تعالى. الجواب عليها: تصفحت - أعزك الله بطاعته، وتولاك بكرامته - سؤالك هذا، ووقفت عليه.

ويلزم الذي اقتطع المحجة، وأدخلها في جنته، وقطع منافع المسلمين من المرور عليها. وهو عالم بذلك، غير جاهل به، مستخف بارتكابه المحظور فيه، الأدب على ذلك، مع طرح الشهادة. ولا يجب عليه فيما اغتله. مما اغترسه فيها، شيء، يحكم عليه به، إذ ليس الطريق لمعين، فيحكم له بحقه، فيما اغتل منه، على ما في علمك من الاختلاف في ذلك، وإنما حق لجماعة المسلمين في المرور عليها، وهو أحدهم. وقد قيل - على علمك - في الحبس الموضوع للغلة، إذا انفرد باستغلاله بعض المحبس عليهم دون سائرهم: أنه إنما يقضي لهم بحقوقهم فيما يستقبل، لا فيما مضى، فكيف بالطريق التي ليست بموضوعة للغلة؟ وقد باء في ذلك بالإثم، فإن ندم على فعله، واستغفر الله منه، وتاب إليه من ذلك، بقيت عليه التباعة لمن منعه المرور على الطريق المدة التي اقتطعها، وأدخلها في جنته يقتص له بها، يوم القيامة من حسناته، فيستحب له أن يتصدق، ويفعل الخير، رجاء أن يكون ذلك كفارة له. ولا تبطل شهادة الشاهد في الطريق بتركه القيام به بشهادته في مدة. هذا الذي أختاره مما قيل في ذلك، إذ قد يكون له في ترك القيام بشهادته. إذ لم يدع إليها، عذر أو تأويل يعذر به. وبالله التوفيق، لا شريك له.

312 - تحبيس ما أصله أملاك عامة باعها ابن عباد، واسترجعها يوسف بن تاشفين

[312]- تحبيس ما أصله أملاك عامة باعها ابن عباد، واسترجعها يوسف بن تاشفين وكتب إليه، رضي الله عنه، من جزيرة طريف بسؤال في تحبيس، وهذا نصه: الجواب رضي الله عنك، في رجل مرض، واتصل مرضه بموته، ولا لولد له ولا والد، فأوصى في مرضه، الذي توفي منه، بوصية جمعت أشياء، منها: أن يحبس على ثغر من ثغور المسلمين سماه، وذكره، الفندقين اللذين له، تنفق غلتهما هنالك ما دامت الدنيا. فلما توفي قامت أخته: شقيقته تذكر: أن قاعة الفندقين المذكورين كانت من مبيع العبادي في الدولة العبادية، وأن أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، رحمه الله فسخ ذلك البيع، ووظف القاعة المذكورة، مع سائر ما وظفه، برسم رسمه في كل عام، وأن أباها توفي عن القاعة المذكورة، فورثها عنه بنوه، وزوجته هي غير مبنية فقام أحد بنية وهو المحبس المذكور، وابتاع حصة أخيه وأمه من القاعة المذكورة، وبَقَّى حصة أخته القائمة عليه الآن على الإشاعة معه، فابتنى المتوفى المذكور وهو المحبس المذكور في القاعة المذكورة وفي قاعة أخرى متصلة بها من قاعات السلطان، أيده الله، اكتراها لمدة من السنين، وأضافها إلى القاعة المذكورة، وبنى في كلتا القاعتين، الفندقين اللذين حبس في وصيته على ما ذكر، وهي تطلب حصتها من القاعة

بالميراث من أبيها، وتطلب الأخذ، بالشفعة في سائرها، وأن السلطان، أيده الله، لما علم بموت المحبس المذكور، وأعلم بالحبس المذكور، قام يطلب، القاعة التي انقضى أمد اكترائها ويذكر في القاعة المبيعة الموظفة أذرعا زائدة على ما وقع في البيع والتوظيف، وأمر بكيل القاعة المذكورة، فألفى فيها ثمانين ذراعا، ووجد في عقد التوظيف سبعون ذراعا. فالسلطان يطلب ما زاد من الأذرع على ما في عقد التوظيف، ويطلب استخلاص القاعة التي انقضى أمد اكترائها، والمرأة تطلب حصتها، والشفعة في سائر ما ابتاعه أخوها وأمها من أخيها المحبس المذكور. فكيف يكون الحكم - وفقك الله - في ذلك كله، والفندقان المذكوران مبنيان على صوارٍ قائمة، وأكلب خارجة، فكيف ينظر السلطان فيهما، وهما لا ينقسمان؟ والمرأة هل لها شفعة، فيما ذكرت، أم لا؟ وهل يجوز الحبس فيهما، وهما على ما وصف، وقد اعترضه ما ذكرناه، والمحبس قد قال: غلته، ما بقيت الدنيا، للموضع المحبس عليه؟ أفتنا بالجواب في ذلك إن شاء الله تعالى. فأجاب، أدام الله توفيقه، على ذلك بما هذا نصه: تصفحت السؤال، ووقفت عليه.

313 - الجمع بين أحاديث في الفقر والغنى تبدو متناقضة

وإذا كان الأمر في ذلك على ما ذكرته، وثبت على حسب ما وصفته، فالواجب أن يفسخ البيع فيما ابتاعه من أخيه وأمه من القاعة التي من المبيع المذكور، لأنه بيع فاسد، من أجل الوظيف الموظف عليها، ويبقى جميع الورثة على ملكهم فيها. وينفذ الحبس فيما للمحبس المذكور من الفندقين المذكورين، وهو البناء كله، وحصته في القاعة التي من المبيع المذكور، إن حمل ذلك ثلثه، فيكرى الفندقان جملة، ويفض الكراء، في كل عام، على قيمة البنيان قائما على حاله التي هو عليه يوم التقويم، وعلى السبعين ذراعا من القاعة التي من المبيع المذكور، حسبما تضمنه عقد التوظيف وعلى سائرها، التي لبيت مال المسلمين. فما ناب البنيان من ذلك وحصة المحبس من القاعة التي من المبيع، كان للثغر بالتحبيس، وما ناب منه حصص سائر الورثة منها كان لهم على قدر مواريثهم، وما ناب سائر القاعة، كان ليبت مال المسلمين. وليس للناظر في ذلك للمسلمين أخذ ما يقابل بقية القاعة من البنيان، لفواته بالحبس، وتشبث بعضه ببعض. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [313]- الجمع بين أحاديث في الفقر والغنى تبدو متناقضة وسئل، رضي الله عنه، عن معنى أحاديث، وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الغنى والفقر

ونص السؤال من أوله إلى آخره: يتفضل الفقيه الأجل، القاضي الأفضل - أدام الله بركته، وأبقى للمسلمين نفعه - بالجواب فيما ورد من دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، لأنس رضي الله عنه، بأن يكثر الله عز وجل ماله، وولده، وما روي عنه، عليه السلام، من قوله لأحد الأنصار: " تحبني؟ " قال: نع. قال: " اتخذ الفقر جلبابا "، ثم قال: " اللهم من أحبني فامنعه المال والولد، ومن أبغضني فارزقه المال والولد ". ثم قال: " للفقر إلي من يحبني أسرع من الماء من أعلى الجبل إلى الحضيض ". هل هما متعارضان، أم يمكن الجمع بينهما؟ بين لنا بيانا شافيا، مأجورا مشكورا، إن شاء الله. فأجاب، أدام الله توفيقه وتسديده، على ذلك بأن قال: تصفحت سؤالك هذا، ووقفت عليه. ولا يصح أن تتعارض الآثار في هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ ليس من الشرائع والأحكام، التي إذا تعارضت فيها الآثار كان الآخر منها ناسخا للأول إن علم الآخر من الأول، وإن لم يعلم الآخر من الأول، وجب العمل بالذي يترجح منهما بوجه من وجوه الترجيح. فإن صحت هذه الآثار كلها، التي ذكرت، فلها وجوه تحمل عليها،

ينتقي بها التضاد والتعارض، عنها، وذلك أنه لا اختلاف بين أحد من أهل العلم، في أن الغنى أفضل من الفقر لمن يصلح بالغنى ولا يصلح بالفقر، وأن الفقر أفضل من الغنى لمن يصلح بالفقر، ولا يصلح بالغنى؛ لأن الله عز وجل على عباده حقوقا في حال الفقر، وفي حال الغنى، فمن قام بحقوق الله في حال الغنى، ولم يقم بها في حال الفقر، فالغنى له أفضل من الفقر، ومن قام بحقوق الله في حال الفقر، ولم يقم بها في حال الغنى، فالفقر أفضل له من الغنى. هذا ما لا اختلاف فيه بين أحد من أهل العلم، وإنما اختلفوا فيمن كان يصلح بالفقر والغنى، لقيامه بحقوق الله، عز وجل، في كل واحد منهما، والأصح من القولين قول من قال: إن الغنى أفضل له من الفقر؛ لدلائل واضحة من القرآن، والسنن والآثار، ومن طريق النظر، أيضا، والاعتبار. فنقول، فيما سألت عنه من الأحاديث، أن النبي صلى الله عليه وسلم، علم أن أنس بن مالك ممن يصلح بالفقر والغنى، لقيامه بحقوق الله عز وجل، في كلتا الحالتين، فدعا له بالذي هو أفضل له، من أن يكثر الله ماله وولده، وعلم من الأنصاري الذي اختار له الفقر على الغنى، وحضه عليه بقوله: " إن كنت تحبني فاتخذ الفقر جلبابا "، أو كما قال: إن الفقر أفضل له من الغنى، لما خشي عليه من ألا يقوم بحقوق الله تعالى عليه حال الغنى. وقوله، صلى الله عليه وسلم: " اللهم من أحبني فامنعه المال والولد " ليس على

عمومه، والمراد به: اللهم من أحبني - ممن يكون الفقر أفضل له من الغنى - فامنعه المال والولد. وقوله صلى الله عليه وسلم: " ومن أبغضني فارزقه المال والولد "، دعاء منه صلى الله عليه وسلم، بأن يملي الله عز وجل، له ليزداد إثما، لأنه لا يبغضه إلا منافق لا يؤدي لله حقا في حال من الأحوال. وقوله صلى الله عليه وسلم: " للفقر إلى من يحبني أسرع من الماء من أعلى الجبال إلى الحضيض "، إعلام منه صلى الله عليه وسلم، بأن من أحبه ورغب فيما له عند ربه، سيجود بماله لله عز وجل. حتى يبقى فقيرا منه في الدنيا، رغبة فيما له في ذلك عند الله في الدار الأخرى، وكم من الناس من قد فعل ذلك، لقول الله عز وجل: {إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ} [التغابن: 17]. وقوله: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92]، ومثل هذا المعنى في القرآن كثير. وليس هذا بعام في كل من أحب النبي صلى الله عليه وسلم، فالحديث عموم، والمراد به الخصوص، وهو جائز كثير، موجود، ومنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم اشدد وطأتك على مضر "، وإنما أراد الكافر منهم، دون المؤمن، فكذلك أراد بقوله هذا الإخبار عمن أحبه، وتناهى في

314 - خمس مسائل من القاضي بسبتة أبي الفضل ابن عياض.

الجود لله، والرغبة فيما له عنده، حتى بذل ماله كله في سبيل مرضاته. وبالله التوفيق لا شريك له. [314]- خمس مسائل من القاضي بسبتة أبي الفضل ابن عياض. وكتب إليه، رضي الله عنه، القاضني بسبتة أبو الفضل ابن عياض، حرسه الله بخمس مسائل يسأله عنها، وهي كلها من قبيل واحد، وذلك في آخر شهور سنة ثمان عشرة وخمس مائة: [1]- النيابة عن القاضي داخل دائرة محكمته أو خارجها فأما الأولى فهي في قاضي مصر، صرف إليه السلطان قضية مخصوصة، وقعت بمصر، من عمل قاض آخر وهو بعيد من القاضي المصروف إليه. هل له أن يوجه رجلا، من بلده، إلى ذلك المصر، لينظر له في القضية، ويشهد عنده شهود ذلك المصر، المخرج عن قاضيه الحكم فيه، لتعذر من يقدمه هذا المصروف إليه الحكم بذلك المصر؛ إذ كل من يشير إليه بذلك يستنكف أن يتقدم له، رعاية لقاضيه المصروف عنه الحكم في هذه النازلة، أو خوفا منه؟ فهل له أن يوجه رجلا يستنيبه في ذلك؛ ليثبت عنده ما يجب إثباته، ثم يعلمه بذلك، فينفذها أو يأمر بإنفاذها، أم ليس له ذلك؟ وهل بينه فرق وبين ما

بعد من حضرة القاضي من عَمِلَه، مما يحتاج فيه إلى استنابة أمينه وثقته؟ بين لنا ذلك مأجورا مشكورا، إن شاء الله تعالى. الجواب عليها: تصفحت - أعزك الله الفقيه القاضي بطاعته، وأمده بمعونته - السؤال الواقع فوق هذا، ووقفت عليه. وللقاضي المصروف إليه الحكم في قضية مخصوصة بعمل غيره من القضاة أن يستنيب من يثق به، ويبعثه إلى ذلك البلد ليسمع قول الطالب والمطلوب، ويقف على حجة كل واحد منهما، ويسمع من بيناتهما ما يشهدون به لكل واحد منهما، ويكشف عن عدالتهم، ويعذر إلى المشهود عليه منهما فيما شهد به عليه، ويضرب الأجل في ذلك، ويتقصى فيه الحجج حتى إذا لم يبق لواحد منهما حجة إلا ما يوجبه الحق، أنهى ذلك كله على وجهه إلى القاضي الذي بعثه، المصروف إليه الحكم في تلك القضية، فيقبل قوله، وينفذ الحكم في ذلك بينهما بما يؤديه إليه الاجتهاد بعد مشورة أهل العلم. ولا يشخص الخصوم إليه ليختصما بين يديه، إلا أن يرضيا بذلك، فإن رضيا به، استناب حينئذ من يبعثه ليسمع من بيناتهما، ويكشف عن عدالتهم لا أكثر فينهى ذلك إليه، ويقبل قوله فيه. وإن بعث في ذلك اثنين فهو أحسن، والواحد يجزئ، وسواء بعد البلد في ذلك أو قرب، إلا أن يكون نم القرب بحيث يلزم الشاهد أن يأتي لأداء شهادته، إذا دُعِيَ إليها، فيكون الخصام بين يديه، والشهادة عنده، ولا يستنيب في ذلك أحدا. هذا وجه العمل في هذا؛ إذ ليس للقاضي المصروف إليه الحكم في

2 - هل يلزم القاضي المحال عليه أن يحضر إلى بلد القضية المحالة؟

تلك القضية أن يستخلف هو على ذلك غَيْرَه، إلا أن يكون قد جعل ذلك إليه، فيكون له أن يستخلف من يذهب به إلى ذلك البلد، فينظر في أمرهما، وينفذ الحكم بينهما. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [2]- هل يلزم القاضي المحال عليه أن يحضر إلى بلد القضية المحالة؟ وأما الثانية فهي في قاضي مصر صرف السلطان عنه قضية من عمله إلى قاضي مصر آخر، بعيد منه، فاستناب القاضي المصروف إليه من يثبت عنده أهل القضية بيناتهم، ويضعون عنده، حججهم، ويضرب بينهم الآجال، ويعطي المدافع؛ إذ البينات بعيدة من القاضي المصروف إليه النظر، ولا يلزمون الإتيان، ولا يلزم الحاكم النهوض إلى ذلك المصر. إلا أن يكون قد شرط في تقديمه على القضية عليه ذلك، فيلزمه، ولا يجوز له الحكم فيها، بغير البلد المشروط، لأن في ترداد الخصوم من المصر البعيد مشقة على الخصوم، وتطويلا في الآجال، لأجل المسافة، وأعذار السفر، فرأى إسناد ذلك كله إلى مستناب يكون ذلك عنده، ثم يعلمه بذلك، فيبني نظره عليه، وينفذ القضاء بحبسه. هل فعله صواب جائز، أو لا يسوغ ذلك بوجه؟.

3 - وسائل إثبات الإنابة القضائية

بين لنا ذلك (يعظم الله أجرك). الجواب عليها: تصفحت السؤال الواقع فوقه هذا، ووقفت عليه، وعلى جميع فصوله، وقد اقتضى الجواب على المسألة الأولى الجواب عليها كلها، فلا وجه لإعادته. وبالله تعالى التوفيق. [3]- وسائل إثبات الإنابة القضائية وأما المسألة الثالثة فهي في استنابة من يستنيبه في ذلك بكتابه إلى أمير ذلك المصر، أو جماعة، وخطه هناك مشهور، هل يكتفي بذلك فيه، كما يكتفي بخط السلطان في التقليدات كلها، حسبما نصه أهل العلم؛ إذ هي استنابة كلها، أم لابد من إثبات ذلك بشهيدين، كالأحكام؟ بين لنا ذلك مشكورا إن شاء الله تعالى. الجواب عليها: تصفحت السؤال الواقع فوق هذا، ووقفت عليه. ويكتفي في هذا بأيسر الأشياء من معرفة الخط وشبهه؛ إذ ليس يقتضي ذلك حكما، يلزم ثبوته، وإن نَهَض المستناب بذلك دون كتاب لما أمر به، فَامتثله، لكان الأمر ماضيا كما لو نهض بكتاب. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له، وهو حسبنا ونعم الوكيل. [4]- هل يَعْزِلُ القاضي المحالُ عليه وصيا ثبت عنده أنه غير مؤتمن على مال المحجور؟ وأما الرابعة فهي إذا كان هذا النظر المخصوص المذكور، والولاية المقيدة في قضية محجور عليه، فتثبت عند المقلد ما يوجب صرفه،

5 - عزل القاضي للوصي، وعزل الوصي لنفسه

وتقديم غيره ممن ينظر في ماله، ويتكلم عنه بسببه، ففعل ذلك. هل على هذا القاضي، المقلد أمر هذه القضية، دركٌ في فعله؟ وهل هذا متعين عليه، أم ليس يلزمه إلا إقامة وكيل يخصم عنه فيه فقط؛ بخلاف قضاء العموم؟ بين لنا جوابك في ذلك مأجورا، إن شاء الله. الجواب عليها: تصفحت السؤال الواقع فوق هذا، ووقفت عليه. وإذا ثبت عند القاضي المصروف إليه الحكم في قضية محجور عليه: أن وصيه غير موثوق فيما تخاصم به له وعليه، فيما يطلب أو يطلب به، أو يستقر له بيده مما يحكم له به، فيجب أن يوكل له وكيلا يقيمه له مقام الوصي في ذلك كله، ولا يعزل الوصي عن النظر له جملة، وإن كانت عنده لليتيم حجة سمعها منه، ونظر فيها، وإن ذكر حجة عليه لم يسمعها منه. هذا الذي أراه في هذه، والله الموفق للصواب برحمته لا رب غيره. [5]- عزل القاضي للوصي، وعزل الوصي لنفسه وأما الخامسة فهي في قاض عزل وصيا عن يتيم، من تقديم قاض غيره، وولى وصيا آخر، فطلب الوصي المعزول أن يبين له القاضي: لم عزله؟ ويعذر إليه فيما شهد به عليه. هل يلزمه ذلك، إذ لا خلاف أن الأولى لمن قلده سلطان أو قاض،

ولاية، أو إمامة ألا يصرف عنها إلا بعذر ووجه بين، ولا يتركها هو إلا لذلك؟ ورأيت بعض أهل العلم ذكر هذا، ثم قال: ولكنه إن صرفه موليه، أو عزله، هو نفسه، عنها مضى، وشبهه بالوكيل والموكل في هذا الفصل. بين لنا ما عندك، أكرمك الله ووفقك، فإن المولى المستناب في أمر إنما هو وكيل لمقدمه عليه، نائب منابه، وهل يستوي في هذا ما كان من تقديم هذا نفسه أو من تقديم من قبله؟ وهل يستوي في ذلك ولاية الخصوم والعموم؟ متفضلا، مأجورا، مشكورا، إن شاء الله. الجواب عليها: تصفحت السؤال الواقع فوق هذا، ووقفت عليه. ومن حق الوصي، إذا عزله غير الذي قدمه: أن يُبَيِّنَ له القاضي، الذي عزله: الوجه الذي من أجله عزله، وأن يعذر إليه فيمن شهد عليه بالمعنى الذي أوجب عزله، إذ ليس له أن يعزله إلا بأمر يثبت عليه عنده. وأما إذا عزله الذي ولاه فإن كان عزله بأمر رآه باجتهاده فليس عليه أن يعلمه به، وإن كان عزله لجرحة ثبتت عليه عنده، فمن حقه أن يعذر في ذلك إليه. وأما عزل الوصي نفسه عن النظر لليتيم، الذي التزم النظر له، فليس ذلك له إلا من عذر، لأنه حق لليتيم، قد أوجبه له على نفسه،

315 - ستة عشر سؤالا من أحد المفتين بإقليم باغه

وذلك بخلاف الموكل والوكيل، لا اختلاف في أن للموكل أن يعزل الوكيل متى شاء، وأن للوكيل أن يتخلى عن الوكالة متى شاء، وأن للوكيل أن يتخلى عن الوكالة متى شاء، أيضا، إلا في الوكالة على الخصام، فليس للوكيل أن يتخلى عن الوكالة بعد أن أنشب الخصام، ولا لموكله أن يعزله عنها قبل تمام الخصام؛ ولا فرق في هذا بين الوكيل المفوض إليه، والوكيل على شيء بعينه، من خصام أو غيره. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [315]- ستة عشر سؤالا من أحد المفتين بإقليم باغُه وكتب إليه - رضي الله عنه - بعض الفقهاء المفتين بكورة باغه، بستة عشر سؤالا، يسأل عنها، في آخر شهور سنة ثمان عشرة وخمس مائة: [1]- حول وثيقة إثبات ملك المتوفى فأما الأول منها فهو ما تراه، وفقك الله، في قول ابن العطار في وثائقه، في إثبات ملك المتوفى: " أنهم لا يعلمون له جميع الكذا ملكا ومالا، لم يخرج عن يده، ولا فوَّته في علمهم، إلى أن توفي فأورثه المحيطين بوراثته، وهم فلان وفلان ". أرأيت إن لم يكتب ذلك في الوثيقة، وكتب: " إلى أن توفي، وأحاط بوراثة ما تخلفه فلان وفلان " فقط، أو كتب: " فأحاط بوراثته فلان وفلان "، أترى ذلك عاملا أم لا؟ وإن كان غير عامل،

2 - تعارض الشهادات عند بيع عقار اليتيم أو الغائب

فبين - وفقك الله - الفرق في ذلك، مأجورا إن شاء الله تعالى. الجواب عليه: المعنى في قول العاقد: " إلى أن توفي، وأورثه ورثته المحيطين بوراثته، وهم فلان وفلان " أو " إلى أن توفي، وأحاط بوراثة ما تخلف فلان وفلانلا "، أو: " إلى أن توفي وأحاط بوراثته فلان وفلان "، سواء، ما كتب من ذلك الكاتب صح العقد، إلا أن من تمام العقد توصيل ملك الورثة إلى حين تاريخ شهادتهم، بأن يقول فيه: " ولا يعلمون ملك أحد من الورثة المذكورين، أو ملك من يريد إثبات الملك له منهم، زال عن ذلك إلى حين أداء شهادتهم ". وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [2]- تعارض الشهادات عند بيع عقار اليتيم أو الغائب وأما السؤال الثاني فهو إذا شهد شَاهِدَانِ فيما يبيعه القاضي من دار أو عقار على يتيم، أو غائب، أو ما أشبه ذلك: أن الثمن سداد، وشهد شاهدان: أنه ليس بسداد وأن القيمة أكثر. بأي الشهادتين يأخذ القاضي، وهو إن أخذ بشهادة السداد، أنفذ البيع، وانتعش اليتيم، وأدى ما على الغائب من الدين وغير ذلك، وإن أخذ بشهادة من لم يره سدادا، لم يجد مبتاعا بأكثر من ذلك الثمن، وقد اجتهد في التسويق، وربما ضاع اليتيم، وتعطل الدين؟. بين لنا ذلك موفقا، مأجورا، مشكورا. الجواب عليه: إذا بلغ الحد الذي يلزم من الاجتهاد في تسويقه،

3 - من التزم، في عقد زواجه الثاني: أنه متى رد الأولى فهو طالق

فلم يلف زيادة على ما شهد أن بيعه به سداد، فلا يلتفت إلى شهادة من شهد أن بيعه بذلك غير سداد، إذا لم يوجد من يزيد فيه على ذلك. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [3]- من التزم، في عقد زواجه الثاني: أنه متى رد الأولى فهو طالق وأما السؤال الثالث فهو فيمن كانت له امرأة مطلقة فتزوج امرأة، وكتب في صداقها: " أنه متى راجع فلانة - يعني المطلقة - فهي طالق " ولم يقل: " متى راجعها على فلانة ". ثم طلق التي تزوج، أو ماتت وأراد مراجعة الأولى، وقال: إنه لم تكن له نية في ذلك، أو قال: إنما أردت ما دامت لي هذه الثانية زوجة، فهل ينوَّى في ذلك أم لا؟ وكيف إن لم تكن له نية كالذي تقدم؟. بينه بفضلك مأجورا، إن شاء الله. الجواب عليه: يلزمه طلاقها متى ما راجعها كانت الزوجة التي شرط لها ذلك في عصمته، أو لم تكن. ولا يصدق فيما ادعى من أنه نواه، وأراده، إذا طلب بما أشهد به على نفسه، وله نيته فيما بينه وبين خالقه. وإن لم تكن له بينة فيلزمه فيها الطلاق، متى ما تزوجها، ولا يتكرر عليه إن تزوجها ثانية. والله تعالى التوفيق، لا شريك له.

4 - الدخول بالأمهات يحرم البنات

[4]- الدخول بالأمهات يحرم البنات وأما السؤال الرابع فهو في حفيدة الزوجة من ابنها، أو من ابنتها، هل تَحِلُّ لمن كان زوجا للزوجة المذكورة أم لا إن مات عنها، أو طلقها؟ تفضل بالجواب على ذلك. الجواب عليه: إذا دخل بها فلا تحل له بناتها، ولا بنات بناتها، ولا بنات بنيها، وإن سفلن؛ لأنهن بمنزلة الربائب، كل من لزوجته، التي قد دخل بها، عليها ولادة، وإن بعدت فهي عليه حرام. هذا ما لا اختلاف فيه. وبالله تعالى التوفيق. لا شريك له. [5]- شهود التسجيل بثبوت وثيقة وأما السؤال الخامس فهو في القاضي يسجل بثبوت وثيقة ويقول في تسجيله: " أنه ثبت عنده ما في أعلى هذا الكتاب أو ما في بطنه، بشهادة الشهود المسمين فيه "، ولا يسمى من ثبت به عنده منهم، وإنما أحال على جملتهم غير أنه قد أعلم على شهادتهم، أو على أكثرهم. ثم يقوم المسجل عليه من صغير، أو غائب، فيطلب الإعذار في الشهود، والقاضي قد عزل أو مات. فهل يحملون كلهم على العدالة والقبول، أم لا؟

6 - حبس معقب، مع اشتراط المرجع على مسجد معين

الجواب عليه: يحمل جميعهم على العدالة، ولا يبطل العقد على المقوم عليه به، إلا بأن يجرح جميعهم. [6]- حبس معقب، مع اشتراط المرجع على مسجد معين وأما السؤال السادس فهو في الرجل يحبس على بنيه، وعلى عقبهم، فإن انقرضوا من آخرهم، رجع إلى مسجد كذا، إلا أن يكون انقراضهم في حياة المحبس، فإنه يرجع إليه، ثم يكون بعد وفاته للمسجد المذكور. هل ذلك جائز أم لا؟. بين لنا ذلك إن شاء الله. الجواب عليه: ينفذ للمحبس ما شرطه من رجوع الحبس إليه، إن انقرض العقب في حياته؛ وإن مات هو قبل انقراض العقب، كان الحكم فيه أن ينفنذ في ثلثه، فإن لم يحمله فما حمل منه إلا أن يجيزه الورثة. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [7]- لا يتصرف الناظر في الأحباس إلا بإذن القضاء وأما السابع فهو ناظر في أحباس مسجد، استرف له من غلة أحباس المسجد دنانير، فابتاع منها دويرة للمسجد، ثم أنه بعد مدة من ابتياعها، رأى بيعها، والاستبدال بها، أو رأى ذلك غيره ممن ينظر في المسجد بعده، هل ترى ذلك جائزا أم لا؟ الجواب عليه: ليس للناظر في أحباس المسجد أن يفعل ذلك إلا

8 - هل يجب إفراغ الدار المشتركة من أجل القسمة؟

بإذن القاضي، بعد أن يثبت عنده وجه النظر في ذلك. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [8]- هل يجب إفراغ الدار المشتركة من أجل القسمة؟ وأما السؤال الثامن فهو في مستحق شقص مِن دار أو من قاعتها، أو كانت دارا بين شريكين، يسكنها أحدهما، منفردا، فذهب المستحق، أو الشريك، إلى إخلائها، حتى تنقسم؛ فقال الساكن فيها: قم الآن نقسم معك دون تأخير، ولا تأن، فإذا انقسمت نقلت جميع ثقلي وأثاثي إلى سهمي منها، وقد كان تقدم بإقرار منهما، أو ثبت: أن الدار تنقسم بلا ضرر، والشريك يأبى الأخلاء حتى تنقسم. بين لنا وجه الحكم في ذلك. الجواب عليه: إذا انقسمت الدار دون أن تخلى بغير مؤونة، وكان ذلك ينقضي من ساعته، أو إلى الحد الذي يؤجل إليه في الإخلاء إذا وجب، فلا يجب إخلاؤها. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. وهو حسبنا ونعم الوكيل. [9]- مغارس يبيع ما أنجز من العمل قبل تمام المغارسة وأما السؤال التاسع فهو مغارس يغترس الأرض، بجزء معلوم، ويلقح غرسه، ويقوم عليه العام والعامين، ثم يعجز عن العمل، أو يريد

10 - هل يجوز لحكام النواحي أن ينيبوا عنهم دون إذن من قضاة المدن؟

انتقالا عن موضع الأرض المغترس فيها قبل تمام المغارسة، ويذهب إلى بيع ما عمل من رب الأرض، أو من غيره ممن يقوم على الغراسة المذكورة إلى تمامها، بذلك الجزء الذي أخذها هو به، وكيف إن أباح له ذلك رب الأرض، أو منعه منه؟ كيف ترى وجه الحكم في ذلك، إن شاء الله؟. الجواب عليه: ذلك كله جائز، ولا كلام لرب الأرض في ذلك، إن أدخل في المغارسة غيره مكانه بشيء يأخذه منه. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [10]- هل يجوز لحكام النواحي أن يُنيبوا عنهم دون إذن من قضاة المدن؟ وأما السؤال العاشر فهو في قضاة الكور كقبرة، وجيان، وباغة ووادي آش، وأشباهها يغيبون عنها، أو يمرضون، أو يشتغلون فيستنيبون من يحكم بين الناس بغير إذن من ولاهم من قضاة القواعد، وكيف إن فعلوا ذلك عن غير مرض، ولا غيبة، إلا تخفيفا عن شغوب الناس. فهل تجوز أحكامهم ومخاطبتهم غيرهم من قضاة البلاد؟ وهل يجوز لهم ضرب الآجال والتعجيز في المطالب؟ وهل يقيمون الحد في الخمر، وفي الزنا، على البكر، أم لا؟ وكيف إن كان ذلك بإذن قضاة القواعد؟ فإن كان ذلك جائزا، فكيف يعرف الإذن في ذلك،

11 - من ادعى عليه، ولم تجب القسامة، هل يضرب ويسجن؟

أَبِقَوْلِ قاضي الكورة، أم بإعلام الذي ولاه، وهذا قد تتعذر معرفته؟. بين لنا ذلك كله بيانا شافيا، فكثيرا ما تتعذر أمور كثير من الناس بسيب ذلك. الجواب عليه: لا يجوز أن يستنيب غيره على شيء من الأحكام، وهو حاضر غير مريض وأما إن غاب، أو مرض، فيجوز له ذلك، إن كان الذي قدمه فوض إليه ذلك، وجعله له في تقديمه إياه، وكان ذلك معلوما من سيرة حكامه في الكور، وينزل مستخلفه، في مرضه أو غيبته، منزلته في جميع الأمور. وإذا لم يتضمن ذلك كتاب تقديمه إياه، ولا كان ذلك معروفا من سيرة حكامه في الكور، فلا يصح له الاستخلاف. فإن استخلف في مرضه أو سفره، وقال: إنه أذن له في ذلك، صدق في قوله، وجازت أحكام مستخلفه، إذ قيل: إن له أن يستخلف في مرضه، وسفره دون إذن الذي قدمه، ما لم يحجَّرْ ذلك عليه. وبالله تعالى التوفيق لا شريك له. [11]- من ادعى عليه، ولم تجب القسامة، هل يضرب ويسجن؟ وأما السؤال الحادي عشر، إذا شهد لوث غير عدول، أو واحد عدل، بمعاينة القتل، ولم ير القاضي القسامة بذلك، ورأى إحلاف المدعى عليه، فحلف؛ أيلزمه بعد الحلف، ضرب مائة، وسجن عام، أم لا؟ وإن أخذ القاضي باللوث المذكور، وقضى بالقسامة، فعفا من يسقط الدم

بعفوه قبل القسايمة، أو صولح المدعى عليه في الوجهين المذكورين، هل يلزم الضرب المذكور، والسجن، أم لا؟ وإذا ادعى الدم على من تأخذُهُ الظنة، وتقع عليه التهمة غير أنه لا تقوم بينة بالقتل، هل ترى ضربه للتهمة اللاحقة به؛ فربما كان المتهم بذلك ممن يجهل أمره لعدم المعرفة به؟ وإن رأيت الضرب فما يكون مقداره، فربما مات منه؟ بينه بفضلك مأجورا إن شاء الله. الجواب عليه: إذا كان اللوث شهودا غير عدول، تعرف جرحتهم، أو تتوسم فيهم الجرحة، فلا اختلاف في أنه لا يجب، على المشهود عليه بشهادتهم، ضرب مائة، وسجن سنة، وإنما يجب عليه بشهادتهم السجن الطويل، رجاء أن توجد عليه بينة عدلة. وأما إن كانوا مجهولين، لا يعرفون بجرحة ولا عدالة، فيجب عليه الضرب والسجن، إن عفي عنه قبل القسامة، أو بعدها، على القول بوجوب القسامة في ذلك، ولا يجب عليه ضرب مائة، وسجن سنة، على القول بسقوط القسامة مع ذلك، وقد اختلف في ذلك قول مالك. وأما إذا شهد شاهد عدل على معاينة القتل، فلا اختلاف، في المذهب، في وجوب القسامة بذلك، ولا في وجوب ضرب مائة، وسجنه سنة، إن عفي عنه قبل القسامة أو بعدها، فالقاضي، الذي لا يرى القسامة بذلك، قد خرج في اختياره عن المذهب جملة، فإن ضربه مائة، وسجنه سنة، وافق في ذلك قول مالك، رحمه الله، وجميع أصحابه. ولا يجوز أن يضرب المدعى عليه الدم بالتهمة، وإنما يحبس بها، إذا

12 - هل يعتبر متسلم المال غاصبا، إذا كان يعرف أن السلطان غصبه؟

كان ممن تليق به التهمة، الشهر ونحوه، رجاء أن توجد عليه بينة؛ وإن قوت عليه التهمة بما شبه به عليه، مما لم يتحقق تحققا يوجب القسامة، حبس الحبس الطويل. قال ابن حبيب في الواضحة: حتى تتبين براءته، أو تأتي عليه السنون الكثيرة، قال مالك: ولقد كان الرجل يحبس في الدم باللطخ والشبهة حتى أن أهله ليتمنون له الموت من طول سجنه، فإن لم يتهم، وكان مجهول الحال، حبس اليوم، واليومين، والثلاثة، وإن لم يتهم، وكان معروفا بالصلاح، لم يحبس، ولا يوما واحدا. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [12]- هل يعتبر متسلم المال غاصبا، إذا كان يعرف أن السلطان غصبه؟ وأما الثاني عشر، فهو عن الدار يغصبها السلطان، أو الأرض، فيعطيها رجلا يسكنها، أو يحرثها، والساكن، أو حارث الأرض مع ذلك يستحل صاحب الأرض والدار بمال، يعطيه إياه، أو يجعله في يحل، دون أن يأخذ منه شيئاً، أو يعطي ذلك لورثته، إن كان المغصوب منه قد مات، هل ترى ذلك جائزا، أم لا؟. الجواب عليه: لا يحل لأحد أن يفعل ذلك، ولا يجوز له؛ فإن فعل، ثم أرضى صاحب ذلك، أو تحلله بنفس طيبة، بريء من تباعته في الدنيا والآخرة، ومن الإثم إذا استغفر ربه من ذلك، وتاب؛ لأنه عاص لله عز وجل، في سكنى الدار، أو حرث الأرض، قبل أن يأذن له

13 - هل تقبل شهادة من يستعمل " المخابرة " في استغلال الأرض؟

رب الأرض في ذلك؛ لأنه إذا علم بالغصب، فسكن أو زرع، فهو بمنزلة الغاصب. وبالله التوفيق، لا شريك له. [13]- هل تقبل شهادة من يستعمل " المخابرة " في استغلال الأرض؟ وأما السؤال الثالث عشر فهو في رجل يحرث الأرض بالربع أو الثلث، من غير أن يجعل له رب الأرض نصيبا من الزريعة، هل ترد بذلك شهادتهم؟ وكيف إن كانا عالمين بذلك، أو غير عالمين؟ بين لنا ذلك. الجواب عليه: قد قيل: إن شهادته لا تجوز، لما جاء من أن عبد الرحمن بن عوف أعطى سعد بن أبي وقاص أرضا له، زارعه فيها، على النصف، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتحب أن تأكل الربا "؟ ونهاه. والذي أقول به: أنه إن فعله جاهلا، أو متأولا، لما جاء فيه من الخلاف، فلا يكون ذلك جرحة فيه، وإن فعل ذلك من سمع النهي عنه، فاعتقد أن ذلك، لا يجوز مستخفا بارتكاب المحظور في ذلك، فهو جرحة فيه؛ لأن ذلك يشهد عليه بأنه لا يبالي بارتكاب الذنوب والخطايا. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له.

14 - هل ينوي من يلفظ الطلاق في حالة المشاجرة؟

[14]- هل ينوي من يلفظ الطلاق في حالة المشاجرة؟ وأما السؤال الرابع عشر عن رجل من العامة يقع بينه وبين امرأته مشاجرة فيقول: هي منه طالق، وربما عاودته الكلام، أو عوتب في ذلك، على قرب من طلاقه ذلك، أو بعد أيام، فيقول: هي مني طالق ثلاثا، ثم يذهب إلى مراجعتها، ويزعم أن طلاقه الأول إنما أراد به طلاق المباراة، ولا بينة عليه بالطلاق، وربما كان عليه بالطلاق الأول شاهد واحد، أو شهود غير عدول. بين لنا الواجب في ذلك، يعظم الله أجرك، ويجزل ثوابك. الجواب عليه: إن أتى سائلا مستفتينا من قبل أن يراجع، دون أن ينازعه في ذلك أحد، كانت له نيته، وصدق فيها، فإن راجع، بعد أن استفتى، وقيم عليه في ذلك لم يفرق بينهما، إلا أن يكون عليه بالطلاق بينة. وإن لم يكن عليه إلا شاهد واحد، استحلف على ما ادعى من نيته، ولم يفرق بينهما. وأما إن راجع قبل أن يستفتي، أو أراد أن يراجع، فروجع في ذلك، فأقر بالطلاق أو جحد، وقامت به عليه بينة، فادعى النية فلا يصدق فيها.

15 - هل يجوز بيع خيط الناصية المفضض بالمثقال والدرهم؟

وإن أنكر الطلاق، ولم يقم عليه به إلا شاهد واحد، فيحلف على تكذيبه، ويراجع امرأته. وبالله التوفيق. [15]- هل يجوز بيع خيط الناصية المفضض بالمثقال والدرهم؟ وأما السؤال الخامس عشر في خيط الناصية المفضض بالفضة، قيمة الخيط على حدة: الأربعة الدراهم أو الخمسة، وربما أكثر من ذلك، وقيمة الفضة: المثقال والمثقالان المرابطيان، هل يجوز أن يباع بالمثقال والمثقالين، وبقيمة الخيط دراهم، الأربعة، والخمسة، أم لا؟ الجواب عليه: لا يجوز ذلك؛ لأن الأربعة الدراهم أو الخمسة لا تختص بالخيط دون الفضة، كما أن المثقال أو المثقالين لا يختص بالفضة دون الخيط، لكون ذلك في صفقة واحدة، فيدخل التفاضل بين الفضتين. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [16]- هل تسقط الحضانة بالسفر؟ وأما السؤال السادس عشر، وهو آخرها، فهو في الحاضنة، أم أو غيرها، تسافر إلى موضع لا يكون لها حمل المحضون إليه، وتتركه لأبيه، ثم تنصرف مِنْ سفرها ذلك، على قرب أو بعد، هل ترجع على حضانتها أم لا؟ وكيف إن كان خروجها إلى الصَّيْفَةِ، ثم ترجع، هل لها ذلك أم لا؟

316 - هل تقديم المحجور عليه وصيا هو إطلاق من الحجران؟

الجواب عليه: لا يسقط ذلك حقها في الحضانة، ولها أن تأخذ ابنها إذا رجعت من سفرها، كما إذا تركت حضانته لأبيه، لانقطاع لبنها، أو لمرضها. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [316]- هل تقديم المحجور عليه وصيا هو إطلاق من الحجران؟ وخوطب، رضي الله عنه، من مدينة اشبيلية يسأل عن رجل محجور عليه، بتقديم قاض، توفي وصيه، وبقي تحت ذلك الحجران زمانا طويلا، ثم قدمه قاض آخر، للنظر على يتيم، هل يجوز ذلك ويخرج به من الحجران، أم لا؟. ونص السؤال من أوله إلى آخر حرف فيه: الجواب، رضي الله عنك، في رجل محجور، توفي الناظر عليه بتقديم قاض، وبقي المحجور، مدة طويلة، لا يعلم له انطلاق من الحجران بوجه من الوجوه. ثم قدمه قاض آخر بعده، مدة طويلة، ناظرا على يتيم، ولم يذكر القاضي في كتاب تقديمه إياه أنه أطلقه من الحجران، ولا علم أن كان القاضي الذي قدمه عالما بما كان عليه من الحجران، أو غير عالم. فهل ترى - وفقك الله - أن تقديم القاضي إياه ناظرا على يتيم، فقط، مما يطلقه من الحجران الذي عليه، وهو لم يذكر إطلاقه؟ أم ترى أن الحجران عليه باق، لما لم يذكر القاضي شيئاً منه عند التقديم

317 - الشهادة على خط المقر بالعتق

المذكور، ولما لم يعلم إن كان القاضي علم بالحجران أو لم يعلم؟. بين لنا الواجب في ذلك. فجاوب - أدام الله توفيقه - على ذلك بما هذا نصه. إذا ثبت أن الرجل الذي قدمه القاضي على اليتيم، محجور عليه، بتقديم قاض آخر قبله عليه، بطل التقديم، ولم يخرج به من الحجران، إن علم بالسفه، أو جهلت حاله، ولم يعلم برشد ولا سفه. وأما إن علم بالرشد، فالذي أقول به في هذا، وأتقلده: أن يكون بتقديم القاضي إياه على اليتيم خارجا من الحجران، مراعاة لمذهب ابن القاسم، وأحد قولي مالك في أنه لا يعتبر إذا علم رشده. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [317]- الشهادة على خَطِّ المقر بالعتق وكتب إليه - رضي الله عنه - من مدينة أغرناطة، يسأل عن الشهادة على خط يد المقر بالعتق، هل هي عاملة، ينفذ العتق بها، أم لا؟. ونص السؤال من أوله إلى آخر حرف فيه: الجواب: رضي الله عنك، عن الشهادة على خط يد المقر بالعتق، هل هي عاملة يجب الحكم بها، وينفذ العتق معها، أو هل هي كالشهادة على خط يد الشاهد في ذلك؟ وما معنى قول ابن حبيب في واضحته: أن الشهادة على الخط في العتق، والنكاح، وما أشبه ذلك، مما ليس

318 - ثلاثة مسائل من كتاب الصلاة من المدونة

بمال، غير جائزة، هل معناه الشهادة على خط يد المقر؟ بين لنا ذلك، مأجورا إن شاء الله تعالى. فجاوب - أدام الله به الإمتاع، والانتفاع - بهذا الجواب: تصفحت السؤال هذا، ووقفت عليه. وظاهر ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن مطرف، وابن الماجشون، وأصبغ: أن الشهادة لا تجوز فيما عدا الأموال، لا على خط الشاهد، ولا على خط المعتق، أو المطلق، وسائر ما ذكره مما ليس بمال، وعلى ذلك كان الشيوخ يحملونه. ومعنى ذلك إذا وجد الكتاب بالعتق عنده، بعد موته بيده في حياته، ولأنه لو أقر أنه خطه، وقال: كتبته على أن أستخير في تنفيذه، ولم أنفذه بعد، لصدق في ذلك. وأما إذا كان دفعه إلى العبد، أو كان قد نص فيه على أنه قد أنفذه على نفسه، فالشهادة به عليه عاملة، كالشهادة على خطه، بالإقرار بالمال، وهو ظاهر رواية أشهب عن مالك، في العتبية، وما في مختصر ابن عبد الحكم. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [318]- ثلاثة مسائل من كتاب الصلاة من المدونة وسأله، رضي الله عنه، بعض الطلبة، وفقهم الله، عن ثلاث مسائل، وقعت في كتاب الصلاة الثاني من المدونة. ونص السؤال:

1 - حول الربط بين نصين من المدونة

[1]- حول الربط بين نصين من المدونة جوابك، رضي الله عنك، فيما وقع في كتاب الصلاة الثاني من المدونة. من قوله: " ثم سمعته يقول، بعد ذلك، في الإمام إذا جعل موضع: " سمع الله لمن حمده "، " الله أكبر "، المسألة أهي متعلقة بالتي قبلها أم هي منقطعة؟ فإن تعلقت بها، فكيف وجه تعلقها بها؟، وإن كانت منقطعة فكيف ذلك، ومساق المسألة يقتضي الاتصال؟ [2]- حول السلام من سجود السهو وهل السلام من سجود السهو، الذي بعد السلام، واجب أم لا؟ فإن كان واجبا فما وجه قوله، في الكتاب المذكور من المدونة: " إذا أحدث قبل سلامه منهما، أجزأتا عنه "؟ [3]- الاختلاف في ترك أم القرآن من الصلاة وهل ظاهر المدونة أن الأقوال الثلاثة في تارك أم القرآن تدخل في الصبح وغيرها أم لا؟. بين لنا جميع ذلك متفضلا، يعظم الله أجرك، ويجزل ذخرك، ويوزع شكرك يمنه، لا رب سواه. فجاوب، أدام الله توفيقه، على ذلك بما هذا نصه: تصفحت ما

سألت عنه فوق هذا، ووقفت عليه. [1] والمسألة التي ذكرت من كتاب الصلاة الثاني متعلقة بالتي قبلها، وورجه تعلقها بها: أن ابن القاسم رأى ما سمعه من مالك في " أنه يرجع، فيقول الذي كان عليه "، خلاف ما حكى عليه، في الذي ينسى الجلوس من الركعتين، فينهض قائما، ويستقل عن الأرض: " أنه يتمادى، ولا يرجع "، فرأى ذلك اختلافا من قوله: أنه يلزمه، على ما سمع منه بعد ذلك، أن يقول: يرجع الذي ترك الجلوس، ونهض قائما، واستقل عن الأرض جالسا، ما لم يعتدل قائما، على ظاهر قوله في رواية أشهب عنه في العتبية، وأنه يلزمه على ما قال له في الذي ترك الجلوس، ونهض قائمؤا، واستقل على الأرض، ولم يعتدل قائما، أنه يتمادى، ولا يرجع جالسا، أن يقول، إذ جعل، موضع سمع الله لمن حمده، الله أكبر، أو موضع، الله أكبر، سمع الله لمن حمده: ألا يرجع: فيقول: الله أكبر، إذ قد فاته موضعه برفع رأسه، كما فات الذي ترك الجلوس لمفارقته الأرض، وإن لم يعتدل قائما؛ فيدخل، على ما ذهب إليه، الاختلاف في كل واحدة من المسألتين من صاحبتها، ولا اختلاف في الذي ترك الجلوس أنه يرجع إليه ما لم يفارق الأرض، ولا في أنه لا يرجع إليه، إذا اعتدل قائما. [2] وأما المسألة الثانية، وهي السلام من سجود السهو، الذي بعد

السلام فهو واجب عند مالك، إلا أنه لا يرى على من تركه إعادة السجود، مراعاة لقول من لا يوجب السلام من الصلاة، فهو على مذهبه، واجب في السجود، وليس بشرط في صحته، لأن من واجبات الصلاة ما هو شرط في صحتها، ومنه ما ليس هو بشرط في صحتها. [3] وأما الثالثة فظاهر المدونة أنَّ الثلاثة أقوال في تارك أم القرآن من صلاة رباعية، أو ثلاثية، تدخل في صلاة الصبح؛ بدليل قوله فيها، وقد سأله عمن ترك القراءة في ركعة من المغرب، أو الصبح: " لم نكشف مالكا عن المغرب أو الصبح، والصلوات عنده محمل واحد " فإنما يراعى، على مذهبه في المدونة، كثرة السهو من قلته، لا نصف الصلاة من أقل من نصفها. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له.

319 - إعادة الشهادة لدى قاضي بلد، عندما ترفع إليه قضية من قاضي بلد آخر

[319]- إعادة الشهادة لدى قاضي بلد، عندما ترفع إليه قضية من قاضي بلد آخر وكتب إليه، رضي الله عنه، من مدينة اشبيلية يسأل عن الشاهدين، إذا ثبت بهما حق، عند قاضي بلدهما، ثم نقل الحكم في ذلك الحق إلى قاضي بلد آخر، هل تلزم إعادة شهادتهما عنده؟ وهل يجوز تجريحهما عنده أم لا؟ ونص السؤال: الجواب، رضي الله عنك، في رجل لَهُ عند رجل حق، يشهد له بذلك شاهدان عند القاضي، وثبت عنده ما شهدا به، وأشهد على نفسه بثبوت ذلك الحق عنده، ثم نقل الحكم إلى قاض غيره، فهل تلزم إعادة بينة الأصل عند القاضي الذي انتقل الحكم إليه، أم بينة التسجيل؟ وهل إن لزم إعادة بينة الأصل، وطلب المشهود عليه القدح في الشاهدين المذكورين، اللذين ثبت الحكم بشهادتهما عند القاضي المخرج عنه الحكم، وهما مبرزان في العدالة، هل للقاضي المخرج الحكم إليه أن يبيح له القدح في شهادتهما بغير العداوة؟ وهل يجرحهما من هو أقل عدالة منهما، أو يجرحهما من هو أعدل منهما؟ أفتنا بالواجب في ذلك مأجورا مشكورا إن شاء الله. فجاوب، أدام الله توفيقه، على ذلك بما هذا نصه: تصفحت السؤال، ووقفت عليه. والواجب في هذا أن يعيد شاهدا الأصل شهادتهما عند القاضي المخرج إليه الحكم عن القاضي الأول، أو عند من يبعثه لذلك، إن كان في بلد آخر.

320 - سؤالان من المرية

ولا يباح للمشهود عليه أن يجرح الشاهد عليه، إذا كان مبرزا في العدالة، بالإسفاه إن دعا إلى ذلك، وإنما يباح إليه تجريحه بالعداوة والهجرة؛ إذ قد يكون ذلك في الصالح البارز في الفضل والصلاح. هذا الذي اختاره مما قيل في ذلك. ويجرح الشاهد بالعداوة بمن هو مثله في العدالة، وفوقه، ودونه، بخلاف التجريح بالإسفاه. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [320]- سؤالان من المرية وكتب إليه، رضي الله عنه، القاضي بالمرية أبو محمد عبد المنعم بن مروان بسؤال مطول، في نازلة وقعت بين يديه، في أحكام القضاء، قد كان قاض آخر قبله نظر في بعضها، وعزل قبل أن يتم الحكم فيها؛ وسؤال ثان في عقدين متعارضين أيهما أعمل؟ [1]- اضطراب إشهادات بين الملك والعمارة فأما السؤال المطول فنسخة من أوله إلى آخر حرف فيه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وصلى الله على محمد، وعلى أهله، وسلم تسليما أعزك الله يا سيدي، وَوَلِيِّي، بتوفيقك، وجعلك من الأنصار للحق، وفريقه، وأظهر بك ما درس من منهج طريقه، بمنه وطوله، كتبت - أعزك الله - وعندي من إعظامك وإكبارك وإيثارك ما

يكون عليه من عَرَفَ جليل مقدارك، والله يجعل معرفتنا له، وفيه، فذلك بيده، لا رب غيره. استرعاء بالتصرف في حقل، وملك جزء منه. استظهر عندي، وفقك الله، رجل بعقد تضمن معرفة شهدائه جشرا، بوادي بجانة، مشهورا، وأنهم يعرفون جعفر بن حمدون المعروف بحفيد القطاع، متكررا عليه، متصرفا فيه، وعامرا لجميعه، ويعلمون له من جملة هذا الجشر المذكور جميع الشقص الوسط الكائن في خلاله الصهريج الذي حدوده كذا، بجميع ما استقلت به ساحة الشقص والمقصبة، إلى غير ذلك، ويعلمون هذا الشقص ملكا خالصا لجعفر لا يشركه فيه غيره، ولا يعلمونه فوت شيئاً منه إلى الآن. ممن يجوز الجَشَر المذكور، ويعرفه وأوقع شهادته بذلك في رجب سنة ثلاث عشرة وخمس مائة. وثبت العقد المذكور عندي حسبما يجب به الثبت. إشهاد على معاينة سابقة لموضع الشهادة وشهد عندي من قبلت شهادتهم: أن الفقيه أبا الحسن بن أضحى كان قد أمر بحيازة الموضع المذكور، وقالوا: إن شهود العقد المذكور حازوه بحضرتنا، عن أمر الفقيه المذكور، أيام قضائه، وثبت كل ذلك عندي. إشهاد على اعتراف المشهود له بالملك: أن له، فقط، العمارة واستظهر المقوم عليه في الجَشَر المذكور، الذي يده عليه، وهو في حوزه، بعقد تضمن، بعد البسملة:

" اعترف جعفر بن حمدرون، المعروف بحفيد القطاع، بمحضر من يوقع اسمه أسفله: أن تصرفه في الجَشَر المذكور المحدود، الذي هو الآن ملك لأحمد بن سراج، إنما هو على وجه العمارة لهذا الجَشَر المذكور، كما كان قديما فيه لأربابه: بني أسود، إلى أن انتقل ملكهم عنده، وصار ملكا لأحمد بن سراج المذكور. شهد بذلك كله من أوقع اسمه به، في شوال، سنة ثلاث عشرة، وخمس مائة. حسن بن يوسف بن قاسم، وعبد الرحمن بن عبد الله بن أبي العظام ". شاهدان آخران يشهدان بالعمارة أيضا. والذي يشهد به قاسم بن فلان: أنه يعلم جعفر بن حمدون عامرا في الجَشَر المذكور، ولا يعلمه يدعي فيه ملكأ لنفسه أكثر من العمارة، وذلك كله في مدة طويلة من نحو عشرين عاما. ونافع، مولى فلان، يعلم جعفر بن حمدون عامرا في الجشر المذكور، ولا يعلمه يدعي فيه حصة لنفسه، ويعلم أن في قطعة من الجشر المذكور حصة تنسب إلى القطاع، لا يحد الحصة، ولا يَحُوزُها. إشهاد على شهادة بوحدة المدعى فيه الملك والعمارة وبعد شهادة الشهود، حضر، عن أمي القاضي أبي الحسن ابن أضحى، من تسمى من شهدائه، حيازة حسن بن يوسف، وعبد الرحمن بن عبد الله بن أبي العظام، وقاسم بن فلان، ونافع مولى فلان، للجشر المذكور، وتطوفوا معهم عليه، فقالوا حين حيازتهم له، وتعيينهم إياه: هذا

الجَشَر الذي حزناه لكم، وعيناه، هو الذي شهدنا فيه عند القاضي أبي الحسن ابن أضحى، الشهادة المقيدة عنا أسفل عقد الاعتراف المذكور. شهد بذلك من أشهده الحائزون، وحضر حيازتهم، وعاينها، وذلك في وقت كذا. وثبت عندي عقد الحيازة بمن قبلت وأجزت. إشهاد على اعتراف أحد الشهود بأن الجزء المملوك لجعفر كان موقفا بيده. فاستظهر عندي، وفقك الله، جعفر بن حمدون بعقد تضمن معرفة شهدائه حسن بن يوسف بن قاسم، أحد شهود عقد الاعتراف بعينه واسمه، وأنه اعترف عندهم غير ما مرة، بأَنَّ الفقيه أبا عبد الله محمد بن مروان، صاحب أحكام القضاء للفقيه الزاهد أبي عبد الله بن يحيى، رحمه الله، أوقف بيده، مدة نظره في الأحكام بحضرة المرية، الشقص الثابت ملكه لجعفر بن حمدون، المعروف بحفيد القطاع، من الجشر المتنازع فيه، ويعلمونه يبيع غلة هذا الشقص، ويقبض ثمن فوائده من مبتاع ذلك باسم التوقيف الموصوف على يديه، إلى أن يستوفي الحكم في ذلك. شهد بذلك من وقع اسمه به في جمادى الآخرة، سنة ثلاث عشرة، وخمس مائة. وثبت عندي العقد المذكور بمن قبلت وأجزت. فتأمل، وفقك الله، هذه الجملة، وانظر إقرار الشاهد بأن الجشر كان موقفا بيده بحكم حاكم، ثم إن الجشر الآن بيد المقوم عليه،

لم يعلم حكم حاكم يرفع يد الأمين، الموقف عنده، عنه، فهل ذلك مما يسقط شهادته فيما شهد فيه؟ وكذلك تأمل شهادة من شهد بالعمارة، وزاد: أنه يعلم للقطاع، ولا يحده، ولا يعلم قدره. وجاوب مأجورزا على كل حال، فصلا فصلا، موفقا إن شاء الله. الجواب عليه: تصفحت - أعزك الله بطاعته، وتولاك بكرامته، وعصمك بتأييده، وتوفيقه - سؤالك هذا، ووقفت عليه. وإذا كان قد ثبت عندك العقد الذي قام به جعفر بن حمدون، المؤرخ برجب من سنة ثلاث عشرة وخمس مائة، بشهادة شهوده كما ذكرت، فمن تمام الشهادة أن يحوزوا، عن أمرك، الشقص الذي شهدوا به عندك أنه للقائم جعفر، من جملة الجشر المذكور؛ إن كانت الحيازة التي حيزت عن أمر القاضي ابن أضحى إنما شهد به عندك الشهود الذين كان وجههم القاضي المذكور ليحاز ذلك الشقص عليهم، إذ لا يصح الحكم بشهادتهم بذلك إلا له. فإن حاز الشهود الشقص عن أمرك، وثبتت الحيازة المتقدمة عندك، بشهادة من كان أشهده القاضي المذكور على ثبوتها، إن كان قد أشهده على نفسه بذلك قبل أن يصرف عن قضاء الجهة، تمت الشهادة،

وثبت بها الشقص المحوز للقائم، ولم يبطل ذلك ما استظهر به المقوم عليهم من عقد الاعتراف، وإن ثبت بما يجب من الشهادة به عندك، والحيازة له، عن أمرك؛ إذ ليس فيما تضمنه عقد الاعتراف نص جلي في أنه لا حق له في شيء من الجشر المذكور، لاحتمال أن يريد بما اعترف به أنه يتصرف فيه، ويعتمره له، مع أنه له فيه الحق الذي شهد له به؛ إذ لم ينص فيما تضمنه عقد الاعتراف على أنه لا حق له فيه، فيشبه أن يكون إنما قصد إلى الاعتراف لمن سماه من الجشر بما سوى الشقص الذي شهد له به منه، إذ سئل ذلك، مخافة أن يظن جميعه ملكه له، لكونه بيده، وفي اعتماره. ولو عرف السبب، الذي خرج عليه الاعتراف، لأشبه أن يتبين بذلك: هل قصد إلى الاعتراف بجميع الجشر المذكور، لمن سماه، أو إلى الاعتراف بأنه ليس هو له كله دونهم. فإن لم يفت سؤال الشاهدين اللذين ثبت عقد الاعتراف المذكور بشهادتهما بموت أو مغيب، كان من وجه الاستبراء في الحكم أن يسألا عن ذلك؛ فإن فات سؤالهما، أو سئلا، فلم يذكرا من ذلك ما فيه بيان واضح لما وقع فيه الاعتراف المذكور، ولم يكن للمقوم عليه مدفع فيما شهد به للقائم عن الشقص في الجشر، ولا حجة يحتجون بها سوى الاعتراف المذكور، وجب القضاء للقائم عليه بما ثبت له في الجشر من الشقص المحوز؛ لأن ما تبين بالشهادة عليه، والحيازة له، لا يبطل

2 - عقدان بالملكية متعارضان

بأمر محتمل، بعد يمينه في مقطع الحق: أن الشقص الذي شهد له به من الجشر المذكور ماله وملكه، لم يفوته بوجه من وجوه التفويت، إلى حين يمينه هذه، ولا اعترف بأنه لا حق له فيه. وأما شهادة الذي شهد أنه يعلمه عامرا في الجشر، ولا يعلمه يدعى فيه ملكا لنفسه، وشهادة الذي شهد بمثل ذلك، وزاد: أنه يعلم أن في قطعة من الجشر المذكور حصة تنسب إلى القطاع، لا يحوزها، فلا توجب واحدة منها حكما. ولو صح على جعفر بن حمدون الاعتراف بأنه لا حق له في شيء من الجشر المذكور، بشهادة الشاهدين بذلك، لما بطلت شهادة أحدهما بما شهد به عليه من اعترافه، بأن الشقص وقفه بيده صاحب أحكام القضاء للفقيه القاضي ابن يحيى، رحمه الله. فهذا وجه الحكم عندي فيما استطلعت فيه رأيي من هذه النازلة. وإن أشرت في هذا الأمر بالصلح، وندبت إليه، وحضضت عليه، من خلال نظرك فيه، قبل أن يتبين لك فصل القضاء، كان حسنا من الفعل، فقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فيما كتب به إلى أبي موسى الأشعري: " واحرص على الصلح ما لم يتبين لك فصل القضاء ". والله أسأله التوفيق لنا ولك، والسبيل إلى ما فيه النجاة والخلاص، برحمته. [2]- عقدان بالملكية متعارضان وأما السؤال الثاني فهو رجل استظهر بعقد تضمن معرفة شهدائه ملكا محدودا لفلان بن فلان، إلى أن توفي، وأورثه ورثته فلانا وفلانا،

وثبت العقد المذكور، فاستظهر الذي بيده الملك بعقد تضمن معرفة شهدائه، أن الملك المذكور ملك ومال لفلان، المالك له الآن، يحوزه منذ ثلاثين سنة، وثبت العقد المذكور أيضا. فأيهما أعمل، وفقك الله، هل شهادة من حدد المدة، أم شهادة من جاءت شهادته مسجلة مهملة من التوقيت؟ وماذات كان يكون الحكم لو قام بهذين العقدين قائمان، غير من بيده الملك، هل ذلك كله سواء، أم لا؟ فالجواب عليه: تصفحت سؤالك هذا، ووقفت عليه. ووجه الحكم في ذلك: أن تعمل من العقدين أقدمهما تاريخا، فإن علم أن الذي شهد له بالملك إلى أن توفي، وأورثته ورثته، قديم الموت، لموته أو أزيد من ثلاثين عاما، كان هو أعمل من العقد الذي استظهر به المقوم عليه، وبيده الملك، لاقتضائه قدم الملك. وإن لم يعلم ذلك، سئل الشهود عن تحديد مدة الملك، التي شهدت له به، إلى أن توفي، وأورثه ورثته، فيقضي بأقدم التاريخين. وإن فات الشهود، فلم يمكن سؤالهم، قضي بينته المقوم عليه، التي أرخت المدة كلما شهدت به من الملك، وسواء في هذا كان الملك بيد أحدهما، أو بأيديهما جميعا، أو لم يكن بيد واحد منهما، وإنما يفترق ذلك إذا اتفق العقدان على تاريخ واحد لمدة الملك، أو لم يكن لواحد منهما في ذلك تاريخ، واستوت البينتان في العدالة؛ فإن كان الملك بيد واحد منهما سقطت البينتان، وبقي الملك للذي هو بيده،

321 - وعد يطالب به المستفيد بعد مدة الملزم

يكن بيد واحد منهما، أو كان بأيديهما جميعا، اقتسماه بينهما بنصفين، بعد أيمانهما، إن حلفا، وكذلك إن نكلا، وإن حلف أحدهما، ونكل الآخر، كان لمن حلف منهما، وذلك بعد الإعذار إلى من هو بيده، إن لم يكن بيد واحد منهما، وكان بيد غيرهما. والله ولي التوفيق برحمته. [321]- وَعْد يطالب به المستفيد بعد مدة الملزم وسئل، رضي الله عنه، عن رجل وعد بشيء ولم يف به، وطال الأمر، حتى اضطررتهما إلى السؤال عنه، وهي عِدَة شاذة، وسؤال غريب. وهذا نصه: جوابك، رضي الله عنك، في رجل من العرب قام على أمير من الأمراء، فقال له: إن فلانا من المرابطين لرجل سماه، كان من أصحابك، وأنه كان لي عليه دين، وكنت شكوته إليك، وشكوت مطله، وأعلمتك، أيها الأمير، أنه إنما يعتذر لي بأنه لا شيء عنده إلا ما ينتظره في مثوبة هدية أهداها لك، وأنك قلت لي في ذلك التاريخ: إن له عندك هدية، ووعدتني أن أنتصف منها، فصبرت لمكان وعدك، وقد مات فلان، وأنت لم تثبه من هديته فأنصفني كما وعدتني منها. والأمير يقول: إنه أثاب المتوفى على هديته في ذلك التاريخ، وله مدة أربعة أعوام.

هل يتعلق بالأمير ضمان بما ذكر هذا العربي، إذا ثبت له ما ذكر، أم لا؟ وإن لم يثبت له ما ذكر هل تتعلق له يمين على الأمير، أيده الله، بأنه ما وعده بذلك الوعد، عن غير خلطة تقدمت بينهما، أم لا؟ بين لنا الواجب في ذلك، مأجورا إن شاء الله تعالى. فجاوب، أدام الله توفيقه، على ذلك بأن قال: تصفحت السؤال، ووقفت عليه. والعِدَة على الوجه الذي ذكرت لا يجب الحكم بها، وإن ثبتت؛ لأنها عدة لا يجب الوفاء بها، لما يتعلق بها من حق الورثة، فلا تلحق المدعى عليه في ذلك يمين، بوجه من الوجوه. وإن أثبت صاحب الدين دينه قبل الواهب، وقال الموهوب له: إنه قد أثاب الواهب قبل وفاته، فالواجب في هذا: أن يتبع صاحب الدين بدينه الورثة، فيما ورثوه عنه بعد يمينه: أنه ما قبض دينه، ولا استحال به، ولا وهبه، وأنه لباق له عليه إلى حين قيامه. ولا يكون له على الموهوب له شيء، إلا أن يكون الورثة قد أعدموا، فإن كانوا قد أعدموا، ولم يصدقوا الموهوب له فيما قاله من أنه قد دفع الثواب إلى موروثهم، وأبوا أن يحلفوا، كان لصاحب الدين أن يحلف: أنه ما يعلم أنه قد أثاب الواهب على هبته، ويستحق قبله قيمة الهبة، فيأخذها. وإن صدق الورثة فيما قال من ذلك بريء بتصديقهم إياه، واتبعهم بدينه في ذممهم.

322 - بناء المحبس في أرض حبسها للدفن

وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [322]- بناء المحبس في أرض حبسها للدفن وكتب إليه، رضي الله عنه، من كورة غلييرة بسؤال يسأل فيه عن رجل، حبس أرضا له لدفن موتى المسلمين، ثم بنى، بعد مدة، في قطعة منها حماما، هل يجوز له ذلك أم لا؟. ونص السؤال: الجواب، رضي الله عنك، في رجل حبس أرضا لدفن موتى المسلمين فحِيزَت الأرض، واحترمت بحرمة الأحباس، وأقامت مدة من ثلاثين عاما، يدفن فيها الموتى. ثم إن المحبِّس المذكور تعدَّى على ناحية من الأرض، المحبَّسة، كانت منحدرة، لا يمكن فيها الدفن إلا بعد تسهيلها، فبنى فيها حماما لنفسه، فقال له بعض الناس عند بنيانه: كيف تبني في أرض محبسة؟ فقال: أنا أشهدكم أني إذا أكملت الحمام، فقد أعطيت ثمنه للجامع، فكمل الحمام، واستغله مدة من عشرة أعوام، أو نحوها، ولم يعط للجامع منه شيئاً. فما يكون الحكم، أدام الله توفيقك، في الحمام، هل يهدم، أو يترك على حاله؟ وإن ترك على حاله، فلمن يكون؟ وما وجه الحكم فيما استغل في الأعوام السالفة من ذلك؟ بين لنا ذلك مشكورا إن شاء الله. فجاوب، أدام الله توفيقه، على ذلك بأن قال: إذا كان الأمر على

ما وصفت، وثبت ذلك كله ببينة عَدْلَةٍ، لا مدفع فيها لباني الحمام، وجب أن يهدم، ويعاد موضعه مقبرة على ما سبل عليه، ويكون ثمن غلته في العشرة أعوام للجامع، ويجعل فيها ما يحتاج إليه. وبالله تعالى التوفيق. استغلال مكانة الأسرة لغصب أرض الحبس فلما وصل هذا الجواب إلى السائل عنه، عقب بعد ذلك بسؤال ثان، في المسألة بعينيها، وهذا نصه: ما تقول رضي الله عنك، في رجل غصب موضعا من فدان، محبس على مقبرة المسلمين، وكان الموضع جُرْفا، لا يمكن الدفن فيه، فبنى فيه حماما، وله، يستغله، نحو الاثنتي عشرة سنة، وكان له بالبلد جاه ومقدرة، بكون أمناء البلد، وعماله، أصهارَهُ؛ فرفع الأمر إلى قاض، وشهد عنده فيه، وحيز، وبقي الإعذار إلى بانيه. فهل يهدم، إذا عرف غصبه إياه، أم لا؟ وإذا حكم القاضي به، هل يسوغ رد الحمام بعد تتبع ما يلزم فيه من الحكم، وتقصيه، إلى جامع البلد، لكون جامعه فقيرا لا شيء له، فيرد ما فيه مصلحة للمسلمين فيما فيه مصلحتهم، على ما رواه أصبغ عن ابن القاسم في بناء مسجد، وإدخال بعض المقبرة فيه؟. يبن لنا ذلك، مأجورا إن شاء الله تعالى. فجاوب وفقه الله، على ذلك بأن قال: تصفحت السؤال، ووفقت عليه. وإذا أعذر إلى باني الحمام في الموضع المحبس للدفن فيما ثبت عليه من

323 - ثمان مسائل من ناحية المرية

ذلك، فلم يكن عنده فيه مدفع، فالواجب أن يهدم، ويُسَوَّى موضعه للدفن، على ما حبس عليه. وقد سئلت عن هذه المسألة، فأجبت فيها بهذا. وإن وجد من يتطوع بأن يعطي باني الحمام قيمة مَالَهُ فيه من نقض، وحجارة، ورخام، وآجر، وغير ذلك مما له فيه قيمة، إذا نقض، منقوضا، مطروحا بالأرض على أن يبقى الحمام محبسا على المسجد ولا يهدم: كان من الواجب أن يفعل ذلك، إذ قد أجاز أهل العلم أن تفرغ الأحباس بعضها في بعض، وليس لباني الحمام أن يمتنع من ذلك؛ إذ لا ضرر عليه فيه، إذا أعطي قيمة مَالَهُ قيمة من أنقاضه. وكان في السؤال الذي تقدم جوابي عليه: أنه أشهد على نفسه بأن ثمن غلة الحمام للجامع، فإن كان الأمر على هذا، فيحاسب بثمن غلته في الأعوام الماضية بما يجب له من القيمة. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [323]- ثمان مسائل من ناحية المرية وكتب إليه، رضي الله عنه، بعض الحكام بجبهة المرية، بسؤال احتوى على ثمانية أسئلة، يسأل الجواب على ذلك. ونصه: أدام الله، يا سيدي، ومعتمدي، عِزَّك، ومكَّن صونك وحرزك:

1 - رد المطلقة ثلاثا في كلمة واحدة، وتجريح الشاهد

[1]- رد المطلقة ثلاثا في كلمة واحدة، وتجريح الشاهد من جملة ما وجدت فيما تحت نظري رد المطلقات الثلاث، واستحلال هذه العظيمة؛ فما رأيك فيمن شهد عليه بردها، والتحيل في أن يجعلها طلقة واحدة؟ [2]- تلفيق الشهادة بين الطلاق بالثلاث، والأيمان اللازمة وما تقول، وفقك الله، فيمن شهد عليه شاهد، عدل، مشهور العدالة، إذ قال: لا تحل لي زوجتي، فقال له الشاهد: لم؟ فقال: لأني طلقتها ثلاثا، وشهد عليه شاهد آخر، عدل، عندي: أنه سمعه يقول لزوجته: الأيمان تلزمه إن كنت لي بزوجة أبدا، هل تتلفق الشهادتان؟ وإن تلفقت ما يكون حد من تجرأ على هذا، إن لم يعذر بجهل؟ [3]- عقوبة الشهود، والولي، والكاتب في المراجعة من الطلاق بالثلاث. وما تكون عقوبة الكاتب المتحيِّسل في جعلها طلقة واحدة، إذا وُجِدَ بخط يده المراجعةُ وقد جعل الخال وليا، رَجَّعَ هذا المقدار؟ وما تقول في الخال، هل يعاقب؟ وفي الشهود؟

4 - الحلف بالثلاث في حال التشاجر

[4]- الحلف بالثلاث في حال التشاجر وما تقول، وفقك الله، في ثان شهد عليه شاهدان، عدلان: أنهما سمعاه يقول لوالد الزوجة، قبل البناء مبها، لتشاجر وقع بينهما، فقال: بنت هذا طالق ثلاثا، لا تحل لي بأسود ولا بأبيض، زيادة الأعوام، وقد ردها هذا الكاتب بالمشؤوم، بعد أن جعلها طلقة مباراة؟ وهل للحالف في هذا إعذار في البينة بعد استفهام القاضي إياه عن الطلاق المذكور، فقال: إنما كنت في حال حرج، ما أدري هل طلقت واحدة أم ثلاثا؟ [5]- اعتراف امرأة بالزنا، والولادة منه. وما تقول، وفقك الله، في امرأة رفع إليَّ أمرها: أنها حملت من زنا مرتين، وأنها قتلت ما ولدت، فرفعت إليَّ، فوجدتها حاملا، فسألتها: هل بك حمل، وهو حمل ظاهر؟ فقالت: نعم، إني حامل، وهو من فلان. فقلت لها: وكيف حملت منه؟ فذكرت أنه لم يزل يتبعها، ويراودها، حتى أكرهها، هل تنفعها هذه الدعوى؟ ثم وضعت، ووقفت البينة على المولود، وأقرت به، أنها هي التي ولدته، وهي محصنة. وكيف إن أسقط المقذوف به حقه في الحد، هل يسقط؟

6 - هل الاضطراب في الشهادة جرحة في إمام الصلاة؟

[6]- هل الاضطراب في الشهادة جرحة في إمام الصلاة؟ وما تقول في أئمة كثر منهم الاضطراب في الشهادات، هل تجوز إمامتهم، أم لا؟ [7]- نساء المفقودين في معركة كتندة وما تقول وفقك الله، ما الصحيح عندك في نساء، من فقد بوقيعة كتندة كم يضرب لهن من الأجل؟ وكيف إن طلقت امرأة منهن بشرطها في المغيب، كم تعتد؟ وإن كان في شرطها: " بعد أن تحلف " فطلقت نفسها، في موضع لا حاكم فيه، وتزوجت دون أن تحلف؟ بين لنا جميع ذلك. [8]- هل الجهل في " السياقة " جهل في الصداق؟ ومما كثر - أعزك الله - في هذه البلاد: أن كل ناكح يسوق في صداقه سياقة، من جملة الصداق، فربما وجدتها غير محدودة، ولا معلومة، فتعود بجهل في الصداق؛ فما الحكم فيها، قبل البناء وبعده؟. بين لنا جميع ذلك مأجورا، مشكورا، إن شاء الله. فجاوب وفقه الله، على ذلك كله بما هذا نصه: تصفحت - أكرمك الله بطاعته، وعظمك بتوفيقه - ما سألت عنه، فوق هذا، ووقفت عليه.

[1] والقول بأن المطلقة ثلاثا في كلمة واحدة لا تَحِلُّ لمطلقها إلا بعد زوج مما أجمع عليه فقهاء الأمصار، ولم يختلفوا فيه؛ فالكاتب، الذي ذكرت عنه أن يحلها قبل زوج ويكتب في ذلك المراجعة، رجل جاهل، قليل المعرفة، ضعيف الدين، فعل ما لا يسوغ له بإجماع من أهل العلم؛ إذ ليس من أهل الاجتهاد، فتسوغ له مخالفة ما اجتمع عليه فقهاء الأمصار: مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، وأصحابهم، وإنَّما فرضه تقليد علماء وقته، فلا يصح له أن يخالفهم برأيه. فالواجب أن ينهى عن ذلك، فإن لم ينته عنه أدب عليه، وكانت جرحة فيه، تسقط إمامته وشهادته. [2] وأما الذي شهد عليه شاهد عدل، مشهور العدالة، أنه قال: لا تحل لي زوجتي لأني طلقتها ثلاثا، وشهد عليه شاهد عدل: أنه سمعه يقول لزوجته: الأيمان له لازمة، إن كنت لي بزوجة، فهي شهادة مختلفة، ولا تلفق. والحكم فيها، إن كان منكرا لما شهد أنه عليه: أن يحلف على تكذيب شهادة كل واحد منهما، ويبقى مع امرأته. [3] وأما الذي كتب المراجعة في المطلقة، ثلاثا، وجعل الخال فيها وليا، فالواجب أن يفرق بينهما، ويؤدبون كلهم، والشهود، إن علموا إلا أن

يعذر واحد منهم في ذلك بجهل فيسقط عنه الأدب. [4] وأما الذي شهد عليه شاهدان أنه قال لزوجه: أنت طالق ثلاثا، لا لتحل لي بأسود ولا بأبيض، فلا يعذر إليه فيهيما، إن كان قد أقر بالطلاق، وزعم أنه لا يدري: هل طلق واحدة، أو ثلاثا، لما كان فيه من الحرج، ويفرق بينهما. وبالله التوفيق. [5] وأما المرأة التي ثبت عليها ما ذكرت، فالرجم عليها واجب، والحكم في ذلك إنما هو إلى قاضي الجماعة، فارفع ذلك إليه، يحكم فيه بما يوجبه؛ إذ لا يحكم حكام الكور في حد القتل. [6] [7] وأما من فقد بوقيعة قُتَنْدَة فالذي أراه في ذلك وأعتقده، مما قيل فيه: أن يتلوم لامرأته، من يوم ترفع أمرها، سنة كاملة؛ يبحث فيها عن أمره، فإن لم يوقع له على خبر اعتدت امرأته، وتزوجت إن شاءت، وقسم ماله يبن ورثته. وإن كان لها شرط من المغيب، فأخذت بشرطها، وطلقت نفسها، نفذ ذلك من فعلها، وإن لم يكن في البلد حاكم؛ وعدتها ثلاثة أقراء، إن

324 - وصايا واعترافات بالدين للزوجة في المرض

كانت من أهل الحيض، أو ثلاثة أشهر، إن كانت يائسة عن المحيض. [8] والنكاح الذي انعقد على سياقة غير محدودة في كتاب الصداق جائز، لا يفسخ، قبل البناء، وبعده من أجل إهمال تحديدها في كتاب الصداق، إن كانوا قد عرفوا ذلك، ولم يدخلوا فيه على جهل. وبالله التوفيق، لا شريك له. [324]- وصايا واعترافات بالدين للزوجة في المرض وكتب إليه، رضي الله عنه، من جزيرة طريف بسؤال ثان في قصة المريض الموصي في مرضه بتحبيس الفندين، والاصطبل والحوانيت على موضع معين من ثغور المسلمين، وقد تقدم جوابه عليه، في الجزءِ قبل هذا، فسئل في هذا السؤال الثاني عن أشياء ضمنها كتاب وصيته. ونص ذلك من أوله إلى آخره: جوابك، رضي الله عنك، في رجل مرض، واتصل مرضه بموته، فأشهد وهو في حال مرضه هذا، صحيح العقل، ثابت الفهم والذهن، لزوجته التي توفي عنها، ولا ولد له منها، ولا من غيرها: أن الذي ينغلق عليه باب دار سكناه معها، لها، مال من مالها، وحق لها، ولا حق له في شيء منه، وبشركة في بقر، غنم معينة، لم تنفصل بينهما، وإنه لم يكن دفع إلَيْهَا شيئاً من كالئ

صداقها، الثابت لها قبله، وبرأها في إشهاده هذا من جميع مطالبه، ومن التباعة بسببه، ومن عُلِقَ الأيمان. وأشهد لها، أيضا، بعدة ذهب سماها، ذكر أنها لها قبله، من ثمن خادم كان قد باعها لها، تسلفه منها، وأدخله في مصالحه. وأشهد لأخي زوجته هذه بدين له قبله، كان المشهد هذا قد تسلفها وأنفقها في وجه ذكره، وصارت له في ذمته. وأوصى بتحبيس فندقين له، واصطبل، وحوانيت، على موضع سماه من ثغور المسلمين، تنفق غلته هنالك، في السبيل، ومصالح المسلمين، وقاعة هذين الفندين والاصطبل والحوانيت موظفة بوظيف مسمى من السلطان، أصلحه الله. وأوصى بعتق عبدين له، معينين، وأن يعطيا ذهبا سماها، ودارا عينها، وأن يعطى لمعتق له، سماه، ذهب، ذكر عددها، وأوصى له بذهب سماها. وأقر أن عنده ذهبا موقفة لمسجد سماه، وأوصى له بذهب سماها. وقال في وصاياه المذكورة: إنها خارجة من ثلثه، وما فضل عنها يكون لرجل، سماه وصية له. وأرخ ذلك كله بالتاسع والعشرين من جمادى الأولى. وكان قد أوصى، لهذا الموصى له بفضل الوصايا، بثلث جميع ما

يَتَخَلَّفُهُ من دقيق الأشياء وجليلها، وأرخ وصيته له بالثلث بالعشر الأواخر من الشهر المذكور، تحقق بينة الوصية بالثلث: أنها كانت قبل الوصية له بفضل الوصايا. فكيف ترى ذلك، وفقك الله؟ وما الذي يجوز لزوجته مما أقر، لها به، وأشهد عليه، مما ينغلق عليه باب داره، وغير ذلك؟ وهل يلزمها، فيما يجوز لها من ذلك. يمين، أو فيما يدعيه سائر الورثة قبلها، فيما برأها منه، أم لا؟ وهل ينفذ لأخيها ما أشهد له به من الدين الذي أقر له به؟ وكيف تكون المحاصة في الثلث بين أهل الوصايا؟ وما يسبق بعضه على بعض من ذلك؟ وهل يحاص الموصى له بالثلث، في الثلث، باسم الثلث، أم لا يكون له إلا ما فضل عن الوصايا، كما ذكر الموصي؟ وما يسقط في الحكم، مما أقر به الموصي لزوجته أو غيرها، هل تدخل فيه الوصايا، أم يكون ميراثا، وتكون الوصايا فيما سواه من تركة المتوفى؟ بين لنا ذلك كله، وفقك الله، وراجعنا بالجواب فيه، مأجورا. ومما نبينه أن أخا زوجة التوفي، الذي أقر له بالدين، إنما هو أخ لأم، وهو من أهل الثروة، والغنى والسعة، ساكن في البادية، منتزح بالسكنى، ولا يداخل أخته وزوجها إلا غبا. والله يعينك، ويخلصك بقدرته.

فجاوب، رضي الله عنه، على ذلك كله بما هذا نصه: تصفحت سؤالك هذا، ووقفت عليه. وإذا مات الرجل من مرضه، ولا ولد له، كما وصفت، فلا يجوز إقراره لزوجته بما أقر لها من الدين، ولا ينفذ. وكذلك لا يجوز ما أقر لها به، مما ينغلق عليه باب داره سكناه، ولا يكون لها من ذلك إلا ما كان من متاع النساء، ولا بالشركة في الغنم، والبقر، ولا تسقط عنها اليمين في الكالئ، ولا فيما ادعى الورثة عليها بتبرئته إياها. وأما إشهاده لأخي امرأته بما أشهد له به من الدين فيجوز له إذا كانت حاله معه على ما وصفت. وأما الذهب التي أقر أنها عنده موقفة للمسجد فينفذ إقراره بها. وتؤخذ له من رأس المال. ويبدأ من وصاياه، التي أوصى بها في ثلثه عتق العبدين المعينين، وما بقي من الثلث بعد عتقهما وقعت فيه المحاصة بين جميع أهل الوصايا، ويضرب في ذلك الموصى له بالوصيتين بأكثرهما، وهو الثلث، وما أقر به لزوجه، فلم ينفذ، يكون للورثة، ولا تدخل فيه الوصايا. وبالله تعالى التوفيق. كيفية العمل في ضرب الموصى له بالوصيتين بأكثرهما. فلما وصل جوابه هذا إلى حكم الجزيرة، وقف عليه، مع من هناك من الفقهاء، والمفتين كتبوا إليه:

وصل إلينا، أدام الله توفيقه، الجواب فوق هذا، على السؤال المكتتب بطنه، ووقفنا عليه، والتبس علينا كيفية العمل في ضرب الموصى بالوصيتين بأكثرهما، وهو الثلث، فرغبتنا إلى معلوم جلالك، ومفهوم اهتمامك، بطلبة العلم، واهتبالك: أن تبين لنا وجه العمل، في ضرب الموصى له بالثلث في الثلث، مأجورا، مثابا إن شاء الله تعالى، والسلام على الفقيه الإمام، ورحمة الله وبركاته. فجاوب، أدام الله توفيقه، على ذلك بما هذا نصه: تصفحت سؤالك هذا، ووقفت عليه. ووجه العمل الذي سألت عنه، فيما تقدم جوابي به: هو أن يحصل جميع ما تخلفه المتوفى من العين، والأصول، والعروض وغير ذلك، حاشا ما أقر به لزوجه مما ينغلق عليه باب سكناها معه، وحاشا نصف الغنم والبقر الذي أقر لها به، إذ لا تدخل الوصايا في شيء من ذلك، وإن رجع ميراثا، للتهمة فيه، ويسقط مما اجتمع من ذلك ما أقر لها به من الدين والكالئ. بعد يمينها فيه بالواجب، وما أقر به أيضا لأخي امرأته من الدين والذهب التي أوصى أنها عنده موقفة للمسجد، وإن لم توجد بعينها، فوجب إخراجها من رأس ماله. فما بقي من تركته بعد إسقاط ذلك كله منها، عرف ثلثه، فَبُدِّيءَ فيه عتق العبدين الموصى بعتقهما، وكان الباقي بين جميع أهل الوصايا يتحاصون فيه، على قدر وصاياهم يضرب فيه الموصى له بالوصيتين بأكثرهما، وهو جميع ذلك، وسائر أهل الوصايا بمبلغ وصاياهم: فما نبا الموصى لهم بالعين أخذوه، وما ناب من ذلك الفندقين الموصى

325 - هل ينبش قبر جديد من أجل حرمة قبر سابق؟

بتحبيسهما جعل فيهما، ونفذ تحبيسه، وكذلك ما ناب الدار الموصى بها، فجعل فيها، فينفذ منها للموصى لهما بها ذلك القدر. وتفسير ذلك: أن ينظركم هو الجميع، الذي يجب فيه التحاص، على ما ذكرناه؛ فإن كان تسعين في التمثيل، وكانت قيمة الدار الموصى بها ثلاثين، وقيمة الفندقين الموصى بتحبيسهما ستين، ومبلغ الوصايا من العين ستة وثلاثين جمعت التسعون، والثلاثون والستون، والستة والثلاثون، فكان ذلك مائتين اثنتين، وستة عشر، فيكون للموصى له بالوصيتين من التسعين ما تقع التسعون من المائتين والستة عشر، وذلك ثلاثة أثمانها، وثلث ثمنها، وللوصي لها بالدار من الدار ما تقع الثلاثون، التي هي قيمتها من المائتين والستة عشر، وذلك ثمنها، وتسع ثمنها، وللفندقين الموصى بتحبيسهما، ما تقع الستون، التي هي قيمتها من المائتين والستة عشر، وذلك ثمناها، وتسعا ثمنها، وللموصى لهم بالعين ما تقع الستة والثلاثون، التي هي مبلغ وصاياهم، من المائتين والستة عشر، وذلك ثمنها وثلث ثمنها، فيقتسمون ذلك بينهم، على عدد وصاياهم، وعلى هذه النسبة يكون الحساب في ذلك، قَلَّ المال، أو كثر. وبالله تعالى التوفيق، لا رب غيره. [325]- هل ينبش قبر جديد من أجل حرمة قبر سابق؟ وسئل، رضي الله عنه، عن رجل دفن أربعة من الولد في مقبرة من مقابر المسلمين، فلما كان بعد عشرة أعوام من دفنه إياهم غاب

326 - مسألتان من كورة باغه

الرجل من البلد، فجاء الحفار، فحفر، على قبور أولئك الأطفال، قبرا لامرأة، ودفنها فيه. ثم إن والد الأطفال جاء من سفره، بعد دفن المرأة بثلاثين يوما، ولم يجد لقبور بنيه أثرا غير قبر المرأة، فأراد نبشها، وتحويلها إلى موضع آخر، ليقيم قبور بنيه على ما كان عليه، هل له ذلك، أم لا؟ فجاوب، وفقه الله، على ذلك، بأن قال: لا يجوز أن ينبشها، وينقلها عن موضعها، ولا يحل ذلك له، لأن حرمتها ميتة كحرمتها حية، فلا يحل له أن يكشفها، ويطلع عليها، وينظر إليها، ولو كان ذا محرم منها لما ساغ له ذلك فيها، بعد هذه المدة؛ إذ لا شك في تغيرها فيها. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [326]- مسألتان من كَورَةِ بَاغُه وكتب إليه، رضي الله عنه، بعض الفقهاء المفتين بكورة باغه، يسأله عن مسألتين: [1]- استئثار الأخ الأكبر بالتركة فأما الأولى فهي في رجل توفي عن زوجة، وابن كبير، وابنة صغيرة، وتخلف عروضا وعقارا، فبسط الابن يده على جميع التركة، واستأثر بها دون أخته، الوارثة معه، واغتل العقار خمسا وعشرين سنة، إلى أن توفي، فقامت الأخت تطلب تركة أخيها بميراثها من أبيها، وما اغتل

2 - حول الحديث " داووا مرضاكم بالصدقة "

من العقار الموروث دونها، هل لها ذلك أم لا؟ وهل يقطع حقها في ذلك نظرها إلى أخيها طول هذه المدة، يغتل العقار في وجهها، ولا تطلبة بغلة، وهي الآن تزعم أنها لم تكن تاركة لشيء من ميراثها في أبيها، ولا لما اغتل من عقارها، وأنه كان يعدها بأن ما اشترى من عقار طول هذه المدة، وأضافه إلى العقار الموروث، فهو من غلة العقار الموروث مشتركا بينهما؟ بين لنا الواجب في ذلك. الجواب عليه: لا يبطل حقها بسكوتها عن طلبه، وإن طالت المدة إلى أن توفي أخوها، فلها في ماله ما ثبت أنه اغتله من حصتها. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [2]- حول الحديث " داووا مرضاكم بالصدقة " وأما المسألة الثانية فهي قول النبي صلى الله عليه وسلم: " داووا مرضاكم بالصدقة "، هل هو حديث صحيح؟ وهل هو على ظاهره، أم لا؟ فإن رجلا أصابه مرض، فداواه بكل دواء فما نجع، فإن صح هذا الحديث، وكان على ظاهره، فكيف وجه الصدقة المرجو بها الدواء؟ بين لنا وجه ذلك، مأجورا إن شاء الله تعالى. الجواب على ذلك، تصفحت - رحمنا الله وإياك - سؤالك هذا، ووقفت عليه. وقد روي الحديث، ولست أذكره في شيء من المصنفات المشترطة

صحتها، وإن صح الحديث، فمعناه - والله أعلم - الحض على عيادة المرضى، والترغيب في ذلك؛ لأن من الحقوق التي أوجبها الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم للأخ على أخيه المسلم أن يعوده إذا مرض، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " المسلم أخو المسلم، يشهده إذا مات ويعوده إذا مرض، وينصح له إن غاب أو شهد ". وعيادته إياه في مرضه معروف يصنعه إليه، وكل معروف صدقه، وهو إذا عاده وصله بذلك، وأدخله عليه السرور بعيادته إياه، ودعائه له. ولا شك في أن الرجاء في إجابة الدعاء له بالراحة والشفاء أكثر من الرجاء في الانتفاع بمعاناة الحكيم، إذ قد يصيب في معاناته فينفعه، وقد يخطئ فيها عليه، فيضره، والدعاء منفعة له على كل حال. وقد يحتمل أن يكون الحديث على ظاهره في المرضى المحتاجين، لأن المريض المحتاج يستعين بما يتصدق عليه على التداوي الذي قد أباحته الشريعة، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم، " أنزل الدواء الذي أنزل الأدواء ". وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له.

327 - التفاضل بين المعطي والسائل

[327]- التفاضل بين المعطي والسائل وسئل، رضي الله عنه، عن معنى قول علي بن أبي طالب، رضوان الله وسلامه عليه: " إن الذي يأخذ من الناس شيئاً كالذي يغرس شجرة في أرض غيره، فإذا جاء صاحبها أخذ الأرض والشجرة ". فقال، وفقه الله، في ذلك: المعنى في هذا أن الثواب والأجر في العطية إنما هو لصاحب المال، الذي يعطيه، لا للذي يأخذه منه؛ فإن أخذ الرجل من الرجل شيئاً، فقد نفعه بما يأخذه منه، بالأجر الذي يدخل عليه في ذلك، ولم يكن له هو في ذلك أجر، فكان كالذي يغرس شجرة في أرض الرجل؛ لأن منفعتها إنما تكون لصاحب الأرض لا للذي غرسها فيها، فشبه الأخذ من ماله بالغرس في أرضه، وهو تشبيه بين على ما ذكرناه. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [328]- هل تدفع الزكاة كلها للمستحقين من الأقارب؟ وسئل، رضي الله عنه، عن رجل له مال، تجب فيه زكاة لها بال، وله أقارب ضعفاء فقراء، ومذهبه: أن يؤدي جميع زكاة ماله بأسرها إليهم، ولا يخرج شيئاً منها عنهم إلى من سواهم، هلل له ذلك، أم لا؟ فقال: وفقه الله، ما هذا نصه: تصفحت السؤال، ووقفت عليه. وإن وضع زكاته كلها في قرابته، أجزأه ذلك، وإن علم غيرهم

329 - مكتر زرع الأرض، ولم يف بشرط القليب

أحوج منهم، فالاختيار له لا يخص قرابته بجميعها دونهم. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [329]- مكتر زرع الأرض، ولم يف بشرط القليب وسئل، رضي الله عنه، عن مسألة من كراء الأرضين. وهذا نصها. الجواب: رضي الله عنك. في رجل أكرى أرضه في زمن القليب. لعام واحد، على أن يقلبها المكتري في وقت القليب، ويزرعها في زمن الزراعة، فترك المكترى قليبها وَزَرَعَها في زمن الزراعة، هل لرب الأرض عليه حجة، فيما ترك من قلبيها الذي اشترطه عليه؟ وهل يجب له بذلك عليه حق، أم لا؟. فجاوب، وفقه الله، على ذلك بما هذا نصه: تصفحت السؤال، ووقفت عليه. ومن اكترى أرضا في وقت القليب على أن يزرعها في وقت الزراعة، فمن حقه أن يقلبها، ليجود بذلك زرعه، وإن لم يشترط ذلك على رب الأرض. وقد تكون لرب الأرض في ذلك منفعة، لأن الأرض تجود بذلك له إن أراد أن يزرعها في العام الذي بعده، ولم يرد أن يُجِمَّها بترك زراعتها. فإذا اشترط على المكتري أن يقلبها، ويثني عليها بالحرث عند

330 - القضاء بالشاهد واليمين.

زراعتها، لما له في ذلك من المنفعة، كان الكراء جائزا، والشرط لازما. فإن ترك المكتري القليب باختياره، أو حال بينه وبينه مانع؛ وقد اشترط ذلك عليه، وجب أن ينظر إلى قيمة كراء الأرض في العام، على أن تقلب قبل الزراعة، وعلى ألا تقلب؛ فإن كانت قيمة كراء الأرض على المكتري، زائدا على كرائه، ما بين الكراءين، وإن كانت قيمة كراء الأرض على أن تقلب أكثر من قيمة كرائها على ألا تقلب؛ وقد اشترط المكتري على رب الأرض أن يقلبها لزراعته فيها، فحال بينه وبين قلبيها مانع من عذر أو نحوه، حط عنه من الكراء الذي أكراها به ما زاد فيه، بشرط القليب، وذلك بأن ينظر إلى ما بين الكراءين في القيمة، فإن كان الخمس، أو السدس، أو العشر، حط عنه من الكراء، الذي أكراها به، ذلك الجزء ما كان قل أو كثر. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [330]- القضاء بالشاهد واليمين. وكتب إليه، رضي الله عنه، القاضي بسبتة أبو الفضل ابن عياض، رضي الله عنه، يسأله عن نازلة نزلت به في القضاء باليمين مع الشاهد المختفي، ذهب السؤال ولم أجده، وهو بين في الجواب. وهذا نصه: تصفحت - أعزك الله بطاعته، وعصمك بتوفيقه - سؤالك هذا ووقفت عليه.

وإذا كان أمير المسلمين أدام الله تأييده وتوفيقه، قد صرف الحكم بين هَذَيْن الرجلين إليك، وأوقفه آخرا عليك، وكان من مذهبك القضاء باليمين مع الشاهد، على مذهب مالك لما جاء في ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم. فحكمك للطالب بشهادة الشاهد المختفي، الذي خاطبك القاضي أبو سعيد بقبوله له، لعدالته عنده، مع يمينه، هو الصواب إن شاء الله عز وجل، لأن الصحيح من الأقوال المشهورة في المذهب إجازة شهادة الشاهد المختفي. فأنفذ ذلك من حكمك، وأمضه من قضائك ونظرك، ولا تتوقفعنه من أجل ما حكم به القاضي أبو سعيد من إبطال شهادته، بفتوى من أفتاه بذلك، إذ ليس حكمه بإبطال شهادته حكما منه بإبطال الحق عن المطلوب، فيكون حكمه للطالب بيمينه مع شهادته ردا لحكم تقدم باجتهاد. وإذا لم تبطل شهادته بجرحة ثبتت عليه عنده، بعدما خاطبك به من عدالته، وإنما أبطلها بمذهبه أنها لا تجوز، فلا يمنعك ذلك من إجازتها، والحكم بها، وإذ لا يلزم اتباعه على مذهبه في ذلك، ومذهب من أفتاه به مع مخالفة من خالفهم من جملة العلماء المتقدمين والمتأخرين، وإنما يلزمه هو ذلك في خاصة نفسه، لو كان هو الحكم في القضية.

331 - الزوج يطالب الأب أن يجهز ابنته بمستوى ما قدم الأول في " السياقة ".

وإن لم يكن من مذهبك القضاء باليمين مع الشاهد، على ما جرى به العمل عندنا، فقد خاطبك ذلك القاضي بشهادة شاهدين مقبولين شهدا عنده بأنهما سألا سعيدا عما يطلبه به الآخر، فقال لهما: قد دفعت إليه أكثر مما كان له عندي، وهذه الشهادة توجب أن يسأل المدعى عليه عما كان له عنده، فإن أقر به، وكان أقل مما يدعي الطالب، حلف أنه لم يكن له عليه إلا ذلك، وحلف المدعي أنه ما دفع إليه شيئاً من ذلك، على اختلاف في يمينه، لإنكار المدعى عليه، أولا، جميع دعواه، وإن أبى أن يقر بشيء وصمم على الإنكار، وتمادى عليه حلف المدعي على ما يدعي، واستحلفه قبله. ر وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [331]- الزوج يطالب الأب أن يجهز ابنته بمستوى ما قدم الأول في " السياقة ". وكتب إليه، رضي الله عنه، من مدينة شلب (جبرها الله عز وجل) يسأل عن رجل ساق إلى زوجه سياقة عند عقدة النكاح عليها، وطلب من أبيها أن يشِّورها بشورة تقاوم سياقه؛ إذ العرف جار عندهم بذلك، فأبى الأب ذلك. ونص السؤال: جوابك، رضي الله عنك، في أهل بلد لهم مناكح قد عرفت لهم وعرفوا بها، لا يتعدونها. وعادتهم في مناكحهم هذه: أن يسوق الرجل منهم لامرأته جزءا من أملاكه، والعرف عندهم والعادة:

أن من ساق منهم لامرأته ذلك الجزء من أملاكه، فإنه لابد لوالد الزوجة أن يبرزلها إلى زوجها من مال نفسه عطية لها بما يفي بالمقدار الذي ساقه لها زوجها، وبما يربي يعليه. هذه العادة عندهم ثابتة قديمة، متوارثة مستمرة لا تتخلف. فتزوج رجل منهم امرأة مما تكون كفؤا له، وما تشبه مناكحه، وساق لها من ماله ما جرت العادة عندهم بأن يسوقه مثله لمثلها، ووالد الزوجة من أهل الثروة، والحال، التي إنما يساق لابنته ما ساقه لها زوجها على أن يبرزها مما يعطيه لها من المال والحال بنا يبرز به مثلها، فذهب والد الزوجة، بعد تلك السياقة التي ساقها لابنته زوجها أن يبرزها إليه فقيرة، دون أن يعطيها ما جرى العرف والعادة أن يخرج به مثلها. فما الذي تراه، وفقك الله، في ذلك هل ترى أن العرف كالشرط، وترى على الأب أن يجهزها بما جرت به العادة أن يجهز به مثلها، إذ المال من جملة ما تنكح المرأة إليه، وإذ السياقة التي دفع إليها فيها إنما كانت من أجله، أم ما الذي تراه في ذلك؟ بين لنا الواجب فيه يعظم الله أجرك. فجاوب، وفقه الله على ذلك بما هذا نصه: تصفحت السؤال ووقفت عليه.

وإذا أبى الأب أن يجهزها إليه بما جرى به العرف والعادة أن يجهز به مثلها إلى مثله، على ما نقدها وساق لها، كان بالخيار بين أن يلتزم النكاح أو يرده عن نفسه، فيسترد ما نقد، ويسقط عنه ما أكلأ وساق. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. سؤالان متفرعان عن السابقة. فلما وقف السائل على هذا الجواب، ركب على سؤاله الأول سؤالين اثنين، بعد قوله في الأول: " على أن يبرزها مما يعطيه لها من المال، والحال، بما يبرز به مثلها ". [1]- لو كانت تلك البنت، التي امتنع أبوها من تجهيزها بالمثل، توفيت قبل البناء فطالب الأب بالإرث؟ فأما أحدهما فهو: وأقام الزوج ووالد الزوجة مدة من الزمان، إلى أن توفيت الزوجة قبل البناء، فذهب والدها إلى أن يأخذ ميراثه في ابنته في صداقها: نقده وكالئه وفي السياقة التي ساقها إليها زوجها، وأبى الأب أن يبرز من ماله ذلك القدر الذي كان يبرزها به لو كانت حية، فما الذي تراه - وصل الله توفيقك - في ذلك، هل يكون له ما زعم من ذلك، ولا يكون عليه هو أن يخرج من ماله، ذلك القدر الذي جرى به العرف والعادة، أم ترى أنه لا ميراث له في شيء من ذلك إلا بأن يخرج هو من ماله ذلك القدر الذي كان يجهزها به،

فينضاف ذلك إلى الصداق والسياقة، ويقتسم الجميع على فرائض الله؟. بين لنا الواجب في ذلك، يعظم الله أجرك. فجاوب، وفقه الله، على ذلك بأن قال: تصفحت السؤال، ووقفت عليه. وإذا أبى الأب أن يبرز لها من ماله ما يكون ميراثا عنها، القدر الذي يجهز به مثلها إلى مثله، على ما نقدها، وساق إليها، فلا يلزم الزوج إلا صداق مثلها، على ألا يكون جهازها إلا بقيمة نقدها. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [2]- الأب يدعي، بعد الزواج، أن ما جهز به ابنته لم يكن إلا عارية. وأما السؤال الثاني، فهو، أيضا، بعدما تقدم ذكره في السؤال الأول، ونصه: وأقام الزوج ووالد الزوجة مدة من الزمان، إلى أن قضى الله تعالى بأن أبرزت إلى زوجها، وأخرجت إليه من المال والحال بما يخرج به مثلها إلى مثله، أبرزها بذلك كله والدها، ودخل بها زوجها على تلك الحال. فلما كان بعد ذلك، ذهب والد الزوجة إلى أن يسترجع إلى نفسه ما كان أبرزها به من ذلك كله، وزعم أنه إنما كان أخرجه لها عارية منه، والزوج يأبى من أن يكون عليه الصداق والسياقة إلا بأن يكون ما خرجت به لها ومالا من مالها.

332 - من كان أكثر احتراما للهدنة بين طليطلة والمسلمين.

فما الذي ترى - وصل الله توفيقك - في ذلك؟ وهل القول قول الأب، أم قول الزوج؟ بين لنا الواجب في ذلك بفضلك. الجواب عليه: تصفحت سؤالك، ووقفت عليه. وإذا كان الأمر على ما وصفته فيه، فليس للأب أن يستردَّ ما أبرزها به إلى زوجها من الحلي والثياب، ولا يصدق فيما ادعاه من أنه إنما أبرز ذلك إليها على سبيل العارية منه لها. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. قال الفقيه أبو الحسن: هذه النازلة نزلت في بنتي ابن حيي الذي كان قاضيا بشلب، إحداهما خرجت إلى الزوج، والأخرى توفيت قبل الخروج، أخبرني بذلك زوج المتوفاة منهما. والحمد لله وحده. [332]- من كان أكثر احتراما للهدنة بين طليطلة والمسلمين. وسأله، رضي الله عنه، الأمير أبو الطاهر تميم بن يوسف بن تاشفين، أصلحه الله، عما اعترفه المسلمون من أموالهم بأيدي النصارى

الداخلين إلى قرطبة من طليطلة، أعادها الله للمسلمين باسم التجارة أيام الصلح. ونص السؤال من أوله إلى آخر حرف فيه: جوابك رضي الله عنك، فيما اعترفه أهل بلدنا هذا من أموالهم بأيدي تجار أهل طليطلة، الداخلين إلى بلدنا بتجارة، بعد أن أقاموا البينة بأنه مالهم، ما باعوه، ولا وهبوه، إلى أن ضربت سرية، صح عندهم أنها من أهل طليطلة، فأخذت هذه الأموال، المعترفة مع أسارى المسلمين، وأن ذلك إنما كان في أيام الهدنة الكائنة بيننا وبينهم، وثبت هذا من قول البينة. هل يحكم في ذلك بصرفه على معترفيه، كما يحكم فيما استحقه المسلمون بعضهم من بعض، أم لا؟ وكيف إن ادعى أرباب هذه الأموال المعترفة أن لهم أسارى بطليطلة في دور هؤلاء التجار، وأنهم إنما أخذوا في الهدنة على ما تقدم، هل لهم ارتهان من زعموا أن أولياءهم عندهم من التجار الذين عندنا، حتى يردوا من عندهم من الأسرى، أم لا؟. بين لنا ذلك مأجورا إن شاء الله تعالى. فأجاب، وفقه الله، على ذلك بأن قال: تصفحت السؤال، ووفقت عليه. وإن كان التجار من أهل طليطلة، أعادها الله، خرجوا منها، بعد أنه أن أغارت سريتهم على بلاد المسلمين، فأسرت الرجال، وأخذت الأموال، فلا عهد لهم، لأن العهد في الدخول إلى بلاد المسلمين في

333 - من قال: كل امرأة أتزوجها بقرطبة فهي طالق

التجارة إنما أعطوه على أن يكفوا عن المسلمين، ولا يغيروا عليهم، فيأسروهم ويأخذوا أموالهم، فالواجب أن يرتهنوا هم وما معهم من الأموال، فيما أخذت السرية، الخارجة من عندهم من أسرى المسلمين وأموالهم، حتى يصرفوا ذلك إليهم، فإن أجابوا إلى ذلك وفعلوه، بقيت الهدنة على ما كانت عليه، وإن أبوا ذلك، انتقضت، وعادت حربا، وكان التجار المرتهنون أسرى للمسلمين، وأموالهم فيئا لهم، ومن أثبت من الناس في شيء مما وجد بأيديهم أنه ماله وملكه، أخذته السرية المذكورة الخارجة من طليطلة بعد المهادنة قضي له به. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [333]- من قال: كل امرأة أتزوجها بقرطبة فهي طالق وسئل، رضي الله عنه، في رجل قال: كل امرأة أتزوجها بقرطبة فهي طالق، ثم تزوج، ماذا يلزمه؟ ونص السؤال: الجواب، رضي الله عنك، في رجل حلف فقال: كل امرأة أتزوجها بقرطبة فهي طالق، ولليمين نحو من ثلاثين عاما، ولا يدري كيف كان طلاقه أطلقة بائنة واحدة، أو طلقتين، فتزوج منذ الثلاثين عاما بقرطبة، وكان جاهلا بما يلزمه، وقد طلق هذه الزوجة طلقة واحدة ثم إن راجعها، وله منها أولاد. فوقع في نفسه من تلك اليمين شيء، فاعتزلها منذ أربعة أعوام والحال منجرة معها إلى الآن على هذه الصفة.

بين لنا، وجه التخلص في ذلك، وإن كان يقر النكاح على ما هو عليه، أو يفسخ؟ وكيف يكون حال الأولاد الذين حدثوا بعد اليمين؟ مأجورا مشكورا إن شاء الله. فجاوب، رضي الله عنه، على ذلك بما هذا نصه: إذا كان يمينه على ما وصفت، فالطلاق يتكرر عليه في المرأة التي تزوج بقرطبة، كلما تزوج فيها، فيلزمه الطلاق، الذي حلف به في نكاحه إياها، أولا، بقرطبة، وفي مراجعته إياها بعد ذلك، ولا يلزمه الطلاق الذي طلقها هو بعد أن تزوجها، لأنها قد كانت بانت منه بالطلاق الأول. فلو أيقن أنه إنما كان حلفه بأن قال: كل امرأة أتزوجها بقرطبة فهي طالق، ولم يزد على ذلك، لكان له أن يتزوجها بغير قرطبة، بأن تخرج هي، ووليها معها، إلى غير قرطبة من البلاد، فيعقد نكاحها فيه، ثم يرجع بها إلى قرطبة، فيسكن معها فيها. وأما إذا كان شاكا، لا يدري يإن كان حلفه بطلقة أو بطلقتين فالاختيار له ألا يفعل ذلك، وأن يتورَّع عنه، من غير أن يكون ذلك واجبا عليه، إذ ليس على يقين من الطلقة البائنة. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

334 - عقوبة من سب الرسول عليه السلام، واستهان بالقرآن ولغته

[334]- عقوبة من سبَّ الرسول عليه السلام، واستهان بالقرآن ولغته وكتب إليه، رضي الله عنه، يسأل في رجل شهد عليه أنه تكلم بكلام سوء في جنبة النبي، صلى الله عليه وسلم، إلى غير ذلك من الكلام. ونص السؤال: جوابك، رضي الله عنك، في رجل شهدت عليه البينة أنه قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم، خرج من المخرج الذي خرج منه البول، وثبت ذلك عليه من قوله عند الحاكم، وهو ينكر ذلك، ويكذب الشهود، ويقول: حاشا لله أن أقول مثل هذا، وشهد عليه شاهد واحد: أنه قال: أنا أقرأ سورة يوسف بالعجمية، وشهد عليه شاهد واحد، أيضا، أنه قال: لعن الله العربية، والذي أخرجها، مع ما يسمع من التخليط منه في مثل هذا، وفشا عنه في موضعه، وقريته، وقال كل من شهد عليه: إن الرجل القائل لهذا كله لا يترك الصلوات، وكثيرا ما يفعل الخير، إلا ما سمعوا منه، مما شهدوا به حسبما تقدم. فلك الفضل في الجواب، مأجورا مشكورا إن شاء الله تعالى. فأجاب، رضي الله عنه، على ذلك بأن قال: تصفحت سؤالك هذا، ووقفت عليه. والواجب فيما شهد به على هذا الرجل، الضعيف الدين، أو الخارج عن ملة الإسلام، أنه قال في النبي: أن يسأل الشهود الذين شهدوا عليه بذلك عن الكلام الذي جر قوله ذلك، وكان سببا له،

335 - يوقف حظ المفقود بكتندة من الإرث لمدة سنة

خرج عليه جوابا له: فإن تبين بذلك، تبينا لا يشك فيه: أنه قصد بذلك إلى الغض منه، صلى الله عليه وسلم، والانتقاص له، والاحتقار لشأنه، والوضع له عن مكانه، ولم يكن عنده مدفع في البينة، التي شهدت عليه بذلك، وجب عليه القتل، وإن لم يتبين أنه أراد بذلك سوى إثبات كونه من البشر، ليس بملك من الملائكة، وجب عليه الأدب الموجع، إذ لم ينزه النبي صلى الله عليه وسلم، عن أن يذكره بمثل هذا، وقد كان غنيا عنه، وفي مندوحة منه. وما ذكرت من أنه شهد عليه شاهد واحد، وفشا عنه، في موضعه وقريته، يويجب عليه الأدب، إن ثبت ذلك عليه. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له، وصلى الله على محمد خاتم رسله، وسلم تسليما. [335]- يوقف حظ المفقود بكتندة من الإرث لمدة سنة وكتب إليه، رضي الله عنه، من حضرة المرية بسؤال يسأل فيه عن رجل فقد بوقعية قتندة، له أخ، وابن أخ، توفي ابن الأخ، كيف يقسم ميراثه. ونصه: رجل حضر غزوة قتندة، وشاهدها، ولم يسمع له خبر بعدها وتوفي، منذ أيام، ابن أخيه، بحضرة المرية عن تركة تخلفها، وله عم بالمرية من ساكنيها؛ فهل يخص بِالوِرَاثَةِ كلها، أم يعطي حظه الواجب له منها، ويعمر المفقود تعميرا يرفع إليه حظه منها؛ إذ لا وارث للمتوفى غيرهما؟

336 - تؤخر قسمة التركة بظهور حمل وارث.

أوضح لنا الجواب في هذا موفقا إن شاء الله. فجاوب، وفقه الله، على ذلك بأن قال: تصفحت السؤال، ووقفت عليه. وإذا كان الأمر على ما وصفته فيه فيعطى عمه الحاضر حظه من تركة ابن أخيه المتوفى، ويوقف عمه الغائب، سنة كاملة، يبحث فيها عن أمره، ويستنجش فيها عن خبره: فإن انقضى العام، ولم تعلم له حياة ولا موت، رد ما وقف له إلى عمه الحاضر. هذا الذي أقول به في هذا، وأتقلده مما قيل فيه. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [336]- تؤخر قسمة التركة بظهور حمل وارث. وسئل، رضي الله عنه، عن صبي توفي، وترك وورثة يحيطون بميراثه، فذكرت الأم أنَّها حامل، هل تصح قسمة المال، أم لا؟. ونص السؤال: في صبي توفي، وترك أمه وأخته شقيقته، وأخته لأمه، وعصبته، فلما كان بعد موت الصبي المذكور، ذكرت أمه أن بها حملا. هل تصح قسمة المال، أم لا؟ وهل يقال لزوج الأم المذكورة أن يعتزلها، حتى يتحقق الحمل، الذي ذكرت، أم لا؟ وكيف وجه

الاعتزال؛ أَبِأنْ يتحول الزوج عن الدار، التي يسكن مع الزوجة فيها إلى دار غيرها، أم ذلك موكول إلى ديانته، ويقال: اعتزلها فقط؟ وكيف إن أغفل الورثة قسمة ذلك الميراث إلى أن ظهر بها الحمل، وتبينه القوابل، فادعى العصبة المذكورون أن سبب الحمل لم يكن إلا بعد موت الصبي المتوفى، فهل تدين المرأة في بذلك، ويصدق قولها؟ بين لنا الواجب في ذلك، موفقا مأجورا إن شاء الله تعالى. فجاوب، وفقه الله، على ذلك بأن قال: تصفحت سؤالك هذا، ووقفت عليه. وإذا قالت أم المتوفى: إنها حامل، لم يقسم ميراثه، حتى تضع حملها؛ فإن ثبت ما قالت من أنها حامل بشهادة النساء، كان له الميراث، وإن وضعته لأكثر من ستة أشهر، وإن لم يثبت أنها حامل، ولا عرف ذلك إلا بقولها، كان له الميراث، إن وضعته لأقل من ستة أشهر، ولم يكن له ميراث إن وضعته لأكثر من ستة أشهر، إلا أن يكون زوجها ميتا، أو غائبا، يعلم أنه لم يصل إليها بعد وفاة ابنها. ولا تصدق المرأة ولا زوجها إن كان حاضرا، وولدته لأكثر من ستة أشهر، في أنه لم يطأها، بعد موت ابنها، فإنما يؤمر الزوج باعتزال

337 - لا يجوز ائتمام من يصلي فريضة بمن يصلي نافلة لدى المالكية

زوجته إذا مات ابنها من غيره، ليكون على يقين من طلب ميراث ولده منها، إن أتت بولد لأكثر من ستة أشهر، لا لأنه يصدق في وجوب الميراث له بما يدعيه من أنه لم يطأ زوجته بعد وفاة ابنها، إذا لم يعلم صدقه في ذلك بمغيبه. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [337]- لا يجوز ائتمام من يصلي فريضة بمن يصلي نافلة لدى المالكية مسألة، في وجه ما روي من أن معاذ بن جبل، رضي الله عنه، كان يصلي الفريضة مع النبي، صلى الله عليه وسلم، ثم يأتي قومه، فيصليها معهم، وكيف يصح ذلك؟ قال الفقيه الأجل الإمام الحافظ، القاضي العدل، أبو الوليد بن رشد شيخنا، رضي الله عنه: إن سأل سائل عن وجه ما روي أنَّ معاذ بن جبل كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يأتي قومه، فيؤم بهم، فتصح صلاتهم، وهي له نافلة؛ إذ قد صلى فريضته مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ما لا يجوز عند مالك، رحمه الله، وجميع أصحابه؟ فالجواب على ذلك: أنه لا حجة في فعل معاذ لجواز ذلك؛ إذ ليس في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، علم ذلك من فعله، فأقره عليه، وجوزه له؛ فلعله فعل ذلك قبل أن يعلم الصواب

338 - هل اعتقاد مذهب أهل الظاهر جرحة تسقط بها الشهادة؟

فيه ثم رجع عنه، ويحتمل أن يكون ذلك من فعله في أول الإسلام حين كان للرجل أن يصلي فريضته مرتين، فكان فعله منسوخا بما روى من النهي عن ذلك، ويحتمل أن يكون كان يجعل صلاته مع النبي، صلى الله عليه وسلم، نافلة، ثم يأتي قومه، فيؤم بهم في فريضته. وإنما جاز أن يأتم من يصلي نافلة بمن يصلي فريضة، ولم يجز أن يأتم من يصلي فريضة بمن يصلَى نافلة؛ لأن نية النفل داخلة في نية الفرض، وليست نية الفرض داخلة تحت نية النفل، وبيان ذلك: أن مصلي الفريضة ينوي القربة إلى الله بصلاته، وأداء فريضته، ومصلي النافلة ينوي القربة إلى الله بصلاته خاصة، فإذا ائيتم من يصلي نافلة بمن يصلي فريضة، فقد ائيتم بمن وافقه على نيته، وإذا ائيتم من يصلي فريضة بمن يصلي نافلة فقد ائيم بمن لم يوافقه على نية الفريضة. وبالله تعالى التوفيق، ولا شريك له. [338]- هل اعتقاد مذهب أهل الظاهر جرحة تسقط بها الشهادة؟ وكتب إليه، رضي الله عنه، من حضرة المرية يسأل في شاهد مشهور الخير، يعتقد مذهب أهل الظاهر، هل ذلك جرحة في شهادته، أم لا؟

ونص السؤال الجواب، رضي الله عنك، في رجل من أهل الخير والفضل، مشهور بذلك، معروف به، شهد بشهادة على رجل من الناس، في حق من الحقوق، والشاهد المذكور، مع كونه على الصفة المذكورة، يأخذ مذهب أهل الظاهر، نفاة القياس، ويعتقد ذلك، ويلتزمه، ويتمذهب بمقتضاه. فبين لنا، وفقك الله، هل تقبل شهادة من هو على هذه الصفة؟ وهل اعتقاد المذهب المذكور يسقط شهادته، ويكون مجرحا به أم لا؟ واشرح لنا ذلك شرحا بينا، إن شاء الله تعالى. فجاوب، وفقه الله، على ذلك، بما هذا نصه، تصفحت السؤال، ووقفت عليه. أ- إنكار القيَاس في ذلك جملة جرحة في الشاهد وإبطال القياس في أحكام شرائع الدين، جملة، عند جميع العلماء بدعة، وذلك فيمن اعتقده، ودان به، جرحة؛ لأن ذلك خلاف ما دل عليه القرآن، وتظاهرت به الآثار، واجتمع عليه الصحابة ومن بعدهم من فقهاء الأمصار، وانعقد عليه الإجماع: قال الله عز وجل: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ} [النساء: 82]، وقال: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2]. والاعتبار: تمثيل الشيء بالشيء، وإجراء حكمه عليه، وقال: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83]، وقال عز وجل: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} [يس: 81]، وقال عز وجل: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ

النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ} [الواقعة: 62]، فوبخهم على إنكار النشأة الثانية، مع أن لهم طريقا إلى معرفتها، وهو القياس على النشأة الأولى، التي يقرون بها، وهي في معناها، ومثل هذا في القرآن كثير. وروت أم سلمة أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: " إني أقضي بينكم بالرأي فيما لم ينزل فيه وحي " " ومصداق هذا الخبر في كتاب الله عز وجل، قال الله عز وجل: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} [النساء: 105] والسنن المتواترة في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، أكثر من أن تحصى، فهي ترفع العذر، وتوجب القطع بالحكم بالرأي والاجتهاد، وإقرار أصحابه على ذلك في زمنه مع وجوده صلى الله عليه وسلم، ونزول الوحي، فكيف به اليوم بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وانقطاع الوحي. من ذلك الخبر المشهور لمعاذ بن جبل حين أنفذه إلى اليمين واليا ومعلما، فقال له: " بم تحكم؟ " قال: بكتاب الله. قال: فإن لم تجد؟ " قال: " فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: " فإن لم تجد؟ " قال: أجتهد رأيي، فقال: " الحمد لله الذي وفق رسول رسوله لما يرضي رسوله ". ومن ذلك قوله للخثعمية: " أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيته؟ " قالت: نعم قال: " فدين الله أحق أن يقضى "، فقاس، صلى الله عليه وسلم، وجوب قضاء دين الخالق على وجوب قضاء دين المخلوق. وقال، صلى الله عليه وسلم، في لحوم الأضاحي: " إنما نهيتكم من أجل الدافة التي

دفت عليكم "، فأعلم بالعلة، ليعتبروها، وهذا نص منه، صلى الله عليه وسلم، على وجوب الحكم بالقياس. وسئل، رضي الله عليه، وسلم، عن بيع الرطب بالتمر، فقال: " أينقص الرطب إذا يبس؟ " فقالوا: نعم، فقال: " فلان إذن "، ففي سؤاله إياهم: هل ينقص الرطب إذا يبس بيان واضح على أنه إنما أراد بذلك تنبيههم على العلة في بيع الرطب بالتَّمر، وتوقيفهم عليها ليعتبرها حيثما وجدوها، إذ لا جائز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم، يجهل أن الرطب إذا يبس ينقص، وإنما أراد أن يعلمهم أن معنى نهيه عن بيع التمر بالتمر متفاضلا موجود في بيع بالرطب بالتمر مثلا بمثل، وهذا بين. وقال صلى الله عليه وسلم للذي أتاه، فقال له: أنه قد ولد لي ولد أسود، وإني أنكرته: " هل لك من إبل "؟ قال، نعم. قال: " فما ألوانها؟ " قال: حمر. قال: " فهل فيها من الأورق "؟ قال: إن فيها لورقا. قال: " فأنى ترى ذلك جاءها؟ قال: عرق نزعة. قال: " فلعل هذا عرق نزعه "، ولم يرخص له، صلى الله عليه وسلم، في الانتفاء منه، ومثل هذا في السنن كثير. وأما الإجماع فحصوله وتقرره معلوم، والدليل على ذلك: أن

الصحابة رضي الله عنهم، اختلفوا في أشياء كثيرة، كتوريث الجد، والعول في الفرائض، وديات الأسنان، واحتج كل واحد على صاحبه لمذهبه بالقياس، وشاع ذلك بينهم، وذاع من غير نكير، ولو كان منكرزا لتسارعوا إلى إنكاره، على ما وصفهم الله به في كتابه، حيث يقول: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 110]. ولو لم يوجد في ذلك إلا حديث عمر، رضي الله عنه، في أمر الوباء، لصَحَّ به الإجماع، ووجب له الانقياد والاتباع، حيث خرج إلى الشام بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان بِسَرْغٍ بلغه أن الوباء قد وقع بالشام، فاستشار المهاجرين الأولين فاختلفوا عليه، فمنهم من قال له: أرى ألا تفرَّ من قدر الله، ومنهم من قال له، لا تقدم ببقية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، على هذا الوباء ثم دعا الأنصار فاختلفوا كاختلاف المهاجرين قبلهم، ثم دعا من حضر من مشيخه قريش من مهاجرة الفتح، فلم يختلفوا عليه، وأمروه بالرجوع، ولم يكن منهم أحد ذكر في ذلك آية من كتاب الله، ولا حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل أشار كل واحد منهم عليه برأيه، وما أداه إليه اجتهاده، ولم ينكر عليه أحد فعله، فقال عمر: إني مُصْبِحٌ على ظهر، فأَصْبِحُوا عليه، فقال أبو عبيدة الجراح: أفرارا من قدر الله؟ فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة!. نعم، نفر من قدر الله إلى قدر الله: أرأيت لو كان لك إبل في واد عَدْوَتَانِ، إحداهما خصبة، والأخرى جدبة، أليس إن رعيت

الجدبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله. فاعترض عليه أبو عبيدة بالرأي، وجاوبه عمر بالرأي والقياس، ولم يحتج أحدهما في ذلك بكتاب الله، ولا بسنَّة، ولا إجماع، ثم شاعت هذه القصة، وذاعت ولم يكن في المسلمين من أنكر القول فيها بالرأي، فما مسألة يدعى الإجماع فيها أثبت في حكم الإجماع من هذه المسألة. ب- إنكار بعض وجوه القياس مِنْ غَيْرِ المجتهد جرحة وأما إن كان هذا المسؤول عنه لا ينكر القياس جملة، وإنما ينكر بعض وجوهه؛ إذ منه جلي، وخفي، ويخالف فيما ينكر من وجوهه ما عليه جمهور الفقهاء، وعامة العلماء، فلا يكون ذلك جرحة فيه، إن كان من العلماء الراسخين في العلم، الذين قد كملت لهم آلات الاجتهاد، فكان فرضه ما أداه إليه اجتهاده. وأما إن كان لم يلحق بهذه الدرجة، وكان فرضه التقليد، فترك ما عليه الجمهور، ومال إلى الشذوذ، بغير علم، ولا معرفة، إلا باتباع هواه في اتباع غير المستحسن من هذه الأقوال، فما هُدِيَ لرشده، ولا حصلت له البشرى من الله، عز وجل، على فعله؛ لأن الله عز وجل يقول: {فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 17 - 18]. وذلك جرحة فيه، لأن

339 - حول الآية: وأن ليس للإنسان إلا ما سعى.

الله عز وجل، يقول: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيد بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: 26]. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [339]- حول الآية: وأن ليس للإنسان إلا ما سعى. وكتب إليه، رضي الله عنه، يسأل عن معنى قول الله، عز وجل: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39] وما ذكر مكي في كتاب " الناسخ والمنسوخ " له: إن هذه الآية محكمة، إلا ما خصصته السنة من الحج عن الميت، فهل يجوز لأحد أن يعتمر عن أحد، أو يقرأ قراءة، ويتصدق بفضلها على حي أو ميت، أو لا يجوز شيء من ذلك، إلا الحج عن الميت خاصة؟ فجاوب، وفقه الله على ذلك بأن قال: تصفحت سؤالك هذا، ووقفت عليه. وقد قيل في قوله الله عز وجل: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39]، إنها آية محكمة غير منسوخة، إلا ما خصص منها بالسنة، كما قال مكي، رحمه الله، وقيل: إنها منسوخة بقول الله عز وجل: (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمانهم ألحقنا بهم ذرياتهم) وليس ذلك يبين؛ لأن

النسخ إنما يكون فيما تعارض من القول، ولا يمكن الجمع بينه بتأويل، وليس في قول الله عز وجل: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39] نص على أنه لا يكتب له ما لم يعمل، ولا على أنه لا يكتب له ما لم يعمل، ولا على أنه لا يكتب له عمل غيره، ولم يعمله لنفسه؛ ألا ترى أنه لو قال تعالى {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39] أو سعاه له غيره لا لنفسه، أو نوى عمله ولم يعمله، لم يكن كلاما متنافيا. والآية إنما هي إعلام بما في صحف موسى وإبراهيم عليهما السلام؛ فإن كانت على عمومها في جميع الأحوال فليس هذا حكم أمة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله تعالى قد تفضل عليها بأن كتب لها كثيرا مما لم تعمل، على ما نطق به القرآن، وتظاهرت به الآثار. من ذلك قول الله عز وجل: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} [النساء: 95]. فدل على أنه يستوي القاعدون من أولي الضرر مع المجاهدين. وقال صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته: " إن بالمدينة أقواما، ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا، إلا وهم معكم، حبسهم العذر ". وقال صلى الله عليه وسلم: " ما من امريء تكون له صلاة بليل يغلبه عليها نوم إلا كتب الله له أجر صلاته ر، وكان نومه عليه صدقة ". وقال صلى الله عليه وسلم: " ما من داع يدعو إلى هُدى إلا كان له مثل أجر من اتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ".

وقال صلى الله عليه وسلم للرجل الذي قال له: إن أمي قد افتلتت نفسها وأراها لو تكلمت تصدقت، أفأتصدق عنها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، نعم. وخرج سعد بن عبادة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في بعض مغازيه، فحضرت أمه الوفاة بالمدينة، فقيل لها: أوصي، فقالت: فيما أوصي؟ إنما المال مال سعد؛ فتوفيت قبل أن يقدم سعد، فلما قدم سعد بن عبادة قيل ذلك له، فقال سعد، يا رسول الله، هل ينفعها أن أنصدق عنها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم. فقال سعد: حائط كذا وكذا صدقة عنها. لحائط سماه. فاتفق أهل العلم على أنه يجوز أن يتصدق الرجل عن الرجال، ويعتق عنه، وعلى أنه لا يجوز أن يصلي أحد عن أحد؛ واختلفوا في الصيام والحج، والمشي، فمالك لا يرى أن يحج أحد عن أحد، إلا أن يوصي بذلك، فتنفذ وصيته، لما جاء في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ومراعاة للاختلاف فيه. وأما من مات وعليه صيام، أو نذر مشي، فلا يصام عنه، ولا يمشي عنه، ولا تنفذ وصيته في ذلك، وإن أوصى به. ويهدي عنه في المشي، قيل: هديان، وقيل: يهدي عنه من الهدايا بقدر الكراء، والنفقة، ويطعم عنه في الصيام: مد عن كل يوم لكل مسكين. وسحنون يرى أن تنفذ وصيته بالمشي، كما تنفذ وصيته بالحج، وابن كنانة لا يرى أن تنفذ وصيته لا في الحج، ولا في المشي، واستحبَّ مالك لمن وعد أباه أن يمشي عنه أن يفي له بما وعده به من ذلك.

340 - شرح القاعدة: " كل فذ بان، وكل مأموم قاض ".

وإن قرأ الرجل القرآن، ووهب ثواب قراءته لميت، جاز ذلك، وحصل للميت أجره، ووصل إليه نفعه، إن شاء الله. وبالله التوفيق، لا شريك له. [340]- شرح القاعدة: " كل فذ بان، وكل مأمومٍ قاض ". وسئل، رضي الله عنه، فيما ذكره أبو محمد ابن أبي زيد، في مختصره في كتاب الصلاة، من قوله: " كل فذ بان، وكل مأموم قاض "، كيف وجه ذلك؟. ولأي وجه كان ذلك؟. فقال: تصفحت سؤالك هذا، ووقفت عليه. وما ذكر ابن أبي زيد في مختصره صحيح على مذهب مالك، وعامة أصحابه، وذلك أن المأموم يقضي ما فاته من صلاة الإمام، إذا سلم الإمام على حسب ما فاته: إن فاتته الركعة الأولى من صلاة الصبح، أو المغرب، أو العشاء الآخرة، قضاها بالحمد وسورة، وجهر فيها بالقراءة، وإن فاتته الركعة الأولى من صلاة الظهر، أو العصر، قضاها إذا سلم الإمام، بالحمد وسورة سرا، كما فاتته. والفذ إذا ذكر في آخر الصلاة أنه قد بطلت عليه الركعة الأولى، بنسيان سجدة منها، أو ما أشبه ذلك، بنى على الثلاث ركعات، التي معه، ركعة رابعة، عوض الركعة الأولى التي بطلت عليه، فقرأ فيها بالحمد وحدها، سرا، من أي الصلوات كانت، ما عدا الصبح، وسجد قبل السلام؛ لأنه تجتمع عليه في صلاته زيادة ونقصان.

فهذا هو الفرق بين البناء للفذ، والقضاء لمأموم؛ وإنما افترق حكم المأموم في هذا من حكم الفذ من أجل أن الصلاة للمأموم مرتبطة بصلاة إمامه. فإذا فاتته الركعة الأولى، فقد صلى معه الثانية والثالثة، والرابعة، فلا يصح أن يجعل الثانية، التي صلى معه، أولى، والثالثة ثانية، والرابعة ثالثة، ثم يتم رابعة بعد سلام الإمام، فيكون قد خالفه في أن صلى الصلاة معه على خلاف ما صلاها هو عليه من تغيير الركعات. هذا من جهة المعنى، وهو، أيضا، بَيِّنٌ من جهة اتباع ظاهر السنة الواردة في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، من قوله: " إذا ثوب بالصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وعليكم السكينة والوقار، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا "؛ لأنه أَمَرَ صلى الله عليه وسلم، من فاته شيء من صلاة الإمام أن يتم، على ما صلى معه، ما فاته، والذي فاته: الركعة الأولى، فوجب أن يصليها على الصفة التي فاتته، والمنفرد لا يصح له أن يجعل الركعة الأولى، التي بطلت عليه، آخر صلاته، فيكون إذا فعل، قد غير رتبة الصلاة، بأن جعل الركعة الأولى آخر صلاته، وخالف أيضا، ظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يرد أن كان صلى ثلاثا، أو أربعا، فليصل ركعة، ثم سيجد سجدتين، وهو جالس، قبل التسليم "؛ لأن الظاهر من قوله أنه أمره أن يبني

341 - ادعاء دين بسبب الإيصاء والتوكيل على القبض

على اليقين، وهو أن معه ثلاث ركعات، فيصلي الرابعة بالحمد وحدها، يكون فيها بانيا، لا قاضيا. وحكم الإمام إذا ذكر، في آخر الصلاة، أنه سقط سجدة من الركعة الأولى حكم الفذ، إن كان أسقطها هو ومن معه، أو هو وبعض من معه، يكون فيها بانيا، وحكم المأموم إن كان أسقطها هو وحده يقضيها وحده بالحمد وسورة، والقَوْم جُلُوس، حتى يفرغ فيسلم بهم. ومذهب أشهب من أصحاب مالك: أن المأموم يبني كما يبني الفذ، ولا يقضي، وهو مذهب الشافعي، على أصله، في أن صلاة المأموم غير مرتبط بصلاة إمامه. وبالله تعالى التوفيق. [341]- ادعاء دين بسبب الإيصاء والتوكيل على القبض وخاطبه، رضي الله عنه، قاضي المرية، سائلا عن رجل أقر أنه وكل وكيلا على قبض مال الرجل، زعم أَنَّه كان وصيا عليه، ثم أنكر بعد ذلك. ونص السؤال: اعتراف بالإيصاء والتوكيل، وإنكار القَبْض بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ - جواب الفقيه الإمام أبي الوليد، رضي الله عنه، في رجلين قال أحدهما للآخر: استقرت لي بيدك مائة دينار، وكلت عليها من قبضها، وصارت إليك فيما ذكر لي؛ فقيل للطالب: بأي

وجه تدعي أنه وكَّل على قبضها؟ فقال: إنه كان يزعم أنه كان وصيا. فأنكر المدعى عليه قبض ذلك، واعتراف بالإيصاء، وأنه وكل على قبض المال وكيلا، ووجهه في طلب المال، وقال: إن الوكيل لم يصل إليه بعد، ولا رآه، وأنه غَرِقَ في البحر قبل وصوله إليه. عقد استرعاء على إنكار الإيصاء والتوكيل واستظهر الطالب على المطلوب بعقد، نسخته بعد سطر الافتتاح: " يشهد من تسمى بعقب تاريخ هذا العقد من الشهداء أنهم يعرفون أبا بكر وعمر ابني محمد بن أبي زمان، بأعيانهما وأسمائهما، معرفة صحيحة ثابتة، وأنهم حضروا مجلسا، اجتمع فيه أبو بكر وعمر المذكورين ليقرر كل واحد منهما أخاه على ما يطلبه به، وأحضرا من يأتي اسمه في هذا الكتاب لاجتماعهما المذكور، ومطالبة بعضهما لبعض، ليشهدا عليهما بما يقران به، أو ينكرانه، فوقعت بينهما في المجلس المذكور مطالبات. ثم إن أبا بكر المذكور قال لأخيه عمر: الست تزعم أنك كنت وصيا علي؟ فأنكر عمر المذكور أنه كان وصيا على أخيه، أبي بكر المذكور. ثم قال، أيضا، أبو بكر المذكور لأخيه عمر: أليس لي عندك مائة دينار واحدة ذهبا، وهي التي تصدق بها عليَّ عمي أبو الحسن علي بن عمر بن أبي زمان، رحمه الله، وهي لي قبلك؟ فقال له عمر المذكور مجاوبا: ما قبضت لك شيئاً، ولا لك عندي شيء. فقال له أبو بكر: ولا

وكلت وكيلا يقبض المائة دينار المذكورة، فقبضها، وصارت إليك من عنده، وهي لي قبلك باقية عندك؟ فقال عند ذلك عمر المذكور، مجاوبا لأخيه أبي بكر: ما وكلت ولا قبضت، ولا أعلم شيئاً مما تقول، ولا أعرف شيئاً من ذلك كله. فعند ذلك أشهد أبو بكر المذكور من يأتي اسمه في هذا الكتاب على إنكار أخيه عمر المذكور، بجميع ما وصف، وقرر في هذا الكتاب. شهد بذلك كله من عرفهما كما ذكر، وسمعه منهما، حسبما وصف وتحقق، وعرفه، كما اجْتُلِبَ في هذا الكتاب، وأوقع شهادته على معرفة ذلك كله، إذ سئلت منه، فأداها، وقام بها، في العشر الوسط من المحرم سنة تسع عشرة وخمس مائة. من تسمَّى، وهم: ... ". وثبت لهذا الطالب قبض الوكيل للمال، فقال للمطلوب: قد أنكرت في هذا العقد الإيصاء والتوكيل، ثم اعترفت بعد ذلك بالإيصاء والتوكيل، وثبت لي قبض وكيلك للمال، فادفع إلي ما لي. فقيل للطالب، لما استظهر بهذا العقد: ألم تسمع إلى قول خصمك: إن الوكيل غرق في البحر؟ فقال الطالب، مجيبا: غرق في البحر بعد مدة. فقيل له: قبل وصوله أو بعد وصوله؟ فقال: لا أعرف. بين لنا - أعزك الله - الواجب على المطلوب، إذا ثبت جميع ما نص في هذا الرسم من قولهما، وإقرار المطلوب بالإيصاء والتوكيل، بعد إنكاره لهما، وثبوت قبض الوكيل لِلْمَالِ، وقول الطالب: " لا أعرف متى غرق الوكيل " قبل وصوله إلى موكله، أو بعده، وتأمل

عقد الاسترعاء، وتفضل بالمراجعة على ذلك، مأجورا إن شاء الله تعالى. فجاوب، وفقه الله، على ذلك بما هذا نصه: تصفحت السؤال، ووقفت عليه. ولا يصدق بالمطلوب فيما ادعاه من الإيصاء، لاسيما بعد أن أنكر ذلك، على ما تضمنه العقد؛ ويلزمه، بما أقر به من توكيله على قبض المال، إن لم يثبت ما ادعاه من الإيصاء، ضمانه، بقبض الوكيل إياه، بتوكيله له على قبضه إذ قبضه، وادعى تلفه، بعد يمين الطالب: إنه لم يكن له وصيا، وأنه تعدى في توكيله على قبض المال، دون أن يكون ذلك إليه. ويصدق بالوكيل فيما ادعاه من تلف المال، إذا ادعى ذلك بوجه يشبه، ولم يكن منه في ذلك تضييع ولا تفريط، مع يمينه على ذلك. وإن كان ثبت قبض الوكيل للمال ببينة على معاينة الدفع إليه، بريء الدافع بذلك من المال، وأما إذا لم يثبت ذلك إلا بتشاهدهما عليه، دون معاينة الدفع، أو بإقرار الوكيل بالقبض، فلا يبرأ الدافع بذلك من المال، ويكون للطالب أن يرجع به عليه. وإن رجع على المطلوب، بعد يمينه، على ما تقدم، رجع المطلوب على الدافع، إذا لم تكن يبنة على معاينة الدفع إلا أن يصدقه على ذلك. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له.

342 - بيع براءات الطعام قبل قبضه.

[342]- بيع براءات الطعام قبل قبضه. وسئل، رضي الله عنه، في البراءات، التي يخرج السلطان للجند بالطعام إلى الحصون، هل يصح لهم بيعها قبل قبضها، وهل هي كصكوك الجار التي ذكر في المدونة، أم بينهما فرق؟ وهل تفترق عنهما عطايا المرابطين، التي هي أثبت من عطايا جند أهل الأندلس، أم هل الأمر سواء؟. فقال: تصفحت السؤال، ووقفت عليه. ولا يجوز للجند من المرابطين وغيرهم بيع الطعام المرتب لهم على خدمتهم، وعملهم، إذا خرجت لهم به البراءات، إلا بعد أن يقبضوه، ويستوفوه، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام، قبل أن يستوفي، بِخلاف صكوك الجار، التي إنما كانت أعطية أقطعها أهل المدينة من مال الله، الذي كان يحمل من مصر في السفن إلى الجار على غير عمل يعملونه فيتبايعها الناس قبل أن يستوفوها، فجاز فيها بيع الذين أقطعوا إياها، ولم يجز بيع المشترى لها، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له.

343 - معارضة الورثة فيما زاد من الوصية على الثلث

[343]- معارضة الورثة فيما زاد من الوصية على الثلث وسئل، رضي الله عنه، في رجل عهد في مرضه بأشياء كثيرة، ذكرها في كتاب عهده، ثم توفي، فأبى الورثة أن يجيزوا منها غير ما حمله الثلث، لإحاطتها بجميع المال. ونص السؤال: جوابك، رضي الله عنك، في رجل توفي عن ابنتين وزوجة، وأخ، وكان قد عهد في مرضه، الذي توفي منه: أن يجمع خراج دارين له، وما يشف من غلتهما، وتصالحا به، وينفق ما فضل بعد إصلاحهما على مسجد سماه، مدة عشرة أعوام، وأن تجري على أخيه نفقته، طول حياته، من غلة رحى تخلفها، وألا تؤخذ ديون كانت له في أقوام سماهم منه، وعهد بعد ذلك أن يفرق عنه طعام وكتان، وثياب، وزيت، وسمى عدد ذلك، وأن يعتق مملوكة له سماها، وفرق الطعام، والزيت، والكتان، والثياب، وأنفذ عتق المملوكة. وعهد، أيضا، لحفدته: بني ابنته بجميع ما يتخلفه من الأملاك: العقار كلها، على اختلاف صنوفها، حيث كانت، وبجميع ما يتخلفه من الحيوان: البقر والغنم وغيرهما. فأبى الورثة أن ينفذوا من جميع ما عهد به المتوفى المذكور إلا ما حمله ثلثه، إذ كان عهده قد استغرق جميع ماله.

بين لنا - وفقك الله - ما ينفذ من هذه الوصايا كلها، أو هل تنفذ كلها؟ وهل وصيته لأخيه بالإنفاق المذكور نافذ له، مع سائر الوصايا، أم لا تنفذ؟ وأن تحاص أصحاب الوصايا في الثلث كيف يكون تحاصهم؟ وكيف تكون المحاصة بما عهد به للمسجد؟ وهل ينفذ ما عهد به من إصلاح الدارين المذكورتين؟ وكيف يكون تقويم خراجهما، المدة المذكورة، وتقويم الديون؟، ومتى يقوم الحيوان المذكور أيوْمَ التحاص، أم يوم وفاة الميت، إن كانت الحيوانات المذكورة، حين توفي الرجل المذكور، قد هلكت ولم يبق منها إلا شيء يسير؟. فجاوب، وفقه الله، على ذلك بما هذا نصه: تصفحت - رحمنا الله وإياك سؤالك هذا، ووقفت عليه. ومن حق الورثة ما ذهبوا إليه من أن لا ينفذوا مما عهد به المتوفى إلا ما حمله ثلثه؛ فيقوم جميع ما تخلفه المتوفى يوم النظر في ذلك، ويعرف مبلغ الثلث من ذلك، فيبدأ فيه عتق بالمملوكة الموصى بعتقها، فما فضل من الثلث بعد عتق المملوكة تحاص فيه جميع أهل الوصايا، بمبلغ وصاياهم، يضرب فيه للمسجد بقيمة كراء الدارين، مدة عشرة أعوام، بعد أن يسقط من ذلك ما يحتاج إلى نفقته، من إصلاح ما يحتاج إلى إصلاحه فيهما، ويضرب فيه للأخ بقيمة نفقته إلى منتهى الحد الذي يعمر إليه، وذلك ثمانون عاما، على الذي نختاره مما قيل في حد التعمير، ويضرب فيه للموصى لهم بالديون، التي عليهم بعددها، إن كانوا مياسير، وبقيمتها إن كانوا معدمين، ويضرب فيه بقيمة الطعام، والكتان، والزيت، والثياب، التي أوصى بها، ويضرب فيه حفدة الموصي

344 - وسيط دفعت إليه سلعة ليبيعها نقدا، فباعها إلى أجل

بقيمة ما أوصى لهم به من الأملاك والحيوان: فما ناب المسجد في المحاصة، وقف لما يحتاج إليه المسجد، وما ناب الأخ في المحاصة كان للورثة، إلا أن يجيزوه له، وما ناب الموصى لهم بالديون، التي عليهم، في المحاصة سقط مما عليهم منها، وما ناب الحفدة الموصى لهم بالأملاك والحيوان جعل فيما أوصى لهم به من ذلك، يبلغ به ما بلغ، ويضمن الذي عجل، فنفذ الطعام، والزيت والثياب، والكتان، قبل أن يعرف ما يجب لذلك في المحاصة ما زاد على ما ينوبهم في المحاصة. وبالله التوفيق، لا شريك له. [344]- وسيط دفعت إليه سلعة ليبيعها نقدا، فباعها إلى أجل وسئل، رضي الله عنه، في رجل دفع إلى رجل ثيابا، ليبيعها له بالنقد، فباعها إلى أجل. ونص السؤال: الجواب، رضي الله عنك، في رجل دفع إلى رجل ثيابا، ليبيعها له بالنقد، وخرج صاحب الثياب إلى بلد آخر، فباعها المأمور إلى أجل؛ إذ لم يجد من يشتريها منه بالنقد، وكتب إلى صاحبها يعلمه بذلك، ثم مات المأمور، فادعى وارثه على صاحب الثياب أنه أمره أن يبيعها إلى أجل إن لم يجد من يشتريها منه بالنقد، وكيف إن وكل الوارث من يقبض أثمان الثياب، فقبضها، وادعى أنها تلفت بيده، ما الواجب في ذلك؟. فأجاب، وفقه الله، على ذلك بما هذا نصه: تصفحت السؤال، ووقفت عليه.

وإن علم أن صاحب الثياب أمر المأمور أن يبيعها بالنقد، فباعها بالدين، إذ لم يجد من يشتريها منه بالنقد، فهو لقيمتها ضامن، إلا أن يكون إذ كتب إليه معلما بذلك، رضي بذلك من فعله، وأجازه. فإن كان المأمور قد مات كما ذكرت، وادعى عليه وارثه الرضا بفعله ذلك، أو أنه أمره أن يبيع بالدين، إن لم يجد من يبيع منه بالنقد، حلف على ما ادعى عليه به من ذلك، وكان له في مال المأمور المتوفى قيمة الثياب. وإن أجاز فعله، أو نكل عن اليمين، وحلف الوارث، كانت له أثمان ثيابه على المبتاعين لها، بقبضها، أو يوكل على قبضها من شاء. وإن كان وكل وارث المأمور على قبضها، فقبضها وكيله، وهو لا يعلم بتعديه، ويظن أنها له، وادَّعى تلفها، على صفة لا يجب بها عليه ضمان، سقط عنه الضمان مع يمينه على ذلك، وبريء الدافع بالدفع إليه، إن لم يعلم بتعدي الوارث في ذلك، وظن أن المال له، وكانت له على معاينة الدفع، ولزم الوارث الغرم. وإن علم الوكيل بتعدي الوارث الذي وكله، لزمه الضمان، ولم يصدق في التلف، ورجع صاحب الثياب على من شاء منهما: فإن رجع على الوارث كان للوارث أن يرجع على الوكيل، وإن رجع على الوكيل لم يكن له أن يرجع على أحد. وإن كان الدافع قد علم أن المال ليس للوارث، أم لم يعلم ولا كانت له بينة على معاينة الدفع لكان لصاحب الثياب أن يرجع عليه، فإن رجع عليه رجع هو على الوكيل، الذي قبض عنه، وادعى التلف. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له.

345 - هل ينفذ طلاق من أخذت بشرط المغيب في بلد ليس به قاض؟

[345]- هل ينفذ طلاق من أخذت بشرط المغيب في بلد ليس به قاض؟ وسئل، رضي الله عنه، في رجل تزوج امرأة بكرا، وغاب قبل البناء بها، غيبة متصلة، تجاوز فيها الأجل الذي شرطه لها، بحيث لا يعلم، فذهب إلى الأخذ بشرطها. ونص السؤال من أوله إلى آخره: الجواب، رضي الله عنك، في رجل تزوج امرأة بكرا، زوجها أبوها، وانعقد على الزوج، في كتاب صداقها معه، شرط المغيب، حسبما ينعقد في صداقات الناس اليوم، فغاب الزوج قبل البناء بزوجته، بحيث لا يعلم غيبته، جاوز فيها أمد المغيب بكثير، فذهبت المرأة إلى الأخذ بشرطها، وحلفت بمحضر جماعة من جيرانها يعرفون مغيب الزوج المذكور، وطلقت نفسها، ولم يكن بالمكان، الذي فيه الزوجان، حَكَم يثبت عنده المغيب والصداق، غير أن الأمر مشهور، معلوم، هل ينفذ ما فعلته المرأة من اليمين والطلاق، على شرطها، وتستحق نصف صداقها، ويحل لها التزويج على هذه الصفة، ولا يكون لأحد في فعلها كلام ولا اعتراض، إذ الأمر مشهور لا يجهله أحد من أهل قريتنا، أم لا؟ بين لنا بيانا شافيا، يأجرك الله تعالى، وهل إن كان الوصول إلى الحَكَم يتعذر لبعده عن موضع الزوجين، يوهن فعلها، أم لا؟ بين لنا جميع ذلك بيانا شافيا يعظم الله أجرك.

346 - هل يقام حد الزندقة بالقرائن؟

فأجاب، وفقه الله، على ذلك بأن قال: تصفحت السؤال، ووقفت عليه. وإذا كان الأمر على ما وصفته فيه فمن حقها أن ينفق عليها من ماله، إذا طلبت ذلك، وأن تطلق عليه بعدم الإنفاق، إذا سألت ذلك، ولم يكن لها مال، وأن تأخذ بشرطها الذي شرطه لها في المغيب. فإن لم يكن في البلد حَكَم ترفع إليه ذلك، فأخذت بشرطها، وطلقت نفسها بعد يمينها، على ما شرطه الزوج، بحضرة شهود عدول، يعرفون المغيب والشرط، نفذ ذلك على الزوج، إن جاء، ولم يكن له مدفع في الشرط، ولا في المغيب. وإن أرادت أن تتزوج قبل قدومه، فينبغي أن ترفع ذلك إلى الحَكَم، فتثبت عنده الأمر كله، على وجهه، ويتلوم للغائب، فإن لم يأت حكم بإنفاذ ذلك عليه وإرجاء الحجة له، وأباح لها النكاح. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [346]- هل يقام حد الزندقة بالقرائن؟ وكتب إليه، رضي الله عنه، موسى بن حماد، قاضي حضرة مراكش، منها، سائلا، عن رجل إسلامي، شاع عليه أنه يدين بدين النصارى، حتى أدى ذلك إلى النظر في أمره. ونص السؤال: جوابك، رضي الله عنك، في رجل كان على دين النصرانية، فأسلم، وأظهر الإسلام، ثم سمع عنه أنه باق على دين

النصرانية، مع ما هو عليه من إظهار الإسلام، وكثر سماع ذلك منه، ورفع إلى السلطان من أمره ما أوجب الكشف عن حاله، ففتشت داره، فألقي فيها بيت يشبه الكنيسة، فيه حنية إلى جهة الشرق، وهي أضيق من سعة البيت، وليس في الحنية دكان سرير، وفيها قنديل معلق، وآثار كثيرة، ألصقت فيها شموع، وألقي في مسكنه كتب بخطوط النصارى، وشموع كثيرة، ولوح على أربع قوائم على شبه المحمل، وعصا على رأسها عود مصلب، والعود فيه قدر الشبر أو أكثر من ذلك، وأقراص صغار من العجين قد جففت، وفي كل واحدة منها طابع. وشهد شاهد ممن يعرف أحوال النصارى، وأمور شرعهم، بأن الشموع المذكورة مما يتقرب بها النصارى، ويهدونها إلى قُسُسِهِمْ، ليوقدوها في متعبدهم، وأن اللوح، الذي على أربع قوائم، مما يضع عليه قسيس النصارى والإنجيل، حين قراءته إياه، وأن العصا، التي على رأسها عود مصلب مما يتوكأ عليها وقت قيامه لقراءة الإنجيل، وأن الأقراص المذكورة قربان النصارى الذين يتقربون به عند تمام صومهم، وأنها لا تكون إلا عند أئمتهم. فهل ترى - أدام الله توفيقك - أن تكون هذه الأشياء المذكورة التي ألقيت في مسكن هذا الرجل، مع ما سمع عنه من إظهار الإسلام، وإخفاء دين النصرانية، دلائل يقضى بها على زندقته، إذ كان يظهر الإسلام، حتى عثر منه على ما تقدم ذكره، ويحكم عليه بما يحكم به على الزنديق، أم لا؟

بين لنا ذلك، مأجورا إن شاء الله تعالى. فأجاب، وفقه الله، على ذلك بأن قال: تصفحت سؤالك، ووقفت عليه. وإذا لم يثبت على هذا النصراني الذي أسلم، وأظهر الإسلام طائعا: أنه يُسِرُّ النصرانية، ويدين بها، ببينة عدلة، لا مدفع له فيها، فلا يحكم عليه بالقتل، دون استتابة، كالزنديق، بما وجد في داره، مما يتشرع به النصارى في دينهم، وإن غلب على الظن أن تلك الأشياء الموجودة في داره، وهو يتشرع بها على دين النصرانية، لا من سواه ممن يساكنه من النصارى، أو ينتابه منهم، لاسيما بما ذكرت من أنه سمع عنه أظنه باق على النصرانية، مع ما هو عليه من إظهار الإسلام، وكثر سماع ذلك عنه، إذ لا تقام الحدود من القتل وغيره بالسماع، ولا غلبة الظنون، وإنما تقام بالبينة العدلة من المسلمين. ألا تعرى أنه لو استفاض على رجل من المسلمين أنه شارب للخمر، فوجدت الخمر في داره، وبين يديه، وعلى مائدته مرة بعد أخرى، لما وجب عليه حد شرب الخمر، وإن غلب على الظن شربه بها. ولو استفاض على رجل أنه يزاني امرأة فاجرة، معلومة بالفجور، فوجدت معه في داره، قد أغلق عليها بابه، وانفرد بها مدة من الزمان، لم يجب عليه حد الزنا، وإن غلب على الظن بخلوته معها المدة الطويلة من الزمان، زناه بها، وإنما يجب عليه بذلك العقوبة الوجيعة.

347 - الأسبقية بين الشركاء في حق الشفعة

فكذلك يجب على هذا الذي سألت عنه، العقوبة الموجعة لظهور الريبة عليه بما وجد في داره من تلك الأسباب التي وصفت. وبالله تعالى التوفيق لا شريك له. [347]- الأسبقية بين الشركاء في حق الشفعة وكتب إليه، رضي الله عنه؛ من بعض بلاد الأندلس، يسأل عن مسألة من الشفعة. ونصها: الجواب، رضي الله عنك، في أملاك بين قوم في إشاعة، باع أحدهم حظه منها، من بعض شركائه فيها، مع حظه من أملاك غيرها، هي بينه وبين المشتري منه، وبين بعض أشراكه في الأملاك المذكورة أولا. فأراد بعض الأشراك في الأملاك المذكورة، أولا، الشفعة على المشتري، والتساوي معه فيما اشتراه، على قدر فرائضهما. فقال له: غيرك أولى بالشفعة منك فليس لك شفعة علي، حتى يوقف ذلك الأول. فهل له - أعزك الله - أن يمنعه من الدخول معه فيما اشتراه حتى يوقف الأول، أم لا؟ وما مقدار توقيفه، إن وجب توقيف، أيوقفه، فأما أخذ، وإما ترك، أم يؤخره إلى آخر أمد الشفعة، يرى رأيه، أم ماذا يكون؟ وهل إن أوقفه، فقال: إني أشفع، هل له أن يؤجله ثلاثة أيام، فأما شفع، وإلا شفع هذا الآخر، الذي هو أبعد منه،

أم ماذا يكون؟ وكيف إن غفل هذا الأبعد عن طالب الشفعة إلى آخر أمدها، وغفل عنها الأول، أيضا، إلى ذلك الحين، أتنقطع شفعتهما جميعا، أم يكون لهذا الأبعد حجة؛ لأنه يقول: كان أمامي من كان أولى بالشفعة مني، فلذلك سكت، فلما رأيت الأمد قد تم له، حينئذ طلبتها أنا، فهل ينفعه هذا أم لا؟ وهل يكون - أعزك الله - إن وجبت الشفقة للشريك في الأملاك المذكورة، أو لا على المشتري جميعا، بأي وجه وجبت له، تقدير الأملاك كلها على الطالب للشفعة وعلى المشتري جميعا، أم على أحدهما دون الآخر؟. فبين - رضي الله عنك - وجه الحكم في هذا، وفي جميع ما سألتك عنه، مأجورا إن شاء الله تعالى. فأجاب، وفقه الله، على ذلك بأن قال: تصفحت - رحمنا الله وإياك - سؤالك هذا، ووقفت عليه. وإذا باع بعض الشركاء حظه في الأملاك من بعض أشراكه فيها مع حظه من أملاك أخرى، مشتركة بينه وبين المشتري منه وبين بعض أشراكه في الأملاك الأولى، في صفقة واحدة كما ذكرت، فوجه الحكم في ذلك: أن يفَضَّ الثمن على حصته من الأملاك الأول والأُخر، فيكون ما ناب كل حصة من الثمن، كأن البيع وقع فيه على انفراده. فإن كان بعض الشفعاء في الأملاك الأُول، أو الأُخر، أحق بالشفعة من سائرهم كما ذكرت، مثل أن يكونوا أهل سهم واحد، أو

348 - مسألتان من القاضتي أبي الفضل ابن عياض

أهل ورثة دون سائرهم، فليس للأبعد أن يأخذ بالشفعة حتى يوقف الأقرب على الأخذ أو الترك، فإن ترك كان للأبعد أن يأخذ بها، وإن قال: إذا وقف: أنا آخذ، ولم يحضر نقده، تلوم له في ذلك اليوم، واليومين، والثلاثة، فإن لم يأت بالمال، لم تكن له شفعة، ووجبت لمن بعده من الشفعاء. واختلف إن طلب، إذا وقف على الأخذ أو الترك، أن يؤخر ليرتئي في ذلك، اليوم واليومين والثلاثة، هل يكون ذلك له، أم لا، على قولين، ولا اختلاف في أنه لا يؤخر في ذلك إلى حد انقطاع الشفعة. وإذا لم يقد واحد من الشفعاء يطلب الشفعة حتى مضى أمد انقطاعها، على اختلاف في حد ذلك بطلت شفعتهم جميعا، القريب منهم والبعيد، ولا حجة للبعيد فيما احتج به من أن القريب كان أحق منه بالشفعة، ولذلك لم يقم بطلبها، لأن سكوته عن أن يقوم بشفعته فيأخذ بها، إن كان الأقرب غائبا، أو يوقفه على الأخذ أو الترك إن كان حاضرا، مسقطا لحقه فيها. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [348]- مسألتان من القاضتي أبي الفضل ابن عياض وكتب إليه، رضي الله عنه، القاضي بسبتة أبو الفضل ابن عياض، يسأله في مسألتين، مما نزل بين يديه في مجلس أحكام القضاء.

1 - وسيط تجاري توفي خارج بلدته، ولم يترك إقرارا بما عليه

[1]- وسيط تجاري توفي خارج بلدته، ولم يترك إقرارا بما عليه فأما الأولى فهي في رجل معروف بتبضيع التجارة له، سافر إلى بعض بلاد المغرب، فتوفي هناك، وترك دنانير، ولم يوص بشيء، فقام جماعة يطلبونه ببضائع وجهوها معه، وأثبت بعضهم أنه يعلم شريكا له، ولا يعلم انفصاله عنه، ولم يحد الشركة، ولا عرف صورتها، وأثبت بعضهم إقرار الميت بأنه وجد معه في تلك السفرة متاعا، ولبعضهم أنه باع له متاعا يسيرا، وثبت لبعضهم دين قبله، وله عقار بالحضرة. بين لنا ما يجب في هذا كله، وكيف يكون الحكم فيما شهد لهؤلاء به، ومن شهد له بالشركة، ومن شهد له بإقراره، أو توجيهه معه الماع؟ وهل يدخل أصحاب الدين مع أصحاب البضائع في المال، الذي كان بيده؟ أو هل يدخل أصحاب البضائع في أثمان عقاره، وأصوله، لا سيما أنه لم يوص بأموالهم، ولا عرف عند من تركها؟ بين لنا ذلك لنعتمد على رأيك السديد فيه، مأجورا مشكورا، إن شاء الله تعالى. الجواب عليها: تصفحت السؤال - أدام الله توفيق القاضي الأجل، وأجمل تخلصه - الواقع فوق هذا، ووقفت عليه. والذي أراه في هذا: أن يصدق الذي ثبت إقرار الميت له بأنه وجه معه في تلك السفرة متاعا، في صفة المتاع، مع يمينه على ذلك، في مقطع

2 - الطعن في الشهادة

الحق، إن ادعي من ذلك ما يشبه فتكون له في ماله قيمته: وكذلك الذي أثبت أنه باع له متاعا يسيرا، يصدق في مقدار اليسير الذي أقر له به مع يمينه على ذلك، ويحلف الذي ثبتت لهم الديون، بما يجب الحق به على من أثبت دينا على ميت، ويدخلون مع أصحاب البضائع فيما بيده من المال، وفيما له من العقار. وأما الشهود الذين شهدوا للرجل أنهم يعلمون شريكا للمتوفى، ولم يحدوا الشركة ولا عرفوا صورتها، فلا شهادة لهم، إذا لم يحققوا شيئاً يثبتون به الشهادة، ويحلف من كان من الورثة كبيرا، مالكا أمر نفسه: أنه ما يعلم له شريكا معه في شيء مما بيده. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [2]- الطعن في الشهادة وأما الثانية فهي من شهود شهدوا على رجل بإدخاله طريقا من طرق المسلمين منذ نحو من عشرين عاما، وتملكها، فأنكر ذلك، وطعن في شهادتهم، بحضورهم، وترك القيام بها، فاحتجوا بجهالتهم بما يلزمهم من ذلك، وأن الرجل المشهود عليه من أهل الشهود ومن كان له حكم، واتسام بعلم. فاحتج بعقود فيها شهادات الشهود المذكورين من أشرية وبياعات لبعض يتلك المواضع، الذي شهدوا فيها بأن الطريق تشقها، فاحتجوا

349 - تحديد الالتزام المحتمل بواسطة " البساط "

بأنا إنما شهدنا في البيع والشراء بين المتبايعين، ونحن نعلم أن الطريق فيها لم تدخل في البيع، ولا شرطت فيه، ولا ذكر، أيضا، إخراجها من البيع. هل ترى ذلك قدحا في شهادتهم، لسكوتهم عن بيان ذلك عند الأشرية، لاسيما على رأي من يرى الحوز على الشهود بطول المدة؟ بين لنا ذلك مأجورا. الجواب عليها: تصفحت السؤال فوقفت عليه. ولا تبطل شهادة الشهود بما طعن به المشهود عليه في شهادتهم، لأن لهم عذرا في ترك القيام بشهادتهم، إذ لم يدعوا إليها. هذا الذي أقول به مما قيل في ذلك. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [349]- تحديد الالتزام المحتمل بواسطة " البساط " وسئل، رضي الله عنه، في رجل سب رجلا آخر، في مجلس حاكم من الحكام. ونص السؤال: في رجلين تنازعا بين حاكم، في دين لأحدهما على الآخر، فبلغ بينهما الكلام بحيث سب الرجل المديان صاحب الدين، ورماه برق. فطلب حقه في ذلك، وأراد أخذ شهادة من حضرهما، فرغب إليه بعض الحاضرين في العفو عنه، وذكره ودادا كان بينهما؛ فقال

350 - هل يلزم التركة نفقة زوجة العبد التي تطوع بها السيد؟

المسبوب للراغبين له في العفو: أعْقِدُ عقدا، وتشهدون فيه بما عندكم، ولكم عندي كل ما تريدون، ففعل ذلك، وشهدوا ثم اقتضوا ما وعدهم به من العفو، فأنكر ذلك، وقال: إنما أردت بقولي: لكم عندي كل ما تريدونه من وجه الصلح في الدين، الذي وقع فيه الطلب، لا في إسقاط ما وجب لي عليه من سَبيِّ. فبين لي، رضي الله عنك، ماذا يلزم هذا السَّابَّ، وهل يسقط حق المسبوب ما قاله للراغبين في العفو؟ متفضلا إن شاء الله. فأجاب، وفقه الله، على ذلك بأن قال: يلزمه العفو إن سألوه، بعد أن شهدوا له، لأنه هو الذي سألوه أولا، فهو الذي أوجبه لهم على نفسه بقوله لهم: لكم عندي كل ما تريدونه إن شهدتم لي في ظاهر أمره، فلا يصدق فِيمَا ادعاه من أنه أراد بذلك ما سواه. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [350]- هل يلزم التركة نفقة زوجة العبد التي تطوع بها السيد؟ وكتب إليه، رضي الله عنه، من حضرة المرية، يسأل في رجل زوج عبده، والتزم، بعد ما عقد النكاح، طائعا، متبرعا: أن عليه نفقة الزوجة ما استمرت العصمة بينهما، ثم توفي. هل يكون ذلك في ماله، وتوقف تركته من أجل ذلك؟ وكيف إن

كان ذلك شرطا في أصل العقد، أو اختلفا في ذلك؟ فأجاب، وفقه الله، على ذلك بما هذا نصه: تصفحت سؤالك هذا، ووقفت عليه. وإذا توفي السيد فلا شيء للزوجة في ماله مما تطوع به، بعد عقد النكاح، من أن ينفق عليها، طول أمد الزوجة بينهما، لأنها هبة لم تقبض، تبطل بالموت. ولو كان ذلك شرطا في أصل عقد النكاح لفسد به، ووجب أن يفسخ قبل الدخول. ويثبت بعده، ويبطل الشرط، وترجع النفقة على العبد، ويكون للزوجة صداق مثلها. وقد قيل إنه لا يفسخ، قبل الدخول إن رضيت الزوجة أن تسقط الشرط، وتكون نفقتها على الزوج. ووجه الفساد في ذلك ما يوجبه من الغرر، إذ قد يموت السيد قبل انقضاء العصمة، فلا تكون لها نفقة. ولو وقع الشرط على أنه لو مات قبل انقضاء العصمة بينهما، رجعت النفقة على العبد، لكان ذلك جائزا. وإن اختلفا فيما التزم السيد من نفقتها هل كل ذلك شرطا في أصل العقد، أو تطوعا بعده، فالقول قول من ادعى منهما: أنه كان شرطا في أصل العقد لشهادة العرف له.

351 - هل يجرح المبرز بزواجه من امرأة حلف بطلاقها ثلاثا؟

هذا الذي أقول به فيما سألت عنه، على منهاج قول مالك، ومذهبه؛ الذي نعتقد صحته. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [351]- هل يجرَّح المبرَّز بزواجه من امرأة حلف بطلاقها ثلاثا؟ وكتب إليه، رضي الله عنه، القاضي بحضرة مراكش موسى بن حماد، وفقه الله، يسأله عن رجل شهد عليه أنه قال: متى تزوج فلانة فهي طالق ثلاثا، ثم تزوجها، ومكثت في عصمته نحو الأربعة عشر عاما. ونص السؤال: جوابك، رضي الله عنك، في رجل تزوج امرأة في بلدة، وبنى بها فيها، ومكث معها مدة من ثلاثة أعوام، أو نحوها، في تلك البلدة، ثم انتقل عنها بالزوجة المذكورة إلى بلدة أخرى، وأقام فيها مدة عشرة أعوام، وشهد جماعة من شهود هذه البلدة من حاله ما أوجب قبول شهادته، وكان يحكم بها في جميع الحقوق ويشهده على أحكامه واستمرت حال الرجل المذكور على ما ثبت منها، حسبما تقدم ذكره، مدة من خمسة أعوام، أو نحوها، ولم يظهر منه خلاف ما ثبت من حاله الأولى. ولم يزل القاضي المذكور يتتبع أموره، ويستكشف أحواله مدة الأعوام المذكورة، فما ظهر منه نقص في دين، ولا عثر له على زلة. ثم قيم، عند القاضي المذكور، على هذا الرجل بعقد تضمن إشهاده

فيه على نفسه: أنه متى تزوج فلانة بنت فلان، فهي طالق ثلاثاً، لا تحل له بوجه من الوجوه، إذ قد حرمها على نفسه، وفلانة هذه (هي) التي كان تزوجها، ومكث معها نحو الأربعة عشر عاماً، فوقفه القاضي على ما شهد به في العقد المذكور، فأنكره، وثبت (عنده) إنكاره له. فشهد شهود بأن خط العقد المذكور (كخط) يده، وأعذر إليه القاضي فيمن شهد عليه بذلك، فادعى أن عنده من المنافع ما يسقط به عن نفسه شهادتهم، فأجله الحاكم، فيما ادعاه من ذلك، أجلا. فما الحكم -وفقك الله- في شهادة هذا الرجل، إن عجز عن إثبات ما ادعاه من المنافع، وحكم عليه بإمضاء الطلاق المذكور، هل يجرح بذلك، وترد شهادته، ويفسخ ما انعقد من المناكح، التي لم يشهد فيها سواه مع شاهد (ثان)، أم لا يجرح، لما في المسألة من الخلاف؟ وما الحكم، أيضاً، في شهادته، إذا أتى القائم بها خلال الأجل الذي ضرب له، وسأل القائم بشهادته، أيضاً، الحكم بها، والمخاطبة بثبوتها، هل ذلك من حقه أم لا؟ بين لنا ذلك مأجوراً موفقاً إن شاء الله تعالى. فأجاب، وفقه الله، على ذلك، بما هذا نصه: تصفحت السؤال، ووقفت عليه. وإن كان العقد الذي قيم به على الرجل المذكور ثبت بشهادة الشهود، الذين أشهدهم على نفسه بما تضمنه، وعجز عن المدفع في

ذلك، فالذي أراه في هذا وأتقلده مما قيل فيه: أن يفرق بينهما، فهو الصحيح عندي من الأقوال المشهورة في المذهب. وألا يكون ذلك جرحة فيه، تسقط شهادته، إلا أن يقر على نفسه أنه تزوجها بعد أن حلف بطلاقها البتة: ألا يتزوجها، وهو يعتقد أن ذلك لا يحل له، جرأة على الله عز وجل إذ لو أقر بما تضمنه العقد ابتداء، وقال: إنه إنما تزوجها بعد أن حلف بطلاقها البتة: ألا يتزوجها، لأنه اعتقد أن ذلك يسوغ له، لاختلاف أهل العلم في ذلك، لعذر فيما فعله، ولم يكن ذلك جرحة فيه، تسقط بها شهادته، لاسيما إن كان ممن نظر في العلم، وسمع الأحاديث. وإذ احتمل أن يكون تزوجها بعد أن حلف بطلاقها البتة، ألا يتزوجها، على هذا الوجه، وإنما أنكر اليمين مخافة، إن أقر على نفسه بها، أن يفرق بينهما، على المشهور في المذهب، لم يصح أن يجرح بأمر محتمل، لاسيما إذا كانت حالته على ما وصفت من الشهرة في الخير، والتبريز في العدالة. وأما إن لم يثبت العقد، الذي قيم به عليه، إلا بالشهادة على أنه خطه، فلا يحكم به عليه إن أنكره، ولا يفرق بينهما، وإن عجز عن المدفع في شهادة من شهد عليه أنه خط يده، لأن الشهادة على الخط لا تجوز في طلاق، ولا عتاق، ولا نكاح، ولا حد من الحدود، على ما نص عليه ابن حبيب في الواضحة وغيره. ولو أقر أنه كتبه بخط يده، وزعم أنه لم يكتبه، عازما على إثبات ذلك على نفسه، وأنه إنما كتبه على أن يستشير، وينظر؛ فإن رأى

352 - هبة الشفيع حق الشفعة للمشترى.

أن ينفذه على نفسه أنفذه، وأنه لم ينفذه، ولا أشهد به على نفسه، لصدق في ذلك، على ما قاله في المدونة وغيرها. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [352]- هبة الشفيع حق الشفعة للمشترى. وكتب إليه، رضي الله عنه، من كورة شلب، يسأل في مسألة من الشفعة. ونصها. الجواب، رضي الله عنك، في مال مشاع بين أشراك اشترى رجل من اثنين منهم ثلاثة أرباعه، وبقي الربع لشريكهما الثالث، مع أختين له: فوهب هذا الشريك الثالث ما وجب له من الشفعة للمبتاع، على مال أخذه. ثم إن إحدى الأختين قامت طالبة للشفعة. فبين لنا هل يكون ما وهب من الشفعة بالمال المأخوذ فيها، للمبتاع، دون من يريد القيام بالشفعة، أم لا؟. مأجورا مشكورا إن شاء الله تعالى. فجاوب وفقه الله، على ذلك بأن قال: تصفحت سؤالك هذا، ووقفت عليه. وقد اختلف في جواز هبة الشفيع للمبتاع شفعته الواجبة له عليه بعد البيع، أو بيعه إياها منه: فعلى القول بجواز ذلك، وهو مذهب أصبغ، لا يكون للأختين في مسألتك، التي سألت عنها، إلا ما وجب

353 - ست مسائل من القاضي أبي الفضل ابن عياض

لها من الشفعة، وعلى القول بأن ذلك لا يجوز، وهو معنى ما في المدونة، والأظهر من القولين، الذي أقول به، يرد الآخذ على المبتاع المال الذي أخذه منه، على هبة الشفعة له، لأن ذلك بيع من البيوع، ويكون أحق بشفعته، إن شاء أخذ بها، وإن شاء سلمها، فإن سلمها كان للأختين أخذ الجميع بالشفعة. ولا اختلاف في أن الشفيع لا يجوز له أن يبيع شفعته، قبل الاستشفاع، من غير المبتاع، ولا أن يهبها له. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [353]- ست مسائل من القاضي أبي الفضل ابن عياض وكتب إليه، رضي الله عنه، القاضي بسبتة، أبو الفضل ابن عياض، وفقه الله، بستة أسئلة، وصلت إليه في ذي القعدة سنة تسع عشرة وخمس مائة، يسأله الجواب عليها. [1]- هل للوارث المحتمل أن يطلب كشفا عما بيد الوصي من أموال المحجور؟ فأما السؤال الأول فهو في رجل له ولي محجور، له مال، وتصدق عليه بصدقات ونحل نحلا، فطلب هذا الرجل من وصيه، أو من الحاكم، نسخ تلك العقود، وقام في الكشف لوصيه عما بيده من مال هذا المحجور، إذ زعم أنه وارثه، وأن المال، إن توفي هذا المحجور، صائر إليه.

2 - هل يجوز للمالك تغيير مجرى الماء إذا كان التغيير يلحق ضررا بالغير؟

هل له في هذا حجة لما ذكره من المال، أم لا تكلم له في ذلك (الآن) بحال؟ بينه مأجورا، إن شاء الله. الجواب عليه: تصفحت - أعزك الله بطاعته، وأمدك بمعونته - سؤالك هذا، ووقفت عليه. وليس لوارث اليتيم أن يستكشف وصيه عما له بيده من المال، ويخاصمه في ذلك، ولا أن يأخذ منه نسخ عقوده، وعلى الوصي أن يشهد ليتيمه بما له بيده من المال، فإن أبى من ذلك أخذه الحاكم به، مخافة أن يموت فيغير مال اليتيم عنده. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [2]- هل يجوز للمالك تغيير مجرى الماء إذا كان التغيير يلحق ضررا بالغير؟ وأما السؤال الثاني، فهو في رجل له أرض، فيها ساقية ماء، مبنية قديمة، يجري ماؤها لسقي جنات تحتها، وطحن أرحاء، فأراد نقلها من موضعها، ورفعها إلى أعلى أرضه، وإخراجها بعد ذلك إلى أرض له، تجاورها، لينصب عليها رحى، ثم ترجع بعد ذلك إلى مخرجها من أرضه الأولى. فنازعه أصحاب الأرحاء في ذلك، وقالوا له: ليس لك نقل مائنا عن مجراه، وقد علمت - دام عزك - ما في هذه المسألة ونظائرها من

الخلاف لأئمتنا، فأوردت استطلاع رأيك العالي فيما يترجح عندك منها، وما تفتي به في ذلك، إن شاء الله تعالى، ولا يعلم هل بناء الساقية لقدمها من بناء صاحب الجنان أو مَنْ تحته لِلَّهِ وهل - أعزك الله - ما أشار إليه أبو الحسن اللخمي في كتابه من (تسويته) نقل صاحب الأرض لما يمر عليه من الماء، أو نقل صاحب الماء له في الأرض يجري عليه لغيره، واستقرائه الخلاف في المسألتين مع النظائر التي ذكرها لها، توجد نصوصا صحيحة في كل مسألة، أم لا؟ الجواب عليه: تصفحت السؤال، ووقفت عليه. وليس لصاحب الأرض أن يحوّل الساقية المبنية في أرضه إلى موضع آخر من أرضه، وإن كانت قديمة البنيان، لا يعلم مَنْ بناها، إلا بإذن الذين تمر إليهم الساقية لسقيهم، وطحن أرحائهم، وإن لم يكن عليهم في ذلك ضرر. هذا نص قول ابن الماجشون في الواضحة، وقول عيسى في العتبية، ولا أعلم في ذلك نص خلاف. وإنما يختلف إذا كانت الساقية التي أجرى عليها الماء فيها، من غير عمل، فأراد صاحب الأرض أن يجريها إلى موضع آخر من أرضه، ولا ضرر في ذلك على الذين يمر إليهم الماء، فقال ابن الماجشون، وعيسى: ذلك له، وقال مطرف وأصبغ: ليس ذلك له. وكذلك يختلف أيضا، إذا أراد الذي يمر إليه الماء على أرض

الرجل: أن يحوله من أرض ذلك الرجل إلى موضع آخر هو أقرب إليه، لأن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قضى بذلك لعبد الرحمن بن عوف على الذي يمر ماؤه في أرضه، ولم ير مالك العمل على ذلك وخالفه في ذلك ابن نافع، وعيسى بن دينار، فرأيا العمل على ذلك. فالخلاف منصوص عليه في المسألتين جميعا، ومنصوص عليه، أيضا، في مسألة الذي يريد أن يمر بمائه في أرض رجل إلى أرضه، لأن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قضى بذلك للضحاك بن خليفة على محمد بن مسلمة، وقد حكي الخلاف في ذلك عن مالك، والمشهور عنه، المعلوم من مذهبه ومذهب أصحابه: أن العمل ليس على قضاء عمر بهذا: فالثلاث المسائل المذكورة أبعدها من أن يقضي فيها بالمرفق. مسألة الذي يريد أن يجري ماءه على أرض غيره إلى أرضه؛ لأنه يريد الدخول في أرض جاره بإجراء مائه عليه بغير رضاه، وقد قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " لا يحل ما امريء مسلم إلا عن طيب نفس منه ". وتليها مسألة الذي يريد أن يحول ماءه، الذي في أرض رجل، إلى موضع آخر منه، هو أقرب إليه، لأنه يريد أن يتحكم عليه في أرضه، فينقل ساقيته من موضع إلى موضع بعيد بغير إذنه. وتليها مسألة الذي يريد أن ينقل الماء الذي يمر على أرضه لغيره إلى موضع آخر من أرضه، لرفق يريده لنفسه، من غير ضرر يدخل بذلك على الذي يمر إليه الماء، لأن هذه الأرض أرضه.

3 - هل يتأثر النكاح باشتراط الأخدام؟

والأظهر: ألا يمنع من نقل مجرى الماء الذي يمر عليه إلى موضع آخر منه، لمنفعة تكون له في ذلك، دون ضرر يدخل بذلك على الذي يمر إليه، فمن لم يقض بالمرفق في هذه المسألة فأحرى ألا يقضي به في المسألة الأولى والثانية، ومن قضى بالمرفق في المسألة الأولى فأحرى أن يقضي به في المسألة الثانية والثالثة. ويتحصل، على هذا في ثلاث مسائل أربعة أقوال: أحدها: أنه يقضي بالمرفق فيها كلها. والثاني: أنه لا يقضي بالمرفق في واحدة منها. والثالث: أنه لا يقضي بالمرفق إلا في الثالثة، وهو أظهر الأقوال، وأولاها بالصواب. والرابع: أنه لا يقضي بالمرفق في الأولى، ويقضي به في الثانية والثالثة، وهو قول ابن نافع، وعيسى بن دينار. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [3]- هل يتأثر النكاح باشتراط الأخدام؟ وأما السؤال الثالث فهو فيما وقع للمتأخرين في فسخ النكاح قبل البناء (باشتراط الخدمة) في العقد، هل يوجد للمتقدمين؟ فلم أقف لهم فيه على شيء إلا نظائرها في اشتراط النفقة، فأفسدوا النكاح به، قيل: إذا شرط نفقة مثلها، ولا فرق بين الموضعين، إذ نفقة المثل والخدمة إنما يجبان ويحكم بهما مع اليسر لا مع العسر، بخلاف

اشتراط النفقة، لوجوبها على كل حال، فلم يضر اشتراطها. حسبما وقع، في علمك، في المسألة في كتاب محمد، والعتبية؛ وإن كان ابن حبيب قد أجاز اشتراط الوجهين في مسألة النفقة، وحكاه عن شيوخنا، ولا فرق بين الخدمة ونفقة المثل. ورأيت ابن الهندي أجاز التزام الخدمة، ولم يذكر في ذلك الطوع. وقال ابن العطار فيها: وكونها على الطوع أصبح، يشير إلى الخلاف. فهل هذا كله للمتقدمين، أو هو مستقرأ، ومقيس على مسألة النفقة؟ لشيخي الفضل في شرح هذه المسألة بما عنده في ذلك إن شاء الله تعالى. الجواب عليه: تصفحت السؤال، ووقفت عليه. والتنظير الذي نظرت به بين المسألتين صحيح عندي، على ما ذكرته، وقد اختلف، على علمك. في الأخدام، فقيل: إن الحكم يجب به على الزوج لزوجته كالنفقة. تطلق عليه بالعجز عنه، وهو قول ابن الماجشون وقيل: إنه يجب عليه النفقة، إلا أنه لا تطلق عليه بالعجز عنه، وهو مذهب ابن القاسم، وذهب ابن حبيب إلى أن الأخدام لا يجب على الزوج لزوجه إلا أن يكون موسرا، وتكون هي من ذوات الأقدار، فإن لم يكن موسرا، لم يكن عليه أخدامها، وإن كانت من ذوات الأقدار، فإن لم تكن من ذوات الأقدار فلم يكن عليه أخدامها وإن كان موسرا، إلا أن يكون من ذوي الأقدار، الذين لا يمتهنون نساءهم في الأخدام. فعلى القول بإيجاب الأخدام لا تأثير لاشتراطه في صحة عقد

4 - هل تجب اليمين على قريبة اتهمت بإخفاء مجوهرات من التركة؟

النكاح، وعلى القول بأنه لا يجب في موضع ما، لا يصح اشتراطه في الموضع الذي لا يجب فيه، فإن وقع كان له تأثير في صحة العقد، يجب به فسخه قبل الدخول. فإن طاع به الزوج بعد العقد جاز باتفاق. ولم يكن فيه كلام. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [4]- هل تجب اليمين على قريبة اتهمت بإخفاء مجوهرات من التركة؟ وأما السؤال الرابع فهو في متوفاة لها ابنة، وزوج، وأخت، محجورة منقطعة عنها، والمتوفاة معروفة بمال، وحلي، لم يوجد منه شيء بعد وفاتها. فقام وصي الأخت يطلبه، وكشف الزوج، وابنة له أخرى، من غير المتوفاة، عن التركة، وزعم أنهما غابا عليها، فقالت الأخت: وأنا بأي وجه، ولست وارثة معكم، ولا ساكنة في داركم؟ فقال الوصي: إن أختك الوارثة الصغرى رفعت عنك هذه الأسباب، لتختفي من التركة حتى تخلص لها وحدها، وتواطأت معها، ومع أبيكما على هذا، لتقطع حق الأخت مع ما يشملكم من الجهل بما يلزمكم في هذا، ولست أقول: إنك سرقتها، ولا غصبتها. هل يلزم هذه البنت المدعى عليها يمين، أم لا؟ وكيف إن لم تكن ممن يتهم بسرقة؟ وكيف إن ظهر، بعد هذا، من تلك الأسباب، عند

5 - هل تجوز اللنهبى فيما ينشر على التلاميذ في الحذاق؟

شدة الحاكم، شيء مدفون دفن ريبة، وكثرة القالة والشياع على هذه البنت بما ذكر، أو بأشنع منه، إن شاء الله تعالى؟ الجواب عليه: تصفحت السؤال، ووقفت عليه. واليمين لها لازمة على كل حال. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [5]- هل تجوز اللنُّهْبَى فيما ينشر على التلاميذ في الحُذَّاق؟ وأما السؤال الخامس فهو فيما ينثر على الصبيان في الحُذَّاق، وشبهها، فإن في سماع ابن القاسم، فيه ما في علمك من الكراهة، ورأيت في كتاب القاضي أبي عبد الله التستري المالكي إباحة ذلك، وأنه إنما نهى عن النهبة في الحرب، وأرى صاحب كتاب الاستيعاب حكى ذلك عنه أيضا، وما علة المنع فإن علته في الحرب معلومة إلا أن يكون عموم النهي، فالله أعلم؟ الجواب عليه: تصفحت السؤال، ووقفت عليه. وفيما ينثر عن الصبيان في الحُذّاق، وشبهه، تفصيل؛ أما ما ينثر عليهم ليوكل على وجه ما يوكل، دون أن ينتهب، فانتها به حرام، لا يحل ولا يجوز، للنهي الوارد في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وعلى المنع منها بينة، وهي استئثار بعضهم بها بحق بعض، وأخذه عن غير طيب نفس منه، وذلك ما لا يحل، ولا يجوز؛ لأن مخرجه إنما أراد أن يتساووا في أكله على وجه ما يوكل؛ فمن أخذ منه أكثر مما كان يأكل منه مع أصحابه، على وجه الأكل فقد أخذ حراما، وأكل سحتا، لا مزية فيه، ودخل تحت الوعيد في النهي. وأما ما ينثر عليهم لينتهبوه فهذا كرهه مالك، وأباحه غيره، كما ذكرت، والمباح والمكروه سواء في أنه لا حرج ولا إثم في فعل واحد منهما، وإنما يفترقان في الترك، فرأى مالك، رحمه الله، ترك ذلك أفضل، اتباعا لظواهر الآثار في النهي عن النهبة، ولم يحرمه لأن النهي عنده إنما هو في انتهاب ما لم يؤذن في انتهابه، بدليل ما جاء من أن صاحب هدي رسول الله، صلى الله عليه وسلم قال يا رسول الله، كيف أصنع فيما عطب من الهدي؟ فقال له رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " انحرها، ثم الق قلائدها في دمها. ثم خلّ بين الناس وبينها ياكلونها ". وفي حديث آخر، أنه قال، في بدنات له، حين وجبت جنوبها: " من شاء فليقتطع " فأباح في هذين الحديثين للناس، الذين يحل لهم الهدي أن يأخذوا منها ما شاؤوا من غير مقدار، ولا قسم معلوم. وبالله تعالى التوفيق.

6 - بين نية الصدقة وتبتيلها

[6]- بين نية الصدقة وتبتيلها وأما السؤال السادس فهو في رجل أخرج مالا يصدقه، فعزل منه شيئاً سماه بلسانه، وميَّزه لمسكين بعينه، ثم بعد ذلك بدا له، فصرفه لمسكين آخر. هل يباح له ذلك، لتمييزه إياه للمسكين بقوله، بخلاف مسألة من أخرج لِمَسْكِين كسرة، فلم يجده، فإن ذلك لم يعطها للمسكين، بقول ولا فعل، وفي مسألتنا قد أعطاها بالقول، ووجب طلبها للمساكين، وتميزت له عنده، فلا يجوز له صرفها إلى غيره؟ وهل صار قوله: " هذا لفلان "، وقد أخرج المال مخرج الصدقة، كقوله: " تصدقت بهذا على فلان؟ " وهل يستوي في هذا ما أخرج الإنسان، على هذا الوجه، من ماله، أو ما ميزه لمعين مما يجري من صدقة غيره على يديه، إذ ظهر لي بين الوجهين فرق، كما ظهر لي بين المسألتين الأوليين فرق، للعلة التي أشرت إليها، من معنى العطية والصدقة، وهي مخصوصة بما يملك؟ الجواب: عليه: تصفحت السؤال، ووقفت عليه. وإن كان هذا الرجل، الذي عزل من المال، الذي أخرجه للصدقة، شيئاً منه، لمسكين بعينه، سماه له، نوى أن يعطيه له، ولم يبتله له، بقول، ولا نية، فيكره له أن يصرفه إلى غيره، وإن كان بتلة له بقول أو نية، فلا يجوز له أن يصرفه، وهو ضامن له إن فعل.

354 - من طنجة: حول الفتوى، والاجتهاد

وكذلك ما جعل إليه تنفيذه مما أخرجه غيره للصدقة سواء. ومثله في المعنى الذي يأمر للسائل بشيء، أو يخرج إليه به، فلا يجده، يكره له أن يصرفه إلى ماله، ولا يحرم ذلك عليه، إن كان إنما نوى أن يعطيه إياه، ولم يبتله بقول ولا نية. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [354]- من طنجة: حول الفتوى، والاجتهاد وكتب إليه، رضي الله عنه، بعض نبهاء طلبة العلم من طنجة، كلأها الله يسأله عن شأن الفتوى، والمفتي، والقاضي الملتزم لمذهب مالك، في ذي القعدة سنة تسع عشرة وخمس مائة. ونص السؤال. من أوله إلى آخر حرف فيه. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وصلى الله على محمد، وعلى آله، وسلم يسليما. أيها الإمام الأجل، والقدوة التي يقتدى بها، مَنْ إليه العقد والحل، وصل الله لك ما منحك، من التأييد، بالتأييد، وأكد ما وهبك، من التسديد، بالتجويد، وجمل ما ألحفك من أرديته، بالبعد عن مؤذية صديق الإنصاف ومرديته. واجب على من أهمته في يقينه مهمة، وألمت به في دينه ملمة، أن يتوخى أقرب الخلق في اعتقاده إلى الحق، فيسأله سؤال تمجيد

وتوقير، بغاية ما عنده من بحث وتنقير، ليبرأ فيما عليه من عهدة التكليف، ويقوم، في، الحنيفية، بالمقام الشريف. وقد عرضت لنا مسائل مشكلة، مثكلة، لم نجد إلا مصباحك لاندفاع ظلم إشكالها، ولم نعتقد إلا رياحك لانقشاع ضرم إثكالها، ورغبنا إليك - أحسن الله ذكراك - أن تتصفح ما رسمنا منها، وتسمع بالجواب عليها، أنت إلى الذخر الكريم، والأجر العميم، أهدى، ورغبتك في الثواب أنفع لديك من رغبتنا إليك، وأجدى، ولا زلت موفقا، معانا، بقدرة الله ومنته تعالى. رسالة، مع السؤال، من المقريء بطنجة أحمد المري قال الفقيه أبو الحسن في السؤال: ورد من عند الأديب الأستاذ النبيه، المقريء بطنجة، أحمد بن محمد المري، رحمه الله، وكتب معه رسالة، نقلتها من خط يده هذه نسختها: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، صلى الله على محمد وآله، وسلم تسليما: الفقيه الإمام، الأجل، المشاور الأفضل، أبو الوليد، حرس الله للإسلام بحراسته، ملتزم إعظامه، أحمد بن محمد، وسند الله بالإمام الأجل الأثير المحل، معاهد الإسلام، وأيد بعزائمه الميمونة، وصرائمه المأمونة، معاقد الأحكام، وأعلى كلمة ذكره في السادة الأعلام، وأبقى له لسان الصدق بقاء الليالي والأيام، من اقتبس من بعيد - أدام الله توفيقك - علما ضعف اقتباسه، وإن تقطعت، حرصا عليه، أنفاسه. فإن ما صدر على الصدر، فاستأذن على الإذن، بلا واسطة، تعاونت

على إدراجه، وتنوير سراجه، العبارة والإشارة، والقوارير المستنارة، فأما الحروف المرسومة، والظروف الموسومة، وهي السفير بيني وبين الإمام الأجل، أعان الله على بره، فما تنطلق رمزا، وتمسك عن التفسير عجزا، فإن استعنت بفهمي عليها، فقد استعنت بقصير لا يدرك، وفقير لا يملك. من به أجد في قطري جليلا يشفي غليلا، أسأل الله، جل اسمه: أن يمد للمسلمين في حياته، وسلامة ذاته، حتى أراني لقيت المعارف بين يديه مجيلا، وممن يطوف بكعبته بكرة وأصيلا، مجول الله تعالى وقدرته. كتبته عن إعظام لذكره اتخذته خدينا، واعتقدته دينا، واهتمام بالسوال عن أحواله الغالية، لازمته ملازمة الكيان للشخص، والبيان للنص، وطويته على مسائل من المهمة، الواضح أثرها في الدين والهمة، ورغبتي إليه ألا تهون رغبتي هذه عليه، وأن يراجع، فيما سألت عنه، بما يشبه المعهود منه فعله، مأجورا مشكورا، إن شاء الله عز وجل. وسلام الله سبحانه على حضرة الإمام، الأجل، مزكوا، ورحمة الله وبركته. أنواع المفتين: المفتي النظار، المفتي المقلد، المقلد المحروم الكفاءة. المسألة الأولى من المسائل المذكورة: تذاكر جماعة ممن تنسب إلى العلوم، وتتميز عن جملة العوام بالمحفوظ والمفهوم، شأن الفتوى والمفتي، وكلهم يشير إلى نَفْسِهِ بالاستحقاق، وإلى أبناء جنسه بالإخفاق، وأكثروا الخوض في الاجتهاد والتقليد، والفرق بين الذكي والبليد، وفيمن التفت عليه أطراف تلك الساعة، من لا يسلم لواحد من تلك الجماعة، فقال: الفتوى على الإطلاق، محظورة، وغير محظورة، والتي هي غير

محظورة إظهار الأحكام الشرعية، بالانتزاع من الكتاب والسنة، والإجماع والقياس. والفائز بهذه الرتبة هو الفقيه النظار، وليست الفتوى بالفقه المشهور، ولكنها ثمرة معرفة الفقه. فأما الحافظ الذاكر لما في أمهات مسائل مذهبه من الأحكام الشرعية، فهو الفقيه المقلد، وقد اختلف العلماء في جواز فتواه، وذلك بشرط أن يكون له من الذكاء، والفطنة، وسلامة القريحة، ما يميز به، فيما هو موجود في أمهات مسائل مذهبه، بين ما هو من المذهب، وما ليس من المذهب، ويميز به، في المذهب بين ما هو مجمل، وما هو مفسر، ويميز، في الروايات، بين ما هو خلاف قول، وما هو خلاف حال، وما هو خلاف لفظ، وبين ما ينبني من الروايات، وما لا ينبني. بالجملة: فالمقصود أن يحصل عنده أصل المذهب منقولا بوجه صحيح، وأن يحصل له، في كل ما له أن يفتي به من المذهب، يقين أو ظن غالب. فإذا نزلت نازلة، وأفتى من هذه صفته، بما وجد في كتب مذهبه، من مذهبه، بالفتوى التي هو عالم بأنها هي المشتملة على حكم النازلة، بعلم قاطع، أو ظن غالب، لم ينتزع ذلك من الكتاب ولا في السنة، ولا من الإجماع، ولا من الاعتبار، فتلك الفتوى هي فتوى التقليد، وذلك المفتي هو الفقيه المقلد، والذي في حفظي على مذهب مالك، رحمه الله: أنه تجوز فتواه على الإطلاق، وبه قال جمهور العلماء، خلافا لأحمد بن حنبل، ومن أخذ بقوله. ولابد للرجلين - نعني: النظار، والمقلد - من الورع في فتواه،

حتى لا يفتي واحدا منهما في حق جميع الخلق إلا بما هو الحكم عنده. فأما الفقيه المقلد، إذا لم يكن له من الذكاء، والفطنة، وكمال القريحة، والفطرة، ما يميز به ما ذكرناه من الوجوه، فليس للفتوى إليه طريق، ولا له في أربابها فريق، فإذا تعرض للفتوى فقد تعرض لما لا ينبغي، ولعله من الجهال المشار إليهم بقول النبي، صلى الله عليه وسلم: " إن الله لا يقبض العلم من الناس انتزاعا، ولكنه يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم، اتخذ الناس رؤسا جهالا، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا ". هذا معنى ما وقع في المجلس المذكور، وفيه زيادة تكميل وبيان. ما هي الأخطار لو منع المقلد، والمقلد غير الكفء، من الإفتاء؟ فلما سمعته الجماعة المذكورة، أنكرته إنكارا، واعتقد صاحبه حمارا، وزعم بعضهم أن هذا المذهب محال؛ لأن الأحكام ضرورية الوجود، في كل مَدَرَة، والإمام النظار لا يوجد البتة، أو يوجد قليلا جدا، لا يمكن أن يعم بفتواه جميع الأقطار للمذهب الواحد. قال: وقد زعمت أن فتوى التقليد لا تجوز في مذهب مالك، وأن فتوى الثالث لا تجوز في مذهب أحد فالحاصل عن ذلك: أن أقطار مذهب مالك، رحمه الله، قد عمها ما لا ينبغي، واستولى عليها الباطل، لعلمنا أنه ليس فيها إمام نظار. قال صاحب هذا الكلام الأول: هذه مغالطة بعد ظهور الحق؛ أن الله سبحانه لا يدع الخلق عبثا، ولا يجعل الحق خبثا، وما

دامت الشريعة لازمة الخطاب للأمة، فلا بد لها من إمام، وفي عصرنا جماعة، منهم الفقيه الأجل، أبو الوليد ابن رشد، أدام الله توفيقه، في أقطارنا هذه، فهو إمام الوقت، والحجة على المستفتين، وتفرق المجلس. فالرغبة إليه - أعلى الله كلمته الحق بلسانه، وميز رجحانها في ميزانه - أن يبين لنا ما في المجلس المذكور من الغلط إن كان، وهل هو جار على أصول مذهب مالك، رحمه الله، أو لا؟ وتمام ذلك: أن تذكر لنا صفة المفتي، الذي ينبغي أن يكون عليها في عصرنا هذا، وعلى طريقة أصول المذهب. وبالجملة، بين لنا ما هو اللازم في مذهب مالك لمن أراد، وقتنا، أن يكون مفتيا بمذهب مالك، وكيف الحكم في القاضي، إذا كان ملتزما للمذهب المالكي، وليس في قطره من نال درجة الفتوى، ولا هو في نفسه أهل للفتوى، هل تمضي أحكامه، وفتاويهم على الإطلاق، أو ترد على الإطلاق، أو يختلف الجواب وينقسم؟ وكيف الحكم إن رفع أمره إلى الوالي الأعلى، في قطر من الأقطار الصغار، التي لا تشتمل على مُبَرَّر في الفتوى أن من فيه من الحاكم والفقهاء بالصفة المذكور، هل يقبل قوله، وينظر في كشف ما قاله، أو يرد قوله، ولا يلتفت إليه؟ بين لنا، بطولك، ذلك مأجورا مشكورا، إن شاء الله تعالى. فأجاب - أمتع الله المسلمين ببقائه، وزاد في رفعته وعلائه - بما هذا نصه: تصفحت أرشدنا الله وإياك إلى الصواب، برحمته - جميع ما سألت عنه، ووقفت على ما استفتحت به السؤال من أن جماعة ممن ينتسب إلى العلوم، ويتميز عن جملة العوام بالمحفوظ والمفهوم، تذاكروا شأن الفتوى والمفتي، فاختلفوا في معنى الفتوى، وفي صفة المفتي.

طوائف الفقهاء المعاصرين له والذي أقول به في هذا: أن الجماعة، التي ذكرت أنها تنتسب إلى العلوم وتتميز من جملة العموم المحفوظ والمفهوم، تنقسم على ثلاث طوائف: [1]- طائفة منهم اعتقدت صحة مذهب مالك تقليدا، بغير دليل، فأخذت أنفسها بحفظ مجرد أقواله، وأقوال أصحابع، في مسائل الفقه، دون أن تتفقه في معانيها، فتميز الصحيح منها من السقيم. [2]- وطائفة اعتقدت صحة مذهبه بما بان لها من صحة أصوله، التي بناه عليها، فأخذت أنفسها، أيضا، بتحفظ مجرد أقواله وأقوال أصحابه، في مسائل الفقه، وتفقهت في معانيها، فعلمت الصحيح منها، الجاري على أصوله، من السقيم الخارج عنها، إلا أنها لم تبلغ درجة التحقق بمعرفة قياس الفروع على الأصول. [3]- وطائفة اعتقدت صحة مذهبه بما بان لها، أيضا، من صحة أصوله، فأخذت أنفسها بحفظ مجرد أقواله، وأقوال أصحابه، في مسائل الفقه، ثم تفهمت في معانيها، فعلمت الصحيح منها، الجاري على أصوله، من السقيم الخارج عنها، وبلغت درجة التحقق، بمعرفة قياس الفروع على الأصول، لكونها عالمة بأحكام القرآن، وعارفة بالناسخ منها من المنسوخ، والمفصل من المجمل، والخاص من العام، عالمين بالسنن الواردة في الأحكام، مميزة بين صحيحها من معلومها، عالمة بأقوال العلماء من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من فقهاء الأمصار وما اتفقوا عليه، أو اختلفوا وعالمة من علم اللسان ما تفهم به معاني الكلام، بصيرة

بوجه القياس، عارفة بوضع الأدلة (فيها) مواضعها. [1] فأما الطائفة الأولى، فلا يصح لها الفتوى بما علمته، وحفظته، من قول مالك، أو قول أحد من أصحابه؛ إذ لا علم عندها بصحة شيء من ذلك، وإذ لا تصح الفتوى بمجرد التقليد من غير علم، ويصح لها في خاصتها، إن لم تجد من يصح لها أن تستفتيه، أن تقلد مالكاً، أو غيره من أصحابه، فيما حفظته من أقوالهم. وإن لم تعلم من نزلت به نازلة بما حفظته فيها من قول مالك، أو قول غيره من أصحابه، فيجوز، للذي نزلت به النازلة، أن يقلده فيما، حكاه له من قول مالك في نازلته، ويقلد مالكاً في الأخذ بقوله فيها، وذلك، أيضاً، إذا لم يجد في عصره من يستفتيه في نازلته فيقلده فيها. وإن (كانت) النازلة قد علم فيها اختلاف من قول مالك وغيره، فأعلمه بذلك، كان حكمه في ذلك بحكم العامي إذا استفتى العلماء في نازلته، فاختلفوا عليه فيها وقد اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يأخذ بما شاء من ذلك. والثاني: أنه يجتهد في ذلك، فيأخذ (بقول) أعلمهم. والثالث: أنه يأخذ بأغلظ الأقوال. [2] وأما الطائفة الثانية فيصح لها، إذا استفتيت، أن يفتي بما علمته من قول مالك، أو قول غيره من أصحابه، إذا كانت قد بانت لها صحته، كما يجوز لها في خاصتها الأخذ بقوله إذا بانت لها صحته ولا

يصح لها أن تفتي بالاجتهاد، فيما لا تعلم فيه نصا، من قول مالك، أو قول غيره من أصحابه، وقد بانت لها صحته، إذ ليست ممن كمل لها آلات الاجتهاد، التي يصح لها بها قياس الفروع على الأصول. [3] وأما الثالثة فهي التي تصح لها الفتوى عموما بالاجتهاد والقياس على الأصول، التي هي الكتاب وا السنة، وإجماع الأمة بالمعنى الجامع بينها وبين النازلة، أو على ما قيس عليها إن عدم القياس عليها، أو على ما قيس على ما قيس عليها، إن عدم القياس عليها. وعلى ما قيس عليها. ومن القياس جلي وخفي، لأن المعنى، الذي يجمع بين الفرع والأصل، قد يعلم قطعا بدليل قاطع، لا يحتمل التأويل، وهو على وجوه، وقد يعلم بالاستدلال، فلا يوجب إلا غلبة الظن وهو أيضا على وجوه، ولا يرجع إلى القياس الخفي إلا بعد عدم الجلي، وهذا كله يتفاوت العلماء في التحقيق بالمعرفة به، تفاوتا بعيدا، وتفترق أحوالهم، أيضا، في جودة الفهم لذلك، وحدة الذهن فيه، افتراقا بعيدا؛ إذ ليس العلم، الذي هو الفقه في الدين، بكثرة الرواية، والحفظ، وإنما هو نور يضعه الله حيث يشاء، فمن اعتقد في نفسه أنه ممن تصح له الفتوى، بما آتاه الله عز وجل من ذلك النور المركب على المحفوظ المعلوم، جاز له، إن استفتي، أن يفتي، وإذا اعتقد الناس ذلك فيه، جاز أن يستفتى، فمن الحظ للرجل ألا يفتي حتى يرى نفسه أهلا لذلك،

ويراه الناس أهلا، على ما حكى مالك من أن ابن هرمز أشار بذلك على ما استشاره السلطان: فاستشاره في ذلك. وقد أتى ما ذكرناه على ما سألت عنه من بيان ما جرى في المجلس من غلط إن كان، ومن بيان صفات المفتي، التي ينبغي أن يكون عليها، في هذا العصر، إذ لا تختلف صفات المفتي، التي يلزم أن يكون عليها، باختلاف الأعصر. شروط المفتي على مذهب مالك وأما السؤال عن بيان ما هو اللازم، في مذهب مالك، لمن أراد، في هذا الوقت، أن يكون مفتيا على مذهب مالك، فإنه سؤال فاسد، إذ ليس أحد بالخيار في أن يفتي على مذهب مالك، ولا على مذهب غيره من العلماء، بل يلزمه ذلك، إذا قام عنده الدليل على صحته، ولا يصح له، إن لم يقم عنده الدليل على صحته. القاضي المالكي عندما لا يكون ببلده مفتٍ والسؤال عن الحُكْم في القاضي إذا كان ملتزما للمذهب المالكي، وليس في قطره من نال درجة الفتوى، ولا هو في نفسه أهل للفتوى، قد مضى القول عليه فيما وصفناه من حال الطائفة التي عرفت صحة مذهب مالك بما بان لها من صحة أصوله، وتفهمت فيما حفظته من أقواله، فعرفت الصحيح منها من السقيم، ولم يبلغ درجة التحقق بمعرفة قياس الفروع على الأصول، لأنه لا يكون ملتزما للمذهب المالكي إلا

355 - دفع المال عوضا للخلع لا يسقط حق الشفعة بواسطته

بما بان له من صحة أصوله، التي بناه عليها، ولأنه إذا لم يكن في نفسه أهلا للفتوى، فإنما ذلك من أجل أنه لم يبلغ درجة التحقق بقياس الفروع على الأصول. فسبيل هذا القاضي، فيما يمر به من نوازل الأحكام، التي لا نص عنده، من قول مالك، أو قول بعض أصحابه، قد بانت له صحته: ألا يقضي فيها إلا بفتوى من يسوغ له الاجتهاد، ويعرف وجه القياس، إن وجده في بلده، وإلا طلبه في غير بلده، فإن قضى فيها برأيه ولا رأي له، أو برأي من لا رأي له، كان حكمه موقفا على النظر. ويأمر الإمام القاضي، إذا لم يكن من أهل الاجتهاد، ولا كان في بلده من يسوغ له الاجتهاد: ألا يقضي، فيما سبيله الاجتهاد، إلا بعد مشورة من يسوغ له الاجتهاد. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [355]- دفع المال عوضا للخلع لا يسقط حق الشفعة بواسطته وكتب إليه، رضي الله عنه، من بعض بلاد الأندلس بسؤال يسأل فيه عن مسألة من الشفعة. ونصه من أوله إلى آخره: الجواب، رضي الله عنك، في امرأة لها ابن وابنه. وكان للولد ابنة، فتزوجها رجل، وللمرأة المذكورة مال، فباعت الربع من المال، من صهر ابنها المذكور، الذي تزوج حفيدتها،

على أن يسوقه كله إليها سياقة ينعقد عليها النكاح، ونحلت المرأة المذكورة حفيدتها بالربع الثاني من المال، وكان البيع والنحلة في وقت واحد، فحصل بيدها النصف، وبيد المرأة النصف، فماتت المذكورة لنحو من عام، وقبل أن يدخل الزوج بالحفيدة؛ فوقع بين ولدها وصهره منازعة، انحل بسببها النكاح المذكور، على أن يبقى بيد الزوج الربع، الذي ابتاعه منها، وسائره للحفيدة المذكورة. أيكون للحفيدة المذكورة، ولمن ورث المرأة المذكورة في هذا الربع شيء أم لا؟. بين لنا ذكر مأجورا مشكورا إن شاء الله تعالى. فأجاب، وفقه الله، على ذلك بما هذا نصه: تصفحت سؤالك هذا، ووقفت عليه. وإذا وقعتْ المفارقة بينهما قبل الدُّخول، على أن يكون له جميع الربع الذي ساقه لزوجه من الأملاك، فلا تجب الشفعة عليه إلا في نصف ذلك الربع، لأنه هو الذي وجب لها بالعقد، وصح لها بالطلاق، قبل الدخول، فرده إليه الأب بالخلع. وأما النصف الثاني منه فلا شفعة عليه فيه، لبقائه له على ملكه الأول، إذ لا يجب للمرأة بالعقد من الصداق إلا نصفه، والمصيبة منهما، ما لم يدخل بها. وتكون الشفعة على نصف الربع المذكور بالقيمة للحفيدة المذكورة،

356 - ما هو مدى ضرر البناء الممنوع بين الجيران؟

ولمن ورث المرأة، ويدخل هو معهم في الشفعة، بنصف الربع الباقي له على الملك الأول. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. [356]- ما هو مدى ضرر البناء الممنوع بين الجيران؟ وكتب إليه، رضي الله عنه، من كورة جيان، بنسخة عقد ثبت في شأن بنيان بناه رجل في داره، فأضر ذلك بدار جاره، وتحت نسخة العقد سؤال في القضية. ونص ذلك كله من أوله إلى آخر حرف فيه: عقد بإثبات ضرر الحيلولة دون الهواء والشمس، وأضرار ماء المطر. " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. نهض، على أمر الفقيه صاحب الأحكام بجيان وأعمالها، أبي فلان، وفقه الله، المسمون أسفل هذا العقد، من الشهداء العارفين بأمور البنيان، وعيوب الديار، وعقود الجدرات، إلى دار عيسى بن حزم بن عبد الله بن اليسع الغافقي، ودخلوها، ونظروا إلى الجدار الشرقي من ساحتها الحاجز بين دار عبد الملك بن محمد بن معارك العقيلي، وبينها، وكلتا الدارين برحبة ابن يوسف من مدينة جيان. فدلهم النظر إليه، والعيان له: أن الجدار المذكورة مشتركة بينهما، بنصفين، ورأوا أن عبد الملك المذكور قد رفع على حظه من الجدار

- غرفة ارتفاعها أربعة ألواح من ألواح البنيان، بحرف كذانة، وأنها ثالثة لطبقتين تحتها، وكل ذلك على دار عيسى المذكور ومواجهها، ومقابل لبيوتها: سفلها وعلوها، فوقفوا على ذلك كله، وأمعنوا النظر إليه، والتثبت فيه، وتحققوا أن ما أحدثه عبد الملك المذكور من البنيان على دار عيسى المذكور، ضرر بين، لعلل يأتي ذكرها: فمن ذلك أن عواصف الرياح، مع الأمطار الدائمة، تضرب جدار الغرفة، وتأخذه، وتتمكن منه فينعكس ماء المطر، ويرجع إلى دار عيسى، ويقع فيها، وينفرش عليها، لارتفاع جدار الغرفة، وما تحتها، وأنه يتوقع هدمها على دار عيسى المذكور، وفساد ما تحتها بطول المدة. وأنه أظلم عليها ساحتها، وبيوتها سفلها وعلوها، لامتناع الشمس والضوء من دخولها: إذ الغرفة المحدثة المذكورة، في الجهة الشرقية منها. وأن الريح لا تنزل إليها. ورأوا أن هذا البنيان المحدث أضر بدار عيسى المذكور ضررا ينقض من ثمنها السدس، أو نحوه بما ذكر، وأنه لا يؤمن سقوطها عند هبوب الرياح وتواليها، وهز الزلازل وعواديها. تحقق عندهم جميع ما ذكر تحققا لا يشكون فيها، ولا يرتابون. شهد بذلك كله من نظر إليه بأمره، وفقه الله، وطاف عليه من ذلك، وتحققه وفحص عليه، وذلك في شهور كذا، من سنة كذا ". السؤال.

تصفح - رضي الله عنك - العقد الواقع أعلى هذا السؤال، وجميع فصوله، على حسب ما تضمنه، من بنيان الغرفة، المضرة بدار عيسى المذكور فيه الضرر المفسر فيه، هل ذلك مما يوجب على عبد الملك هدم ما بناه، وإذا كان بنيان عبد الملك لما بناه لسبب مغيب عيسى المذكور عن جيان، وبغير أمره، وبغير مقاسمة له منه في الجدار المذكور؟ وهل البناء في الطائفة الشرقية مما يخالف البنيان في سائر بنيان الطوائف، لامتناع المنافع من الجهة الشرقية، أم ذلك سواء؟ فتأمل ذلك وفقك الله، وبين لنا الواجب في ذلك يعظم الله أجرك. فأجاب، وفقه الله، على ذلك بما هذا نصه: تصفحت السؤال، وما انتسخ فوقه، ووقفت على ذلك كله. وليس هذا من الضرر الذي يجب الحكم بقطعه، على المشهور في المذهب، وقد قيل: إن ذلك يجب، فالذي أراه في هذا: أن يركب قاضي البلد، وفقهاؤه، وعدوله، إلى هذه الدار، فيقفوا على هذا الضرر، لأن قدره لا يتبين إلا بالوقوف عليه، فإن تبين لجميعهم تبينا لا يشكون فيه: أن الضرر الداخل على صاحب الدار ببقاء البناء، للمعاني التي ذكرت، أكثر من الضرر الداخل على صاحب البناء بهدم بنائه، ومنعه من الارتفاق به، هدم عليه، وإلا لم يهدم؛ لأن الأصل في هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا اجتمع ضرران نفي الأصغر للأكبر ". وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له.

357 - ثلاث مسائل في الشهادات

[357]- ثلاث مسائل في الشهادات وكتب إليه، رضي الله عنه، من شرق الأندلس، حماه الله، بثلاث مسائل من الشهادات يسأل الجواب عليها. ونصها: الجواب، رضي الله عنك، في: [1]- هل تبطل الشهادة بتأخير أدائها رجل شهد لرجل بشهادة، فقال المشهود عليه للمشهود له: ما بال هذا الشاهد لم يؤد لك هذه الشهادة، منذ كذا وكذا؟ فقال له المشهود له: أنه لتحريه، وتوسوسه، توقف فيها، وتثبت، حتى جاء بنص كلامك له، مخافة أن يزيد عليك فيه شيئاً، لم تفعله له. فزعم هذا المشهود عليه: أن أقول هذا المشهود له، المنصوص فوق هذا، مسقط لشهادة الشاهد، لما فيه من ذكر الوسوسة، والمشهود له يقول: لم أرد بذلك الوسوسة، التي هي فقد العقل في حين من الأحيان، وإنما أردت أنه سمع منك، أيها المشهود عليه، أكثر مما شهد به عليك، لكنك شك في بعض ذلك، فتحرى، وتورع، وأسقط من شهادته ما دخله فيه بعض شك، وإن كان الغالب على ظنه أنه سمعه منك، واحتج على أن هذا اللفظ قد يستعمل في غير فقد العقل، لقوله عز وجل: {ولقد خلقنا الإنسان، ونعلم ما توسوس به نفسه}، وأن الشك الطارئ عليه لا يقدح في شهادته، لقوله سبحانه: {إن الذين اتقوا، إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون}. فهل ترى، رضي الله عنك، ما احتج به هذا المشهود له، من ذلك

2 - هل شهادة شاهدين على شاهد، بعدم معرفة المشهود عليه، تعتبر جرحة، مسقطة لشهادته؟.

كله، صحيحا، وتصح شهادة الشاهد، أم تسقط بما تقدم من قوله، ويحمل لفظ التوسوس على فقد العقل أو نقصه، ولا يراعى ما اقترن به من التحري والتثبت؟. بين لنا ذلك بيانا شافيا، قد اختلف في هذه النازلة بقطرنا، وبقي ارتقاب ما يرد من قبلك؛ لينتهي إليه، ويعتمد عليه، إن شاء الله تعالى. [2]- هل شهادة شاهدين على شاهد، بعدم معرفة المشهود عليه، تعتبر جرحة، مسقطة لشهادته؟. - المسألة الثانية. رجل شهد على امرأة متوفاة أنها أوصت في مرضها، الذي توفيت فيه، لأختها لأمها بثلثها، وأدى الشهادة على ذلك، وقطع بمعرفتها. فشهد عليه شاهدان أنه أقر عندهما، بعد أداء الشهادة؛ أن هذه المرأة المسماة لم يكن يعرفها قبل ذلك الإشهاد، ولا رآها قط، وإنما عينتها له، في حين ذلك الإشهاد، امرأة وثق بها. فهل ترى ما شهد به الشاهدان عليه مسقطا لشهادته في هذه النازلة خاصة، ويكون كالرجوع عن الشهادة، أم تراه إقرارا منه على نفسه بتعمد الكذب، فيكون جرحة فيه، وتسقط شهادته في ذلك، وفي غيره أم لا؟

3 - هل يعتبر تغيير النسب جرحة مسقطة للشهادة؟

[3]- هل يعتبر تغيير النسب جرحة مسقطة للشهادة؟ وأما المسألة الثالثة فرجل يعرف جده ينتسب الأموي، ويوجد خطه بذلك كثيرا، ويثبت الآن، إشهاده على نفسه بذلك، وكان أبوه لا يذكر لنفسه نسبا، وإنما يكتب، فلان بن فلان، ويقف. ثم هذا الرجل بعدهما كذلك. وشهد الآن عليه عدلان أنهما شهدا منه مجلسا، ذكر فيه عن نسبه، فقال أنه معافري. فهل ترى، رضي الله عنك، انتسابه الآن معافريا، بعد انتساب جده أمويا، قدحا لعدالته، مسقطا لشهادته، أم لا؟. فأجاب، وفقه الله، على ذلك بما هذا نصه: تصفحت - رحمنا الله وإياك - أسئلتك هذه ووقفت عليها كلها. [1] ولا تبطل شهادة بما ذكرته من أن المشهود له قاله، إذا قال له المشهود عليه؛ لم لم يؤد شاهدك شهادته منذ كذا وكذا، لأن ما وصفت به شاهده من التحري في الشهادة، والتثبت فيها، يقضي على ما ذكره عنه من التوسوس فيها، ويبين أنه إنما أراد بذلك وصفه بالمبالغة في التحري في الشهادة والتثبت فيها، وأنه إنما وقف عن تعجيل أدائها لذلك، وهو الذي يلزم الشاهد أن يفعله، حتى لا يشهد إلا بما يعلمه يقينا، ويذكره ذكرا صحيحا، ولا يقدح في شهادته توقفه عن

تعجيل أدائها، ليذكر ما لم يذكر منها، إذا ذكره، فقد قال الله عز وجل: {أن تضل إحداهما، فتذكر إحداهما الأخرى}. [2] وأما الذي شهد على المرأة بعد موتها بما أوصت به، وقال: لم يعرف عينها حين أشهدته، إلا بقول امرأة وثق بها، فشهادته عاملة، إذا كان هو الذي ابتدأ سؤالها؛ لأن ذلك من ناحية قبول خبر الواحد. وأما إذا لم يبدأ هو سؤالها، وإنما قالت ذلك له ابتداء، على سبيل الشهادة عنده بذلك، مثل أن تكون المرأة، التي أشهدته على نفسها بما أوصت بها، قد أتته بامرأة يعرفها بالثقة، فقالت له: هذه فلانة، تعرف أني فلانة بنت فلان، وتعرفك بذلك فلا يجوز أن يشهد عليها، بتعيين المرأة له إياها، على هذا الوجه، وإن كانت عنده ثقة، فإن جهل وشهد سقطت شهادته عليها، ولم يكن ذلك جرحة فيه، تسقط بها شهادته فيما سوى ذلك. [3] وأما الذي شهد عليه أنه قال: أنا معافري، وقد كان جده ينتسب فيقول: الأموي، وكان والده لا ينتسب، وإنما كان يكتب: فلان بن فلان، ولا يقول: الفلاني، ثم هو بعده كذلك، إلى أن شهد عليه أنه قال: أنا معافري، فلا يكون ذلك جرحة فيه، تسقط بها شهادته، وعدالته؛ لأنه يقول: تحققت الآن من نسي، بالبحث عنه، ما لم أعلم به قبل، وما جهله جدي؛ وإنما كان ينتسب، فيقول: الأموي جهلا منه،

358 - من التزم بعتق أية جارية يملكها، ما دامت زوجته فلانة حية.

لجهله بنسبه، لأن العوام تقول: الأموي نسب واسع، فمن جهل نسبه لم يخطئ في كتابة الأموي. وبالله تعالى التوفيق. [358]- من التزم بعتق أية جارية يملكها، ما دامت زوجته فلانة حية. وسئل، رضي الله عنه، في رجل، أشهد على نفسه أنه متى ابتاع جارية، من جواري الرقيق، ودخلت في ملكه بأي وجه كان، من صدقة، أو هبة، أو اقتضاء من دين أو غير ذلك من الوجوه، طول حياة زوجه فلانة، فإنها حرة، لوجه الله العظيم، بأول ما يصح ملكه عليها، طائعا بذلك متبرعا به، بعد معرفته بقدر ذلك ومبلغه، في صحة منه وجواز. فهل ترى - رضي الله عنك - أن يلزمه ما أشهد به على نفسه من ذلك، كانت الزوجة في عصمته أو لم تكن، بسبب ما قال طول حياة زوجه، ولم يذكر العصمة، أو لا يلزمه ذلك إلا طول العصمة أم لا؟. الجواب عليها: تصفحت السؤال، ووقفت عليه. وإذا كان المشهد على نفسه أراد بقوله " طول حياة زوجه فلانة "، ما كانت باقية في عصمته، فله نيته ولا شيء عليه، فيما ملك من الإماء بعد فراقه إياها، بمباراة يملكها بها أمر نفسها. وكذلك إن لم تكن له نية، وكان سبب يمينه معاتبتها إياه على اتخاذه الجواري عليها وما خشيته من ذلك. هذا فيما بينه وبين الله تعالى.

وأما إن فارقها ثم ملك أمة، فقامت عليه بما أشهد به على نفسه، فتلزمه اليمين فيما يدعي من النية، أو السبب، أو البساط، الذي خرجت عليه يمينه. وبالله تعالى التوفيق، لا شريك له. * جمع هذه المسائل: قلت: إلى هنا انتهى ما جمعته من المسائل، التي سئل عنها، وأجاب عليها الفقيه، الإمام، القاضي أبو الوليد ابن رشد، شيخنا، رضي الله عنه، مما عنيت بجمعه، وقرأت عليه الكثير منها، على مرور الأيام، وتعاقب الأعوام، وسمعت من لفظه بعضها، وبعضها يقرأ عليه، ومنها ما هو إجازة، غير أن ذلك كله منقول من أصوله بحمد الله، إلى أن وقع في المرض، الذي قضى عليه، رحمه الله.

§1/1