مرويات غزوة حنين وحصار الطائف

إبراهيم بن إبراهيم قريبي

مقدمة

المجلد الأول مقدمة ... شكر وتقدير الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله وحده تتحقق جلائل المهمات، وعليه وحده الاتكال في جميع الملمات، وبعد: فإني أشكر في هذه الكلمة أستاذي الدكتور أكرم ضياء العمري على جهوده الموفقة مع جميع أبنائه الطلاب عموماً، وعلى ما أولاني من بالغ عنايته، وشديد حرصه، وما قدمه لي من التوجيه والإرشاد، وغزير الفوائد العلمية من أجل إخراج هذا البحث على الوجه العلمي المطلوب، وهذا دأب شيخنا الكبير في إعانة تلاميذه بفوائده العلمية، وفرائده التوجيهية من الناحية الشكلية والموضوعية، وما كان يبخل بزمنه المليء بالأعمال العلمية المتعددة، ولا بتوجيهاته أو تنبيهاته على سهو غفلت عنه، أو غلط وقعت فيه، أو فكرة نادّة لم أكن متنبها لها. ولا أجد كلمة تفي بشكره، وتعبر عما تكنه نفسي له من عرفان بالجميل وتقدير لعطائه العلمي، غير أن الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - أرشدنا إلى ما يكون المناسب في مثل هذا المقام فقال: "ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوه1 به فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه" 2. وانطلاقاً من هذا المبدأ، فإني سأظل – إن شاء الله تعالى – داعياً له بالتوفيق وازدياد العلم النافع والعمل الصالح، والله - جل وعلا - يقول: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} 3. وأشكر القائمين على الجامعة الإسلامية الذين سعوا ويسعون جادّين لتيسير سبل طلب العلم الشرعي لأبناء العالم الإسلامي، وأسأل الله أن يعينهم على

مساعيهم الحميدة، وأن يجنبهم كل مكروه، وأن يزيد هذا الصرح العلمي الشامخ مزيداً من التقدم والازدهار مادياً وأدبياً في ظل هذه الحكومة المباركة التي تعنى بقضايا الإسلام والمسلمين في كل أنحاء المعمورة، ومن براهين عنايتها الفائقة بتضامن المسلمين وحل مشكلاتهم واتفاق كلمتهم دعمها لهذه الجامعة العلمية العظيمة بكل ما تحتاج إليه من وجوه الدعم المختلفة، ولا شك أن هذه الجامعة قد امتد نفعها وتأثيرها في العالم كله، ممّا يكون في ميزان حسنات هذه الدولة الرشيدة، بل ذلك من أكبر حسناتها، وأجلّ أعمالها التي يعود نفعها وخيرها على المسلمين جميعاً. فجزاهم الله خير الجزاء، وسدد خطاهم، ووفقهم إلى ما فيه تقدم المسلمين واستعادة مجدهم، وحقق لهم ما يصبون إليه من تضامن العالم الإسلامي على هدي الكتاب والسنة وسبيل سلف الأمة، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلاّ ما صلح به أولها. {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} ، [سورة العنكبوت، الآية: 69] . وفي ختام هذه الكلمة أتوجه بالشكر والتقدير على وجه العموم لكل من كان له مشاركة في إخراج هذا البحث، وأعانني عليه من جميع الأساتذة والإخوة الزملاء وغيرهم من الإخوة الفضلاء، شكر الله للجميع عونهم ودعمهم، وجزاهم الله خير الجزاء. والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله على عبده ورسوله الأمين، وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين. والله الهادي إلى سواء السبيل.

المقدِّمة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد: فقد هيأ الله لي أن أكون من طلبة علوم السنة النبوية، وأن أسهم في دراسة السيرة النبوية الطاهرة، فكانت البداية أن تقدمت بدراسة غزوة (بني المصطلق) دراسة علمية متخصصة، أحسبها الأولى من نمطها في تجلية حقائق تلك الغزوة، وبيان أحداثها التاريخية، وعبرها وأحكامها، وغير ذلك ممّا له صلة بها، وكانت تلك أطروحتي لنيل شهادة العالمية (الماجستير) ، وكان لتلك التجربة - بالنسبة لي- صداها العميق في نفسي، حيث ارتبطت تَوَجُّهاتي العلمية بخدمة سيرة أحب الخلق إلى الله وأكرمهم عليه، تلك السيرة النقية الحقيقة بالحب والإكبار، الجديرة بالبحث العلمي الجادّ الذي يرسي حقائقها، وينفي عنها الزَبَد1 ليذهب جُفاء2 ويمكث ما ينفع الناس. ولن يتم ذلك إلا بعد التطواف العلمي الحثيث القائم على مناهج المحدِّثين وطرق تقويمهم للحديث النبوي الشريف، وصولاً إلى نتائج علمية محققة، ينتفع بها الدارسون لهذه السيرة العظيمة العطرة، ويزدادون اطمئناناً ويقيناً بهذا الجانب الخطير من جوانب حياة المصطفى صلى الله عليه وسلم. وفي طليعة هذا التقديم أود أن أشير إلى أهم القضايا التي يحسن أن أتناولها فيه، وستكون على النحو الآتي:

أ - دراسة السيرة واجب إسلامي: إن إبراز مكانة السيرة النبوية، وإظهار عظمتها في العصر الحديث لهو من الأمور الضرورية في مواجهة تحديات هذا العصر المتكاثرة، ذلك أن عصرنا الحاضر يقوم على مناهج تربوية مؤثِّرة في صبغ الأجيال الصاعدة بصبغة جاهلية معاصرة، في الأعم الأغلب، وقد شمل هذا الفكر التربوي والأدبي أجيال المسلمين، وتغلغل في نفوسهم، واحتل مكان الصدارة في التوجيه والتأثير، وفقدت الأجيال - أو كادت - ثقتها لتراثها، واشتدت الهجمات القوية العنيفة على علوم الإسلام وحضارته، بما في ذلك التشكيك في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، مستغلين في ذلك بعض الروايات الضعيفة والحكايات الغريبة، والمبالغات الشاطحة، التي لم يقم عليها دليل، ولم يسندها عقل، ولم تثبت بنقل فكان لزاماً على الدارسين المختصين أن يولوا هذه السيرة الزكية بالغ اهتمامهم، جمعاً ودراسة وتمحيصاً وتحقيقاً مستندين في ذلك إلى قواعد المحدثين في الجرح والتعديل لكشف العلل الغامضة فيها، وبيان الصحيح من الضعيف في نصوصها. وإذا كان مصطلح الحديث قد طبق تطبيقاً رائعاً في تقويم الأحاديث النبوية والحكم لها أو عليها، من خلال دراسة الأسانيد والمتون، فإن ذلك لم يطبق مثله أو قريباً منه في دراسة السيرة النبوية وأحداثها وغزواتها، إلى غير ذلك من قضاياها العديدة. هذا جانب من جوانب دراسة السيرة. والجانب الآخر هو الجانب التحليلي المعاصر، الذي يعنى فيه الدارس بتجلية حقائق السيرة النبوية من الناحية الفكرية والتربوية والفقهية بأسلوب قوي أخّاذ, يهدف إلى تحبيب الناس في هذه السيرة، وترغيب الأجيال في الإقبال عليها والاقتداء بصاحبها العظيم عليه الصلاة والسلام، وإبراز جوانبها المشرقة، ووقفاتها المضيئة، وأشهد أنني لم أقم بشيء يذكر في هذا الجانب؛ لأن الأصل في بحثي تحقيق نصوص السيرة من الوجهة الحديثية الصرفة، ولأن الوقت لا يساعد على الجمع بين الحسنين، ولكني أقرر أن هذا واجب عظيم تجاه خدمة هذه السيرة المباركة.

ولا أنسى أن أنوّه1 بدراسة جيدة بدأت في هذا الجانب لبعض المهتمين بقضايا الدعوة الإسلامية في هذا العصر2، ولكن الأمر يحتاج إلى المزيد الذي يغطي جوانب هذه السيرة تغطية كاملة. وإغفال هذا الجانب التحليلي في دراسة السيرة النبوية خطأ جسيم في حق السيرة، وترك لواجب يفرضه الواقع المعاصر، وتقتضيه حاجة الأجيال الملحة. ب - كلمة عن السيرة وضرورة التكامل في دراستها: لفظ السيرة يراد به في اللغة: السنة والطريقة والهيئة، يقال: سار بهم سيرة حسنة، وسار في الناس سيرة حسنة أو قبيحة3. والسيرة على هذا تشمل في مدلولها اللغوي المنهج والطريقة التي يتبعها الراعي في رعيته، والرجل في أهله4. كما تطلق السيرة على الهيئة والحالة. وبتأمل إطلاقات العلماء للفظ السيرة، يظهر أن السيرة مرّت في مدلولها الاصطلاحي بتطورات علمية بارزة، فبالنظر في صنيع العلماء الذين عنوا بتسجيل غزوات الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسراياه، وما يتبع ذلك من شؤون الحرب بين المسلمين وأعدائهم في العهد الأول، مثل عروة بن الزبير وأبان5 بن عثمان بن عفان، ومحمد بن شهاب الزهري، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم.

ثم من جاء بعدهم أمثال: موسى بن عقبة، ومحمد بن إسحاق، وأبو معشر1 السندي، وشرحبيل2 بن سعد، والأربعة من تلاميذ الزهري، ثم محمد بن عمر الواقدي، ومحمد بن سعد، ثم المؤرخ العظيم الإمام الطبري، وغيرهم من أئمة السير والمغازي القدامى الذين هم الأصل في هذا العلم. يتبيّن للناظر في تآليفهم العلمية أنهم يخصون لفظ السيرة بالغزوات والسرايا في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وما يقع فيها من قضايا متعددة الجوانب، لذلك قال الفيومي: "وغالب اسم السيرة في ألسنة الفقهاء على المغازي"3. وهذا المدلول الاصطلاحي استمر في الأدوار التاريخية المتلاحقة فإذا أطلق هذا اللفظ انصرف الذهن إلى الغزوات والسرايا وما له صلة بها قبل المعركة وبعدها. وهناك مصادر أساسية جعلت السيرة بهذا المدلول جزءاً من موضوعاتها وبحوثها، مثل: "دلائل النبوة" للبيهقي، فقد ذكر مباحث السيرة في ثنايا عرضه لما يتصل بحياة الرسول صلى الله عليه وسلم. وممّن جرى على هذا المنوال من المتأخرين: ابن سيد4 الناس في كتابه "عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير"، وأبو زكريا يحيى بن أبي بكر العامري في كتابه "بهجة المحافل وبغية الأماثل في تلخيص السير والمعجزات والشمائل"، وشهاب الدين أحمد بن محمد القسطلاني في كتابه "المواهب اللدنية بالمنح المحمدية"، فهذه الكتب جمعت بين الشمائل، وهي الصفات الخُلقية5 والخلقية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبين الدلائل وهي البراهين على صحة نبوته صلى الله عليه وسلم، وبين السرايا والمغازي التي تمت في حياته - صلى الله عليه وسلم - وهذا الصنيع أقرب إلى مدلول لفظ السيرة من الوجهة اللغوية، لأن السيرة في اللغة العربية تدور على معنيين:

الأول: الطريقة والمنهج والسنة المتبعة. والثاني: الهيئة والحالة والصفات الجبليّة1 والكسبية. وعلى هذا يمكن القول بأن مصطلح السيرة شامل لجميع ما يتصل بتطبيقات الرسول - صلى الله عليه وسلم - العملية للإسلام، وهذا المعنى العام يمكن أن يلحظه الباحث عند بعض العلماء الأجلاء مثل الإمام ابن قيم الجوزية في كتابه العظيم (زاد المعاد في هدي خير العباد) فهو كتاب جامع لسيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في السلم والحرب وفي العبادة والمعاملة، وفي بيته مع أهله وخدمه، ومع سائر الناس، فكان رصدا كاملا لجميع جوانب السيرة النبوية بالمعنى العام مع التحليل والاستنباط والمناقشة والتحقيق، وهي صفات أساسية في دراسة ابن قيم الجوزية رحمه الله، وهو وإن لم يجعل كتابه معنونا بالسيرة، إلاّ أن إدخاله للسيرة ضمن هديه - صلى الله عليه وسلم - المتعدد الجوانب يدل على نظرة دقيقة إلى مفهوم السيرة عنده، ممّا يشير إلى التدرج العلمي والفكري في مسالك العلماء المختلفة لمعالجة قضايا السيرة النبوية. وقد ذكر أئمة الحديث مباحث الغزوات والسرايا في جملة مصنفاتهم ولكن أئمة السير والمغازي الذين أفردوها بالتصنيف المستقل كانوا أكثر استقراء واستيعابا للمغازي والسير من غيرهم، لذلك صاروا أئمة في هذا الشأن يرجع إليهم فيه. ولا شك أن تتبع هذه المصادر المختلفة لاستخراج ما له صلة بغزوة من الغزوات يحتاج من الباحث إلى زمن كاف، وجهد متواصل في كتب التراث ودواوينه2 الواسعة، لأن مباحث السيرة النبوية لم تقتصر على كتب معينة خاصة بها. ومن هنا تكون مهمة الباحث المعاصر في هذا الميدان أن يتنبه لهذه الحقيقة العلمية، وأن يدرك اختلاف طرائق العلماء في تناول مباحث السيرة النبوية في تصانيفهم، وما طرأ عليها من إضافات وتضخيمات بمعزل عن الصواب والحق، ذلك

أن بعض المصادر المتأخرة لم تخل من إضافات تخالف الواقع التاريخي للسيرة النبوية، وتخالف روح الإسلام ونصوص القرآن والسنة، ممّا جعل السبيل ممهدة أمام المستشرقين وغيرهم أن يشككوا في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -. وقد اشتملت كتب الشمائل والتواريخ المتأخرة عن عهود التدوين – إلاّ القليل النادر منها – على تهاويل كثيرة تذكر قبل مولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - زاعمين أنها إرهاصات1 لنبوته، وتذكر في أثناء مولده وبعد ولادته، وهي أخبار غريبة ومبالغات مرتجلة2 لا أساس لها من الصحة يجب تنقية السيرة منها، وبيان زيفها، وقد تلقفها جمهور المسلمين وتناشدوها في حفلات الموالد وسجلوها في أشعار المديح والإطراء للرسول - صلى الله عليه وسلم -، وكلها أخبار واهية، إما إسرائيليات وإما من نسج الخيال وإنشاء المداحين والقصاصين ومن على شاكلتهم، ولا شك أن مثل هذه الأساطير تفتح الباب أمام المغرضين من المستشرقين وأذنابهم لإنكار السيرة والحط منها والتشكيك في أحداثها الزاخرة، ومدلولاتها العظيمة، ومعطياتها المتعددة. إن الباحث المعاصر حري به أن يرجع إلى نمط من المصادر الموثقة للنقاد المعتمدين في علوم الإسلام، مثل كتب الحديث وكتب الرجال وكتب التواريخ المسندة، ومن ثمّ دراسة النص التاريخي للسيرة دراسة نقدية جادّة وفق الأصول والقواعد العلمية المقررة، وهذا النوع من الدراسة هو الكفيل بوضع الحق في نصابه في حوادث السيرة النبوية ودمغ أباطيل المتزيدين والمستكثرين، ومن ثمّ إقناع كل من له إنصاف وعقل بتلك الصفات المشرقة من حياة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -. إن المسلمين أحوج ما يكونون اليوم إلى معطيات سيرة نبيهم - صلى الله عليه وسلم - في شتى مجالاتها المتنوعة. إن هذه السيرة النبوية حفظها الله للمسلمين ولم تحفظ سيرة نبي من الأنبياء كما حفظت سيرة نبينا - صلى الله عليه وسلم -، ولازال الباحثون إلى اليوم وإلى قيام الساعة يتمكنون من بيان هذه السيرة ودراستها ونفي الكذب عنها كما نُفي من حديثه - صلى الله عليه وسلم - رحمة من الله بهذه الأمة لتبقى لهم أعمال نبيهم وتطبيقاته وجميع تحركاته ونشاطاته المختلفة

في السلم والحرب المرجع الذي يعودون إليه فيجدون فيه أنفاسه - صلى الله عليه وسلم - وإن كانت نفسه الشريفة قد فارقت الدنيا، ويقتدون بسيرته كما يتبعون سنته. ومن هنا وجب القيام بدراستها من الناحية النقدية الحديثية، ومن الناحية التحليلية التربوية بأسلوب معاصر وعرض جديد يقربها من لغة المثقف المعاصر، وهما واجبان متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر. وبهذا المنهج يمكن استدراك النقص الناجم عن الدراسات الإنشائية المرتجلة البعيدة عن التحقيق والبحث العلمي، كما يمكن تدارك الخلل الناجم عن الدراسة المتخصصة الدقيقة التي تبعد عن التحليل العلمي المعاصر، ولا تعنى بتقريب أحداث السيرة ونصوصها من فهم المثقفين المعاصرين، مما جعل كثيرا من الدارسين المعاصرين يعتمدون في دراستهم للسيرة على كتب المستشرقين ومن نحا نحوهم في كتابة السيرة بأسلوب العصر ولغته الأدبية وتحليلاته النفسية التربوية وفق مناهج غربية لا تخلو من تحامل وتشكيك في قضايا السيرة. وهذه الفجوة الخطيرة قد قامت محاولات1 جادّة لسدها ظهرت في صورة دراسات يغلب عليها طابع العصر في سرعة التناول وغلبة الارتجال ولكنها دراسات نافعة أفادت منها الأجيال المعاصرة، بيد أن الأمر يحتاج إلى ضرورة التكامل في دراسة السيرة. ج - سبب اختياري لغزوة حنين: كانت تجربتي الأولى في دراسة غزوة "بني المصطلق" تدفعني لمواصلة خدمة السيرة النبوية، وقد وقع اختياري على هذه الغزوة لبحث الدكتوراه استمرارا لهذا الاتجاه الذي أرجو أن يكون من صالح أعمالي الموفقة، كما أتمنى أن يكون عملا علميا نافعا في خدمة الغزوتين العظيمتين. وأود أن أجمل دوافع اختياري لغزوة حنين على وجه الخصوص في النقاط الآتية: 1- كثرة أحداث غزوة حنين وتشعب مروياتها وتعدد الجوانب العلمية لوقائعها التاريخية ومعطياتها الجليلة، ممّا جعلها - في نظري - جديرة بإفرادها بالدراسة

العلمية الوافية، لذلك اخترتها لبحث الدكتوراه عسى أن أفي بحقها وألم شعثها وأجمع متفرقها وأحقق نصوصها وفق المناهج العلمية المتبعة في نقد الروايات من الوجهة الحديثية. 2- تعد غزوة حنين آخر غزوات الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - في جزيرة العرب، حيث لم تقم بعدها للوثنية العربية قائمة، وارتفع بعدها علم التوحيد عاليا في سماء الجزيرة العربية، وتهاوت ألوية الشرك، ودخل العرب جميعا بعد هذه الغزوة في دين الله أفواجا. وغزوة هذا شأنها، وهذه بعض معطياتها حقيقة بالدراسة المتأنية والتحقيق العلمي الجادّ، لذلك أجمعت أمري على خوض غمارها، ونقد مروياتها، وتجلية أحداثها واستقصاء جميع ما يتصل بها، بحسب الإمكان وفي حدود طاقتي العلمية المتواضعة. 3– تعددت الجوانب العلمية لهذه الغزوة فهي من جانب تشتمل على تدبيرات الرسول - صلى الله عليه وسلم - العسكرية والسياسية، وهي من جانب آخر جمعت بين الهزيمة للمسلمين في بادئ الأمر ثم كانت العاقبة لهم النصر والظفر بأعدائهم. وقد احتوت على عدد من المعجزات والدلائل على نبوته - صلى الله عليه وسلم -، وفيها أيضا قضايا متصلة بالعقيدة، وأحكام فقهية واسعة، إلى غير ذلك من المسائل العظيمة البارزة التي تحتاج إلى دراسة مستقلة متخصصة تستوعب هذه الجوانب العلمية وتفي بأطرافها الموزعة في المصادر العلمية الكثيرة. 4– الناظر في كتب التراث عامة يلحظ أن هذه الغزوة لم تحظ بدراسة علمية تجمع ما تفرق منها هنا وهناك، وتنسق موضوعاتها وفق الدراسة الموضوعية المتكاملة في أبواب وفصول ومباحث تنتظم جميع أحداثها ووقائعها التاريخية، لذلك رأيت أن أقوم بذلك الجمع العلمي لما تفرق، وبذلك الترتيب والتبويب لتلك الأحداث والوقائع المتصلة بهذه الغزوة – مع الدراسة النقدية – عسى أن يسد عملي هذا ثغرة علمية، وأن يضيف شيئا ذا بال في طريقة دراسة هذا الموضوع الخطير. والله الموفق والمستعان.

خطة البحث: سار هذا البحث على خطة رسمتها لنفسي بغية الإحاطة بأطرافه على الطريقة الآتية: 1 - المقدمة: وفيها افتتاحية، ووجوب دراسة السيرة، وكلمة موجزة عن السيرة، ومصادرها، وكيف يتم التكامل في دراسة السيرة النبوية. 2 – التمهيد: وفيه قضيتان: الأولى: التعريف بهوازن وثقيف وفيه: 1) نسب هوازن وثقيف. 2) تحديد مواقعهم وديارهم من الناحية الجغرافية. 3) صلتهم بقريش: أ - الصلة النسبية. ب- المصاهرة. جـ- تبادل المصالح المشتركة. 4) موقفهم من ظهور الإسلام ودعوته. 5) موقفهم من الصراع بين المسلمين وقريش. الثانية: تحركات المسلمين العسكرية: وفي هذه القضية التمهيدية تناولت ما يلي: 1) تجهيز سرية لهدم العزى. 2) بعث سرية أخرى لهدم مناة. 3) سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة. وكانت هذه السرايا الثلاث قبيل معركة حنين. وبعد هذا التمهيد الموجز رأيت أن يكون

الباب الأول: في الحديث عن غزوة حنين وتحته أربعة فصول: الفصل الأول: في مقدمات غزوة حنين وفيه مبحثان: 1) سبب الغزوة. 2) الاستعداد للمعركة. الفصل الثاني: في المسير إلى حنين وفيه سبعة مباحث: 1) في تاريخ الغزوة. 2) تعيين الأمير على مكة. 3) عدد الجيش الإسلامي في هذه الغزوة. 4) استعداد هوازن العسكري. 5) تبشير الرسول - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بالنصر وبيان فضل الحراسة في سبيل الله. 6) بقايا من رواسب الجاهلية. 7) بيان من قال في هذه الغزوة "لن نغلب اليوم من قلة". الفصل الثالث: في وصف المعركة وفيه أربعة مباحث: 1) سبب هزيمة المسلمين في بداية المعركة. 2) مواقف مريبة إثر انكشاف المسلمين في بادئ الأمر. 3) عدد الثابتين مع الرسول الله-صلى الله عليه وسلم-يوم حنين. 4) عوامل انتصار المسلمين في حنين. الفصل الرابع: ما أسفرت عنه معركة حنين من ضحايا وغنائم وفيه مبحثان: 1) خسائر المشركين في هذه الغزوة. 2) إصابات المسلمين في هذه الغزوة. الباب الثاني: ملاحقة فلول المشركين والأحداث التاريخية التي أعقبت ذلك وفيه أربعة فصول:

الفصل الأول: تعقب الفارين نحو نخلة وأوطاس - وفيه ثلاثة مباحث: 1) التوجه إلى النخلة. 2) سرية أوطاس. 3) موقف شيماء وبجاد. الفصل الثاني: في غزوة الطائف – وفيه أربعة مباحث: 1) حصار الطائف. 2) ما صدر من التعليمات العسكرية للمسلمين في حصار الطائف. 3) عدد القتلى من الفريقين في غزوة الطائف. 4) فك الحصار عن الطائف والعودة إلى الجعرانة. الفصل الثالث: في تقسيم الغنائم – وفيه خمسة مباحث: 1) الفرق بين الغنيمة والفيء والنفل. 2) جفاء الأعراب وغلظتهم. 3) اعتراض ذي الخويصرة التميمي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قسم الغنائم. 4) في بيان حكمة توزيع الغنائم على قوم دون آخرين. 5) موقف الأنصار من توزيع الغنائم وخطبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيهم. الفصل الرابع: في بيان ما آل إليه أمر هوازن وثقيف بعد المعركة – وفيه مبحثان: 1) في قدوم وفد هوازن إلى الجعرانة مسلمين. 2) في إيفاد ثقيف جماعة منهم إلى المدينة للتفاوض مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. الباب الثالث: في بيان أبرز الأحكام المستنبطة من غزوة حنين – وفيه سبعة عشر حكما، وقد سردتها حكما بدون فصول ولا مباحث لعدم الحاجة الداعية لذلك: 1) جواز وطء المسبية بعد الاستبراء. 2) وقوع العزل في سرية أوطاس.

1) في بيان مسألة المتعة. 2) منع المخنثين من الدخول على النساء الأجنبية. 3) في النهي عن قتل النساء والضعفاء ومن في حكمهم. 4) العذر الذي يبيح ترك حضور صلاة الجماعة. 5) تعليم أبي محذورة الأذان. 6) إقامة الحد في دار الحرب. 7) الاستعانة بالمشركين. 8) العارية من حيث الضمان وعدمه. 9) قضاء الرسول - صلى الله عليه وسلم -. 10) في بيان نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم. 11) استحقاق القاتل سلب القتيل. 12) في بيان تحريم الفلول في الغنيمة. 13) المؤلفة قلوبهم. 14) بعض ما يجتنبه المحرم. 15) عمرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الجعرانة. أما الخاتمة فقد ضمنتها أبرز النتائج العلمية التي توصلت إليها من خلال دراستي لهذه الغزوة. منهجي في البحث: أريد أن أوضح طريقة عملي في دراسة هذه الغزوة والمنهج الذي سرت عليه في تناول مروياتها جمعا وتحقيقا ودراسة، مجملا ذلك في النقاط الآتية: 1- أول ما قمت به جمع المادة العلمية المتصلة بهذه الغزوة من مظانها في كتب التراث الواسعة ما بين مخطوط ومطبوع مع الإفادة في ذلك من الدراسات المعنية بسيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - قديماً وحديثا.

2- أتبعت ذلك بدراسة مرويات غزوة حنين معتمدا في ذلك على أسلوب المحدثين في نقدهم للروايات وفق قواعد الجرح والتعديل المقررة في مصطلح الحديث، وقد سلكت في ذلك الطريقة الآتية: أ- إذا كان الحديث في الأصول الستة أو أحدها1، فإني أصدر به الباب أو الفصل أو المبحث في الأغلب الأعم، ثم أراعي بعد ذلك الترتيب في إيراد الحديث أو الأثر بحسب الوفيات في الغالب أيضا. ب- لا أترجم لرواة الحديث الذي أخرجه الشيخان أو أحدهما؛ لأن رجالهما قد جاوزوا القنطرة، وأجمع العلماء بعدهما على توثيق رجالهما، وربما ذكرت الحديث أو جزءا منه مجردا عن الإسناد ما دام مخرجا في الصحيحين أو أحدهما. ?- ما كان من الأحاديث في غير الصحيحين أو أحدهما أقوم بدراسة إسناده وترجمة رواته والحكم عليه بما يستحقه صحة أو حسنا أو ضعفا. د - كان اعتمادي في التراجم ودراسة السند على تقريب التهذيب وتهذيب التهذيب لابن حجر، وإذا كان الرجل من غير رجال التقريب أو متكلما فيه ولو كان من رجاله، فإني أرجع إلى بقية كتب الجرح والتعديل غالبا لاستظهار ما يتصل بحقيقة الحال في أمره بحسب الإمكان. 3- بعد تلك الدراسة النقدية الحديثية قمت بما يلي: أ- ترقيم جميع الأحاديث الواردة في هذه الرسالة بأرقام متسلسلة. ب- تخريج الحديث عند أول إيراده في البحث ثم الإحالة إلى رقمه بعد ذلك إذا دعت الحاجة إلى إيراده مرة أخرى. وقد أذكر تخريجه عند أول وروده مقتصرا على بعض ممّن أخرجه، ثم أستوفي تخريجه في مكان لاحق لأنه ألصق بالموضع الذي ورد فيه متأخراً. ?- تقطيع المتن في أماكن مفرقة بحسب المناسبات المختلقة التي تدعو إلى ذلك.

رموز رجال الإسناد: سلكت في اختيار رموز رجال الإسناد مسلك الحافظ ابن حجر في كتابه "تقريب التهذيب"، وإليك بيانها: (خ) البخاري في صحيحه. (خت) البخاري في صحيحه معلقا. (بخ) البخاري في الأدب المفرد. (عخ) البخاري في خلق أفعال العباد. (ز) البخاري في جزء القراءة خلف الإمام. (ي) البخاري في رفع اليدين. (م) مسلم في صحيحه. (د) أبو داود في سننه. (مد) أبو داود في كتابه المراسيل. (صد) أبو داود في كتابه فضائل الأنصار. (خد) أبو داود في كتابه الناسخ والمنسوخ. (قد) أبو داود في كتابه القدر. (ف) أبو داود في كتابه التفرد. (ل) أبو داود في كتابه المسائل. (كد) أبو داود في كتابه مسند مالك. (ت) الترمذي في سننه. (تم) الترمذي في الشمائل. (س) النسائي في سننه. (عس) النسائي في مسند علي. (كن) النسائي في مسند مالك.

(ق) ابن ماجة في سننه. (فق) ابن ماجة في التفسير. (ع) للراوي الذي أخرج له أهل1 الكتب الستة. (عم) للراوي الذي أخرج له أهل2 السنن الأربعة3.

تمهيد

تمهيد تمهيد بين يدي غزوة حنين وفي هذا التمهيد قضيتان: الأولى: التعريف بهوازن وثقيف، وفيه: 1) نسب هوازن وثقيف. 2) تحديد موقعهم وديارهم من الناحية الجغرافية. 3) صلتهم بقريش. الصلة النسبية، المصاهرة، المصالح المشتركة. 4) موقفهم من ظهور الإسلام ودعوته. 5) موقفهم من الصراع بين المسلمين وقريش. الثانية: تحركات المسلمين العسكرية قبل غزوة حنين، وفي هذه القضية: 1) هدم العزى. 2) هدم مناة. 3) سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة.

أوّلاً: التعريف بهوازن وثقيف 1 - نسب هوازن وثقيف: قبل الدخول في تفاصيل غزوة حنين وأحداثها، يحسن بنا إعطاء لمحة موجزة عن التعريف بهوازن وديارها التي كانت تقطنها فيها عند بزوغ فجر الإسلام، ومدى الصلة بينهم وبين قريش، وموقفهم من الدعوة الإسلامية قبل غزوة حنين، لنتبين مكانة هذه القبيلة وما كانت تتمتع به من قوة ومنعة. وإذا أفردنا الحديث عن هوازن فتدخل فيها ثقيف؛ لأنها فرع منها. وهوازن قبيلة من أعظم القبائل العربية وأكثرها خطرا، وهي من حيث القوة والعدد تضاهي قبائل غطفان النجدية الشهيرة. وهي قبيلة مضرية عدنانية يعود نسبها إلى قيس عيلان، وهي من أهمّ بطون قيس عيلان. وهوازن جد بطون متفرقة، وهو: هوازن بن منصور بن عكرمة ابن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان1. قال القلقشندي: "المشهور من قبائل العرب المستعربة الموجودين الآن خمس قبائل: الأولى2: نزار3، وهم بنو نزار بن معد بن عدنان.

والمشهور من الموجودين من عقب نزار بطنان: البطن الأول1: مضر2، وهم بنو مضر بن نزار، ومنه تفرعت أكثر قبائل العدنانية. والمشهور من الموجودين من عقب مضر بن نزار فخذان: الفخذ الأول3: قيس بن عيلان4، وهو قيس بن عيلان بن مضر ابن نزار بن معد بن عدنان. والمشهور من الموجودين من الآن من فصائل قيس عيلان هوازن، وهي محل بحثنا. وهناك فصائل أخرى5. وقد بين ابن خلدون بتفصيل - بطون – هوازن فقال:

وأما هوازن بن منصور1: ففيهم بطون كثيرة يجمعهم ثلاثة أصول كلهم لبكر بن هوازن وهم: أ- بنو سعد بن بكر بن هوازن بن منصور. ب- بنو معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور. جـ- بنو منبه بن بكر بن هوازن بن منصور2. أ- فأما بنو سعد بن بكر بن هوازن، فمنهم أظآر3 النبي صلى الله عليه وسلم. ب- وأما بنو معاوية بن بكر بن هوازن، فمن ولده: صعصعة4 ابن معاوية، ونصر5 بن معاوية، وجشم6 بن معاوية، وعوف بن معاوية، وبنوه يسمون

الوقعة1، دخلوا في بني عمرو بن كلاب بن الحارث2. أما صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن: فمن ولده: عامر3 بن صعصعة، وفيه البيت والعدد4. ومرة5 بن صعصعة وهم بنو سلول. فولد عامر بن صعصعة: ربيعة، وفيه البيت والعدد. هلالا6. ونميرا. وسواءة7 وولد ربيعة بن عامر بن صعصعة: كلابا, وكعبا8, وعامرا, وكليبا9.

- وأما منبه بن بكر بن هوازن: فولده: ثقيف1 - واسمه - قسي بن منبه بن بكر بن هوازن2. فولد ثقيف بن منبه: جشم وعوفا. فولد جشم بن ثقيف: حطيطا. فولد حطيط: مالكا3, وغاضرة. وولد عوف بن ثقيف بن منبه بن بكر بن هوازن: سعدا وغيرة4, ويعرفون بالأحلاف، وذلك أنهم تحالفوا على بني مالك، وصارت غاضرة مع الأحلاف. فثقيف فرقتان: بنو مالك بن حطيط بن جشم بن قسي - ثقيف - بن منبه بن بكر ابن هوازن.

وبنو عوف وهم من الأحلاف1. هكذا ذكر علماء النسب وغيرهم أن ثقيفا فرع من هوازن القبيلة العدنانية الشهيرة. وقد ذكر الفيروزآبادي، وتابعه الزبيدي شارح القاموس بأن ثقيفاً من ثمود واستندوا إلى ما ورد عند أبي داود وغيره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين خرج إلى حنين مر بقبر فقال: "هذا قبر أبي رغال، وهو "أبو ثقيف وكان من ثمود" 2. والحديث عند أبي داود في النسخ الموجودة، وليس فيه: "أبو ثقيف، وكان من ثمود". وهذا نصّ الحديث عند أبي داود قال:

1- حدثنا يحيى1بن معين، أخبرنا وهب2 بن جرير، أخبرني أبي3 قال سمعت محمد4 بن إسحاق يحدث عن إسماعيل5 بن أمية، عن بجير6 بن أبي بجير قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذا قبر أبي رغال، وكان بهذا الحرم يدفع عنه فلما خرج أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه، وآية

ذلك1 أنه دفن معه غصن من ذهب إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه، فابتدره2 الناس فاستخرجوا الغصن" 3. والحديث أخرجه ابن حزم من طريق يحي بن معين، عن وهب بن جرير بن حازم، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق به. ثم قال: هذا الحديث لا يصح، لأنه عن ابن بجير وهو مجهول4. وأخرجه إبراهيم الحربي والبيهقي كلاهما من طريق يزيد5 بن زريع، عن

روح1 بن القاسم، عن إسماعيل بن أمية، عن بجير بن أبي بجير، عن عبد الله بن عمرو قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما كنا عند قبر أبي رغال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذا قبر أبي رغال، وكان امرأ كافرا، وكان من ثمود، وكان يسكن الحرم، وأنه خرج حتى إذا صار في هذا الموضع مات فدفنوه، ومعه غصن من ذهب، فاستخرجوه فابتدرنا فاستخرجناه". لفظ الحربي2. ولفظ البيهقي: "عن عبد الله بن عمرو أنهم كانوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر أو مسير فمروا بقبر فقال: هذا قبر أبي رغال كان من قوم ثمود، فلما أهلك الله قومه بما أهلكهم به منعه لمكانه من الحرم فخرج حتى إذا بلغ هذا المكان أو الموضع مات ودفن معه غصن من ذهب فابتدرناه فأخرجناه" 3. وأخرجه البيهقي أيضا من طريق أبي الأزهر4، ثنا وهب بن جرير، ثنا أبي قال: سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن إسماعيل بن أمية عن بجير بن أبي بجير قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم يقول حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذا قبر أبي فلان وكان بهذا الحرم يدفع به عنه، فلما خرج أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه، وآية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب إن أنتم نبشتم عنه وجدتموه معه"، فابتدره الناس فاستخرجوا منه الغصن. ثم قال: رواه أبو داود في السنن عن يحي بن معين، عن وهب بن جرير، وقال: "قبر أبي رغال"5.

وأخرجه المزي والذهبي في ترجمة بجير بن أبي بجير، كلاهما من طريق أحمد1 ابن الحسن بن عبد الجبار، عن يحي بن معين، عن وهب بن جرير، عن أبيه به. ثم قالا: رواه أبو داود عن يحي بن معين فوافقناه2 بعلو. وزاد المزي: "وهذا حديث حسن عزيز"3. وأخرجه عبد الرزاق، عن معمر بن راشد، عن إسماعيل بن أمية مرسلا4. بلفظ: "هذا قبر أبي رغال رجل من ثمود" 5 والجواب عن هذا الحديث من وجوه: الأول: أنه ليس في حديث أبي داود في النسخ الموجودة بين أيدينا مع شروحها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "هذا قبر أبي رغال وهو أبو ثقيف وكان من ثمود". وهو بهذا اللفظ عند المزي والذهبي. الثاني: أن هذا الحديث مداره على بجير بن أبي بجير ولا متابع له، وقد جزم

ابن حجر وغيره: بجهالته، ورواية المجهول مردودة عند جماهير العلماء من أهل الحديث وغيرهم1. الثالث: أن ثمود من القبائل البائدة التي لم يبق لها عقب، ولذا كان الحجاج بن يوسف الثقفي إذا سمع من يقول بأن "ثقيفا" من بقايا ثمود يقول: كذبوا، قال الله تعالى: {وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى} ، [سورة النجمالآية: 51] ، أي أهلكهم الله ولم يبق منهم أحدا2. الرابع: لعل سبب نسبة "ثقيف" إلى ثمود هو ما ذكره ابن خلدون: من أن ثمود نزلت الطائف قبل وادي القرى3. قال: ومن ثم يقال: إن ثقيفاً من بقايا ثمود لكونهم نزلوا الطائف بعد ثمود4. الخامس: أن الذي عليه جمهور علماء النسب وغيرهم أن "ثقيفا" فرع من هوازن القبيلة الشهيرة كما تقدم5. السادس: أن هذا الحديث الوارد فيه أن "ثقيفاً" من ثمود لا تقوم به حجة لجهالة راويه "بجير بن أبي بجير"، وهي جهالة عينية ولا يعرف هذا الحديث إلاّ من طريقه، كما تقدم ذلك في ترجمته6. وأما تحسين المزي لهذا الحديث ففيه نظر، وقد عقب عليه ابن كثير بقوله: قلت: تفرد به بجير بن أبي بجير، ولا يعرف إلا بهذا الحديث، ولم يرو عنه سوى إسماعيل بن أمية.

ثم نقل عن المزي نفسه ما يخالف تحسينه لهذا الحديث فقال: قال شيخنا المزي: فيحتمل أن بجير بن أبي بجير وهم في رفعه، وإنما يكون من كلام عبد الله بن عمرو من زاملته1. ثم قال ابن كثير: "لكن يشهد له حديث جابر بن عبد الله، وما رواه عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري مرسلا"، بلفظ "أبو رغال أبو ثقيف"2. وأورده ابن حجر عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، إلاّ أنه قال أبو رغال هو الجد الأعلى لثقيف3. قلت: والحديث من مراسيل الزهري ومراسيله ضعيفة عند العلماء4. ولا يحصل من هذا الأثر تقوية لحديث بجير بن أبي بجير، لأن الأثر ضعيف. وحديث بجير بن أبي بجير مختلف في وصله وإرساله ووقفه على عبد الله بن عمرو بن العاص5. مع جهالة بجير بن أبي بجير العينية. وقد قال ابن الصلاح: ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه، بل ذلك يتفاوت، فمنه ضعف يزيله ذلك بأن يكون ضعفه ناشئا من ضعف حفظ راويه مع كونه من أهل الصدق والديانة. إلى أن قال: ومن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك لقوة الضعف وتقاعد هذا الجابر عن جبره ومقاومته6. وأما حديث جابر بن عبد الله الذي أشار إليه ابن كثير فليس فيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أبو رغال أبو ثقيف"، وهذا سياقه لزيادة الإيضاح.

2- عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: لما مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحجر قال: "لا تسألوا الآيات، وقد سألها قوم صالح فكانت1 ترد من هذا الفج2 وتصدر من هذا الفج فعتوا عن أمر ربهم فعقروها فكانت تشرب ماءهم يوما ويشربون لبنها يوما، فعقروها فأخذتهم الصيحة أهمد الله عز وجل من تحت أديم3 السماء منهم إلا رجلا واحدا كان في حرم الله - عز وجل -، قيل: من هو يا رسول الله؟ قال: "هو أبو رغال، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه"4. قال ابن كثير: "وهذا الحديث على شرط مسلم، وليس هو في شيء من الكتب الستة. وقال في مكان آخر: إسناده صحيح ولم يخرجوه"5. وقال ابن حجر: رواه أحمد والحاكم عن جابر بإسناد حسن6. والخلاصة: أن حديث أحمد هذا: أ – لا توجد في متنه زيادة "وكان أبا ثقيف" فتبقى هذه الزيادة لا متابع لها وتكون بذلك ضعيفة مردودة، ويترجح القول بأن ثقيفاً ليس لها صلة نسبية بثمود. ب– حديث أحمد صريح في أن الله عز وجل أهلك قوم صالح ولم يبق منهم أحدا، بما فيهم أبو رغال، وأن الله أمهله مدة بقائه في الحرم، فلما خرج منه أصابه ما أصاب قومه، فكيف تكون ثقيف من بقايا ثمود، مع أن الحديث صريح في أن الله لم يبق منهم أحدا، كما أن الحديث صريح في ثبوت قصة أبي رغال وأنه من ثمود، وأما كون أبي رغال كان في الحرم وأنه لما خرج منه أخذه الله عز وجل، فهذا لا نزاع فيه، ويصلح أن يكون حديث أحمد مقويا لرواية "بجير بن أبي بجي" في هذه الجزئية.

3- وقد ورد عند الترمذي من حديث عبد الله بن عمر موقوفا أن رجلا من ثقيف طلق نساءه، فقال له عمر: لتراجعن نساءك أو لأرجمن قبرك كما رجم قبر أبي رغال1. وأخرجه أحمد أيضا عن ابن عمر وسمى الرجل "غيلان". وهذا سياقه عن عبد الله بن عمر أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اختر منهن أربعا، فلما كان في عهد عمر طلق نساءه وقسم ماله بين بنيه، فبلغ ذلك عمر، فقال: إني لأظن الشيطان فيما يسترق من السمع سمع بموتك، فقذفه في نفسك ولعلك أن لا تمكث إلاّ قليلاً، وايم الله لتراجعن نساءك ولترجعن في مالك أو لأورثهن منك، ولآمرن بقبرك فيرجم كما رجم قبر أبي رغال2. وأخرجه ابن ماجة عن ابن عمر أيضا إلى قوله: "أربعا"3. وأخرجه مالك عن الزهري بلاغا4. وقال جرير5 يهجو الفرزدق: إذا مات الفرزدق فارجموه ... كما ترمون قبر أبي رغال6 هذه نبذة موجزة عن التعريف بقبيلة هوازن وفروعها المتعددة، التي من جملتها ثقيف على الراجح من أقوال العلماء، وأنه لا ينهض دليل على القول بأن ثقيفا من بقايا ثمود.

ثانياً: ديار هوازن وثقيف: تقع مواطن هوزان ما بين غور تهامة1 إلى ما والى بيشة وناحية السراة، والطائف وذي المجاز وحنين وأوطاس وما صاقبها من البلاد. هذه مواطن هوزان "الأم" من حيث الجملة. ومواطن فروعها الرئيسية يمكن بيانها على النحو الآتي: 1- بنو منبه "ثقيف" كانوا يسكنون سراة الطائف، وسراة الطائف غورها مكة المكرمة، ونجدها ديار هوزان من عكاظ2

والفتق1 - أي الأرض الواقعة شرق الطائف على مقربة منه -2. والموجودون الآن من ثقيف عدة بطون منها: أ- بطن النمور وهم سكان الهدى ووادي المحرم. ب- بطن طويق ومنهم الجعيدات والفضل والعبدة والحمران وغيرهم. ?- بطن سفيان: ومنهم العسران والخضرة وغيرهم3. 2- بنو سعد: وهم الذين استرضع فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ولا تزال فروعهم إلى الآن يسكنون أطراف السراة الواقعة شرق الطائف وجنوبه. 3- بنو معاوية الذين منهم مالك بن عوف النصري قائد هوازن في حنين، ودريد بن الصمة الجشمي4. فإنهم منتشرون حاليا في شمال الطائف مثل وادي

السيل – قرن المنازل1 - وأعالي وادي العقيق2 وما يقرب من هذه الأمكنة3 والموجودون الآن من بني نصر ثلاثة بطون: وهم: شعيث، وحسيكة، وآل موسى. والموجودون من بني جشم حاليا: الدوانية، والخلد، والعمامرة4. هذه كلمة موجزة عن موطن هوازن "الأم" وأجنحتها الرئيسية، وبعض القبائل الموجودين منهم حاليا، وأرجو أن تكون الخارطة التي بين يدي القارئ ضمن هذه الرسالة كافية في توضيح وتحديد أماكن هذه القبائل. والله أعلم.

رسم توضيحي

رسم توضيحي

ثالثاً: صلة هوازن وثقيف بقريش: إن صلة هوازن وثقيف بأهل مكة المكرمة صلة عريقة, تتمثل فيما يأتي: 1- الصلة النسبية: إذ أن كلاً من هوازن وقريش يلتقون في مضر. وهو الجد السادس لهوازن, والسابع لقريش على قول. وذلك أن هوازن: هو: هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة ابن قيس بن عيلان بن مضر. وقريش: هو: فهر1 بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر. هذا على القول بأن "فهراً" هو قريش. وأمّا على قول من ذهب إلى أن قرشاً هو "النضر" فيكون مضر هو الجد الخامس لقريش2.

وعلى كل حال سواء أكان قريش هو "فهراً" أم "النضر". فإن الذي يهمنا هو أن هوازن قبيلة عدنانية تلتقي مع قريش في مضر, ممّا يتوضح1 به قوة الصلة النسبية بين هوازن وقريش التي تفرعت منها قبائل مكة المكرمة, وهذه الصلة لها قيمتها لدى القوم لأنها إحدى مفاخرهم، التي كانوا يفتخرون بها. 2 – المصاهرة: كان كثير من رؤساء مكة ووجهائهم متزوجين من قبائل هوازن, وكان بعض رجال هوازن متزوجين أيضا عند المكيين، مما يؤكد قوة الصلة والترابط بين هوازن وأهل مكة، فهي صلة قوية في النسب والمصاهرة وتبادل المصالح المشتركة بين الفريقين. وممن صاهر هوازن من المكيين: أ – رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد تزوج – من بني عبد الله بن هلال - ميمونة بنت الحارث بن حزن الهلالية. ب– وكان العباس بن عبد المطلب عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، متزوجا بأختها لبابة الكبرى بنت الحارث وهي أم ولديه عبد الله والفضل - رضي الله عنهم -. ?- وكان الوليد بن المغيرة آخذا أختها الثانية لبابة الصغرى بنت الحارث، وهي أم خالد بن الوليد - رضي الله عنه -. د– وكان صخر بن حرب آخذا عمتها صفية بنت حزن، وهي أم أبي سفيان بن حرب والد أم المؤمنين أم حبيبة. ?- وكان أبوجهل متزوجا عند بني عبد مناف بن هلال، وهي أم جميل بنت مجالد بن عبد مناف بن هلال، وهي أم عكرمة بن أبي جهل - رضي الله عنه -2.

وممن تزوج عند المكيين من فروع هوازن: أ- عروة بن مسعود الثقفي، فقد تزوج بزينب بنت أبي سفيان بن حرب، وهي أخت أم المؤمنين أم حبيبة. ب- وكانت أمه من قريش كذلك، فقد كان أبوه مسعود بن متعب1 الثقفي متزوجا بسبيعة2 بنت عبد شمس بن عبد مناف. ?- وكان عبد الله بن عثمان الثقفي متزوجا بأم الحكم بنت أبي سفيان بن حرب. 4- وفي صحيح البخاري: عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "كانت أم الحكم بنت أبي سفيان تحت عياض بن غنم3 الفهري، فطلقها فتزوجها عبد الله بن عثمان الثقفي"4. هذه نبذة يسيرة تبين قوة الترابط بين قبائل هوازن وقبائل مكة المكرمة، ولقد قويت هذه الرابطة حتى كان بعض رجال هوازن له الكلمة المسموعة لدى قريش، فقد كان الأخنس بن شريق الثقفي حليفا لبني زهرة، وقد أشار عليهم بعدم حضور معركة بدر الكبرى فأطاعوه، فكان في ذلك سلامة لأرواحهم وحمد على ذلك. وموقف عروة بن مسعود الثقفي في صلح الحديبية يشهد بما كان لقبائل هوازن من المكانة عند القرشيين، فقد ذكر البخاري - رحمه الله - موقف عروة بن مسعود هذا في قصة صلح الحديبية فقال: 5- قام عروة بن مسعود فقال: "أي قوم، ألستم بوالد5؟ قالوا: بلى، قال: أولست بالولد؟ قالوا: بلى، قال: فهل تتهموني؟ قالوا: لا، قال: ألستم تعلمون أني

استنفرت أهل عكاظ فلما بلَّحوا1علي جئتكم بأهلي وولدي، ومن أطاعني؟ قالوا: بلى، قال: فإن هذا قد عرض عليكم خطة2 رشد اقبلوها" الحديث3. فكان عروة أحد المفاوضين مع قريش في هذا الصلح. تلك مكانة قبائل هوازن لدى المكيين الذين كانوا محل عناية واحترام عند سائر قبائل العرب بحكم أنهم سكان بيت الله الحرام وحجابه وأهل سقايته، فكانت هذه المزية إحدى أسباب احترام قريش وتقديرها من قبائل العرب الأخرى. 3- تبادل المصالح المشتركة: لقد كانت الصلات قوية بين أهل مكة وأهل الطائف، تجمع بينهم روابط قوية من المصالح المشتركة، فالأسواق العربية الكبرى4 كانت تقوم في المنطقة الواقعة بين مكة والطائف في ديار هوازن فيستفيد منها الجميع، كما كانت الطائف تسد النقص الذي تعاني منه مكة المكرمة، وهو افتقارها إلى الزراعة مع شدة حرارة جوها في فصل الصيف، وكانت الطائف خصبة التربة تنمو فيها الفواكه والزروع المختلفة، إلى جانب جوها اللطيف في فصل الصيف لقيامها على قمة جبل غزوان5، وتحف بها وديان كثيرة تسيل فيها المياه عند سقوط الأمطار، وحولها عيون وآبار كثيرة6. لذلك كانت الطائف مصيف أهل مكة المكرمة.

وكان للأغنياء من أهل مكة بها بساتين وزروع، فكان لعتبة وشيبة ابني ربيعة1 بستان في الطائف، وهو الذي لجأ إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد أن خرج من الطائف طريدا عندما ذهب يطلب نجدتهم بعد وفاة عمه أبي طالب وزوجه خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها -2. وكان للعباس بن عبد المطلب عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مال بالطائف، كرم كان يحمل زبيبه إلى مكة فينبذ فيسقى به الحجاج وكان ذلك دأبه في الجاهلية والإسلام، ثم كان عبد الله بن عباس يفعل مثل ذلك، ثم كان عليّ بن عبد الله بن عباس يفعل مثل ذلك3. وكان لأبي سفيان بن حرب مال بالطائف أيضا يسمى "ذا الهرم"4 وكان لعمرو بن العاص مال بالطائف يسمى "الوهط"5. قال ياقوت: "وهو كرم كان على ألف ألف خشبة شرى كل خشبة بدرهم، وكان أكداس الزبيب في وسط البستان كأنها حرار سود، ثم صار هذا البستان لابنه عبد الله بن عمرو بن العاص بعد وفاة عمرو بن العاص - رضي الله عنهم -. وكان أهل مكة يستهلكون كثيرا من أعناب الطائف ورمانها ويجلبون منها الزبيب والأدم"6. كما كان الثقفيون يشاركون في قوافل مكة التجارية، وكان كثير من رجالهم حلفاء للقرشيين، وقد بلغ بعضهم مبلغ السيادة في البطون القرشية، كالأخنس بن شريق حليف بين زهرة الذي كان مسموع الكلمة فيهم مطاعا.

وقد أشارت بعض الآيات القرآنية إلى ما بين مكة والطائف من ترابط، وأنهم كانوا يماثلون أهل مكة قوة وجاها1، قال تعالى: {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [سورة الزخرف، الآية: 31] 2. هذه لمحة موجزة عن مدى الصلة والترابط الذي كان بين مكة ورجال هوازن وثقيف، وهي تتمثل في النسب والمصاهرة والمصالح المشتركة. وأحسب أن هذه اللمسات تعطي صورة واضحة عن الصلات القوية والروابط المتينة بين القبيلتين الكبيرتين: قريش وهوازن.

رسم توضيحي

رسم توضيحي

رسم توضيحي

رسم توضيحي

رابعاً: موقف هوازن وثقيف من ظهور الإسلام ودعوته: يمكن أن يتحدد هذا الموقف في الأمور الآتية: أ – رفض دعوة التوحيد، ويرجع ذلك إلى تغلغل رواسب الوثنية في نفوس القوم وحبهم للأوثان واعتزازهم بتقاليدهم وعاداتهم الجاهلية بوجه عام. وقد واجهوا دعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالعداء والكراهية الشديدة. ب – كان لرفض قريش الإسلام أثر بالغ في نكول كثير من القبائل العربية الأخرى عن الإسلام لما وقر في نفوس العرب جميعا من تعظيم هذا الحي من قريش؛ لأنهم سدنة البيت الحرام وحجاب الكعبة وأهل الحرم، وهم قوم الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فلما حاربوا دعوته ورفضوا ما جاء به، رفض غيرهم دعوته وقالوا: "القوم أدرى بصاحبهم"، وكانت قريش نفسها تقول ذلك منفرة من دعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "نحن أعلم بصاحبنا لو كنا نعلم ما يقول حقا لتبعناه:، فحين شاهدت قبائل هوازن وثقيف ذلك الموقف العدائي من أهل مكة، وهم قوم الرسول - صلى الله عليه وسلم - الأقربون، رفضوا دعوته وقالوا: "أترون أنّ رجلاً يصلحنا وقد أفسد قومه ولفظوه". وسوف أورد الآثار الدالة على ذلك منها: 6- ما رواه الإمام أحمد بإسناد حسن من طريق عبد الرحمن1 ابن خالد بن أبي جبل العدواني، عن أبيه2، أنه أبصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مشرق ثقيف وهو قائم على

قوس – أو عصا – حين أتاهم يبتغي عندهم النصر قال: فسمعته يقرأ: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} ، [سورة الطارق، الآية: 1] ، حتى ختمها. قال: فوعيتها في الجاهلية وأنا مشرك ثم قرأتها في الإسلام، قال: فدعتني ثقيف فقالوا: ماذا سمعت من هذا الرجل؟ فقرأتها عليهم، فقال من معهم من قريش: "نحن أعلم بصاحبنا، لو كنا نعلم ما يقول حقا لتبعناه"12. والحديث رواه البخاري في تاريخه، والطبراني في معجمه، كلاهما من طريق عبد الرحمن بن خالد، عن أبيه به3. قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني، وعبد الرحمن ذكره ابن أبي حاتم ولم يجرحه أحد4، وبقية رجاله ثقات5. 7- ما رواه البخاري من طريق أيوب6، عن أبي قلابة، عن عمرو بن سلمة قال7: قال لي أبو قلابة: ألا تلقاه فتسأله؟ قال: فلقيته فسألته فقال: كنا بماء ممر8 الناس، وكان يمر بنا الركبان فنسألهم: ما للناس، ما للناس؟ ما هذا الرجل9؟

فيقولون: "يزعم أن الله أرسله، أوحي إليه، أو أوحى الله بكذا1، فكنت أحفظ ذلك الكلام، وكأنما يغرى2 في صدري، وكانت العرب تلوم3 بإسلامهم الفتح فيقولون: اتركوه وقومه، فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق، فلما كانت وقعة أهل الفتح بادر كل قوم بإسلامهم، وبدر4 أبي5 قومي بإسلامهم، فلما قدم قال: جئتكم والله من عند النبي - صلى الله عليه وسلم حقاً -"6 الحديث. والحديث رواه أبو داود، والنسائي، وأحمد7. وأخرجه الحاكم ثم قال: قد روى البخاري هذا الحديث عن سليمان بن حرب مختصرا فأخرجته بطوله ووافقه الذهبي8. لقد كانت هوازن وثقيف من جملة القبائل العربية التي تنتظر بإسلامها قبائل مكة المكرمة وقد وقفت إلى جانب قريش تحارب الإسلام وتناصبه العداء.

8- فقد ورد في الصحيحين من حديث عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كُلال1، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق2 إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال فسلم عليّ ثم قال: يا محمد، فقال: ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين3، فقال النبيصلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا 4.

ولقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغشى الناس في أسواقهم ومنتدياتهم، يعرض عليهم دعوته ويطلب من ينصره حتى يبلغ رسالة ربه فلم يجد أذنا واعية، وما يأتي أحدا من تلك القبائل إلا قال: قوم الرجل أعلم به، أترون أن رجلا يصلحنا وقد أفسد قومه ولفظوه1. 3 – بعد فتح مكة ودخول أهلها في الإسلام أوجست قبائل هوازن خيفة من الإسلام وأهله ولم يدعهم ذلك إلى التفكير في الدخول فيه أو مهادنته، بل فخر القوم بجموعهم المتكاثرة وبأسهم الشديد وشجاعتهم الباسلة، فأخذوا يعدون عدتهم ويحشدون قواهم لمهاجمة المسلمين، وبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم خبرهم وما يبيتون من كيد ووقيعة بالمسلمين فبادرهم بالهجوم قبل أن يهاجموه وكانت وقعة حنين الشهيرة كما سيأتي تفاصيلها. خامساً: موقف هوازن من الصراع بين المسلمين وقريش: لم تشر المصادر التي بين أيدينا إلى أن هوازن اشتركت مع قريش في معاركها التي خاضتها ضد المسلمين، لا في بدر الكبرى ولا في غيرها من الغزوات، كما أن هوازن أيضا لم تساند قريشا في فتح مكة عندما داهمهم الجيش الإسلامي المسلح، رغم اتحادهم في المبدإ والغاية وهو عداوة الإسلام وأهله، ولعل السبب في ذلك يعود إلى: أ– ما انتشر وذاع في ربوع هوازن من أن خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة كان قاصدا هوازن أولا. يؤيد هذا ما ساقه الطبري في هذا الصدد، فقال: وكان من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر المسلمين هوازن: 9 - ما حدثنا علي2بن نصر بن علي الجهضمي، وعبد الوارث3 ابن عبد الصمد بن عبد الوارث.

قال علي: حدثنا عبد الصمد. وقال عبد الوارث: حدثنا أبي1 قال: حدثنا أبان2 العطار، قال: حدثنا هشام3 بن عروة، عن عروة4، قال: أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة عام الفتح نصف شهر، لم يزد على ذلك، حتى جاءت هوازن وثقيف، فنزلوا بحنين، وحنين واد إلى جنب ذي المجاز – وهم يومئذ عامدون يريدون قتال النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكانوا قد جمعوا قبل ذلك حين سمعوا بمخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة، وهم يظنون أنما يريدهم حيث خرج من المدينة. الحديث5 10- وعن عليّ6 - رضي الله عنه - قال: "لما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة أرسل إلى ناس من أصحابه أنه يريد مكة وفيهم حاطب7 بن أبي بلتعة وفشا في الناس أنه يريد حنينا. قال: فكتب حاطب إلى أهل مكة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريدكم. الحديث. قال الهيثمي: رواه أبو يعلى، وفيه الحارث الأعور8،وهو ضعيف.

والحديث في الصحيح1 بغير هذا السياق2. والحديث الأول مرسل. والثاني فيه الحارث الأعور. وهكذا ذكر الواقدي أن هوازن بعثت جاسوسا لها يرصد وجهة رسول الله - صلى الله عليه وسلم، ويعلم لهم خبره، وأنه إن كان يريد قريشا فسيسلك الطريق، وإن كان يريدنا أولا فسيسلك بطن وادي سَرِف3 حتى يخرج إلينا، وهذا يدل على أن هوازن كانت مهددة بالخطر في عقر دارها، وأنها كانت تتوقع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سيبدأ بهم قبل قريش، ولذا فقد وقفت داخل حدودها متخوفة من هجوم المسلمين. وكون هوازن لم تساند قريشا في معاركها ضد المسلمين، لا يمنع ذلك من وجود بعض أفراد من هوازن وقفوا إلى جانب قريش ضد المسلمين، وخاصة من ثقيف، كما حصل من الأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة فإنه كان ممّن خرج مع قريش إلى غزوة بدر الكبرى، وأشار إلى حلفائه من بني زهرة بعدم حضور بدر وقال لهم: إنكم خرجتم لنجدة عيركم، وقد سلمت فلا حاجة لكم بحرب المسلمين، فأطاعه بنو زهرة ولم يحضر بدرا زهري فكان في ذلك سلامة لأرواحهم4. وكما حصل أيضا من عروة بن مسعود الثقفي في صلح الحديبية، فقد جاء بأهله وولده ومن أطاعه من قومه مساندة لقريش، وكان أحد المبعوثين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

من قبل قريش للتفاوض معه، وأشار إلى قريش بقبول ما عرضه عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لهم: "إن هذا عرض عليكم خطة رشد اقبلوها" 1. ب– تحركات المسلمين العسكرية قبل غزوة حنين: إن المراد بهذا التحرك هو ذكر الأحداث العسكرية والتحركات الإسلامية التي كانت توطئة لهذه الغزوة. وبالنظر إلى الروايات التي وردت في هذا الصدد، ظهر أن هذه التحركات الإسلامية كانت ترمي إلى نشر الإسلام بالدعوة إليه، ثم القضاء على كل من يقف في وجه الدعوة الإسلامية. وكان أبرز أعمال هذه السرايا2 ملاحقة فلول الوثنية حول مكة وهدم ما تبقى من أصنام تُعبد من دون الله، وكان ذلك تمهيداً عسكرياً وتطهيراً للأرض من رجس الوثنية حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله. ولقد انهارت الزعامة الوثنية على أيدي المسلمين بفتح مكة، ولم تبق في الجزيرة العربية قوة يحسب لها حساب عند المسلمين بعد أن فتح الله عليهم مكة سوى قبائل هوازن، وهي قبائل كثيرة ممتدة في رقعة واسعة من الأرض، وكانت ذات شوكة ومنعة، فصرف المسلمون نظرهم إليها بعد فتح مكة مباشرة، وفيما يلي بيان التفاصيل وفقا للروايات التاريخية في ذلك.

أوّلاً: سرية خالد بن الوليد لهدم العزى: كانت هذه السرية مكونة من ثلاثين فارسا بقيادة خالد بن الوليد، بعثهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم – بعد فتح مكة لخمس ليال بقين من شهر رمضان سنة ثمان للهجرة – لهدم العزى أعظم صنم عند قريش ومن دان بدينها من كنانة وبني شيبان من بني سليم1. فقد ذكر ابن إسحاق: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث خالد بن الوليد إلى العزى، وكانت بنخلة2، وكانت بيتا يعظمه هذا الحي من قريش وكنانة ومضر كلها، وكانت سدنتها وحجابها من بني شيبان3 من بني سليم4 حلفاء بني هاشم5، فلما سمع صاحبها السلمي بمسير خالد إليها، علق عليها سيفه وأسند6 في الجبل الذي هي فيه، وهو يقول: على خالد ألقي القناع وشمري ... أيا عزى شدي شدة لا شوى7 لها فبوئي بإثم عاجل أو تنصري ... يا عزى إن لم تقتلي المرء خالدا فلما انتهى إليها خالد هدمها، ثم رجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -8.

12- وأخرج النسائي في السنن الكبرى فقال، أخبرنا عليّ1 ابن المنذر أخبرنا ابن فضيل2: حدثناالوليد3 بن جميع، عن أبيالطفيل4 قال: لما فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة، بعث خالد بن الوليد إلى نخلة5، وكانت بها العزى، فأتاها خالد وكانت على ثلاث سمرات فقطع السمرات وهدم البيت الذي كان عليها، ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -

فأخبره فقال: "ارجع فإنك لم تصنع شيئا": فرجع خالد، فلما أبصرته السدنة وهم حَجَبَتُهَا أمعنوا1 في الجبل وهم يقولون: يا عزى، يا عزى، فأتاها خالد فإذا امرأة عريانة ناشرة شعرها تحثو التراب على رأسها، فغمسا بالسيف حتى قتلها، ثم رجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره فقال: "تلك العزى" 2. والحديث نسبه السيوطي للنسائي وابن مردويه3. وقال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه علي4 بن المنذر وهو ضعيف5. ورواه أبو يعلى فقال: حدثنا أبو كريب6، ثنا محمد بن الفضل به7. ورواه البيهقي أيضاً من طريق أبي كريب عن محمد بن الفضيل به8.

13- ما رواه بن أبي شيبة في التاريخ قال: حدثنا علي بن مسهر1، حدثنا الأجلح2 عن عبد الله3 بن أبي هذيل قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد إلى العزى فجعل يضربها بسيفه، ويقول: يا عزى كفرناك لا سبحانك إني رأيت الله قد أهانك4 والحديث الثاني من طريق أبي الطفيل - رضي الله عنه - وهو من صغار الصحابة فإن كل من ترجم له قال بأنه ولد عام أحد5. وبعث خالد بن الوليد إلى العزى كان أواخر السنة الثامنة من الهجرة، فيكون سن أبي الطفيل عندئذ خمس سنوات، لأن أحد كانت في السنة الثالثة، وهو وقت يصح السماع فيه6. 14- وقد ورد عند أبي يعلى: عن أبي الطفيل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بالجعرانة فقسم لحما وأنا يومئذ غلام7، فأقبلت امرأة بدوية، فلما دنت من النبي - صلى الله عليه وسلم - بسط لها رداءه،

فجلست عليه، فسألت من هذه؟ قالوا أمه التي أرضعته1. فلو صح هذا الحديث لكان صريح في السماع أبي الطفيل من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن قصة الجعرانة، وقصة هدم العزى كانتا في وقت واحد، لأن هدم العزى كان قبل خروج رسول الله - صلى الله عليه مسلم - إلى غزوة حنين، وقصة الجعرانة كانت في وقت تقسيم الغنائم التي غنمها رسول الله-صلى الله عليه وسلم-من غزوة حنين، ولكن الحديث لم يصح لأن فيه جعفر بن يحيى بن ثوبان، وعمارة بن ثوبان، وكلاهما مجهول الحال2. ولذا فقد جزم ابن السكن3 برؤية أبي الطفيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم دون سماعه منه، فقال: جاءت عنه روايات ثابتة أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم4، وأما سماعه منه صلى الله عليه وسلم فلم يثبت5. وعلى هذا فيكون أبو الطفيل لم يسمع حديث خالد بن الوليد لهدم العزى من رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، وعليه فيكون الحديث من مراسيل الصحابة وهو مقبول على المعتمد سواء أكان الصحابي الذي أرسل الحديث صغيرا أم كبيرا لم يشهد الحادثة لتأخر إسلامه. قال النووي: في آخر كلامه على الحديث المرسل: "هذا كله في غير مرسل الصحابي، أما مرسله فمحكوم بصحته على المذهب الصحيح"6. قال السيوطي: "قوله أما مرسله" أي مرسل الصحابي وذلك كإخباره عن شيء

فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - أو نحوه ممّا يعلم أنه لم يحضره لصغر سنه أو تأخر إسلامه، (فمحكوم بصحته على المذهب الصحيح) الذي قطع به الجمهور من أصحابنا وغيرهم، وأطبق عليه المحدثون المشترطون للصحيح القائلون بضعف المرسل، وفي الصحيحين من ذلك ما لا يحصى1، لأن أكثر رواياتهم عن الصحابة وكلهم عدول، ورواياتهم عن غير الصحابة نادرة، وإذا رووها بينوها، بل أكثر ما رواه الصحابة عن التابعين ليس أحاديث مرفوعة، بل إسرائيليات أو حكايات أو موقوفات"2. إ? والحديث بهذا يكون حسنا لغيره، وهو نص في أن الذي تولى هدم العزى هو خالد بن الوليد - رضي الله عنه -. وقد ذكره ابن إسحاق معضلا، وابن أبي شيبة عن عبد الله بن أبي الهذيل مرسلا3، وأطبق على ذلك علماء المغازي والتفسير. وأما وجود العزى فقد ثبت في القرآن الكريم، في قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى} ، [سورة النجم، الآية: 19] . وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: 15- "من حلف فقال في حلفه: واللات والعزى، فليقل: لا إله إلاَّ الله". الحديث..لفظ البخاري4. هذه إحدى السرايا التي بعثها الرسول - صلى الله عليه وسلم - لضرب معاقل الوثنية وهدم ما تبقى من أعلامها، لأن هدف الإسلام الأول، هو تثبيت عقيدة التوحيد في نفوس الناس، وبيان أن هذه الأوثان والأصنام لا يصح أن تعبد من دون الله، وعبادتها ضرب من

السفه والجهل والخروج عن فطرة الله التي فطر الناس عليها، ومن ثمّ عني الرسول - صلى الله عليه وسلم - بهذا الأمر غاية العناية، كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي الهيَّاج1 الأسدي، قال: 16- قال لي عليّ بن أبي طالب: "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ "أن لا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلاّ سويته" 2. ثالثاً: هدم مناة: ومن الأصنام التي كانت خارج الحرم "مناة"، وهي أقدم صنم وأعظمه عند العرب، فقد كان لهذا الصنم من المكانة والإجلال في نفوسهم ما جعلهم يتسمون به، وكانوا يقربون له القرابين ويطوفون به. قال ابن الكلبي: كان الذي وضع الأصنام في بلاد العرب عمرو ابن لحي3، فكان أقدمها كلها مناة4، وكان منصوبا على ساحل البحر من ناحية المشلل5 بقديد، بين المدينة ومكة، وكانت العرب جميعا تعظمه، وتذبح حوله، وكانت الأوس

والخزرج ومن ينزل المدينة ومكة وما قارب من المنطقة يعظمونه ويذبحون له، ويهدون له، ولم يكن أحد أشد إعظاما له من الأوس والخزرج. وكانت الأوس والخزرج ومن يأخذ بإخذهم1 من عرب أهل يثرب وغيرها يحجون فيقفون مع الناس المواقف كلها، ولا يحلقون رؤوسهم، فإذا نفروا أتوا مناة فحلقوا رؤوسهم عنده وأقاموا عنده، ولا يرون لحجهم تماما إلا بذلك. ومناة هذه هي التي ذكرها الله عز وجل فقال: {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} ، [سورة النجم، الآية: 20] . وكانت لهذيل وخزاعة، وكانت قريش وجميع العرب تعظمه2 ا.?. هكذا ذكر ابن الكلبي عن تعظيم العرب لمناة ومكانته في نفوسهم. 17- وقد ورد عند البخاري وغيره من حديث عروة، عن عائشة رضي الله عنها قال: قلت لعائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا يومئذ حديث السن -: أرأيت قول الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} ، [سورة البقرة، الآية: 158] ، فلا أرى3 على أحد شيئا ألا يطوف بهما، فقالت عائشة: "كلا، لو كانت كما تقول4 كانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما، إنما أنزلت هذه الآية في الأنصار: كانوا يهلون لمناة، وكانت مناة حذو قديد، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين

الصفا والمروة، فلمّا جاء الإسلام، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} 1. وفي لفظ عند البخاري من طريق الزهري عن عروة، قالت عائشة: بئسما قلت يا ابن أختي إن هذه لو كانت كما أولتها عليه، كانت لا جناح عليه أن لا يطوف بهما، ولكنها أنزلت في الأنصار، كانوا قبل أن يسلموا يهلون لمناة الطاغية2 التي كانوا يعبدونها عند المشلل، فكان من أهل يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة، فلما أسلموا سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، قالوا: يا رسول الله إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا والمروة، فأنزل الله تعالى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآية. قالت عائشة - رضي الله عنها -: وقد سن3 رسول الله- صلى الله عليه وسلم-الطواف بينهما، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما. ثم أخبرت4 أبا بكر بن عبد الرحمن فقال: إن هذا لعلم ما كنت سمعته، ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يذكرون أن الناس – إلا من ذكرت عائشة ممن كان يهل بمناة – كانوا يطوفون بالصفا والمروة، فلما ذكر الله تعالى الطواف بالبيت ولم يذكر الصفا والمروة في القرآن، قالوا: يا رسول الله، كنا نطوف بالصفا والمروة، وأنّ الله أنزل الطواف بالبيت فلم يذكر الصفا، فهل علينا من حرج أن نطوّف بالصفا والمروة؟

فأنزل الله تعالى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآية، قال أبو بكر: "فأسمع هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما: في الذين كانوا يتحرجون أن يطوفوا في الجاهلية بالصفا والمروة، والذين يطوفون، ثم تحرجوا ان يطوفوا بهما في الإسلام من أجل أن الله تعالى أمر بالطواف بالبيت ولم يذكر الصفا حتى1 ذكر ذلك بعدما ذكر الطواف بالبيت"2. وهو عند مسلم أيضا ولفظه: قال الزهري: فذكرت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فأعجبه ذلك، وقال: إن هذا لعلم، ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يقولون: إنما كان من لا يطوف بين الصفا والمروة من العرب يقولون: إن طوافنا بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية. وقال آخرون من الأنصار: إنما أمرنا بالطواف بالبيت ولم نؤمر به بين الصفا والمروة، فأنزل الله عز وجل {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} . قال أبو بكر بن عبد الرحمن: فأراها قد نزلت في هؤلاء وهؤلاء3. وعند البخاري أيضا قال: قال معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: كان رجال من الأنصار ممن كان يهل لمناة – ومناة صنم بين مكة والمدينة – قالوا: يا نبي الله: كنا لا نطوف بين الصفا والمروة تعظيما لمناة4. هكذا علقه البخاري عن معمر، ووصله أحمد ولفظه: ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة في قوله عز وجل {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} قالت: كان رجال من الأنصار ممن كان يهل لمناة في الجاهلية ومناة صنم بين مكة والمدينة قالوا: يا نبي الله: إنا كنا لا نطوف بين الصفا والمروة تعظيما لمناة فهل علينا من حرج أن نطوف بهما، فأنزل الله عز وجل {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} 5.

18- وورد من حديث عاصم بن سليمان قال: سألت أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن الصفا والمروة؟ فقال: كنا نرى أنهما من أمر الجاهلية، فلما كان الإسلام أمسكنا عنهما فأنزل الله تعالى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} .. إلى قوله.. {أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} لفظ البخاري1. ولفظ مسلم: عن أنس قال: كانت الأنصار يكرهون أن يطوفوا بين الصفا والمروة، حتى نزلت: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} 2. وعند مسلم أيضا: قال عروة: قلت لعائشة: ما أرى علي جناح أن لا أتطوف بين الصفا والمروة. قالت: لم؟ قلت: لأن الله عز وجل يقول: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآية. فقالت: لو كان كما تقول لكان: فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما وإنما أنزل هذا في أناس من الأنصار، كانوا إذا أهلوا أهلوا لمناة في الجاهلية فلا يحل لهم أن يطوفوا بين الصفا والمروة، فلما قدموا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - للحج، ذكروا ذلك له، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فلعمري: ما أتم الله3 حج من لم يطف بين الصفا والمروة4. وفي لفظ: "قلت لعائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما أرى على أحد لم يطف بين الصفا والمروة شيئا، وما أبالي ألا أطوف بينهما، قالت: بئسما قلت يا ابن أختي. طاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وطاف المسلمون فكانت سُنة وإنما كان من أهلَّ لمناة الطاغية التي بالمشلل لا يطوفون بين الصفا والمروة، فلما كان الإسلام سألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله عزوجل: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} ولو كانت كما تقول لكانت: فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما"5.

وفي لفظ عن عروة بن الزبير: أن عائشة أخبرته أن الأنصار كانوا قبل أن يسلموا هم وغسان يهلون لمناة فتحرجوا أن يطوفوا بين الصفا والمروة وكان ذلك سنة في آبائهم، من أحرم لمناة1 لم يطف بين الصفا والمروة، وأنهم سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك حين أسلموا، فأنزل الله عز وجل في ذلك {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} . إن حديث عائشة - رضي الله عنها - برواياته المتعددة يعطينا صورة عن حالة العرب قبل الإسلام، وكيف تمكن الشيطان منهم فزيّن لهم عبادة غير الله من الأصنام والأحجار والأشجار، ويصور لنا مدى حبهم واحترامهم وإجلالهم لهذه الآلهة المزعومة حتى أنهم كانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة، وأشدهم في ذلك تعظيما لمناة الأوس والخزرج، فلما جاء الله بالهدى والنور ودخلوا في دين الله الحق، سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن حكم طوافهم بين الصفا والمروة، فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} كما ورد ذلك في حديث عائشة وأنس بن مالك. هذه نبذة يسيرة عن موقف العرب من الأصنام وما كان لها في نفوسهم من المكانة، وخاصة "مناة" التي كان يعبدها جل العرب، ولذا فإن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-عندما دخل مكة فاتحاً وجّه عنايته البالغة إلى تحطيم هذه الأصنام الموجودة داخل الحرم وخارجه، حتى يعبد الله وحده ويكفر بما سواه من الأنداد الفاسدة والعقائد الضالة المنحرفة.

أما الحديث عمن تولى هدم هذا الصنم "مناة" فقد اختلف في ذلك على النحو التالي: أ- فعند ابن الكلبي أن الذي تولى هدمها هو علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وكان ذلك سنة ثمان للهجرة، عندما خرج الرسول - صلى الله عليه وسلم - من المدينة قاصدا فتح مكة، فلما سار من المدينة أربع ليال أو خمس ليال بعث عليا إليها فهدمها وأخذ ما كان لها، فأقبل به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكان فيما أخذ سيفان كان الحارث1 بن أبي شمر الغساني ملك غسان أهداهما لها، أحدهما يسمى (مِخْذَماً) والآخر (رسوبا) 2 فوهبهما النبي - صلى الله عليه وسلم - لعيّ - رضي الله عنه -، فيقال: إن ذا الفقار3 سيف عليّ - رضي الله عنه - أحدهما4. ونسب هذا الفعل إلى علي بن أبي طالب ابن هشام وابن كثير بصيغة التمريض5. ب- وعند الواقدي وابن سعد أن الذي تولى هدمها هو سعد6 بن زيد الأشهلي. وهذا نص كلام ابن سعد قال: "ثم سرية سعد بن زيد الأشهلي إلى "مناة"

في شهر رمضان سنة ثمان من مهاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قالوا: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين فتح مكة سعد بن زيد الأشهلي، إلى مناة، وكانت بالمشلل للأوس والخزرج وغسان، فلما كان يوم الفتح بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سعد بن زيد الأشهلي، يهدمها فخرج في عشرين فارسا حتى انتهى إليها وعليها سادن، فقال السادن: ما تريد؟ قال: هدم مناة! قال: أنت وذاك! فأقبل سعد يمشي إليها وتخرج إليه امرأة عريانة سوداء ثائرة الرأس تدعو بالويل وتضرب صدرها، فقال السادن: مناة دونك بعض غضباتك! ويضربها سعد بن زيد الأشهلي وقتلها ويقبل إلى الصنم معه أصحابه فهدموه، ولم يجدوا في خزانتها شيئا، وانصرف راجعا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان ذلك لست بقين من شهر رمضان1. هكذا ذكر ابن سعد بدون إسناد. ?- وقيل أن الذي بعث لهدمها هو أبو سفيان بن حرب2. هذه هي أقوال العلماء فيمن بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهدم مناة وهذه الروايات مختلفة في تعيين الصحابي الذي هدم "مناة" كما أنها اختلفت أيضا في زمن الهدم، فيظهر من بعضها أنه حصل هدم "مناة" قبل الفتح، وهذا ما ذكره ابن الكلبي، وذكر الواقدي وابن سعد أن ذلك كان بعد الفتح، وهو خلاف لا أثر له؛ لأن الغاية التي تحققت هي هدم "مناة" هذا الصنم الذي يحتل مكانة خاصة في نفوس العرب، وتصرف له العبادة، من دون الله، فهو إذاً واحد من الآلهة المزعومة التي يقف عابدوها في وجه الدعوة الإسلامية، بل هو أعتى صنم عند القوم، من أجل ذلك أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بهدمه، فبعث له من يقوم بهذه المهمة، وحين أراد تنفيذ هدمه اعترضه السادن قائلا: ماذا تريد؟ فقال الصحابي الجليل: أريد هدم مناة، فقال السادن: أنت وذاك، ثم قال بثقة غريبة: "مناة دونك بعض غضباتك" وهو يعتقد بأن إلهه سوف

يدافع عن نفسه ويبطش بمن أراده بسوء، ممَّا يدل على تمكن هذه العقيدة في نفوس العرب، فتقدم الصحابي الجليل فهدمه، فسقط في أيدي القوم واتضح لهم ما كانوا عليه من باطل. وصدق الله إذ يقول: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} ، [سورة الأنبياء، الآية: 18] . ثالثاً: سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة: كانت هذه السرية مكونة من ثلاثمائة وخمسين رجلا من المهاجرين والأنصار وغيرهم من قبائل العرب، وكانت عقب فتح مكة في شهر شوال سنة ثمان للهجرة، قبل الخروج إلى غزوة حنين. قال ابن حجر: وهذا البعث كان عقب فتح مكة في شهر شوال قبل الخروج إلى حنين عند جميع أهل المغازي1. 19- قال ابن اسحاق: حدثني حكيم2 بن حكيم بن عباد بن حنيف، عن أبي جعفر3 محمد بن علي قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد حين افتتح مكة داعيا، ولم يبعثه مقاتلا، ومعه قبائل من العرب:

سُليم1بن منصور، بن مُدِلج2 بن مرة، فوطئوا بني جَذِيْمة3 ابن عامر بن عبد مناة بن كنانة، فلما رآه القوم أخذوا السلاح، فقال خالد: ضعوا السلاح فإن الناس قد أسلموا ... فلما وضعوا السلاح أمر بهم خالد عند ذلك، فاكتفوا، ثم عرضهم على السيف، فقتل من قتل منهم، فلما انتهى الخبر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، رفع يديه على السماء، ثم قال: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد" 4. والحديث أخرجه خليفة بن خياط من طريق ابن إسحاق مختصرا، والطبري وابن كثير بتمامه5. والحديث معضل لأنه من رواية محمد بن علي، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو لم يدرك ذلك، لأن ولادته كانت ما بين سنة أربعين إلى سنة ست وخمسين6. وبالتالي يكون الحديث ضعيفا.

20- وأخرج الطبري من طريق ابن إسحاق قال حدثني عبد الله1 بن أبي سلمة قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف-فيما بلغني-كلام2 في ذلك، فقال له3: عملت بأمر الجاهلية في الإسلام، فقال: إنما ثأرت بأبيك، فقال عبد الرحمن بن عوف: كذبت، قد قتلت قاتل أبي. ولكنك ثأرت بعمك الفاكه بن المغيرة، حتى كان بينهما شيء، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "مهلاً يا خالد، دع عنك صاحبي، فوالله لو كان لك أحد ذهبا ثم أنفقته في سبيل الله، ما أدركت غدوة رجل من أصحابي ولا روحته" 4. والحديث مرسل. وهو يدل على ما وقع من خالد بن الوليد مع بني جذيمة، إنما هو انتقام وثأر لعمه الفاكه بن المغيرة، وهذا لا يليق بخالد بن الوليد وبصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عامة، ولا ينبغي أن يظن بهم أنه يصدر منهم مثل هذا، والحديث ضعيف لا تقوم بمثله حجة، والصحيح في ذلك ما جاء في حديث ابن عمر عند البخاري والنسائي وأحمد وعبد بن حميد، وهذا سياقه عند البخاري:

21- قال حدثني محمود1، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، -ح2- وحدثني نعيم3، أخبرنا عبد الله، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه قال: بعث النبي - صلى الله خالد - بن الوليد إلى بني جذيمة، فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا، فجعلوا يقولون صبأنا4 صبأنا، فجعل خالد يقتل منهم ويأسر5، ودفع إلى كل رجل منا أسيره6، حتى إذا كان يوم7 أمر خالد أن يقتل كل

رجل منا أسيره، فقلت1: والله لا أقتل أسيري، ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره، حتى قدمنا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرناه2، فرفع النبي - صلى الله عليه وسلم - يديه، فقال: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد مرتين" 34. والحديث رواه أحمد، وعبد بن حميد، كلاهما عن عبد الرزاق، عن معمر به5. ورواه النسائي من طريق هشام6 بن يوسف، وعبد الرزاق، ومن طريق عبد الله بن المبارك ثلاثهم عن معمر به7. والحديث صريح في أن خالدا قتل بني جذيمة لعدم تصريهم بالإسلام، واقتصارهم على قولهم "صبأنا" فلم يقبل ذلك خالد منهم ولم يعتبره عاصما لدمائهم، وهذا يرد ما جاء في الروايات المتقدمة من أن خالدا قتلهم ثأرا بعمه الفاكه بن المغيرة. ولذا فقد أورد ابن كثير الأحاديث التي ساقها ابن إسحاق، التي ظاهرها أن ما وقع من خالد بن الوليد مع بني جذيمة كان بدافع الانتقام والأخذ بثأر عمه، ثم عقب بقوله "وهذه مرسلات ومنقطعات". ثم أورد حديث ابن عمر بإسناد أحمد بن حنبل، ثم قال: ورواه البخاري والنسائي من حديث عبد الرزاق به نحوه8.

وعند تفسير قوله تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} الآية1، قال: والجمهور على أن المراد بالفتح ههنا فتح مكة ... 22- وقد يستدل لهذا القول بما قال الإمام أحمد: حدثنا أحمد2 ابن عبد الملك، حدثنا زهير3، حدثنا حميد4، عن أنس5، قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف كلام فقال خالد لعبد الرحمن: تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها فبلغنا أن ذلك ذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "دعوا لي أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أنفقتم مثل أُحد أو مثل الجبال ذهبا ما بلغتم أعمالهم" 6. ثم قال ابن كثير: ومعلوم أن إسلام خالد بن الوليد المواجه بهذا الخطاب كان بين صلح الحديبية وفتح مكة، وكانت هذه المشاجرة بينهما في بني جذيمة، الذين بعث إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد بعد الفتح، فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا، فأمر خالد بقتلهم وقتل من أسر منهم، فخالفه عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمر وغيرهما، فاختصم خالد وعبد الرحمن بسبب ذلك7. فهذا الصنيع من ابن كثير - رحمه الله تعالى - يدل على أنه لم يرتض ما قاله

ابن إسحاق وموافقوه من أن سبب الخصومة بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف هو قتل خالد لبني جذيمة ثأرا بعمه الفاكه1. والحق أن الاختلاف والمشاجرة بين عبد الرحمن وخالد، كان بسبب قول بني جذيمة "صبأنا صبأنا". ففهم منها عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمر أن مراد القوم بهذه الكلمة الدخول في الإسلام. وحملها خالد على أن القوم يتنقصون الإسلام ويحتقرونه وأنه لا بدّ من تصريهم بكلمة "أسلمنا". وهذا هو الذي يتعين المصير إليه إجلالا لصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوقوع في مثل هذا. وفيما يلي ننقل شيء ممّا قاله العلماء حول موقف خالد بن الوليد - رضي الله عنه - مع بني جذيمة، ليتجلى الموقف أكثر، ويتضح أن ما فعله خالد كان بهدف نصرة الإسلام والمسلمين: عذر خالد بن الوليد: إن الذي فعله خالد بن الوليد رضي الله عنه مع بني جذيمة كان عن تأويل واجتهاد إذ لم يتيقن أن القوم أسلموا بقولهم "صبأنا"، ومعلوم أن المجتهد إذا اجتهد فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر. وهذا ما حصل من خالد - رضي الله عنه -، فإنه اجتهد في ذلك ولكنه أخطأ، ولذا فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يؤاخذه على ما صنع، وإن كان تبرأ من فعله وغضب - صلى الله عليه وسلم - لتسرعه وعدم تثبته. قال بن كثير- بعد أن ساق المشاجرة التي أوردها ابن إسحاق بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف2:

والمظنون بكل منهما أنه لم يقصد شيئا من ذلك، وإنما يقال هذا في وقت المخاصمة، فإنما أراد خالد بن الوليد نصرة الإسلام وأهله، وإن كان أخطأ في أمر، واعتقد أنهم ينتقصون الإسلام بقولهم "صبأنا صبأنا" ولم يفهم عنهم أنهم أسلموا، فقتل طائفة كثيرة منهم وأسر بقيتهم، وقتل أكثر الأسرى أيضا؛ ومع هذا لم يعزله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بل استمر به أمرا، وإن كان قد تبرأ منه في صنيعه ذلك، وودى1 ما كان جناه خطأ في دم أو مال ... ولهذا لم يعزله الصديق حين قتل مالك2 ابن نويرة أيام الردة وتأول عليه ما تأول حين ضرب عنقه واصطفى امرأته أم تميم، فقال له عمر بن الخطاب: اعزله فإن في سيفه رهقا3، فقال الصديق: لا أغمد سيفا سله الله على المشركين4. وقال ابن حجر: قوله: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد" يعني من قتله الذين قالوا: "صبأنا" قبل أن يستفسرهم عن مرادهم بذلك القول، فإن فيه إشارة إلى تصويب فعل ابن عمر ومنم تبعه في تركهم متابعة خالد على قتل من أمرهم بقتلهم من

المذكورين، ثم قال: وقال الخطابي1: الحكمة في تبرئه - صلى الله عليه وسلم - من فعل خالد مع كونه لم يعاقبه على ذلك، لكونه مجتهدا أن يعرف أنه لم يأذن له في ذلك خشية أن يعتقد أحد أنه كان بإذنه، لينْزَجر غير خالد بعد ذلك عن مثل فعله. وقال أيضا: إنما أنكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على خالد حيث لم يتثبت في أمرهم قبل أن يعلم المراد من قولهم صبأنا. ا.? كلام الخطابي2. وقال العامري: إنما أنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - على خالد حيث لم يتثبت في أمرهم، ثم عذره في إسقاط القصاص، لأن هذا ليس تصريحا في قبولهم الدين3. وقال القسطلاني: إنما نقم على خالد استعجاله في شأنهم، وترك التثبت في أمرهم إلى أن سيرى المراد من قولهم صبأنا4، ولم يرى عليه قودا لأنه تأول أنه كان مأمورا بقتالهم إلى أن يسلموا5. وقد تبين ممّا سبق من أقوال العلماء أن هذه المسألة بين خالد قائد السرية وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمر مسألة اجتهادية أخطأ فيها خالد حينما تسرع في قتل القائلين "صبأنا"، ورأى عبد الرحمن وابن عمر أن مراد القوم بهذه الكلمة الإسلام.

ولم يفهم ذلك خالد، ولذلك وقع النزاع، وبما أن خالدا هو أمير السرية فقد أنفذ القتل فيهم، إذ فهم أن القوم يسخرون من الإسلام بقولهم "صبأنا" لأن قريشا كانت تنبز الذي يدخل في الإسلام بأنه صابئ، تعييرا له، وكان هذا مشهورا وقد وقع لخالد نفسه حين أسلم، فقال له عكرمة بن أبي جهل صبأت يا خالد، قال بل أسلمت، وكذلك وقع مثله لثمامة بن أثال، وعمر بن الخطاب1 وغيرهم من الصحابة، فعذر خالد في إسراعه بقتل أولئك القوم قائم، وهو أنه لم يفهم منهم إلا رفض الإسلام، لأنهم لم يصرحوا به، ولكنه لم يستفسرهم عن مرادهم ولم يأخذ برأي عبد الرحمن بن عوف وابن عمر فكان ذلك خطأ منه تبرأ من صنيعه فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وودى أولئك القتلى وأقر خالدا على إمرته، لأنه مجتهد ولم يكن يقصد إلا نصرة الإسلام بما فعل2.

_ 1 انظر: (أسد الغابة لابن الأثير 1/294. والإصابة لابن حجر: 1/203، 244) . 2 انظر: (صادق العرجون في كتابه: خالد بن الوليد ص81، 83، 89، 90، 91) .

الباب الأول: في الحديث عن غزوة حنين

الباب الأول: في الحديث عن غزوة حنين الفصل الأول: في مقدمات الغزوة المبحث الأول: سبب الغزوة ... المبحث الأول: سبب الغزوة بعد فتح مكة والقضاء على أعظم قوة للشرك في الجزيرة العربية لم يبق أمام المسلمين إلا قبائل هوازن وثقيف المتاخمة لمكة المكرمة، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مصمما على مطاردة فلول الوثنية والإجهاز على معاقل الشرك في جزيرة العرب التي لا يجتمع فيها دينان، وقد ترامت أنباء فتح مكة في أنحاء الجزيرة العربية وخاصة في ديار هوازن وثقيف القريبة من مكة، وما أن سمعت قبائل هوازن بهذا الفتح الإسلامي الكبير حتى تداعت فيما بينها تتدارس هذا الحدث الجلل وترصد تحركاته نحوها، فكانت النتيجة أنها عزمت أن تهاجم المسلمين قبل أن يهاجموها، فأعدت عدتها وحشدت قواها المادية والبشرية، وقد جاء التصريح بحقيقة ما كانوا يبيتون للمسلمين من كيد في الروايات الآتية: 23- ما رواه الحاكم قال: حدثنا أبوالعباس1محمد بن يعقوب، ثنا أحمد2 بن

عبد الجبار، ثنا يونس1 بن بكير، عن ابن2 إسحاق قال: حدثني عاصم3 بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن4 بن جابر، عن أبيه جابر ابن عبد الله - رضي الله عنهما -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سار إلى حنين لما فرغ من فتح مكة، جمع مالك بن عوف النصري من بني نصر وجشم ومن سعد بن بكر وأوزاع من بني هلال وناسا من بني عمرو5 بن عامر بن عوف بن عامر وأوزعت معهم الأحلاف من ثقيف وبنو مالك ثم سار بهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسار مع الأموال والنساء والأبناء، فلما سمع بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث عبد الله6 بن أبي حدرد الأسلمي فقال: اذهب فادخل في القوم حتى تعلم لنا من علمهم فدخل فمكث فيهم يوماً أو يومين ثم أقبل فأخبره الخبر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمر بن الخطاب: ألا تسمع ما يقول ابن أبي الحدرد؟ فقال عمر: كذب ابن أبي الحدرد، فقال ابن أبي الحدرد: إنّ كذبتني فربما كذبت من هو خير مني، فقال عمر يا رسول الله ألا تسمع ما يقول ابن أبي الحدرد؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قد كنت يا عمر ضالا فهداك الله - عز وجل –"، ثم بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم

إلى صفوان بن أمية فسأله أدرعا مائة وما يصلحها من عدتها، فقال: أغصبا يا محمد؟ قال بل عارية مضمونة حتى نؤديها إليك، ثم خرج رسول الله سائراً. ثم قال الحاكم: صحيح1 الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي2. والحديث من هذه الطريق أورده البيهقي في السنن الكبرى مختصرا، وأورده في الدلائل مطولا3. وأورد ابن إسحاق القصة بدون إسناد كما قال ابن كثير4. وكان هذا هو السبب الرئيسي لخروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حنين لغزو هذه القبائل المحتشدة قبل أن يداهموا المسلمين في مكة المكرمة، ولقد سارع الرسول - صلى الله عليه وسلم في رسم - الخطة اللازمة لملاقاة هذا العدو، بعد دراسة حال العدو العسكرية، ومعرفة عدته المادية.

_ 1 اعترض الألباني على تصحيح الحاكم لهذا لحديث، وموافقة الذهبي له، وقال: هو حسن فقط للكلام المعروف في ابن إسحاق، والمتقرر أنه حسن الحديث إذا صرح بالتحديث كما في هذا الحديث. (سلسلة الأحاديث الصحيحة 2/209 تحت حديث رقم (631) . ودفاع عن الحديث النبوي والسيرة في الرد على البوطي ص82، وانظر: فتح الباري 4/32) . 2 الحاكم: المستدرك 3/48- 49. (السنن الكبرى 6/89، دلائل النبوة 2/42 ب-أ) . (البداية والنهاية4/324، وانظر: سيرة ابن هشام 2/439-440، والطبري: تاريخ الرسل والملوك 3/72- 73) .

المبحث الثاني: الاستعداد للمعركة

المبحث الثاني: الاستعداد للمعركة إن الاستعداد والتأهب لملاقاة العدو والأخذ بالأسباب المادية أمر لازم، وسبب من أسباب النصر، وهو لا ينافي التوكل، إذ إن المسلم يؤمن إيمانا جازما بأن النصر من عند الله - عز وجل -، وهو في نفس الوقت يؤمن بأنه مأمور بالأخذ بالأسباب، وأخذ الحيطة، والتدابير اللازمة ضد عدوه، وقد أمر الله عز وجل بذلك في قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ} .1 ومن هذا المنطلق فقد روى الترمذي من حديث الزبير بن العوام. 24- قال: كان على النبى - صلى الله عليه وسلم - درعان يوم أحد، فنهض إلى الصخرة2 فلم يستطع، فأقعد طلحة تحته، فصعد النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى استوى على الصخرة فقال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أوجب طلحة". ثم قال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد ابن إسحاق. وفي الباب عن صفوان بن أمية، والسائب بن يزيد3. وأعاد الحديث في كتاب المناقب بسنده ومتنه وقال: حسن صحيح غريب4. قلت: الحديث عنعنه ابن إسحاق وهو مدلس ولكنه قد صرح بالتحديث عند الحاكم، ومن طريقه رواه البيهقي، ثم قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي5.

25- وحديث السائب1 بن يزيد أخرجه أبو داود عن يزيد2 أن خصيفة عن السائب، عن رجل3 قد سماه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ظاهر يوم أحد بين درعين، أو لبس درعين4. وأخرجه الترمذي في الشمائل5. والحديث سكت عنه المنذري6، وفيه إبهام وهو قوله عن رجل. وأخرجه ابن ماجه: فقال: عن السائب بن يزيد إن شاء الله تعالى: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد خذ درعين، كأنه ظاهر بينهما7. وهو عند أحمد أيضا فحدث به يزيد بن خصيفة، عن السائب بن يزيد، مرة بالاستثناء، ومرة بدون استثناء8. قال المباركفوري في أثناء شرحه للحديث: قوله: كان على النبي - صلى الله عليه وسلم - درعان "أي مبالغة في قوله تعالى: {خُذُوا حِذْرَكُمْ} ، [سورة النساء، من الآية:71] .وقوله: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [سورة الأنفال، من الآية:60] . فإنها تشمل الدرع، وإن فسرها النبي - صلى الله عليه وسلم - بأقوى أفرادها حيث قال: ألا إن القوة الرمي، ثم قال: قال القاري9: وفيه إشارة إلى جواز المبالغة في أسباب المجاهدة وأنه لا ينافي التوكل والتسليم بالأمور الواقعة المقدرة"10.

ومن هنا فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما أراد الخروج إلى حنين لملاقاة جموع هوازن أرسل إلى صفوان بن أمية يطلب منه دروعا ليلقى فيها عدوه، كما تقدم ذلك من حديث جابر بن عبد الله1. وقد جاء أيضا من حديث صفوان بن أمية نفسه عند أبي داود وغيره وهذا سياقه عند أبي داود: 26- قال: حدثنا الحسن2 بن محمَّد، وسلمة3 بن شبيب، قالا: أخبرنا يزيد4 بن هارون، أخبرنا شريك5، عن عبد العزيز6 بن رفيع، عن أمية7 ابن صفوان بن أمية، عن أبيه8: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعار منه أدرعا يوم حنين، فقال: أغصبا يا محمد؟ فقال: "لا، بل عارية مضمونة". قال أبو داود: هذه رواية يزيد ببغداد، وفي روايته بواسط تغير على غير هذا9.

والحديث أخرجه النسائي، وأحمد، والدارقطني، والحاكم، ومن طريقه أخرجه البيهقي، الجميع من طريق يزيد بن هارون، عن شريك بن عبد الله، عن عبد العزيز بن رفيع به1. ثم قال الحاكم: وله شاهد من حديث عبد الله بن عباس: 27- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعار من صفوان بن أمية أدرعا وسنانا في غزوة حنين، فقال: يا رسول الله: "أعارية مؤداة"؟ ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه2. وسكت عنه الذهبي. والحديث فيه شريك بن عبد الله القاضي، وقد وصف بأنه صدوق يخطئ كثيرا، وقد خالفه: 1- جرير3 بن عبد الحميد بن قرط، فرواه عن عبد العزيز بن رفيع بلفظ:"عن أناس من آل عبد الله بن صفوان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يا صفوان هل عندك من سلاح؟ قال: عارية أم غصبا؟ " قال: "لا، بل عارية"، فأعاره ما بين الثلاثين إلى الأربعين4 درعا" 5.

2- أبو الأحوص1، عن عبد العزيز بن رفيع، عن عطاء2، عن ناس من آل صفوان بن أمية نحوه3. 3- ورواه قيس4 بن الربيع، عن عبد العزيز بن الرفيع، عن ابن أبي مليكة5، عن امية بن صفوان عن أبيه6. فأدخل (ابن أبي مليكة) بين عبد العزيز وأمية بن صفوان. قال الألباني والحديث مضطرب الإسناد، لكن له شاهدان: الأول: عن جابر بن عبد الله "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث إلى صفوان بن أمية فسأله أدراعا مائة درع وما يصلحها". الحديث7. الثاني: من رواية جعفر8 بن محمد، عن أبيه9: أن صفوان بن أمية أعار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سلاحا هي ثمانون درعا، فقال له: أعارية مضمونة أم غصبا؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بل عارية مضمونة". أخرجه البيهقي10 وقال: وبعض هذه الأخبار، وإن كان مرسلا، فإنه يقوى بشواهده مع ما تقدم من الموصول.

ثم قال الألباني: وبالجملة فالحديث صحيح بمجموع هذه الطرق الثلاث1. قلت: 28- وروى البيهقي من مرسل الزهري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسل إلى صفوان بن أمية في أداة ذكرت له عنده فسأله إياها فقال صفوان: أين الأمان، أتأخذها غصبا؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن شئت أن تمسك أداتك فامسكها وإن أعرتنيها فهي ضامنة علي حتى نؤديه إليك". والحديث مطول في قصة حرب حنين2. وجاء في هذا المعنى ما رواه ابن ماجه، وأحمد، والنسائي، والبخاري في التاريخ من حديث عبد الله بن أبي ربيعة، وهذا سياقه عند ابن ماجه: 29- قال: حدثنا أبو بكر3 بن أبي شيبة، ثنا وكيع4، ثنا إسماعيل5 بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي، عن أبيه6 عن جده7: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استلف منه حين غزا حنينا ثلاثين أو أربعين ألفا8، فلما قدم قضاها إياه9، ثم قال

له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بارك الله لك في أهلك ومالك، إنما جزاء السلف الوفاء والحمد" 12. والحديث أورده النسائي من طريق سفيان الثوري، عن إسماعيل بن إبراهيم ولم يذكر فيه (حين غزا حنينا) . والحديث فيه: أ - إسماعيل بن إبراهيم وقد وصفه ابن حجر بقوله: (مقبول) . و (المقبول) عنده هو من ليس له من الحديث إلاَّ القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله3. وإسماعيل قد وثقه أبو داود، وابن حبان، وعلى خذا فيكون ثقة ولعل ابن حجر نظر على قول أبي حاتم فيه (شيخ) ب - إبراهيم بن عبد الرحمن (قد وصفه ابن حجر أيضا بقوله "مقبول" وفي تهذيب التهذيب ذكر بأن ابن حبان وثقه، وابن قطان الفاسي قال فيه: "لا يعرف"، وإبراهيم قد أخرج له البخاري في الصحيح، ولذا فقد مال ابن حجر في هدي الساري5 إلى رد قول ابن قطان، فقال: روى عنه جماعة ووثقه ابن حبان، وله في الصحيح حديث واحد في كتاب الأطعمة في دعائه - صلى الله عليه وسلم - في تمر جابر بن عبد الله بالبركة6. وقد كان الشيخ أبو الحسن7 المقدسي يقول في الرجل الذي يخرج عنه في

الصحيح: هذا اجتاز القنطرة، يعني بذلك أنه لا يلتفت إلى ما قيل فيه. قال أبو الفتح1 القشيري في مختصره: وهكذا نعتقد، وبه نقول، ولا نخرج عنه إلا بحجة ظاهرة، وبيان شاف يزيد في غلبة الظن على المعنى الذي قدمناه من اتفاق الناس بعد الشيخين على تسمية كتابيهما بالصحيحين، ومن لوازم ذلك تعديل رواتهما. وقد ردَّ ابن حجر أيضا بنحو هذا2. وابن قطان الفاسي قد قال عن الجماعة لا يعرفون مع أنهم معروفون عند غيره، وقد ردَّ الذهبي في صنيعه هذا، وذكر أمثلة لذلك3. ?- الانقطاع: فقد قال البخاري: إبراهيم لا أدري سمع من أبيه أم لا. وقال ابن عبد البر: يقولون لم يرو عن عبد الله بن أبي ربيعة غير إبراهيم – يعني ابن ابنه -4. والذي ظهر لي ان الحديث فيه انقطاع بين "إبراهيم بن عبد الرحمن" وبين جده "عبد الله بن ربيعة" وأنّ "عبد الرحمن" والد إبراهيم ليس من رجال السند، إذ لو كان من رجال السند لوجدت ترجمته في "التقريب" و"تهذيب التهذيب" ولم أجد ترجمته أيضا في التاريخ الكبير للبخاري، ولا في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم. كما أنني لم أجد في ترجمة "عبد الله بن أبي ربيعة" أن ابنه عبد الرحمن ممّن روى عنه. ولا في ترجمة "إبراهيم" أنه روى عن أبيه "عبد الرحمن".

وبهذا يكون الراوي عن "عبد الله بن أبي ربيعة" هو "إبراهيم بن ابنه"، وهو لم يدرك جده، وذلك أن عبد الله بن أبي ربيعة مات ليالي قتل عثمان بن عفان، وأن أم إبراهيم1 تزوجت بأبيه "عبد الرحمن" بعد يوم الجمل، فتكون ولادة إبراهيم بعد وفاة جده بمدة، فيكون الحديث منقطعا. وهذه الأحاديث تدل دلالة واضحة على أنه يجب على المسلم أن يأخذ حذره، وأن يتأهب لملاقاة عدوه ويؤيدها قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} . [سورة الأنفال، من الآية: 60] . وقد ذكر بن عبد البر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استقرض من حويطب بن عبد العزى أربعين ألف درهم، وأن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم أعان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين بثلاثة آلاف رمح فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كأني أنظر إلى رماحك يا أبا الحارث تقصف أصلاب المشركين" 2.

_ 1 هي أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق وكانت قبل عبد الرحمن تحت طلحة بن عبيد الله فقتل يوم الجمل. (الطبقات الكبرى لابن سعد8/462) . وفي موطأ مالك 2/752 كتاب الأقضية، باب ما لا يجوز من النحل "ومات أبو بكر وأم كلثوم حمل في بطن أمها". (الاستيعاب 1/385، 3/537، وأسد الغابة 2/75، 5/369، والإصابة 1/364، والسيرة الحلبية لبرهان الدين الحلبي 3/63) .

الفصل الثاني: في المسير إلى حنين

الفصل الثاني: في المسير إلى حنين المبحث الأول: تاريخ الغزوة ... المبحث الأول: تاريخ غزوة حنين: تاريخ وقت هذه الغزوة مرتبط بوقت فتح مكة المكرمة، ذلك أن غزوة حنين ناشئة عنه ومتممة له، ومن هنا أطلقت بعض الروايات الخروج إلى حنين في شهر رمضان، والمعروف أن هذا إنما كان في غزوة الفتح. ولما كانت غزوة حنين من تتمة هذا الفتح العظيم الذي أيد الله به عباده المؤمنين، وأن هذا النصر بصورته الكاملة لم يتحقق إلا بعد الانتهاء من غزوة حنين. جاء إطلاق الخروج شاملا لهما كما جاء كثير مما تم في غزوة حنين من قسم الغنائم وغيره مذكور في فتح مكة، من ذلك:

30- ما رواه البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك قال: "لما كان1 يوم فتح مكة قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غنائم بين قريش". الحديث2. 31- وما رواه البخاري من حديث عبد الله بن عباس قال: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - في رمضان إلى حنين3 والناس مختلفون، فصائم ومفطر، فلما استوى على راحلته دعا بإناء من لبن أو ماء فوضعه على راحلته - أو على راحته - ثم نظر إلى الناس، فقال المفطرون للصوام: أفطرو ا4. ومن خلال هذا الاتصال بين الغزوتين فإن تاريخ غزوة حنين يتوقف على معرفة فتح مكة ومدة الإقامة فيها بعد الفتح، لأن المؤرخين عولوا على هذا التاريخ في هذه الغزوة، على أنه قد اختلفت الروايات في فتح مكة ومدة الإقامة فيها بعد الفتح،

وسأعرض أقوال العلماء في ذلك ووجهة كل منهم، ثم أحاول الترجيح بعد ذلك ما وجدت إليه سبيلا. والأقوال التي يمكن الاعتماد عليها في تاريخ غزوة حنين، قولان1: الأول: أن غزوة حنين كانت في اليوم الخامس من شهر شوال من السنة الثامنة للهجرة. روي ذلك عن ابن مسعود2، وإلى هذا ذهب عروة ابن الزبير وابن إسحاق وأحمد وابن جرير الطبري3. 32- ودليل هذا القول ما رواه ابن إسحاق قال: حدثني ابن شهاب4 الزهري، عن عبيد5 الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: "أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة بعد فتحها خمس عشرة ليلة يقصر الصلاة". قال ابن اسحاق: وكان فتح مكة لعشر ليال بقين من شهر رمضان سنة ثمان6. والحديث مرسل لأن عبيد الله لم يدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقد وصله أبو داود، وابن ماجة من طريق محمد7 بن سلمة، عن ابن

إسحاق عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس رضي الله عنهما1. ثم قال أبو داود: روى هذا الحديث عبدة2 بن سليمان، وأحمد3 بن خالد الوهبي، وسلمة4 بن الفضل، عن ابن إسحاق، لم يذكروا فيه ابن عباس. والحديث اختلف فيه على ابن إسحاق كما ترى. فرواه عنه محمد بن سلمة موصولا. وخالفه عبدة بن سليمان، وأحمد بن خالد الوهبي، وسلمة بن الفضل، وابن إدريس5 فأرسلوه. قال البيهقي: وهو الصحيح6. قلت: ومحمد بن سلمة7 ثقة إمام مفت، وقد تفرد بزيادة الوصل، والزيادة من الثقة مقبولة. وهو مذهب الجمهور من الفقهاء، وأصحاب الحديث8. وقال ابن حجر: وأما رواية "خمسة عشر" فضعفها النووي في الخلاصة، وليس بجيد، لأن رواتها ثقات، ولم ينفرد بها ابن إسحاق، فقد أخرجها النسائي من رواية عراك9 بن مالك، عن عبيد الله كذلك10.

ورواية النسائي المشار إليها هي: 33- أخبرنا عبد الرحمن1 بن الأسود البصري، قال: حدثنا محمد2 بن ربيعة، عن عبد الحميد3 بن جعفر، عن يزيد4 بن أبي حبيب، عن عراك بن مالك، عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أقام بمكة خمسة عشر يصلي ركعتين ركعتين" 5. وقال البيهقي: "رواه عراك بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا6. وتعقبه ابن التركماني7 بقوله: قلت: أخرجه النسائي عن عراك مسندا ثم ساق رواية النسائي هذه"8. وبهذا تكون رواية "أقام بمكة بعد الفتح خمسة عشر" صحيحة. القول الثاني: أن غزوة حنين كانت يوم السبت لست ليال خلون من شهر شوال، ووصل إلى حنين مساء الثلاثاء لعشر ليال خلون من الشهر المذكور. وبهذا قال الواقدي. ودليله: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتح مكة يوم الجمعة لعشر بقين من رمضان، وأقام

بمكة خمس عشرة، ثم غدا يوم السبت لست ليال خلون من شهر شوال، وانتهى إلى حنين مساء ليلة الثلاثاء لعشر ليال خلون من شوال1. وتابعه ابن سعد2. هذه هي أقوال العلماء في هذا الباب، والذي يظهر لي ما يأتي: أ- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى حنين في شهر شوال من السنة الثامن للهجرة، بغض النظر عن كونه خرج في خامس شوال أوسادسه. ب- يترجح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهما في سادس شهر شوال، لأنه يمكن الجمع بينه وبين القول بأن الخروج إلى حنين كان في الخامس شوال. قال الزرقاني - بعد إن ذكر هذين القولين - وهذا الخلاف: إما أنه للاختلاف في هلال الشهر، أو أن من قال لست ليال عدّ ليلة الخروج، ومن قال لخمس لم يعدها، لأنه خرج في صبيحتها فكأنه خرج فيها. وجمع بعضهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ بالخروج في أواخر رمضان، وسار سادس شوال، ووصل إليها في عاشره3. إذا أخذنا برواية ابن عباس - رضي الله عنهما - التي أخرجها أحمد وأبو داود بإسنادين أحدهما صحيح "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقام بمكة عام الفتح سبع عشرة" 4. مع ذكره النووي وابن حجر: من أن المشهور في كتب المغازي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج في غزوة الفتح من المدينة لعشر خلون من رمضان، ودخل مكة لتسع عشرة خلت منه5. كان خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى غزوة حنين في اليوم السادس من شهر شوال.

وقد وردت روايات أخر في مدة إقامة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مكة بعد الفتح، منها ثماني عشرة، وتسع عشرة، ورجح البيهقي وابن حجر رواية "تسع عشرة" لأنها أكثر ما وردت بها الروايات الصحيحة، وهي ثابتة في صحيح البخاري1، ولا منافاة بينها وبين سائر الروايات كما جمع بينها البيهقي نفسه فقال: من روى تسع عشرة عد يوم الدخول ويوم الخروج، ومن قال ثمان عشرة لم يعد أحد اليومين، ومن قال سبع عشرة لم يعدهما. قال ابن حجر: وتحمل رواية "خمسة عشرة" على أن الراوي ظن أن الأصل رواية "سبع عشرة" فحذف منها يومي الدخول والخروج، فذكر أنها خمس عشرة2. وإذا أمكن الجمع بين الروايات تعين المصير إليه، لأن العمل بجميع الروايات أولى من تر ك بعضها، والخلاف في كون الخروج إلى حنين في اليوم الخامس أو السادس، ليس من الخلاف الشديد، بل القولان متقاربان كما هو ظاهر. والله أعلم.

_ 1 2/39 كتاب تقصير الصلاة، باب ما جاء في التقصير، وكم يقيم حتى يقصر. 2 البيهقي: السنن الكبرى 3/151، وابن حجر: فتح الباري 2/562، وشمس الحق العظيم آبادي: عون المعبود 4/98- 99.

المبحث الثاني: في تعيين الأمير على مكة

المبحث الثاني: في تعيين الأمير على مكة: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد الخروج إلى غزوة أو غيرها عين أميرا يقوم مقامه مدة غيابه يعلم الناس دينهم ويتفقد أحوالهم ويحل مشكلاتهم، وكانت طاعة الأمير واجبة بطاعة الله عز وجل، وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -. لما ورد في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-: 34- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع1 أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني "2.

فحين عزم الرسول - صلى الله عليه وسلم - على الخروج إلى حنين، استخلف عتاب بن أسيد على من بقي من أهل مكة يرعى مصالحهم ويقضي حوائجهم. وقد جاءت في ذلك الآثار الآتية: 35- ما رواه الطبري قال: حدثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة1، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر قال: "ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه ألفان من أهل مكة، مع عشرة آلاف من أصحابه الذين فتح الله بهم مكة، فكانوا اثني عشر ألفا، واستعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عتاب2 بن أسيد بن أبي العيص بن أمية ابن عبد شمس على مكة أميرا على من غاب عنه من الناس، ثم مضى على وجهه يريد لقاء هوازن" 3. والحديث فيه ثلاث علل: أ- ضعف ابن حميد4. ب- عنعنة ابن إسحاق، وهو مدلس.

جـ الإرسال1. 36- ما رواه خليفة ابن خياط قال: حدثني علي2 بن محمد، عن حماد3 بن سلمة، عن علي بن زيد، عن سعيد4 بن المسيب قال: افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة سنة ثمان من مهاجره في شهر رمضان فأقام خمسة عشر يوما، ثم شخص5، واستعمل على مكة عتاب بن أسيد6. والحديث فيه علتان: أ- ضعف علي بن زيد بن جدعان7. ب- الإرسال. 37- ما رواه البخاري في "التاريخ" والحاكم في "المستدرك" عن حرمي8 بن

حفص العتكي، ثنا خالد1 بن أبي عثمان، عن أيوب بن عبد الله بن يسار، عن عمرو2 بن أبي عقرب قال: سمعت عتاب بن أسيد وهو مسند ظهره إلى بيت الله يقول:"والله ما أصبت في عملي هذا ممّا ولاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا ثوبين معقدين كسوتهما مولاي كيسان" 3. ورواه أبو عبيد، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن خالد بن أبي عثمان الأموي به4. والحديث فيه: أيوب بن عبد الله بن يسار، سكت عنه البخاري وابن أبي حاتم5. وقال ابن حجر: إسناده حسن6. 38- ما رواه الحاكم من طريق مصعب7 بن عبد الله الزبيري قال: استعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عتاباً على مكة، ومات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعتاب عامله على مكة، وتوفي عتاب بن أسيد بمكة في جمادى الأخرى سنة ثلاث عشرة8. والحديث معضل9.

وفي حديث أبي محذورة في قصة تعليمه الأذان، فقلت: يا رسول الله مرني باتأذين بمكة، فقال: "قد أمرتك به"، فقدمت على عتاب بن أسيد عامل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة، فأذنت معه بالصلاة عن أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم" 1. وحسّنَ الألباني القدر الوارد من الحديث في تولية عتاب بن أسيد على مكة ثم ذكر شواهد لذلك2. والخلاصة: أن هذه الآثار الواردة فيمن استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على مكة عند الخروج إلى حنين على فرض أن كل أثر منها لا يخلو من مقال، لكنها تدل بمجموعها على أن لهذه القصة أصلاً. والمعروف من هدي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا أراد الخروج إلى غزوة من الغزوات استخلف من يقوم مقامه حتى يرجع، والذي عليه إمام أهل المغازي والسير (ابن إسحاق) أن الذي استخلفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مكة هو عتاب بن أسيد. وتابعه في هذا جمهور العلماء من أهل السير والمغازي وغيرهم3. وذهب بعض العلماء إلى أن عتابا كان أميرا على مكة، وكان معاذ بن جبل معلما لأهلها4. ومسألة تولية عتاب بن أسيد أميرا على مكة متفق عليها تاريخيا فيؤخذ فيها بالروايات التاريخية وإن لم تنطبق عليها قواعد نقدة الحديث لأنه لا مناص لنا من الخذ بذلك، لأننا أمام أمرين: إما رد هذه المريّات لضعف أسانيدها. وإما الأخذ بها.

والأخذ بها هو الأولى في مثل هذه الحوادث التاريخية التي لا تتعلق بالعقائد والأحكام الشرعية، على أن مجموع الروايات يقوي بعضها بعضا، ولذلك حسّن الحديث ابن حجر لما له من الشواهد. وحسّن الألباني القدر المتعلق بتولية عتاب أميراً بالشواهد المقوية لذلك. وأما ما عدا ذلك من قصة توليته وما حدث فيها فهو الذي يحسن الأخذ به من الناحية التاريخية وإن لم يقو سنده من الناحية الحديثية، وقد جرى العلماء منذ القديم على هذا المسلك. والله أعلم.

المبحث الثالث: عدد الجيش الإسلامي في هذه الغزوة

المبحث الثالث: عدد الجيش الإسلامي في هذه الغزوة: الجيش الذي خرج إلى غزوة حنين مكون من: أ- الجيش الإسلامي الذي فتح مكة المكرمة. ب- الذين انضافوا إليهم من مسلمة الفتح. وعدد الجيش الذي فتح مكة عشرة آلاف مقاتل، وهو نص حديث ابن عباس عند البخاري، وهذا سياقه 39- قال: حدثني محمود1، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر قال: أخبرني الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج في رمضان من المدينة ومعه عشرة آلاف 2، وذلك على رأس ثمان سنين

ونصف1 من مقدمه المدينة، فسار هو ومن معه من المسلمين إلى مكة، يصوم ويصومون". الحديث2. وعند ابن إسحاق قال: حدثني الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس مطولا فيه: "ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نزل مر الظهران3 في عشرة آلاف من المسلمين". الحديث4. ومن طريق ابن إسحاق: أخرجه أحمد مختصرا، والطبري، والطحاوي والحاكم بطوله، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وسكت عنه الذهبي5. وأورده الهيثمي مختصرا وقال: في الصحيح طرف منه في الصيام، رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع. ثم أورده مطولا وقال: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح6. والحديث دليل واضح على أن الذين خرجوا مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - لفتح مكة المكرمة، كانوا عشرة آلاف مقاتل. وقد خرجوا إلى غزوة حنين مع من انضم إليهم من الطلقاء7. 40- فقد ورد عند البخاري ومسلم من طريق معاذ8 بن معاذ، عن

ابن عون1، عن هشام بن زيد بن أنس بن مالك، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، قال: لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان2 وغيرهم بنعمهم3 وذراريهم، ومع النبي - صلى الله عليه وسلم - عشرة آلاف4 ومن الطلقاء5 ... الحديث6. والحديث يدل على أن الجيش الخارج إلى حنين عشرة آلاف من غير الطلقاء، وقد جاء عند ابن إسحاق أن الطلقاء كانوا ألفين من أهل مكة. ساق ذلك بدون إسناد7. وأخرجه الطبري من طريق ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر قال: "ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه ألفان من أهل مكة، مع عشرة آلاف منن أصحابه الذين فتح الله بهم مكة، فكانوا اثني عشر ألفا"8.

41- وأخرج الطبري أيضا بسنده عن السدي، وابن زيد1 في قوله تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ2 إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً} ، [سورة التوبة، من الآية: 25] . قالا: "كانوا اثني عشر ألفا"3. وكلا الإسنادين مقطوع4. 42- ورواه أيضا عن عروة بن الزبير، وعن قتادة5. 43- وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق ابن إسحاق قال: حدثنا الزهري قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حنين في ألفين من مكة وعشرة آلاف كانوا معه فسار بهم الحديث6. 44- وساق بسنده أيضا عن الحاكم فقال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أبو بكر

القاضي1 قالا: نا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: أنا أحمد بن عبد الجبار، قال: نا يونس بن بكير عن أبي جعفر عيسى الرازي، عن الربيع أن رجلا قال يوم حنين لن نغلب اليوم من قلة، فشق ذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأنزل الله تعالى {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} ، [سورة التوبة، من الآية: 25] . قال الربيع: وكانوا اثني عشر ألفا، منهم ألفان من أهل مكة2. والحديث فيه: أ- يونس بن بكير "صدوق يخطئ"3 ب- أبو جعفر الرازي التميمي عيسى بن أبي عيسى "صدوق سيئ الحفظ"4. ج- الربيع بن أنس البكري "صدوق له أوهام، ورمي بالتشيع". قال ابن حبان: والناس يتقون من حديثه ما كان من رواية أبي جعفر الرازي عنه، لأن في أحاديثه عنه اضطرابا كثيرا5 د- الإرسال، فإن الربيع لم يدرك هذه الوقعة. 54- وروى ابن سعد قال: أخبرنا الضحاك6 بن مخلد الشيباني، أبو عاصم النبيل، قال: أخبرنا عبد الله7 بن عبد الرحمن بن يعلى بن كعب الثقفي، أخبرني

عبد الله1 بن عياض، عن أبيه2 أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى هوازن في اثني عشر ألفا، فقتل من أهل الطائف يوم حنين مثل من قتل يوم بدر، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترابا من البطحاء فرمى به وجوهنا فانهزمنا 3 والحديث رواه الطبراني من طريق زيد4 بن الحريش، والعباس5 ابن عبد العظيم العنبري، قالا: ثنا أبو عاصم به6. ورواه الحاكم من طريق أبي قلابة7، ثنا أبو عاصم به8. ثم قال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. ومن طريق الحاكم أخرجه البيهقي9.

وأورده الهيثمي ثم قال: رواه الطبراني وفيه: عبد الله بن عياض، ذكره ابن أبي حاتم ولم يجرحه، وبقية رجاله ثقات1. وبهذا فإن تصحيح الحاكم لهذا الحديث، وموافقة الذهبي لهن فيه نظر. والخلاصة في هذا أن الأحاديث الصحيحة نصت على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى غزوة حنين بعشرة آلاف مقاتل، و (الطلقاء) ولفظ "الطلقاء" شيء زائد على العشرة الآلاف، وقد بينت هذه الأحاديث بأن الطلقاء كانوا ألفين من اهل مكة، وهي وإن كان كل حديث منها لا يسلم من مقال، إلاّ أنها بمجموعها يقوي بعضها بعضا، ولها أصل في الأحاديث الصحيحة، وهو لفظ "الطلقاء" الزائد على عشرة الآلاف، وأطبق أهل المغازي وغيرهم على أن الطلقاء كانوا ألفين من مسلمة الفتح انضافوا إلى الجيش الإسلامي القادم من المدينة لفتح مكة، وذهبوا جميعاً إلى غزوة حنين وكان عددهم اثني عشر ألفا2. هذا على ما جاء في الروايات الصحيحة بأن الجيش القادم من المدينة المنورة كان عشرة آلاف. وأما على رأي عروة بن الزبير، وموسى بن عقبة، والزهري، بأن الجيش القادم من المدينة اثني عشر ألفا، فيكون مجموع الجيش الخارج إلى حنين أربعة عشر ألفا، وقد تقدم توجيه ذلك3. وقال عطاء: كان المسلمون يوم حنين ستة عشر ألفا4.

_ (مجمع الزوائد 6/186) . (انظر: سيرة ابن هشام 2/440، وتاريخ الرسل والملوك للطبري 3/73، وتاريخ خليفة بن خياط ص88، وجوامع السيرة لابن حزم ص238، والكامل لابن الأثير 2/178، وزاد المعاد لابن قيم الجوزية 3/468، والبداية والنهاية لابن كثير 4/324، والمواهب اللدنية للقسطلاني 1/161، والسيرة الحلبية لبرهان الدين الحلبي 3/63) . 3 تقدم تحت حديث (39) . (تفسير البغوي 3/72) ، مع "الخازن".

المبحث الرابع: استعداد هوازن العسكري

المبحث الرابع: استعداد هوازن العسكري: من المعلوم أن هوازن قبيلة قوية في عددها وعددها، وقد أقامت حولا كاملا تعد العدة لحرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - 1. وقد انضم إليها بعض القبائل الأخرى من

غطفان وغيرهم، فأحكموا خطتهم ووقف الجميع صفا واحدا في وجه المسلمين يريدون القضاء عليهم. فقد جاء في حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -، قال: لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان وغيرهم بنعمهم وذراريهم، ومع النبي - صلى الله عليه وسلم - عشرة آلاف ومن الطلقاء. الحديث1. وعند مسلم وأحمد من طريق السميط2، عن انس بن مالك. 46- قال: "افتتحنا مكة، ثم أنّا غزونا حنينا، فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت، قال: فصفت3 الخيل، ثم صفت المقاتلة، ثم صفت النساء من وراء ذلك، ثم صفت الغنم، ثم صفت النعم". الحديث4. وأخرج أبو داود الطيالسي وأحمد وغيرهما من طريق حماد5 بن سلمة أنا إسحاق6 بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك: 47- "أن هوازن جاءت يوم حنين بالصبيان والنساء والإبل والنعم فجعلوهم صفوفا يكثرون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " الحديث7. وأخرجه ابن حبان والحاكم، كلاهما من طريق حماد بن سلمة به. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه8. وسكت عنه الذهبي. 48- وأخرج أبو داود وأحمد كلاهما من طريق نافع9 أبي غالب الباهلي مطولا

فيه: "قال: يا أبا حمزة هل غزوت مع النبي - صلى الله عليه وسلم؟ - قال: نعم. غزوت معه يوم حنين فخرج المشركون بكثرة فحملوا علينا حتى رأينا خيلنا وراء ظهورنا". الحديث1. فهذه الأحاديث على اختلاف ألفاظها تدل على أن هوازن استعدت للمعركة استعدادا كاملا، ولم تدخر شيئا في وسعها. وقد وصف ابن إسحاق جموع هوازن المتكاثرة فقال: لما سمعت هوازن برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما فتح الله عليه من مكة، جمعها مالك2 بن عوف النصري، فاجتمع إليه

من هوازن ثقيف كلها، واجتمعت نصر، وجشم كلها، وسعد بن بكر وناس من بني هلال وهم قليل، ولم يشهدها من قيس عيلان إلاّ هؤلاء، وغاب عنها فلم يحضرها من هوازن كعب ولا كلاب، ولم يشهدها منهم أحد له اسم، وفي بني جشم دريد1 بن الصمة شيخ كبير ليس فيه شيء إلا التيمن2 برأيه ومعرفته الحرب، وكان شيخاً3 مجرباً، وفي ثقيف سيدان لهم4، وفي الأحلاف5 قارب6 بن الأسود بن مسعود بن معتب، وفي بني مالك ذو الخمار7 سبيع بن الحارث بن مالك، وأخوه أحمر بن الحارث، وجماع8 أمر الناس إلى مالك بن عوف النصري، فلما أجمع المسير إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حط مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم، فلما نزل بأوطاس اجتمع إليه الناس وفيهم دريد بن الصمة في شجار9 له يقاد به، فلما نزل قال: بأي

واد أنتم؟ قالوا: ب أوطاس، قال: نعم مجال الخيل! لا حزن1 ضرس ولا سهل دهس2، ما لي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير، وبكاء الصغير، ويعار3 الشاء؟ قالوا: ساق مالك بن عوف مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم. قال: أين مالك؟ قيل: هذا مالك ودعي له، فقال: يا مالك4، إنك قد أصبحت رئيس قومك، وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام، ما لي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير، وبكاء الصغير، ويعار الشاء؟ قال: سقت مع الناس اموالهم، وأبناءهم، ونساءهم، قال: ولِمَ ذاك؟ قال: أردت أن أجعل خلف كل رجل منهم أهله وماله، ليقاتل عنهم، قال: فأنقض به5، ثم قال: راعي ضأن6 والله! وهل يرد المنهزم شيء؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك" الحديث7. قال ابن كثير: بعد إيراده لهذا الحديث: هكذا أورده ابن إسحاق من غير إسناد. وقد روى يونس بن بكير عن ابن إسحاق، عن عاصم بم عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله، عن أبيه8.

وعن عمرو بن شعيب، والزهري، وعبد الله بن أبي بكر بن عمرو ابن حزم وغيرهم قصة حنين فذكر نحو ما تقدم1. وأخرج الطبري فقال: حدثنا بشر2 بن معاذ قال: ثنا يزيد3، قال: ثنا سعيد4، عن قتادة5، قوله: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ} . [سورة التوبة، من الآية: 25] . حتى بلغ {وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} ، [سورة التوبة، من الآية: 26] 6. قال: وحنين ماء بين مكة والطائف، قاتل عليها نبي الله هوازن وثقيف، وعلى هوازن مالك بن عوف أخو بني نصر، وعلى ثقيف عبد ياليل بن عمرو الثقفي" الحديث7. وهذه الأحاديث المتقدمة تدل على أن هوازن كانت قد جمعت جمعا كثيرا، وإن كانت لم تنص على عدد هوازن ومن معهم صراحة، وقد ورد عند الواقدي ما يدل على أن عدد هوازن ومن معهم عشرون ألفا. قال: ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن أبي حدرد8 الأسلمي فقال له: انطلق فادخل حتى تأتي بخبر منهم، وما يقول مالك، فخرج عبد الله فطاف في عسكرهم، ثم انتهى إلى مالك بن عوف فوجد عنده رؤساء هوازن، فسمعه يقول لأصحابه: إن محمدا لم يقاتل قط قبل هذه المرة، وإنما يلقى قوما أغمارا9 لا علم لهم بالحرب فينصر

عليهم فإذا كان في السحر فصفوا مواشيكم ونساءكم وأبناءكم من ورائكم، ثم صفوا صفوفكم، ثم تكون الحملة منكم، واكسروا جفون سيوفكم فتلقونهم بعشرين ألف سيف مكسورة الجفون1، واحملوا حملة رجل واحد واعلموا أن الغلبة لمن حمل أولا". الحديث2. فقوله في هذا الحديث: "فتلقونه بعشرين ألف سيف" يدل على أن القوم كانوا عشرين ألفا. وكون هوازن كانت عشرين ألفا أو أكثر ذلك، وإن لم يرد ذلك في حديث صحيح مصرح به. إلا أن في الأحاديث الصحيحة الثابتة ما يؤيد هذا، فقد تقدم في حديث أنس بن مالك أنه قال: "لما كان يوم حنين وجمعت هوازن وغطفان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جمعا كثيرا". وفيه أيضا:"لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان وغيرهم"3. وفي حديث جابر بن عبد الله قال: "لما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فتح مكة، جمع مالك بن عوف من بني نصر وجشم، ومن سعد بن بكر، وأوزاع من بني هلال، وناسا من بني عمرو ابن عامر، وعوف بن عامر، وأوزعت معهم الأحناف من ثقيف وبنو مالك"4. وفي حديث سهل بن الحنظلية: أنهم ساروا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين فأطنبوا السير حتى كان عشية، فحضرت صلاة الظهر عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجاء رجل فارس فقال: "يا رسول الله إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن على بكرة آبائهم بظعنهم ونعمهم وشائهم، اجتمعوا إلى حنين" الحديث5. فمن خلال هذه الألفاظ الواردة في الأحاديث الصحيحة يفهم منها أن القوم حشدوا جموعا كثيرة، وقد تقدم في أول هذا المبحث أنهم أقاموا حولا كاملا يعدون العدة لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولذا فقد قال ابن حجر: والعذر لمن انهزم من غير المؤلفة أن العدو كانوا ضعفهم في العدد وأكثر من ذلك1. وعند القسطلاني: "فاستقبلهم من هوازن ما لم يروا مثله قط من السواد والكثرة"2. وعند الزرقاني: "إنهم كانوا أضعاف المسلمين". ثم قال: "وما وقع في البيضاوي والبغوي ونحوهما أن ثقيفا وهوازن كانوا أربعة آلاف إن صح فلا ينافيه لأنهم انضم إليهم من العرب ما بلغوا به ذلك، فقد مر أنهم أقاموا حولا يجمعون لحربه عليه السلام لا أنهم باعتبار ما معهم من نساء ودواب يرون ضعفا وأضعاف المسلمين، وإن كانوا في نفس الأمر أربعة آلاف، لأن بعده لا يخفى؛ لأن فيه رد كلام الحفاظ الثقات الأثبات بلا دليل، فإن أربعة داخلة في الزائد فلا يصح رد الزائد إليها بهذا الحمل المتعسف الذي يأباه قول مالك بن عوف "تلقونه بعشرين ألف سيف". فإن البهائم لا سيوف معها3. وهذه الجموع الهائلة جمعها مالك بن عوف في وادي أوطاس4، ثم أرسل عيونه إلى المسلمين ليعلم مدى قوتهم واستعدادهم لخوض المعركة. 49- قال ابن إسحاق: وحدثني أمية5 بن عبد الله بن عمرو بن عثمان أنه حدث: أن مالك بن عوف بعث عيونا من رجاله، فأتوه وقد تفرقت أوصالهم، فقال: ويلكم! فقالوا: رأينا رجالا بيضا على خيل بلق6 فو الله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى، فو الله مارده ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد7.

ومن هذه الطريق أخرجه الطبري1. والحديث ضعيف، لأن أمية بن عبد الله لم يصرح بمن حدثه. وعند الواقدي: "قال: بعث مالك بن عوف رجالا من هوازن ينظرون إلى محمد وأصحابه –ثلاثة نفر– وأمرهم أن يتفرقوا في المعسكر، فرجعوا إليه وقد تفرقت أوصالهم، فقال: ما شأنكم ويلكم؟ ". قالوا: رأينا رجالا بيضا على خيل بلق، فوالله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى! وقالوا له: ما نقاتل أهل الأرض، إن نقاتل إلا أهل السموات - وإن أفئدة عيونه تخفق2- وإن أطعتنا رجعت بقومك فإن الناس إن رأوا مثل ما رأينا أصابهم مثل الذي أصابنا. قال: أف3 لكم! بل أنتم قوم أجبن أهل العسكر، فحبسهم عنده فرقا4 أن يشيع ذلك الرعب في العسكر، وقال: دلوني على رجل شجاع، فأجمعوا له على رجل فخرج ثم رجع إليه وقد أصابه نحو ما أصاب من قبله منهم، فقال: ما رأيت؟ قال: رأيت رجالا بيضا على خيل بلق ما يطاق النظر إليهم، فوالله ما تماسكت أن أصابني ما ترى! فلم يثنه5 ذلك عن وجهه6. والحديث رواه الواقدي عن مشايخه مرسلا، وفيه الواقدي وقد وهنه العلماء، وقد تناقل العلماء هذه المسألة في مؤلفاتهم، وهي وإن لم تثبت من الناحية الحديثية، إلا أن الجواسيس والعيون لرصد المعلومات عن العدو وقدرته القتالية قبل القيام بالهجوم المباشر أمر متعارف عليه لدى القادة والرؤساء، وهو شيء يضعه كل قائد مسؤول في مقدمة خططه وحساباته واستعداداته لمواجهة خصمه7.

_ (تاريخ الرسل والملوك 3/72، وانظر: ابن كثير: البداية والنهاية 4/323) . 2 تخفق: تتحرك وتضطرب رعبا من هول ما رأت. (ابن الأثير: النهاية 1/56، والفيروز آبادي: القاموس 3/227- 228) . 3 أف لكم: كلمة معناها التضجر، والمراد بها هنا الاحتقار. (ابن الأثير: النهاية 1/55) . 4 فرقا: أي خوفا. 5 فلم يثنه: أي لم يرده ذلك عن عزمه وتصميمه. (المصباح المنير1/105و2/565) . (الواقدي: المغازي 3/892، وانظر: ابن سعد الطبقات الكبرى 2/150، وابن الأثير: الكامل 2/178، وابن قيم الجوزية: زاد المعاد 3/467، والقسطلاني: المواهب اللدنية 1/161، والزرقاني: شرح المواهب اللدنية 3/7) . (باشميل: غزوة حنين ص111) .

المبحث الخامس: تبشير الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بالنصر وبيان فضل الحراسة في سبيل الله

المبحث الخامس: تبشير الرسول - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بالنصر، وبيان فضل الحراسة في سبيل الله: لما سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بان هوازن ومن شايعها من القبائل الأخرى حشدت قواها لضرب المسلمين، اهتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لذلك غاية لاهتمام، وأعد للموقف عدته. فأمر أحد قواده أن يذهب إلى القوم ليعلم له ذلك، وليرصد له وجهتهم وقدراتهم القتالية، زيادة في التثبت في حقيقة الأمر. فذهب ذلك الجندي لمهمته، فدخل في القوم فوجدهم على أتم استعداد لملاقاة المسلمين، قد جمعوا جموعهم بما فيهم النساء والذراري والأموال، فعاد مسرعا، فنقل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبرهم، فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال: تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله. وهذا هو صريح حديث سهل1 بن الحنظلية عند أبي داود وغيره. 50- وهذا سياقه عند أبي داود قال: حدثنا أبو توبة2، أخبرنا معاوية3 - يعني ابن سلام - عن زيد4 - يعني ابن سلام – أنه سمع أبا سلام5 قال: حدثني

السلولي1 أبو كبشة أنه حدثه سهل بن الحنظلية أنهم ساروا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين فأطنبوا2 السير حتى كان عشية3 فحضرت4 صلاة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاء رجل5 فارس فقال: يا رسول الله إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن على بكرة6 آبائهم بظعنهم7 ونعمهم وشائهم،

اجتمعوا1 إلى حنين فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله. ثم قال: من يحرسنا الليلة؟ 2. قال أنس3 بن أبي مرثد4 الغنوي: أنا يا رسول الله، قال: فاركب، فركب فرسا له، وجاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "استقبل5 هذا الشعب حتى تكون في أعلاه، ولا نغرن6 من قبلك الليلة، فلما أصبحنا"7 خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مصلاه فركع ركعتين، ثم قال: "هل أحسستم8 فارسكم؟ قالوا: يا رسول الله ما أحسسناه، فثُوّب9 بالصلاة، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي وهو

يتلفت1 إلى الشعب حتى إذا قضى صلاته وسلم فقال: "أبشروا فقد جاءكم فارسكم"2، فجعلنا ننظر إلى خلال3 الشجر في الشعب، فإذا هو قد جاء حتى وقف على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: إني انطلقت حتى كنت في أعلى هذا الشعب، حيث أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما أصبحت4 اطلعت الشعبين كليهما فلم أر أحدا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هل نزلت5 الليلة؟ قال: لا، إلا مصليا أو قاضيا حاجة6، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قد أوجبت7 فلا عليك أن لا تعمل بعدها "8.

والحديث أخرجه النسائي في "السنن الكبرى". والبخاري في "التاريخ". وابن أبي عاصم والطبراني. والحاكم والبيهقي والحازمي مختصرا ومطولا، الجميع من طريق معاوية بن سلام الدمشقي به1. وقال الحاكم: هذا الإسناد من أوله إلى آخره صحيح على شرط الشيخين غير أنهما لم يخرجا مسانيد سهل بن الحنظلية لقلة رواية التابعين عنه وهو من كبار الصحابة. ووافقه الذهبي. وأورده الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة وقال: أخرجه أبو داود والحاكم من طريق أبي توبة الربيع بن نافع الحلبي، ثنا معاوية بن سلام به. وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي، وهو كما قالا2. والحديث يدل على اهتمام الرسول - صلى الله عليه وسلم - البالغ بمعرفة أعدائه، حيث كان يتابع تحركاتهم ويرقب سيرهم حتى يكون على بصيرة وخبرة بما يدبرون ضده من مؤامرات، وفيه معجزة نبوته حيث أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن ما حشدته هوازن من قوة ستكون غنيمة للمسلمين، وقد وقع ما أخبر به عليه الصلاة والسلام. وفيه منقبة عظيمة لأنس بن أبي مرثد الغنوي، وفضل الحراسة في سبيل الله عز وجل. وفيه تسابق الصحابة وحرصهم على ما فيه نفع للمسلمين وخدمة لدينهم وامتثال أمر نبيهم - صلى الله عليه وسلم -. ودقة التزامهم بأوامره - صلى الله عليه وسلم -. فلم يبرح أنس موضعه إلا في حدود

الرخصة التي أذن له فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وهكذا يكون الاتباع والامتثال بالوقوف عند أوامر الشرع ففيها الفلاح والصلاح.

المبحث السادس: بقايا من رواسب الجاهلية

المبحث السادس: بقايا من رواسب الجاهلية: في السنة الثامنة من الهجرة النبوية دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة فاتحا وتم الاستيلاء عليها. ثم وجه عنايته إلى حنين لمواجهة هوازن المتجمعة هناك، التي غاظها هذا الفتح العظيم، فخرج - صلى الله عليه وسلم -، وخرج معه بعض الكفار من أهل مكة الذين لم يدخلوا في الإسلام، وأعطاهم رسول الله - صلى الله عليه - وسلم الأمان، وخرج معه أيضا بعض مسلمة الفتح الذين كانوا حديثي عهد بالإسلام، وكان منهم من بقي فيه بقية من أمر الجاهلية لقرب عهدهم بها. فبينما هم يسيرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين مروا بشجرة للمشركين يقال لها ذات أنواط يعلقون عليها أسلحتكم يتبركون بها، فتنادوا من جنبات الطريق: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. يوضح هذا الموقف حديث أبي واقد الليثي عند الترمذي وغيره، وهذا سياقه عند الترمذي قال: 51- حدثنا سعيد1 بن عبد الرحمن المخزومي، أخبرنا سفيان2، عن الزهري3، عن سنان4 بن أبي سنان، عن أبي واقد الليثي5: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

لما خرج1 إلى حنين مرّ بشجرة2 للمشركين يقال لها "ذات أنواط"3 يعلقون عليها أسلحتهم، قالوا4: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله"5 كما قال قوم موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، والذي نفسي

بيده لتركبن1 سنة من كان قبلكم" 2. والحديث أخرجه: النسائي، وأحمد، وابن أبي حاتم، والطبري، وأبو يعلى، والطبراني، وعبد الرزاق، والبيهقي، والواقدي، وابن إسحاق، كلهم من طريق الزهري، عن سنان بن أبي سنان الدؤلي به3. والحديث رجاله ثقات. وقال الترمذي بعد إخراجه: هذا حديث حسن صحيح. وفي الباب عن أبي سعيد4، وأبي هريرة.

وأورده الألباني، ثم قال: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، ثم نقل قول الترمذي فيه، وقال: وقواه ابن القيم في "إغاثة اللهفان" وعزاه في مكان آخر للبخاري في "صحيحه"، وهذا وهم منه - رحمه الله - فليس هو في "الصحيح" ولم يعزه النابلسي في "الذخائر" - للترمذي. وأورده ابن كثير في تفسيره من طريق ابن جرير وأحمد فقط، وكأنه ذهل من كونه في "الترمذي" أحد الستة، وإلا لما أبعد النجعة1. أهـ. قلت: وعزاه المزي في "تحفة الأشراف" للترمذي والنسائي في الكبرى دون البخاري2. والحديث يبين: أ- أن المجتمع الجاهلي وصل إلى الدرك الأسفل في فساد الاعتقاد والجهل بحقائق التوحيد والبعد عن المنهج السوي. ب- كما يدل على أن تعليق الأسلحة على ذات أنواط هذه مع أن ظاهره لا شيء فيه تابع للباعث عليه وهو الاعتقاد، ولذلك اعتبر هذا الفعل اتخاذ إله من دون الله كما أنكر عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: قلتم كما قالت بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إله كما لهم آلهة. جـ- فيه معجزة نبوية حيث أخبر - صلى الله عليه وسلم - بأن أمته ستتبع سنن الأمم الماضية، وقد وقع ما أخبر به - صلى الله عليه وسلم -، وما يشاهد في حياة المسلمين اليوم من انحراف وتقليد وتبعية في مختلف جوانب الحياة دليل ظاهر على هذه المعجزة.

د- فيه تحذير شديد من اتباع أهل الأهواء والزيغ من الأمم الماضية من اليهود والنصارى وغيرهم. هـ- وفيه أيضا بيان جهالة بني إسرائيل وغباوتهم وشدة تعنتهم فقد من الله عليهم فأخرجهم من تحت سيطرة فرعون وقومه وأغرق عدوهم في البحر وهم يشاهدون بأم أعينهم، وجعل لهم البحر أرضا صلبة فعبروا ولم يغرق منهم أحد، ثم بعد ذلك كان منهم ما قصه الله سبحانه وتعالى علينا فقال تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرائيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} ، [سورة الأعراف، الآية: 138] . قال ابن كثير: يخبر الله تعالى عمّا قاله جهلة بني إسرائيل لموسى عليه السلام حين جاوزا البحر وقد رأوا من آيات الله وعظيم سلطانه ما رأوا، فمروا على قوم يعكفون على أصنام لهم، قال بعض المفسرين: كانوا من الكنعانيين، وقيل: من لخم، وكانوا يعبدون أصناما على صور البقر، فقالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، قال إنكم قوم تجهلون. أي تجهلون عظمة الله وجلاله وما يجب أن ينزه عنه من الشريك والمثيل1. وقال الشوكاني: وصفهم بالجهل لأنهم قد شاهدوا من آيات الله ما يزجر من له أدنى علم عن طلب عبادة غير الله، ولكن بني إسرائيل أشد خلق الله عنادا وجهلا وتلونا2.

_ (ابن كثير: التفسير2/242-243وانظر: إغاثة اللهفان لابن قيم الجوزية1/205،211) . (فتح القدير 2/240) .

المبحث السابع: بيان من قال في هذه الغزوة (لن نغلب اليوم من قلة)

المبحث السابع: بيان من قال في هذه الغزوة "لن نغلب اليوم من قلة": اختلفت الآثار الواردة في هذا المقام في "القائل" يوم حنين: "لن نغلب اليوم من قلة". أ- فعند الواقدي أن قائل ذلك هو أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - وهذا سياقه: 52- قال: حدثني إسماعيل1 بن إبراهيم، عن موسى2 بن عقبة، عن الزهري3، عن سعيد بن المسيب، قال: قال أبو بكر الصديق - رضي الله - عنه: يا رسول الله، لا نغلب اليوم من قلة، فأنزل الله عز وجل في ذلك {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ} . [سورة التوبة، من الآية: 25] الآية4. والحديث منقطع، لأن سعيدا لم يدرك أبا بكر، وفيه الواقدي متروك5. ب- وعند البزار6 من طريق علي بن عاصم، ثنا سليمان7 التيمي، عن 53- أنس بن مالك قال: "قال غلام منا من الأنصار يوم حنين: لم نغلب اليوم من قلة، فما هو إلاّ أن لقينا عدونا فانهزم القوم ". الحديث8.

قال البزار: لا نعلم أحداً رواه بهذا اللفظ إلاّ سليمان التيمي عن أنس، ولا عن سليمان إلاّ علي بن عاصم، وعلي صدوق سيء الحفظ1. وقال الهيثمي: فيه علي بن عاصم بن صهيب، وهو ضعيف لكثرة غلطه وتماديه فيه، وقد وثق، وبقية رجاله ثقات2. وقال ابن حجر: وهذا المتن الذي رواه منكر، وفيه مخالفة في مواضع لما رواه الثقات3. وفي الفتح حسن منه القدر المتعلق بقتل دريد بن الصمة فقال: وروى البزار في مسند أنس بإسناد حسن ما يشعر بأن قاتل دريد بن الصمة هو: الزبير بن العوام4. وتبعه الزرقاني5. جـ- وعند البيهقي من طريق يونس بن بكير عن أبي جعفر عيسى الرازي، عن الربيع أن رجلا6 قال يوم حنين: لن نغلب اليوم من قلة، فشق ذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأنزل الله تعالى {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} ، [سورة التوبة، من الآية: 25] . الحديث7. د- وعند ابن إسحاق قال: وزعم بعض الناس أن رجلا من بني بكر قال ذلك8. هـ- وعنده أيضا قال: 54- حدثني بعض أهل مكة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال – حين فصل من مكة إلى حنين، ورأى كثرة من معه من جنود الله -: "لن نغلب اليوم من قلة" 9.

وهذا الحديث لولا وجوده في سيرة "ابن هشام" المتداولة بين الناس وخشية أن يغتر به بعض من لا دراية له بعلم الحديث لما أوردته، وذلك أن معرفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بربه وخشيته منه ومقامه الرفيع وتواضعه لله، كل ذلك يجعل المسلم يستبعد صدور هذا القول منه - صلى الله عليه وسلم - 1. مع أن هذا الحديث لم يثبت، فلا ينبغي لمسلم نسبته إليه - صلى الله عليه وسلم. وقد ورد عند الدارمي، وأحمد، والطبري، ما يبطل هذا الحديث ويبين كيف كان موقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، وهذا سياق الحديث عن الدارمي قال: 55- أخبرنا حجاج2 بن منهال، ثنا حماد3، عن ثابت4، عن عبد الرحمن5 بن أبي ليلى، عن صهيب6: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو أيام حنين: "اللهم بك أحاول7، وبك أصاول، وبك أقاتل" 8. ورواه أحمد والطبري والبيهقي كلهم من طريق حماد بن سلمة، ثنا ثابت به ولفظه: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أيام حنين يحرك شفتيه بعد صلاة الفجر بشيء لم نكن نراه يفعله، فقلنا يا رسول الله: إنا نراك تفعل شيئا لم تكن تفعله، فما هذا الذي تحرك

شفتيك؟ قال: إن نبيا فيمن كان قبلكم أعجبته كثرة أمته فقال: لن يروم1 هؤلاء شيء، فأوحى الله إليه أن خير أمتك في إحدى ثلاث: إما أن نسلط عليهم عدوا من غيرهم فيستبيحهم، أو الجوع، وإما أن أرسل عليهم الموت. فشاورهم فقالوا: أما العدو فلا طاقة لنا بهم، وأما الجوع فلا صبر لنا عليه، ولكن الموت، فأرسل عليهم الموت فمات منهم في ثلاثة أيام سبعون ألفا. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فأنا أقول الآن - حيث رأى كثرتهم -: "اللهم بك أحاول، وبك أصاول، وبك أقاتل". ورواه من طريق عفان، وعبد الرحمن2 بن مهدي، ثنا سليمان3 بن المغيرة قال: ثنا ثابت به. وليس فيه لفظ "حنين"4. ورواه الترمذي مطولا من طريق معمر عن ثابت، مشتملا على قصة أصحاب الأخدود دون لفظ "حين"5، ورواه مسلم من طريق ثابت بقصة أصحاب الأخدود فقط6.

والحديث صحيح، وهو يبين مدى صلة رسول الله - ى الله عليه وسلم - ربه وافتقاره إليه في جميع حركاته وسكناته، وأنه يستبعد منه أن يغتر بكثرة من معه، بل كان دأبه الخضوع والتواضع لله، والتوكل عليه في كل شؤونه، ومقام النبوة أعلى وأرفع من أن يتصور وقوع مثل هذا منه - صلى الله عليه وسلم - واستقراء سيرته - صلى الله عليه وسلم - وغزواته يدل على أن ما أصاب المسلمين من انكسار أمام أعدائهم كان مصدره مخالفة بعض أتباعه - صلى الله عليه وسلم - لأوامره وتوجيهاته العسكرية، كما حصل في غزوة أحد، وكما حصل في غزوة حنين، فإن الروايات صحت أنه صلى الله عليه وسلم وجه النصح والتنبيه للمسلمين أن لا يغتروا بكثرة عددهم كما في حديث أحمد. وكان صلى الله عليه وسلم يخشى أن يغتر المسلمون ويعجبوا بكثرتهم، فأراد أن يذكرهم بما حصل لمن قبلهم من الأمم من عقوبة بسبب الاغترار والإعجاب بالكثرة. وتأمل سياق الآية يرشد إلى أن الإعجاب بالكثرة لم يكن صادرا منه صلى الله عليه وسلم، فإن إسناد الإعجاب إلى المسلمين بصيغة الجمع، كما في قوله تعالى {إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} ، [سورة التوبة، من الآية: 25] ، ثم ترتيب الفرار والإدبار على هذا الإعجاب، كما في قوله تعالى {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} ، [سورة التوبة، من الآية: 25] ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يول مدبراً، بل كان ثابتاً ثبوتاً منقطع النظير، كما هو معروف، يدل على أن هذا الإعجاب صادر من بعض المسلمين، وهذا يشبه قوله تعالى – في شأن غزوة أحد -: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} ، [آل عمران، من الآية: 152] . والخلاصة إن هذه الآثار الواردة في تعيين القائل يوم حنين "لن نغلب اليوم من قلة" كلها ضعيفة مع ما حصل فيها من الاختلاف في تعيين القائل -كما أوضحت ذلك– ولكنها تتفق في شيء واحد وهو حصول هذا القول من أحد أفراد الجند الإسلامي، بغض النظر عن تسمية قائله وهي بمجموعها يؤيد بعضها بعضا ويزيدها قوة قوله تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [سورة التوبة، من الآية: 25] . فقد صرحت الآية بأن هناك إعجابا حصل من بعض المسلمين، وأنه ابتلوا بسبب هذا الإعجاب، وحصل ما نصت عليه الآية الكريمة.

56- وقال الزرقاني: وأخرجه الحاكم وصححه، وابن المنذر1، وابن مردويه2 من حديث أنس بن مالك قال: "لما اجتمع يوم حنين أهل مكة وأهل المدينة أعجبتهم كثرتهم، فقال القوم اليوم والله نقاتل حين اجتمعنا فكره - صلى الله عليه وسلم - ما قالوا وما أعجبهم من كثرتهم" 3. قلت: الحديث عند الحاكم وليس فيه "أعجبتهم كثرتهم". وهذا سياقه عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "التقى يوم حنين أهل مكة واهل المدينة، فاشتد القتال فولوا مدبرين، فندب4 رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأنصار فقال: يا معشر5 المسلمين أنا رسول الله، فقالوا: إليك والله جئنا، فنكسوا ثم قاتلوا حتى فتح الله عليهم" 6. ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

_ 1 هو: الحافظ العلامة الفقيه الأوحد أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، شيخ الحرم، وصاحب الكتب التي لم يصنف مثلها ككتاب المبسوط في الفقه، وكتاب الإشراف في اختلاف العلماء، وكتاب الإجماع، وغير ذلك، وكان غاية في معرفة الاختلاف والدليل وكان مجتهدا لا يقلد أحدا (ت 318) . (الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/782، وسير أعلام النبلاء 14/490) . 2 هو: الحافظ الثبت العلامة أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني، صاحب التفسير والتاريخ وغير ذلك (323-410) ، (الذهبي: تذكرة الحفاظ 3/1050) . (شرح المواهب اللدنية 3/9) . 4 فندب: أي دعاهم، فأجابوه. (النهاية لابن الأثير 5/34) . 5 المعشر: كمسكن: الجماعة وأهل الرجل. (القاموس المحيط للفيروز آبادي 2/90) . (المستدرك 3/48) .

الفصل الثالث: في وصف المعركة

الفصل الثالث: في وصف المعركة المبحث الأول: سبب هزيمة المسلمين في بداية المعركة ... المبحث الأول: سبب هزيمة المسلمين في بداية المعركة: إن انكشاف المسلمين وتوليهم أمام عدوّهم له عدة أسباب، منها: ما يعود إلى استعداد العدو العسكري، ودقة ممارسته للحروب والفروسية، وإحكام الخطة واختيار الموقع المناسب لهجومهم المباغت دون أن يشعر بهم المسلمون، مما أدى إلى تفوقهم وتقدمهم مبدئيا، وقد صرحت بذلك الأحاديث الصحيحة كما سنوضح ذلك. ومنها ما يعود إلى المسلمين أنفسهم، فقد صدر من بعض أفراد الجيش الإسلامي في هذه الغزوة أمور أدت إلى انكسار المسلمين وتقهقرهم أمام هوازن، كاغترار بعضهم بكثرتهم، وطلب البعض الآخر منهم ذات أنواط ينوطون بها أسلحتهم مضاهاة منهم للكفار الذين لهم ذات أنواط. وتهور1 البعض الآخر كذلكوخروجهم إلى هوازن دون أن يستكملوا وسائل القتال، وانكباب بعضهم على جمع الغنائم وحيازتها قبل أن يستسلم الكفار استسلاما كاملا. هذا مجمل الأسباب التي رجحت بها كفة العدو على كفة المسلمين في بداية المعركة. وسأحاول تحليل هذه الأسباب وإيضاحها مستنداً إلى الروايات الواردة في ذلك.

أولا: أسباب نجاح هوازن في بادئ الأمر: أ- كثرتهم الهائلة، فقد جندوا جنودا لم يواجه المسلمين مثلها في غزواتهم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، التي سبقت هذه الغزوة، وقد مر ذلك مفصلا1. ب- بث الحماسة والقوة المعنوية في نفوسهم والتزامهم بتوجيهات قائدهم، فعند الواقدي: أن مالك بن عوف قال لأصحابه: إن محمدا لم يقاتل قط قبل هذه المرة، وأنما كان يلقى قوما أغمارا لا علم لهم بالحرب فينصر عليهم، فإذا كان في السحر فصفوا مواشيكم ونساءكم وأبناءكم من ورائكم، ثم صفوا صفوفكم، ثم تكون الحملة منكم، واكسروا جفون سيوفكم فتلقونه بعشرين ألف سيف مكسورة الجفون، واحملوا حملة رجل واحد، واعلموا أن الغلبة لمن حمل أولا2. 57- وأخرج موسى بن عقبة في مغازيه عن الزهري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما فتح الله عليه مكة وأقر بها عينه، خرج إلى هوازن. الحديث. وفيه: "وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن أبي حدرد عينا، فبات فيهم فسمع مالك بن عوف يقول لأصحابه: إذا أصبحتم فاحملوا عليهم حملة رجل واحد واكسروا أغماد سيوفكم" 3. ج- سبقهم إلى وادي حنين وتحصنهم بين أشجاره ومضايقه وبث الكتائب التي تكمن في جميع نواحيه. وهذا ما صرح به حديث جابر بن عبد الله عند ابن إسحاق وغيره. وهذا سياقه عند ابن إسحاق قال: 58- حدثني عاصم4 بن عمرة بن قتادة، عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبيه جابر بن عبد الله قال: "لما استقبلنا وادي حنين انحدرنا في واد من أودية تهامة أجوف5

حطوط، إنما ننحدر فيه انحدارا، قال: وفي عماية من الصبح1، وكان القوم قد سبقونا2 إلى الوادي، فكمنوا لنا في شعابه3 وأحنائه4 ومضايقه، وقد أجمعوا وتهيئوا وأعدوا، فوالله ما راعنا ونحن منحطون إلا الكتائب5، قد شدوا علينا شدة رجل واحد، وانشمر6 الناس راجعين، لا يلوي أحد على أحد". الحديث7. ومن هذه الطريق أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبري وابن حبان والبيهقي8. وأورده الهيثمي، ثم قال: رواه أحمد وأبو يعلى وزاد: وصرخ حين كانت الهزيمة كلدة9 - وكان أخا صفوان بن أمية وصفوان يومئذ مشرك في المدة التي ضرب له

رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ألا بطل السحر اليوم، فقال له صفوان: اسكت فض1 الله فاك، فوالله لأن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن. ثم قال الهيثمي: ورواه البزار باختصار، وفيه ابن إسحاق وقد صرح بالسماع في رواية أبي يعلى، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح2. قلت: وقد صرح ابن إسحاق بالسماع أيضا عن ابن هشام وابن حبان والبيهقي. وقد صحح هذا الحديث الألباني3. وعند الواقدي: قال: ولما كان من الليل عمد مالك بن عوف إلى أصحابه فعبأهم في وادي حنين - وهو واد أجوف ذو شعاب ومضايق - وفرق الناس فيه، وأوعز4 إلى الناس أن يحملوا على محمد وأصحابه حملة واحدة. وعبأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه وصفهم صفوفا في السحر، ووضع الألوية والرايات في أهلها. ثم ذكر الألوية في قبائل العرب وحامليها: في المهاجرين والأنصار، وأسلم وبني غفار، وبني ضمرة وبني ليث، وبني كعب بن عمرو بن ربيعة بن خزاعة، وبني مزينة وجهينة وبني أشجع وسليم5. ثم قال: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قدم سليما من يوم خرج من مكة فجعلهم مقدمة الخيل، واستعمل خالد بن الوليد، فلم يزل على مقدمته حتى ورد الجعرانة، وانحدر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه، وقد مضت مقدمته وهو على تعبئة في وادي حنين،

فانحدر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انحدارا - وهو وادي حدور1 - وركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغلته البيضاء دلدل، ولبس درعين2 والمغفر والبيضة، واستقبل الصفوف وطاف عليها بعضها خلف بعض ينحدرون في الوادي، فحضهم على القتال وبشرهم بالفتح إن صدقوا وصبروا، فبينا هم على ذلك ينحدرون في غلس الصبح. فكان أنس بن مالك يحدث يقول: لما انتهينا إلى وادي حنين، وهو واد من أودية تهامة له مضايق وشعاب، فاستقبلنا من هوازن شيء، لا والله ما رأيت مثله في ذلك الزمان من السواد والكثرة! ... فلما تحدرنا في الوادي، فبينا نحن في غلس الصبح، إن شعرنا إلا بالكتائب قد خرجت علينا من مضيق الوادي وشعبه فحملوا حملة واحدة، فانكشف أول الخيل - خيل سليم – مولية فولوا، وتبعهم أهل مكة، وتبعهم الناس منهزمين، ما يلوون على شيء3. ? مهارة هوازن النادرة في إصابة الهدف بحيث لا يكاد يسقط لهم سهم. وقد صرح بذلك حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - عند البخاري ومسلم وغيرهما، وهذا سياقه عند البخاري: 59- حدثنا عمرو4 بن خالد، ثنا زهير، حدثنا أبو إسحاق قال: سمعت البراء وسأله رجل5: أكنتم فررتم يا أبا عمارة6 يوم حنين؟ قال: لا والله ما7 ولى

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكنه خرج شبان أصحابه وأخفاؤهم1 حسرا ليس2 بسلاح فأتوا قوما رماة جمع هوازن وبني نصر ما يكاد يسقط لهم سهم فرشقوهم رشقا ما يكادون يخطئون. الحديث3. وفي لفظ عند مسلم وابن أبي شيبة والطبري وأبي عوانة: "فقال البراء: أشهد على نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ما ولى، ولكنه انطلق أخفاء من الناس وحسر4 إلى هذا الحي من هوازن وهم قوم رماة فرموهم برشق5 من نبل كأنها رجل6 من جراد فانكشفوا". الحديث7. هذه بعض المرجحات التي كانت في جانب المشركين أدت إلى تفوقهم في أول الأمر. وخاصة خطبة مالك بن عوف فيهم، خطبته الحماسية التي كان لها أثرها الفعال ووقعها في نفوسهم، حيث أثار فيهم النخوة والشجاعة والبسالة، في قوله: "إن محمدا

لم بقاتل قط قبل هذه المرة، وإنما كان يلقى قوما أغمارا لاعلم لهم بالحرب فينصر عليهم". الأمر الذي جعل هوازن يستميتون في ساحة المعركة، يتساقطون واحدا تلو الآخر وهم مصممون على الانتصار. ثانيا: بيان الأسباب الداخلية لاندحار المسلمين في أول الأمر: أ- اغترار بعض المسلمين بكثرتهم، كما تقدم في حديث: "لن نغلب اليوم عن قلة" 1. وعند الواقدي: فلما فصل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة، قال رجل من أصحابه: "لو لقينا بني شيبان2 ما بالينا3 ولا يغلبنا اليوم أحد عن قلة"4. فكانت هذه المقالة بادرة سوء تألم منها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لأن فيها إعجاب بالعدد والكثرة وغفلة عن الله الذي لا يكون النصر للمسلمين إلاّ من عنده. {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} ، [آل عمران، من الآية: 126] . ب- عدم تمكن عقيدة التوحيد في بعض المسلمين كما في حديث أبي واقد الليثي في قول بعضهم: "يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط" 5. وكانت هذه الكلمة مؤلمة لسمع الرسول - صلى الله عليه وسلم - مما يدل على وجود حفنة من هذا الجيش لم يصلوا بعد إلى المستوى الإيماني المطلوب، لحداثة عهدهم بالإسلام. ?- الخفة والعجلة التي حصلت من بعض القوم وشبانهم، حيث خرجوا إلى هوازن قبل استكمال وسائل الحرب فلم يستطيعوا الوقوف أمام سهام المشركين ونبالهم، وهذا ما صرح به حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه -.

فعند البخاري وغيره عن البراء قال له رجل: يا أبا عمارة ولَّيْتُم يوم حنين؟ قال: لا. والله ما ولى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن ولى سرعان1 الناس، فلقيهم هوازن بالنبل. الحديث2. وفي لفظ: فقال البراء: "أما أنا فأشهد على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يول، ولكن عجل سرعان القوم، فرشقتهم هوازن". الحديث3. وفي لفظ قال البراء: "لا. والله، ما ولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكنه خرج شبان أصحابه وأخفاؤهم ليس عليهم سلاح أو كثير سلاح، فأتوا قوما رماة جمع هوازن وبني نصر، ما يكاد يسقط لهم سهم، فرشقتهم ما يكادون يخطئون" الحديث4. فهذا الحديث على اختلاف ألفاظه يدل على أن سرعان القوم وأخفاءهم عجلوا في مبارزة العدو قبل استكمال عدة الحرب فلم يستطيعوا الثبات أمام هجمة هوازن عليهم ففروا وفر الناس بعدهم. د- فرار الأعراب وعدم ثبوتهم أمام المشركين مما شجع العدو في مواصلة مطاردة المسلمين.

وهذا هو صريح حديث أنس بن مالك قال: "افتتحنا مكة، ثم إنا غزونا حنينا، فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت، قال: فصفت الخيل، ثم صفت المقاتلة، ثم صفت النساء من وراء ذلك، ثم صفت الغنم، ثم صفت النعم. قال: ونحن بشر كثير قد بلغنا ستة آلاف1، وعلى مجنبة2 خيلنا خالد ابن الوليد، قال: فجعلت خيلنا تلوي3 خلف ظهورنا، فلم نلبث أن انكشفت خيلنا وفرت الأعراب4 ومن نعلم من الناس" ... الحديث5. ?- انهزام الطلقاء: وهذا هو ما صرح به أنس بن مالك في حديثه عند مسلم وغيره، وهذا سياق مسلم: 60- حدثنا أبو بكر6 بن أبي شيبة، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس أن أم سليم7 اتخذت يوم حنين 8

خنجرا1، فكان معها، فرآها أبو طلحة2 فقال: يا رسول الله! هذه أم سليم معها خنجر3، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ما هذه الخنجر؟ " قالت: اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت4 به بطنه، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضحك، قالت: يا رسول الله! اقتل من بعدنا من الطلقاء5 انهزموا بك. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا أم سليم إن الله قد كفى وأحسن" 6. والحديث أخرجه ابن سعد، وأحمد، وإسحاق بن راهويه، وعبد بن حميد، وأبو يعلى، وأبو نعيم. الجميع من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت به7.

وأخرجه ابن أبي شيبة، وأحمد، كلاهما من طريق سليمان1 بن المغيرة، عن ثابت به2. وأخرجه مسلم، وأبو داود، وأحمد، وأبو داود الطيالسي، وابن أبي شيبة. الجميع من طريق حماد بن سلمة، أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك3. وأخرجه أحمد من طريق ابن أبي عدي4، عن حميد، عن أنس5. فهذا الحديث رواه هؤلاء الأئمة عن أنس منهم المختصر ومنهم المطول. 61- وأخرجه ابن إسحاق عن عبد الله6 بن أبي بكر مرسلاً بنحوه، وهذا سياقه قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التفت فرأى أم سليم بنت ملحان، وكانت مع زوجها أبي طلحة، وهي حازمة وسطها ببرد لها، وأنها لحامل بعبد الله بن أبي طلحة ومعها جمل أبي طلحة، وقد خشيت أن يعزها7 الجمل، فأدنت رأسه منها، فأدخلت يدها في خزامته8 مع الخطام، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أم سليم؟ .

قالت: نعم، بأبي أنت وأمي يا رسول الله، اقتل هؤلاء الذين ينهزمون عنك كما تقتل الذين يقاتلونك، فإنهم لذلك أهل. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أو يكفي الله يا أم سليم"؟ قال: ومعها خنجر، فقال لها أبو طلحة: ما هذا الخنجر معك يا أم سليم؟ قالت: خنجر أخذته، إن دنا مني أحد من المشركين، بعجته به. قال: يقول أبو طلحة: ألا تسمع يا رسول الله ما تقول أم سليم للغميصاء1. ومن طريقه أخرجه الطبري2. و انكباب المسلمين عل جمع الغنائم واشتغالهم بها، وذلك أن المسلمين حملوا على الكفار فلاذوا بالفرار تاركين أموالهم وعتادهم، فظن المسلمون أن الكفار انهزموا إلى غير رجعة، فأقبلوا على جمع الغنائم وحيازتها، فانتهز المشركون غفلة المسلمين فانهالوا عليهم من كل صوب يضربون ويطعنون، فانكشف المسلمون أمام المشركين لا يلوي أحد منهم على أحد، والكفار في آثارهم يطاردونهم. وهذا ما صرح به البراء بن عازب - رضي الله عنه - في حديثه عند البخاري ومسلم وغيرهما، وهذا سياق البخاري: عن أبي إسحاق سمع البراء وسأله رجل من قيس: "أفررتم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين؟ فقال: لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفر، كانت هوازن رماة3، وإنا لما حملنا

عليهم انكشفوا، فأكببنا على الغنائم فاستقبلنا بالسهام ... " الحديث1. ومن خلال هذه الألفاظ الواردة في حديث البراء نرى كيف وصل الحال بالمسلمين عندما ذهبوا يتسابقون إلى حطام الدنيا الفانية مما جعلهم يفقدون توازنهم، ويتركون مواقعهم عندما هاجمتهم هوازن في حال انشغالهم بجمع الغنائم، فكانت كارثة عظيمة، تخلى المسلمون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلاّ القليل منهم. ز- إن ما حصل للمسلمين في غزوة حنين من انكسار أمام الأعداء، كان مصدره أمر الله وقدره، وذلك ليطأطئ رؤوس أقوام رفعها الإعجاب بكثرتهم وقدرتهم القتالية، فأدبهم الرب عز وجل ليعلمهم أن النصر من عنده سبحانه وتعالى، وأن كثرتهم وجموعهم لا تجدي عنهم شيئا. وهذا ما تضمنه حديث أبي قتادة2 - رضي الله عنه - عند البخاري وغيره. وهذا سياق البخاري: 62- حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن يحيى3 بن سعيد، عن ابن أفلح4، عن أبي5 محمد مولى أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: "خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

يوم حنين1، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة2، فرأيت رجلا من المشركين علا3

رجلا من المسلمين، فاستدرت حتى أتيته من ورائه حتى ضربته بالسيف على حبل1 عاتقه، فأقبل علي فضمني2 ضمة وجدت منها ريح الموت، ثم أدركه الموت فأرسلني، فلحقت عمر3 بن الخطاب فقلت4 ما بال الناس؟ قال: "أمر5 الله". الحديث6. والحديث أخرجه أيضا مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة، ومالك، والشافعي، وعبد الرزاق، والحميدي، وأحمد، وابن الجارود، والطحاوي، وأبو عوانة، والبيهقي، والحازمي7. الجميع من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمر بن كثير بن أفلح به.

منهم من ساقه بتمامه ومن هم من اقتصر على جزء منه. وقد اتفقت جميع الطرق على ان أبا قتادة راوي الحديث هو الذي سأل عمر بن الخطاب عن سبب انهزام المسلمين، ماعدا مسلما والحازمي فإن الأمر عندهما بالعكس. والحديث أخرجه كذلك ابن إسحاق من طريقين: قال في الأولى: حدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدث عن أبي قتادة. وفي الثانية: حدثني من لا أتهم من أصحابنا عن نافع مولى بني غفار أبي محمد عن أبي قتادة، ثم ساق الحديث1. ومن طريقه أخرجه أحمد2، وسمى المبهم في الطريق الثانية "يحيى بن سعيد" الذي مدار حديث الباب عليه، غير أن كون يحيى بن سعيد يروي عن نافع مباشرة فيه نظر، وذلك لأن جميع طرق الحديث التي وقفت عليها أنه يروي عنه بواسطة "عمر بن كثير بن أفلح" ولم أجد مَنْ نصّ مِن العلماء أن نافعاً من شيوخ يحيى، فالظاهر أن في سند ابن إسحاق انقطاعا، وقد عرف الواسطة من طرق أخرى، وهو: "عمر بن كثير". هذه معظم الأسباب التي عثرت عليها في سبب تخلي المسلمين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منسحبين أمام هوازن إلاّ قلة ممّن ثبت معه - صلى الله عليه وسلم -. وإذا أمعنا النظر نجد أن الذين بدأوا بالفرار هم أحداث الأسنان والأعراب والطلقاء، وهؤلاء ليسوا من كبار الصحابة وأهل القدم الراسخ في الإسلام. ثم صادف ذلك انشغال بعض المسلمين بجمع الغنائم كما في بعض الروايات الصحيحة.

هذا هو الذي استخلصته في بيان أسباب انكشاف المسلمين في بداية المعركة، معتمدا على المرويات الواردة في ذلك، ولكن الأمر لم يدم طويلا في تلك المعركة لصالح المشركين، بل نصر الله جنده في نهاية الأمر، كما سيتبين ذلك من خلال دراستنا لهذه الغزوة. وفي ختام هذا المبحث أحب أن أشير إلى أن من سنن الله الكونية التي لا تتخلف أن الله سبحانه وتعالى، جعل للنصر والظفر على الأعداء أسبابا، كما جعل للهزيمة والانحدار أسبابا، فمن أخذ بأسباب النصر جاءه النصر بإذن الله، ومن تخلى عنها أو عن بعضها جاءته الهزيمة والانتكاس. والعبرة التي يجب تقريرها والتأكيد عليها في هذا المبحث أيضا أن الجيش الإسلامي الذي يكون قائده رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إذا حصل منه تقصير في جنب الله، فإنه يعاقب بالهزيمة ولا يخرج عن سنة الله في ذلك، فلا ينتصر وهو غير مستوجب لشروط النصر وأسبابه. فوقوع مثل هذا في جيوش المسلمين المقصرين في حق الله عليهم، والذين قوادهم من البشر العاديين أولى وأحرى، وإنه لدرس عظيم تقدمه لنا سيرة سلفنا الصالح وحياة ذلك الرعيل الأول، الذين عاش بين ظهرانيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والوحي ينزل عليه، وقد أذاقهم الله حلاوة النصر من عنده إذا صبروا وصدقوا واستكملوا عناصر النصر المادية والمعنوية، ولم يغفلوا عن الله. كما أذاقهم مرارة الهزيمة، إذا هم غفلوا عن الله وتنازعوا وركنوا إلى الدنيا وبيّن لهم أن ذلك الانهزام ما جاءهم إلا من عند أنفسهم إما إعجابا بكثرتهم أو بإقبالهم على حطام الدنيا، أو بغير ذلك من الأسباب. وفي ذلك ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. وممّا يحسن الإشارة إليه هنا – أيضا – أن المسلمين في غزوة حنين كانوا اثني عشر ألفا أو يزيدون1، وقد حصل لهم ما بيّناه في هذا المبحث من إدبارهم على رغم هذا العدد الكبير الذي لم يتوافر مثله في غزواتهم السابقة، وقد يتوهم متوهم أن هذا يعارض ما رواه أبو داود وغيره من حديث عبد الله بن عباس الوارد فيه:

63- "ولن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة" 1. وفي لفظ عند أحمد: "لن يغلب قوم عن قلة يبلغون أن يكونوا اثني عشر ألفا". وعند الدارمي: "وما بلغ اثنا عشر ألفا فصبروا وصدقوا فغلبوا من قلة". وعند أبي يعلى: "وما هزم قوم بلغوا اثني عشر ألفا من قلة إذا صدقوا وصبروا". وعند الواقدي: "ولا تغلب اثنا عشر ألفا من قلة كلمتهم واحدة" 2. ذلك أن هذا الحديث مقيد بقيدين وهما: "الصبر، والصدق". فإذا بلغ الجيش هذا العدد لا يغلب من قلة، إذا صبروا وصدقوا، بل ربما يكون عددهم أقل من هذا ويكون النصر حليفهم بالصبر والصدق، وإنما يغلبون لأمر آخر كالإعجاب بالكثرة وبما زين لهم الشيطان من أنفسهم من قدرتهم على الحرب وشجاعتهم وقوتهم ونحو ذلك. والحاصل أن انتصار المسلمين مرتبط بأسباب وموانع، فإذا توفرت الأسباب وانتفت الموانع حصل النصر بإذن الله قل العدد أو كثر، كما قال تعالى: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} ،3. على أنه قد يقال بعدم التعارض مطلقا بين ما وقع في حنين، وما يتضمنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة" ذلك أن ما وقع في حنين ليس هزيمة كسر فيها المسلمون ولم يقم لهم بعدها قائمة في هذه المعركة، وإنما الذي حدث هو إدبار في بادئ المعركة، أعقبه بعد ذلك انتصار عظيم على الكفار، وغنيمة لما معهم، فمثل هذه الحال لا يقال فيها إنها هزيمة نهائية، وعليه فلا تعارض، وهذا أظهر واوجه. والله أعلم. وحديث "لن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة" أخرجه أبو داود، والترمذي، وأحمد، وعبد بن حميد، وابن خزيمة، والطحاوي، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي، كلهم

من طريق جرير1 بن حازم، عن يونس2 بن يزيد الأيلي، عن الزهري3، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - 4. وأخرجه الترمذي، وأحمد وأبو يعلى، والطحاوي، كلهم من طريق حبان5 بن علي العنزي، عن عقيل6 بن خالد، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن النبي-صلى الله عليه وسلم-7. ورواه الدارمي من طريق حبان بن علي العنزي، عن يونس بن يزيد، وعقيل، عن ابن شهاب الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - 8. والحديث قال فيه أبو داود: والصحيح أنه مرسل9.

وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا يسنده كبير أحد غير جرير بن حازم، وإنما روي هذا الحديث عن الزهري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا. وقد رواه حبان بن علي العنزي، عن عقيل، عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ورواه الليث بن سعد1، عن عقيل، عن الزهري، عن النبي - صلى الله عليه مسلم -2. إهـ وهكذا أعله بالإرسال أيضا أبو حاتم، والطحاوي، والبيهقي3. والخلاصة: أن هذا الحديث تفرد بوصله جرير بن حازم، وهو ثقة. والزيادة من الثقة مقبولة، كما هو مقرر في علم المصطلح4. وقد قال الحاكم: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه لخلاف بين الناقلين عن الزهري5. وسكت عنه الذهبي. وقال ابن القطان6: هذا ليس بعلة، فالأقرب صحته7. وقال البيهقي - بعد سياق الحديث -: "قال أبو داود: أسنده جرير بن حازم وهو خطأ".

فتعقبه ابن التركماني بقوله: "هذا ممنوع، لأن جريرا ثقة، وقد زاد الإسناد فيقبل قوله"1. وصححه أيضا السيوطي2. وقال الألباني: "جرير بن حازم ثقة احتج به الشيخان، وقد وصله، وهي زيادة يجب قبولها، ولا يضره رواية من قصر به على الزهري"، ولذلك قال ابن القطان: هذا ليس بعلة فالأقرب الصحة. وقد تابعه حبان بن علي العنزي على وصله، كما ذكر الترمذي. ثم ذكر من وصل الحديث من طريق حبان بن علي، ثم قال: ورجال الحديث كلهم ثقات رجال البخاري، غير حبان بن علي وهو ضعيف، لكنه لم يترك كما قال الذهبي3. فمثله يستشهد به4.

_ (الجوهر النقي 9/156 مع السنن الكبرى للبيهقي) . (الجامع الصغير 3/474 مع فيض القدير) . (انظر: ميزان الاعتدال 1/449) . 4 الألباني: (سلسلة الأحاديث الصحيحة 2/719 حديث (986) ، وصحيح الجامع الصغير 3/121- 122 حديث (3273) .

المبحث الثاني: مواقف مريبة إثر انكشاف المسلمين في بادئ الأمر

المبحث الثاني: مواقف مريبة إثر انكشاف المسلمين في بادئ الأمر: لما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حنين لمنازلة هوازن وجموعها، خرج معه كثير من أهل مكة وهم أوزاع منهم الطلقاء، ومنهم المقيم على كفره1، ومنهم المسلم الذي حسن إسلامه، ومنهم ضعيف الإيمان. وكان خروج الأغلبية منهم يرجون الغنائم وينظرون لمن تكون الغلبة، ولا يكرهون أن تكون الهزيمة للمسلمين.

قال ابن كثير قال ابن لهيعة1، عن أبي الأسود2، عن عروة3. وذكر موسى بن عقبة في "مغازيه" عن الزهري، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما فتح الله عليه مكة وأقر بها عينه، خرج إلى هوازن معه أهل مكة لم يغادر منهم أحداً ركباناً ومشاة حتى خرج النساء يمشين على غير دين نظارا ينظرون ويرجون الغنائم ولا يكرهون مع ذلك أن تكون الصدمة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه. قالوا: وكان معه أبو سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وكانت امرأته مسلمة وهو مشرك لم يفرق بينهما، قالوا: وكان رئيس المشركين يومئذ مالك بن عوف النصري ومعه دريد بن الصمة يرعش من الكبر، ومعه النساء والذراري والنعم، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن أبي حدرد عينا فبات فيهم فسمع مالك بن عوف يقول لأصحابه: "إذا أصبحتم فاحملوا عليهم حملة رجل واحد واكسروا أغماد سيوفكم واجعلوا مواشيكم صفا ونساءكم صفا". لما أصبحوا اعتزل أبو سفيان وصفوان وحكيم بن حزام وراءهم ينظرون لمن تكون الدائرة4. قالوا: ومر رجل من قريش بصفوان بن أمية فقال: أبشر بهزيمة محمد وأصحابه، فوالله لا يجتبرونها أبدا، فقال له صفوان: تبشرني بظهور الأعراب، فوالله لرب من قريش أحب إلي من رب من الأعراب5، وغضب صفوان لذلك، قال

عروة: وبعث صفوان غلاماً له فقال: اسمع لمن الشعار؟ فجاءه فقال: سمعتهم يقولون: "يا بني عبد الرحمن، يا بني عبد الله، يا بني عبيد الله، فقال: ظهر محمد وكان ذلك شعارهم في الحرب" ... الحديث1. والحديث أخرجه البيهقي في دلائل عن عروة وموسى بن عقبة ولم يذكر الزهري2. وفي السند إلى عروة أبو علاثة محمد بن عمرو بن خالد لم أجد له ترجمة. والحديث في كلا الإسنادين مرسل، لأن عروة بن الزبير من الثانية وموسى بن عقبة من الخامسة3. 64- وعند ابن إسحاق: فلما انهزم الناس، ورأى من كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جفاة أهل مكة الهزيمة، تكلم رجال منهم بما في أنفسهم من الضغن4، فقال أبو سفيان بن حرب: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر، وإن الأزلام5 لمعه في كنانته، وصرخ جبلة6 بن الحنبل - وهو مع أخيه صفوان بن أمية مشرك في المدة التي جعل له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ألا بطل السحر اليوم، فقال صفوان: اسكت فض الله فاك، فوالله لأن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن7.

ذكر هذا ابن إسحاق بدون إسناد، ومن طريقه أخرجه الطبري، لكن الجزء الأخير منه - وهو قول جبلة: "بطل السحر اليوم" - وجواب صفوان له ثابت عند أبي يعلى من حديث جابر بن عبد الله، وهذا نصه: حدثنا جعفر1، ثنا عبد2 الأعلى، عن محمد بن إسحاق قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبيه جابر قال: كان أمام هوازن رجل جسيم3 على جمل أحمر في يده راية4 سوداء إذا أدرك طعن بها وإذا فاته شيء من بين يديه رفعها لمن خلفه، فعمد5 له علي بن أبي طالب ورجل من الأنصار كلاهما يريده، قال: فضربه علي على عرقوبي الجمل فوقع على عجزه، قال: وضرب الأنصاري ساقه، قال: فطرح قدمه بنصف ساقه فوقع، واقتتل الناس. وصرخ - حين كانت الهزيمة - كلدة وكان أخا صفوان6 بن أمية وكان صفوان يومئذ مشركا، في المدة التي ضرب له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ألا بطل السحر اليوم7. فقال له صفوان: اسكت فض الله فاك، فوالله لأن يربني رجل من قريش

أحب إلى من أن يربني رجل من هوازن"1. ومن هذا الطريق أخرجه ابن حبان2. والحديث فيه: جعفر بن مهران السباك، وثقه ابن حبان وهو متساهل في التوثيق، وقال الذهبي: موثق وله ما ينكر. ولكن أصل الحديث ثابت عند أحمد وابن هشام والطبري والبيهقي من غير طريق جعفر بن مهران3. 65- وروى الواقدي عن قتادة قال: مضى سرعان المنهزمين إلى مكة يخبرون أهلها بالهزيمة، فسر بذلك قوم من أهلها وأظهروا الشماتة وقال قائلهم:"ترجع العرب إلى دين آبائها، وقد قتل محمدوتفرق أصحابه". فقال عتاب بن أسيد: إن قتل محمد فإن دين الله قائم، والذي يعبده محمد حي لا يموت، فما أمسوا حتى جاءهم الخبر بنصره صلى الله عليه وسلم، فسر عتاب ومعاذ بن جبل، وكبت الله من كان يسر خلاف ذلك4. 66- وأخرج الطبراني والبيهقي كلاهما من طريق أيوب5 بن جابر، عن صدقة بن سعد، عن مصعب بن شيبة، عن أبيه6 قال: خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، والله ما أخرجني إسلام ولا معرفة به، ولكن أبيت أن تظهر هوازن على

قريش فقلت وأنا واقف معه: يا رسول الله إني أرى خيلا بلقا، فقال: "يا شيبة إنه لا يراها إلا كافر"1 فضرب بيده في صدري ثم قال: "اللهم اهد شيبة"، ثم ضربها الثانية فقال: "اللهم اهد شيبة"، ثم ضربها الثالثة ثم قال: "اللهم اهد شيبة". قال: فوالله ما رفع يده عن صدري في الثالثة حتى ما كان أحد من خلق الله أحب إلي منه:. الحديث2. والحديث ضعيف، لأن فيه: أ - أيوب بن جابر3. ب - صدقة بن سعيد4. ? - مصعب بن شيبة5. وأورده الهيثمي ثم قال: رواه الطبراني وفيه أيوب بن جابر وهو ضعيف6. 67- وروى الطبراني، والبيهقي – أيضا – كلاهما من طريق عبد الله7 بن المبارك، عن أبي بكر الهذلي8، عن عكرمة9 مولى ابن عباس، عن شيبة بن عثمان

قال: لما رأيت رسول الله يوم حنين قد عرى1، ذكرت أبي وعمي وقتل علي وحمزة إياهما2، فقلت: اليوم أدرك ثأري من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فذهبت لأجيئه عن يمينه فإذا بالعباس بن عبد المطلب قائم عليه بين درع بيضاء كأنها فضة ينكشف عنها العجاج3، فقلت: عمه ولن يخذله، قال: ثم جئته عن يساره فإذا بأبي سفيان4 بن الحارث بن عبد المطلب، فقلت: ابن عمه ولن يخذله، قال: ثم جئته من خلفه فلم يبق إلا أن أساوره5 سورة بالسيف إذ رفع شواظ6 من نار بيني وبينه كأنه برق فخفت أن يمحشني7، فوضعت يدي على بصري ومشيت القهقرى8، فالتفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: "يا شيبة9 ادن مني، اللهم أذهب عنه الشيطان". قال: فرفعت إليه بصري ولهو أحب إلي من سمعي وبصري، فقال: "يا شيبة قاتل الكفار". الحديث10. والحديث أورده الهيثمي ثم قال: رواه الطبراني وفيه أبو بكر الهذلي وهو ضعيف11. وقال ابن حجر: متروك الحديث12.

وأخرج البلاذري نحوه من طريق الوليد بن مسلم، ثنا يحيى1 بن عبد العزيز. 68- عن عبد الله2 بن نعيم الأردني، عن الضحاك3 بن عبد الرحمن الأشعري قال: لما هزم الله هوازن يوم حنين عقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي عامر علي خيل الطلب. الحديث. وفيه: "وكان شيبة بن عثمان العبدري شديدا على المسلمين وكان ممن أومن فسار إلى هوازن طمعا في أن يصيب من النبي - صلى الله عليه وسلم - غرة، قال: فدنوت منه فإذا أهله محيطون به، ورآني فقال: "يا شيب إليّ، فدنوت منه، فمسح صدري، ودعا لي" فأذهب الله كل غل كان فيه وملأه إيمانا وصار أحب الناس إليّ4. والحديث ضعيف لأن فيه يحيى بن عبد العزيز، وعبد الله بن نعيم، وفيه أيضا الإرسال، لأن الضحاك بن عبد الرحمن لم يدرك هذه القصة. وأخرج ابن سعد من طريق الواقدي نحو ما تقدم ولفظه: 69- كان شيبة بن عثمان رجلا صالحا له فضل وكان يحدث الناس عن إسلامه وما أراد الله به من الخير ويقول: "ما رأيت أعجب ممّا كنا فيه من لزوم ما مضى عليه آباؤنا من الضلالات، ثم يقول: لما كان عام الفتح ودخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة عنوة فقلت: أسير مع قريش إلى هوازن بحنين فعسى إن اختلطوا أن أصيب من محمد غرة فأثأر منه فأكون أنا الذي قمت بثأر قريش كلها، وأقول: لو لم يبق من العرب والعجم أحد إلا اتبع محمدا ما تبعته أبدا". الحديث وهو مطول5.

والحديث فيه الواقدي، وهو متروك الحديث1. وعند ابن إسحاق بدون إسناد قال: وقال شيبة بن عثمان بن أبي طلحة أخو بني عبد الدار، قلت: اليوم أدرك ثأري من محمد - وكان أبوه قتل يوم أحد – اليوم أقتل محمدا، قال: فأدرت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأقتله، فأقبل شيء حتى تغشى فؤادي، فلم أطق ذاك، وعلمت أنه ممنوع مني2. ومن طريقه أخرجه الطبري والبيهقي3. والخلاصة: أن الأحاديث الواردة في سبب إسلام شيبة بن عثمان كلها ضعيفة، ولذا قال ابن السكن4: في إسناد قصة إسلامه نظر5. ولكن هذه الروايات على ضعف أكثرها تدل على محاولات شيبة للقضاء على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخذ الثأر منه، كما أن تلك الأقوال الحاقدة التي أطلقها بعض أهل مكة كانت بمثابة التشفي من المسلمين، والرغبة في اندحار الحق. وتلتقي هذه الأقوال وتلك المحاولات من شيبة وغيره في إطار واحد يمثل ضيق نفوس هؤلاء بالإسلام، وحبهم للعهد الجاهلي وبقائه، ولكن أبى الله إلا أن يتم نوره، وينصر نبيه - صلى الله عليه وسلم -، ولله الحمد والمنة.

_ (انظر: ابن حجر: التقريب 2/194) . 2 ابن هشام: (السيرة النبوية 2/443- 444) . (تاريخ الرسل والملوك 3/74- 75، ودلائل النبوة 3/43- 44ب) . 4 هو: الحافظ الحجة أبو علي سعيد بن عثمان، تقدم. (ابن حجر: الإصابة 2/161) .

المبحث الثالث: عدد الثابتين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين

المبحث الثالث: عدد الثابتين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين: مر بنا أن مالك بن عوف سبق إلى وادي حنين وفرق جيوشه في منعطفاته ومضايقه واستعدوا وتأهبوا وأحكموا خطتهم1. وكان المسلمون لا يعلمون بذلك، وبينما هم ينحدرون في الوادي إذ انهالت عليهم هوازن بوابل من النبال والسهام، فانكشفت مقدمة المسلمين، وتبعها بقية

الجيش الإسلامي، ولم يبق مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا قلة من المسلمين، وهذا ما نريد الحديث عنه في هذا المبحث. على أنه قد اختلفت الروايات في عدد الذين ثبتوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهي كالآتي: أ- ورد في حديث أنس بن مالك عند البخاري ومسلم وغيرهما قال: "لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان وغيرهم بنعمهم وذراريهم، ومع النبي - صلى الله عليه وسلم - عشرة آلاف ومعه الطلقاء، فأدبروا عنه حتى بقي وحده" الحديث1. قال ابن حجر: ويجمع بين قوله "حتى بقي وحده" وبين الأخبار الدالة على أنه بقي جماعة، بأن المراد: بقي وحده متقدما مقبلا على العدو، والذين ثبتوا معه كانوا وراءه، أو وحدة بالنسبة لمباشرة القتال، وأبو سفيان ابن الحارث وغيره كانوا يخدمونه في إمساك البغلة ونحو ذلك2. ب- وأخرج ابن أبي شيبة والبزار من حديث بريدة بن الحصيب أن الناس تفرقوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبق معه إلا رجل واحد يقال له زيد. وهذا سياق الحديث عند البزار: 70- حدثنا معمر3 بن سهل، وصفوان4 بن المغلس قالا: ثنا عبيد5 بن

موسى، ثنا يوسف1 بن صهيب، عن عبد الله2 بن بريدة، عن أبيه3 قال: "تفرق الناس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، فلم يبق إلا رجل يقال له زيد4، وهو آخذ بعنان5 بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشهباء6، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

"ويحك1 ادع الناس"، فنادى زيد: يا أيها الناس! هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعوكم، فلم يجئ أحد، فقال: ويحك خص الأوس والخزرج، فنادى: يا معشر الأوس والخزرج! هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعوكم، فلم يجئ أحد، فقال: ويحك خص المهاجرين فإن لي في أعناقهم بيعة، قال: فحدثني بريدة أنه أقبل منهم ألف قد طرحوا الجفون حتى أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمشوا قدما حتى فتح الله عليهم". قال البزار: لا نعلم رواه إلا بريدة، ولا رواه عن عبد الله إلا يوسف بن صهيب، وهو كوفي مشهور. وقال الهيثمي وابن حجر: "رجاله ثقات"2. ونسبه ابن كثير ليونس بن بكير فقال: وروى يونس بن بكير في مغازيه عن يوسف بن صهيب، عن3 عبد الله: أنه لم يبق مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين إلا رجل واحد اسمه زيد4. ?- وعند أبي يعلى والطبراني من حديث أنس بن مالك: أنه لم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا العباس بن عبد المطلب وأبو سفيان بن الحارث، وهذا سياقه عند أبي يعلى قال:

71- حدثنا محمد1 بن أبي بكر، ثنا عمرو2 بن عاصم، ثنا أبو العوام، عن معمر3، عن الزهري4، عن أنس قال: "لما كان يوم حنين انهزم الناس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلاّ العباس بن عبد المطلب وأبو سفيان بن الحارث". الحديث5. قال الهيثمي: "رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط ورجالهما رجال الصحيح، غير عمران بن دوار6 وهو أبو العوام، وثقه ابن حبان وغيره، وضعفه ابن معين وغيره". قلت: يشهد له حديث العباس، فقد أخرج الحاكم من طريق ابن أبي عمر7: 72- ثنا سفيان8، عن الزهري، عن كثير9 بن عباس بن عبد المطلب عن أبيه10 قال: "شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، فلقد رأيته وما معه إلا أنا وأبو

سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وهو آخذ بلجام بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو راكبها وأبو سفيان لا يألو أن يسرع نحو المشركين" 1 ثم قال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وسكت عنه الذهبي. د- وعند ابن ابي شيبة من مرسل الحكم2 بن عتيبة قال: 73- لما فر الناس يوم حنين جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أنا النبي لا كذب ... أنا بن عبد المطلب فلم يبق معه إلا أربعة نفر، ثلاثة من بني هاشم، ورجل من غيرهم، علي، والعباس بين يديه، أبو سفيان بن الحارث آخذ بالعنان، وابن مسعود من الجانب الأيسر، قال: وليس يقبل نحوه أحد إلا قتل3" 4. ?- وفي حديث جابر بن عبد الله عند ابن إسحاق ما يدل على أنه بقي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة، وهذا سياقه: قال: لما استقبلنا وادي حنين انحدرنا في واد من أودية تهامة أجوف خطوط إنما ننحدر فيه انحدارا – قال: وفي عماية الصبح، وكان القوم قد سبقونا إلى الوادي، فكمنوا لنا في شعابه وأحنائه ومضايقه، وقد أجمعوا وتهيئوا وأعدوا، فوالله ما راعنا ونحن منحطون إلا الكتائب قد شدّوا علينا شدة رجل واحد، وانشمر الناس راجعين، لا يلوي أحد على أحد، وانحاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات اليمين، ثم قال: أين أيها5 الناس؟ هلموا إليّ، أنا رسول الله أنا محمد بن عبد الله، قال: فلا شيء، حملت الإبل بعضها على بعض فانطلق الناس، إلا أنه قد بقي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفر6 من المهاجرين والأنصار وأهل بيته.

وفيمن ثبت معه من المهاجرين: أبو بكر، وعمر. ومن أهل بيته: علي بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب، وأبو سفيان بن الحارث وابنه1، والفضل بن العباس، وربيعة بن الحارث، وأسامة بن زيد، وأيمن بن عبيد. الحديث2. والحديث رواه أحمد والطبري والبيهقي: الجميع من طريق ابن إسحاق، ولم يذكروا "ابن أبي سفيان:". و وعند أحمد والبزار والطبراني والحاكم من حديث عبد الله بن مسعود أن الذين ثبتوا يوم حنين كانوا ثمانين، وهذا سياقه عند أحمد قال: 74- ثنا عفان3، ثنا عبد الواحد4 بن زياد، ثنا الحارث5 بن حصيرة، ثنا القاسم6 بن عبد الرحمن، عن أبيه7 قال: قال عبد الله بن مسعود: كنت مع رسول

الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، قال: فولى1 عنه الناس وثبت معه ثمانون رجلا من المهاجرين والأنصار فنكصنا2 على أقدامنا نحوا من ثمانين قدما ولم نولهم الدبر، وهم الذين أنزل الله عز وجل عليهم السكينة3، قال: ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته يمضي قدما فحادت4 به فمال عن السرج فقلت له: "ارتفع رفعك الله" الحديث5. والحديث رواه البزار والطبراني والحاكم: كلهم من طريق عفان ابن مسلم به6. وأورده الهيثمي ثم قال: رواه أحمد والبزار والطبراني، ورجال أحمد رجال الصحيح غير الحارث بن حصيرة وهو ثقة7. وقال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه". وتعقبه الذهبي بقوله: "قلت: الحارث وعبد الواحد ذوا مناكير، وهذا منها، ثم فيه إرسال". والحديث أعله الذهبي بأنه من مناكير عبد الواحد8 والحارث، وبالإرسال. وعبد الواحد الذي يقول فيه الذهبي إنه صاحب مناكير، قد وثقه أئمة هذا الشأن حيث نقل توثيقه عن يحيى بن معين، وأبي زرعة9، وأبي حاتم10، وابن

سعد1، والنسائي، وأبي داود، والعجلي2، والدارقطني، وابن حبان. وقال ابن عبد البر: "لا خلاف بينهم أنه ثقة ثبت". وقال ابن القطان الفاسي3: "ثقة لم يعتل عليه بقادح، ولكن أشار يحيى"4 القطان إلى لينه، فروى ابن المديني عنه أنه قال: ما رأيته طلب حديثا قط وكنت أذاكره بحديث الأعمش فلا يعرف منه حرفا. قال ابن حجر: "وهذا غير قادح لأنه كان صاحب كتاب، وقد احتج به الجماعة"5. قلت: والذهبي نفسه أورد قول يحيى بن القطان في "سير أعلام النبلاء" وعقب عليه بقوله: قلت: قد كان عبد الواحد من علماء الحديث، وحديثه مخرج في الصحاح6. وفي "تذكرة الحفاظ" قال عنه: عبد الواحد بن زياد الإمام الفقيه.. وثقه أحمد وغيره، وأما ابن حبان فقال: ليس بشيء، ثم عقب على هذا بقوله: قلت: كان عالما صاحب حديث وله أوهام ولكن حديثه محتج به في الكتب. ا?7. قلت: وأكثر ما نقموا عليه حديثه عن الأعمش، وحديث الباب ليس من حديثه عن الأعمش. فعلى هذا فقول الذهبي بأن عبد الواحد صاحب مناكير وأن هذا الحديث منها فيه نظر.

وأما الحارث فوثقه قوم وضعفه آخرون ورمي بالتشيع. وحديث الباب ليس فيه ما يدعو على التشيع. وقد توسط فيه ابن حجر فقال: "صدوق يخطئ ورمي بالرفض". وأما الإرسال1: فقد اختلف العلماء في سماع عبد الرحمن من أبيه، فمنهم من نفاه مطلقا، ومنهم من أثبته مطلقا، ومنهم من قال: سمع حديثا، ومنهم من قال: سمع حديثين، وقال ابن حجر: "سمع من أبيه لكن شيئا يسيراً". وذلك لأن عبد الرحمن عند وفاة أبيه كان عمره ست سنوات وهو وقت يمكن أن يسمع فيه بعض الأحاديث، ويصعب الجزم بأن حديث الباب من المسموع لأنهم لم ينصوا على ذلك، وإذا كان الحديث مرسلا فيكون ضعيفا لكن يشهد له حديث حارثة2 بن النعمان وهو ما اورده ابن حجر في ترجمته فقال: 75-وروى ابن شاهين3 من طريق المسعودي4، عن الحكم5، عن القاسم6،: أن حارثة أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يناجي رجلا ولم يسلّم، فقال جبرائيل: "أما

أنه لو سلم لرددنا عليه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجبرائيل: وهل تعرفه؟ فقال نعم، هذا من الثمانين الذين صبروا يوم حنين رزقهم ورزق أولادهم على الجنة" 1. ورواه الحارث2 من وجه آخر عن المسعودي، فقال: عن القاسم3، عن الحارث بن النعمان كذا قال. ورواه الطبراني من طريق ابن أبي ليلى4، عن الحكم5، عن مقسم6، عن ابن عباس، فذكر نحوه7. قلت: الحديث المشار إليه عند الطبراني هذا سياقه: 76- قال: حدثنا محمد8 بن عبد الله الحضرمي، ثنا محمد9 بن عمران بن أبي ليلى، حدثني أبي10، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم عن ابن عباس

قال: "مرّ حارثة بن النعمان على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه جبريل - عليه السلام -، يناجيه، فلن يسلم، فقال جبريل - عليه السلام -: "ما منعه أن يسلم، إنه لو سلم لرددت عليه، ثم قال: أما إنه من الثمانين"، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وما الثمانون؟ ". قال: يفر الناس عنك غير ثمانين يصبرون معك، رزقهم ورزق أولادهم على الله في الجنة، فلنا رجع حارثة سلم، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا سلمت حين مررت؟ ". قال: "رأيت معك إنسانا فكرهت أن أقطع حديثك، قال::فرأيته؟ " قال: نعم، قال: "ذاك جبريل - عليه السلام -، وقد قال: فأخبره بما قال جبريل - عليه السلام -" 1. والحديث قال فيه الهيثمي: "رواه الطبراني والبزار بنحوه وإسناده حسن، رجالهم كلهم وثقوا وفي بعضهم خلاف"2. وعند البيهقي بطريق مرسل وفيه راو لم أجد ترجمته3 عن حارثة بن النعمان: حزرت من بقي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين فقلت: مائة واحدة4. وعند الواقدي: ويقال: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما انكشف الناس، قال لحارثة بن النعمان: "يا حارثة كم ترى الذين ثبتوا؟ قال: فلما التفت ورائي تحرجا، فنظرت عن يميني وشمالي فحزرتهم مائة، فقلت يا رسول الله هم مائة! حتى كان يوم مررت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يناجي جبريل عليه السلام عند باب المسجد، فقال جبريل - عليه السلام -: من هذا يا محمد؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: حارثة بن النعمان، فقال جبريل - عليه السلام -: هذا أحد المائة الصابرة يوم حنين، لو سلم لرددت - عليه السلام -، فأخبره النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ما كنت أظنه إلا دحية الكلبي واقفا معك 5. ز- وعند الترمذي: من حديث ابن عمر أن الثابتين يوم حنين نحو المائة، وهذا نصه:

77 حدثنا محمد1 بن عمر بن علي المقدمي، حدثني أبي2، عن سفيان3 بن حسين، عن عبيد الله4 بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قالك "لقد رأيتنا يوم حنين وإن الفئتين لموليتان وما مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة رجل" 5. ثم قال: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث عبيد الله، لا نعرفه ألا من هذا الوجه. قال المباركفوري: قوله: "وإن الفئتين لموليتان"، كذا في النسخ الحاضرة، وأورد الحافظ هذا الحديث في الفتح نقلا عن الترمذي وفيه: "وإن الناس لملون"6 مكان "وإن الفئتين لموليتان"7. والحديث فيه عمر بن علي المقدمي وهو مدلس وقد عنعن. وقد وضعه ابن حجر في المرتبة الرابعة من مراتب المدلّسين، وهي المرتبة التي لا يحتج بشيء من حديث من أصحابها إلا بما صرحوا فيه بالسماع، لكثرة تدليسهم عن الضعفاء والمجاهيل8. والحديث حسنه الترمذي وابن حجر وجمع بينه وبين حديث ابن مسعود، وهذا

نص كلامه قال: وروى الترمذي من حديث ابن عمر بإسناد حسن قال: "لقد رأيتنا يوم حنين وإن الناس لمولون، وما مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة رجل". ثم قال: وهذا أكثر ما وقفت عليه من عدد من ثبت يوم حنين1. ثم قال: وروى أحمد والحاكم من حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، ثم ساق الحديث وقال في نهايته: "وهذا لا يخالف حديث ابن عمر فإنه نفى أن يكونوا مائة، وابن مسعود أثبت أنهم كانوا ثمانين". ا?2. وعلى هذا الجمع يكون حديث ابن عمر مؤيدا لحديث ابن مسعود. والخلاصة: أن الأحاديث اختلفت في عدد الثابتين يوم حنين كما تقدم إيضاح ذلك، وعلى إثر ذلك اختلفت أقوال العلماء تبعا لهذه الآثار وخلاصة ما ورد في الآثار: أ- أن الذين ثبتوا يوم حنين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة3. كما ورد في حديث الحكم بن عتيبة. ب- وفي بعضها: عشرة، كما في حديث جابر بن عبد الله عند ابن إسحاق. ج_ أو اثنا عشر4. د- أو كانوا ثمانين، كما في حديث ابن مسعود وحارثة بن النعمان. ?- أو أنهم نحو مائة وهو الوارد في حديث عبد الله بن عمر، وهو قريب من الوارد في حديث عبد الله بن مسعود وحارثة بن النعمان.

و أو كانوا مائة، ورد ذلك في حديث حارثة بن النعمان أيضا، عند الواقدي والبيهقي1. قال الزرقاني: وجمع شيخنا، بحمل الأربعة على من بقي معه آخذا بركابه، والاثنى عشر والعشرة على المتلاحقين بسرعة، فمن قال اثنا عشر عد من كان معه أولا فيهم، ومن قال عشرة أراد الأربعة وستة ممن أسرع، وحمل الثمانين على الذين نكصوا على أقدامهم ولم يولوا الدبر، والمائة عليهم وعلى من انضم إليهم حين تقدموا إليه عليه السلام. إ?2. وذكر ابن حجر بعض هذه الأقوال ثم قال: ووقع في شعر العباس ابن عبد المطلب: نصرنا رسول الله في الحرب تسعة ... وقد فر من فر عنه فأقشعوا وعاشرنا3 وافي الحمام بنفسه ... لما مسه في الله لا يتوجع ثم قال: ولعل هذا هو الثابت، ومن زاد على ذلك يكون عجل في الرجوع فعد فيمن لم ينهزم. ا?4. قلت: لعل ما قاله ابن حجر هو الصواب، ويؤيده ما ورد عند ابن إسحاق من حديث العباس بن عبد المطلب بإسناد صحيح قال: إني لمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخذ بحكمة5 بغلته البيضاء قد شجرتها بها، قال: وكنت امرأ جسيما شديد الصوت، قال: ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول حين رأى ما رأى من الناس: "أين أيها الناس؟ فلم أر الناس يلوون على شيء، فقال العباس، اصرخ، يل معشر الأنصار، يا أصحاب السمرة، قال: فأجابوا لبيك6 لبيك! قال: فيذهب الرجل ليثني بعيره، فلا يقدر على ذلك، فيأخذ درعه، فيقذفها في عنقه،

ويأخذ سيفه وترسه، ويقتحم عن بعيره، ويخلي سبيله، فيؤم الصوت، حتى ينتهي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى إذا اجتمع إليه منهم مائة استقبلوا الناس فاقتتلوا". الحديث1. فهذا يدل على ان بعضهم عاد بسرعة إلى المعركة فكأنه لم ينهزم، وممن صرح باسمه لأنه ثبت يوم حنين غير من تقدم2: قثم بن العباس، وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب، وعبد الله بن الزبير، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وعقيل بن أبي طالب، وشيبة بن عثمان الحجبي، وأبو دجانة – سماك بن خرشة الأنصاري – وأبو طلحة – زيد بن سهل الأنصاري – وسعد بن عبادة، وأسيد بن حضير، وأبو بشر المازني الأنصاري. ومن النساء: أم سليم - والدة أنس بن مالك -، وأم عمارة - يقال اسمها نسيبة بنت كعب بن عمرو الأنصارية، والدة عبد الله بن زيد -، وأم الحارث - جدة عمارة بن غزية الأنصارية-، وأم سليط - والدة سليط بن أبي سليط بن أبي حارثة. هؤلاء الذين نص على أسمائهم بأنهم ثبتوا يوم حنين، وهم مفرقون في الأحاديث، ومنهم من نص عليه في ترجمته3. وقد تحقق لدي من خلال هذه الروايات الكثيرة المتباينة في ظاهرها حول رصد الذين ثبتوا يوم حنين من المسلمين، أن أولى الأقوال بالقبول هو قول (ابن حجر) ولا تنافي بين العشرة المذكورين في شعر العباس، وبين القول أنهم كانوا اثني عشر لتقارب العدد في ذلك، ولا شك أن هول الموقف وشدة الأزمة أديا إلى هذا الاختلاف في النظر إلى عدد الذين صمدوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لكن المقبول قوله في ذلك هو العباس لأنه أعلم من غيره، حيث كان أبرز الثابتين يوم حنين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي طلب منه الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن ينادي في الناس، فكان قوله مقدما على غيره، ومن قال بأنهم ثمانون أو مائة يحمل على المسرعين في إجابة نداء العباس، وهذا ما أرجحه في هذه المسألة. والله أعلم.

_ 1 ابن هشام: السيرة النبوية 2/444- 445. 2 في الأحاديث الآنفة الذكر، وانظر: منتخب كنز العمال 4/167 مع مسند أحمد، والمستدرك للحاكم 3/274. 3 الزرقاني: شرح المواهب 3/19.

المبحث الرابع: عوامل انتصار المسلمين في حنين

المبحث الرابع: عوامل انتصار المسلمين في حنين: كانت معركة حنين تجربة عسكرية خطيرة في معارك المسلمين، وكانت أيضا مدرسة تربوية عظيمة إذ ذاق فيها المسلمون مرارة الاندحار، ووطأة الفرار أمام زحف المشركين ونبالهم وعظيم تخطيطهم واشتداد هجمتهم عليهم في بداية المعركة هجمة رجل واحد، كما مضى بيان ذلك1. كما أذاقهم الله في هذه المعركة نفسها حلاوة النصر وبهجة الغلبة على أعدائهم، وتلك إحدى الحسنيين، وهذا من خصائص معركة حنين التي كانت المعركة الفاصلة الأخيرة بين المسلمين والمشركين في الجزيرة كما كانت بدرا المعركة الفاصلة الأولى بين الطائفتين. وفي هذا المبحث نود أن نتلمس من خلال النصوص والمرويات عوامل انتصار المسلمين، ويمكن ان تكون على النحو التالي: أ- ثبات الرسول - صلى الله عليه وسلم - في ساحة المعركة يناشد ربه النصر والعون، ويعلن لأعداه من هوازن وغيرهم بأنه نبي حقا لا ينبغي له أن يَفِرّ مهما تكاثرت جموعهم، فكان يركض بغلته نحوهم وهو يقول: أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب2

ولما غشيه المشركون نزل عن بغلته واستنصر ودعا، فكان من دعائه وتضرعه ما أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد من حديث أنس بن مالك، وهذا سياقه: 78- حدثنا يزيد بن هارون1، أنا حميد، عن أنس قال: كان من دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين: "اللهم إنك إن تشأ لا تعبد بعد اليوم" 2. ورواه الخطيب البغدادي من طريق يزيد بن هارون، حدثنا سفيان3 بن حسين، عن الزهري، عن أنس4. قال الزرقاني: "قوله: "إنك إن تشأ لاتعبد بعد اليوم"؛ لأنه أول يوم لقي فيه المشركين بعد الفتح الأعظم ومعه المشركون والمؤلفة قلوبهم، والعرب في البوادي كانت تنتظر بإسلامها قريشا فلو وقع - والعياذ بالله تعالى - خلاف ذلك لما عبد الله"5. وقال السفاريني: "في قوله: "إنك إن تشأ لا تعبد بعد اليوم"، أي: لأن معظم المسلمين أو كلهم إلا القليل قد كان حاضرا، وأهل مكة يومئذ لم يستحكم الإيمان فيهم، ولم تخالط بشاشته قلوبهم، بل كانوا ما بين مؤلف ومستأمن، ومظهر للإيمان على مضض منه وكره، والعرب أيضا معظمهم في ذلك اليوم حاضر، وقبائل الكفار قد تألبت واجتمعت اجتماعا لا مزيد عليه، فإذا لم ينصر الله دينه ويؤيد عبده ويعز جنده، ويكبت الكفار ويخذلهم، ويجعلهم وأموالهم غنيمة للمسلمين، نجم النفاق، وظهر الكفر والشقاق، وتكلمت الألسن بما أكنت الضمائر من العداوة والبغضاء والجحود والشرك الذي لا يرضى"6. والحديث أورده ابن كثير ثم قال: إسناده ثلاثي على شرط الشيخين، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب7 من هذا الوجه8.

وقال السفلريني أيضا: "سنده على شرط الصحيحين"1. وقال الزرقاني: "رجاله رجال الصحيح"2. وجاء في هذا المعنى ما رواه أحمد والدارمي من حديث صهيب - رضي الله عنه - بإسناد صحيح، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو أيام حنين: "اللهم بك أحاول، وبك أصاول وبك أقاتل" 3. 79- وعند موسى بن عقبة بن نافع: فرفع - صلى الله عليه وسلم - يديه وهو على البغلة يدعو: "اللهم إني أنشدك ما وعدتني، اللهم لا ينبغي لهم أن يظهروا علينا" 4. وعند البخاري من طريق أبي إسحاق السبيعي قال: "سمعت البراء وسأله رجل: أكنتم فررتم يا أبا عمارة يوم حنين؟ قال: لا والله، ما ولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكنه خرج شبان أصحابه وأخفاؤهم حسرا ليس بسلاح، فأتوا قوما رماة، جمع هوازن وبني النصر، ما يكاد يسقط لهم سهم، فرشقوهم رشقا ما يكادون يخطئون، فأقبلوا هنالك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو على بغلته البيضاء، وابن عمه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يقود به، فنزل واستنصر، ثم قال: أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب5

ثم صف أصحابه1. وهو عند أبي عوانة من طريق زهير أيضا دون قوله: "ثم صف أصحابه". واقتصر ابن جارود على قوله: "فنزل فاستنصر ثم قال: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب ثم صف أصحابه"2. وعند مسلم والبيهقي: (فأقبلوا هناك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته البيضاء، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يقود به، فنزل فاستنصر وقال: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب ثم صفهم". وعند مسلم والبيهقي أيضا وابن ابي شيبة وأبي عوانة: الجميع من طريق زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق قال: جاء رجل إلى البراء فقال: أكنتم وليتم يوم حنين يا أبا عمارة؟ فقال: أشهد على النبي - صلى الله عليه وسلم - ما ولى، ولكنه انطلق أخفاء من الناس وحسر، إلى هذا الحي من هوازن، وهم قوم رماة فرموهم برشق من نبل كأنها رجل من جراد، فانكشفوا، فأقبل القوم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبو سفيان بن الحارث يقود به، فنزل ودعا واستنصر وهو يقول: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب اللهم نزل نصرك. قال البراء: كنا والله إذا احمر3 البأس نتقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذى به، يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - 4.

وعند البخاري ومسلم من طريق شعبة بن الحجاج، عن أبي إسحاق، قال رجل للبراء بن عازب - رضي الله عنهما -: أفررتم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين؟ قال: لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفر، إن هوازن كانوا قوما رماة، وإنا لما لقيناهم حملنا عليهم فانهزموا1، فأقبل المسلمون على الغنائم، واستقبلونا بالسهام، فأما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفر فلقد رأيته وإنه لعلى بغلته البيضاء، وأن ابا سفيان آخذ2 بلجامها والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب والحديث أخرجه أيضاً أحمد، وابن أبي عاصم، وأبو يعلى، والروياني، والطبري، وأبو عوانة: الجميع من طريق شعبة، عن أبي إسحاق3.

ورواه أبو داود الطيالسي، وأبو عوانة، والبيهقي: كلهم من طريق شعبة وعمرو بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق1. وفي لفظ عند البخاري من طريق شعبة عن أبي إسحاق: قيل للبراء وأنا أسمع: أوليتم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين؟ قال: أما النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا، كانوا رماة، فقال: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب وفي لفظ عند البخاري أيضا من طريق شعبة عن أبي إسحاق سمع البراء وسأله رجل من قيس: أفررتم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين؟. فقال: "لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفر، كانت هوازن رماة، وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا فأكببنا على الغنائم فاستقبلنا بالسهام، ولقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته البيضاء، وإن أبا سفيان بن الحارث آخذ بزمامها وهو يقول: أنا النبي لاكذب". قال إسرائيل وزهير: "نزل النبي صلى الله عليه وسلم عن بغلته" 2. والحديث أخرجه أيضا مسلم، وأحمد، والروياني، والطبري: الجميع من طريق شعبة، عن أبي إسحاق3. وفي لفظ عند البخاري، وابن سعد، والطبري، من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق قال: سأل رجل البراء فقال: يا أبا عمارة، أوليتم يوم حنين؟ قال البراء - وأنا أسمع -:أما رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يول يومئذ، كان أبو سفيان بن الحارث آخذا بعنان بغلته، فلما غشيه4 المشركون نزل فجعل يقول: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب قال: "فما رؤي من الناس يومئذ أشد منه "5.

وعند ابن أبي شيبة والروياني: "من طريق شريك - هو ابن عبد الله النخعي - عن أبي إسحاق، عن البراء قال: لا والله ما ولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين دبره"، قال: والعباس وسفيان آخذان بلجام بغلته وهو يقول أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب لفظ ابن أبي شيبة. ولفظ الروياني: "ولقد كان العباس آخذا بلجام بغلته وأبو سفيان عن يساره فقال: من أنت؟ قال: ابن أمك1 يا رسول الله، قال: وهو يقول: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب 2 وفي لفظ عند ابن أبي عوانة من طريق سفيان الثوري، عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء بن عازب - ويسأل -: يا أبا عمارة: أولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين؟ فقال: معاذ الله! قال: أما أنا فأشهد أن النبي لم يول ولكن ولى سرعان من الناس حين رشقهم هوازن بالنبل، وأبو سفيان بن الحارث يقود بغلته، والنبي - صلى الله عليه - وسلم يقول: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب 3 والحديث عند البخاري وابن سعد والبيهقي كلهم من طريق سفيان به بنحوه4.

وعند أبي عوانة أيضا من طريق عمرو بن أبي زائدة عن أبي إسحاق عن البراء قال: ما كان معنا يوم كذا وكذا - ذكر يوما من أيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فارس إلا المقداد1 بن الأسود - رضي الله عنه - فارس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رجل يمازحه2: فررتم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فقال البراء: "إني أشهد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما فر يومئذ، كان والله إذا اشتد القتال واحمر البأس، اتقينا به" 3. وعند أبي داود: "لما لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - المشركين يوم حنين فانكشفوا4 نزل عن بغلته فترجل" 5. وحديث البراء بجميع طرقه، يدور على أبي إسحاق السبيعي. قال ابن حجر: "اتفقت الطرق التي أخرجها البخاري لهذا الحديث من سياق هذا الحديث إلى قوله: "أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب" إلاّ رواية زهير6 بن معاوية فزاد في آخرها "ثم صف أصحابه" وزاد مسلم: في حديث البراء من رواية زكريا7 عن أبي إسحاق قال البراء: "كنا والله إذا احمر البأس نتقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذيه" يعني النبي - صلى الله عليه وسلم -." ا?8.

فهذا الحديث على اختلاف ألفاظه وكذا حديث أنس بن مالك وجابر بن عبد الله والعباس بن عبد المطلب وغيرهم من الصحابة تدل دلالة واضحة على شجاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتناهية، ولقد نفى البراء بن عازب نفيل قاطعا كون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرَّ أو خطر بباله الفرار، فقال: "كنا والله إذا احمر البأس نتقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذى به". وفي حديث العباس عند مسلم وغيره ... قال: فلما التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يركض بغلته قبل الكفار. وقد أوضح ابن حجر سبب نفي البراء الفرار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإثباته لبعض الصحابة. فقال: قول السائل: "يا أبا عمارة أتوليت يوم حنين". وفي رواية: "أوليتم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين" وفي رواية: "أفررتم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ - " وكلها بمعنى. وقوله: "أما انا فأشهد على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يول"1. تضمن جواب البراء إثبات الفرار لهم، لكن لا على طريق التعميم، وأراد أن إطلاق السائل يشمل الجميع حتى النبي صلى الله عليه وسلم لظاهر رواية "أوليتم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - " ويمكن الجمع بين هذه الرواية، ورواية "أفررتم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " بحمل المعية ما قبل الهزيمة فبادر إلى استثنائه، ثم أوضح ذلك، وختم حديثه بأنه لم يكن أحد يومئذ أشد منه - صلى الله عليه وسلم -. ثم قال: قال النووي: هذا الجواب الذي أجاب به البراء من بديع الأدب؛ لأن تقدير الكلام: "فررتم كلكم"، فيدخل فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال البراء: لا والله ما فر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن جرى كيت وكيت، فأوضح ان فرار من فر لم يكن على نية الاستمرار في الفرار، وإنما انكشفوا من وقع السهام. ثم قال ابن حجر: "وكأنه يستحضر رواية "أوليتم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - "، وقد ظهر من الأحاديث الواردة في هذه القصة أن الجميع لم يفروا، ويحتمل أن البراء فهم من

السائل أنه اشتبه عليه حديث سلمة بن الأكوع1، الذي خرجه مسلم بلفظ "مررت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهزماً"، فلذلك حلف أن النبي - صلى الله عليه وسلم لم يول. ودل ذلك على أن "منهزماً"حال من سلمة، ولهذا وقع في طريق أخرى "ومررت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهزما وهو على بغلته، فقال لقد رأى ابن الأكوع فزعا". ويحتمل أن يكون السائل أخذ التعميم من قوله تعالى: {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} ، [سورة التوبة، من الآية: 25] ، فبين له أنه من العموم الذي أريد به الخصوص. ا?2. وقال النووي حول حديث سلمة بن الأكوع: "قال العلماء: قوله (منهزماً) حال من ابن الأكوع، كما صرح أولا بانهزامه، ولم يرد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - انهزم، وقد قالت الصحابة كلهم: أنه - صلى الله عليه وسلم - ما انهزم، ولم ينقل أحد أنه انهزم - صلى الله عليه وسلم - في موطن من المواطن، وقد نقلوا إجماع المسلمين على أنه لا يجوز أن يعتقد انهزامه - صلى الله عليه وسلم - ولا يجوز ذلك عليه، بل كان العباس وأبو سفيان بن الحارث آخذين بلجام بغلته يكفانها عن إسراع التقدم نحو العدو". ا?3. ونقل الزرقاني: "نحو قول النووي ثم قال: وقوله "قالت الصحابة كلهم أنه - صلى الله عليه وسلم - ما انهزم، فلا يجوز أن ينقل عن سلمة ما يخالفهم بمجرد لفظ محتمل دفعته الرواية الأخرى عنه، فهذا من جملة ما استند إليه العلماء في أنه (حال من ابن الأكوع) ". ا?4. وقد عقد القاضي عياض فصلا في شجاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونجدته فقال: "وأما الشجاعة والنجدة: فالشجاعة فضيلة قوة الغضب وانقيادها للعقل، والنجدة ثقة النفس عند استرسالها إلى الموت حيث يحمد فعلها دون خوف، وكان - صلى الله عليه وسلم - منهما بالمكان الذي لا يجهل قد حضر المواقف الصعبة وفر الكماة5 والأبطال عنه غير مرة، وهو ثابت

لا يبرح ومقبل لا يدبر ولا يتزحزح وما شجاع إلا وقد أحصيت له فرة وحفظت عنه جولة سواه - صلى الله عليه وسلم -، وأن الصحابة كانوا إذا اشتد البأس والتحم القتال يتقون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ". ا?1. قال ابن الحجر: "وفي حديث البراء بن العازب من الفوائد: حسن الأدب في الخطاب، والإرشاد إلى حسن السؤال بحسن الجواب، وذم الإعجاب، وفيه: جواز الانتساب إلى الآباء ولو ماتوا في الجاهلية، والنهي عن ذلك محمول على ما هو خارج الحرب، ومثله الرخصة في الخيلاء في الحرب دون غيرها، وفيه: جواز التعرض إلى الهلاك في سبيل الله، ولا يقال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - متيقناً بالنصر لوعد الله تعالى بذلك وهو حق لأن أبا سفيان بن الحارث - وقد ثبت معه - آخذا بلجام بغلته وليس هو في اليقين مثل النبي - صلى الله عليه وسلم –". وقد استشهد في تلك الحال أيمن بن أم أيمن، وفيه: ركوب البغلة إشارة إلى كزيد الثبات، لأن ركوب الفحولة مظنة الاستعداد للفرار والتولي، وإذا كان رأس الجيش قد وطن نفسه على عدم الفرار وأخذ بأسباب ذلك كان ذلك أدعى لأتباعه على الثبات، وفيه شهرة الرئيس نفسه في الحرب مبالغة في الشجاعة وعدم المبالاة بالعدو. ا?2. وقال النووي: "قال العلماء: ركوبه - صلى الله عليه وسلم - البغلة في مواطن الحرب وعند اشتداد البأس هو النهاية في الشجاعة والثبات، ولأنه أيضا يكون معتمدا يرجع المسلمون إليه، وتطمئن قلوبهم به، وبمكانه، وإنما فعل هذا عمدا وإلا فقد كانت له أفراس معروفة، ومما ذكره في الحديث - يعني حديث العباس - من شجاعته صلى الله عليه وسلم تقدمه يركض بغلته إلى جمع المشركين، وقد فر الناس عنه، وفي الرواية الأخرى - يعني حديث سلمة بن الأكوع - أنه نزل إلى الأرض حين غشوه، وهذه مبالغة في الثبات والشجاعة والصبر، وقيل فعل ذلك مواساة لمن كان نازلا على الأرض من المسلمين وقد أخبرت الصحابة - رضي الله عنهم - بشجاعته - صلى الله عليه وسلم - في جميع المواطن".

وفي صحيح مسلم - يعني حديث البراء - قال: "إن الشجاع منا للذي يحاذي به، وأنهم كانوا يتقون به". ا?1. وقال القسطلاني: "وقد ركب عليه الصلاة والسلام البغلة في هذا المحل الذي هو موضع الحرب والطعن والضرب تحقيقا لنبوته لما كان الله تعالى خصه به من مزيد الشجاعة وتمام القوة، وإلا فالبغال عادة من مراكب الطمأنينة ولا تصلح لمواطن الحرب في العادة إلا الخيل، فبين عليه الصلاة والسلام أن الحرب عنده كالسلم قوة قلب وشجاعة نفس وثقة وتوكلا على الله تعالى". ا?2. ومما سبق من الروايات التي ذكرناها يتجلى لنا عاملان هامان من عوامل النصر وهما الثبات في المعركة حين لقاء العدو وذكر الله عز وجل بحضور قلب وإلحاح في الدعاء، وقد ذكر الله في هذين العاملين في قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} 3. ولا ينتصر المسلمون على عدوهم إلا إذا حققوا في أنفسهم التحلي بهذين العاملين وغيرهما من عوامل النصر التي ذكرها الله مادية ومعنوية. ب- رجوع المسلمين إلى المعركة: لقد عاد المسلمون إلى المعركة مسرعين حين رأوا ثبات نبيهم - صلى الله عليه وسلم - وحين سمعوا النداء بالرجوع كما تبينه الرواية الآتية: 80- فعند مسلم وغيره من حديث كثير بن العباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب قال: شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، فلزمت أنا وسفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم نفارقه، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلة له بيضاء أهداها له فروة4 بن نفاثة الجذامي، فلما التقى المسلمون والكفار، ولى المسلمون

مدبرين فطفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يركض1 بغلته قبل الكفار، قال عباس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أكفها إرادة ألا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أي عباس ناد أصحاب السمرة"2 فقال عباس: - وكان رجلا صيتا3- فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السمرة؟ قال: فوالله! لكأن4 عطفتهم، حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها، فقالوا: يا لبيك يا لبيك! قال: فاقتتلوا والكفار5، والدعوة6 في الأنصار يقولون: يا معشر الأنصار!

يا معشر الأنصار ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج فقالوا: يا بني الحارث بن الخزرج! يا بني الحارث بن الخزرج! فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على بغلته كالمتطاول عليها، إلى قتالهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذا حين حمي الوطيس" 1، الحديث2. وعند ابن إسحاق والطبري: قال العباس: إني لمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخذ بحكمة بغلته البيضاء قد شجرتها بها، قال: وكنت امرأ جسيما شديد الصوت قال: ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول حين رأى ما رأى من الناس: أين أيها الناس؟ فلم أر الناس يلوون على شيء، فقال: يا عباس اصرخ يا معشر الأنصار، يا معشر أهل السمرة فأجابوا: لبيك لبيك! قال: فيذهب الرجل ليثني بعيره، فلا يقدر على ذلك، فيأخذ درعه فيقذفها في عنقه ويأخذ سيفه وترسه3، ويقتحم عن بعيره ويخلي سبيله حتى إذا اجتمع إليه منهم مائة استقبلوا الناس فاقتتلوا، وكانت الدعوى أول ما كانت: يا للأنصار، ثم خلصت أخيرا: يا للخزرج، وكانوا صبرا عند الحرب، فأشرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بركائبه، فنظر إلى مجتلد القوم وهم يجتلدون فقال: "الآن حمي الوطيس". وعند ابن سعد والطبري عن العباس قال: لما كان يوم حنين التقى المسلمون والمشركون فولى المسلمون يومئذ فلقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما معه أحد إلا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب آخذ بفرز النبي - صلى الله عليه وسلم -، والنبي - صلى الله عليه وسلم - ما يألو ما أسرع نحو المشركين قال: فأتيته حتى أخذت بلجامه وهو على بغلة له شهباء فقال: يا عباس

ناد يا أصحاب السمرة، قال: وكنت رجلا صيتا فناديت بصوتي الأعلى: أين أصحاب السمرة؟ فأقبلوا كأنهم الإبل إذا حنت إلى أولادها، يا لبيك، يا لبيك، يا لبيك وأقبل المشركون فالتقوا هم والمسلمون ونادت الأنصار: يا معشر الأنصار مرتين، ثم قصرت الدعوى في بني الحارث بن الخزرج، فنادوا: يا بني الحارث بن الخزرج! فنظر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى قتالهم فقال: "هذا حين حمي الوطيس" الحديث1. وعند الحميدي: عن عباس قال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته التي أهداها له الجذامي فلما ولى المسلمون، قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا عباس ناد، قلت يا أصحاب سورة البقرة2، وكنت رجلا صيتا فقلت: يا أصحاب السمرة، يا أصحاب سورة البقرة، فرجعوا عطفة كعطفة البقرة على أولادها، وارتفعت الأصوات وهم يقولون: معشر الأنصار، يا معشر الأنصار ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن خزرج، يا بني الخزرج، قال: وتطاول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته فقال: "هذا حين حمي الوطيس" الحديث3.

والحديث رواه الفسوي من طريق الحميدي1. ورواه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه2. وتعقبه الذهبي بقوله: قلت أخرجه مسلم3. 81- ونعد الحاكم من حديث جابر بن عبد الله قال: ندب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين الأنصار فقال: "معشر الأنصار فأجابوه: لبيك، بأبينا أنت وأمنا يا رسول الله، قال: أقبلوا بوجوههم إلى الله وإلى رسوله يدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار، فأقبلوا ولهم حنين4 حتى أحدقوا5 به كبكبة تحاك مناكبهم يقاتلون حتى هزم الله المشركين" 6. ثم قال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وأخرج الحاكم أيضا من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: التقى يوم حنين أهل مكة وأهل المدينة واشتد القتال فولوا مدبرين، فندب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأنصار فقال: يا معشر المسلمين أنا رسول الله. فقالوا: "إليك والله جئنا فنكسوا ثم قاتلوا حتى فتح الله عليهم" 7. ثم قال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي". وفي حديث أنس بن مالك قال: لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان وغيرهم بنعمهم وذراريهم، ومع النبي صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف ومن الطلقاء فأدبروا عنه حتى

بقي وحده، "فنادى1 يومئذ نداءين لم يخلط بينهما، التفت عن يمينه فقال: يا معشر الأنصار، قالوا: لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك، ثم التفت عن يساره فقال: يا معشر الأنصار، قالوا: لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك، وهو على بغلة بيضاء، فنزل فقال: أنا عبد الله ورسوله، فانهزم المشركون" الحديث2. ?- المعجزة النبوية التي حصلت في هذه المعركة وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نظر إلى اجتلاد المسلمين واشتباكهم مع المشركين فقال "هذا حين حمي الوطيس" ثم أخذ حصيات فرمى بهن وجوه الكفار فامتلأت أعينهم ترابا من تلك الرمية فهزمهم الله عز وجل. توضح ذلك الأحاديث الآتية: فعند مسلم وغيره من حديث العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه -، قال: "شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، فلزمت أنا وسفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم نفارقه ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلة له بيضاء، أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي، فلما التقى المسلمون والكفار، ولى المسلمون مدبرين فطفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يركض بغلته قبل الكفار" الحديث وفيه: فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على بغلته كالنتطاول عليها إلى قتالهم، فقال: "هذا حين حمي الوطيس" قال: ثم أخذ3 رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حصيات فرمى بهن وجوه الكفار ثم قال: "انهزموا4 ورب محمد" قال: "فذهبت أنظر، فإذا القتال على هيئته فيما أرى،

قال: فوالله! ما هو إلا أن رماهم بحصياته، فما زلت أرى حدهم1 كليلا وأمرهم مدبرا" 2. ثم قال مسلم: وحدثنا إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع وعبد بن حميد جميعا عن عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري بهذا الإسناد نحوه غير أنه قال: "فروة بن نعامة الجذامي، وقال: "انهزموا ورب الكعبة انهزموا ورب الكعبة" 3. وزاد في الحديث حتى هزمهم الله، قال: وكأني أنظر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يركض خلفهم على بغلته. 82- وعند مسلم أيضا من حديث سلمة بن الأكوع قال: غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حنينا فلما واجهنا العدو تقدمت فأعلو ثنية فاستقبلني رجل من العدو فأرميه بسهم فتوارى عني فما دريت ما صنع ونظرت إلى القوم فإذا هم قد طلعوا من ثنية أخرى فالتقوا هم وصحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - فولى صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأرجع منهزما وعلي بردتان متزرا بإحداهما مرتديا بالأخرى فاستطلق إزاري فجمعتهما جميعا ومررت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهزماً وهو على بغلته الشهباء فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لقد رأى ابن الأكوع فزعا فلما غشوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب الأرض ثم استقبل به وجوههم فقال: "شاهت4 الوجوه" فما خلق الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة فولوا مدبرين فهزمهم الله عز وجل وقسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غنائمهم بين المسلمين5. 83- وعند ابي يعلى والطبراني: من حديث أنس بن مالك بإسناد حسن قال: لما كان يوم حنين: انهزم الناس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلاّ العباس بن عبد المطلب وأبا

سفيان بن الحارث وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ينادي يا أصحاب سورة البقرة يا معشر الأنصار ثم استحر النداء في بني الحارث بن خزرج فلما سمعوا النداء أقبلوا فوالله ما شبهتهم إلا بالإبل تجري إلى أولادها، ولما التقوا التحم القتال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الآن حمي الوطيس" وأخذ كفا من حصى فرمى به، وقال: "هزموا ورب الكعبة وكان علي بن ابي طالب من أشد الناس قتالا يومئذ"1. والحديث أورده الهيثمي2 في مجمع الزوائد وقال: رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط ورجالهما رجال الصحيح غير عمران بن دوار وهو أبو العوام وثقه ابن حبان وغيره وضعفه ابن معين وغيره. 84- وأخرج الطبراني عن أنس قال: لنا انهزم المسلمون يوم حنين مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته الشهباء - وكان اسمها دلدل - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: دلدل اشتدي3 فألزقت بطنها بالأرض حتى أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حفنة من تراب فرمى بها في وجوههم وقال: "حم لا ينصرون"4 فانهزم القوم وما رميناهم بسهم ولا طعناهم برمح ولا ضربنا بسيف 5. لم يروه عن ثابت6 إلا عمارة، تفرد به مؤمل.

والحديث أورده الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه: أحمد1 بن محمد بن القاسم وهو ضعيف2. قلت: "والجزء الأخير من الحديث وهو قوله: فانهزم القوم الخ ثابت معناه عند ابن حبان والحاكم من حديث أنس أيضا" وقال: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، وسكت عنه الذهبي3. 58- وأخرج الطبراني أيضا عن يزيد بن عامر السوائي وكان شهد حنينا مع المشركين ثم أسلم، قال: عند انكشافة انكشفها المسلمون يوم حنين، فتبعتهم الكفار فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قصبة من الأرض فرمى بها وجوههم وقال: "ارجعوا شاهت الوجوه" فما منا من أحد يلقى أخاه إلا وهو يشكوا القذى أو يمسح عينيه4. قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات. 86- وقال البزار: حدثنا إسماعيل5 بن سيف القطعي، ثنا يونس6 ابن أرقم ثنا الأعمش7، عن سماك8 بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس أن علي بن أبي

طالب ناول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التراب1 فرمى به وجوه المشركين يوم حنين2. قال البرزار: "لا نعلمه بهذا اللفظ إلا بهذا الإسناد". وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: "رواه البزار عن إسماعيل بن سيف وهو ضعيف"3. قال ابن حجر: قلت: "وشيخه يونس"4. والخلاصة: أن أخذ الرسول - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين ترابا ورميه في وجوه الكفار، جاء في أحاديث كثيرة منها الصحيح والحسن والضعيف. فقد ورد من حديث العباس بن عبد المطلب عند مسلم وغيره5. ومن حديث سلمة بن الأكوع عند مسلم والبيهقي6. ومن حديث أبي عبد الرحمن الفهري عند أحمد وأبي داود وغيرهم7. ومن حديث عبد الله بن مسعود عند أحمد والحاكم والبيهقي وغيرهم8.

ومن حديث شيبة بن عثمان العبدري عند الطبراني وغيره1. ومن حديث عبد الرحمن بن أزهر عند أحمد وأبي عوانة2. ومن حديث يزيد بن عامرالسوائي عند عبد بن حميد والطبري3. ومن حديث أنس بن مالك عند أبي يعلى والطبراني4 وهذه الأحاديث التي أوردتها في بيان هذا العامل من عوامل النصر، يؤخذ منها نصر الله للمسلمين بمعجزات يؤيد الله بها رسوله - صلى الله عليه وسلم - ليزيد المؤمنين إيمانا ولتقوم الحجة على المكذبين برسالته - صلى الله عليه وسلم -، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة. والمسلمون إذا قوي إيمانهم بالله سبحانه فإن الله يؤيدهم وينصرهم على أعدائهم بأسباب كونية قدرية لاقبل لعدوهم بها، ولهذا شواهد لا تحصى في التاريخ الإسلامي. د- تأييد الله للمسلمين بجند من عنده: كان هذا التأييد السماوي بعد أن أدب الله المؤمنين الذين اغتروا وأعجبوا بكثرتهم وبعد أن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وذلك بسبب ما حل بهم من الخوف عندما ركب الأعداء ظهورهم يسوقونهم، فركبت إبل المسلمين بعضها بعضا وولوا مدبرين، إلاّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وطائفة يسيرة معه، وفي هذه الحال الحرجة أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا من عنده تقوية لقلوب المؤمنين وتثبيتاً

لهم، ولقد صوّر القرآن الكريم هذا أتم تصوير فقال: جل ذكره: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} ، [سورة التوبة، الآية: 25] . قال الشوكاني عند تفسير هذه الآيات قوله: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} ، [سورة التوبة، من الآية: 26] ، أي: أنزل ما يسكنهم فيذهب خوفهم حتى وقع منهم الاجتراء على قتال المشركين، بعد أن ولوا مدبرين، والمراد بالمؤمنين1: هم الذين لم ينهزموا، وقيل الذين انهزموا، والظاهر جميع من حضر منهم لأنهم ثبتوا بعد ذلك وقاتلوا وانتصروا، {وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوهَا} قال: هم الملائكة، {وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا} بما وقع عليهم من القتل والأسر وأخذ الأموال وسبي الذرية، والإشارة بقوله {وذلك} إلى التعذيب المفهوم من عذب وسمى ما حل بهم من العذاب في هذا اليوم جزاء مع أنه غير كاف بل لا بدّ من عذاب الآخرة مبالغة في وصف ما وقع عليهم، وتعظيما له، وقوله {ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} أي من بعد هذا التعذيب على من يشاء ممن هداه منهم إلى الإسلام، {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} يغفر لمن أذنب فتاب، {الرَحِيمٌ} بعباده يتفضل عليهم بالمغفرة لما اقترفوه2. وقد وردت بعض الآثار تبين أن المراد (بالجنود) في الآية هم الملائكة. فقد أخرج ابن أبي حاتم قال: أخبرنا أحمد3 بن عثمان بن حكيم فيما كتب إلي

ثنا أحمد1 بن مفضل، ثنا أسباط2 عن السدي3،في قوله: {وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا} قال: هم الملائكة4. وأخرج الطبري نحوه: من طريق أحمد بن المفضل به5، والحديث ضعيف كما علم من خلال تراجم رجاله، وهو مقطوع، لأن السدي من التابعين، وقد قيل إن تفسيره هذا قد جعل له إسنادا واستكلفه6. 88- وعند الطبري قال: حدثنا القاسم7، قال: ثنا الحسن بن عرفة8، قال: ثني المعتمر9 بن سليمان، عن عوف10 قال: سمعت عبد الرحمن11 مولى أم برثن أو أم مريم، قال: ثني جل كان من المشركين يوم حنين، قال: "لما التقينا نحن

وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين لم يقوموا لنا حلب1 شاة، قال: فلما كشفناهم جعلنا نسوقهم في أدبارهم، حتى انتهينا إلى صاحب البغلة البيضاء، فإذا هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فتلقانا عنده رجال بيض، حسان الوجوه، فقالوا لنا: شاهت الوجوه ارجعوا، قال فانهزمنا وركبوا أكتافنا، فكانت إياها" 2 والحديث حسن لذاته وجهالة الرجل لا تضر لأن الظاهر أنه أسلم وحدث عبد الرحمن بهذه القصة، جهالة الصحابي لا تضر لأنهم كلهم عدول، وقد قال ابن حجر: "بأن عبد الرحمن روى عن رجل من الصحابة ولم يسمه3 فالظاهر أنه هذا". والله أعلم. وتقدم في حديث عثمان بن شيبة العبدري أنه قال: خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين والله مال أخرجني إسلام ولا معرفة به، ولكن أبيت أن تظهر هوازن على قريش، فقلت وأنا واقف معه: يا رسول الله إني أرى خيلا بلقا، فقال: "يا شيبة إنه لا يراها إلا كافر" الحديث4. 89- وقال ابن إسحاق: حدثني أبي إسحاق5 بن يسار أنه حدث عن جبير6 بن مطعم قال: لقد رأيت قبل هزيمة القوم والناس يقتتلون مثل البجاد7 الأسود أقبل من السماء حتى سقط بيننا وبين القوم، فنظرت فإذا نمل أسود مبثوث قد

ملأ الوادي، لم يشك أحد أنها الملائكة ثم لم يكن إلا هزيمة القوم1. والحديث أخرجه الطبري عن ابن إسحاق عن أبيه أنه: حدث عن جبير بن مطعم2. وأخرجه الطبراني من طريق ابن إسحاق أيضا وصرح بسماع إسحاق من جبير بن مطعم. وهذا سياقه: قال: "حدثنا أبو مسلم3 ثنا عبيد الله4 بن محمد بن عائشة ثنا حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن أبيه قال: سمعت جبير بن مطعم يقول رأيت يوم حنين شيئا أسود مثل البجاد". الحديث5. ثم قال الطبراني: "لا يروى هذا عن جبير إلا بهذا الإسناد، تفرد به ابن إسحاق". ثم ساق سندا آخر فقال حديثنا محمد6 بن أبان ثنا محمد7 بن عباد بن آدم ثنا أبي8 ثنا حماد بن سلمة فذكر نحوه9. وأورده الهيثمي ثم قال: "رواه الطبراني في الأوسط بإسنادين في أحدهما عباد بن آدم لم يوثقه أحد ولم يجرحه"10.

وأورده ابن كثير عن ابن إسحاق فقال: وقال محمد بن إسحاق: "حدثني والدي إسحاق بن يسار عمن حدثه عن جبير بن مطعم". ثم ساق الحديث. ثم قال: رواه البيهقي1 عن الحاكم عن الأصم2 عن أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن ابن إسحاق به3. والظاهر أن في الحديث انقطاعا بين إسحاق بن يسار وبين جبير ابن مطعم وأن رواية الطبراني الواردة فيها التصريح بسماع إسحاق من جبير بن مطعم "خطأ". ولعلها تحرفت من حدث عن جبير بن مطعم إلى حدثني فرواها بعض الرواة بالمعنى "سمعت". وذلك لأن المزي وابن حجر لم يذكرا في شيوخ إسحاق، جبير بن مطعم كما لم يذكرا أيضا إسحاق في تلاميذ جبير بن مطعم4. وعلى كل فإن الحديث يتقوى بالأحاديث السابقة والآتية وهي: ما رواه عبد بن حميد قال: حدثني موسى5 بن مسعود ثنا سعيد6 بن السائب الطائفي حدثني أبي السائب7 بن يسار، قال: سمعت يزيد8 بن عامر السوائي وكان شهد

حنينا مع المشركين ثم أسلم فنحن نسأله عن الرعب الذي ألقاه الله في قلوب المشركين يوم حنين كيف كان؟ قال: "كان يأخذ لنا الحصاة فيرمي بها الطست فيطن، قال: كنا نجد في أجوافنا مثل هذا 1. والحديث أورده ابن حجر في المطالب العالية ونسبه لعبد بن حميد2. وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: "رواه الطبراني ورجاله ثقات"3. وأخرجه الطبري فقال: حدثنا محمد4 بن يزيد الآدمي، قال ثنا معن5 بن عيسى عن سعيد بن السائب الطائفي عن أبيه عن يزيد بن عامر6. والحديث فيه السائب الطائفي ولم يذكر فيه جرح ولا تعديل، وقد قال الهيثمي: بأن رجاله ثقات. 91- وعند أحمد وغيره من حديث أبي7 عبد الرحمن الفهري وهذا سياقه عند أحمد قال: ثنا بهز8 ثنا حماد9 بن سلمة أخبرني يعلى10 بن عطاء عن أبي همام11 - قال أبو الأسود هو: عبد الله بن يسار - عن أبي عبد الرحمن الفهري قال: "كنت مع

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة حنين فسرنا في يوم قائظ شديد الحر فنزلنا تحت ظلال الشجر فلما زالت الشمس لبست لأمتي1 وركبت فرسي فانطلقت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في فسطاطه2، فقلت: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله، حان الرواح؟ فقال: أجل، فقال: يا بلال فثار من تحت سمرة كأن ظله ظل طائر، فقال: لبيك وسعديك وأنا فداؤك، فقال: اسرج لي فرسي، فأخرج سرجا دفتاه من ليف3 ليس فيهما أشر ولا بطر، قال: فأسرج قال: فركب وركبنا فصاففناهم عشيتنا وليلتنا، فتشامت4 الخيلان، فولى المسلمون مدبرين كما قال الله - عز وجل -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا عباد الله أنا عبد الله ورسوله، ثم قال: يا معشر المهاجرين: أنا عبد الله ورسوله"، قال: "ثم اقتحم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن فرسه فأخذ كفا من تراب، فأخبرني الذي كان أدنى إليه مني أنه ضرب به وجوههم وقال: شاهت الوجوه، فهزمهم الله - عز وجل -، قال يعلى بن عطاء: فحدثني أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا: لم يبق منا أحد إلا امتلأت عينه وفمه ترابا وسمعنا صلصلة بين السماء والأرض كإمرار الحديد على الطست5 الحديد6.

ثم ساق سندا آخر فقال: ثنا عفان1 ثنا حماد بن سلمة أنا يعلى ابن عطاء عن عبد الله بن يسار أبي همام عن أبي عبد الرحمن الفهري، قال: "كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة حنين فسرنا في يوم قائظ، فذكر مثله" 2. والحديث أخرجه أبو داود عن موسى3 بن إسماعيل أخبرنا حماد ابن سلمة به وساق منه إلى "فأخرج سرجا دفتاه من ليف ليس فيهما أشر ولا بطر، فركب وركبنا" ثم قال: قال أبو داود: أبو عبد الرحمن الفهري ليس له إلا هذا الحديث. وهو حديث نبيل4 جاء به حماد بن سلمة5. وأخرجه ابن سعد وابن أبي شيبة عن عفان بن مسلم أخبرنا حماد به بتمامه6. وأخرجه الطيالسي عن حماد بن سلمة به وساقه تاما ومن طريقه أخرجه البيهقي7. وأخرجه الدارمي عن حجاج8 بن منهال وعفان قالا: ثنا حماد بن سلمة به9. وأخرجه الطبري عن علي10 بن سهل قال: ثنا مؤمل11 قال: ثنا حماد بن سلمة به12.

وساق كل من الدارمي والطبري إلى "فحدثني أبناؤهم عن آبائهم قالوا: ما بقي منا أحد إلا امتلأت عيناه وفمه ترابا". وأخرجه البزار عن عبد الواحد1 بن غياث، ثنا حماد بن سلمة به، بتمامه2. وفي آخره قال: قال البزار: "ما روى الفهري إلا هذا، وما رواه إلا حماد". وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: روى أبو داود منه إلى قوله "ليس فيه أشر ولا بطر" ورواه البزار والطبراني ورجالهما ثقات3. وأورده ابن حجر وقال: "أصله في سنن أبي داود ورجاله ثقات"4. وساقه ابن كثير في تفسيره عن أحمد وفي آخره قال: وهكذا رواه الحافظ البيهقي في دلائل النبوة من حديث أبي داود الطيالسي عن حماد بن سلمة به5. وفي البداية والنهاية ساق الحديث عن أبي داود الطيالسي وفي آخره قال: ورواه أبو داود السجستاني في سننه عن موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة به نحوه6. وأورده الزرقاني وقال: رواه أحمد وأبو داود والدارمي وابن سعد وابن أبي شيبة والطبراني وابن مردويه7 والبيهقي، ورجاله ثقات، كلهم من حديث أبي عبد الرحمن الفهري8.

وأورده ابن الأثير في ترجمة أبي عبد الرحمن الفهري وقال: رواه حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن أبي همام عبد الله بن يسار عن أبي عبد الرحمن1 الفهري2. وقال ابن حجر في الإصابة: "أخرج حديثه أبو داود والبغوي ووقع لنا بعلو في مسند الدارمي من طريق يعلى بن عطاء عن أبي همام عبد الله بن يسار عنه أنه شهد حنينا"3. والحديث بجميع طرقه يدور على أبي همام عبد الله بن يسار، ووصف بأنه مجهول. ولم يوثقه أحد سوى ابن حبان، وهو متساهل في التوثيق، واعتمد ابن حجر فيه قول ابن المديني "شيخ مجهول". وقد قال ابن حجر أيضا والهيثمي والزرقاني عن هذا الحديث بأن رجاله ثقات4 وقال أبو داود: هو حديث نبيل5، مع أنه يدور على أبي همام المذكور والحديث مع الأحاديث المتقدمة يشد بعضها بعضا. 92- وعند الطبري قال: حدثنا ابن حميد6 قال: ثنا جرير7 عن يعقوب8 عن

جعفر1 عن سعيد2 قال: أمد الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين بخمسة آلاف من الملائكة مسومين3، وقال: ويومئذ سمى الله الأنصار مؤمنين قال: {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا} ، [سورة التوبة، من الآية:40] . 4. والحديث أورده الزرقاني والشوكاني: ونسباه لابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير، ثم ساقا مثل ألفاظ حديث الطبري5 والحديث فيه محمد بن حميد وهو ضعيف وفيه جعفر بن أبي المغيرة، قال ابن مندة6 ليس بالقوي في سعيد بن جبير7، ثم الحديث مقطوع. وهذا الحديث لا تقوم به حجة في كون الملائكة الذين حضورا غزوة حنين كانوا خمسة آلاف. قال الشوكاني: "وقد اختلف في عدد الملائكة الذين اشتركوا في حنين على أقوال: قيل خمسة آلاف، وقيل ثمانية آلاف، وقيل ستة عشر ألفا، وقيل غير ذلك وهذا لايعرف إلا من طريق النبوة8.إهـ هذا وقد اختلف أيضا في قتال الملائكة مع المسلمين. قال القسطلاني: "قاتلت الملائكة مع المسلمين في غزوة بدر وحنين"9.

قال الزرقاني: "والجمهور على أنها لم تقاتل يوم حنين كما قدمه المصنف في (بدر) 1 لأن الله تعالى قال: {وَأَنْزَلَ جُنُوداً لمَ تَرَوهَا} ولا دلالة فيه على قتال، وفي تفسير ابن كثير: المعروف من قتال الملائكة إنما كان يوم بدر"2. قال ابن مرزوق3: "وهو المختار من الأقوال، ثم قال الزرقاني: وثالث الأقوال: أنها لم تقاتل في بدر ولا في غيرها، وإنما كانوا يكثرون السواد ويثبتون المؤمنين، وإلا فملك واحد يكفي في إهلاك الدنيا، وهذه شبهة دفعها الإمام السبكي4 بقوله: سئلت عن الحكمة في قتال الملائكة معه - صلى الله عليه وسلم - مع قدرة جبريل على دفع الكفار بريشة من جناحه، فقلت: ذلك لإرادة أن يكون الفعل للنبي - صلى الله عليه وسلم - وتكون الملائكة مددا على عادة مدد الجيوش رعاية لصورة الأسباب وسننها التي أجراها الله في عباده، والله فاعل الجميع"5. إهـ. والخلاصة في هذا أن الآية ذكرت بأن هناك جنودا أنزلها الله في غزوة حنين لتثبيت المؤمنين وتقويتهم، ووردت هذه الآثار تدل على اشتراك الملائكة في هذه الغزوة وهذه الآثار تشد بعضها بعضاً وفيها ما نص العلماء على أن رجالها ثقات وبمجموعها تكون على أقل تقدير من قبيبل الحسن لغيره وجرت عادة المفسرين أنهم يذكرون حول تفسير هذه الآية هذه الآثار وأن المراد بالجنود في الآية هم الملائكة على أن الآية لم تتعرض لعدد الملائكة الذين نزلوا لتأييد المؤمنين، كما أنها لم تتعرض أيضا لبيان أن الملائكة باشرت القتال مع المسلمين.

93- وقد روى الطبري من حديث ابن عباس قال: "لم تقاتل الملائكة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلاّ يوم بدر، وكانت فيما سوى ذلك إمداد1". قال الهيثمي: "رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه عبد العزيز2 بن عمران، ضعيف"3. 94- وأخرج أيضا من حديث ابن عباس قال: "كان سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيض قد أرسلوها إلى ظهورهم، ويوم حنين عمائم حمر، ولم تقاتل الملائكة في يوم إلا يوم بدر، إنما كانوا يكونون عددا ومددا لا يضربون"4. قال الهيثمي: "رواه الطبراني وفيه عمار5 بن أبي مالك الجنبي، ضعفه الأزدي". وقال الشوكاني: "وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال: لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر"6. ويتبن من الروايات السابقة أن الله سبحانه أيد عباده المؤمنين بجنود من عنده لينصر بهم أولياءه ويخذل بهم أعداءه لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، وسواء قاتلت الملائكة فعلا في معركة حنين أو لم تقاتل فإن فائدة نزو لهم تحقق ولاشك سواء كان ذلك عن طريق القتال الفعلي أو عن طريق أمر آخر يريده الله من إنزالهم لنصرة الحق ودحض الباطل وأما اختصاص قتال الملائكة (ببدر الكبرى) دون غيرها من الغزوات فهذا قول فيه نظر وذلك لما ثبت في صحيح البخاري ومسلم ومسند أبي داود الطيالسي من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: 95- "لقد رأيت يوم أحد، عن يمين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن يساره، رجلين عليهما ثياب بيض يقاتلان عنه كأشد القتال، ما رأيتهما قبل ولا بعد".

وفي لفظ لمسلم: "ما رأيتهما قبل ولا بعد يعني جبريل وميكائيل - عليهما السلام - " 1. ولفظ الطيالسي: "ما رأيتهما قبل ذلك اليوم ولا بعده". قال النووي - رحمه الله -: "في الحديث بيان كرامة النبي صلى الله عليه وسلم على الله تعالى، وإكرامه إياه بإنزال الملائكة تقاتل معه، وبيان أن الملائكة تقاتل، وأن قتالهم لم يختص بيوم بدر، وهذا هو الصواب، خلافا لمن زعم اختصاصه، فهذا صريح في الرد عليه. وفيه: فضيلة الثياب البيض، وأن رؤية الملائكة لا تختص بالأنبياء، بل يراهم الصحابة والأولياء". وفيه: منقبة لسعد بن أبي وقاص الذي رأى الملائكة". والله أعلم2.

_ (البخاري: الصحيح 5/81 كتاب المغازي - باب إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا، 7/128 كتاب اللباس، باب الثياب البيض. ومسلم: الصحيح 4/1802 كتاب الفضائل، باب في قتال جبريل وميكائيل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - واللفظ له. وأبو داود الطيالسي: كما في منحة المعبود 2/100) . 2 شرح صحيح مسلم 5/163. وتقدم ص 180 رؤية حارثة بن النعمان لجبريل، وقد ثبتت رؤية الصحابة لجبريل في غزوة بني قريظة في صورة دحية الكلبي. وهذه الأحاديث ترد ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لشيبة: "يا شيب إنه لا يراها إلا كافر" أي الملائكة. انظر ص 262.

الفصل الرابع: ما أسفرت عنه معركة حنين من ضحايا وغنائم

الفصل الرابع: ما أسفرت عنه معركة حنين من ضحايا وغنائم المبحث الأول: خسائر المشركين في هذه الغزوة ... المبحث الأول: خسائر المشركين في هذه المعركة تنحصر خسائر المشركين في هذه المعركة في شيئين: أ- خسائر في الأرواح. ب- خسائر في الأولاد والأموال والعتاد. أ- أما خسائر المشركين في الأرواح فقد فقد المشركون في هذه المعركة من رجالهم وأبطالهم وأهل النجدة فيهم ما يزيد على مئات القتلى. ذلك أن معركة حنين من المعارك الفاصلة التي لم ير المسلمون مثلها ضراوة وشدة في عهدهم الأول. لقد استمات فيها المشركون وقاتلوا ببسالة نادرة فقتل من بني مالك وحدهم سبعون1 رجلا يتساقطون في ساحة المعركة واحدا تلو الآخر، وهم مصممون على الانتصار يوضح ذلك الآثار الآتية: 96- قال ابن إسحاق: "فلما انهزمت هوازن استحر2 القتل من ثقيف في بني

مالك، فقتل منهم سبعون رجلا تحت رايتهم فيهم عثمان ابن عبد الله بن ربيعة بن الحارث بن حبيب1، وكانت رايتهم مع ذي الخمار، فلما قتل أخذها عثمان بن عبد الله فقاتل بها حتى قتل"2. هكذا ساق ابن إسحاق بدون إسناد. ومن طريقه أخرجه الطبري3. 97- قال ابن إسحاق: وحدثني يعقوب4 بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنه قتل مع عثمان بن عبد الله غلام له نصراني أغرل5 قال: فبينا رجل من الأنصار يسلب قتلى ثقيف، إذ كشف العبد يسلبه، فوجده أغرل، قال: "فصاح بأعلى صوته: يا معشر العرب: يعلم الله أن ثقيفا غرل، قال المغيرة6 بن شعبة فأخذت بيده وخشيت أن تذهب عنا في العرب، فقلت: لا تقل ذاك، فداك أبي وأمي، إنما هو غلام لنا نصراني، قال: ثم جعلت أكشف له عن القتلى وأقول له: ألا تراهم مختنين كما ترى". قال ابن إسحاق: "وكانت راية الأحلاف مع قارب بن الأسود، فلما انهزم الناس أسند رايته إلى شجرة، وهرب هو وبنو عمه وقومه من الأحلاف، فلم يقتل من

الأحلاف غير رجلين: رجل من غيرة1 يقال له وهب، وآخر من بني كبة2 يقال له: "الجلاح3 فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين بلغه قتل الجلاح: قتل اليوم سيد شباب ثقيف، إلا من كان من ابن هنيدة، يعني الحارث بن أويس"4 ومن طريق ابن إسحاق أخرجه الطبري5. والحديث معضل6. والحاصل: أن ابن إسحاق ذكر أنه قتل من بني مالك وحدهم سبعون رجلا تحت رايتهم. وذكر الواقدي: "أنه قتل منهم ما يقارب المائة". وقال القسطلاني: "قتل من المشركين أكثر من سبعين قتيلاً"7. ولم يقيده ببني مالك أو غيرهم. وجمع الزرقاني بين الروايات فقال: قوله: "قتل من المشركين أكثر من سبعين" أي وقت الحرب فلا ينافي حديث أنس عند البزار أن الزبير ومن معه قتلوا ثلاثمائة لأنه بعد انهزام الكفار ولا يخالف قوله: "أكثر من سبعين" قول ابن إسحاق وغيره واستحر القتل من بني مالك من ثقيف فقتل منهم سبعون رجلا تحت رايتهم. وما رواه البيهقي عن عبد الله8 بن الحارث عن أبيه قال: قتل من أهل

الطائف يوم حنين مثل ما قتل يوم بدر، لأن الزائد على السبعين ممن اجتمع معهم من الأخلاط1. ا?. قلت: حديث البيهقي المشار إليه رواه أيضا الحاكم، ومن طريقه أخرجه البيهقي2. وحديث البزار هو: حدثنا علي3بن شعيب وعبد الله4 بن أيوب المخرمي ثنا علي5 بن عاصم، ثنا سليمان6 التيمي عن أنس قال: قال غلام منا من الأنصار يوم حنين: لم نغلب اليوم من قلة، فما هو إلا أن لقينا عدونا فانهزم القوم7، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلة له، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بلجامها، والعباس عمه آخذ بغرزها، وكنا في واد دهس، فارتفع النقع، فما منا أحد يبصر كفه، إذا شخص قد أقبل فقال8: إليك من أنت؟ قال أنا أبو بكر فداك أبي وأمي، وبه بضعة9 عشر ضربة، ثم إذا شخص قد أقبل فقال: إليك من أنت؟ فقال: أنا عمر بن الخطاب فداك أبي وأمي، وبه بضعة عشر ضربة، وإذا شخص قد أقبل وبه بضعة عشر ضربة فقال: إليك من أنت؟ فقال: أنا عثمان بن عفان فداك أبي وأمي، ثم إذا شخص قد أقبل، وبه بضعة عشر ضربة فقال: إليك من أنت؟ فقال: أنا علي بن أبي طالب فداك أبي

وأمي، ثم أقبل الناس، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "ألا رجل صَيّت1 ينطلق فينادي في القوم"، فانطلق رجل2 فصاح، فما هو إلا أن وقع صوته في أسماعهم، فأقبلوا راجعين فحمل النبي - صلى الله عليه وسلم - وحمل المسلمون معه، فانهزم المشركون وانحاز دريد بن الصمة على جبيل. أو قال: على أكمة في زهاء ستمائة، فقال له بعض أصحابه: أرى والله كتيبة قد أقبلت، فقال: "حلوهم3 لي، فقالوا: سيماهم كذا حليتهم كذا، قال لا بأس عليكم، قُضاعة4. منطلقة في آثار القوم، قالوا: نرى والله كتيبة خشناء قد أقبلت، قال: حلوهم لي: قالوا: سيماهم كذا من هيئتهم كذا، قال: لا بأس عليكم هذه سليم5، قالوا: نرى فارسا قد أقبل، فقال: ويلكم وحده، فقالوا: وحده، قال: حلوه لي، قالوا: معتجر بعمامة سوداء قال دريد: ذاك -والله-الزبير6 بن العوام وهو - والله - قاتلكم ومخرجكم من مكانكم هذا، قال فالتفت إليهم، فقال: علام، هؤلاء ها هنا؟ فمضى ومن أتبعه، فقتل بها ثلاثمائة وجز رأس دريد7

ابن الصمة، فجعله بين يديه" 1. قال البزار: "لا نعلم رواه بهذا اللفظ إلا سليمان التيمي عن أنس ولا عن سليمان إلا علي"2. وحسن إسناده ابن حجر. وهذا أكثر ما وقفت عليه في عدد القتلى من المشركين يوم حنين. وقد صرح الزرقاني بأن هؤلاء القتلى الواردون في حديث البزار إنما كان بعد انسحاب المشركين من المعركة3. وتقدم قول ابن إسحاق بأنه قتل من بني مالك وحدهم سبعون رجلا وعند الواقدي نحو مائة4. هذا ما رواه ابن إسحاق أيضا بقوله: 98- واستحر القتل من بني نصر في بني رئاب، فزعموا أن عبد الله5 بن قيس وهو الذي يقال له ابن العواء، وهو أحد بني وهب بن رئاب قال: يا رسول الله،

هلكت بنو رئاب فزعموا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: اللهم اجبر مصيبتهم 1. وهكذا ذكر ابن سعد إلا أنه قال: "واستحر القتل في بني نصر بن معاوية ثم في بني رئاب"2. وبنو رئاب غير بني مالك، ومعلوم أن قبيلة بني نصر من أهم أجنحة هوازن، فهي تعد بالمئات، ومعنى تصريح أحد أفرادها بأن القتل كاد يفنيها أن قتلها بلغوا المئات، وهاتان فقط قبيلتان من قبائل هوازن الكثيرة يظهر من حديث المؤرخين عن ضحاياها أنها بلغت المئات، فكم تكون الضحايا بين العشائر الأخرى من سائر قبائل هوازن وغيرها التي اشتركت في المعركة لاشك أنها تعد بالمئات كذلك، وقد نظر الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى هذه المعركة، فقال عنها: "الآن حمي الوطيس". وهذا القول لم يصدر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وصف أية معركة من المعارك التي خاضها طيلة حياته، مما يدل على عظم خطرها وكثرة ضحاياها، وقد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمطاردة المشركين وقتل من قدر عليه منهم. فقد روى البزار من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: 99- حدثنا الوليد3 بن عمرو بن سَكَيْن ثنا محمد4 بن عبد الله بن المثنى عن أبيه5 عن ثمامة6 عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم حنين: "جزوهم7 جزا وأومأ بيده إلى الحلق".

قال البزار: "لا نعلم رواه إلا أنس، ولا له عنه إلا هذا الطريق1، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد ثم قال: "رواه البزار ورجاله ثقات"2. وكذا قال ابن حجر والزرقاني3. 100- وعند الواقدي: عن شيوخ من ثقيف - أسلموا بعد وكانوا حضروا ذلك اليوم - قالوا: ما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طلبنا فيما نرى ونحن مولون حتى إن الرجل منا ليدخل حصن الطائف وإنه ليظن أنه على أثره من رعب الهزيمة4. 101- وعنده أيضا أن سعد بن عبادة كان يصيح يومئذ بالخزرج: يا للخزرج، وأسيد بن حضير: يا للأوس ثلاثا، فثابوا والله من كل ناحية كأنهم النحل إلى يعسوبها، قال: فحنق المسلمون عليهم حتى أسرع المسلمون في قتل الذرية فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ما بال أقوام ذهب بهم القتل حتى بلغ الذرية، ألا لا تُقتل الذرية ثلاثا". قال أسيد بن حضير: "يا رسول الله، أليس إنما هم أولاد المشركين؟ " فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أوليس خياركم أولاد المشركين؟ كل نسمة تولد على الفطرة حتى يعرب5 عنها لسانها، فأبواها يهودانها أو ينصرانها" 6. وعند أحمد من حديث الأسود بن سريع أن "رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث سرية يوم حنين فقاتلوا المشركين فأفضى بهم القتل إلى الذرية، فلما جاءوا، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما حملكم على قتل الذرية؟ " قالوا: "يا رسول الله إنما كانوا أولاد المشركين؟ " قال: "أو هل خياركم إلاّ أولاد المشركين؟،

والذي نفس محمّد بيده ما من نسمة تولد إلاّ على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها" 1. وفي حديث أنس بن مالك عند أبي داود وغيره أن أبا طلحة2 وحده قتل عشرين رجلا وأخذ أسلابهم وهذا سياقه عند أبي داود قال: حدثنا موسى3 بن إسماعيل حدثنا حماد4 عن إسحاق5 بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يومئذ - يعني يوم حنين6- "من قتل كافراً فله سلبه"، فقتل أبو طلحة يومئذٍ عشرين رجلاً، وأخذ أسلابهم. ولقي أبو طلحة أم سليم7 ومعها خنجر، فقال: يا أم سليم ما هذا معك؟ قالت: أردت والله إن دنا مني بعضهم أبعج به بطنه، فأخبر بذلك أبو طلحة رسول الله - صلى الله عليه وسلّم -". قال أبو داود: "هذا حديث حسن"8. ورواه الدارمي وابن أبي شيبة والطحاوي كلهم من طريق حماد بن سلمة دون "قصة أم سليم"9. وأخرجه ابن حبان من طريق حماد بن سلمة "بقصة أبي طلحة" وزاد: قال أبو قتادة10: "يا رسول الله ضربت رجلا على حبل العاتق عليه درع فأجهضت، فقال رجل: أنا أخذتها فارضه منها وأعطنيها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يسأل

شيئا إلا أعطاه أو سكت، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم" فقال عمر1 رضي الله عنه: "والله لا ينعمها الله على أسد من أسده ويعطيكها، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: صدق عمر". قال الهيثمي: "قصة أبي قتادة في الصحيح2 من حديث أبي قتادة، وهذا الحديث كله من حديث أنس". وله طرق تأتي في غزوة حنين3. وأخرجه أبو داود الطيالسي وأحمد والحاكم والبيهقي الجميع من طريق حماد بن سلمة به. ولفظه: عن أنس بن مالك أن هوازن جاءت يوم حنين بالنساء والصبيان والإبل والغنم فجعلوها صفوفا وكثرن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما التقوا ولى المسلمون مدبرين كما قال الله عز وجل:4، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عباد الله أنا عبد الله ورسوله ثم قال: يا معشر الأنصار أنا عبد الله ورسوله"، فهزم الله المشركين، ولم يضربوا بسيف ولم يطعنوا برمح قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: "من قتل كافرا فله سلبه". قال: فقتل أبو طلحة5 يومئذ عشرين رجلا وأخذ أسلابهم، وقال قتادة: "يا رسول الله إني ضربت رجلا على حبل العاتق وعليه درع له وأجهضت عنه". وقد قال حماد: "أيضا فأجهضت عنه - فانظر من أخذها قال رجل فقال: أنا أخذتها، فارضه منها، وأعطينها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسأل شيئا إلا أعطاه أو

سكت، قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقال عمر: والله لا يفيئها الله على أسد من أسده ويعطيكها، قال: فقال رسول الله: "صدق عمر" فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "صدق عمر" ولقى أبو طلحة أم سليم ومعها خنجر فقال أبو طلحة: ما هذا معك: قالت: أردت إن دنا مني بعض المشركين أن أبعج به بطنه. فقال أبو طلحة: ألا تسمع ما تقول أم سليم؟ قالت: يا رسول الله اقتل من بعدنا من الطلقاء انهزموا بك، فقال: "إن الله قد كفى وأحسن يا أم سليم" 1 لفظ أحمد. قال الحاكم بعد إخراجه صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وسكت عنه الذهبي. وفي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن علي بن أبي طالب ورجلا من الأنصار رضي الله عنهما قتلا صاحب راية هوازن2. 102- وفي حديث سلمة ابن الأكوع - رضي الله عنه - قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هوازن، فبينا نحن نتضحى3 مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل على جمل أحمر فأناخه، ثم انتزع طلقا من حقبه فقيد به الجمل، ثم تقدم يتغذى مع القوم، وجعل ينظر، وفينا ضعفة ورقة في الظهر، وبعضنا مشاة، إذ خرج يشتد فأتى جمله فأطلق قيده ثم أناخه وقعد عليه فأثاره، فاشتد بالجمل، فاتبعه رجل على ناقة ورقاء، قال

سلمة: وخرجت أشتد فكنت عند ورك الناقة ثم تقدمت حتى كنت عند ورك الجمل ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل فأنخته، فلما وضع ركبته في الأرض اخترطت سيفي فضربت رأس الجمل فندر ثم جئت بالجمل أقوده عليه رحله وسلاحه فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه فقال: "من قتل الرجل؟ ". قالوا: ابن الأكوع، قال: "له سلبه أجمع" 1. 103- وأخرج عبد الرزاق عن الثوري2 عن أبي فزارة3 عن عبد الرحمن4 بن أبي عمرة قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين بامرأة مقتولة فقال: ألم أنه عن هذا؟ فقال رجل: "أردفتها، فأرادت أن تقتلني، فقتلتها، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بدفنها" 5. هذا الذي توصلت إليه من قتلى هوازن في هذه المعركة ولم تذكر المصادر أسماء القتلى سوى: 1- دريد بن الصمة. 2- عثمان بن عبد الله بن ربيعة بن حبيب كان ممن حمل راية هوازن في حنين. 3- غلام نصراني لعثمان بن عبد الله. 4- الجلاح، أو اللجلاج. 5- رجل يقال له وهب. 6- ذو الخمار سبيع بن الحارث بن مالك وكان حاملا لراية بني مالك من ثقيف6.

هكذا كانت ضحايا هوازن في هذه المعركة تعد بالمئات من القتلى. ب- أما عن خسارتهم في الأهل والأولاد والأموال والعتاد، فقد فقدوا أفلاذ أكبادهم وأغلى أموالهم، ذلك أن مالك بن عوف ساق مع الناس أموالهم ونساءهم وأولادهم، وكان يهدف من رواء ذلك أن يكثر على المسلمين من ناحية وأن يحرض قومه على القتال والصمود في المعركة للدفاع عن أطفالهم ونسائهم من ناحية، وأن لا يفكر واحد منهم في الفرار. فصارت جميع تلك الأموال والنساء والنعم بأنواعها رزقا ساقه اله للمسلمين على يد هؤلاء الكفار الذين قذف الله في قلوبهم إخراج أموالهم ونعمهم وشائهم وذراريهم معهم. فعند أبي داود وغيره من حديث سهل بن الحنظلية إنهم ساروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فأطنبوا السير حتى كان عشية فحضرت صلاة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل فارس فقال: يا رسول الله إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن على بكرة آبائهم بظعنهم ونعمهم وشائهم، اجتمعوا إلى حنين، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله" الحديث1. وفي حديث انس بن مالك قال: "لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان وغيرهم بذراريهم ونعمهم"2. وفي حديث جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سار إلى حنين لما فرغ من فتح مكة، جمع مالك بن عوف النصرى من بني نصر وجشم ومن سعد بن بكر وأوزاع من بني هلال، وناسا من بني عمرو بن عامر وعوف بن عامر، وأوزعت معهم الأحلاف من ثقيف وبني مالك، ثم سار بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسار مع الأموال والنساء والأطفال" الحديث3. وفي حديث أنس بن مالك أن هوازن جاءت يوم حنين بالصبيان والإبل والنساء والنعم فجعلوهم صفوفا يكثرون على رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث4. وعند ابن إسحاق وغيره أن هوازن لما اجتمعت على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم سألت

دريد بن الصمة الرياسة عليها فقال: "وما ذاك، وقد عمي بصري وما أستمسك على ظهر الفرس، ولكن أحضر معكم لأشير عليكم رأيي بشرط أن لا أخالف فإن ظننتم أني مخالف أقمت ولم أخرج، فقالوا: لا نخالفك، وجاءه مالك، وكان جماع مرهم إليه، فقال له: لا نخالفك فيما تراه، فقال: تريد أنك تقاتل رجلا كريما قد أوطأ العرب وخافته العجم ومن بالشام وأجلى يهود الحجاز إما قتلا وإما خروجا عن ذل وصغار، ويومك هذا الذي تلقى فيه محمدا ما بعده يوم". قال مالك: "إني لأطمع أن ترى ما يسرك، قال دريد: منزلي حيث ترى فإذا جمعت الناس سرت إليك، فلما خرج مالك بالظعن والأموال وأقبل دريد قال لمالك أسمع بكاء الصغير ورغاء البعير ونهاق الحمير وخوار البقر؟ قال مالك: أردت أن أجعل خلف كل إنسان أهله وماله يقاتل عنهم. فانتقص به دريد وقال: راعي ضأن والله ما له وللحرب، وصفق بإحدى يديه على الأخرى تعجبا، وقال: هل يرد المنهزم شيء؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك، إنك لم تصنع بتقديم بيضة هوازن إلى نحور الخيل فارفع الأموال والنساء والذراري إلى ممتنع بلادهم ثم ألق القوم على متون الخيل والرجال بين أصناف الخيل، فإن كانت لك لحق بك من وراءك وإن كانت عليك ألفاك ذلك وقد أحرزت أهلك ومالك، فقال مالك: والله لا أفعل ولا أغير أمرا فعلته، إنك قد كبرت وكبر عقلك، فغضب دريد وقال: يا معشر هوازن ما هذا برأي إن هذا فاضحكم في عوراتكم وممكن منكم عدوكم ولا حق بحصن ثقيف وتارككم، فانصرفوا وتركوه، فسل مالك سيفه وقال: إن لم تطيعوني لأقتلن نفسي، وكره أن يكون لدريد فيها ذكر أو رأي، فمشى بعضهم إلى بعض فقالوا: لئن عصيناه ليقتلن نفسه وهو شاب ونبقى مع دريد وهو شيخ كبير لا قتال معه فأجمعوا رأيكم مع مالك، فلما رأى دريد أنهم خالفوه قال: يا ليتني فيها جذع ... أخب فيها وأضع أقود وطفاء الزمع ... كأنها شاة صدع1

وهذه الأحاديث وغيرها يؤخذ منها كثرة ما خرجت به هوازن من الجموع والأموال والنساء والأطفال، وأما عن إحصاء هذه الغنائم فقد ذكر ابن إسحاق: 104- أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من سبي هوازن ستة آلاف من الذراري والنساء ومن الإبل ما لا يدري ما عدته1. ومن طريق ابن إسحاق أخرجه الطبري إلا أنه قال: "وكان معه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من سبي هوازن من النساء والذراري عدد كثير، ومن الإبل ستة آلاف بعير، ومن الشاء ما لا يحصى" 2. وعنده ابن سعد قال: "وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسبي والغنائم تجمع، فجمع ذلك كله وحدروه إلى الجعرانة، فوقف إلى أن انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، من الطائف وهم في حظائرهم3 يستظلون بها من الشمس، وكان السبي ستة آلاف رأس4، والإبل أربعة وعشرين ألف بعير والغنم أكثر من أربعين ألف شاة، وأربعة آلاف أوقية فضة" 5. 105- وقال غروة وموسى بن عقبة عن الزهري: ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف وترك السبي بالجعرانة وملئت عرش6 مكة منهم"7.

هكذا ذكر أهل المغازي هذه الأعداد بدون إسناد، وقد ورد في الأحاديث الآتية: 106- ما رواه الطبري من مرسل عروة بن الزبير قال: "سار رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين من فوره ذلك - يعني منصرفه من حنين - حتى نزل الطائف، فأقام نصف شهر يقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقاتلتهم ثقيف من وراء الحصن، ولم يخرج إليه في ذلك أحد منهم" الحديث. وفيه: "ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يحاصرهم إلا نصف شهر حتى نزل الجعرانة، ويزعمون أن ذلك السبي الذي أصاب يومئذ من هوازن كان عدته ستة آلاف من نسائهم وأبنائهم" الحديث1. 107- وعنده أيضا قال: حدثنا ابن عبد الأعلى2، قال ثنا محمد3 بن ثور عن معمر عن قتادة عن الزهري عن سعيد بن المسيب: "أنهم أصابوا يومئذ ستة آلف سبي، ثم جاء قومهم مسلمين بعد ذلك فقالوا: يا رسول الله أنت خير الناس وأبر الناس، وقد أخذت أبناءنا ونساءنا وأموالنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن عندي من ترون، وإن خير القول أصدقه اختاروا إما ذراريكم ونساءكم، وإما أموالكم، قالوا: ما كنا نعدل بالأحساب شيئا" الحديث4. ورواه عبد الرزاق وابن سعد كلاهما من طريق الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب به5. وأصل هذا الحديث في صحيح البخاري من حديث مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة "دون ذكر عدد السبي".

108 - ولفظه عن ابن شهاب عن عروة أن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة أخبراه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم، فقال لهم: معي من ترون، وأحب الحديث إلي أصدقه، فاختاروا إحدى الطائفتين: إما السبي وإما المال، الحديث وفيه "فلما تبين لهم أن النبي صلى الله عليه وسلم غير راد إليهم إلا أحدى الطائفتين، قالوا: فانا نختار سبينا" 1.قال ابن حجر: "تقدم ذكر الحديث من وجهين عن الزهري، وقد تقدم في أول الشروط في قصة صلح الحديبية2 أن الزهري رواه عن عروة عن المسور ومروان عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فدل على أنه في بقية المواضع حيث لا يذكر عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه يرسله، فإن المسور يصغر في عن إدراك القصة، ومروان أصغر منه، نعم كان المسور في قصة3 حنين مميزا فقد ضبط في ذلك الأوان قصة خطبة علي بن أبي طالب لابنة أبي جهل، والله أعلم4 إهـ. 109 - وأخرج الحاكم قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد5 بن يعقوب ثنا الحسين6 بن علي القباني ثنا المنذر7 بن الوليد الجارودي ثنا عبد الأعلى8 بن

عبد الأعلى ثنا يحيى1 بن سعيد الأنصاري حدثني أبو الزبير2 عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطائف في غزوة حنين فلما بلغ الجعرانة قسم فضة بين الناس" 3. ثم قال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه". وسكت عنه الذهبي. والأحاديث الواردة في هذا الباب فيما غنمه المسلمون من هوازن كثيرة جدا تقدم بعضها في مبحث "استعداد هوازن العسكري"4. وسيأتي بعضها أيضا في الباب الثاني عند التعرض لقسم الغنائم وهذه الغنائم تتمثل في الإبل والغنم والبقر والسبي وهي غنائم كثيرة لم تحصل للمسلمين في غزواتهم والأموال، فآلت هذه كلها إلى المسلمين غنيمة ساقها الله عليهم. وكانت هذه الغنائم التي حازها المسلمون في غزوة حنين قد سيقت إلى الجعرانة وحفظت هناك حتى عاد الرسول صلى الله عليه وسلم من حصار الطائف. وقد اختلفت الروايات الواردة فيمن استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على حفظ الغنائم وهي على النحو الآتي: 110 أ- قال ابن إسحاق: ثم جمعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا حنين وأموالها، وكان على المغانم مسعود5 بن عمرو القاري، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم

بالسبايا والأموال إلى الجعرانة فحبست1 بها". ب- وفي مرسل سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبى يوم حنين ستة آلاف بين غلام وامرأة فجعل عليهم أبا سفيان بن حرب2. 111- ج- وأخرج البخاري في التاريخ قال: حدثني سعيد3بن يحيى قال حدثني أبي4عن ابن إسحاق5 فحدثني ابن أبي عبلة6 عن ابن بديل7 بن ورقاء عن أبيه8 أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بديلا أن يحبس السبايا والأموال بالجعرانة حتى يقدم عليه فحبسه" 9. والحديث رواه البزار والطبراني كلاهما من طريق إبراهيم10 بن سعيد الجوهري ثنا يحيى بن سعيد الأموي به11.

وأورده الهيثمي ثم قال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط والبزار عن ابن بديل عن أبيه ولم يسم ابن بديل، وبقية رجاله ثقات1. وأورده ابن حجر ثم قال: رواه البخاري في تاريخه والبغوي وإسناده حسن2. د- قال ابن حجر: قال الزبير3 بن بكار: حدثني محمد4 بن سلام حدثني يزيد5 بن عياض قال: 112- استعمل النبي صلى الله عليه وسلم على النفل يوم حنين أبا الجهم6 بن حذيفة العدوي، فجاء خالد7 بن البرصاء فتناول زماما من شعر فمنعه أبو جهم فقال: "إن نصيبي فيه أكثر، فتدافعا فعلاه أبو جهم فشجه8 منقلة، فقضى فيها النبي صلى الله عليه وسلم بخمس عشرة فريضة، ورواه الزبير من وجه آخر موصولا ولم يسم خالدا، وأخرجه أبو داود والنسائي من طريق معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث

أبا جهم بن حذيفة مصدقا، فلاجه1 رجل فضربه أبو جهم فشجه فذكر الحديث بمعناه ولم يسم خالدا أيضا.2اهـ. قلت: والحديث أخرجه أيضا ابن ماجة3. والخلاصة: أن الأحاديث الواردة فيمن ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الغنائم يوم حنين أمثلها حديث بديل بن ورقاء، وأما حديث ابن إسحاق فإنه ذكر ذلك بدون إسناد. وأما ما رواة عبد الرزاق من توليه أبي سفيان، فقال الزرقاني: هذا فيه نظر فإن أبا سفيان شهد الطائف، فإن صح فكأنه جعله عليها أولا ثم بداله فجعل غيره وسار هو معه. وحديث الزبير بن بكار معضل. وما ذكر من الموصول، فإنه وارد في جباية الصدقات لا في الغنائم. وأيضا فإن خالد بن البرصاء الذي هو صاحب القصة غير موجود في الحديث الموصول. على أنه يمكن التوفيق بين هذه الآثار بجواز أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم ولاهم جميعا على حفظ الغنائم بجعل كل واحد منهم على نوع من الغنائم، وهذا غير بعيد لأن الغنائم كانت كثيرة جدا ومتنوعة من السبايا والبقر والإبل والغنم والحمير، وهذه الأنواع الكثيرة تحتاج في حفظها إلى تعدد الولاة المسئولين عنها، نظرا لكثرتها فلا يقوم بها إلا عدد من الولاة. والله أعلم.

_ 1 فلاجه: نازعه وخاصمه من اللجاج، وفي نسخة للخطابي: فلاحاه: بالحاء المهملة منقوصا وهما بمعنى. (محمد شمس الحق العظيم آبادي: عون المعبود 12/266) . 2 الإصابة 1/402 وانظر الروض الأنف للسهيلي 7/482. 3 وانظر الحديث عند أبي داود في سننه 2/489 كتاب الديات، باب العامل يصاب على يديه خطأ. والنسائي: السنن 8/31 كتاب القسامة، باب السلطان يصاب على يديه. وابن ماجه: السنن 2/881 كتاب الديات، باب الجارح يفتدي بالقود. ولكن الحديث عن أصحاب السنن إنما هو في جباية الصدقة.

المبحث الثاني: إصابات المسلمين في هذه الغزوة

المبحث الثاني: إصابات المسلمين في هذه الغزوة كانت إصابات المسلمين في هذه الغزوة طفيفة رغم خطورة المعركة وشدة وطأتها وضخامتها، وهذه الإصابات تتمثل في جراحات لحقت بعضهم واستشهاد أربعة منهم كما تدل على ذلك الأحاديث الآتية: 113- ما رواه البخاري قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا إسماعيل1 رأيت بيد بن أبي أوفى ضربة قال: "ضربتها مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين". قلت: "شهدت حنينا؟ " قال: "قبل2 ذلك3. والحديث رواه الحميدي وابن أبي شيبة وأحمد وابن سعد كلهم من طريق إسماعيل بن أبي خالد. ولفظه عند الحميدي: سمعت عبد الله بن أبي أوفى يقول: "اعتمرن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكنا نستره حين طاف من صبيان أهل مكة لا يؤذونه". قال سفيان4: "أراه في عمرة القضاء".

قال إسماعيل: "وأرانا ابن أبي أوفى ضربة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين" 1. ورواه أحمد وفيه زيادة دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم على الأحزاب وفيه قال إسماعيل: "ورأيت بيده ضربة على ساعده فقلت: ما هذه؟ " قال: "ضربتها يوم حنين، فقلت له أشهدت معه حنينا؟ " قال: "نعم وقبل ذلك" 2. 114- ما رواه الحميدي قال: حدثنا سفيان قال: ثنا معمر عن الزهري عن عبد الرحمن3 بن أزهر قال: جرح خالد4 بن الوليد يوم حنين فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا غلام وهو يقول: "من يدل على رحل خالد بن الوليد؟ " فخرجت أسعى بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقول: من يدل على رحل خالد بن الوليد؟ حتى أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مستند إلى رحل قد أصابته جراحة فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده، ودعا له، وأرى5 فيه: نفث عليه 6.

والحديث صحيح وقد رواه أيضا عبد الرزاق وأحمد وأبو عوانة كلهم من طريق الزهري انه سمع عبد الرحمن بن أزهر يسأل عن رحل خالد بن الوليد. الحديث1. وفي حديث أنس بن مالك عند البزار في وصف المعركة وفيه: "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بلجامها، والعباس عمه آخذ بغَرْزها2، وكنا في واد دهس، فارتفع النقع، فما منا أحد يبصر كفه، إذ شخص قد أقبل، فقال: إليك من أنت؟ " قال: "أنا أبو بكر فداك أبي وأمي وبه بضعة عشر ضربة، ثم إذا شخص أقبل وبه بضعة عشر ضربة، فقال: إليك من أنت؟ " فقال علي بن أبي طالب: "فداك أبي وأمي". الحديث3. هذا ما توصلت إليه من الإصابات التي لحقت بالمسلمين وأما الذين استشهدوا في حنين فقد ذكر ابن إسحاق إمام أهل المغازي والسير أربعة4. 115- حيث قال: "وهذه تسمية من استشهد يوم حنين من المسلمين، من قريش ثم من بني هاشم": 1- أيمن5 بن عبيد.

ومن بنى أسد بن عبد العزى: 2- يزيد1 بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد. جمح به فرس يقال له الجناح2 فقتل. ومن الأنصار: 3- سراقة بن الحارث بن عدي من بني العجلان3. ومن الأشعريين: 4- أبو عامر4 الأشعري5. هكذا ذكر ابن إسحاق بدون إسناد، ومن طريقة أخرجه الطبري6، وخليفة بن الخياط7 إلا أنه قال: سراقة بن "الحباب"، بدل سراقة بن "الحارث"8. وذكر الواقدي ما ذكره ابن إسحاق إلا أنه جعل الثاني "رقيم بن ثابت بن ثعلبة بن زيد بن لوذان".

وذكر يزيد بن زمعة فيمن استشهد بالطائف1. هذا ما وقفت عليه في عدد شهداء المسلمين في غزوة حنين. وبعض2 الباحثين المعاصرين يستبعد ذلك ويرى أن قتلى المسلمين في هذه الغزوة يبلغون المئات، مستدلا بشدة المعركة وضراوتها وانهزام المسلمين في بداية المعركة أمام نبال قبائل هوازن التي صبت عليهم وادعي أن المؤرخين سجلوا ما نقله الرواة بأمانة لكن واقع المعركة وجودها يقتضي مزيدا من الضحايا، وأخذ يذكر أنه لا يوجد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم قسم إداري يهتم بإحصاء عدد القتلى ويقدم بهم قوائم وفق النظام المتبع في الجيوش العصرية، ولا يوجد ديوان إحصاء للجند يسجل فيه المنخرطون في سلك الجيش الإسلامي، بحيث يمكن الرجوع إلى هذا السجل لمعرفة عدد الشهداء المفقودين، وأضاف أن الجيش الإسلامي مؤلف من قبائل متفرقة فلما انتهت المعركة عادوا إلى أماكنهم كل قبيلة تعرف شهداءها، وفات تسجيل ذلك على المؤرخين لأن الاهتمام بتدوين أخبار المغازي والحروب الإسلامية لم يكن إلا في أواسط القرن الثاني الهجري، فلا يتمكن العلماء في هذا الزمن المتأخر من الاتصال بأولئك البدو المتفرقين في جنبات الجزيرة. هذه خلاصة أدلة هذا الباحث في استبعاد أن يكون شهداء المسلمين في هذه الغزوة أربعة فقط كما ذكر ذلك المؤرخون المختصون بذلك. والظاهر أن ما ذكره من الأدلة غير مسلم به في جملته لأن فرار المسلمين أمام نبال هوازن لا يلزم منه كثرة القتل في المسلمين وإنما يلزم منه كثرة الإصابات من جراحات وغير ذلك، ولأن عدم وجود قسم إداري يهتم بالإحصاء وعدم وجود سجل يدون فيه عدد الجيش الإسلامي لا يلزم منه هذه المفارقات الكبيرة في تسجيل الأحداث، ذلك أنّ المؤرخين المختصين قالوا: إن عدد القتلى أربعة فقط وصاحب هذه

الدعوى يقول عنهم يبلغون المئات والتوفيق في مثل هذه الحال بين هذين القولين محال، ولا يمكن أن يفوت على المسلمين مئات القتلى منهم دون أن يشيروا إلى ذلك، وهذا مخالف لما عرف عن المسلمين من الاهتمام بالشهداء، ومخالف لما هو معلوم مطرد في المعارك الأخرى من ذكر المسلمين لعدد شهدائهم، وهذا يبعد القول بأن الشهداء كانوا مئات لا أربعة فقط، وتأخر تدوين التاريخ لا يلزم منه أيضاً ما أراده الباحث من فوات ذكر الشهداء، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يهتمون بشهداء كانوا مئات لا أربعة فقط، وتأخر تدوين التاريخ لا يلزم منه أيضا ما أراده الباحث من فوات ذكر الشهداء، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يهتمون بشهداء المعركة، ولأن القبائل على تفرقها تفتخر بشهيد المعركة وتسجيل له ذلك الموقف شعرا ونثرا، وأيضا فقد أحصى المسلمون عدد السبي والإبل والشاء مما غمنوه في هذه الموقعة، أفلا يحصون عدد شهدائهم؟ فعلينا أن ننتهي إلى ما انتهى إليه علماؤنا ولا نتعدى ذلك إلا بأدلة واضحة لا بمجرد الاستنتاج والتلمسات البعيدة.

الباب الثاني: ملاحقة فلول المشركين والأحداث التاريخية التي أعقبت ذلك

الباب الثاني: ملاحقة فلول المشركين والأحداث التاريخية التي أعقبت ذلك الفصل الأول: تعقب الفارين نحو نخلة وأوطاس المبحث الأول: التوجه نحو نخلة ... المبحث الأول: التوجه إلى النخلة لما انهزم المشركون في موقعة حنين وباءوا بالفشل انسحبوا على إثر ذلك وتفرقوا في الجبال والأودية يجرون ذيل الخزي والندامة، تاركين وراءهم كثيرا من أطفالهم ونسائهم وأموالهم، وعند ذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمطاردتهم وتعقبهم تأديبا لهم حتى لا تسول لهم أنفسهم أن يتكتلوا أو ينقضوا على المسلمين مرة أخرى. 116- قال ابن إسحاق: ولما انهزم المشركون، أتوا الطائف ومعهم مالك بن عوف وعسكر بعضهم بأوطاس1 وتوجه بعضهم نحو نخلة2، ولم يكن فيمن توجه نحو النخلة إلا بنو غيرة3 من ثقيف، وتبعت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلك في نخلة

من الناس، ولم تتبع من سلك الثنايا1، فأدرك ربيعة بن رفيع بن أهبان بن ثعلبة بن ربيعة بن يربوع بن سمال بن عوف بن امرئ القيس - وكان يقال له ابن الدغنة2 وهي أمه، فأناخ به، فإذا شيخ كبير3، وإذا هو دريد بن الصمة ولا يعرفه الغلام، فقال له دريد: ماذا تريد؟ قال: أقتلك. قال: ومن أنت؟ قال: أنا ربيعة بن رفيع السلمي، ثم ضربه فلم يغن شيئا فقال: بئس ما أسلحتك أمك!. خذ سيفي هذا من مؤخر الرحل، وكان الرحل في الشجار، ثم اضرب به، وارفع عن العظام 4، واخفض عن الدماغ، فإني كنت كذلك أضرب الرجال ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمة، فرب - والله - يوم قد منعت فيه نساءك. فزعم بنو سليم أن ربيعة لما ضربه تكشف، فإذا عجانه 5 وبطون فخذيه مثل القرطاس6 من ركوب الخيل أعراء 7، فلما رجع ربيعة إلى أمه أخبرها بقتله إياه.

فقالت: أما والله لقد أعتق أمهات1 لك ثلاثا2. هكذا ذكر ابن إسحاق بدون إسناد. والحديث أخرجه الطبري من طريق سلمة3 بن الفضل الأبرش، والطحاوي من طريق عبد الله4 بن إدريس، والبيهقي من طريق يونس5 ابن بكير الجميع من طريق ابن إسحاق6. والحديث يدل على أن قاتل دريد بن الصمة هوربيعة بن رفيع 7، وقد أخذ الشافعي - رحمه الله - من هذا جواز قتل الشيخ الكبير الذي لا يستطيع القتال، فقد جاء في الأم للشافعي ما نصه: 117- قال الربيع 8 بن سليمان قال: قال الشافعي قتل يوم حنين دريد بن الصمة ابن خمسين ومائة سنة في شجار لا يستطيع الجلوس فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر قتله. ثم قال الشافعي: "وقتل أعمى من بني قريظة بعد الإسار وهذا يدل على قتل من لا يقاتل من الرجال البالغين إذا أبى الإسلام والجزية".

قال البيهقي: "الأعمى هو الزَّبِيْر بن باطا القرظي"1. وأورد الطحاوي حديث أبي موسى الأشعري في بعث أبي عامر إلى أوطاس وفيه "فلقي دريد بن الصمة، فقتل دريد وهزم الله أصحابه". ثم قال: قال أبو جعفر: "فذهب قوم إلى هذا، فقالوا: لا بأس بقتل الشيخ الكبير في الحرب، فاستدلوا على ذلك بحديث ابن إسحاق في قتل ربيعة بن رفيع دريدا، ثم قال: قالوا: فلما قتل دريد، وهو شيخ كبير فانٍ لا يدافع عن نفسه، فلم يعب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم، دل ذلك أن الشيخ الفاني يقتل في دار الحرب، وأن حكمه في ذلك حكم الشبان لا حكم النسوان. ثم قال: وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: لا ينبغي قتل الشيوخ في دار الحرب، وهم في ذلك، كالنساء والذرية، ثم أورد ما استدلوا به من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الشيوخ والنساء، ثم قال: فدل ذلك أن من أبيح قتله هو الذي يقاتل، ولكن لما روى حديث دريدا هذا، وهذه الأحاديث الأخر، وجب أن تصحح، ولا يدفع بعضها ببعض". فالنهي من رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل الشيوخ في دار الحرب ثابت في الشيوخ الذين لا معونة لهم على شيء من أمر الحرب، من قتال ولا رأي. وحديث دريد على الشيوخ الذين لهم معونة في الحرب، كما كان لدريد فلا بأس بقتلهم وإن لم يكونوا يقاتلون لأن تلك المعونة التي تكون منهم أشد من كثير من القتال، ولعل القتال لا يلتئم لمن يقاتل إلا بها، فإذا كان ذلك كذلك قتلوا. ثم أورد حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة مقتولة فقال: "ما كانت هذه تقاتل" 2. أي فلا تقتل، فإنها لا تقاتل، فإذا قاتلت قتلت، وارتفعت العلة التي لها منع من قتلها.

وفي قتلهم دريد بن الصمة للعلة التي ذكرنا، دليل على أنه لا بأس بقتل المرأة، إذا كانت أيضا ذات تدبير في الحرب، كالشيخ الكبير ذي الرأي في أمور الحرب. ثم قال: فهذا الذي ذكرنا هو الذي يوجبه تصحيح معاني هذه الآثار1. قلت: وما قال الطحاوي هو الصواب جمعا بين الأدلة وإذا أمكن الجمع تعين المصير إليه إذ إن العمل بجميع الأدلة أولى من ترك بعضها. وقد ذكر أهل المغازي أن هوازن خرجت بدريد بن الصمة معها للتيمن برأيه ومعرفته بالحرب فدل على أن قتله كان لما له رأي في الحرب والمشورة.

_ 1 الطحاوي: شرح معاني الآثار 3/224-225. وانظر: ابن التركماني: الجوهر النقي 9/92-93 مع سنن البيهقي وعون المعبود 7/329-330.

المبحث الثاني: سرية أوطاس

المبحث الثاني: سرية أوطاس كانت هذه السرية في شهر شوال من السنة الثامنة للهجرة، وكانت بقيادة أبي عامر الأشعري رضي الله عنه. وسببها أن هوازن لما انهزمت في حنين، ذهبت فرقة منهم، فيهم رئيس هوازن مالك بن عوف فلجأوا إلى الطائف فتحصنوا بها1. وسارت فرقة فعسكرت بأوطاس فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم أبا عامر الأشعري، وأمره على جمع من الصحابة فيهم أبو موسى الأشعري وسلمة بن الأكوع، والزبير بن العوام. توضح هذا الموقف الأحاديث الآتية: ما رواه ابن إسحاق قال: ولما انهزم المشركون أتوا الطائف، ومعهم مالك بن عوف، وعسكر بعضهم بأوطاس، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثار من توجه قِبل أوطاس أبا عامر الأشعري، فأدرك من الناس بعض من انهزم فناوشوه 2 القتال، فرمي

أبو عامر بسهم فقتل، فأخذ الراية أبو موسى الأشعري، وهو ابن عمه1 فقاتلهم ففتح الله على يديه وهزمهم، فيزعمون أن سلمة بن دريد هوالذي رمى أبا عامر الأشعري بسهم، فأصاب ركبته فقتله، فقال: إن تسألوا عني فإني سلمة ... ابن سماد ير لمن توسمه2 أضرب بالسيف رؤوس المسلمة ... وسماد ير أمه 3. قال الألباني: "هكذا ذكره ابن إسحاق بدون إسناد وهو صحيح، ومعناه في البخاري وابن جرير من حديث أبي موسى الأشعري"4. قلت: "والحديث أخرجه أيضا مسلم وغيره وهذا سياقه عند البخاري": 118- حدثنا محمد بن العلاء، حدثنا أبو أسامة5 عن بريد6 ابن عبد الله عن أبي بردة 7 عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: "لما فرغ8 النبي صلى الله عليه وسلم من حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس فلقي دريد بن الصمة فقتل9 دريد وهزم الله أصحابه، قال أبو موسى: وبعثني مع أبي عامر فرمي أبو عامر في ركبته رماه جشمي10 بسهم فأثبته في ركبته، فانتهيت إليه، فقلت: يا عم11 من رماك؟ فأشار

إلى أبي موسى فقال: ذاك1 قاتلي الذي رماني، فقصدت له2 فلحقته فلما رآني ولى3 فاتبعته وجعلت أقول له: ألا تستحي، ألا تثبت، فكف4، فاختلفنا5 ضربتين بالسيف فقتلته، ثم قلت لأبي عامر: قتل الله صاحبك، قال: فانزع هذا السهم، فانتزعته فنزا منه6 الماء، قال: يا ابن أخي اقرئ 7 النبي صلى الله عليه وسلم السلام، وقل له استغفر لي، واستخلفني أبو عامر على الناس، فمكث يسيرا ثم مات، فرجعت فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في بيته8 على سرير مرمل9 وعليه فراش قد أثر رمال السرير بظهره وجنبه،

فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر، وقال: قل له استغفر لي، فدعا بماء فتوضأ 1 ثم رفع يديه فقال: "اللهم اغفر لعبيد2 أبي عامر ورأيت بياض إبطه، ثم قال: اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من3 الناس، فقلت: ولي فاستغفر، فقال: اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلا4 كريما، قال أبو بردة5: إحداهما6 لأبي عامر، والأخرى لأبي موسى7. والحديث أخرجه مسلم والنسائي والطبري وأبو يعلى والطحاوي، والبيهقي وابن عبد البر كلهم من طريق أبي أسامة به8.

وروى الإمام أحمد والبلاذري وأبو يعلى الجميع من طريق الوليد1 ابن مسلم ثنا يحيى2 بن عبد العزيز الأردني عن عبد الله3 بن نعيم القيني قال: حدثني الضحاك4 بن عبد الرحمن بن عزرب الأشعري أن أبا موسى حدثهم قال: لما هزم الله عز وجل هوازن بحنين عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي عامر الأشعري على خيل الطلب فطلبهم فكنت فيمن طلبهم فأسرع به فرسه فأدرك ابن دريد بن الصمة فقتل أبا عامر وأخذ اللواء، وشددت على ابن دريد فقتلته وأخذت اللواء وانصرفت بالناس فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم أحمل اللواء، قال: يا أبا موسى قتل أبو عامر؟. قال: قلت نعم يا رسول الله، قال: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه يدعو يقول: "اللهم عُبَيْدَك عُبَيْدَ أبا عامر اجعله من الأكثرين يوم القيامة" لفظ أحمد 5. والحديث فيه يحيى بن عبد العزيز الأردني، وقد قال فيه ابن حجر: مقبول، وعبد الله بن نعيم قال فيه: لين الحديث، وقد عرفت أن الذي ضعف عبد الله هو ابن معين، وقد فسر قوله بأنه ليس بمشهور، والطعن فيهما إنما هو لعدم شهرتهما ومثل هذين ونحوهما يرتفع حديثهم بالمتابعة ويشهد لهذا الحديث حديث الصحيحين. 119 - وروى ابن سعد والروياني من طريق حماد بن سلمة عن عاصم6 بن بهدلة عن أبي7 وائل عن أبي موسى الأشعري أن النبيصلى الله عليه وسلم قال: "اللهم اجعل عبيدا أبا عامر فوق أكثر الناس يوم القيامة"، فقتل يوم أوطاس فقتل أبو موسى قاتله.

قال أبو وائل: "إني لأرجو أن لا يجتمع أبو موسى وقاتل عبيد في النار"1. والحديث حسن لذاته وأصله في الصحيح. وبهذا نكون قد انتهينا من هذه السرية التي خاضها الجيش الإسلامي بقيادة أبي عامر الأشعري رضي الله عنه وقد قتل شهيدا فيها، وقد حصل خلاف في قاتله، ففي صحيح البخاري أنه رماه جشمي بسهم فأثبته في ركبته، وعند مسلم: "رماه رجل من بني جشم بسهم"، وقال ابن حجر: "واختلف في اسم هذا الجشمي فقال ابن إسحاق: زعموا أن سلمة ابن دريد بن الصمة هو الذي رمى أبا عامر بسهم فأصاب ركبته فقتله، وأخذ الراية أبو موسى الأشعري فقاتلهم ففتح الله عليه". وقال ابن هشام: حدثني من أثق به أن الذي رمى أبا عامر أخوان من بني جشم وهما أوفى2 والعلاء ابنا الحارث، فأصاب أحدهما قلبه والآخر ركبته، وقتلهما أبو موسى الأشعري وعند ابن عائذ3 والطبراني4 في "الأوسط" من وجه آخر عن أبي موسى الأشعري بإسناد حسن "لما هزم الله المشركين يوم حنين بعث الله رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخيل الطلب أبا عامر الأشعري وأنا معه فقتل ابن دريد أبا عامر، فعدلت إليه فقتلته، وأخذت اللواء" الحديث. فهذا يؤيد ما ذكره ابن إسحاق5. إهـ. كلام ابن حجر. قلت: "ونحوه عند أحمد والبلاذري وأبي يعلى من طريق الوليد بن مسلم كما تقدم"6. وساق ابن عبد البر حديث الوليد بن مسلم المشار إليه ثم قال: وقد قيل إن أبا

عامر قتل يومئذ تسعة مبارزة وأن العاشر ضربه فأثبته فحمل وبه رمق ثم قاتلهم أبو موسى فقتل قاتله، ورواية الوليد بن مسلم عندي أثبت. وقد قيل أيضا في هذا الخبر أن دريد بن الصمة قتل أبا عامر وقتله أبو موسى الأشعري وذلك غلط وإنما كان ابن دريد، لا دريد، فقد ذكرنا قاتل دريد يوم حنين في غير هذا الموضع1. إهـ. وقد قال ابن حجر: "ذكر ابن إسحاق أن الذي قتله أبو موسى الأشعري هو سلمة بن دريد بن الصمة وهذا أشبه فإن دريد بن الصمة، إذا ذاك لم يكن ممن قاتل لكبر سنه"2. وأثر هشام الذي أشار إليه ابن حجر3 هذا نصه: 120- قال ابن هشام: وحدثني من أثق به من أهل العلم بالشعر وحديثه أن أبا عامر الأشعري لقي يوم أوطاس عشرة أخوة من المشركين، فحمل عليه أحدهم، فحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول: اللهم اشهد عليه، فقتله أبو عامر، ثم حمل عليه آخر، فحمل عليه أبو عامر، وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول: "اللهم أشهد عليه" فقتله أبو عامر، ثم جعلوا يحملون عليه رجلا رجلا، ويحمل أبو عامر وهو يقول ذلك، حتى قتل تسعة4 وبقي العاشر، فحمل على أبي عامر، وحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول: "اللهم أشهد عليه"، فقال الرجل: "اللهم لا تشهد علي"، فكف عنه أبو عامر، فأفلت، ثم أسلم بعد فحسن إسلامه، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رآه قال: "هذا شريد أبي عامر"، ورمى أبا عامر أخوان: العلاء وأوفى ابنا الحارث، وبني جشم بن معاوية فأصاب أحدهما قلبه والآخر ركبته

فقتلاه، وولي الناس1 أبو موسى الأشعري فحمل عليهما فقتلهما، فقال رجل من بني جشم بن معاوية يرثيهما: إن الرزية قتل العلاء ... وأوفى جميعا ولم يسندا 2 هما القاتلان أبا عامر ... وقد كان ذا هبة 3 أربدا4 هما تركاه لدى معرك ... كأن على عطفه مجسدا 5 فلم تر في الناس مثليهما ... أقل عثارا وأرمى يدا 6 وقد نسب ابن حجر لابن إسحاق نحو هذا. فقال: ذكر ابن إسحاق في المغازي أن أبا عامر لقي يوم أوطاس عشرة من المشركين أخوة فقتلهم واحدا بعد واحد، حتى كان العاشر فحمل عليه وهو يدعوه إلى الإسلام وهو يقول: "اللهم اشهد عليه", فقال الرجل: "اللهم لا تشهد علي", فكف عنه أبو عامر ظنا منه أنه أسلم فقتله العاشر, ثم أسلم بعد فحسن إسلامه, فكان النبي صلى الله عليه وسلم يسميه شريد7 أبي عامر8. ثم عقب ابن حجر على هذا فقال: "وهذا يخالف الحديث الصحيح في أن أبا موسى قتل قاتل أبى عامر, وما في الصحيح أولى بالقبول, ولعل الذي ذكره ابن إسحاق شارك في قتله"9.

قال الزرقاني: "وما ذكره ابن حجر عن ابن إسحاق انتقده الشامي1 وقال: بأن هذا ليس في رواية البكائي2، وإنما زاده ابن هشام عن بعض من يثق به، ولم يذكر أن العاشر قتل أبا عامر أصلاً بل قال رماه أخوان، والحافظ قلد القطب3 الحلبي دون مراجعة السيرة". قال الزرقاني: "وفيه أن اتفاق مثل هذين الحافظين4 على نقله لا يتجه رده بما قال فإن رواة سيرة ابن هشام متعددون فهو قطعاً في رواية يونس الشيباني وإبراهيم بن سعد أو غيرهما عنه"5. إهـ. وبعد ذكر أقوال علماء المغازي والسير في قاتل أبي عامر، وهل أسلم أولم يسلم؛ لا يخلو الأمر من إشكال وتعارض؛ لأن بعض الروايات تقول: القاتل أخوان، وبعضها تذكر أن القاتل عاشر الإخوة الذين هاجموا أبا عامر، وبعضها - كما في الصحيح - تقول: إنه جشمي أو رجل من بني جشم، والذي ينبغي اعتماده في القاتل أنه هذا الجشمي الثابت ذكره في الصحيح، وقد ذكر اسمه في كتب السيرة أنه سلمة بن دريد، وهو جشمي. والصحيح أن القاتل لم يسلم، لأن أبا موسى قد قتله كما ثبت في الصحيحين وغيرهما من كتب الحديث، ولا شك أنّ ترجيح وتقديم ما ثبت في الصحاح وغيرها من كتب الحديث على ما تذكره كتب السير والتاريخ هو المنهج الأقوم، خاصة، إذا كان ما في الصحاح نصاً في محل النزاع كما هنا، فلا يعارض بأقوال محذوفة الأسانيد في كتب السيرة، وبذلك يزول الإشكال ونخلص من تلك الانتقادات والمناقشات التي أثارها الشامي والزرقاني وغيرهما. والله أعلم.

_ 1 هو محمد بن يوسف الصالحي (ت: 942) له كتاب سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد. (انظر معجم المؤلفين لكحالة 10/63) . 2 هو: زياد بن عبد الله بن الطفيل العامري، البكائي – بفتح الموحدة وتشديد الكاف، أبو محمد الكوفي، صدوق، ثبت في المغازي وفي حديثه عن غير ابن إسحاق لين، من الثامنة ولم يثبت أن وكيعا كذبه، وله في البخاري موضع واحد متابعة (ت 183) خ م ت ق (التقريب 1/268 وتهذيب التهذيب 3/375) . 3 القطب الحلبي: هو عبد الكريم بن عبد النور بن منبر الحلبي، الحافظ المتقن المقرئ أبوعلي الحلبي ثم المصري، مفتي الديار المصرية، صنف وخرج وأفاد وشرح أكثر صحيح البخاري في عدة مجلدات ولد سنة 664 وتوفي سنة 735) (أبو المحاسن الدمشقي ذيل تذكرة الحفاظ ص 13-15) . 4 هما القطب الحلبي وابن حجر. 5 شرح المواهب 3/25 و26 و27 وانظر: الديار بكري: تاريخ الخميس 2/107 و108.

المبحث الثالث: موقف الشيماء وبجاد

المبحث الثالث: موقف الشيماء وبجاد كان بجاد رجلا من بني سعد من هوازن قد أحدث حدثا عظيما، وذلك أنه أتاه رجل مسلم، فأخذه بجاد فقطعه عضوا عضوا، ثم حرقه بالنار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين: إن قدرتم على بجاد فلا يفلتنكم فظفر به المسلمون فساقوه وأهله، وساقوا معه الشيماء أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، وحاضنته وعنفوا عليها في السير، فقالت لهم: "إني أخت صاحبكم من الرضاعة، فلم يصدقوها، ولما وصلوا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عرفته بنفسها وأنها أخته من الرضاعة فأكرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحسن مقامها". وإليك ما ذكره ابن إسحاق وغيره في هذا الصدد. 121- قال ابن إسحاق: حدثني بعض1 بني سعد بن بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ إن قدرتم على بجاد2، رجل من بني سعد بن بكر فلا يفلتنكم، وكان قد أحدث حدثا3، فلما ظفر به المسلمون ساقوه وأهله وساقوا معه الشيماء4 بنت الحارث بن عبد العزى أخت النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة5، فعنفوا عليها في

السياق، فقالت للمسلمين تعلموا1 والله أني لأخت لصاحبكم من الرضاعة، فلم يصدقوها2، حتى أتوا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم 3. ومن هذه الطريق أخرجه الطبري4. والحديث معضل لأن ابن إسحاق من صغار التابعين، وهم الذين رأوا الواحد والاثنين من الصحابة ولم يثبت لبعضهم السماع من الصحابة5 وعلى هذا فرواية ابن إسحاق عن التابعين فيكون الحديث معضلا. ثم ساق ابن إسحاق حديثا آخر فقال: 122- حدثني يزيد6 بن عبيد السعدي قال: فلما انتهى7 بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: "يا رسول الله إني أختك من الرضاعة، قال: وما علامة ذلك؟ قالت: عضة عضضتنيها في ظهري وأنا متوركتك8، قال: فعرف رسول الله العلامة، فبسط لها رداءه، فأجلسها عليه، وخيرها وقال: إن أحببت فعندي محببة مكرمة، وإن أحببت أن أمتعك وترجعي إلى قومك فعلت، فقالت: بل تمتعني وتردني إلى قومي، فمتعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وردها إلى قومها، فزعمت بنو سعد أنه أعطاها غلاما له يقال له مكحول9 وجارية فزوجت أحدهما الأخرى فلم

يزل فيهم من نسلهما بقية1. ومن هذه الطريق أخرجه الطبري2. 123- ورواه البيهقي من حديث الحكم3 بن عبد الملك عن قتادة قال: "لما كان يوم فتح هوازن جاءت جارية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله أنا أختك أنا الشيماء بنت الحارث، فقال لها: "إن تكوني صادقة فإن بك مني أثرا لا يبلى". قال: فكشفت عن عضدها فقالت: نعم يا رسول الله (حملتك) 4 وأنت صغير فعضضتني هذه العضة، قال: "فبسط لها رسول الله صلى الله عليه وسلم رداءه، ثم قال: "سلي تعطي واشفعي تشفعي" 5. الخلاصة: أن هذا الحديث ورد من ثلاث طرق معضلة: الأولى: والثانية: عند ابن إسحاق، وفي الأولى قال ابن إسحاق: حدثني بعض بني سعد، وهذا البعض من التابعين لأن ابن إسحاق من صغار التابعين على رأي ابن حجر وقد ثبتت رؤيته لأنس بن مالك، والجهالة الموجودة في هذا السند تغتفر عند أهل العلم بهذا الشأن خاصة إذا كان المراد بهذا البعض جماعة6. والطريق الثالثة: عند البيهقي وفيها الحكم بن عبد الملك، ضعفه العلماء7. وهذه الآثار كلها ضعيفة ونحن في صدد قصة تاريخية فيكتفي فيها بمثل هذه الآثار، وقد أطبق العلماء الذين ألفوا في الصحابة وغيرهم على ذكر الشيماء في الصحابة

وعلى أنها قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم الجعرانة فرحب بها وأكرمها1. وقد وردت أحاديث أخر تدل على أن أبوي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخاه من الرضاعة جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مقيم بالجعرانة فبسط لهم ثوبه وأجلسهم عليه، وأن أمه سألته من سبايا حنين فأعطاها نصيبه ولما رأى الناس ذلك أعطوها أنصباءهم، وفيما يلي سياق ما ورد من الآثار: 124- ما أخرجه الطبري قال: حدثنا بشر2 قال: ثنا يزيد3 قال: ثنا سعيد عن قتادة قال: "ذكر لنا أن أم4 رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أرضعته أو ظئره من بني سعد بن بكر أتته فسألته سبايا يوم حنين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لا أملكهم وإنما لي منهم نصيبي، ولكن ائتيني غدا فسليني والناس عندي، فإني إذا أعطيتك نصيبي أعطاك الناس"، فجاءت الغد فبسط لها ثوبا، فقعدت عليه، ثم سألته، فأعطاها نصيبه، فلما رأى ذلك الناس أعطوها أنصباءهم 5. 125- قال ابن عبد البر: روى زيد 6 بن أسلم عن عطاء 7 بن يسار قال: "جاءت حليمة بنت عبد الله أم النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين فقام إليها وبسط لها رداء فجلست عليه" 8.

126- ما رواه البخاري في الأدب المفرد وأبوداود وغيرهما من حديث أبي الطفيل1 وهذا سياق أبي داود قال: حدثنا ابن المثنى2، أخبرنا أبوعاصم3، أخبرنا جعفر4 بن يحيى بن عمارة بن ثوبان أنبأنا5 عمارة6 بن ثوبان أن أبا الطفيل أخبره قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لحما بالجعرانة، قال أبو الطفيل: "وأنا يومئذ غلام أحمل عظم الجزور7 إذ أقبلت امرأة8 حتى دنت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبسط9 لها رداءه فجلست عليه، فقلت10: من هي؟ فقالوا11: هذه أمه التي أرضعته12". والحديث قال في عون المعبود: "سكت عنه المنذري"13إهـ.

وأخرجه البخاري في الأدب المفرد فقال: حدثنا أبو عاصم عن جعفر بن يحيى بن ثوبان به1. وأخرجه أبو يعلى فقال: حدثنا عمرو2 بن الضحاك بن مخلد ثنا جعفر بن يحيى بن ثوبان به"3. وأخرجه الطبراني والبيهقي كلاهما من طريق أبي مسلم4 الكجي قال ثنا أبوعاصم قال: أخبرنا جعفر بن يحيى قال: أخبرني عمي عمارة بن ثوبان به5. وأخرجه الحاكم من طريق أبي عاصم أنبأنا جعفر بن يحيى به. وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"6. وأورده ابن كثير ثم قال: "هذا حديث غريب". ولعله يريد أخته7 وقد كانت تحضنه مع أمها حليمة السعدية، وإن كان محفوظا فقد عمرت حليمة دهرا، فإن من وقت أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وقت

الجعرانة أزيد من ستين سنة، وأقل ما كان عمرها حين أرضعته صلى الله عليه وسلم ثلاثين سنة، ثم الله أعلم بما عاشت بعد ذلك. 127- وقد ورد حديث مرسل فيه أن أبويه من الرضاعة قدما عليه والله أعلم بصحته قال أبو داود في المراسيل: ثنا أحمد1 بن سعيد الهمداني، ثنا ابن2 وهب ثنا عمرو3 بن الحارث أن عمر4 بن السائب حدثه أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا يوما فجاءه أبوه5 من الرضاعة فوضع له بعض ثوبه فقعد عليه، ثم أقبلت أمه فوضع لها شق ثوبه من جانبه الآخر فجلست عليه، ثم أقبل أخوه 6 من الرضاعة فقام له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه بين يديه" 7. قلت: "والحديث أيضا عند أبي داود في السنن"8. قال صاحب عون المعبود: قال المنذري: "هذا معضل؛ لأن عمر بن السائب يروي عن التابعين"9. وخلاصة القول في هذا أنه قد وردت أربعة أحاديث تصرح بقدوم أم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة إلى الجعرانة، وهي كالتالي: الأول: حديث الطبري وهو مرسل حسن الإسناد10.

الثاني: حديث زيد بن أسلم وهو مرسل صحيح الإسناد1. الثالث: حديث أبي الطفيل 2 وفيه ما يأتي: أ- جعفر بن يحيى بن ثوبان، سكت عنه البخاري 3. وقال ابن أبي حاتم: "روى عن عمه عمارة وعطاء وعبد الله بن عبيد وعنه: أبو عاصم وعبيد بن عقيل، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلاً"4. وقال ابن حجر: في التقريب "مقبول"5. وفي تهذيب التهذيب: "وثقه ابن حبان"، وقال ابن المديني: "مجهول ما روى عنه غير أبي عاصم"، وقال ابن القطان الفاسي: "مجهول الحال"6. ب- عمارة بن ثوبان: سكت عنه البخاري7، وكذا ابن أبي حاتم8. وقال المزي: "روى عن أبي الطفيل وعطاء بن أبي رباح وموسى بن باذان وعنه ابن أخيه جعفر بن يحيى بن ثوبان، ذكره ابن حبان في كتاب الثقات"9. ونقل ابن حجر هذا في تهذيب التهذيب، وزاد: قال ابن المديني: "عمارة بن ثوبان لم يروعنه غير جعفر بن يحيى". وقال عبد الحق10: "ليس بالقوي". وقال ابن القطان الفاسي: "مجهول الحال"11.

وفي التقريب قال عنه: "مستور"1. وقال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال والمغني في الضعفاء: "تفرد عنه ابن أخيه جعفر بن يحيى لكنه وثق". وفي الكاشف قال: "وثق وفيه جهالة"2. والحديث صححه الحاكم كما تقدم3 وصحح حديثا آخر أيضا من طريق جعفر بن يحيى بن ثوبان عن عمه عمارة بن ثوبان ووافقه الذهبي4. وتعقب الألباني الحاكم في تصحيحه والذهبي في موافقته فقال: "هذا غريب من الذهبي، فإنه قال عن عمارة في الضعفاء تابعي صغير مجهول"5إهـ. وعلى هذا فقد اختلف قول الذهبي في عمارة. ومثل عمارة هذا يتقوى بالمتابعة. الرابع: حديث عمر بن السائب، وهومعضل كما قال المنذري6 وفيه زيادة ذكر أبوي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخيه من الرضاعة وهذه الأحاديث تدل بمجموعها على أن لهذه القصة أصلا، وقد عد العلماء حليمة السعدية وزوجها وابنها في الصحابة، فقال ابن عبد البر: حليمة السعدية هي التي أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أكملت رضاعه ورأت له برهانا وعلماً جليلاً تركنا ذكره لشهرته. ثم أورد حديث زيد بن أسلم المتقدم7. ثم قال: "روت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنها عبد الله8 بن جعفر"9.

ونقل ابن حجر قول ابن عبد البر هذا ثم قال: "حديث عبد الله بن جعفر بقصة إرضاعها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرجه أبو يعلى وابن حبان في صحيحه"1، وصرح فيه بالتحديث بين عبد الله وحليمة2. ونقل الزرقاني قول ابن حجر ثم قال: وقول ابن كثير لم تدرك البعثة رده الحافظ ابن حجر، بأن عبد الله بن جعفر حدث عنها عند أبي يعلى والطبراني وابن حبان وهو إنما ولد بعد البعثة. وزعم الدمياطي3 وأبو حيان4 النحوي أنها لم تسلم مردود، فقد ألف مغلطاي5 فيها جزء حافلا سماه التحفة الجسيمة في إثبات إسلام حليمة وارتضاه علماء عصره، فأما أبو حيان فليس من فرسان هذا الميدان يذهب إلى زيده وعمره، وأما الدمياطي فحسبنا في الرد عليه قوله: وقد وهل غير واحد فذكروها في الصحابة لأنهم مثبتون لذلك، فمن أين له الحكم عليهم، وقد ذكرها في الصحابة ابن أبي

خيثمة1 في تاريخه وابن عبد البر وابن الجوزي2 في "الحداء" والمنذري في مختصر سنن أبي داود وابن حجر في الإصابة وغيرهم، وحسبك بهم حجة3، ثم قال: وما وقع عند الواقدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل الشيماء عن أبويها فأخبرته أنهما ماتا لا يصح، فقد روى أبو داود وأبو يعلى وغيرهما عن أبي الطفيل أنه صلى الله عليه وسلم كان بالجعرانة يقسم لحما فأقبلت امرأة بدوية فلما دنت منه بسط لها رداءه فجلست عليه فقلت: من هذه قالوا: أمه التي أرضعته. وذكر ابن إسحاق: "أن زوجها الحارث عاش بعده عليه السلام، ثم قال: والواقدي لا يحتج به إذا انفرد فكيف إذا خالف" إهـ. قلت: "وحديث إسلام الحارث أورده السهيلي في رواية يونس بن بكير عن ابن إسحاق وهذا سياقه": قال: "وذكر ابن إسحاق الحارث بن عبد العزى أبا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، ولم يذكر له إسلاما ولا ذكره كثير ممن ألف في الصحابة". 128- وقد ذكره يونس بن بكير في روايته، فقال: حدثنا ابن إسحاق قال: حدثني والدي إسحاق4 بن يسار عن رجال من بني سعد ابن بكر، قالوا: قدم الحارث بن عبد العزى أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة حين أنزل عليه القرآن، فقالت له قريش: ألا تسمع يا حار5 ما يقول ابنك هذا؟ فقال: وما يقول؟ قالوا: "يزعم أن الله يبعث بعد الموت، وأن لله دارين يعذب فيهما من عصاه

ويكرم فيهما من أطاعه، فقد شتت أمرنا، وفرق جماعتنا، فأتاه فقال: أي بني مالك ولقومك يشكونك، ويزعمون أنك تقول: إن الناس يبعثون بعد الموت ثم يصيرون إلى جنة ونار؟ ". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم أنا أزعم ذلك، ولو قد كان ذلك اليوم يا أبت، لقد أخذت بيدك، حتى أعرفك حديثك اليوم"، فأسلم الحارث بعد ذلك، وحسن إسلامه، وكان يقول حين أسلم: "لو قد أخذ ابني بيدي، فعرفني ما قال، لم يرسلني إن شاء الله حتى يدخلني الجنة" 1. وأورده ابن حجر في ترجمة الحارث ثم قال: "عند ابن سعد حديث آخر مرسل صحيح الإسناد أن هذه القصة وقعت لولد الحارث". 129- فأخرج من طريق يحيى2 بن أبي كثير عن إسحاق3 بن عبد الله قال: "كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أخ من الرضاعة فقال للنبي صلى الله عليه وسلم يعني بعد النبوة أترى أنه يكون بعث؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أما والذي نفسي بيده لآخذن بيدك يوم القيامة ولأعرفنك". قال: "فلما آمن بعد النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس فيبكي ويقول: "أنا أرجو أن يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيدي يوم القيامة". ثم قال ابن حجر: "ويحتمل أن يكون ذلك وقع للأب والابن، وقد سماه بعضهم عبد الله، وذكره في الصحابة، وكذا سماه ابن سعد لما ذكر أسماء أولاد حليمة"4. ثم أورد حديث عمر بن السائب في قدوم أبوي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخيه إلى

الجعرانة ثم قال: وذكر ابن إسحاق أنه بلغه أن الحارث إنما أسلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فالله أعلم1. 130- وروى ابن إسحاق قال: حدثني عمرو2 بن شعيب عن أبيه 3 عن جده عبد الله4 أن وفد هوازن أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أسلموا فقالوا: يا رسول الله إنا أصل وعشيرة" الحديث. وفيه "إنما في الحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك" الحديث5. وإسناد حسن6. وفي شعر زهير بن صرد أحد وفد هوازن قال: أمنن على نسوة قد كنت ترضعها إذ فوك تملأه من محضها درر7 وفي هذا الشعر التصريح بنسوة منهن من كانت مرضعة للرسول صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث الذي قبله ذكر قرابات الرسول صلى الله عليه وسلم من الرضاع والتصريح بحواضنه اللاتي كفلنه، ويستأنس بهذا الأثر مع ما قبله من الآثار السابقة الواردة في هذا الصدد أن أم الرسول صلى الله عليه وسلم قدمت عليه الجعرانة، والآثار السابقة وإن كانت لا تخلو من مقال لكنها يعمل بها في مثل هذه المسألة التاريخية. إذ لا يوجد معتمد فيها إلا هذه الآثار وليس لها معارض يدفعها.

_ 1 ابن حجر: الإصابة1/282-283و3/88والزرقاني: شرح المواهب اللدنية1/142 و143. 2 عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمروبن العاص، صدوق من الخامسة (ت 118) / ز ع (التقريب 2/72 وتهذيب التهذيب 8/48) . 3 شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، صدوق، ثبت سماعه من جده عبد الله ابن عمرو، من الثالثة/ب خ ز ع (التقريب1/353 وتهذيب التهذيب 4/356، وفي التقريب الطبعة المصرية، قال: عن (شعيب) ،بأنه من الثامنة، وهو خطأ، وسقطت علامة من أخرج له من تهذيب التهذيب. وهي ثابتة في التقريب والخلاصة للخزرجي. 4 عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي أبو محمد، وقيل أبو عبد الرحمن أحد السابقين المكثرين من الصحابة وأحد العبادلة الفقهاء، مات في ذي الحجة، ليال الحرة على الأصح، بالطائف على الراجح/ ع (التقريب 1/436 وتهذيب التهذيب 5/337) . 5 سيرة ابن هشام 2/488-489. 6 قال الألباني: وهو المتقرر في إسناد عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة المجلد الأول حديث (62) . 7 انظر حديث (210) .

الفصل الثاني: في غزوة الطائف

الفصل الثاني: في غزوة الطائف المبحث الأول: حصار الطائف ... المبحث الأول: حصار الطائف لثقيف مواقف عدائية ضد المسلمين منذ ظهور الإسلام، ومن أبرزها موقفهم الآثم من رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما ذهب إليهم يدعوهم إلى الله عز وجل ويطلب منهم نجدته حتى يؤدي رسالة ربه، فردوه ردا قبيحا وأغروا سفهاءهم وصبيانهم بمطاردة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورميه بالأحجار حتى أدموا قدميه1 ومن تلك المواقف تكتل ثقيف مع قريش في صلح الحديبية2، ونصرهم لها على المسلمين ولما دانت قريش بالإسلام بفتح مكة المكرمة ثارت ثائرة هوازن فأخذت في حشد قواتها للزحف على المسلمين، فكانت ثقيف أول من لبى دعوتها وانحاز إلى جانبها، فخرجت الأحلاف من ثقيف بقيادة قارب بن الأسود الثقفي، وخرجت بنو مالك بقيادة ذي الخمار سبيع بن الحارث وأخيه أحمر بن الحارث، ووقفت مع هوازن كتلة واحدة في وجه المسلمين.

ولما اندحر الفريقان الهوازني والثقفي في موقعة حنين أمام جحافل المسلمين، انسحبوا من ساحة المعركة، فعسكر بعضهم بأوطاس، وبعضهم بنخلة1، وتوجه بعض منهم نحو الطائف ومعه مالك بن عوف النصرى، فدخلوا حصن الطائف وتحصنوا به. ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين أمر بالغنائم فحبست في الجعرانة، ثم قرر صلى الله عليه وسلم السير بنفسه إلى الطائف2. وأمر خالد بن الوليد أن يسير على مقدمته3. وكان ذلك في شهر شوال من السنة الثامنة، كما بوب البخاري بقوله: باب غزوة الطائف في شوال سنة ثمان، قاله موسى بن عقبة4. قال ابن حجر: كذا ذكره موسى بن عقبة في مغازيه، وهو قول جمهور أهل المغازي. وقيل: بل وصل إليها في أول ذي القعدة5. 131- وأخرجه البيهقي عن عروة بن الزبير وموسى بن عقبة عن ابن شهاب فقال: أخبرنا أبو الحسين6 بن الفضل القطان قال ثنا عبد الله7 بن جعفر قال: ثنا

يعقوب1 بن سفيان قال ثنا عثمان2 بن صالح عن ابن لهيعة3 قال ثنا أبو الأسود4 عن عروة 5. ح - قال6: وثنا يعقوب قال ثنا إبراهيم7 بن المنذر قال ثنا محمد ابن فليح8 عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: "وقاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وحاصر الطائف في شوال سنة ثمان" 9. 132- وقال ابن إسحاق: ولما قدم فل10 ثقيف الطائف أغلقوا عليهم أبواب مدينتها، وصنعوا الصنائع للقتال، ولم يشهد حنينا ولا حصار الطائف عروة11 بن

مسعود ولا غيلان1 بن سلمة كانا بجرش2 يتعلمان صنعة الدبابات والمجانيق والضبور3، ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغ من حنين4، فقال كعب بن مالك حين أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلى الطائف: قضينا من تهامة كل ريب وخيبر ثم أجمعنا السيوفا تخيرها ولونطقت لقالت قواطعهن: دوسا أوثقيفا 5 قال ابن إسحاق: "فسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم على نخلة اليمانية6 ثم على قرن7،

ثم على المليح1 ثم على بحرة2 الرغاء من لية3 فابتني بها مسجدا فصلى فيه. 133- قال ابن إسحاق: فحدثني عمرو بن شعيب: أنه أقاد يومئذ ببحرة الرغاء حين نزلها بدم، وهو أول دم أقيد به في الإسلام، رجل من بني ليث قتل رجلا من هذيل، فقتله به، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بلية بحصن مالك بن عوف فهدم4، ثم سلك في طريق يقال لها الضيقة5، فلما توجه فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عن اسمها، فقال: "ما اسم هذه الطريق؟ فقيل له الضيقة، فقال: بل هي اليسرى6 ثم خرج علىنخب7 حتى نزل تحت سدرة يقال لها الصادرة قريب من مال رجل من ثقيف، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إما أن تخرج وإما أن نخرب عليك حائطك، فأبى أن

يخرج، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخراجه، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل قريبا من الطائف فضرب به عسكره فقتل به ناس من أصحابه بالنبل، وذلك أن العسكر اقترب من حائط الطائف، فكانت النبل تنالهم، ولم يقدر المسلمون على أن يدخلوا حائطهم أغلقوه دونهم، فلما أصيب أولئك النفر من أصحابه بالنبل، وضع عسكره عند مسجده الذي بالطائف اليوم فحاصرهم بضعا1 وعشرين ليلة2، ومعه امرأتان من نسائه، إحداهما أم سلمة3 بنت أبي أمية، فضرب لهما قبتين، ما أقام، فلما أسلمت ثقيف بنى على مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو4 بن أمية بن وهب بن معتب بن مالك مسجدا، وكانت في ذلك المسجد سارية - فيما يزعمون - لا تطلع الشمس عليها يوما من الدهر إلا سمع لها نقيض فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاتلهم قتالا شديدا وتراموا بالنبل، حتى إذا كان يوم الشدخة5 عند جدار الطائف، دخل نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الدبابة ثم زحفوا بها إلى جدار الطائف6 ليخرقوه، فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنار، فخرجوا من تحتها، فرمتهم ثقيف بالنبل، فقتلوا منهم رجالا، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع أعناب ثقيف، فوقع الناس فيها يقطعون"7. والحديث مرسل لأن عمروبن شعيب لم يدرك هذه القصة. وأخرجه الطبري من هذه الطريق8.

وأخرج البيهقي نحوه عن ابن إسحاق ولم يذكر عمروبن شعيب، هذا سياقه: أخبرنا أبوعبد الله1 الحافظ قال ثنا أبو العباس2 محمد بن يعقوب قال ثنا أحمد3 بن عبد الجبار قال ثنا يونس4 بن بكير عن ابن إسحاق5 قال: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسبايا والأموال فحبست بالجعرانة، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل قريباً من الطائف فضرب به عسكره، فقتل أناس من أصحابه بالنبل وذلك أن العسكر اقترب من حائط الطائف فكانت النبل تنالهم ولم يقدر المسلمون على أن يدخلوا حائطهم، فلما أصيب أولئك النفر ارتفع فوضع عسكره عند مسجده الذي بالطائف اليوم، فحاصرهم بضعاً وعشرين ليلة، ومعه امرأتان من نسائه إحداهما أم سلمة بنت أبي أمية فلما أسلمت ثقيف بنى على مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن وهب مسجدا وكان في ذلك المسجد سارية لا تطلع عليها الشمس يوما من الدهر فيما يذكرون إلا سمع لها نقيض 6. والحديث يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر الطائف بضعا وعشرين ليلة، وقد روى البيهقي أيضا عن ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر الطائف ثلاثين ليلة أو قريبا من ذلك وهذا سياقه: 134- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال ثنا أحمد بن عبد الجبار قال ثنا يونس عن إسحاق قال ثنا عبد الله بن أبي بكر بن حزم وعبد الله بن المكرم عمن أدركوا من أهل العلم قالوا: "حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف ثلاثين ليلة أو قريباً من ذلك ثم انصرفوا عنهم ولم يؤذن فيهم فقدم المدينة فجاءه وفدهم في رمضان فأسلموا" 7. والحديث مرسل وهو حسن الإسناد.

وعند أبي داود من مرسل يحيى بن أبي كثير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر أهل الطائف شهرا وهذا سياقه: 135- عن أبي صالح1 عن أبي إسحاق2 الفزاري عن الأوزاعي3 عن يحيى4 بن أبي كثير قال: "حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا، قال الأوزاعي فقلت ليحيى: أبلغك أنه رماهم بالمجانيق؟ فأنكر ذلك، وقال: ما يعرف هذا". قال البيهقي: "كذا قال يحيى أنه لم يبلغه، وزعم غيره أنه بلغه"5. والحديث مرسل وهو حسن الإسناد، وهو يدل كسابقه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر الطائف شهرا. وهذا لا يستقيم مع اتفاق العلماء على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه من الطائف اعتمر من الجعرانة في ذي القعدة، ومع ما جاء عند البخاري من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب الحديث إلي أصدقه فاختاروا إحدى الطائفتين إما السبي، وإما المال، وقد كنت استأنيت6 بكم"، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف" الحديث7. إذا علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى هوازن في شهر شوال ووصل إلى حنين في اليوم العاشر منه ثم دارت معركة حنين بما فيها من تفاصيل وأعقب ذلك سرية أوطاس ثم بعد ذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأموال والسبايا فحبست بالجعرانة ثم توجه إلى الطائف، فإذا فرضنا أن غزوة حنين بما فيها سرية أوطاوس دامت عشرة أيام، مع

وصول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين في اليوم العاشر من شوال، فيبقى عشرة أيام من شهر شوال، فإذا كان حصار الطائف شهرا فيكون قد أخذ عشرين يوما من ذي القعدة، ويكون قد بقى عشرة أيام من ذي القعدة فلا تكفي لرجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجعرانة وانتظاره هوازن بضع عشرة ليلة ثم بعد ذلك إحرامه بالعمرة وعوده إلى الجعرانة كل هذا في ذي القعدة ثم خروجه إلى المدينة وقد وصلها لست ليال بقيت من ذي القعدة في قول ابن حزم وابن هشام1. ومثل هذا ما أخرجه مسلم وأحمد من حديث السميط عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى الطائف فحاصرهم أربعين يوما. وهذا سياقه عند مسلم: قال: حدثنا عبيد الله2 بن معاذ وحامد3 بن عمر ومحمد بن عبد الأعلى. قال ابن معاذ: حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه4 قال: حدثني السميط عن أنس بن مالك قال: افتتحنا مكة ثم إنا غزونا حنينا فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت. فصفت الخيل ثم صفت المقاتلة" الحديث وفيه "قال فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم "يال5 المهاجرين! يال المهاجرين" ثم قال: "يال الأنصار! يال الأنصار" قال: قال أنس: هذا الحديث عمية6.

قال: قلنا: لبيك يا رسول الله! قال: فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فأيم الله! ما أتيناهم حتى هزمهم الله". قال: فقبضنا ذلك المال ثم انطلقنا إلى الطائف فحاصرناهم أربعين ليلة. ثم رجعنا إلى مكة فنزلنا قال: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي الرجل المائة من الإبل. ثم ذكر باقي الحديث، كنحو حديث قتادة1، وأبي التياح2، وهشام3 بن زيد4. 136- وأخرج ابن سعد من مرسل مكحول5: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف أربعين يوما"6. وقد وهم العلماء السميط في هذا الحديث في موضعين: الأول: قوله: (قد بلغنا ستة آلاف) قال القاضي عياض: هذا وهم من الراوي عن أنس، والصحيح ما جاء في الرواية الأولى: عشرة آلاف ومعه الطلقاء، لأن المشهور في كتب المغازي أن المسلمين كانوا يومئذ اثني عشر ألفا: عشرة آلاف شهدوا الفتح، وألفان من أهل مكة ومن انضاف إليهم.

الثاني: قوله: "فحاصرنا الطائف أربعين ليلة". قال ابن كثير بعد إيراده لهذا الحديث عند أحمد: "وهكذا رواه مسلم من حديث معتمر بن سليمان وفيه من الغريب قوله: أنهم كانوا يوم هوازن ستة آلاف، وإنما كانوا اثني عشر ألفا. وقوله: إنهم حاصروا الطائف أربعين ليلة، وإنما حاصروها قريبا من شهر ودون1 العشرين ليلة فالله أعلم". ا. هـ 2. والحديث في الصحيحين من طريق هشام بن زيد عن أنس بن مالك فقال فيه: "وكان مع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ عشرة آلاف ومعه الطلقاء"3 ولم يتعرض لحصار الطائف. وروى سميط عن أنس فقال: "بأنهم كانوا ستة آلاف، وذكر مدة الحصار أربعين ليلة"4. وقد وهمه العلماء. وقد وردت أحاديث في مدة الحصار الطائف وهي: 138- ما أخرجه البيهقي عن موسى بن عقبة، وعن عروة بن الزبير وهذا سياق حديث موسى بن عقبة قال: ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأكمة عند حصن الطائف بضع عشرة ليلة يقاتلهم، قال: وقطعوا طائفة من أعنابهم ليغيظوهم بها، فقالت ثقيف: لا تفسدوا الأموال فإنها لنا ولكم، قال: واستأذنه المسلمون في مناهضة الحصن فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أرى أنّ نفحته وما أذن فيه الآن" 5.

وحديث موسى بن عقبة معضل، لأنه لم يسمع أحداً من الصحابة سوى أم خالد1 كما حدث هو عن نفسه2. وفيه: محمد بن عبد الله بن عتاب العبدي لم أجد ترجمته. وفي حديث عروة بن الزبير الإرسال لأن عروة ولد في خلافة عمر ابن الخطاب3. وفيه: أبو علاثة محمد بن عمرو بن خالد لم أجد ترجمته. وأخرج الطبري عن عروة بن الزبير أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر أهل الطائف نصف شهر وهذا سياقه: حدثنا علي4 بن نصر بن علي، قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث وحدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث قال: حدثنا أبي5 قال أخبرنا أبان العطار قال: حدثنا هشام بن عروة عن عروة قال: "سار رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين من فوره ذلك - يعني منصرفه من حنين - حتى نزل الطائف، فأقام نصف شهر يقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقاتلتهم ثقيف من وراء الحصن، ولم يخرج إليه في ذلك أحد منهم، وأسلم من حولهم من الناس كلهم، وجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفودهم. ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحاصرهم إلا نصف شهر حتى نزل الجعرانة، وبها السبي الذي سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين من نسائهم وأبنائهم" الحديث"6. والحديث مرسل وإسناده حسن.

138- وأخرج البيهقي من طريق أسلم1 عن أبي عبيدة2 - رضي الله عنه - "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر أهل الطائف ونصب عليهم المنجنيق سبعة عشرة يوماً" 3. والحديث فيه عبد الله بن عمرو البصري لم أجد ترجمته وقد وصف في سياق السند بأنه كان حافظا. وأخرج خليفة بن خياط من حديث عبد الرحمن بن عوف أن مدة الحصار كانت سبع عشرة أو تسع عشرة وهذا سياقه: 139- حدثنا عبيد الله4 بن موسى عن طلحة5 بن جبر عن المطلب6 بن عبد الله عن مصعب7 بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه8: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصرهم سبع عشرة، أو تسع عشرة فلم يفتحها" 9.

وأخرج بن أبي شيبة والفسوي والحاكم الجميع من طريق عبيد الله ابن موسى أخبرنا طلحة بن جبر به1. وأخرجه أبو يعلى من طريق ابن أبي شيبة2. إلاّ أن ابن أبي شيبة وأبا يعلى قالا: فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع عشرة أو ثمان عشرة ليلة فلم يفتحها". وقال الحاكم في روايته: "فحاصرهم ثمانية أو سبعة"3، والحديث صححه الحاكم. وتعقبه الذهبي فقال: طلحة ليس بعمدة. قلت: وفيه أيضاً: المطلب بن عبد الله، كثير التدليس والإرسال وقد عنعن، وفيه مصعب بن عبد الرحمن لم يذكر فيه ابن أبي حاتم جرحاً ولا تعديلاً، وأخرج ابن أبي شيبة من حديث عبد الله بن سنان أن مدة حصار الطائف كانت خمسة وعشرين يوما وهذا سياقه: 140- حدثنا يزيد4 بن هارون قال أنا قيس عن أبي حصين5 عن عبد الله6 بن سنان "أن النبي صلى الله عليه وسلم حاصر أهل الطائف خمسة وعشرين يوما يدعو عليهم في دبر كل صلاة" 7.

والحديث ضعيف لأن فيه قيس بن الربيع وصف بأنه صدوق سيء الحفظ وقد تغير لما كبر، فأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به1. وفيه الإرسال والمرسل من قسم الحديث الضعيف. والحديث فيه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على ثقيف وهو مخالف لما ورد في الآثار من أن الصحابة طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو على ثقيف فقال: اللهم اهد ثقيفاً" كما سيأتي. وخلاصة القول أن الأحاديث الواردة في مدة حصار الطائف لم تتحد في تعيين المدة كما تقدم بيان ذلك وهذه خلاصتها: أ- كانت مدة الحصار بضعا وعشرين ليلة وهي رواية ابن إسحاق. ب- كانت مدة ثلاثين ليلة أو قريباً من ذلك وهي رواية أخرى عن ابن إسحاق ورواية أبي داود في المراسيل. ج- أن مدة الحصار كانت أربعين يوما وهو حديث أنس عند أحمد ومسلم وقد بينا أن هذا الحديث والذي قبله لا يستقيم مع بقية الأحاديث. د- أن الحصار دام بضع عشرة ليلة وهي رواية البيهقي عن موسى ابن عقبة وعروة بن الزبير. هـ أن مدة الحصار كانت نصف شهر وهي رواية الطبري من مرسل عروة بن الزبير أيضا، ورواية الواقدي2. وكان الحصار سبعة عشر يوماً وهو حديث أبي عبيدة بن الجراح عند البيهقي. ز- كانت مدة الحصار سبع عشرة أو ثمان عشرة أو تسع عشرة كما في حديث عبد الرحمن بن عوف عند خليفة بن خياط وغيره. ح- أن مدة الحصار كانت خمسة وعشرين يوماً كما ورد في حديث عبد الله بن سنان عند ابن أبي شيبة.

والظاهر في هذا أن مدة الحصار كانت بضع عشرة ليلة كما رجح ذلك ابن حزم رحمه الله، وقال: هو الصحيح بلا شك1. والبضع من الثلاث إلى التسع، فإذا أخذنا بأول إطلاقاته وهو الثلاث فتكون مدة الحصار ثلاث عشرة ليلة بناء على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصل الطائف في عشرين من شهر شوال فيكون الحصار قد أخذ ثلاثة أيام من شهر ذي القعدة، وهو قريب من قول من قال بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد من الطائف إلى الجعرانة فوصلها في اليوم الخامس من ذي القعدة 2. وأقام بها ثلاث عشرة ليلة، ثم اعتمر منها وذهب إلى المدينة فوصلها لست بقين من ذي القعدة، أو في أوّل ذي الحجة. قال ابن سيد الناس: "والمعروف عند أهل السير أن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى إلى الجعرانة ليلة الخميس لخمس ليال خلون من ذي القعدة"3. فأقام بها ثلاث عشرة ليلة فلما أراد الانصراف إلى المدينة خرج ليلة الأربعاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة ليلا وأحرم بعمرة ودخل مكة فطاف وسعى وحلق ورجع إلى الجعرانة من ليلته فكأنه كان بائتا بها، ثم رجع إلى المدينة فدخلها لست بقين من ذي القعدة، قاله ابن هشام، وقيل لثلاث بقين4. وعند ابن إسحاق: فقدم المدينة في بقية ذي القعدة، أوفي أول ذي الحجة5. وقد نصب رسول الله صلى الله عليه وسلم منجنيقا في مدة حصاره لثقيف وقد مر بنا حديث أبي عبيدة في ذلك وهو عند البيهقي، ومرسل مكحول عند ابن سعد وهو بإسناد حسن6.

وأخرجه أبو داود في مراسيله: عن محمد1 بن بشار عن يحيى2 بن سعيد عن سفيان3 عن ثور4 عن مكحول أن النبي صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف وإسناده5 صحيح6. ورواه الترمذي معضلا فقال: قال قتيبة7: ثنا وكيع8 عن رجل عن ثور9 بن يزيد أن النبي صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف. قال قتيبة: قلت لوكيع: "من هذا الرجل؟ " قال: "صاحبكم عمر10 بن هارون"11. قال الزيلعي: "ورواه أبو داود في المراسيل وابن سعد في "الطبقات" عن مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم".

ورواه العقيلي1 في "ضعفائه" مسندا من حديث عبد الله2 بن خراش عن العوام3 بن حوشب عن أبي صادق4 عن علي قال: "نصب رسول الله صلى الله عليه وسلم المنجنيق على أهل الطائف" 5. 141- وأخرج أبو داود وأيضاً من مرسل عكرمة6 أن النبي صلى الله عليه وسلم نصب المجانيق على أهل الطائف7. وقال الشافعي: "نصب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل الطائف منجنيقا أو عرادة" 89. وعند الواقدي وابن سعد: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد السير إلى الطائف بعث الطفيل10 بن عمرو إلى ذي الكفين، صنم عمرو11 بن حممة الدوسي يهدمه وأمره

أن يستمد قومه ويوافيه بالطائف، فخرج سريعا إلى قومه فهدم ذا الكفين وجعل يحشوالنار في جوفه ويقول: يا ذا الكفين لست من عبادك ... ميلادنا أقدم من ميلادكا إني حشوت النار في فؤادك قال: "وانحدر معه من قومه أربعمائة سراعاً فوافوا النبي صلى الله عليه وسلم، بالطائف بعد مقدمه بأربعة أيام، وقدم بدبابة ومنجنيق" 1. وعند الواقدي: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاور أصحابه فقال له سلمان الفارسي: يا رسول الله، أرى أن تنصب المنجنيق على حصنهم فإنا كنا بأرض فارس ننصب المنجنيقات على الحصون وتنصب علينا، فنصيب من عدونا ويصيب منا بالمنجنيق، وإن لم يكن المنجنيق طال الثواء2 فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فعمل منجنيقاً بيده، فنصبه على حصن الطائف. ويقال: قدم بالمنجنيق يزيد3 بن زمعة ودبابتين. ويقال: "خالد4 بن سعيد قدم من جرش بالمنجنيق ودبابتين"5.

وقال ابن هشام: "حدثني من أثق به، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من رمى في الإسلام بالمنجنيق"1. رمى أهل الطائف 2. وهذه الآثار تتقوى بمجموعها وهي نص في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف وجرى على هذا أصحاب السير والمغازي. وتدل هذه الآثار أيضا على جواز مثل هذا الفعل مع الأعداء إذا تحصنوا داخل حصونهم ولم يتمكن المسلمون منهم إلا بهذا، وعلى جواز إصابة أطفالهم ونسائهم ممن لا شأن له في القتال تبعا للمقاتلين إذ لا يمكن التميز بين المقاتلين وغيرهم من نساء وأطفال في مثل هذا الهجوم. قال الشافعي: "إذا تحصن العدو في جبل أو حصن أو خندق أو بحسك أو بما يتحصن به، فلا بأس أن يرموا بالمجانيق والعرادات والنيران والعقارب والحيات وكل ما يكرهونه، وأن يبثقوا عليهم الماء ليغرقوهم أو يوحلوهم فيه، وسواء كان معهم الأطفال والنساء والرهبان أولم يكونوا؛ لأن الدار غير ممنوعة بإسلام ولا عهد، وكذلك لا بأس أن يحرقوا شجرهم المثمر ويخربوا عامرهم وكل ما لا روح فيه من أموالهم، فإن قال قائل: ما الحجة فيما وصفت وفيهم الولدان والنساء المنهي عن قتلهم؟ قيل الحجة فيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نصب على أهل الطائف منجنيقا أو عرادة، ونحن نعلم أن فيهم النساء والولدان، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع أموال بنى النضير وحرقها"3. ثم ساق في ذلك عدة أدلة تدل على جواز ذلك وهي مبسوطة في محلها.

رسم بيان

رسم بيان

المبحث الثاني: ما صدر من التعليمات العسكرية للمسلمين في حصار الطائف

المبحث الثاني: ما صدر من التعليمات العسكرية للمسلمين في حصار - الطائف مر بنا أن المشركين لما انهزموا في موقعة حنين وباءوا بالفشل، انسحبوا إثر ذلك فتوجه بعضهم نحو نخلة وأوطاس، وتوجهت أكثر ثقيف نحو الطائف ومعهم مالك بن عوف النصرى1، فدخلوا مدينة الطائف وكانت مدينة محصنة قوية ذات أسوار وحصون، ولها أبواب تغلق عليها، وأدخلوا فيها من الأقوات ما يكفيهم لسنة واستعدوا استعداداً كاملاً وتهيأوا للقتال، ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين، سار إلى الطائف حتى نزل قريبا من أسوار المدينة وعسكر هناك، فصوب المشركون نبالهم نحو المسلمين كأنها رجل من جراد فأوقعوا بالمسلمين خسائر في الأرواح، فقرر رسول الله صلى الله عليه وسلم الانسحاب بعيدا عن مرمى النبال وفكر المسلمون في وسيلة يستطيعون بها التغلب على ثقيف وإجبارهم على الاستسلام، ورأوا أن أحسن وسيلة في ذلك هي نصب المنجنيق2 عليهم ودك حصونهم بالدبابات، وغير أن أهل الطائف أحبطوا تلك المحاولات التي قام بها المسلمون، إذ حموا قطعا من حديد بالنار وألقوها على الدبابات الخشبية فحرقتها، فانسحب المسلمون المحتمون بها من تحتها لئلا يحترقوا، فرمتهم ثقيف بالنبل بعد انكشافهم من حماية الدبابات، فكان هذا مما زاد في جرأة ثقيف، وامتناعها عن الاستسلام، حتى أن بعضهم كان يقول: نحن قسي وقسنا أبونا والله لا نسلم ما حيينا. ... وقد بنينا حائطا حصينا. وعند ذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع أعنابهم ونخيلهم وتحريقها إغاظة لهم، فسارع المسلمون إلى ذلك وقطعوا قطعا ذريعا، حتى نادى الثقفيون يا محمد لم تقطع

أموالنا؟ إما أن تأخذها إن ظهرت علينا، وإما أن تدعها لله وللرحم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإني أدعها لله وللرحم" 1. ثم حث المسلمين على الرمي في سبيل الله، ورغبهم في ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: "من رمى بسهم في سبيل الله فله به درجة في الجنة" كما ورد ذلك في حديث أبي نجيح2 السلمي عند أبي داود وأحمد وغيرهما وهذا سياقه عند أحمد: 142- قال: حدثنا روح3 قال ثنا هشام4 بن أبي عبد الله عن قتادة5 عن سالم6 بن أبي الجعد عن معدان7 بن أبي طلحة عن أبي نجيح السلمي قال: حاصرنا مع النبي صن الطائف فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من بلغ بسهم فله درجة في الجنة" قال: فبلغت يومئذ ستة عشر سهما، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من رمى بسهم في سبيل الله عز وجل فهو عدل محرر" الحديث 8.

والحديث صحيح، وقد صرح قتادة بالتحديث عند البيهقي، وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وأبو داواد الطيالسي وابن حبان والحاكم والبيهقي كلهم من طريق قتادة به1. وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح"، وأبو نجيح هو عمرو بن عبسة السلمي. وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين"، فإن أبا نجيح هذا: هو عمرو2 بن عبسة السلمي. ووافقه الذهبي. وأورده ابن كثير عن البيهقي ثم قال: "ورواه أبو داود والترمذي وصححه3 والنسائي من حديث قتادة به"4. وكان من التعليمات العسكرية أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا ينادي، أيما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر، فخرج جماعة فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودفع كل واحد منهم إلى رجل من المسلمين يمونه، فشق ذلك على أهل الطائف مشقة شديدة وزاد من ألمهم5. وكان ذلك من أعظم التدابير العسكرية التي أضعفت من قوة المشركين وفتت في عضدهم ومعنوياتهم وفرقت جمعهم، توضح هذا الأحاديث الآتية:

قال البخاري: حدثنا محمد1 بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن عاصم قال: سمعت أبا عثمان2، قال سمعت سعدا3 - وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله - وأبا بكرة4 وكان تسور5 حصن الطائف في أناس فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم" الحديث6. والحديث أخرجه أحمد من طريق خالد الحذاء وعاصم الأحول، والدارمي من طريق عاصم عن أبي عثمان به. ولفظ الدارمي: "هذا أول من رمى بسهم في سبيل الله، وهذا تدلى من حصن الطائف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم" الحديث7. 144- قال البخاري: وقال هشام وأخبرنا معمر عن عاصم عن أبي العالية8 أو أبي عثمان النهدي قال: "سمعت سعدا أو أبا بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم"، قال عاصم:

قلت: "لقد شهد عندك1 رجلان حسبك بهما، قال: أجل، أما أحدهما فأول من رمى بسهم في سبيل الله، وأما الآخر فنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثالث ثلاثة وعشرين من الطائف"2. قال ابن حجر: "هشام هو ابن يوسف الصنعاني، ولم يقع لي موصولا إليه. وقد أخرجه عبد الرزاق عن معمر لكن عن أبي عثمان وحده، عن أبي بكرة وحده، وبغير شك، وغرض المصنف منه، ما فيه من بيان من أبهم في الرواية الأولى فإن فيها "تسور من حصن الطائف، في أناس" وفي هذا "فنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثالث ثلاثة وعشرين من الطائف". ثم قال: "وفيه رد على من زعم أن أبا بكرة لم ينزل من سور الطائف غيره، وهو شيء قاله موسى بن عقبة وتبعه الحاكم، وجمع بعضهم بين القولين، بأن أبا بكرة نزل وحده أولا، ثم نزل الباقون بعده وهو جمع حسن"3. قلت: حديث عبد الرزاق المشار إليه هذا سياقه:

قال عبد الرزاق: عن معمر عن عاصم بن سليمان قال: حدثنا أبو عثمان النهدي عن أبي بكرة: "أنه خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو محاصر أهل الطائف - بثلاثة وعشرين عبدا فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم الذين يقال لهم العتقاء" 1. وعند أبي داود قال عاصم: قلت: يا أبا عثمان لقد شهد عند رجلان أيما رجلين؟ فقال: أما أحدهما فأوّل من رمى بسهم في سبيل الله أو في الإسلام - يعنى سعد بن مالك - والآخر قدم من الطائف في بضعة2 وعشرين رجلا على أقدامهم"الحديث3. وقد جاء عند ابن إسحاق تسمية بعضهم من مرسل عبد الله بن مكرم الثقفي وهذا سياقه: 145- قال ابن إسحاق حدثني عبد الله 4 بن مكرم الثقفي قال: "لما حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف خرج إليه رقيق من رقيقهم أبو بكرة عبد الحارث بن كلدة، والمنبعث5 وكان اسمه المضطجع، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم

المنبعث ويحنس1 ووردان2 في رهط من رقيقهم فأسلموا فلماقدم وفد أهل الطائف، فأسلموا، قالوا: يا رسول الله رد علينا رقيقنا الذين أتوك؟ قال: "لا، أولئك عتقاء الله" ورد على ذلك الرجل ولاء عبده، فجعله له" 3. والحديث أخرجه البيهقي من طريق ابن إسحاق إلا أنه قال: "فلما قدم وفد أهل الطائف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا، قالوا يا رسول الله: رد علينا رقيقنا الذين أتوك فقال: "لا، أولئك عتقاء الله عز وجل ورد على كلّ رجل ولاء عبده فجعله إليه"4.

ثم قال: "هذا منقطع"1. وهكذا قال السهيلي: "بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد ولاء هؤلاء العبيد لسادتهم حين أسلموا، وقال: كل هذا ذكره ابن إسحاق في غير رواية ابن هشام"2. والحديث في سيرة ابن هشام والروض الأنف وليس فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد على أهل الطائف ولاء عبيدهم، وهذا نصه: قال ابن إسحاق: "وحدثني من لا اتهم عن عبد الله بن مكرم عن رجال من ثقيف، قالوا: لما أسلم أهل الطائف تكلم نفر منهم في أولئك العبيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا، أولئك عتقاء الله، وكان ممن تكلم فيهم الحارث بن كلدة" 3. ثم قال ابن هشام: "وقد سمى ابن إسحاق من نزل من أولئك العبيد، وكذا أورد ابن حجر في ترجمته الحارث بن كلدة"4. ما رواه أحمد وغيره من حديث ابن عباس وهذا سياقه عند أحمد: 146- قال: حدثنا أبو معاوية5 ثنا حجاج6 عن الحكم7 عن مقسم8 عن

ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أعتق رسول الله يوم الطائف من خرج من عبيد المشركين" 1. ورواه عن يحيى2 بن زكريا ثنا حجاج به. ولفظه: "لما حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف أعتق من رقيقهم". ورواه عن يزيد بن هارون ثنا الحجاج به. ولفظه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتق من جاءه من البعيد قبل مواليهم إذا أسلموا3 وقد أعتق يوم الطائف رجلين". رورواه عن عبد القدوس4 بن بكير بن خنيس ثنا الحجاج به. ولفظه: "حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف فخرج إليه عبدان فأعتقها5، أحدهما أبو بكرة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتق العبيد إذا خرجوا إليه". ورواه عن نصر6 بن باب عن الحجاج به. ولفظه: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الطائف من خرج إلينا من العبيد فهو حر، فخرج عبيد من العبيد فيهم أبو بكرة، فأعتقهم رسول الله 7. والحديث رواه سعيد8 بن منصور وابن سعد وابن أبي شيبة وخليفة بن خياط

والدارمي وأبو يعلى والطحاوي والطبراني والبيهقي كلهم من طريق حجاج بن أرطأة عن مقسم به1. بألفاظ مختلفة. ومدار الحديث على الحجاج وهو مدلس، وقد عنعن وبقية رجاله ثقات. وأروده الهيثمي وقال: "رواه أحمد والطبراني باختصار وفيه الحجاج ابن أرطأة وهو ثقة، ولكنه مدلس"2. 147- ما رواه أحمد وابن سعد والطحاوي من حديث عامر الشعبي وهذا سياقه عند أحمد: قال: حدثنا يحيى3 بن آدم ثنا مفضل4 بن مهلهل عن المغيرة5 عن شباك6 عن الشعبي7 عن رجل8 من ثقيف قال: "سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا فلم يرخص لنا". الحديث.

وفيه: "وسألناه أن يرد أبا بكرة فأبى وقال: "هو طليق الله وطليق رسوله". وكان أبو بكرة خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حاصر الطائف فأسلم 1. ورواه عن علي2 بن عاصم أخبرنا مغيرة عن شباك عن عامر أخبرني فلان الثقفي قال: "سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثلاث فلم يرخص لنا" الحديث وفيه "سألناه أن يرد إلينا أبا بكرة وكان مملوكا وأسلم قبلنا، فقال: لا، هو طليق الله ثم طليق رسول الله صلى الله عليه وسلم". ورواه عن الوركاني3 ثنا أبو الأحوص4 عن مغيرة بن شباك عن الشعبي عن رجل من ثقيف عن النبي صلى الله عليه وسلم. ثم قال: "نحوه ولم يسق لفظه"5. والحديث رواه ابن سعد والطحاوي كلاهما من طريق مغيرة عن شباك عن الشعبي به 6. غير أن ابن سعد ساقه بسندين أسقط الشعبي في أحدهما. وأورده الهيثمي وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات 7. 148- حديث أبي بكرة رضي الله عنه أنه خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محاصر الطائف بثلاثة وعشرين عبدا فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم الذين يقال لهم عتقاء". قال الهيثمي: "رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح"8.

149- حديث غيلان بن سلمة الثقفي أن نافعا1 كان عبدا لغيلان ففر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيلان مشرك، فأسلم غيلان فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه ولاءه". قال الهيثمي: "رواه الطبراني: وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن، وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات"2. 150- ما واه أبو داود من مرسل عبد ربه3 بن الحكم ولفظه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حاصر أهل الطائف خرج إليه أرقاء من أرقائهم فأسلموا فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أسلم مواليهم بعد ذلك رد رسول الله صلى الله عليه وسلم الولاء - يعني إليهم" 4. 151- حديث ابن عباس رضي الله عنهما من طريق أبي شيبة عن الحكم عن مقسم عنه قال: "لما نزل النبي صلى الله عليه وسلم الطائف أمر مناديا فنادى "أيما عبد خرج فهو حر". فخرج إليه عبدان فأعتقهما" 5. قال الهيثمي: رواه الطبراني: "وفيه إبراهيم بن عثمان أبو شيبة وهو متروك"6. 152- حديث أبي أمامة7 - رضي الله عنه - قال: "تدلى عبد من حصن الطائف فجاءه مولاه، فقال يا رسول الله رد علي غلامي، فقال: إن العبد إذا أسلم قبل مولاه لم يرد إليه، وإذا أسلم المولى ثم أسلم العبد دفع إليه" 8.

قال الهيثمي: "رواه الطبراني وفيه عمر1 بن موسى بن وجيه وهو متروك". وهذه الأحاديث تدل على أن العبد إذا نزل في حال الحصار وأسلم ولحق بالمسلمين قبل سيده صار حرا، وهل يصير حراً حكماً شرعياً، أو ذلك راجع إلى اشتراط الإمام له، فيه خلاف بين العلماء: قال ابن قيم الجوزية - رحمه الله -: "ومنها2 أن العبد إذا أبق من المشركين ولحق بالمسلمين، صار حراً، ثم أورد حديث سعيد بن منصور المتقدم"3. 153- ثم قال: وروى سعيد بن منصور أيضا قال: "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في العبد وسيده قضيتين، قضى أن العبد إذا خرج من دار الحرب قبل سيده أنه حر، فإن خرج سيده بعده لم يرد عليه، وقضى أن السيد إذا خرج قبل العبد ثم خرج العبد، رد على سيده. ثم أورد حديث الشعبي المتقدم4، ثم قال: قال ابن المنذر: "وهذا قول كل من يحفظ من أهل العلم"5. وأورد ابن كثير: حديث الحجاج بن أرطأة ثم قال: "تفرد به أحمد6 ومداره على الحجاج بن أرطأة وهو ضعيف، لكن ذهب الإمام أحمد إلى هذا فعنده أن كل عبد جاء من دار الحرب إلى دار الإسلام، عتق حكماً شرعياً مطلقاً عاماً، وقال آخرون: إنما كان هذا شرطا لا حكماً عاماً، ولو صح الحديث7 لكان التشريع العام أظهر، كما في قوله عليه السلام: "من قتل قتيلا فله سلبه8" 9.

قلت: هذا الحديث مداره على الحجاج بن أرطأة وهو ضعيف. وضعفه آت من قبل تدليسه وقد عنعن1. قال الذهبي: "وأكثر ما نقم على الحجاج التدليس، وفيه تيه لا يليق بأهل العلم". وقال أيضاً: "كان حجاج يقول: أهلكني حب الشرف"2. إهـ. ومثله يتقوى حديثه بالمتابعات والشواهد، وقد جاء عند عبد الرزاق بإسناد صحيح ما يؤيد هذا الحديث في مسألة عتق عبيد المشركين، والحديث أيضاً عند البخاري وأبي داود ولا تعرض فيه لإسلام أو عدمه وإنما فيه مجرد نزول العبيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم 3. وقد وردت أحاديث أخرى بأسانيد فيها الصحيح وغيره وهي دالة على ما دل عليه حديث الحجاج بن أرطأة، وقد تقدم سياق ذلك. وهذه الأحاديث نص في كون العبد إذا أسلم ولحق بالمسلمين قبل سيده صار حرا، ويرى الإمام أحمد ذلك حكما شرعيا بينما يراه الشافعي شرطا حيث قال: وإذا استأمن العبد من المشركين على أن يكون مسلما ويعتق فذلك للإمام، أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حصار ثقيف من نزل إليه من عبيد فأسلموا فشرط لهم أنهم أحرار فنزل إليه خمسة عشر عبدا من عبيد ثقيف فأعتقهم ثم جاء سادتهم بعدهم مسلمين، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يردهم إليهم فقال: "هم أحرار لا سبيل عليهم، ولم يردهم" 4. قلت: يؤيد القائلين بأن هذا حكما لا شرطا ما رواه أبو داود والترمذي من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهذا سياقه عند أبي داود:

154- قال: حدثنا عبد العزيز1 بن يحيى الحراني، قال حدثني محمد2 - يعني ابن سلمة عن محمد بن إسحاق عن أبان3 بن صالح بن منصور4 بن المعتمر عن ربعي5 بن حراش عن علي بن أبي طالب قال: "خرج عبدان6 إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني يوم الحديبية قبل الصلح فكتب إليه مواليهم، فقالوا: يا محمد والله ما خرجوا إليك رغبة في دينك، وإنما خرجوا هربا من الرق، فقال ناس: صدقوا يا رسول الله، ردهم إليهم فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ما أراكم تنتهون يا معشر قريش حتى يبعث الله عليكم من يضرب رقابكم على هذا وأبى أن يردهم، وقال: "هم عتقاء الله عز وجل" 7. والحديث فيه محمد بن إسحاق مدلس وقد عنعن. ورواه الترمذي من غير طريق ابن إسحاق لكن فيه سفيان8 بن وكيع ولفظه عن ربعي بن حراش قال أخبرنا علي بن أبي طالب بالرحبة9 قال: لما كان يوم

الحديبية خرج إلينا ناس من المشركين فيهم سهيل1 بن عمرو وأناس من رؤساء المشركين، فقالوا: يا رسول الله: خرج إليك ناس من أبنائنا وإخواننا وأرقائنا وليس لهم فقه في الدين، وإنما خرجوا فرارا من أموالنا وضياعنا2 فارددهم إلينا فإن لم يكن لهم فقه في الدين سنفقههم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا معشر قريش لتنتهن أو ليبعثن الله عليكم رقابكم بالسيف على الدين، وقد امتحن الله قلوبهم3 على الإيمان، قالوا: من هو يا رسول الله؟ فقال له أبو بكر: "من هو يا رسول الله، وقال عمر: من هو يا رسول الله؟ قال: "هو خاصف النعل، وكان أعطى عليا نعله يخصفها، قال: ثم التفت4 إلينا علي فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار". ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث ربعي عن علي5. والحديث أخرجه البيهقي من طريق عبد الله بن يحيى الحراني ثنا محمد بن سلمة الحراني عن محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح به. مثل لفظ أبي داود6.

قال صاحب عون المعبود: "وإنما غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم عاضوا حكم الشرع فيهم بالظن والتخمين، وشهدوا لأوليائهم المشركين بما ادعوه أنهم خرجوا هرباً من الرق، لا رغبة في الإسلام وكان حكم الشرع فيهم، أنهم صاروا بخروجهم من ديار الحرب مستعصمين بعروة الإسلام لا يجوز ردهم إليهم، فكان معاونتهم لأوليائهم تعاوناً على العدوان1. 155- وأخرج مسلم والنسائي وابن ماجة والبيهقي من حديث أبي الزبير2 عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: جاء عبد فبايع النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة، ولم يشعر أنه عبد، فجاء سيده يريده، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "بعنيه" فاشتراه بعبدين أسودين3، ثم لم يبايع أحدا بعد، حتى يسأله: "أعبد هو؟ " 4. واللفظ لمسلم. قال الشافعي - رحمه الله -: "ولو كان الإسلام يعتقه لم يشتر منه حرا، ولكنه أسلم غير خارج من بلاد منصوب عليها الحرب"5. وخلاصة ما تضمنه الرويات السابقة أمور: الأول: أن من التدابير العسكرية الناجحة التي استخدمها المسلمون بتوجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم: الأمر بقطع أعناب ثقيف ونخيلهم وتحريقها إغاظة لهم وهزا لمعنوياتهم وكان في ذلك نكاية بالغة بهم، حتى طالبوا الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعها لله وللرحم، فلما بلغته مناشدتهم له بذلك، تركها، ولكن بعد أن أثر بدون شك في نفوس القوم وأضعف عزائمهم.

الثاني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم حث المسلمين يومئذ على الرمي فقال: "من رمى بسهم في سبيل الله فله درجة في الجنة"، فكان في ذلك حافز قوي للمسلمين على التسابق في الرمي للفوز بدرجات عظيمة في الجنة حتى قال أحدهم: بلغت يومئذ ستة عشر سهما، وكانت تلك السهام الكثيرة، تنهال على ثقيف كالوابل الغزير فزلزل ذلك كفار ثقيف زلزالا شديدا وحصرهم في حصنهم وشل قدرتهم الدفاعية، حتى تركهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر الأمر، لا لعجز عن مناجزتهم، ولكن رأى أن ثقيفا مآلها الإسلام أو الاستسلام فقد أحيطت بالمسلمين من كل مكان فلماذا يتعرض جيش المسلمين لخسائر كبيرة في حصار مدينة حصينة مآلها إلى السقوط دون أية ضحايا، طال الوقت أم قصر؟ وهل بوسع الطائف أن تقاوم طويلا وحدها بعد أن دخلت مكة في الإسلام ودانت المناطق من حولها للمسلمين؟ وكيف تصرف إنتاجها الزراعي وكيف تقوم بتجاراتها وكل مواصلاتها مقطوعة؟ وقبل ذلك كله فقد جاء في بعض الآثار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله لم يأذن لي في فتح الطائف الآن، وأنه صلى الله عليه وسلم لما قال له أحد الصحابة: "ادع الله على ثقيف، فقال: الله اهد ثقيفا وائت بهم، فقد علم صلى الله عليه وسلم أن ثقيفا ستفيق من غفلتها وتستيقظ من سباتها وستأتي بنفسها تعلن ولاءها لرسول الله صلى الله عليه وسلم والانضمام تحت رايته وهذا الذي حصل بالفعل كما سياتي ذلك في مبحث إيفاد ثقيف. الثالث: ذلك النداء الموجه إلى العبيد الذين يعيشون تحت سيطرة سادات ثقيف "أيما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر"1 فما أن بلغهم هذا النداء الإسلامي حتى تسابقوا إلى المسلمين واحدا بعد آخر طلبا للحرية ورغبة في الخلاص من ظلم جبابرة الجاهلية فكانت مكافأتهم على هذه التضحية من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أعتقهم وخلصهم من رق الجاهلية وأغلالها، وأسلموا وحسن إسلامهم وحسن إسلامهم وكان في ذلك إضعاف لشوكة ثقيف وخلخلة لصفوفهم من داخلها، وكان عدد العبيد الذين نزلوا من حصن الطائف ولحقوا بالمسلمين ثلاثة وعشرين عبدا2.

_ 1 انظر حديث (151) والطبقات الكبرى لابن سعد 2/158-159. 2 انظر حديث رقم (144) .

المبحث الثالث: عدد القتلى من الفريقين في غزوة الطائف

المبحث الثالث: عدد القتلى من الفريقين في غزوة الطائف كان الجيش الإسلامي قد عسكر قريبا من حصن الطائف فأخذت ثقيف تقذف المسلمين بالنبال مما أدى إلى حدوث خسائر في صفوف المسلمين، فاضطر المسلمون إلى الانسحاب بعيدا عن مرمى النبال، ضرب المسلمون حصارهم الشديد على أهل الطائف فترة من الزمن 1، غير أن هذا الحصار لم يفت في عضد ثقيف حتى تستسلم، ذلك أن ثقيفاً قد استعدت قبل ذلك وأدخلت داخل حصنها ما يكفيها من الأقوات لمدة سنة، ولما طال مقام المسلمين في هذا الحصار حاولوا الهجوم على حصن الطائف ودك أسوار المدينة، فدخل نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت دبابة خشبية مغشاة بالجلود وزحفوا بها إلى جدار الطائف ليخرقوه، فأرسلت ثقيف على تلك الدبابة سكك الحديد محماة بالنار، فأحرقتها فانسحب المسلمون المحتمون بها من تحتها لئلا يحترقوا، فرمتهم ثقيف بالنبل بعد انكشافهم من حماية الدبابة، فقتلوا رجالا من المسلمين ممن كتب الله لهم الشهادة في سبيله. وفيما يلي الآثار الواردة في ذلك: 156- روى النسائي أخبرنا إسحاق2 بن إبراهيم قال: أنبأنا وكيع قال: حدثنا سعيد3 بن السائب عن رجل يقال له: عبيد الله4 بن معية قال: "أصيب

رجلان من المسلمين يوم الطائف فحملا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر أن يدفنا حيث أصيبا، وكان ابن معية ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم 1. ورواه ابن سعد فقال: أخبرنا وكيع بن الجراح وحميد2 بن عبد الرحمن الرواسي عن سعيد بن السائب الطائفي قال: سمعت شيخنا من بني سواءة أحد بني عامر بن صعصعة يقال له: عبيد الله بن معية. قال وكيع في حديثه: "وكان ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أو قريبا من ذلك، وقال حميد: وكان قد أدرك الجاهلية، قال: قتل رجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند باب بني سالم3 من الطّائف يوم الطّائف، فحملا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغه ذلك فبعث أن يدفنا حيث أصيبا أو حيث لقيا، فدفنا فيما بين مقتلهما وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقبرا حيث لقيا" 4. ورواه ابن أبي شيبة فقال: حدثنا وكيع عن سعيد بن السائب به"5. والحديث فيه عبيد الله بن معية وقد ذكره ابن سكن وابن منده في الصحابة، وقال ابن عبد البر: "يقال: إنه شهد الطائف، ثم أورد له هذا الحديث وعلى هذا فيكون الحديث متصلا". لكن ابن حجر: "ذكر التقريب بأن عبيد الله من الثانية وأن حديثه مرسل فالله أعلم"6.

ما رواه ابن سعد: أخبرنا عمرو1 بن عاصم الكلابي، أخبرنا أبو الأشهب2 أخبرنا الحسن3 قال: حاصر رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - أهل الطائف، قال فرمى رجل4 من فوق سورها فقتل" 5 والحديث إسناده حسن وهو مرسل. ما رواه البيهقي عن عروة بن الزبير في حصار الطائف، فحاصرهم بضع عشرة ليلة، وقاتلته ثقيف بالنبل والحجارة، وهم في حصن الطائف وكثرت القتلى في المسلمين، وفي ثقيف" الحديث6. والحديث مرسل، وفيه محمد7 بن عمرو بن خالد أبو علاثة. ما أخرجه ابن إسحاق قال: "حدثني عمرو بن شعيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سار إلى الطائف نزل قريبا من حصن الطائف فضرب به عسكره فقتل ناس من أصحابه بالنبل، وذلك أن العسكر اقترب من حصن طائف، فكانت النبل تنالهم" الحديث وفيه أيضا: " حتى إذا كان يوم الشدخة عند جدار الطائف دخل نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت دبابة ثم زحفوا بها إلى جدار الطائف ليخرقوه، فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديدة محماة بالنار، فخرجوا من تحتها، فرمتهم ثقيف بالنبل فقتلوا منهم رجالا" 8. وقد ورد تسميتهم عند ابن إسحاق فقال:

157- وهذه تسمية من استشهد من المسلمين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الطائف: من قريش، ثم من بني أمية بن عبد شمس: سعيد1 بن سعيد بن العاص بن أمية وعرفطة2بن جناب، حليف لهم، من الأسد3بن الغوث. ومن بني تيم بن مرة: عبد الله4 بن أبي بكر الصديق، رمى بسهم، فمات منه بالمدينة، بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. ومن بني مخزوم: عبد الله5 بن أبي أمية بن المغيرة، من رمية رميها يومئذ.

ومن بني عدي بن كعب: عبد الله1بن عامر بن ربيعة حليف لهم. ومن بنى سهم بن عمرو: السائب2 بن الحارث بن قيس بن عدي، وأخوه عبد الله بن الحارث. ومن بني سعد بن ليث: حجيلة3 بن عبد الله. واستشهد من الأنصار: من بني سلمة: ثابت4 بن الْجَذَع. ومن بني مازن بن النجار: الحرث5 بن سهل بن صعصعة.

ومن بني ساعدة: المنذر1 بن عبد الله. ومن الأوس: رُقَيم2 بن ثابت بن ثعلبة بن زيد بن لوذان بن معاوية. فجميع من استشهد بالطائف من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر رجلا: سبعة3 من قريش، وأربعة4 من الأنصار، ورجل5 من بنيليث6 هكذا ساقه ابن إسحاق بدون إسناد. 158- وممن أصيب في هذه الغزوة أبو سفيان بن حرب فقد فقئت عينه، وذلك فيما رواه ابن الزبير بن بكار عن سعيد7 بن عبيد الثقفي قال: "رميت أبا سفيان يوم الطائف فأصبت عينه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذه عيني أصيبت في سبيل الله، فقال: "إن شئت دعوت الله فردت عليك وإن شئت فالجنة، فقال: الجنة" 8.

وأخرجه ابن عساكر من طريق سعيد بن عبيد ربه. ولفظه: "قال رأيت أبا سفيان بن حرب يوم الطائف قاعدا في حائط أبي يعلى يأكل فرميته فأصبت عينه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هذه عيني أصيبت في سبيل الله" الحديث 1. وأورده السيوطي فقال: أخرج الزبير بن بكار وابن عساكر من طرق عن سعيد بن عبيد الثقفي، ثم ساق هذا الحديث2. قال الزرقاني: "وفي هذا قوة إيمان أبي سفيان وثبات يقينه بعدما كان من المؤلفة"3. وقد جاء عند ابن مندة خلاف هذا، وذلك أنه جعل أبا سفيان بن حرب هو الذي رمى سعيد بن عبيد ففقأ عينه. قال ابن حجر: "روى ابن مندة من طريق إسماعيل بن طريح حدثني أبي عن جدي أن أبا سفيان رمى سعيد بن عبيد جده يوم الطائف بسهم فأصاب عينه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله إن هذه عيني أصيبت في سبيل الله، فقال: إن شئت دعوت الله فرد عليك عينك، وإن شئت فعين في الجنة، قال: عين في الجنة". ثم قال ابن مندة: "وهذا غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه". قال ابن حجر: "قلت: فيه لفظة منكرة، فإن أبا سفيان في حصار الطائف كان مسلما فكيف يرمي سعيدا إن كان سعيدا مسلما، وأظن الصواب: أن أبا سفيان رماه سعيد". ويؤيد ذلك ما أخرجه الزبير بن بكار من هذا الوجه فقال عن سعيد بن عبيد قال: رأيت أبا سفيان يوم الطائف قاعدا في حائط يأكل فرميته فأصبت عينه، فذكر الحديث.

وروى ابن عائذ1 عن الوليد2 عن سعيد3 بن عبد العزيز أن عين أبي سفيان أصيبت يوم الطائف. 159- وروى أبو الفرج4 الأصبهاني من طريق أسامة5 بن زيد الليثي عن القاسم6 بن محمد قال: لم يزل السهم الذي أصاب عبد الله بن أبي بكر عند أبي بكر حتى قدم وفد الطائف فأراهم إياه فقال سعيد بن عبيد: هذا سهمي أنا بريته وأنا رميت به، فقال أبو بكر: الحمد لله الذي أكرمه بيدك ولم يهنك بيده7. ثم قال ابن حجر: "وله طريق أخرى في ترجمة عبد الله بن أبي بكر، فثبتت بذلك صحبة سعيد بن عبيد، وتحررت الرواية الأولى، ولله الحمد"8. وفي الصحيحين وغيرهما أن المسلمين في حصار الطائف قاتلوا ثقيفا قتالا شديدا حتى كثرت الجراحات في المسلمين 9. فهذا الحديث صريح في أن المسلمين نالهم في هذا الحصار جراحات شديدة، وقد قتل بعضهم كما ورد ذلك في كتب التواريخ وغيرها، وقد تقدم بيان ذلك وهذا ما يتعلق بإصابة المسلمين في هذه الغزوة.

وأما ما يتعلق بإصابات المشركين في الأرواح وغيرها، فقد تقدم في حديث عروة بن الزبير قوله: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر الطائف بضع عشرة ليلة، وقاتلته ثقيف بالنبل والحجارة وهم في حصن الطائف، وكثرت القتلى في المسلمين، وفي ثقيف" 1. فهذا الأثر صريح في أن القتل كثر في المشركين أيضا، غير أن المصادر الموجودة بأيدينا لم تنص إلا على ثلاثة فقط وفيما يلي ما ذكره العلماء في هذا الصدد: 160- أخرج أبو داود في كتاب المراسيل عن عكرمة قال: لما حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف أشرفت امرأة فكشفت قبلها فقالت: هادونكم فارموا فرماها رجل من المسلمين فما أخطأ ذلك منها. وفي رواية "فما أخطأ أن قتلها، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن توارى" 2. وعند الواقدي: "أن أهل الطائف أخرجوا امرأة ساحرة، فاستقبلت الجيش بعورتها وذلك حين نزل النبي صلى الله عليه وسلم يدفعون بذلك عن حصنهم"3. فلعل هذه المرأة الساحرة هي الواردة في حديث عكرمة. 161- ما أخرجه الواقدي أن يزيد4 بن زمعة بن الأسود خرج على فرس له فسأل ثقيفا الأمان يريد يكلمهم، فأعطوه الأمان، فلما دنا منهم رموه بالنبل فقتلوه. وخرج هذيل بن أبي الصلت أخو أمية5 بن أبي الصلت من باب الحصن، ولا يرى عنده أحدا، ويقال: إن يعقوب6 بن زمعة كمن له فأسره حتى أتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "قاتل أخي يا رسول الله! فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتى به إليه، فأمكنه النبي صلى الله عليه وسلم فضرب عنقه" 7.

162- ما أخرجه الواقدي أيضا: "أن رجلا من المشركين كان يقوم على حصن الطائف فيقول: "روحوا رعاء الشاء! روحوا جلابيب محمد! "1. أترون نتباءس على أحبل2 أصبتموها من كرومنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم روح مروحا إلى النار". قال سعيد بن أبي وقاص: "فأهوى له بسهم فوقع في نحره، وهوى من الحصن ميتا، قال: فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قد سر بذلك" 3. هذا ما ذكرته المصادر عن قتلى المشركين، وقد ظهر من النصوص السابقة أن هذه الغزوة كانت من المواقع الشديدة بين المسلمين والمشركين، وقد أصيب المسلمون فيها بجراحات شديدة واستشهد عدد من الصحابة وقد وقع لثقيف المحاصرة قتل في الأرواح وحرق لثمارهم واشتد بأس المسلمين عليهم، واستمر حصارهم مدة من الزمن غير يسيرة4، وعلى الرغم من ذلك كله لم تلن قناة المشركين من ثقيف ولم يستسلموا حتى تركهم المسلمون على ما هم عليه من عدم استسلامهم للمسلمين كما سنوضح ذلك في المبحث الآتي:

_ 1 جلابيب: لقب من كان أسلم من المهاجرين، لقبهم بذلك المشركون، وأصل الجلابيب الأزر الغلاظ كانوا يلتحفون بها، فلقبوهم بذلك (لسان العرب 1/265-266) . 2 أحبل: جمع حبلة - بفتح الحاء والباء- وهي الأصل أو القضيب من شجر الأعناب، والكروم: العنب (ابن الأثير: النهاية 1/334) . 3 مغازي الواقدي 3/929-930. 4 تقدم الخلاف في مدة الحصار في مبحث (حصار الطائف) (278) .

المبحث الرابع: فك الحصار عن الطائف والعودة إلى الجعرانة

المبحث الرابع: فك الحصار عن الطائف والعودة إلى الجعرانة كانت مدة حصار الطائف تتراوح ما بين بضعة عشر يوما إلى أربعين يوما كما مر توضيح ذلك1. وفي أثناء هذا الحصار كانت المفاوضة مستمرة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهل الطائف. 163- فقد روى ابن عساكر2 عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: لقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الطائف حنظلة3 بن الربيع إلى أهل الطائف فكلمهم فاحتملوه ليدخلوه حصنهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لهؤلاء وله مثل أجر غزاتنا هذه"، فلم يقم إلا العباس بن عبد المطلب حتى أدركه في أيديهم قد كادوا أن يدخلوه الحصن فاحتضنه العباس، وكان رجلاً شديداً، فاختطفه من أيديهم وأمطروا على العباس الحجارة من الحصن، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يدعو له حتى انتهى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم 4. وذكر ابن الأثير وابن حجر عن يونس بن بكير عن ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث حنظلة بن الربيع إلى أهل الطائف يقول لهم أتريدون الصلح أم لا؟ 5.

وعند ابن إسحاق أيضا من حديث عمرو بن شعيب قال: وتقدم أبو سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة إلى الطائف فناديا ثقيفاً: أن أمنونا1 حتى نكلمكم فأمنوهما، فدعوا نساء من نساء قريش وبني كنانة ليخرجن إليهما، وهما2 يخافان عليهن السباء، فأبين، منهن3: أمنة4 بنت أبي سفيان، كانت عند عروة بن مسعود، له منها داود بن عروة، والفراسية بنت سويد بن عمرو بن ثعلبة5، لها عبد الرحمن6 بن قارب. والفقمية7 أميمة بنت الناسئ8 أمية بن قلع، فلما أبين عليهما قال لهما ابن الأسود بن مسعود: "يا أبا سفيان ويا مغيرة، ألا أدلكما على خير مما جئتما له، إن مال بني

الأسود بن مسعود حيث علمتما وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين الطائف نازلا بواد يقال له العقيق"1. إنه ليس بالطائف مال أبعد رشاء ولا أشد مؤنة ولا أبعد عمارة من مال بني الأسود، وإن محمدا إن قطعه لم يعمر أبدا، فكلماه فليأخذه لنفسه أو ليدعه لله والرحم، فإن بيننا وبينه من القرابة ما لا يجهل، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تركه لهم. وأخرج البيهقي من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة قال: استأذن عيينة2 بن حصن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي أهل الطائف يكلمهم لعل الله أن يهديهم،

فأذن له فأتاهم فقال: "تمسكوا بمكانكم والله لنحن أذل من العبيد، وأقسم بالله لو حدث به1 حدث لتملكن العرب عزا ومنعة فتمسكوا بحصنكم وإياكم أن تعطوا بأيديكم، ولا يتكاثرن عليكم قطع هذه الشجر، ثم رجع فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا قلت لهم؟ قال: قلت لهم وأمرتهم بالإسلام ودعوتهم إليه وحذرتهم النار ودللتهم على الجنة. قال: "كذبت بل قلت لهم كذا وكذا. فقال: صدقت يا رسول الله أتوب إلى الله وإليك من ذلك" 2.. والحديث أخرجه أبو نعيم وفي كليهما محمد3 بن عمرو بن خالد الحراني أبو علاثة. وأخرجه الواقدي ولفظه: وقال عيينة: "يا رسول الله، ائذن لي حتى آتي حصن الطائف فأكلمهم، فأذن له، فجاءه فقال: أدنو منكم وأنا آمن؟ قالوا: نعم، وعرفه أبو محجن4 فقال: إذن فدنا فقال: ادخل فدخل عليهم الحصن، فقال فداؤكم أبي وأمي! والله لقد سرني ما رأيت منكم والله لو أن في العرب أحدا غيركم! والله ما لاقى محمد مثلكم قط، ولقد مل المقام، فاثبتوا في حصنكم، فإن حصنكم حصين، وسلاحكم كثير، وماءكم واتن5 لا تخافون قطعه! قال: فلما خرج قالت ثقيف لأبي محجن فإنا كرهنا دخوله، وخشينا أن يخبر محمدا بخلل إن رآه في حصننا، وقال أبو محجن: أنا كنت أعرف له، ليس منا أحد أشد على محمد منه وإن كان معه، فلما رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ما قلت لهم؟

قال: "قلت ادخلوا في الإسلام، والله لا يبرح محمد عقر داركم حتى تنزلوا فخذوا لأنفسكم أمانا، قد نزل بساحة أهل الحصون قبلكم قينقاع والنضير وقريظة وخيبر أهل الحلقة والعدة والآطام فخذلتهم ما استطعت ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت عنه، حتى إذا فرغ من حديثه، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كذبت! قلت لهم كذا وكذا للذي قال. قال عيينة: "أستغفر الله! " فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله، دعني أقدمه فأضرب عنقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يتحدث الناس أني أقتل أصحابي" ويقال: أن أبا بكر - رضي الله عنه - أغلظ له يومئذ وقال: "ويحك يا عيينة! إنما أنت أبدا توضع في الباطل، كم لنا منك من يوم بني النضير وقريظة وخيبر، تجلب علينا وتقاتلنا بسيفك ثم أسلمت كما زعمت فتحرض علينا عدونا! " قال: "أستغفر الله يا أبا بكر وأتوب إليه، لا أعود أبدا"1! وكان استعصاء ثقيف وعدم استسلامهم في ذلك الوقت هو أن الله - جل وعلا - لم يأذن في فتح الطائف حينئذ وأن ثقيفاً ستأتي معلنة إسلامها وولاءها للمسلمين عما قريب بدون مشقة وقتال، ولذا فقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصحابة بترك حصار الطائف ولما رأى في أصحابه الرغبة في مواصلة القتال والتصميم على الفتح، أذن لهم في ذلك وقال: اغدوا على القتال، فغدوا فأصابتهم جراحات شديدة من وقع نبال ثقيف فأعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته في ترك الحصار، ففرح الصحابة بذلك وعملوا أن ما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الصواب، وسارعوا إلى الرحيل، طالبين من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو على ثقيف جزاء صنيعهم السيئ ضد المسلمين، فقال صلى الله عليه وسلم "اللهم اهد ثقيفا" وقد ذكر ابن كثير الحكمة في تأخير الفتح عامئذ فقال: وكانت الحكمة الإلهية تقتضي أن يؤخر الفتح عامئذ لئلا يستأصلوا قتلا، لأنه قد تقدم أنه عليه السلام لما كان خرج إلى الطائف فدعاهم إلى الله تعالى وإلى أن يؤووه حتى يبلغ رسالة ربه عز وجل وذلك بعد موت عمه أبي طالب، فردوا عليه قوله وكذبوه، فرجع مهموما فلم يستفق إلا عند قرن الثعالب، فإذا هو بغمامة وإذا فيها جبريل

فناداه ملك الجبال، فقال: يا محمد إن ربك يقرأ عليك السلام وقد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، فإن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بل أستأني بهم، لعل الله أن يخرج من أصلابهم مَنْ يعبده، لا يشرك به شيئاً". فناسب قوله: "بل أستأني أن لا يفتح حصنهم لئلا يقتلوا عن آخرهم وأن يؤخر الفتح ليقدموا بعد ذلك مسلمين في رمضان من العام المقبل"1. إهـ. وفيما يلي الأحاديث الواردة في هذا المقام: 164- أخرج ابن أبي شيبة فقال: حدثنا عبد الوهاب2 الثقفي عن عبد الله3 بن عثمان بن خشيم عن أبي الزبير4 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر أهل الطائف فجاءه أصحابه فقالوا: يا رسول الله أحرقتنا نبال ثقيف فادع الله عليهم فقال: اللهم اهد ثقيفاً مرتين. قال: وجاءته خولة5 فقالت: إن بنت خزاعى6 ذات حلي فنفلني حليها إن فتح الله عليك الطائف غدا، قال: إن لم يكن أذن لنا في قتالهم، فقال رجل تراه عمر يا رسول الله ما مقامك على قوم لم يؤذن لك في قتالهم، قال: "فأذن في الناس بالرحيل فنزل الجعرانة فقسم بها غنائم حنين، ثم دخل منها بعمرة ثم انصرف إلى المدينة" 7. والحديث مرسل.

ورواه البيهقي من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة مرسلا ولفظه: وأقبلت امرأة يقال لها خولة بنت حكيم وكانت ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت تحت عثمان بن مظعون فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ما يمنعك أن تنهض إلى أهل الطائف، قال: "لم يؤذن لنا حتى الآن فيهم، وماأظن أن نفتحها الآن"، فأقبل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فلقيها خارجة من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل ذكر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا، قالت: أخبرني أنه لم يؤذن له في قتال الطائف بعد، فلما رأى ذلك عمر بن الخطاب قال: يا رسول الله ألا تدعو الله على أهل الطائف وتنهض لعل الله يفتحها فإن أصحابك كثير وقد شق عليهم الحبس ومنعهم معاشهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم يؤذن لنا في قتالهم" فلما رأى ذلك عمر قال: أفلا آمر الناس فلا يسرحوا ظهرهم حتى يرتحلوا بالغداة؟ قال: "بلى فانطلق عمر حتى أذن في الناس بالقفول وأمرهم أن لا يسرحوا ظهرهم، فأصبحوا فارتحل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه". ودعا النبي - صلى الله عليه وسلم - حين ركب قائلا: "اللهم اهدهم واكفنا مؤنتهم" 1. 165- وأخرجه ابن إسحاق بلاغا فقال: ثم إن خويلة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمية، وهي امرأة عثمان بن مظعون قالت: يا رسول الله أعطني إن فتح الله عليك الطائف حلي بادية2 بنت غيلان بن سلمة أو حلي الفارعة بنت عقيل، وكانتا من أحلى نساء ثقيف. فذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: "وإن كان لم يؤذن لي في ثقيف يا خويلة؟ " فخرجت خويلة فذكرت ذلك لعمر بن الخطاب، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله ماحديث حدثتنيه خويلة، زعمت أنك قلته؟ قال: قد قلته، قال: أو ما أذن لك فيهم يا رسول الله؟

قال: لا، قال: أفلا أؤذن بالرحيل؟ قال: بلى، فأذن عمر بالرحيل"، فلما استقل الناس نادى سعيد1 بن عبيد بن أسيد بن أبي عمر بن علاج ألا إن الحي مقيم، قال: يقول عيينة بن حصن: أجل، والله مجدة كراما، فقال له رجل2 من المسلمين: قاتلك الله يا عيينة، أتمدح المشركين بالامتناع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جئت تنصر رسول الله صلى الله عليه وسلم! فقال: "إني والله ما جئت لأقاتل ثقيفا معكم، ولكني أردت أن يفتح محمد الطائف، فأصيب من ثقيف جارية أطؤها، لعلها تلد لي رجلا، فإن ثقيفا قوم مناكير"3. 166- وأخرج ابن أبي شيبة قال: حدثنا حسين4 بن علي عن زائدة5 قال: قال عبد الملك6، قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو محاصر ثقيفاً ما رأيت الملك منذ نزلت منزلي هذا، قال: "فانطلقت خولة بنت حكيم السلمية فحدثت ذلك عمر بن الخطاب،

فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له قولها، فقال: صدقت، فأشار عمر على النبي صلى الله عليه وسلم بالرحيل، فارتحل النبي صلى الله عليه وسلم" 1 والحديث مرسل ورجاله ثقات. 167- وأخرج ابن سعد قال: أخبرنا عمرو2 بن عاصم الكلابي، أخبرنا أبو الأشهب3 أخبرنا الحسن4 قال: حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف، قال: فرمى رجل من فوق سورها فقتل، فأتى عمر فقال: "يا نبي الله ادع على ثقيف، قال: إن الله لم يأذن في ثقيف، قال: فكيف نقتل في قوم لم يأذن الله فيهم؟ قال: فارتحلوا، فارتحلوا5. والحديث مرسل، ورجاله ثقات. وعند ابن إسحاق بلاغا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر الصديق وهو محاصر ثقيفا: "يا أبا بكر، إني رأيت أني أهديت لي قعبة6 مملوءة زبدا، فنقرها ديك فهراق ما فيها". فقال أبو بكر: "ما أظن أن تدرك منهم يومك هذا ما تريد"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأنا لا أرى ذلك" 7. 168- وروى الواقدي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما مضت خمس عشرة ليلة من حصارهم استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم نوفل8 بن معاوية الديلي، فقال: "يا نوفل ما تقول أو ترى؟ "

فقال نوفل يا رسول الله، ثعلب في جحر إن أقمت عليه أخذته، وإن تركته لم يضرك شيئا". قال أبو هريرة: "ولم يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم في فتحها"1. وعنده أيضا: "قال: قال أبو محجن بن حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي، وهو على حصن الطائف: يا عبيد محمد، إنكم والله ما لاقيتم أحدا يحسن قتالكم غيرنا، تقيمون ما أقمتم بشر محبس، ثم تنصرفون لم تدركوا شيئا مما تريدون. نحن قسي وقسا أبونا والله لا نسلم ما حيينا2 وقد بنينا طائفا حصينا فناداه عمر: "يا ابن حبيب والله لنقطعن عليك معاشك حتى تخرج من جحرك هذا، إنما أنت ثعلب في جحر يوشك أن يخرج، فقال أبو محجن: إن قطعتم يا ابن الخطاب حبات عنب، فإن في الماء والتراب ما يعيد ذلك". فقال عمر: "لا تقدر أن تخرج إلى ماء ولا تراب، ولن نبرح عن باب جحرك حتى تموت! " قال: يقول أبو بكر: "يا عمر لا تقل هذا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يؤذن له في فتح الطائف، فقال عمر: وهل قال لك هذا رسول الله؟ " فقال: نعم، فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لم يؤذن لك يا رسول الله في فتحها؟ قال: "لا".قال: أفلا أؤذن في الناس بالرحيل! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بلى" فأذن عمر بالرحيل، فجعل المسلمون يتكلمون، يمشي بعضهم إلى بعض، فقالوا: ننصرف ولا نفتح الطائف!

لا نبرح حتى يفتح الله علينا؟ والله إنهم لأذل وأقل من لاقينا قد لقينا جمع مكة وجمع هوازن، ففرق الله تلك الجموع! وإنما هؤلاء ثعلب في جحر، لو حصرناهم لماتوا في حصنهم هذا! وكثر القول بينهم والاختلاف، فمشوا إلى أبي بكر فتكلموا، فقال أبو بكر - رضي الله عنه -: الله ورسوله أعلم، والأمر ينزل عليه من السماء، فكلموا عمر فأبى وقال: قد رأينا الحديبية ودخلني في الحديبية من الشك ما لا يعلمه إلا الله، وراجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بكلام ليت أني لم أفعل، وأن أهلي ومالي ذهبا ثم كانت الخيرة لنا من الله فيما صنع، فلم يكن فتح كان خيراً للناس من صلح الحديبية – بلا سيف دخل فيه من أهل الإسلام مثل من كان دخل – من يوم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يوم كتب الكتاب، فاتهموا الرأي، والخيرة فيما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولن أراجعه في شيء من ذلك الأمر أبدا! والأمر أمر الله وهو يوحي إلى نبيه ما يشاء! 1. وهذه الآثار تدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يؤذن له في فتح الطائف، وقد تقدم ما نقله ابن كثير من الحكمة في ذلك2. ولذا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى صعوبة الموقف وتأزم الأمور وكثرة الإصابات في أصحابه، أشار إليهم بترك الحصار والرجوع إلى الجعرانة ولكن لما رأى تحمس أصحابه وتصميمهم على الفتح ورغبتهم في ذلك واصل بهم حتى وافقوا في نهاية المطاف وعلموا أن المصلحة فيما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا هو صريح حديث الصحيحين وغيرهما، وهذا سياقه عند البخاري: 169- حدثنا علي3 بن عبد الله حدثنا سفيان عن عمرو عن أبي العباس الشاعر الأعمى عن عبد الله4 بن عمرو قال: لما حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف،

فلم ينل منهم شيئا، قال: إنا قافلون إن شاء الله، فثقل1 عليهم وقالوا: نذهب ولا نفتحه2، وقال مرة: نقفل، فقال: اغدوا على القتال، فغدوا، فأصابهم جراح، فقال: إنا قافلون غدا إن شاء الله، فأعجبهم فضحك3 صلى الله عليه وسلم. وقال سفيان مرة: فتبسم. قال: قال الحميدي: حدثنا سفيان بالخبر كله4. ورواه عن قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار به ولفظه لما كان رسول الله بالطائف قال: إنا قافلون غدا إن شاء الله، فقال ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نبرح أو نفتحها5، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فاغدوا على القتال، فغدوا

فقاتلوهم قتالا شديدا، وكثر فيهم الجراحات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنا قافلون غدا إن شاء الله، قال فسكتوا1، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم". ورواه عن عبد الله بن محمد2 حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار به، ولفظه قال: "حاصر النبي صلى الله عليه وسلم أهل الطائف فلم يفتحها، فقال: إنا قافلون إن شاء الله، فقال المسلمون: "نقفل ولم نفتح؟ " قال: فاغدوا على القتال، فغدوا فأصابتهم3 جراحات، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنا قافلون غدا إن شاء الله، فكأن4 ذلك أعجبهم، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم" 5. ورواه مسلم والحميدي وابن أبي شيبة وأحمد وأبو يعلى وأبو عوانة والبيهقي كلهم من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار به6. وعند الواقدي من حديث أبي هريرة قال: "وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر ابن الخطاب فأذن في الناس بالرحيل فضج الناس من ذلك وقالوا: نرحل ولم يفتح علينا الطائف؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فاغدوا على القتال"، فغدوا فأصابت المسلمين جراحات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنا قافلون إن شاء الله، فسروا بذلك وأذعنوا وجعلوا يرحلون ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك، وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده".

فلما ارتحلوا واستقلوا قال: "قولوا آيبون تائبون لربنا حامدون" 1. وقيل: "يا رسول الله ادع على ثقيف، فقال: اللهم اهد ثقيفا وآت بهم" 2. وحديث الدعاء على ثقيف أخرجه الترمذي وأحمد من حديث أبي الزبير، مسندا، وابن أبي شيبة مرسلا. 170- وهذا سياق الترمذي: حدثنا أبو سلمة3 يحيى بن خلف أخبرنا عبد الوهاب4 الثقفي عن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: قالوا: "يا رسول الله أحرقتنا نبال ثقيف فادع الله عليهم، فقال: "اللهم أهد ثقيفا" 5. ثم قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح غريب". قال الألباني: "هذا الحديث على شرط مسلم ولكنه من رواية أبي الزبير معنعنا وهو مدلس".

وقد تابعه عبد الرحمن1 بن سابط عند أحمد، ولكنه لم يسمع من جابر، كما قال ابن معين2. وهذا سياق حديث أحمد المشار إليه قال: حدثنا محمد3 بن الصباح ثنا إسماعيل4 بن زكريا عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن عبد الرحمن بن سابط وأبي الزبير عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اهد ثقيفاً". قال عبد الله5: "وسمعته أنا من محمد بن الصباح، فذكر مثله"6. وهذه المتابعة لا تجدي شيئا لأن عبد الرحمن بن سابط لم يسمع من جابر فيكون الحديث منقطعا. وأورد الذهبي هذا الحديث في ترجمة إسماعيل بن زكريا ثم قال: تفرد به عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن عبد الرحمن بن سابط عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم7. والحديث رواه ابن أبي شيبة عن عبد الوهاب الثقفي عن عبد الله ابن عثمان بن خثيم عن أبي الزبير مرسلاً8.

وأخرج البيهقي عن عروة بن الزبير مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا حين ركب فقال: "اللهم أهدهم واكفنا مؤنتهم" 1. والخلاصة أن الدعاء لثقيف رواه ابن سعد من مرسل الحسن البصري2 وساقه مرة أخرى بدون إسناد، ورواه الترمذي وأحمد مسندا من حديث أبي الزبير، ورواه عنه ابن أبي شيبة مرسلاً. وأبو الزبير مدلس وقد عنعن3. وتابعه عبد الرحمن بن سابط عند أحمد، ولكن جزم ابن معين بأن عبد الرحمن لم يسمع من جابر، فيكون الحديث منقطعا. وساقه ابن إسحاق بدون إسناد4. ورواه البيهقي من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة مرسلا. وفيه أيضا أبو علاثة5. فالحديث له ثلاث طرق: طريق أبي الزبير وقد عنعن وهو مدلس. وابن إسحاق ساقه بدون إسناد، وهو من صغار التابعين فيكون الحديث معضلا. وطريق البيهقي، وفيها الإرسال، وراو لم توجد ترجمته. وطريق ابن سعد من مرسل الحسن البصري، ومرسله ضعيف عند العلماء، فالحديث بجميع طرقه ضعيف. وهذه الآثار تدل على رحمة الرسول صلى الله عليه وسلم وشفقته، حتى مع ألد أعدائه حيث طلب منه الصحابة أن يدعو على ثقيف. فدعا لهم بالهداية وقد استجاب الله دعاءه وجاءوا مسلمين بعد ذلك بدون عناء أو مشقة.

وقد ذكر ابن إسحاق أن طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من الطائف كانت على دحنا1 حتى نزل الجعرانة فيمن معه من الناس، وكان بها سبي هوازن 2. وعند الواقدي فأخذ على دحنا ثم على قرن المنازل، ثم على نخلة حتى خرج إلى الجعرانة3. 171- وأخرج الطبري من طريق ابن إسحاق عن عبد الله 4 بن أبي بكر أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ممن شهد معه حنينا قال: والله إني لأسير إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقة لي، وفي رجلي نعل غليظة إذا زحمت ناقتي ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقع حرف نعلي على ساق رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوجعه، قال: فقرع قدمي بالسوط، وقال: "أوجعتني فتأخر عني فانصرفت"، فلما كان الغد إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتمسني، وقال: قلت: هذا والله لما كنت أصبت من رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمس، قال: فجئته وأنا أتوقع فقال لي: "إنك قد أصبت رجلي بالأمس، فأوجعتني فقرعت قدمك بالسوط، فدعوتك لأعوضك منها، فأعطاني ثمانين نعجة، بالضربة التي ضربني" 5. والحديث فيه عنعنة ابن إسحاق، وفيه انقطاع فإن عبد الله بن أبي بكر لم أجد في ترجمته أنه روى عن أحد من الصحابة سوى أنس بن مالك. وعند الواقدي وابن سعد نحو هذه القصة6 وأن صاحبها هو أبو رهم7 الغفاري، لكن ذكر ابن عبد البر وابن الأثير وابن حجر: "أن أبا رهم الغفاري

استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة عند خروجه إلى غزوة الفتح فلم يزل عليها حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطائف"1. وقد حصلت نحو هذه القصة لأبي رهم ولكن في غزوة تبوك جاء ذلك عند الإمام أحمد في مسنده ولفظه: 172- قال أبو رهم الغفاري: غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك فلما فصل سرى ليلة فسرت قريبا منه وألقي علي النعاس فطفقت أستيقظ وقد دنت راحلتي من راحلته فيفزعني دنوها خشية أن أصيب رجله في الغرز فأوخر راحلتي حتى غلبتني عيني نصف الليل فركبت راحلتي راحلته ورجل النبي صلى الله عليه وسلم في الغرز فأصابت رجله فلم أستيقظ إلا بقوله حس2، فرفعت رأسي، فقلت: استغفر لي يا رسول الله" الحديث3. والحديث ضعيف لأن فيه ابن أخي أبي رهم4. وعند الواقدي أيضا أن مثل هذا حصل لعبد الله بن أبي حدرد في مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف إلى الجعرانة، فقال: وكان عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي يقول: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسيرة وهو يحادثني، فجعلت ناقتي تلصق بناقته، وكانت ناقتي شهمة 5 فجعلت أريد أن أنحيها فلا تطاوعني، فلصقت بناقة النبي صلى الله عليه وسلم وأصيبت رجله فقال: "أخ6! أوجعتني! فرفع رجله من الغرز7 كأنها جمارة، ودفع رجلي بمحجن في يده، فمكث ساعة لا يتحدث، فوالله ما نزلت حتى ظننت أن سينْزل في عذاب".

قال: فلما نزلنا قلت لأصحابي: إني أرعى لكم! ولم يكن ذلك يوم رعيتي، فلما أرحت الظهر عليهم قلت: هل جاء أحد يبغيني؟ فقالوا: رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء يبغيك، فقلت في نفسي: هي والله هي! قلت: من جاء؟ قالوا رجل من الأنصار، قال: فكان أكره إلي وذلك أن الأنصار كانت فيهم علينا غلظة، قال: ثم جاء بعد رجل من قريش يبتغيني، قال: فخرجت خائفا حتى واجهت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يبتسم في وجهي وقال: أوجعتك بمحجني البارحة، ثم قال: خذ هذه القطة من الغنم، قال: فأخذتها فوجدتها ثمانين شاة ضائنة1. ثم قال الواقدي أيضا: وكان أبو زرعة2 الجهني يقول: "لما أراد صلى الله عليه وسلم أن يركب من قرن راحلته القصواء وطئت له على يديها، والزمام في يدي مطوى، فركب على الرحل وناولته الزمام، ودرت من خلفه فخلف الناقة بالسوط كل ذلك يصيبني، فالتفت إلي فقال: أصابك السوط؟ قلت: نعم بأبي وأمي! قال: فلما نزل الجعرانة إذا ربضة3 من الغنم ناحية من الغنائم فسأل عنها صاحب الغنائم فخبره عنها بشيء لا أحفظه، ثم صاح: أين أبو زرعة؟ قال: قلت: ها أنا ذا! قال: خذ هذه الغنم بالذي أصابك من السوط أمس، قال: فعددتها فوجدتها عشرين ومائة رأس، قال: فتأثلت4 بها مالاً5. 173- وعند الواقدي أيضا من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: اعترض لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أسلم معه غنم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته، فقال: يا رسول الله، هذه هدية قد أهديتها لك، قال: وممن أنت؟ قال: رجل من أسلم، قال: إني لا أقبل هدية مشرك، قال: يا رسول الله إني مؤمن بالله وبرسوله قد سقت الصدقة إلى بريدة بن الحصيب لما لي بعينه مصدقا،

قال: وأقبل بريدة فلحق النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: صدق يا رسول الله، هذا من قومي شريف ينزل بالصفاح1، قال: فما أقدمك إلى نخلة؟ قال: هي أمرع2 من الصفاح اليوم، ثم قال: نحن على ظهر كما ترى، فالحقنا بالجعرانة، قال: فخرج يعدو عراض3 ناقة رسول الله وهو يقول: يا رسول الله، فأسوق الغنم معي إلى الجعرانة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسقها، ولكن تقدم علينا الجعرانة فنعطيك غنما أخرى إن شاء الله. قال: يا رسول الله تدركني الصلاة وأنا في عطن4 الإبل، أفأ صلي فيه؟ قال: لا، قال: فتدركني وأنا في مراح5 الغنم، فأصلي فيه؟ قال: نعم، قال: يا رسول الله، ربما تباعد منا الماء ومع الرجل زوجته فيدنو منها؟

ق ال: نعم، ويتيمم1، قال: يا رسول الله، وتكون فينا الحائض، قال: تيمم، قال: فلحق النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة فأعطاه مائة شاة2. موقف سراقة وكان ممن اعترض رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى الجعرانة: سراقة بن مالك بن جعشم وكان معه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتبه له في أثناء هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، توضح ذلك الأحاديث الآتية: 174- قال الواقدي: وقال سراقة3 بن جعشم: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منحدر من الطائف إلى الجعرانة، فتحصلت4، والناس يمضون أمامه أرسالاً5، فوقعت في مقنب6 من خيل الأنصار فجعلوا يقرعوني7 بالرماح ويقولون: إليك! إليك! ما أنت؟ وأنكروني، حتى إذا دنوت وعرفت أنه يسمع صوتي أخذت الكتاب الذي كتبه

أبو بكر، فجعلته بين أصبعين من أصابعي، ثم رفعت يدي وناديت: أنا سراقة بن جعشم، وهذا كتابي! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوم وفاء، أدنوه! فأدنيت منه، فكأني أنظر إلى ساق رسول الله صلى الله عليه وسلم في غرزة كأنها جمارة، فلما انتهيت إليه سلمت، وسقت إليه الصدقة فما ذكرت شيئا أسأله عنه إلا أني قلت: يا رسول الله، أرأيت الضالة من الإبل تغشى حياضى وقد ملأتها لإبلي، هل لي من أجر إن أسقيتها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، في كل ذات كبد حرى1 أجر" 2. وذكر ابن إسحاق هذه القصة في سياق حديث الهجرة، وبين أن مجيء سراقة وإسلامه كان في الجعرانة، وأنه بعد ذلك رجع إلى قومه وساق صدقته لرسول الله صلى الله عليه وسلم. 175- وهذا سياقه: قال: حدثني الزهري أن عبد الرحمن3 بن مالك بن جعشم حدثه عن أبيه4، عن عمه سراقة بن مالك بن جعشم قال: "لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجرا إلى المدينة، جعلت قريش فيه مئة ناقة لمن رده عليهم". قال: "فبينا أنا جالس في نادي قومي إذ أقبل رجل منا، حتى وقف علينا فقال: والله لقد رأيت ركبة5 ثلاثة مروا آنفا، وأني لأراهم محمدا وأصحابه، قال: فأومأت

إليه بعيني: أن أسكت، ثم قلت: إنما هم بنو فلان، يبتغون ضالة لهم، قال: لعله، ثم سكت، قال: ثم مكثت قليلا ثم قمت فدخلت بيتي، ثم أمرت بفرسي، فقيد لي إلى بطن الوادي، وأمرت بسلاحي فأخرج لي من دبر حجرتي، ثم أخذت قداحي1 التي استقسم بها، ثم انطلقت فلبست لأمتي2. ثم أخرجت قداحي، فاستقسمت بها، فخرج السهم الذي أكره "لا يضره"3 قال: وكنت أرجوا لأن أرده4 على قريش، فآخذ المائة الناقة قال: فركبت على أثره، فبينا فرسي يشتد بي عثر بي فسقطت عنه قال: فقلت: ما هذا؟ قال: ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها، فخرج السهم الذي أكره "لا يضره" قال: فأبيت إلا أن أتبعه، قال: فركبت في أثره فبينا فرسي يشتد بي عثر بي، فسقطت عنه، قال: فقلت: ما هذا؟ قال: ثم أخرجت قداحي فاستقسمت بها فخرج السهم الذي أكره "لا يضره" قال: فأبيت إلا أن أتبعه، فركبت في أثره فلما بدا لي القوم ورأيتهم، عثر بي فرسي، فذهبت يداه في الأرض، وسقطت عنه، ثم انتزع يديه من الأرض، وتبعتهما دخان كالإعصار5، قال: فعرفت حين رأيت ذلك أنه ظاهر، قال: فناديت القوم: فقلت: أنا سراقة بن جعشم، انظروني أكلمكم، فوالله لا أريبكم ولا يأتيكم من شيء تكرهونه، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: "قل له: وما تبتغي منا؟ "

قال: فقال ذلك أبو بكر1، قال: قلت: تكتب لي كتابا يكون آية بيني وبينك، قال: اكتب له يا أبا بكر، قال: فكتب لي كتابا في عظم، أو في رقعة2، أو في خزفة3 ثم ألقاه إليّ، فأخذته، فجعلته في كنانتي4، ثم رجعت، فسكت فلم أذكر شيئا مما كان حتى إذا كان فتح مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفرغ من حنين والطائف، خرجت ومعي الكتاب لألقاه فلقيته، قال: فدخلت في كتيبة من خيل الأنصار، قال: فجعلوا يقرعونني بالرماح، ويقولون إليك! إليك! ماذا تريد؟ قال: فدنوت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته، والله لكأني أنظر إلى ساقه في غرزه كأنها جمارة، قال: فرفعت يدي بالكتاب، ثم قلت يا رسول الله، هذا كتابك لي، أنا سراقة بن جعشم، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوم وفاء وبر، أدنه"، قال: فدنوت منه، فأسلمت. ثم تذكرت شيئا أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فما أذكره، إلا أني قلت: "يا رسول الله، الضالة5 من الإبل تغشى حياضي، وقد ملأتها لإبلي، هل لي من أجر في أن أسقيها؟ قال: "نعم، في كل ذات كبد حرى أجر". ثم رجعت إلى قومي، فسقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقتي6. والحديث رواه موسى بن عقبة فقال: حدثنا ابن شهاب قال: حدثني عبد الرحمن بن مالك بن جعشم المدلجي أن أباه مالكا أخبره أن أخاه سراقة بن جعشم

أخبره "أنه لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجرا إلى المدينة جعلت قريش لمن رده عليهم مائة ناقة" الحديث1. وأخرج الحميدي هذا الحديث مختصرا في قدوم سراقة إلى الجعرانة وسؤاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا سياقه: حدثنا سفيان قال: سمعت الزهري يخبر عن ابن سراقة2 أو ابن أخي سراقة عن سراقة قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة فلم أدر ما أسأله عنه. فقلت: يا رسول الله إني أملأ حوضي أنتظر ظهري يرد علي فتجيء البهمة3 فتشرب فهل لي من أجر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لك في كل كبد حرى أجر" قال سفيان: "هذا الذي حفظت عن الزهري، واختلط علي من أوله شيء فأخبرني وائل بن داود عن الزهري بعض هذا الكلام لا أخلص ما حفظت من الزهري وما أخبرنيه وائل، قال سراقة: أتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة فجعلت لا أمر على مقنب من مقانب الأنصار إلاّ قرعوا رأسي، وقالوا: إليك! إليك! فلما انتهيت إليه، رفعت الكتاب، وقلت: أنا يا رسول الله قال: وقد كان كتب لي أمانا في رقعة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "نعم، اليوم يوم وفاء وبر وصدق" 4. وقصة تفاصيل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعرض سراقة له أثناء الهجرة ومحاولته القبض على رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلبه في نهاية الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب أمن، ثابت في صحيح البخاري من حديث عائشة (دون مجيء سراقة إلى الجعرانة) 5.

_ 1 البيهقي: دلائل النبوة 2/219-221 وحصل خطأ مطبعي في الدلائل وهو: حتى إذا فتح الله مكة وفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل "خيبر" والصواب: من أهل حنين لأن خيبر فتحت قبل فتح مكة. 2 ابن سراقة: هو محمد بن سراقة (ذكره ابن الأثير وابن حجر في ترجمة والده ولم أجد ترجمته، والحديث رواه ابن إسحاق وموسى بن عقبة كلاهما عن الزهري عن ابن أخي سراقة بن مالك وهو عبد الرحمن بن مالك، ورواه أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري فقال: عن ابن أخي سراقة، والبخاري عن عقيل عن الزهري، فقد رواه عن الزهري بدون شك ابن إسحاق وموسى بن عقبة ومعمر وعقيل. 3 البهمة: هي ولد الضأن الذكر والأنثى، والجمع بهم (النهاية 1/168) وقال حبيب الرحمن الأعظمي المحقق لمسند الحميدي، وفي نسخة (ظ) بهيمة، قلت: وهذه اللفظة أشمل ولعلها أرجح من لفظ (بهمة) وذلك لأن في حديث ابن إسحاق وموسى بن عقبة فتأتي الضالة من الإبل، والإبل لا تدخل في لفظ بهمة، وتدخل في لفظ بهيمة؛ لأن البهيمة كل ذات أربع قوائم ولو في الماء، أو كل حيى لا يميز جمع بهائم. (القاموس المحيط 4/82 والمصباح المنير 1/81) . 4 الحميدي: المسند 2/401وأحمد: المسند 4/175. 5 البخاري: الصحيح5/49-52 كتاب مناقب الأنصار، باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة.

الفصل الثالث: في تقسيم الغنائم

الفصل الثالث: في تقسيم الغنائم المبحث الأول: الفرق بين الغنيمة والفيئ والنفل ... المبحث الأول: الفرق بين الغنيمة والفيء والنفل ذهب جمهور العلماء إلى أن هذه الألفاظ الثلاثة لا فرق بينها في أصل اللغة وأنها تلتقي وتجتمع في مطلق الزيادة والرجوع، وذلك أن الغنيمة في أصل اللغة: زيادة وعطية من الله عز وجل لهذه الأمة على ما هو أصل الأجر والثواب للمجاهد، أو أنها زيادة لهذه الأمة بعد أن كانت الغنائم محرمة على غيرها من الأمم الماضية". ويشهد لهذا ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: 176- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي" الحديث. وفيه: "وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي" 1.

والفيء: مأخوذ من فاء يفيء إذا رجع كأنه في الأصل للمسلمين فرجع إليهم، وهو الغنيمة شيء واحد، فجميع ما أخذ من الكفار على أي وجه كان يسمى غنيمة وفيئا. والنفل: بالتحريك - الغنيمة والهبة والتطوع، وجمعه أنفال، ونفال، والنفل - بالسكون وقد تحرك - معناه الزيادة. وهي زيادة عما فرضه الله تعالى، ومنه قوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} ، [سورة الإسراء، الآية: 79] . فسمى سبحانه صلاة التطوع نافلة، لأنها زيادة أجر لهم على ما كتب لهم من ثواب ما فرض عليهم1. والفرق بين هذه الألفاظ الثلاثة إنما هو في الاصطلاح الشرعي ذلك أن الغنيمة في الاصطلاح هي المال المأخوذ من الكفار بايجاف 2 الخيل والركاب. قال القرطبي: "واعلم أن الاتفاق حاصل على أن المراد بقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} ، [سورة الأنفال، من الآية:41] . مال الكفار: إذا ظفر المسلمون على وجه الغلبة والقهر، ولا يقتضي اللغة هذا التخصيص، ولكن عرف الشرع قيد بهذا اللفظ النوع". ثم قال: "وقد سمى الشرع الواصل من الكفار إلينا من الأموال باسمين: غنيمة، وفيئا. فالشيء الذي يناله المسلمون من عدوهم بالسعي وإيجاف الخيل والركاب يسمى غنيمة، لزم هذا الاسم هذا المعنى حتى صار عرفا.

والفيء: مأخوذ من فاء يفيء إذا رجع، وهو كل مال دخل على المسلمين من غير حرب ولا إيجاف"1. وقال محمد الأمين الشنقيطي: "اعلم أن أكثر العلماء: فرقوا بين الفيء والغنيمة. فقالوا: الفيء ما يسره الله للمسلمين من أموال الكفار من غير انتزاعه منهم بالقهر، كفيء بني النضير. وأما الغنيمة: فهي ما انتزعه المسلمون من الكفار بالغلبة والقهر، وهذا التفريق يفهم من قوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} الآية مع قوله: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} ، [سورة الحشر، الآية: 6] . فإن قوله تعالى: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ} الآية. ظاهر في أنه يراد به بيان ما أوجفوا عليه، وما لم يوجفوا عليه كما ترى. ثم قال رحمه الله: وعلى هذا القول فلا إشكال في الآيات، لأن آية {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} ذكر فيها حكم الغنيمة، وآية {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِه} ذكر فيها حكم الفيء. وأشير لوجه الفرق بين المسألتين بقوله: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} أي فكيف يكون غنيمة لكم، وأنتم لم تتعبوا فيه ولم تنتزعوه بالقوة من مالكيه، ثم قال: وقال بعض العلماء، إن الغنيمة والفيء شيء واحد، فجميع ما أخذ من الكفار على أي وجه كان غنيمة وفيئا، وهذا قول قتادة رحمه الله، وهو المعروف في اللغة والعرب تطلق اسم الفيء على الغنيمة2. ثم قال: ولكن الاصطلاح المشهور عند العلماء هو ما قدمنا من الفرق بينهما وتدل له آية الحشر المتقدمة.

وعلى القول قتادة: فآية الحشر مشكلة مع آية الأنفال، ولأجل ذلك الإشكال قال قتادة: إن آية {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} ناسخة لآية {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِه} وهذا القول الذي ذهب إليه باطل بلا شكّ، ولم يلجئ قتادة إلى هذا القول إلاّ دعواه اتحاد الفيء والغنيمة، فلو فرق بينهما كما فعل غيره، لعلم أن آية الأنفال في (الغنيمة) وآية الحشر في (الفيء) ولا إشكال. ووجه بطلان قول قتادة المذكور: أن آية: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} نزلت بعد وقعة بدر، قبل قسم غنيمة بدر، بدليل حديث علي - رضي الله عنه - الثابت في صحيح مسلم1 الدال على أن غنائم بدر خمست، وآية التخميس التي شرعه الله بها هذه. وإما آية الحشر فهي نازلة في غزوة بني النضير بإطباق العلماء، وغزوة بني النضير بعد غزوة بدر بإجماع المسلمين. ولا منازعة فيه البتة، فظهر من هذا عدم صحة قول قتادة - رحمه الله - تعالى وقد ظهر لك أنه على القول بالفرق بين الغنيمة والفيء لا إشكال في الآية، وكذلك على قول من يرى أمر الغنائم والفيء راجعا إلى نظر الإمام، فلا منافاة على قوله بين آية الحشر، وآية التخميس إذا رآه الإمام، والله أعلم2. الفيء في الاصطلاح: "هو كل مال أخذ من الكفار من غير قتال ولا إيجاف خيل ولا ركاب، كأموال بني النضير فإنها مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب". أي: لم يقاتلوا الأعداء فيها بالمبارزة والمصاولة، بل استسلم بنو النضير وصارت أموالهم فيئا أفاءه الله على رسوله صلى الله عليه وسلم فتصرف فيه كما أمره الله سبحانه فرده على المسلمين في وجوه البر والمصالح العامة التي ذكرها الله في آيات سورة الحشر3.

وقد تقدم أن أكثر العلماء فرقوا بين الفيء والغنيمة، وأن الفيء: هو ما يسره الله للمسلمين من أموال الكفار من غير انتزاعه منهم بالقهر. ومن العلماء من قال: إن الغنيمة والفيء شيء واحد، فجميع ما وصل إلينا من أموال الكفار على أي وجه كان يسمى فيئا وغنيمة. والمشهور عند العلماء الفرق بينهما كما تقدم1. والنفل في الاصطلاح هو: ما يعطيه الإمام لبعض الجيش دون بعض سوى سهامهم، يفعل ذلك بهم على قدر الغناء2 عن الإسلام والنكاية في العدو3. 177- وفي حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى نجد فخرجت فيها، فأصبنا إبلا وغنما، فبلغت سهماننا اثني عشر بعيرا، اثني عشر بعيرا ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيراً بعيراً" 4. وعنه - رضي الله عنهما - "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم عامة الجيش". زاد مسلم: والخمس في ذلك واجب كله5. قال أبو عبيد: "وفي هذا النفل الذي ينفله الإمام سنن أربع لكل واحدة منهن موضع غير موضع الأخرى: فإحداهن: في النفل الذي لا خمس فيه.

والثانية: في النفل الذي يكون من الغنيمة بعد إخراج الخمس. والثالثة: في النفل الذي يكون من الخمس نفسه. والرابعة: في النفل من جملة الغنيمة قبل أن يخمس منها شيء. فأما الذي لا خمس فيه فإنه السلب، وذلك أن ينفرد الرجل بقتل المشرك فيكون له سلبه خالصا من غير أن يخمس أو يشركه فيه أحد من أهل العسكر. وأما الذي يكون من الغنيمة بعد الخمس، فهو أن يوجه الإمام السرايا في أرض الحرب فتأتي بالغنائم، فيكون للسرية مما جاءت به الربع أو الثلث بعد الخمس. وأما الثالث فأن تحاز الغنيمة كلها ثم تخمس، فإذا صار الخمس في يدي الإمام نفل منه على قدر ما يرى. وأما الذي يكون من جملة الغنيمة، فما يعطي الأدلاء على عورة العدو1 ورعاء الماشية والسوق لها، وذلك أن هذا منفعة لأهل العسكر جميعا. ثم قال: وفي كل ذلك أحاديث واختلاف. ثم أورد الأدلة على كل مسألة من هذه المسائل المتقدمة"2. وقال الطبري - بعد أن ذكر اختلاف العلماء في المعنى المراد من الأنفال في قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} ودليل كل - وأولى هذه الأقوال بالصواب في معنى الأنفال من قال: هي زيادات يزيدها الإمام بعض الجيش أو جميعهم، إما من سلبه على حقوقهم من القسمة، وإما مما وصل إليه بالنفل، أو ببعض أسبابه، ترغيبا له، وتحريضا لمن معه من جيشه، على ما فيه صلاحهم وصلاح المسلمين، أو صلاح أحد الفريقين، وقد يدخل في ذلك ما قال ابن عباس أنه الفرس والدرع ونحو ذلك 3.

ويدخل ما قاله عطاء من أن ذلك ما عاد من المشركين إلى المسلمين من عبد أو فرس1. لأن ذلك أمره إلى الإمام إذا لم يكن ما وصلوا إليه لغلبة وقهر، يفعل ما فيه صلاح أهل الإسلام. وقد يدخل فيه ما غلب عليه الجيش بقهر. ثم قال: وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال بالصواب، لأن النفل في كلام العرب، إنما هو الزيادة على الشيء، يقال منه نفلتك كذا وأنفلتك: إذا زدتك فإذا كان معناه ما ذكرنا، فكل من زيد من مقاتلة الجيش على سهمه من الغنيمة إن كان ذلك لبلاء أبلاه، أو لغناء كان منه عن المسلمين، بتنفيل الوالي ذلك إياه، فيصير حكم ذلك له كالسلب الذي يسلبه القاتل، فهو منفل ما زيد من ذلك لأن الزيادة وإن كانت مستوجبة في بعض الأحوال بحق، فليست من الغنيمة التي تقع فيها القسمة. وكذلك كل ما رضخ لمن لا سهم له في الغنيمة فهو نفل، لأنه وإن كان مغلوبا عليه، فليس مما وقعت عليه القسمة، فالفصل إذا كان الأمر على ما وصفنا بين الغنيمة والنفل: أن الغنيمة هي ما أفاء الله على المسلمين من أموال المشركين بغلبة وقهر نفل منه منفل، أو لم ينفل. والنفل: هو ما أعطيه الرجل على البلاء والغناء عن الجيش على غير قسمة2. وبعد أن ذكرنا الفرق بين الغنيمة والفيء والنفل في الاصطلاح الشرعي يحسن بنا أن نذكر حكم كل من الغنيمة والفيء والنفل تكميلا للغرض المقصود من هذا المبحث. فأقول: الغنائم قسمان: ثابت ومنقول ولكل منهما حكمه الخاص به. فحكم الثابت كالأرض المفتوحة عنوة والعقار راجع إلى الإمام فهو بالخيار بين قسمها بين الغانمين وبين وقفها في مصالح المسلمين، أو قسم بعضها ووقف البعض، وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنواع الثلاثة، فقسم قريظة والنضير، ولم يقسم

مكة، وقسم شطر خيبر وترك شطرها الآخر وهذا هو المشهور من أقوال العلماء أن الإمام مخير بين قسم الأراضي وبين وقفها إن رأى المصلحة في ذلك1. وإن كانت منقولة فإن جمهور العلماء على أن للغانمين فيها أربعة أخماس وأنها ملك لهم تقسم بينهم للراجل سهم، وللفارس ثلاثة أسهم سهم له، وسهمان لفرسه. وأن أصل الغنائم كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة بقوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُول} وأن هذه الآية منسوخة بآية {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} . الآية. قال القرطبي: "لما بين الله تعالى حكم الخمس وسكت عن الباقي، دل ذلك على أنه ملك للغانمين"2. وقال ابن تيمية: "فالواجب في المغنم تخميسه، وصرف الخمس إلى من ذكره الله تعالى، وقسمة الباقي بين الغانمين". قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "الغنيمة لمن شهد الوقعة، وهم الذين شهدوها للقتال، قاتلوا أولم يقاتلوا، ويجب قسمتها بينهم بالعدل، فلا يحابي أحد، لا لرياسته، ولا لنسبه، ولا لفضله، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه يقسمونها، وما زالت الغنائم تقسم بين الغانمين في دولة بني أمية، ودولة بني العباس، لما كان المسلمون يغزون الروم والترك والبربر، ولكن يجوز للإمام أن ينفل من ظهر منه زيادة نكاية: كسرية تسرت من الجيش أو رجل صعد حصناً عالياً ففتحه، أو حمل على مقدم العدو فقتله، فهزم العدو ونحو ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه كانوا ينفلون لذلك"3. وقال الشوكاني: "وقد ادعى ابن عبد البر الإجماع على أن آية {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} بعد قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} وأن أربعة أخماس الغنيمة مقسومة على الغانمين.

وأن قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} نزلت حين تشاجر أهل بدر في غنائم بدر". ثم قال الشوكاني: "وقد حكى الإجماع جماعة من أهل العلم على أن أربعة أخماس الغنيمة للغانمين وممن حكى ذلك ابن المنذر1 وابن عبد البر والداودي2 والمازري3 والقاضي عياض وابن العربي"4. والأحاديث الواردة في قسمة الغنيمة بين الغانمين، وكيفيتها كثيرة جدا وقال القرطبي: ولم يقل أحد فيما أعلم - أن قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} الآية، وناسخ لقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} الآية. بل قال الجمهور: إن قوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} ، ناسخ وهم الذين لا يجوز عليهم التحريف ولا تبديل لكتاب الله 5. وقال محمد الأمين الشنقيطي: إعلم أن جماهير علماء المسلمين على أن أربعة أخماس الغنيمة للغزاة الذين غنموها، وليس للإمام أن يجعل تلك الغنيمة لغيرهم. ويدل لهذا قوله تعالى: {غَنِمْتُمْ} فهو يدل على أنها غنيمة لهم، فلما قال: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} علمنا أن الأخماس الأربعة الباقية لهم لا لغيرهم، ونظير ذلك قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} أي: ولأبيه الثلثان الباقيان إجماعا، فكذلك قوله: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} أي: للغانمين ما بقي، وهذا القول هو الحق الذي لا شك فيه، ثم أشار إلى الإجماع الذي ذكره الشوكاني ثم قال: وخالف في ذلك بعض أهل العلم وهو قول كثير من المالكية، ونقله عنهم المازري أيضا قالوا: للإمام أن يصرف الغنيمة فيما يشاء من مصالح المسلمين ويمنع منها الغزاة الغانمين، واحتجوا

لذلك بأدلة منها قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُول} الآية. قالوا: الأنفال: الغنائم كلها، والآية محكمة لا منسوخة، احتجوا أيضا بما وقع في فتح مكة، وقصة حنين، قالوا: إنه صلى الله عليه وسلم فتح مكة عنوة ومن على أهلها فردها عليهم، ولم يجعلها غنيمة ولم يقسمها على الجيش، فلو كان قسم الأخماس الأربعة على الجيش واجبا لفعله صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة. وكذلك غنائم هوازن في غزوة حنين، أعطى منها عطايا عظيمة جدا، ولم يعط الأنصار منها مع أنهم من خيار المجاهدين، الغانمين معه صلى الله عليه وسلم، فلو كان يجب قسم الأخماس الأربعة على الجيش الذي غنمها لما وزعت الغنائم على غير الغانمين، ثم قال: وأجاب الجمهور عن هذه الاحتياجات بأن آية: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} منسوخة بآية {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} . وأما الجواب عما وقع في فتح مكة، فإن مكة وإن كانت فتحت عنوة على المشهور، فإنها ليست كغيرها من البلاد التي ليست لها هذه الحرمة. وأما ما وقع في قصة حنين فالجواب عنه ظاهر، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم استطاب نفوس الغزاة عن الغنيمة ليؤلف بها قلوب المؤلفة قلوبهم لأجل المصلحة العامة للإسلام والمسلمين وقد عوضهم نفسه صلى الله عليه وسلم فإن الأنصار لما قالوا يمنعنا ويعطي قريشا وسيوفنا تقطر من دمائهم فجمعهم وكلمهم بقوله: "يا معشر الأنصار ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم" فرضي القوم وطابت نفوسهم، وقالوا: "رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم قسما وحظا" 1 قال الشوكاني: "وليس لغيره صلى الله عليه وسلم أن يقول هذا القول"2. وأجاب ابن تيمية عن هذا أيضا فقال: "ولو فتح الإمام بلدا وغلب على ظنه أن أهله يسلمون ويجاهدون جاز أن يمن عليهم بأنفسهم وأموالهم وأولادهم كما فعل صلى الله عليه وسلم بأهل مكة، فإنهم أسلموا

كلهم بلا خلاف، بخلاف أهل خيبر فإنه لم يسلم أحد، فأولئك قسم أرضهم لنهم كانوا كفارا مصرين على الكفر، وهؤلاء تركها لهم لأنهم كلهم صاروا مسلمين، والمقصود بالجهاد أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن يكون الدين كله لله، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم ليتألفهم على الإسلام، فكيف لا يتألفهم بإبقاء ديارهم وأموالهم"1. والخلاصة أن القول الأرجح في هذا أن أربعة أخماس الغنيمة للغانمين الذين شهدوا الوقعة هذا إذا كانت الغنائم منقولة وأما غير المنقول، فيخير الإمام بين قسمها ووقفها، وهذا هو الظاهر من نصوص الشريعة، والله أعلم. وأما الفيء: فقد بين الله عز وجل حكمه ومصارفه في قوله تعالى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} . [سورة الحشر، الآيتان: 6و7] . قال ابن كثير في شرح هذه الآيات: "يقول تعالى: مبينا ما الفيء وما صفته وما حكمه، فالفيء كل مال أخذ من الكفار من غير قتال ولا إيجاف خيل ولا ركاب، كأموال بني النضير هذه فإنها مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، أي لم يقاتلوا الأعداء فيها بالمبارزة والمصاولة، بل نزل أولئك من الرعب الذي ألقى الله في قلوبهم من هيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأفاء هـ الله على رسوله، ولهذا تصرف فيه كما يشاء فرده على المسلمين في وجوه البر والمصالح التي ذكرها الله - عز وجل - في هذه الآيات، فقال تعالى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ} أي: من بني النضير، {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} يعني: الإبل {وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أي: هو قادر لا يغالب ولا يمانع بل هو القاهر لكل شيء ثم قال تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} أي: جميع البلدان التي تفتح هكذا فحكمها حكم أموال بني النضير ولهذا

قال تعالى {فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} إلى آخرها والتي بعدها فهذه مصارف أموال الفيء ووجوهه. 178- ثم قال: روى الإمام أحمد فقال: حدثنا سفيان عن عمرو ومعمر عن الزهري عن مالك1 بن أوس بن الحدثان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مما لم يوجف المسلمون بخيل أو ركاب، وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة، وكان ينفق على أهله منها نفقة سنة، وقال مرة قوت سنة، وما بقي جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله عز وجل"2. ثم قال: "هكذا أخرجه أحمد ههنا مختصرا، وقد أخرجه الجماعة3 في كتبهم إلا ابن ماجة من حديث سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن الزهري به"4. وقال ابن حجر: "واختلف العلماء في مصرف الفيء، فقال مالك: الفيء والخمس سواء يجعلان في بيت المال ويعطى الإمام أقارب النبي صلى الله عليه وسلم بحسب اجتهاده". وفرق الجمهور بين خمس الغنيمة وبين الفيء، فقالوا: الخمس موضوع فيما عينه الله فيه من الأصناف المسمين في آية الخمس من سورة الأنفال5، لا يتعدى به إلى غيرهم، وأما الفيء فهو الذي يرجع النظر في مصرفه إلى رأي الغمام بحسب المصلحة. ثم قال: "انفرد الشافعي - كما قال ابن المنذر وغيره - بأن الفيء يخمس وأن أربعة أخماسه للنبي صلى الله عليه وسلم، وله خمس الخمس كما في الغنيمة وأربعة أخماس الخمس لمستحق نظيرها من الغنيمة".

وقال الجمهور: "مصرف الفيء كله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتجوا بقول عمر: "فكانت هذه لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة". وتأول الشافعي قول عمر المذكور بأنه يريد الأخماس الأربعة1. وقال النووي: "وقد أوجب الشافعي الخمس في الفيء، كما أوجبوه كلهم في الغنيمة، وقال جميع العلماء سواه: لا خمس في الفيء ثم قال: يؤيد الجمهور بأنه لا خمس في الفيء قوله في حديث الباب "كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة". وقد ذكرنا أن الشافعي أوجبه، ومذهبه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له من الفيء أربعة أخماس وخمس خمس الباقي2. وقال ابن تيمية في أثناء كلامه على الفيء، ومن الفيء ما ضربه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على الأرض التي فتحها عنوة ولم يقسمها، كأرض مصر وأرض العراق - إلا شيئا يسيرا منها - وبر الشام، وغير ذلك، فهذا الفيء لا خمس فيه عند جماهير الأئمة: كأبي حنيفة، ومالك وأحمد، وإنما يرى تخميسه الشافعي وبعض أصحاب أحمد، وذكر ذلك رواية عنه. قال ابن المنذر: "لا يحفظ عن أحد قبل الشافعي أن في الفيء خمسا كخمس الغنيمة"، ثم قال ابن تيمية: "وهذا الفيء لم يكن ملكا للنبي صلى الله عليه وسلم في حياته عند أكثر العلماء". وقال الشافعي وبعض أصحاب أحمد: "كان ملكا له"، ثم قال: "وأما مصرفه بعد موته صلى الله عليه وسلم، فقد اتفق العلماء على أن يصرف منه أرزاق الجند المقاتلين، الذين يقاتلون الكفار، فإن تقويتهم تذل الكفار، فيؤخذ منهم الفيء، وتنازعوا هل يصرف في سائر مصالح المسلمين، أم تختص به المقاتلة؟ "

على القولين للشافعي، ووجهين في مذهب الإمام أحمد، لكن المشهور في مذهبه، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك: "أنه لا يختص به المقاتلة، بل يصرف في المصالح كلها. أهـ"1. وأما النفل فقد تقدم حكمه2. والخلاصة في هذا أن الغنيمة والنفل والفيء تلتقي في الأصل اللغوي، وتفترق في المعنى الشرعي. وأن أربعة أخماس الغنيمة لمن شهد الوقعة حق ثابت لهم، وأن الفيء يصرف في مصالح المسلمين، حسب المصلحة الراجحة، وأن النفل يرجع فيه إلى رأي الإمام فيعطي كلا على حسب غنائه وبلائه في مصلحة الإسلام والمسلمين.

_ 1 ابن تيمية: الفتاوى 28/564-565. 2 تحت حديث (177) .

المبحث الثاني: جفاء الأعراب وغلظتهم

المبحث الثاني: جفاء الأعراب وغلظتهم لقد عرف الأعراب بالجشع والحرص على أتفه متاع الدنيا مع الغلظة وشراسة الطبع والجفاء، لبعدهم عن مواطن الوعي الاجتماعي وتحررهم من قيود النظام وقوانين الحضارة الإنسانية، فالأعراب قوم من العرب يعيشون في البوادي ويتتبعون مواقع القطر وأماكن الخصب، ولا تجمعهم قرية ولا يحكمهم قانون ولا يخضعون لسلطان وقد سجل القرآن على هؤلاء الأعراب أشد الكفر والنفاق وأسوأ الجهل والفظاظة الأمر الذي يؤدي إلى كل تصرف وحشي وكل قول غليظ جاف. قال تعالى: {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} . [سورة التوبة: آية 97و98] . وتاريخ الأعراب في الجاهلية حافل بالهمجية والفوضى وما يتبع من تصرفات نادة عن الذوق والوعي والمسئولية. والإسلام جاء ليستنقذ هؤلاء التعساء وغيرهم من الظلمات الجاهلية إلى نور الإيمان، وقد استمرت الدعوة الإسلامية في طريقها لتخليص هذه النفوس المأفونة من رق الكفر وأغلال الجاهلية فأقبل على هذه الدعوة المحمدية من علم الله فيه الخير فتحرر من تقاليد الجاهلية وانحرافها في الفكر والسلوك في العقيدة والعمل بيد أنّ كثيراً من هؤلاء الجاهليّين ظل شاكاً في حقيقة الدعوة الإسلامية يتربص بها الدوائر يخرج مع المسلمين لا حباً في نصر الدين وإنما للحصول على الغنائم ويبدوا أن فرار الأعراب يوم حنين لا يبعد أن يكون من دوافعه ريب في قلوبهم وشك في إيمانهم، على أنهم ليسوا على درجة واحدة في ذلك. ومن الظواهر العجيبة التي تستحق التنبيه أن هؤلاء الأعراب كانوا أول من فر من ميدان القتال فصاروا سببا مباشرا في انكشاف المسلمين بادئ الأمر أمام جموع

هوازن كما كانوا في نهاية المعركة أحرص الناس على الغنائم وأشدهم غلظة في القول يوضح ذلك الموقف المشار له في الأحاديث الآتية: ما رواه مسلم وأحمد من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "افتتحنا مكة ثم إنا غزونا حنينا فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت، قال: فصفت الخيل، ثم صفت المقاتلة، ثم صفت النساء من وراء ذلك، ثم صفت الغنم، ثم صفت النعم، قال: ونحن بشر كثير قد بلغنا ستة آلاف، وعلى مجنبة خيلنا خالد بن الوليد، قال: فجعلت خيلنا تلوى خلف ظهورنا فلم نلبث أن انكشفت خيلنا، وفرت الأعراب ومن نعلم من الناس" الحديث1. وما رواه البخاري وغيره من حديث جبير بن مطعم وهذا سياقه عند البخاري: 179- قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح2 عن ابن شهاب قال: أخبرني عمر بن محمد ابن جبير بن مطعم أن محمد بن جبير قال: أخبرني جبير بن مطعم أنّه بينا هو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الناس مقبلاً3 من حنين علقت4 رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأعراب يسألونه حتى اضطروه5 إلى

سمرة فخطفت1 رداءه، فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "اعطوني ردائي، فلو كان عدد هذه العضاه2 نعما لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلا، ولا كذوبا3 ولا جبانا" 4. قال ابن حجر: "في هذا الحديث: ذم الخصال المذكورة وهي البخل والكذب والجبن، وأن إمام المسلمين لا يصلح أن يكون فيه خصلة منها، وفيه ما كان في النبي صلى الله عليه وسلم من الحلم وحسن الخلق وسعة الجود والصبر على جفاة الأعراب، وفيه جواز وصف المرء نفسه بالخصال الحميدة عند الحاجة لخوف ظن أهل الجهل به خلاف ذلك، ولا

يكون ذلك من الفخر المذموم، وفيه رضاء السائل للحق بالوعد إذا تحقق عن الواعد التنجيز، وفيه أن الإمام مخير في قسم الغنيمة إن شاء بعد فراغ الحرب، وإن شاء بعد ذلك"1. والحديث رواه الطبراني أيضا والطبري من طريق نافع2 بن جبير ابن مطعم عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: وهو عند ثنية الأراكة3 وهو يعطي حين فرغ من حنين، فاضطره الناس إلى سلمة 4 فانتزع غصن من السلمة رداءه، فالتفت إلينا بوجهه مثل شقة القمر، فقال: "أعطوني ردائي فأعطيناه إياه، ثم قال: تخافون علي البخل، فوالذي نفسي بيده لو كان عندي صواحي هذا الجبل لأعطيتكموه". وقال: "صوحا الجبل5 جانبا مقادمه ومآخره"6 وقال الهيثمي: "رواه الطبراني وفيه من لم أعرفهم" 7. 180- وما رواه الطبري أيضا من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حنين سأله الناس فأعطاهم من البقر والغنم والإبل، حتى لم يبق شيء من ذلك، فقال: "فماذا تريدون أتريدون أن تبخلوني؟ فوالله ما أنا بخيل ولا جبان ولا كذوب، فجذبوا ثوبه حتى بدا منكبه فكأنما انظر حين بدا منكبه إلى شقة قمر من بياضه" 8.

وكان سبب هذا الفعل الصادر من الأعراب وغيرهم هو ما صرح به حديث عمرو بن شعيب عند ابن إسحاق وغيره وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رد على هوازن سبيهم خاف الناس أن يرد إليهم الأموال أيضا فطالبوا بقسم الأموال بإلحاح شديد1. وهذا سياق الحديث عن ابن إسحاق: قال: حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص أن وفد هوازن أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أسلموا، فقالوا يا رسول الله إنا أصل وعشيرة، وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك، فأمنن علينا من الله عليك، الحديث وفيه: "ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من رد سباياً حنين إلى أهلها، ركب، واتبعه الناس يقولون: يا رسول الله اقسم علينا فيئنا من الإبل والغنم، حتى ألجئوه إلى شجرة، فاختطفت رداءه، فقال: "ردوا علي ردائي أيها الناس فوالله أن لو كان لكم بعدد شجر تهامة نعما لقسمته عليكم، ثم ما ألفيتموني بخيلا ولا جبانا ولا كذابا" الحديث2. والحديث رواه أبو داود والنسائي وأحمد وابن الجارود والطبري والبيهقي، الجميع من طريق ابن إسحاق منهم المختصر ومنهم المطول، وقد صرح بالتحديث عند ابن الجارود والطبري والبيهقي، وكذا عند ابن هشام3 فالحديث حسن لذاته4. وقد تابع ابن إسحاق على وصل هذا الحديث - يحيى5 بن سعيد الأنصاري

عند ابن أبي شيبة والطبراني، ومحمد1 بن عجلان وعمرو2 بن دينار عند الطبراني والبيهقي الجميع عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده3. ورواه مالك عن عبد الرحمن4 بن سعيد عن عمرو بن شعيب فأرسله ولفظه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صدر من حنين، وهو يريد الجعرانة سأله الناس حتى دنت به ناقته من شجرة، فتشبكت5 بردائه، حتى نزعه عن ظهره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ردوا علي ردائي أتخافون أن لا أقسم بينكم ما أفاء الله عليكم، والذي نفسي بيده لو أفاء الله عليكم مثل سمر تهامة نعما لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلا ولا جبانا ولا كذابا" الحديث 6. قال ابن عبد البر: "لا خلاف عن مالك في إرساله".

قال الكاند هلوي: "ووصله النسائي، قال الحافظ بإسناد حسن من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن جده. وأخرجه النسائي أيضاً بإسناد حسن من حديث عبادة، قاله الزرقاني. ثم قال: قلت: ووصله أبو داود أيضاً برواية حماد عن ابن إسحاق بهذا السند"1. وأورد ابن كثير حديث ابن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ثم قال: وهذا السياق يقتضي أنه عليه السلام رد إلى هوازن سبيهم قبل القسمة كما ذهب إليه محمد بن إسحاق بن يسار خلافا لموسى بن عقبة وغيره2. ثم قال: "وفي صحيح البخاري من طريق الليث عن عقيل عن الزهري عن عروة عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوا أن ترد إليهم أموالهم ونساؤهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "معي من ترون واحب الحديث إليّ أصدقه فاختاروا إحدى الطائفتين إما السبي وإما المال. وقد كنت استأنيت بكم" وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظهرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف، فلما تبيّن لهم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم غير راد إليهم إلاّ إحدى الطائفتين، قالوا: إنا نختار سبينا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسلمين وأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: "أما بعد فإن إخوانكم هؤلاء قد جاءوا تائبين وإني قد رأيت أن أرد إليهم سبيهم، فمن أحب أن يطيب ذلك فليفعل، ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول يفيء الله علينا فليفعل". فقال الناس: "قد طيبنا ذلك يا رسول الله، فقال لهم: "إنا لا ندري من أذن منكم ممن لم يأذن، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم". فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم، ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بأنهم قد طيبوا وأذنوا" فهذا الذي بلغنا عن سبي هوازن 3 إلى أن قال: والمقصود من هذا

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد إلى هوازن سبيهم بعد القسمة كما دل عليه السياق وغيره، وظاهر سياق حديث عمرو بن شعيب الذي أورده محمد بن إسحاق عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد إلى هوازن سبيهم قبل القسمة، ولهذا لما رد السبي وركب علقت الأعراب برسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون اقسم علينا فيئتنا حتى اضطروه إلى سمرة فخطفت رداءه، فقال: "ردوا علي ردائي أيها الناس، فوالذي نفسي بيده لو كان لكم عدد هذه العضاه نعما لقسمته فيكم ثم لا تجدوني بخيلا ولا جبانا ولا كذابا". كما رواه البخاري عن جبير بن مطعم بنحوه. ثم قال: "كأنهم خشوا أن يرد إلى هوازن أموالهم كما رد إليهم نسائهم وأطفالهم فسألوه قسمة ذلك فقسمها - عليه الصلاة والسلام - بالجعرانة كما أمره الله عز وجل1.اهـ. قلت: وقد وردت أحاديث غير هذا تدل على أن قدوم وفد هوازن، كان بعد قسم سبيهم بين المسلمين، كما سيأتي ذلك في قدوم وفد هوازن2. والذي يهمنا هنا هو ما حصل من هؤلاء الأعراب وغيرهم من الطلقاء وغوغاء الناس الذين لم يكن همهم إلا الحصول على الغنيمة سواء أكان قدوم وفد هوازن بعد قسم نسائهم وأطفالهم على المسلمين، أم كان قدومهم قبل ذلك. وهذه الأحاديث تدل على حلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسعة صدره وصبره على عتاة الأعراب وغيرهم من ضعفاء الإيمان، ويزيد ذلك وضوحا ما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: 181- كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة3 ومعه بلال فأتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي4 فقال: "ألا تنجز لي ما وعدتني" 5.

فقال له: "أبشر، فقال، قد أكثرت علي من أبشر1. فأقبل على أبي موسى وبلال كهيئة الغضبان، فقال: "رد البشرى2، فاقبلا أنتما، قالا: قبلنا، ثم دعا بقدح3 فيه ماء، فغسل يديه ووجهه فيه ومج فيه، ثم قال: اشربا منه، وأفرغا على وجوهكما ونحوركما وابشرا، فأخذ القدح ففعلا 4، فنادت أم سلمة من وراء الستر أن أفضلا لأمكما، فأفضلا لها منه طائفة" 5 قال النووي: "في الحديث: فضيلة ظاهرة لأبي موسى وبلال وأم سلمة - رضي الله عنهم -، وفيه استحباب البشارة واستحباب الازدحام فيما يتبرك به وطلبه ممن هو معه، والمشاركة فيه" 6. ومجموع ما مضى من الأحاديث صريح في الدلالة على ضعف إيمان هؤلاء الجشعين على غنائم حنين وعلى سوء أدبهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم في أقوالهم وأفعالهم، ويؤخذ منها أيضا أن هم هؤلاء هو المغنم لأنهم فروا في ميدان القتال وأصابهم الهلع والجشع بعد النهاية المعركة على الغنائم، وفي ذلك دلالة واضحة على أن نفوس هؤلاء الأعراب والطلقاء ونحوهم، ولم تتهذب بأخلاق الإسلام ولم ترسخ في نفوسهم العقيدة الإسلامية ويظهر أن كثيرا من هؤلاء حسن إسلامهم فيما بعد وأصبحوا جنوداً باسلة في صفوف الجيش الإسلامي، وقد كان لحكمة الرسول صلى الله عليه وسلم وحلمه على هؤلاء وقسمه بينهم تلك الغنائم الهائلة أثر كبير في تحسن إسلامهم ورضا نفوسهم وإيقانهم بأن هذا الكرم العظيم الذي لا يقادر قدره لا يصدر إلا من رسول حق لا يخشى الفقر ولا يقيم لحطام الدنيا وزنا. والله أعلم.

_ 1 أبشر: بهمزة قطع، أي بقرب القسمة، أو بالثواب الجزيل على الصبر (المصدر السابق 8/46) . وعند مسلم: "فقال له الأعرابي" 2 عند مسلم: "إن هذا قد رد البشرى". 3 القدح: بفتح القاف والدال- آنية للشرب تروي الرجلين، وقيل هو اسم يجمع صغارها وكبارها، والجمع أقداح. ومتخذها قداح، وصنعته القداحة. (لسان العرب لابن منظور3/388 والقاموس المحيط للفيروزآبادي 1/241، ومختار الصحاح لبي بكر الرازي ص 523) . 4 عند مسلم "ففعلا ما أمرها به رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادتهما أم سلمة من وراء الستر: أفضلا لأمكما مما في إنائكما" قال ابن حجر: "أم سلمة هي: زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي أم المؤمنين ولهذا قالت: لأمكما" (فتح الباري 8/46-47) . 5 البخاري: الصحيح 5/129 كتاب المغازي، باب غزوة الطائف و 1/42 كتاب الوضوء، باب الغسل والوضوء في المخضب والقدح والخشب والحجارة، ذكر طرفا منه، انظر فتح الباري 1/295و302و8/46، ومسلم: الصحيح 4/1943 كتاب الفضائل الصحابة، باب من فضائل أبي موسى وأبي عامر الأشعريين. 6 النووي: شرح صحيح مسلم 5/367.

المبحث الثالث: اعتراض ذي الخويصرة التميمي على الرسول صلى الله عليه وسلم في قسم الغنائم

المبحث الثالث: اعتراض ذي الخويصرة التميمي على الرسول صلى الله عليه وسلم في قسم الغنائم كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أمر - وهو لحنين - بالغنائم أن تجتمع وأن تحبس في الجعرانة حتى يعود من الطائف، ثم توجه صلى الله عليه وسلم بمن معه من المسلمين إلى الطائف فضرب عليها الحصار كما مر ذلك مفصلاً1. ثم قرر صلى الله عليه وسلم العودة إلى الجعرانة فوصلها ليلة الخميس لخمس ليال خلون من ذي القعدة، وأقام بها ثلاث عشرة ليلة ينتظر هوازن لعلها أن تقدم مسلمة فيرد إليها سبيها وأموالها، ولما لم تقدم في هذه المدة2، شرع صلى الله عليه وسلم في توزيع الغنائم حسب ما تقتضيه المصلحة العامة، فوضعها في موضعها اللائق بها، غير أن بعض أهل الزيغ والنفاق عباد الدينار والدرهم انتقد رسول الله صلى الله عليه وسلم في صنيعه هذا ونسبه إلى الجور والظلم فخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم بلهجة قاسية تنبئ عما انطوت عليه نفسه من الحقد والغل والبعد عن هدي الإسلام وتعاليمه السامية "يا محمد اعدل" فتألم رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك وغضب غضبا شديدا حتى طلب عمر بن الخطاب الإذن منه في قتل هذا المنافق الخبيث، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم منعه من ذلك وقال: "معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي". ذلك أن هذا القائل معدود في الصحابة وله شيعة وأتباع، فالحكمة تقتضي عدم قتله وأن يتركه وما تولى، وهذا ما دلت عليه الأحاديث الآتية: أ- فقد جاء في حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - عند البخاري ومسلم وغيرهما وهذا سياقه وهذا سياق مسلم: 182- حدثنا محمد بن رمح بن المهاجر، أخبرنا الليث3 عن يحيى4 بن سعيد عن أبي الزبير5 عن جابر بن عبد الله قال:

أتى رجل1 رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة منصرفه من حنين وفي ثوب بلال فضة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض منها يعطي الناس، فقال: يا محمد! اعدل2. قال: "ويلك3! ومن يعدل إذا لم أكن أعدل؟ لقد خبت4 وخسرت، إن لم أكن أعدل". فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "دعني5 يا رسول الله فأقتل هذا

المنافق، فقال: "معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي. إن هذا1 وأصحابه يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم2 يمرقون منه3 كما يمرق السهم من الرمية" 4. حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب الثقفي قال: سمعت يحيى ابن سعيد يقول أخبره أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله.

ح- وحدثنا أبو بكر1 عن أبي شيبة حدثنا زيد2 بن الحباب، حدثنا قرة3 بن خالد حدثني أبو الزبير عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم غنائم، وساق الحديث4. والحديث رواه أحمد والطبراني والبيهقي الجميع من طريق يحيى بن السعيد عن أبي الزبير به5. ورواه ابن ماجة والحميدي وابن الجارود كلهم من طريق سفيان ابن عيينة عن أبي الزبير به6. ورواه أيضا أحمد من طريق معان7 ابن رفاعة حدثنا أبو الزبير به8. فقد روى هذا الحديث عن أبي الزبير يحيى بن سعيد الانصاري وعيينة ومعان بن رفاعة وقرة بن خالد كما هو عند مسلم9 من طريق زيد بن الحباب عن قرة بن خالد عن أبي الزبير10. ورواه البخاري عن مسلم بن إبراهيم وأحمد عن أبي عامر11 والعقدي كلاهما عن قرة بن خالد عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله.

فقرة في هذا السند يروي عن عمرو بن دينار بدل أبي الزبير. وهذا سياق الحديث عند البخاري: قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا قرة بن خالد حدثنا عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم غنيمة بالجعرانة إذ قال له رجل: اعدل، فقال له: "شقيت إن لم أعدل" 1. ب- وفي حديث عبد الله بن مسعود عند البخاري ومسلم وغيرهما وهذا سياقه عند البخاري: 183- قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير2 عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: لما كان يوم حنين آثر النبي صلى الله عليه وسلم أناسا3 في القسمة: فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى أناسا من أشراف العرب فآثرهم يومئذ في القسمة، قال رجل: "والله إن هذه القسمة ما عدل فيها4 وما أريد بها وجه الله فقلت والله لأخبرن النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته فأخبرته5، فقال: "فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله؟ "

رحم1 الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر". وأخرجاه من طريق حفص بن غياث حدثنا الأعمش2 قال: سمعت شقيقا يقول: قال عبد الله: "قسم النبي صلى الله عليه وسلم قسمة - كبعض ما كان يقسم - فقال رجل من الأنصار 3: والله إنها لقسمة ما أريد بها وجه الله، قلت: أما4 لأقولن للنبي صلى الله عليه وسلم فأتيته - وهو في بعض أصحابه - فساررته5 فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم وتغير وجهه وغضب حتى وددت أني لم أكن أخبرته، ثم قال: "قد أوذي موسى بأكثر من ذلك فصبر" 6.

والحديث رواه البخاري أيضا من طريق سفيان الثوري، ومن طريق أبي حمزة السكري محمد بن ميمون، ومن طريق شعبة بن الحجاج الجميع عن الأعمش به1. ورواه أحمد عن أبي معاوية الضرير محمد بن خازم عن الأعمش به. ومن طريق شعبة عن الأعمش به2. كما رواه أيضا من طريق عاصم بن بهدلة عن أبي وائل، ولفظه يخالف ما تقدم بعض المخالفة وهذا سياقه: حدثنا يونس، حدّثنا حماد - يعني ابن زيد عن عاصم3 عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال: لما قسم رسول الله غنائم حنين بالجعرانة، ازدحموا عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن عبدا من عباد الله بعثه الله إلى قومه فضربوه وشجوه4، قال: فجعل يمسح الدم عن جبهته ويقول: رب اغفر لقومي إنهم لا يعلمون" قال عبد الله كأني انظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح الدم عن جبهته يحكي الرجل ويقول: "رب اعفر لقومي إنهم لا يعلمون". حدثنا عفان ثنا حماد بن سلمة قال أنا عاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن ابن مسعود قال: تكلم رجل من الأنصار كلمة فيها موجدة على النبي صلى الله عليه وسلم فلم تقرني نفسي أن أخبرت بها النبي صلى الله عليه وسلم، فلوددت أني افتديت منها بكل أهل ومال، فقال: "قد آذوا

موسى - عليه الصلاة والسلام - أكثر من ذلك فصبر، ثم أخبر أن نبيا كذبه قومه وشجوه حين جاءهم بأمر الله، فقال وهو يمسح الدم عن وجهه "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" 1. ج- ما أخرجه ابن إسحاق من حديث عبد الله بن عمرو وهذا سياقه: 184- قال: حدثني أبو عبيدة 2 بن محمد بن عمار بن يسار عن مقسم3 أبي

القاسم، مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: خرجت أنا وتليد1 بن كلاب الليثي حتى أتينا عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو يطوف بالبيت معلقا نعله2 بيده، فقلنا له: هل حضرت رسول الله حين كلمه التميمي3 يوم حنين؟ قال: "نعم جاء رجل من بني تميم، يقال له ذو الخويصرة4، فوقف عليه وهو

يعطي الناس، فقال: يا محمد، قد رأيت ما صنعت في هذا اليوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أجل1 كيف رأيت؟ فقال: لم أرك عدلت، قال: "فغضب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: "ويحك! 2 إذا لم يكن العدل عندي، فعند من يكون! " فقال عمر بن الخطاب يا رسول الله ألا أقتله؟ فقال: "لا دعه فإنه سيكون له شيعة يتعمقون3 في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية، ينظر في النصل4، فلا يوجد شيء، ثم في القدح5،

فلا يوجد شيء ثم في الفوق1، فلا يوجد شيء، سبق الفرث2 والدم" 3. والحديث رواه أحمد والطبري والبيهقي الجميع من طريق ابن إسحاق به4. وأورده الهيثمي ثم قال: "رواه أحمد والطبراني باختصار ورجال أحمد ثقات"5. وقال ابن حجر: "بسند حسن"6. ثم قال ابن إسحاق: "وحدثني محمد7 بن علي بن الحسين أبو جعفر بمثل حديث أبي عبيد وسماه ذا الخويصرة". وحدثني عبد الله8 بن أبي نجيح عن أبيه9 بمثل ذلك10. ومما مضى من الأحاديث يتبين لنا جفاء من صدر منه هذا القول السيء وخبث طويته حيث خاطب نبيه صلى الله عليه وسلم ذلك الخطاب اللاذع المملوء بالحقد والغلظة والشراسة، كما يتضح لنا جليا حلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحمله لملاقاة هذا القول وغيره إقتداء بسلفه

الصالح من الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: "رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر" إن صفة الصبر والحلم من أبرز الصفات التي يجب أن تتوافر في المسلم اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ذلك أن طريق الدعوة إلى الإسلام محفوف بالمكاره والمصاعب، فالإيذاء والبطش والاتهام والتعيير والسخرية، كلها من العقبات التي تزدحم في وجه العاملين الدائبين في الدعوة إلى الله عز وجل، كي تثبط هممهم وتشل حركتهم وتصرفهم عن الدعوة إلى الله. ومن هنا فإن مهمة الداعية أن يتحمل ما يقال له من لذعات وسخرية وأن يقابل ذلك بالصبر والحلم، ولهذا كانت التوجيهات القرآنية والنبوية تفيض بالحث على التحلى بالصبر والحلم والأناة، وفي هذه الحادثة بالذات نرى كيف قابل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك القول السيّئ "يا محمد اعدل لم أرك عدلت" كان مقتضى ذلك قتله ولكن رسول صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك، واكتفى بقوله: "ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل". ثم قال: "رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر". ولقد قال بعض الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ائذن لي في قتل هذا المنافق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي". ذلك أن هذا القائل معدود في الصحابة، فلو أمر بقتله لقال الذي لا يعرف حقيقة الأمر إن محمدا يقتل أصحابه فكان في ذلك تنفير الناس عن الدخول في الإسلام، وتشويه سمعته، ولعل هذا وجه الحكمة في عدم معاقبة هذا القائل مع تصريحه بما يوجب قتله وإخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن له أصحابا يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية. وقد بوب البخاري بقوله: "باب من ترك قتال الخوارج للتآلف ولئلا ينفر الناس عنه" ثم ساق حديث أبي سعيد الخدري1. قال ابن حجر: "في أثناء شرحه للحديث، قوله: "فإن له أصحابا" "هذا ظاهره أن ترك الأمر بقتله بسبب أن له أصحابا" بالصفة المذكورة، وهذا لا يقتضي ترك قتله مع ما أظهره من مواجهة النبي صلى الله عليه وسلم بما واجهه.

فيحتمل أن يكون لمصلحة التألف كما فهمه البخاري، لأنه وصفهم بالمبالغة في العبادة مع إظهار الإسلام، فلو أذن في قتلهم لكان ذلك تنفيرا عن دخول غيرهم في الإسلام1.اهـ. وقال المارزي: "وجه الحكمة في ترك قتل هذا القائل: يحتمل أن يكون لم يفهم منه الطعن في النبوة، وإنما نسبه إلى ترك العدل في القسمة، والمعاصي ضربان: كبائر وصغائر، فهو صلى الله عليه وسلم معصوم من الكبائر بالإجماع، واختلفوا في الصغائر، ومن جوزها منع من إضافتها إلى الأنبياء على طريق التنقيص، وحينئذ فلعله صلى الله عليه وسلم لم يعقب هذا القائل: لأنه لم يثبت عليه ذلك، وإنما نقله عنه واحد، وشهادة الواحد لا يراق بها الدم"2. وقد رد هذا القاضي عياض بقوله: "هذا التأول باطل يدفعه قوله "اعدل يا محمد" "واتق الله يا محمد" وخاطبه خطاب المواجهة بحضرة الملأ حتى استأذن عمر بن الخطاب، وخالد بن الوليد النبي صلى الله عليه وسلم في قتله، فقال: "معاذ الله أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه" فهذه هي العلة، وسلك معه مسلكه مع غيره من المنافقين الذين آذوه، وسمع منهم في غير موطن ما كرهه، لكنه صبر استبقاء لانقيادهم وتأليفاً لغيرهم، لئلا يتحدث الناس أنه يقتل أصحابه فينفروا، وقد رأى الناس هذا الصنف في جماعتهم وعدوه من جملتهم"3اهـ. والخلاف طويل في تكفير الخوارج وقتالهم، وليس هذا محله وقد ذكرنا ما يتطلبه المقام. وأورد ابن تيمية اعتراض هذا المعترض على قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم واستئذان عمر بن الخطاب في قتله، وجواب الرسول صلى الله عليه وسلم له بقوله: "معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي".

ثم قال: "فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع عمر من قتله إلا لئلا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه، ولم يمنعه لكونه في نفسه معصوماً كما قال في حديث حاطب بن أبي بلتعة عندما كتب لأهل مكة: يخبرهم بغزو الرسول صلى الله عليه وسلم لهم، فقال عمر: دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال: "إنه شهد بدرا وما يدرك لعل الله اطلع على أهل بدر" فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم". فبيّن صلى الله عليه وسلم أنه باق على إيمانه، وأنه صدر منه ما يغفر له الذنوب فعلم أن دمه معصوم، وهنا علل بمفسدة زالت فعلم أن قتل مثل هذا القائل في غزوة حنين إذا أمنت هذه المفسدة جائز. ثم قال: "ومما يشبه هذا أن عبد الله بن أبي لما قال: "لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل" استأمر عمر في قتله فقال: "إذن ترعد له أنوف كثيرة بالمدينة" وقال: "لا يتحدث الناس أنّ محمداً يقتل أصحابه". فعلم أن من آذى النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الكلام جاز قتله كذلك مع القدرة، وإنما ترك النبي صلى الله عليه وسلم قتله لما خيف في قتله من نفور الناس عن الإسلام لما كان ضعيفاً1.

_ 1 ابن تيمية: الصارم المسلول على شاتم الرسول ص 178-179 بتصرف، وانظر: قصة حاطب وعبد الله بن أبي غزوة بني المصطلق ص 172 و184 و187 و189، وحاشية ص 211 تعليقة (6) من غزوة بني المصطلق أيضاً.

المبحث الرابع: في بيان حكمة توزيع الغنائم على قوم دون آخرين

المبحث الرابع: في بيان حكمة توزيع الغنائم على قوم دون آخرين في نهاية غزوة حنين وزع رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنائم بطريقة لم تكن مألوفة للصحابة من قبل، فقد خص صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم بالحظ الأوفر من هذه الغنائم. ولقد أحدث ذلك التقسيم في نفوس أجلاء الصحابة تساؤلا فيما بينهم وعجب بعض مشاهير الصحابة من ذلك الأسلوب الذي اتبع في توزيع غنائم حنين وظن بعض الصحابة أن في ذلك حرمانا لهم وهم القاعدة الصلبة التي تحطمت عليها جحافل الشرك في الغزوات كلها ومنها غزوة حنين، ولم يكن أولئك المؤلفة قلوبهم ومن شاكلتهم ليبلغوا معشار ما بلغه مشاهير الصحابة من النجدة والجهاد والصمود في وجوه أعداء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن هنا كان لا بد للباحث أن يبين الحكمة في توزيع غنائم حنين خاصة إذا ظهر أنها قد خفيت على أولئك العظماء من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم تظهر لهم إلا بعد أن بين لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه الحكمة من ذلك، فاستبانوا الأمر وزال عنهم الإشكال، وسوف نمضي سياق النصوص الواردة في هذا الصدد لندرك من خلال التأمل والتدبر فيها وجه الحكمة في توزيع الغنائم ويزول الإشكال الذي عبر عنه بعض الأنصار بقولهم: "إن هذا لهو العجب إن سيوفنا تقطر من دمائهم وإن غنائمنا ترد عليهم"1. لقد حظي بهذه الغنائم الطلقاء والأعراب والرؤساء الذين يحملون الحقد للإسلام ونبي الإسلام والذين كانوا من جملة الأسباب في هزيمة المسلمين في بداية المعركة فقد جاء في حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن أم سليم اتخذت يوم حنين خنجرا فكان معها، فرآها أبو طلحة فقال: يا رسول الله هذه أم سليم معها خنجر! 2، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما هذا الخنجر"؟ قالت: اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت به بطنه، فجعل رسول الله يضحك، قالت: يا رسول الله

اقتل من بعدنا من الطلقاء انهزموا بك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أم سليم إن الله قد كفى وأحسن" وفي حديثه أيضا قال: "افتتحنا مكة ثم إنا غزونا حنينا" الحديث وفيه: "ونحن بشر كثير قد بلغنا ستة آلاف، وعلى مجنبة خيلنا خالد بن الوليد، وقال: فجعلت خلينا تلوي خلف ظهورنا فلم نلبث أن انكشفت خيلنا وفرت الأعراب ومن نعلم من الناس" 1. وفي حديث صفوان بن أمية - رضي الله عنه - عند مسلم والترمذي وغيرهما وهذا سياق الترمذي: 185- "حدثنا الحسن2 بن علي الخلال أخبرنا يحيى3 بن آدم عن ابن المبارك4 عن يونس5 عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن صفوان بن أمية قال: "أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وإنه لأبغض الخلق إلي، فمازال يعطيني حتى أنه لأحب الخلق إلي". قال أبو عيسى: "حدثني بن علي بهذا أو شبهه". ثم قال: حديث صفوان: "رواه معمر وغيره عن الزهري عن سعيد ابن المسيب أن صفوان بن أمية قال: أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأن هذا الحديث أصح وأشبه، إنما سعيد بن المسيب أن صفوان بن أمية"6. وعند مسلم عن ابن شهاب قال: "غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الفتح فتح مكة، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه من المسلمين فاقتتلوا بحنين، فنصر الله دينه والمسلمين وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ صفوان بن أمية مائة من النعم، ثم مائة، ثم مائة" 7.

قال ابن شهاب: حدثني سعيد بن المسيب أن صفوان قال: "والله! لقد أعطاني1 رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إلي فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي" 2. والحديث عند الترمذي وابن سعد وأحمد والطبراني بلفظ عن سعيد بن المسيب "عن صفوان بن أمية" وظاهره الاتصال وعند مسلم والفسوي وابن عبد البر والبيهقي: "أن صفون بن أمية"3 وظاهره الانقطاع بين "سعيد بن المسيب وصفوان بن أمية". وقد رجح الترمذي الأخير.

وأيده ابن العربي في عارضة الأحوذي حيث قال: الصحيح من هذا عن سعيد بن المسيب أن صفوان بن أمية؛ لأن سعيدا لم يسمع من صفوان شيئا وإنما يقول الراوي فلان عن فلان إذا سمع شيئا ولو حديثاً واحداً، فيحمل سائر الأحاديث التي سمعها من واسطة عنه على العنعنة، فأما إذا لم يسمع منه شيئا فلا سبيل إلى أن يحدث عنه لا بعنعنة ولا بغيرها1. اهـ. إن هذا العطاء الجزيل من رسول الله صلى الله عليه وسلم للمؤلفة قلوبهم وغيرهم ليدل على علو نفسه وغزارة جوده وعظيم سخائه، ومعرفته الكاملة بالدواء الذي يحسم الداء من أصله. إن الحكمة والسياسة العادلة في هذا العطاء لأقوام دون آخرين هي إنقاذ أناس من النار بحطام زائل من الدنيا، ووكل آخرين إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير، والإيمان واليقين، ويدل على هذا حديث عمرو ابن تغلب عند البخاري وأحمد وغيرهما وهذا سياقه عند البخاري: 186- حدثنا محمد2 بن معمر قال حدثنا أبو عاصم3 عن جرير بن حازم، قال سمعت الحسن4 يقول حدثنا عمرو5 بن تغلب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي6 بمال أو سبي7 فقسمه، فأعطى رجالا وترك رجالا فبلغه أن الذين ترك عتبوا8، فحمد9 الله ثم أثنى عليه ثم قال: "أما بعد: فوالله إني لأعطي الرجل وأدع الرجل، والذي أدع

أحب إلي من الذي أعطي ولكن أعطي أقواما لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع1 وأكل أقواما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى2 والخير، فيهم عمرو بن تغلب3. "فوالله4 ما أحب أن لي بكلمة5 رسول الله صلى الله عليه وسلم حمر النعم"6. تابعه يونس7. وفي حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إني لأعطي رجالاً حدثاء عهد بكفر أتألفهم أو قال: أستألفهم" 8. 187- وفي حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسماً، فقلت: يا رسول الله! اعط فلاناً؛ فإنه مؤمن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أو مسلم" أقولها ثلاثاً، ويردها على ثلاثاً "أو مسلم" ثم قال: "إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه مخافة9 أن يكبه الله في النار" 10.

قال ابن حجر: "الرجل المتروك اسمه: جعيل بن سراقة الضمري، سماه الواقدي في المغازي"1. قلت: قول الواقدي المشار إليه هو "قال سعد بن أبي وقاص: يا رسول الله، أعطيت عيينة بن حصن والأقرع بن حابس مائة مائة، وتركت جعيل بن سراقة الضمري!. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما والذي نفسي بيده، لجعيل بن سراقة خير من طلاع2 الأرض كلها مثل عيينة والأقرع، ولكني تألفتهما ليسلما ووكلت جعيل بن سراقة إلى إسلامه" 3. 188- وأخرج ابن إسحاق قال: حدثني محد بن إبراهيم بن الحارث التيمي أن قائلا قال: لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه: يا رسول الله اعطيت عيينة بن حصن والأقرع بن حابس مائة ومائة وتركت جعيل بن سراقة الضمري! "4. ثم ساق مثل حديث الواقدي. وأورده ابن حجر في الإصابة ثم قال: هذا مرسل حسن: لكن له شاهد موصول. 189- روى الروياني5 في مسنده وابن عبد الحكم6 في فتوح مصر من طريق بكر7 بن سوادة عن أبي سالم8 الجيشاني عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "كيف ترى جعيلا؟ ".

قلت: مسكينا كشكله من الناس. قال: "وكيف ترى فلانا؟ " قلت: سيد من السادات قال: "لجعيل خير من ملء الأرض مثل هذا". قال: قلت يا رسول الله، فلان هكذا وتصنع به ما تصنع. قال: "إنه رأس قومه فتألفهم". إسناده صحيح وأخرجه ابن حبان من وجه آخر عن أبي ذر، ولكن لم يسم جعيلا1. 190- وأخرجه البخاري من حديث سهل بن سعد، فأبهم جعيلا وأبا ذر2. وأخرجه أبو نعيم من طريق بكر بن سوادة أيضاً3.

191- وفي حديث رافع بن خديج - رضي الله عنه - عند مسلم وغيره وهذا سياق مسلم: حدثنا محمد1 بن أبي عمر المكي حدثنا سفيان2 عن عمر3 بن سعيد بن مسروق عن أبيه4، عن عباية5 بن رفاعة عن رافع بن خديج قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن حرب وصفوان6 بن أمية وعيينة بن حصن والأقرع بن حابس كل إنسان منهم مائة من الإبل، وأعطى عباس بن مرداس دون ذلك، فقال عباس بن مرداس: أتجعل نهبي ونهب العبيد ... بين عيينة والأقرع؟ فما كان بدر ولا حابس ... يفوقان مرداس7 في المجمع وما كنت دون امرئ منهما ... ومن تخفض اليوم لا يرفع قال: فأتم له رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة. ثم قال مسلم: وحدثنا أحمد بن عبدة الضبي أخبرنا ابن عيينة عن عمر بن سعيد بن مسروق بهذا الإسناد أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم غنائم حنين فأعطى أبا سفيان بن حرب مائة من الإبل، وساق الحديث بنحوه. وزاد: وأعطى علقمة بن علاثة8 مائة9. وفي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لما كان يوم حنين آثر رسول

الله صلى الله عليه وسلم أناساً في القسمة، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى ناساً من أشراف العرب، فآثارهم يومئذ في القسمة" الحديث1. وفي حديث أنس بن مالك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى أبا سفيان وعيينة والأقرع وسهيل بن عمرو في الآخرين يوم حنين" الحديث2. وفي لفظ "لما أفاء الله على رسوله أموال هوازن فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي رجالا من قريش المائة من الإبل كل رجل" 3. وفي لفظ: "وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من غنائم كثيرة فقسم في المهاجرين والطلقاء" 4. وفي حديث عبد الله بن زيد بن عاصم رضي الله عنه قال: "لما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم" الحديث5. 192- وعند الطبراني قال: حدثنا إسحاق6 بن إبراهيم الدبري عن عبد الرزاق عن معمر7 عن الزهري عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير، وعن هشام بن عروة عن أبيه، قال أعطى النبي صلى الله عليه وسلم حكيم بن حزام يوم حنين عطاء

فاستقبله1 فزاده، فقال: يا رسول الله أي عطيتك خير؟ قال: "الأولى". فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "يا حكيم بن حزام إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذها بسخاوة نفس وحسن أكلة بورك له فيه، ومن أخذه باستشراف نفس وسوء أكلة لم يبارك له، وكان الذي يأكل ولا يشبع، اليد العليا خير من اليد السفلى". قال: ومنك يا رسول الله، قال: "ومني". قال: "فوالذي بعثك بالحق لا أرزأ2 بعدك أحداً شيئاً أبداً". قال: "فلم يقبل ديوانا 3 ولا عطاء حتى مات" 4. فكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: "اللهم إني أشهدك على حكيم بن حزام أني ادعوه لحقه من هذا المال وهو يأبى، فقال: "إني والله لا أرزاك ولا غيرك، فمات حين مات وإنه لمن أكثر قريش مالاً"5. والحديث أخرجه الواقدي من طريق سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير عن حكيم بن حزام قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم بحنين، مائة من الإبل فأعطنيها، ثم سألته مائة فأعطنيها، ثم سألته مائة فأعطنيها، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا حكيم بن حزام، إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه" الحديث. ثم قال الواقدي أيضا وحدثني ابن أبي الزناد6 قال: "أخذ حكيم المائة الأولى ثم ترك" 7.

193- والحديث في الصحيحين وغيرهما من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير نحوه1 وليس فيه لفظ "حنين". ومن المعلوم أن حكيم بن حزام من مسلمة الفتح، ومن مؤلفة قلوبهم، وأن هذا تأليف لأهل مكة إنما كان في غزوة حنين. كما صرّح حديث الطبراني والواقدي بذلك، وأن تلك الأموال الكثيرة إنما كانت في غزوة حنين، ولم يقع بعد فتح مكة، غزوة حصلت فيها مثل تلك الغنائم في العهد النبوي سوى غزوة حنين، إن هذه العطايا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وقعت من نفوس القوم موقعها وظهرت الحكمة جلية من وراء ذلك، وهو استئلاف أناس للدخول في الإسلام أو تثبيتهم عليه، ووكل آخرين إلى إيمانهم. قال ابن حجر: "اقتضت حكمة الله أن غنائم الكفار لما حصلت ثم قسمت على من لم يتمكن الإيمان من قلبه لما بقي من الطبع البشرى في محبة المال فقسمه فيهم لتطمئن قلوبهم وتجتمع على محبته، لأنها جلبت على حب من أحسن إليها، ومنع أهل الجهاد من أكابر المهاجرين ورؤساء الأنصار مع ظهور استحقاقهم لجميعها، لأنه لو قسم ذلك فيهم لكان مقصورا عليهم، خلاف قسمته على المؤلفة، لأن فيه

استجلاب قلوب أتباعهم الذين كانوا يرضون إذا رضي رئيسهم فلما كان ذلك العطاء سببا لدخولهم في الإسلام ولتقوية قلب من دخل فيه قبل تبعهم من دونهم في الدخول، فكان في ذلك عظيم المصلحة". إهـ1. 194- "وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئا إلا أعطاه" 2. ومن خلال ما سبق من النصوص التاريخية والأحاديث النبوية تبرز أمامنا حقيقتان: الأولى: دقة نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمق معرفته بدخائل النفوس البشرية وما يقوم اعوجاجها، حيث أعطى تلك العطايا السخية ومنح تلك المنح الهائلة لأناس يعادونه، وكفار لم يدخلوا في دين الله بعد وآخرين يتألف بهم قومهم لعلهم يهتدون ويسلمون، وكانت النتيجة التي توخها صلى الله عليه وسلم من تخصيص هؤلاء الذين تألفهم بهذه العطايا أن أسلموا وحسن إسلامهم وكانوا جنودا صادقين في الدفاع عن الإسلام والانخراط في سلك المهاجرين والأنصار الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه كما دلت على ذلك النصوص السابقة. وعلى وجه الإيجاز كانت تلك الأعطيات بردا وسلاما على نفوس أولئك النفر وشفاء لما في صدورهم من مرض الضلال وحب المادة وقد عبروا أنفسهم عن هذا الإحساس وهذا التحول النفسي الخطير حين قال بعضهم "أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، وإنه لأبغض الخلق إلي، فما زال يعطيني حتى إنه لحب الخلق إلي" وكفى بهذه النتيجة العظيمة دليلا على حسن ذلك التقسيم للغنائم، وأنه واقع موقعه، وكيف لا يكون كذلك وهو عمل المعصوم صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.

الحقيقة الثانية: في هذه الغزوة تجلت قوة إيمان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وثباتهم العظيم أمام مغريات المادة وأنهم كانوا كما قيل "يقلون عند الطمع ويكثرون عند الفزع"1. بل إنهم أعظم من هذا بكثير كانت غايتهم - رضي الله عنهم - الدفاع عن دينه ونشر الحق، ولم تكن المادة مسيطرة على نفوسهم ولا باعثة لهم على الجهاد كما يزعم ذلك أعداء اله من المستشرقين وأذنابهم، وهذا الموقف العظيم لهم من أعظم الأدلة على طهارة نفوسهم ووضوح هدفهم ونبل مقاصدهم في جهادهم في سبيل الله، ولقد رباهم الرسول الله صلى الله عليه وسلم التربية الإسلامية الكاملة في معناها، ووثق صلى الله عليه وسلم من إيمانهم ووكلهم إلى هذا الإيمان، وما كان تساؤلهم في مبدأ توزيع الغنائم ولا تعجبهم من ذلك التقسيم لها إلا بسبب خفاء الحكمة عليهم في ذلك حتى بين لهم الرسول صلى الله عليه وسلم الحكمة من ذلك فرضوا وسلموا له تسليما ولم يبق في نفوسهم حرج ولا ميل عن الحق، بل كانوا مغتبطين بما أوضحه الرسول صلى الله عليه وسلم لهم من أنه وكلهم إلى ما في قلوبهم من الغنى والخير والإيمان واليقين. وما دام الحديث عن المؤلفة قلوبهم والحكمة من إعطائهم فيحسن بنا أن نعرفهم ونسرد أسماءهم كما ذكر ذلك أهل المغازي وغيرهم فنقول:

المؤلفة قلوبهم أ- المؤلفة: جمع مؤلف، مأخوذ من التأليف، وهو المدارة والإيناس، يقال: تألف فلان فلانا إذا داراه وآنسه وقاربه وواصله حتى يستمليه1 إليه. ب- وفي الاصطلاح: هم السادة المطاعون في عشائرهم ممن يرجى إسلامه أو يخشى شره، أو يرجى بعطيته قوة الإيمان منه، أو إسلام نظيره، أو جباية الزكاة ممن لا يعطيها، أو الدفع عن المسلمين2. قال ابن حجر: "المراد بالمؤلفة ناس من قريش أسلموا يوم الفتح إسلاما ضعيفا، وقيل كان فيهم من لم يسلم بعد كصفوان بن أمية، وقد اختلف في المراد بالمؤلفة قلوبهم الذين هم أحد المستحقين للزكاة فقيل: كفار يعطون ترغيبا في الإسلام، وقيل مسلمون لهم أتباع كفار ليتألفوهم وقيل مسلمون أوّل ما دخلوا في الإسلام ليتمكن الإسلام من قلوبهم". ثم قال: "وأما المراد بالمؤلفة هنا: فهذا الأخير، لقوله في الحديث "فإني أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم" 3. 195- وقال ابن إسحاق4: أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم وكانوا أشرافاً من أشراف الناس، يتألفهم ويتألف بهم قومهم، فأعطى أبا سفيان بن حرب مئة بعير5، وأعطى ابنه معاوية مائة بعير، وأعطى حكيم ابن حزام مئة بعير6، وأعطى

الحارث1 بن الحارث بن كلدة مئة بعير، وأعطى الحارث بن هشام مئة بعير، وأعطى سهيل بن عمرو ومئة بعير2، وأعطى حويطب بن عبد العزى بن أبي قيس مئة بعير3، وأعطى العلاء4 ابن جارية الثقفي حليف بني زهرة مئة بعير، وأعطى عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر مئة بعير، وأعطى صفوان بن أمية مئة بعير5، فهؤلاء أصحاب المئين. وأعطى دون المائة رجالا من قريش منهم: مخرمة بن نوفل الزهري6، وعمير بن وهب الجمحي7. وهشام8 بن عمرو أخو بني عامر بن لؤي لا أحفظ ما أعطاهم وقد عرفت أنها دون المئة. وأعطى سعيد بن يربوع بن عن كثة بن عامر بن مخزوم خمسين من الإبل9،

وأعطى السهمي خمسين من الإبل1، وأعطى عباس بن مرداس أبا عمر فسخطها، فعاتب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عباس بن مرداس يعاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت نهابا تلافيتها ... بكري على المهر في الأجرع 2 وإيقاظي القوم أن يرقدوا ... إذا هجع الناس لم أهجع فأصبح نهبي ونهب العبيد ... بين عيينة والأقرع3 وقد كنت في الحرب ذا تدرا ... فلم أعط شيئا ولم أمنع إلاّ أفائل4 أعطيتها ... عديد قوامها الأربع وما كان حصن ولا حابس ... يفوقان شَيْخِيَّ في المجمع5 وما كنت دون امرئ منها ... ومن تضع اليوم لا يرفع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اذهبوا به، فاقطعوا عني لسانه، فأعطوه حتى رضي6، فكان ذلك قطع لسانه الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم" 7.

الحديث أخرجه الطبري من طريق ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم به، ثم ساق سندا آخر عن عبد الله الأعلى عن محمد بن ثور عن معمر عن يحيى بن أبي كثير ثم ساق جملة من المؤلفة1. وقد سرد ابن هشام تسمية المؤلفة قلوبهم ونسبهم إلى بطونهم فقال: 196- حدثني من أثق به من أهل العلم في إسناد له، عن ابن شهاب الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال: "بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش وغيرهم، فأعطاهم يوم الجعرانة من غنائم حنين: أ- من بني أمية بن عبد شمس: أبو سفيان بن حرب بن أمية، وطليق بن سفيان بن أمية، وخالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية2. ب- ومن بني عبد الدار بن قصي: شيبة3 بن عثمان بن أبي طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار، وأبو السنابل4 بن بعكك ابن الحارث بن عميلة بن السباق بن عبد الدار، وعكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار. ج- ومن بني مخزوم بن يقظة: زهير5 بن أبي أمية بن المغيرة، والحارث بن هشام بن المغيرة، وهشام بن الوليد بن المغيرة، وسفيان بن عبد الأسد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وخالد بن هشام بن المغيرة، والسائب بن أبي السائب بن عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم.

د- ومن بني عدي بن كعب: مطيع بن الأسود بن حارثة بن نضلة، وأبو جهم بن حذيفة بن غانم1. هـ- ومن بني جمح بن عمرو: صفوان بن أمية بن خلف، وأحيحة2 بن أمية بن خلف، وعمير بن وهب بن خلف، وعمير بن وهب بن خلف. و ومن بني سهم: عدي بن قيس بن حذافة السهمي3. ز- ومن بني عامر بن لؤي: حويطب بن عبد العزى بن أبي قيس ابن عبدود، وهشام بن عمرو بن ربيعة بن الحارث بن حبيب. ومن أفناء القبائل: ح- من بنى بكر بن عبد مناة بن كنانة: نوفل بن معاوية بن عروة ابن صخر بن رزن بن يعمر بن نفاثة بن عدي بن الديل. ط- ومن بنى قيس، ثم من بني عامر بن صعصعة ثم من بني كلاب ابن ربيعة بن عامر بن صعصعة: علقمة4 بن علاثة بن عوف بن الأحوص ابن جعفر بن كلاب، ولبيد5 بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب.

ي- ومن بني عامر بن ربيعة: خالد بن هوذة بن ربيعة بن عمرو ابن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وحرملة بن هوذة بن ربيعة بن عمرو. ك- ومن بني نصر بن معاوية: مالك بن عوف بن سعيد بن يربوع. ل- ومن بني سليم بن منصور: عباس بن مرداس بن أبي عامر: أخو بني الحارث بن بهثة بن سليم1. م- ومن بني غطفان، ثم من بني فزارة: عيينة بن حصن بن حذيفة ابن بدر. ن- ومن بني تميم ثم من بني حنظلة: الأقرع بن حابس بن عقال، من بني مجاشع بن دارم2. فهؤلاء تسعة وعشرون شخصا ذكرهم ابن هشام. قلت: وزاد غيره: س- في بني أمية بن عبد شمس: معاوية بن أبي سفيان، يزيد بن أبي سفيان، خالد بن أسيد، طليق بن سفيان وابنه حكيم بن طليق3. ع- وفي بني مخزوم بن يقظة: سعيد بن يربوع، وعبد الرحمن بن يربوع، عثمان بن وهب المخزومي، عكرمة بن أبي جهل4. ف- وفي بني سهم: الجد بن قيس السهمي5. ص- وفي بني سليم: عمير بن مرداس اخو عباس بن مرداس. ق- ومن بني هاشم: أبو سفيان الحارث بن عبد المطلب6.

ر- ومن ثقيف: العلاء بن جارية الثقفي1، وأسيد2 بن جارية الثقفي، والأخنس3 بن شريق، عمير بن الأخنس بن شريف4. ش- ومن بني تميم: عمرو بن الأهتم5. ت- ومن بني أسد بن عبد العزى: حكيم بن حزام6. ث- ومن بني عبد مناف: جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف النوفلي7. خ-ومن بني نبهان: زيد بن مهلهل النبهاني، المعروف بزيد الخيل8. ذ- ومن بني عبد شمس بن عبدود: سهيل بن عمرو العامري، وأخوه سهيل بن عمرو9. ض-كعب بن الأخنس10. فهؤلاء اثنان وخمسون رجلا. قال الزرقاني: "وقد سردهم ابن الجوزي11 في التلقيح وابن طاهر12 في "مبهماته" والحافظ في "الفتح" والبرهان13 في "النور" وهو أحسنهم وعند كل ما ليس

عند الآخر، ثم ساقهم الزرقاني فأوصلهم سبعة وخمسين رجلا ثم قال: فهؤلاء سبع وخمسون نفسا". ثم قال: قال الحافظ: "وفي عد العلاء بن جارية ومالك بن عوف النصرى نظر. وقد قيل إنهما أتيا طائعين من الطائف إلى الجعرانة"1.اهـ. وهؤلاء المؤلفة قلوبهم حسن إسلامهم وصاروا مجاهدين في سبيل الله الناشرين للدين الإسلامي في الآفاق، والذابين عنه. قال ابن حزم: "وقد حسن إسلام جميع المؤلفة قلوبهم، حاشا عيينة ابن حصن فلم يزل مغموزاً". وكان المؤلفة - مع حسن إسلامهم - متفاضلين في الإسلام، منهم الفاضل المجتهد: كالحارث بن هشام، وسهيل بن عمرو، حيكم بن حزام. وفيهم خيار دون هؤلاء: كصفوان بن أمية، وعمرو بن وهب، ومطيع بن الأسود/ ومعاوية بن أبي سفيان. وسائرهم لا نظن بهم إلا الخير. وكان ممن أسلم يوم الفتح وبعده، من الأشارف نظراء من ذكرنا - ووثق رسول الله صلى الله عليه وسلم بصحة إيمانهم، وقوة نياتهم في الإسلام لله تعالى فلم يدخلهم مدخل من

أعطاه - عكرمة بن أبي جهل، وعتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية، وجبير1 بن مطعم2. قال ابن الجوزي: "اعلم أن من المؤلّفة أقواماً تؤلفوا في بدء الإسلام ثم تمكن الإسلام في قلوبهم فخرجوا بذلك عن حدّ المؤلّفة". وإنما ذكرهم العلماء في المؤلفة اعتبار ببداية أحوالهم، وفيهم من لم يعلم منه حسن الإسلام، والظاهر بقاؤه على حالة التأليف، ولا يمكن أن يفرق بين من حسن إسلامه، وبين من لم يحسن إسلامه، لجواز أن يكون من ظننا به شرا أنه على خلاف ذلك، إذ الإنسان قد يتغير عن حاله ولا ينقل إلينا أمره، فالواجب أن نظن بكل من نقل عنه الإسلام خيراً. 197- وقد جاء عن أنس - رضي الله عنه - قال: "كان3 الرجل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيسلم لشيء يعطاه من الدنيا، فلا يمسي حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما فيها"4.

_ 1 قد عد في المؤلفة جبير بن مطعم وعكرمة بن أبي جهل انظر فقرة (ث) و (ع) ص 408-409. 2 جوامع السيرة ص 248. 3 الحديث في صحيح مسلم ولفظه "عن أنس رضي الله عنه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم غنما بين جبلين، فأعطاه إياه، فأتى قومه فقال: أي قوم أسلموا فوالله إن محمدا ليعطي عطاء ما يخاف الفقر". فقال أنس: "إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلاّ الدنيا، فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها" (4/1806 كتاب الفضائل، باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط، فقال: لا وكثرة عطائه. 4 السيرة الحلبية 3/85-86.

المبحث الخامس: موقف الأنصار من توزيع الغنائم وخطبة الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم

المبحث الخامس: موقف الأنصار من توزيع الغنائم وخطبة الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم ... المبحث الخامس: موقف الأنصار من توزيع الغنائم وخطبة الرسول فيهم وجد الأنصار في أنفسهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث لم ينلهم ما نال غيرهم من الغنائم، مع بلائهم الشديد في هذه الغزوة وفي غيرها من معارك الإسلام الفاصلة. ولقد كانوا - لكثرة عددهم وشدة بأسهم في الحرب- أعمدة أساسية للجيش النبوي في أية معركة ضد أعداء الإسلام، فهم الذين ناصروا هذا الدين وقام على كواهلهم، وفتحوا قلوبهم وأبوبهم لكل من جاءهم من إخوانهم المهاجرين الفارين بدينهم، وناضلوا أشد النضال من أجل إقامة هذا الدين وتثبيت دعائمه. ولقد سجل الله لهم ذلك في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ، [سورة الحشر، الآية: 9] . وقال تعالى: {وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} ، [سورة الأنفال، الآية: 74] . فهم أنصار الله وأنصار رسوله صلى الله عليه وسلم حقا وصدقاً. 198- وفي صحيح البخاري من طريق غيلان بن جرير قال: "قلت لأنس بن مالك: اسم الأنصار1 كنتم تسمون به. أم سماكم الله؟ قال: بل سمانا الله"2. ولقد عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم تلك المواقف العظيمة وأثنى عليهم ثناء عطرا وأوصى بهم خيرا، وكان ذلك في آخر رمق من حياته صلى الله عليه وسلم.

199- فقد روى البخاري من حديث هشام بن زيد بن أنس بن مالك قال: سمعت أنس بن مالك يقول: "مر أبو بكر والعباس - رضي الله عنهما - بمجلس من مجالس الأنصار وهم يبكون فقال: ما يبكيكم؟ 1، قالوا ذكرنا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم منا، فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، قال: فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وقد عصب على رأسه حاشية برد، قال: فصعد المنبر ولم يصعده بعد ذلك اليوم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أوصيكم بالأنصار، فإنهم كرشي2 وعيبتي، وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم" 3. 200- وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ملحفة متعطفا بها على منكبيه، وعليه عصابة دسماء4، حتى جلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد أيها الناس إن الناس يكثرون وتقل الأنصار حتى يكونوا كالملح في الطعام5، فمن ولي منكم أمراً يضر فيه أحداً أو ينفعه فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم" 6.

وقد جعل صلى الله عليه وسلم حبهم من علامات الإيمان، وبغضهم من علامات النفاق. 201- فقد ورد في حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "آية الإيمان حب الأنصار، آية النفاق بغض الأنصار" 1. 202- وفي حديث البراء بن عازب - رضي الله عنهما - قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم - أو قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم - "الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله" 2. 203- وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم - أو قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم 3-، "لو أن الأنصار سلكوا واديا4 أو شعباً، لسلكت في وادي الأنصار، ولولا الهجرة5 لكنت امرأ من الأنصار"، فقال أبو هريرة: "ما ظلم

- بأبي وأمي- آووه ونصروه، أو كلمة أخرى"1. ومن هنا لم يكن الرسول الله صلى الله عليه وسلم - بحرمانه الأنصار من الغنائم يجهل حقهم أو يحط من قدرهم حاشاه صلى الله عليه وسلم من ذلك، وإنما تركهم ثقة منه بقوة إيمانهم وسخاوة نفوسهم، وأعطى الغنائم أناساً يخاف هلعهم وجزعهم ويتألفهم على الإسلام. ويبدوا أن الأنصار خفي عليهم ما أراده رسول الله صلى الله عليه وسلم من توزيع الغنائم على ذلك النحو، فصدرت منهم هذه المقالة: "إذا كانت الشدة فنحن ندعى، وترد غنائمنا على غيرنا"2. ولما بلغت هذه المقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعهم في مكان واحد بين لهم وجهة نظره في إيثاره المؤلفة قلوبهم، فزال ما علق بأذهان الأنصار وطابت نفوسهم، وبرهنوا بذلك على صدق إخلاصهم لله في جهادهم وعظيم حبهم لنبيهم صلى الله عليه وسلم، وأن متاع الدنيا لم يكن غاية لجهادهم. وهذا ما تدل عليه الأحاديث الآتية: 1- حديث أنس بن مالك وقد جاء عنه من أربعة أوجه. أ- من طريق هشام بن زيد بن أنس بن مالك عنه قال: "لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان وغيرهم بذراريهم ونعمهم ومع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ عشرة آلاف، ومعه الطلقاء، فأدبروا عنه حتى بقي وحده"3.

قال فنادى يومئذ نداءين لم يخلط بينهما شيئاً1، قال: فالتفت عن يمنيه فقال: "يا معشر2 الأنصار! " فقالوا: لبيك يا رسول الله! 3 أبشر نحن معك، قال: وهو على بغلة بيضاء4 فنَزل فقال: أنا عبد الله ورسوله5، فانهزم المشركون6 وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم كثيرة، فقسم في المهاجرين والطلقاء7، ولم يعط الأنصار شيئا، فقالت الأنصار: إذا كانت الشدة8 فنحن ندعى، وتعطى الغنائم غيرنا!. فبلغه ذلك، فجمعهم في قبة9 فقال: "يا معشر الأنصار! ما حديث بلغني عنكم" فسكتوا، فقال: "يا معشر الأنصار10! أما ترضون أن يذهب الناس بالدنيا وتذهبون بمحمد صلى الله عليه وسلم تحوزونه إلى بيوتكم" 11. قالوا: بلى يا رسول الله! رضينا قال: فقال: "لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار شعبا لأخذت12 شعب الأنصار".

قال هشام1: فقلت: يا أبا حمزة! أنت شاهد ذاك؟ 2 قال: وأين أغيب عنه. ب- من طريق الزهري قال أخبرني أنس بن مالك أن أناساً3 من الأنصار قالوا يوم حنين، حين أفاء الله على رسوله4 من أموال هوازن ما أفاء فطفق رسول الله، يعطي رجالاً من قريش5 المائة من الإبل فقالوا: يغفر الله6 لرسول الله، يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم! قال أنس بن مالك: فحدث ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قولهم فأرسل إلى الأنصار، فجمعهم في قبة من أدم7 فلما اجتمعوا8، جاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "ما حديث بلغني عنكم؟ " فقال له فقهاء الأنصار9: أما ذوو رأينا10 يا رسول الله! فلم يقولوا شيئاً،

وأما أناس1 منا حديثة أسنانهم، قالوا2: يغفر الله لرسوله يعطي قريشاً وتركنا3، وسيوفنا تقطر من دمائهم! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإني أعطي4 رجالاً حديثي عهد بكفر أتألفهم، أفلا ترضون أن يذهب الناس بالأموال، وترجعون5 إلى رحالكم6 برسول الله؟ فوالله، لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به". فقالوا: بلى يا رسول الله، قد رضينا، قال: "فإنكم ستجدون7 أثرة8 شديدة، فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله، فإني على الحوض9 قالوا: سنصبر10. ج- من طريق شعبة قال: سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك قال: جمع11 رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار، فقال: أفيكم12 أحد من غيركم؟ ".

فقالوا: لا، إلاّ ابن أخت لنا1، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن ابن أخت القوم منهم فقال: "إن قريشا حديث2 عهد بجاهلية ومصيبة، وإني أردت أن أجبرهم3 وأتألفهم، أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيوتكم؟ " لو سلك الناس واديا4 وسلك الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار". د- وفي لفظ من طريق أبي التياح5 قال سمعت أنس بن مالك قال: لما

فتحت مكة قسم الغنائم في قريش1 فقالت الأنصار: إن هذا لهو العجب2 إن سيوفنا تقطر من دمائهم3، وإن غنائمنا ترد عليهم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فجمعهم، فقال: "ما الذي بلغني عنكم؟ ". قالوا: هو الذي بلغك، وكانوا لا يكذبون، قال: "أما ترضون4 أن يرجع الناس بالدنيا إلى بيوتهم، وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لو سلك الأنصار وادياً أو شعبا وسلكت الأنصار وادياً أو شعباً لسلكت وادي الأنصار أو شعب الأنصار" 5. ورواه مسلم وأحمد والبيهقي الجميع عن طريق السميط السدوسي عن أنس بن مالك قال: افتتحنا مكة ثم غزونا حنينا فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت" الحديث.

وفيه: "قال فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا للمهاجرين يا للمهاجرين" ثم قال: "يا للأنصار يا للأنصار". قال أنس: هذا حديث عمية، قال: قلنا لبيك يا رسول الله، قال: فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأيم الله ما أتيناهم حتى هزمهم الله، قال: فقبضنا ذلك المال، ثم انطلقنا إلى الطائف فحاصرناهم أربعين ليلة ثم رجعنا إلى مكة، قال: فنزلنا فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي الرجل المائة ويعطي الرجل المائة1 قال: فتحدث الأنصار بينهم، أما من قاتله فيعطيه، وأما من لم يقاتله فلا يعطيه، قال: فرفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أمر بسراة2 المهاجرين والأنصار أن يدخلوا عليه، ثم قال: "لا يدخل على إلاّ أنصاري أو الأنصار" قال: فدخلنا القبة حتى ملأنا القبة، قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الأنصار – أو كما قال- ما حديث أتاني؟ " قالوا ما أتاك يا رسول الله؟ قال: "ألا ترضون أن يذهب الناس بالأموال وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى تدخلوا بيوتكم؟ ". قالوا: رضينا يا رسول الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أخذ الناس شعبا وأخذت الأنصار شعبا، لأخذت شعب الأنصار" قالوا: يا رسول الله رضينا قال: "فارضوا أو كما قال" 3. 204- ورواه أحمد وابن أبي شيبة عن يزيد4 بن هارون قال: أنبأنا حميد5 عن أنس قال: أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من غنائم حنين الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وعيينة بن حصن مائة من الإبل، فقال ناس من الأنصار: يعطي6 رسول الله صلى الله عليه وسلم

غنائمنا ناس تقطر سيوفهم من دمائنا أو تقطر سيوفنا من دمائهم، فبلغه ذلك فأرسل إلى الأنصار فقال: "هل فيكم من غيركم؟ ". قالوا: لا، إلا ابن أخت لنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ابن الأخت القوم منهم، أقلتم1 كذا وكذا؟ أما ترضون أن يذهب الناس بالدنيا وتذهبون بمحمد إلى دياركم؟ ". قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "والذي نفسي2 بيده، لو أخذ الناس وادياً أو شعباً، أخذت وادي الأنصار أو شعبهم، الأنصار كرشي وعيبتي، لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار" 3. ورواه أحمد أيضا من: أ- طريق ثابت البناني عن أنس بن مالك إلا أنه قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان وعيينة والأقرع وسهيل بن عمرو في الأخيرين يوم حنين. فقالت الأنصار: يا رسول الله سيوفنا تقطر من دمائهم، وهم يذهبون بالمغنم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فجمعهم في قبة له حتى فاضت، فقال: "أفيكم أحد من غيركم؟ ". قالوا: لا، إلا ابن اختنا، قال: "ابن الأخت القوم منهم". ثم قال: "أقلتم كذا وكذا؟ " قالوا: نعم، قال: "أنتم الشعار4 والناس دثار، أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دياركم" الحديث5. ب- حدثنا عبيدة6 بن حميد عن حميد عن أنس بن مالك قال: أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من غنائم حنين عيينة والأقرع وغيرهما، فقالت الأنصار: أيعطي غنائمنا من تقطر

سيوفنا من دمائهم، أو تقطر دماؤهم من سيوفنا، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فدعا الأنصار فقال: "يا معشر الأنصار، أما ترضون أن يذهب الناس بالدنيا وتذهبون بمحمد إلى دياركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: والذي نفس محمد بيده لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار، الأنصار كرشي وعيبتي، ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار" 1. ج- حدثنا بن أبي عدي2 عن حميد عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا معشر الأنصار ألم آتكم ضلالا3 فهداكم الله عز وجل بِيَ، ألم آتكم متفرقين فجمعكم الله بي، ألم آتكم أعداء فألف الله بين قلوبكم بي؟ ". قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "أفلا تقولون جئتنا خائفا فأمناك4 وطريداً فآوينك ومخذولاً 5 فنصرناك؟ "6. فقالوا: بل7 لله تبارك وتعالى المن به علينا ولرسوله صلى الله عليه وسلم 8.حمد وابن أبي شيبة عن يزيد

وفي حديث عبد الله بن زيد بن عاصم عند البخاري ومسلم وغيرهما، وهذا سياقه عند البخاري: 205- حدثنا موسى1 بن إسماعيل، حدثنا وهيب2، عن عمرو3 بن يحيى بن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد بن عاصم، قال: لما أفاء4 الله على رسوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم5، ولم يعط الأنصار شيئا، فكأنهم وجدوا6 إذ لم يصبهم ما أصاب الناس، فخطبهم فقال: "يا معشر الأنصار! ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي، وكنتم متفرقين فألفكم الله بي، وعالة 7 فأغناكم الله بي؟ ". كلما قال شيئا، قالوا: الله ورسوله أمن 8. قال: "ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ " 9. قال: "كلما قال شيئا، قالوا: الله ورسوله أمن.

قال: "لو شئتم قلتم جئتنا كذا وكذا 1، ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة2 والبعير، وتذهبون بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم؟ لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبها3، الأنصار شعار والناس دثار، إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض" 4.

والحديث رواه مسلم وابن أبي شيبة وأحمد الجميع من طريق عمرو بن يحيى به1. وروى ابن إسحاق من حديث أبي سعيد الخدري قال: 206- وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود2 بن لبيد عن أبي سعيد3 قال: لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى من تلك العطايا، في قريش وفي قبائل العرب، ولم يكن في الأنصار منها شيء وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم، حتى كثرت منهم القالة4، حتى قال قائلهم: لقد لقي والله رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه5 فدخل عليه سعد بن عبادة، فقال: يا رسول الله إن هذا الحي6 من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم، لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، قسمت في قومك وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب، ولم يك في هذا الحي من الأنصار منها شيء، قال: "فأين أنت من ذلك يا سعد؟ ". قال: يا رسول الله، ما أنا إلا من قومي، قال: فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة7، قال: فخرج سعد، فجمع الأنصار في تلك الحظيرة، قال: فجاء رجال

من المهاجرين فتركهم فدخلوا، وجاء آخرون فردهم، فلما اجتمعوا له أتاه سعد، فقال: قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: "يا معشر الأنصار: ما قَالَةٌ بلغتني عنكم، وجدة وجدتموها علي في أنفسكم؟ ". ألم آتكم ضلالا فهداكم الله، وعالة فأغناكم الله، وأعداء فألف الله بين قلوبكم؟ قال: بلى، الله ورسوله أمن وأفضل، ثم قال: "ألا تجيبونني يا معشر الأنصار؟ ". قالو: بماذا نجيبك يا رسول الله؟ لله ولرسوله المن والفضل، قال: صلى الله عليه وسلم: "أما والله لو شئتم لقلتم فلصدقتم، ولصدقتم، أتيتنا مكذبا فصدقناك، ومخذولاً1 فنصرناك، وطريدا فآويناك، وعائلاً2 فآسيناك، أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة3 من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم، ألا ترضون يا معشر الأنصار، أن يذهب النّاس بالشاة والبعير، وترجعون برسول الله إلى رحالكم؟ فوالذي نفس محمد بيده، لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار، ولو سلك الناس شعبا وسلكت الأنصار شعبا، لسلكت شعب الأنصار4، اللهم ارحم الأنصار، وأبناء

الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار، قال: فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم1، وقالوا: رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم قسما وحظا. ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقوا 2. والحديث رواه أحمد وابن أبي شيبة والطبري والبيهقي الجميع من طريق ابن إسحاق3. ورواه أحمد أيضا من غير طريق ابن إسحاق وذلك من الأوجه الآتية: 207- أ- حدثنا يحيى4 بن أبي بكير ثنا الفضيل5 بن مرزوق عن عطية العوفي قال: قال أبو سعيد قال رجل من الأنصار لأصحابه أما والله لقد كنت أحدثكم أنه لو قد استقامت الأمور قد آثر عليكم، قالوا: فردوا عليه ردا عنيفا، قال: فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فجاءهم فقال لهم أشياء لا أحفظها، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "فكنتم لا تركبون الخيل، فكلما قال: قال لهم شيئاً، قالوا بلى يا رسول الله، قال: فلما رآهم لا يردون عليه شيئا، قال: "أفلا تقولون: قاتلك قومك فنصرناك وأخرجك قومك فآويناك؟

قالوا: نحن لا نقول ذلك يا رسول الله أنت تقوله، قال: "يا معشر الأنصار ألا ترضون أن يذهب الناس بالدنيا وتذهبون أنتم برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "يا معشر الأنصار ألا ترضون أن الناس لو سلكوا واديا وسلكتم واديا لسلكت وادي الأنصار؟ " قالوا: بلى يا رسول الله. قال: "لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، الأنصار كرشي وأهل بيتي وعيبتي التي آوي إليها، فاعفوا عن مسيئهم واقبلوا من محسنهم". قال أبو سعيد: "قلت لمعاوية1 أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أننا سنرى بعده أثرة"، قال معاوية: "فما أمركم، قلت: أمرنا أن نصبر قال: فاصبروا إذا"2. والحديث ضعيف؛ لأن فيه عطية3 العوفي، وفضيل4 بن مرزوق. ب- حدثنا إبراهيم5 بن خالد ثنا رباح 6 عن معمر عن الأعمش عن أبي صالح 7 عن أبي سعيد الخدري قال: اجتمع أناس من الأنصار فقالوا: آثر علينا غيرنا فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فجمعهم ثم خطبهم فقال: "يا معشر الأنصار ألم تكونوا أذلة فأعزكم الله؟ قالوا: صدق الله ورسوله، قال: "الم تكونوا ضلالا فهداكم الله؟ " قالوا: صدق الله ورسوله، قال: "ألم تكونوا فقراء فأغناكم الله؟ " قالوا: صدق الله ورسوله.

ثم قال: "ألا تجيبونني؟ " ألا تقولون: "أتيتنا طريدا فآويناك، وأتيتنا خائفا فآمنك؟ ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاء والبقران - يعني البقر- وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم فتدخلونه بيوتكم؟ لو أن الناس سلكوا واديا أو شعبة1 وسلكتم وادياً أو شعبة سلكت واديكم أو شعبتكم، لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، وإنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض" 2. ورواه عبد بن حميد من طريق معمر عن الأعمش به3. والحديث من رواية معمر عن الأعمش4. وفيه عنعنة الأعمش وهو مدلس5. ج- من حديث جابر بن عبد الله وهذا سياقه: 208- حدثنا موسى6 حدثنا ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر ابن عبد الله - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتحت حنين بعث سرايا فأتوا بالإبل والشاء فقسموها في قريش، قال: "فوجدنا أيها الأنصار عليه، فبلغه ذلك فجمعنا فخطبنا

فقال: "ألا ترضون أنكم أعطيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوالله لو سلكت الناس واديا وسلكتم شعبا لاتبعت شعبكم". قالوا: رضينا يا رسول الله 1. قال الهيثمي: رواه أحمد وفيه ابن لهيعة وهو حسن الحديث وبقية رجاله رجال الصحيح2. قلت: وفيه أبو الزبير - محمد بن مسلم بن تدرس - وهو مدلس وقد عنعن. وأخرج الطبراني نحوه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما3. قال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه محمد بن جابر السحيمي وهو ضعيف وقد وثق4. 209- وأخرجه البزار أيضا من حديث ابن عباس مختصراً5، قال الهيثمي: وفيه حفص بن عمر العدني وهو ضعيف6 وقال ابن الطهراني7: كان ثقة8. وروى الطبري من حديث قتادة، فقال: حدثنا بشر9 بن معاذ، قال ثنا يزيد عن قتادة، قوله: "لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين" قال ... وذكر لنا أنه خرج يومئذ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر ألفا، عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار وألفان من الطلقاء" الحديث.

وفيه: "فلما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنائم، وأتى الجعرانة فقسم بها مغانم حنين، وتألف أناساً من الناس فيهم أبو سفيان بن حرب والحارث ابن هشام، وسهيل بن عمرو، والأقرع بن حابس، فقالت الأنصار: حن الرجل إلى قومه، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في قبة له من أدم، فقال: يا معشر الأنصار، ما هذا الذي بلغني ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله، وكنتم أذلة فأعزكم الله1 وكنتم وكنتم، قال: فقال: سعد بن عبادة - رضي الله عنه -: ائذن لي فأتكلم، قال: تكلم، قال: أما قولك: كنتم ضلالا فهداكم الله، كنا كذلك، وكنتم أذلة فأعزكم الله، فقد علمت العرب ما كان حي من أحياء العرب أمنع لما وراء ظهورهم منا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا سعد أتدري من تكلم". فقال: نعم أكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لو سلكت الأنصار وادياً والناس وادياً لسلكت وادياً الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار". وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "الأنصار كرشي وعيبتي، فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الأنصار أما ترضون أن ينقلب الناس بالإبل والشاء، وتنقلبون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيوتكم؟ ". فقالت الأنصار: "رضينا عن الله ورسوله، والله ما قلنا ذلك إلا حرصا على

رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ورسوله1 يصدقانكم ويعذرانكم" 2. والحديث فيه قتادة من صغار التابعين ولم يصرح بمن حدثه 3. وروى البيهقي نحوه من مرسل عروة بن الزبير وموسى بن عقبة4. وهذه الآثار يشد بعضها بعضا، وتؤيدها الأحاديث الصحيحة الواردة في هذا المبحث وقد تقدمت. وهي تدل على أن الأنصار وجدوا في أنفسهم حيث اختص بالغنائم غيرهم ولم ينلهم منها شيء، حتى حصل منهم ما حصل وتكلم منهم من تكلم، وكان ذلك قبل أن تظهر لهم وجه الحكمة في توزيع الغنائم على سائر القبائل دونهم، ولما تبين لهم الأمر واتضح الحال، وعرفوا الهدف الذي قصده رسول الله صلى الله عليه وسلم، طابت نفوسهم واغتبطوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ورضوا به قسما وحظا وعلموا يقينا أن الذي حظوا به لا يوازيه ولا يدانيه شيء، وما الدنيا وحطامها أمام رضى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم وتمنيه أن يكون واحدا منهم ووجوده بين أظهرهم حيا وميتا، إنه لشرف عظيم حظيت به الأنصار دون سائر القبائل. وقد أشار ابن حجر إلى وجه الحكمة في قسم غنائم حنين على المؤلفة دون غيرهم ممن قوي إيمانه، فقال: "اقتضت تلك الحكمة أن تقسم تلك الغنائم في المؤلفة قلوبهم ويوكل من قبله ممتلئ بالإيمان إلى إيمانه، ثم كان من تمام التأليف رد من سبي

من المشركين إليهم، فانشرحت صدورهم للإسلام فدخلوا طائعين راغبين، وجبر ذلك قلوب أهل مكة بما نالهم من النصر والغنيمة، عما حصل لهم من الكسر والرعب فصرف عنهم شر من كان يجاورهم من أشد العرب من هوازن وثقيف بما وقع بهم من الكسرة، وبما قيض لهم من الدخول في الإسلام، ولولا ذلك ما كان أهل مكة يطيقون مقاومة تلك القبائل مع شدتها وكثرتها. وأما قصة الأنصار وقول من قال منهم فقد اعتذر رؤساؤهم بأن ذلك كان من بعض أتباعهم، ولما شرح لهم صلى الله عليه وسلم ما خفي عليهم من الحكمة فيما صنع رجعوا مذعنين ورأوا أن الغنيمة العظمى ما حصل لهم من عود رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بلادهم، فسلوا عن الشاة والبعير والسبايا من الأنثى والصغير، بما حازوه من الفوز العظيم، مجاورة النبي الكريم لهم حيا وميتا. وهذا دأب الحكيم يعطي كل أحد ما يناسبه"1. اهـ.

الفصل الرابع: في بيان ما آل إليه أمر هوازن وثقيف

الفصل الرابع: في بيان ما آل إليه أمر هوازن وثقيف المجلد الثاني (تابع) الباب الثاني: ملاحقة فلول المشركين والأحداث التاريخية التي أعقبت ذلك الفصل الرابع: في بيان ما آل إليه أمر هوازن وثقيف بعد المعركة المبحث الأول: في قدوم وفد هوازن إلى الجعرانة مسلمين ... المبحث الأول: في قدوم وفد هوزان إلى الجعرانة مسلمين بعد انصراف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف توجه إلى الجعرانة وكان بها السبايا والغنائم، فأخر قسم الغنائم بضع عشرة ليلة، رجاء أن تقدم هوزان مسلمة، فيرد إليهم ما أخذ منهم، ولما لم تقدم في هذه المدة أخذ صلى الله عليه وسلم في توزيع الغنائم. ثم قدمت وفود هوزان بعد ذلك فأعلنت إسلامها، وطلبت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد إليها ما فقدته من السبايا وأموال، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب الحديث إلي أصدقه فاختاروا إحدى الطائفتين: إما السبي وإما المال، وقد كنت استأنيت بكم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف، فلما تبين لهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير راد إليهم إلا إحدى الطائفتين، قالوا فإنا نختار سبينا". يدل على ذلك الأحاديث الآتية: أ- حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم عند البخاري وغيره وهذا سياق البخاري: حدثنا يحيى1 بن بكير حدثنا الليث عن عقيل2 عن ابن شهاب3 عن عروة أن

مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة أخبراه1 أن النبي صلى الله عليه وسلم حين جاء وفد هوزان2 مسلمين3.

فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم1، فقال لهم: معي من ترون2، وأحب الحديث إلي أصدقه3، فاختاروا إحدى الطائفتين إما السبي وإما المال4، وقد كنت استأنيت5 وكان النبي صلى الله عليه وسلم انتظرهم6 بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف، فلما تبين لهم أن النبي صلى الله عليه وسلم غير راد إليهم إلا إحدى الطائفتين، قالوا: فإنا نختاروا سبينا، فقام في المسلمين فأثنى على الله بما هو أهله7، ثم قال: "أما بعد فإن

إخوانكم هؤلاء جاءونا تائبين1، وإني أردت أرد إليهم سبيهم، فمن أحب منكم أن يطيب2 ذلك فليفعل، ومن أحب أن يبقى على حظه حتى نعطيه إياه من أوّل ما يفئ3 الله علينا فليفعل"، فقال الناس: طيبنا4 يا رسول الله لهم5، فقال لهم:

"إنا لا ندري من أذن منكم فيه ممن لم يأذن، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم1 أمركم، فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم، ثم رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه أنهم طيبوا2 وأذنوا وهذا الذي بلغنا من سبي هوزان. هذا آخر قول الزهري، يعني فهذا الذي بلغنا.

والحديث رواه البخاري أيضا عن سعيد بن عفير قال: حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب به1. ورواه البخاري أيضا وأبو داود كلاهما من طريق سعيد2 بن أبي مريم حدثنا الليث به3. ورواه البخاري أيضا والنسائي والبيهقي الجميع من طريق موسى ابن عقبة عن ابن شهاب عن الزهري به4. ورواه البخاري أيضا وأحمد والبيهقي الجميع من طريق ابن أخي الزهري5 عن عمه به6. رواه البيهقي أيضا من طريق يحيى بن بكير وعبد الله7 بن صالح المصريّين أن الليث بن سعد حدثهما قال: حدثني عقيل ابن شهاب به. ثم قال عقب هذا الحديث في "السنن الكبرى" رواه البخاري في الصحيح عن يحيى بن بكير8. وفي "دلائل النبوة" بعد أن ساقه قال: رواه البخاري في الصحيح عن سعيد بن عفير وعبد الله9 بن يوسف عن الليث10.

ب- ما رواه ابن إسحاق وغيره من حديث عمرو بن شعيب وهذا سياقه: عن ابن إسحاق قال: حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو أن وفد هوزان أتوا1 رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أسلموا، فقالوا: "يا رسول الله إنا أصل وعشيرة، وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك فامنن علينا من الله عليك، قال: وقام رجل2 من هوزان، ثم أحد بني سعد بن أبي بكر، يقال له: زهير3 يكنى أبا صرد فقال: يا رسول الله4 إنما في الحظائر عماتك وخالاتك

وحواضنك1 اللاتي كن يكفلنك ولو أنا ملحنا2 للحارث بن أبي شمير، أو النعمان بن المنذر، ثم نزل منا بمثل الذي نزلت به، رجونا عطفه وعائدته علينا وأنت خير المكفولين، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم؟ "3. فقالوا: "خيرتنا يا رسول الله بين أموالنا وأحسابنا، بل ترد إلينا نسائنا وأبناءنا4 فهو أحب إلينا، فقال لهم: "أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم، وإذا ما أنا صليت الظهر بالناس5، فقوموا فقولوا: إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين، وبالمسلمين إلى رسول الله في أبنائنا ونسائنا، فسأعطيكم عند ذلك، وأسأل لكم، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس الظهر، قاموا فتكلموا6 بالذي أمرهم به، فقال

رسول اله صلى الله عليه وسلم: "وأما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم"، فقال المهاجرون: "وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وقالت الأنصار: وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم1. فقال الأقرع بن حابس: أما أنا وبنو تميم فلا. وقال عيينة بن حصن: أما أن وبنو فزازة فلا. وقال عباس بن مرداس: أما أنا وبنو سليم فلا. فقالت بنو سليم: بلى، ما كان لنا فهو لرسول الله2. قال: يقول عباس بن مرداس لبنو سليم: وهنتموني3، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أما من تمسك منكم بحقه من هذا السبي4، فله بكل إنسان ست فرائض5، من أول سبي أصيبه، فردوا إلى الناس أبنائهم ونسائهم" الحديث. والحديث رواه أبو داود من طريق حماد بن سلمة عن ابن إسحاق مختصرا عقب حديث مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة. ورواه النسائي وأحمد كلاهما من طريق حماد بن سلمة بتمامه. ورواه الطبري من طريق سلمة بن الفضل الأبرش. والبيهقي من طريق يونس بن بكير كلاهما عن ابن إسحاق بتمامه. ورواه أيضا أحمد من طريق إبراهيم بن سعد. والبيهقي من طريق يونس بن بكير.

والطبراني من طريق محمد بن سلمة الباهلي ثلاثتهم عن ابن إسحاق إلى قوله "نسائهم وأبنائهم"1. ورواه البخاري في "التاريخ الصغير" من طريق عبد الله بن إدريس عن ابن إسحاق إلى قوله "ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم"2. وأورده الهيثمي، ثم قال: "رواه أبو داود باختصارٍ كثير، ورواه أحمد، ورجال أحد إسناديه ثقات"3. اهـ. والحديث رواه النسائي أيضا تاما كما بينت ذلك. ويشهد له حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم4. ج-ما رواه الطبراني في معاجمه الثلاثة من حديث زهير بن صرد وهذا سياقه من المعجم الصغير قال: 210-حدثنا عبيد الله5 بن رماحس القيسي برمادة الرملة6 سنة أربع وسبعين ومائتين، حدثنا أبو عمر زياد7 بن طارق وكان قد أتت عليه8 عشرون ومائة

سنة سمعت أبا جرول زهير1 بن صرد الجشمي يقول: لما أسرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين يوم هوزان وذهب يفرق السبي والشاء2 أتيته وأنشأت أقول هذا الشعر: أمنن علينا رسول الله في كرم ... فإنك المرء نرجوه وننتظر3 أمنن على بيضة قد عاقها قدر ... مملها في دهرها غير4 أبقت لنا الدهر هتافا على حزن ... على قلوبهم الغَمَّاء والغَمَر5 إن لم تداركهم نعماء تنشرها ... يا أرجح الناس حلما حين يختبر6 أمنن على نسوة قد كنت ترضعها ... إذ فوك تملأه من مخضها الدرر7 إذ أنت طفل صغير كنت ترضعها ... وإذ يزينك ما تأتي وما تذر8 لاتجعلنا كمن شالت نعماته ... واستبق منه فإنا معشر زهر9 إنا لنشكر للنعماء إذ كفرت ... وعندنا بعد هذا اليوم مدخر10

فألبس العفو من قد كنت ترضعه ... من أمهاتك إن العفو مشتهر1 يا خير من مرحت كمت الجياد له ... عند الهياج إذا ما استوقد الشرر2 إنا نؤمل عفوا منك تلبسه ... هذى البرية إذ تعفو وتنتصر3 فاعفو عفا الله عما أنت راهبه ... يوم القيامة إذ يهدى لك الظفر4 قال: فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم هذا الشعر، قال صلى الله عليه وسلم: "ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم". وقالت قريش: "ما كان لنا فهو لله ولرسوله"، وقالت الأنصار: "ما كان لنا فهو لله ولرسوله". لم يرو عن زهير بن صرد بهذا التمام إلا بهذا الإسناد. تفرد به عبيد الله5. ومن طريقه رواه الخطيب في تاريخه6.

قال الهيثمي: "رواه الطبراني في ثلاثة، وفيه من لم أعرفهم"1. والحديث أعله الذهبي بالجهالة، والانقطاع، أما الجهالة: فقد قال عن عبيد الله بأنه لم يعرف فيه جرحا ولا تعديلا، وقال عن زياد بأنه نكرة لا يعرف. وأما الانقطاع فقد قال في أثناء ترجمة عبيد الله: ثم رأيت الحديث الذي رواه، له علة قادحة. قال أبو عمر بن عبد البر في شعر زهير: "رواه عبيد الله بن رماحس عن زياد بن طارق، عن زياد بن صرد بن زهير، عن أبيه، عن جده زهير ابن صرد، فعمد عبيد الله إلى الإسناد وأسقط رجلين منه، وما قنع بذلك حتى صرح بأن زياد بن طارق قال حدثني زهير، كذا في معجم الطبراني وغيره بإسقاط اثنين من سنده"2. ورد هذا ابن حجر فقد نقل قول الذهبي هذا، ثم قال: "وهذا الذي قاله المؤلف3 تحكم لا دليل له عليه ولا له فيما حكاه عن ابن عبد البر ترجمة قائمة". وسياقه يقتضي أن هذا كلّه كلام ابن عبد البر، وليس كذلك، بل من قوله، فعمد عبيد الله إلى آخر الترجمة، قاله المؤلف من عند نفسه بانيا على صحة ما حكاه ابن عبد البر. ثم ساق ابن حجر بإسناده إلى كتاب "الاستيعاب" لابن عبد البر أنه قال: "زهير بن صرد الجشمي السعدى من بني سعد بن بكر وقيل يكنى أبا جرول كان رئيس قومه وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد هوزان إذ فزع من حنين فساق أبو عمر القصة، ثم أسندها من طريق ابن إسحاق، ثم قال في آخره إلا أن في الشعر بيتين لم يذكرهما محمد بن إسحاق في حديثه، وذكرهما عبيد الله بن رماحس عن زياد بن طارق عن زياد بن صرد بن زهير بن صرد عن أبيه عن جده زهير بن صرد أبي جرول أنه حدثه هذا الحديث" انتهى كلام ابن عبد البر. ثم قال ابن حجر: "فهذا كما تراه حكاه ابن عبد البر مرسلا ولم يسق إسناده إلى

عبيد الله بن رماحس حتى يعلم…ثم قال: والحديث رواه عن عبيد الله الستة1 الذين ذكرهم المؤلف2، وأبو بكر محمد ن أحمد بن محمويه العسكرية وأبو الحسين أحمد بن زكريا، وعبيد الله بن علي بن خواص، فهؤلاء عدد من الثقات رووه عن عبيد الله بن رماحس أنه قال: حدثنا زياد قال سمعت أبا جرول زهير بن الصرد، فالظاهر أن قولهم أولى بالصواب، والعدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد لا سيما وهو لم يسم. ثم أورد ابن حجر عدة طرق لهذا الحديث عن الطبراني وغيره من العلماء كلها تدور على عبيد الله بن رماحس، ثم قال في نهاية تلك الطرق فكملت ذلك عندي عدة من رواه عن عبيد الله بن رماحس غير الطبراني أربعة عشر نفسا". ثم قال: "فالحديث حسن الإسناد، لأن راوييه مستوران لم يتحقق أهليتهما ولم يجرحا، ولحديثهما شاهد قوي3، وصرحا بالسماع، وأما رميا بالتدليس لا سيما تدليس التسوية الذي هو أفحش أنواع التدليس، إلا في القول الذي حكيناه آنفا عن ابن عبد البر، ولا يثبت ذلك إن شاء الله".اهـ. كلام ابن حجر بتصرف4. وخلاصة القول في هذا أن ابن حجر يرى أن الحديث متصل وأنه من ثلاثيات الطبراني5 وهو حسن بالمتابعة، وأن ما قاله ابن عبد البر عن هذا الحديث بأنه منقطع قول بدون برهان. وأن ما بناه الذهبي على قول ابن عبد البر في تضعيف هذا الحديث غير سديد. ما رواه ابن سعد والطبري من مرسل سعيد بن المسيب وهذا سياقه عند الطبري: حدثنا ابن عبد الأعلى، قال ثنا محمد بن ثور عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب، أنهم أصابوا يومئذ ستة آلاف سبي، ثم جاء قومهم مسلمين بعد ذلك، فقالوا: يا رسول الله، أنت خير الناس وأبر الناس، وقد أخذت أبناءنا ونساءنا

وأموالنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن عندي من ترون، وإن خير القول أصدقه، اختاروا إما ذَرَارِيَّكم، ونساءكم، وإما أموالكم"، قالوا: ما كان نعدل بالأحساب شيئا. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن هؤلاء قد جاءوني مسلمين وإنا خيرناهم بين الذراري والأموال، فلم يعدلوا بالأحساب شيئا، فمن كان بيده منهم شيء، فطابت نفسه أن يرده فليفعل ذلك، ومن لا، فليعطنا، وليكن قرضا علينا حتى نصيب شيئا فنعطيه مكانه"، فقالوا: يا نبي الله رضينا وسلمنا، فقال: "إني لا أدري، لعل منكم من لا يرضى، فمروا عرفاءكم فليرفعوا ذلك إلينا" فرفعت إليه العرفاء أن قد رضوا وسلموا 1. والحديث رواه عبد الرزاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير غير أنه فصل قول كل واحد عن الآخر، وهذا سياقه: فقال: قال الزهري: وأخبرني سعيد بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم سبى يومئذ ستة آلاف سبي من امرأة وغلام، فجعل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبا سفيان بن حرب. ثم قال: قال الزهري: وأخبرني عروة بن الزبير قال لما رجعت هوزان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: أنت أبر الناس وأوصلهم، وقد سبي أموالنا ونساؤنا، وأخذت أموالنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني كنت استأنيت بكم ومعي من ترون، وأحب القول إلي أصدقه، فاختاروا إحدى الطائفتين، إما المال، وإما السبي" فقالوا: "يا رسول الله: أما إذا خيرتنا بين المال وبين الحسب، فإنا نختار الحسب- أو قال: ما كنا نعدل بالحسب شيئا – فاختاروا نسائهم وأبناءهم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وخطب في المسلمين، "فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد فإن إخوانكم هؤلاء قد جاءوا مسلمين، أو مستسلمين وإنا قد خيرناهم بين الذراري والأموال، فلم يعدلوا بالأحساب، وإني قد رأيت أن تردوا إليهم أبناءهم ونساءهم فمن أحب منكم أن يطيب ذلك فليفعل، ومن أحب أن يكتب علينا حصته من ذلك حتى نعطيه من بعض ما يفيئه الله علينا فليفعل، قال: فقال المسلمون: طيبنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إني لا أدري من أذن في ذلك ممن لم يأذن، فأمروا عرفاءكم فليرفعوا ذلك إلينا،

فلما رفعت العرفاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الناس قد سلموا ذلك وأذنوا فيه، رد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هوزان نساءهم وأبناءهم وخير رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كان أعطاهن رجالا من قريش بين أن يلبثن عند من عنده، وبين يرجعن إلى أهلن". قال الزهري: "فبلغني أن امرأة منهم كانت تحت عبد الرحمن بن عوف فخيرت فاختارت أن ترجع إلى أهلها وتركت عبد الرحمن، وكان معجبا بها، وأخرى عند صفوان بن أمية فاختارت أهلها". قال الزهري: "فأخبرني سعيد بن المسيب قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قسم بين المسلمين ثم اعتمر من الجعرانة بعد ما قفل من غزوة حنين، ثم انطلق إلى المدينة، ثم أمر أبا بكر على تلك الحجة1. ما رواه ابن أبي شيبة من مرسل عبد الله بن عبيد وهذا سياقه: 211- حدثنا عبيد الله2 بن موسى قال: أنا موسى3 عن أخيه عبد الله4 بن عبيد أن نفرا من هوزان جاءوا بعد الوقعة، فقالوا: يا رسول الله إنا نرغب في رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: في أي ذلك ترغبون أفي الحسب أم في المال؟ قالوا: بل في الحسب والأمهات والبنات، وأما المال فسيرزقنا الله، قال: أما أنا فأرد ما في يدي وأيدي بني هاشم من عورتكم، وأما الناس فسأشفع لكم إليهم، إذا صليت إن شاء الله، فقوموا وقولوا كذا وكذا، فعلمهم ما يقولون، ففعلوا ما أمرهم به، وشفع لهم ولم يبق أحد من المسلمين إلا رد ما في يده من عورتهم غير الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن، امسكا الأموال التي في أيديهما 5.

والحديث مرسل، وفيه موسى بن عبيد وهو ضعيف. وهذه الآثار يقوي بعضها بعضاً وتعتضد بالأحاديث السابقة واللاحقة. ما رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمر في إعطاء عمر بن الخطاب جارية من سبي هوزان وهذا سياقه: 212- حدثني أبو طاهر1 أخبرنا عبد الله بن وهب حدثنا جرير ابن حازم أن أيوب2 حدثه أن نافعا حدثه أن عبد الله بن عمر حدثه أن عمر بن الخطاب سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة بعد أن رجع من الطائف فقال رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يوما في المسجد الحرام فكيف ترى؟ قال: "اذهب فاعتكف يوما" 3. قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطاه جارية من الخمس فلما أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا الناس سمع عمر بن الخطاب أصواتهم يقولون أعتقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا؟ فقالوا: أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا الناس. فقال عمر: يا عبد الله! اذهب إلى تلك الجارة فخل سبيلها 4. والحديث رواه البخاري من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: يا رسول الله إنه كان علي اعتكاف يوم الجاهلية، الحديث وفيه: "قال: وأصاب عمر جاريتين5 من سبي حنين فوضعهما في بعض بيوت مكة، قال فمن رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبي حنين فجعلوا يسعون في السكك، فقال عمر: يا عبد الله انظر ما هذا؟

فقال: "من رسول الله صلى الله عليه وسلم على السبي، قال: اذهب فأرسل الجاريتين". الحديث1. فقد روى الحديث هنا مرسلا بإسقاط ابن عمر، ثم قال: ورواه معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر في النذر. ثم أعاد حديث حماد بن زيد في المغازي مرسلا أيضا ثم اتبعه برواية معمر عن أيوب موصولا، ولكن في قصة النذر فقط. ثم قال: وقال بعضهم: حماد2 عن أيوب عن نافع عن ابن عمر. ورواه جرير بن حازم وحماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم3 اهـ. قال ابن حجر: "كذا رواه حماد بن زيد عن أيوب عن نافع مرسلا ليس فيه ابن عمر، وسيأتي في المغازي أن البخاري نقل أن بعضهم4 رواه عن حماد بن زيد موصولا، وهو عند مسلم وابن خزيمة لكن في القصة الثالثة المتعلقة بعمرة الجعرانة، لا في جميع الحديث"5.

وذكر هنا1 أن معمرا وصله أيضا عن أيوب، ورواية معمر وصلها في المغازي وهو في قصة النذر فقط2. وذكر في المغازي أيضا أن حماد بن سلمة رواه موصولا3، وهو أيضا في النذر فقط. وقال في المغازي هكذا ذكر البخاري حديث حماد بن زيد عن أيوب مرسلا مختصرا، ثم عقبه برواية معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر موصولا تاما. وقد عاب الإسماعيلي جمعهما4 لأن قوله: "لما قفلنا من حنين" لم يقع في رواية حماد بن زيد أي الرواية الأولى المرسلة. والجواب أن البخاري إنما نظر إلى أصل الحديث لا إلى النقص والزيادة في ألفاظ الرواة. وإنما أورد طريق حماد بن زيد المرسلة للإشارة إلى أن روايته مرجوحة، لأن جماعة من أصحاب شيخه أيوب خالفوه فيه فوصلوه، بل بعض أصحاب حماد بن زيد رواه عنه موصولا5، كما أشار إليه البخاري أيضاً هنا6. على أن رواية حماد بن زيد وإن لم يقع فيها ذكر القفول من حنين صريحا لكنه فيها ضمنا كما سأبينه، وقد وقع في رواية بعضهم، ما ليس عند معمر أيضا مما هو ادخل في المقصود الباب كما سأبينه، فأما بقية اللفظ الرواية الأولى7 فقد ساقها في فرض

الخمس بلفظ "أن عمر قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنه كان عليَّ اعتكاف ليلة1 في الجاهلية فأمره أن يفي به. قال: "وأصاب عمر جاريتين من سبي حنين فوضعهما في بعض بيوت مكة". الحديث. وكذا أورده الإسماعيلي2 من طريق سليمان3 بن حرب وأبي ربيع الزهراني وخلف بن هشام كلهم عن حماد بن زيد عن أيوب عن نافع "أن عمر كان عليه اعتكاف ليلة في الجاهلية، فلما نزل النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة سأله عنه، فأمره أن يعتكف" لفظ أبي الربيع. ثم قال ابن حجر: قلت: "وكان نزول النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة بعد رجوعه من الطائف بالاتفاق، وكذا سبي حنين إنما قسم بعد الرجوع منها، فاتحدت رواية حماد بن زيد ومعمر معنى، وظهر رد ما اعترض به الإسماعيلي". وأما رواية من رواه عن حماد بن زيد موصولا فأشار إليه البخاري بقوله: "وقال بعضهم عن حماد إلخ" فالمراد بحماد بن زيد، فإنه ذكر عقبه رواية حماد بن سلمة وهي مخالفة لسياقه4. والمراد بالبعض المبهم: أحمد بن عبدة الضبي، كذلك أخرجه الإسماعيلي من طريقه فقال: أخبرني القاسم هو ابن زكريا حدثنا أحمد بن عبدة الضبي حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: "كان عمر نذر اعتكاف ليلة في الجاهلية، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمره أن يفي به". وكذا أخرجه مسلم وابن خزيمة5 عن أحمد بن عبدة وذكرا فيه إنكار ابن عمر عمرة الجعرانة، ولم يسق مسلم لفظه6.

وفي هدي الساري قال: قال الدارقطني حديث حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن عمر أصاب جاريتين من سبي حنين، وفي أوله أن عمر قال: نذرت نذرا هكذا أخرجه مرسلا. ووصل حديث النذر حماد بن سلمة وجرير بن حازم وجماعة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر وهو صحيح. ووصل حديث الجاريتين جرير بن حازم عن أيوب وقول حماد أصح1. ثم عقب ابن حجر على هذا فقال: قلت: "إذا صح أصل الحديث صح قول من وصله وقد بين البخاري الخلاف فيه، وقد قدمناه أنه في مثل هذا يعتمد على القرائن والله الموفق"2.اهـ. ما أخرجه أحمد والطبري من طريق ابن إسحاق وهذا لفظ أحمد: 213- حدثنا يعقوب3 ثنا أبي4 عن ابن إسحاق حدثني نافع مولى عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر قال: "أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب جارية من سبي هوزان فوهبها لي فبعثت بها إلى أخوالي من بني جمح5 ليصلحوا لي منها حتى أطوف بالبيت ثم آتيهم، وأنا أريد أن أصيبها6 إذا رجعت إليها، قال: فخرجت من المسجد حين فرغت فإذا الناس يشتدون فقلت: ما شأنكم؟ قالوا: رد علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبناءنا ونساءنا، قال: قلت: تلك صاحبتكم في بني جمح فاذهبوا فخذوها، فذهبوا فأخذوها 7. والحديث في سيرة ابن هشام عن ابن إسحاق لكن ذكر قبله مرسل أبي وجزة السعدي ثم ذكر عقبه حديث عبد الله بن عمر، فقال: وحدثني أبو وجزة8 يزيد بن

عبيد السعدي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى علي بن أبي طالب رضي الله عنه جارية، يقال لها ريطة بنت هلال بن حيان بن عميرة بن هلال بن ناصرة بن قصية بن نصر بن سعد بن بكر، وأعطى عثمان بن عفان جارية، يقال لها زينب بنت حيان بن عمرو بن حيان، وأعطى عمر بن الخطاب جارية فوهبها لعبد الله بن عمر ابنه. ثم قال ابن إسحاق: "فحدثني نافع مولى عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر، قال: "بعثت بها إلى أخوالي من بني جمح" الحديث1. قال ابن إسحاق: "وأما عيينة بن حصن، فأخذ عجوزا من عجائز هوزان، وقال حين أخذها: أرى عجوزا إني لأحسب لها في الحي نسبا، وعسى أن يعظم فداؤها. فلما رد رسول الله صلى الله عليه وسلم السبايا بست فرائض، أبى أن يردها، فقال له زهير أبو صرد: خذها عنك، فوالله ما فوها ببارد ولا ثديها بناهد2، ولا بطنها بوالد، ولا زوجها بواجد3، ولا درها بماكد4، فردها بست فرائض حين قال هل زهير ما قال: "فزعموا أن عيينة لقي الأقرع بن حابس، فشكا إليه ذلك فقال: إنك والله ما أخذتها بيضاء5 غريرة، ولا نصفا وثيرة". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوفد هوزان، وسألهم عن مالك بن عوف6 ما فعل؟ فقالوا هو في الطائف مع ثقيف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أخبروا مالكاً أنه إن أتاني مسلما رددت عليه أهله وماله، وأعطيته مائة من الإبل"، فأتى مالكا بذلك، فخرج إليه من

الطائف، وقد كان مالكا خاف ثقيف على نفسه أن يعملوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ما قال، فيحبسوه فأمر براحلته فهيئت له، وأمر بفرس له، فأتى به إلى الطائف، فخرج ليلا، فجلس على فرسه، فركض حتى أتى راحلته حيث أمر بها أن تحبس، فركبها، فلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأدركه بالجعرانة أو بمكة، فرد عليه أهله وماله، وأعطاه مائة من الإبل، فأسلم فحسن إسلامه. فقال مالك بن عوف حين أسلم: ما إن رأيت ولا سمعت بمثله ... في الناس كلهم بمثل محمد أوفى وأعطى للجزيل إذا اجْتُدِى1 ... ومتى تشأ يخبرك عما في غد وإذا الكتيبة عردت أنيابها ... بالسِّمَهْرِيّ وضرب كل مهند2 فكأنه ليث على أشباله ... وسط الهَباء خادر في مرصد3 فاستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه، وتلك القبائل: ثمالة، وسلمة4، وفهم، فكان يقاتل بهم ثقيفا لا يخرج لهم سرح إلا أغار عليه، حتى ضيق عليهم.

فقال أبو محجن بن حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي: هابت الأعداء جانبنا ... ثم تغزونا بني سلمة وأتانا مالك بهم ... ناقضا للعهد والحرمة وأتونا في منازلنا ... ولقد كنا أولى نقمة1 والحديث رواه الطبري عن ابن إسحاق دون شعر مالك بن عوف. ثم قال في نهاية الحديث: "هذا آخر حديث أبي وجزة"2. فهو يشير إلى أن هذا الحديث رواه ابن إسحاق عن أبي وجزة ولكنه في سيرة ابن هشام وكذا عند الطبري فصل بين حديث أبي وجزة بحديث عبد الله بن عمر، فالقسم الأول من حديث أبي وجزة إلى وأعطى عمر بن الخطاب جارية، فوهبها لعبد الله بن عمر. وتمامه: وأما عيينة بن حصن الخ. وعلى هذا فالحديث مرسل فإن أبا وجزة من صغار التابعين فقد ذكره ابن حجر في الطبقة الخامسة من طبقات التابعين3. والأحاديث المتقدمة تدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر قسم الغنائم بعد انصرافه عن الطائف ووصوله إلى الجعرانة بضع عشرة ليلة ثم وزع الغنائم بعد ذلك، ثم قدمت عليه وفود هوزان بعد أن تم توزيع السبايا والأموال بين المسلمين. فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد إليهم سبيهم وأموالهم، فأجابهم رسول صلى الله عليه وسلم إلى أن يرد إليهم إحدى الطائفتين: إما السبي وإما المال، فاختاروا سبيهم، فرده عليهم بعد أن استطاب نفوس المسلمين في ذلك4. كما تدل الأحاديث أيضا على جواز استرقاق العرب كغيرهم من سائر الكفار من الأعاجم من يهود ونصارى وغير ذلك، وهو قول جمهور العلماء. وقد أشرت إلى هذه المسألة في رسالتي غزوة بني المصطلق5 فلا حاجة إلى إعادة القول في هذه المسألة هنا.

_ 1 سيرة ابن هشام 2/490-492. الروض الأنف 7/243-245. 2 تاريخ الرسل والملوك 3/87-89. 3 انظر: التقريب (2/368، و1/5) . 4 انظر: ص: (373) . 5 ص: (359-362) .

المبحث الثاني: في إيفاد ثقيف جماعة منهم إلى المدينة للتفاوض

المبحث الثاني: في إيفاد ثقيف جماعة منهم إلى المدينة للتفاوض مع الرسول صلى الله عليه وسلم كان من أمر ثقيف أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حاصر الطائف واستعصت عليه انصرف عنها إلى الجعرانة، فطلب منه الصحابة أن يدعوا على ثقيف. فقال: "اللهم اهد ثقيفا". وفي لفظ: "اللهم اهد ثقيفا واكفنا مؤنتهم". وعند الواقدي: "اللهم اهد ثقيفا وأت بهم" 1. وقد سبق إسلام مالك بن عوف النصري الذي كان فيه إضعاف لمعنويات ثقيف حيث صار مالكا جنديا من جنود الإسلام فضايق ثقيفا وشدد عليها، حتى وصف أبو محجن الثقفي هذا الفعل من مالك بأنه نقض للذي كان بينهم وبينه ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم2، واستاءت ثقيف لذلك وصار الأمر يزداد عليها شدة يوما بعد يوم، فكان أول من فكر في خلاص ثقيف من هذه الأزمة التي كانوا هم السبب في إيجادها عروة بن مسعود الثقفي، فقد كان هو وسلمة بن غيلان بجرش يتعلمان صنعة العرادات والمنجنيق والدبابات، ولم يشهد حنينا ولا حاصر الطائف، وإنما قدما وقد انصرف رسول اله صلى الله عليه وسلم عن الطائف، فنصبا المنجنيق والعارادات والدبابات وأعدا للقتال، ثم ألقى الله في قلب عروة الإسلام وغيره عما كان عليه3. وفيما يلي ما نقله ابن إسحاق في هذا الصدد قال: 214- وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من تبوك في رمضان، وقدم عليه في ذلك الشهر وفد ثقيف. وكان من حديثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف عنهم، اتبع أثره عروة بن

مسعود الثقفي، حتى أدركه قبل أن يصل إلى المدينة، فأسلم وسأله أن يرجع إلى قومه بالإسلام، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم - كما يتحدث قومه - إنهم قاتلوك، وعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن فيهم نخوة1 الامتناع الذي كان منهم، فقال عروة: "يا رسول الله أنا أحب إليهم من أبكارهم2. -وكان فيهم كذلك محببا مطاعا - فخرج يدعو قومه إلى الإسلام رجاء أن لا يخالفوه، لمنتزلته فيهم، فلما أشرف لهم على علية3 له، وقد دعاهم إلى الإسلام، وأظهر لهم دينه، رموه بالنبل من كل وجه، فأصابه سهم فقتله، فتزعم بنو مالك أنه قتله رجلا منهم، يقال له أوس بن عوف4، أخو بني سالم بن مالك. وتزعم الأحلاف أنه قتله رجل منهم، من بني عتاب بن مالك، يقال له وهب بن جابر5". فقيل لعروة: "ما ترى في دمك؟ " قال: "كرامة أكرمني الله بها، وشهادة ساقها الله إلي، فليس في إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يرتحل عنكم، فادفنوني معهم، فدفنوه معهم6 فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه:

"إن مثله في قومه كمثل صاحب ياسين1 في قومه" 2. هكذا ساقه ذلك ابن إسحاق بدون سند، وذكر أن عروة بن مسعود أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخل المدينة. قال ابن كثير: "هكذا ذكر موسى بن عقبة قصة عروة بن مسعود ولكن زعم أن ذلك كان بعد حجة أبي بكر الصديق". وتابعه أبو بكر البيهقي في ذلك وهذا بعيد". والصحيح أن ذلك قبل حجة أبي بكر كما ذكره ابن إسحاق3. وذكره ابن حجر والزرقاني عن موسى بن عقبة عن الزهري وأبي الأسود عن عروة بن الزبير4. وأورده الهيثمي في المجمع فقال: 215- وعن عروة بن الزبير قال: "لما أنشأ الناس الحج سنة تسع قدم عروة بن مسعود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجع إلى قومه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني أخاف أن يقتلوك"، قال: "لو وجدوني نائماً ما أيقظوني، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إلى قومه مسلماً فرجع عشاءا فجاء ثقيف يحيونه، فدعاهم إلى الإسلام، فاتهموه وأغضبوه وأسمعوه5، فقتلوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل عروة مثل صاحب ياسين دعا قومه إلى الله فقتلوه". ثم قال الهيثمي: "رواه الطبراني، وروى عن الزهري نحوه، وكلاهما مرسل وإسنادهما حسن"6.

وذكر ابن سعد أن عروة قدم المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول سنة تسع من الهجرة، فأسلم فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامه، ونزل على أبي بكر الصديق، فلم يدعه المغيرة بن شعبة حتى حوله إليه1". وقال الواقدي: "وهو الأثبت"2. وروى الطبراني من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: 216- حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبو عبيدة بن فضيل بن عياض ثنا عبد الله3 بن معاذ الصنعاني عن معمر4 عن عثمان5 الجزري عن مقسم6 عن ابن عباس قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عروة بن مسعود إلى الطائف، فرماه رجل بسهم فقتله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما أشبه هذا بصاحب ياسين" 7". قال الهيثمي: "رواه الطبراني وفيه أبو عبيدة8 بن الفضيل وهو ضعيف"9. وقد تداول هذه القصة أصحاب المغازي والسير في كتبهم". ثم إن ثقيفا أقامت بعد قتل عروة بن مسعود أشهرا ثم تشاوروا فيما بينهم على نبذ الخلافات التي كانت بينهم، وعلى أن يتحدوا جميعا على أمر يأمنون فيه على

أنفسهم وأموالهم وذلك بأن يبعثوا وفدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم للتفاوض معه على الدخول في الإسلام، وذلك أنهم تيقنوا أن لا طاقة لهم بحرب القبائل من حولهم وقد أسلمت وبايعت، وأخذ أمر الإسلام يعلو يوما بعد يوم، وأن دولة الأصنام قد أخذت طريقها في الأفول". قال ابن إسحاق: "ثم أقامت ثقيف بعد قتل عروة أشهرا، ثم إنهم ائتمروا بينهم، ورأوا أنه لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب وقد بايعوا وأسلموا". 217- حدثني يعقوب1 بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس: "أن عمرو2 بن أمية أخا بني علاج، كان مهاجرا لعبد بن عمرو (لشيء كان بينهم) 3 - وكان عمرو بن أمية من أدهى العرب - فمشى إلى عبد ياليل ابن عمرو، حتى دخل داره، ثم أرسل إليه أن عمرو بن أمية يقول لك: "اخرج إلي، قال: "فقال عبد ياليل للرسول ويك! أعمرو أرسلك إلي؟ " قال: "نعم، وها هو واقفا في دارك4، فقال: "إن هذا لشيء ما كنت أظنه، لعمرو كان أمنع في نفسه من ذلك، فخرج إليه، فلما رآه رحب به فقال له عمرو: "إنه قد نزل بنا أمر ليست معه هجرة، إنه كان من أمر هذا الرجل5 ما قد رأيت، قد أسلمت العرب كلها6، وليست لكم بحربهم طاقة، فانظروا في أمركم".

فعند ذلك ائتمرت ثقيف بينهما، وقال بعضهم لبعض: "أفلا ترون أنه لا يأمن لكم سرب1، ولا يخرج منكم أحد إلا اقتطع، فأتمروا بينهم، وأجمعوا أن يرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا، كما أرسلوا عروة2 فكلموا عبد ياليل بن عمرو بن عمير، وكان سن عروة3 بن مسعود، وعرضوا ذلك عليه، فأبى أن يفعل، وخشي أن يصنع به إذا رجع كما صنع بعروة، فقال: "لست فاعلا حتى ترسلوا معي رجالا فأجمعوا أن يبعثوا معه رجلين من الأحلاف، وثلاثة من بني مالك فيكونوا ستة، فبعثوا مع عبد ياليل: "الحكم4 بن عمرو بن وهب بن معتب، وشرحبيل5 بن غيلان بن سلمة ابن معتب6". ومن بني مالك: "عثمان7 بن أبي العاص بن بشر بن عبد دهمان، أخا بني يسار، وأوس8 بن عوف، أخا بني سالم بن عوف ونمير9 بن خرشة بن ربيعة10 أخا بني الحارث فخرج بهم عبد ياليل11 وهو ناب12 القوم وصاحب أمرهم13، ولم يخرج بهم إلا خشية من مثل ما صنع بعروة ابن مسعود، لكي يشغل كل رجل منهم

إذا رجعوا إلى الطائف رهطه، فلما دنوا إلى المدينة، ونزلوا قناة1، ألفوا بها المغيرة بن شعبة، يرعى في نوبته ركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، - وكانت رعيتها نوبا على أصحابه صلى الله عليه وسلم- فلما رآهم ترك الركاب عند الثقفيّين، وضبر2 يشتد يبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدومهم عليه، فلقيه أبو بكر الصديق قبل أن يدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره عن ركب ثقيف أن قد قدموا يريدون البيعة والإسلام، بأن يشرط لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شروطا ويكتتبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا في قومهم وبلادهم وأموالهم، فقال أبو بكر للمغيرة: "أقسمت عليك بالله لا تسبقني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أكون أنا أحدثه3، ففعل المغيرة، فدخل أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره بقدومهم عليه، ثم خرج المغيرة إلى أصحابه، فروح الظهر معهم، وعلمهم كيف يحيون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يفعلوا إلا بتحية الجاهلية4، ولما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب عليهم قبة في ناحية مسجده5، كما يزعمون".

فكان خالد بن سعيد بن العاص، هو الذي يمشي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اكتتبوا كتابهم، وكان خالد هو الذي كتب كتابهم، وكان خالد هو الذي كتب كتابهم بيده، وكانوا لا يطعمون طعاما يأتيهم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأكل منه خالد حتى أسلموا وفرغوا من كتابهم، وقد كان فيما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدع لهم الطاغية، وهي اللات1 لا يهدمها ثلاث سنين، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك عليهم فما برحوا يسألونه سنة سنة، ويأبى عليهم، حتى سألوا شهرا واحد بعد مقدمهم، فأبى أن يدعها شيء مسمى، وإنما يريدون بذلك فيما يظهرون أن يتسلموا بتركها من سفائهم ونسائهم وذراريهم ويكرهون أن يروعوا قومهم بهدمها حتى يدخلهم الإسلام، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يبعث أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة فيهدماها، وقد كانوا سألوه مع ترك الطاغية أن يعفيهم من الصلاة، وأن لا يكسروا أوثانهم بأيديهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما كسر أوثانكم بأيديكم فسنعفيكم منه2، وأما الصلاة فإنه لا خير في دين لا

صلاة فيه، فقالوا: "يا محمد، فسنؤتيكها، وإن كانت دناءة1". فلما أسلموا وكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابهم، أمر عليهم عثمان2 بن أبي العاص، وكان من أحدثهم سنا، وذلك كان أحرصهم على التفقه في الإسلام وتعلم القرآن3، فقال أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا رسول الله، إني قد رأيت هذا الغلام منهم من أحرصهم على التفقه في الإسلام وتعلم القرآن"4". والحديث رواه الطبري من هذا الطريق5". وقال الألباني: "ضعيف ذكره ابن هشام عن ابن إسحاق معضلا، والجملة الأخيرة وصلها أبو داود وأحمد عن الحسن عن عثمان بن أبي العاص مرفوعا نحوها،

ورجاله ثقات، لكن الحسن وهو البصري مدلس وقد عنعنه1". قلت: "الحديث المشار إليه عند أبي داود وأحمد وهو أيضا عن أبي داود الطيالسي والطبراني وهذا سياقه عند أبي داود: 218- حدثنا أحمد2 بن علي بن سويد - يعني ابن منجوف - اخبرنا أبو داود3 عن حماد بن سلمة عن حميد4 عن الحسن5 عن عثمان بن أبي العاص أن وفد ثقيف لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزلهم المسجد6 ليكون أرق لقلوبهم7، فاشترطوا عليه أن لا يحشروا8 ولا يعشروا وألا يجبوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكم أن تحشروا ولا

تعشروا، ولا خير في دين ليس فيه ركوع"1. والحديث رواه أحمد وأبو داود الطيالسي والطبراني الجميع من طريق حماد بن سلمة به2". والحديث من رواية الحسن البصري عن عثمان بن أبي العاص، قال المنذري: "وقد قيل إن الحسن البصري لم يسمع من عثمان بن أبي العاص3". وكذا قال ابن حجر". وجزم علي بن المديني بسماع الحسن من عثمان بن أبي العاص4". وما ذكره ابن إسحاق وغيره في شأن وفد ثقيف قد جاء أكثره مفرقا في أحاديث كثيرة فيها الصحيح والحسن والضعيف وهي: ما رواه مسلم وغيره من حديث جابر بن عبد الله وهذا سياقه عند مسلم: 219- حدثنا يحيى بن يحيى5 وإسماعيل بن سالم قالا: "أخبرنا هشيم عن أبي بشر عن سفيان عن جابر بن عبد الله أن وفد ثقيف سألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: "إن أرضنا أرض باردة، فكيف بالغسل؟ فقال: "أما أنا فأفرغ على رأسي ثلاثا". قال ابن سالم في روايته: "حدثنا هشيم أخبرنا أبو بشر.

وقال: "إن وفد ثقيف، قالوا: "يا رسول الله"1". قال النووي: "قوله قال ابن سالم في روايته حدثنا هشيم قال حدثنا2 أبو بشر هذا فيه فائدة عظيمة من دقائق هذا العلم ولطائفه، وهي مصرحة بغزارة علم مسلم رحمه الله تعالى، ودقة نظره، وهي أن هشيما - رحمه الله تعالى - مدلس، وقد قال في الرواية المتقدمة، عن أبي بشر". والمدلس إذ قال "عن" لا يحتج به إلا إذا أثبت سماعه ذلك الحديث من ذلك الشخص، الذي عنعن عنه، فبين مسلم أنه ثبت سماعه من جهة أخرى". وهي رواية ابن سالم فإنه قال فيها: "أخبرنا أبو بشر3". اهـ". والحديث رواه أبو داود الطيالسي قال: "حدثنا هشيم عن أبي بشر به، ولفظه "أن أهل الطائف قالوا يا رسول الله إن أرضنا أرض باردة، فما يجزئنا من غسل الجنابة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما أنا فأفرغ على رأسي ثلاثا" 4. رواه الإمام أحمد من طريق أبي زبير عن جابر، فقال: "حدثنا موسى5 ثنا ابن لهيعة6 عن ابن الزبير7 قال سألت جابر عن الغسل، قال: "أتت ثقيف النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: "إن أرضنا باردة، فكيف تأمرنا بالغسل؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أما أنا فأصب على رأسي ثلاث مرات ولم يقل غير ذلك "8. وأورده الهيثمي عن أنس بن مالك ثم قال: "رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح9". بلفظ: "أن وفد ثقيف قالوا: يا رسول الله إن أرضنا أرض باردة فما يكفينا من غسل الجنابة؟ قال: "أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثا".

وأخرج أحمد أيضا من طريق أخرى فقال: "حدثنا يحيى بن آدم ثنا مفضل بن مهلهل عن مغيرة عن شباك عن الشعبي عن رجل من ثقيف قال: "سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا فلم يرخص لنا، فقلنا: "إن أرضنا باردة فسألناه أن يرخص لنا في الطهور فلم يرخص لنا وسألناه أن يرخص لنا في الدباء1 فلم يرخص لنا فيه، وسألناه أن يرد إلينا أبا بكرة فأبى وقال: "هو طليق الله وطليق رسوله" الحديث2". قال الهيثمي: "رواه أحمد ورجاله ثقات"3. ما رواه أبو داود وأحمد من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وهذا سياقه عند أبي داود قال: 220- حدثنا الحسن4 بن الصباح أخبرنا إسماعيل5 يعني بن عبد الكريم - حدثني إبراهيم6 - يعني بن عقيل بن منبه- عن أبيه7 عن وهب8 قال: "سألت

جابر عن شأن ثقيف إذ بايعت، قال: "اشترطت على النبي صلى الله عليه وسلم أن لا صدقة عليها ولاجهاد، وأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلموا" 1. والحديث حسن لذاته". ورواه أحمد قال ثنا حسن2 ثنا ابن لهيعة3 ثنا أبو الزبير قال: "سألت جابرا عن شأن ثقيف إذ بايعت". الحديث4". ما رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد وغيرهم من حديث أوس بن حذيفة وهذا سياقه عند أحمد قال: " 221- حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا عبد الله5 بن عبد الرحمن الطائفي عن عثمان6 بن عبد الله بن أوس7 الثقفي عن جده أوس بن حذيفة قال: "كنت في الوفد

الذين أتو النبي صلى الله عليه وسلم أسلموا من ثقيف1، من بني مالك أنزلنا في قبة له، فكان يختلف إلينا بين بيوته وبين المسجد، فإذا صلى العشاء الآخرة2 انصرف إلينا، ولا نبرح3 حتى يحدثنا ويشتكي قريشا ويشتكي أهل مكة ثم يقول: "لا سواء4 كنا بمكة مستذلين ومستضعفين فلما خرجنا إلى المدينة كانت سجال الحرب علينا ولنا5 فمكث عنا ليلة لم يأتينا حتى طال ذلك علينا بعد العشاء6، قال: "قلنا ما أمكثك عنا يا رسول الله؟

قال: "طرأ1 علي حزب من القرآن فأردت أن لا أخرج حتى أقضيه". قال فسألنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين أصبحنا، قال: "قلنا كيف تحزبون القرآن؟ 2". قالوا: "نحزبه ثلاث سور، وخمس سور، وسبع سور، وتسع سور، وإحدى عشرة سورة، وثلاث عشرة سورة وحزب مفصل3 من قاف حتى يختم"4. والحديث رواه أبو داود وابن ماجه وأبو داود الطيالسي والطبراني وأبو نعيم كلهم من طريق عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي به5. ورواه ابن سعد عن الضحاك بن مخلد والفضل بن دكين وعبد الملك6 بن

عمرو أبي عامر، ومحمد1 بن عبد الله الأسدي، قالوا: "حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الثقفي، قال: "حدثني عثمان بن عبد الله بن أوس". قال الفضل بن دكين ومحمد بن عبد الله وأبو عامر عن جده أوس ابن حذيفة2". وقال الضحاك بن مخلد عن عمه3 عمرو بن أوس عن أبيه، الحديث4". والحديث مدراه على عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي عن شيخه عثمان بن عبد الله، وقد قال ابن حجر: "عن عبد الله بن عبد الرحمن "صدوق يخطئ ويهم"5". وقال عن عثمان بن عبد الله "مقبول"6". ولكن عبد الله بن عبد الرحمن قد وثقه ابن حبان والعجلي، وابن المديني فيما حكى ابن خلفون78". وعثمان بن عبد الله: "وثقه ابن حبان أيضا، وقال الذهبي: "محله الصدق9". وعلى كل حال فإن قسم الحديث الأول وهو ما يتعلق بوفود ثقيف، ثابت في الأحاديث المتقدمة والأحاديث المتقدمة والأحاديث الآتية وهي:

حديث أوس أيضا عند أحمد والنسائي وابن ماجه وغيرهم وهذا سياق أحمد: 222- ثنا محمد1 بن جعفر قال ثنا شعبة عن النعمان2 بن سالم قال: "سمعت أوسا3 يقول: "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف فكنا4 في قبة فقام من كان فيها غيري وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل فساره5 فقال: "اذهب6 فاقتله". ثم قال: "أليس7 يشهد أن لا إله إلا الله، قال: "بلى، ولكنه يقولها تعوذا8 فقال: "رده، ثم قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها9 حرمت علي دماؤهم وأموالهم إلا بحقها".

فقلت لشعبة: "أليس في الحديث ثم قال: "أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، قال شعبة: "أظنها معها1 وما أدري2". والحديث صحيح وقد رواه النسائي وأبو داود الطيالسي والدارمي كلهم عن طريق شعبة عن النعمان بن سالم به3". ورواه أبو نعيم من طريق سماك بن حرب عن النعمان بن سالم به4". والحديث في هذه الطرق من رواية النعمان بن سالم قال: "سمعت أوسا بدون واسطة". ورواه النسائي وابن ماجه وأحمد الجميع من طريق حاتم بن أبي صغيرة قال: "حدثني النعمان بن سالم أن عمرو بن أوس أخبره عن أبيه5 أوس، فوسط بين النعمان وأوس (عمرو بن أوس) وحاتم ثقة6. فيخرج على أن النعمان بن سالم حمل هذا الحديث عن عمرو بن أوس عن أبيه أوس. ثم لقي أوسا بعد ذلك فحمله عنه مباشرة، فكان بعد ذلك تارة يروي الحديث عن أوس بواسطة ابنه عمرو بن أوس، وتارة يرويه عن أوس مباشرة، ولا مانع من هذا، خاصة أنّ عمرو بن أوس من شيوخ النعمان بن سالم أيضا7". ما رواه أبو داود الطيالسي من حديث أوس الثقفي قال:

223- حدثنا قيس1 عن عمير2 بن عبد الله بن عبد الملك3 بن المغيرة الطائفي عن أوس الثقفي قال: "قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف فأقمنا عنده نصف شهر، فرأيته ينفتل عن يمينه وعن يساره"4". ورواه الطحاوي من طريق قيس بن الربيع به فقال: "عن أوس بن أوس، أو أوس بن أويس، قال: "أقمت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نصف شهر فرأيته يصلي ويسلم عن يمينه وعن شماله5". قال ابن حجر: "وعندي أن أوسا هذا هو أوس بن أبي أوس الثقفي المتقدم ذكره في القسم الماضي، وهم في اسم أبيه قيس بن الربيع، وقد رواه شعبة عن النعمان بن سالم سمعت رجلا جده أوس بن أبي أوس، قال: "كان جدي يصلي فيأمرني أن أناوله نعليه ويقول رأيت رسول الله يصلي في نعليه6". ما رواه مسلم والنسائي وابن ماجه وأحمد والطبراني من حديث الشريد بن سويد وهذا سياقه عند مسلم قال: 224- حدثني يحيى7 بن يحيى أخبرنا هشيم - ح - وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا شريك8 بن عبد الله، وهشيم بن

بشير عن يعلى1 عن عطاء عن عمرو2 بن الشريد، عن أبيه قال: "كان في وفد ثقيف رجل مجذوم3، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم "إنا قد با يعناك فارجع"4. والحديث رواه النسائي وابن ماجه وأحمد كلهم من طريق هشيم عن يعلى بن عطاء به5".

ورواه أحمد أيضا والطبراني كلاهما من طريق شريك بن عبد الله عن يعلى ابن عطاء به1". والحديث مداره على هشيم وشريك وهما مدلسان وقد عنعناه2". ما رواه الطبراني من حديث عثمان ابن أبي العاص وهذا سياقه: 225- حدثنا يحيى3 بن أيوب العلاف المصري، ثنا سعيد4 بن أبي مريم ثنا محمد5 بن جعفر عن سهيل6 بن أبي صالح عن حكيم7 ابن حكيم بن عباد بن حنيف عن عثمان بن أبي العاص قال: "قدمت في وفد ثقيف حين وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبسنا حللنا بباب النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: "من يمسك لنا رواحلنا، وكل القوم أحب الدخول على النبي صلى الله عليه وسلم وكره التخلف عنه، قال عثمان: "وكنت أصغر القوم، فقلت: "إن شئتم أمسكت لكم على أن عليكم عهد الله لتمسكن لي إذا خرجتم، قالوا: "فذلك لك، فدخلوا عليه ثم خرجوا، فقالوا: "انطلق بنا، قلت: "أين؟ فقالوا: "إلى أهلك فقلت ضربت من أهلي حتى إذا حللت بباب النبي صلى الله عليه وسلم أرجع ولا أدخل عليه وقد أعطيتموني من العهد ما قد علمتم، قالوا: "فاعجل فإنا قد كفيناك المسألة، لم ندع شيئا إلا سألناه عنه، فدخلت فقلت يا رسول الله: "ادعوا الله أن يفقهني في الدين ويعلمني، قال: "ماذا قلت؟ ".

فأعدت عليه القول، فقال: "لقد سألتني شيئا ما سألني عنه أحد من أصحابك، اذهب فأنت أمير عليهم1 وعلى من تقدم من قومك وأم الناس بأضعفهم" 2. فخرجت حتى قدمت عليه مرة أخرى، فقلت يا رسول الله اشتكيت بعدك، فقال: "ضع يدك اليمنى على المكان الذي تشتكي وقل أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد سبع مرات" 3 ففعلت فشفاني الله عز وجل4".

قال الهيثمي: "رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، غير حكيم ابن حكيم بن عباد فقد وثق1". حديث عبد الرحمن بن علقمة الثقفي عند النسائي وأبي داود الطيالسي وهذا سياقه عند النسائي: " 226- أخبرنا هناد2 بن السري قال: "حدثنا أبو بكر3 بن عياش عن يحيى4 بن هانئ عن أبي حذيفة5 عن عبد الملك6 بن محمد بن بشير بن عبد الرحمن7 بن علقمة الثقفي، قال: "قدم وفد ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهم هدية،

فقال: "أهدية أم صدقة؟ 1 فإن كانت هدية فإنما يبتغى بها وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضاء الحاجة، وإن كانت صدقة فإنما يبتغى بها وجه الله عز وجل". قالوا: "لا، بل هدية، فقبلها منهم وقعد معهم يسائلهم ويسائلونه2 حتى صلى الظهر مع العصر3". والحديث رواه أبو داود الطيالسي عن أبي بكر بن عياش قال حدثنا يحيى بن هانئ به4". قال ابن حجر: "ورواه أيضا إسحاق بن راهويه ويحيى5 الحِمَّاني في مسنديهما من طريق أبي حذيفة عن عبد الملك6 بن محمد بن بشير عن عبد الرحمن بن علقمة قال: "قدم وفد ثقيف على النبي صلى الله عليه وسلم". الحديث. وأخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده من هذا الوجه. وذكره البخاري من طريق أبي حذيفة المذكور7".اهـ.

والحديث ضعيف؛ لما يأتي: أ- جهالة أبي حذيفة وشيخه عبد الملك بن محمد". ب- في سماع عبد الملك بن محمد من عبد الرحمن بن علقمة نظر، فقد قال البخاري: "عبد الملك بن محمّد بن بشير عن عبد الرحمن ابن علقمة عن النبي صلى الله عليه وسلم، حديثه في الكوفيين، ولم يتبين سماع بعضهم من بعض"1". ج- الاختلاف في صحبة عبد الرحمن بن علقمة، وإذا لم تثبت صحبته فيكون الحديث منقطعا". قال المزي: "حديث قدوم وفد ثقيف على النبي صلى الله عليه وسلم، رواه النسائي في العُمْرَى عن هناد بن السري، عن أبي بكر بن عياش، عن يحيى بن هانئ ابن عروة عن أبي حذيفة عن عبد الملك بن محمد بن بشير، عن عبد الرحمن بن علقمة به". رواه جماعة عن أبي بكر بن عياش هكذا، ولم يسموا "أبا حذيفة" ورواه أحمد بن يونس عن زهير بن معاوية عن يزيد أبي خالد الأسدي، عن عون بن أبي جحيفة، عن عبد الرحمن بن علقمة، عن عبد الرحمن بن أبي عقيل عن النبي صلى الله عليه وسلم2". ما رواه ابن ماجه من حديث عطية بن سفيان وهذا سياقه: 227- حدثنا محمد3 بن يحيى ثنا أحمد4 بن خالد الوهبي، ثنا محمد بن إسحاق عن عيسى بن عبد الله بن مالك، عن عطية5 بن سفيان بن عبد الله بن

ربيعة، قال: "ثنا وفدنا الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بإسلام ثقيف، قال: "وقدموا عليه في رمضان، فضرب عليهم قبة في المسجد فلما أسلموا صاموا ما بقي عليهم من الشهر"1". في الزوائد: "في إسناد محمد بن إسحاق، وهو مدلس، وقد رواه بالعنعنة عن عيسى بن عبد الله، قال ابن المديني: "وتفرد بالرواية عنه". وقال: "عيسى ابن عبد لله مجهول2". قلت: "في سيرة ابن هشام والروض الأنف نحو هذا الحديث وقد صرح فيه ابن إسحاق بالتحديث وهذا سياقه: حدثني عيسى3 بن عبد الله عن عطية بن سفيان بن ربيعة عن بعض وفدهم قال: "كان بلال يأتينا - حين أسلمنا وصمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بقي من رمضان - بفطرنا وسحورنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأتينا وإنا لنقول: "إنا لنرى الفجر قد طلع، فيقول: "قد تركت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتسحر، لتأخير السحور، ويأتينا بفطرنا4 وإنا لنقول: "ما نرى الشمس كلها ذهبت بعد5، فيقول: "ما جئتكم حتى أكل رسول الله

- صلى الله عليه وسلم - 1 ثم يضع يده في الجفنة فيلتقم منها"2". قال ابن حجر: "اختلف في هذا الحديث على ابن إسحاق اختلافا كثيرا فقال يونس بن بكير في زيادات المغازي، حدثني إسماعيل بن إبراهيم الأنصاري حدثني عبد الكريم حدثني علقمة بن سفيان، قال: "كنت في الوفد من ثقيف فضربت لنا قبة فكان بلال يأتينا بفطرنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم". الحديث، وكذا أخرجه البغوي والطبراني من طريق يونس بن بكير3". وقال الطبراني: "تفرد به إسماعيل، وليس كما قال، فقد رواه البزار من رواية الضحاك بن عثمان عن عبد الكريم فقال: "عن علقمة بن سهيل الثقفي، وقال: "لا نعلم له غيره4". ورواه ابن إسحاق، فقال ابن عبد البر: "اضطربوا فيه". ثم عقب ابن حجر على هذا بقوله: "قلت: "ورواه زياد البكائي عن ابن إسحاق عن عيسى عن عبد الله عن علقمة بن سفيان". ورواه إبراهيم بن مختار عن ابن إسحاق عن عيسى عن سفيان5 ابن عطية فقلبه". وقال أحمد بن خالد الذهبي عن ابن إسحاق عن عيسى عن عطية حدثنا وفدنا، أخرجه ابن ماجه، ورواية أحمد بن خالد أشبه بالصواب، فإن عطية بن سفيان تابعي معروف، ولم أقف في شيء من طرقه على تسمية والد سفيان.

وقد نسبه ابن مندة وغيره فقالوا: "علقمة بن سفيان بن عبد الله بن ربيعة الثقفي، وهذا هو نسب عطية التابعي: "ثم قال ابن حجر قلت: "قول الضحاك بن عثمان: "علقمة بن سهيل، أولى من قول إسماعيل: "علقمة بن سفيان، فإن علقمة في رواية ابن إسحاق محرف من عطية، بخلاف رواية عبد الكريم1". إهـ". والحاصل أن ابن حجر رجح رواية أحمد بن خالد الذهبي وهي رواية ابن ماجه وفيها عيسى بن عبد الله مقبول". والحديث أورده الهيثمي ثم قال: "رواه البزار والطبراني في الأوسط والكبير بنحوه، إلا أنه قال: "علقمة بن سفيان عن عبد الكريم عن علقمة، ولم أجد من اسمه عبد الكريم، وقد سمع من صحابي وبقية رجاله ثقات2". وهذه والأحاديث المتعلقة بقدوم وفد ثقيف وموقفهم من الإسلام، فيها الصحيح والحسن والضعيف كما مر ذلك مفصلا، وقد بقي علينا مما يتعلق بثقيف "هدم اللات" وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم فيما يتعلق بيد "وج" وعضاهه، وفيما يأتي بيان ذلك:

(هدم اللات) قال ابن إسحاق: "فلما فرغوا من أمرهم، وتوجهوا إلى بلادهم راجعين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم أبا سفيان بن حرب، والمغيرة بن شعبة في هدم الطاغية فخرجا مع القوم1، حتى إذا قدموا الطائف أراد المغيرة بن شعبة أن يقدم أبا سفيان، فأبى ذلك أبو سفيان عليه، وقال: "ادخل أنت على قومك، وأقام أبو سفيان بما له بذي الهدم2، فلما دخل المغيرة بن شعبة، علاها يضربها بالمعول3، وقام قومه دونه - بنو متعب - خشية أن يرمى أو يصاب كما أصيب عروة، وخرج نساء ثقيف حسرا4 يبكين عليها ويقلن:

لتبكين دفاع ... أسلمها الرضاع1 لم يحسنوا المصاع قال ابن إسحاق: "ويقول أبو سفيان - والمغيرة يضربها بالفأس: "وآهالك آهالك2 فلما هدمها المغيرة، وأخذ مالها وحليها3 أرسل إلى أبي سفيان وحليها مجموعة ومالها من الذهب والجزع4، وقد كان أبو مليح بن عروة وقارب بن الأسود قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفد ثقيف، حين قتل عروة، يريدان فراق ثقيف وأن لا يجامعاهم على شيء أبدا فأسلما، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم توليا ما شئتما؟ فقالا: "نتولى الله ورسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وخالكما أبا سفيان بن حرب"، فقالا: "وخالنا أبا سفيان بن حرب". فلما أسلم أهل الطائف ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان والمغيرة إلى هدم الطاغية، سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو مليح بن عروة أن يقضي عن أبيه عروة دينا كان عليه من مال الطاغية5، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم، فقال له قارب بن الأسود: "وعن الأسود يا رسول الله، فاقضه - وعروة والأسود أخوان لأب وأم - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الأسود مات مشركا، فقال قارب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا رسول الله، لكن تصل

مسلما ذا قرابة، يعني نفسه، إنما الدين علي، وإنما أن الذي أطلب به، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان أن يقضي دين عروة والأسود من مال الطاغية، فلما جمع المغيرة مالها، قال لأبي سفيان إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرك أن تقضي عن عروة والأسود دينهما فقضى عنهما"1".

(كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم لثقيف) . قال ابن إسحاق: "وكان كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتب لهم: 228- بسم الله الرحمن الرحيم: "من محمد النبي، رسول الله، إلى المؤمنين: "عن عضاه1 وج وصيده لا يعضد، من وجد يفعل شيئا من ذلك فإنه يجلد وتنزع ثيابه، فإن تعدى ذلك فإنه يؤخذ فيبلغ به إلى النبي محمد، وإن هذا أمر النبي محمّد صلى الله عليه وسلم، وكتب خالد بن سعيد: "بأمر الرسول محمّد بن عبد الله، فلا يتعداه أحد، فيظلم نفسه فيما أمر به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم" 2". هكذا ذكر ابن إسحاق بدون إسناد". وقد جاء في "وج" أيضا حديث عروة بن الزبير عن أبيه عند أبي داود وأحمد والحميدي والبيهقي وهذا سياقه عند أبي داود:

229- حدثنا حامد1 بن يحيى أخبرنا عبد الله2 بن الحارث عن محمد3 بن عبد الله بن إنسان الطائفي عن أبيه4 عن عروة بن الزبير عن الزبير قال: "لما أقبلنا5 مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من لية6 حتى إذا كنا عند السدرة7 وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في طرق قرن8 الأسود حذوها9، فاستقبل نخبا10 ببصره11 مرة واديه12، ووقف حتى اتقف13 الناس كلهم، ثم قال: "إن صيد وج وعضاهه حرم محرم الله،

وذلك قبل1 نزوله الطائف وحصاره لثقيف"2". والحديث أخرجه أحمد والحميدي كلاهما عن عبد الله بن الحارث ابن عبد الملك حدثني محمد بن عبد الله بن إنسان الطائفي عن أبيه به3". وأخرجه البيهقي من طريق الحميدي4". والحديث فيه علتان: الأولى: "محمد بن عبد الله بن إنسان وأبوه عبد الله بن إنسان، فقد ساق البخاري هذا الحديث في ترجمة محمد بن إنسان، ثن قال: "ولم يتابع عليه". وقال في ترجمة والده "عبد الله بن إنسان عن عروة بن الزبير عن أبيه"، روى عنه ابنه محمد "لم يصح حديثه"5". وقال أبو حاتم: "محمد بن عبد الله بن إنسان ليس بالقوي، وفي حديثه نظر ولم يذكر في عبد الله جرحا ولا تعديلا6". وقد لينهما ابن حجر كما تقدم7. الثانية: "الانقطاع بين عروة وأبيه، فقد قال ابن قيم الجوزية: "في سماع عروة من أبيه نظر، وإن كان قد رآه"8. وقال الدارقطني: "لا يصح سماعه من أبيه"9.

وهي علة قادحة تمنع صحة الحديث بمفردها، كيف وقد انضم إليها ضعف محمد بن إنسان وأبيه". والخلاصة: "أنه ورد في "وج" حديثان: الأول: "ما ذكره ابن إسحاق وهو بدون إسناد". الثاني: "حديث عروة عن أبيه، وقد سمعت ما فيه". ومن هنا اختلف العلماء في "وج" هل هو حرم أم لا، فذهب جمهور العلماء إلى أنه ليس بحرم، وأن الحديث الوارد فيه ضعيف لا تقوم بمثله حجة، تفرد به عبد الله بن إنسان وهو ضعيف ولا متابع له". قال الخطابي: "ولست أعلم لتحريمه وجها إلا أن يكون ذلك التحريم إنما كان في وقت معلوم وفي مدة محصورة ثم نسخ، ويدل على ذلك قوله "وذلك قبل نزوله الطائف وحصاره ثقيفا، ثم عاد الأمر إلى الإباحة كسائر بلاد الحل، ومعلوم أن عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزلوا بحضرة الطائف وحصروا أهلها ارتفقوا بما نالته أيديهم من شجر وصيد ومرفق، فدل ذلك على أنها حل مباح، وليس يحضرني في هذا وجه غير ما ذكرته"1.اهـ قال في عون المعبود: "وفي ثبوت هذا القول أي كون تحريم "وج" قبل نزول الطائف نظر، لأن محمد بن إسحاق ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب لثقيف كتابا وفيه "تحريم صيد وج وعضاهه وكان ذلك بعد وقعة الطائف وبعد إسلام أهلها"2". اهـ". وقد صحح الشافعي حديث الباب وعمل بمقتضاه". فقد أورد الذهبي الحديث في ترجمة عبد الله بن إنسان، ثم قال: "صحح الشافعي حديثه واعتمده3". قلت: "وصححه الساعاتي4".

وقال ابن حجر: "سكت عليه أبو داود، وحسنه المنذري1". وسكت عليه عبد الحق2، فتعقبه ابن القطان3 بما نقل عن البخاري أنه لم يصح وكذا قال الأزدي4". اهـ5". وقال ابن تيمية - في أثناء كلامه عن الحرم المكي والمدني: "وليس في الدنيا حرم لا بيت المقدس ولا غيره، إلا هذان الحرمان، ولا يسمى غيرهما حرما كما يسمي الجهال، فيقولون: "حرم المقدس، حرم الخليل فإن هذين وغيرهما ليسا بحرم باتفاق المسلمين، والحرم المجمع عليه حرم مكة". وأما المدينة فلها حرم أيضا عند الجمهور، كما استفاضت بذلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتنازع المسلمون في حرم ثالث: "إلا في "وج" وهو واد بالطائف، وهو عند بعضهم حرم، وعند الجمهور ليس بحرم"6". وقال محمد الأمين الشنقيطي: "اعلم أن جماهير العلماء على إباحة صيد "وج" وقطع شجره". وقال الشافعي رحمه الله تعالى: "أكره صيد وج، وحمله المحققون من أصحابه على كراهة التحريم، واختلفوا فيه على قول بحرمته، هل فيه جزاء كحرم المدينة، أو لا شيء فيه؟ ولكن يؤدب قاتله، وعليه أكثر الشافعية، ثم قال: "وحجة من قال بحرمة صيد "وج" ما رواه أبو داود". وأحمد والبخاري في التاريخ، عن الزبير بن العوام - رضي الله عنه -". "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صيد وج محرم" الحديث.

ثم ذكر ما قاله البخاري والذهبي وابن حجر في هذا الحديث، ثم قال: "فإذا عرفت هذا ظهر لك أن حجة الجمهور في إباحة صيد وج، وشجره كون الحديث لم يثبت، والأصل براءة الذمة1". وبهذا يكون صيد وج وشجره حلالا، لعدم نهوض الدليل الدال على المنع من ذلك". وخير ما نختم به هذا المبحث أن نذكر بعضا من الأحكام الفقهية التي ذكرها العلامة ابن قيم الجوزية فقال: وفي قصة هذا الوفد من الفقه أن الرجل من أهل الحرب إذا غدر بقومه وأخذ أموالهم، ثم قدم مسلما، لم يتعرض له الإمام، ولا لما أخذه من المال ولا يضمن ما أتلفه قبل مجيئه من نفس ولا مال، كما لم يتعرض النبي صلى الله عليه وسلم لما أخذ المغيرة من أموال الثقفيّين، ولا ضمن أتلفه عليهم، وقال "أما الإسلام فأقبل، أما المال فلست منه في شيء2، ومنها جواز إنزال المشرك في المسجد3، ولا سيما إذا كان يرجو إسلامه، وتمكينه من سماع القرآن، ومشاهدة أهل الإسلام وعبادتهم". ومنها: "حسن سياسة الوفد، وتلطفهم حتى تمكنوا من إبلاغ ثقيف ما قدموا به فتصوروا لهم بصورة المنكر لما يكرهونه الموافق لهم فيما يهوونه حتى ركنوا إليهم واطمانوا فلما علموا أنه ليس لهم بد من الدخول في دعوة الإسلام أذعنوا، فأعلمهم الوفد أنهم بذلك قد جاؤوهم ولو فاجؤوهم به من أول وهلة لما أقروا به، ولا أذعنوا، وهذا من أحسن الدعوة وتمام التبليغ، ولا يتأتي إلا مع ألباء الناس وعقلائهم". ومنها: "أن المستحق لإمرة القوم وإمامتهم أفضلهم وأعلمهم بكتاب الله وأفقههم في دينه".

ومنها: "هدم مواضع الشرك التي تتخذ بيتا للطواغيت، وهدمها أحب إلى الله ورسوله، وانفع للإسلام والمسلمين من هدم الحانات والمواخير1، وهكذا حال المشاهد المبينة على القبور التي تعبد من دون الله، ويشرك بأربابها مع الله لا يحل إبقاؤها في الإسلام، ويجب هدمها، ولا يصح وقفها، ولا الوقف عليها، وللإمام أن يقطعها وأوقافها لجند الإسلام، ويستعين بها على مصالح المسلمين، وكذلك ما فيها من الآلات، والمتاع والنذور التي تساق إليها". يضاهى بها الهدايا التي تساق إلى البيت الحرام، للإمام أخذها كلها وصرفها في مصالح المسلمين، كما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم أموال بيوت هذه الطواغيت، وصرفها في مصالح الإسلام، وكان يفعل عندها ما يفعل عند هذه المشاهد، سواء من النذور لها، والتبرك بها، والتمسح بها، وتقبيلها واستلامها، هذا كان شرك القوم بها، ولم يكونوا يعتقدون أنها خلقت السماوات والأرض، بل كان شركهم بها كشرك أهل الشرك من أرباب المشاهد بعينه". ومنها: "استحباب اتخاذ المساجد مكان بيوت الطواغيت، فيعبد الله وحده، لا يشرك به شيء في الأمكنة التي كان يشرك به فيها2 وهكذا الواجب في مثل هذه المشاهد أن تهدم، وتجعل مساجد إن احتاج إليها المسلمون وإلا أقطعها الإمام هي وأوقافها للمقاتلة وغيرهم". ومنها: "أن العبد إذا تعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وتفل عن يساره، ولم يضره ذلك، ولا يقطع صلاته3، بل هذا من تمامها وكمالها4".

_ 1 الحانوت: "دكان الخمار، ومحل التجارة وجمعه حوانيت، والحانة البيت الذي يباع فيه الخمر وهو الحانوت أيضا ويجمع على حانات". والمواخر والمواخير: "مجمع أهل الفسق والفساد". (المصباح المنير 1/190-191والقاموس المحيط 1/146 والمعجم الوسيط 1/201، و2/857) . 2 تقدم في الحاشية ص 466 تعليقة (1) حديث عثمان بن أبي العاص الثقفي، في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم له أن يجعل مسجد الطائف حيث كانت طاغيتهم". 3 الحديث الوارد في هذا في صحيح مسلم وقد تقدم في حاشية ص 481 تعليقة (3) . 4 زاد المعاد 3/600-602".

الباب الثالث: في بيان أبرز الأحكام المستنبطة من غزوة حنين

الباب الثالث: في بيان أبرز الأحكام المستنبطة من غزوة حنين عقدت هذا الباب لبيان بعض الأحكام الفقهية التي تضمنتها هذه الغزوة وأحكامها كثيرة متشعبة". وبما أن بحثي خاص بالناحية الحديثية والتاريخية، فقد رأيت أن أجتزئ بذكر الأحكام البارزة مع الإيجاز في تناولها، ولا شك أن بيان تواريخ التشريعات يخدم الناحية الفقهية والأصولية، كما يخدم الناحية التاريخية، فالتاريخ لهذه التشريعات يعرف الناسخ والمنسوخ عند التعارض، كما تتبين الظروف والملابسات التي أحاطت بالتشريع مما يفيد في معرفة علل الأحكام".

الحكم الأول: جواز وطء المسبية بعد الاستبراء

الحكم الأول: جواز وطء المسبية بعد الاستبراء لقد كان وطء السبايا بملك اليمين معلوما لدى الصحابة - رضي الله عنهم - لكثرة حروبهم وأخذ الأسرى من المشركين، وإنما التبس عليهم الأمر في غزوة حنين حيث أن المسبيات ذوات أزواج في قومهن وبعضهم معروف لدى الصحابة - رضوان الله عليهم -، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنَزلت الآية من سورة النساء بإباحة ذلك". وهذا هو ما دل عليه حديث أبي سعيد الخدري عند مسلم وغيره". وهذا سياقه عند مسلم: 230- حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة القواريري حدثنا يزيد ابن زريع حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن صالح1 أبي الخليل عن أبي علقمة2 الهاشمي عن أبي سعيد الخدرس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ، يوم حنين بعث جيشا إلى أوطاس3 فلقوا عدوا، فقاتلوهم، فظهروا عليهم4 وأصابوا لهم سبايا5 فكأن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحرجوا6 من غشيانهن من أجل أزواجهن

من المشركين1، فأنزل الله عز وجل في ذلك: {وَالْمُحْصَنَاتُ2 مِنَ النِّسَاءِ إِلاّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ، [سورة النساء، من الآية: "24] . أي فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن". وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى وابن بشار3 قالوا: "حدثنا عبد الأعلى4 عن سعيد5 عن قتادة عن أبي الخليل، أن أبا علقمة الهاشمي حدث أن أبا سعيد الخدري حدثهم، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم بعث يوم حنين سرية، بمعنى حديث يزيد بن زريع، غير أنه قال: "إلا ما ملكت أيمانكم منهن فحلال لكم، ولم يذكر: "إذا انقضت عدتهن".

وحدّثنيه يحيى1بن حبيب الحارثي حدثنا خالد2 (يعني ابن الحارث) حدثنا شعبة عن قتادة بهذا الإسناد، نحوه". وحدثنيه يحيى بن حبيب الحارثي حدثنا خالد بن الحارث حدثنا شعبة عن قتادة عن أبي الخليل عن أبي سعيد قال: "أصابوا سبايا يوم أوطاس لهن أزواج فتخوفوا فأنزلت هذه الآية: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ، [سورة النساء، من الآية: "24] . وحدثني يحيى بن حبيب حدثنا خالد (يعني ابن الحارث) حدثنا سعيد عن قتادة، بهذا الإسناد، نحوه3". والحديث فيه قتادة وهو مدلس وقد عنعن ولكن في الطريق الثانية روى عنه شعبة، ويحمل حديث شعبة عن قتادة على السماع جزما4". وقد تابعه عثمان البتى عند الترمذي وأبي يعلى والطبري والواحدي في شيخه أبي الخليل. والحديث رواه أبو داود والنسائي وأحمد والطبري والبيهقي والواحدي". الجميع من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن صالح أبي خليل عن أبي علقمة الهاشمي عن أبي سعيد الخدري به5. ورواه الترمذي وأبو يعلى كلاهما من طريق هشيم بن بشير أخبرنا عثمان6 البتي عن أبي الخليل عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - به7".

فأسقط "أبا علقمة الهاشمي". ثم قال الترمذي: "هذا حديث حسن". وهكذا رواه الثوري عن عثمان البتي عن أبي الخليل عن أبي سعيد". وأبو الخليل اسمه صالح بن أبي مريم". وروى همام1 هذا الحديث عن قتادة عن صالح أبي الخليل، عن أبي علقمة الهاشمي عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، حدثنا بذلك عبد2 بن حميد أخبرنا حبان3 بن هلال أخبرنا همام، هكذا قال الترمذي في كتاب النكاح، وفي كتاب التفسير ساق طريق هشيم بن بشير الخالية من ذكر "أبي علقمة". ثم قال: "وهكذا روى الثوري عن عثمان البتي عن أبي الخليل، عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه". وليس في الحديث عن "أبي علقمة" ولا أعلم أن أحداً ذكر أبا علقمة في الحديث إلا ما ذكر "همام عن قتادة"4.اهـ. قلت: "حديث الثوري المشار إليه: أخرجه الطبري وأبو يعلى والواحدي من طريق أبي يعلى5.

وكذا روى الطبراي والواقدي من طريق أشعث1 بن سوار عن عثمان البتي عن أبي الخليل عن أبي سعيد الخدري2". وأخرجه الطبري أيضا من طريق معمر عن قتادة عن أبي الخليل عن أبي سعيد الخدري قال: "نزلت في يوم أوطاس، أصاب المسلمون سبايا لهن أزواج في الشرك، فقال: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ، [سورة النساء، من الآية: 24] . يقول: "إلا ما أفاء الله عليكم، قال: "فاستحللنا بها فروجهن". وحديث همام بن يحيى أخرجه الترمذي نفسه في التفسير3، وأبو يعلى في مسنده4". والحاصل أن سفيان الثوري وأشعث بن سوار وهشيم بن بشير رووا هذا الحديث عن عثمان البتي عن أبي الخليل عن أبي سعيد الخدري بإسقاط "أبي علقمة". وقد وافق عثمان البتي على هذا قتادة عند مسلم من طريق شعبة وعند الطبري من طريق معمر كلاهما عن قتادة عن أبي الخليل عن أبي سعيد الخدري بإسقاط "أبي علقمة" بين الخليل وأبي سعيد". ورواه همام بن يحيى وسعيد بن أبي عروبة وشعبة الجميع عن قتادة عن أبي الخليل عن أبي علقمة الهاشمي عن أبي سعيد الخدري". فقد تابع هماما "في ذكر أبي علقمة" سعيد بن أبي عروبة زشعبة كما هو عند مسلم وغيره". وليس كما قال الترمذي - رحمه الله - بأن هماما وحده هو الذي ذكر "أبا علقمة" في هذا الحديث5، بل تابعه عليه اثنان وهما شعبة وسعيد بن أبي عروبة6".

قال النووي في أثناء شرحه للحديث: "قوله: "حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن صالح أبي الخليل عن أبي علقمة الهاشمي عن أبي سعيد الخدري". وفي الطريق الثاني: "عن عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن أبي الخليل عن أبي علقمة عن أبي سعيد الخدري". وفي الطريق الآخر عن شعبة عن قتادة عن أبي الخليل عن أبي سعيد الخدري من غير ذكر أبي علقمة". هكذا هو في جميع نسخ بلادنا، وكذا ذكره أبو علي الغساني1عن رواية الجلودي2 وابن ماهان3". قال: "وكذا ذكره أبو مسعود4 الدمشقي، قال: "ووقع في نسخة ابن الحذاء5 بإثبات "أبي علقمة" بين أبي خليل وأبي سعيد". قال الغساني: "ولا أدري ما صوابه.

وقال القاضي عياض: "قال غير الغساني إثبات أبي علقمة هو الصواب". ثم قال النووي: "قلت ويحتمل أن إثباته وحذفه كلاهما صواب، ويكون أبو الخليل سمع بالوجهين، فرواه تارة كذا، وتارة كذا، وقد سبق في أول الكتاب بيان أمثال هذا1". حديث أبي سعيد الخدري أيضا عند أبي داود وأحمد وغيرهما وهذا سياقه عند أبي داود قال: " 231- حدثنا عمرو2 بن عون أنبأنا شريك3 عن قيس4 بن وهب عن أبي الوداك5 عن أبي سعيد الخدري، ورفعه أنه قال في سبايا أوطاس6: "لا توطأ7 حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة" 8.

والحديث رواه الدارمي والدارقطني والحاكم والبيهقي الجميع من طريق شريك بن عبد الله به1". وقال الحكام: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وسكت عنه الذهبي". والحديث مداره على شريك بن عبد الله القاضي، وقد قال فيه ابن حجر: "صدوق يخطئ كثيرا، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة"2". وقد صحح هذا الحديث الحاكم وسكت عنه الذهبي". وقال عنه ابن حجر: "إسناده حسن3". وتبعه الشوكاني4. وللحديث شواهد يرتقي بها إلى درجة الصحيح لغيره وهي: "ما رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" من مرسل الشعبي وهذا سياقه: 232- حدثنا أبو خالد5 الأحمر عن داود6 قال: "قلت للشعبي7 إن أبا موسى8 نهى يوم تستر9 أن لا توطأ الحبلى، ولا يشارك المشركون في أولادهم فإن الماء يزيد في الولد، هو شيء قاله برأيه، أو رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أوطاس أن توطأ حامل حتى تضه أو حائل10 حتى تستبرأ " 11".

ورواه عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن زكريا1 عن الشعبي قال: "أصاب المسلمون نساء يوم أوطاس، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يقعوا على حامل حتى تضع ولا غير حامل حتى تحيض حيضة"2. قال الألباني: "إسناده مرسل صحيح، فهو شاهد3 قوي للحديث4". 233- ما رواه عبد الرزاق أيضا عن معمر عن عمرو5 بن مسلم عن طاوس6 قال: "أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا في بعض مغازيه: "لا يقعن رجل على حامل، ولا حائل حتى تحيض" 7". حديث روفيع عند أبي داود وأحمد وغيرهما وهذا سياقه عند أحمد: 234- حدثنا يعقوب8 قال حدثنا أبي9 عن ابن إسحاق10 قال: "حدثني

يزيد1 بن حبيب عن أبي مرزوق2 مولى تجيب3 عن حنش4 الصنعاني قال: "غزونا مع روفيع5 بن ثابت الأنصاري قرية من قرى المغرب يقال لها "جربة"6 فقام فينا خطيبا7 فقال: "أيها الناس إني لأقول فيكم8 إلا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فينا يوم حنين، فقال: "لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر يسقي ماءه زرع غيره 9 يعني - إتيان الحبالى من السبايا - وأن يصيب10 امرأة ثيبا من السبي حتى يستبرئها - يعني إذا اشتراها - وأن يبيع مغنماً حتى يقسم 11 وأن يركب دابة من فيء

المسلمين حتى إذا أعجفها1 ردها فيه، وأن يلبس ثوبا من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه2 رده فيه"3. والحديث رواه أبو داود عن النفيلي4 عن محمد5 بن سلمة عن محمد بن إسحاق حدثني يزيد بن أبي حبيب". الخ". ثم قال: "حدثنا سعيد6 بن منصور حدثنا أبو معاوية7 عن ابن إسحاق بهذا الحديث قال: "حتى يستبرئها بحيضة" زاد فيه: "بحيضة" وهو وهم من أبي معاوية8". وهو صحيح في حديث أبي سعيد". ثم قال: "قال أبو داود: "الحيضة ليست بمحفوظة" وهو وهم من أبي معاوية9".

ورواه الطبراني من طريق إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب به1". دون ذكر السبايا". ورواه البيهقي من طريق يونس2 بن بكير عن محمد بن إسحاق، ومن طريق أبي داود عن النفيلي عن محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق، ثم ساق حديث محمد بن إسحاق الوارد فيه أن خطبة رويفع كانت يوم "حنين". ثم قال: "وفي رواية ابن بكير قال: "غزونا مع أبي3 رويفع الأنصاري، فذكره وقال: "يوم "خيبر" وزاد أن يصيب امرأة من السبي ثيبة". والصحيح رواية محمد بن سلمة4". والحديث رواه الدارمي والطبراني وأحمد5 بن خالد الوهبي ثنا محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب به6". وابن سعد من طريق عبد الله بن المبارك عن ابن إسحاق عن يزيد ابن أبي حبيب عن فلان7 الجيشاني أو قال عن أبي مرزوق مولى تجيب عن حنش عن رويفع به8". وابن حبان من طريق ربيعة9 بن سليم التجيبي عن حنش بن عبد الله

الشيباني1 عن رويفع به". الجميع بلفظ "يوم خيبر"2 دون ذكر السبايا". ورواه الطبراني من طريق ربيعة بن أبي سليم أنه سمع حنشا الصنعاني يحدث عن رويفع به3". وأحمد من طريق الحارث4 بن يزيد عن حنش الصنعاني عن رويفع به5". وابن الجارود من طريق أبي مرزوق التجيبي عن حنش الصنعاني عن رويفع به6". والترمذي من طريق ربيعة7 عن سليم عن بسر8 بن عبيد الله عن رويفع بن ثابت به". بدون تقييد بغزوة خيبر أو حنين". ثم قال الترمذي: "هذا حديث حسن". وقد روي من غير وجه عن وريفع بن ثابت". والعمل على هذا عند أهل العلم، لا يرون للرجل، إذا اشترى جارية وهي حامل، أن يطأها حتى تضع9". وفي الباب عن ابن عباس10

وأبي الدرداء1 والعرباض2 بن سارية، وأبي سعيد3". وحديث رويفع قد حسنه الترمذي كما تقدم4". حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند الطبراني من طريق: 235- بقية بن الوليد عن إسماعيل بن عياش عن الحجاج بن أرطاة عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى في وقعة أوطاس أن يقع الرجل على الحامل حتى تضع" ثم قال الطبراني: لم يروه عن داود بن أبي هند إلا الحجاج، تفرد به إسماعيل بن عياش ولا رواه عن إسماعيل إلا بقية5". قال الهيثمي: "رواه الطبراني في الصغير والأوسط وفيه بقية6 والحجاج7 بن أرطاة وكلاهما مدلس8".

وقد ذهب الألباني إلى أن حديث أبي سعيد الخدري صحيح بمجموع هذه الطرق1". وهذه الأحاديث تدل على جواز وطء السبايا بوضع الحمل من ذوات الأحمال وبحيضة من غير ذوات الأحمال، وعلى أنه لا يجوز الوطء قبل الاستبراء، وفي أثناء الحمل". وتدل أيضا على أن النكاح الأول يبطل بوقوع السبي، سواء سبيت المرأة وحدها أم مع زوجها، سواء كانت المسبية كتابية أم غير كتابية، كما هو الظاهر من هذه الأحاديث". ثم إن جمهور العلماء على إباحة وطء الأمة الكتابية بملك يمين، لعموم قوله تعالى: {إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} ، [سورة المؤمنون، من الآية: "6] ، ولجواز نكاح حرائرهم فيحل التسري بالإماء منهم، وأما إن كانت الأمة المملوكة مجوسية أو عابدة وثن ممن لا يحل نكاح حرائرهم، فجمهور العلماء على منع وطئها بملك يمين حتى تسلم". قال النووي: "واعلم أن مذهب الشافعي ومن قال بقوله من العلماء أن المسبية من عبدة الأوثان وغيرهم من الكفار الذين لا كتاب لهم، لا يحل وطؤها بملك اليمين حتى تسلم، فما دامت على دينها فهي محرمة". وهؤلاء المسبيات كن من مشركي العرب2 عبد الأوثان، فيؤول هذا الحديث3 وشبهه على أنهن أسلمن، وهذا التأويل لا بد منه والله أعلم"4". أهـ". وأورد الشنقيطي نحو هذا ثم قال: "قال مقيده عفا الله عنه: "الذي يظهر من جهة الدليل - والله تعالى أعلم - جواز وطء الأمة بملك اليمين وإن كانت عابدة وثن أو مجوسية، لأن أكثر السبايا في عصره صلى الله عليه وسلم من كفارالعرب وهم عبدة أوثان، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرم وطأهن بالملك لكفرهن، ولو كان حراما لبينه، بل قال صلى الله عليه وسلم: "لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة" ولم يقل حتى يسلمن ولو كان ذلك شرطا لقاله".

"وقد اخذ الصحابة السبايا فارس وهم مجوس، ولم ينقل أنهم اجتنبوهن حتى أسلمن"1. وقد رد ابن القيم على القائلين باشتراط الإسلام، فإنه أورد حديث أبي سعيد الخدري الوارد في سبايا أوطاس ثم قال: "ودل هذا القضاء النبوي على جواز وطء الإماء الوثنيات بملك اليمين، فإن سبايا أوطاس لم يكن كتابيات، ولم يشترط رسول الله صلى الله عليه وسلم في وطئهن إسلامهن، ولم يجعل المانع منه إلا الاستبراء فقط، وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع مع أنهم حديثو عهد بالإسلام حتى خفي عليهم حكم هذه المسألة وحصول الإسلام من جميع السبايا وكانوا عدة آلاف بحيث لم يتخلف منهم عن الإسلام جارية واحدة مما يعلم أنه في غاية البعد، فإنهن لم يكرهن على الإسلام، ولم يكن لهن من البصيرة والرغبة والمحبة في لإسلام ما تقتضي مبادرتهن إليه جميعا، فمقتضى السنة، وعمل الصحابة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده جواز وطء المملوكات على أي دين كن، وهذا مذهب طاوس وغيره". ومما يدل على عدم اشتراط إسلامهن، ما روى الترمذي في "جامعه" عن عرباض بن سارية، أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم وطء السبايا حتى يضعن ما في بطونهن"2". فجعل للتحريم غاية واحدة وهي وضع الحمل، ولو كان متوقفا على الإسلام لكان بيانه أهم من بيان الاستبراء". وفي (السنن) و (المسند) "لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها" 3". ولم يقل: "حتى تسلم، ولأحمد: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا ينكحن شيئا من السبايا حتى تحيض"4". ولم يقل: "تسلم". وفي (السنن) "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبايا أوطاس: "لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير حامل حتى تحيض حيضة واحدة".

"ولم يقل: "وتسلم، فلم يجيء عنه اشتراط إسلام المسبية في موضع واحد البتة"1". وقال في أثناء الكلام على سبايا بنى المصطلق في وقوع جويرية أم المؤمنين في سهم ثابت بن قيس وهي من صريح العرب، ولم يكونوا يتوقفون في وطء سبايا العرب على الإسلام، بل كانوا يطؤونهن بعد الاستبراء، وأباح الله لهم ذلك، ولم يشترط الإسلام، بل قال تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ، [النساء، من الآية: "24] . فأباح وطء ملك اليمين، وإن كانت محصنة إذا انقضت عدتها بالاستبراء". وقال له سلمة بن الأكوع، لما استوهبه الجارية الفزارية من السبي: "والله يا رسول الله: "لقد أعجبتني، وما كشفت لها ثوبا"2 ولو كان وطؤها حراما قبل الإسلام عندهم، لم يكن لهذا القول معنى، ولم تكن قد أسلمت، لأنه قد فدى بها ناسا من المسلمين بمكة، والمسلم لا يفادى به، وبالجملة فلا نعرف في أثر واحد قط اشتراط الإسلام منهم قولا أو فعلا في وطء المسبية، فالصواب الذي كان عليه هديه وهدي أصحابه استرقاق العرب، ووطء إمائهن المسبيات بملك اليمين من غير اشتراط الإسلام"3". إهـ". وهذا الذي ذهب إليه ابن القيم واضح في غاية الوضوح، وقد رجحه الشوكاني أيضا4". ومما اختلفوا فيه، في هذا الباب: 1- هل جواز وطء المسبية وانفساخ نكاحها من زوجها الكافر، مشروط بسبيها وحدها، أو ذلك يحصل ولو سبيت مع زوجها؟ ذهب الشافعي إلى العموم فقد نقل عنه البيهقي قوله: "سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبي أوطاس وسبي بني المصطلق وأسر من رجال هؤلاء وهؤلاء، وقسم السبي فأمر أن لا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تحيض ولم يسأل عن ذات زوج ولا غيرها، ولا هل سبي زوج مع امرأته ولا غيره"5.إهـ.

ورجح هذا ابن القيم ورد على القائلين بخلافه1. وقال الخطابي2 في "المعالم" في الحديث3 بيان أن الزوجين إذا سبيا معا فقد وقعت الفرقة بينهما كما لو سبى أحدهما دون الآخر، وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وأبو ثور4". واحتجوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم السبي وأمر أن لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض، ولم يسأل عن ذات زوج وغيرها، ولا عمن كانت سبيت منهن مع الزوج أو وحدها، فدل على أن الحكم في ذلك واحد". وقال أبو حنيفة: "إذا سبيا جميعا فهما على نكاحهما5". إهـ. وقال ابن قدامة: "وإذا سبي المتزوج من الكفار لم يخل من ثلاثة أحوال: أحدها: "أن يسبي الزوجان معا فلا ينفسخ نكاحهما وبهذا قال أبو حنفية والأوزاعي. وقال مالك والثوري والليث والشافعي وأبو ثور ينفسخ نكاحهما لقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ، [النساء، من الآية: "24] ، والمحصنات المتزوجات "إلا ما ملكت أيمانكم" بالسبي، قال أبو سعيد الخدري: "نزلت هذه الآية في سبي أوطاس، وقال ابن عباس: "إلا ذوات الأزواج من المسبيات، ولأنه استولى على محل حق الكافر فزال ملكه كما لو سباها وحدها". الحال الثاني: "أن تسبي المرأة وحدها فينفسخ النكاح بلا خلاف علمناه، والآية دالة عليه، وقد روى أبو سعيد الخدري، قال: "أصبنا سبايا يوم أوطاس ولهن أزواج في قومهن فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنَزلت: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ، [النساء، من الآية: "24] . إلا أن أبا حنيفة قال: "إذا سبيت المرأة وحدها ثم سبى زوجها بعدها بيوم لم ينفسخ النكاح".

الحال الثالث: "سبي الرجل وحده فلا ينفسخ النكاح لأنه لا نص فيه ولا القياس يقتضيه، وقد سبى النبي صلى الله عليه وسلم سبعين من الكفار يوم بدر فمن على بعضهم وفادى بعضا فلم يحكم عليهم بفسخ أنكحتهم1". إهـ". فأنت ترى أن القائلين بعدم فسخ النكاح فيما إذا سبيا معا، هم أبو حنيفة وأحمد والأوزاعي، وقد مال صاحب المغني إلى هذا ودافع عنه". والظاهر في هذا أن الصواب ما ذهب إليه الشافعي ومالك وغيرهما لما سبق بيانه والله أعلم". 2- هل بيع الأمة يكون طلاقا لها من زوجها أخذا بعموم قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ، [النساء، من الآية: "24] . ذهب جماعة من العلماء إلى الأخذ بعموم الآية ورأوا أن بيع الأمة طلاق لها من زوجها2". قال ابن كثير: "وقد خالفهم الجمهور قديما وحديثا، فرأوا أن بيع الأمة ليس طلاقا لها، لأن المشتري نائب عن البائع، والبائع كان قد أخرج عن ملكه هذه المنفعة3، وباعها مسلوبة عنها، واعتمدوا في ذلك على حديث بريرة4 المخرج في الصحيحين وغيرهما فإن عائشة اشترتها واعتقتها ولم ينفسخ نكاحها من زوجها مغيث، بل خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الفسخ والبقاء، فاختارت الفسخ، فلو كان بيع الأمة طلاقها كما قال هؤلاء، ما خيرها النبي صلى الله عليه وسلم، فلما خيرها دل على بقاء النكاح وأن المراد من الآية المسبيات فقط"5". وقال الشنقيطي: "وهو التحقيق في هذه المسألة"6. إهـ. قلت: "وهو الظاهر المتبادر من النصوص، والله أعلم".

_ (المغني 8/427 باختصار وتصرف، والإنصاف 4/135-136) . 2 ممن قال بهذا من الصحابة رضوان الله عليهم: "عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله، وأبي بن كعب، وأنس بن مالك ومن التابعين: "إبراهيم النخعي، والحسن البصري، وسعيد بن المسيب". انظر: " (جامع البيان للطبري 5/2-4، وتفسير ابن كثير: "1/473-474) . 3 حيث زوجها لغيره". 4 حديث بريرة في صحيح البخاري (7/42 كتاب الطلاق، باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في زوج بريرة وصحيح مسلم 2/1143 كتاب العتق، باب إنما الولاء لمن أعتق) . (تفسير ابن كثير 1/473-474، والبداية والنهاية له 4/339-340) . (أضواء البيان 1/282) .

الحكم الثاني: وقوع العزل في أوطاس

الحكم الثاني: وقوع العزل في أوطاس العزل هو نزع الذكر بعد الإيلاج لينْزل خارج الفرج، وكان الصحابة يفعلون ذلك مع الإماء خشية أن تحمل الأمة فيمتنع بيعها لأنها تصير بذلك أم ولد1". وقد جاء في هذا ما رواه الطّحاوي من حديث أبي سعيد الخدري وهذا سياقه: 236- قال: "حدثنا نصر2 بن مرزوق قال ثنا الخصيب3 وقال ثنا وهيب4 عن موسى5 بن عقبة عن محمد6 بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز7 عن أبي سعيد8 الخدري أنهم أصابوا سبايا يوم أوطاس، فأرادوا أن يستمعوا منهن ولا تحملهن، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: "لا عليكم أن لا تفعلوا، فإن الله عز وجل قد كتب من هو خالق إلى يوم القيامة" 9".

وما رواه أحمد وأبو يعلى من حديث أبي سعيد الخدري أيضاً وهذا سياق أحمد قال: 237- ثنا أبو نعيم1 حدثنا يونس2 حدثني أبو الوداك3 جبر بن نوف قال: "حدثني أبو سعيد قال: "أصبنا سباياً يوم حنين، فكنا نعزل عنهن نلتمس أن نفاديهن من أهلهن، فقال بعضنا لبعض: "تفعلون هذا وفيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ائتوه فسلوه، فأتيناه أو ذكرنا ذلك له، فقال: " ما من كل ماء يكون الولد إذا قضى الله أمراً كان". الحديث4. والحديث روى عن أبي سعيد من طريقين: الأولى: "فيها الخصيب وهو "صدوق يخطئ". والثانية: "فيها أبو الوداك وهو "صدوق يهم"5". والحديث بطريقه يعتضد ويرتقي إلى درجة الحسن لغيره6، وهو يدل على أن السؤال عن العزل وقع في غزوة أوطاس، وفي الصحيحين وغيرهما من طريق ابن محيريز عن أبي سعيد الخدري، أن ذلك كان في غزوة بني المصطلق وهي متقدمة على غزوة حنين". وسياق الحديث: 238- عن أبي سعيد قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق فأصبنا سبيا من سبي العرب، فاشتهينا النساء، واشتدت علينا العزبة، وأحببنا

العزل، فأردنا أن نعزل وقلنا نعزل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا قبل أن نسأله، فسألناه عن ذلك فقال: "ما عليكم أن لا تفعلوا، ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة" لفظ البخاري1. ولعل السؤال عن هذه المسألة حصل في الغزوتين معا، ولا مانع من ذلك خاصة إذا عرفنا أن كثيراً ممن حضرواً غزوة حنين لم يكونوا موجودين في غزوة بني المصطلق، مما يدل على خفاء مثل هذا الحكم على بعض منهم فلا يستبعد أن يسأل عن هذا الحكم في غزوة أوطاس أيضاً". والحديث يدل على جواز العزل وعلى أنه لا يمنع شيئاً أراده الله وقدره من إيجاد ولد وعدمه". 239- وفي حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن لي جارية هي خادمنا وسانيتنا وأنا أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل، فقال: "اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها". فلبث الرجل ثم أتاه فقال: "إن الجارية قد حبلت، فقال: "قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها" 2. والخلاف في حكم العزل بين العلماء مشهور وقد تناولت هذه المسالة في غزوة بني المصطلق بأوسع من هذا3".

_ (صحيح البخاري 3/129 كتاب العتق، باب من ملك من العرب رقيقا و5/96 كتاب المغازي، باب غزوة بني المصطلق من خزاعة و8/104 كتاب القدر، باب وكان أمر الله قدرا مقدورا، وصحيح مسلم 2/1061-1065) ، كتاب النكاح باب حكم العزل". (صحيح مسلم 2/1064 كتاب النكاح باب حكم العزل، سنن أبي داود 1/501 كتاب النكاح، باب العزل واللفظ لمسلم) . (ص 331) .

الحكم الثالث: في مسئلة المتعة

الحكم الثالث: في مسئلة المتعة ... الحكم الثالث: في مسألة المتعة المتعة في اللغة الانتفاع1. وفي الاصطلاح: "هي نكاح مؤقت إلى أجل مسمى، لا توارث فيه ولا طلاق، ينفسخ بانتهاء أجله". وكان هذا النكاح مباحا في أوّل الإسلام ثم حرم في فتح مكة تحريما مؤبداً2". وأطلق فتح مكة على أوطاس لاتصال الغزوتين ووقوعهما في سفرة واحدة، لأن عزوة أوطاس ناشئة عن فتح مكة3". وقد جاء في إباحة المتعة عام أوطاس ما رواه مسلم وأحمد والدارقطني والبيهقي وأبو الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي من طريق الدارقطني الجميع من طريق: 240- أبي العميس4 عن إياس بن سلمة عن أبيه5، قال: "رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثا، ثم نهى عنها" لفظ مسلم6". ولفظ أحمد: "وخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة النساء عام أوطاس ثلاثة أيام ثم نهى عنها "7". قال النووي: "قوله "رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثاً ثم نهى عنها" هذا تصريح بأنها أبيحت يوم فتح مكة، وهو ويوم أوطاس شيء واحد". وقال أيضاً: "والصواب المختار أن التحريم والإباحة كانا مرتين، وكانت حلالا قبل خيبر، ثم حرمت يوم خيبر، ثم أبيحت يوم فتح مكة وهو يوم أوطاس، لاتصالهما،

ثم حرمت بعد ثلاثة أيام مؤبدا إلى يوم القيامة، واستمر التحريم"1.إهـ. ثم نقل عن القاضي عياض قوله: "واتفق العلماء على أن هذه المتعة كانت نكاحا إلى أجل لا ميراث فيها، وفراقها يحصل بانقضاء الأجل من غير طلاق". ووقع الإجماع بعد ذلك على تحريمها من جميع العلماء إلا الروافض". وكان ابن عباس - رضي الله عنه - يقول: "بإباحتها، ورُوِيَ عنه أنه رجع عنه". قال: "وأجمعوا على أنه متى وقع نكاح المتعة الآن حكم ببطلانه سواء كان قبل الدخول أو بعده إلا ما سبق عن زفر! 2". وفي المسألة خلاف طويل في وقت تحريم المتعة وإباحتها، وهل تكررت الإباحة والتحريم أولاً، وهل يوجد من يقول بها سوى الشيعة أو لا، هذا ليس من مقصودنا في هذا المقام وإنما المقصود هنا هو توجيه حديث سلمة بن الأكوع، الوارد فيه أن المتعة أحلت يوم أوطاس، وقد ظهر من أقوال العلماء أن المراد بذلك يوم فتح مكة، وأطلق ذلك على أوطاس لاتصال الغزوتين". وقد تقدم حديث ابن عباس وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى حنين في رمضان والناس مختلفون فصائم ومفطر3 والمعروف عند العلماء أن خروجه صلى الله عليه وسلم إلى غزوة حنين كان في شهر شوال، وأن خروجه في رمضان إنما كان في غزوة الفتح وبهذا القدر أكتفي في توجيه حديث سلمة بن الأكوع وهو أنّ صحيح في ذلك أن المتعة حرمت في فتح مكة بعد إباحتها ثلاثة أيام، وأطلق ذلك على عام أوطاس لوقوعها عقب الفتح مباشرة4".

_ (شرح النووي على صحيح مسلم 3/553 و556 وفتح الباري 9/169، و170، وانظر السنن الكبرى للبيهقي 7/204 ورسالة الأهدل ص 162-166) . (شرح النووي على صحيح مسلم 3/552و553و554 وفتح الباري 9/173-174 ونيل الأوطار 6/154-156) . وقد نقل ابن قدامة في المغني 6/644 عن زفر "صحة النكاح وبطلان الشرط". ونقل بن حجر: "عن أبي الفتح الأزدي أنه قال: "زفر غير مرضي المذهب والرأي إهـ، وهذا القول من الأزدي فيه نظر وإن كان قول زفر بصحة نكاح المتعة الآن مردود، إلا أن الإطلاق بأن زفر غير مرضي المذهب والرأي فيه نظر وذلك لأن الرجل قد وصف بالعبادة والعلم والصدق، وإن كان قد غلب عليه القول برأي أبي حنيفة ومن ثم ضعف في الحديث (وفيات الأعيان لابن خلكان 2/317-319، وميزان الاعتدال للذهبي 2/71 واللسان لابن حجر 2/476) . 3 تقدم الحديث برقم (31) وتوجيه ابن حجر له". 4 وقد أوجزت القول في حكم المتعة لكثرة الدراسات القديمة والحديثة المتصلة بهذا الموضوع ومن خير من استوعب أحكام المتعة من المعاصرين فضيلة الشيخ محمد عبد الرحمن الأهدل في رسالة الماجستير بعنوتن مرويات نكاح المتعة".

الحكم الرابع: منع المخنثين من الدخول على النساء الأجنبيات

الحكم الرابع: منع المخنثين من الدخول على النساء الأجنبيات جاءت الشريعة الإسلامية بالمحافظة على الأعراض وسدت كل المنافذ التي يخشى منها على أعراض المجتمع الإسلامي، ومن ذلك حماية الأسرة المسلمة من دخول بعض الرجال الذين أطلق عليهم في عرف السلف المخنثون، وهم من خلق متخلقا بأخلاق النساء وزيهن وكلامهن وحركاتهن من غير تكلف، ولا إربة له في النساء أصلا، وهذا الضرب من الرجال شاذ في تكوينه، غير أن هذا الشذوذ خلقي جبلي فيه ولذلك كان بعض هؤلاء يدخلون على النساء بلا إنكار عليهم في ذلك ولكن لما بدر من بعضهم وصف النساء وتحديق النظر في مفاتن المرأة ومحاسنها حظر عليهم الشرع الإسلامي الدخول على النساء منعا للفتنة وسدا للذريعة وفي هذا الحكم وردت الأحاديث الآتية: ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أم سلمة وهذا سياقه عند البخاري: 241- قال: "حدثنا الحميدي1 سمع سفيان حدثنا هشام عن أبيه عن زينب ابنة أبي سلمة عن أمها أم سلمة - رضي الله عنها -: "دخل عليّ2 النبي - صلى الله عليه وسلم - وعندي

مخنث1 فسمعته2 يقول لعبد الله3 بن أبي أمية: "يا عبد الله أرأيت إن فتح الله

عليكم الطائف فعليك بابنة غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان1، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يدخلن عليكن". قال ابن عيينة وقال ابن جريج2: "المخنث هيت3". حدثنا محمود4 حدّثنا أبو سلمة عن هشام بهذا وزاد: "فحاصر الطائف يومئذ".

والحديث رواه البخاري أيضا من طريق عبدة1 عن هشام به". ومن طريق زهير2حدثنا هشام بن عروة به3". ورواه مسلم وأبو داود وابن ماجه الجميع من طريق وكيع عن هشام بن عروة به4". ورواه مسلم أيضا وإسحاق بن راهويه وأبو يعلى كلهم من طريق جرير بن عبد الحميد عن هشام به5". ورواه مسلم أيضاً، وأحمد كلاهما من طريق أبي معاوية محمد بن خازم عن هشام به6". ورواه مسلم أيضا من طريق عبد الله بن نمير حدثنا هشام به7". ورواه الحميدي عن سفيان بن عيينة قال ثنا هشام به8". ومن طريقه أخرجه البيهقي9". ورواه البيهقي أيضا من طريق يونس بن بكير عن هشام به10". ورواه مالك عن هشام بن عروة عن أبيه مرسلا11". قال الكاندهلوي: "هكذا رواه جمهور الرواة عن مالك مرسلا.

ورواه سعيد1بن أبي مريم عن مالك عن هشام عن أبيه عن أم سلمة، أخرجه ابن عبد البر وقال: "الصواب ما في الموطأ2". ولم يسمعه عروة عن أم سلمة، وإنما رواه عن بنتها زينب عن أمها أم سلمة". وأخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من طرق عن هشام عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة عن أمها أم سلمة، كذلك قال ابن عيينة وأبو معاوية عن هشام". ثم قال الكاندهلوي: "قال الحافظ: "هكذا قال أكثر أصحاب هشام وهو المحفوظ". وأخرج البخاري في اللباس من طريق زهير عن هشام أن عروة أخبره أن زينب بنت أم سلمة أخبرته أن أم سلمة أخبرتها3". وخالفهم حماد بن سلمة عن هشام فقال عن أبيه عن عمر4بن أبي سلمة". وقال معمر عن هشام عن أبيه عن عائشة". وأرسله مالك فلم يذكر فوق عروة أحداً5".إهـ". ما رواه مسلم وأبو داود وغيرهما من حديث عائشة وهذا سياقه عند مسلم قال: 242- وحدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: "كان6 يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث فكانوا يعدونه من غير أولى الإربة7، قال: "فدخل النبي صلى الله عليه وسلم يوما وهو عند بعض نسائه8، وهو ينعت امرأة

قال: "إذا أقبلت أقبلت بأربع، وإذا أدبرت أدبرت بثمان، فقال: "النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا أرى هذا يعرف1 ما هاهنا لا يدخلن عليكن". قالت: "فحجبوه2". والحديث رواه أبو داود وأحمد والبيهقي الجميع من طريق معمر عن زهري عن عروة به3". ورواه أبو داود أيضا من طريق معمر عن الزهري وهشام بن عروة عن عروة به4". ورواه أبو داود أيضا من طريق يونس5 عن الزهري عن عروة عن عائشة بهذا الحديث: "وزاد6: "وأخرجه فكان بالبيداء يدخل كل جمعة يستطعم".

ومن طريق الأوزاعي في هذه القصة "فقيل يا رسول الله إنه إذا يموت من الجوع، فأذن له أن يدخل في كل جمعة مرتين فيسأل ثم يرجع"1 وإسناده صحيح2". والحديث يدل على منع المخنثين من الدخول على النساء، وفيه نفي أهل المعاصي والفساد من البلاد تأديباً لهم وتنكيلاً بهم". قال النووي: "في الحديث منع المخنث من الدخول على النساء، ومنعهن من الظهور عليه، وبيان أن له حكم الرجال الفحول الراغبين في النساء في هذا المعنى". وكذا حكم الخصي والمجبوب ذكره، وأما دخول المخنث أولا على أمهات المؤمنين فقد بين سببه في هذا الحديث، بأنهم كانوا يعتقدونه من غير أولى الإربة وأنه مباح دخوله عليهن، فلما سمع منه هذا الكلام علم أنه من أولي الإربة فمنعه صلى الله عليه وسلم الدخول"3اهـ". وقال ابن حجر: "ويستفاد من الحديث حجب النساء عمن يفطن لمحاسنهن، وهذا الحديث أصل في إبعاد من يستراب به أمر من الأمور… وفيه أيضا تعزير من يتشبه بالنساء بالإخراج من البيوت والنفي إذا تعين ذلك طريقا لردعه". وظاهر الأمر وجوب ذلك، وتشبه النساء بالرجال والرجال بالنساء من قاصد مختار حرام اتفاقا"4.اهـ. وقد جاء - لعن المخنثين والأمر بإخراجهم من البيوت ونفيهم عن البلاد - في حديث عبد الله بن عباس عند البخاري وأبي داود وغيرهما وهذا سياقه عند البخاري قال: 243- حدثنا معاذ بن فضالة حدثنا هشام5 عن يحيى عن عكرمة عن ابن عباس قال: "لعن النبي صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال والمترجلات6 من النساء وقال:

"أخرجوهم من بيوتكم، قال: "فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلانا، وأخرج عمر1 فلانا"2. والحديث رواه أبو داود والنسائي وأحمد والدارمي الجميع من طريق هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة به3". ورواه عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير وأيوب4 كلاهما عن عكرمة به". وساق منه إلى قوله: "والمترجلات من النساء"5. ورواه الترمذي من هذه الطريق6". ورواه النسائي أيضا من طريق الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة به". ولفظه:"أن النبي صلى الله عليه وسلم أخرج مخنثا وأن عمر أخرج فلانا وفلاناً"7. ورواه عبد الرزاق أيضا عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة به". ولفظه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أخرجوا المخنثين من بيوتكم". قال: "وأخرج النبي صلى الله عليه وسلم مخنثا وأخرج عمر مخنثا"8. ورواه أيضا عن معمر عن أيوب عن عكرمة قال: "أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجل من

المخنثين فأخرج عن المدينة، وأمر أبو بكر برجل منهم فأخرج أيضا"1. قال ابن حجر: "وفي هذه الأحاديث مشروعية إخراج من يحصل به التأذي للناس عن مكانه إلى أن يرجع عن ذلك أو يتوب"2". ثم قال ابن حجر: "وقد أخرج الطبراني وتمام3 الرازي في "فوائده" من حديث واثلة بن الأسقع مثل حديث ابن عباس هذا بتمامه، وقال فيه: "وأخرج النبي صلى الله عليه وسلم أنجشة"4 وهو العبد الأسود الذي كان يحدو5 بالنساء". وذكر في كتاب النكاح عند شرحه لحديث أم سلمة "أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى عن المدينة ثلاثة من المخثنتين وهم: "ماتع" و"هيث" نفاهما إلى الحمى6، و "أنة" نفاه إلى حمراء الأسد7".

وأما الذين نفاهم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -". فذركر ابن حجر أيضا أنه وقف على "كتاب المغربين" لأبي الحسن1المدايني من طريق الوليد بن سعيد قال: "سمع عمر قوما يقولون أبو ذؤيب2 أحسن أهل المدينة، فدعا به، فقال: "أنت لعمري، فأخرج عن المدينة، فقال: "إن كنت تخرجني فإلى البصرة حيث أخرجت يا عمر نصر بن حجاج". وساق قصة جعدة3السلمى وأنه كان يخرج مع النساء إلى البقيع ويتحدث إليهن حتى كتب بعض الغزاة إلى عمر يشكو ذلك فأخرج". وكذا أخرج أمية بن يزيد الأسدي، ومولى مزينة كانا يحتكران الطعام بالمدينة، فأخرجهما عمر". ثم ذكر عدة قصص لمبهم ومعين، فيمكن التفسير في هذه القصة ببعض هؤلاء"4. إهـ. والحديث قال ابن بطال: "استدل به على أن المراد بالمخنثين المتشبهون بالنساء لا من يؤتى، فإن ذلك حده الرجم، ومن وجب رجمه لا ينفى". قال ابن حجر: "وتعقب بأن حده مختلف فيه، والأكثر أن حكمه حكم الزاني فإن ثبت عليه جلد ونفي، لأنه لا يتصور فيه الإحصان، وإن كان يتشبه فقط نفي فقط". وقيل إن في الترجمة5 إشارة إلى ضعف القول الصائر إلى رجم الفاعل والمفعول به وأن هذا الحديث الصحيح لم يأت فيه إلا النفي".

ثم قال: "وفي هذا نظر لأنه لم يثبت عن أحد ممن أخرجهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يؤتى". 244- وقد أخرج أبو داود من طريق أبي هاشم عن أبي هريرة "أن رسول لله صلى الله عليه وسلم أتي بمخنث قد خضب يديه ورجليه فقال: "ما بال هذا؟ قيل يتشبه بالنساء، فأمر به فنفى إلى النقيع"1 يعني بالنون2. وقال ابن تيمية: "وقد ذكر الشافعي وأحمد أن التغريب جاء في السنة في موضعين: أحدهما: "في الزاني الذي لم يحصن "جلد مائة وتغريب عام". الثاني: "نفى المخنثين". فيما روته أم سلمة ثم ساق الحديث وفيه "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجوهم من بيوتكم" 3". ومجموع ما مضى من الأحاديث يؤخذ منه الحفاظ على أعراض المسلمين وصيانتها وعدم التساهل في ذلك، خاصة فيمن يستراب في أمره وإن كان يظن إنه لا ريبة فيه، لأن الواجب في مثل ذلك الأخذ بالأحوط، وأمر المخنث من هذا الباب". وفي الأحاديث أيضا التشديد على من يتشبه بالنساء من الرجال ومن يتشبه بالنساء بالرجال". ولا يبعد أن يكون المتشبه بالنساء المسمى مخنثا إنما تشبه بهن لغاية في نفسه، إما بوصفهن للأجانب، وإما لأنه يود الاقتراب منهن لغرض آخر، ولهذا منعت الشريعة مثل هذا من الدخول على النساء، ويستفاد من الأحاديث أيضا إخراج من تعم به الفتنة كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه بنصر بن حجاج وأبي ذؤيب وجعدة السلمى صيانة للمجتمع عن الفتن وانتشار الرذائل".

_ 1 الحديث في سنن أبي داود 2/580 كتاب الأدب، باب الحكم في المخنثين من طريق أبي اليسار القرشي عن أبي هاشم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما بال هذا؟ فقيل يا رسول الله يتشبه بالنساء فأمر به فنفي إلى النقيع قالوا: "يا رسول الله، ألا نقتله؟ قال: "إني نهيت عن قتل المصلين". قال أبو أسامة - أحد رواة الحديث -: "والنقيع ناحية عن المدينة وليس بالبقيع". والحديث فيه أبو اليسار القرشي، قال أبو حاتم: "مجهول"، وقال أبو هاشم الدوسي ابن عمّ أبي هريرة". قال ابن القطان: "مجهول الحال" (التقريب 2/483 و490 وتهذيب التهذيب 12/261، و281) . 2 فتح الباري 12/159-160". 3 فتاوى ابن تيمية 5/308".

الحكم الخامس: في النهي عن قتل النساء والضعفاء ومن في حكمهم

الحكم الخامس: في النهي عن قتل النساء والضعفاء ومن في حكمهم من محاسن الإسلام أنه دين الرحمة والعدالة، ومن أبرز ما يؤكد هذه الحقيقة موقفه من الضعفاء والنساء والأطفال في حال النّزال والقتال والتقاء الصفين، لأن هؤلاء المستضعفين ليسوا أهل شوكة ولا مكيدة في الحرب، ولا ذنب لهم في الغالب فيما جره عليهم أهلوهم الكفرة من الصد عن سبيل الله ومحاربة الإسلام، فلا يجوز قتلهم ولا التنكيل بهم، إلا إذا كان الشيخ الهرم محاربا للمسلمين برأيه أو بأي وسيلة تمكنه، أو حاولت المرأة قتل أحد من المسلمين فيجوز قتلها دفاعا عن النفس، وأما الطفل فلا يتصور منه ذلك فهذا النمط من الرحمة والعطف في الحروب والمعارك الشديدة لا مثيل له في أي مبدأ من المبادئ قديما وحديثا، تاريخ الحروب البشرية شاهد صدق بذلك". ولقد أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المبدأ وجعله من أهم التوصيات التي يجب أن يجعلها كل أمير جيش أو سرية نصب عينيه، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: " 245- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: "اغزوا باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا، ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا" الحديث1. والشاهد من الحديث قوله "ولا تقتلوا وليدا" وهو نهي والنهي يقتضي التحريم، فيحرم قتل الصبيان والنساء والشيوخ والرهبان، الذين ليس من شأنهم أن يقاتلوا". وهكذا امتازت الحروب الإسلامية بهذا المبدأ، فلا يقتل إلا من يتأتى منه القتال، أما الذين لا يد لهم في القتال ولا قدرة عليه، فالشريعة الإسلامية تنهى عن

قتلهم وترويعهم، وقد جاءت جملة صالحة من الأحاديث في هذا الأمر منها: "ما رواه عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبي فزارة1 عن عبد الرحمن2 بن أبي عمرة قال: "مر النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين بامرأة مقتولة، فقال: "ألم أنه عن هذا؟ ". فقال رجل: "أردفتها فأرادت أن تقتلني، فقتلتها، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بدفنها" 3". قال ابن حجر: "ورواه ابن أبي شيبة من طريق عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري". وهو مرسل"4". قلت: "رجاله ثقات، رجال الصحيح". 246- ما رواه أبو داود في مراسيله عن موسى5 بن إسماعيل عن وهيب6 عن أيوب7 عن عكرمة8 أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة مقتولة بالطائف فقال: "ألم أنه عن قتل النساء؟ من صاحب هذه المرأة المقتولة؟ ". فقال رجل من القوم: "أنا يا رسول الله، أردفتها فأرادت أن تصرعني فتقتلني، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن توارى" 9. والحديث مرسل ورجاله ثقات رجال الصحيح". قال ابن حجر: "ووصله الطبراني في الكبير من حديث مقسم عن ابن عباس وفيه الحجاج بن أرطأة10". قلت: "ورواه أحمد أيضا".

إلا أن لفظ الطبراني "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بامرأة يوم الخندق مقتولة" الحديث1". ما رواه أحمد والبيهقي وغيرهما من حديث الأسود بن سريع وهذا سياقه عند أحمد: 247- ثنا يونس2 ثنا أبان3 عن قتادة4 عن الحسن5 عن الأسود6 بن سريع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية يوم حنين، فقاتلوا المشركين فأفضى بهم القتل إلى الذرية فلما جاؤوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما حملكم إلى قتل الذرية؟ قالوا: "يا رسول الله إنما كانوا أولاد المشركين، قال: "أو هل خياركم إلا أولاد المشركين، والذي نفس محمد بيده ما من نسمة تولد إلا على الفطرة7 حتى يعرب عنها لسانها" 8. والحديث رواه الحاكم من طريق يونس بن محمد بن المؤدب ثنا أبان بن يزيد عن قتادة عن الحسن عن الأسود بن سريع، إلا أنه قال: "بعث سرية يوم خيبر، بدل يوم حنين"9".

ورواه البيهقي من طريق الحاكم هذه فقال: "يوم حنين"1 مثل رواية أحمد مما يقوي وقوع تصحيف في المستدرك الحاكم". وقد جاء بدون تقييد عند النسائي وأحمد والدارمي والطبراني والحاكم والبيهقي الجميع من طريق يونس2 بن عبيد عن الحسن عن الأسود بن سريع به3". وكذا عند أحمد والطبراني وابن حبان كلهم كمن طريق السري4 ابن يحيى أبي الهيثم ثنا الحسن عن الأسود بن سريع به5". ورواه الطبراني أيضا من طريق مبارك6 بن فضالة عن الحسن عن الأسود بن سريع به7". وقد صرح الحسن بالتحديث عن الأسود عند النسائي والحاكم8". والخلاصة: "أن الحديث جاء من طريق قتادة عن الحسن عن الأسود بن سريع به عند أحمد والبيهقي بلفظ "يوم حنين". ورواه الحاكم من طريق قتادة هذه فقال "يوم خيبر" وجاء من طريق يونس بن عبيد السري بن يحيى ومبارك بن فضالة كلهم عن الحسن عن الأسود بن سريع به9". بدون "تقيد" قال الساعاتي: "والأظهر في هذه الرواية أن الواقعة وفي غزوة حنين10".

والحديث قال الحاكم صحيح على شرط الشيسخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي1". قال الألباني: "وهو كما قالا فقد صرح الحسن، وهو البصري بالتحديث عند النسائي وهو رواية للحاكم2". وأورده الهيثمي ثم قال: "رواه أحمد بأسانيد، والطبراني في الكبير والأوسط، وبعض أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح3". 248- ما رواه ابن إسحاق قال: "حدثني بعض أصحابنا: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر يومئذ بامرأة وقد قتلها خالد بن الوليد والناس متقصفون4 عليها فقال: "ما هذا؟ " فقالوا: "امرأة قتلها خالد بن الوليد، فقال: "رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض من معه: "أدرك خالدا، فقل له: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاك أن تقتل وليدا أو امرأة أو عسيفا" 5". والحديث فيه إبهام وإرسال". 249- وأورده ابن كثير ثم قال: "هكذا رواه ابن إسحاق منقطعا، وقد قال الإمام أحمد: "ثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو ثنا المغيرة6 بن عبد الرحمن عن أبي الزناد7 حدثني المرقع8 بن صيفي عن جده رباح9 بن ربيع أخي10 حنظلة

الكاتب أنه أخبره أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها وعلى مقدمته خالد بن الوليد، فمر رباح وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة مقتولة مما أصابت المقدمة، فقفوا ينظرون إليها ويتعجبون من خلقها حتى لحقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما كانت هذه لتقاتل" فقال لأحدهم "ألحق خالدا فقل له لا يقتلن ذرية ولا عسيفا" 1". وكذلك رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث المرقع بن صيفي به نحوه2. إهـ. وقال الزرقاني: "روى الواقدي أن سعد بن عبادة جعل يصيح يومئذ3 بالخزرج ثلاثاً وأسيد بن حضير بالأوس ثلاثا فثابوا4من كل ناحية كأنهم النحل تأوي إلى يعسوبها5". قال أهل المغازي فحنق6 المسلمون على المشركين فقتلوهم حتى أسرع القتل في ذراري المشكرين فبلغه ذلك صلى الله عليه وسلم فقال: "ما بال أقوام بلغ بهم القتل حتى بلغ الذرية ألا لا تقتل الذرية ثلاثا". فقال أسيد: "يا رسول الله أليس إنما هم أولاد المشركين؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "أو ليس خياركم أولاد المشركين؟ كل نسمة تولد على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها فأبواها يهودانها أو ينصرانها". ثم أورد حديث رباح بن الربيع وقال: "رواه أحمد وأبو داود7". قلت: "حديث رباح: "رواه النسائي وابن ماجه وأحمد والطحاوي والطبراني وابن حبان والبيهقي الجميع من طريق المغيرة بن عبد الرحمن قال: "حدثنا أبو الزناد عن المرقع بن صيفي عن جده رباح بن الربيع به8".

ورواه الطبراني من طريق عبد الله بن وهب عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن المرقع به". ورواه أبو داود والنسائي والطبراني كلهم من طريق عمر1 بن المرقع قال حدثني أبي عن جده رباح بن الربيع به". والبيهقي من طريق أبي داود2". ورواه الحاكم من طريق إسماعيل بن أويس ثنا عبد الرحمن3 بن أبي الزناد عن أبيه قال: "حدّثني المرقع بن صيفي عن جده رباح بن الربيع4 به". ورواه الطبراني أيضاً من طريق موسى بن عقبة، قال: "حدثني المرقع ابن صيفي عن جده رباح بن الربيع به5". ورواه النسائي وابن ماجه وأحمد والطحاوي وابن حبان الجميع من طريق سفيان الثوري عن أبي الزناد فقال فيه عن المرقع بن صيفي عن حنظلة6 الكاتب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم7". والحاصل أن المغيرة بن عبد الرحمن روى هذا الحديث عن أبي الزناد فقال: "عن المرقع بن صيفي عن جده رباح بن الربيع". وتابع أبا الزناد في ذلك عمر بن المرقع وموسى بن عقبة وعبد الله ابن وهب". ورواه سفيان الثوري عن أبي الزناد فقال عن المرقع بن صيفي عن حنظلة الكاتب.

وقد خطئ الثوري في ذلك لأن الحديث حديث رباح بن الربيع لا حديث حنظلة". ولذا فقد ساق ابن ماجه حديث سفيان الثوري عن أبي الزناد عن المرقع بن صيفي عن حنظلة الكاتب". ثم أتبعه بحديث المغيرة بن عبد الرحمن، عن أبي الزناد عن المرقع عن جده رباح بن الربيع". ثم قال: "قال أبو بكر1 بن أبي شيبة: "يخطئ الثوري فيه". إهـ". والحديث قال فيه الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي2". قال الألباني: "حسبه أن يكون حسنا، فإن المرقع بن صيفي …لم يوثقه غير ابن حبان، لكن روى عنه جماعة من الثقات". وقال الحافظ في "التقريب": "صدوق"3". والحديث ليس نصا صريحا في أن قصة هذه المرأة المقتولة كانت في غزوة حنين، إنما فيه أن رباح بن الربيع كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة وأن مقدمة الجيش أصابت امرأة، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خالد بن الوليد يأمره بأن لا يقتل ذرية ولا عسيفا". وفي لفظ: "فبعث إلى خالد بن الوليد ينهاه عن قتل النساء والولدان". وفي لفظ: "ثم اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم خالدا أن لا يقتل امرأة ولا عسيفا" 4. ويمكن أن تفسر هذه الغزوة الواردة في حديث رباح بن الربيع، بغزوة حنين كما جاء ذلك صريحا عند ابن إسحاق والواقدي، بحصول مثل هذه القصة لخالد بن الوليد في غزوة حنين5".

وقد يلحظ هذا أيضا من صنيع ابن كثير والزرقاني، حيث أوردا حديث رباح بن الربيع في غزوة حنين عند إيرادهما لحديث ابن إسحاق المصرح فيه بقصة خالد بن الوليد مع المرأة المقتولة في غزوة حنين، فكأنهما يشران إلى أن الغزوة المبهة في حديث رباح هي غزوة حنين كما جاء ذلك عند ابن إسحاق الواقدي". وقد جزم ابن حجر بذلك1". ما رواه ابن حبان من حديث الصعب بن جثامة الليثي وهذا سياقه: 250- أخبرنا جعفر2 بن أحمد بن سنان القطان بواسط حدثنا العباس3 بن محمد بن حاتم حدثنا محمد4 بن عبيد حدثنا محمد5 بن عمرو عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا حمى إلا لله ولرسوله" وسألته عن أولاد المشركين أنقتلهم معهم؟ قال: "نعم فإنهم منهم، ثم نهى عن قتلهم يوم حنين" 6. قال الهيثمي: "قلت: "هو في الصحيح7 غير النهي عن قتل الذرية.

قال ابن حجر: "هذه الزيادة1 مدرجة في حديث الصعب، وذلك بين في سنن أبي داود فإنه قال في آخره: "قال سفيان2 قال الزهري: "ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك عن قتل النساء والصبيان" 3". ويؤكد كون النهي في غزوة حنين حديث رباح بن الربيع وفيه "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحدهم: "الحق خالدا فقل لا تقتل ذرية ولا عسيفا" 4". وخالد بن الوليد أول مشاهده مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة الفتح وفي ذلك العام كانت غزوة حنين". ثم أورد مرسل عكرمة المتقدم عند أبي داود5". فابن حجر رحمه الله يرى أن حديث رباح بن الربيع كان في غزوة حنين كما هو واضح من كلامه". وهذه الأحاديث تدل على النهي عن قتل الشيوخ والأطفال والنساء والأجراء الذين لا قدرة لهم على القتال ولا يد لهم فيه". قال ابن حجر: "واتفق الجميع - كما نقل ابن بطال وغيره - على منع القصد إلى قتل النساء والولدان، أما النساء فلضعفهن، وأما الولدان فلقصورهم عن فعل الكفر، ولما في استبقائهم جميعا من الانتفاع بهم، إما بالرق، أو الفداء فيمن يجوز أن يفادى به"6.إهـ. وهذا النهي خاص بما إذا لم يباشر هؤلاء القتال مع الكفار أو كان فيهم ذو رأي، أو تترس بهم العدو بحيث لا يمكن انفصالهم عنه، ففي هذه الحالات يجوز قتلهم وهو قول جمهور العلماء، واستدلوا على ذلك بأدلة منها:

1- قوله صلى الله عليه وسلم "ما كانت هذه لتقاتل" 1 فإن مفهومه أنها لو قاتلت لجاز قتلها". 2- قوله صلى الله عليه وسلم عندما رأى امراة مقتولة "من صاحب هذه المرأة المقتولة؟ فقال رجل منهم: "أنا يا رسول الله أردفتها فأرادت أن تقتلني فقتلتها" فلم ينكر عليه قتله ا2". 3- حصاره صلى الله عليه وسلم لأهل الطائف ورميهم بالمنجنيق مع علمه صلى الله عليه وسلم أن فيهم الأطفال والنساء وغير ذلك". 4- ما ورد في حديث الصعب بن جثامة الليثي قال: "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذراري من المشركين يبيتون فيصيبون من نسائهم وذراريهم فقال: "هم منهم" 3. 5- قتل دريد بن الصمة وهو شيخ فان ولم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قاتله لما كان لدريد من المشورة والرأي في قومه4". وبهذه الأدلة وغيرها أخذ جمهور العلماء". وذهب مالك والأوزاعي إلى أنه لا يجوز قتل النساء والصبيان بحال من الاحوال حتى لو تترس أهل الحرب بالنساء والصبيان أو تحصنوا بحصن أو سفينة وجعلوا معهم النساء والصبيان لم يجز رميهم ولا تحريقهم"5". ودليل هذا المذهب عموم الاحاديث الوارد فيها النهي عن قتل النساء والصبيان6.

والراجح في هذه المسألة قول الجمهور وذلك للجمع بين الأحاديث ومتى أمكن الجمع فالمصير إليه أولى للعمل بجميع الأحاديث". فقد ساق الطحاوي الروايات الواردة فيها النهي عن قتل النساء والصبيان ثم قال: "قال أبو جعفر: "فذهب قوم إلى أنه لا يجوز قتل النساء والولدان في دار الحرب على أي حال، وأنه لا يحل أن يقصد إلى قتل غيرهم، إذا كان لا يؤمن في ذلك تلفهم، من ذلك أن أهل الحرب إذا تترسوا بصبيانهم، فكان المسلمون لا يستطيعون رميهم إلا بإصابة صبيانهم، فحرام عليهم رميهم في قول هؤلاء". وكذلك إن تحصنوا بحصن وجعلوا فيه الولدان، فحرام علينا رمي ذلك الحصن عليهم إذا كنا نخاف من ذلك إصابة صبيانهم ونسائهم، واحتجوا بالآثار، التي روينها في صدر هذا الباب، ووافقهم آخرون على صحة هذه الآثار، وعلى تواترها، وقالوا: "وقع النهي في ذلك إلى القصد إلى قتل النساء والولدان فأما على طلب قتل غيرهم ممن لا يوصل إلى ذلك منه إلا بتلف صبيانهم ونسائهم، فلا بأس بذلك". ثم ساق حديث الصعب بن جثامة قال: "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهل الدار من المشركين يبيتون ليلا، فيصاب من نسائهم وصبيانهم فقال: "هم منهم". ثم قال: "قال أبو جعفر: "فلما لم ينههم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغارة، وقد كانوا يصيبون فيها الولدان والنساء الذين يحرم القصد إلى قتلهم، دل ذلك أن ما أباح في هذه الآثار، لمعنى غير المعنى الذي من أجله حظر ما حظر في الآثار الأول، وأنّ ما حظر في الآثار الأول هو القصد إلى قتل النساء والولدان، والذي أباح هو القصد إلى المشركين، وإن كان في ذلك تلف غيرهم، ممن لا يحل القصد إلى تلفه، حتى تصح هذه الآثار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تتضاد". وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغرة على العدو، وأغار على الآخرين في آثار عدد، قد ذكرناها في (باب الدعاء قبل القتال) 1ولم يمنعه من ذلك ما يحيط به، علمنا أنه

قد كان يعلم أنه لا يؤمن من تلف الولدان والنساء في ذلك ولكنه أباح ذلك لهم، لأن قصدهم كان إلى غير تلفهم، ثم قال: فهذا يوافق المعنى الذي ذكرت مما في حديث الصعب، والنظر يدل على ذلك أيضا"1. وقال السهيلي: "قوله صلى الله عليه وسلم "أدرك خالدا، فقل له: "إن رسول الله ينهاك أن تقتل وليدا أو امرأة أو عسيفا". وهذا منتزع من كتاب الله تعالى". لأنه يقول: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} [سورة البقرة: "190] 2، فاقتضى دليل الخطاب ألا تقتل المرأة إلا أن تقاتل". وقد أخطأ من قاس مسألة المرتدة على هذه المسألة، فإن المرتدة لا تسترق ولا تسبى كما تسبى نساء الحرب وذراريهم، فتكون مالا للمسلمين، فنهى عن قتلهن لذلك3". وخلاصة ما تقدم من الأحاديث والآثار وأقوال أهل العلم أن من سمو تعاليم الإسلام ومحاسنه العظيمة رعايته للضعفاء والعجزة والنساء والولدان في المعارك الضارية التي تدور رحاها بين جند الله من المسلمين، وبين أعداء الله من الكافرين، ممل يؤكد لكل منصف عظمة هذا الدين وشمول تعاليمه وعالمية رسالته التي أساسها الرحمة والشفقة والهداية {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} ، [سورة الأنبياء الآية: 107] ، وإن قوما يبذلون مهجهم وأرواحهم في سبيل نصرة الحق ورفع رايته وإعلاء كلمته يلزمهم أن يضعوا هذه التعاليم الرحيمة نصب أعينهم خاصة في معترك النزال والتحام القتال، فقد

يغفل الجندي المسلم وهو في غمرة المنازلة وشدة المجالدة عن هذه الإرشادات النبوية وهذه الرحمة الخاصة في وقت يفترض فيه الشدة والقسوة والغلظة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} ، [سورة التوبة، الآية: 123] . {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} ، [سورة التوبة، من الآية: 73، وسورة التحريم، الآية: 9] . في هذا الظرف العصيب والموقف الرهيب لا تغيب العدالة الإسلامية التي من مقتضياتها وضع الشدة في موضعها ووضع الرحمة في موضعها اللائق بها، ومن هنا يبادر الرسول صلى الله عليه وسلم بإرسال رسله إلى قواده أن يلتزموا بهذه المبادئ السامية التي شرع الجهاد في أصله لإقرارها وتثبيتها بلا تَشَفّ ولا إجحاف، وأول ما يوجه الجنود المسلمون إليه ويذكرون به هو الغزو باسم الله وفي سبيل الله والتحلي بحلية التقوى التي لا تفارق حس المجاهد المسلم ولا ينبغي أن تفرقه، وإذا كانت هذه هي الصفات الأساسية للغزو الإسلامي الراشد فلا عجب أن نجد التنصيص الصريح على منع قتل من لا شوكة له في الحرب من ضعفاء ونساء وأطفال وشيوخ ونحوهم، ولا يتأتى تطبيق هذه المعاني الرفيعة المفعمة1 بالرحمة والإنسانية في أسمى معانيها إلا للجنود المؤمنين بالله رباً وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، أما من عاداهم من الكفار وضعفاء اليقين فلا أحسبهم أهلا لتطبيق ذلك وما أخالهم يخطر في أذهانهم".

_ 1 المفعمة: "الممتلئة". (القموس المحيط 4/160) .

الحكم السادس: العذر الذي يبيح ترك حضور صلاة الجماعة

الحكم السادس: العذر الذي يبيح ترك حضور صلاة الجماعة من أهداف التشريع الإسلامي رفع الحرج والمشقة في الدين، كما قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} ، [سورة الحج، من الآية: 78] ، وقال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} ، [سورة البقرة، من الآية: 286] . والصلاة أهم ركن في الإسلام بعد الشهادتين وأداؤها في جماعة هو المطلوب من كل مسلم على وجه الوجوب كما هو ظاهر النصوص، ولكن قد تحول دون أداء الصلاة في جماعة أعذار تبيح ترك حضور الجماعة، وهذا من سماحة الإسلام وتيسيره. ومن هذه الأعذار المطر والدحض والبرد الشديد ونحو ذلك. وفي هذه الغزوة وردت أحاديث في هذا الأمر وسأوردها على النحو الآتي: ما رواه أبو داود والنسائي وغيرهما من حديث أبي المليح عن أبيه وهذا سياقه عند النسائي: 251- قال: "أخبرنا محمد1 بن المثنى قال: "حدثنا محمد2بن جعفر قال: "حدثنا شعبة عن قتادة3 عن أبي المليح4 عن أبيه5: "قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

بحنين1 فأصابنا مطر، فنادى منادي2 رسول الله صلى الله عليه وسلم أن صلوا3 في رحالكم"4. والحديث رواه أحمد وابن سعد كلاهما من طريق شعبة عن قتادة عن أبي المليح به5. ورواه أبو داود وأحمد كلاهما من طريق همام6 أخبرنا قتادة أن أبا المليح أخبره به7. ورواه أحمد أيضاً من طريق أبان8 ثنا قتادة وأبو المليح به.

ومن طريق سعيد1 عن قتادة عن أبي المليح به2. ورواه ابن خزيمة من طريق شعبة وسعيد بن أبي عروبة، وهمام بن يحيى كلهم عن قتادة عن أبي المليح به3. ورواه الطبراني من طريق هؤلاء الثلاثة و"حماد بن سلمة" كلهم عن قتادة عن أبي المليح به إلا أنه لم يذكر "يوم حنين"4. ورواه ابن سعد والطبراني كلاهما من طريق سعيد5 بن زربي قال حدثنا أبو المليح عن أبيه به6. ورواه الطبراني أيضاً والبيهقي من طريق عامر7 بن عبيدة الباهلي عن أبي المليح به8. والحديث صحيح9. وقد رواه شعبة بن الحجاج وهمام بن يحيى وأبان بن يزيد وسعيد ابن أبي عروبة كلهم عن قتادة عن أبي المليح، بلفظ "يوم حنين". وتابع قتادة في ذلك عامر بن عبيدة الباهلي، وسعيد10 بن زربي كلاهما عن أبي المليح.

والحديث رواه أحمد عن وكيع بن الجراح ثنا سفيان1 بن حبيب عن خالد الحذاء2 عنأبي قلابة3 عن أبي المليح عن أبيه4. ورواه أبو داود وابن خزيمة والحاكم والبيهقي كلهم من طريق نصر5 بن علي الجهضمي ثنا سفيان بن حبيب عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المليح عن أبيه أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في يوم الجمعة وأصابهم مطر لم يبتل أسفل نعالهم6 فأمرهم النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يصلوا في رحالهم7. إلا أن أبا داود قال حدثنا نصر بن علي قال سفيان خبرنا8 عن خالد الحذاء". بالبناء للمجهول".

ورواه ابن ماجه وابن خزيمة، والطبراني كلهم من طريق إسماعيل1 ابن إبراهيم ثنا خالد الحذاء عن قلابة عن أبي المليح به2". إلا أن ابن ماجه قال: "عن خالد الحذاء عن أبي المليح" بإسقاط "أبي قلابة". ورواه ابن حبان من طريق خالد3 بن عبد الله الواسطي عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المليح به4". والبيهقي من طريق عبد الوهاب بن عطاء أنبأنا خالد عن أبي المليح به5". قال محمد شمس الحق: "وقد اختلف على أبي المليح في هذا الحديث فقال قتادة عنه إنّ القصة وقعت في حنين". وقال خالد الحذاء عنه: "إنها وقعت زمن الحديبية"6. قلت: "وقد جاء ذلك عن قتادة أيضاً وهو ما رواه ابن حبان بإسناد صحيح من طريق شعبة عن قتادة عن أبي المليح عن أبيه قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية فأصابتنا سماء لم تبل أسافل نعالنا، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديه "أن صلوا في رحالكم" 7. ويجمع بينهما بأن القصة تعددت، ولا مانع من وقوع مثل هذا في الحديبية وفي غزوة حنين8 ومما يؤيد وقوعه في حنين: ما رواه أحمد وابن سعد من حديث سمرة بن جندب وهذا سياق أحمد:

252- قال حدثنا بهز1 ثنا أبان2 ثنا قتادة عن الحسن3 عن سمرة4 أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين في يوم مطير: "الصلاة في الرحال". ورواه أيضاً من طريق همام بن يحيى، وهشام الدستوائي كلاهما عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب به5". ورواه ابن سعد من طريق همام بن يحيى أخبرنا قتادة عن الحسن عن سمرة به6". والحديث فيه قتادة والحسن وهما مدلسان وقد عنعناه ولكن يؤيده حديث أبي المليح عن أبيه". والحديثان يدلان على جواز قول "المؤذن" الصلاة في الرحال في الأذان، في حال المطر والليلة الباردة ونحو ذلك". وعلى أن هذا الكلام ونحوه يجوز في الأذان لمن يحتاج إليه". كما يدلان على جواز ترك حضور الجماعة في مثل هذا ونحوه7". ومما تجدر الإشارة إليه هو هل هذا القول الصادر من المؤذن يكون في نفس الأذان أم بعد الانتهاء منه؟ اختلف العلماء نظرا لاختلاف الأحاديث الواردة في ذلك". 253- فقد ورد في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

كان يأمر مؤذنا يؤذن ثم يقول على إثره: "ألا صلوا في رحالكم في الليلة الباردة أو1 المطيرة2 في السفر34". وفي لفظ عنه أنه نادى بالصلاة في ليلة ذات برد وريح ومطر، فقال في آخر ندائه: "ألا صلوا في رحالكم ألا صلوا في رحالكم". ثم قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن، إذا كانت ليلة باردة أو ذات مطر في السفر أن يقول: "ألا صلوا في رحالكم"5. 254- وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لمؤذنه في يوم مطير: "إذا قلت: "أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أنّ محمداً رسول الله، فلا تقل حي على الصلاة، قل: "صلوا في بيوتكم"6.

فحديث ابن عمر صريح في أن القول المذكور بعد الفراغ من الأذان وحديث ابن عباس صريح في أنه في نفس الأذان". قال النووي: "في حديث ابن عباس أن يقول: "ألا تصلوا في رحالكم" في نفس الأذان". وفي حديث ابن عمر أنه قال في آخر ندائه". والأمران جائزان نص عليهما الشافعي - رحمه الله تعالى - في الأم في كتاب الأذان". وتابعه جمهور أصحابنا في ذلك، فيجوز بعد الأذان وفي أثنائه لثبوت السنة فيهما". لكن قوله بعده أحسن ليبقى نظم الأذان على وضعه، ومن أصحابنا من قال: "لا يقوله إلا بعد الفراغ، وهذا ضعيف مخالف لصريح حديث ابن عباس رضي الله عنهما، ثم قال: "ولا منافاة بينه وبين حديث ابن عمر رضي الله عنهما لأن هذا جرى في وقت وذلك في وقت وكلاهما صحيح"1". وقال ابن حجر: "وقال القرطبي2: "لما ذكر رواية مسلم بلفظ "يقول في آخر ندائه". قال: "ويحتمل أن يكون المراد في آخره قبيل الفراغ منه، جمعا بينه وبين حديث ابن عباس". ثم قال ابن حجر: "وقد قدمنا في "باب الكلام في الأذان" عن ابن خزيمة أنه حمل حديث ابن عباس على ظاهره وأن ذلك يقال بدلا من الحيعلة3 نظرا إلى المعنى، لأن المعنى "حي على الصلاة" هلموا إليها، ومعنى "الصلاة في الرحال" تأخروا عن المجيء، ولا يناسب إيراد اللفظين معا لأن أحدهما نقيض الآخر".

ثم عقب ابن حجر على هذا بقوله: "ويمكن الجمع بينهما، ولا يلزم منه ما ذكر بأن يكون معنى "الصلاة في الرحال" رخصة لمن أراد أن يترخص، ومعنى هلموا إلى الصلاة ندب لمن أراد أن يستكمل الفضيلة ولو تحمل المشقة". ويؤيد ذلك حديث جابر عند مسلم قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فمطرنا، فقال: "ليصل من شاء منكم في رحله" 1. ولعل ما ذهب إليه ابن حجر من الجمع بين الأحاديث أولى، للعمل بجميع الأحاديث، لأنه إذا أمكن الجمع بين الأحاديث بحمل كل على محمل صحيح تعين المصير إليه".

_ 1 فتح الباري 2/ 98 و 113، وانظر صحيح ابن خزيمة 3/12 حيث قال: "باب أمر الإمام المؤذن بحذف حي على الصلاة، والأمر بالصلاة في البيوت بدله". وحديث جابر المشار إليه عند مسلم، تقدم في ص 551 تعليقة (3) .

الحكم السابع: تعليم أبي محذورة الأذان

الحكم السابع: تعليم أبي محذورة الأذان الأذان: لغة الإعلام، قال تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ} ، [التوبة، من الآية: 3] . وشرعا: "هو الإعلام بدخول وقت الصلاة بألفاظ مخصوصة1". حكمه: "ذهب جمهور العلماء إلى أنّه من السنن المؤكدة، وذهب الأوزاعي2 وداود3 وابن المنذر4 إلى وجوبه مطلقا". وقال ابن حجر: "وهو ظاهر قول مالك في الموطّأ5". وحكي عن محمد بن الحسن". وقيل: "واجب في الجمعة فقط، وقيل فرض كفاية". ثم قال ابن حجر: "ومنشأ الاختلاف أن مبدأ الأذان لما كان عن مشورة أوقعها النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه حتى استقر برؤيا بعضهم فأقره كان ذلك بالمندوبات أشبه، ثم لما واظب على تقريره ولم ينقل أنه تركه ولا أمر بتركه ولا رخص في تركه، كان ذلك بالواجبات أشبه6".

وأما ابتداء مشروعية الأذان فكان في السنة الأولى من الهجرة على ما جاء في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: 255- كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون1 الصلوات وليس ينادي بها أحد فتكلموا يوما في ذلك، فقال بعضهم اتخذوا ناقوسا2 مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم قرنا3 مثل قرن اليهود". فقال عمر: "أولا تبعثون رجلا ينادي بالصلاة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا بلال قم فناد4 بالصلاة" 5. قال ابن حجر: "وحديث ابن عمر المذكور في هذا الباب ظاهر في أن الأذان إنما شرع بعد الهجرة، فإنه نفى النداء بالصلاة قبل ذلك مطلقا". ثم قال: "وقد جزم ابن المنذر بأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بغير أذان منذ فرضت الصلاة بمكة إلى أن هاجر إلى المدينة وإلى أن وقع التشاور في ذلك على ما في حديث عبد الله بن عمر ثم في حديث عبد الله بن زيد6". وقال ابن خزيمة: "باب ذكر الدليل على أن بدء الأذان إنما كان بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وأن صلاته بمكة إنما كانت من غير نداء لها ولا إقامة".

ثم قال: "قال أبو بكر: "في خبر عبد الله بن زيد1: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة إنما يجتمع الناس إليه للصلاة بحين مواقيتها بغير دعوة" 2. وقد رويت أحاديث تدل على أن الأذان شرع بمكة قبل الهجرة قال ابن حجر: "والحق أنه لا يصح شيء من هذه الأحاديث"3". وأما سبب تعليم أبي محذورة الأذان فقد قصه هو بنفسه فيما رواه النسائي وابن ماجه وغيرهما وهذا سياق النسائي: 256- أخبرنا إبراهيم4 بن الحسن ويوسف5 بن سعيد، واللفظ له، قال: "حدثنا حجاج6 عن ابن جريج7 قال: "حدثني عبد العزيز8 بن أبي محذورة أن عبد الله9 بن محيريز أخبره، وكان يتيما في حجر أبي محذورة10 حتى11 جهزه إلى الشام،

قال: "قلت لأبي محذورة1: "إني خارج إلى الشام وأخشى2 أن أسأل عن تأذينك فأخبرني أن أبا محذورة قال له: "خرجت في نفر3 فكنا ببعض طريق حنين مقفل4 رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين5 فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الطريق, فأذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ,فسمعنا صوت المؤذن ونحن عنه متنكبون6, فظللنا7 نحكيه8 ونهزأ به, فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصوت9". فأرسل إلينا10 حتى وقفنا بين يديه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع؟ فأشار القوم11 إلي وصدقوا, فأرسلهم كلهم وحبسني, فقال: قم فأذن بالصلاة, فقمت12 فألقى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم التأذين هو بنفسه قال: "قل: "الله أكبر الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر,13 أشهد أن لا إله إلا الله, أشهد أن لا إله إلا الله, أشهد أن محمدا رسول الله, أشهد أن محمدا رسول الله.

ثم قال: "ارجع فامدد صوتك1 ,ثم قال: "قل أشهد أن لا إله إلا الله, أشهد أن لا إله إلا الله, أشهد أن محمدا رسول الله, أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة, حي على الصلاة, حي على الفلاح, حي على الفلاح, الله أكبر, الله أكبر, لا إله إلا لله". ثم دعاني حين قضيت التأذين فأعطاني صرة فيها شيء من فضة2 فقلت يا رسول الله, مرني3 بالتاذين بمكة, فقال: "قد أمرتك به". فقدمت على عتاب بن أسيد عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فأذنت معه بالصلاة4 عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم5". والحديث رواه أبو داود وابن ماجة والشافعي وأحمد وابن حبان والطبراني كلهم من طريق ابن جريج به6".

ورواه الدارقطني والبيهقي والبغوي الجميع من طريق الشافعي1". ورواه الترمذي من طريق إبراهيم بن عبد العزيز مختصرا وهذا سياقه: قال: "حدثنا بشر بن معاذ البصري حدثنا إبراهيم2 بن عبد العزيز ابن عبد الملك بن أبي محذورة قال: "أخبرني أبي3 وجدي4 جميعا عن أبي محذورة5 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقعده وألقى عليه الأذان حرفا حرفا". قال إبراهيم: "مثل أذاننا". قال بشر: "فقلت له: "أعد عليّ فوصف الأذان بالترجيع". قال أبو عيسى: "حديث أبي محذورة في الأذان حديث صحيح، وقد روي عنه من غير وجه". وعليه العمل بمكة، وهو قول الشافعي6". والحديث فيه أن عدد ألفاظ الأذان خمس عشرة كلمة مع تربيع التكبير في أوله، بدون ترجيع، ومع الترجيع تكون ألفاظ الأذان تسع عشرة كلمة. ورواه أبو داود وابن حبان والطبراني والبيهقي الجميع من طريق محمد7 بن عبد الملك بن أبي محذورة عن أبيه عن جده قال: "قلت: "يا رسول الله علمني سنة الأذان، قال: "فمسح مقدم رأسي وقال: "تقول: "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ثم ساق ألفاظ الأذان تسع عشرة كلمة مع الترجيع، ولم يذكر الإقامة.

وزاد في آخره: "فإن كانت صلاة الصبح قلت: "الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله" 1. ومن طريق أبي داود أخرجه البغوي2". ورواه أبو داود أيضاً والطبراني كلاهما من طريق إبراهيم3 بن إسماعيل بن عبد الملك بن أبي محذورة قال: "سمعت جدي عبد الملك بن أبي محذورة يذكر أنه سمع أبا محذورة يقول: "ألقى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان حرفاً حرفاً، ثم ساق ألفاظ الأذان مع الترجيع "تسع عشرة كلمة" ولم يذكر الإقماة أيضا". وفي آخره قال: "وكان يقول في الفجر: "الصلاة خير من النوم"4. ورواه الطبراني والدارقطني والبيهقي الجميع من طريق عبد الرزاق5. وأبو داود من طريق أبي عاصم النبيل6 وعبد الرزاق كلاهما عن ابن جريج قال أخبرني عثمان7 بن السائب أخبرني أبي8 وأم عبد الملك9 ابن أبي محذورة عن أبي محذورة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة، وإبراهيم بن إسماعيل10". ومن طريق أبي داود أخرجه البيهقي11".

ورواه النسائي والدارقطني كلاهما من طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج قال: "أخبرني عثمان بن السائب به". ومن طريق الدارقطني أخرجه البيهقي". ولفظه عند النسائي: "قال: "لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين خرجت عاشر عشرة1 من أهل مكة نطلبهم فسمعناهم يؤذنون بالصلاة فقمنا نؤذن نستهزئ بهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد سمعت في هؤلاء تأذين إنسان حسن الصوت فأرسل إلينا فأذنا رجل رجل، وكنت آخرهم فقال حين أذنت تعال، فأجلسني بين يديه، فمسح على ناصيتي2 وبرك علي ثلاث مرات، ثم قال: "اذهب فأذن عند البيت الحرام" قلت: "كيف يا رسول الله؟ فعلمني كما تؤذنون الآن بها: "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أنّ محمداً رسول الله، أشهد أنّ محمداً رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم في الأولى من الصبح". قال: "وعلمني الإقامة مرتين: "ثم ساق ألفاظ الإقامة". وفي آخر الحديث قال: "قال ابن جريج: "أخبرني عثمان هذا الخبر كله عن أبيه وعن أم عبد الملك بن أبي محذورة أنهما سمعا ذلك من أبي محذورة"3". ورواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد وابن الجارود والدارمي وابن خزيمة وابن حبان والطبراني والدارقطني والبيهقي الجميع من طريق عامر الأحول4".

حدثني مكحول حدثه أن عبد الله بن محيريز حدثه أن أبا محذورة، حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة كلمة"1. ثم ساق ألفاظ الأذان مع الترجيع، والإقامة مثنى مثنى". ورواه مسلم من طريق عامر الأحول به2". فذكر الأذان مثنى مثنى مع الترجيع الشهادتين". فكان عدد ألفاظ الأذان مع الترجيع سبع عشرة كلمة مع تثنية التكبير في أوله وترجيع الشهادتين". والحديث رواه عن أبي محذورة - رضي الله عنه - جماعة من التابعين بصور مختلفة روى إحداها مسلم في صحيحه وقد صحح الحديث الترمذي، وقال ابن خزيمة: "خبر أبي3 محذورة ثابت صحيح من جهة النقل"4. إهـ. وقد اشتمل الحديث على الصور الآتية: أ- ترجيع الشهادتين ن في الأذان". ب- التكبير في أول الأذان أربع مرات، وأن عدد ألفاظ الأذان خمس عشرة كلمة، بدون ترجيع، وتسع عشرة كلمة مع الترجيع. ج- التكبير في أوّل الأذان مرتين فقط مع الترجيع الشهادتين، بحيث يصبح عدد ألفاظ الأذان ثلاث عشرة كلمة بدون ترجيع، وسبع عشرة كلمة مع الترجيع5.

د- تثنية ألفاظ الإقامة سوى كلمة التوحيد في آخرها، بحيث يصبح عدد ألفاظ الإقامة خمس عشرة كلمة1". هـ- الصورة السابقة مع تربيع التكبير في أولها فتكون ألفاظها سبع عشرة كلمة2". و إفراد الإقامة سوى كلمتي التكبير وقد قامت الصلاة، فيكون عدد ألفاظها إحدى عشرة كلمة3". ز- التثويب في أذان الفجر، وهو قول المؤذن بعد الحيعلة "الصلاة خير من النوم". هكذا وردت هذه الصور في حديث أبي محذورة رضي الله عنه". وسأعطي نبذة عن كل فقرة من هذه الفقرات ناقلا في ذلك بعض ما قاله علماؤنا في هذا باختصار، فأقول: أ- الترجيع: قال النووي: "وفي هذا الحديث حجة بينة ودلالة واضحة لمذهب مالك والشافعي وأحمد وجمهور العلماء أن الترجيع4 في الأذان ثابت مشروع، وهو العود إلى الشهادتين مرتين برفع الصوت بعد قولهما مرتين بخفض الصوت، وقال أبو حنيفة والكوفيون: "لا يشرع الترجيع عملا بحديث عبد الله بن زيد فإنه ليس فيه ترجيع، ثم قال النووي: "وحجة الجمهور هذا الحديث الصحيح، والزيادة مقدمة مع أن حديث أبي محذورة هذا متأخرا عن حديث عبد الله بن زيد، فإن حديث أبي محذورة سنة ثمان من الهجرة بعد حنين، وحديث عبد الله بن زيد في أول الأمر".

وانضم إلى هذا كله عمل أهل مكة والمدينة وسائر الأمصار". ثم قال: "وذهب جماعة من المحدثين وغيرهم إلى التخيير بين فعل الترجيع وتركه والصواب إثباته1". إهـ. وبهذا يعلم أن الترجيع زيادة ثابتة في حديث أبي محذورة عند مسلم وغيره وأن القائلين بمشروعيته هم جمهور العلماء ومنهم مالك والشافعي وأحمد". وأن القائلين بعدم مشروعيته هم الأحناف وقد حاول الطحاوي رد هذه الزيادة، فقال: "بعد أن ساق حديث أبي محذورة المشتمل على زيادة الترجيع "فهذا عبد الله بن زيد، لم يذكر في حديثه الترجيع، فقد خالف أبا محذورة في الترجيع في الأذان، فاحتمل أن يكون الترجيع الذي حكاه أبو محذورة إنما كان لأن أبا محذورة لم يمد بذلك صوته، على ما أراد النبي صلى الله عليه وسلم منه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "ارجع وامدد صوتك" 2 هكذا اللفظ في الحديث فلما احتمل ذلك، وجب النظر، لنستخرج به من القولين قولا صحيحا، فرأينا ما سوى ما اختلف فيه من الشهادتين، أن (لا إله إلا الله، وأنّ محمداً رسول الله) لا ترجيع فيه". فالنظر على ذلك أن يكون ما اختلفوا فيه من ذلك، معطوفاً على ما أجمعوا عليه، ويكون إجماعهم، أن لا ترجيع في سائر الأذان غير الشهادة يقضي على اختلافهم في الترجيع في الشهادة وهذا الذي وصفنا وما بيناه من نفي الترجيع، قول أبي حنيفة، وأبي يوسف ومحمد - رحمهم الله تعالى - "3. إهـ. فقد علل الطحاوي لرد زيادة الترجيع الوارد في حديث أبي محذورة بتعليلين:

أكبر، الله أكبر، ترفع بها صوتك، ثم تقول: "أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمد رسول الله، تخفض بها صوتك، ثم ترجع صوتك بالشهادة: "أشهد أن لا إله إلاّ الله، أشهد أن لا إله إلاّ الله، أشهد أنّ محمّداً رسول الله، أشهد أنّ محمّداً رسول الله"، الحديث1. وردّ الثاني: "بان الطحاوي نفسه قد قبل زيادة التثويب الواردة في حديث أبي محذورة دون حديث عبد الله بن زيد". فقد قال: "كره قوم أن يقال في أذان الصبح (الصلاة خير من النوم) ". واحتجوا في ذلك بحديث عبد الله بن زيد في الأذان الذي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم تعليمه إياه بلالاً". وخالفهم في ذلك آخرون، فاستحبوا أن يقال: "ذلك في التأذين للصبح بعد الفلاح". وكان من الحجة لهم في ذلك أنه وإن لم يكن ذلك في حديث عبد الله بن زيد, فقد علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا محذورة بعد ذلك وأمره أن يجعله في الأذان للصبح". فلما علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا محذورة كان ذلك زيادة على ما في حديث عبد الله بن زيد, فوجب استعمالها 2". وقد ردّ عليه المباركفوري - رحمه الله - بقوله: "فكذلك يقال إن الترجيع، وإن لم يكن في حديث عبد الله بن زيد، فقد علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا محذورة بعد ذلك، فلما علمه رسول الله أبا محذورة كان ذلك زيادة على ما في حديث عبد الله بن زيد فوجب استعماله"3". وقال الشوكاني: "وذهب الشافعي ومالك وأحمد وجمهور العلماء - كما قال النووي - إلى الترجيع في الأذان ثابت لحديث أبي محذورة، وهو حديث صحيح مشتمل على زيادة غير منافية فيجب قبولها"4.

ب وجـ- التكبير في أول الأذان أربع مرات، ومرتين فقط: قال النووي عند شرحه لحديث أبا محذورة "هكذا وقع هذا الحديث في صحيح مسلم في أكثر الأصول" في أوله "الله أكبر مرتين فقط". ووقع في غير مسلم الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أربع مرات، قال القاضي عياض - رحمه الله ـ: "ووقع في بعض طرق الفارسي1 في صحيح مسلم أربع مرات، وكذلك اختلف في حديث عبد الله بن زيد في التثنية والتربيع، والمشهور فيه التربيع، وبالتربيع قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد وجمهور العلماء". وبالتثنية قال مالك: "واحتج بهذا الحديث وبأنه عمل أهل المدينة وهم أعرف بالسنن". واحتج الجمهور بأن الزيادة من الثقة مقبولة، وبأن التربيع عمل أهل مكة وهي مجمع المسلمين في المواسم وغيرها ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة وغيرهم"2".إهـ". وقال الزيلعي: "وقال أبو عمر بن عبد البر: "وقد اختلفت الروايات عن أبي محذورة، إذ علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان بمكة عام حنين، فروي عنه فيه تربيع التكبير في أوله, وروي عنه بتثنيته ,والتربيع فيه من رواية الثقات الحفاظ, وهي زيادة يجب قبولها, والعمل عندهم بمكة في آل أبي محذورة بذلك إلى زماننا, وهو في حديث عبد الله بن زيد في قصة المنام ,وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد"3". وقال الشوكاني: "والحق أن روايات التربيع أرجح لاشتمالها على الزيادة وهي مقبولة لعدم منافاتها وصحة مخرجها"4". وقد عرفت أن عمدة القائلين بتثنية التكبير في أوّل الأذان هو حديث مسلم هذا".

وقال عياض بأنه وقع في بعض طرق الفارسي في صحيح مسلم الله أكبر في أول الأذان أربع مرات1". وقال ابن حجر: "قال ابن القطان2: "الصحيح في هذا التربيع التكبير وبه يصح كون الأذان تسع عشرة كلمة". وقد يقع في بعض روايات مسلم بتربيع التكبير، وهي التي ينبغي أن تعد في الصحيح". إهـ". ثم قال ابن حجر: "وقد رواه البيهقي من طريق إسحاق بن إبراهيم عن معاذ بن هشام بسنده، وفيه تربيع التكبير، وقال بعده: "رواه مسلم بن الحجاج، في الصحيح عن إسحاق بن إبراهيم عن معاذ بن هشام، وكذلك أخرجه أبو عوانة في "مستخرجه" من طريق علي بن المدني عن معاذ بن هشام3". وأما كون التثنية عمل أهل المدينة وهم أعرف بالسنن، فيرد عليه بكون التربيع عمل أهل مكة وهي محط رحال العلماء والوافدين إليها في المواسم وغيرها من كل قطر بما فيهم أهل المدينة". ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة وغيرهم4". وبهذا يعلم أن تربيع التكبير في أول الأذان هو الراجح". د، هـ- التكبير في أول الإقامة أربع مرات، ومرتين مع تثنية بقية الألفاظ سوى كلمة التوحيد: جاء التكبير في أول الإقامة: "أربع مرات مع تثنية بقية ألفاظ الإقامة في حديث

أبي محذورة من طريق عامر الأحول عن مكحول عن عبد الله ابن محيريز عن أبي محذورة وقد تقدم الحديث1". وجاء تثنية ألفاظ الإقامة سوى كلمة التوحيد من طريق ابن جريج أخبرني عثمان بن السائب أخبرني أبي وأم عبد الملك عن أبي محذورة، وقد تقدم أيضا2". و إفراد الإقامة سوى كلمتي التكبير، وقد قامت الصلاة: ورد إفراد الإقامة عند الدارقطني والبيهقي كلاهما من طريق إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة قال: "سمعت أبي وجدي يحدثان عن أبي محذورة أنه كان يؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم فيفرد الإقامة، إلا أنه يقول: "قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة3". ورواه البيهقي - أيضا - من طريق حجاج بن محمد قال: "قال ابن جريج: "أخبرني عثمان بن السائب أخبرني أبي وأم عبد الملك بن أبي محذورة عن أبي محذورة قال: "لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى حنين، فذكر الحديث، وقال في التكبير في صدر الأذان أربعا". قال: "وعلمني الإقامة مرتين: "الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله". ثم قال البيهقي فذكر الإقامة مفردة كما ترى وصار قوله مرتين عائدا إلى كلمة الإقامة، وعلى ذلك تدل أيضا رواية عبد الرزاق4 عن ابن جريج حدثني عثمان بن السائب مولاهم عن أبيه الشيخ مولى أبي محذورة، وعن أم عبد الملك بن أبي محذورة أنهما سمعا ذلك من أبي محذورة فذكر الحديث نحو حديث حجاج وقال في آخره إذا أقمت فقلها مرتين قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة أسمعت؟

وزاد فكان أبو محذورة لا يجز ناصيته ولا يفرقها لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح عليها1". والخلاصة أن المشهور من المذاهب جماهير العلماء هو إفراد الإقامة وأن عدد ألفاظها إحدى عشرة كلمة وبذلك تظاهرت النصوص". قال النووي: "واختلف العلماء في لفظ "الإقامة" فالمشهور من مذهبنا الذي تظاهرت عليه نصوص الشافعي رضي الله عنه، وبه قال أحمد وجمهور العلماء أن الإقامة إحدى عشرة كلمة، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمّداً رسول الله، حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلاّ الله". وقال الخطابي: "مذهب جمهور العلماء والذي جرى به العمل في الحرمين والحجاز والشام واليمن ومصر والمغرب إلى أقصى بلاد الإسلام أن الإقامة فرادى". ثم قال رحمه الله: "ومذهب عامة العلماء أنه يكرر قوله: "قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، إلا مالكا فإن المشهور عنه أنه لا يكررها2". وقال الشوكاني: "قال ابن سيد الناس3: "وقد ذهب إلى القول بأن الإقامة إحدى عشرة كلمة: "عمر بن الخطاب وابنه، وأنس بن مالك، والحسن البصري، والزهري والأوزاعي4 وأحمد وأبو ثور5 ويحيى بن يحيى6 وداود وابن المنذر7".

وقال البيهقي: "ممن قال بإفراد الإقامة أيضا: "سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وابن سرين وعمر بن عبد العزيز". وقال البغوي: "وهو قول أكثر العلماء1". إهـ". قلت: " من أدلة هذا المذهب حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -: 257- قال: "أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة2". 258- وحديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه وفيه: "أن عدد الإقامة إحدى عشرة كلمة". رواه أبو داود وأحمد والترمذي مختصراً". وقال الترمذي: "حديث عبد الله بن زيد حديث حسن صحيح3". وقال أبو حنيفة: "الإقامة سبع عشرة كلمة فيثنيها كلها". قال النووي: "وهذا المذهب شاذ4". وقال الشوكاني: "وذهبت الحنفية والهادوية والثوري وابن المبارك وأهل الكوفة إلى أن ألفاظ الإقامة". مثل الأذان عندهم مع زيادة قد قامت الصلاة مرتين، واستدلوا بما في رواية عبد الله بن زيد عند الترمذي، وأبي داود، بلفظ: "كان أذان رسول الله صلى الله عليه وسلم شفعاً شفعاً في الأذان والإقامة". وروي معنى ذلك عن بلال". وقد أعلها العلماء.

غير أن الشوكاني: "دافع عنها وأيدها بحديث أبي محذورة الوارد فيه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة" 1 قال: "وهو حديث صححه الترمذي وغيره". فيكون ناسخا لحديث "أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة" لتأخره عن حديث بلال، لأن أبا محذورة من مسلمة الفتح، وبلالاً أمر بإفراد الإقامة أول ما شرع الأذان". ثم قال: "وإذا عرفت هذا تبين لك أن أحاديث تثنية الإقامة صالحة للاحتجاج كما أسلفناه". وأحاديث إفراد الإقامة وإن كانت أصح منها لكثرة طرقها وكونها في الصحيحين، ولكن أحاديث التثنية مشتملة على الزيادة، فالمصير إليها لازم لا سيما مع تأخر تاريخ بعضها كما عرفناك2". إهـ". فقد تبين من هذا أن أحاديث إفراد الإقامة أصح وأكثر وأن القائلين بها هم جماهير العلماء، وقد قيل للإمام أحمد بن حنبل: أليس حديث أبي محذورة بعد حديث عبد الله بن زيد، لأن حديث أبي محذورة بعد فتح مكة، قال: "أليس قد رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فأقر بلالاً على أذان عبد الله بن زيد". قال الشوكاني: "ولكن هذا متوقف على نقل صحيح أن بلالاً أذن بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وأفرد الإقامة، ومجرد قول أحمد بن حنبل لا يكفي، فإن ثبت ذلك، كان دليلاً لمذهب من قال بجواز الكلّ ويتعين المصير إليهما؛ لأن فعل كل واحد من الأمرين عقب الآخر مشعر بجواز الجميع لا بالنسخ"3". وأقول لعل الأسلم في ذلك هو القول بجواز الكل ما دام أن الجميع قد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جعله ابن خزيمة وابن حبان من الاختلاف المباح4".

وقال ابن عبد البر: "ذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وداود بن علي، ومحمد بن جرير الطبري إلى إجازة القول بكل ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك وحملوه على الإباحة والتخيير، قالوا: "كل ذلك جائز لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم جميع ذلك وعمل به أصحابه، فمن شاء قال: الله أكبر أربعا في أول الأذان، ومن شاء ثنى الإقامة, ومن شاء أفرد، إلا قوله:"قد قامت الصلاة"فإن ذلك مرتان على كل حال1".إهـ. وأشار ابن قيم الجوزي أيضا إلى أن هذا ونحوه من الخلاف المباح الذي لا يعنف فيه من فعله , ولا من تركه2. ز- التثويب في أذان الفجر وهو قول المؤذن في أذان الفجر بعد الحيعلتين: "الصلاة خير من النوم, الصلاة خير من النوم"3. وقد ورد التثويب في حديث أبي محذورة من طريق محمد بن عبد المالك بن أبي محذورة عن أبيه عن جده قال: "يا رسول الله علِّمني سنة الأذان، قال: "فمسح على رأسي، وقال: "تقول: "الله أكبر، الخ". ثم ساق ألفاظ الأذان". وفي آخر الحديث قال: "فإن كانت صلاة الصبح قلت: "الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، الله أكبر ,الله أكبر, لا إله إلا الله". ومن طريق إبراهيم بن إسماعيل ابن عبد الملك بن أبي محذورة، قال: "سمعت جدي عبد الملك بن أبي محذورة يذكر أنه سمع أبا محذورة به". ومن طريق ابن جريج قال: "أخبرني عثمان بن السائب به4". وقد روي التثويب - أيضاً - من حديث بلال عند الترمذي وابن ماجة وأحمد, بإسناد فيه انقطاع5".

ومن حديث عبد الله بن عمر عند الدارقطني والبيهقي والطبراني1". قال ابن حجر: "وسنده حسن2". ومن حديث أنس بن مالك3 عند ابن خزيمة والدارقطني والبيهقي، قال: "من السنة إذا قال المؤذن في أذان الفجر: "حي على الفلاح، قال: "الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، مرتين، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله" 4. قال الشوكاني: "قال ابن سيد الناس اليعمري: "وهذا إسناد صحيح". وفي الباب عائشة عند ابن حبان". وعن نعيم النحام عند البيهقي5". قال الشوكاني: "وقد ذهب إلى القول بشرعية التثويب: "عمر بن الخطاب وابنه وأنس والحسن البصري وابن سيرين والزهري ومالك والثوري وأحمد وإسحاق، وأبو ثور وداود وأصحاب الشافعي، وهو رأي الشافعي في القديم". ومكروه عنده في الجديد، وهو مروي عن أبي حنيفة". ثم قال: "واختلفوا في محله فالمشهور أنه في صلاة الصبح فقط". ثم نقل عن بعض العلماء بأنه سنة في جميع الصلوات، وعن بعضهم أنه يستحب في أذان العشاء". ثم قال: "والأحاديث لم ترد بإثباته إلا في صلاة الصبح لا في غيرها، فالواجب الاقتصار على ذلك، والجزم بأن فعله في غيرها بدعة كما صرح بذلك ابن عمر وغيره6". ثم قال: "وذهبت العترة7 والشافعي في أحد قوليه إلى أن التثويب بدعة".

قال في البحر1: "أحدثه عمر بن الخطاب، فقال ابنه: "هذه بدعة". وعن عليّ - رضي الله عنه - حين سمعه: "قال: "لا تزيدوا في الأذان ما ليس منه". ثم قال بعد أن ذكر حديث أبي محذورة وبلال الوارد فيهما لفظ التثويب". قلنا: "لو كان لما أنكره علي وابن عمر، وطاوس، سلمنا فأمرنا به إشعارا في حال لا شرعا جمعا بين الآثار، انتهى قول صاحب البحر". وقد رد عليه الشوكاني: "بقوله: "وأقول قد عرفت مما سلف رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم والأمر به على جهة العموم من دون تخصيص بوقت دون وقت، وابن عمر لم ينكر مطلق التثويب بل أنكره في صلاة الظهر". ورواية الإنكار عن عليّ - رضي الله عنه - بعد صحتها لا تقدح في مروي غيره لأن المثبت أولى ومن علم حجة على من لا يعلم، والتثويب ثابتة فالقول بها لازم"2". وخلاصة القول أن الأمر بالتثويب في صلاة الفجر، ورد في أحاديث كثيرة منها الصحيح والحسن والضعيف" وهي زيادة ثابتة فيتعين قبولها".

_ 1 البحر الزخار الجامع لمذاهب الأمصار، لمؤلفه: الإمام المهدي أحمد بن يحيى بن المرتضى ولد سنة (775) وتوفي سنة: "840) . (البدر الطالع للشوكاني:1/122-126) . 2 نيل الأوطار 2/43 وشرح معاني الآثار للطحاوي 1/136-137، وشرح السنة للبغوي 2/264-267، وتحفة الاوذي للمباركفوري 1/592-595".

الحكم الثامن: إقامة الحد في دار الحرب

الحكم الثامن: إقامة الحدّ في دار الحرب الحد في اللغة: "المنع والفصل بين الشيئين، فكأن حدود الشرع فصلت بين الحلال والحرام". وفي الشرع: "هي عقوبة مقدرة شرعا في معصية لتمنع من الوقوع في مثلها1". وفي هذه الغزوة التي نحن بصدد الحديث عنها جيء برجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سكر فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان عنده فضربوه بما كان في أيديهم وحَثَا صلى الله عليه وسلم عليه التراب، ردعا له جزاء ما ارتكب وتطهيرا له مما علق به من دنس المعصية". وقد ورد في هذا ما رواه أبو داود والنسائي وأحمد والطحاوي وغيرهم وهذا سياقه عند الطحاوي: 259- حدّثنا عليّ2 بن شيبة قال حدّثناروح3 بن عبادة قال ثنا أسامة4 بن زيد قال: "حدثني ابن شهاب قال: "حدثني عبد الرحمن5 بن أزهر الزهري قال:

"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين يتخلل الناس - أي يدخل بينهم - يسأل1 عن منزل خالد بن الوليد، فأتي بسكران فأمر من كان عنده فضربوه بما كان في أيديهم، ثم حثا عليه التراب - أي: "رمى بيده عليه التراب - ثم أتي أبو بكر بسكران فتوخّي2 الذي كان من ضربهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربه أربعين" 3. والحديث رواه أبو داود عن الحسن4 بن علي أخبرنا عثمان5. ابن عمر أخبرنا أسامة بن زيد عن الزهري عن عبد الرحمن بن أزهر قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة6 الفتح - وأنا غلام شاب - يتخلل الناس يسأل عن منزل خالد بن الوليد فأتي بشارب فأمرهم فضربوه بما في أيديهم، فمنهم من ضربه بالسوط، ومنهم من ضربه بعصا، ومنهم من ضربه بنعله، وحثا رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب، فلما كان أبو بكر أُتي بشاربٍ فسألهم عن ضرب النبيّ صلى الله عليه وسلم الذي ضرب فحزروه، فضرب أبو بكر أربعين، فلما كان عمر كتب إليه خالد بن الوليد أن الناس قد انهمكوا في الشرب

وتحاقروا الحدّ والعقوبة قال: "هم عندك فسلهم - وعنده المهاجرون الأولون - فسألهم فأجمعوا على أن يضرب ثمانين". قال وقال علي: "إن الرجل إذا شرب افترى فأرى أن يجعله كحد الفرية"1". ورواه عمر بن شيبة عن عثمان بن عمر به2". ورواه أحمد عن عثمان بن عمر ثنا أسامة بن زيد به إلى قوله: "وحثا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب" 3". ورواه النسائي والحاكم من طريق صفوان4 بن عيسى أنبأنا أسامة ابن زيد عن الزهري قال: "حدثني عبد الرحمن بن أزهر - رضي اله عنه - قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وهو يتخلل الناس يسأل عن منزل خالد بن الوليد فأتي بسكران فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان عنده أن يضربوه بما كان في أيديهم، قال: "وحثا رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب في وجهه". قال: "ثم أُتِيَ أبو بكر رضي الله عنه بسكران فَتَوَخَّى الذي كان من ضربهم يومئذ فضرب أربعين وضرب عمر - رضي الله عنه - أربعين"5". ورواه البيهقي من طريق روح بن عبادة ثنا أسامة بن زيد عن ابن شهاب، حدثني عبد الرحمن بن أزهر الزهري - رضي الله عنه - قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين يتخلل الناس يسأل عن منزل خالد بن الوليد وأُتِىَ بسكران، فأمر من كان عنده فضربوه بما كان في أيديهم وحثا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه من التراب" 6.

ورواه أحمد عن زيد1 بن الحباب ثنا أسامة بن زيد عن الزهري به إلى قوله: "بما كان في أيديهم" 2. ورواه أبو داود والطحاوي من طريق ابن وهب قال أخبرني أسامة ابن زيد الليثي عن ابن شهاب حدثه عن عبد الرحمن بن أزهر، قال: "كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الآن وهو في الرحال يلتمس رحل خالد بن الوليد يوم حنين فبينما هو كذلك، أتي برجل قد شرب الخمر، فقال للناس "اضربوه" فمنهم من ضربه بالنعال، ومنهم من ضربه بالعصا، ومنهم من ضربه بالميتخة 3 - يريد الجريدة الرطبة - ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ترابا من الأرض فرمى به في وجهه" 4. ورواه النسائي من طريق صالح 5 بن كيسان عن الزهري بلفظ "أن عبد الرحمن بن أزهر كان يحدث أنه حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم" الحديث6. ورواه الشافعي عن معمر بن راشد عن الزهري عن عبد الرحمن ابن أزهر قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حنين سأل عن رحل خالد بن الوليد فجريت بين يديه أسأل عن رحل خالد بن الوليد حتى أتاه جريحاً وأُتي النبي صلى الله عليه وسلم بشارب فقال: "اضربوه" فضربوه بالأيدي والنعال وأطراف الثياب وحثوا عليه من التراب، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم بكتوه فبكتوه ثم أرسله". قال فلما كان أبو بكر - رضي الله عنه - سأل من حضر ذلك المضروب فقومه أربعين

فضرب أبو بكر في الخمر أربعين حياته ثم عمر - رضي الله عنه - حتّى تتابع الناس في الخمر فاستشار فضربه ثمانين"1". والخلاصة؛ أن أسامة بن زيد اللّيثي روى هذا الحديث عن الزهري بلفظ "حدثني عبد الرحمن بن أزهر" ورواه صالح بن كيسان ومعمر بن راشد ويونس2 بن يزيد الأيلي كلّهم عن الزهري فلم يصرحوا في روايتهم بتحديث عبد الرحمن بن أزهر للزهري". وصرّح بالتحديث من بين أصحاب الزهري أسامة بن زيد اللّيثي، وهو: "صدوق يهم"، وخالفه عقيل3 بن خالد فوسط بين الزهري وبين عبد الرحمن بن أزهر: "عبد الله بن عبد الرحمن بن أزهر". قال ابن حاتم سألت أبي 4 وأبا زرعة5 عن حديث رواه أسامة ابن زيد عن عبد الرحمن بن أزهر قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن خالد بن الوليد وأنا غلام شاب وأُتي بشارب وأمرهم فضربوه فمنهم من ضربه بنعله، وذكرت لهما الحديث". فقالا: "لم يسمع الزهري هذا الحديث من عبد الرحمن بن أزهر، يدخل بينهما عبد الله 6 بن عبد الرحمن بن أزهر". قلت لهما: "من يدخل بينهما ابن عبد الرحمن بن أزهر؟ قالا: "عقيل بن خالد 7". قلت: "رواية عقيل بن خالد المشار إليها أخْرَجَها أبو داود والنسائي والطبراني والدارقطني، الجميع من طريق ابن السرح وهذا سياقه عند أبي داود:

حدثنا ابن السرح1 قال: "وجدت2 في كتاب خالي عبد الرحمن3 ابن عبد الحميد عن عقيل أن ابن شهاب أخبره أن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أزهر أخبره عن أبيه قال: "أُتِيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بشارب وهو بحنين4 فحثا في وجهه التراب، ثم أمر أصحابه فضربوه بنعالهم وما كان في أيديهم حتى قال لهم: "ارفعوا فرفعوا". فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم5، ثم جلد أبو بكر في الخمر أربعين ثم جلد عمر أربعين صدراً من إمارته ثم جلد ثمانين في آخر خلافته، ثم جلد عثمان الحدين كليهما ثمانين وأربعين، ثم أثبت معاوية الحد ثمانين"6". إلا أن الطبراني جعل هذا الحديث من مسند أزهر والد عبد الرحمن". قال ابن حجر: "أورد الطبراني في ترجمة أزهر7 هذا عن أحمد بن محمّد بن نافع الطحان عن أحمد بن عمرو بن السرح قال وجدت في كتاب خالي عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن أزهر عن أبيه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتِىَ بشارب وهو بحنين" الحديث". وهذا وهم من الطبراني أو من شيخه فقد أخرجه أبو داود والنسائي عن ابن

السرح بهذا الإسناد عن الزهري عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أزهر عن أبيه، فالحديث من مسند ابن أزهر وهكذا رواه صالح1 بن كيسان عن الزهري، عن عبد الرحمن بن أزهر نفسه لم يقل عن أبيه، وكذا رواه أبو سلمة2 بن عبد الرحمن ومحمد3 بن إبراهيم التيمي عن عبد الرحمن بن أزهر نفسه"4".إهـ". قلت: "رواية أبي سلمة ومحمد بن إبراهيم التيمي أخرجها النسائي والدارقطني عنهما عن الزهري عن عبد الرحمن بن أزهر قال: "أتي النبي صلى الله عليه وسلم بشارب يوم حنين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس: "قوموا إليه، فقام الناس إليه فضربوه بنعالهم". وأخرجها الدارقطني أيضاً عن الزهري عن عبد الرحمن 5". وقد تبين مما تقدم أن الزهري لم يسمع هذا الحديث من عبد الرحمن بن أزهر وإنما سمعه من عبد الله بن عبد الرحمن بن أزهر عن أبيه، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أزهر". قال عنه ابن حجر في التقريب "مقبول" 6. والحديث رواه أبو سلمة بن عبد الرحمن ومحمد بن إبراهيم التيمي كلاهما عن عبد الرحمن بن أزهر". وقد ذكر ابن أبي حاتم وابن عبد البر وابن الأثير بأنهما رويا عن عبد الرحمن بن أزهر، وروايتهما عند النسائي والدارقطني 7.

فيحتمل أنهما سمعا منه مباشرة، ويحتمل أنهما رويا عنه بواسطة، والواسطة محتملة أن تكون "عبد الله بن عبد الرحمن" ويحتمل أن يكون غيره". وقد ذكر ابن حجر نقلا عن ابن مندة بأن وفاة عبد الرحمن بن أزهر كانت في الحرة، ووقعة الحرة كانت سنة أربع وستين1". كما ذكر بأن ولادة أبي سلمة بن عبد الرحمن كانت سنة بضع وعشرين2 والبضع من ثلاث إلى تسع3، فإذا أخذنا بآخر إطلاقاته فتكون ولادة أبي سلمة سنة تسع وعشرين، فيكون عمره عند وفاة عبد الرحمن بن أزهر خمسا وثلاثين سنة 4". وكلاهما مدنيان فيحتمل احتمالا قويا سماعه من عبد الرحمن بن أزهر ولو ثبت هذا فيكون السند متصلا ورجاله ثقات وعندها يكون الحديث صحيحاً". والحديث جاء في معناه حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم في غزاة إلى بعير من المغنم الحديث وفيه: "وجاهدوا الناس في الله القريب والبعيد، ولا تبالوا في الله لومة لا ئم، وأقيموا حدود الله في الحضر والسفر"5. قال الشوكاني: "وحديث عبادة بن الصامت أخرج أوله الطبراني في الأوسط والكبير". قال في مجمع الزوائد: "وأسانيد أحمد وغيره ثقات". ثم قال الشوكاني: "ويشهد لصحة هذا الحديث عمومات الكتاب والسنة وإطلاقاتهما لعدم الفرق فيها بين القريب والبعيد والمقيم والمسافر"6". اهـ". والحديثان يدلان على إقامة الحدود في دار الحرب، وبذلك قال مالك والشافعي وأبو ثور وابن المنذر". قال الشافعي: "وإذا أصاب الرجل حدا وهو محاصر للعدو أقيم عليه الحد ولا

يمنعنا الخوف عليه من اللحوق بالمشركين أن نقيم عليه حد الله عز وجل فلو فعلنا توقيا أن يغضب ما أقمنا الحد عليه أبداً؛ لأنه يمكنه من كل موضع أن يلحق بدار الحرب، والعلة أن يلحق بدار الحرب، فيعطل عنه الحد إبطالا لحكم الله عز وجل ثم حكم رسول اله صلى الله عليه وسلم بعلة جهالة وغيا". قد أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم الحد بالمدينة والشرك قريب منها وفيها شرك كثير موادعون وضرب الشارب بحنين والشرك قريب منه 1". وقد قَيَّد الشافعي إقامة الحد من قبل أمير الجيش فيما إذا وَلِيَ ذلك من قبل الإمام، فإن لم يول ذلك فعلى الشهود الذين يشهدون على الحد أنّ يأتوا بالمشهود عليه إلى الإمام والي ذلك ببلاد الحرب أو ببلاد السلام". ثم قال - رحمه الله - تعالى: "ولا فرق بين دار الحرب ودار السلام فيما أوجب الله على خلقه من الحدود لأن الله عز وجل يقول: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} ، [سورة المائدة، من الآية:38] . {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} ، [سورة النور، من الآية: 2] . وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم على الزاني الثيب الرجم وحد القاذف ثمانين جلدة لم يستثن من كان في بلاد الإسلام ولا في بلاد الكفر، ولم يضع عن أهله شيئا من فرائضه ولم يبح لهم شيئا مما حرم عليهم ببلاد الكفر ما هو إلا ما قلنا فهو موافق للتنزيل والسنة وهو مما يعقله المسلمون ويجتمعون عليه أن الحلال في دار الإسلام حلال في بلاد الكفر والحرام في بلاد الإسلام حرام في بلاد الكفر فمن أصاب حراما فقد حده الله على ما شاء منه ولا تضع عنه بلاد الكفر شيئاً". أو أن يقول قائل إن الحدود بالأمصار وإلى عمال الأمصار فمن أصاب حدا ببادية من بلاد الإسلام فالحد ساقط عنه، وهذا مما لم أعلم مسلما يقوله، ومن أصاب حدا في المصر ولا والي للمصر يوم يصيب الحد كان للوالي الذي يلي بعد ما أصاب أن يقيم الحد، فكذلك عامل الجيش إن ولى الحد أقامه، وإن لم يول الحد فأول من يليه

يقيمه وكذلك هو الحكم والقطع ببلاد الحرب وغير القطع سواء 1". وذهب الإمام أحمد والأوزاعي وإسحاق إلى أن من ارتكب حدا ببلاد الحرب لا يقام عليه الحد من قبل الإمام ولا نائبه حتى يخرج من دار الحرب فيقام عليه". 260- واستدلوا بحديث بسر2 بن أرطأة قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تقطع الأيدي في السفر". وفي لفظ: "لا تقطع الأيدي في الغزو" 3. وقد اختلف العلماء في بسر بن أرطأة هل له صحبة أوّلاً، قال ابن عبد البر: "يقال إنه لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض وهو صغير، هذا قول الواقدي وابن معين وأحمد وغيرهم". وقالوا: "خرف في آخر عمره". وأما أهل الشام: "فيقولون إنه سمع من النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن قال: "ولبسر ابن أرطأة حديثان هذا أحدهما والثاني: "في الدعاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة" 4. وكان يحيى بن معين يقول: "لا تصح له صحبة وكان يقول فيه رجل سوء"5 إهـ". وقال المنذري: "وكان يحيى بن معين لا يحسن الثناء عليه، وهذا يدل على أنه عنده لا صحبة له، وغمزه الدارقطني"6".أهـ.

وقال الزيلعي: "قال البيهقي في "المعرفة" أهل المدينة ينكرون سماع بسر بن أرطأة من النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يحيى بن معين يقول: "بسر بن أرطأة رجل سوء". قال البيهقي: "وذلك لما اشتهر من سوء فعله في قتال أهل الحرة". وقال ابن سعد في "الطبقات"1 قال الواقدي: "بسر بن أرطأة أدرك النبي صلى الله عليه وسلم صغيرا ولم يسمع منه شيئا، وقال غيره إنه سمع منه". ثم قال الزيلعي: "واستدل البيهقي للشافعي في إقامة الحدود بدار الحرب بإطلاق الآيات الواردة في حد الزاني، وقطع السارق، وجلد القاذف، وبما أخرجه أبو داود في "المراسيل2 عن مكحول3 عن عبادة ابن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أقيموا حدود الله في السفر والحضر، على القريب والبعيد ولا تبالوا في الله لومة لائم". ورويناه بإسناد موصول في السنن4". وحديث بسر قال فيه الترمذي: "حديث غريب"، ثم قال: "والعمل على هذا عند بعض أهل العلم منهم الأوزاعي، لا يرون أن يقام الحد في الغزو وبحضرة العدو مخافة أن يلحق من يقام عليه الحد بالعدو، فإذا خرج الإمام من أرض الحرب ورجع إلى دار السلام أقام الحد على من أصابه". كذلك قال الأوزاعي5. إهـ. 261- واستدلوا أيضاً بما روى عن الأحوص بن حكيم عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى الناس أن لا يجلدن أمير جيش ولا سرية ولا رجلاً من المسلمين حداً، وهو غاز حتى يقطع الدرب قافلا لئلا تلحقه حمية الشيطان فيلحق بالكفار"6". وفيه الأحوص ضعيف الحفظ، وأبوه حكيم بن عمير، صدوق يهم7".

وقد تابع الأحوص ثور بن يزيد وهو ثقة عند البيهقي ولكن الحديث فيه إبهام". ورى أيضاً نحو هذا الحديث عن مكحول عن زيد بن ثابت، وفيه إبهام أيضا ومكحول قال الشافعي لم ير زيد بن ثابت 1". وروى البوصيري2 من طريق حسان بن زاهر أن حصين بن حدير أخبره أنه سمع عمر بن الخطاب يقول: "لا تقطع اليد في الغزو ولا عام سنة"3. وحسان بن زاهر وحصين بن حدير، ذكرهما ابن أبي حاتم والبخاري ولم يذكرا فيهما جرحا ولا تعديلاً4". والخلاصة أن الأحاديث في هذا كلها لا تخلو من ضعف". وقال أبو حنيفة: "لا حد ولا قصاص في دار الحرب ولا إذا رجع إلا إذا غزا من له ولاية الإقامة بنفسه كالخليفة وأمير المصر يقيم الحد على مرتكبيه لأنه تحت يده، بخلاف أمير العسكر والسرية لأنه لم تفوض إليهما الإقامة، ولا تقام الحدود بعد الرجوع إلى بلاد الإسلام؛ لأنه عندما ارتكب الحد في دار الحرب لم يكن للإمام عليه قدرة، فلم تنعقد موجبة، فلا ينقلب موجبة بعد الخروج من دار الحرب". واستدل الأحناف على هذا بما استدل به الحنابلة من أنه لا تقام الحدود في دار الحرب، إلا أن الحنابلة أوجبوا إقامة الحد بعد الرجوع إلى بلاد المسلمين والأحناف عمموا عدم إقامة الحد في السفر والحضر5". والذي يظهر في هذا هو وجوب إقامة الحد على مرتكبيه في أي زمان ومكان لأن النصوص الواردة في ذلك عامة وصحيحة فلا يترك الحد مخافة أن يلحق من أقيم عليه الحد بالمشركين لأن احتمال لحقوقه بالمشركين لا يكون مبررا في إسقاط الحد عمن ارتكبه.

قال الشافعي: "فإن لحق بالمشركين من أقيم عليه الحد، فهو أشقى له، ومن ترك الحد خوف أن يلحق المحدود ببلاد المشركين، تركه في سواحل المسلمين ومسالحهم التي تتصل ببلاد الحرب"1". هذا هو الواجب على المسلمين عملا بقوله صلى الله عليه وسلم "أقيموا حدود الله في السفر والحضر على القريب والبعيد ولا تبالوا في الله لومة لائم". لكن يمكن أن يقال إن أمير الجيش في دار الحرب إذا خشي مفسدة كبيرة تترتب على إقامة الحد على ذي شوكة في أفراد الجيش فإن الأمر يرجع حينئذ إلى اجتهاده فلا بأس أن يؤخر عنه الحد إلى الحضر نظرا لهذه المصلحة الراجحة، وَالحَدُّ سيقام على مرتكبيه بكلّ حال وأكثر ما فيه تأخير الحدّ لمصلحة راجحة، إما من حاجة المسلمين إليه أو من خوف ارتداده ولحقوه بالكفار، وتأخير الحد لعارض أمر وردت به الشريعة، كما يؤخر عن الحامل والمرضع، وعن وقت الحر والبرد والمرض، فهذا تأخير لمصلحة المحدود، فتأخيره لمصلحة الإسلام أولى"2". وأما ما قاله الأحناف من سقوط الحد مطلقا في السفر والحضر فهذا غير وجيه لأن فيه تضيعا لحدود الله، بتعليلات واهية".

_ 1الأم للشافعي7/322-323و4/199-200والسنن الكبرى للبيهقي9/104-105". 2 انظر إعلام الموقعين لابن قيم الجوزية 3/5-8".

الحكم التاسع: الاستعانة بالمشركين

الحكم التاسع: الاستعانة بالمشركين مر بنا حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - وفيه قال: "ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صفوان بن أمية فسأله أدرعا مائة وما يصلحها من عدتها"، فقال: "أغصبا يا محمد؟ قال: "بل عارية مضمونة حتى نؤديها إليك1". وحديث صفوان بن أمية - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار منه أدرعا يوم حنين، فقال: "أغصبا يا محمد؟ فقال: "لا، بل عارية مضمونة" 2. وفي حديث الهجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استأجر عبد الله3 بن أريقط يدله على الطريق أثناء الهجرة وكان عبد الله مشركا4". وهذه الأحاديث الدالة على جواز الاستعانة بالمشركين جاء ما ظاهره معارضا لها وهو ما رواه مسلم - رحمه الله - من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: 262- خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بدر فلما كان بحرة الوبرة 5، أدركه رجل قد كان

يذكر منه جرأة ونجدة1، ففرح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه، فلما أدركه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم جئت لأتبعك وأصيب معك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تؤمن بالله ورسوله" قال: "لا قال: "فارجع فلن أستعين بمشرك". قالت: "ثُمَّ مضى حتّى إذا كنا2 بالشجرة3 أدركه لرجل فقال له كما قال أول مرة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أول مرة، قال: "فارجع فلن أستعين بمشرك"، قال: "ثم رجع فأدركه بالبيداء، فقال له كما قال أول مرة، "تؤمن بالله ورسوله؟ " قال: "نعم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فانطلق" 4. ومن هنا اختلف العلماء في جواز الاستعانة بالمشركين نظرا لاختلاف الأحاديث الواردة في ذلك". قال النووي: "أثناء شرحه لحديث مسلم قوله "فارجع فلن أستعين بمشرك". وقد جاء في الحديث الآخر"أن النبي صلى الله عليه وسلم استعان بصفوان بن أمية". فأخذ طائفة من العلماء بالحديث الأوّل5 على إطلاقه". وقال الشافعي وآخرون: "إن كان الكافر حسن الرأي في المسلمين، ودعت الحاجة إلى الاستعانة به استعان به، وإلا فيكره، وحمل الحديثين على هذين الحالين"6".

وقال الشافعي: "ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد مشركا أو مشركين في غزاة بدر وأبى أن يستعين إلا بمسلم، ثم استعان بعد بدر1 بسنتين بغزاة خيبر بعدد اليهود بني قينقاع كانوا أشداء واستعان صلى الله عليه وسلم في غزاة حنين سنة ثمان بصفوان بن أمية وهو مشرك، فالرد الأول إن كان لأن له الخيار أن يستعين بمشرك2 أو يرده كما يكون له رد المسلم من معنى يخافه منه أو لشدة به فليس واحد من الحديثين مخالفا للآخر، وإن كان رده لأنه لم ير أن يستعين بمشرك فقد نسخه ما بعده من استعانته بمشركين، فلا بأس أن يستعان بالمشركين على قتال المشركين إذا خرجوا طوعا ويرضخ3 لهم ولا يسهم لهم"4". وقال البيهقي: "باب ما جاء في الاستعانة بالمشركين". ثم ساق حديث مسلم". ثم قال: "قال الشافعي: "لعله رده رجاء إسلامه وذلك واسع للإمام، وقد غزا بيهود بني قينقاع بعد بدر وشهد صفوان بن أمية حنينا بعد الفتح وصفوان مشرك". ثم قال البيهقي: "أما شهود صفوان بن أمية معه حنينا وصفوان مشرك فإنه معروف بين أهل المغازي". وأما غزوه بيهود قينقاع فإني لم أجد إلا من حديث الحسن5 بن عمارة - وهو ضعيف - عن الحكم6 عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "استعان رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهود قينقاع فرضخ لهم ولم يسهم لهم" 7".

وقال ابن قدامة: "فصل: "ـ ولا يستعان بمشرك وبهذا قال ابن المنذر1 والجوزجاني2 وجماعة من أهل العلم". وعن أحمد ما يدل على جواز الاستعانة به وكلام الخرقي3 يدل عليه أيضا عند الحاجة وهو مذهب الشافعي لخبر"….صفوان بن أمية". ويشترط أن يكون من يستعان به حسن الرأي في المسلمين، فإن كان غير مأمون عليهم لم يجز الاستعانة به". لأننا إذا منعنا الاستعانة بمن لا يؤمن من المسلمين مثل المخذل والمرجف فالكافر أولى". ثم قال: "ووجه الأول ما روت عائشة قالت خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر ثم ساق الحديث المتقدم عند مسلم4". والخلاصة أن مذهب الشافعية والحنابلة والأحناف جواز الاستعانة بالمشركين بشرطين: الأول: "الحاجة إليهم". والثاني: "الوثوق من جهتهم". واستدلوا بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد استعان بعبد الله بن أريقط في الهجرة ليدله على الطريق". كما ستعان بصفوان بن أمية في غزوة حنين وقد مر بيان ذلك5". وردوا على أدلة المانعين بأنها منسوخة بفعله صلى الله عليه وسلم وعمله، أو على أن ذلك محمول على عدم الحاجة إليهم،

أو على عدم الوثوق بهم، وبذلك يحصل الجمع بين أدلة المنع وأدلة الجواز". وقال ابن حجر: "والأقرب أن الاستعانة بالمشركين كانت ممنوعة ثم رخص فيها وعليه نص الشافعي"1". وقال القرطبي: "تجوز الاستعانة بالمشرك إذا كان حكم الإسلام هو الغالب وإنما تكره الاستعانة بهم إذا كان حكم الشرك هو الظاهر، وهو قول أحمد والشافعي وأبي حنيفة"2". وقال ابن قيم الجوزية - في أثناء كلامه على الأحكام المستنبطة من غزوة الحديبية - ومنها: "أن الاستعانة بالمشرك المأمون في الجهاد جائز عند الحاجة، لأن عينه الخزاعي3 كان كافرا إذا ذاك، وفيه من المصلحة أنه أقرب إلى اختلاطه بالعدو، وأخذه أخبارهم"4". وهو قول بعض المعاصرين5". وخلاصة المسألة أن الاستعانة بالمشركين جائزة بشروط وقرائن تحتف بها فإذا اختل شرط من الشروط ولم يؤمن جانب المشرك المستعان به لم تجز الاستعانة". وإذا لم تكن هناك حاجة ملحة فلا يجوز الاستعانة، والاستعانة تكون إما بخبرته العسكرية وإما بأخذ معلومات تفيد المسلمين إن دعت الحاجة إلى ذلك، وقاعدة الإسلام في هذا الباب أن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها وأن الحرب خدعة، فلا بد من توافر أسباب وانتفاء موانع للاستفادة من الخبرات الكافرة، حتى لا يقع المسلمون في شرك المخادعة ومكايد العدو، والأمر واسع في ذلك، كما أنه راجع إلى اجتهاد الإمام وأهل الحل والعقد في الأمة الإسلامية".

_ 1 التلخيص الحبير 4/100-101 وانظر: "زاد المعاد لابن قيم 3/479 وسبل السلام للصنعاني 4/49-50 وروائع البيان للصابوني 1/402". 2 الجامع لأحكام القرآن 8/99-100 وانظر: "الهداية للمرغيناني 2/147، وأوجز المسالك إلى موطّأ مالك 9/424و425". 3 هو بسر بن سفيان الخزاعي الكعبي". (الإصابة 1/149) . 4 زاد المعاد 3/301و479". وصحيح البخاري 5/104-105 كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية". 5 هما: "الأستاذ محمد أبو زهرة في كتابه خاتم النبيين ص 858". والدكتور محمد سعيد البوطي فقه السيرة ص 234و392".

الحكم العاشر: العارية من حيث الضمان وعدمه

الحكم العاشر: العارية من حيث الضمان وعدمه العارية: "بتشديد التحتية وتخفيفها، ويقال عارة، وهي مأخذوة من عار الفرس إذا ذهب، لأن العارية تذهب من يد المعير". وهي في الشرع: "عبارة عن تمليك المنافع بغير عوض1". وجاء في هذا: حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - وفيه "ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صفوان بن أمية فسأله أدراعا مائة درع، وما يصلحها من عدتها، فقال: "أغصبا يا محمد؟ قال: "بل عارية مضمونة حتى نؤديها إليك"2 حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار من صفوان بن أمية أدراعاً وسنانا في غزوة حنين". فقال: "يا رسول الله أعارية مؤداة؟ قال: "عارية مؤداة" 3. 263- حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: "استعار رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفوان بن أمية سلاحا، فقال صفوان: "أمؤداة يا رسول الله؟ قال: "نعم" 4. وفي بعض ألفاظ حديث صفوان بن أمية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار منه يوم حنين أدراعا فقال: "أغصبا يا محمد؟

قال: "بل عارية مضمونة" قال: "فضاع بعضها فعرض عليه رسول الله أن يضمنها له، قال: "أنا اليوم في الإسلام أرغب". وفي لفظ "إنا قد فقدنا من أدراعك أدراعا فهل نغرم لك؟ قال: "لا يا رسول الله، لأن في قلبي اليوم ما لم يكن يومئذ". قال أبو داود: "وكان أعاره قبل أن يسلم، ثم أسلم"1. ومن خلال هذه النصوص وغيرها اختلف العلماء في ضمان العارية وعدمه". ومنشأ الخلاف من قوله "عارية مضمونة". قال ابن قيم الجوزية: "وفيها2 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرط لصفوان في العارية الضمان، فقال: "عارية مضمونة". فهل هذا إخبار عن شرعه في العارية، ووصف لها بوصف شرعه الله فيها، وأن حكمها الضمان كما يضمن المغصوب، أو إخبار عن ضمانها بالأداء بعينها ومعناه: "أني ضامن لك تأديتها، أنها لا تذهب، بل أردها إليك بعينها؟ هذا مما اختلف فيه الفقهاء". فقال الشافعي وأحمد بالأول: "وأنها مضمونة بالتلف"3. وقال أبو حنيفة ومالك بالثاني: "وأنها مضمونة بالرد على تفصيل في مذهب مالك وهو أن العين إن كانت مما لا يغاب عليه4، كالحيوان والعقار، لم تضمن بالتلف إلا أن يظهر كذبه، وإن كانت مما يغاب عليه كالحلي ونحوه، ضمنت بالتلف". إلا أن يأتي ببينة تشهد على التلف.

وسر مذهبه أن العارية أمانة غير مضمونة - كما قال أبو حنيفة - إلا أنه لا يقبل قوله فيما يخالف الظاهر، فلذلك فرق بين ما يغاب عليه، وما لا يغاب عليه". ومأخذ المسألة أن قوله صلى الله عليه وسلم لصفوان بن أمية: "بل عارية مضمونة" هل أراد به أنها مضمونة بالرد أو بالتلف؟ أي أضمنها إن تلفت، أو أضمن لك ردها، وهو يحتمل الأمرين، وهو في ضمان الرد أظهر لثلاثة أوجه: أحدها: "أن في اللفظ الآخر: "بل عارية مؤداة" فهذا يبين أن قوله "مضمونة" المراد به: "المضمونة بالأداء". الثّاني: "إنه لم يسأله عن تلفها، وإنما سأله هل تأخذها مني أخذ غصب تحول بيني وبينها؟ فقال: "لا، بل أخذ عارية أؤديها إليك". ولو كان سأله عن تلفها وقال: "أخاف أن تذهب، لناسب أن يقول: "أنا ضامن لها إن تلفت". الثالث: "أنه جعل الضمان صفة لها نفسها، ولو كان ضمان تلف، لكان الضمان لبدلها، فلما وقع الضمان على ذاتها، دل على أنه ضمان أداء". ثم قال: "فإن قيل: "ففي القصة أن بعض الدروع ضاع، فعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يضمنها، فقال: "أنا اليوم في الإسلام أرغب". قيل: "هل عرض عليه أمرا واجبا أو أمرا جائزا مستحبا الأولى فعله، وهو من مكارم الأخلاق والشيم، ومن محاسن الشريعة؟ وقد يترجح الثاني بأنه عرض عليه الضمان، ولو كان الضمان واجبا، لم يعرضه عليه، بل كان يفي له به". ويقول: "هذا حقك، كما لو كان الذاهب بعينه موجودا فإنه لم يكن ليعرض عليه رده فتأمله"1". إهـ.

فابن القيم رحمه الله تعالى يرى أن العارية مضمونة بذاتها، لقوله: "صلى الله عليه وسلم "بل عارية مضمونة" وأنها إذا تلفت فلا ضمان عندئذ". وذهب الصنعاني: "إلى أن العارية تضمن إذا شرط صاحبها الضمان لقوله: "صلى الله عليه وسلم "عارية مضمونة" 1". وذهب جمهور العلماء ومنهم الشافعي وأحمد إلى أن العارية إذا استعملت في غير المأذون فيه فتلفت وجب ضمانها بمثلها إن كانت من ذوات الأمثال، وبقيمتها يوم تلفها إن لم تكن من ذوات الأمثال، واستدلوا بالأحاديث المتقدمة وما في معناها". قال الشافعي: "العارية كلها مضمونة الدواب والرقيق والثياب لا فرق بين شيء منها، فمن استعار شيئا فتلف في يده بفعله أو بغير فعله فهو ضامن له، والأشياء لا تخلو أن تكون مضمونة أو غير مضمونة، فما كان منها مضموناً مثل الغصب وما أشبهه فسواء ما ظهر منها هلاكه وما خفي فهو مضمون على الغاصب والمستسلف جنيا فيه أو لم يجينا، أو غير مضمونة مثل الوديعة فسواء ما ظهر هلاكه وما خفي فالقول فيها قول المستودع مع يمينه"2". وقال ابن قدامة: "ويجب رد العارية إن كانت باقية بغير خلاف، ويجب ضمانها إذا كانت تالفة تعدى فيها المستعير أو لم يتعد، روى ذلك ابن عباس وأبو هريرة 3". وإليه ذهب عطاء4 والشافعي وإسحاق". لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صفوان "بل عارية مضمونة".

264- وروى الحسن1 عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "على اليد ما أخذت حتى تؤديه" 2. ولأنه أخذ ملك غيره لنفع نفسه منفردا بنفعه من غير استحقاق، ولا إذن في الإتلاف فكان مضمونا كالغاصب، والمأخوذ على وجه السوم3". وقال علاء الدين المرداوي: "قال الحارثي4: "نص الإمام أحمد رحمه الله على ضمان العارية، وإن لم يتعد فيها كثير متكرر جداً من جماعات، وقف على رواية اثنين وعشرين رجلاً وذكرها 5". وذهب مالك وأبو حنيفة والحسن البصري والنخعي والشعبي وعمر بن عبد العزيز والثوري الأوزاعي وابن شبرمة6 إلى أن العرية أمانة لا يجب ضمانها إلا بالتعدي". 265- لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس

على المستعير غير المغل1 ضمان ولا على المستودع غير المغل ضمان"2. ولأنه قبضها بإذن مالكها فكانت أمانة كالوديعة". 266- قالوا: وقول النبي صلى الله عليه وسلم "العارية مؤداة"3 يدل على أنها أمانة، لقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} ، [سورة النساء، من الآية: 58] 4. وأجيب عن حديث عمرو بن شعيب بأنه ضعيف، وأن الصحيح أنه من قول شريح القاضي. وحديث "العارية مؤداة" صحيح إلا أنه قد ورد في حديث جابر ابن عبد الله وابن عباس وصفون بن أمية "بل عارية مضمونة" 5. وأما الآية فإنها عامة للعارية وغيرها، وحديث التضمين خاص، والخاص مقدم على العام". وأيضا فإن العارية تخالف الوديعة، لأن الوديعة الذي يستفيد منها هو المودع، والعارية ييستفيد منها المستعير، فإذا تلفت وجب ضمانها6". والذي يبدو في هذه المٍسألة هو قول بضمان العارية حفظا لأموال الناس من الضياع، والتساهل في حفظها، لأن الأصل أن من أخذ شيئا من أموال الناس وجب عليه رده بعينه أو بقيمته إذا تلف إلا ما خصه الدليل من ذلك".

_ 1 المغل: "بضم الميم ثم الغين المعجمة، مأخوذ من الإغلال وهو الخيانة، والمعنى: "ليس على المستعير غير المغل ضمان الخ (أي إذا لم يخن في العارية والوديعة فلا ضمان عليه) وقيل: "المغل ها هنا: "المستغل، وأراد به القابض لأنه بالقبض يكون مستغلا والأول الوجه: "يعني أولى". (النهاية 3/381، سبل السلام للصنعاني 3/67) . 2 رواه الدارقطني في سننه 3/41 والبيهقي في السنن الكبرى 6/91". وقالا: "الصحيح وقفه على شريح القاضي". وأما المرفوع ففيه عمرو بن عبد الجبار السنجاري عن عمه عبيدة بن حسان العنبري السنجاوي وهما ضعيفان". وقال أبو حتبان: "عبيدة بن حسان، منكر الحديث". (الجرح والتعديل 6/92) . وقال ابن حبان: "عبيدة يروي الموضوعات عن الثقات". (انظر: "كتاب المجروحين 2/189 وميزان الاعتدال 3/26 و271) . 3 رواه ابن ماجه في سننه 2/802 كتاب الصدقات، باب العارية من حديث أنس بن مالك ولفظه: "العارية مؤداة والمنيحة مردودة" وهو صحيح من زوائد ابن ماجه". 4 الهداية للمرغيناني 3/220، والمغني لابن قدامة 5/221، وفتح الباري 5/241، وسبل السلام 3/67-68، ونيل الأوطار 5/334". 5 تقدم حديث جابر برقم "23"، وحديث ابن عباس برقم (27) وحديث صفوان برقم (26) . 6 بداية المجتهد لابن رشد 2/314".

الحكم الحادي عشر: قضاء الرسول في شأن محلم بن جثامة

الحكم الحادي عشر: قضاء الرسول في شأن محلم بن جثامة كان من شأن محلم بن جثامة الليثي أنه خرج مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية مكونة من ثمانية نفر إلى بطن إضم وكان قائد السرية أبو قتادة بن ربعي1، فلما وصلوا إلى بطن إضم2 مر بهم عامر بن الأضبط الأشجعي فسلم عليهم بتحية الإسلام فأمسكوا عن قتله وعدا عليه محلم ابن جثامة فقتله لإحن كانت بينهم في الجاهلية، وأخذ ما معه". ولما كانت غزوة حنين اختصم في شأنهما عيينة بن حصين والأقرع بن حابس فعيينة يطالب بدم عامر بن الأضبط، والأقرع يدافع عن محلم بن جثامة وارتفعت الأصوات أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية3". يوضح هذا ما رواه أبو داود وغيره وهذا سياق أبي داود قال: 267- حدثنا موسى4 بن إسماعيل أخبرنا حماد5 قال: "أخبرنا محمد6 - يعني ابن إسحاق - فحدثني محمد7 بن جعفر بن الزبير قال سمعت زياد8 بن ضميرة الضمري.

ح- وأخبرنا وهب1 بن بيان وأحمد2 بن سعيد الهمداني قالا أخبرنا ابن وهب3 أخبرني عبد الرحمن4 بن أبي الزناد عن عبد الرحمن5 ابن الحارث عن محمد بن جعفر أنه سمع زياد بن ضميرة السلمي". وهذا حديث وهب وهو أتم يحدث عروة بن الزبير عن أبيه6 قال موسى: "وجده7 وكانا شهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا8 ثم رجعنا إلى حديث وهب " أن

محلم1 بن جثامة الليثي قتل رجلاً2 من أشجع في الإسلام وذلك أول غير3 قضى به4 رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم عيينة5 في قتل الأشجعي؛ لأنه6 من غطفان، وتكلم الأقرع بن حابس دون محلم؛ لأنه7 من خندف، فارتفعت الأصوات وكثرت الخصومة واللغط8، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عيينة ألا تقبل الغير، فقال عيينة: "لا والله حتى أدخل على نسائه من الحرب والحزن ما أدخل على نسائي"9.

قال: "ثم ارتفعت الأصوات وكثرت الخصومة واللغط، فقال رسول الله: "يا عيينة ألا تقبل الغير؟ فقال: "عيينة مثل ذلك أيضاً". إلى أن قام1 رجل من بني ليث يقال له مكيتل2 عليه شكة3 وفي يده4 درقة فقال: "يا رسول الله إني لم أجد5 لما فعل هذا في غرة6 الإسلام مثلاً إلاّ غنماً7 وردت فرمي أولها فنفر آخرها، أسنناليوم8 وغير غدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خمسون في فورنا9

هذا، وخمسون إذا رجعنا إلى المدينة1، وذلك2 في بعض أسفاره". ومحلم رجل طويل آدم3 وهو في طرف الناس، فلم يزالوا4 حتى تخلص فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيناه تدمعان، فقال: "يا رسول الله إني قد فعلت الذي بلغك وإني أتوب إلى الله، فاستغفر الله لي يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أقتلته بسلاحك في غرة الإسلام5، اللهم لا تغفر لمحلم بصوت عال6". زاد أبو سلمة 7: "فقام وإنه ليتلقى دموعه بطرف ردائه".

قال ابن إسحاق: فزعم قومه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر له بعد ذلك". قال أبو داود: "قال النضر1 بن شميل: "الغير الدية2". والحديث رواه أحمد من طريق ابن إسحاق "حدثني محمد بن جعفر قال: "سمعت زياد بن ضميرة بن سعد السلمي يحدث عروة بن الزبير عن أبيه ضمرة وعن جده"3". وروى بعضه ابن ماجه من طريق ابن إسحاق حدثني محمد بن جعفر به إلا أنه قال: "عن زيد4 بن ضمرة حدثني أبي وعمي5". قال ابن كثير: "والصواب كما رواه ابن إسحاق عن محمد بن جعفر عن زياد بن سعد بن ضمرة عن أبيه وعن جده". وهكذا رواه ابو داود من طريق ابن وهب عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن الحارث عن محمد بن جعفر عن زياد بن سعد ابن ضميرة عن أبيه وجده بنحوه6".إهـ. والحديث في سيرة ابن هشام عن ابن إسحاق حدثني محمد بن جعفر بن الزبير قال: "سمعت زياد بن ضميرة بن سعد السلمي يحدث عن عروة بن الزبير عن أبيه وجده7". وكذا رواه عن ابن إسحاق البلاذري8". وكذا رواه الطبراني من طريق ابن الزناد حدثني عبد الرحمن بن الحارث عن محمد بن جعفر بن الزبير أنه سمع زياد بن سعد بن ضميرة السلمي يحدث عن عروة بن الزبير عن أبيه9".

وقد أشار ابن حجر إلى هذا في ترجمة زياد كما تقدم1". وأورده الزرقاني عن ابن إسحاق فقال عن عروة عن أبيه عن جده2". وقد صوب ابن كثير رواية ابن إسحاق عن محمد بن جعفر عن زياد بن سعد بن ضميرة أنه حدث عروة بن الزبير عن أبيه وعن جده وهي رواية أحمد وأبي داود". والحديث فيه "زياد بن سعد بن ضميرة" وصفه ابن حجر في التقريب بقوله "مقبول". وقال الذهبي: "فيه جهالة". وقد قال ابن حجر عن هذا الحديث: "بأنه بإسناد حسن"3". ولعل ذلك لما له من الشواهد الآتية: 268- ما رواه ابن إسحاق ومن طريقه رواه أحمد وابن شبة والطبري والبلاذري والسياق لابن إسحاق قال: "حدثني يزيد4 بن عبد الله ابن قسيط عن القعقاع5 بن عبد الله بن أبي حدرد عن أبيه عبد الله ابن أبي حدرد، قال: "بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إضم في نفر من المسلمين، فيهم أبو قتادة6 الحارث بن ربعي ومحلم بن جثامة بن

قيس، فخرجنا1 حتى كنا ببطن إضم2، مر بنا عامر3 بن الأضبط الأشجعي علىقعود4 له، ومعه متيع5 له، ووطب من لبن6، قال: "فلما مر بنا سلم علينا بتحية الإسلام، فأمسكنا عنه، وحمل عليه محلم بن جثامة، فقتله لشيء كان بينه وبينه، وأخذ بعيره، وأخذ متيعه". قال: "فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرناه الخبر، نزل فينا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ7 عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} 8 إلى آخر الآية [سورة النساء الآية: 94] .

قال ابن هشام: "قرأ أبو عمرو1 بن العلاء: {وَلاَ تَقُولُوا لِمَن أُلْقِيَ إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً} 2 لهذاالحديث3". والحديث رواه أحمد والبلاذري كلاهما من طريق إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق به4". إلا أن البلاذري قال: "عن أبي القعقاع بن عبد الملك بن أبي حدرد عن أبيه". ورواه ابن شبة من طريق حماد بن سلمة عن ابن إسحاق به5". ورواه الطبري في تفسيره وتاريخه من طريق سلمة بن الفضل الأبرش عن ابن إسحاق به". إلا أنه قال في التاريخ: "عن أبي القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي".

وقال بعضهم: "عن ابن القعاع عن أبيه، عن عبد الله بن أبي حدرد1". والحديث أورده الهيثمي ثم قال: "رواه أحمد والطبراني ورجاله ثقات2". 269- ما رواه الطبري حدثنا ابن وكيع3 قال: "ثنا جرير4 عن محمد بن إسحاق عن نافع5 أن ابن عمر6 قال: "بعث النبي صلى الله عليه وسلم محلم بن جثامة مبعثا، فلقيهم عامر بن الأضبط، فحياهم بتحية الإسلام، وكانت بينهم إحنة7 في الجاهلية، فرماه محلم بسهم فقتله، فجاء الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم فيه عيينة والأقرع، فقال الأقرع: "يا رسول الله سن اليوم وغير غدا، فقال عيينة: "لا والله حتى تذوق نساؤه من الثكل8 ما ذاق نسائي، فجاء محلم في بردين، فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر له، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "لا غفر الله لك" فقام وهو يتلقى دموعه برديه، فما مضت سابعة حتى مات ودفنوه فلفظته9 الأرض فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له، فقال: "إن الأرض تقبل من هو شر من صاحبكم ولكن الله عز وجل أراد أن يعظكم".

ثم طرحوه بين صدفي1 جبل، وألقوا عليه من الحجارة، ونزلت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} ، [سورة النساء، من الآية: "94] . الآية2". والحديث فيه سفيان بن وكيع وقد قال عنه ابن حجر بأنه "نصح فلم يقبل فسقط حديثه". وفيه ابن إسحاق وهو مدلس وقد عنعن. 270- ما رواه الطبراني حدثنا أبو يزيد3 القراطيسي ثنا سعيد4 ابن أبي مريم ثنا ابن أبي الزناد حدثني عبد الرحمن بن الحارث عن الحسن5 بن أبي الحسن قال: "لما مات6 دفنه قومه فلفظته الأرض ثلاث مرات فألقوه بين ضواحي7 جبل وربوا عليه بالحجارة فأكلته السباع". قال ابن أبي الزناد: "بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أخبر أن الأرض لفظته قال: "أما إنّ الأرض تقبل من هو شر منه ولكن الله أراد أن يريكم عظم الدم عنده" 8. ورواه الواقدي فقال: "حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن

الحارث عن الحسن البصري قال: "لما مات محلم بن جثامة دفنه قومه فلفظته الأرض ثم دفنوه فلفظته الأرض فطرحوه بين صخرتين فأكلته السباع1". وأورده الهيثمي ثم قال: "رواه الطبراني وإسناده منقطع2". والحديث رواه ابن إسحاق فقال: "حدثني من لا أتهم عن الحسن البصري قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس بين يديه: "أمنته بالله ثم قتلته! ثم قال له المقالة التي قال، قال: "والله مامكث محلم بن جثامة إلا سبعا حتى مات فلفظته الأرض –والذي نفس الحسن بيده- الأرض، ثم عادوا له، فلفظته الأرض ثم عادوا فلفظته، فلما غلب قومه عمدوا إلى صدين3 فسطحوه4 بينهما، ثم رضموا5 عليه الحجارة حتى واروه". قال: "فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم شأنه، فقال: "والله إن الأرض لتطابق6 على من هو شر منه، ولكن الله أراد أن يعظكم في حرم7 مابينكم بما أراكم منه" 8. والحديث مرسل، والمرسل من قسم الحديث الضعيف عند جماهير المحدثين وكثير من الفقهاء وأصحاب الأصول9". والأحاديث بمجموعها تدل على أن هذه القصة حصلت لمحلم بن جثامة الليثي في قتله عامر بن الأضبط الأشجعي بعد أن ظهر منه ما يدل على أنه مسلم وأنه نزل في ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} ، [سورة النساء، من الآية: 94] . الآية".

وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على محلم فمات فدفن فألقته الأرض على ظهرها، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: "إن الأرض لتقبل من هو شر منه ولكن الله أراد أن يعظكم في حرم ما بينكم بما أراكم منه". وقد أورد ابن عبد البر هذه الأحاديث في ترجمة محلم بن جثامة، ثم قال: "وقد قيل إن هذا ليس محلم بن جثامة، فإن محلم بن جثامة نزل حمص بآخره ومات بها في إمارة ابن الزبير1". والاختلاف في المراد بهذه الآية كثير مضطرب فيه جدا. قيل نزلت في المقداد، وقيل نزلت في أسامة بن زيد، وقيل نزلت في محلم بن جثامة. وقال ابن عباس نزلت في سرية ولم يسم أحدا، وقيل نزلت في غالب الليثي وقيل نزلت في رجل من بني ليث يقال له فليت كان على سرية وقيل نزلت في أبي الدرداء، وهذا اضطراب شديد جداً، ومعلوم أن قتله كان خطأ لا عمدا لأن قاتله لم يصدقه في قوله". والله أعلم2. وذكر ابن حجر بعضا ممن قيل إن الآية نزلت بسببه، ومنهم محلم بن جثامة ثم قال: "ولا مانع أن تنزل الآية في الأمرين معا3". وقال الزرقاني: "يحتمل تعدد القصة وتكرير نزول الآية 4". وقال القرطبي: "واختلف في تعين القاتل والمقتول في هذه النازلة فالذي عليه الأكثر وهو في سير ابن إسحاق ومصنف أبي داود والاستيعاب لابن عبد البر أن القاتل محلم بن جثامة، والمقتول عامر بن الأضبط". فدعا عليه السلام على محلم فما عاش بعد ذلك إلا سبعا ثم دفن فلم تقلبه الأرض ثم دفن فلم تقبله ثم دفن ثالثة فلم تقبله، فلما رأوا أن الأرض لا تقبله ألقوه في بعض تلك الشعاب".

وقال عليه السلام: "إن الأرض لتقبل من هو شر منه". وقال الحسن: "أم إنها تحبس من هو شر منه ولكنه وعظ القوم ألا يعودوا". ثم ذكر بيقة الأقوال فيمن قيل إن الآية نزلت بسببه أيضا ثم قال: "ولا خلاف أن الذي لفظته الأرض حين مات هو محلم الذي ذكرناه، ولعل هذه الأحوال جرت في زمان متقارب فنزلت الآية في الجميع1".إهـ". وقال أحمد مصطفى المراغي: "ولا مانع من تعدد الوقائع قبل نزول الآية وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها على أصحاب كل واقعة فيرون أنهم سبب نزولها2". وقد ذكر أصحاب المغازي والسير أن القاتل في سرية إضم هو محلم بن جثامة وأن المقتول هو عامر بن الأضبط وأنه نزل بسبب ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} ، الآية". وأن عيينة بن حصن والأقرع بن حابس اختصما في شأنهما أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين 3". ويستفاد من هذه القصة عظم شأن دماء المسلمين وأن الأصل فيمن أظهر الإسلام أنه مسلم يحرم دمه وماله، وأن قاتله بعد إظهاره إسلامه ارتكب كبيرة عظيمة". ويؤخذ من الأحاديث درء الحدود بالشبهات حيث حكم الرسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية ولم يقتل القاتل". وفي لفظ الأرض له بعد دفنه الزجر والتهديد والعظة ما يجعل دماء المسلمين من أعظم المحرمات التي لا يجوز التساهل فيها كما قال صلى الله عليه وسلم "ولكن الله أراد أن يعظكم ويريكم عظم الدم عنده".

_ 1 الجامع لأحكام القرآن 5/336-338". 2 تفسير المراغي 5/126". 3 سيرة ابن هشام 2/626-629 والروض الأنف 7/487-491، ومغازي الواقدي 2/796-797و3/919-921،والطبقات الكبرى لابن سعد2/123 و4/282، وتاريخ خليفة ص 85، وتاريخ الرسل والملوك للطبري 3/35-36، والكامل لابن الأثير2/158، وأسد الغابة له2/355 و3/59-60 و5/76-77 و186 و259، والشفا للقاضي عياض 1/329، وزاد المعاد 3/366-367، والبداية والنهاية 4/224-226، وتاريخ الخميس للديار بكري 2/76، والمواهب اللدنية للقسطلاني 1/147-148، وشرح المواهب للزرقاني 2/285-287، والسير الحلبية لبرهان الدين الحلبي 3/206-208".

الحكم الثاني عشر: في بيان نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم

الحكم الثاني عشر: في بيان نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم جاء في هذا الحكم عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه نذر في الجاهلية أن يعتكف في المسجد الحرام". ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة الطائف ونزل الجعرانة وقسم بها غنائم هوزان، سأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نذره في الجاهلية، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوف بنذرك". وقد ورد هذا الحديث من مسند عمر بن الخطاب، ومن مسند ابنه عبد الله بن عمر أيضا". أما وروده من مسند عمر بن الخطاب فأخرجه:271 أ- البخاري من رواية إسماعيل1 بن عبد الله عن أخيه2 عن سليمان3 عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن عبد الله بن عمر عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه ـ، أنه قال: "يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية4 أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أوف بنذرك" فاعتكف5 ليلة6".

ب - ورواه أحمد وأبو داود والترمذي الجميع من طريق يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال: "يا رسول الله إني كنت نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام في الجاهلية، قال: "أوف بنذرك"1 لفظ الترمذي". وقال الترمذي: "حسن صحيح". ج- ورواه النسائي وابن ماجه كلاهما عن إسحاق2 بن موسى الخطمي ثنا سفيان بن عيينة عن أيوب3 عن نافع عن ابن عمر عن عمر أنه كان عليه نذر ليلة في الجاهلية يعتكفها فسأل النبي صلى الله عليه وسلم "فأمره أن يعتكف" لفظ ابن ماجه4". د- ورواه ابن ماجه والدارمي والطحاوي كلهم من طريق حفص5 بن غياث عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر ابن الخطاب قال: "نذرت نذراً في الجاهلية، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم بعدما أسلمت، فأمرني أن أُوفي بنذري" 6 لفظ ابن ماجه.

ولفظ الدارمي "عن عمر قال قلت: "يا رسول الله إني نذرت نذرا في الجاهلية، ثم جاء الإسلام، قال: "أوف بنذرك". ولفظ الطحاوي: "عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أراه1 عن عمر - رضي الله عنه -، قال: "قلت يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية نذرا، وقد جاء الله بالإسلام، فقال: "أوف بنذرك". وأما ورود الحديث من مسند عبد الله بن عمر فأخرجه البخاري: "حدثنا مسدد2 حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله أخبرني نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: "أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، قال: "أوف بنذرك". ورواه عن محمد بن مقاتل أبي الحسن، أخبرنا عبد الله3 أخبرنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أَنَّ عمر، قال: يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، قال:"أوف بنذرك". ثُمَّ قال البخاري - أيضاً -: "حدّثنا أبو النعمان4 حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن عمر قال5:يا رسول الله6".

ح- وحدثني محمد بن مقاتل أخبرنا عبد الله أخبرنا معمر، عن أيوب عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: "لما قفلنا من حنين سأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم عن نذر كان نذره في الجاهلية اعتكاف، فأمره بوفائه". وقال بعضهم: حماد1 عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبيصلى الله عليه وسلم". ورواه أيضا عن عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة2 عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن عمر - رضي الله عنه - نذر في الجاهلية أن يعتكف في المسجد الحرام - قال: "أراه3 قال ليلة - فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوف بنذرك" 4. ورواه مسلم عن محمد بن أبي بكر المقدمي ومحمد بن المثنى وزهير ابن حرب واللفظ لزهير" حدثنا يحيى "وهو ابن سعيد القطان" عن عبيد الله قال: أخبرني نافع عن ابن عمر أن عمر قال: " يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام قال: "فأوف بنذرك". ورواه من طريق أبي أسامة. ومن طريق عبد الوهاب الثقفي. ومن طريق حفص بن غياث. ومن طريق شعبة كلهم عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر. وقال حفص من بينهم عن عمر بهذا الحديث. أما أبو أسامة والثقفي ففي حديثهما اعتكاف ليلة. وأما في حديث شعبة فقال: "جعل عليه يوما يعتكفه". وليس في حديث حفص ذكر يوم ولا ليلة.

ورواه من طريق حماد1 بن زيد حدثنا أيوب عن نافع قال ذكر عند ابن عمر عمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة فقال: "لم يعتمر منها2, قال: وكان عمر نذر اعتكاف ليلة في الجاهلية3". ورواه الدارقطني من طريق يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: "أن عمر نذر أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام في الجاهلية فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"أوف بنذرك" هذا إسناد صحيح. ورواه من طريق محمد بن فليح بن سليمان، عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: "أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان نذر في الجاهلية أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام، فلما كان الإسلام سأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له:"أوف بنذرك فاعتكف عمر ليلة".إسناد ثابت4. ورواه النسائي والحميدي وابن خزيمة كلهم من طريق سفيان بن عيينة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: " كان على عمر نذر في اعتكاف ليلة في المسجد الحرام فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فأمره أن يعتكف" 5. وهذه الأحاديث الماضية جاء فيها أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه "اعتكف ليلة". وقد جاء أيضا في الأحاديث الآتية أنه اعتكف يوما "وهو: أ- ما رواه البخاري من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن عمر بن

الخطاب رضي الله عنه قال: "يا رسول الله إنه كان علي اعتكاف يوم في الجاهلية, فأمره أن يفي به1". ب- ما رواه مسلم والطحاوي والبيهقي كلهم من طريق جريج ابن حازم أن أيوب حدثه أن نافعا حدثه أن عبد الله بن عمر حدثه أن عمر ابن الخطاب سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة بعد أن رجع من الطائف, فقال: "يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يوما في المسجد الحرام ,فكيف ترى؟ قال "اذهب فاعتكف يوما" الحديث2. لفظ مسلم. ج- ورواه أحمد ومسلم كلاهما من طريق معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال:لما قفل النبي صلى الله عليه وسلم من حنين سأل عمر عن نذر كان نذره في الجاهلية اعتكاف يوم, فأمره به 3 لفظ أحمد". د- ورواه مسلم أيضا من طريق حجاج بن المنهال حدثنا حماد عن أيوب ومن طريق عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق كلاهما عن نافع عن ابن عمر بهذا الحديث4 في النذر وفي حديثهما جميعا: اعتكاف يوم5. هـ- ورواه أحمد ومسلم والنسائي كلهم من طريق شعبة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: "أن عمر كان قد جعل عليه يوماً يعتكفه في الجاهلية فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأمره أن يعتكف" لفظ أحمد6.

وجاء بدون تقييد بيوم ولا ليلة: 1- عند أحمد من طريق حماد بن سلمة. والبخاري1 من طريق معمر كلاهما عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن عمر - رضي الله عنه - سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة فقال: "إني كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف في المسجد الحرام"2 لفظ أحمد. 2- ورواه مسلم من طريق حفص بن غياث3، والبيقهي من طريق سفيان4 كليهما عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: قال: "قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه نذرت أن أعتكف في المسجد الحرام فلما أسلمت سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: "أوف بنذرك" 5 لفظ البيهقي. وقد جاء أيضاً في الحديث عن عمر قال: "نذرت نذرا في الجاهلية فسألت النبي صلى الله عليه وسلم بعدما أسلمت، فأمرني أن أوفي بنذري" بدون ذكر اعتكاف وقد تقدم6". وقد تبيّن مما تقدم أن الحديث ورد بلفظ "اعتكاف ليلة" وبلفظ "اعتكاف يوم"، وقد أجاب العلماء عن هذا بجوابين: الأوّل: "الجمع بين الحديثين وهو ما أجاب به ابن خزيمة وغيره، فإنه بعد أن ساق الحديث الوارد فيه "لفظ ليلة". قال: وقال بعض الرواة: "في خبر نافع عن ابن عمر عن عمر قال: "إني نذرت أن أعتكف يوماً، فإن ثبتت هذه اللفظة، فهذا من الجنس الذي أعلمت أن العرب

قد تقول يوما1 بليلته، وتقول ليلة تريد بيومها، وقد ثبتت الحجة في كتاب الله عز وجل في هذا2". إهـ. وقال ابن حجر: "وقد جمع ابن حبان وغيره بين الروايتين بأن عمر نذر اعتكاف يوم وليلة، فمن أطلق ليلة أراد بيومها ومن أطلق يوماً أراد بليلته3". إهـ. وأجاب النووي عن ذكر (اليوم) باحتمال أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن اعتكاف ليلة، وسأله عن اعتكاف يوم، فأمره بالوفاء بما نذر، فحصل منه صحة اعتكاف الليل وحده4". الثاني: "الترجيح: "وهو ما أجاب به البيهقي وغيره، فقد ساق البيهقي الحديث من طريق عبدان أنبأ عبد الله بن المبارك عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر قال: "يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن اعتكف ليلة في المسجد الحرام". ثم قال: "رواه البخاري في الصحيح عن محمد بن مقاتل عن عبد الله ابن المبارك". وكذلك رواه سليمان بن بلال ويحيى بن سعيد القطان وأبو أسامة وعبد الوهاب الثقفي عن عبيد الله، قالوا فيه: "ليلة". وكذلك قاله حماد5 بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر6. وقال جرير بن حازم ومعمر عن أيوب "يوم" بدل "ليلة" وكذلك رواه شعبة عن عبيد الله.

ورواية الجماعة عن عبيد الله أولى، وحماد بن زيد أعرف بأيوب من غيره1".إهـ. وقال ابن حجر: "ورواية من روى "يوما" "شاذة" وقد وقع في رواية سليمان بن بلال "فاعتكف ليلة"2 فدل على أنه لم يزد على نذره شيئا وأن الاعتكاف لا صوم فيه، وأنه لا يشترط له حد معين3". ويؤخذ من قصة عمر بن الخطاب مسألتان: الأولى: "إذا نذر الكافر ثم أسلم هل يجب عليه الوفاء بما نذر، أو أن ذلك من باب الاستحباب". الثانية: " هل الصيام شرط لصحة الاعتكاف أو أن الاعتكاف يصح بدون صوم". خلاف بين العلماء في ذلك". المسألة الأولى: قال النووي: "اختلف العلماء في صحة نذر الكافر، فقال مالك وأبو حنفية وسائر الكوفيين وجمهور أصحابنا: "لا يصح". وقال المغيرة4 المخزومي وأبو ثور والبخاري وابن جرير وبعض أصحابنا: يصح وحجتهم ظاهر حديث عمر". وأجاب الأولون عنه بأنه محمول على الاستحباب، أي يستحب لك أن تفعل الآن مثل ذلك الذي نذرته في الجاهلية5". وساق الطحاوي حديث عمر الوارد فيه "أوف بنذرك" ثم قال: "قال أبو جعفر: "فذهب قوم إلى أن الرجل إذا أوجب على نفسه في حال شركه، من اعتكاف أو صدقة

أو شيء مما يوجبه المسلمون لله، ثم أسلم - أن ذلك واجب عليه واحتجوا في ذلك بهذه الآثار". وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: "لا يجب عليه من ذلك شيء واحتجوا في ذلك بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ساق حديث عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: 272- "من نذر أن يعصي الله فلا يعصه" 1. 273- وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "إنما النذر ما ابتغى به وجه الله". ثم قال: "قالوا: "فلما كانت النذور إنما تجب إذا كانت مما يتقرب به إلى الله تعالى، ولا تجب إذا كانت معاصي الله وكان الكافر إذا قال: "لله عليّ صيام"، أو قال: "لله عليّ اعتكاف" فهو لو فعل ذلك، لم يكن به متقربا إلى الله وهو في وقت ما أوجبه، إنما قصد به إلى ربه الذي يعبده من دون الله وذلك معصية". فدخل ذلك في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نذر في معصية". وقد يجوز أيضا أن يكون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر "ف بنذرك" ليس من طريق أن ذلك كان واجبا عليه ولكن أنه قد كان سمح في حال ما نذره أن يفعله، فهو في معصية الله عز وجل، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يفعله الآن، على أنه طاعة لله عز وجل". فكان ما أمره به، خلاف ما إذا كان أوجبه هو على نفسه". وهذا قول أبي حنيفة، وأبي يوسف ومحمد - رحمهم الله تعالى -2".إهـ. وقال البغوي عند شرحه لحديث عمر: "في هذا الحديث دليل على أن من نذر في حال كفره بما يجوز نذره في الإسلام، صحّ نذره ويجب عليه الوفاء به بعد الإسلام"3. وقال الصنعاني: "دل الحديث على أنه يجب على الكافر الوفاء بما نذر به إذا أسلم وإليه ذهب البخاري وابن جرير وجماعة من الشافعية لهذا الحديث.

وذهب الجماهير إلى أنه لا ينعقد النذر من الكافر، قال الطحاوي: "لا يصح منه التقرب بالعبادة، قال: "ولكنه يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم فهم من عمر أنه سمح بفعل ما كان نذر فأمره به لأن فعله طاعة، وليس هو ما كان نذر به في الجاهلية". وذهب بعض المالكية إلى أنه صلى الله عليه وسلم إنما أمر به استحبابا، وإن كان التزمه في حال لا ينعقد فيها. ثم عقب الصنعاني على هذا بقوله: "ولا يخفى أن القول الأوّل1 أوفق بالحديث والتأويل تعسف2". وقال الشوكاني: "وفي حديث عمر دليل على أنه يجب الوفاء بالنذر من الكافر متى أسلم، وقد ذهب إلى هذا بعض أصحاب الشافعي". وعند الجمهور لا ينعقد النذر من الكافر، وحديث عمر حجة عليهم". وقد أجابوا عنه بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما عرف أن عمر قد تبرع بفعل ذلك أذن له به لأن الاعتكاف طاعة". ثم قال: "ولا يخفى ما في هذا الجواب من مخالفة الصواب، وأجاب بعضهم بأنه صلى الله عليه وسلم أمره بالوفاء استحبابا لا وجوبا". ثم قال: "ويرد بأن هذا الجواب لا يصلح لمن ادعى عدم الانعقاد3". وقال ابن حزم: "مسألة ومن نذر في حال كفره طاعة لله عز وجل ثم أسلم لزمه الوفاء به" ... 274- ثم ساق حديث حكيم بن حزم أنه قال: "أي رسول الله أرأيت أمورا كنت اتحنث4 بها في الجاهلية من صدقة، أو عتاقة، أو صلة رحم، أفيها أجر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسلمت على ما أسلفت من خير" 5.

ثم ساق حديث عمر بن الخطاب من طريق حفص بن غياث عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال: "نذرت نذرا في الجاهلية ثم أسلمت فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرني أن أوفى بنذري". ثم قال: "فهذا حكم لا يسع أحدا الخروج عنه1".إهـ. وأما المسالة الثانية؛ فإن حديث عمر الصحيح ليس فيه ذكر للصوم وإنما فيه أن عمر نذر أن يعتكف ليلة في الجاهلية، والليل ليس محلا للصوم، نعم ورد في بعض ألفاظ هذا الحديث أن عمر بن الخطاب نذر اعتكاف يوم، ولكنه ليس فيه ذكر الصوم، وقد روى الأمر بالصوم في حديث عمر ولكنه ضعيف". قال ابن حجر: "وقد ورد الأمر بالصوم في رواية عمرو بن دينار عن ابن عمر صريحا لكن إسنادها ضعيف". وقد زاد فيها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "اعتكف وصم" أخرجه أبو داود والنسائي من طريق عبد الله بن بديل2 وهو ضعيف". وذكر ابن عدي والدارقطني أنه تفرد بذلك عن عمرو بن دينار، ورواية من روى "يوماً" شاذة، وقد وقع في رواية سليمان بن بلال "فاَعْتَكَف ليلة" فدل على أنه لم يزد على نذره شيئا وأن الاعتكاف لا صوم فيه وأنه لا يشترط له حد معين3. قلت: "الحديث المشار إليه عند أبي داود والنسائي أخرجه أيضا أبو داود الطيالسي وأبو يعلى والدارقطني والبيهقي كلهم من طريق عبد الله ابن بديل عن عمرو بن دينار". 275- عن ابن عمر أن عمر - رضي الله عنه - جعل عليه أن يعتكف في الجاهلية ليلة أو يوما عند الكعبة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "اعتكف وصم" لفظ أبي داود4".

قال الدارقطني: "تفرد به ابن بديل عن عمرو، وهو ضعيف الحديث سمعت أبا بكر النيسابوري1 يقول: "هذا حديث منكر، لأنّ الثقات من أصحاب عمرو بن دينار لم يذكروه، منهم ابن جريج وابن عيينة وحماد ابن سلمة وحماد بن زيد وغيرهم، وابن بديل ضعيف الحديث". 276- ثم ساق الدارقطني أيضاً حديثاً آخر من طريق سعيد2 ابن بشير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنّ عمر نذر أن يعتكف في الشرك ويصوم، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم بعد إسلامه، قال: "أوف بنذرك"، ثم قال: "وهذا إسناد حسن تفرد بهذا اللفظ سعيد بن بشير عن عبيد الله3". وقال البيهقي: "ذكر نذر الصوم مع الاعتكاف غريب تفرد به سعيد بن بشير عن عبيد الله4". وأرود ابن حجر قول البيهقي هذا ثم قال: "وقال عبد الحق5: "تفرد به سعيد بن بشير وهو مختلف فيه". وضعف ابن الجوزي6 في "التحقيق" هذا الحديث من أجله7". 277- وروى الحاكم من حديث عبد الله بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه" 8. ثم قال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ولفقهاء الكوفة في ضد هذا

حديثان أذكرهما وإن كانا لا يقاومان هذا الخبر في عدالة الرواة ثم ساق الحديث الأول من طريق عبد الله بن بديل عن عمرو بن دينار عن عبد الله بن عمر أن عمر نذر في الجاهلية أن يعتكف يوما فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اعتكف وصم". 278- وساق الحديث الثاني من طريق سويد1 بن عبد العزيز ثنا سفيان2 بن حسين عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا اعتكاف إلا بصوم" ثم قال: "لم يحتج الشيخان بسفيان بن حسين وعبد الله3 بن بديل". وسكت عنه الذهبي4". وقال الدارقطني: "تفرد بهذا الحديث سويد عن سفيان بن حسين5". وقال البيهقي: "وهذا وهم من سفيان بن حسين أو من سويد بن عبد العزيز وسويد بن عبد العزيز الدمشقي ضعيف بمرة لا يقبل منه ما تفرد به". ثم ساق بسنده من طريق عطاء عن عائشة رضي الله عنها - موقوفا عليها- قالت: "من اعتكف فعليه الصيام"6. وروى أبو داود من طريق عبد الرحمن7 بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة أنها قالت: "السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا، ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجة إلا لما لابد منه، ولا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع". قال أبو داود: "غير عبد الرحمن بن إسحاق لا يقول فيه، قالت: السنة". قال أبو داود: "جعله قول عائشة8".

وقال الدارقطني: "يقال: "إن قوله: "وأن السنة للمعتكف إلى آخره"، ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه من كلام الزهري، ومن أدرجه في الحديث فقد وهم1". ورواه البيهقي من طريق عقيل عن ابن شهاب، وفي آخره قال: "قال الشيخ قد ذهب كثير من الحفاظ إلى أن هذا الكلام من قول من دون عائشة وأن من أدرجه في الحديث وهم فيه، فقد رواه سفيان الثوري عن هشام بن عروة عن عروة قال: "المعتكف لا يشهد جنازة ولا يعود مريضا ولا يجيب دعوة، ولا اعتكاف إلا بصيام ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع2". وقال الشوكاني: "من ادعى أن الصوم شرط لصحة الاعتكاف فالدليل عليه لأنه أثبت شرطا متنازعا فيه". والوقوف في موقف المنع، والقيام في مقام عدم التسليم يكفي من لم يقل بالشرطية ولم يصح في اشتراطه شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما قيل إنه مرفوع لم يصح". وما كان موقوفا على بعض الصحابة فلا حجة فيه، فإن تبرع من لم يقل بالشرطية بالدليل فله أن يقول: 279- صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما "أنه اعتكف في غير رمضان"3". وثبت في الصحيحين وغيرهما "أن عمر بن الخطاب قال: "يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال صلى الله عليه وسلم: "أوف بنذرك"، ولم

يرو من وجه صحيح يصح العمل به أنه صلى الله عليه وسلم صام أيام اعتكافه في شوال ولا صحّ أنه أمر عمر بالصوم. وأما ما أخرجه أبو داود عن عائشة أنها قالت: "السنة على المعتكف ألا يعود مريضا ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد له منه، ولا اعتكاف إلا بصوم ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع". فقد أخرجه في الموطأ1 والنسائي2 وليست فيه: "قالت: "السنة" وجزم الدارقطني بأن القدر المرفوع من حديث عائشة قولها: "لا يخرج"3 وما عداه ممن دونها". وكذلك قال البيهقي كما ذكره ابن كثير في الإرشاد4". وأما ما أخرجه الحاكم عن ابن عباس مرفوعا وقال: "صحيح على شرط مسلم: "أنه لا اعتكاف إلا بصوم" فقد صحح الدارقطني والبيهقي وابن حجر أنه موقوف على ابن عباس، وأيضا فقد أخرج الحاكم عن ابن عباس مرفوعا وصححه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "ليس على المعتكف صيام" ورجح الدارقطني والبيهقي وقفه على ابن عباس، فتعارضت الرواية عن ابن عباس كما ترى ولاحجة في قوله5". وقال في نيل الأوطار: "وقد استدل بعض القائلين6 بأن الصوم شرط في الاعتكاف بقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [سورة البقرة، من الآية: "187] .

قال: "فذكر الاعتكاف عقب الصوم". وتعقب بأنه ليس فيها ما يدل على تلازمهما، وإلاّ لزم ألا صوم إلا باعتكاف ولا قائل به1". وقال ابن حزم: "مسألة: "وليس الصوم من شروط الاعتكاف، لكن إن شاء المعتكف صام وإن شاء لم يصم". ثم ساق الأدلة على ذلك وعلى أنه ليس على المعتكف صيام إلا أن يوجبه على نفسه". ورد على القائلين بوجوب الصيام على المعتكف2". إذا علم هذا فقد نقل النووي أن القائلين بصحة الاعتكاف بدون صوم هم الشافعي والحسن البصري وأبو ثور وداود وابن المنذر، وهو أصح الروايتين عن أحمد". وقال ابن المنذر: "وهو مروي عن علي وابن مسعود". وقال ابن عمر وابن عباس وعائشة وعروة بن الزبير والزهري ومالك والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وإسحاق وأحمد في رواية عنهما: "لا يصح إلا بصوم، وهو قول أكثر العلماء3". وأقول قد تشعبت أقوال العلماء في اشتراط الصوم لصحة الاعتكاف أو عدم اشتراطه، وكذلك في حكم الكافر إذا أسلم وقد ألزم نفسه بطاعة لله عز وجل في حال كفره فهل يجب عليه الوفاء بما التزم أوّلاً". اختلفت أنظار العلماء في ذلك وتباينت آراؤهم، وكل قد أدلى بحجته ووجهة نظره، وأقوالهم وأدلتهم مبسوطة في كتب الفروع، وقد لخصت ما قاله العلماء في ذلك وتبين لي من خلال سوق النصوص أن الظاهر في هذا هو جواز الاعتكاف بدون صوم وأن الصوم ليس شرطا لصحة الاعتكاف، كما ظهر لي كذلك كما ظهر لي كذلك وجوب الوفاء بما التزم

به الكافر في حال كفره من طاعة، وهذا هو الذي تؤيّده النصوص وحديث عمر بن الخطاب صريح في هذا1". ومما ينبغي التنبيه عليه قوله صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام "أسلمت على ما أسلفت من خير". فهذا من محاسن دين الإسلام، وإن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث ليتمم مكارم الأخلاق، وقد قال صلى الله عليه وسلم: 280- "خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا" 2. والإسلام لا يهدم الفضائل السابقة عليه وإنما يشجعها وينميها، ومن هنا قال صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب: "أوف بنذرك". ومن قال بأن هذا النذر من عمر نذر معصية فقد أبعد النجعة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يستحيل أن يأمر بالوفاء بنذر معصية، وهو القائل "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصيه" 3. ومن قال من العلماء بأن الوفاء من الكافر بنذره بعد إسلامه مستحب لا واجب، فهذا قريب، لكنه خلاف ظاهر النص كما سبق. والله أعلم.

_ 1 انظر شرح معاني الآثار للطحاوي3/133-134، وشرح السنة للبغوي6/402-403. والمغني لابن قدامة 3/185-187 و8/677، و9/3". والهداية لبرهان الدين المرغيناني1/132،والمحلى لابن حزم5/268-274و8/371-373". وشرح النووي على صحيح مسلم 4/204-206. وفتح الباري 4/274-275 و284 و11/582-583. وكشاف القناع للبهوتي 2/406. وسبل السلام للصنعاني 2/175، 4/115. ونيل الاوطار للشوكاني 4/300 و8/258. والسيل الجرار 2/134".والدراري المضيئة2/30و154و157 له. وتحفة الأحوذي للمباركفوري 5/141-143. وعون المعبود لشمس الحق العظيم آبادي 7/144 و151-152 و9/154. وأوجز المسالك إلى موطأ مالك للكندهلوي 5/215-218. 2 صحيح البخاري 4/117-118 كتاب أحاديث الأنبياء، باب أم كنتم شهداء إ‘ذ حضر يعقوب الموت الخ. وصحيح مسلم 4/1846-1847 كتاب الفضائل، باب من فضائل يوسف عليه السلام من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. 3 صحيح البخاري 8/119-120 كتاب الأيمان والنذور، باب النذر في الطاعة، و120 باب النذر فيما لا يملك والنذر في معصية من حديث عائشة رضي الله عنها، تقدم برقم (272) .

الحكم الثالث عشر: استحقاق القاتل سلب القتيل

الحكم الثالث عشر: استحقاق القاتل سلب القتيل السلب: "بالتحريك هو ما على القتيل ومعه من سلاح وثياب ودابة وغيرها1". وقد ورد في هذا الحكم الأحاديث الآتية: أ- حديث أبي قتادة عند البخاري ومسلم وغيرهما وهذا سياقه عند البخاري: قال: "حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن يحيى2 بن سعيد عن عمر بن كثير بن أفلح عن أبي محمد مولى أبي قتادة عن أبي قتادة قال: "خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام حنين، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة، فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين، فضربته من ورائه على حبل عاتقه بالسيف فقطعت الدرع، وأقبل علي فضمني ضمة وجدت منا ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلني، فلحقت عمر فقلت: "ما بال الناس؟ قال: "أمر الله عز وجل، ثم رجعوا3، وجلس النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "من قتل قتيلا

له عليه بينة فله سلبه1، فقلت: "من يشهد لي؟ ثم جلست فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثله". قال: "ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم مثله، فقمت فقلت: "من يشهد لي، ثم جلست، قال ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم مثله، فقمت، فقال: "مالك يا أبا قتادة؟ فأخبرته2، فقال رجل: "صدق، وسلبه عندي، فأرضه مني، فقال أبو بكر: "لا ها الله3 إذا لا يعمد إلى أسد

من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيعطيك سلبه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صدق فأعطه، فأعطانيه1، فابتعت2 به مخرفاً في بني سلمة، فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام3". وهذا الحديث رواه عن يحيى بن سعيد الأنصاري مالك بن أنس وسفيان بن عيينة وهشيم بن بشير والليث بن سعد". ووقع في حديث الليث وحده، فقال أبو بكر: "كلا لا يعطه أصبيغ4 من قريش ويدع أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله، فقام رسول الله فأداه إلى،

فاشترت منه خرافا، فكان أوّل مال تأثلته في الإسلام1". ب- حديث أنس بن مالك عند أبي داود الطيالسي وأحمد وأبي داود وغيرهم وهذا سياقه عند أبي داود الطيالسي: قال: "حماد بن سلمة عن إسحاق2 بن عبد الله بن أنس قال: "جاءت هوزان يوم حنين تكثر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنساء والصبيان والإبل والغنم فانهزم المسلمون يومئذ فجعل يقول: "يا معشر المهاجرين والأنصار إني عبد الله ورسوله، يا معشر المسلمين إليّ أنا عبد الله ورسوله، فهزم المشركون من غير أن يطعن برمح أو يرمي بسهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: "من قتل مسلما فله سلبه، فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا وأخذ أسلابهم". قال أبو قتادة: "إني حملت على رجل فضربته على حبل العاتق فأجهضت عنه وعليه درع فانظر من أخذها فقال رجل: "أنا أخذتها يا رسول الله، فأعطينيها وأرضه منها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسأل شيئا إلا أعطاه أو يسكت، فقال عمر3: "لا والله لا يفيئها الله على أسد من أسده، ثم يعطيكها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق عمر" 4. قال: "ورأى أبو طلحة مع أم سليم خنجرا فقال: "ما تصنعين بهذا؟ قالت: "أريد إن دنا أحد من المشركين أن أبعج بطنه، فذكر ذلك أبو طلحة

لرسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: " يا أم سليم إن الله قد كفى وأحسن". قالت: "يا رسول الله اقتل من بعدنا من الطلقاء الذين انهزموا بك" 1. جـ حديث سلمة بن الأكوع عند مسلم وأحمد وأبي داود وغيرهم وهذا سياقه عند مسلم قال: حدثنا زهير بن حرب حدثنا عمر بن يونس الحنفي حدثنا حدثنا عكرمة بن عمار حدثني إياس بن سلمة، حدّثني أبي سلمة بن الأكوع، قال: "غزونا2 مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هوزان، فبينا نحن نتضحى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل على جمل أحمر فأناخه، ثم انتزع طلقاً3 من حقبة فقيد به الجمل، ثم تقدم يتغدى مع القوم، وجعل ينظر، وفينا ضعفة ورقة في الظهر وبعضنا مشاة، إذ خرج4 يشتد فأتى جمله فأطلق قيده ثم أناخه وقعد عليه فأثاره، فاشتد به الجمل، فاتبعه رجل على ناقة ورقاء". قال سلمة: "وخرجت5، أشتد فكنت عند ورك الناقة ثم تقدمت حتى كنت

عند ورك الجمل ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل1 فأنخته، فلما وضع ركبته في الأرض اخترطت2 سيفي فضربت رأس الرجل فندر ثم جئت بالجمل أقوده عليه رحله وسلاحه3، فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه فقال: "من قتل الرجل؟ " قالوا: "ابن الأكوع، قال: "له سلبه 4 أجمع" 5. والحديث أخرجه أحمد وابن أبي شيبة وأبو داود وأبو عوانة والطبراني والبيهقي الجميع من طريق عكرمة بن عمار به 6". 281- حديث سلمة بن الأكوع أيضا عند البخاري وأبي داود وغيرهما وهذا سياقه عند البخاري قال: "حدثنا أبو نعيم7 حدثنا أبو العميس8 عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم عين من المشركين9 - وهو في سفر -

فجلس عند أصحابه يتحدث ثم انفتل1 فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "اطلبوه واقتلوه2، فقتلته، فنفله3 سلبه" 4. والحديث رواه أبو داود عن الحسن بن علي الحلواني حدثنا أو نعيم قال حدثنا أبو العميس به5". ورواه النسائي عن أحمد بن سليمان أبو الحسين الجزري عن جعفر بن عون عن أبي العميس6".

ورواه أحمد وأبو عوانة كلاهما من طريق جعفر بن عون قال حدثنا أبو عميس به1". ورواه أبو عوانة والطحاوي والطبراني والبيهقي كلهم من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين قال حدثنا أبو العميس به2". هـ- حديث سلمة بن الأكوع أيضا عند ابن ماجة وأحمد وهذا سياقه عند ابن ماجة قال: حدثنا علي3 بن محمد ثنا وكيع ثنا أبو العميس وعكرمة بن عمار عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: "بارزت رجلا فقتلته فنفلني رسول الله صلى الله عليه وسلم سلبه" 4. وفي الزوائد: "إسناده صحيح ورجاله ثقات5". ورواه أحمد عن وكيع ثنا أبو عميس به6". وهذه الأحاديث تدل بظاهرها على أن من قتل كافرا له عليه بينة استحق سلبه, سواء أكان ذلك السلب قليلا أم كثيرا , وسواء أذن الإمام أو لم يأذن, كما تدل على أن السلب من أصل الغنيمة وعلى أنه لا يخمس, هذا هو الظاهر من هذه النصوص7". وقد اختلف العلماء من هذا الحكم في مسائل أقتصر على أهمها: الأولى: "هل القاتل يستحق سلب القتيل سواء أذن أمير الجيش أم لم يأذن وبهذا قال جمهور العلماء.

قال النووي: "عند شرحه لحديث أبي قتادة: اختلف العلماء في معنى هذا الحديث, فقال الشافعي والأوزاعي والليث والثوري1 وأبو ثور وأحمد وإسحاق وابن جرير وغيرهم: "يستحق القاتل سلب القتيل في جميع الحروب سواء قال أمير الجيش قبل ذلك: من قتل قتيلا فله سلبه أم لم يقل ذلك قالوا وهذه فتوى من النبي صلى الله عليه وسلم وإخبار عن حكم الشرع فلا يتوقف على أحد2". وبوب البخاري بقوله: "باب من لم يخمس الأسلاب, ومن قتل قتيلا فله سلبه من غير أن يخمس, وحكم الإمام فيه". ثم ساق تحت هذا الباب حديث أبي قتادة وفيه "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه"3". قال ابن حجر: "وإلى ما تضمنته الترجمة ذهب الجمهور, وهو أن القاتل يستحق السلب سواء قال أمير الجيش قبل ذلك من قتل قتيلا فله سلبه أو لم يقل ذلك, وهو ظاهر حديث أبي قتادة". وقالوا: "إنه فتوى من النبي صلى الله عليه وسلم وإخبار عن الحكم الشرعي4".اهـ وساق أبو عبيد حديث أبي قتادة ثم قال: "قال أبو عبيد: فقد تبين لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم لأبي قتادة بالسلب ,من غير أن يكون نفله إياه قبل ذلك, ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قال: "قال بعد قتل أبي قتادة صاحبه, فهذا عندنا بين واضح: أن السلب مقضي به للقاتل بسنة ماضية من رسول الله صلى الله عليه وسلم, جعله له الإمام قبل ذلك أم لم يجعله له5".اهـ.

وقال الخرقي: "ومن قتل منا أحداً منهم مقبلاً1 على القتال فله سلبه غير مخموس، قال ذلك الإمام أو لم يقل". قال ابن قدامة: "في هذه المسألة فصول ستة: أحدها: "أن القاتل يستحق السلب في الجملة ولا نعلم فيه خلافا، والأصل فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم "من قتل كافرا فله سلبه". ثم أورد حديث أبي قتادة، حديث أنس بن مالك2، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين: "من قتل قتيلا فله سلبه" قال: "فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا فاخذ أسلابهم". وقال أيضاً الفصل السادس: "أن القاتل يستحق السلب قال ذلك الإمام أو لم يقل، وبه قال الأوزاعي والليث والشافعي وإسحاق وأبو ثور3". وقال محمد الأمين الشنقيطي: "واحتج من قال: "باستحقاق القاتل سلب المقتول مطلقا بعموم الأدلة لأن النبي صلى الله عليه وسلم، صرح بان من قتل قتيلا فله سلبه، ولم يخصص بشيء، والعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب، كما علم في الأصول4". وقال الصنعاني: "عند شرحه لحديث عوف بن مالك الأشجعي أن النبي صلى الله عليه وسلم "قضى بالسلب للقاتل" 5.

قال: "فيه دليل على أن السلب الذي يؤخذ من العدو الكافر يستحقه قاتله سواء قال الإمام قبل القتال: "من قتل قتيلا فله سلبه أو لا، وسواء كان القاتل مقبلا أو منهزما، وسواء كان ممن يستحق السهم في المغنم أو لا1، إذ قوله "قضى بالسلب للقاتل" حكم مطلق غير مقيد بشيء من الأشياء". قال الشافعي: "وقد حفظ هذا الحكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواطن كثيرة: منها يوم بدر، فإنه صلى الله عليه وسلم حكم بسلب أبي جهل2 لمعاذ بن الجموح لما كان هو المؤثر في قتل أبي جهل وكذا في قتل حاطب بن أبي بلتعة لرجل يوم أحد أعطاه سلبه 3". والأحاديث في هذا الحكم كثيرة: وقوله صلى الله عليه وسلم في يوم حنين "من قتل قتيلا فله سلبه" بعد القتال لا ينافي هذا بل هو مقرر للحكم السابق، فإن هذا كان معلوما عند الصحابة من قبل حنين، ولذا قال عبد الله بن جحش4: "اللهم ارزقني رجلا شديدا إلى قوله: "أقتله وآخذ سلبه"5.إهـ. وقال أبو حنيفة ومالك ومَن تابعهما لا يستحق القاتل سلب القتيل بمجرد القتل، بل هو لجميع الغانمين كسائر الغنيمة إلا أن يقول الإمام من قتل قتيلا فله سلبه".

إلا أنه عند مالك يكون قول الإمام من قتل قتيلا فله سلبه بعد انقضاء الحرب لأنه جعل السلب من جملة الأنفال". ويكره للإمام أن يقول ذلك قبل انقضاء القتال لأنه يؤدي ذلك إلى صرف نيات المجاهدين لقتال الدنيا، ويجوز بعد القدرة على العدو لأنه لا محذور فيه عندئذ 1". واستدل الحنفية والمالكية بأدلة منها: - حديث أبي قتادة الوارد فيه "من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه" 2 قالوا: "وقد دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم السلب لأبي قتادة، وغير بينة ولا يمين ولو كان يستحق السلب بمجرد القتل لطولب بالبينة على أنه قتله". 282- حديث عبد الرحمن بن عوف المتفق عليه في قصة قتل معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء الأنصاريين لأبي جهل يوم بدر، فإن فيه ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه، فقال: "أيكما قتله؟ ". فقال كل واحد منها: "أنا قتلته، فقال: "هل مسحتما سيفيكما؟ قالا: "لا، فنظر في السيفين، فقال: "كلاكما قتله" وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح" 3. قالوا: "فتصريحه صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث المتفق عليه، بأن كليهما قتله، ثم تخصيص أحدهما بسلبه، دون الآخر، صريح في أن القاتل لا يستحق السلب، إلا بقول الإمام: "أنه له، إذ لو كان استحقاقه له بمجرد القتل لما كان لمنع معاذ بن العفراء وجه، مع النبي صلى الله عليه وسلم صرح بأنه قتله مع معاذ بن عمرو، ولجعله بينهما بالسوية لاشتراكهما في قتله". - حديث عوف بن مالك الأشجعي عند أحمد ومسلم وأبي داود وهذا سياقه عند مسلم:

283- عن عوف بن مالك قال: "قتل رجل من حمير رجلا من العدو فأراد سلبه فمنعه خالد بن الوليد وكان واليا عليهم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال لخالد "ما منعك أن تعطيه سلبه؟ ". قال: "استكثرته يا رسول الله! قال: "ادفعه إليه" فمر خالد بن بعوف فجر بردائه1 ثم قال: "هل أنجزت لك ما ذكرت لك من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستغضب2، فقال: "لا تعطه يا خالد لا تعطه يا خالد! هل أنتم تاركون لي أمرائي" الحديث. وفي رواية عند مسلم أيضا عن عوف بن مالك الأشجعي قال: "خرجت مع من خرج مع زيد بن حارثة، في غزوة مؤتة، ورافقني مددي3 من اليمن وساق الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه غير أنه قال في الحديث: "قال عوف: "فقلت: "يا خالد أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل؟ قال: "بلى، ولكني استكثرته4". قالوا: "فقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحيح: "لا تعطه يا خالد" دليل على أنه لم يستحق السلب بمجرد القتل، إذ لو استحقه به، لما منعه منه النبي صلى الله عليه وسلم". 284- ما واه ابن أبي شيبة قال: "حدثنا أبو الأحوص5 عن الأسود6 بن قيس عن شبر7 بن علقمة قال: "بارزت رجلا يوم القادسية، فقتلته، وأخذت سلبه

فأتيت به سعداً فخطب سعد أصحابه ثم قال: "هذا سلب شبر بن علقمة فهو خير من أثنى عشر ألف درهم، وإنا قد نفلناه إياه" قالوا: "فلو كان السلب للقاتل قضاء من النبي صلى الله عليه وسلم، لما أضاف الأمراء ذلك التنفيل إلى أنفسهم باجتهادهم ولأخذه القاتل دون أمرهم". 285- ما ذكره مالك في الموطأ قال: "لم يبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل قتيلا فله سلبه" إلا يوم حنين1. هذا أهم ما استدل به المالكية والحنفية على ما ذهبوا إليه من أن القاتل لا يستحق سلب قتيله إلا إذا قال الإمام قبل القتال من قتل قتيلا فله سلبه2. ورد القائلون - باستحقاق السلب للقاتل مطلقا- على هذه الأدلة بما يأتي: أ- حديث أبي قتادة، أجاب عنه ابن قدامة بقوله: "وأما أبو قتادة؛ فإن خصمه اعترف له به وصدقه فجرى مجرى البينة ولأن السلب مأخوذ من الغنيمة بغير تقدير الإمام واجتهاده فلم يفتقر إلى شرطه كالسهم3". وأجاب القرطبي عنه بقوله: "سمعت شيخنا عبد العظيم المنذري يقول: "إنما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم أبا قتادة سلب قتيله بشهادة الأسود4 بن خزاعى وعبد الله5 بن أنيس، وعلى هذا يندفع النزاع، ويزول الإشكال ويطرد الحكم6".إهـ.

ب- حديث عبد الرحمن بن عوف في قصة قتل أبي جهل". قال الزيلعي: "أجاب عنه البيهقي في "المعرفة" بقوله: "وهذا حجة لهم فيه، فإن غنيمة بدر كانت للنبي صلى الله عليه وسلم بنص الكتاب يعطي منها من يشاء، وقد قسم لجماعة لم يشهدوا، ثم نزلت الآية في الغنيمة بعد بدر، وقضى - عليه السلام - بالسلب للقاتل، واستقر الأمر على ذلك، ويجوز أن يكون أحدهما أثخنه، والثاني جرحه بعد، فقضى بسلبه للأوّل1".إهـ". وأجاب ابن حزم بقوله: "قال: "أبو محمد: "ولا حجة لهم في هذا كله، وأين يوم بدر من يوم حنين وبينهما أعوام؟ وما نزل حكم الغنائم إلا بعد يوم بدر فكيف يكون السلب للقاتل2". وقال ابن حجر: "أجاب الجمهور عن هذا الحديث بأن في سياق دلالة على أن السلب يستحقه من أثخن في القتل ولو شاركه غيره في الضرب أو الطعن". قال المهلب3: "نظره صلى الله عليه وسلم في السيفين واستلاله لهما هو ليرى ما بلغ الدم من سيفيهما ومقدار العمق دخولهما في جسم المقتول ليحكم بالسلب لمن كان في ذلك أبلغ، ولذلك سألهما أولا هل مسحتما سيفيكما أم لا؟ لأنهما لو مسحاهما لما تبين المراد من ذلك وإنما قال: "كلاكما قتله" وإن كان أحدهما هو الذي أثخنه ليطيب نفس الآخر". وقال الإسماعيلي 4: "أقول إن الأنصاريين ضرباه فأثخناه5 وبلغا به المبلغ الذي يعلم معه أنه لا يجوز بقاؤه على تلك الحال إلا قدر ما يطفأ، وقد دل قوله: "كلاكما قتله" على أن كلا منهما وصل إلى قطع الحشوة6 إبانتها أو بما يعلم أن عمل كل من سيفيهما كعمل الآخر، غير أن أحدهما سبق بالضرب فصار في حكم المثبت

لجراحه حتى وقعت به ضربة الثاني فاشتركا في االقتل، إلا أن أحدهما قتله وهو ممتنع والآخر قتله وهو مثبت فلذلك قضى بالسلب للسابق إلى إثخانه1". جـ وأما حديث عوف بن مالك الأشجعي في قصته مع خالد بن الوليد، فأجاب الخطابي عنه بقوله: "إنما منع عليه السلام خالدا في الثانية أن يرد على عوف سلبه زجرا لعوف، لئلا يتجرأ الناس على الأئمة، لأن خالدا كان مجتهدا في صنعه، لما رأى فيه من المصلحة، فأمضى عليه السلام اجتهاده، واليسير من الضرر يحتمل الكثير من النفع، قال: "ويشبه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد عوض المددى من الخمس الذي هو له وترضى خالدا بالنصح له والتسليم الحكم له في السلب 2". وأجاب عنه ابن حزم بقوله: قال أبو محمد: "لا حجة لهم في هذا، بل هو حجة عليهم لوجوه: أوّلها: "أن فيه نصا جليا أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل وهذا قولنا". وثانيها: "أنه عليه السلام أمر خالدا بالرد عليه". وثالثها: "أن في نصه أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمره بأن لا يرد عليه، لأنه علم أن القاتل صاحب السلب أعطاه بطيب نفس ولم يطلب خالدا به، وأن عوفاً يتكلم فيما لا حق له فيه وهذا هو نص الخبر". ورابعها: "أنه لو كان كما يوهمون لما كان لهم فيه حجة، لأن يوم حنين الذي قال فيه عليه السلام "من قتل كافرا فله سلبه" كان بعد يوم مؤتة3 بلا خلاف". ويوم حنين كان بعد فتح مكة" ... فيوم حنين حكمه ناسخ لما تقدم لو كان خلافه4". د- وأما حديث شبر بن علقمة وقول سعد بن أبي وقاص إنا قد نفلناه إياه فأجاب عنه ابن قدامة بقوله: "أما خبر شبر فإنما أنفذ له سعد ما قضى له به رسول الله صلى الله عليه وسلم وسماه نفلا لأنه في الحقيقة نفل لأنه زيادة على سهمه5".

هـ- وأما قول مالك: "بم يبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل قتيلا فله سلبه إلا يوم حنين". فأجاب عنه ابن حجر بقوله: "وأجاب الشافعي وغيره بأن ذلك حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم في مواطن: منها: "يوم بدر, كما في قصة أبي جهل". ومنها: "حديث حاطب بن أبي بلتعة في قتله رجلا يوم أحد فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سلبه". ومنها: "حديث عوف بن مالك في قصة قتل المددي رجلا من العدو". ومنها: "قصة عبد الله بن جحش وسعد بن أبي وقاص في دعائهما يوم أحد وقول سعد: "اللهم ارزقني رجلا شديدا أقتله وآخذ سلبه, وغير ذلك من المواطن التي ورد فيها لفظ السلب قبل غزوة حنين". وأجاب ابن حجر أيضا بقوله: فإن أراد مالك أن ابتداء هذا الحكم كان يوم حنين فهو مردود، لكن على غير مالك ممن منعه فإن مالكا إنما نفى البلاغ, وقد ثبت في سنن أبي داود عن عوف بن مالك أنه قال لخالد بن الوليد في غزوة مؤتة: "إن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل" وكانت مؤتة قبل حنين بالاتفاق1.اهـ. وقال بن حزم: "وقال بعضهم: "لم يقل ذلك2 رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاّ يوم حنين". قال أبو محمد: "فكان هذا عجبا, نعم, فهبك أنه لم يقله - عليه السلام - قط إلا مرة يومئذ، أو قاله قبل وبعد, أترى أنهم يجدون في أنفسهم حرجا مما قضى به مرة أو يرونه باطلا حتى يكرر القضاء به؟..". فلا فرق بين ما قاله مرة, أو ألف ألف مرة, كله دين وكله حق, كله حكم الله تعالى, وكله لا يحل لأحد خلافه"3. المسألة الثانية: "من مسائل هذا الحكم: تخميس السلب, وفي هذه المسألة ثلاثة أقوال: " القول الأول: "أن السلب لا يخمس قلَّ أم كثر".

قال ابن قدامة: "روي ذلك عن سعد بن أبي وقاص, وبه قال الشافعي وابن المنذر وابن جرير1".اهـ. وقال النووي: "واختلفوا في تخميس السلب, وللشافعي فيه قولان: الصحيح منها عند أصحابه, لا يخمس وهو ظاهر الأحاديث وبه قال: أحمد وابن جرير وابن المنذر وآخرون2".اهـ". وقال أبو عبيد: "وفي النفل3 الذي ينفله الإمام سنن أربع, لكل واحدة منهن موضع غير موضع الأخرى". فإحداهن: "في النفل الذي لا خمس فيه". والثانية: "في النفل الذي يكون من الغنيمة بعد إخراج الخمس". والثالثة: "في النفل الذي يكون من الخمس نفسه". والرابعة: "في النفل من جملة الغنيمة قبل أن يخمس منها شيء". فأما الذي لا خمس فيه فإنه السلب, وذلك أن ينفرد الرجل بقتل المشرك فيكون له سلبه مسلما من غير أن يخمس أو يشركه فيه أحد من أهل العسكر4". وقال ابن حزم: "وكل من قتل قتيلا من المشركين فله سلبه قال ذلك الإمام أو لم يقله, كيف ما قتله صبراً, أو في القتال, ولا يخمس السلب قلّ أو كثر"5. وقال ابن قيم الجوزية: حكم النبي صلى الله عليه وسلم بالسلب كله للقاتل ولم يخمسه، ولم يحعله من الخمس, بل من أصل الغنيمة, وهذا حكمه وقضاؤه"6".اهـ. وأدلة هذا القول الأحاديث المتقدمة مثل حديث أبي قتادة: "من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه". وحديث سلمة بن الأكوع في قتله طليعة المشركين, وقول الرسول صلى الله عليه وسلم من قتل الرجل فقالوا: "سلمة بن الأكوع, فقال صلى الله عليه وسلم: "له سلبه أجمع".

وحديث أنس بن مالك "أن أبا طلحة قتل عشرين رجلا يوم حنين وأخد أسلابهم"1 ". وساق القرطبي في تفسيره حديث عوف بن مالك الذي رواه مسلم, ثم قال: "وأخرجه أبو بكر2 البرقاني بإسناده الذي أخرجه به مسلم, وزاد بيانا أن عوف بن مالك, قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يخمس السلب"3. وروى الإمام أحمد فقال: "حدثنا أبو المغيرة4 قال ثنا صفوان5 بن عمرو قال: "حدثني عبد الرحمن6 بن جبير بن نفير عن أبيه7 عن عوف ابن مالك الأشجعي وخالد بن الوليد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخمس السلب". ورواه من هذه الطريق أيضا مطولا". ورواه أيضا عن الوليد بن مسلم قال حدثني صفوان بن عمرو به مطولا أيضا 8". وأخرجه أبو داود من طريق أحمد الأخيرة".

ومن طريق أبي داود أخرجه البيهقي 1". وأخرجه أبو داود أيضا مختصرا من طريق إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف ن مالك الأشجعي وخالد بن الوليد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل ولم يخمس السلب" 2. ورواه ابن الجارود من طريق أبي المغيرة قال ثنا صفوان بن عمرو به ولفظه "عن عوف بن مالك الأشجعي وخالد بن الوليد - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخمس السلب" 3. رواه الطحاوي من طريق الوليد بن مسلم قال: "ثنا صفوان بن عمرو به ولفظه "عن عوف بن مالك الأشجعي قال: "قلت لخالد بن الوليد يوم مؤتة ألم تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخمس السلب؟ قال: "بلى" 4. ورواه البيهقي أيضا من طريق الوليد بن مسلم عن صفوان بن عمرو به5". ولمسلم من طريق الوليد بن مسلم حدثنا صفوان بن عمرو به بلفظ "قال عوف: "فقلت: "يا خالد! أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل؟ قال: "بلى، ولكني استكثرته" 6. والحديث صحيح وهو نص في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخمس السلب". القول الثاني: "أن السلب يخمس مطلقاً". قال ابن قدامة: "وهو قول ابن عباس والأوزاعي ومكحول7". ونسبه النووي أيضا لمالك وقال: "وهو قول ضعيف للشافعي".

ثم قال: "وعن مالك رواية اختارها إسماعيل القاضي1 أن الإمام بالخيار إن شاء خمسه وإلا فلا2". واستدل من قال بأن السلب يخمس بعموم قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [سورة الأنفال، من الآية:41] .ولم يستثن شيئا". ورد الجمهور على هذا الدليل بقوله صلى الله عليه وسلم "من قتل قتيلا فله سلبه" وبغير ذلك من الأحاديث القاضية بأن السلب للقاتل، وهي مخصصة لعموم الآية 3". القول الثالث: "أن السلب إن كان كثيرا خمس، وإلا فلا". وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وإسحاق بن راهويه ودليل هذا القول هو ما رواه سعيد بن منصور في "سننه". 286- عن ابن سيرين4 أن البراء بن مالك5 بارز مرزبان6 الزارة7

بالبحرين، فطعنه فدق صلبه، وأخذسواريه1 وسلبه، فلما صلى عمر الظهر، أتى أبا طلحة في داره، فقال: "إنا كنا لا نخمس السلب، وإن سلب البراء قد بلغ مالا وأنا خامسه فكان أوّل سلب خمس في الإسلام، سلب البراء، وبلغ ثلاثين ألفا"2. والحديث نسبه ابن حزم أيضاً لابن أبي شيبة قال: "حدثنا عبد الرحيم3 بن سليمان عن هشام4 بن حسان عن محمد بن سيرين عن أنس ابن مالك قال: "كان السلب لا يخمس وكان أول سلب خمس في الإسلام سلب البراء بن مالك، وكان قتل مرزبان الزارة وقطع منطقته وسواريه، فلما قدمن المدينة صلى عمر الصبح، ثم أتانا فقال: "السلام عليكم أثم أبو طلحة؟ فقالوا: "نعم، فخرج إليه فقال عمر: "إنا كنا لا نخمس السلب وإن سلب البراء مال وغني خامسه، فدعا المقومين فقوموا ثلاثين ألفا، فأخذ منها ستة آلاف5". والحديث أخرجه الطحاوي من طريق سفيان عن أيوب عن ابن سيرين عن أنس بن مالك به6". ورواه البيهقي من طريق عبد الله بن المبارك عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك به". ومن طريق حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أنس ابن مالك به7".

ورد هذا الحديث ابن قدامة بقوله: "ولنا ما روى عوف بن مالك وخالد بن الوليد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل ولم يخمس السلب". وعموم الأخبار التي ذكرناها، وخبر عمر بن الخطاب حجة لنا فإنه قال: "إنا كنا لا نخمس، وقول الراوي كان أول سلب خمس في الإسلام، يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر صدرا من خلافته لم يخمسوا سلبا واتباع ذلك أولى". قال الجوزجاني1: "لا أظنه يجوز لأحد في شيء سبق فيه من الرسول صلى الله عليه وسلم شيء إلا اتباعه ولا حجة في قول أحد مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم2". ثم قال ابن قدامة: "وما ذكرناه يصلح أن يخصص به عموم الآية". وإذا ثبت هذا: "فإن السلب من أصل الغنيمة، وقال مالك: "هو من خمس الخمس". ولنا: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل مطلقا ولم ينقل عنه أنه احتسب به من الخمس، ولأنه لو احتسب به من خمس الخمس احتيج إلى معرفة قيمته وقدره ولم ينقل ذلك، ولأن سببه لا يفتقر إلى اجتهاد الإمام فلم يكن من خمس الخمس كسهم الفارس والراجل 3".إهـ. وقال ابن قيم الجوزية: "قوله صلى الله عليه وسلم "من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه" دليل على أن له سلبه كله غير مخمس، وقد صرح بهذا في قوله لسلمة بن الأكوع لما قتل قتيلا: "له سلبه أجمع". وفي المسألة ثلاثة مذاهب، هذا أحدها.

والثاني: "أنه يخمس كالغنيمة، وهذا قول الأوزاعي وأهل الشام، وهو مذهب ابن عباس لدخوله في آية الغنيمة". والثالث: "أن الإمام إن استكثره خمسه، وإن استقله لم يخمسه وهو قول إسحاق وفعله عمر بن الخطاب". ثم أورد حديث ابن سيرين في قصة تخميس عمر بن الخطاب سلب البراء بن مالك". ثم قال: "والأوّل: "أصح، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخمس السلب وقال: "هو له أجمع، ومضت على ذلك سنته وسنة الصديق بعده، وما رآه عمر اجتهاد منه أداه إليه رأيه، ثم قال: "والحديث يدل على أنه من أصل الغنيمة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قضى به للقاتل، ولم ينظر في قيمته، وقدره، واعتبار خروجه من خمس الخمس1".إهـ. المسألة الثالثة: من مسائل هذا الحكم ما هو سلب؟ قال ابن قدامة: "السلب هو ما كان القتيل لابسا له من ثياب وعمامة وقلنسوة2 ومنطقة3 ودرع ومغفر وبيضة وتاج وأسورةوران4 وخف بما في ذلك من حلية ونحو ذلك؛ لأن المفهوم من السلب اللباس، وكذلك السلاح من السيف والرمح والسكين ونحوه؛ لأنه يستعين به في قتاله فهو أولى بالأخذ من اللباس، وكذلك الدابة لأنه يستعين بها فهي كالسلاح وأبلغ منه، ولذلك استحق بها زيادة السهمان بخلاف السلاح، فأما المال الذي معه في كمراته وخريطته فليس بسلب؛ لأنه ليس من الملبوس ولا مما يستعين به الحرب، وكذلك رحله وأثاثه وما ليست يده عليه من ماله ليس من سلبه، وبهذا قال الأوزاعي ومكحول والشافعي".

إلا أن الشافعي قال: "ما لا يحتاج إليه في الحرب كالتاج والسوار والطوق والهيمان1 الذي للنفقة ليس من السلب في أحد القولين لأنه مما لا يستعان به في الحرب فأشبه المال الذي في خريطته". ثم قال ابن قدامة أيضا: "وإذا ثبت هذا فإن الدابة وما عليها من سرجها ولجامها وتجفيفها2 وحلية إن كانت عليها وجميع آلاتها من السلب لأنه تابع لها ويستعان به في الحرب". وإنما يكون السلب إذا كان راكبا عليها، وإن كانت في منزله أو مع غيره أو منفلتة لم يكن من السلب كالسلاح الذي ليس معه وإن كان راكبا عليها فصرعه عنها أو أشعره عليها ثم قتله بعد نزوله عنها فهي من السلب، وهكذا قول الأوزاعي". وإن كان ممسكا بعنانها غير راكب عليها فعن أحمد فيها روايتان: إحداهما: "من السلب وهو قول الشافعي لأنه متمكن من القتال عليها فأشبهت سيفه أو رمحه في يده". والثانية: "ليست من السلب وهو ظاهر كلام الخرقي3 واختيار الخلال4؛ لأنه ليس براكب عليها فأشبه ما لو كانت مع غلامه5". وقال برهان الدين المرغيناني: "والسلب ما على المقتول من ثيابه وسلاحه ومركبه، وكذا ما كان على مركبه من السرج والآلة، وكذا ما معه على الدابة من ماله في حقيبته أو على وسطه، وما عدا ذلك فليس بسلب6". وقال الدسوقي: "والسلب هو ما اعتيد وجوده مع المقتول حال الحرب كدابته المركوبة له أو الممسوكة بيده أو يد غلامه للقتال وسرجه ودرعه وسلاحه ومنطقته

وما فيها من حلي وثيابه التي عليه". لا سوار وصليب وعين ذهب أو فضة ودابة غير مركوبة ولا ممسوكة للقتال بل جنيب أمامه بيد غلامه للافتخار فلا يكون للقتال لأنها من غير المعتاد، وله المعتاد1". وقال ابن حزم: "والسلب: "فرس المقتول وسرجه، ولجامه، وكل ما عليه من لباس، وحلية، ومهاميز2، وكل ما معه من سلاح، وكل ما معه من مال في نطاقه أو في يده، أو كيفما كان معه3". وبعد عرض مذاهب العلماء فيما هو المراد بالسلب، فإن الظاهر في هذا هو ما ذهب إليه ابن حزم رحمه الله تعالى، لأن الأحاديث الواردة في ذلك عامة ولم تخصص شيئا دون شيء، ففي حديث أبي قتادة "من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه". وفي حديث سلمة بن الأكوع "من قتل الرجل قالوا: "سلمة بن الأكوع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "له سلبه أجمع". وفي لفظ: "فنفلني رسول الله صلى الله عليه وسلم سلبه". وفي حديث أنس بن مالك: "أن أبا طلحة قتل عشرين رجلا يوم حنين وأخذ أسلابهم". وهذه النصوص عامة كما ترى". وفي حديث البراء بن مالك: "أنه بارز مرزبان الزارة بالبحرين، فطعنه فدق صلبه وأخذ سواريه وسلبه" الحديث". وفيه أن عمر بن الخطاب خمسه وكان قد بلغ ثلاثين ألفا دفع بقيته إلى البراء4". وفي حديث عوف بن مالك الأشجعي في قصته قتل المددي لرجل من الروم

وكان الرومي على فرس له عليه سرج مذهب وسلاح مذهب فجعل الرومي يفري بالمسلمين، فقعد له المددي خلف صخرة فمر به الرومي فعقرب فرسه فخر وعلاه فقتله وحاز فرسه وسلاحه، فلما فتح الله عز وجل للمسلمين بعث إليه خالد بن الوليد فأخذ من السلب". قال عوف فأتيته فقلت: "يا خالد أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل؟ قال: "بلى، ولكنني استكثرته" الحديث1. المسألة الرابعة: من مسائل هذا الحكم من هو المقتول الذي يستحق قاتله أخذ سلبه. قال ابن قدامة: "الفصل الرابع: "أنه إنما يستحق السلب بشروط: أحدها: "أن يكون المقتول من المقاتلة الذين يجوز قتلهم فأما إن قتل امرأة أو صبيا أو شيخا فانيا أو ضعيف مهينا ونحوهم ممن لا يقاتل لم يستحق سلبه لا نعلم فيه خلافا، وإن كان أحد هؤلاء يقاتل استحق قاتله سلبه لأنه يجوز قتله، ومن قتل أسيرا له أو لغيره لم يستحق سلبه لذلك". الثاني: "أن يكون المقتول فيه منفعة غير مثخن بالجراح، فإن كان مثخن بالجراح فليس لقاتله شيء من سلبه..".وإن قطع يدي رجل ورجليه وقتله آخر فالسلب للقاطع دون القاتل لأن القاطع هو الذي كفى المسلمين شره". الثالث: "أن يقتله أو يثخنه بجراح تجعله في حكم المقتول 2". وقال القرطبي: "قال أبو العباس3 بن سريج من أصحاب الشافعي ليس الحديث "من قتل قتيلا فله سلبه" على عمومه لإجماع العلماء على أن من قتل أسيرا أو امرأة أو شيخا أنه ليس له سلب واحد منهم".

وكذلك من ذفف على جريح، ومن قتل من قطعت يداه ورجلاه1.إهـ. وقال الأمين الشنقيطي: "ولا يستحق القاتل سلب المقتول، إلا أن يكون المقتول من المقاتلة الذي يجوز قتالهم، فأما إن قتل امرأة أو صبيا أو شيخا فانيا، أو ضعيفا مهينا، أو مثخنا بالجراح لم تبقى فيه منفعة، فليس له سلبه". ثم قال: "ولا خلاف بين العلماء: "في أن من قتل صبيا أو امرأة أو شيخا فانيا لا يستحق سلبهم، إلا قولاً ضَعِيفاً جدا يروى عن أبي ثور، وابن المنذر، في استحقاق سلب المرأة، ثم قال: "والدليل على أن من قتل مثخن بالجراح لا يستحق سلبه، أن عبد الله بن مسعود، هو الذي ذفف على أبي جهل يوم بدر وحز رأسه2، وقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح الذي أثبته، ولم يعط ابن مسعود شيئا ثم قال: "وهذا هو الحق الذي جاء به الحديث المتفق عليه فلا يعارض بما رواه الإمام أحمد، وأبو داود عن ابن مسعود "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفله سيف أبي جهل يوم بدر" 3؛ لأنه من رواية ابنه أبي عبيدة ولم يسمع منه". وكذلك المقدم للقتل صبرا لا يستحق قاتله سلبه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل النضر بن الحارث العبدري، وعقبة بن أبي معيط الأموي صبرا يوم بدر، ولم يعطي من قتلهما شيئا من سلبهما". واختلفوا فيمن أسر أسيرا: "هل يستحق سلبه إلحاقا للأسر بالقتل أو لا؟ والظاهر أنه لا يستحقه، لعدم الدليل فيجب استصحاب عموم: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} ، [سورة الأنفال، من الآية: 41] ، الآية. حتى يرد مخصص من كتاب أو سنة صحيحة، وقد أسر النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون، أسارى بدر، وقتل بعضهم صبرا كما ذكرنا، ولم يعطي أحد من الذين أسروهم شيئا من أسلابهم، ولا من فدائهم بل جعل فداءهم غنيمة.

أما إذا قاتلت المرأة أو الصبي المسلمين: "فالظاهر أن لمن قتل أحدهما سلبه، لأنه حينئذ ممن يجوز قتله، فيدخل في عموم "من قتل قتيلا فله سلبه" الحديث، وبهذا جزم غير واحد". والعلم عند الله تعالى 1 إهـ. وأقول: "اختلف العلماء في مسائل هذا الحكم كعادتهم في كثير من المسائل الفقهية والناظر في مسائل هذا الحكم بالذات يجد أن مسائله متداخلة غير متميز بعضها عن بعض، حتى يكاد الطالب يقف أمامها واجما لا يستطيع أن يخرج بنتيجة مرضية لتشابكها وتداخلها. وقد حاولت إبراز بعض هذه الجوانب وترتيبها ترتيبا متناسبا وذلك بجعل كل مسألة على حدى مع ذكر القائلين بها والمخالفين لها ثم إيراد دليل كل قول مع مناقشة الأدلة، حتى تكون مسائل هذا الحكم قريبة التناول سهلة المأخذ. وقد ظهر لي من خلال ذلك أن الظاهر في هذا القول باستحقاق القاتل سلب قتيله، سواء قال الإمام من قتل قتيلا فله سلبه أم لم يقل ذلك، وأن السلب هو كل ما على القتيل ومعه من ثياب وسلاح وحلية ودابة وغير ذلك، وأن هذا السلب للقاتل قل أو كثر بدون تخميس، وأنه من أصل الغنيمة". وسواء أكان القتل مبارزة أم غير مبارزة، مقبلا أو مدبرا بشرط أن يقيم بنية على أنه قتله أو أثخنه بالجراح حتى جعله في حكم المقتول". وهذا هو الذي تؤيده الأدلة الواردة في هذا الحكم". والله أعلم".

_ 1أضواء البيان 2/389-390".

الحكم الرابع عشر: في بيان تحريم الغلول في الغنيمة

الحكم الرابع عشر: في بيان تحريم الغلول في الغنيمة الغلول: "هو اعتداء بعض أفراد الجيش على أموال الغنيمة قبل قسمها وهو من كبائر الذنوب، ولا يقدم عليه إلا ضعيف الإيمان ضعيف النفس يحمله جشعه وسوء طبعه على هذه الخيانة العظيمة لإخوانه المجاهدين معه في سبيل الله ولعظيم خطر الغلول جاءت النصوص في الكتاب والسنة تحذر من الوقوع فيه وتبين أنه ذنب عظيم وجريمة أخلاقية فظيعة، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [سورة آل عمران، الآية: 161] . قال الشوكاني: "قوله: {يَأْتِ بِمَا غَلَّ} أي يأت به حاملا له على ظهره كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيفضحه بين الخلائق، وهذه الجملة تتضمن تأكيد تحريم الغلول والتنفير منه بأنه ذنب يختص فاعله بعقوبة على رؤوس الأشهاد يطلع عليها أهل المحشر، وهي مجيئه يوم القيامة بما غله حاملا له قبل أن يحاسب عليه ويعاقب عليه". وقوله: {ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ} ، [سورة البقرة، من الآية: 281] ، أي تعطى جزاء ما كسبت وافيا من خير وشر، وهذه الآية تعم كل من كسب خيراً أو شراً، ويدخل تحتها الغال دخولاً أوليا لكون السياق فيه1".إهـ". 287- وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات

يوم فذكر الغلول1 فعظمه وعظم أمره2 ثم قال: "لا ألفين3 أحدكم يجيء يوم القيامة، على رقبته بعير له رغاء4، يقول: "يا رسول الله! أغثني فأقول: "لا أملك لك شيئاً5 قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة، على رقبته فرس له حمحمة6، فيقول يا رسول الله! أغثني فأقول: "لا أملك لك شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة، على رقبته شاة لها ثغاء7، يقول: "يا رسول الله! أغثني فأقول: "لا أملك لك شيئا قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة، على رقبته نفس لها صياح8، فيقول يا رسول الله! أغثني، فأقول: "لا أملك شيئا قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع9 تخفق10، فيقول: "يا رسول الله! أغثني، فأقول: "لا أملك شيئا، قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة

على رقبته صامت1، فيقول: "يا رسول الله! أغثني فأقول: "لا أملك لك شيئا قد أبلغتك" 2". 288- وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: "كان على ثقل3 النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة4، فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هو في النار"5. فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلها 6 ". والأحاديث الوردة في النهي عن الغلول وعقوبة فاعله كثيرة جداً، وحسبنا في ذلك أن نقتصر على الأحاديث الواردة في غزوتنا هذه، وهي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده الحديث طويل وفيه: " ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من رد سبايا حنين إلى أهلها ركب، واتبعه الناس يقولون: "يا رسول الله أقسم علينا فيئنا من الإبل والغنم حتى ألجئوه إلى شجرة فاختطفت رداءه، فقال: "أدو علي ردائي أيها الناس، فوالله أن لو كان لكم بعدد شجر تهامة نعما لقسمته عليكم، ثم ما ألفيتموني بخيلا ولا جبانا ولا كذاباً ثم قام إلى جنب بعير، فأخذ وبرة7 من سنامه فجعلها بين أصبعيه، ثم رفعها، ثم قال:

"أيها الناس, والله ما لي من فيئكم ولا هذه الوبرة1 إلا الخمس2, والخمس مردود عليكم, فأدوا الخياط3 والمخيط, فإن الغلول يكون على أهله عاراً4 وناراً وشناراً يوم القيامة, قال: "فجاء رجل من الأنصار بكبة5 من خيوط شعر, فقال: "يا رسول الله, أخذت هذه الكبة أعمل بها برذعة6 بعير لي دبر7, فقال أما نصيْبِي 8 منها فلك ,

قال: أما إذا بلغت1 هذا فلا حاجة لي بها ثم طرحها من يده"2. حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -, وقد ورد من أربع طرق: أ- من طريق يعلى بن شداد عن عبادة عند ابن ماجة والفسوي وهذا سياقه عند ابن ماجة قال: " 289- حدّثنا عليّ3 بن مُحمّد ثناأبو أسامة4 عن أبي سنان عيسى بن سنان عن يعلى5 بن شداد, عن عبادة بن الصامت قال: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين, إلى جنب بعير من المقاسم, ثم تناول شيئا من البعير, فأخذ منه قردة6 - يعني وبرة - فجعل بين أصبعيه ثم قال: "يا أيها الناس إن هذا من غنائمكم، أدوا الخيط والمخيط, فما فوق ذلك, فما دون ذلك, فإن الغلول عار على أهله يوم القيامة وشنار ونار "7. والحديث من زوائد ابن ماجة.

قال البوصيري: "في إسناده عيسى1 بن سنان، اختلف فيه كلام ابن معين قال: "لين لحديث وليس بالقوي، وقيل: "ضعيف، وقيل: "لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات، وباقي رجال الإسناد ثقات".إهـ. ولكن الحديث له طرق أخرى عن عبادة يتقوى بها وهي: ب- طريق أبي أمامة الباهلي عن عبادة عند أحمد وغيره وهذا سياق أحمد قال: "حدثنا معاوية2 بن عمرو ثنا أبو إسحاق3 - يعني الفزاري - عن عبد الرحمن4 ابن الحارث بن عياش عن سليمان5 بن موسى عن مكحول6 عن أبي سلام7 عن أبي أمامة8 الباهلي، عن عبادة ابن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أدوا الخيط والمخيط وإياكم والغلول فإنه عار على أهله يوم القيامة".

وفي لفظ عن عبادة قال: "أخذ النبي صلى الله عليه وسلم وبرة من جنب بعير فقال: "أيها الناس إنه لا يحل لي مما أفاء الله عليكم قدر هذه إلا الخمس، والخمس مردود عليكم". وجاء بهذا الإسناد في قصة بدر1. وفيه: "قال عبادة: "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أغار في أرض العدو نفل الربع، وإذا أقبل راجعاً وكلَّ الناس نفل الثلث، وكان يكره الأنفال، ويقول: "ليرد قوي المؤمنين على ضعيفهم". هكذا روى الإمام أحمد هذا الحديث عن عبادة مفرقا2. وكذا روى بعضه الدارمي مفرقا أيضاً3. وروى البيهقي منه هذا الجزء الأخير4. ورواه ابن حبان في صحيحه مجموعاً في سياق واحد، مشتملا على قصة بدر. وفيه "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفلهم إذا خرجوا بادئين الربع، وينفلهم إذا قفلوا الثلث". وقال: "أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وبرة من جنب بعير ثم قال: "يا أيها الناس، إنه لا يحل لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس، والخمس مردود عليكم، فأدوا

الخيط والمخيط، وإياكم والغلول فإنه عار على أهله يوم القيامة، وعليكم بالجهاد في سبيل الله فإنه من أبواب الجنة يذهب الله به الهم والغم، قال: "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الأنفال ويقول: "ليرد قوي1 المؤمنين على ضعيفهم" 2. ورواه الطحاوي والحاكم كلاهما من طريق عبد الرحمن بن الحارث عن سليمان بن موسى الأشدق به، دون قصة بدر3". ورواه النسائي والبيهقي كلاهما من طريق عبد الرحمن بن الحارث عن سليمان بن موسى به قوله: "أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وبرة من جنب بعير فقال: "يا أيها الناس إنه لا يحل لي مما أفاء الله عليكم قدر هذه إلا الخمس، والخمس مردود عليكم" 4". جـ طريق ابن أبي مريم عن أبي سلام عن المقدام بن معد يكرب الكندي عند أحمد وهذا سياق الحديث:

حدثنا أبو اليمان1 وإسحاق2 بن عيسى قالا ثنا إسماعيل3 بن عياش عن أبي بكر4 بن عبد الله بن أبي مريم عن أبي سلام, قال إسحاق5: "- الأعرج - عن المقدام6 بن معديكرب الكندي أنه جلس مع عبادة بن الصامت وأبي الدرداء7 والحارث8 بن معاوية الكندي فتذاكروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ,فقال أبو الدرداء لعبادة: "يا عبادة كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة كذا وكذا في شأن الأخماس فقال عبادة: قال إسحاق في حديثه: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم , صلى بهم في غزوهم إلى بعير من المقسم, فلما سلم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتناول وبرة بين أنملته9 فقال: إن هذه من غنائمكم وإنه ليس لي فيها إلا نصيبي معكم, إلا الخمس, والخمس مردود عليكم, فأدوا الخيط والمخيط وأكبر من ذلك وأصغر ولا تغلوا فإن الغلول نار وعار على أصحابه في الدنيا والآخرة" 10 الحديث. قال الألباني في إرواء الغليل: "هذا إسناد جيد في المتابعات أبو سلام الأعرج هو ممطور الحبشي الدمشقي وهو ثقة من رجال مسلم, وابن أبي مريم ضعيف

لاختلاطه, لكن تابعه أبو يزيد غيلان, أخرجه الدولابي في "الكنى"1 ثم قال: وأبو يزيد مقبول كما في "التقريب"2 وساق سند الدولابي3 في سلسلة الأحاديث الصحيحة, ثم قال: "وقع في إسناده في الأصل: "بياض بين كعب ومعد, ولعل الصواب: "المقدام بن معديكرب فقد أورد الحديث الحافظ في الإصابة وقال: "قال أبو نعيم: "رواه أبو سلام عن المقدام الكندي فقال: "الحارث بن معاوية الكندي". والمقدام الكندي هو ابن معد يكرب وهو صحابي مشهور". ثم ذكر الخلاف في صحبة الحارث وأشار إلى ترجيح ابن حجر بأنه مخضرم". ثم قال: "وغيلان هو ابن أنس قال في "التقريب" مقبول"4". وبقية الرجال ثقات غير منصور الخولاني, فلم أجد له ترجمة5".اهـ". قلت: "وهذا الحديث المشارإليه عند الدولابي أَخْرَجَهُ أيضاً الفسوي ومن طريقه أخرجه البيهقي وهذا سياقه عند الفسوي قال: حدثني منصور عن أبي يزيد غيلان مولى كنانة عن أبي سلام الحبشي عن المقدام بن معد كرب عن الحارث بن معاوية قال: حدثنا عبادة بن الصامت وعنده أبو الدرداء أن نبي الله صلى الله عليه وسلم صلى إلى بعير من المقاسم, فلما فرغ من صلاته أخذ منه قردة بين أصبعيه- وهي وبرة- فقال: "ألا إن هذا من غنائمكم وليس لي منه إلا الخمس والخمس مردود عليكم, فأدوا الخيط والمخيط وأصغر من ذلك وأكبر فإن الغلول عار على أهله في الدنيا والآخرة" الحديث6. د- طريق ربيعة بن ناجد عن عبادة عند عبد الله بن أحمد في زوائد المسند وهذا سياقه:

حدثني عبد الله 1 بن سالم الكوفي المفلوج، كان ثقة ثنا عبيدة 2 ابن الأسود عن القاسم3 بن الوليد عن أبي صادق4 عن ربيعة5 بن ناجد عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ الوبرة من جنب البعير من المغنم، فيقول: "مالي فيه إلا مثل ما لأحدكم منه، وإياكم والغلول، فإن الغلول خزي على صاحبه يوم القيامة أدو الخيط والمخيط وما فوق ذلك، وجاهدوا في سبيل الله تعالى القريب والبعيد " الحديث6. والخلاصة أن الحديث ورد من أربع طرق: الأولى: "طريق يعلى بن شداد عند ابن ماجة والفسوي، وفيها (عيسى بن سنان) وهو ضعيف كما تقدم7". الثانية: "طريق أبي أمامة الباهلي عن عبادة عند أحمد وغيره وقد حسنها الزرقاني8". وقال الألباني عن هذا الحديث في صحيح الجامع: "صحيح" وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، قال: "إسناده حسن رجاله كلهم ثقات، وفي عبد الرحمن بن الحارث وشيخه سليمان بن موسى الأشدق، كلام لا ينزل حديثهما عن رتبة الحسن، لا سيما وقد جاء الحديث من طرق". وفي إرواء الغليل، قال: "الحديث سكت عليه الحاكم والذهبي، وإسناده

حسن عندي وفي عبد الرحمن وسليمان كلام لا ينزل به حديثهما عن المرتبة التي ذكرنا"1. قلت: "وقد روى الحاكم هذا الحديث في موضع آخر بهذا الإسناد مقتصرا فيه على ما حصل من الصحابة من الاختلاف في غنائم بدر، ثم قال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه2". ووافقه الذهبي". الثالثة: "طريق ابن أبي مريم عند أحمد، وفيها (ابن أبي مريم) وهو ضعيف". وقد تابعه غيلان بن أنس الكلبي أبو يزيد عند الدولابي والفسوي والبيهقي (وغيلان) قال عنه ابن حجر في التقريب "مقبول"3". وفي الإسناد أيضا منصور الخولاني ولم أجد ترجمته". الرابعة: "طريق ربيعة بن ماجد عند عبد الله بن أحمد في زوائد المسند وإسناده حسن". وخلاصة القول أن النهي عن الغلول في غزوة حنين ورد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وإسناده حسن4". ومن حديث عبادة بن الصامت وإسناده حسن على أقل تقدير". وهذه الأحاديث تدل على تحريم الغلول وعلى عقوبة من يتعاطى ذلك، وأنه من الكبائر التي توبق صاحبها وتعرضه للمقت يوم القيامة". قال النووي: "أجمع المسلمون على تغليظ تحريم الغلول، وأنه من الكبائر وأجمعوا على أن على الغال رد ما غل، فإن تفرق الجيش وتعذر إيصال حق كل واحد إليه، ففه خلاف بين العلماء، قال الشافعي وطائفة: "يجب تسليمه إلى الإمام أو الحاكم كسائر الأموال الضائعة.

وقال ابن مسعود وابن عباس ومعاوية والحسن والزهري والأوزاعي ومالك والثوري والليث وأحمد والجمهور: "يدفع خمسه إلى الإمام ويتصدق بالباقي". واختلفوا في صفة عقوبة الغال، فقال جمهور العلماء وأئمة الأمصار: "يعزر على حسب ما يراه الإمام ولا يحرق متاعه". وهذا قول مالك والشافعي وأبي حنيفة ومن لا يحصى من الصحابة والتابعين ومن بعدهم". وقال مكحول والحسن والأوزاعي1: "يحرق رحله ومتاعه كله، قال الأوزاعي: "إلا سلاحه وثيابه التي عليه، وقال الحسن: "إلا الحيوان والمصحف 2". 290- واحتجوا بحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في تحريق رحله3".

قال الجمهور: "وهذا حديث ضعيف لأنه مما انفرد به صالح بن محمد عن سالم وهو ضعيف". قال الطحاوي: "ولو صح يحمل على أنه كان حين كانت العقوبة بالأموال كأخذ شطر المال من مانع الزكاة وضالة الإبل، وسارق التمر وكل ذلك منسوخ 1".إهـ. وبوب البخاري بقوله (باب القليل من الغلول) . ثم قال: "ولم يذكر عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرق متاعه وهذا أصح". ثم ساق حديث عبد الله بن عمرو المتقدم في قصة (كركرة) 2". قال ابن حجر: "قوله ولم يذكر عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرق متاعه يعني في حديثه الذي ساقه في الباب في قصة الذي غل العباءة". وقوله: "وهذا أصح"، أشار إلى تضعيف ما روي عن عبد الله بن عمر في الأمر بحرق رحل الغال". والإشارة بقوله (هذا) إلى الحديث الذي ساقه". ثم قال ابن حجر: "والأمر بحرق رحل الغال، أخرجه أبو داود من طريق صالح بن محمد بن زائدة الليثي المدني أحد الضعفاء، قال: "دخلت مع مسلمة بن عبد الملك أرض الروم فأتى رجل قد غل فسأل سالما أي- ابن عبد الله بن عمر - عنه فقال: "سمعت أبي يحدث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وجدتم الرجل قد غل فأحرقوا متاعه" 3. ثم ساق من وجه آخر عن سالم موقوفا ثم قال أبو داود: "وهذا أصح4".

وقال البخاري في (التاريخ) يحتجون بهذا الحديث في إحراق رحل الغال، وهو باطل ليس له أصل وراويه لا يعتمد عليه، ثم قال ابن حجر: "وروى الترمذي عنه أيضاً أنه قال: " (صالح) منكر الحديث". وقد جاء في غير حديث ذكر الغال وليس فيه الأمر بحرق متاعه1، ثم قال ابن حجر: "قلت وقد جاء من غير طريق صالح بن محمد". 291- أخرجه أبو داود أيضا من طريق زهير بن محمد عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده 2". ثم أخرجه من وجه آخر عن زهير عن عمرو بن شعيب موقوفا عليه وهو الراجح3". ثم قال ابن حجر: "وقد أخذ بظاهر هذا الحديث أحمد في رواية، وهو قول مكحول والأوزاعي". وعن الحسن يحرق متاعه إلا الحيوان والمصحف". وقال الطحاوي: "لو صح الحديث لاحتمل أن يكون حين كانت العقوبة بالمال4".إهـ. ورجح ابن قيم الجوزية عدم النسخ وقال: "الصواب أن هذا من باب التعزير والعقوبات المالية الراجعة إلى اجتهاد الأئمة بحسب المصلحة، فإنه صلى الله عليه وسلم حرق وترك، وكذلك خلفاؤه من بعده5".

ونظير هذا قتل شارب الخمر في الثالثة أو الرابعة1. فليس بحد ولا منسوخ، وإنما هو تعزير يتعلق باجتهاد الإمام2.إهـ. ومال محمد الأمين الشنقيطي إلى اختيار ابن قيم الجوزية هذا، وقال: "وإنما قلنا: "إن هذا القول أرجح عندنا لأن الجمع واجب إذا أمكن وهو مقدم على الترجيح بين الأدلة كما علم في الأصول3".إهـ. وهذا الترجيح الذي مال إليه ابن قيم الجوزية وتابعه الشنقيطي في العقوبة بالمال وجيه، غير أن الحديث الوارد في حرق متاع الغال بخصوصه لم يثبت4، وإنما يصار إلى الجمع بين الأدلة على هذا الوجه إذا كانت متكافئة في الصحة، ومادام الحديث في حرق متاع الغال لم يثبت فيكون الراجح في هذا قول جمهور العلماء وهو تعزير الغال بما يراه الإمام دون حرق المتاع، وذلك لأن في حرق المتاع مفسدة للمال الذي يمكن أن يستفيد منه المسلمون، خاصة أن الأحاديث الصحيحة الواردة عنه صلى الله عليه وسلم بعقوبة الغال، ليس فيها الأمر بحرق متاع الغال كما تقدم في حديث عبد الله ابن عمرو في قصة (كركرة) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "هو في النار" ولم يأمر بحرق رحله5.

292- وفي حديث زيد1 بن خالد الجهني، بإسناد صحيح، قال: "تفي رجل من أشجع بخيبر2 فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صلوا على صاحبكم" فأنكر الناس ذلك وتغيرت له وجوههم، فلما رأى ذلك قال: "إن صاحبكم غل في سبيل الله" 3. قال زيد: "فالتمسوا في متاعه، فإذا خرزات4 من خرز يهود ما تساوي درهمين 5". ولم يأمر صلى الله عليه وسلم بحرق رحله". قال الكندهلوي: "قوله: "فتغيرت وجوه الناس لذلك". قال الباجي6: "يحتمل أن يريد به وجه المؤمنين لامتناعه من الصلاة على من هو من جملتهم، ولا يعلمون له ذنباً انفرد به، فخافوا أن يكون المانع أمرا يشملهم فيهلكوا بذلك، ويحتمل أن يريد به قبيلة وطائفة تغيرت وجوههم لما يخصهم من أمره، ولما خافوا أن يكون ذلك المعنى شائع فيهم"7".

ثم قال الكاندهلوي: "قلت أو تغيرت وجوههم لأجل هذا الرجل خاصة لأنهم قد علموا من حاله أنه لا يمتنع من الصلاة إلا على لا ترضى حاله، وأنه قد علم أنه أحدث حدثا يمنعه من الصلاة". فقال زيد: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن صاحبكم قد غل في سبيل الله" أي خان في الغنيمة، فبين المعنى الذي امتنع به عن الصلاة عليه". ثم قال: "قال الشيخ1 في البذل: "فلهذا قالت الفقهاء إذا مات الفاسق المصر على الفسق يجوز أن لا يصلي عليه الأئمة الذين يقتدى بهم، بل يأمرون الناس أن يصلوا عليه". ثم قال الكاندهلوي: "قال الباجي: "وهذه سنة في امتناع الأئمة، وأهل الفضل من الصلاة على أهل الكبائر على وجه الردع والزجر على مثل فعلهم، وأمر غيره - عليه الصلاة والسلام - بالصلاة عليه دليل على أن لهم حكم الإيمان لا يخرجون عنه بما أحدثوه من المعصية وقد روى ابن سحنون2 عن أبيه3 عن مالك أنه قال: "لا بأس أن يُصُلَّى على من غل وذلك يحتمل وجهين: أحدهما: "أن يريد به أن يصلي عليه غير الإمام". والثاني: "أن الإمام مخير إن شاء صلى، وإن شاء ترك وإن ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم من الامتناع لم يكن على وجه المنع على الصلاة عليه وإنما كان ذلك لأنه رأى ذلك في ذلك الوقت أفضل، وأن رأى الصلاة في وقت تكون الصلاة أفضل أن يصلي". وقد قال صلى الله عليه وسلم في الصلاة على المنافقين إني خيرت4 فاخترت5". إهـ".

وفي هذه الأحاديث تظهر عناية الإسلام بالحقوق العامة وتقديمها على المصلحة الخاصة، وذلك أن الغنائم حق مشاع لجميع أفراد الجيش لا يجوز لفرد منهم أن تغلبه مصلحة نفسه فيأخذ من هذا الحق المشاع لنفسه بحجة أن له حقاً فيها، ولذلك جاءت هذه النصوص تنذر بالويل والعذاب الأليم لمن يغل ويخون في الغنائم قبل أن تتميز الحقوق وتظهر بالقسمة العادلة حصة كل فرد من أفراد الجيش الإسلامي، ويتضح ذلك جليا في تشديد الرسول صلى الله عليه وسلم في أخذ الخيط والمخيط وما فوق ذلك وما دون ذلك فهو أعظم حماية للحقوق العامة وأجل صيانة لاحترام المصالح العامة للأمة، وفي نفس الوقت فإن حقوق الفرد لا تضيع فسوف تقسم هذه الغنائم ويأخذ كل فرد حقه كاملا غير منقوص، وهذه خصائص الدين الإسلامي العظيمة التي يجب فهمها وتطبيقها بالعلم والعدل".

الحكم الخامس عشر: المؤلفة قلوبهم

الحكم الخامس عشر: المؤلفة قلوبهم مر بنا تعريف المؤلفة قلوبهم وأقسامهم ومقدار ما أخذ كل واحد منهم في غزوة حنين1. ومن المعلوم أن المؤلفة قلوبهم هم أحد الأصناف الثمانية الذين نصت عليه آية مصارف الزكاة وأنهم يأخذون من الزكاة كغيرهم من بقية الأصناف وقصدنا من هذا المبحث أمران: الأمر الأوّل: "هل أعطيات المؤلفة قلوبهم في غزوة حنين كانت من صلب الغنيمة أو من الخمس, أو من خمس الخمس". الأمر الثاني: "هل حكم المؤلفة باقي أو أن ذلك زال بقوة الإسلام وعزة أهله". أما الأمر الأول, فإن ظاهر الأحاديث الواردة في غزوة حنين تدل على أن العطاء المذكور كان من صلب الغنيمة". ومنها: "حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن ناساً من الأنصار قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم من أموال هوازن ما أفاء, فطفق يعطي رجالا من قريش المائة من الإبل, فقالوا: "يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي قريشا ويدعنا, وسيوفنا تقطر من دمائهم" الحديث. وفي لفظ "لما فتحت مكة قسم الغنائم في قريش فقالت الأنصار: "إن هذا لهو العجب إن سيوفنا تقطر من دمائهم وإن غنائمنا ترد عليهم, فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فجمعهم فقال: ما الذي بلغني عنكم؟ قالوا: "هو الذي بلغك وكانوا لا يكذبون, قال: "أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا إلا بيوتهم وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيوتكم؟ " الحديث.

وفي لفظ "لما كان يوم حنين أقبلت هوازن, وغطفان وغيرهم بذراريهم ونعمهم ومع النبي صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف ومعه من الطلقاء فأدبروا عنه حتى بقي وحده قال: "فنادى يومئذ نداءين لم يخلط بينهما شيئا قال: "فالتفت عن يمينه فقال: "يا معشر الأنصار, فقالوا: لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك قال: ثم التفت عن يساره فقال: "يا معشر الأنصار, قالوا: "لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك, قال: "وهو على بغلة بيضاء فنزل فقال: أنا عبد الله ورسوله فانهزم المشركون وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم كثيرة فقسم في المهجرين والطلقاء ولم يعط الأنصار شيئا فقالت الأنصار: إذا كانت الشدة فنحن ندعى وتعطى الغنائم غيرنا, فبلغه ذلك فجمعهم في قبة فقال: يا معشر الأنصار ما حديث بلغني عنكم؟ فسكتوا, فقال: "يا معشر الأنصار أما ترضون أن يذهب الناس بالدنيا وتذهبون بمحمد تحوزونه إلى بيوتكم؟ قالوا: "بلى يا رسول الله رضينا" الحديث. وفي لفظ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن قريشا حديث عهد بجاهلية ومصيبة وإني أردت أن أجبرهم وأتألفهم"1". وفي حديث عبد الله بن زيد بن عاصم رضي الله عنه قال: لما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم ولم يعط الأنصار شيئا, فكأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس, فخطبهم فقال: "يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي, الحديث وفيه "ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم؟ " 2". فهذه الأحاديث وغيرها تدل بظاهرها على أن عطاء المؤلفة قلوبهم كان من صلب الغنيمة, إذ لو كان العطاء المذكور من الخمس أو من خمس الخمس, كما قال بعض العلماء3, لما كان يحق للأنصار أن يتكلموا بما تكلموا به, ولما أقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك, ولما ترضاهم بما ترضاهم به, ولناسب أن يقول لهم إنما أعطيت من

أعطيت مما لا حق لكم فيه, ولأن الخمس مخصوص بأصناف1 وكذا خمس الخمس خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم يدعه حيث شاء لا اعتراض عليه في ذلك. فلما لم يحصل شيء من ذلك, بل الذي حصل هو استطابة نفوس الأنصار بقوله صلى الله عليه وسلم "أما ترضون أن يذهب الناس بالدنيا وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيوتكم" دلك ذلك على أن العطاء المذكور كان من صلب الغنيمة التي أحرزها الأنصار بسيوفهم ودمائهم, ولهم الحق فيها وقد أقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك, وعوضهم عنها نفسه صلى الله عليه وسلم تطيبا لنفوسهم. قال ابن حجر: "عند شرحه لحديث عبد الله بن زيد: "قوله: "ولم يعط الأنصار شيئا"، ظاهر في أن العطية المذكورة كانت من جميع الغنيمة". وقال القرطبي2 في "المفهم" الإجراء على أصول الشريعة أن العطاء المذكور كان من الخمس , ومنه كان أكثر عطاياه, وقد قال في هذه الغزوة للأعرابي "ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود فيكم". وعلى الأول فيكون ذلك مخصوصا بهذه الواقعة, وقد ذكر السبب في ذلك في رواية قتادة عن أنس في الباب حيث قال: "إن قريشاً حديث عهد بجاهلية ومصيبة, وإني أردت أن أجبرهم وأتألفهم". اهـ. ثم عقب ابن حجر بقوله: "الأوّل هو المعتمد, والذي رجحه القرطبي جزم به الواقدي, ولكنه ليس بحجة إذا انفرد فكيف إذا خالف3". ثم قال ابن حجر: "ويؤكد أن العطاء المذكور كان من صلب الغنيمة ما جاء في رواية هشام بن زيد عن أنس: "إذا كانت شديدة فنحن ندعى, ويعطي الغنيمة غيرنا".

وهذا ظاهر في أن العطاء كان من صلب الغنيمة بخلاف ما رجحه القرطبي1".اهـ. وقال السهيلي: "وأما إعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم من غنائم حنين حتى تكلمت الأنصار في ذلك وكثرت منهم القالة", وقالت: "يعطي صناديد العرب ولا يعطينا, وأسيافنا تقطر من دمائم, فللعلماء في هذه المسألة ثلاثة أقوال: أحدها: "أنه أعطاهم من خمس الخمس, وهذا القول مردود لأن خمس الخمس ملك له ولا كلام لأحد فيه". القول الثاني: "أنه أعطاهم من رأس الغنيمة, وأن ذلك خصوص بالنبي صلى الله عليه وسلم لقوله تبارك وتعالى: {قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} ، [سورة الأنفال، من الآية: "1] . وهذا القول أيضا يرده ما تقدم من نسخ هذه الآية, وقد تقدم الكلام عليها في غزوة بدر2, غير أن بعض العلماء احتج لهذا القول بأن الأنصار لما انهزموا يوم حنين فأيد الله رسوله وأمده بملائكته, فلم يرجعوا حتّى كان الفتح, رد الله تعالى أمر الغنائم إلى رسوله من أجل ذلك فلم يعطهم منها شيئا وقال لهم: "ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير, وترجعوا برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم, فطيب نفوسهم بذلك بعد ما فعل ما أمر به. القول الثالث: "وهو الذي اختاره أبو عبيد أن إعطائهم كان من الخمس حيث يرى أن فيه مصلحة للمسلمين3". وقال ابن قيم الجوزية: "وهذا العطاء الذي أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم لقريش, والمؤلفة قلوبهم, هل هو من أصل الغنيمة أو من الخمس, أو من خمس الخمس؟ فقال الشافعي ومالك: "هو من خمس الخمس, وهو سهمه صلى الله عليه وسلم الذي جعله الله له من الخمس, وهو غير الصفي4 وغير ما يصيبه من المغنم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستأذن الغانمين في تلك العطية, ولو كان العطاء من أصل الغنيمة, لاستأذنهم لأنهم ملكوها

بحوزها والاستيلاء عليها، وليس من أصل الخمس، لأنه مقسوم على خمس، فهو إذا من خمس الخمس". وقد نصّ الإمام أحمد على أن النفل يكون من أربعة أخماس الغنيمة، وهذا العطاء هو من النفل، نفل النبي صلى الله عليه وسلم به رؤوس القبائل والعشائر لتألفهم به وقومهم على الإسلام، فهو أولى من تنفيل الثلث بعد الخمس، والربع بعضه1، لما فيه من تقوية الإسلام وشوكته وأهله، واستجلاب عدوه إليه، هكذا وقع سواء كما قال بعض هؤلاء2 الذين نفلهم: "لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه لأبغض الخلق إلي فما زال يعطيني حتى أنه لأحب الخلق إليّ" فما ظنك بعطاء قوى الإسلام وأهله، وأذل الكفر وحزبه، واستجلب به قلوب رؤوس القبائل والعشائر الذين إذا غضبوا، غضب لغضبهم أتباعهم، وإذا رضوا، رضوا لرضاهم، فإذا أسلم هؤلاء، لم يتخلف عنهم أحد من قومهم، فلله ما أعظم هذا العطاء وما أجداه وأنفعه للإسلام وأهله3".أهـ. والحاصل أن للعلماء في إعطاء المؤلفة قلوبهم يوم حنين ثلاثة أقوال: القول الأول: "أنه من الخمس وبهذا قال الواقدي وابن سعد وأبو عبيد وابن حزم والحلبي ومال إلى هذا القول السهيلي، ورجحه القرطبي في (المفهم) 4". وهو اختيار القاضي عياض فقد نقل عنه النووي أثناء شرحه لحديث أنس بن مالك في إعطاء المؤلفة قوله: "ليس في هذا تصريح بأنه صلى الله عليه وسلم أعطاهم قبل إخراج الخمس، وأنه لم يحسب ما أعطاهم من الخمس، قال: "والمعروف في باقي الأحاديث

أنه صلى الله عليه وسلم إنما أعطاهم من الخمس ففيه أن للإمام صرف الخمس وتفضيل الناس فيه على ما يراه وأن يعطي الواحد منه الكثير، وأنه يصرفه في مصالح المسلمين وله أن يعطي الغني منه لمصلحة 1".أهـ. وبوب البخاري بقوله: "باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه، رواه عبد الله2 بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم". ثم ساق تحت هذا الباب جملة أحاديث من ضمنها الأحاديث الواردة في قسمة الغنائم يوم حنين3". وقال ابن حجر: "قال إسماعيل القاضي: "في إعطاء النبي صلى الله عليه وسلم للمؤلفة من الخمس دلالة على أن الخمس إلى الإمام يفعل فيه ما يرى من المصلحة". وقال الطبري: "استدل بهذه الأحاديث من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي من أصل الغنيمة لغير المقاتلين، قال: "وهو قول مردود بدليل القرآن والآثار الثابتة". ثم قال ابن حجر: "قيل ليس في الأحاديث الباب شيء صريح بالإعطاء من نفس الخمس4". القول الثاني: "أن العطاء كان من خمس الخمس وهو قول مالك والشافعي وابن خلدون5". القول الثالث: "أن العطاء المذكور كان من صلب الغنيمة وهو اختيار ابن تيمية وابن حجر6".

وعن الإمام أحمد أن النفل كان من أربعة أخماس الغنيمة1". قال ابن قيم الجوزية: "وهذا العطاء هو من النفل2". وظاهر الأحاديث الواردة في غزوة حنين أن العطاء المذكور كان من صلب الغنيمة وأن الأنصار لما تكلموا في ذلك حيث إنه لم يصبهم من الغنيمة جمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لهم: "أما ترضون يا معشر الأنصار أن يرجع الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم" قالوا: "رضينا، فكان في ذلك تعويضا لهم عن الغنيمة التي لم ينالوا منها شيئاً". قال محمد الأمين الشنقيطي: "اعلم أن جماهير علماء المسلمين على أن أربعة أخماس الغنيمة للغزاة الذين غنموها، وليس للإمام أن يجعل تلك الغنيمة لغيرهم، ويدل لهذا قوله تعالى: {غَنِمْتُمْ} 3 فهو يدل على أنها غنيمة لهم فلما قال: {فَأَنَّ لله خُمْسَهُ} ، علمنا أن الأخماس الأربعة الباقية لهم لا لغيرهم فقوله: {فَأَنَّ لله خُمْسَهُ} ، أي: "وللغانمين ما بقي". وهذا القول هو الحق الذي لا شك فيه، وحكى الإجماع عليه غير واحد من العلماء". ثم قال: "وأما ما وقع في قصة حنين فالجواب عنه ظاهر، هو أن النبي صلى الله عليه وسلم استطاب نفوس الغزاة عن الغنيمة ليؤلف بها قلوب المؤلفة قلوبهم لأجل المصلحة العامة للإسلام والمسلمين، ويدل على ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لما سمع أن بعض الأنصار قال: "يمنعنا ويعطي قريشا، وسيوفينا تقطر من دمائهم، جمعهم النبي صلى الله عليه وسلم وكلمهم كلامه المشهور البالغ في الحسن ومن جملته أنه قال لهم: "ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاء والبعير وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم". إلى آخر كلامه، فرضي القوم، وطابت نفوسهم، وقالوا: "رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم قسما وحظا، وهذا ثابت في الصحيح4".إهـ". وأما الأمر الثاني: "وهو هل حكم المؤلفة قلوبهم باق أو أن ذلك منسوخ فقد

ساق الترمذي حديث صفوان بن أمية قال: "أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وإنه لأبغض الخلق إلي فما زال يعطيني حتى إنه أحب الخلق إلي" 1. ثم قال: "وقد اختلف أهل العلم في إعطاء المؤلفة قلوبهم، فرأى أكثر أهل العلم أن لا يعطوا وقالوا إنما كانوا قوما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يتألفهم على الإسلام حتى أسلموا، ولم يروا أن يعطوا اليوم من الزكاة على مثل هذا المعنى". وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة وغيرهم، وبه يقول أحمد2 وإسحاق". وقال بعضهم: "من كان اليوم على مثل حال هؤلاء ورأى الإمام أن يتألفهم على الإسلام فأعطاهم جاز ذلك وهو قول الشافعي3". وقال النووي في أثناء شرحه لحديث صفوان وما ورد في معناه: "وفي هذا مع ما بعده إعطاء المؤلفة، ولا خلاف في إعطاء مؤلفة المسلمين، لكن هل يعطون من الزكاة؟ فيه خلاف، والأصح عندنا أنهم يعطون من الزكاة ومن بيت المال". والثاني: "لا يعطون من الزكاة، بل من بيت المال خاصة، وأما مؤلفة الكفار فلا يعطون من الزكاة، وفي إعطائهم من غيرها خلاف، الأصح عندنا لا يعطون، لأن الله تعالى قد أعز الإسلام عن التألف، بخلاف أول الأمر، ووقت قلة المسلمين4".إهـ". والظاهر في هذا هو جواز إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة ومن غيرها سواء أكانوا مسلمين أم كافرين، لأن الله تعالى قال: {وَالمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُم} والآية عامة وهي أصل في جواز إعطاء المؤلفة من الزكاة ولم تخصص مسلما من غيره، وهي محكمة غير منسوخة". وأما إعطاء مؤلفة الكفار من بيت المال من خمس الخمس أو نحوه فذلك زيادة لهم على إعطائهم من الزكاة".

ومن المعلوم أن من أهداف التأليف استمالة القلوب إلى الإسلام أو تثبيتها عليه، أو كسب أنصار له، أو كف شر عن دعوته ودولته، فهو بهذا المعنى يحقق مصلحة عامة للمسلمين، ولا تهدر هذه المصلحة لأن من القواعد المقررة أنه متى وجدت المصلحة فثم شرع الله، وما كان كذلك فإن حكمه باق متى دعت الحاجة إليه. قال ابن هبيرة: "اختلف العلماء في المؤلفة قلوبهم، هل بقي الآن لهم حكم؟ " فقال أحمد: "حكمهم باق لم ينسخ، ومتى وجد الإمام قوماً من المشركين فخاف الضرر بهم، وعلم أن في إسلامهم مصلحة، وجاز أن يتألفهم من مال الزكاة". وعنه رواية أخرى أن حكمهم منسوخ1". إهـ. وقال ابن قدامة: "وأحكام الأصناف الثمانية المنصوص عليهم في آية براءة2،كلها باقية، وبهذا قال الحسن والزهري، وأبو جعفر3 محمد بن عليّ4". وقال علاء الدين المرداوي: "الصحيح من المذهب أن حكم المؤلفة باق وعليه الأصحاب، وهو من المفردات5". وقال أبو عبيد: "الآية محكمة، لا نعلم لها ناسخا من كتاب ولا سنة، فإذا كان قوم هذه حالهم، لا رغبة لهم في الإسلام، لما عندهم من العز والأنفة فرأى الإمام أن يرضخ لهم من الصدقة، فعل ذلك لخلال ثلاث: إحداهن: "الأخذ بالكتاب والسنة". والثانية: "البقيا على المسلمين". والثالثة: "أنه ليس بيائس منهم إن تمادى بهم الإسلام، أن يتفقهوه وتحسن فيه رغبتهم 6".إهـ.

قلت: "وهذا هو الهدف الأساسي من التأليف هو ترغيب الناس في الدخول في هذا الدين الحنيف، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي على الإسلام ما لايعطي على غيره، فقد جاء في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: قال: "ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئا إلا أعطاه، قال: "فجاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين، فرجع إلى قومه، فقال: "يا قوم! أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة". وفي لفظ: "أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم غنما بين جبلين فأعطاه إياه فأتى قومه فقال: "أي قوم! فوالله! إن محمد ليعطي عطاء ما يخاف الفقر". فقال أنس: "إن1 كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا، فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنياوما عليها"2". وذهب الحنفية والشعبي ومالك والشافعي إلى أن هذا المصرف "المؤلفة قلوبهم" إنما كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال قلة عدد المسلمين وكثرة عدوهم، وأما بعد وفاته عليه الصلاة والسلام فإنهم لا يعطون من الزكاة شيئا لزوال العلة التي من أجلها كان إعطاؤهم وهي الحاجة إليهم، فقد أعز الله الإسلام وأهله، وأغنى عن تألفيهم، فلا يعطى مشرك تأليفا بحال من الأحوال. ورأوا أن حكمهم منسوخ بإجماع الصحابة على ذلك، فإن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما لم يعطيا المؤلفة قلوبهم شيئا من الصدقات، ولم ينكر عليها أحد من الصحابة فيكون إجماعا منهم 3. ورد هذا ابن قدامة بقوله: ولنا: "كتاب الله وسنة رسوله، فإن الله تعالى سمى المؤلفة في الأصناف الذين

سمى الصدقة لهم والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى حكم فيها فجزأها ثمانية أجزاء"1. وكان يعطي المؤلفة كثيرا في أخبار مشهورة، ولم يزل كذلك حتى مات، ولا يجوز ترك كتاب الله وسنة رسوله إلا بنسخ والنسخ لا يثبت بالاحتمال، ثم إن النسخ، إنما يكون في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لأن النسخ إنما يكون بنص، ولا يكون النسخ بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وانقراض زمن الوحي، ثم إن القرآن لا ينسخ إلا بالقرآن، وليس في القرآن نسخ كذلك ولا في السنة، فكيف يترك الكتاب والسنة بمجرد الآراء والتحكم، أو بقول صحابي أو غيره؟ على أنهم لا يرون قول الصحابي حجة يترك بها قياس، فكيف يتركون به الكتاب والسنة؟ وقال الزهري: "لا أعلم شيئا نسخ حكم المؤلفة على أن ما ذكروه من المعنى لا خلاف بينه وبين الكتاب والسنة، فإن الغنى عنهم لا يوجب رفع حكمهم وإنما يمنع عطيتهم حال الغنى عنهم فمتى دعت الحاجة إلى إعطائهم أعطوا، فكذلك جميع الأصناف إذا عدم منهم صنف في بعض الزمان سقط حكمه في ذلك الزمان خاصة، فإذا وجد عاد حكمه، كذا هنا2". وقال الطبري: "والصواب من القول في ذلك عندي: "أن الله جعل الصدقة في معنيين: "أحدهما سد خلة المسلمين، والآخر معونة الإسلام وتقويته، فما في معونة الإسلام وتقوية أسبابه، فإنه يعطاه الغني والفقير، لأنه لا يعطاه من يعطاه بالحاجة منه إليه، وإنما يعطاه معونة للدين، وذلك كما يعطى الذي يعطاه بالجهاد في سبيل الله، فإنه يعطى ذلك غنياً كان أو فقيرا للغزو لا لسد خلته، وكذلك المؤلفة قلوبهم يعطون ذلك وإن كانوا أغنياء، استصلاحاً بإعطائهم أمر الإسلام، وطلب تقويته

وتأييده، وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من أعطى من المؤلفة قلوبهم، بعد أن فتح الله عليه الفتوح، وفشا الإسلام وعز أهله، فلا حاجة لمحتج بأن يقول: لا يتألف اليوم على الإسلام أحد لامتناع أهله بكثرة العدد ممن أرادهم وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من أعطى منهم في الحال التي وصفت1". وقال الفخر الرازي: "والصحيح أن حكم المؤلفة غير منسوخ، وأن للإمام أن يتألف قوما على هذا الوصف، ويدفع إليهم سهم المؤلفة، لأنه لا دليل على نسخه ألبتة2". وقال ابن العربي المالكي: "والذي عندي أنه إن قوي الإسلام زالوا وإن احتيج إليهم أعطوا سهمهم، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم". وهذا بناء على أن العلة في إعطائهم هي حاجتنا إليهم، أما على القول بأن القصد من إعطائهم ترغيبهم في الإسلام، أو تثبيتهم عليه لإنقاذهم من عذاب الله تعالى فيعطون مطلقا 3". وقال الشوكاني: "والظاهر جواز التأليف عند الحاجة إليه، فإذا كان في زمن الإمام قوم لا يطيعونه إلا للدنيا ولا يقدر على إدخالهم تحت طاعته بالقسر والغلب فله أن يتألفهم ولا يكون لفشو الإسلام تأثير لأنه لم ينفع في خصوص هذه الواقعة 4".إهـ". وبهذا التقرير يعلم بأن حكم المؤلفة باق لم ينسخ فإن التأليف حكم باق في كتاب الله عز وجل، وقد جعلهم الله أحد الأصناف الثمانية الذين تصرف فيهم الزكاة، وجاءت بهذا السنة المتواترة القاطعةن والنسخ لم يثبت كما تقدم تقريره، وليس في منع أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - للمؤلفة ما يفيد النسخ، وغاية ما فيه أن ذلك لأجل عزة الإسلام ومنعته، فإذا دعت الحاجة إلى التأليف فالحكم باق والمصلحة تقتضيه، وهذا ما رجحه المحققون من العلماء كما سبق بيانه".

_ 1 جامع البيان 10/163 2 تفسير الرازي 16/111 3 أحكام القرآن 2/966 وتحفة الأحوذي 3/336". 4 نيل الأوطار 4/187، والسيل الجرار 2/57-58".

الحكم السادس عشر: بعض ما يجتنبه المحرم

الحكم السادس عشر: بعض ما يجتنبه المحرم جاء في هذا الحكم ما رواه يعلى بن أمية أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة وعليه جبة وهو متضمخ بطيب فقال: "يا رسول الله كيف ترى في الرجل أحرم بعمرة في جبة بعدما تضمخ بالطيب؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات، وأم الجبة فانزعها عنك، ثم اصنع في عمرتك، كما تصنع في حجك". والحديث رواه البخاري ومسلم وغيرهما وهذا سياقه عند البخاري: 293- قال: "حدثنا أبو نعيم1 حدثنا همام حدثنا عطاء قال: "حدثني صفوان بن يعلى بن أمية - يعني - عن أبيه2 أن رجلاً3 أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة، وعليه جبة، وعليه أثر الخلوق4 - أو قال صفرة - فقال: "كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؟ 5".

فأنزل الله على النبي - صلى الله عليه وسلم - 1، فستر بثوب، وودت2 أني قد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وقد أنزل عليه الوحي، فقال عمر: "تعال، أيسرك3 أن تنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أنزل الله عليه الوحي؟ قلت: "نعم، فرفع طرف الثوب، فنظرت إليه له غطيط4 - وأحسبه قال: "كغطيط البكر5 - فلما سري6 عنه قال: "أين السائل عن العمرة؟ 7".

اخلع عنك الجبة1، واغسل أثر الخلوق عنك، وأنق2 الصفرة، واصنع3 في عمرتك كما تصنع في حجك"4.

والحديث رواه البخاري أيضا في كتاب جزاء الصيد عن أبي الوليد1حدثنا همام حدثناعطاء قال: حدثني صفوان بن يعلى عن أبيه به2. ورواه في كتاب المغازي عن يعقوب3 بن إبراهيم حدثنا إسماعيل حدثنا ابن جريج قال أخبرني عطاء أن صفوان بن يعلى بن أمية أخبره، أن يعلى كان يقول: "ليتني أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ينزل عليه4". وعلقه في كتاب الحج عن أبي عاصم فقال: "قال أبو عاصم5 أخبرنا ابن جريج أخبرني عطاء أن صفوان بن يعلى أخبره به6". ورواه في فضائل القرآن عن أبي نعيم حدثنا همام حدثنا عطاء". وعلقه عن مسدد فقال: "وقال مسدد7 حدثنا يحيى عن ابن جريج قال أخبرني عطاء قال أخبرني صفوان بن يعلى بن أمية أن يعلى8 كان يقول: "ليتني أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ينزل عليه الوحي". الحديث9".

ورواه مسلم وأبو داود والبيهقي الجميع من طريق همام بن يحيى حدثنا عطاء بن أبي رباح عن صفوان بن يعلى به1". ورواه أحمد ومسلم والنسائي والحميدي وابن خزيمة والبيهقي الجميع من طريق ابن جريج قال: "أخبرني عطاء أن صفوان بن يعلى بن أمية أخبره به2". ورواه مسلم وأبو داود والنسائي والطحاوي والحازمي كلهم من طريق قيس بن سعد المكي يحدث عن عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية به3". رواه مسلم أيضا من طرق رباح بن أبي معروف قال سمعت عطاء قال: "أخبرني صفوان بن يعلى به4". ورواه مسلم أيضاً والحميدي والشافعي وأحمد والترمذي ابن خزيمة الجميع من طريق سفيان بن عيينة قال حدثنا عمرو بن دينار عن عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية به5". ورواه البيهقي من طريق الشافعي6".

ورواه أبو داود من طريق هشيم1 بن الحجاج عن عطاء عن صفوان بن يعلى به". ومن طريق الليث بن سعد عن عطاء بن أبي رباح عن ابن يعلى ابن منية به 2". وأخرجه البيهقي من طريق أبي داود الثانية 3". ورواه الحازمي من طريق عبيد الله4 بن أبي زياد عن عطاء بن أبي رباح عن صفوان بن يعلى بن أمية به5. ورواه مالك عن حميد بن قيس عن عطاء بن أبي رباح أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بحنين وعلى الأعرابي قميص الحديث6. والحديث رواه همام بن يحيى وعبد الملك بن جريج وقيس بن سعد وعبيد الله بن أبي زياد ورباح بن أبي معروف وعمرو بن دينار والليث بن سعد والحجاج بن أرطأة كلهم عن عطاء بن أبي رباح عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه يعلى بن أمية. بذكر "صفوان" بين عطاء ويعلى.

ورواه أبو داود من طريق أبي بشر1 عن عطاء عن يعلى بن أمية2. ورواه أحمد من طريق منصور3 وعبد الملك4 عن عطاء عن يعلى ابن أمية5". ورواه الترمذي من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن يعلى بن أمية6. ورواه أبو داود الطيالسي من طريق قتادة عن عطاء عن يعلى بن أمية7. ومن طريق أبي داود الطيالسي أخرجه البيهقي8. فأبو بشر ومنصور وعبد الملك وقتادة رووا هذا الحديث عن عطاء عن يعلى بن أمية، بإسقاط "صفوان بن يعلى" بين عطاء ويعلى. وقد ساق الترمذي الحديث من طريق عبد الملك فقال: "حدثنا قتيبة أخبرنا عبد الله بن إدريس عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن يعلى بن أمية قال: "رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابيا قد أحرم وعليه جبة فأمره أن ينزعها". ثم قال: "حدثنا ابن أبي عمر9 أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه بمعناه".

قال أبو عيسى: "وهذا أصح1 وفي الحديث قصة". وهكذا روى قتادة الحجاج بن أرطأة وغير واحد عن عطاء عن يعلى بن أمية2". والصحيح ما روى عمرو بن دينار وابن جريج3 عن عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم 4". والحديث بجميع طرقه فيه أن السائل عن الإحرام غير يعلى بن أمية راوي الحديث وأن الرسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بنزع الجبة وغسل الخلوق ولم يأمره بإحداث إحرام من جديد". إلا ما جاء عند النسائي من حديث نوح بن حبيب وهذا سياقه: أخبرنا نوح5 بن حبيب القومسي قال حدثنا يحيى بن سعيد6 قال: "حدثنا ابن جريج قال: "حدثني عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية، عن أبيه أنه قال: "ليتني أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ينزل عليه". فبينا نحن بالجعرانة والنبي صلى الله عليه وسلم في قبة فأتاه الوحي، فأشار إلى عمر أن تعال. فأدخلت رأسي القبة فأتاه رجل قد أحرم في جبة بعمرة مضمخ بطيب فقال:

يا رسول الله، ما تقول في رجل قد أحرم في جبة، إذ أنزل عليه الوحي، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يغط1 لذلك، فسري عنه فقال: "أين الرجل الذي سألني آنفا؟ ". فَأُتِيَ بالرجل فقال: "أما الجبة فاخلعها، وأما الطيب فاغسله ثم أحدث إحراما". ثم قال النسائي: "قال أبو عبد الرحمن: "ثم أحدث إحراما" ما أعلم أحداً قاله غير نوح بن حبيب، ولا أحسبه محفوظاً2". وأورد ابن حجر قول النسائي هذا". ثم قال: "وقال البيهقي: "رواه جماعات غير نوح بن حبيب فلم يذكروها 3، ولم يقبلها أهل العلم بالحديث من نوح بن حبيب4". ووقع عند الطحاوي أن الذي أحرم وعليه جبة هو يعلى بن أمية راوي الحديث وهذا سياقه: حدثنا سليمان5 قال: "ثنا عبد الرحمن6 قال: "ثنا شعبة عن قتادة عن عطاء بن أبي رباح: "أن رجلا يقال له يعلى بن أمية أحرم وعليه جبة، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينْزعها" 7. قلت: "والحديث معضل". والصحيح أن الذي أحرم في جبة غير يعلى بن أمية كما هو صريح الأحاديث المتقدمة عن يعلى في الصحيحين وغيرهما".

وقد أخذ العلماء من هذا الحديث المسائل الآتية: المسألة الأولى: "أن السائل عن أحكام العمرة كان عارفا بأحكام الحج، ولذا قال له صلى الله عليه وسلم: "وما كنت صانعا في حجك فاصنع في عمرتك". قال النووي: "وهذا الحديث ظاهر في أن هذا السائل كان عالماً بصفة الحج دون العمرة، فلهذا قال له صلى الله عليه وسلم: "اصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك" 1". وقال ابن حجر: "وهذا الحديث دال على أنه كان يعرف أعمال الحج قبل ذلك". قال ابن العربي: "كأنهم كانوا في الجاهلية يخلعون الثياب ويجتنبون الطيب في الإحرام إذا حجوا، وكانوا يتساهلون في ذلك في العمرة، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن مجراهما واحد". وقال ابن المنير في "الحاشية" قوله "واصنع" معناه اترك لأن المراد بيان ما يجتنبه المحرم فيؤخذ منه فائدة حسنة وهي أن الترك فعل". وأما قول ابن بطال أراد الأدعية وغيرها مما يشترك فيه الحج والعمرة ففيه نظر، لأن التروك مشتركة، بخلاف الأعمال فإن في الحج أشياء زائدة على العمرة كالوقوف وما بعده". وقال الباجي: "المأمور به غير نزع الثوب وغسل الخلوق، لأنه صرح له بهما فلم يبق إلا الفدية2، قال ابن حجر: "كذا قال ولا وجه لهذا الحصر، بل الذي تبين من طريق أخرى أن المأمور به الغسل والنزع، وذلك عند مسلم والنسائي من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء في هذا الحديث أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أهل بعمرة وعليه مقطعات3 - يعني جبة - وهو متضمخ بخلوق فقال: "أهللت بعمرة فما أصنع؟ ". فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ما كنت صانعا في حجك؟ ".

قال: "كنت أنزع عني هذه الثياب وأغسل عني هذا الخلوق، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك" 1. المسألة الثانية: "أن من تطيب أو ليس جاهلاً ناسياً لإحرامه فلا كفارة عليه". قال البخاري: "باب إذا أحرم جاهلا وعليه قميص". ثم قال: "قال عطاء: "إذا تطيب أو لبس جاهلاً أو ناسياً فلا كفارة عليه". ثم ساق في الباب حديث يعلى بن أمية من طريق عطاء2". قال ابن حجر: "قوله باب إذا أحرم جاهلا وعليه قميص، أي هل يلزمه فدية أولا؟ وإنما لم يجزم بالحكم لأن حديث الباب لا تصريح فيه بإسقاط الفدية، ومن ثم استظهر المصنف للراجح بقول عطاء راوي الحديث كأنه يشير إلى أنه لو كانت الفدية واجبة لما خفيت عن عطاء وهو راوي الحديث". وقال ابن بطال وغيره: "وجه الدلالة منه أنه لو لزمته الفدية لبينها صلى الله عليه وسلم لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز". وفرق مالك - فيمن تطيب أو لبس ناسيا - بين من بادر فنزع وغسل وبين من تمادى". والشافعي أشد موافقة للحديث لأن السائل في حديث الباب كان غير عارف بالحكم وقد تمادى ومع ذلك لم يؤمر بالفدية". وقول مالك فيه احتياط3. وقال النووي: "وفي الحديث أن من أصابه طيب ناسيا أو جاهلا ثم علم وجبت عليه المبادرة إلى إزالته، وفيه أن من أصابه في إحرامه طيب ناسيا أو جاهلا لا كفارة عليه".

وهذا مذهب الشافعي، وبه قال عطاء والثوري وإسحاق وداود. وقال مالك وأبو حنيفة والمزني وأحمد في أصح الروايتين عنه: "عليه الفدية، لكن الصحيح من مذهب مالك أنه إنما تجب الفدية على المتطيب ناسيا أو جاهلا إذا طال لبثه عليه1". وقال ابن حجر: "واستدل بالحديث على أن من أصابه طيب في إحرامه ناسيا أو جاهلا ثم علم فبادر إلى إزالته فلا كفارة عليه". وقال مالك: "إن طال ذلك عليه لزمه". وعن أبي حنيفة وأحمد في رواية يجب مطلقاً2". وأجاب ابن المنير: "في "الحاشية" عن هذا الحديث بأن الوقت الذي أحرم فيه الرجل في الجبة كان قبل نزول الحكم ولهذا انتظر النبي صلى الله عليه وسلم الوحي". قال: "ولا خلاف أن التكاليف لا يتوجه على المكلف قبل نزول الحكم فلهذا لم يؤمر الرجل بفدية عما مضى". بخلاف من لبس الآن جاهلا فإنه جهل حكما استقر وقصر في علم ما كان عليه أن يتعلمه لكونه مكلفا به وقد تمكن من تعلمه3". المسألة الثالثة: "استحباب الطيب لمن أراد الإحرام وجواز استدامة". قال ابن هبيرة: "اتفق العلماء على استحباب الطيب من أراد الإحرام إلا مالكا فإنه قال: "يكره للمحرم أن يتطيب قبل الإحرام بما بقي ريحه بعده4". وقال ابن رشد: "أجمع العلماء على أن الطيب كله يحرم على المحرم بالحج والعمرة في حال إحرامه". واختلفوا في جوازه للمحرم عند الإحرام قبل أن يحرم لما بقي من أثره عليه بعد

الإحرام، فكرهه قوم وأجازه آخرون، وممن كرهه مالك، ورواه عن عمر بن الخطاب1، وهو قول عثمان وابن عمر وجماعة من التابعين". وممن أجازه أبو حنيفة والشافعي والثوري وأحمد وداود، والحجة لمالك حديث يعلى بن أمية ثم ساق الحديث والشاهد منه "قول الرسول صلى الله عليه وسلم للسائل: "أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات، وأما الجبة فانزعها". ثم قال: "وعمدة الفريق الثاني ما رواه مالك عن عائشة أنها قالت: "كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم لحله قبل أن يطوف بالبيت2". وقال ابن حجر: "واستدل بحديث يعلى على منع استدامة الطيب بعد الإحرام للأمر بغسل أثره من الثوب والبدن، وهو قول مالك ومحمد ابن الحسن". وأجاب الجمهور بأن قصة يعلى كانت بالجعرانة كما ثبت في هذا الحديث، وهي سنة ثمان بلا خلاف، وقد ثبت عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: 294- "طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين حين أحرم، ولحله حين أحل قبل أن يطوف، وبسطت يديها"3. وكان ذلك في حجة الوداع سنة عشر بلا خلاف، وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من الأمر، وبأن المأمور بغسله في قصة يعلى إنما هو الخلوق لا مطلق الطيب، فلعل علة الأمر فيه ما خالطه من الزعفران، وقد ثبت النهي عن تزعفر الرجل مطلقا محرما وغير محرم4".

295- وفي حديث ابن عمر: "ولا يلبس - أي المحرم - من الثياب شيئا مسه زعفران"1. 296- وفي حديث ابن عباس2 ولم ينه إلا عن الثياب المزعفرة"3. إهـ. وقد استدل القائلون بكراهية التطيب للمحرم قبل إحرامه بأدلة أخرى، وقد أجاب عنها العلماء وبينوا بأنها لا تقوى على دفع الأحاديث الواردة بجواز التطيب لمن أراد الإحرام قبل إحرامه وذلك لصراحتها وصحتها وتأخرها4. ففي حديث عائشة الثابت في الصحيحين وغيرهما أنها قالت: "كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت". وفي لفظ: قالت: "طيبت رسول الله بيدي بذريرة5 في حجة الوادع للحل والإحرام". وفي لفظ عنها عند النسائي قالت: "لقد رأيت وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ثلاث" 6 المسألة الرابعة: "أن المحرم إذا صار عليه مخيط ينزعه ولا يلزمه تمزيقه.

قال النووي: "قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث "واخلع عنك جبتك" دليل لمالك وأبي حنيفة والشافعي والجمهور أن المحرم إذا صار عليه مخيط ينزعه، ولا يلزمه شقه". وقال الشعبي والنخعي: "لا يجوز نزعه لئلا يصير مغطيا رأسه، بل يلزمه شقة، وهذا مذهب ضعيف1". وقال الخرقي: "ومن أحرم وعليه قميص خلعه ولم يشقه"2. قال ابن قدامة: "هذا قول أكثر أهل العلم، وحكي عن الشعبي3 والنخعي4 وأبي قلابة5 وأبي صالح ذكوان6: "أنه يشق ثيابه لئلا يتغطى رأسه حين ينزع القميص منه". ولنا: "ما روى يعلى بن أمية "أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبة بعدما تضمخ بطيب؟ فنظر إليه رسول الله ساعة ثم سكت، فجاءه الوحي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا الطيب الذي بك فاغسله، وأما الجبة فانزعها ثم اصنع في عمرتك ما تصنع في حجك". ثم قال: "قال عطاء: "كنا قبل أن نسمع هذا الحديث نقول فيمن أحرم وعليه قميص أو جبة فليخرقها عنه، فلما بلغنا هذا الحديث أخذنا به، وتركنا ما كنا نفتي به قبل ذلك، لأن في شق الثوب إضاعة ماليته وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال7".أهـ. 297- قلت: "وقد روى أبو داود الطيالسي والطحاوي كلاهما من طريق شعبة عن قتادة عن عطاء عن يعلى بن أمية "أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا عليه جبة عليها أثر

الخلوق أو صفرة، فقال: "اخلعها عنك واجعل في عمرتك ما تجعل في حجك". قال قتادة: "فقلت لعطاء نسمع أن قال: "شقها، قال: "هذا فساد والله لا يحب الفساد1". 298- وقال الشافعي: "أخبرنا سعيد2 بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه كان يقول: "من أحرم في قميص أو جبة فلينزعها نزعا ولا يشقها". قال الشافعي: "والسنة كما قال عطاء لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر صاحب الجبة أن ينزعها ولم يأمره بشقها3". وروى أبو داود من طريق عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه قصة السائل عن العمرة في الجعرانة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "اخلع جبتك، فخلعها من رأسه" 4". قال الخطابي: "في هذا الحديث من الفقه أن من أحرم وعليه ثياب مخيط من قميص وجبة ونحوهما لم يكن عليه تمزيقه وأنه إذا نزعه من رأسه لم يلزمه دم، وقد روى عن إبراهيم النخعي أنه قال: "يشقه". وعن الشعبي قال: "يمزق ثيابه". اهـ. قال صاحب عون المعبود: "وهذا خلاف السنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بخلع الجبة وخلعها الرجل من رأسه فلم يوجب عليه غرمة، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال، وتمزيق الثياب تضييع له، فهو غير جائز5".

_ 1 منحة المعبود 1/212 واللفظ له، وشرح معاني الآثار للطحاوي 2/139". 2 سعيد بن سالم القداح، أبو عثمان المكي، أصله من خراسان أو الكوفة، صدوق يهم رمي بالإرجاء، وكان فقيها من كبار التاسعة (ت قبل 200) . /د س". (التقريب 1/296 وتهذيب التهذيب 4/35) . 3 الأم 2/130 وصحيح ابن خزيمة 4/195". 4 سنن أبي داود 1/423 كتاب المناسك، باب الرجل يحرم في ثيابه". 5 عون المعبود 5/266".

الحكم السابع عشر: عمرة الرسول صلى الله عليه وسلم من الجعرانة

الحكم السابع عشر: عمرة الرسول صلى الله عليه وسلم من الجعرانة بعد أن رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصار الطائف نزل الجعرانة وكان بها غنائم هوازن، فمكث بها بضع عشرة ليلة قسم خلالها الغنائم بين المقاتلين ثم أحرم منها بعمرة ثم توجه إلى مكة ولما فرغ من عمرته عاد إلى الجعرانة من ليلته ثم توجه منها إلى المدينة المنورة. قال ابن إسحاق: "ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة1 معتمرا، وأمر ببقايا الفيء فحبس بمجنة بناحية مر الظهران، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمرته انصرف راجعا إلى المدينة، واستخلف عتاب بن أسيد على مكة، وخلف معاذ بن جبل، يفقه الناس في الدين، ويعلمهم القرآن، واتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ببقايا الفيء2". ونقل ابن كثير قول ابن إسحاق هذا ثم قال: "الظاهر أنه عليه السلام إنما استبقى بعض المغنم ليتألف به من يلقاه من الأعراب فيما بين مكة والمدينة 3". وقد وردت في عمرة الجعرانة الأحاديث الآتية: "حديث أنس بن مالك عند البخاري ومسلم وغيرهما وهذا سياقه عند البخاري: 299- قال: "حدثنا هدبة4 بن خالد حدثنا همام عن قتادة أن أنساً - رضي الله عنه - أخبره قال: "اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عُمَرٍ، كلهن في ذي القعدة إلا التي كانت مع حجته: "عمرة الحديبية في ذي القعدة، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة،

وعمرة من الجعرانة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة وعمرة مع حجته" 1. والحديث رواه مسلم وأبو داود والترمذي وأحمد وابن سعد والدارمي وأبو يعلى وابن خزيمة والبيهقي الجميع من طريق همام بن يحيى عن قتادة به2. وفي لفظ عند مسلم وأحمد عن قتادة قال: "سألت أنساً كَمْ حج رسول الله صلى الله عليه وسلم قال واحدة 3، واعتمر أربع عمر". حديث ابن عباس عند أبي داود وأحمد وغيرهما وهذا سياقه عند أبي داود:

300- قال: "حدثنا أبو سلمة1 موسى ثنا حماد عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا2 بالبيت وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم قد قذفوها على عواتقهم3 اليسرى" 4". والحديث رواه أحمد والطبراني والبيهقي كلهم من طريق حماد بن سلمة عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به". وزادوا بعد قوله "الجعرانة" فاضطبعوا5". ورواه أيضا أبو داود وأحمد والطبراني كلهم من طريق حماد بن سلمة أنبأنا عبد اله بن عثمان بن خيثم عن أبي الطفيل6 عن ابن عباس: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا بالبيت ثلاثاً ومشوا أربعاً" 7. ورواه البيهقي من طريق يحيى8 بن سليم الطائفي عن عبد الله بن عثمان بن

خُثيم عن أبي الطُّفيل عن عبد الله بن عباس قال: "اضطبع رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه ورملوا ثلاثة أشواط ومشوا أربعا" 1. فهذا الحديث رواه عبد الله بن عثمان بن خُثيم عن شيخين هما سعيد بن جبير وأبو الطفيل، وتابع يحيى بن سليم الطائفي حماد بن سلمة في شيخه عبد الله بن عثمان بن خثيم. وحديث ابن عباس من طريق سعيد بن جبير عنه قال فيه الشوكاني: "وحديث ابن عباس أخرج نحوه الطبراني، وسكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص ورجاله رجال الصحيح". وقد صحح حديث الاضطباع النووي في شرح مسلم2. إهـ. وصححه الألباني أيضا3. وحديث ابن عباس الثاني من طريق أبي الطُّفيل عنه. رجاله رجال الصحيح أيضاً. وقال الألباني: "هذا إسناد صحيح4". حديث ابن عباس أيضا عند أبي داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم وهذا سياقه عند أبي داود قال: 301- حدثنا النفيلي5 وقتيبة6 قالا أخبرنا داود7 بن عبد الرحمن العطار عن عمرو8 بن دينار عن عكرمة9 عن ابن عباس قال: "اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر:

الأولى: "عمرة الحديبية". والثانية: "حين1 تواطؤوا على عمرة من قابل: والثالثة: "من الجعرانة: والرابعة: "التي قرن مع حجته" 2. والحديث رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد والدارمي وابن سعد وابن حبان، والحاكم الجميع من طريق داود بن عبد الرحمن العطار به3". وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي". وأعله الترمذي بالإرسال، فقد ساق الحديث عن قتيبة عن داود ابن عبد الرحمن العطار عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر" الحديث". ثم قال: "وفي الباب عن أنس4 وعبد الله5 بن عمرو وابن عمر، قال أبو عيسى: "حديث ابن عباس حديث غريب". وروى ابن عيينة هذا الحديث عن عمرو بن دينار عن عكرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر، ولم يذكر فيه عن ابن عباس". حدثنا بذلك سعيد6 بن عبد الرحمن المخزومي أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه7".إهـ.

وحديث ابن عمر أخرجه البخاري ومسلم كلاهما من طريق منصور1 عن مجاهد عنه إلاّ أنه قال: "اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر إحداهن في رجب". وهذا سياقه: 302- عن مجاهد قال: "دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد، فإذا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما جالس إلى حجرة عائشة وإذا ناس يصلون صلاة الضحى، قال فسألناه عن صلاتهم فقال: "بدعة2، ثم قال له3: "كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: "أربعا، إحداهن في رجب، فكرهنا أن نرد عليه، قال: "وسمعنا استنان4 عائشة أم المؤمنين في الحجرة، فقال عروة: "يا أماه يا أم المؤمنين، ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن؟ 5". قالت: "ما يقول؟ قال: "يقول: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر إحداهن في رجب، قالت: "يرحم الله أبو عبد الرحمن، ما اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم إلا وهو شاهده وما اعتمر في رجب قط" 6. وفي لفظ عند مسلم: فقالت: "يغفر الله لأبي عبد الرحمن لعمري ما اعتمر في رجب وما اعتمر من عمرة إلا وإنه لمعه، قال: "وابن عمر يسمع فما قال: "لا، ولا نعم، سكت" 7. قال النووي: "- أثناء شرحه لحديث أنس بن مالك، قوله: "اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم

أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته: عمرة من العام المقبل في ذي القعدة. وعمرة من الحديبية أو زمن الحديبية في ذي القعدة. وعمرة الجعرانة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة. وعمرة مع حجته. وفي الرواية الأخرى "حج حجة واحدة واعتمر أربع عمر" هذه رواية أنس. وفي رواية ابن عمر "أربع عمر إحداهن في رجب" وأنكرت ذلك عائشة وقالت لم يعتمر النبي صلى الله عليه وسلم قط في رجب، فالحاصل من رواية أنس وابن عمر اتفاقهما على أربع عمر، وكانت: إحداهن: "في ذي القعدة عام الحديبية سنة ست من الهجرة وصدوا فيها فتحللوا وحسبت لهم عمرة". والثانية: "في ذي القعدة وهي سنة سبع، وهي عمرة القضاء". والثّالثة: "في ذي القعدة سنة ثمان، وهي عام الفتح". والرابعة: "مع حجته وكان إحرامها في ذي القعدة وأعمالها في ذي الحجة". وأما قول ابن عمر إن إحداهن في رجب، فقد أنكرته عائشة، وسكت ابن عمر حين أنكرته". قال العلماء: "هذا يدل على أنه اشتبه عليه أو نسي أو شك، ولهذا سكت عن الإنكار على عائشة ومراجعتها بالكلام، فهذا الذي ذكرته هو الصواب الذي يتعين المصير إليه"1". وقال ابن قيم الجوزية: "من قال من العلماء بأنه صلى الله عليه وسلم اعتمر في رجب فقد غلط، فإن عمره صلى الله عليه وسلم مضبوطة محفوظة، لم يخرج في رجب إلى شيء البتة". ثم قال: "وعذر من قال بأنه اعتمر في رجب، حديث عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في رجب" وهو متفق عليه". وقد غلطته عائشة وغيرها، كما في الصحيحين". عن مجاهد، قال: "دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد، فإذا عبد الله ابن عمر جالس إلى حجرة عائشة" الحديث.

وفيه "ثم قلنا له: "كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: "أربعا، إحداهن: "في رجب، فكرهنا أن نرد عليه، قال: "وسمعنا استنان عائشة أم المؤمنين في الحجرة، فقال عروة: "يا أمه، ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن؟ قالت: "ما يقول؟ قال: يقول:"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر إحداهن في رجب". قالت: "يرحم الله أبا عبد الرحمن، ما اعتمر عمرة قط إلا وهو شاهده وما اعتمر في رجب قط". وكذلك قال أنس وابن عباس: "إن عمره كلها كانت في ذي القعدة، وهذا هو الصواب1". وقال ابن حجر: "وفي هذا الحديث أن الصحابي الجليل المكثر الشديد الملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم قد يخفى عليه بعض أحواله، وقد يدخله الوهم والنسيان لكونه غير معصوم". وفيه رد بعض العلماء على بعض وحسن الأدب في الرد وحسن التلطف في استكشاف الصواب إذا ظن السامع خطأ المحدث"2". إهـ". وهكذا فقد خفيت على ابن عمر عمرة الجعرانة أيضا فقد روى مسلم وابن خزيمة كلاهما من طريق حماد بن زيد حدثنا أيوب عن نافع قال: "ذكر عند ابن عمر عمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة فقال لم يعتمر منها" الحديث3". ورواه البخاري من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن نافع "أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: "يا رسول الله إنه كان علي اعتكاف يوم في الجاهلية" الحديث وفيه "قال نافع: "ولم يعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة، ولو اعتمر لم يخف على عبد الله"4".

قال النووي: "نفي ابن عمر هذا محمول على نفي علمه، أي أنه لم يعلم ذلك، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر من الجعرانة والإثبات مقدم على النفي لما فيه من زيادة علم". وقد ذكر مسلم في كتاب الحج اعتمار النبي صلى الله عليه وسلم من الجعرانة عام حنين من رواية أنس رضي الله عنه1". وقال ابن كثير: "وهذا غريب جدا عن ابن عمر وعن مولاه نافع في إنكارهما عمرة الجعرانة، وقد أطبق النقلة ممن عداهما على رواية ذلك من أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد وذكر ذلك أصحاب المغازي والسنن كلهم". إلى أن قال: "والمقصود أن عمرة الجعرانة ثابتة بالنقل الصحيح الذي لا يمكن منعه ولا دفعه ومن نفاها لا حجة معه في مقابلة من أثبتها2". وقال ابن حجر: "وقد خفيت عمرة الجعرانة على ابن عمر كما خفيت على غيره كما ذكر ذلك محرش3 الكعبي فيما أخرجه الترمذي4". قلت: "الحديث أيضاً، أخرجه أبو داود والنسائي والحميدي والدارمي والفسوي والشافعي وأحمد وابن سعد والبيهقي وهذا سياقه عند الترمذي: 303- قال: "حدثنا محمد5 بن بشار أخبرنا يحيى بن سعيد6 عن ابن جريج7

عن مزاحم1 بن أبي مزاحم عن عبد العزيز2 بن عبد الله عن محرش الكعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الجعرانة3 ليلاً معتمراً فدخل مكة ليلا فقضى عمرته ثم خرج من ليلته فأصبح بالجعرانة كبائت، فلما زالت الشمس من الغد خرج في بطن سرف حتى جاء مع الطريق، طريق جمع ببطن سرف فمن أجل ذلك خفيت عمرته على الناس". قال أبو عيسى: "هذا الحديث حسن غريب، ولا نعرف لمحرش الكعبي عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث4". والحديث رواه أحمد والنسائي والدارمي وابن سعد والبيهقي والشافعي الجميع من طريق ابن جريج قال: " أخبرني مزاحم بن أبي مزاحم به5".

ورواه أبو داود من طريق سعيد1 بن مزاحم بن أبي مزاحم حدثني أبي مزاحم به2". ورواه الشافعي وأحمد والحميدي والنسائي وابن عبد البر كلهم من طريق سفيان بن عيينة قال: "ثنا إسماعيل3 بن أمية عن مزاحم بن أبي مزاحم به". بلفظ "أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من الجعرانة ليلا كأنه سبيكة فضة فاعتمر ثم أصبح بها كبائت" لفظ النسائي4. ولفظ الحميدي وأحمد "فنظرت إلى ظهره كأنه سبيكة فضة". ورواه يعقوب بن سفيان الفسوي من طريق الحميدي5". والبيهقي من طريق الشافعي6". ورواه مالك بلاغاً7". والحديث مداره على مزاحم بن أبي مزاحم، وقد قال عنه ابن حجر في التقريب "مقبول"8". وحسن حديثه هذا في الإصابة 9".إهـ". وعمرة الجعرانة ثابتة من حديث أنس بن مالك وعبد الله بن عباس10". ومن حديث أبي هريرة ابن خزيمة، وابن حبان من طريقه، وهذا سياقه عند ابن خزيمة:

304- قال حدثنا أحمد1 بن منصور الرمادي، ثنا عبد الرزاق أخبرني معمر عن الزهري عن ابن المسيب2 عن أبي هريرة في قوله: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} ، [سورة التوبة، من الآية: "1] . قال: "لما قفل النبي صلى الله عليه وسلم من حنين اعتمر من الجعرانة ثم أمر أبا بكر على تلك الحجة" 3. والحديث أخرجه ابن حبان من هذه الطريق وبهذا المتن دون قوله: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} ، [سورة التوبة، من الآية: 1] 4. والحديث رجاله ثقات". وقد عزاه ابن كثير لعبد الرزاق بهذا الإسناد والمتن ثم قال: "وهذا السياق فيه غرابة من جهة أن أمير الحج كان سنة عمرة الجعرانة إنما هو عتاب بن أسيد فأما أبو بكر فإنما كان أميرا سنة تسع5". 305- وأخرج ابن سعد قال: "أخبرنا موسى6 ابن داود أخبرنا ابن لعيهة7 عن عياض8 بن عبد الرحمن عن محمد9 بن جعفر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر من الجعرانة، وقال: "اعتمر منها سبعون نبيا" 10. والحديث معضل". وأورده السيوطي في الخصائص الكبرى فقال: "وأخرج ابن سعد عن محمد بن جعفر ثم ساق الحديث11".

ومما تقدم يتّضح لنا أن عمرة الجعرانة ثابتة بالنقل الصحيح، وأن من نفاها فلا حجة معه في مقابلة من أثبتها، وأن الأحاديث الصحيحة دلت أيضا على أن هذه العمرة كانت في ذي القعدة". قال ابن كثير: "والمقصود أن عمرة الجعرانة ثابتة بالنقل الصحيح الذي لا يمكن منعه ولا دفعه ومن نفاها لا حجة معه في مقابلة من أثبتها". وهم كالمجمعين على أنها كانت في ذي القعدة بعد غزوة الطائف وقسم غنائم حنين". وما رواه الحافظ أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير قائلا: 306- حدثنا الحسن1 بن إسحاق التستري ثنا عثمان2 بن أبي شيبة ثنا محمد3 بن الحسن الأسدي ثنا إبراهيم4 بن طهمان عن أبي الزبير5 عن عمير6 مولى ابن عباس عن ابن عباس، قال: "لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف نزل الجعرانة فقسم بها الغنائم، اعتمر منها وذلك لليلتين بقيتا من شوال7". فإنه غريب جدا وفي إسناده نظر8".إهـ".

قلت: "والحديث رواه ابن سعد عن محمد بن سابق1". وابن أبي شيبة عن محمد بن الحسن الأسدي كلاهما عن إبراهيم ابن طهمان به إلاّ أنهما قالا: "عتبة مولى ابن عباس"2 بدل "عمير". وعزاه الهيثمي لأبي يعلى، وقال: "وفيه عتبة مولى ابن عباس ولم أعرفه ولم ينسبه إلى الطبراني3". والحديث ضعيف لأن أبا الزبير عنعنه وهو مدلس، وقد ذكره ابن حجر في المرتبة الثالثة من طبقات المدلسين، وهذه المرتبة لا يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرّحوا فيه بالسماع4، وعلى فرض صحة هذا الحديث فإنه لا يقوى على دفع حديث الصحيحين المصرح فيه بأن عمرة الجعرانة كانت في ذي القعدة". وأطبق على ذلك أهل المغازي والسير". وقال الواقدي: "وكان الذي حلق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه العمرة، أبا هند5 عبد بني بياضة، ويقال حلقهخراش6 بن أمية7". وصوب النووي والمحب8 الطبري وابن قيم الجوزية وابن كثير أن الذي قصر لرسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة الجعرانة هو معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه استنباطا مما رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي الجميع من طريق ابن جريج قال:

307- حدثني الحسن بن مسلم عن طاووس عن ابن عباس أن معاوية بن أبي سفيان أخبره قال: "قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص1 وهو على المروة" لفظ مسلم، ولفظ البخاري: "عن معاوية قال: "قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص". وعند النسائي: "عن معاوية أنه قصر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمشقص في عمرة على المروة" 2. والحديث رواه أيضا مسلم والنسائي كلاهما من طريق سفيان بن عيينة عن هشام بن حجير عن طاوس قال: "قال لي معاوية: "أعلمت أني قصرت من رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المروة بمشقص؟ فقلت له: "لا أعلم هذا إلا حجة عليك" 3. لفظ مسلم". ولفظ النسائي: "قال معاوية لابن عباس: "أعلمت أني قصرت من رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المروة؟

قال: " لا، يقول ابن عباس: "هذا معاوية ينهى الناس عن المتعة، وقد تمتع النبي صلى الله عليه وسلم 1". ورواه أبو داود والنسائي كلاهما من طريق عبد الرزاق أنبأنا معمر عن ابن طاوس2 عن أبيه عن ابن عباس أن معاوية قال له: "ما علمت أنى قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص أعرابي على المروة" 3". ورواه أحمد من طريق خصيف4 عن مجاهد وعطاء عن ابن عباس أن معاوية أخبره أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر من شعره بمشقص، فقلنا لابن عباس ما بلغنا هذا الأمر إلا عن معاوية، فقال: "ما كان معاوية على رسول الله صلى الله عليه وسلم متهما5". قال النووي: "وحديث معاوية هذا محمول على أنه قصر عن النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة الجعرانة لأن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كان قارنا، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم حلق بمنى، وفرق أبو طلحة رضي اله عنه شعره بين الناس، فلا يجوز حمل تقصير معاوية على حجة الوداع، ولا يصح حمله أيضا على عمرة القضاء الواقعة سنة سبع من الهجرة، لأن معاوية لم يكن يومئذ مسلما، إنما أسلم يوم الفتح سنة ثمان، هذا هو الصحيح

المشهور1، ولا يصح قول من حمله على حجة الوداع، وزعم أنه صلى الله عليه وسلم كان متمتعا، لأن هذا غلط فاحش، فقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة في مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: "ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت؟ فقال: "إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر الهدي" 2. وأورد ابن كثير حديث معاوية المذكور، ثم قال: "والمقصود أن هذا إنما يتوجه أن يكون في عمرة الجعرانة وذلك أن عمرة الحديبية لم يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة بل صد عنها، وأما عمرة القضاء فلم يكن أبو سفيان أسلم ولم يبق بمكة من أهلها أحد حين دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بل خرجوا منها، وتغيبوا عنها مدة مقامه عليه السلام بها تلك الثلاثة الأيام، وعمرته التي كانت مع حجته لم يتحلل منها بالاتفاق". فتعين أن هذا التقصير الذي تعاطاه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما من رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المروة إنما كان في عمرة الجعرانة كما قلنا3".إهـ. وجمع ابن حجر بين قول من قال بأن الذي حلق لرسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة الجعرانة: "أبو هند عبد بني بياضة، وقول من قال الذي حلق لرسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه العمرة هو معاوية بن أبي سفيان". فقال: "أخرج الحاكم في "الإكليل" في آخر قصة غزوة حنين أن الذي حلق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة الجعرانة أبو هند4 عبد بني بياضة، فإن ثبت هذا وثبت أن معاوية كان حينئذ معه، أو كان بمكة فقصر عنه بالمروة أمكن الجمع بأن يكون معاوية

قصر عنه أولا وكان الحلاق غائبا في بعض حاجته ثم حضر فأمره أن يكمل إزالة الشعر بالحلق لأنه أفضل ففعل". وإن ثبت أن ذلك كان في عمرة القضية وثبت أنه صلى الله عليه وسلم حلق فيها جاء هذا الاحتمال بعينه وحصل التوفيق بين الأخبار كلها". ثم قال: "وهذا مما فتح الله علي به في هذا الفتح ولله الحمد ثم الحمد لله أبدا 1".إهـ. هذه نماذج يسيرة مما تضمنت غزوة حنين من أحكام ولم أرد الاستقصاء خوف الإطالة والخروج إلى مباحث فقهية موسعة تطغى على الغرض الأساسي من دراسة هذه الغزوة وتحقيق مروياتها سندا ومتنا، ومن أراد أن يستقصي أحكام هذه الغزوة تفصيلا فإنه يحتاج إلى مؤلف مستقل، بل إن كل حكم من أحكامها يكفي لرسالة متخصصة". ولعل هذه اللمحات اليسيرة من أحكام هذه الغزوة تكون بمثابة البرهان على غزارة مادتها العلمية وتعدّد معطياتها المتكاثرة وفوائدها العظيمة". وصلى الله على سيدنا ونبيّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً".

_ 1 فتح الباري 3/566.

الخاتمة

الخاتمة بعد تلك الرحلة العلمية الممتعة في دراسة غزوة حنين وتحقيق مروياتها وترتيب أبوابها وفصولها ومباحثها ووضع كل جزئية علمية بازاء ما يشاكلها ويلائمها، وبعد الفراغ من ذلك التطواف الحثيث في غضون المصادر العلمية لرصد كل ما يمت بصلة إلى هذه الغزوة بعد تمحيصه وتحقيقه". بعد ذلك كله أريد أن أنوّه إلى أبرز النتائج العلمية التي يحسن ذكرها ولا يجمل بالباحث إهمالها، وما من شك أن أي باحث يمارس عملا علميا معينا تمر به نتائج كثيرة وقضايا متعددة تستحق الإشادة والبيان. ولكني أجتزئ بذكر أبرز هذه المعركة مشيرا إلى بعض ما توصلت إليه بإيجاز من خلال معايشتي لهذا الموضوع العلمي الخطير. وفي البداية أود أن أقرر أنّ هذا البحث بهذه الصورة التي انتهيت إليها في دراسة هذه لغزوة لم يسبق له نظير - في حدود علمي - لم أطرافها وجمع شتاتها وحقق مروياتها ونظم معلوماتها على هذا النسق العلمي الذي أعانني الله على إنجازه، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. ولا ينبغي أن يغيب عن البال أن هذه المعركة وما تبعها من أحداث تشكل في سلسلة غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم خطورة بالغة، وأهمية قصوى فقد كان ينتظر نتائجها الفريقان: "المؤمنون والمشركون، وقد أدرك حماة الوثنية العربية أن نجاح المسلمين في غزواتهم السابقة وآخرها فتح مكة يعني الإجهاز عليهم والقضاء على معاقل العبادة الوثنية من أصنام وأوثان، ومن هنا رصدوا تحركات المسلمين نحوهم وجمعوا قواهم المادية والمعنوية وقرروا في أنفسهم أن هذه هي آخر تجربة يخوضها الإسلام مع الشرك، وفي الصورة المقابلة كان المسلمون قد اغتبطوا بانتصاراتهم المتلاحقة وكانوا على يقظة تامة بما يبيته المشركون من هوازن وثقيف وسائر القبائل الأخرى الباقية على شركها وضلالها، وعلم المسلمون بعزم المشركين المجاورين لمكة على القتال والنضال فأعدوا

العدة وخرج الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه تلك الأعداد الغفيرة التي لم يسبق لها مثيل في الكثرة، وكان في هذه الكثرة بعض المغموزين في إسلامهم من الأعراب والطلقاء وذوي الريب في حقيقة الإسلام، ودارت المعركة الخطيرة التي لا تقل خطورة عن معركة بدر الكبرى، فقد كانت معركة بدر الكبرى أول تجربة عسكرية للمسلمين مع المشركين كما كانت معركة حنين آخر تجربة عسكرية مع الوثنية. فالأولى أرهبتهم وكسرت من حدتهم وجعلت للمسلمين هيبة في قلوب أعدائهم. ومعركة حنين استفرغت قواهم واستنفدت سهامهم وأذلت جمعهم، فلم يجدوا بدا من الدخول في دين الله 1. ولذلك لا يبالغ الباحث إذا قال إن معركة حنين هي خاتمة المطاف في مواجهة تحديات الوثنية العربية وتكون هذه النتيجة العظيمة أبرز نتائج هذه المعركة، ولا يعكر على ذلك اندحار المسلمين في بداية الغزوة فقد تبين بما لا يدع مجالا للشك أن ذلك كان تربية من الله لجنده وحزبه لكي لا يغفلوا عن مصدر انتصارهم ولا ينخدعوا بكثرتهم، والعبرة في الانتصارات الحربية إنما هي بالخاتمة التي تنتهي إليها المعارك الإنسانية، والنهاية كانت كما قال الله عز وجل: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} ، [سورة التوبة، الآية: 26] . إنها نهاية العذاب للكافرين ونهاية النصر للمؤمنين، ومن مظاهر تعذيبهم الكافرين هدم أوثانهم وتحطيم معبوداتهم وأسرهم وغنيمة أموالهم وسبي ذراريهم ونسائهم وقتل العديد منهم، كما فصلت ذلك في أمكانه من البحث. ومما ينبغي ملاحظته في هذه الغزوة أن الجيش الإسلامي لم يخل بعض أفراده من رواسب الوثنية لحداثة عهدهم بالجاهلية، فقد حن بعضهم إلى جاهليته حيث طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم ذات أنواط كما للمشركين ذات أنواط، وهذا الصنف من الناس كان من جملة الجيش الذي خرج لحرب المشركين، كما كان في

الجيش الإسلامي أيضا الطلقاء والأعراب الجفاة وبعض المغموزين في إسلامهم، وقد سمح لهم الرسول صلى الله عليه وسلم جميعا أن يخرجوا معه مجاهدين. والنتيجة التي يخلص منها الباحث إذا تأمل هذا الموقف أنه لا مانع أن يكون في جيوش المسلمين بعض ضعفاء الإيمان مع وجوب العمل على تقوية إيمانهم وتعليمهم بحكمة وصبر، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم واجه جفاء الأعراب وسؤال السائلين له أن يجعل لهم ذات أنواط وبعض الأخبار التي كانت تنقل إليه من بعض المغموزين، واجه كل ذلك بحلم وصبر وحكمة عظيمة، يجب الاقتداء به صلى الله عليه وسلم فيها، كما أنه صلى الله عليه وسلم تحامل بخلقه العظيم وشجاعته النادرة بعض النيات الخبيثة التي كانت تحاول اغتياله كما يتضح ذلك في موقفه من شيبة بن عثمان وما آل إليه أمر شيبة حيث صار جنديا من جنود الإسلام وعد فيمن ثبت يوم حنين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد أن كان الهدف من خروجه إلى غزوة حنين أن يجد من رسول الله صلى الله عليه وسلم غرة فيقتله ثأرا بأبيه كما حدَّث هو عن نفسه. وقد اتهم صلى الله عليه وسلم - وحاشاه من ذلك - بعدم العدالة وصبر على ذلك القول الجائر "اعدل يا محمد فإنك لم تعدل" وقال لقائله "ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل". وهو في ذلك يقتدي بمن سبقه من الأنبياء الذين صبروا على الأذى، فقد قال في هذا الموقف: "رحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر". وقد امتثل صلى الله عليه وسلم قول الله تبارك وتعالى له {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه} . [سورة الأنعام، الآية: 90] . ولقد واجه الرسول صلى الله عليه وسلم كل تلك المواقف الحرجة بما حباه الله به من حكمة وشجاعة وصبر وخلق عظيم، فحري بالدعاة إلى الله أن يتمثلوا بهذه المواقف ويأخذوا منها القدوة الحسنة لهم في حياتهم العملية، وهذا من الدروس العظيمة التي تقدمها لنا سيرته العطرة المليئة بمثل هذه النماذج العالية في حسم المواقف وعلاج أمراض القلوب ومواجهة النفسيات المختلفة. ولا أدل على ذلك من الأسلوب الذي قسم به صلى الله عليه وسلم غنائم هذه الغزوة فقد منح أولئك المتطلعين إلى حطام الدنيا وأعطاهم عطايا عظيمة جعلتهم يطلقون عبارات

الشكر والثناء ويعترفون صراحة أن هذا العطاء الهائل لا يكون إلا من نبي لا يخشى الفقر، وهم على علم بأن كل بشر عادي ولو كان أكرم الناس يخشى الفقر، وقد صرح بعضهم بأن محمدا صلى الله عليه وسلم يعطيه وإنه لأبغض الناس إليه فما يزال يعطيه حتى يصير أحب الناس إليه، وهذه هي النتيجة التي كان يتوخَّاها صلى الله عليه وسلم من قسم الغنائم على أولئك المغموزين ووكل أهل الإيمان واليقين إلى إيمانهم وثباتهم على الحق كما مر تفصيل ذلك في محله، غير أن هذا التقسيم في الأظهر خاص بتلك الغزوة فليس لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحرم الجيش الإسلامي المقاتل الغنائم التي غنموها ويعطيها لغيرهم والمسألة خلافية، ولكن هذا هو المذهب الأمثل الذي توصلت إليه في ذلك. ولقد انهال على المدينة المنورة بعد هذه الغزوة الوفود من عرب الجزيرة معلنين إسلامهم، ومن تلك الوفود وفد هوازن ووفد ثقيف وكان ذلك من نتائج هذه المعركة الفاصلة بين الكفر والإيمان، ومن المعلوم أن العرب كانوا ينتظرون نتائج فتح مكة، فلما خضعت قريش للإسلام وهم قوم الرسول صلى الله عليه وسلم وسكان بيت الله الحرام ومصدر التشريع للعرب جميعا كان ذلك مؤذنا بزوال الشرك وتمكن التوحيد في أرض الجزيرة، والذين لم يخضعوا بعد، وغرتهم قوتهم وجموعهم هم قبائل هوازن وثقيف كما سبق، فلما دارت الدائرة عليهم للمسلمين لم يبق أمام العرب جميعا قوة تذكر لمقاومة الإسلام والمسلمين، فما بقي أمام الجاهليّين إلا أن يفدوا على عاصمة الإسلام المدينة المنورة ليعلنوا إسلامهم أو ليتفاوضوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك، وتعد سنة الوفود نتيجة طبيعية لهذه الغزوة وقد تعنت وفد ثقيف في شروطهم للدخول في الإسلام فطلبوا أن يبقوا على الكثير من أنماط الجاهلية مثل شرب الخمور والزنا وترك الصلاة لأنها دناءة في نظرهم، والتمسوا أن يدع الرسول صلى الله عليه وسلم صنمهم ثلاثة أعوام أو عاما أو شهراً لا يهدم وأن لا يغتسلوا من الجنابة ولا يزكوا ولا يجاهدوا في سبيل الله، وقد أنزلهم الرسول صلى الله عليه وسلم في المسجد ليشاهدوا عملياً عبادة المسلمين وأحسن استقبالهم وصبر على تعنتهم ولاطفهم كثيراً وتسامح معهم في ترك الزكاة والجهاد وبين عليه الصلاة والسلام أنهم إذا أسلموا فسيجاهدون ويزكون، ولقد أعلن القوم إسلامهم وكانوا جنودا في صفوف المسلمين على رغم ذلك التعنت والتشدد في الشروط التي أرادوا إملاءها على المسلمين، وما ذلك إلا بحكمته صلى الله عليه وسلم وعظيم رحمته بأمته، فقد طلب منه الصحابة في الطائف أن يدعو على ثقيف فقال: "اللهم اهد ثقيفاً وأت بهم" وقد تحقق ذلك فعلا.

وفي الختام لا يسعني إلا التأكيد على قضية ذات بال وهي أن من أبرز النتائج التي توصلت إليها من خلال هذه الدراسة لهذه الغزوة أن السيرة النبوية الطاهرة محفوظة بحفظ الله لها وأنها مروية بالأسانيد في كتب العلماء من السلف الصالح وأن الباحث البصير يتمكن في أي وقت شاء أن يقرر الحق في قضايا السيرة النبوية ويدرس أسانيدها وفق طرائق المحدثين ويعرف الصحيح والحسن والضعيف المنجبر والضعيف الذي لا ينجبر ويتمكن الدارس كذلك من نفي الكذب عن السيرة واستبعاد الإضافات التي لا أساس لها من الصّحّة، والتي تنافي مقام النبوّة، أو تلك الإضافات التي تبالغ في مقام النبي صلى الله عليه وسلم واحترامه على حساب الحقائق العلمية الثابتة، ولقد تبين لي من خلال بحثي في السيرة أن المسلمين يجب أن يطمئنوا إلى سيرة نبيهم وأنها هي هي كما رواها الخلف عن السلف وأن المزيد فيها يظهر لكل دارس يبغي الحق ولا يتبع الهوى في بحثه، وإذا كان الخبثاء من المستشرقين وأذنابهم يريدون أن يشككوا المسلمين في سيرة نبيهم وفي غير ذلك من قضايا دينهم، فإن الرد المناسب عليهم هو الاطلاع على التراث ودراسته دراسة علمية واعية وفق أسس علوم الحديث، ولعل هذا البحث المتواضع واحد من الدراسات العلمية الجادة التي تعيد الحق في نصابه وتدمغ الباطل فإذا هو زاهق، ولا شك أن في هذا البحث استدراكات كثيرة وتصويبات عديدة ووقفات علمية لها شأن وهي مبثوثة في ثناياه لمن أراد أن يطلع عليه. ولا أدعي الكمال في ذلك، وإنما هو جهد متواضع ومحاولة جيّدة للوصول إلى الحق وإبراز هذا البحث في صورة واضحة، ولم أدخر شيئا في وسعي، ولكن الكمال المطلق لله وحده، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين". كان الفراغ من تبييض هذا البحث في يوم الجمعة في السادس والعشرين من شهر شوال من عام ثلاث وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم.

مصادر ومراجع

مصادر ومراجع ... ثبت المصادر القرآن الكريم. (أ) ابن الأثير: أبو الحسن علي بن محمد بن محمد الجزري (555-630هـ) . 1-أسد الغابة في معرفة الصحابة - مطبعة الشعب، سنة 1390 هـ. 2- الكامل في التاريخ - دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان، ط. الثانية سنة 1387هـ. 3- اللباب في تهذيب الأنساب - مكتبة المثنى بغداد، بدون ذكر سنة الطبع. ابن الأثير: أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري (554-606 هـ) . 4- جامع الأصول في أحاديث الرسول - تحقيق: عبد القادر الأرناؤوط، الناشر: عبد الله الملاح سنة 1389 هـ. 5- النهاية في غريب الحديث والأثر - تحقيق: طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي، عيسى البابي الحلبي ط. الأولى، سنة 1383هـ. (ب) الباجي: أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعيد الأندلسي (403-494هـ) . 6- المنتقى شرح موطأ الإمام مالك - دار الكتاب العربي بيروت- لبنان - مصورة عن الطبعة الأولى سنة 1332 هـ. البخاري: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة (194-256هـ) . 7- التاريخ الصغير - إدارة إحياء السنة، كواجر نوالة باكستان، بدون ذكر سنة الطبع. 8- التاريخ الكبير-تحقيق: عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني بدون ذكر سنة الطبع. 9- الجامع الصحيح - مطبعة الفجالة الجديدة سنة 1376 هـ. 10- الأدب المفرد - الناشر: قصي محب الدين الخطيب، القاهرة سنة 1379هـ. البغوي: أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء (436-516هـ) . 11- تفسير البغوي المسمى معالم التنزيل مع الخازن- طبعة دار الفكر بيروت سنة 1399هـ. 12- شرح السنة - المكتب الإسلامي، ط. أولى سنة 1390هـ. البكري: أبو عبيد، عبد الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي (432-487هـ) .

13- معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع - عالم الكتب بيروت، تحقيق: مصطفى السقا. البلاذري: أحمد بن يحيى بن جابر البغدادي (000-279هـ) . 14- أنساب الأشراف - تحقيق محمد حميد الله، دار المعارف بمصر سنة 1959م. البهوتي: منصور بن يونس بن إدريس (1000-1046هـ) . 15-كشاف القناع عن متن الإقناع، مطبعة الحكومة بمكة المكرمة سنة1394هـ البوصيري: احمد بن أبي بكر بن إسماعيل (762-840هـ) . 16- إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة- مخطوط، في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة برقم (237) . 17- زوائد ابن ماجه على باقي الكتب الخمسة - مطبوع مع سنن ابن ماجه. البيضاوي: ناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي ( ... -691هـ) . 18- تفسير القرآن الكريم المسمى أنوار التنزيل وأسرار التأويل - مكتبة دار التعاون، لعباس الباز، مكة المكرمة بدون ذكر سنة الطبع. البيهقي: أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن عبد الله (384-458هـ) . 19- دلائل النبوة- طبع منها مجلدان، الناشر المكتبة السلفية المدينة المنورة، ط. - الأولى سنة 1389هـ. 20- دلائل النبوة - مخطوط، في مكتبة حماد بن محمد الأنصاري المدينة المنورة برقم (256) . 21- السنن الكبرى- دار صادر عن الطبعة الأولى سنة 1344هـ. (ت) ابن التركماني: علاء الدين علي بن عثمان بن مصطفى المارديني (673-750هـ) . 22- الجوهر النقي في الرد على البيهقي - مطبوع مع السنن الكبرى للبيهقي. الترمذي: أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة (209-279هـ) . 23- السنن- تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، الناشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة سنة 1384هـ. التهانوي: محمد بن علي الفاروقي الحنفي (المتوفى في القرن الثاني عشر الهجري) .

24-كشاف اصطلاحات الفنون- تحقيق الدكتور: لطفي عبد البديع، وترجم النصوص الفارسية الدكتور: عبد المنعم محمد حسنين، راجعه: أمين الخولي. ابن تيمية: تقي الدين أبوالعباس أحمد بن عبد الحليم الحراني الدمشقي (661-728هـ) . 25- الصام المسلول على شاتم الرسول- تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد، الناشر مكتبة تاج بطنطا، الطبعة الأولى سنة 1379هـ. 26- مجموع الفتاوى - مطابع الرياض، الطبعة الأولى سنة 1381هـ. (ج) الجاحظ: أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الكناني (150-255هـ) . 27- البيان والتبيين- دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان بدون ذكر سنة الطبع. ابن الجارود: أبو محمد عبد الله بن علي النيسابوري (000-307هـ) . 28- المنتقى من السنن المسندة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - مطبعة الفجالة الجديدة سنة 1382هـ. ابن الجوزي: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي (510-597هـ) . 29- تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التواريخ والسير - مكتبة الآداب لصاحبها علي حسن، القاهرة. 30- الوفاء بأحوال المصطفى- دار الكتب الحديثة، ط. الأولى سنة 1386هـ. (ح) ابن أبي حاتم: أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس (240-327هـ) . 31- التفسير- مخطوط في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة برقم (280) . 32- الجرح والتعديل - دار الكتب العلمية بيروت لبنان عن الطبعة الأولى سنة 1271هـ. 33- علل الحديث - مكتبة المثنى بغداد سنة 1343هـ. الحازمي: أبو بكر محمد بن موسى بن عثمان بن حازم (549-584هـ) . 34- الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار - تحقيق راتب حاكمي، مطبعة الأندلس بحمص ط. الأولى سنة 1386هـ. الحاكم: أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد النيسابوري (321-405هـ) . 35- المستدرك على الصحيحين - الناشر مكتبة المطبوعات الإسلامية بحلب لصاحبها محمد أمين دمج، بدون ذكر سنة الطبع.

ابن حبان: محمد بن حبان بن أحمد التميمي البستي (270-354هـ) . 36- صحيح ابن حبان - ترتيب الأمير علاء الدين الفارسي، الناشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة، ط. الأولى سنة 1390هـ. 37- المجرزحين - تحقيق محمود إبراهيم زيد، دار المعرفة بيروت لبنان. ابن حجر: أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني (773-852هـ) 38- الإصابة في تمييز الصحابة - مطبعة السعادة ط. الأولى سنة 1328هـ. 39- تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة، دار المحاسن، القاهرة سنة 1386هـ. 40- تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس- مراجعة: طه عبد الرؤوف، مكتبة الكليات الأزهرية. 41- تقريب التهذيب - الناشر المكتبة العلمية بالمدينة المنورة. 42- تقريب التهذيب - الطبعة الهندية. 43- التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير - الناشر عبد الله هاشم اليماني، المدينة المنورة سنة 1384هـ. 44- تهذيب التهذيب - دار صادر عن الطبعة الأولى سنة 1325هـ. 45- فتح الباري شرح صحيح البخاري - تحقيق عبد العزيز بن باز، المكتبة السلفية سنة 1380هـ. 46- لسان الميزان - مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت لبنان ط. الثانية سنة 1390هـ. 47- المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية- تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي ط. الأولى سنة 1393هـ. 48- مختصر زوائد مسند البزار - مخطوط في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة برقم (816) . 49- نزهة النظر شرح نخبة الفكر- مطبعة الإستقامة، القاهرة ط. الثانية سنة 1368هـ. 50- النكت الظراف على الأطراف مع تحفة الأشراف للمزي. 51- هدي الساري مقدمة فتح الباري. الحربي: أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق بن بشير (198-285هـ) . 52- كتاب المناسك وأماكن طرق الحج ومعالم الجزيرة - تحقيق حمد الجاسر، منشورات دار اليمامة، الرياض سنة 1389هـ. ابن حزم: أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم (384-456هـ) . 53- جمهرة أنساب العرب - تحقيق عبد السلام محمد هارون، دار المعارف بمصر ط. الثالثة سنة 1391هـ.

54- جوامع السيرة - تحقيق إحسان عباس وناصر الدين الأسد، إدارة إحياء السنة، كواجر نوالة باكستان. 55- المحلى - مكتبة الجمهورية العربية لصاحبها عبد الفتاح عبد الحميد مراد، سنة 1387هـ. الحصيني: أبو بكر بن محمد بن عبد المؤمن الدمشقي تقي الدين (752-829هـ) 56- كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار- مصطفى البابي الحلبي بمصر، سنة 1356هـ. الحلبي: علي بن إبراهيم بن أحمد أبو الحسن نور الدين (975-1044هـ) . 57- إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون (السيرة الحلبية) -دار المعرفة، بيروت لبنان، سنة 1400هـ. الحميدي: أبو بكر عبد الله بن الزبير بن عيسى المكي (000-219هـ) . 58- المسند - تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، المكتبة السلفية بالمدينة المنورة، سنة 1381هـ. ابن حنبل: أبو عبد الله أحمد بن محمّد (164-241هـ) . 59- المسند - دار صادرط. الأولى 1389هـ. (خ) الخرقي: أبو القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله البغدادي الحنبلي (000-334هـ) . 60- المختصر في فروع الفقه الحنبلي، مع المغني لابن قدامة. الخزرجي: أحمد بن عبد الله بن أبي الخير صفي الدين الأنصاري (900-923هـ) . 61- خلاصة تهذيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال - تحقيق محمود عبد الوهاب فايد، مطبعة الفجالة الجديدة، بدون ذكر سنة الطبع. ابن خزيمة: أبو كبر محمد بن إسحاق السلمي النيسابوري (223-311هـ) . 62- صحيح ابن خزيمة - تحقيق محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، سنة 1390هـ. الخضري: محمد بن مصطفى الدمياطي الشافعي (1213-1287هـ) . 63- حاشية الخضري على شرح ابن عقيل- مطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط الأخيرة سنة 1359هـ.

الخطيب البغدادي: أبو بكر أحمد بن علي (392-463هـ) . 64- تاريخ بغداد - المكتبة السلفية بالمدينة المنورة، بدون ذكر سنة الطبع. 65- الكفاية في علم الرواية - مطبعة السعادة ط. الأولى، بدون تاريخ. الخطيب التبريزي: محمد بن عبد الله العمري أبو عبد الله (كان حيا - 737هـ) 66- مشكاة المصابيح - تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، ط. الثانية سنة 1399هـ. ابن خلدون: عبد الرحمن بن محمد ولي الدين أبو زيد (732-808هـ) . 67- العبر ودوان المبتدا والخبر (تاريخ ابن خلدون) - مؤسسة حسان للطباعة والنشر سنة 1399هـ. ابن خلكان: أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر (608-681هـ) . 68- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - تحقيق إحسان عباس، دار صادر، بدون ذكر سنة الطبع. خليفة بن خياط: أبو عمر العصفري- الملقب (بشباب) (160-240هـ) . 69- تاريخ خليفة بن خياط - تحقيق أكرم ضيا عمري، دار القلم دمشق- بيروت ط. الثانية سنة 1397هـ. 70- كتاب الطبقات- تحقيق أكرم ضياء العمري، دار طيبة للنشر والتوزيع ط. الثانية سنة 1402هـ. (د) الدارقطني: أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد الدارقطني (306-358هـ) . 71- سنن الدارقطني- الناشر عبد الله هاشم اليماني المدني بالمدينة المنورة سنة 1386هـ. الدارمي: أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي (181-255هـ) . 72- سنن الدارمي- الناشر عبد الله هاشم اليماني، المدينة المنورة سنة 1386هـ. أبو داود: سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني (202-275هـ) . 73- السنن - مطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط. الأولى سنة 1371هـ. 74- المراسيل- مطبعة علي صبيح وأولاده، مصر، بدون ذكر سنة الطبع. أبو داود الطيالسي: سليمان بن داود بن الجارود (133-204هـ) . 75- المسند بترتيب الساعاتي (منحة المعبود) - المكتبة الإسلامية بيروت ط. الثانية سنة 1400هـ.

الدردير: أبو البركات أحمد بن محمد العدوي المالكي (1127-1201هـ) . 76- الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي - عيسى البابي الحلبي وشركاه، بدون ذكر سنة الطبع. الدسوقي: محمد بن أحمد بن عرفة المالكي (000-1230هـ) . 77- حاشية الدسوقي على الشرح الكبير لدردير. الدميري: كمال الدين محمد بن موسى (742-808هـ) . 78- حياة الحيوان الكبرى - مصطفى البابي الحلبي ط. الرابعة سنة 1389هـ. الدولابي: محمد بن أحمد أبو بشر الوراق (224-310هـ) . 79- كتاب الكنى - مطبعة مجلس دائرة المعارف، حيدر آباد الدكن، ط. الأولى سنة 1322هـ. الديار بكري: حسين بن محمد بن الحسن (000-966هـ) . 80- تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس - مؤسسة شعبان للنشر والتوزيع بيروت، بدون ذكر سنة الطبع. (ذ) الذهبي: أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان (673-748هـ) . 81- تذكرة الحفاظ - تحقيق عبد الرحمن بن يحيى المعلمي، دار إحياء التراث العربي، مكة المكرمة سنة 1374هـ. 82- التلخيص على مستدرك الحاكم حاشية على المستدرك. 83- سير أعلام النبلاء- مؤسسة الرسالة بيروت، ط. الأولى سنة 1401هـ. 84- السيرة النبوية - تحقيق حسام الدين القدسي، دار الكتب العلمية بيروت - لبنان ط. الأولى 1401هـ. 85- الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة- دار الكتب الحديثة، القاهرة، ط. الأولى سنة 1392هـ. 86- الكاشف - دار الكتب العلمية، بيروت، ط. الأولى سنة 1403هـ. 87- المغني في الضعفاء - تحقيق نور الدين عتر، الناشر دار المعارف، سورية، حلب ط. الأولى سنة 1382هـ. 88- ميزان الاعتدال في نقد الرجال - تحقيق علي محمد البجاوي، عيسى البابي الحلبي وشركاه، ط. الأولى سنة 1382هـ.

208- المسند - مخطوط في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، برقم (301، و302، و303، و305، و306) . المصادر الحديثة (أ) أحمد إبراهيم شريف. 209- دور الحجاز في الحياة السياسية العامة في القرنين الأول والثاني الهجري - دار الفكر العربي، الأولى سنة 1968م. أكرم ضياء العمري. 210- تعليقاته على تاريخ خليفة بن خياط. 211- مقدمة تاريخ. يعقوب بن سفيان الفسوي. 212- موارد الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد دار القلم، دمشق، لبنان، ط. الأولى سنة 1395هـ. الألباني: محمد ناصر الدين. 213- إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل - المكتب الإسلامي، بيروت، ط. الأولى سنة 1399هـ. 214- تحقيق أحاديث مشكاة المصابيح - للخطيب التبريزي، بهامش المشكاة. 215- تحقيق أحاديث فقه السيرة لمحمّد الغزالي، بهامش فقه السيرة. 216- حجاب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة - المكتب الإسلامي، بيروت ط. الخامسة، بدون ذكر سنة الطبع. 217- دفاع عن الحديث النبوي والسيرة في الرد على البوطي - المطبعة العمومية بدمشق، سنة 1397هـ. 218- سلسلة الأحاديث الصحيحة - المكتب الإسلامي، بيروت دمشق سنة 1378هـ. 219- صحيح الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير) - المكتب الإسلامي، ط. الثاني 1388هـ. 220- ضعيف الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير) - المكتب الإسلامي، ط. الثانية 1399هـ.

ابن سعد: محمد بن سعد بن منيع أبو عبد الله (كاتب الواقدي) (168-230هـ) . 98- الطبقات الكبرى - دار صادر بيروت، بدون ذكر سنة الطبع. السفاريني: أبو العون شمس الدين محمد بن أحمد (1114-1188هـ) . 99- شرح ثلاثيات مسند أجمد- المكتب الإسلامي، دمشق ط. الأولى سنة 1380هـ أبو السعود: محمد بن محمد العمادي الحنفي (898-982هـ) . 100- إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم (تفسير أبي السعود) - دار المصحف مكتبة عبد الرحمن محمد، القاهرة. السهيلي: عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد الأندلسي المالكي (508-581هـ) . 101- الروض الأنف - تحقيق عبد الرحمن الوكيل، دار الكتب الحديثة، القاهرة سنة 1387هـ. ابن سيد الناس: أبو الفتح محمد بن محمد اليعمري (671-734هـ) . 102- عيون الاثر في فنون المغازي والشمائل والسير - مكتبة القدسي، القاهرة سنة 1356هـ. السيوطي: جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد (849-911هـ) . 103- تاريخ الخلفاء - تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد، مطبعة الفجالة الجديدة، ط. الرابعة سنة 1389هـ. 104- تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي- تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، المكتبة العلمية للنمنكاني، المدينة المنورة ط. الأولى سنة 1379هـ. 105- تفسير الجلالين - مكتبة الجمهورية العربية بمصر، لصاحبها عبد الفتاح عبد الحميد مراد. 106- الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير مع فيض القدير للمناوي. 107- الخصائص الكبرى - تحقيق محمد خليل هراس، مطبعة المدني سنة 1387هـ. 108- الدر المنثور في التفسير بالمأثور- الناشر محمد أمين دمج، بيروت - لبنان بدون ذكر سنة الطبع. (ش) الشافعي: أبو عبد الله محمد بن إدريس (150-204هـ) . 109- الأم - دار الشعب سنة 1388-هـ. 110- المسند - مطبوع على هامش الأم. ابن شبة: أبو زيد عمر بن شبة النميري البصري (173-262هـ) .

111- تاريخ المدينة المنورة - الناشر السيد حبيب محمود أحمد، تحقيق فهيم محمد شلتوت. الشمني: أبو العباس أحمد بن محمد تقي الدين (801-872هـ) . 112- مزيل الخفا عن ألفاظ الشفا للقاضي عياض - مطبوع على حاشية الشفا. ابن أبي شيبة: أبو بكر عبد الله بن محمد بن إبراهيم الكوفي (159-235هـ) . 113- التاريخ - مخطوط، في مكتبة الدراسات بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة رقم (665) . الشوكاني: أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد (1173-1250هـ) . 114- البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع - الناشر معروف عبد الله باسندوه، ط. الأولى سنة 1348هـ. 115- الدراري المضية شرح الدرر البهية - مطبعة مصر الحرة بدرب العوالم، ط. الأولى بدون تاريخ. 116- السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار - لجنة إحياء التراث الإسلامي، القاهرة سنة 1390هـ. 117- فتح القدير - مطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط. الثانية سنة 1383هـ. 118- نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار - مطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط. الأخيرة دون ذكر سنة الطبع. (ص) ابن الصلاح: أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري (577-643هـ) . 119- المقدمة مع التقيد والإضاح - الناشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة، ط. الأولى سنة 1389هـ. الصنعاني: محمد بن إسماعيل بن صلاح الكحلاني الأمير (1059-1182هـ) . 120- سبل السلام شرح بلوغ المرام - تحقيق محمد عبد العزيز الخولي، دار إحياء التراث العربي، ط. الرابعة سنة 1379هـ. (ط) ابن طاهر: مجد الدين محمد بن طاهر بن علي الحنفي الكجراتي (913-986هـ) . 121- المغني في ضبط أسماء الرجال ومعرفة كنى الرواة وألقابهم وأنسابهم - نشر دار الكتب الإسلامية، كواجر نوالة (باكستان) ط. الأولى سنة 1393هـ. الطبري: أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد (224-310هـ) .

122- تاريخ الرسل والملوك (تاريخ الطبري) - تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر دار المعارف مصر، ط. الثانية بدون ذكر سنة الطبع. 123- تهذيب الآثار - مطابع الصفا، مكة المكرمة 1402هـ. 124- جامع البيا عن تأويل آي القرآن (تفسير الطبري) - مطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط. الثالثة سنة 1388هـ. الطحاوي: أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الحنفي (229-321هـ) . 125- شرح معاني الآثار - تحقيق محمد سيد جاد الحق، الناشر مكتبة الأنوار المحمدية، القاهرة، بدون ذكر سنة الطبع. 126- مشكل الآثار - دار صادر بيروت عن الطبعة الأولى سنة 1333هـ. الطبراني: أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب (260-360هـ) . 127- المعجم الصغير - تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان، الناشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة سنة 1388هـ. 128- المعجم الكبير - تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، مطبعة الوطن العربي ط. الأولى سنة 1400هـ. (ع) ابن أبي عاصم: أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني (206-287هـ) . 129- كتاب الجهاد - مخطوط، في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ضمن مجموعة (27) برقم (535) . العامري: عماد الدين يحيى بن أبي بكر أبو زكريا الحرضي (816-893هـ) . 130- بهجة المحافل وبغية الأماثل في تلخيص السير والمعجزات والشمائل - الناشر: النمنكاني، صاحب المكتبة العلمية بالمدينة المنورة بدون تاريخ. عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الشيباني (213-290هـ) . 131- زوائد المسند: عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب (000-1258هـ) . 132- فتح المجيد شرح كتاب التوحيد - تحقيق محمد حامد الفقي، مطبعة السنة المحمدية، ط. السابعة سنة 1377هـ. عبد الرزاق بن همام أبو بكر الصنعاني (126-211هـ) . 133- المصنف - تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، المجلس العلمي، كراتشي سنة 1390هـ.

ابن عبد البر: أبو عمر يوسف بن عبد الله النمري (368-463هـ) . 134- الاستيعاب في معرفة الأصحاب، على هامش الإصابة لابن حجر. 135- التقصي لحديث الموطأ وشيوخ مالك، أو تجريد التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد - دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، بدون ذكر سنة الطبع. عبد بن حميد بن نصر أبو محمد الكسي (000-249هـ) . 136- المسند - مخطوط، في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة برقم (322 و323) . أبو عبيد: القاسم بن سلام البغدادي (150-224هـ) . 137- كتاب الأموال - تحقيق محمد خليل هراس، ط. الأولى سنة 1388هـ. العراقي: أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين (725-806هـ) . 138- التبصرة والتذكرة (شرح ألفية العراقي) - المطبعة الجديدة بفاس سنة 1354هـ. ابن العربي: أبو بكر محمد بن عبد الله الأشبيلي (468-543هـ) . 139- أحكام القرآن - دار المعرفة بيروت لبنان. ابن عقيل: بهاء الدين عبد الله بن عبد الرحمن المصري (698-769هـ) . 140- شرح ابن عقيل على ألفية بن مالك - تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة بمصر، ط. الرابعة عشرة سنة 1384هـ. العلائي: أبو سعيد صلاح الدين خليل بن كيكلدي (694-761هـ) . 141- جامع التحصيل في أحكام المراسيل - تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، ط. الأولى سنة 1398هـ. أبو عوانة: يعقوب بن إسحاق السفراييني (230-316هـ) . 142- مسند أبي عوانة - مطبعة مجلس دائرة المعارف، الهند ط. الأولى سنة 1385هـ. عياض بن موسى بن عياض أبو الفضل اليحصبي السبتي (496-544هـ) 143- مشارق الأنوار على صحاح الآثار - المكتبة العتيقة، تونس، بدون ذكر سنة الطبع. 144- الشفا بتعريف حقوق المصطفى - دار الفكر بيروت، بدون ذكر سنة الطبع. (ف) ابن الفراء: محمد بن محمد بن الحسين أبو الحسين القاضي (457-527هـ) . 145- طبقات الحنابلة - الناشر دار المعرفة بيروت، بدون ذكر سنة الطبع. الفسوي: أبو يوسف يعقوب بن سفيان الفارسي (191-277هـ) . 146- المعرفة والتاريخ - تحقيق أكرم ضياء العمري، مطبعة الإرشاد بغداد سنة 1394هـ. ابن فهد المكي: تقي الدين محمد بن محمد الهاشمي العلوي (787-871هـ) .

147- لحظ الألحاظ بذيل طبقة الحفاظ للذهبي. الفيروز آبادي: مجد الدين محمد بن يعقوب (729-817هـ) . 148- القاموس المحيط - مؤسسة الحلبي، القاهرة بدون ذكر سنة الطبع. الفيومي: أبو العباس أحمد بن محمد بن علي الحموي (000-770هـ) . 149- المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي - دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان سنة 1398هـ. (ق) ابن قتيبة: أبو محمد عبد الله بن مسلم الدينوري (213-276هـ) . 150- المعارف - دار إحياء التراث العربي بيروت - لبنان، ط. الثانية سنة 1390هـ. ابن قدامة: أبومحمد موفق الدين عبد الله بن أحمد المقدسي (541-620هـ) 151- الاستبصار في نسب الصحابة من الأنصار - تحقيق علي يوسف نويهض، دار الفكر سنة 1391هـ. 152- المغني في اختصار الخرقي - مكتبة الجمهورية العربية بمصر لصاحبها عبد الفتاح عبد الحميد مراد، بدون ذكر سنة الطبع. القرطبي: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر الأندلسي (000-671هـ) . 153- الجامع لأحكام القرآن - دار إحياء التراث العربي، بيورت - لبنان سنة 1965م. القسطلاني: أبو العباس شهاب الدين أحمد بن محمد الخطيب (851-923هـ) . 154- إرشاد الساري، شرح صحيح البخاري - المطبعة المنيرة بولاق، ط. السابعة سنة 1323هـ. 155- المواهب اللدنية بالمنح المحمدية - دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، بدون ذكر سنة الطبع. القلقشندي: أبو العباس شهاب الدين أحمد بن علي (756-821هـ) . 156- قلائد الجمان في التعريف بقيائل عرب الزمان - تحقيق إبراهيم الأبياري، دار الكتاب الحديثة، ط. الأولى سنة 1383هـ. 157- نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب - تحقيق إبراهيم الأبياري، دار الكتاب اللبناني، بيروت، ط. الثانية سنة 1400هـ. ابن قيم الجوزية: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر الرازي الدمشقي (691-751هـ) .

158- أعلام الموقعين عن رب العالمين - تحقيق طه عبد الرؤوف سعد، مكتبة الكليات الأزهرية سنة 1388هـ. 159- إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان - تحقيق محمد حامد الفقي، دار المعرفة بيروت - لبنان. 160- التبيان في أقسام القرآن - مكتبة الرياض الحديثة، بدون ذكر سنة الطبع. 161- تهذيب سنن أبي داود على حاشية عون المعبود. 162- زاد المعاد في هدي خير العباد - تحقيق شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة ط. الأولى سنة 1399هـ. (ك) ابن كثير: أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن عمر القرشي الدمشقي (701-774هـ) 163- البداية والنهاية - مكتبة المعارف، بيروت ط. الثانية سنة 1974م. 164- تفسير القرآن العظيم - عيسى البابي الحلبي، بذون ذكر سنة الطبع. الكلاعي: أبو الربيع سليمان بن موسى الحميري البلنسي (565-634هـ) . 165- الاكتفاء في مغازي المصطفى والثلاثة الخلفاء - تحقيق مصطفى عبد الواحد، مكتبة الخانجي، القاهرة سنة 1387هـ. ابن الكلبي: أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب (000-204هـ) . 166- كتاب الأصنام - تحقيق أحمد زكي، الدار القيمة، القاهرة سنة 1384هـ. (م) ابن ماجه: أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني (207-275هـ) . 167- سنن ابن ماجه - تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، عيسى البابي الحلبي سنة 1373هـ. مالك بن أنس بن مالك الأصبحي، أبو عبد الله إمام دار الهجرة (93-179هـ) . 168- المدونة الكبرى - دار صادر، بيروت، بدون ذكر سنة الطبع. 169- الموطأ - تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان بدون ذكر سنة الطبع. المتقى الهندي: علاء الدين علي بن حسام الدين (885-975هـ) . 170- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال - مجلس دائرة المعارف، الهند ط. الثانية. 171- منتخب كنز العمال، مطبوع مع مسند الإمام أحمد.

أبو المحاسن: محمد بن علي الحسني (715-765هـ) . 172- ذيل تذكرة الحفاظ للذهبي. محمد بن حبيب البغدادي الأخباري (000-245هـ) . 173- المنمق في أخبار قريش - مجلس دائرة المعارف، الهند ط. الأولى سنة 1384هـ. محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي (000-665هـ) . 174- مختار الصحاح - مكتبة الغزالي، حماة سنة 1390هـ. ابن المديني: علي بن عبد الله بن جعفر أبو الحسن السعدي (161-234هـ) . 175- العلل - تحقيق محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي سنة 1392هـ. المرداوي: علاء الدين أبوالحسن علي بن سليمان (817-885هـ) . 176- الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل - تحقيق محمد حامد الفقي، دار إحياء التراث العربي، ط. الثانية سنة 1400هـ. المرغيناني: أبو الحسن علي بن أبي بكر بن عبد الجليل (544-593هـ) . 177- الهداية شرح بداية المبتدي - مطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط. الأخيرة بدون ذكر سنة الطبع. المزني: أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني الشافعي (175-264هـ) . 178- مختصر المزني. مطبوع مع الأم للإمام الشافعي. المزي: جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن (654-742هـ) . 179- تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف- تحقيق عبد الصمد شرف الدين، الدار القيمة، الهند، سنة 1384هـ. 180- تهذيب الكمال في أسماء الرجال - طبع منه ثلاث مجلدات، مؤسسة الرسالة، ط. الأولى سنة 1402هـ. 181- تهذيب الكمال في أسماء الرجال - مخطوط، في مكتبة الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري (206-261هـ) . 182- الصحيح - تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، عيسى البابي الحلبي ط. الأولى سنة 1374هـ. المقدسي: بهاء الدين أبو محمد عبد الرحمن بن إبراهيم السعدي (556-624هـ) . 183- العدة شرح العمدة في فقه الإمام أحمد بن حنبل - المطبعة السلفية ومكتبتها، ط. الثانية 1382هـ. المقدسي: أبو الفتح نصر بن إبراهيم النابلسي (377-490هـ) .

184- تحريم نكاح المتعة - حققها وخرج أحاديثها حماد الأنصاري، مطبعة المدني 1396هـ. المناوي: محمد بن عبد الرؤوف القاهري الشافعي (952-1031هـ) . 185- فيض القدير شرح الجامع الصغير للسيوطي - دار المعرفة، بيروت لبنان، ط. الثانية 1391هـ. ابن منظور: جمال الدين محمد بن مكرم الأنصاري (630-711هـ) . 186- لسان العرب - الدار المصرية للتأليف والترجمة، بدون ذكر سنة الطبع. (ن) ابن النجار: أبو عبد الله محمد بن محمود بن حسن البغدادي (578-643هـ) . 187- ذيل تاريخ بغداد، ذيل به على تاريخ الخطيب البغدادي - الناشر: المكتبة الإمدادية، باب العمرة، مكة المكرمة. النابلسي: عبد الغني بن إسماعيل الحنفي الدمشقي (1050-1143هـ) . 188- ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الأحاديث - دار المعرفة بيروت- لبنان، بدون ذكر سنة الطبع. النسائي: أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن عليّ بن بحر (214-303هـ) . 189- سنن النسائي. (المجتبى) - مصطفى البابي الحلبي، ط. الأولى سنة 1383هـ. أبو نعيم: أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني (336-430هـ) . 190- حلية الأولياء - الناشر مكتبة الخانجي بمصر، بدون ذكر سنة الطبع. 191- دلائل النبوة - دار المعرفة بيروت - لبنان، سنة 1397هـ. النووي: أبو زكريا محيى الدين بن شرف الشافعي (631-676هـ) . 192- التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير (تقريب النووي مع تدريب الراوي للسيوطي) . 193- رياض الصالحين - المكتب الإسلامي، بيروت، الأولى سنة 1399هـ. 194- شرح صحيح مسلم - تحقيق عبد الله أحمد أبو زينة، دار الشعب سنة 1390هـ. 195- المجموع شرح المهذب - الناشر زكريا علي يوسف، مطبعة الإمام، بدون ذكر سنة الطبع. 196- المقدمة على شرح صحيح مسلم. النويري: شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الوهاب (677-733هـ) . 197- نهاية الأرب في فنون الأدب - المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة.

(و) الواحدي: أبو الحسن علي بن أحمد النيسابوري (000-468هـ) . 198- أسباب النزول - دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان سنة 1395هـ. الواقدي: أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد السهمي الأسلمي (130-207هـ) 199- المغازي - تحقيق مارسدن جونسن، عالم الكتب، بيروت، بدون ذكر سنة الطبع. (هـ) ابن هبيرة: أبوالمظفر عون الدين يحيى بن محمد بن هبيرةالشيباني (499-560هـ) 200- الإفصاح عن معاني الصحاح - المؤسسة السعدية، الرياض، بدون ذكر سنة الطبع. ابن هشام: أبو محمد عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري (000-218هـ) . 201- السيرة النبوية (سيرة ابن هشام) - مصطفى البابي الحلبي، ط. الثانية سنة 1375هـ. ابن هشام: أبو محمد عبد الله بن يوسف جمال الدين الأنصاري (708-761هـ) . 202- شرح قطر الندى وبل الصدى - تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة مصر، ط. العاشرة سنة 1379هـ. الهيثمي: أبو الحسن نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان (735-807هـ) . 203- كشف الأستار عن زوائد البزار على الكتب الستة - تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط. الأولى سنة 1399هـ. 204- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد - الناشر دار الكتاب العربي، بيروت لبنان، ط. الثانية سنة 1967م. 205- موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان - تحقيق محمد عبد الرزاق حمزة، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، بدون ذكر سنة الطبع. 206- مجمع البحرين في زوائد المعجمين - مخطوط في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة برقم (77) . (ي) ياقوت بن عبد الله شهاب الدين الحموي الرومي البغدادي (000-626هـ) . 207- معجم البلدان - دار صادر بيروت، بدون ذكر سنة الطبع. أبو يعلى الموصلي: أحمد بن علي بن المثنى التميمي (210-307هـ) .

208- المسند - مخطوط في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، برقم (301، و302، و303، و305، و306) . المصادر الحديثة (أ) أحمد إبراهيم شريف. 209- دور الحجاز في الحياة السياسية العامة في القرنين الأول والثاني الهجري - دار الفكر العربي، الأولى سنة 1968م. أكرم ضياء العمري. 210- تعليقاته على تاريخ خليفة بن خياط. 211- مقدمة تاريخ. يعقوب بن سفيان الفسوي. 212- موارد الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد دار القلم، دمشق، لبنان، ط. الأولى سنة 1395هـ. الألباني: محمد ناصر الدين. 213- إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل - المكتب الإسلامي، بيروت، ط. الأولى سنة 1399هـ. 214- تحقيق أحاديث مشكاة المصابيح - للخطيب التبريزي، بهامش المشكاة. 215- تحقيق أحاديث فقه السيرة لمحمّد الغزالي، بهامش فقه السيرة. 216- حجاب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة - المكتب الإسلامي، بيروت ط. الخامسة، بدون ذكر سنة الطبع. 217- دفاع عن الحديث النبوي والسيرة في الرد على البوطي - المطبعة العمومية بدمشق، سنة 1397هـ. 218- سلسلة الأحاديث الصحيحة - المكتب الإسلامي، بيروت دمشق سنة 1378هـ. 219- صحيح الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير) - المكتب الإسلامي، ط. الثاني 1388هـ. 220- ضعيف الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير) - المكتب الإسلامي، ط. الثانية 1399هـ.

الأهدل: محمد عبد الرحمن شميلة. 221- مرويات نكاح المتعة - مطبوع على الآلة الكاتبة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. (ب) باشميل: محمد أحمد. 222- غزوة حنين - دار الفكر، ط. الثانية 1397هـ. البلادي: عاتق بن غيث. 223- معالم مكة التاريخية والأثرية - دار مكة للنشر والتوزيع، ط. الأولى سنة 1400هـ. 224- معجم المعالم الجغرافية في اليسرة النبوية - دار مكة للنشر والتوزيع، ط. الأولى سنة 1402هـ. 225- نسب حرب - مكتبة دار البيان، ط. الأولى سنة 1397هـ. البوطي: محمد سعيد رمضان. 226- فقه السيرة - دارالفكر، دمشق، ط. الثانية سنة 1400هـ. ابن بليهد: محمد بن عبد الله بن عثمان النجدي. 227- صحيح الأخبار عما في بلاد العرب من الآثار - مراجعة وضبط محمد محيى الدين عبد الحميد، ط. الثانية 1392هـ. (ج) الجزائري: أبو بكر جابر الجزائري. 228- منهاج المسلم - مطبعة الدعوة بالمدينة المنورة، ط. الأولى سنة 1385هـ. الجزيري: عبد الرحمن الجزيري. 229- كتاب الفقه على المذاهب الأربعة - المكتبة التجارية الكبرى بمصر سنة 1969م. (ح) حبيب الرحمن الأعظمي. 230- تحقيقاته على مسند الحميدي. حمد إبراهيم بن عبد الله الحقيل. 231- كنز الأنساب ومجمع الآداب - ط. السابعة سنة 1400هـ. حمد الجاسر. 232- تحقيقاته على كتاب المناسك للحربي.

233- في سراة غامد وزهران - منشورات دار اليمامة، للبحث والترجمة، الرياض. حمدي عبد المجيد السلفي. 234- تحقيقاته على المعجم الكبير للطبراني. (خ) الخضري: محمد الخضري بك. 235- نور اليقين في سيرة سيد المرسلين - دار التعاون للنشر والتوزيع، لصاحبها عباس أحمد الباز، مكة المكرمة ط. الثالثة والعشرون سنة 1967م. ابن خميس: عبد الله بن محمد. 236- المجاز بين اليمامة والحجاز - منشورات دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر، الرياض. (د) الدومي: أحمد عبد الجواد. 237- الإتحافات الربانية بشرح الشمائل المحمدية للإمام الترمذي - المكتبة التجارية الكبرى، مصر، ط. الأولى سنة 1381هـ. (س) الساعاتي: أحمد عبد الرحمن البنا. 238- الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد ابن حنبل الشيباني - دار الشهاب، القاهرة، بدون ذكر سنة الطبع. 240- أسواق العرب في الجاهلية والإسلام - دار الفكر، دمشق، ط. الثانية سنة 1379هـ. (ش) الشنقيطي: محمد الأمين بن محمد المختار الجكني. 241- أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - مطبعة المدني، لصاحبها علي صبحي المدني، سنة 1386هـ.

(ص) الصابوني: محمد علي الصابوني. 242- التبيان في علوم القرآن - دار الإرشاد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط. الأولى سنة 1390هـ. 243- روائع البيان تفسير آيات الأحكام من القرآن - دار القرآن الكريم، مكة المكرمة، سنة 1391هـ. صادق إبراهيم عرجون. 244- كتاب خالد بن الوليد - الناشر مكتبة الكليات الأزهرية، ط. الثانية سنة 1378هـ. (ع) عبد الله بن عبد الرحمن آل بسام. 245- تيسير العلام شرح عمدة الأحكام - مطبعة المدني، سنة 1380هـ. عبد الله بن محمد الغنيمان. 246- دليل القارئ إلى مواضع الحديث في صحيح البخاري - دار الأصفهاني للطباعة بجدة. الأرناؤوط: عبد القادر. 247- تحقيقه على جامع الأصول لابن الأثير. عبد القدوس الأنصاري. 248- بين التاريخ والآثار - ط. الأولى سنة 1969م بيروت. عبد المحسن العباد، وعبد الكريم مراد. 249- من أطيب المنح في علم المصطلح - شركة المدينة للطباعة والنشر، جدة سنة 1386هـ. العياشي: إبراهيم بن علي. 250- المدينة بين الماضي والحاضر - المكتبة العلمية، بالمدينة المنورة للنمنكاني. (ف) فؤاد حمزة. 251- قلب جزيرة العرب - المطبعة السلفية ومكتبتها، لمحب الدين الخطيب، سنة 1352هـ.

(ق) قريبي: إبراهيم بن إبراهيم. 252- مرويات غزوة بني المصطلق - الناشر الجامعة الإسلامية، بالمدينة المنورة. (ك) الكاندهلوي: محمد زكريا. 253- أوجز المسالك إلى موطأ مالك - دار الفكر بيروت، ط. الثالثة سنة 1393هـ. الكتاني: محمد جعفر. 254- الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة - الناشر: نور محمد، سنة 1379هـ. كحالة: عمر رضا كحالة. 255- معجم قبائل العرب - مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان، ط. الثانية سنة 1398هـ. 256- معجم المؤلفين - الناشر مكتبة المثنى، بيروت، دمشق، سنة 1376هـ. الكشميري: محمد أنور الديوبندي. 257- فيض الباري على صحيح البخاري - دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت - لبنان، بدون ذكر سنة الطبع. (م) المباركفوري: أبو العلى محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم. 258- تحفة الأحوذي، بشرح جامع الترمذي - مطبعة المدني، القاهرة، ط. الثانية سنة 1383هـ. 259- مقدمة تحفة الأحوذي. محمد حسين العقبي. 260- تكملة المجموع للنووي. محمد خليل هراس. 261- تحقيقاته على الخصائص الكبرى للسيوطي بهامش الخصائص. محمد بن سعيد بن حسن كمال. 262- مجلة العرب - السنة الثالثة، الجزء التاسع، شهر ربيع الأول سنة 1389هـ في أثناء بحث له في قبيلة عتيبة. محمد شمس الحق العطيم آبادي. 263- عون المعبود شرح سنن أبي داود - الناشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة، ط. الثانية سنة 1388هـ.

محمد عبد الرزاق حمزة. 264- مقدمة موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان - لنور الدين الهيثمي. محمد فؤاد عبد الباقي. 265- تعليقاته على صحيح مسلم. محمد بن محمد مخلوف. 266- شجرة النور الزكية في طبقات المالكية - دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان، سنة 1350هـ. محمد مصطفى الأعظمي. 267- تعليقاته على صحيح بن خزيمة بهامش صحيح ابن خزيمة. محمد أبو زهرة. 268- خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم - طبع على نفقة خليفة بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر. محمود شيت خطاب. 269- الرسول القائد - دار مكتبة الحياة ومكتبة النهضة، بغداد، ط. الثانية سنة 1960م. المراغي: أحمد مصطفى المراغي بك. 270- تفسير المراغي - مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر ط. الخامسة سنة 1394هـ. محمد خفاجي ومحمد أبوالفضل إبراهيم ومحمود النواوي. 271 - مقدمة صحيح البخاري. إبراهيم أنيس وعبد الحليم منتصر وعطية الصوالحي ومحمد خلف الله أحمد. 272- المعجم الوسيط - دار إحياء التراث العربي، ط. الثانية 1392هـ. محمود السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ شبلي. 273- تعليقاتهم على سيرة ابن هشام.

§1/1