مسألة سبحان لنفطويه

نفطويه

§بِسْمِ اللَّهِ الرَحْمَنِ الرَّحِيمِ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شَاذَانَ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ، وَكَتَبْتُهُ مِنْ أَصْلِهِ، قَالَ: قُرِئَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَرَفَةَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ عِشْرِينَ وَثَلَاثِمَائَةٍ، وَأَنَا حَاضِرٌ أَسْمَعُ، قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُوَفِّقِ لِطَاعَتِهِ وَأَدَاءِ أَمَانَتِهِ، وَالْإِيمَانِ بِوَحْيِهِ وَآيَاتِهِ، وَتَصْدِيقِ أَنْبِيَائِهِ وَأَنْبَائِهِ، مَنْ سَبَقَتْ لَهُ فِي عِلْمِهِ الرَّحْمَةُ مِنَّةً مِنْهُ وَفَضْلًا {لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وْالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: 70] وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ، وَهَادِي الْمُهْتَدِينَ، وَخِيرَةِ رِبِّ الْعَالَمِينَ، نَمَى إِلَيَّ خَبَرُ مَجْلِسٍ اجْتَمَعَ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَفَقِّهَةِ وَالْقُرَّاءِ وَحَمَلَةِ الْعِلْمِ، فَتَذَاكَرُوا مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {سُبْحَانَ اللَّهِ} [المؤمنون: 91] وَخَاضُوا فِي ذَلِكَ خَوْضًا لَمْ يَبْلُغُوا فِيهِ النِّهَايَةِ الَّتِي تُشْفِي صَدْرَ السَّامِعِ، وَتُلْحِقُ بِالْمَتْبُوعِ التَّابِعَ، وَأَنَا أُبَيِّنُ مِنْ ذَلِكَ مَا فِيهِ مَقْنَعٌ، وَأَسْتَعِينُ بِاللَّهِ، فَأَوَّلُ ذَلِكَ: قَوْلُهُ لِلْمَلَائِكَةِ حِيَنَ سَأَلَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنِ الْأَسْمَاءِ؛ لِيُرِيَهُمْ أَنَّهُ قَدْ خَلَقَ مِنْ خَلْقِهِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ بِتَعْلِيمِهِ إِيَّاهُ، فَقَالَ تَبَارَكَ وتَعَاَلَى: {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 31] فَقَدْ عَلِمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنُّهُ لَا عِلْمَ لِهُمْ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَرَاهُمُ الْعَجْزَ، وَأَنَّهُ قَدْ عَلَّمَ ذَلكَ آدَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: {سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة: 32] أَيْ تَنْزِيهًا لَكَ أَنْ يَكُونَ فِي خَلْقِكَ مَنْ يَعْلَمُ إِلَّا مَا عَلِمْتَهُ قَبْلَهُ، ثُمَّ عَلَّمْتَهُ إِيَّاهُ، أَوْ أَنْ يَعْلَمَ كَوْنَ مُحْدَثٍ إِلَّا بِإِعْلَامِكَ إِيَّاهُ

وَمَعْنَى «سُبْحَانَ» : التَّنْزِيهُ، وَالتَّعْظِيمُ، وَالتَّكْبِيرُ، وَالْإِبْعَادُ فَمَعْنَى قَوْلِهِ: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [المؤمنون: 91] أَيْ بَعِيدٌ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَتَنْزِيهًا لِلَّهِ عَنْهُ، وَقَوْلُ الْقَائِلِ: سُبْحَانَ اللَّهِ عَنْ هَذَا، أَيْ: بَرَّأْتُهُ مِنْ هَذَا بَرَاءَةً، َوَنَزَّهْتُهُ تَنْزِيهًا، ثُمَّ جُعِلَتْ «سُبْحَانَ» مَكَانَ ذَلِكَ، فَهِيَ مَنْصُوبَةٌُ عَلَى الْمَصْدَرِ، فَأَمَّا قَوْلُ الْأَعْشَى: أَقُولُ لَمَّا جَاءَنِي فَخْرُهُ ... سُبْحَانَ مِنْ عَلْقَمَةَ الْفَاجِرِ فَنَصَبَ «سُبْحَانَ» غَيْرَ مُنَوِّنٍ، لَأَنَّهُ نَوَى الْإِضَافَةَ، فَالْمَعْنَى: تَنْزِيهًا لِلْفَخْرِ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلْقَمَةُ مِنْ أَهْلِهِ،

وَأَمَّا قَوْلُهُ {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقُدِّسُ لَكَ} [البقرة: 30] فَقَوْلُهُمْ «نُسَبِّحُ» أَيْ نُنَزِّهُكَ وَنُبَاعِدُ عَنْكَ مَا وُصِفْتَ بِهِ مِنْ خِلَافِ صِفَاتِكَ، وَقَوْلُهُ: «بِحَمْدِكَ» أَيْ بِرِضَاكَ، وَرِضَانَا بِذَلِكَ، وَالتَّقْدِيسُ: التَّطْهِيرُ، وَبِهَذَا سُمِّيَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ، أَيْ بَيْتَ الطَّهَارَةِ. وَبِهَذَا سُمِّيَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: رُوحَ الْقُدُسِ، أَيْ رُوحَ الطَّهَارَةِ، قاَلَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ: أَمِينَاهُ رُوحُ الْقُدُسِ جِبْرِيلُ مِنْهُمْ ... وَمِيكَالُ ذُو الْوَحْيِ الْقَوِيِّ الْمُسَدَّدِ وَأَمَّا قَوْلُهُ: {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ} [يونس: 68] أَيْ تَنْزِيهًا لَهُ عَنْ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} [البقرة: 116] الْقُنُوتُ: الطَّاعَةُ فَالْمَعْنَىَ: تَنْزِيهًا لَهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ خَلْقِهِ إِلَّا مَمْلُوكًا لَهُ، لَيْسَ فِيهِمْ وَلَدٌ، أَلَا تَسْمَعُ إِلَى قَوْلِهِ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 2] فَالصَّمَدُ: الَّذِي يُصْمَدُ إِلَيْهِ فِي الْأُمُورِ، لَا نِهَايَةَ بَعْدَهُ، وَهَذَا كَلَامُ الْعَرَبِ، قَالَ أَوْسُ بُنْ حُجْرٍ: أَلَا بَكَّرَ النَّاعِي بَخَيْرَيْ بَنِي أَسَدِ ... بَعَمْرِو بْنِ مَسْعُودٍ وِبِالسَّيِّدِ الصَمَدِ،

فَهَذَا كَلَامُ الْعَرَبِ، وَقَدْ قِيلَ: الصَّمَدُ: الَّذِي لَا يَطْعَمُ، فَهَذِهِ السُّورَةُ صِفَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَثْبَتَ لِنَفْسِهِ التَّوْحِيدَ، وَأَنَّهُ بِخَلَافِ خَلْقِهِ، كُلٌُّ وَالِدٍ وَمَوْلُودٍ وَفِيهِمُ الْأَكْفَاءُ، أَيِ النُّظَرَاءُ، وُكُلُّ ذَلِكَ غَيْرُ لَائِقٍ بِصَفَاتِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ الْفَرَزْدَقُ: هُمْ أَنْكَحُوا قَبْلِي لَبِيدًا وَأَنْكَحُوا ... ضِرَارًا وَهُمْ أَكْفَاؤُنَا فِي الْمَنَاصِبِ وَقَوْلُهُ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ: {سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 191] أَيْ تَنْزِيهًا لَكَ عَمَّنْ زَعَمَ أَنَّ خَالِقًا سِوَاكَ، فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ إِيمَانًا بِذَلِكَ وَتَصْدِيقًا، إِذْ كَانَ مَنْ لَمْ يُصَدِّقْ وَيُسَبِّحُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَنَحْنُ نُسَبِّحُ وَنُصَدِّقُ، فَقِنَا مَا تَلُومُ غَيْرَنَا، وَقَوْلُهُ: {مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا} [آل عمران: 191] نَحْوُ قَوْلِهِ: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} [المؤمنون: 115] أَيْ: مَا خَلَقْتُ ذَلِكَ إِلَّا لِآمُرَ وأَنْهَى وَأُثِيبَ وَأُعَاقِبَ، وَقَوْلُهُ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ: {سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 171] أَيْ تَنْزِيهًا لَهُ عْنْ ذَلِكَ،

وَنَحْوٌ مِنْ قَوْلِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ: «اللَّهُ أَكْبَرُ» ، أَيْ هُوَ أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ عَظِيمٍ. وَكَذَلِكَ مَعْنَى «سُبْحَانَ» أَيْ كُلُّ صِفَةٍ دُونَ صِفَاتِهِ، وَبَعِيدٌ مِنْهُ غَيْرُ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، وَأَمَّا قَوْلُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: {سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} [المائدة: 116] أَيْ سُبْحَانَكَ عَمَّا قَالَهُ هَؤُلَاءِ، حِينَ قَالُوا: إِنَّ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ إِلَهٌ، وَأَنَّهُ وَلَدٌ. ثُمَّ قَالَ: {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيوُبِ} [المائدة: 116] أَيْ لَمْ أَقُلْهُ، وَلَوْ قُلْتُهُ لَكُنْتَ عَلِمْتَهُ، أَيْ لَمْ أَقُلْهُ، وَمِثْلُ هَذَا قَوْلِهُ: {أَتًُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} أَيْ بِمَا لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَعَلِمَهُ، وَإِنَّمَا النَّفْيُ لِمَا قَالُوهُ، وَقَوْلُ الْقَائِلِ: مَا عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا يَنْفِي الْكَوْنَ، أَيْ لَوْ كَانَ لَعَلِمَهُ، وَقَوْلُهُ: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116] أَيْ تَعْلَمُ مَا أُخْفِي وَلَا أَعْلَمُ مَا أَخْفَيْتَهُ عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَّفَيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٍ} [المائدة: 117] وَقَدْ أَحْكَمْتُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ «الشِّهَادَاتِ» ، وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ} [

الأنعام: 100] أَيْ عَمَّا يَصِفُونَ مِنَ الْكَذِبِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ} [الأنعام: 139] أَيْ كَذِبَهُمْ، وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ مُخْبِرًا عَنْ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ: {سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 143] فَالْمَعْنَى: تَنْزِيهًا لَكَ أَنْ يَكُونَ إِلَّا مَا أَرَدْتَهُ مِنْ أَنْ أَرَاكَ أَوْ أَنْ تَمْنَعَنِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا طَمِعَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي رُؤْيَةِ رَبِّهِ حِينَ كَلَّمَهُ، فَسَأَلَ مَا يَجُوزُ عِنْدَهُ، وَلَمْ يُعَنِّفْهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ: {لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [الأعراف: 143] فَلَمْ يَيْأَسْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الرُّؤْيَا، حَتَى رَأَى الْجَبَلَ قَدْ صَارَ دَكًّا، وَقَدْ كَانَ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَقِرَّ الْجَبَلُ وَأَنْ يَرَى رَبَّهُ، فَلَمَّا مَنَعَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: {سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ} [الأعراف: 143] أَيْ رَجَعْتُ عَمَّا كُنْتُ سَأَلْتُ، {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 143] أَيْ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِمَا تُوحِيهِ إِلَيَّ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ هُمْ أَوَّلُ أُمَمِهِمْ إِيمَانًا حِينَ يَأْتِيهِمُ الْوَحْيُ، ثُمَّ يُبَلِّغُونَ، فَيُؤْمِنُ مَنْ يُؤْمِنُ، وَيَكْفُرُ مَنْ يَكْفُرُ، وَذَلِكَ مُتَقَدِّمٌ فِي عِلْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَغَيْبِهُ، مَطْوِيٌّ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ، فَقَالَ اللَّهُ: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّارِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ} ، أَيْ خُذْهُ أَخْذَ الْقَابِلِ لَهُ، وَالْعَامِلِ بِهِ، وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ لِمَا آتَيْتُكَ مِنْ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ} [الأعراف: 206] أَيْ: يُنَزِّهُونَهُ بِأَسْمَائِهِ، وَيَسْجُدُونَ لَهُ،

وَقَوْلُهُ فِي سُورَةِ يُونُسَ: {دَعَوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللُّهُمَّ} [يونس: 10] أَيْ هُمْ فِي الْجَنَّةِ عَلَى تَنْزِيهِ اللَّهِ عَمَّا نَزَّهَ عَنْهُ نَفْسَهُ، كَمَا كَانُوا فِي الدُّنْيَا، {وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلِّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: 10] ، رِضًا بِمَا أَعْطَوْهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة: 119]

من رضي بما قسم الله له دخل الجنة. وقوله: {سبحانه عما يشركون} [التوبة: 31] ، و {سبحانه هو

1 - حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ زَكَرِيَّا، عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ عِرْفَانَ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§مَنْ رَضِيَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» -[386]-. وَقَوْلُهُ: {سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31] ، وَ {سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ} [يونس: 68] ، كُلُّ ذَلِكَ أَصْلُهُ مَا وَصَفْتُهُ لَكَ. وَقَوْلُهُ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ} [الأعلى: 1] ، أَيْ نَزِّهِ اسْمَهُ عَنْ غَيْرِ مَا سَمَّى بِهِ نَفْسَهُ. وَقَوْلُهُ: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} [الحجر: 98] ، أَيْ ادْعُهُ بِأَسْمَائِهِ، فَنَزِّهْهُ بِهَا عَمَّا قَالَهُ الْمُخَالِفُونَ. وَكُلُّ مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ قَوْلِهِ: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} [الحجر: 98] ، وَ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ} [الأعلى: 1] ، فَمَعْنَاهُ كُلُّهُ: نَزِّهْهُ، وَعَظِّمْهُ مِنْ غَيْرِ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ. وَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ الرَّعْدِ: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} [الرعد: 13] ، أَيْ كُلٌّ يُنَزِّهُهُ وَيُعَظِّمُهُ بِأَسْمَائِهِ، وَأَسْمَاءُ اللَّهِ صِفَاتٌ لَهُ، وَصِفَاتُ اللَّهِ مَدْحٌ. وَكُلُّ مَنْ ذَكَرَ اللَّهَ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ -[387]- فَقَدْ أَطَاعَهُ، إِذَا وَصَفَهُ بِصِفَتِهِ الَّتِي رَضِيَهَا لِنَفْسِهِ وَنَفَى سِوَاهَا عَنْهُ. وَكَذَلِكَ قَوْلِهِ فِي الْحِجْرِ: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} [الحجر: 98] ، وَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ النَّمْلِ: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل: 63] ، أَيْ تَعْظِيمًا لَهُ، وَتَنْزِيهًا عَنْ إِشْرَاكِهِمْ بِهِ. وَلَسْتَ تَرَى ذِكْرَ {سُبْحَانَ} [الإسراء: 1] فِي سَائِرِ الْقُرْآنِ إِلَّا وَمَعَهَا إِثْبَاتٌ وَنَفْيٌ، فَالْإِثْبَاتُ لِأَسْمَائِهِ الَّتِي هِيَ صِفَاتِهِ، وَالنَّفْيُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ، فَتَأَمَّلْهُ تَجِدْهُ فِي سَائِرِ الْقُرْآنِ. كَذَلِكَ قَوْلِهِ: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ} [النحل: 57] ، وَقَوْلِهِ: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء: 1] ، أَيْ تَنْزِيهًا لَهُ، وَتَعْظِيمًا عَنْ قَوْلِ الْمُكَذِّبِينَ بِأَنْبَائِهِ عَلَى أَلْسِنَةِ أَنْبِيَائِهِ. وَكَذَلِكَ قَوْلِهِ: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} ، فَهَذَا إِثْبَاتٌ مِنْهُ عَزَّ وَعَلَا التَّسْبِيحَ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَأَنَّهُ لَا يَفْقَهُ تَسْبِيحَهُمْ إِلَّا هُوَ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُعَلِّمَ بَعْضَ خَلْقِهِ بَعْضَ ذَلِكَ التَّسْبِيحِ عَلَّمَهُ، كَمَا قَالَ: {عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ} [النمل: 16] ، فَهَذَا مِمَّا لَا يَفْقَهُهُ خَلْقُهُ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُعَلِّمَهُ إِنْسَانًا عَلَّمَهُ

صياح الدراج في السماء: الرحمن على العرش استوى

2 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خُزَيْمَةَ الْعَابِدُ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ كَعْبٍ -[388]- قَالَ: " §صِيَاحُ الدُّرَّاجِ فِي السَّمَاءِ: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى "

مر سليمان بن داود عليه السلام بديك يصيح، فقال: أتدرون ما يقول هذا الديك؟ يقول: يا غافلين

3 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ فَرْقَدٍ السَّبَخِيِّ قَالَ: " §مَرَّ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِدِيكٍ يَصِيحُ، فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ هَذَا الدِّيكُ؟ يَقُولُ: يَا غَافِلِينَ اذْكُرُوا اللَّهَ ". وَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ مَرْيَمَ: {سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [مريم: 35] ، فَهَذَا مَعَ قِصَّةِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمَا ادُّعِيَ فِي أَمْرِهِ مِمَّا نَفَاهُ اللَّهُ. وَقَوْلِهِ: {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 11] ، أَيْ اذْكُرُوا اللَّهَ بِأَسْمَائِهِ. وَالْوَحْيُ هَاهُنَا، إِنَّمَا هُوَ إِعْلَامٌ مِنْ زَكَرِيَّا، وَقَدْ -[389]- ضُرِبَ عَلَى لِسَانِهِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {إِلَّا رَمْزًا} [آل عمران: 41] ، وَالرَّمْزُ: الْإِيمَاءُ، وَالْحَرَكَةُ. قَالَ جَرِيرٌ: [البحر الكامل] أَمْسَى يُرَمِّزُ حَاجِبَيْهِ كَأَنَّهُ ... ذِيخٌ لَهُ بِقَصِيمَتَيْنِ وَجَارٌ الذِّيخُ: ذَكَرُ الضَّبُعِ. فَالْإِيحَاءُ هَاهُنَا فِي قِصَّةِ زَكَرِيَّا: إِعْلَامٌ بِغَيْرِ كَلَامٍ. وَقَدْ حُكِيَ أَنَّهُ خَطَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ , وَلَعَمْرِي مَا تَمْنَعُ اللُّغَةُ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ أَعْلَمَهُمْ بِأَيِّ جِنْسٍ كَانَ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُكَلِّمَهُمْ. قَالَ النَّجَاشِيُّ: [البحر الطويل] يَخْطُطْنَ بِالْبَطْحَاءِ وَحْيًا عَلِمْنَهُ ... عَلَى أَنَّهُ أَعْيَا عَلَى كُلِّ كَاتِبِ وَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ طه: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ} [طه: 130] ، يُوصِيهِ بِالْأَوْقَاتِ: ابْتِدَاءِ النَّهَارِ، وَآخِرِهِ، وَأَطْرَافِهِ، وَآنَاءِ اللَّيْلِ، وَهِيَ -[390]- أَوْقَاتُهُ: وَاحِدُهَا إِنًى وَإِنْيٌ وَإِنْوٌ، وَأَنْشَدَ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى: [البحر البسيط] حُلْوٌ وَمَرٌّ كَعَطْفِ الْقِدْحِ مِرَّتُهُ ... بِكُلِّ إِنًى حَدَاهُ اللَّيْلُ يَنْتَعِلُ وَقَوْلِهِ: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} ، فَهَذِهِ أَوْقَاتُ الصَّلَاةِ. وَالصَّلَاةُ الْوُسْطَى: الْعَصْرُ. وَقَوْلِهِ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [ق: 40] ، فَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالتَّسْبِيحِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَوْقَاتًا يَحُضُّ عَلَى التَّسْبِيحِ فِيهَا

كل له أواب} [ص: 19] قال: مسبح لله

4 - حَدَّثَنِي الْحُنَيْنِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: {§كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ} [ص: 19] قَالَ: «مُسَبِّحٌ لِلَّهِ»

يا جبال أوبي معه} [سبأ: 10] قال: سبحي معه قال أبو عبد الله: فكل من عظم الله وكبره ودعاه

5 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ وَهْبٍ الْعَلَّافُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {§يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ} [سبأ: 10] قَالَ: «سَبِّحِي مَعَهُ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَكُلُّ مَنْ عَظَّمَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَدَعَاهُ بِأَسْمَائِهِ فَهُوَ مُسَبِّحٌ لَهُ

لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إلي مما طلعت عليه

6 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §لِأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ " -[392]-. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَقَدْ بَيَّنْتُ لَكَ مَعْنَى التَّسْبِيحِ، وَمَعْنَى أَسْمَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهَا صِفَاتٌ لَهُ وَمَدْحٌ، فَكُلُّ مَنْ دَعَاهُ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ فَقَدْ أَطَاعَهُ وَمَدَحَهُ وَعَظَّمَهُ وَسَبَّحَهُ

ليس أحد أغير من الله؛ ولذلك حرم الفواحش. وليس أحد أحب إليه المدح من الله عز وجل. وقوله:

7 - حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§لَيْسَ أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللَّهِ؛ وَلِذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ. وَلَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» -[393]-. وَقَوْلُهُ: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152] ، أَيِ: اذْكُرُونِي بِأَسْمَائِي، وَعِنْدَ تَصَرُّفِكُمْ وَأَحْوَالِكُمْ، أَذْكُرْكُمْ بِرَحْمَتِي

ولمن خاف مقام ربه جنتان} [الرحمن: 46] قال: من خاف مقام الله

8 - حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {§وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46] قَالَ: «مَنْ خَافَ مَقَامَ اللَّهِ»

ولمن خاف مقام ربه جنتان} [الرحمن: 46] قال: هو أن يذكر الله عند المعصية

9 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْوَاسِطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {§وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46] قَالَ: «هُوَ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ عِنْدَ الْمَعْصِيَةِ فَيَنْحَجِزَ»

ولذكر الله أكبر} [العنكبوت: 45] قال: ذكر الله العبد أكبر من ذكر العبد

10 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ -[394]- قَالَ: أَخْبَرَنَا فُضَيْلٌ، عَنْ عَطِيَّةَ، فِي قَوْلِهِ: {§وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45] قَالَ: «ذِكْرُ اللَّهِ الْعَبْدَ أَكْبَرُ مِنْ ذِكْرِ الْعَبْدِ لِلَّهِ»

فلولا أنه كان من المسبحين} [الصافات: 143] قال: قبل ذلك قال أبو عبد الله: يعني أنه كان

11 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا فُضَيْلٌ، عَنْ عَطِيَّةَ، فِي قَوْلِهِ: {§فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} [الصافات: 143] قَالَ: «قَبْلَ ذَلِكَ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي الرَّخَاءِ، فَلَمَّا ذَكَرَهُ عِنْدَ الشِّدَّةِ أَنْجَاهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ فِرْعَوْنَ لَمَّا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ: {آمَنْتُ أَنَّهَ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} -[395]-[يونس: 90] ، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 91] . فَلَمْ يَكُنْ فِرْعَوْنُ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي الرَّخَاءِ، فَلَمْ يَقْبَلْهُ فِي الشِّدَّةِ حِينَ رَأَى بَأْسَهُ. وَكَانَ يُونُسُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي الرَّخَاءِ، فَأَعَانَهُ فِي وَقْتِ الشِّدَّةِ، وَأَنْجَى قَوْمَهُ مِنَ الْعَذَابِ، بَعْدَ أَنْ قَدْ أَظَلَّهُمْ، وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بِغَيْرِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ، أَلَا تَسْمَعُ إِلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ} [غافر: 84] ، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ} ، أَيْ هَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ، فَمَنْ أَهْلَكَ مِنَ الْأُمَمِ إِذَا رَأَوْا بَأْسَهُ آمَنُوا، وَلَوْ كَانُوا آمَنُوا بِذَلِكَ الْوَعِيدِ قَبْلَ وُقُوعِهِ لَنَفَعَهُمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ} [الشعراء: 157] ، {فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ} [النحل: 113] ، ذَهَبَ نَاسٌ مِنَ النَّاسِ إِلَى أَنَّ فِيهِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا: فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ، وَالْآيَةُ يَخْرُجُ مَعْنَاهَا عَلَى ظَاهِرِهِ، فَيَكُونُ: فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ لَمَّا أَظَلَّهُمُ الْعَذَابُ، وَرَأَوْا عَلَامَاتِ ذَلِكَ قَبْلَ أَخْذِهِ إِيَّاهُمْ، ثُمَّ أَخَذَهُمْ

§1/1