مرويات غزوة الخندق

إبراهيم بن محمد المدخلي

مقدمة

مقدمة ... مرويات غزوة الخندق تأليف: د. إبراهيم بن محمد عمير المدخلي كلمة شكر وتقدير الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. وبعد … فقد مّن الله علي بالانتهاء من إعداد هذه الرسالة فالشكر لله وحده أولاً وأخيراً على نعمه وتوفيقه. ثم إني أرى من الواجب علي - اعترافاً بالجميل لأهله - أن أتقدم بشكري الجزيل وبالغ تقديري لفضيلة شيخي الفاضل الشيخ عبد المحسن ابن حمد العباد المشرف على الرسالة والذي لم يدخر جهدا في إبداء توجيهاته وإرشاداته فجزاه الله عني وعن طلاب العلم خير الجزاء وبارك في عمره. كما أتقدم بالشكر لفضيلة الدكتور أكرم ضياء العمري رئيس قسم الدراسات العليا بالجامعة فقد كان له عظيم الأثر في توجيهي لهذا البحث أيام الدراسة وإرشاداته القيمة أيام التحضير. كما أشكر فضيلة الشيخ حماد الأنصاري1 لفتحه صدره ومكتبته لطلاب العلم. كما أشكر

فضيلة الدكتور محمود ميره فقد كان كريماً بالمعلومات وإرشاد من يسأله لطيف المعاملة لتلاميذه. وأخيراً فإني أشكر كل من مد لي يد العون أياً كان من الأساتذة الأفاضل والأصدقاء والزملاء وهم كثير وأخص منهم الأخ الكريم مصطفى عبد الجليل، أمين مكتبة الدراسات العليا بالجامعة فجزى الله الجميع كل خير ووفقهم لما يحبه ويرضاه. ثم إني في الختام أسأل الله العلي القدير أن يجعل هذا الجهد خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفع به وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحابته أجمعين. أما بعد: فإن علم التاريخ علم جليل القدر عظيم الفوائد ذلك لأنّ به يقف الإنسان على حقائق ماضية من أخبار وحوادث لشخصيات أو قبائل أو أمم، وهو علم اهتم به القرآن الكريم حيث إنه ورد كثير من قصص الأمم الماضية فيه من ذلك قوله تعالى: {كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً} 1. وقصص الأمم الماضية وتاريخها يكسب الأجيال المتلاحقة خبرة وفهماً لتلك الأحداث.

كما يحصل بها الاتعاظ للأجيال المتعاقبة على مدى الأزمان قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} 1. ولله در الشاعر حيث قال: ليس بإنسان ولا عالم ... من لم يع الأخبار في صدره ومن درى أخار من قبله ... أضاف أعماراً إلى عمره2 وإذا كان علم التأريخ من الأهمية بمكان؛ فذروة سنامه تاريخ سيرة سيد البشر محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه. فهو علم شريف لشرف النبي صلى الله عليه وسلم ولأنه مع ذلك ينقل إلينا أفعاله صلى الله عليه وسلم ونحن مأمورون باتباعه والاقتداء به قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ…} الآية3. وذلك تشريف من الله سبحانه وتعالى له فلقد شرفه وأعلى مكانته وأنزله المنزلة الكريمة التي يستحقها فأوكل إليه مهمة ما في القرآن الكريم من إجمال وشرح ما يحتاج إلى تفصيل قال تعالى: {…وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ

لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِم} ... 1. وقد وعد الله مسبقاً بحفظ كتابه فقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} 2. وهذا الحفظ يشمل السنة المطهرة، ولتحقيق هذا الوعد القاطع الصادق كان كل ما قامت به الأمة الإسلامية من جهود عظيمة واهتمام بالغ لا يعرف الأقل منه لأمة من الأمم ولا لدين من الأديان وذلك بحفظ القرآن الكريم في الصدور والمصاحف وتلاوته أناء الليل وأطراف النهار. وذلك لقيامه صلى الله عليه وسلم بما أوكل إليه من واجب خير قيام بأقواله وأفعاله وأحواله وجهاده العظيم وسيرته العطرة حتى ترك الناس على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. ونتيجة لذلك حظيت السنة المطهرة بحظها الوافر من وعد الله بالحفظ لتنزيله وذكره، فإنها والقرآن من مشكاة واحدة. إذاً فالسنة داخلة في ذلك الوعد الصادق بالحفظ والضمان الأكيد. فكان من مظاهر تنفيذ ذلك ما نراه ونلمسه من جهود بذلت لحفظها وصيانتها والذود عنها.

فكان من آثار ذلك ما تفخر به المكتبات الإسلامية من مؤلفات قيمة مختلفة المناهج والموضوعات متحدة الغاية والأهداف وهي خدمة السنة المطهرة. وقد شملت تلك الجهود جزءاً كبيراً من السيرة النبوية الشريفة وذلك بجمع مادتها دون التفات من كثير منهم إلى تنقيتها من الشوائب وإزالة ما علق بها من تحريف وزيادة أو كذب وافتراء كما فعل الجهابذة من المحدثين الذين عنوا بجمع الصحيح دون غيره كالبخاري ومسلم - رحمهما الله تعالى -. وإن من أجل مهام المؤسسات العلمية في هذا العصر العناية بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ومغازيه وجمع الآثار الواردة فيها وتمحيصها وهي حاجة ملحة في الوقت الحاضر يتمنى كل مسلم غيور أن تتحقق. وفي طليعة تلك المؤسسات الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، التي اتجهت لتحقيق هذه الغاية وذلك بتسجيل موضوعات في مختلف جوانب السيرة النبوية وغزوات الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد رغبت المشاركة في جانب من هذه الجوانب فاخترت مرويات (غزوة الخندق) موضوعاً لرسالتي التي أعدها لنيل درجة العالمية الماجستير من شعبة السنة في هذه الجامعة المباركة.

سبب اختياري لهذا الموضوع لقد كان الدافع لي على اختيار هذا الموضوع (مرويات غزوة الخندق) جمعاً ودراسة أمور أهمها: 1- إن الاشتغال بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم محبب إلى النفوس لأنها سيرة صاحب الرسالة محل الأسوة والقدوة فتجعل الإنسان يعيش جل وقته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ويسلم عليه ويدفعه ذلك على الحرص والمتابعة. 2- بما أن اليهود كان لهم الدور المباشر في هذه الغزوة وهم الذين كانوا وما زالوا يكيدون للإسلام وأهله وهم يعيدون ما فعلوه بالأمس من شن الحروب على الإسلام ويحاولون إقصاءه عن الحياة العامة بشتى الأساليب لمعرفتهم أن ذلك من أهم أسباب انهيار الإسلام والمسلمين فعمدوا لدعم هذه المحاولة إلى الدس الرخيص وإدخال الروايات الموضوعة أو ما لا أصل له ضد الإسلام وهم بالنسبة لرسول البشرية صلوات الله وسلامه عليه أشد حقداً وأكثر كيداً.

لذلك تأكد بأن الحاجة ماسة إلى مزيد عناية بسيرته العطرة وغزواته المباركة وذلك بتمحيص رواياتها وبيان صحيحها من سقيمها وكشف حقد اليهود على الإسلام فكان لزاماً علي أن أسهم بجهد المقل في خدمة سيرته صلى الله عليه وسلم. 1- الرغبة في وصل السلسلة التي أوشكت على الانتهاء التي إتجه إلى تنفيذها قسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية في إيجاد بحوث تخصصية في مختلف جوانب السيرة النبوية. 2- إظهار آخر معركة فاصلة غزيت بها المدينة في بحث خاص بها تناول النصوص الواردة فيها. وأخيراً فقد كان لفضيلة الدكتور أكرم العمري رئيس قسم الدراسات العليا اليد الطولى في توجيهي إلى هذا البحث واختياره فجزاه الله عني خير الجزاء. لهذه الأمور اخترت هذا البحث فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمني ومن الشيطان سائلاً المولى - عز وجل - التوفيق والسداد إنه ولي ذلك والقادر عليه والله على ما أقول وكيل.

منهجي في البحث 1- أورد الحديث ثم أترجم لرجاله من بعض كتب التراجم المعروفة، وإذا كان هناك حديث آخر يؤيده أو بمعناه فإني أورده أيضاً. 2- أقوم بالحكم على الحديث الذي أهمل النقاد الحكم عليه ولم يوجد في الصحيحين بما تمليه تلك الدراسة صحة وضعفاً، وذلك بعد التأكد من دراسة التراجم، والاتصال في الأسانيد وانعدام العلة والشذوذ مع الاستعانة بتصحيح العلماء إن وجد. 3- إذا لم يرد حديث للقصة فأبدأ بإيراد كلام ابن إسحاق - لاتفاقهم بأنه إمام أهل المغازي - ثم أسوق كلام أهل المغازي بعد ذلك. 4- إذا كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما أترجم لرجاله من باب التعريف بهم وذلك باقتضاب. 5- أترجم للأعلام الذين يأتي ذكرهم في غير الأسانيد. 6- أشير للسورة ورقم الآية بالنسبة لما جاء من أدلة من كتاب الله -عز وجل -. 7- وضعت عدة فهارس بدءاً بالمصادر وانتهاءً بالموضوعات.

خطة البحث هذا البحث يقع في مقدمة وتمهيد وخمسة أبواب وخاتمة. أما المقدمة فقد اشتملت على ضرورة العناية بسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأما التمهيد فيشتمل على الإشارة إلى الظروف والملابسات التي سبقت الغزوة. الباب الأول اشتمل على فصلين: الأول: في أسباب الغزوة. الثاني: في تاريخها. وأما الباب الثاني: فقد اشتمل على فصلين أيضاً: الأول: في دور اليهود في هذه الغزوة وتحته مباحث: الأول: في بيان الحقد اليهودي على البشرية منذ القدم. الثاني: الوفد اليهودي المحرض. الثالث: القبائل التي أغراها اليهود على قتال المسلمين. الثاني: في بيان دور المنافقين في هذه الغزوة. وأما الباب الثالث: فهو في بيان موقف المسلمين من هذه التحركات، وقد اشتمل على أربعة فصول:

الأول: في مشاورة الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه حول حفر الخندق. الثاني: تواضعه صلى الله عليه وسلم ومباشرته الحفر بنفسه. الثالث: تغلب المسلمين على العقبات التي واجهتهم (الكدية) . الرابع: مكان الخندق وسرعة إنجازهم لحفره مع بيان المدة التي استغرقوها في الحفر حسب أقوال أهل المغازي. وأما الباب الرابع: فهو في وصول الأحزاب إلى مشارف المدينة وتحته فصول: الفصل الأول: في بيان عدد الجيوش وتحته مبحثان: الأول: في عدد جيش المشركين وبيان قواده. الثاني: في عدد جيش المسلمين. الفصل الثاني: في بيان تواطؤ اليهود مع المشركين وعزمهم على ضرب المسلمين من الخلف. الفصل الثالث: تخذيل المنافقين للصف الإسلامي. وأما الباب الخامس: فهو في وصف ما دار في غزوة الأحزاب من مناوشات بين المسلمين والكفار وتحته فصول: الفصل الأول: في اقتحام المشركين الخندق وتصدي المسلمين لهم وتحته مباحث:

الأول: في الحصار الذي لحق بالمسلمين. الثاني: المبارزة. الثالث: القتلى من الجانبين. الفصل الثاني: في اشتداد المعركة يمنع المسلمين من الصلاة. الفصل الثالث: في دور سعد بن معاذ في هذه الغزوة وبلائه فيها. الفصل الرابع: في دور نعيم بن مسعود الأشجعي في هذه الغزوة. الفصل الخامس: في دور حذيفة بن اليمان رضي الله عنه. الفصل السادس: في حصول النزاع بين الأحزاب وانهزامهم وتحته مبحثان: الأول: في هبوب الريح. الثاني: نتائج الغزوة. أما الخاتمة فهي في العبر والأحكام المستفادة من الغزوة.

بحث تمهيدي يتضمن الأحداث التي وقعت بين غزوتي أحد والخندق بالتتبع والرجوع إلى غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم يتبين أنه قد حدثت أحداث بين هاتين الغزوتين أحد والأحزاب. ذلك أنه بعد غزوة أحد وبعد تلك الهزيمة التي كان سببها -والله أعلم- عدم طاعة الرماة لرسول الله ولقائدهم ولحكمة أراد الله - تعالى - ذلك. بيد أن تلك الهزيمة1 في أول الأمر لم تفتّ في عضد الرسول صلوات الله وسلامه عليه ولم تضعف أولئك الجنود الأشاوس فقد ضمدوا جراحاتهم وواصلوا المسير حتى بلغوا حمراء الأسد2.

قال ابن إسحاق1: "فأقام بها الاثنين والثلاثاء والأربعاء ثم رجع إلى المدينة2، وقد كان لمعبد الخزعي3 دور كبير في تخذيل أبي سفيان ومن معه في هذه الحملة. قال محمود شيت خطاب: وكان لابد للمسلمين من أن يقوموا بالتطهير العام في المدينة وخارجها حتى يستعيدوا قوتهم. لقد استطاعوا أن يجعلوا من المدينة قاعدة آمنة للإسلام قبل غزوة (أحد) ولكن هذه الغزوة أحدثت لهم مشاكل داخلية وخارجية4. أما المشاكل الداخلية فقد كانت من اليهود الذين هم أشد عداوة للذين آمنوا في السراء والضراء وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وذلك مصداقاً لقوله - تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا…} 5.

وداخلية أيضاً من المنافقين الذين تظاهروا بالإسلام خبثاً ومكراً فانكشفت نواياهم قبيل معركة أحد وبعدها عندما رأوا الخطر محدقاً بالمسلمين، ومشاكل خارجية من قريش بالدرجة الأولى، إذ أخذت تشن حرب دعاية ضد المسلمين لتظهر نتائج غزوة (أحد) بمظهر يرفع من قيمتها وبالمقابل يحط من قيمة المسلمين. وخارجية أيضاً من القبائل المجاورة حيث إنهم طمعوا بالمسلمين وظنوا أنهم أصبحوا في متناول أيديهم غنيمة باردة1. ونتيجة لذلك بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم بعد شهرين من غزوة أحد أن طليحة وسلمة ابني خويلد الأسدي يحرضان قومهما بني أسد لغزوة المدينة ونهب أموال المسلمين فيها. فسارع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بعث أبي سلمة2 على رأس مائة وخمسين

رجلاً ليباغت القوم في ديارهم قبل أن يقوموا بغارتهم1. فلما انتهى أبو سلمة إلى أرضهم تفرقوا وتركوا نعماً كثيراً لهم من الإبل والغنم فأخذ ذلك كله وأسر منهم ثلاثة مماليك وأقبل راجعاً بهم إلى المدينة2. وفي شهر صفر3 من السنة الرابعة4 كانت غزوة الرجيع5،

وذلك أن رهطاً من عضل1 والقارة2 قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله إن فينا إسلاماً فابعث معنا نفراً من أصحابك يفقهوننا فبعث معهم ستة من أصحابه3.

أما البخاري فقال: "إنهم كانوا عشرة1 معتمداً على حديث صحيح في ذلك"2، وبقوله قال ابن سعد: "إلا أنه لم يذكر سوى سبعة"3، وبقوله قال ياقوت الحموي4. قال الحافظ: "وكذا سمى موسى بن عقبة السبعة المذكورين لكنه قال معتب بن عوف5، وكان أميرهم كما قال ابن إسحاق6 مرثد بن أبي مرثد الغنوى من قيس عيلان"7. هذا ما قاله ابن إسحاق وبعكس قوله قال البخاري، وقد أورد الحديث الصحيح الدال صراحة على أن الأمير كان عاصم بن ثابت8.

قال البخاري1 رحمه الله: "حدثني إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام بن يوسف عن معمر عن الزهري2 عن عمرو بن أبي سفيان الثقفي عن أبي هريرة قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية عينا وأمر عليهم عاصم بن ثابت وهو جد عاصم بن عمر بن الخطاب فانطلقوا حتى إذا كانوا بين عسفان ومكة ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان فتبعوهم بقريب من مائة رامٍ فاقتصوا أثرهم حتى أتوا منزلاً نزلوه فوجدوا فيه نوى تمر تزودوه من المدينة فقالوا هذا تمر يثرب فتبعوا آثارهم حتى لحقوهم فلما انتهى عاصم وأصحابه لجأوا إلى فدفد3 وجاء القوم فأحاطوا بهم فقالوا لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا أن لا نقتل منكم رجلاً فقال عاصم: أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر، اللهم أخبر عنا رسولك فقاتلوهم حتى قتلوا عاصماً في سبعة نفر بالنبل، وبقي خبيب

وزيد ورجل آخر، فأعطوهم العهد والميثاق، فلما أعطوهم العهد والميثاق نزلوا إليهم فلما استمكنوا منهم حلوا أوتار1 قسيهم فربطوهم بها. فقال الرجل الثالث2 الذي معهما هذا أول الغدر فأبى أن يصحبهم فجروه وعالجوه على أن يصحبهم فلم يفعل فقتلوه وانطلقوا بخبيب وزيد حتى باعوهما بمكة … الخ"3. وهكذا كان مصير هذه السرية الصغيرة سواء كانوا عيناً كما في الحديث أو معلمين كما في قول ابن إسحاق4 وغيره من العلماء5 كان مصيرهم الاستشهاد في سبيل الله ونعم المصير. أما بالنسبة لعددهم فالصحيح كما قاله البخاري وهم عشرة ستة من المهاجرين وأربعة من الأنصار وكان أميرهم عاصم بن ثابت قال الحافظ: كذا في الصحيح وفي السيرة أن الأمير عليهم مرثد بن أبي مرثد وما في الصحيح أصح6.

أما بالنسبة لمهمة هذه السرية فقد رأينا الاختلاف في ذلك. فبعضهم يقول إنهم كانوا معلمين وبعضهم قال إنهم كانوا عيناً ويؤيد كونها عيناً الرواية التي أوردها الحافظ عن أبي الأسود1 عن عروة2 (بعثهم عيوناً إلى مكة ليأتوه بخبر قريش) 3. قال ابن سعد: "وذكر الواقدي أن سبب خروج بني لحيان عليهم هو قتل سفيان الهذلي، وأن الهذليين اتفقوا مع عضل والقارة أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم ويطلبوا منه معلمين حتى يثأروا لمقتل زعيمهم سفيان بن خالد الهذلي"4.

أما بالنسبة لتاريخ هذه الوقعة فالصحيح مع القائلين أنها كانت سنة أربع1 ذلك لأن أحداً كانت في شوال سنة ثلاث وهذه في صفر سنة أربع. أما ابن حزم فقد ذكر أنها كانت في صفر في آخر تمام السنة الثالثة من الهجرة2. قلت: "وهذا غير موافق لما جرت عليه العادة من أن التاريخ أو السنة الجديدة تبدأ بالمحرم أما صفر فيأتي بعده فكيف يكون هو في آخر السنة؟ إلا أن يكون قصده الحساب من مقدم الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة حيث قدم في ربيع الأول فيكون صفر في آخر السنة فعلاً كما أشار والله أعلم". وفي نفس السنة ونفس الشهر كانت الفاجعة الأليمة التي راح ضحيتها سبعون رجلاً من القراء تلك الفاجعة التي وقعت في مكان يسمى بئر معونة3.

قال الحافظ: "وقد أوضح ذلك ابن إسحاق حيث قال: حدثني أبي1 عن المغيرة2 ابن عبد الرحمن وغيره قال: قدم أبو براء عامر بن مالك المعروف بملاعب الأسنة3 على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض عليه الإسلام فلم يسلم ولم يبعد وقال: يا محمد لو بعثت رجالاً من أصحابك إلى أهل نجد رجوت أن يستجيبوا لك وأنا جار لهم فبعث المنذر بن عمرو4 في أربعين رجلاً من خيار المسلمين".

فعرض لهم حيان1 من بني سليم رعل وذكوان عند بئر يقال لها بئر معونة … الخ"2. قال الحافظ: "ويمكن الجمع بأن الأربعين كانوا رؤساء وبقية العدة أتباعاً ووهم من قال كانوا ثلاثين فقط"3. قال الحافظ4: "وذكر بني لحيان في هذه القصة وهم وإنما كان بنو لحيان في قصة خبيب في غزوة الرجيع التي قبل هذه، وكانت نتيجة هذه السرية أن غدر بهم عامر بن الطفيل وقد أسف الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون على هذه النخبة من المؤمنين ومكث صلى الله عليه وسلم شهراً يدعو على رعل وذكوان"5

قال وكذلك: "أخرج هذه القصة موسى بن عقبة عن ابن شهاب نحوه لكن لم يسم المذكورين، قال: ووصله الطبري من وجه آخر عن ابن شهاب عن ابن كعب بن مالك عن كعب"1. قلت: "لكنه وصلها في تاريخه من طريق آخر غير التي ذكرها الحافظ"2. قال الحافظ: "ووصلها أيضاً ابن عايذ3 من حديث ابن عباس لكن بسند ضعيف4. إلا أن هناك أحاديث صحيحة تدل على أنهم كانوا سبعين". لذلك قال البخاري - رحمه الله -: "حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا عبد العزيز عن أنس رضي الله عنه قال: "بعث النبي صلى الله عليه وسلم سبعين رجلاً لحاجة يقال لهم القراء

وهم الغادرون بأصحاب بئر معونة1. وعلى أثر هذه السرية كانت غزوة بني النضير2. وفي شهر جمادى الأولى من السنة الرابعة خرج صلى الله عليه وسلم بنفسه في غزوة ذات الرقاع3 يريد بني محارب وبني ثعلبة بن سعد بن غطفان واستعمل على المدينة أبا ذر الغفاري وقيل عثمان بن عفان، وخرج في أربعمائة من أصحابه وقيل سبعمائة فلقي جمعاً من غطفان فتواقفوا4 ولم يكن بينهم قتال إلا أنه صلى بهم يومئذ صلاة الخوف. هكذا قال ابن إسحاق وجماعة من أهل السير والمغازي في تاريخ هذه الغزوة وصلاة الخوف بها وتلقاه الناس عنهم قال ابن القيم5 وهو مشكل جداً.

والإشكال يأتي إذا ثبت أن غزوة ذات الرقاع وقعت قبل غزوة الخندق كما هو ترتيب ابن إسحاق وغيره من أصحاب المغازي. فإنه قد صح أن المشركين حبسوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق عن صلاة العصر حتى غابت الشمس. وفي السنن ومسند أحمد والشافعي - رحمهما الله - أنهم حبسوه عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء فصلاهن جميعاً وذلك قبل نزول صلاة الخوف والخندق بعد ذات الرقاع سنة خمس1. ومما ينبغي ذكره في هذه العجالة أن أبا سفيان قال عند انصرافه من أحد: موعدكم معنا العام القابل2 ببدر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "قولوا نعم قد فعلنا قال أبو سفيان: فذلكم الموعد ثم انصرف، فلما كان شعبان وقيل ذو القعدة من العام القابل. وهي السنة الرابعة لأن أُحداً كانت في شوال سنة ثلاث وعليه جمهور أهل العلم، وغزوة بدر الموعد كانت في الرابعة على هذا الأساس خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لموعده في ألف وخمسمائة وكانت الخيل عشرة أفراس وحمل لواءه علي بن أبي طالب، واستخلف على المدينة ابن

رواحة1، فانتهى إلى بدر فأقام بها ثمانية أيام ينتظر المشركين. وخرج أبو سفيان بالمشركين من مكة وهم ألفان ومعهم خمسون فرساً فلما انتهوا إلى مر الظهران2 قال لهم أبو سفيان: أن العام عام جدب وقد رأيت أني راجع بكم فانصرفوا راجعين وأخلفوا الموعد3، وكان تأخر المشركين عن الموعد مما أعاد القوة والهيبة للمسلمين وقد محت غزوة بدر الآخرة كل أثر سيء لمعركة أحد داخل المدينة وخارجها على حد سواء"4. قال ابن إسحاق: "ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فأقام من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بها أشهراً حتى مضى ذو الحجة وولي تلك الحجة المشركون وهي سنة أربع ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم دومة الجندل"5.

قال ابن هشام: "في شهر ربيع الأول من سنة خمس واستعمل على المدينة سباع بن عرفطة"1. قال ابن القيم: "وذلك أنه بلغه أن بها جمعاً كثيراً يريدون أن يدنوا من المدينة فخرج في ألف من المسلمين ومعه دليل من بني عذره.. يقال له مذكور2 فلما دنا منهم إذا هم مغربون3 فهجم على ماشيتهم ورعاتهم فأصاب من أصاب وهرب من هرب وجاء الخبر أهل دومة فتفرقوا ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بساحتهم فلم يجد فيها أحداً فأقام بها أياماً وبث السرايا وفرق الجيش

فلم يصب منهم أحداً فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وفي تلك الغزوة وادع عيينة بن حصن1 رغم أن ابن إسحاق قال: ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يصل إليها ولم يلق كيداً بها2. أما ابن الأثير فقد نفى غزو الرسول صلى الله عليه وسلم لدومة وأثبت ذلك لخالد فقط3. والجمع بين القولين هو قول ابن إسحاق: "رجع قبل أن يصل إليها، ولم يلق كيداً) ثم غزاها خالد - رضي الله عنه - وفتحتها عنوة". وفي شهر شعبان من السنة نفسها بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم أن الحارث بن أبي ضرار سيد بني المصطلق سار في قومه ومن قدر عليه من العرب يريدون حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث النبي صلى الله عليه وسلم بريدة4 بن الحصيب ليجس النبض فأتاهم ولقي الحارث وكلمه.

ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبرهم. فندب صلى الله عليه وسلم أصحابه فخرجوا مسرعين وانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المريسيع1 وهو ماء لهم فأصاب أموالهم وسبى نساءهم2. وهكذا فقد حاول المشركون والمنافقون على حد سواء أن ينالوا بدعاياتهم الخبيثة من المسلمين بعد أن عجزوا من النيل منهم في ساحات القتال. لقد حاول المشركون أن يؤثروا على معنويات المسلمين كي لا يطمئنوا إلى إرسال دعاتهم خارج المدينة وبذلك يجعلون الدعوة تنحصر في محيط ضيق لا يتسع لآمالها القريبة والبعيدة. فقد غدر بنو عضل والقارة بمعاونة هذيل بستة من الدعاة في الرجيع مع أنهم هم الذين طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم إرسال بعض دعاته إليهم ليعلموهم الإسلام. وغدر عامر بن الطفيل من بني عامر مع بعض

الأعراب بسبعين من دعاة الإسلام، وذلك في بئر معونة قبل نجد وقضى عليهم جميعاً إلا رجلاً1 واحداً عاد يحمل أخبار الكارثة2. فهل أثرت هذه الخسائر على معنويات المسلمين؟. إن استشهاد الدعاة لم يؤثر على معنويات النخبة المؤمنة لأنهم استمروا في إرسال دعاتهم وخرجوا لأخذ ثارات أولئك الدعاة حتى لا يعود المشركون إلى الغدر مرة أخرى. وتتابعت السرايا في كل ناحية حتى عاد للمسلمين عزهم وعادت هيبتهم في قلوب المجاورين وغيرهم. وحاول المنافقون التأثير كذلك على معنويات المسلمين بأسلوب آخر هو من الذلة والحقارة بمكان فاختلقوا حديث الإفك بعد غزوة بني المصطلق ولم ينجح هذا الأسلوب أيضاً بالتأثير على معنويات المؤمنين.

فلم يبق إذا أمام المشركين والمنافقين واليهود إلا أن يحشدوا كل طاقاتهم ويجمعوا كل قواتهم في صعيد واحد لمحاولة القضاء على الإسلام وأهله ماديا ومعنوياً كما سنرى ذلك في غزوة الخندق إن شاء الله تعالى1.

الباب الأول: أسباب الغزوة وتاريخها

الباب الأول: أسباب الغزوة وتاريخها الفصل الأول: سبب الغزوة ... الفصل الأول: سبب الغزوة يبدو أن أصحاب المغازي ومن جاء بعدهم من العلماء متفقون على أن سبب هذه الغزوة هو إجلاء يهود بني النضير من المدينة حيث إن الحسد والحقد قد تمكنا من قلوبهم مما جعلهم يضمرون العداء ويتحينون الفرص للتشفي ممن طردهم - وما طردهم إلا بسبب ما ارتكبوه ضد المسلمين - أو التحريش ضده وكانوا لا يستطيعون تنفيذ الأول وهو التشفي وحده، وهذا طبعهم الذي أخبر الله سبحانه وتعالى عنهم في أكثر من آية منها على سبيل المثال قولهم لنبيهم موسى عليه السلام: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} 1. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل بجلاء على جبنهم، وخبث نفوسهم، وعلى عدم طاعتهم لنبيهم بعكس أمة محمد صلى الله عليه وسلم حيث كان حسناً ما أجاب به الصحابة رضي الله عنهم يوم بدر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استشارهم في قتال كفار قريش حيث كان آخر ما قالوه "فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا

رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً إنا لصُبُر في الحرب صدق في اللقاء لعل الله أن يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله"1. كما رواه البخاري2 في كتاب التفسير. وعندما لم يستطع يهود خيبر - وخاصة بني النضير3 - مجابهة المسلمين لجأوا إلى الأسلوب الثاني وهو أسلوب المكر والتحريش فقد روى ابن إسحاق قال: حدثني يزيد بن رومان4 عن عروة ومن لا أتهم عن عبيد الله5بن

كعب بن مالك، ومحمد بن كعب1 القرظي2، والزهري، وعاصم3 بن عمر بن قتادة، وعبد الله بن أبي بكر4، وغيرهم من علمائنا، وبعضهم يحدث مالا يحدث بعض قالوا: "أنه كان من حديث الخندق5 أن نفراً من اليهود منهم سلام بن أبي

الحقيق النضري1، وحيي بن أخطب النضري2، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق3، وهوذة بن قيس الوائلي4، وأبو عمار5 الوائلي، في نفر من بني النضير، ونفر من بني وائل، وهم الذين حزبوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم". خرجوا حتى قدموا على قريش بمكة فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: "إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله" فقالت لهم قريش: "يا معشر يهود إنكم أهل الكتاب الأول، والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن

ومحمد أفديننا خير أم دينه؟ " قالوا بل دينكم خير من دينه، وأنتم أولى بالحق منه. فهم الذين أنزل الله فيهم {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً} 1. قال ابن إسحاق: "فلما قالوا ذلك لقريش سرهم ونشطوا لما دعوهم إليه من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاجتمعوا لذلك واتعدوا له. ثم خرج أولئك النفر من يهود حتى جاؤا غطفان2 فدعوهم إلى حرب النبي صلى الله عليه وسلم، وأنهم يكونون معهم عليه، وأن قريشاً قد تابعوهم على

ذلك، واجتمعوا معهم فيه1. وقد أورد الطبري2 هذا الأثر في تفسيره عن محمد بن حميد عن سلمة بن الفضل عن ابن إسحاق بهذا الإسناد". كما أورده ابن كثير3 عن ابن إسحاق أيضاً. وكذا ذكره جميع أصحاب المغازي والسير والتفاسير4. وقد نقل الحافظ5 هذا القول من مغازي موسى بن عقبة مما يؤيد ويقوي حديث الباب. وبالنظر إلى سند هذا الأثر: نجد أن رجاله كلهم ثقات، وأن الذي قال فيه ابن إسحاق (ومن لا أتهم) في قوله (عن عروة ومن لا أتهم) . لا يؤثر عدم تسميته لأنه مع عروة وعروة ثقة.

وهذا الإسناد ينتهي إلى هؤلاء التابعين وحكايتهم لشيء حصل في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه حذف للواسطة الذي شاهد ذلك وهو الصحابي ويحتمل أن يكون سقط قبل الصحابي تابعي فهو يعتبر منقطعاً1. ويظهر أن للقصة أصلاً، ولذلك أوردها المفسرون عند تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً} 2. فقد قال ابن كثير - رحمه الله -: "وقال ابن إسحاق حدثني محمد بن أبي عدي3، عن داود4، عن

عكرمة1 أو عن سعيد2 بن جبير عن ابن عباس3، قال: "كان الذين حزبوا الأحزاب من قريش وغطفان، وبني قريظة حيي بن أخطب، وسلام بن أبي الحقيق، وأبو رافع، والربيع بن أبي الحقيق، وأبو عامر، ووحوح بن عامر، وهوذة بن قيس. فأما وحوح وأبو عامر وهوذة فمن بني وائل4، وكان سائرهم من بني النضير5، فلما قدموا على قريش قالوا: هؤلاء أحبار يهود، وأهل العلم بالكتاب الأول فاسألوهم أدينكم خير أم دين محمد؟ فسألوهم فقالوا دينكم خير من دينه، وأنتم أهدى منه، وممن اتبعه فأنزل الله - عز وجل - {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ…} "6.

والحديث بهذا السند يعتبر حسنا لذاته والشك في قوله عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير لا يضر فكلاهما ثقتان. ومن طريق ابن إسحاق أخرجه كذلك الطبري1. قال عبد الرزاق2 عن الزهري في حديثه عن ابن المسيب مطولاً فيه: "وكان حيي بن أخطب استجاش المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم … الخ الحديث"3. ودرجة حديث عبد الرزاق: إسناده ضعيف لأن عبد الرزاق أخرجه عن ابن المسيب مرسلاً وبين عبد الرزاق والزهري راوٍ لم يذكر، ويحتمل أن يكون الذي بينهما (معمراً) ، لأن عبد الرزاق غالباً ما يأخذ عن معمر عن الزهري، علماً بأن مراسيل ابن المسيب أصح المراسيل، قد اتفق النقاد من المحدثين على ذلك.

والذي يظهر أن القصة مشهورة وممن ذكرها: ابن سعد، وابن القيم، وابن حجر قال ابن سعد: "مشيراً إلى جم غفير من العلماء الذي نقل عنهم شيخه الواقدي، قالوا: لما أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير ساروا إلى خيبر فخرج نفر من أشرافهم ووجوههم إلى مكة، فألبوا قريشاً، ودعوهم إلى الخروج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاهدوهم وجامعوهم على قتاله ووعدوهم لذلك موعداً ثم خرجوا من عندهم فأتوا غطفان وسُليماً ففارقوهم على مثل ذلك"1. وما ذكره ابن سعد يعتبر ضعيفاً لأنه من طريق الواقدي2 وهو متروك. قال ابن القيم - رحمه الله -: "وكان سبب غزوة الخندق أن اليهود لما رأوا انتصار المشركين على المسلمين يوم أُحد وعلموا بميعاد أبي سفيان لغزو المسلمين فخرج لذلك ثم رجع للعام المقبل فقد خرج أشراف اليهود إلى قريش بمكة يحرضونهم على

غزو رسول الله صلى الله عليه وسلم وحربه1. وكان القرشيون قد جربوها واكتووا بنارها فصاروا يتهيبونها ويزهدون فيها. فزينها الوفد اليهودي وهون أمرها وقالوا: إنا سنكون معكم حتى نستأصله". أما الحافظ فقال: "وذكر موسى بن عقبة2 في المغازي قال خرج حيي بن أخطب بعد قتل3 بني النضير إلى مكة يحرض قريشاً على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرج كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق يسعى في غطفان، ويحثهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لهم نصف ثمر خيبر فأجابه عيينة بن حصن الفزاري إلى ذلك وكتبوا إلى حلفائهم من بني أسد فأقبل إليهم طليحة بن خويلد بمن أطاعه، وخرج أبو سفيان بن حرب بقريش فنزلوا بمر الظهران فجاءهم من أجابهم من بني سليم مدداً لهم فصاروا في جمع عظيم فهم الذين سماهم الله - تعالى - الأحزاب"4.

وما ذكره الحافظ نقلاً عن موسى بن عقبة لا نستطيع الجزم بضعفه أو صحته لعدم اطلاعنا على مغازي موسى بن عقبة. ويتبين مما أوردناه من الآثار السابقة أن يهود بني النضير الذين أجلوا إلى خبير كانوا هم السبب المباشر في وقوع هذه الغزوة وقد ثبت ذلك بطرق تكون بمجموعها صالحة للاحتجاج بها. وهكذا نرى اتفاق علماء المغازي والسير، وغيرهم من المفسرين على أن سبب هذه الغزوة المباشر هو حقد اليهود، وأملهم في القضاء على الإسلام والمسلمين ليشفوا الغيظ الذي أحرق قلوبهم نتيجة طردهم (من حوالي المدينة1) رغم أن إجلاءهم كان نتيجة نقضهم للعهود وتلاعبهم بالمواثيق. لذلك قال أبو الحسن الندوي: وتمت الاتفاقية العسكرية والتي كان قريش وغطفان واليهود من أهم أعضائها واتفقوا على شروط من أهمها: 1- أن تشارك غطفان في جيش الاتحاد بأكبر عدد ممكن. 2- أن يدفع اليهود لقبائل غطفان كل تمر خيبر لسنة كاملة.

وأسندت قيادة الجيش لأبي سفيان بن حرب1. وقد شذ صاحب العقد الثمين2 فقال: وكان المشركون عشرة آلاف عليهم الحارث بن عوف النضري3.

_ 1 السيرة النبوية للندوي 198. 2 وهو الإمام محمد بن أحمد الحسني المكي ت 832هـ. 3 لعله يريد الحارث بن عوف المري زعيم بن مرة ولكنه مخالف لما ذكره أهل المغازي.

الفصل الثاني: تاريخ الغزوة

الفصل الثاني: تاريخ الغزوة أما بالنسبة لتحديد زمن هذه الغزوة فقد اختلف العلماء في ذلك وانحصرت أقوالهم فيها فيما بين السنة الرابعة والخامسة للهجرة النبوية الشريفة، وقد شذ اليعقوبي1 فقال: إنها كانت في السنة السادسة بعد مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة وخمسين شهراً2. وهذا التحديد يبدو أنه خطأ بدليل التفصيل بعده بالأشهر ولأن الخمسة والخمسين شهراً تأتي أقل من خمس سنوات فلينظر. وسأذكر فيما يلي رأي كل فريق مع أدلته وترجيح ما يظهر بالدليل بعد المناقشة والتحليل حسب الإمكان: أ- القائلون بأنها كانت سنة أربع:

الزهري ثم تابعه موسى بن عقبة صاحب المغازي قال ابن كثير1: "وقد روى موسى بن عقبة عن الزهري أنه قال: ثم كانت وقعة الأحزاب في شوال سنة أربع، وكذلك قال الإمام مالك بن أنس فيما رواه أحمد بن حنبل عن موسى2 بن داود عنه"3. وقد ذكر البخاري رأي موسى بن عقبة في صحيحه فقال: "قال موسى بن عقبة: كانت في شوال سنة أربع" هكذا رواه تعليقاً وبه قال4 أثبت ذلك الحافظ حيث قال: "ومال المصنف إلى قول موسى بن عقبة5

وقد تابع هؤلاء في ذلك ابن قتيبة1 والفسوي2 وابن حزم3 والنووي4 وابن خلدون"5.

كما قال به النسفي1. أمّا خليفة2 بن خياط فلم توجد الغزوة في تاريخه3 ويبدو أنها سقطت منه4. وذكر ابن العربي5 أن ابن وهب6 وابن القاسم7 قالا بذلك8 ولذلك قال ابن حزم:

"والثابت أنها في الرابعة بلا شك مستدلاً بحديث ابن عمر الآتي. ثم عقب قائلاً فصح أنه لم يكن بينهما - أي بين أحد والخندق - إلا سنة واحدة فقط"1. والقائلون بأنها كانت سنة أربع جميعهم يستدلون بحديث ابن عمر وهذا سياقه. قال البخاري رحمه الله: "حدثنا يعقوب بن إبراهيم2 حدثنا يحيى بن سعيد3 عن عبيد الله4 قال أخبرني نافع5 عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم عرضه يوم

أحد وهو ابن أربع عشرة فلم يجزه وعرضه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه"1. الحديث رواه أيضا مسلم2 وأبو داود3 والترمذي4 والنسائي5 وابن ماجه6 وأحمد7 وأبو عوانه8 والبيهقي9. هذا الحديث مخرج في الصحيحين كما هو مبين وفي غيرهما من كتب السنة وقد أورده القائلون بأن هذه الغزوة كانت سنة أربع دليلاً لهم.

والزهري من القائلين بهذا القول وقد مر أن موسى بن عقبة روى عنه أنه قال: ثم كانت وقعة الأحزاب في شوال سنة أربع1. ومع ذلك فقد صرح في موضع آخر بأن الخندق بعد أحد بسنتين2 وأحد كانت في السنة الثالثة3 وهو قول الجمهور. ب - القائلون بأن هذه الغزوة كانت في شوال سنة خمس: أما الذين قالوا بأنها كانت سنة خمس فهم كثيرون وهم الجمهور كما قال ابن كثير4. ويتقدمهم أمام أهل المغازي ابن إسحاق وعروة ابن الزبير وقتادة5 والبيهقي6 وغير واحد من العلماء سلفاً وخلفاً7.

وممن قال به أيضا الواقدي وكاتبه ابن سعد1 لكنهما قالا: "إنها كانت في ذي القعدة وتابعهما في ذلك المقريزي"2. حيث قال: "وكان من خبرها أن رسول صلى الله عليه وسلم عسكر يوم الثلاثاء لثمان مضت من ذي القعدة سنة خمس"3. أما ابن هشام4 فقد قال: "بأنها كانت في شوال وفي سنة خمس متابعاً في ذلك ابن إسحاق"5.

وقال به أيضاً البلاذري1 والطبري2 والمسعودي3 وابن عبد البر4 والخطيب5.

وممن قال بهذا القول أيضا السهيلي1 وابن الأثير2 والنويري3 حيث حكاه عن ابن إسحاق وممن قال به من المشاهير ابن كثير4 والسمهودي5.

وممن قال به من المعاصرين محمد محمد أبو شهبه1، وعماد الدين خليل2، ومصطفى السباعي3. وهكذا يتبين أن الكثرة الكاثرة هم القائلون بأنها كانت سنة خمس. قال الذهبي4: "وهو المقطوع به"، وقال ابن القيم5: "وهو الأصح"، وقال الحافظ6: "وهو المعتمد حكى ذلك كله القسطلاني7. وقد أجابوا عن

حديث عرض ابن عمر المتقدم مؤلين له وقالوا: "يحتمل أنه عرض في أحد في أول الرابعة عشرة، ويوم الأحزاب في أواخر الخامسة عشرة، وهذا هو جواب البيهقي"1. وعقب ابن كثير2 على قول ابن حزم المتقدم، والثابت أنها في الرابعة بلا شك بقوله: "هذا الحديث مخرج في الصحيحين، وليس يدل على ما ادعاه ابن حزم، لأن مناط إجازة الحرب كان عنده صلى الله عليه وسلم خمس عشرة سنة، فكان لا يجيز من لم يبلغها، ومن بلغها أجازه. فلما كان ابن عمر يوم أحد ممن لم يبلغها لم يجزه. ولما كان قد بلغها يوم الخندق أجازه. وليس ينفي هذا أن يكون قد زاد عليها بسنة أو سنتين أو ثلاث أو أكثر من ذلك فكأنه قال: وعرضت عليه يوم الخندق، وأنا بالغ أو من أبناء الحرب.

وقال البيهقي: "ولا اختلاف بينهم في الحقيقة لأن مرادهم أن ذلك بعد مضي أربع سنين وقبل استكمال خمس"1. وقد أورد ابن حجر هذا الجواب عن البيهقي ومفاده:"بأن قول ابن عمر "عرضت يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة" أي دخلت فيها، وأن قوله عرضت يوم الخندق، وأنا ابن خمس عشرة، أي تجاوزتها فألغى الكسر في الأولى، وجبره في الثانية، وهو شائع مسموع في كلامهم. وبه يرتفع الإشكال المذكور، وهو أولى من الترجيح"2. وقد روى الطبراني3 بسنده عن ابن إسحاق أثراً يعتبر شاهداً لأصحاب هذا الرأي حيث قال:

حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي1 ثنا محمد بن محمد بن عبد الله ابن نمير2 ثنا يونس بن بكير3 عن محمد بن إسحاق قال: "لما كانت4 1 محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي الحافظ مطّين بفتح المثناة التحتية. قال صاحب المغني هو لقب أبي جعفر محمد بن عبد الله قال وبكسرها (المثناة) لقب عبد الله بن محمد. قال الحافظ: "هو محدث الكوفة، وقد وثقه الناس". قال الذهبي سئل عنه الدارقطني فقال: "ثقة جبل". قال: "وبكل حال فمطين ثقة مطلقاً. ولد 202هـ، وتوفي عام 297هـ". انظر: لسان الميزان 5/233- 234، تذكرة الحفاظ 2/662، المغني في أسماء الرجال 72. 2 محمد بن عبد الله بن نمير الهمذاني بسكون الميم الكوفي أبو عبد الرحمن، ثقة حافظ، فاضل من العاشرة. مات سنة أربع وثلاثين أي 234هـ. وروى له (ع) . التقريب 306. 3 يونس بن بكير بن واصل الشيباني أبو بكر الحمال الكوفي، صدوق يخطئ من التاسعة. مات سنة 199. روى له (خت م ت ق) . قال الذهبي هو حسن الحديث. التقريب 390، ميزان الاعتدال 4/478.

الخندق في شوال سنة خمس وفيها مات سعد بن معاذ -رضي الله عنه-. وهذا الأثر يعتبر على ضوء هذا السند حسناً إلى ابن إسحاق منقطعاً بعده والله أعلم. وكذا أورد هذا الأثر البيهقي حيث قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ1 حدثنا أبو العباس2 محمد بن يعقوب حدثنا أحمد بن عبد الجبار3 العطاردي حدثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق به 4.

كما أورده الهيثمي1 عن ابن إسحاق، وقال رواه الطبراني ورجاله ثقات. وقال الحافظ: "ويؤيد قول ابن إسحاق أن أبا سفيان قال للمسلمين لما رجع من أحد: موعدكم العام المقبل ببدر فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من السنة المقبلة إلى بدر فتأخر مجيء أبي سفيان تلك السنة للجدب الذي كان حينئذ، وقال لقومه إنما يصلح الغزو في سنة الخصب فرجعوا بعد أن وصلوا عسفان أو دونها". ذكر ذلك ابن إسحاق وغيره من أهل المغازي. وعقب2 على ذلك بقوله: "وقد بين البيهقي سبب هذا الاختلاف، وهو أن جماعة من السلف كانوا يعدون التاريخ من المحرم الذي وقع بعد الهجرة ويلقون الأشهر التي قبل ذلك إلى ربيع الأول، وعلى ذلك جرى يعقوب بن سفيان في تاريخه فذكر أن غزوة بدر الكبرى كانت في السنة الأولى، وأن غزوة أحد كانت في السنة الثانية، وأن الخندق كانت في الرابعة، وهذا عمل صحيح على ذلك البناء، ثم قال: ولكنه بناء واهٍ مخالف

لما عليه الجمهور من جعل التاريخ من المحرم سنة الهجرة، وعلى ذلك تكون بدر في الثانية، وأحد في الثالثة، والخندق في الخامسة وهو المعتمد"1. أما ابن العربي فقد قال: "إن الخندق بعد مضي أربع سنين وعشرة أشهر وخمسة أيام من الهجرة"2، وهذا موافق لأصحاب الرأي القائل بأنها كانت في الخامسة، وموافق لابن سعد حيث قال بأنها كانت في الخامسة، وفي شهر ذي القعدة، وذلك بناءً على التاريخ من بداية المحرم. وأخيراً نعرج على كلام البيهقي لنراه يقول: قلت: "لا اختلاف بينهم في الحقيقة، وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل يوم بدر لسنة ونصف من مقدمه المدينة في شهر رمضان ثم قاتل يوم أحد من السنة القابلة لسنتين ونصف من مقدمه المدينة في شوال، ثم قاتل يوم الخندق بعد أحد بسنتين على رأس أربع سنين ونصف من مقدمه المدينة

فمن قال سنة أربع أراد أربع سنين، وقبل بلوغ الخمس، ومن قال سنة خمس أراد بعد الدخول في السنة الخامسة، وقبل انقضائها"1 والله أعلم. هذا نص كلام البيهقي وهو توجيه حسن أخذ به كثير من العلماء لفك الإشكال، أما ابن سيد الناس2 فقد نقل كلا القولين، ولم يرجح أحدهما على الآخر3. الخلاصة: استعرضنا أدلة الفريقين، وتبين من ذلك أن الحق مع القائلين بوقوع هذه الغزوة في سنة خمس لما يأتي: 1- احتمال حديث ابن عمر لتأويلهم. 2- اطباق أهل المغازي والسير والمؤرخين والعلماء من بعدهم على هذا الرأي.

3- ما ذكر من مواعدة قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أحد -بدر الموعد- يجعل ذلك واضحاً ومواعدة قريش لملاقاته صلى الله عليه وسلم ساقها ابن حجر كاملة1، وقد بين -رحمه الله- في المقدمة2 أن ما يورده في كتابه منتزعاً من أمهات المسانيد، والجوامع والمستخرجات، والأجزاء، والفوائد بشرط الصحة أو الحسن.

_ 1 فتح الباري 7/393. 2 هدي الساري 4.

الباب الثاني: الدوافع والأسباب التي دعت إلى تكتل الأحزاب

الباب الثاني: الدوافع والأسباب التي دعت إلى تكتل الأحزاب الفصل الأول: دور اليهود في هذه الغزوة المبحث الأول: الحقد اليهودي على البشرية منذ القدم ... المبحث الأول: الحقد اليهودي على البشرية منذ القدم. إن الحقد الذي تمكن في قلوب اليهود على البشرية عامة وعلى المؤمنين خاصة قديم يرافق هذا الحقد عناد وصلف وكبرياء. وذلك لأنهم يعتقدون أنهم أهل السيادة في الأرض حيث قالوا إنهم أبناء الله وأحباؤه وذلك في قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} 1 الآية. قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: "قالوا: أي: نحن منتسبون إلى أنبيائه وهم بنوه وله بهم عناية وهو يحبنا. ونقلوا عن كتابهم ما يوافق هدفهم وحرفوه2. ونجد أكبر شاهد على حقدهم وكراهيتهم للمؤمنين قوله تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} " 3 الآية.

أما كراهتهم للعرب خاصة فهو واضح بالقرآن والسنة ذلك أن القرآن حكى لنا أنهم يستبيحون أكل أموال العرب وليس عليهم سبيل في ذلك بدليل قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} 1 الآية. قال ابن كثير رحمه الله عند تفسير هذه الآية أي: "إنما حملهم على جحود الحق أنهم يقولون ليس علينا في ديننا حرج في أكل أموال الأميين وهم العرب فإن الله قد أحلها لنا. أقول: ولكن الله سبحانه وتعالى كفانا شرهم والمجادلة معهم عند ادعائهم هذا وذلك بتمام الآية السابقة حيث قال {وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُون َ} " 2. قال ابن كثير: "أي: وقد اختلقوا هذه المقالة وائتفكوها بهذه الضلالة. فإن الله قد حرم عليهم أكل الأموال إلا بحقها وإنما هم قوم بهت3. ومع هذا فإننا إذا أردنا أن نتعرض لحقدهم وغرورهم الذي وضحه القرآن لطال بنا البحث ولكن أردنا التنويه بخبثهم ودسهم وعدم انصياعهم مع أنه واضح للعيان".

فهذه أم المؤمنين صفية1 بنت حيي بن أخطب تقول عن أبيها وعمها عندما جاء الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة يحمل النور معه. وكان أهل الكتاب يعرفون علامات مبعثه وصفاته ولكن العمى عمى القلب فهذا حيي بن أخطب وهو القطب الدوار والخصم الألد الذي حرك أعداء هذا الدين لهذه الغزوة وأثار كوامن2 قريش وألبهم ضد المسلمين وضد حامل هذه الرسالة الصافية صلوات الله وسلام عليه. تحدث أم المؤمنين فتقول فيما رواه ابن إسحاق: قال حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال حُدثت عن صفية بنت حيي بن أخطب أنها قالت: " كنت أحب ولد أبي إليه وإلى عمي أبي ياسر لم ألقهما قط مع ولد لهما إلا أخذاني دونه".

قالت: "فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ونزل قباء1 في بني عمرو بن عوف قالت غدا2 عليه أبي حيي بن أخطب3 وعمي أبو ياسر4 مغلسين5

قالت فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس". قالت: "فأتيا كالين1 كسلانين ساقطين يمشيان الهوينى. قالت: فهششت2 إليهما كما كنت أصنع فوالله ما ألتفت إلي واحد منهما مع ما بهما من الغم. قالت: وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي حيي بن أخطب أهو هو قال: نعم والله قال: أتعرفه وتثبته؟ قال: نعم قال: فما في نفسك منه؟ قال عداوته والله ما بقيت"3. والحديث بهذا الإسناد - منقطع - لأن عبد الله بن أبي بكر بن حزم روى عن مجهول - الواسطة بينه وبين صفية -. والحديث وإن كان منقطعاً فالآيات والواقع الملموس من هذه الطائفة تؤيده وقد دل كتاب الله على معنى هذا الحديث في أكثر من آية منها علي سبيل المثال قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا

يَشْتَرُونَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 1. قال ابن كثير: "هذا توبيخ من الله وتهديد لأهل الكتاب الذين أخذ الله عليهم العهد على ألسنة الأنبياء أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وأن ينوهوا بذكره في الناس فيكونوا على أهبة من أمره فإذا أرسله الله تابعوه، فكتموا ذلك وتعوضوا - بتشديد الواو التي بعد العين - عما وعدوا عليه من الخير في الدنيا والآخرة بالدون2 الطفيف والخط الدنيوي السخيف فبئست الصفقة صفقتهم وبئست البيعة بيعتهم"3. وقال الطبري عند تفسير هذه الآية: "واذكر أيضا من هؤلاء اليهود وغيرهم من أهل الكتاب منهم يامحمد إذ أخذ الله ميثاقهم ليبين للناس أمرك الذي أخذ ميثاقهم على بيانه للناس في كتابهم الذي في أيديهم وهو التوراة والإنجيل وأنك لله رسول مرسل بالحق ولا يكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم. يقول: فتركوا أمر الله وضيعوه

ونقضوا ميثاقه الذي أخذ عليهم بذلك فكتموا أمرك وكذبوا بك واشتروا به ثمناً قليلاً". يقول: "وابتاعوا بكتابهم ما أخذ عليهم الميثاق أن لا يكتموه من أمر نبوتك عوضاً منه خسيساً قليلاً من عوض الدنيا ثم ذم جل ثناؤه شراءهم ما اشتروا به من ذلك فقال: {فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} "1. ثم أورد الطبري - رحمه الله - حديثاً يؤيد ما سبق. حيث قال: حدثنا بشر2 قال حدثنا يزيد3 قال حدثنا سعيد4 عن قتادة5 ذكر لنا أن أعداء الله اليهود يهود خيبر6 أتوا نبي الله صلى الله عليه وسلم فزعموا أنهم راضون

بالذي جاء به وأنهم متابعوه وهم متمسكون بضلالتهم وأرادوا أن يحمدهم نبي الله صلى الله عليه وسلم بما لم يفعلوا فأنزل الله سبحانه وتعالى قوله: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 1 الآية. والحديث بهذا السند إلى قتادة حسن ولم يسم قتادة من ذكر له ذلك. ومن الجدير بالإشارة أن اليهود يحقدون أشد الحقد على النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يعرفوه حتى أنهم عندما ما سمعوا أوصافه قال بعضهم لبعض: اقتلوه ويشهد لذلك ما رواه ابن سعد من سند منقطع من أعلاه حيث قال: أخبرنا عمرو بن عاصم2 الكلابي أخبرنا همام3 بن يحي عن إسحاق4 بن عبد الله أن أم5 النبي صلى الله عليه وسلم لما دفعته إلى

السعدية1 التي أرضعته قالت لها احفظي ابني وأخبرتها بما رأت فمر بها اليهود فقالت إلا تحدثوني عن ابني هذا؟ فإني حملته كذا ووضعته كذا ورأيت كذا وصفت أمه قالت فقال بعضهم لبعض: "اقتلوه فقالوا: أيتيم هو؟ فقالت: لا هذا أبوه وأنا أمه فقالوا: لو كان يتيماً لقتلناه"2 أ. هـ وليس ذلك بمستبعد عن قوم وصفهم الله في كتابه بأنهم يقتلون أنبياءهم. مما سبق من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة يتضح بعض الأدلة التي جاءت مبينة لما يعرف به اليهود على مدى الأزمان من حقد دفين وعداوة ظاهرة للأمة الإسلامية ونبيها المصطفى صلى الله عليه وسلم. ذلك الحقد الذي أعمى قلوبهم وأحرقها وشتت شملهم في الدنيا حيث نفاهم صلى الله عليه وسلم من المدينة وذلك بقوة الله التي تسانده حيث أخبر تعالى

عن ذلك فقال: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} 1. ويجدر بنا ونحن بصدد الحديث عن حقدهم ودسائسهم أن نبين طوائف اليهود الذين تمركزوا في المدينة منذ زمن طويل وهذه الطوائف هي: بنو قينقاع وبنو النضير، وبنو قريظة وكل طائفة من هذه الطوائف كان لها موقف مع النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكانت كلها مواقف تنضح بالحقد والكراهية. وكان من موقف بني قينقاع كما قال الحافظ2 ما روى ابن إسحاق بإسناد حسن عن ابن عباس قال: لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً يوم بدر جمع يهود بني قينقاع في سوقهم فقال: يايهود أسلموا قبل أن يصيبكم ما أصاب قريشاً يوم بدر.

فقالوا: إنهم كانوا لا يعرفون القتال ولو قاتلناك لتعلمن أنا نحن الناس1. فأنزل الله عز وجل: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ … إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الْأَبْصَارِ} الآيتان2. وهكذا يظهر أن أول من نقض العهد من اليهود هم بنو قينقاع3. قال ابن هشام: "وذكر عبد الله بن جعفر بن المسور4 بن مخرمة عن أبي عون5 قال كان من أمر بني فينقاع أن امرأة من العرب قدمت بجلب6 لها فباعته بسوق بني قنيقاع وجلست إلى صائغ بها فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فأبت فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها فلما قامت

انكشفت سوءتها فضحكوا بها فصاحت فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وكان يهودياً وشدت اليهود على المسلم فقتلوه. فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود فغضب المسلمون فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع"1 وأثر ابن هشام فيه انقطاع من أسفله ومن أعلاه. قال ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال: "فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه" وكان ذلك في شوال بعد وقعة بدر وأراد قتلهم فاستوهبهم منه كبير المنافقين2. وكانوا حلفاءه فوهبهم له وأخرجهم من المدينة إلى أذرعات3. قال ابن حزم: "وهم قوم عبد الله بن سلام4 - مخفف - وكانوا في طرف المدينة5 وكانوا سبعمائة مقاتل"6.

ثم نقض العهد بعد ذلك بنو النضير وكان رئيسهم حيي بن أخطب والمشهور في كتب السيرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهض بنفسه إلى بني النضير مستعيناً بهم في دية القتيلين الذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري1 الذي نجا من حادثة بئر معونة. فلما كلمهم صلى الله عليه وسلم قالوا: "نعم فقعد رسول صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر وعمر وعلي ونفر من أصحابه إلى جدار من جدرهم" فاجتمع بنو النضير وقالوا: "من رجل يصعد على ظهر البيت فيلقي صخرة على محمد فيقتله فيريحنا منه. فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب فأوحى الله تعالى بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام ولم يشعر بذلك أحد من أصحابه ممن كانوا معه فلما استلبثه أصحابه رضي الله عنهم قاموا فرجعوا إلى المدينة واتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرهم بما أوحى الله تعالى إليه بما أرادته اليهود وأمر أصحابه بالتهيؤ لحربهم"2.

لكن ابن حجر أورد غير هذا حيث قال: وروى ابن مردويه1 قصة بني النضير بإسناد صحيح إلى معمر2 عن الزهري أخبرني عبد الله3 بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كتب كفار قريش إلى عبد الله بن أبي وغيره ممن يعبد الأوثان قبل بدر يهددونهم بإيوائهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى أن قال: فلما كانت غزوة بدر كتبت كفار قريش بعدها إلى اليهود إنكم أهل الحلقة والحصون يتهددونهم4 فأجمع بنو النضير على الغدر فأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخرج إلينا في ثلاثة من أصحابك5 ويلقاك ثلاثة من علمائنا فإن آمنوا بك اتبعناك

ففعل فاشتمل اليهود الثلاثة على الخناجر فأرسلت امرأة من بني النضير إلى أخ لها من الأنصار مسلم تخبره بأمر بني النضير فأخبر أخوها النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يصل إليهم قال ابن حجر: فهذا أقوى مما ذكر ابن إسحاق من أن سبب غزوة بني النضير طلبه صلى الله عليه وسلم أن يعينوه في دية الرجلين لكن وافق ابن إسحاق جل أهل المغازي فالله أعلم"1. أما بنو قريظة فكان سبب محاصرتهم وقتلهم ما وقع منهم من نقض عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومما لأتهم2 لقريش وغطفان ومطاوعتهم لعدو الله وعدو رسوله حيي بن أخطب حتى أنه لم يزل بسيدهم كعب بن أسد يفتله في الذروة والغارب3 حتى نقض عهده وأخلف وعده4. وكان مصير هذه الطائفة أن نزلت على حكم الصحابي الجليل سعد بن معاذ وكانوا حلفاءه ومواليه فحكم فيهم أن يقتل رجالهم ويسبى نساؤهم وذراريهم وتقسم أموالهم5 فقال صلى الله عليه وسلم: "قضيت بحكم الله"6.

أما يهود خيبر فقد نقضوا العهد وخرج إليهم صلى الله عليه وسلم في بقية المحرم سنة سبع وحاصرهم حتى فتحها وغنم ما فيها1. بعد أن رأينا طباع اليهود وأن ديدنهم الحقد والعداوة للإسلام والمسلمين مهما كلفهم ذلك وأنهم لا زالوا ولن يزالوا يكيدون للمسلمين ويقتلونهم متى سنحت الفرصة لهم فهم مهما اضطهدوا فعندما يفيقون يكون أول عمل لهم هو ضد المسلمين فقط. ولا أدل على ذلك أن يهود أسبانيا عندما طردهم فرديناد ملك أسبانيا أنقذ السلطان بيازيد الثاني يهود أسبانيا من إبادة محققة وقدمت لهم الحكومة العثمانية جميع الحقوق وأصبحوا في حالة مرضية للغاية فما عليهم إلا أن يدفعوا الجزية ويعيشوا في أمن واطمئنان. على الرغم من كل ما قدمته الحكومة العثمانية وولاتها فقد توجه اليهودي دافيد روبيني عام 505هـ إلى البابا كليمنت السابع وعرض عليه مشروع محالفة عسكرية مسيحية يهودية ضد المسلمين تقضي بما يلي: (1) إنهاء العداء القائم بين المسيحيين واليهود على حساب المسلمين.

(2) تعاون جيوش أوروبا مع جموع الشعب اليهودي الذين يقيمون داخل الدولة العثمانية للانقضاض عليها من الداخل وغزوها من الخارج واحتلال أرضيها. (3) تتولى الدولة المسيحية تزويد اليهود الذين يقيمون داخل الدولة الإسلامية بالأسلحة التي تساعدهم في الانقضاض على المسلمين1. هذه هي أخلاق اليهود من قديم الزمان ولازالت هي أخلاقهم حتى يرث الله الأرض ومن عليها. وأخيراً: قال الأستاذ محمد عزة دروزة: "ولليهود في العهد المدني شأن كبير متعدد النواحي لأنهم أول من اصطدم مع النبي صلى الله عليه وسلم ولقد شغلوا في القرآن المدني حيزاً واسعاً منذ بدء تنزيله" ثم قال: "ولعل من الدلائل على أنهم أول من اصطدم مع النبي ما جاء في الآيات الأولى من البقرة التي هي أول السور المدنية في ترتيب النزول فقد جاء في أولها: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} " 2.

فقد قال جمهور المفسرين: "إن شياطينهم هم اليهود ويدل هذا بوضوح على أن اليهود هم الذين أغروا المنافقين بالنفاق وشجعوهم في مواقف الخداع"1.

_ 1 سيرة الرسول 2/121.

المبحث الثاني: الوفد اليهودي المحرض

المبحث الثاني: الوفد اليهودي المحرض لما نفدت حيل اليهود وأصبح مكرهم مكشوفاً وعجزهم واضحاً لجأوا إلى كفار قريش -ليدللوا بذلك على جبنهم وذلهم- لجأوا محرضين كفار قريش ليشنوا حرباً عامة على المسلمين في المدينة {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} 1. وقد أعطوا العهود والمواثيق لكفار قريش أنهم سيكونون معهم محاولين بذلك تغطية الذلة والجبن الذي هو من أخلاقهم دائماً وأبداً. تكون الوفد من بني النضير ومن بني وائل، وحيكت المؤامرة في خيبر وانطلق بعدها الوفد يضم: سلام بن أبي الحقيق النضري - أبا رافع - وحيي بن أخطب النضري وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق النضري. ومن بني وائل هوذة بن قيس الوائلي، وأبو عامر الوائلي، ووحوح بن عامر الوائلي كل هؤلاء توجهوا إلى مكة يرأسهم حيي بن أخطب الذي أعمى قلبه الحقد والحسد، وكان أهل مكة ينتظرون بفارغ الصبر من يشد من عزمهم ويساعدهم على حرب محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم.

سار الوفد حتى وصل مكة فسألهم أهلها: من أهدى أنحن أم محمد؟ وبينوا لهم صفة الطرفين قريش، ومحمد صلى الله عليه وسلم، وكانت صفة محمد التي عيب بها هي: أنه كان يعيب آلهتهم وينفرهم من عبادتها، ويدعوهم إلى عبادة الواحد القهار. فكان رد أولئك اليهود في صالح الكفار ولكن كان الفشل حليفهم حيث رد عليهم القرآن وذلك بقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً} 1. ثم ما لبثوا أن فاتحوهم في الموضوع الذي جاءوا من أجله فسر كفار قريش بذلك أكثر وأكثر ونشطوا له فاجتمعوا لذلك واتعدوا له. ثم خرج أولئك النفر من يهود حتى جاءوا غطفان من قيس عيلان فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قيل إنهم أعطوهم تمر خيبر سنة كاملة مقابل ذلك وأخبروهم أنهم سيكونون معهم ضده. وأن قريشاً قد تابعوهم على ذلك فاجتمعوا فيه وأجابوهم. وقد تقدم ذكر ذلك في حديث ابن إسحاق2 المتقدم. أما ابن سعد فقال: مشيراً إلى جم غفير من العلماء الذين نقل عنهم الواقدي قالوا: "لما

أجلى رسول صلى الله عليه وسلم، بني النضير ساروا إلى خيبر فخرج نفر من أشرافهم ووجوههم إلى مكة فألبوا قريشاً ودعوهم إلى الخروج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعاهدوهم وجامعوهم على قتاله ووعدوهم لذلك موعداً. ثم خرجوا من عندهم فأتوا غطفان وسليماً ففارقوهم على مثل ذلك"1. أما الحافظ فقد نقل ذلك من مغازي موسى بن عقبة وقال: "خرج حيي بن أخطب بعد قتل2 بني النضير إلى مكة يحرض قريشاً على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرج كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق يسعى في غطفان ويحضهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنهم نصف تمر خيبر فأجابه عيينة بن حصن الفزاري إلى ذلك"3 … الخ. أما ابن جرير4 فقد ساق القصة بسنده إلى ابن إسحاق وفيها بين مدللاً بذلك على ذهاب أولئك اليهود إلى كفار قريش وإلى غطفان وتحريضهم على حرب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم. وقد أورد الخبر نفسه في تفسير سورة النساء عند قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ

كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً} 1. عن ابن عباس رضي الله عنهما2. وقد أورده ابن هشام3 عن يزيد بن رومان. وكلها آثار مقطوعة لكنها تتقوي بما جاء في ذلك من شواهد والقرآن يؤيد ذلك بوضوح. إضافة إلى ذلك فقد ذكر القرطبي عند تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً} 4. قال: يعني غزوة الأحزاب، وبني قريظة وكان سببها:- أن نفراً من اليهود منهم. كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، وسلام بن أبي الحقيق، وسلام بن مشكم5، وحيي بن أخطب النضريون، وهوذة بن قيس، وأبو عامر من بني وائل، وكلهم يهود6 هم الذين حزبوا الأحزاب وألبوا وجمعوا

وخرجوا في نفر من بني النضير، ونفر من بني وائل فأتوا مكة فدعوا إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وواعدوهم من أنفسهم بعون من انتدب إلى ذلك فأجابهم أهل مكة إلى ذلك ثم خرج اليهود المذكورون إلى غطفان فدعوهم إلى مثل ذلك فأجابوهم1. أما صاحب السيرة الحلبية فقال:" وسببها لما وقع إجلاء بني النضير من أماكنهم سار منهم جمع من كبرائهم منهم: سيدهم حيي بن أخطب أبو صفية أم المؤمنين رضي الله عنها، وعظيمهم سلام بن مشكم ورئيسهم كنانة بن أبي الحقيق، وهوذة بن قيس، وأبو عامر الفاسق إلى أن قدموا مكة على قريش يدعونهم ويحرضونهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم". وقالوا: "إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله أي ونكون معكم على عداوته فقال أبو سفيان: مرحباً وأهلاً وأحب الناس إلينا من أعاننا على عداوة محمد"2.

وهكذا نرى أن أصحاب السير قد أطبقوا على ذكر هذا السبب وعلى ذكر هذا الوفد إلا أن بعضهم يذكر اسماً لم يذكره الآخر وبعضهم قد يذكر الكنية ولا يذكر الاسم، وقد يحصل في ذلك لبس، وتفادياً لذلك اللبس جئت بأقوال أهل السير والمغازي ليتبين الأمر ويتضح المراد ويبدو من استعراض كلام الحلبي أنه ذكر رئيس زعماء الوفد وفرق بين زعيمهم وسيدهم وعظيمهم وفي دلائل النبوة للبيهقي طرف من هذا1. مما سبق يظهر بوضوح أن هذا الوفد قد تكون في خيبر فعلاً وكان اليهود هم المتزعمين لذلك الموقف المخزي، وهو موقف لا يستغرب منهم فتاريخهم مليء بالكيد والدسائس لغيرهم عموماً ولأهل الإسلام خصوصاً. إلا أن الغريب2 وجود بني وائل في هذا الوفد، ولعل سبب تمالؤهم مع اليهود يرجع إلى أن اليهود لما جاءوا إلى خيبر، وكان بنو وائل يسكنونها قبلهم وجاء اليهود ومعهم الأموال وأخذوا في تنميتها وسيطروا بواسطة تلك الأموال على أولئك الضعفاء فأغروهم بذلك وأخرجوهم معهم ولعلهم ضغطوا عليهم بذلك.

_ 1 دلائل النبوة 3/428. 2 ذلك لأن القرطبي قال في الجامع لأحكام القرآن 14/128. قال بعد أن ذكر الوفد (وكلهم يهود) فلعلهم كانوا قبل ظهور دعوة الإسلام معتنقين دين اليهود فصاروا منهم ولم أجد من ذكرهم في اليهود غيره والله أعلم.

المبحث الثالث: القبائل التي أغراها اليهود على قتال المسلمين

المبحث الثالث: القبائل التي أغراها اليهود على قتال المسلمين إن القبائل التي قام اليهود بزيارتها وإغرائها على قتال المسلمين كانت من أشهر قبائل العرب وأقواها يتمثل ذلك في قريش وغطفان. أما غير هاتين القبيلتين فكان تابعاً لهما. لذلك قال ابن إسحاق: ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق أقبلت قريش1 حتى نزلت بمجتمع الأسيال من رومة بين الجرف والغابة في عشرة آلاف من أحابيشهم2 ومن تبعهم من

بني كنانة1، وأهل تهامة2، وأقبلت غطفان ومن تبعهم من أهل نجد حتى نزلوا بذنب نقمي إلى جانب أحد3.. الخ. وقد أورد الطبري خبراً من طريق ابن إسحاق باللفظ نفسه 4 إلا أنه مرسل ثم أورد خبراً آخر وفيه قال: حدثني محمد بن عمرو5 قال حدثنا أبو عاصم6 قال حدثنا عيسى7

وحدثني الحارث1 قال حدثنا الحسن2 قال حدثنا ورقاء3 جميعاً4 عن ابن أبي نجيح5 عن مجاهد6 في قوله تعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ} قال عيينة بن بدر في أهل نجد {وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} قال أبو سفيان قال وواجهتهم قريظة7

أما السيوطي فقال: "المراد بالأحزاب القبائل التي أغراها زعماء اليهود الذين خرجوا يؤلبونهم1 على القتال وهم: قريش وغطفان2 وبنو سليم3 وبنو أسد4 وفزارة5 وأشجع"6

وبنو مرة1 حتى كان عدة من وافى الخندق من المشركين نحواً من عشرة آلاف2. وفي الدر المنثور قال: "أخرج الفريابي3، وابن أبي شيبة4، وابن المنذر5، وابن أبي حاتم6 عن مجاهد به".

ثم قال وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة1 به وهو أتم من غيره. مما تقدم يظهر بوضوح: "أن القبائل التي شاركت قريشاً وغطفاناً - وهما القبيلتان العظيمتان المتزعمتان لهذه الحرب- الأحابيش2 وكنانة وأهل تهامة وهذه شاركت قريشاً بحكم جوارها لها فنهضوا لنصرتها. وشارك مع غطفان بعض القبائل النجدية والتي هي في الحقيقة متفرعة عنها وتعتبر روافد لها.

إضافة إلى بني قريظة الناقضين العهد حيث أحاطت هذه الفرق بالمسلمين من كل جهة. وضاق المسلمون بهذا الحصار ذرعاً ووصفه الله بأبلغ وصف في قاله تعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً} "1.

_ 1 سورة الأحزاب الآيتان 10، 11.

الفصل الثاني: دور المنافقين في هذه الغزوة

الفصل الثاني: دور المنافقين في هذه الغزوة ... الفصل الثاني بيان دور المنافقين في هذه الغزوة هذا الفصل هو تفسير لقوله تعالى: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً} 1. والنفاق هو بالكسر فعل المنافق2. وهو: إظهار الخير وإسرار الشر وهو أنواع: (أ) اعتقادي: وهو الذي يخلّد صاحبه في النار. (ب) عملي: وهو من أكبر الذنوب وهذا كما قال ابن جريج: المنافق يخالف قوله فعله وسره علانيته ومدخله مخرجه ومشهده مغيبه3. هذا هو المنافق وهذا دوره دائماً وأبداً. ذلك لأن قلبه مريض ونفسه خبيثة ولأنه يدخل في الأمور على قاعدة غير صلبه ثم يتعجل الأمور فيخيب ظنه ويغضب ربه.

وسرعان ما يتهاوى كيانه فيصبح يضمر الشر لكل ما هو خبر ويظهر خلافه حتى يأمن مكر الناس وهو لا يعلم أن الله سبحانه وتعالى عالم به وبما يحيكه وما يضمره {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} 1، {…وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} 2. هؤلاء هم المنافقون المتسترون بالإسلام. إلا أن الله كشفهم في بعض غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم كما في أحد وبني المصطلق والخندق وغيرها. حيث كان ينزل القرآن أولاً بأول فيفضحهم. وفي هذه الغزوة - الخندق - بالذات ظهر منهم النفاق حيث أظهر كثير منهم العداء مما زاد في تفاقم الأمر وخطورته. حكى لنا القرآن ذلك الخطر وتلك الشدة فقال تعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} 3. أما بالنسبة لما فعلوه هذه المرة فقد روى الطبراني حيث قال:

حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل1 حدثني سعيد بن محمد الجرمي2 حدثنا أبو تميلة3 حدثنا نعيم بن سعيد العبدي4 أن عكرمة حدث عن ابن عباس قال: "احتفر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق وأصحابه قد شدوا الحجارة على بطونهم من الجوع فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هل دللتم على رجل يطعمنا أكلة؟ قال رجل: نعم. قال إمالا5 فتقدم فدلنا عليه. فانطلقوا إلى رجل فإذا هو في الخندق يعالج نصيبه منه فأرسلت

امرأته أن جيء فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أتانا فجاء الرجل يسعى فقال بأبي وأمي وله معزة1. ومعها جديها فوثب إليها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الجدي2 من روائنا فذبح الجدي وعمدت امرأته إلى طحينة لها فعجنتها وخبزت وأدركت3 وثردت فقربتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فوضع النبي صلى الله عليه وسلم أصبعه فيها فقال "بسم الله اللهم بارك فيها إطعموا". فأكلوا منها حتى صدروا4 ولم يأكلوا إلا ثلثها وبقي ثلثاها فسرح أولئك العشرة الذين كانوا معه أن اذهبوا وسرحوا إلينا بعدتكم5 وجاء أولئك العشرة6 مكانهم فأكلوا منها حتى شبعوا ثم قام ودعا لربة البيت وسمت7 عليها وعلى أهل بيتها ثم مشوا إلى الخندق.

فقال: "اذهبوا بنا إلى سلمان وإذا صخرة بين يديه قد ضعف عنها" فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "دعوني فأكون أول من ضربها فقال: بسم الله فضربها فوقعت فلقة ثلثها فقال: الله أكبر قصور الروم ورب الكعبة ثم ضرب أخرى فوقعت فلقة قال: الله أكبر قصور فارس ورب الكعبة. فقال عندها المنافقون نحن بخندق وهو يعدنا قصور فارس والروم"1. قال الهيثمي2: "ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن أحمد ونعيم العنبري3 وهما ثقتان". إلا أن ابن جرير قد أورد أثراً شاهداً عن الحسن البصري لهذا الحديث قال فيه: "حدثنا بشر حدثنا هوذه4 بن خليفة قال حدثنا عوف5 عن

الحسن1 في قوله تعالى: {… وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} 2. قال ظنونا مختلفة ظن المنافقون أن محمداً وأصحابه يستأصلون3 وأيقن المؤمنون أن ما وعدهم الله حق وأنه سيظهره على الدين كله ولو كره المشركون4. وأورد ابن كثير5 هذا الخبر عن الحسن باللفظ نفسه. وهذا الأثر ينتهي إلى الحسن البصري فهو مقطوع". كذلك أورد ابن جرير أثراً آخر بسند آخر قال فيه: "حدثني يونس6 قال أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد7 قال: قال

"رجل يوم الأحزاب لرجل من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم يافلان أرأيت إذ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده وإذا هلك كسرى فلا كسرى بعده والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله فأين هذا من هذا؟ وأحدنا لا يستطيع أن يخرج ليبول من الخوف" {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً} . فقال: كذبت لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرك" قال: "فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فدعاه فقال: ما قلت؟ " قال: "كذب علي يارسول الله ما قلت شيئاً ما خرج من فمي قط. قال الله {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ} حتى بلغ {وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} 1. قال: "فهذا قول الله {إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} "2. والأثر فيه انقطاع في أعلى الإسناد. وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن فليح3 قال: "فلما أشتد البلاء على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه نافق ناس كثير وتكلموا بكلام قبيح. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فيه الناس من البلاء والكرب جعل يبشرهم ويقول والذي نفسي بيده ليفرجن عنكم ما ترون من الشدة وأني لارجو أن

أطوف البيت العتيق آمنا وان يدفع الله عز وجل إلي مفاتيح الكعبة وليهلكن الله كسرى وقيصر ولتنفقن كنوزهما في سبيل الله عز وجل". وقال رجل ممن معه لأصحابه: "ألا تعجبون من محمد يعدنا أن نطوف بالبيت العتيق وأن نقسم كنوز فارس والروم ونحن ها هنا لا يأمن أحدنا أن يذهب للغائط والله ما يعدنا إلا غروراً"1. أما السيوطي فقد قال: "وأخرج ابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم2 والبيهقي في الدلائل من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده وساق الحديث بطوله"3. إلا أن مداره على كثير بن عبد الله وهو ضعيف. وأخيراً قال ابن إسحاق في قوله تعالى: {… وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} 4. ظن المؤمنون كل ظن ونجم

النفاق حتى قال معتب بن قشير1 أخو بني عمرو بن عوف: "كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر وأحدنا لا يقدر على أن يذهب إلى الغائط"2. وهكذا نرى من خلال هذه الآثار أن للمنافقين دوراً خطيراً في هذه الغزوة بالذات ذلك لأنهم لا يظهرون إلا في أوقات الأزمات. أما عندما ينتصر المسلمون فلا يسمع لهم صوت. والقرآن الكريم فضحهم في أكثر من موطن ولكنا أردنا إيراد الآثار التي تبين أمرهم خاصة في هذه الغزوة الفاصلة3.

_ 1 معتب بن قشير بن مليل بن زيد بن العطاف بن ضبيعة وليس له عقب شهد بدراً وأحد كذلك قال ابن إسحاق. وقال ابن حجر: "ذكروه فيمن شهد العقبة وقيل أنه كان منافقاً وأنه الذي قال يوم أحد لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا وقيل أنه تاب. وقد ذكره ابن إسحاق فيمن شهد بدراً وأثبت ابن عبد البر في الاستيعاب حاشية الإصابة انه شهد بدراً وأحداً والعقبة، وأنه قال يوم أحد لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا، وهناك ذكر بأنه معتب بن بشير - بالباء المعجمة –". الطبقات الكبرى 3/463، الإصابة 3/443. أما السهيلي فقد عنون ببراءة معتب فقال: قال ابن هشام وأخبرني من أثق به من أهل العلم أن معتب بن قشير لم يكن من المنافقين واحتج بأنه كان من أهل بدر. الروض الأنف 3/262 2 تفسير القرآن العظيم لابن كثير 3/472. 3 لأن الرسول (قال: (لن يغزوكم بعد عامكم هذا) .

الباب الثالث: موقف المسلمين من تحركات الأحزاب

الباب الثالث: موقف المسلمين من تحركات الأحزاب الفصل الأول: مشاورة الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه حول خطة الدفع "حفر الخندق". ... الفصل الأول: مشاورة الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه حول حفر الخندق إن الشورى من الأمور التي أمر الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم وذلك لما يلي: (أ) لتأليف قلوب أصحابه. (ب) وليقتدي به من بعده. (جـ) وليستخرج منهم الرأي فيما لم ينزل فيه وحي من أمر الحرب والأمور الجزئية وغير ذلك1. وغالباً ما يفعل ذلك في الحروب تطييباً لقلوبهم وأخذاً بما يتضح أنه الأولى من آرائهم وتجاربهم. وتنشيطاً لهم فيما يفعلونه2. لذلك قال تعالى مخالطباً رسوله صلى الله عليه وسلم وممتناً عليه وعلى المؤمنين: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} 3.

حدث ذلك أولاً في بدر كما هو معروف وشاورهم في أحد1. هل يقعد في المدينة أو يخرج إلى العدو. وشاورهم يوم الخندق أولاً: بالنسبة لخطة الدفاع وهي ما نحن بصدده. ثم شاورهم في مصالحة الأحزاب بثلث تمر المدينة عامئذ فأبى ذلك عليه رؤساء الأنصار وذلك بدليل الحديث الذي رواه البزار2 حيث قال: "حدثنا عقبة بن سنان3 ثنا عثمان الغطفاني4 ثنا محمد بن عمرو5

عن أبي سلمة1 عن أبي هريرة2 قال: "جاء الحارث الغطفاني3 إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم" فقال: "يا محمد ناصفنا تمر المدينة4 وإلا ملأناها عليك5 خيلاً ورجالاً" فقال: "حتى استأمر6 السعود سعد بن عبادة7 وسعد بن معاذ

يعني يشاورهما فقالا: "لا والله ما أعطينا الدنية1 من أنفسنا في الجاهلية فكيف وقد جاء الله بالإسلام فرجع إليه الحارث فأخبره" فقال: "غدرت يا محمد" قال: فقال حسان:" يا حار من يغدر بذمة جاره ... منكم فإن محمداً لا يغدرُ إن تغدوا فالغدر من عاداتكم ... واللؤم ينبت في أصول السخبرِ وأمانة النهدي حيث لقيتها ... مثل الزجاجة كسرها لا يجبرُ2

قال: فقال الحارث: "كف عنا يامحمد لسان حسان فلو مزج به ماء البحر لمزجه". قال البزار: "لا نعلم رواه عن محمد بن عمرو هكذا إلا عثمان ولم نسمعه إلا من عقبة"1. والحديث بهذا السند يعتبر حسناً لذاته وقد ذكره ابن الأثير عند ترجمة سعد بن مسعود2 الأنصاري وكذا ذكره الحافظ3. أما الهيثمي4 فقد قال: "رواه البزار والطبراني ولفظه: عن أبي هريرة

قال: "جاء الحارث الغطفاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا محمد شاطرنا تمر المدينة" فقال: "حتى استأمر السعد فبعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وسعد بن الربيع1 وسعد بن خيثمة2 بن مسعود3 فقال: "إني قد علمت أن العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وأن الحارث قد سألكم أن تشاطروه تمر المدينة فإن أردتم أن تدفعوه عامكم هذا" فقالوا: "يارسول الله أوحي من السماء؟ فالتسليم لأمر الله أو عن رأيك أو هواك؟

فرأينا نتبع هواك ورأيك فإن كنت إنما تريد الإبقاء علينا. فوالله لقد رأيتنا وإياهم على سواء ما ينالون منا تمرة إلا شراء أو قرى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هو ذا تسمعون ما" يقولون. قالوا غدرت يا محمد". فقال حسان1 بن ثابت رضي الله عنه: يا حار من يغدر بذمة جاره ... منكم فإن محمداً لا يغدرُ وأمانة المري2 حين لقيتها ... كسر الزجاجة صدعها لا يجبرُ إن تغدروا فالغدر من عاداتكم ... واللؤم ينبت في أصول السخبرِ ثم قال الهيثمي: "رواه البزار والطبراني ورجالهما فيهم محمد بن عمرو حديثه حسن وبقية رجاله ثقات"3.

وقد أشار إلى ذلك ابن حزم1 ألا أنه ذكر السعدين فقط2 كما ذكره ابن كثير عن ابن إسحاق مطولاً وأنه صلى الله عليه وسلم بعث إلى السعدين بعد أن حصلت المراوضة3 ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح وأخيراً تناول سعد بن معاذ الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب ثم قال ليجهدوا علينا4. أما ما جاء في الحديث السابق الذي ذكره الهيثمي وذكر فيه السعود5 وساق خمسة منهم، فقد رجعت إلى تراجمهم فوجدت أن هناك تناقضا ظاهراً حيث تدل الرواية التي ذكرها الهثيمي أنهم كانوا جميعاً ضمن الصحابة الذين حضروا الغزوة أما الحقيقة فهي تدل على أن سعد

بن الربيع مثلاً قد استشهد في غزوة أحد وقد ساق ابن الأثير حديثاً يدل على ذلك1 وقد تقدمت ترجمته. أما سعد بن خيثمة فقد استشهد ببدر ذكر ذلك ابن إسحاق2 وغيره. أما سعد بن مسعود فقد ذكر الحافظ أن له ذكراً في حديث الطبراني3 المذكور ثم ساق الحديث إلى أن قال … قال ابن الأثير في ذكر سعد بن خيثمة نظر لأنه استشهد ببدر. والخندق كانت بعدها بثلاث سنين، ثم قال لا يلزم من الغلط في سعد بن خيثمة الغلط في سعد بن مسعود فإن ثبت الخبر فهو من كبار الأنصار بحيث كان يستشار في ذلك الوقت4. وهكذا تمت هذه المشاروة مع السعدين كما جاء ذلك في حديث البزار الذي يعتبر أقوى حديث في الباب على ضوء إسناده5.

ولم تتم تلك الصفقة التي كان يحلم بها الحارث بن عوف وعيينة بن حصن كما في بعض الروايات. أما المشاورة الثانية الني حصلت في هذه الغزوة فقد حصلت عندما سمع النبي صلى الله عليه وسلم ما أجمع عليه كفار قريش ومن تابعهم على المسير إلى المدينة فاستشار الصحابة رضي الله عنهم وتمخضت تلك المشاورة عن رأي سديد أدلى به سلمان1 رضي الله عنه حيث أشار بحفر الخندق لكي يحول بين العدو وبين المدينة2. ولم يرد في ذلك حديث صحيح غير أن الطبري قال: "حدثت عن محمد بن عمر3 قال كان الذي أشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق سلمان، وكان أول مشهد شهده سلمان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

وهو يومئذ حر"1، وقال يا رسول الله: "إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا علينا"2. والواقدي وصفه أهل الحديث بأنه متروك الحديث مع سعة علمه. وبذلك قال ابن هشام3 ونقله عنه ابن كثير4 وبه قال ابن الأثير5. وقد نقل الحافظ في الفتح حيث قال: وكان الذي أشار بذلك سلمان فيما ذكر أصحاب المغازي منهم أبو معشر6 قال: "قال سلمان للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا علينا"7. لقد كان الخندق ذا أهمية عظمى ذلك لأن المسلمين عندما بحثوا خطة الدفاع عن المدينة كانوا يفكرون في

إيجاد وسيلة فعالة يتحاشون بها الالتحام الشامل المباشر مع جيوش الأحزاب المتفوقة عدداً وعدة في معركة فاصلة ليتسنى لهم تجميدها وشل حركتها على النحو الواسع الذي تريد تلك القوة الباغية. ولقد كان لتنفيذ هذا المشروع الدفاعي أكبر الأثر في تجميد نشاط جيوش الأحزاب وشل حركتها ثم فشل الغزو في النهاية1. ولقد حفر الخندق في المنطقة الشمالية الغربية من المدينة لأن هذا المكان هو أصلح موقع يجب أن يعسكر فيه من يريد الدفاع عن المدينة لأنه الناحية الوحيدة المكشوفة التي لابد لأي غاز يريد المدينة من أن يتجه إليها ذلك لأن الجهات الأخرى محاطة بأشجار النخيل والزروع الكثيفة والأبنية المتشابكة والحواجز الطبيعية الصعبة كالجبال وغيرها والتي لا تسمح لقوات الأحزاب الكبيرة أن تقوم بإجراء أي قتال على نطاق واسع كما تريد2. وعندما قرر الرسول صلى الله عليه وسلم حفر الخندق - بعد المشاورة - أمر بنقل النساء والذراري إلى الآطم3 الحصينة حتى لا يصيبهم مكروه.

لأنه كان يتخوف عليهم من اليهود - بني قريظة - حيث كانت منازلهم مما يلي العوالي1 وكانوا قد مالؤوا الأحزاب ووافقوهم على نقض العهد الذي ابرموه مع النبي صلى الله عليه وسلم. فقد روى الطبراني حيث قال: "حدثنا محمد بن عبد الله القرمطي2 البغدادي ثنا عثمان بن يعقوب العثماني3 ثنا محمد بن طلحة4 التميمي عن محمد بن سهل بن أبي حثمة5 عن هرير6 بن عبد الرحمن بن رافع7 بن خديج8 عن أبيه عن

جده قال: "لما كان يوم الخندق لم يكن حصن أحصن من حصن بني حارثة فجعل النبي صلى الله عليه وسلم النساء والصبيان والذراري فيه" فقال: "إن ألمَّ بكن1 أحد فالمعن بالسيف" فجاءهن رجل من بني ثعلبة بن سعد يقال له نجدان - أحد بني جحاش2على فرس حتى كان في أصل الحصن ثم جعل يقول للنساء انزلن إلى خير لكن فحركن السيف فأبصره أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فابتدر الحصن قوم فيهم رجل من بني حارثة يقال له ظهير بن رافع3 فقال: "يا نجدان ابرز فبرز إليه فحمل عليه فرسه فقتله وأخذ رأسه فذهب به إلى النبي صلى الله عليه وسلم". هذا الحديث قال فيه الهيثمي بعد إيراده. رواه الطبراني وقال: "ورجاله ثقات4. وقد رواه ابن جرير في تاريخه بسنده من طريق ابن إسحاق"5.

وقال الهيثمي بعد إيراد هذا الحديث: "عن الزبير بن العوام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الخندق فجعل نساءه وعمته صفية في أطم يقال له فارع…" الحديث إلا أنه قال بعد سياقه لهذا الحديث … رواه البزار وأبو يعلي باختصار وإسناد هما ضعيف. ومع ذلك فالمتن فيه اضطراب حيث إن آخره يخالف أوله فقد ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولاً خرج إلى الخندق ثم قال بعد ذلك: ثم خرج إلى أحد. ويظهر من ذلك أنه حصل التباس من خروجه إلى أحد خروجه إلى الخندق ثم قال الهيثمي1 مؤكداً ذلك: وقد تقدم الحديث من رواية صفية في وقعة أحد. وهو عند البزار2 أن ذلك كان في أحد والمشهور أن هذه القصة كانت في الخندق. أما كونه صلى الله عليه وسلم جعلهم في أطم يقال له فارع فهو صحيح بدليل ما جاء في صحيح مسلم3 عن عبد الله بن الزبير وفيه أنه كان هو وعمر بن أبي سلمة في أطم حسان يوم الخندق مع النسوة… الخ كذلك روى

هذا الحديث أحمد1 في مسند الزبير ثم أورد الهثيمي بعد ذلك حديثاً آخر بهذا المعنى ولفظه عن عروة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ نساءه يوم الأحزاب أطما من آطام المدينة وكان حسان بن ثابت رجلاً جباناً فأدخله مع النساء فأغلق الباب فجاء يهودي فقعد على باب الأطم فقالت صفيه بنت عبد المطلب: إنزل يا حسان إلى هذا العلج2 فاقتله فقال ما كنت لأجعل نفسي خطراً لهذا العلج فائتزرت بكساء وأخذت فهرا3 فنزلت إليه فقطعت رأسه… الخ الحديث. قال الهيثمي: "رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح ولكنه مرسل"4. قال السمهودي: "وروى الإمام أحمد بإسناد قوي عن عبد الله بن الزبير قال: "كانت صفية في حصن حسان بن ثابت يوم الخندق أي وهو المسمى بفارع

فذكر الحديث في قتلها اليهودي وقولها لحسان انزل فاسلبه" فقال: "مالي بسلبه حاجة"1. وهذا الحديث وهو رفع النساء والذراري في الآطام رواه ابن جرير في تاريخه2 وقد روى الطبراني هذه القصة عن صفية في غزوة أحد كما تقدم. إلا أن الهيثمي قال: "رواه الطبراني في الكبير والأوسط من طريق أم عروة بنت جعفر بن الزبير عن أبيها ولم أعرفهما وبقية رجاله ثقات"3. ثم عقب السمهودي قائلاً: "والمذكور في كتب السير أن هذه القصة كانت في الخندق وأن بعضهم كان بحصن بني حارثة وبعضهم بفارع وأن صفية رضي الله عنها لما فرغت من قتل اليهودي رجعت إلى الحصن فقالت لحسان: "انزل

فاسلبه1 فإني لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل" قال: "مالي بسلبه حاجة يابنت عبد المطلب"2 أ. هـ. كلام السمهودي. وهذه القصة صحيحة لتظافر الأدلة التي يقوي بعضها بعضاً يؤيدها أن اليهود إنما غدروا في غزوة الخندق ولم يكن لهم ذكر في أحد. أما بالنسبة لهذه التهمة التي وجهت ضد حسان بن ثابت وهي الجبن فقد دفعها بعض العلماء لذلك قال السهيلي: "مجمل هذا الحديث عند الناس أن حساناً كان جباناً شديد الجبن وقد دفع بعض العلماء هذا وانكره وقال: لو صح هذا. لهجي به حسان فإنه كان يهاجي الشعراء وكانوا يردون عليه فما عيره أحد بجبن. وإن صح فلعل حسان كان معتلاً في ذلك اليوم بعلة منعته من شهود القتال وهذا أولى ما تأول". ثم قال: "وممن أنكر أن يكون هذا صحيحاً أبو عمر ابن عبد البر رحمه الله في كتابه الدرر3 وهذا هو الحق والله أعلم فإن شعر حسان كان أشد

على الأعداء من وقع النبل، وذلك واضح من المهاجاة التي وقعت بينه وبين شعراء قريش كابن الزبعرى وغيره، حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ينصب له منبراً في المسجد1 يقوم عليه قائماً يفاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله يؤيد حسان بروح القدس ما نافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" وكان يقول للنبي صلى الله عليه وسلم لأسلنك كما تسل الشعرة من العجين2 ولو كان هذا حقاً لهجاه به اعداؤه.

_ 1 أسد الغابة 2/4. 2 النهاية في غريب الحديث 2/392، والحديث في البخاري. انظر: فتح الباري 7/346، ورواه مسلم في صحيحه 4/1934 فضائل حسان.

الفصل الثاني: تواضعه صلى الله عليه وسلم ومباشرته الحفر بنفسه

الفصل الثاني: تواضعه صلى الله عليه وسلم ومباشرته الحفر بنفسه كان صلوات الله عليه وسلامه المثل الأعلى في التواضع، وذلك لحسن أخلاقه التي مدحه الله به، وهذا حاله صلى الله عليه وسلم في السلم والحرب على السواء. وتواضعه عليه الصلاة والسلام في هذا الموضع قليل من كثير. أما بالنسبة لما كان منه في هذه الغزوة فقد روى البخاري في ذلك حديثاً عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه وهذا نصه: قال البخاري - رحمه الله -: حدثنا خلاد بن يحى1 حدثنا عبد الواحد2 بن أيمن3 عن أبيه قال: "أتيت جابراً -رضي الله عنه- فقال إنا يوم الخندق نحفر فعرضت كدية شديدة فجاءوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا هذه كدية عرضت في الخندق" فقال: "أنا نازل ثم قام وبطنه معصوب بحجر ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقاً فأخذ

النبي صلى الله عليه وسلم المعول1 فضرب فعاد كثيباً2 أهيل أو أهيم"3 فقلت يا رسول الله: "ائذن لي إلى البيت، فقلت لامرأتي رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم شيئاً ما كان في ذلك صبر فعندك شيء؟ قالت عندي شعير وعناق4. فذبحتُ العناق وطحنت الشعير حتى جعلنا اللحم في البرمة5 ثم جئت النبي صلى الله عليه وسلم والعجين قد انكسر والبرمة بين الأثافي6 قد كادت تنضج

فقلت: طعيم1 لي فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان قال: كم هو فذكرت له: "فقال كثير طيب". قال: قل لها: "لا تنزع البرمة ولا الخبر من التنور2 حتى آتي". فقال: قوموا فقام المهاجرون والأنصار. فلما دخل على امرأته قال: ويحك جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين والأنصار ومن معهم قالت: هل سألك قلت: نعم. فقال: "ادخلوا ولا تضاغطوا" 3 فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللحم ويخمر4 البرمة والتنور إذا أخذ منه، ويقرب إلى أصحابه ثم ينزع فلم يزل يكسر الخبز ويغرف5 حتى شبعوا وبقي بقية. قال: "كلي هذا واهدي فإن الناس أصابتهم مجاعة" 6.

كما رواه أيضاً أحمد1 والنسائي2 والبيهقي3. أما البيهقي فقد أخرج هذا الحديث من رواية الإسماعيلي عن طريق المحاربي عن عبد الواحد بن أيمن عن أبيه قال: قلت لجابر: "حدثني بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرويه عنك فقال جابر: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق نحفر فيه فلبثنا ثلاثة أيام لا نطعم شيئاً ولا نقدر عليه فعرضت في الخندق كدية فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت هذه كدية4 قد عرضت في الخندق فرششنا عليها الماء فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وبطنه معصوب بحجر فأخذ المعول أو المسحاة ثم سمى ثلاثاً ثم ضرب فعادت كثياً أهيل"5 الحديث. قال الحافظ: "وقد وقع عند أحمد والنسائي في هذه القصة زيادة بإسناد حسن من حديث البراء بن عازب" قال: "لما كان حين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر

الخندق عرضت لنا في بعض الخندق صخرة لا تأخذ فيها المعاول فاشتكينا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجاء فأخذ المعول ثم قال: "بسم الله فضرب ضربة فكسر ثلثها وقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر الساعة ثم ضرب الثانية فقطع الثلث الآخر فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس، والله إن لأبصر قصر المدائن أبيض. ثم ضرب الثالثة وقال: بسم الله فقطع بقية الحجر فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذه الساعة". قال الحافظ: "وقد أخرج الطبراني من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص نحوه"1. وهناك أحاديث صحيحة تبين بوضوح مباشرته صلى الله عليه وسلم الحفر ونقل التراب مع صحابته رضي الله عنهم من ذلك ما روي البخاري ونصه: قال البخاري2 رحمه الله: حدثنا مسلم بن إبراهيم3 حدثنا شعبة4 عن أبي إسحاق5 عن

البراء1 رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم ينقل التراب يوم الخندق حتى أغمر بطنه أو إغبر بطنه2. يقول: والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علين

_ ا ... وثبت الأقدام إن لاقينا إن الأُلى قد بغوا علين

الفتح1. وهذا الحديث يدل بجلاء على مشاركته صلى الله عليه وسلم لهم وعلى تواضعه وقد جاء عند أحمد2 عن أم سلمة3 - رضي الله عنها- قالت: "ما نسيت قوله يوم الخندق وهو يعاطيهم اللبن وقد أغبر شعر صدره وهو يقول: "اللهم إن الخير خير الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة". الحديث. كما جاء في الرواية الثانية للبراء عند البخاري حيث قال: حدثني أحمد بن عثمان4 حدثنا شريح بن مسلمة5 قال حدثني

إبراهيم بن يوسف1 قال حدثني أبي2 عن أبي إسحاق قال سمعت البراء يحدث قال: "لما كان يوم الأحزاب وخندق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيته ينقل من تراب الخندق حتى وارى عني التراب جلدة بطنه وكان كثير الشعر3 فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة وهو ينقل من التراب يقول: والله لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علين

_ ا ... وثبت الأقدام إن لاقينا إن الأُلى قد بغوا علين

الكريم يصدق ذلك قول عائشة - رضي الله عنها - عندما سئلت عن خلقه فقالت: كان خلقه القرآن1. وسيرته صلى الله عليه وسلم مليئة بأمثال ذلك. لذلك قال ابن هشام: "فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أجمعوا عليه من الأمر ضرب الخندق على المدينة فعمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ترغيباً للمسلمين في الأجر وعمل معه المسلمون فيه فدأب فيه ودأبوا وأبطأ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن المسلمين في عملهم ذلك رجال من المنافقين وجعلوا يورون بالضعيف من العمل ويتسللون إلى أهلهم بغير علم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا إذن. أما المسلمون فكانوا لا يستأذنون إلا عند الضرورة فإذا قضوا حاجاتهم رجعوا إلى ما كانوا فيه من عمل رغبة في الخير واحتساباً له وقد أنزل الله في ذلك قرآنا يتلى فقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَك… الآية} 2.

حيث نزلت هذه الآية فيمن كان من المسلمين من أهل الحسبة والرغبة في الخير والطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم 1. ثم قال تعالى يعني المنافقين الذين كانوا يتسللون ويذهبون بغير إذن من النبي صلى الله عليه وسلم {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} "2. وهذه الآيات عامة ساقها ابن هشام وغيره للاستدلال بها على الفريقين. وعامة في الاستئذان سواء في الحرب أو في السلم وهي في الحقيقة نزلت كما قال ابن كثير3 في الذين يستأذنون في الخروج من الجمعة وغيرها.

_ 1 السيرة النبوية 2/216. 2 سورة النور الآية 63. 3 تفسير القرآن العظيم 3/306.

الفصل الثالث: الكدية وتغلب المسلمين عليها

الفصل الثالث: الكدية وتغلب المسلمين عليها والمعجزات التي وقعت في أثناء ذلك إن المصاعب والمشاكل تعترض حتى الأعمال السهلة، وفي أوقات السلم فكيف بعمل شاق ومجهود ضخم وكيف بعمل يكمن فيه درءُ الخطر القادم والمحدق بالمسلمين وبالمدينة التي تؤويهم إلا أن نصر الله لعباده يتجلى عندما ينصروه {… وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} 1. إنه عندما علم المسلمون بتكتل الأحزاب وتهيؤهم للخروج لغزو المدينة بقوة كبيرة عندها فكر المسلمون في خطة الدفاع وهي (الخندق) وكانت ناجحة للغاية. وكانوا يعملون فيه بجد حتى ينتهوا منه قبل وصول العدو، وفعلاً شمروا عن ساعد الجد وبدأو بداية المدافع المستميت ولكن اعترضتهم مشاكل منها - الكدية -. تلك التي جعلتهم يذهبون للرسول صلى الله عليه وسلم ويخبرونه بأمرها - وذلك لأنها استعصت عليهم - ويجيء صلى الله عليه وسلم ويضربها فتعود رملاً سائلاً وقد ورد ذلك عند البخاري حيث قال: حدثنا خلاد بن يحى حدثنا عبد الواحد بن أيمن عن أبيه قال: "أتيت جابراً رضي الله عنه

فقال: "إنا يوم الخندق نحفر - فعرضت كدية شديدة1 - فجاءوا النبي صلى الله عليه وسلم" فقالوا: "هذه كدية عرضت في الخندق" فقال: "أنا نازل ثم قام وبطنه معصوب بحجر ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقاً. فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم المعول فضرب فعاد كثيباً أهيل أو أهيم". الحديث2. الحديث رواه أيضاً أحمد3 بزيادة رشوها بالماء - والنسائي4 بلفظ مرادف- عرضت لهم صخرة - والبيهقي5. وأخرجه البيهقي6 بسنده عن أيمن المخزومي وفيه قال أيمن المخزومي: سمعت جابر بن عبد الله يقول: "كنا يوم الخندق نحفر فعرضت كذانة7، وهي الجبل"، الحديث.

وأخرجه كذلك مطولاً من طريق كثير بن عبد الله1 عن أبيه2 عن جده3 وفي أوله "خط رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق لكل عشرة أناس عشرة أذرع فمرت بنا صخرة بيضاء كسرت معاويلنا فأردنا أن نعدل عنها فقلنا حتى نشاور رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلنا إليه سلمان"4. الحديث. وهذا الحديث مداره على كثير هذا وهو ضعيف عند الجمهور كما قال الهيثمي وحسن الترمذي حديثه. وقد أخرج الطبري هذا الحديث بسنده فقال: حدثنا ابن بشار5 قال ثنا محمد بن خالد بن عثمة6 قال ثنا كثير

بن عبد الله بن عمرو عوف المزني قال ثني أبي عن أبيه قال: "خط رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق عام ذكرت الأحزاب وفيه فحفرنا تحت دوبار1 حتى بلغنا الصرى2 أخرج الله من بطن الخندق صخرة بيضاء مروة3 فكسرت حديدنا وشقت علينا فقلنا يا سلمان أرق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبر هذه الصخرة فإما أن نعدل عنها فإن المعدل قريب وإما أن يأمرنا فيها بأمره فإنا لا نحب أن نجاوز خطه"4 الحديث. قال الحافظ5: "ووقع عند أحمد والنسائي في هذه القصة زيادة بإسناد حسن فعند النسائي6 قال في الضربات الثلاث {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} " 7.

وهذا إسناد أحمد حيث قال ابنه عبد الله: حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر1 ثنا عوف عن ميمون أبي عبد الله2 عن البراء بن عازب قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق" قال: "وعرض لنا صخرة في مكان من الخندق لا تأخذ فيها المعاول" قال: "فشكوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم" قال عوف وأحسبه قال: "وضع ثوبه ثم هبط إلى الصخرة. فأخذ المعول فقال: بسم الله فضرب ضربة فكسر الحجر فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام والله أني لأبصر قصورها الحمر من مكاني هذا ثم قال: بسم الله فضرب أخرى فكسر ثلث الحجر فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس والله أني لأبصر المدائن وأبصر قصرها الأبيض من مكاني هذا. ثم قال بسم الله وضرب ضربة أخرى فقطع بقية الحجر فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن والله أني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا"3. الحديث

أما ابن إسحاق فقد قال: "وكان في حفر الخندق أحاديث بلغتني فيها من الله تعالى عبرة في تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحقيق نبوته. عاين1 ذلك المسلمون فكان مما بلغني أن جابر بن عبد الله كان يحدث: أنه إشتد عليهم في بعض الخندق كدية فشكوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بإناء من ماء فتفل2 فيه ثم دعا بما شاء الله أن يدعو به ثم نضح3 ذلك الماء على تلك الكدية. "فيقول من حضرها فوالذي بعثه بالحق نبياً لانهالت4حتى عادت كالكثيب لا يرد فأساً ولا مسحاة"5. قال ابن كثير: "هكذا ذكره ابن إسحاق منقطعاً عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه6 وعند أحمد فأخذ المعول أو المسحاة7 بالشك وعند الواقدي فأخذ الكرزين8. وقد تتابعت المعجزات التي أجراها الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم في

أثناء حفر الخندق من ذلك: تكثير طعام جابر رضي الله عنه"، لذلك روى البخاري رحمه الله حيث قال: حدثني عمرو بن علي1 حدثنا أبوعاصم أخبرنا حنظلة بن أبي سفيان2 أخبرنا سعيد بن مينا 3. قال: "سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "لما حفر الخندق رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم خمصاً4 شديداً فانكفأت5 إلى امرأتي6 فقلت لها هل عندك شيء؟ فإني رأيت برسول الله صلى الله عليه وسلم خمصاً شديداً.

فأخرجتْ إلي جراباً1 فيه صاع من شعير ولنا بهيمة داجن2 فذبحتها وطحنتِ الشعير ففرغتْ إلى فراغي وقطعتها في برمتها ثم وليت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: "لا تفضحني برسول الله صلى الله عليه وسلم وبمن معه". فجئته فساررته فقلت: "يارسول الله ذبحنا بهيمة لنا وطحنا صاعاً من شعير كان عندنا فتعال أنت ونفر معك". فصاح النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا أهل الخندق إن جابراً قد صنع سؤراً3 فحي هلا بكم فقال صلى الله عليه وسلم لا تنزلن برمتكم ولا تخبزن عجينكم حتى أجئ فجئتُ وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم الناس حتى جئتُ امرأتي فقالت بك وبك4 فقلتُ قد فعلتُ الذي قلتِ فأخرجت له عجيناً فبصق فيه وبارك

ثم عمد إلى برمتنا فبصق وبارك ثم قال أدعُ خابزة فلتخبز معي1. واقدحي2من برمتكم ولا تنزلوها وهم ألف فاقسم بالله لقد أكلوا حتى تركوه. وانحرفوا وإن برمتنا لتغط كما هي وإن عجيننا ليخبزكما هو". الحديث3. الحديث رواه أيضا مسلم4 عن سعيد بن مينا بنفس اللفظ والحاكم5. وعند البخاري من طريق أيمن المخزومي المتقدم وفي آخره (قال كلى هذا وأهدي فإن الناس أصابتهم مجاعة) 6. وقد أورده ابن تيمية7 ضمن المعجزات8.

وفي رواية يونس "كلي وأهدي فلم نزل نأكل ونهدي يومنا أجمع". وفي رواية أبي الزبير عن جابر "فأكلنا نحن وأهدينا لجيراننا فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب ذلك"1. قال السيوطي2: "وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي3 في الدلائل عن جابر هذا الحديث". ورواه أحمد عن سعيد بن مينا وفيه قال: "فبرك وسمى ثم أكل وتواردها الناس كلما فرغ قوم قاموا وجاء ناس حتى صدروا أهل الخندق عنها"4. أ. هـ. عدد من أكل من مائدة جابر رضي الله عنه: الرواية التي في الصحيحين أنهم ألف (وهم ألف) 5. وفي رواية أبي نعيم في المستخرج: "فأخبرني أنهم كانوا تسعمائة أو ثمانمائة".

وفي رواية عبد الواحد بن أيمن عند الإسماعيلي (كانوا ثمانمائة أو ثلاثمائة) . وفي رواية أبي الزبير (كانوا ثلاثمائة) . قال الحافظ1: "والحكم للزائد لمزيد علمه لأن القصة متحدة". وفي سياق الحديث عن المعجزات قال ابن إسحاق: وحدثني سعيد بن مينا أنه حُدث أن ابنة لبشير بن سعد أخت النعمان بن بشير قالت دعتني أمي عمرة بنت رواحة فأعطتني حفنة2 من تمر في ثوبي ثم قالت: "أي بنية اذهبي إلى أبيك وخالك عبد الله بن رواحة بغدائهما" قالت: "فأخذتها فانطلقت بها فمررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألتمس أبي وخالي" فقال صلى الله عليه وسلم تعالى: "يابنية ما هذا معك؟ " قالت فقلت: "يارسول الله هذا تمر بعثتني به أمي إلى أبي بشير بن سعد وخالي عبد الله بن رواحة يتغديانه" قال: "هاتيه" قالت: "فصببته في كفّي رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ملأتهما". ثم أمر بثوب فبسط له ثم دحا3 بالتمر عليه، فتبدد فوق الثوب، ثم قال لإنسان عنده اصرخ في أهل الخندق أن هلمّ إلى الغداء، فاجتمع أهل

الخندق عليه، فجعلوا يأكلون منه وجعل يزيد حتى صدر أهل الخندق عنه وإنه ليسقط من أطراف الثوب1.أ. هـ. قال ابن كثير2: "هكذا رواه ابن إسحاق وفيه انقطاع". لقد تنوعت المعجزات له صلى الله عليه وسلم فبعضها حدث في أثناء حفر الخندق وكانت عاجلة وبعضها حدث كما قال صلى الله عليه وسلم بعد أعوام طويلة من وفاته صلى الله عليه وسلم ولا زلنا نرى الكثير مما قال ونشاهد أعلام نبوته تباعاً لذلك روى الإمام مسلم حديثاً في ذلك وفيه قال: حدثنا ابن المثنى وابن بشار واللفظ لابن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي مسلمة3 قال: سمعت أبا نضرة4 يحدث عن أبي سعيد الخدري5 قال: "أخبرني من هو خير مني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال

لعمار1 حين جعل يحفر الخندق وجعل يمسح رأسه يقول: بؤس ابن سميه تقتلك فئة باغية" 2 كما رواه الترمذي3 والطيالسي4. ولقد تحقق ما قاله صلى الله عليه وسلم حيث قتل عمار في صفين مع علي رضي الله عنه ولما قتله أصحاب معاوية رضي الله عنه قال عمرو بن العاص: والله لوددت أني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة5.

_ 1 هو الصحابي الجليل عمار بن ياسر بن عامر بن مالك العنسي بنون ساكنة ومهملة أبو اليقظان مولى بني مخزوم من السابقين الأولين بدري قتل بصفين مع على سنة سبع وثلاثين. التقريب 250. 2 صحيح مسلم 4/2235. كتاب الفتن وأشراط الساعة. 3 سنن الترمذي 5/333. مناقب عمار بن ياسر. 4 منحة المعبود 2/152. 5 أسد الغابة 4/47.

الفصل الرابع: مكان الخندق وسرعة إنجاز المسلمين لحفره

الفصل الرابع: مكان الخندق وسرعة إنجاز المسلمين لحفره ... الفصل الرابع: مكان الخندق وسرعة إنجازهم لحفره لقد بدأ المسلمون في حفر الخندق في وقت عصيب - ذلك لأنهم يبادرون قدم العدو. وقد وكل صلى الله عليه وسلم لكل أناس جزءاً من المكان المتفق على حفره وفي ذلك تنشيط لهم ودافع على المسابقة في إكمال ما يلزم كل طائفة علماً بأنه صلى الله عليه وسلم قد وضع يده معهم ليدفعهم ويرغبهم أكثر في ذلك فقد روى الطبراني: عن عمرو بن عوف المزني أن رسول صلى الله عليه وسلم خط الخندق من أحمر السبختين1 طرف بني حارثة عام حزّب الأحزاب2 حتى بلغ المذابح3

فقطع لكل - عشرة أربعين ذراعاً واحتج1 المهاجرون والأنصار في سلمان الفارسي وكان رجلاً قوياً فقال المهاجرين: "سلمان منا وقالت الأنصار منا" فقال رسول صلى الله عليه وسلم: "سلمان منا أهل البيت". الحديث2. قال الهيثمي3: "رواه الطبراني وفيه كثير بن عبد الله المزني وقد ضعفه الجمهور وحسن الترمذي حديثه. وقد كذبه الشافعي. وتركه أحمد". وفي الميزان عن ابن حبان - له عن جده نسخة موضوعة - وقال الشافعي وأبو داود: "هو ركن من أركان الكذب"4. وقد أورده ابن جرير الطبري5 مطولاً ومداره على كثير هذا. وعلى ذلك فهو ضعيف لضعف كثير إلا أنه يتقوى بما سيأتي من المتابعات والشواهد، مما يدل على أن له أصلاً. وقد حصل اختلاف بين روايات هذا الحديث مع أن مدارها على واحد. فقد نقل الحافظ حيث قال:

وأخرجه البيهقي مطولاً من طريق كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده وساق الحديث إلى أن قال: وخط رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق لكل عشرة أناس عشرة أذرع -وفيه- فمرت بنا صخرة بيضاء كسرت معاويلنا فأردنا أن نعدل عنها فقلنا: حتى نشاور رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلنا إليه سلمان - وفيه- فضرب ضربة صدع الصخرة وبرق منها برقة وكبر المسلمون - وفيه - رأيناك تكبر فكبرنا بتكبيرك فقال: إن البرقة الأولى اضاءت لها قصور الشام فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليهم - وفي آخره- ففرح المسلمون واستبشروا1. وهذه الرواية سبق في الفتح أنها للطبراني وفيها أن كل أربعين ذراع لعشرة من الناس2 كذلك أورد ابن كثير هذه الرواية بلفظ "بين كل عشرة أربعين ذراعاً"3. وفي الدلائل للبيهقي: فلما وكل رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل جانب من الخندق قال المهاجرون يا سلمان احفر معنا. الحديث4. وليس فيه تحديد الناس والأذرع.

ورواه ابن جرير: عن ابن بشار عن محمد بن خالد بن عثمة عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده فذكره - وفيه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خط الخندق بين كل عشرة أربعين ذراعاً. قال واحتق1 المهاجرون والأنصار في سلمان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سلمان منا أهل البيت" قال عمرو بن عوف فكنت أنا وسلمان وحذيفة والنعمان بن مقرن وستة من الأنصار في أربعين ذراعاً. الحديث2. ولقد حفروا رضي الله عنهم بجد ونشاط وكانت المسافة طويلة وشاقة حيث كان الحفر من طرف بني حارثة - وبنو حارثة- في طرف الحرة الشرقية - إلى المذاد- من طرف بني سلمة بعد جبل بني عبيد من بني سلمة3. وكان هذا مع ما كان بهم من الجوع وبدائية الأدوات التي كانوا يستخدمونها إلا أن اعتمادهم على الله ثم على قوة إيمانهم به وبرسوله

وبمشروعية الدفاع عن الإسلام وعن النفس كل ذلك جعلهم ينجزون ما بدأوا فيه بسرعة فائقة إذا قيس بأعمال الآلات الحديثة اليوم. أما بالنسبة لتحديد المكان المحفور على ضوء الأدلة فقد قال صاحب المواهب1 اللدنية: روى الطبراني بسند لا بأس به عن عمرو بن عوف المزني أنه صلى الله عليه وسلم خط الخندق من أحمر الشيخين… وهما أطمان طرف بني حارثة حتى بلغ المذاد2. ولقد عمل صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة مع المسلمين ليقوي نشاطهم وتزداد رغبتهم كما أنه صلى الله عليه وسلم كان يبادلهم الأهازيج. لأن الشعر والتمثل به مما يزيد في النشاط. وبذلك جرت عادتهم في الحرب وأكثر ما يستعملون في ذلك الرجز3 لذلك روى البخاري رحمه الله حيث قال:

حدثنا عبد الله بن محمد1 حدثنا معاوية بن عمرو2 حدثنا أبو إسحاق3 عن حميد4 سمعت أنساً رضي الله عنه يقول: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم فلما رأى ما بهم من النصب والجوع قال: اللهم إن العيش عيش الآخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجرة. فقالوا مجيبين له: نحن الذين بايعوا محمداً ... على الجهاد ما بقينا أبداً5 ورواه مسلم من طريق محمد بن حاتم السمين بنفس اللفظ إلا أن فيه تقديماً وتأخيراً6. قال الحافظ قوله: "فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك" أي أنهم عملوا فيه بأنفسهم لاحتياجهم إلى ذلك لا لمجرد الرغبة في الأجر7

أقول: "إنه قد يفهم من كلام الحافظ أن الحاجة وحدها هي التي دفعتهم للعمل ولكنه واضح أن الرغبة في الأجر هي السمة الغالبة في ذلك وأن الحاجة مضافة إلى ذلك خصوصاً أولئك الذين مدحهم الله في أكثر من آية بأنهم أشداء على الكفار رحماء بينهم {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} 1 الآية. أما قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إن العيش عيش الآخرة" فقد بين الحافظ سبب هذا القول وهو لما رأى ما بهم من النصب والجوع قال ذلك. قال: "وعند الحارث بن أبي أسامة من مرسل طاوس زيادة في هذا الرجز: والعن عضلاً والقارة ... هم كلفونا ننقل الحجارة ثم قال: "والشطر الأول غير موزون ولعله" كان: "والعن الهي عضلاً والقارة". وفي الطريق الثانية لأنس أنه قال ذلك جواباً لقولهم: "نحن الذين بايعوا محمداً" قال: "ولا أثر للتقديم والتأخير فيه لأنه يحمل على أنه كان يقول" إذا قالوا ويقولون إذا قال.

قال: "وفيه أن إنشاد الشعر سبب للتنشيط في العمل وبذلك جرت عادتهم في الحرب وأكثر ما يستعملون في ذلك الرجز". وقال في قوله: "على الجهاد ما بقينا أبداً" في رواية عبد العزيز على الإسلام بدل - الجهاد - والأول اثبت1. وهذا الحديث ورد في عدة مواضع في صحيح البخاري2. أقول: "إن المسلم عليه أن يتأسى برسوله صلى الله عليه وسلم فحينما يرى البذخ الذي فيه بعض الناس والفقر الذي فيه آخرون - يقول - اللهم إن العيش عيش الآخرة. لأنها كلمة ترتفع بالنفس عن الدنيا الفانية وإغراءاتها المذلة". وقد جاء عند البخاري من طريق ثانية عن أنس وفيها قال البخاري رحمه الله: حدثنا أبو معمر3 حدثنا عبد الوارث4 عن

عبد العزيز1 عن أنس رضي الله عنه2 قال: "جعل المهاجرون والأنصار يحفرون الخندق حول المدينة وينقلون التراب على متونهم3 وهم يقولون: نحن الذين بايعوا محمداً ... على الإسلام ما بقينا أبداً قال: "يقول النبي صلى الله عليه وسلم وهو يجيبهم: اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة ... فبارك في الأنصار والمهاجرة. قال: "يؤتون بملئ كفِّى من الشعير فيصنع لهم بإهالة4 سنخة5 توضع بين يدي القوم والقوم جياع وهي بشعة6 في الحلق ولها ريح منتن"7… الحديث.

هكذا كان صلى الله عليه وسلم وأصحابه في صراع دائم مع الدنيا وإغراءاتها ولم تجد إليهم سبيلاً بل كانوا على يقين تام بأن الآخرة أحسن وأولى {وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى} 1. وكانوا يعملون هذه الأعمال المجيدة الشاقة دفاعاً عن هذا الدين الحنيف وهم في حالة صعبة حيث الجوع والبرد القارس ومع ذلك كانت عزائمهم صلبة تكسر الصخور. ومن أيقن مثلهم بخراب الدنيا وذهابها عمل لعمارة الآخرة ونسي الآلام كلها وتخطى كل العقبات. وقد روى البخاري حديثاً آخر بمعنى مقارب لما سبق قال فيه: حدثنا قتيبة2 حدثنا عبد العزيز3 عن أبي حازم4 عن

سهل بن سعد1 رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخندق وهم يحفرون ونحن ننقل التراب2 على أكتادنا3 فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للمهاجرين والأنصار" الحديث4. كما رواه مسلم5 والترمذي6 والطبراني7: أما الأماكن الواردة في الخندق فقد اختلف فيها كثيراً وقد يذكر البعض ما لا يذكره الآخر كما أنه يحدث في بعض الأحيان تصحيف لبعضها وخاصة المتشابهة في الحروف وسأذكر ما وجدته في كتب المؤرخين وبعد ذلك نستطيع المقارنة والحكم.

قال الفيروز أبادي1: "فحفر صلى الله عليه وسلم طولاً من أعلى وادي بطحان2 غربي الوادي مع الحرة إلى غربي المصلى يوم العيد ثم إلى مسجد الفتح ثم إلى الجبلين الصغيرين غربي الوادي وجعل المسلمون ظهورهم إلى جبل سلع وضرب قبته على موضع مسجد الفتح اليوم3 والخندق بينهم وبين المشركين". أ. هـ. وقد مر في الحديث الذي رواه كثير بن عبد الله المزني وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خط الخندق من أحمر (السبختين) وقد ظهر في الكلمة

بين قوسين تصحيف وأنها أجم الشيخين كما في الطبري1 والبيهقي2 وعلى ذلك (فاجم الشيخين) الأجم: بضمتين: الحصن3 والشيخان تثنية شيخ وهو موضع بالمدينة كان فيه معسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة خرج لقتال المشركين بأحد. وقيل: هما اطمان سميا به لأن شيخاً وشيخة كانا يتحدثان هناك4. وقال العياشي: "جاء فيما ساقه السمهودي عن الطبراني ما سماهما فيه باجم الشيخين والبيهقي في دلائل النبوة سماهما - الاجم السمر5 - وكل هذا ينطبق على الشيخين الاطمين المذكورين"6. ومن هنا بدأ مكان حفر الخندق وقد ورد في حديث - كثير - المتقدم خط الخندق من أحمر السبختين طرف بني حارثة وعليه فقد ذكر السمهودي - ضمن المساجد- مسجد بني حارثة وقد ذكر العياشي7 أن هذا المسجد يقع في طريق المستراح من الغرب أ. هـ.

أقول: "والمستراح موضع معروف اليوم على يسار الذاهب إلى شهداء أحد ويبعد عن المسجد النبوي بحوالي ثلاثة كيلو مترات. وهذا يعني أن مكان الخندق بشكل عام كما يذكره المؤرخون من حرة واقم إلى حرة الوبرة وهما تسميان اليوم (بالشرقية والغربية) ". لذلك قال العياشي1: "من هنا بدأ خط الخندق - وذلك حينما ذكر الاجم السمر- أو الشيخين - طرف بني حارثة التي عند القلعة التي تتوسط طريق الشهداء حتى تنتهي إلى المذاد من طرف بني سلمة أ. هـ. أما (المذاد) فقد حصل فيها اختلاف أيضا فقد ورد عند الهيثمي2 (المداحج) بالدال المهملة وعند الطبري3 وياقوت4 أنها المذاد وقال ياقوت: هو بالفتح وأخره دال مهملة وهو اسم المكان من ذاده يذوده إذا طرده" قال ابن الأعرابي: "المذاد والمزاد بالزاي المعجمة - المرتفع موضع بالمدينة حيث حفر النبي صلى الله عليه وسلم الخندق. وقيل: هو واد بين سلع وخندق المدينة. قال كعب بن مالك:

من سره ضرب يرعبل بعضه ... بعضاً كمعمعة الإباء المحرق فليات مأسدة تسل سيوفها ... بين المذاد وبين جزع الخندق أ. هـ. 1 وعليه فالمذاد ورد ذكره في هذا البيت كما ترى مما يدل على شهرته عندهم أما المداحج فلم أقف لها على ذكر في المصادر التي رجعت إليها ولعل فيها تصحيفاً. وهناك موضعان ورد ذكرهما في الخندق وهما - الندى، الصرى2- ولم أجد لهما ذكراً في معالم المدينة إلا أن هناك ذكراً لما يشابه الصرى حيث قال ياقوت: صرار، بكسر أوله وآخره مثل ثانيه وهي الأماكن المرتفعة التي لا يعلوها الماء يقال لها صرار، وصرار: اسم جبل وقيل موضع على ثلاثة أميال من المدينة على طريق العراق قاله الخطابي. أهـ3. أما بالنسبة للندى، ومع إني لم أجد لها ذكراً في المواقع إلا أني وجدت في دلائل النبوة للبيهقي ما قد يوضح هذا الالتباس، وإن لم

يوضحه فهو لا يخلو من فائدة، وعليه فقد روى اليبهقي من طريق كثير ابن عبد الله المزني حديثاً، وفيه قال عمرو بن عوف: فكنت أنا وسلمان وحذيفة بن اليمان والنعمان بن مقرن وستة من الأنصار في أربعين ذراعاً فحفرنا حتى بلغنا الثّديّ1 أخرج الله من بطن الخندق صخرة بيضاء مدّورة2. الحديث. وعلى ذلك فهذه الكلمة - الثدى- محتملة لما يأتي: 1- أنهم حفروا إلى ما يبلغ الثدى وفي هذا دلالة على عمق الخندق. 2- ويحتمل أنها الثرى -بالثاء المعجمة والراء المهملة- ويكون فيها تصحيف. والثرى بمعنى الندى3، وتكون الندى لا تصحيف فيها. وهذا يدل على أنه ليس هناك مكان معروف يسمى الندى، وإنما الندى هو الجود وهو المطر والبلل4، ويطلق على قطرات الماء التي تصبح على أوراق الأشجار. ولذلك قال الطبري والصرى هو الماء5.

عقب ذلك قال السفاريني1: وكان الخندق بسطة ونحوها وكان سلع الجبل خلف ظهورهم، والخندق من المذاد2 إلى ذباب3 إلى راتج4. وكان قد عمل فيه صلى الله عليه وسلم، وأصحابه -رضي الله عنهم- مستعجلين. ثم قال في الهامش تعليقاً على هذه الأماكن: المزاد: هو أطم لبني حرام غربي مساجد الفتح، وذباب: كغراب اسم جبل بالمدينة، وراتج: اسم أطم أيضاً. أهـ5. قال ابن سعد: "ولما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق، وكل بكل جانب منه قوماً

وكان المهاجرون من ناحية راتج إلى ذباب وكانت الأنصار من ذباب إلى جبل بني عبيد وكان سائر المدينة مشبكاً بالبنيان، فهي كالحصن وخندقت بنو عبد الأشهل عليها مما يلي راتج إلى خلفها حتى جاء الخندق من وراء المسجد، وخندقت بنو دينار من عند جربا إلى موضع دار ابن أبي الجنوب اليوم"1. ويستنتج من هذا وذاك أن أقصى نقطة من الشرق بالنسبة للخندق هي راتج، وآخر نقطة من الغرب جبل بني عبيد، وفيما بينهما جرى الحفر. أما المدة التي استغرقوها في أثناء الحفر ففيها أقوال: 1- قول ابن سعد "وفرغوا من حفره في ستة أيام، ورفع المسلمون النساء والصبيان في الآطام"2. 2 - وقول القسطلاني: "وقد وقع عند موسى بن عقبة أنهم أقاموا في عمل الخندق قريباً من

عشرين ليلة، وعند الواقدي أربعاً وعشرين ليلة. وعند النووي في الروضة خمسة عشر يوماً. وعند ابن القيم في الهدي النبوي شهراً". أهـ1. 3 - وقول السمهودي: "وما تقدم من فراغ الخندق في ستة أيام هو المعروف لكن قال الحافظ ابن حجر إن في مغازي ابن عقبة: أنهم أقاموا في عمله قريباً من عشرين ليلة ثم ساق الكلام كما ساقه القسطلاني ثم عقب قائلاً: "والذي في الهدي - وأقام المشركون شهراً- أي يحاصرون. وكذا ما قاله في الروضة إنما هو في الحصار وكذا ابن عقبة إنما ذكر ذلك في الحصار" ثم قال: "لكن نقل ابن سيد الناس عن ابن سعد أن المدة في عمل الخندق ستة أيام ثم قال وغيره يقول بضع عشرة ليلة، وقيل أربعاً وعشرين"2. قال القسطلاني: "ولست بواثق من هذا التعقيب فإن الحافظ نقل أولاً عن ابن عقبة أن مدة الحصار عشرون يوماً ثم بعد قليل ذكر هذا الخلاف في مدة الحفر وتوهيم مثله لا ينبغي"3.

4- قول المقريزي: "إنهم فرغوا من حفره في ستة أيام"1. 5- قول ابن الجوزي: "إن مدة الحصار كانت بضع عشرة ليلة، وقيل أربعاً وعشرين ليلة ثم قال: وفرغوا من حفره في ستة أيام"2. ومن المعاصرين: 6- محمد محمد أبو شهبة: "أثبت أنهم أتموا حفر الخندق في خلال ستة أيام"3. 7- أما عماد الدين خليل فقال: "وكان لتقسيم العمل وإسهام الرسول صلى الله عليه وسلم فيه إلى جانب أصحابه، والإيمان العميق الذي كان يدفع المسلمين إلى بذل كل طاقاتهم لإنجاز الخطة الدفاعية وشعورهم بعظم الخطر المحدق إن هوجمت المدينة قبل أن ينجز حفر الخندق. فضلاً عن تأميل الرسول صلى الله عليه وسلم جنده بالنصر القريب في الأرض والأجر العريض في السماء.

وكان لهذه الأمور جميعاً الأثر الحاسم في تمكين المسلمين من حفر الخندق الذي يمتد "اثنا عشر ألف ذراع"1. في ستة أيام قبل أن يدهمهم الأعداء.

_ 1 هذه المسافة تقدر بستة كيلوات.

الباب الرابع: وصول الأحزاب إلى مشارف المدينة

الباب الرابع: وصول الأحزاب إلى مشارف المدينة الفصل الأول: بيان عدد الجيش المبحث الأول: عدد جيش المشركين، وبيان قواده ... المبحث الأول: عدد جيش المشركين، وبيان قواده بعد أن اجتمع الوفد اليهودي بقيادة زعيمهم الحاقد حيي بن أخطب بقواد قريش وزعمائها، وبعد أن رجعوا فرحين بما جاء به ذلك الوفد المشؤوم الذي كشف الله أمره، ولعنه حيث قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً} 1 الآية. بعد ذلك كله اجتمع زعماء قريش في دار الندوة2 للمشاورة وخرجوا بقرار نهائي هو الموافقة على ما أراده اليهود منهم وقد صادف

هوى في نفوسهم ألا وهو استئصال الإسلام والقضاء على حامليه كما كانوا يعتقدون ذلك؛ لأن نظرتهم كانت تغتر بالعدد الكبير الذي حشدوه إلى أرض المعركة، ونسوا أن النصر من عند الله، وأنه هو الذي نصر المؤمنين مع قلتهم في بدرٍ وغيرها. تجاهلوا ذلك كله وكان يراودهم أمل متعلق بالكثرة الكاثرة التي ذهب اليهود من أجلها إلى غطفان وبقية القبائل المعادية للإسلام في ذلك الوقت. ولكنهم كما قال الله تعالى: {… وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} 1. وهم مع ذلك لا يعلمون أن الله سبحانه وتعالى قال: {…كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ …} 2 الآية. قال ابن إسحاق: "ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع

الأسيال من رومة1 بين الجرف وزغابة2 في عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تبعهم من بني كنانة، وأهل تهامة وأقبلت غطفان، ومن تبعهم من أهل نجد حتى نزلوا بذنب نقمي3 إلى جانب أحد"4، أهـ.

أما ابن سعد فقد قال في سياق حديثه عن الخندق: أخبرنا أبو الوليد الطيالسي1 أخبرنا أبو عوانة2 عن أبي بشر3 عن سعيد بن جبير قال كان يوم الخندق بالمدينة قال فجاء أبو سفيان بن حرب ومن معه من قريش ومن تبعه من كنانة … وعيينة بن حصن ومن تبعه من غطفان. وطليحة ومن تبعه من بني أسد وأبو الأعور السلمي ومن تبعه من بني سليم4 والأثر موقوف على سعيد بن جبير: "ورجال السند ثقات". وقد ذكر ابن سعد أن زعماء قريش دخلوا دار الندوة وعقدوا اللواء

فيها وحمله عثمان1 بن طلحة بن أبي طلحة، وذلك بعد أن ساق سنده الطويل، وفيه قال: قالوا2: "لما أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير ساروا إلى خيبر فخرج نفر من أشرافهم ووجوههم إلى مكة فألبوا قريشاً ودعوهم إلى الخروج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعاهدوهم على قتاله ووعدوهم لذلك موعداً ثم خرجوا من عندهم حتى أتوا غطفان وسليماً ففارقوهم على مثل ما اتفقوا عليه مع قريش". قال ابن سعد: "عندئذ تجهزت قريش وجمعوا أحابيشهم ومن تبعهم من العرب فكانوا أربعة آلاف وعقدوا اللواء في دار الندوة، وحمله عثمان بن طلحة ابن أبي طلحة، وقادوا معهم ثلاثمائة فرس وكان معم ألف وخمسمائة بعير قال: "وخرجوا يقودهم أبو سفيان بن حرب بن أمية"3، ووافقهم بنو سليم

بمر الظهران وهم سبعمائة يقودهم سفيان بن عبد شمس" أهـ. كلام ابن سعد1. وقد ذكر ذلك ابن إسحاق2، إلا أنه لم يذكر عدد جيش قريش ولكنه ذكر العدد الإجمالي لجيش الأحزاب وتابعه على ذلك ابن كثير3. أما الطبري فقد ساق حديثاً من طريق ابن إسحاق قال: "ثنى يزيد بن رومان في قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا…} 4 الآية. والجنود قريش وغطفان وبنو قريظة … الخ"5. ثم ساق حديثاً آخر طويلاً من طريق ابن إسحاق عن يزيد بن رومان عن عروة وعن محمد بن كعب القرظي وعن عاصم بن عمر بن قتادة، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم6 وفيه:

"فخرجت قريش وقائدها أبو سفيان بن حرب وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن والحارث بن عوف بن أبي حارثة المري في بني مرة ومسعود بن رخيلة1 الأشجعي فيمن تابعه من قومه من أشجع. فلما سمع بهم النبي صلى الله عليه وسلم، وبما اجتمعوا له من الأمر ضرب الخندق على المدينة فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع الأسيال من رومة بين الجرف والغابة2، في عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تابعهم من بني كنانة وأهل تهامة وأقبلت غطفان ومن تابعهم من أهل نجد حتى نزلوا بذنب نقمي إلى جانب أحد"3.

قال ابن القيم: "خرجت قريش وقائدهم أبو سفيان في أربعة آلاف ووافاهم بنو سليم بمر الظهران وخرجت بنو أسد وفزارة وأشجع وبنو مرة وجاءت غطفان وقائدهم عيينة بن حصن وكان من وافى الخندق من الكفار عشرة آلاف"1. أما الطبري فقد قال: "فخرجت قريش وقائدها أبو سفيان بن حرب وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري على بني فزارة والحارث بن عوف المري على بني مرة ومسعود بن رخيلة بن نويرة بن طريف بن سحمة بن عبد الله بن هلال بن خلاوة بن أشجع بن ريث بن غطفان فيمن تابعه من أشجع … الخ"2. وقد تابعه في هذا ابن حزم3، وابن الأثير 4، والقرطبي5.

عقب ذلك قال السيوطي: "وأخرج ابن إسحاق وابن مردويه عن ابن عباس قال أنزل الله في شأن الخندق وذكر نعمه عليهم وكفايته إياهم عدوهم بعد سوء الظن ومقالة من تكلم من أهل النفاق {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً} 1 الآية. وكانت الجنود التي أتت المسلمين أسداً وغطفان وسليماً … الخ"2. كما ذكر ابن الجوزي3: "أن عدد قريش كان أربعة آلاف رجل قادوا معهم ثلاثمائة فرس ومائة وخمسين بعيراً، وبنو سليم كانوا سبعمائة، وفزارة كانوا ألف رجل، وأشجع كانوا أربعمائة رجل، وبنو مرة كانوا أربعمائة"4 … وبه قال المقريزي5. أخيراً قال الحافظ ابن حجر، ذكر موسى بن عقبة في المغازي قال:

"خرج حيي بن أخطب بعد قتل بني النضير1 إلى مكة يحرض2 قريشاً على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرج كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق يسعى في غطفان، ويحضهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لهم نصف تمر خيبر فأجابه عيينة بن حصن الفزاري إلى ذلك وكتبوا إلى حلفائهم من بني أسد فأقبل إليهم طليحة بن خويلد فيمن أطاعه، وخرج أبو سفيان بن حرب بقريش فنزلوا بمر الظهران فجاء من أجابهم من بني سليم مدداً لهم فصاروا في جمع عظيم فهم الذين سماهم الله - الأحزاب - وذكر ابن إسحاق بأسانيده أن عدتهم عشرة آلاف3. نبذة عن القواد الخمسة المشاركين في هذه الغزوة ومتى كان إسلامهم:

1- أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية: أسلم يوم الفتح وشارك مع الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين والطائف بعد أن شارك في قتاله صلى الله عليه وسلم كثيراً. وقد ولد قبل الفيل بعشر سنين، وقد أعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم من غنائم حنين مائة بعير وأربعين أوقية كما أعطى المؤلفة قلوبهم، وأعطى ابنيه يزيد ومعاوية فقال له أبو سفيان: "والله إنك لكريم فداك أبي وأمي، والله لقد حاربتك فلنعم المحارب كنت، ولقد سالمتك فنعم المسالم أنت جزاك الله خيراً"، تولى على نجران في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى مكة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وسكنها مدة ثم عاد إلى المدينة فمات بها سنة إحدى وثلاثين، وقيل اثنتين وثلاثين، وقيل أربع وثلاثين، وقيل كان عمره ثمان وثمانين، وقيل ثلاثاً وتسعين سنة1. 2- أما عيينة بن حصن، كنيته أبو مالك فكان من الجفاة الغلاظ وكان اسمه حذيفة، وسمي عيينة لشتر كان بعينه، أسلم ثم ارتد، وآمن بطليحة حين تنبأ، وأخذه خالد بن الوليد أسيراً فأتي به أبا بكر -رضي الله عنه-، فمن عليه وروي أنه دخل المدينة مجموعة يداه إلى عنقه جعل الغلمان يطعنونه بأيديهم في بطنه وخاصرته،

ويقولون أي عدو الله ارتددت عن الإسلام فيقول، والله ما كنت آمنت قط1، ولم يزل مظهراً الإسلام على جفوته حتى مات وهو عم الحر بن قيس، وكان الحر رجلاً صالحاً من أهل القرآن، وكان عيينة أيضاً من المؤلفة قلوبهم، وهو الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم الأحمق المطاع لأنه كان في الجاهلية من الجرارين2 يقود عشرة آلاف قناة3. 3- الحارث بن عوف المري: وقد أسلم، ولم يذكر متى كان ذلك، وإنما قالوا4 قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلم وبعث معه رجلاً من الأنصار إلى قومه ليسلموا فقتلوا الأنصاري، ولم يستطع الحارث أن يمنع عنه وهو صاحب الحمالة في

حرب داحس والغبراء1، وأحد رؤوس الأحزاب يوم الخندق، وقد استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على قومه بني مرة. انتهى. قال ابن سعد: "وقد روى الزهري أن الحارث رجع ببني مرة فلم يشهد الخندق منهم أحد قال والأول أثبت أي أنهم - شهدوا الخندق مع الحارث بن عوف"2-. وعلى كلٍ فقد كان الحارث أحسن قواد الكفار، وأرجحهم عقلاً، وأقلهم حقداً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسلم وحسن إسلامه، وعد من الصحابة الكرام. 4- أبو الأعور السلمي: هو سفيان بن عمرو، وهو مشهور بكنيته، ولا يعلم متى أسلم كذا قال الحلبي3: "ولكنه شارك في القتال مع معاوية -رضي الله عنه- ضد علي -رضي الله عنه- يوم صفين4. وأنه كان على مقدمة جيش معاوية ذلك اليوم" أ: هـ.

5- مسعود بن رخيلة: هو مسعود بن رخلية بن نويرة بن طريف بن سحمة بن عبد الله بن هلال بن خلاوة بن أشجع الأشجعي كان قائد أشجع يوم الأحزاب مع المشركين، أسلم فحسن إسلامه، ذكر ذلك أبو جعفر الطبري1. 6- طليحة الأسدي: طليحة هذا كان أحد القواد لجيش الأحزاب حيث كان على رأس قومه بني أسد الذين جاءوا مساعدين لغطفان كما قيل. وعلى كلٍ فقد تنبأ طليحة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وأرسل إليه أبو بكر -رضي الله عنه- خالداً - رضي الله عنه-، وقد انضم إلى طليحة كثير من القبائل منهم عيينة بن حصن في سبعمائة من قومه بني فزارة ثم انهزم الناس عن طليحة فلما جاء المسلمون ركب على فرس قد أعدها له وأركب زوجته النوار على بعير له ثم انهزم بها إلى الشام وتفرق جمعه2. وقد قال ابن كثير: "إن طليحة ارتد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد عاد إلى الإسلام، وحسن إسلامه وشهد القتال مع خالد في بقية أيامه.

وقد سأل خالد - رضي الله عنه- بعض أصحاب طليحة ممن أسلموا عن الوحي الذي أخبرهم به فقال: إنه كان يقول: الحمام واليمام والصرد والصوام قد صمن قبلكم بأعوام ليبلغن ملكنا العراق والشام، إلى غير ذلك من الخرافات"1… وأسلم طليحة إسلاماً صحيحاً، وله في قتال الفرس في القادسية بلاءٌ حسنٌ، وقد أوصى عمر - رضي الله عنه- النعمان بن مقرن أن يستعين في حربه بطليحة وعمرو بن معدي كرب، وأن يستشيرهما في الحرب ولا يوليهما من الأمر شيئاً2. والخلاصة أن عدد جيش الكفار كان عشرة آلاف، وهو العدد الإجمالي الذي ذكره ابن إسحاق وغير واحد.

_ 1 البداية والنهاية 6/318، السيرة الحلبية 2/631. 2 أسد الغابة 3/66.

المبحث الثاني: عدد جيش المسلمين

المبحث الثاني: عدد جيش المسلمين جيش المسلمين هو ذلك الجيش الذي ضحى بالغالي والنفيس في سبيل الله في سبيل الدفاع عن هذا الدين الحنيف دين الله الذي قال فيه سبحانه: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} 1. هذا الجيش رغم قلة عدده وعدته فقد كان كثيراً قوياً بإيمانه وبعقيدته. وقد حصل في تقدير هذا الجيش خلاف على النحو التالي: 1- قال ابن إسحاق: "وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف من المسلمين" أ. هـ2. وتابعه في ذلك ابن سعد3 والطبري4 والبيهقي5 وابن عبد البر6 وابن الأثير7 وابن سيد الناس8 وابن كثير9 وذكره الديار بكري10

كما ذكره صاحب المواهب اللدنية1. 2- قال ابن حزم: "وقد قيل تسعمائة فقط قال: وهو الصحيح الذي لا شك فيه"2. 3- قال الديار بكري3: "بعد أن ذكر أن عدد جيش المسلمين ثلاثة آلاف قال وقيل: كان المسلمون ألفاً. هكذا بصيغة التمريض"4. قلت: "ولعل القائل بذلك ذهب إلى ما ورد في حديث جابر حيث قال: في سياق الحديث الذي فيه القصة التي أضاف5 فيها جابر النبي صلى الله عليه وسلم على عناق وصاع من شعير … وجاء الرسول صلى الله عليه وسلم بأهل الخندق كلهم إلى أن قال … وهم ألف"6. ولا يجزم بهذا أن عدد المسلمين كانوا ألفاً على ضوء هذا، وإنما هذا العدد هو الذي كان موجوداً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت في مأدبة جابر - ولعل … أكثرهم كان قد استأذن منه

صلى الله عليه وسلم لأنهم كانوا يتناوبون في الحفر كما هو معلوم. أما ابن القيم فقد قال: "إنهم كانوا ثلاثة آلاف ثم عقب قائلاً: وقال ابن إسحاق: "خرج في سبعمائة قال: وهذا غلط من خروجه يوم أحد"1. وقال القسطلاني وكانوا ثلاثة آلاف ثم قال: "قال الشافعي ووهم من قال كانوا سبعمائة"2. أما بالنسبة للرأي الثاني: فلم يشر أحد إليه وهو الذي ارتضاه ابن حزم ورفض ما عداه3 وإذا فلعل الأولى الرأي القائل بأنهم كانوا ثلاثة آلاف لكثرة القائلين بذلك والله أعلم. قال ابن سعد: "ولما تم حفر الخندق رفع المسلمون النساء والصبيان في الآطام وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لثمان ليال مضين4 من ذي القعدة وكان يحمل لواء المهاجرين زيد بن حارثة وكان يحمل لواء الأنصار سعد بن عبادة

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث سلمة بن أسلم1 في مائتي رجل وزيد بن حارثة في ثلاثمائة رجل يحرسون المدينة ويظهرون التكبير وذلك أنه كان يخاف على الذراري من بني قريظة. وكان عباد بن بشر2 على حرس قبته صلى الله عليه وسلم مع غيره من الأنصار يحرسونه كل ليلة3. قال ابن القيم: "وهو الذي كان على حرسه وقد حرسه الزبير بن العوام أيضاً يوم الخندق" قال ابن سيد الناس4: وقال ابن سعد في باب حراس النبي صلى الله عليه وسلم: "حرسه يوم بدر حين نام في العريش سعد بن معاذ ويوم أحد محمد بن مسلمة ويوم الخندق الزبير بن العوام"5.

وعندما استقر صلى الله عليه وسلم في معسكره المختار حسب الخطة العسكرية الناجحة نظم جنود المسلمين ووزعهم فبعضهم للحراسة على الخندق ومنافذه وبعضهم على قبته لأنها كانت مستهدفة من الأعداء. وكان صلى الله عليه وسلم يختلف بنفسه إلى ثلمة1 في الخندق يحرسها وكان الوقت شتاء شديد البرودة وقد روى البزار في ذلك حديثاً وفيه قال: حدثنا عبد الله بن شبيب2 ثنا إبراهيم بن المنذر3 ثنا إسماعيل بن داود4 ثنا مالك ابن أنس عن يحيى بن سعيد5 عن عمرة6 عن

عائشة قالت: "كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالخندق فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعاهد ثغرة من الجبل يخاف منها فيأتي فيضطجع في حجري ثم يقوم فيتسمع فسمع حسن إنسان عليه الحديد فانسل"1 في الجبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من هذا؟ ". فقال: "أنا سعد جئتك لتأمرني بأمرك" فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يثبت في تلك الثغرة". قالت عائشة: "فنام رسول الله في حجري حتى سمعت غطيطه2 فقالت عائشة لا أنساها لسعد"3. قال الهيثمي قلت: "في الصحيح طرف منه ثم قال: رواه البزار عن شيخه عبد الله بن شبيب وهو ضعيف"4. أما البزار فقال: "لا نعلم رواه إلا عائشة بهذا الإسناد". وقد روى البخاري ما يقويه ولكن بغير تصريح بذكر الخندق5

كما أورده الترمذي في مناقب سعد بن أبي وقاص1 بيد أنه لم يذكر أن ذلك كان في الخندق. لذلك قال ابن العربي. وكانت عائشة مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق وذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعاهد ثغرة من الجبل يحافظ عليها ثم يزلفه2 البرد ذلك اليوم فيأتي فيضطجع في حجري ثم يقوم فسمعت حس رجل عليه حديد وقد أسند في الجبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من هذا؟ " ثم ساق الحديث بمثل ما جاء عن البزار إلا أنه صرح بأنه سعد بن أبي وقاص3. وقد جاءت الرواية التي عند البخاري والتي عند الترمذي في المناقب مفسرة لما كان مبهماً عند البزار وهو سعد لأن السعود في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير فتبين بالروايتين أنه سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-. وحديث البزار وإن كان ضعيفاً إلا أن ما جاء عند البخاري والترمذي يقويه والحديث يدل بوضوح على: الشدة التي عاناها الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصحابه في هذه الغزوة وأن الخطر الذي أحدق بهم كان كبيراً حتى أنه صلى الله عليه وسلم كان يتعاهد تلك الثغرة بنفسه

يخاف على المسلمين منها وأن القائد عليه ما على جنوده من حراسة ومرابطة؛ بل إن القائد هو المثل الأعلى لجنوده والرسول صلى الله عليه وسلم كان خير قائد. قال المقريزي: "قالت أم سلمة - رضي الله عنها-: شهدت معه مشاهد فيها قتال وخوف المريسيع وخيبر وكنا بالحديبية وفي الفتح وحنين لم يكن من ذلك أتعب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أخوف عندنا من الخندق، وذلك أن المسلمين كانوا في مثل الحرجة1، وأن قريظة لا نأمنها على الذراري فالمدينة تحرس حتى الصباح نسمع تكبير المسلمين فيها حتى يصبحوا خوفاً. حتى ردهم الله بغيظهم لم ينالوا خيراً. قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يختلف إلى ثلمة في الخندق يحرسها فإذا آذاه البرد دخل قبته فأدفأته عائشة - رضي الله عنها- في حضنها2 فإذا دفئ خرج إلى تلك الثلمة يحرسها ويقول ما أخشى على الناس إلا منها.

_ 1 الحرج: أضيق الضيق. النهاية في غريب الحديث 1/361. 2 الحضن: مادون الإبط إلى الكشح وحضن الطائر بيضه إذا ضمه إلى نفسه. مختار الصحاح 142.

الفصل الثاني: تواطؤ اليهود مع المشركين وعزمهم على ضرب المسلمين من الخلف

الفصل الثاني: تواطؤ اليهود مع المشركين وعزمهم على ضرب المسلمين من الخلف لقد اشتد البلاء على المسلمين في هذه الغزوة بالذات؛ لأن قريشاً جاءت بحلفائها كما جاءت غطفان بكل قوادها وحلفائها مستهدفين استئصال الإسلام والمسلمين وفي أثناء الاستعداد لهذه الجموع الزاحفة جاء عدو الله حيي بن أخطب وهو أحد الأعضاء الذين حزبوا الأحزاب جاء إلى كعب بن أسد رئيس القبيلة الباقية من اليهود وهي قبيلة بني قريظة وجادله على نقض العهد وفتله في الذروة والغارب حتى وافق على ذلك بشروط تقبلها عدو الله حيي بن أخطب. وبنو قريظة كما هو معروف كانوا يسكنون في العوالي أي في الجنوب الشرقي من المدينة على وادي مهزور1 إذن فهم يعتبرون خلف المسلمين ويكونون أخطر على هذه الحال لأن الضربة من الوراء تؤثر أكثر حيث أن المسلمين يستعدون ومستحفزون لأعدائهم الذين أمامهم ولكن الله نصر المسلمين وخذل أعداءه وأعداءهم وقد وصف الله سبحانه

وتعالى ذلك البلاء وتلك الشدة التي أتت على المسلمين لم يأت عليهم مثلها حيث قال سبحانه: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً} 1. وقال تعالى مبيناً مظاهرة2 وموافقة اليهود (بني قريظة) للأحزاب: {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ3 وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَأُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً} 4. أما الجهد ومشقة العيش اللتان كان يعانيهما المسلمون وخاصة في هذه الغزوة فقد بينتها الأحاديث الصحيحة وغيرها. وسأورد ما يبين ذلك باختصار فمن ذلك ما رواه البخاري عن أبي

معمر المقعد عن عبد الوارث 1عن عبد العزيز2 عن أنس رضي الله عنه وفيه قال: يؤتون بملئ كفي من الشعير فيصنع لهم باهالة سنخة توضع بين يدي القوم والقوم جياع وهي بشعة في الحلق ولها ريح منتن … الخ3. كما روى أيضاً رحمه الله حديثاً آخر قال: حدثنا خلاد بن يحيى حدثنا عبد الواحد بن أيمن عن أبيه4 قال أتيت جابراً رضي الله عنه فقال: "إنا يوم الخندق نحفر فعرضت كدية شديدة إلى أن قال: ثم قام وبطنه معصوب بحجر ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقاً" … الحديث 5. وقد ورد هذا الحديث من وجه آخر عن سعيد بن مينا قال سمعت جابراً رضي الله عنه قال: "لما حفر الخندق رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم خمصاً شديداً … الخ" الحديث6. وكان صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعتمدون في أكلهم وشربهم على التمر والماء (الأسودين) يتضح ذلك باستعراض سنته صلى الله عليه وسلم وسيرته في مأكله ومشربه.

فقد روى ابن أبي شيبة عن عروة مرسلاً1 عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صاف المشركين يوم الخندق وكان يوماً شديداً لم يلق المسلمون مثله قط قال ورسوله الله صلى الله عليه وسلم جالس وأبو بكر معه جالس وذلك زمان طلع النخل وكانوا يفرحون به فرحاً شديداً لأن عيشهم فيه فرفع أبو بكر رأسه فبصر بطلعة وكانت أول طلعة رؤيت فقال هكذا بيده طلعة يارسول الله من الفرح فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "اللهم لا تنزع منا صالح ما أعطيتنا أو صالحاً أعطيتنا" 2 والأثر ضعيف حيث رواه عروة مرسلاً. أما الآثار الدالة على نقض بني قريظة العهد فهي كثيرة حسبي أن أورد بعضها مشيراً إلى الباقي: قال البخاري رحمه الله: حدثنا أحمد بن محمد3 أنبأنا عبد الله4 أخبرنا هشام بن عروة5

عن أبيه عن عبد الله بن الزبير1 قال: "كنت يوم الأحزاب جعلت أنا وعمر ابن أبي سلمة في النساء فنظرت فإذا أنا بالزبير على فرسه يختلف إلى بني قريظة مرتين أو ثلاثاً فلما رجعت قلت: "يا أبت رأيتك تختلف" قال أو هل رأيتني يابني قلت نعم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من يأت بني قريظة فيأتيني بخبرهم فانطلقت فلما رجعت جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه فقال فداك أبي وأمي2. وقال أيضاً: حدثنا أبو نعيم3 حدثنا سفيان4 عن محمد بن المنكدر5 عن جابر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من يأتيني بخبر القوم " قال الزبير: "أنا" فقال

النبي صلى الله عليه وسلم: "إن لكل نبي حوارياً وحواراي الزبير" 1. وقال رحمه الله: حدثنا صدقة2 أخبرنا ابن عيينة3 حدثنا بن المنكدر أنه سمع جابر بن عبد الله - رضي الله عنه- قال ندب4 رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس قال: "صدقة أظنه يوم الخندق فانتدب الزبير ثم ندب الناس فانتدب الزبير فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أن لكل نبي حوارياً وحواري الزبير بن العوام" 5. قال الحميدي وقال سفيان زاد هشام بن عروة وابن عمتي6. كما أخرجه مسلم7، وأحمد8، والترمذي9، وابن ماجه10

وقد أورده البخاري كما سبق من عدة طرق منها طريق أبي العباس مردويه والفضل بن دكين وصدقة ومحمد بن كثير والحميدي وقد رواه الحميدي عن ابن عيينة بالجزم (يوم الخندق) ولم يشك كما ظن صدقة ومن طريق علي بن عبد الله1 قال قلت لسفيان: فإن الثوري يقول: "يوم بني قريظة" فقال كذا حفظته منه كما أنك جالس (يوم الخندق) قال "سفيان هو يوم واحد وتبسم سفيان"2. وقال البيهقي3 رحمه الله: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن حاتم4 الدرابردي بمرو قال حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى البرتي5، حدثنا أبو

حذيفة1 حدثنا عكرمة بن عمار2 عن محمد بن عبيد3 أبي قدامة الحنفي عن عبد العزيز4 ابن أخي حذيفة قال ذكر حذيفة مشاهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال جلساؤه: "أما والله لو كنا شهدنا ذلك لفعلنا وفعلنا" فقال حذيفة: "لا تمنوا ذلك فلقد رأيتنا ليلة الأحزاب ونحن صافون قعوداً". وأبو سفيان ومن معه فوقنا وقريظة اليهود أسفل منا نخافهم على ذرارينا وما أتت علينا ليلة قط أشد ظلمة ولا أشد ريحاً في أصوات ريحها أمثال الصواعق وهي ظلمة ما يرى أحدنا اصبعه … الخ الحديث5. وقد أشار ابن كثير إلى هذه الرواية فقال:

"وقد أخرجه الحاكم والبيهقي في الدلائل من حديث عكرمة بن عمار عن محمد بن عبد الله الدؤلي عن عبد العزيز بن أخي حذيفة به"1… وقال السيوطي: "أخرج الحاكم وصححه وابن مردويه وابن عساكر وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل من طرق عن حذيفة بنفس اللفظ"2. كما أورده الطبري عن ابن حميد عن فتى من أهل الكوفة ولم يذكر فيه بني قريظة3. ولكنه رحمه الله أورد حديثاً آخر قال فيه: حدثنا ابن حميد قال ثنا سلمة قال ثنى محمد ابن إسحاق عن يزيد بن رومان وعن الزهري وعن عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وعن محمد بن كعب القرظي وعن غيرهم من علمائنا4 وفيه:

"وخرج عدو الله حيي بن أخطب النضري حتى أتى كعب بن أسعد القرظي صاحب عقد بني قريظة1، وعهدهم وكان قد وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه عاقده على ذلك وعاهده فلما سمع كعب بحيي بن أخطب أغلق دونه باب حصنه فاستأذن عليه فأبى أن يفتح له فناداه حيي ويحك2 يا كعب افتح لي قال ويحك يا حيي إنك امرؤ مشؤم وإني قد عاهدت محمداً فلست بناقض ما بيني وبينه ولم أر منه إلا وفاءً وصدقاً"، قال: "ويحك افتح أكلمك". قال: "ما أنا بفاعل قال والله إن أغلقت دوني إلا عن جشيشتك3 أن آكل معك منها فاحفظ4 الرجل ففتح له". فقال: "ويحك يا كعب جئتك بعز الدهر ببحر طام5 جئتك بقريش على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بمجتمع الأسيال من رومة، وبغطفان على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بذنب نقمي إلى جانب أحد. قد عاهدوني

وعاقدوني على أن لا يبرحوا1 حتى نستأصل محمداً ومن معه قال فقال له كعب جئتني والله بذل الدهر وبجهام2 قد هراق ماؤه فهو يرعد ويبرق ليس فيه شيء ويحك يا حيي فدعني وما أنا عليه فإني لم أر من محمد إلا صدقاً ووفاءاً فلم يزل حيي بكعب يفتله في الذروة والغارب3 حتى سمع له على أن أعطاه عهداً (من الله) وميثاقاً لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمداً أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك فنقض كعب بن أسد عهده وبرئ مما كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم"4. وقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم عيونه متحرياً عن نقض اليهود للعهد الذي أبرموه معه صلى الله عليه وسلم قال ابن إسحاق: فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر وإلى المسلمين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ بن النعمان وهو يومئذ سيد الأوس وسعد بن عبادة بن دليم أحد بني ساعدة بن كعب بن الخزرج وهو يومئذ سيد الخزرج ومعهما عبد الله بن رواحة أخو بني الحارث بن الخزرج وخوات بن جبير

أخو بني عمرو بن عوف فقال انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا؟ فإن كان حقاً فالحنوا لي لحناً1 أعرفه ولا تفتوا في أعضاد الناس وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا به للناس. قال فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم (فيما) 2 نالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا من رسول الله؟ لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد، فشاتمهم سعد ابن معاذ3 وشاتموه، وكان رجلاً فيه حدة فقال له سعد بن عبادة دع عنك مشاتمتهم فما بيننا وبينهم أربى4 من المشاتمة ثم أقبل سعد وسعد ومن معهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلموا عليه ثم قالوا عضل والقارة أي كغدر عضل والقارة بأصحاب الرجيع خبيب وأصحابه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر أبشروا يا معشر المسلمين" 5.

وقد أورد ابن كثير هذه القصة وفيها زيادة حسنة فقال بعد أن ذكر محاورة حيي بن أخطب لكعب: وقد تكلم عمرو بن سعد القرظي1 فأحسن فيما ذكره موسى بن عقبة. ذكرهم ميثاق رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده ومعاقدتهم إياه على نصره وقال: "إذا لم تنصروه فاتركوه وعدوّه" ثم قال2: قال ابن إسحاق: "فلم يزل حيي بكعب يفتله في الذروة والغارب حتى سمع له - يعني في نقض عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي محاربته مع الأحزاب ثم ساق الحديث… إلى أن قال: قال موسى بن عقبة وأمر كعب بن أسد وبنو قريظة حيياً أن يأخذ لهم من قريش وغطفان رهائن تكون عندهم لئلا ينالهم ضيم إن هم رجعوا ولم يناجزوا محمداً. قالوا وتكون الرهائن تسعين رجلاً3 من أشرافهم فنازلهم4 حيي

على ذلك فعند ذلك نقضوا العهد ومزقوا الصحيفة التي كان فيها العقد إلا بني سعنة1 أسد وأسيد وثعلبة فإنهم خرجوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم". قال ابن إسحاق: "فلما انتهى الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى المسلمين بعث سعد بن معاذ سيد الأوس، وسعد بن عبادة سيد الخزرج ومعهما عبد الله بن رواحة وخوات بن جبير"2. قال: "انطلقوا حتى تأتوا هؤلاء القوم فتنظروا أحق ما بلغنا عنهم فإن كان حقاً فالحنوا لى لحناً أعرفه ولا تفتوا في أعضاد المسلمين وإن كانوا على الوفاء فاجهروا به للناس" 3. قال4: "فخرجوا حتى أتوهم" قال موسى ابن عقبة: "فدخلوا معهم حصنهم فدعوهم إلى الموادعة وتجديد الحلف فقالوا الآن وقد كسر جناحنا وأخرجهم يريدون - بني نضير - ونالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل سعد بن عبادة يشاتهم فأغضبوه فقال له سعد بن معاذ: "والله ما جئنا لهذا ولما بيننا أكبر من المشاتمة".

ثم ناداهم سعد بن معاذ فقال: "إنكم قد علمتم الذي يبننا وبينكم يا بني قريظة وأنا خائف عليكم مثل يوم بني النضير أو أمرَّ منه فقالوا - لعنهم الله - أكلت ايرأبيك فقال غير هذا من القول كان أجمل بكم وأحسن". وقال ابن إسحاق1: "نالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا من رسول الله؟ لا عهد بيننا وبين محمد فشاتمهم سعد بن معاذ وشاتموه وكارجلاً فيه حدةٌ "2 وقد تقدم كلام ابن إسحاق. تنبيه: ذكر ابن إسحاق3 أن الذي كان فيه حدة من السعدين رضي الله عنهما هو سعد بن معاذ. أما الطبري4 فقد بين في كتابه أنه ابن عبادة وتبعه البيهقي5 ونقل ابن سيد الناس عن ابن عائذ أنه سعد بن عبادة6.

أما ابن كثير فقد اكتفى بالنقل عن ابن إسحاق وموسى بن عقبة ولم يرجح1. أما صاحب السيرة الحلبية فقال: "فشتمهم سعد بن معاذ وهم - حلفاؤه - أي وقيل سعد بن عبادة أي وكان فيه حدة فشاتموه قال ولا مانع من وجود الأمرين" أ. هـ. 2 وقد تابع في ذلك ابن خلدون بدليل أنهم أحلافه ومواليه3. أقول وهذا الذي ذكره صاحب السيرة الحلبية هو أوجه حيث أنه ذكر أنه شتمهم لأنهم حلفاؤه وإذا كانت هناك حدة فلم تذكر في ترجمتهما وإنما قد يكون المشهور بالحدة هو ابن عبادة رضي الله عنه؛ لأنه ذكر أنه كانت فيه غيرة شديدة - وهي مذكورة في كتب التاريخ والسنة- وقد يغضب ويغار عندما يسمع سب الرسول صلى الله عليه وسلم فيشاتمهم ومن هنا قد تأتي الحدة المذكورة والأرجح أنه سعد بن معاذ رضي الله عنه للتعليل الذي ذكره ابن خلدون وتبعه الحلبي.

وقال ابن كثير1: عند تفسيره لقوله تعالى: {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَأُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً} 2. قال: "قد تقدم أن بني قريظة لما قدم جنود الأحزاب ونزلوا على المدينة. نقضوا ما كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد وكان ذلك بسفارة حيي بن أخطب النضري لعنه الله دخل حصنهم ولم يزل بسيدهم كعب بن أسد حتى نقض العهد". وعند قوله تعالى: {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} . قال: "يعني بني قريظة من اليهود من بعض أسباط بني إسرائيل كان قد نزل آباؤهم الحجاز قديماً طمعاً في إتباع النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عن هم في التوراة الإنجيل. {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} 3.

وعند قوله تعالى: {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} قال: "هو الخوف لأنهم كانوا مالؤا المشركين على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس من يعلم كمن لا يعلم واخافوا المسلمين وراموا قتلهم ليعزواهم - في الدنيا - ويسودوا فيها- فانعكس عليهم الحال وانقلب إليهم القتال وانشمر المشركون ففازوا بصفقة المغبون فكما راموا العز ذلوا وأرادوا استئصال المسلمين فاستؤصلوا … الخ". ثم قال في ختام ذلك: "وأضيف إلى ذلك شقاوة الآخرة فصارت الجملة أن هذه هي الصفقة الخاسرة. ولهذا قال تعالى: {فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً} الآية1. فالذين قتلوا هم المقاتلة والأسراء هم الأصاغر والنساء"2. أ. هـ. وأخيراً أود أن أشير إلى أنه قد مر بنا في الأحاديث الصحيحة أن الذي ذهب لكشف خبر بني قريظة هو الزبير بن العوام. كما أنه مر أن الذي قام بنفس المهمة السعدان وابن رواحة وخوات بن جبير رضي الله عنهم وإزاء هذا الأشكال قال الحافظ3:

"قد استشكل ذكر الزبير في هذه القصة فقال شيخنا ابن الملقن1 اعلم أنه وقع هنا أن الزبير هو الذي ذهب لكشف خبر بني قريظة والمشهور كما قاله شيخنا أبو الفتح اليعمري"2. أن الذي توجه ليأتي بخبر القوم حذيفة كما روينا من طريق ابن إسحاق وغيره. قلت3. وهذا الحصر مردود فإن القصة التي ذهب لكشفها غير القصة التي ذهب حذيفة لكشفها. فقصة الزبير كانت لكشف خبر بني قريظة هل نقضوا العهد بينهم وبين المسلمين ووافقوا قريشاً على محاربة المسلمين. وقصة حذيفة كانت لما أشتد الحصار على المسلمين بالخندق وتمالأت عليهم الطوائف، ثم وقع بين الأحزاب الاختلاف والقصة في ذلك مشهورة4. وستأتي إن شاء الله.

وهذا الخلاف الذي ساقه الحافظ قد أغفل ما ذكره أصحاب المغازي والسير وقد ذكروا أن الوفد الذي تم إرساله هو السعدان ومن معهما. ويمكن الجمع بين هذه الأقوال: بأن الزبير بن العوام رضي الله عنه ذهب للاستكشاف العام والملاحظة، وهل عند بني قريظة استعداد ظاهر يدل على نقضهم العهد أو لا؟، وقد عاد يقول بأنهم يصلحون حصونهم ويدربون طرقهم وقد جمعوا ماشيتهم. أما السعدان ومن معهما فكان استكشافهم خاصاً حيث دار الحوار بينهم وبين اليهود وظهر للعيان نقضهم للعهد وخبثهم. وقد ذكر المقريزي1: "أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث خوات بن جبير لينظر غرة لنبي قريظة فكمن لهم فحمله رجل منهم وقد أخذه النوم فأمكنه الله من الرجل وقتله ولحق بالنبي صلى الله عليه وسلم فأخبره. وفيه غرابة. ووجه الغرابة - أن اليهود وبعد نقضهم العهد ووضوح خبثهم والوقت ليس هزل بل هو وقت خوف وشدة على الجانبين وكلاهما يتمنى أن يقتل من الجانب الآخر من ظفر به فكيف

يتسنى فعل هذا وكيف يقدم على حمل عدوه ويأمنه وهو أعلى منه والله أعلم. أما قصة حذيفة فهي واضحة لورودها في الصحيح وهي أنها كانت في اللحظات الأخيرة من الشدة والبلاء. وبعدها نصر الله دينه ورسوله وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده حيث عاد رضي الله عنه يبشر الرسول صلى الله عليه وسلم بانصراف الأحزاب وأنه رأي أبا سفيان قد ركب بعيره وهو معقول"1.

_ 1 فقه السيرة 333.

الفصل الثالث: تخذيل المنافقين للصف الإسلامي

الفصل الثالث: تخذيل المنافقين للصف الإسلامي ... الفصل الثالث: في تخذيل المنافقين للصف الإسلامي موقف المنافقين وخذلانهم للمسلمين في الأوقات الحرجة أوقات الضيق والمواقف الصعبة بينها الله سبحانه وتعالى أولاً بأول ونحن عندما نستعرض القرآن الكريم نجد وفي أول سورة منه وهي البقرة1 بين لنا الله سبحانه وتعالى مبدأهم وأنهم إنما يخادعون الله بأعمالهم وما شعروا أنهم لا يخدعون إلا أنفسهم بين الله سبحانه هذا الموقف بقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} 2، وبين سبحانه وتعالى أن في قلوبهم مرضاً وزادهم الله مرضاً فتأصل فيهم المرض وذلك بعد أن وضح لهم الطريق على لسان محمد صلى الله عليه وسلم قال ابن كثير3: "وإنما نزلت صفات المنافقين في السور المدنية لأن مكة لم يكن فيها نفاق بل كان خلافه، بين الناس من كان يظهر الكفر وهو في الباطن مؤمن فلما هاجر رسول الله

صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وكان بها الأنصار من الأوس والخزرج، وكانوا في جاهليتهم يعبدون الأصنام على طريقة مشركي العرب، قال فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأسلم من أسلم من الأنصار ولم يكن إذ ذاك نفاق أيضاً؛ لأنه لم يكن للمسلمين شوكة تخاف، أقول: إن الحسد كان من مقومات نفاقهم - فلما كانت وقعة بدر العظمى وأظهر الله كلمته وأعز دينه قال عبد الله بن أبي بن سلول وكان رأساً في المدينة وهو من الخزرج وكان سيد الطائفتين في الجاهلية وكانوا قد عزموا على أن يملكوه عليهم فجاءهم الخير وأسلموا واشتغلوا عنه فبقي في نفسه من الإسلام وأهله فلما كانت وقعة بدر قال: هذا أمر قد توجه فأظهر الدخول في الإسلام ودخل معه طوائف ممن هم على طريقته ونحلته وآخرون من أهل الكتاب فمن ثم وجد النفاق في أهل المدينة ومن حولها من الأعراب" أ. هـ. قال1: "وقد نبه الله سبحانه على صفات المنافقين لئلا يغتر بظاهر أمرهم المؤمنون فيقع بذلك فساد عريض ولذلك قال سبحانه لنبيه موضحاً له ما ينطوون عليه من الكذب. {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} 2.

وقال ابن القيم: "وقد هتك الله سبحانه أستار المنافقين وكشف أسرارهم في القرآن وجلى لعباده أمورهم ليكونوا منها، ومن أهلها على حذر وذكر طوائف العالم الثلاث في أول سورة البقرة المؤمنين والكفار والمنافقين فذكر في المؤمنين أربع آيات، وفي الكفار آيتين، وفي المنافقين ثلاث عشر آية لكثرتهم وعموم الابتلاء بهم، وشدة فتنتهم على الإسلام وأهله فإن بلية الإسلام بهم شديدة جداً لأنهم منسوبون إليه وإلى نصرته وموالاته وهم أعداؤه في الحقيقة يخرجون عداوته في كل قالب يظن الجاهل أنه علم وإصلاح، وهو غاية الجهل والإفساد ثم استطرد قائلاً فلله كم من معقل للإسلام قد هدموه، وكم من حصن له قد قلعوا أساسه وخربوه وكم من علم له قد طمسوه" … الخ1. واستمر هذا الوضع الخطير حتى جاءت غزوة أحد وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لملاقاة أعدائه حتى إذا كانوا بين المدينة وأحد انخذل عنه عبد الله ابن أبي بن سلول بثلث الناس، وقال أطاعهم وعصاني2 ما ندري علام

نقتل أنفسنا ها هنا أيها الناس فرجع بمن إتبعه من قومه من أهل النفاق، والريب هكذا قال ابن إسحاق1 واستمر وضعهم هذا حتى جاءت هذه الغزوة - غزوة الخندق- فأنزل الله سبحانه وتعالى فيهم سورة الأحزاب كما قال شيخ المفسرين وابن كثير وصاحب2 الفتوحات الإلهية3 أنها نزلت في المنافقين وإيذائهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أما الآيات من سورة الأحزاب فقد ذكر سبحانه المنافقين في تسع آيات منها حيث قال تعالى بعد أن ذكر وامتن على عباده المؤمنين بنعمته عليهم وصرف عدوهم، وبين مجئ الأحزاب والحالة الشديدة التي عاناها المسلمون والبلاء الذي امتحنهم الله به فثبت المؤمنون وانكشف أعداء الله المنافقون فقال تعالى: 1- {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً} 4.

2- {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً} 1. 3- {وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيراً} . 4- {وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولاً} . 5- {قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً} . 6- {قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} . 7- {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً} . 8- {أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً} . 9- {يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً} 2.

وسأورد ملخصاً بتفسير الآيات من تفسير ابن كثير حيث قال في قوله تعالى: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ} . يقول تعالى مخبراً عن ذلك الحال حين نزلت الأحزاب حول المدينة والمسلمون محصورون في غاية الجهد والضيق ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم أنهم ابتلوا واختبروا وزلزلوا زلزالاً شديداً فحينئذ ظهر النفاق وتكلم الذين في قلوبهم مرض بما في أنفسهم ثم قال بعد إيراد الآية الأولى - {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ …} : أما المنافق فنجم نفاقه، والذي في قلبه شبهة أو حسكة لضعف حاله فتنفس بما يجده من الوسواس في نفسه لضعف إيمانه، وشدة ما هو فيه من ضيق الحال، وقوم آخرون قالوا كما قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ} يعني المدينة كما جاء في الصحيح1: "أريت في المنام دار هجرتكم أرض بين حرتين فذهب وهلى2 أنها هجر فإذا هي يثرب". قوله: {لا مُقَامَ لَكُمْ} 3. أي ها هنا يعنون عند النبي صلى الله عليه وسلم في مقام المرابطة. أما ابن الجوزي4 فقد قال: "إن المنافقين قالوا ذلك لكثرة العدو"

قال: وهذا قول الجمهور قال: "وحكى الماوردي قولين آخرين أحدهما: لا مقام لكم على دين محمد فارجعوا إلى دين مشركي العرب قاله الحسن1، والثاني لا مقام لكم على القتال فارجعوا إلى طلب الأمان قاله الكلبي". أ. هـ2. وقوله {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ} قال العوفي عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: "هم بنو حارثة قالوا بيوتنا نخاف عليها السراق" قال ابن كثير: "وكذا قال غير واحد، قال وذكر ابن إسحاق أن القائل لذلك هو أوس بن قيظي يعني اعتذروا في الرجوع إلى منازلهم بأنها عورة أي ليس دونها ما يحجبها من العدو فهم يخشون عليها منهم ثم كذبهم الله فقال {وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ} أي ليست كما يزعمون {إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً} أي هرباً من الزحف"3.

قوله تعالى: {وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيراً …} الآيات. قال ابن كثير: "يخبر تعالى عن هؤلاء الذين {يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ… الآية} أنهم لو دخل عليهم الأعداء من كل جانب من جوانب المدينة وقطر من أقطارها ثم سئلوا الفتنة وهي الدخول في الكفر لكفروا سريعاً. وهم لا يحافظون على الإيمان ولا يستمسكون به مع أدنى خوف وفزع … وهذا ذم لهم في غاية الذم". ثم قال تعالى يذكرهم بما كانوا عاهدوا الله من قبل هذا الخوف أن لا يولوا الأدبار ولا يفرون من الزحف: {وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولاً} أي وأن الله تعالى سيسألهم عن ذلك العهد لابد من ذلك. ثم قال تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ …} الآيات1.

وقال: "يخبر تعالى عن احاطة علمه بالمعوقين لغيرهم عن شهود الحرب والقائلين لإخوانهم أي أصحابهم وعشرائهم وخلطائهم {هَلُمَّ إِلَيْنَا} أي إلى ما نحن فيه من الإقامة في الظلال والثمار وهم مع ذلك {وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً} ويستمر سبحانه وتعالى يبين لنبيه صفات هؤلاء المنافقين وأنهم من جبنهم وخوفهم {يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً} وذلك لضعف يقينهم والله سبحانه وتعالى العالم بهم"1. الآثار الواردة في ذلك: قال الطبري رحمه الله: حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة قوله: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً} 2 قال: "قال ذلك أناس من المنافقين قد كان محمد يعدنا فتح فارس والروم وقد حصرنا ههنا ما يستطيع أحدنا أن يبرز لحاجته ما وعدنا ورسوله إلا غرورا3. والأثر على ضوء هذا السند يعتبر حسناً".

وقال رحمه الله: حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد1 قال: "قال رجل يوم الأحزاب لرجل من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم يا فلان أرأيت إذ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، وإذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله" فأين هذا من هذا وأحدنا لا يستطيع أن يخرج يبول من الخوف {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً} فقال له كذبت لأخبرن رسول الله خبرك قال: فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فدعاه فقال: ما قلت؟ فقال: كذب عليّ يا رسول الله ما قلت شيئاً ما خرج هذا من فمي قط قال الله {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ} حتى بلغ {وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} قال فهذا قول الله {إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ} " 2. والأثر ضعيف لضعف ابن زيد لكنه يتقوى بانضمام غيره إليه. وقال: حدثنا ابن بشار3 قال ثنا محمد بن خالد بن عثمة قال ثنا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني قال ثنى أبي عن أبيه قال: "خط رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق … وساق الحديث إلى أن قال:

"فحفرنا تحت دوبار حتى بلغنا الصرى أخرج الله من بطن الخندق صخرة بيضاء مروة فكسرت حديدنا وشقت علينا فقلنا يا سلمان ارق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبر هذه الصخرة فإما أن نعدل عنها فإن المعدل1 قريب وإما أن يأمرنا فيها بأمره فإنا لا نحب أن نجاوز خطه فرقى سلمان حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ضارب عليه قبة تركية2 فقال يا رسول الله بأبينا أنت وأمنا خرجت صخرة بيضاء من بطن الخندق مروة3 فكسرت حديدنا وشقت علينا حتى ما يجئ منها قليل ولا كثير فمرنا بأمرك فإنا لا نحب أن نجاوز خطك". فهبط رسول الله صلى الله عليه وسلم مع سلمان في الخندق ورقينا نحن التسعة على شفة الخندق فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم المعول من سلمان فضرب الصخرة ضربة صدعها وبرقت منها برقة أضاءت ما بين لابتيها4 يعني لابتي المدينة حتى لكأن مصباحاً في جوف بيت مظلم فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير فتح وكبر المسلمون.

وضربها رسول الله صلى الله عليه وسلم الثانية فصدعها وبرقت منها برقة أضاءت ما بين لابتيها حتى لكأن مصباحاً في جوف مظلم فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير فتح وكبر المسلمون، ثم ضربها الثالثة فكسرها وبرقت منها برقة أضاءت ما بين لابتيها حتى لكأن مصباحاً في جوف مظلم فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير فتح. ثم أخذ بيد سلمان فرقى. فقال سلمان بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد رأيت شيئاً ما رأيته قط فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "هل رأيتم ما يقول سلمان؟ قالوا نعم يا رسول الله بأبينا أنت وأمنا"1. قد رأيناك تضرب فيخرج برق كالموج فرأيناك تكبر فنكبر ولا نرى شيئاً غير ذلك قال: "صدقتم ضربت ضربتي الأولى فبرق الذي رأيتم أضاء لي منه قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب فأخبرني جبرائيل عليه السلام أن أمتي ظاهرة عليها. ثم ضربت ضربتي الثانية فبرق الذي رأيتم أضاء لي منها قصور الحمر من أرض الروم كأنها أنياب الكلاب وأخبرني جبرائيل أن أمتي ظاهر عليها.

ثم ضربت ضربتي الثالثة وبرق منها الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب وأخبرني جبرائيل عليه السلام أن أمتي ظاهرة عليها فأبشروا يبلغهم النصر وأبشروا يبلغهم النصر وأبشروا يبلغهم النصر " فاستبشر المسلمون وقالوا: الحمد لله موعود صدق بأن وعدنا الله النصر بعد الحصر. فطبقت الأحزاب فقال المسلمون: { ... هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ …} . الآية1. وقال المنافقون: "ألا تعجبون يحدثكم ويمنيكم ويعدكم الباطل يخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم وأنتم تحفرون الخندق من الفرق2. ولا تستطيعون أن تبرزوا"3. وأنزل القرآن {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً} 45.وهكذا انتهى هذا الحديث الطويل مع أني اختصرت أوله؛ بل حذفته ومداره على كثير المزني وهو ضعيف كما تقدم إلا أن الحديث يتقوى بالشواهد والمتابعات.

وقد جاء بمعناه عند النسائي1 إلا إن عنده في الضربة الثالثة قال "فرفعت لي مدائن الحبشة" وأخرجه أبو نعيم2. كما أخرجه البيهقي3 بلفظ مقارب له وقد ذكره ابن كثير4 وقال في آخره: حديث غريب. وقد ذكر ابن كثير عن الطبراني حديثاً يقوي الحديث السابق وهو مطابق له في المعنى مخالف له في اللفظ من طريق عبد الله بن يزيد5 وفيه قال: "فلما أتاها أخذ المعول فضرب به ضربة وكبر فسمعت هدة لم أسمع مثلها قط" فقال: "فتحت فارس، ثم ضرب أخرى فكبر فسمعت هدة لم أسمع مثلها قط" فقال: "فتحت الروم، ثم ضرب أخرى فكبر فسمعت هدة لم أسمع مثلها قط فقال: جاء الله بحمير أعوانا وأنصاراً" الحديث6.

قال ابن كثير: "حديث غريب من هذا الوجه وقال: عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي - أحد رجال السند- فيه ضعف- إلا أنه لم يرد فيه ذكر للمنافقين. ثم أورد حديثاً آخر عند الطبراني وهو عن عكرمة عن ابن عباس وفيه قال: "اذهبوا بنا إلى سلمان وإذا صخرة بين يديه قد ضعف عنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوني فأكون أول من ضربها وقال بسم الله فضربها فوقعت فلقة ثلثها فقال: الله أكبر قصور الشام ورب الكعبة، ثم ضرب أخرى فوقعت فلقة فقال الله أكبر قصور فارس ورب الكعبة. فقال عندها المنافقون نحن نخندق على أنفسنا وهو يعدنا قصور فارس والروم" 1. وقد سكت ابن كثير عن هذا الحديث أما الهيثمي2 فقال: "رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن أحمد ونعيم العنبري وهما ثقتان". وهذه الأحاديث متقاربة المعنى ويشد بعضها بعضا.

قال الطبري: حدثنا ابن حميد قال ثنا سلمة عن ابن إسحاق قال ثنى يزيد بن رومان في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ} 1 الآية إلى قوله تعالى … فرارا} . يقول أوس بن قيظي: "ومن كان على ذلك من رأيه من قومه2. والسند إلى يزيد بن رومان فيه ضعف لضعف ابن حميد". قال ابن إسحاق: "وحتى قال أوس بن قيظي أحد بني حارثة بن الحارث يا رسول الله: إن بيوتنا عورة من العدو وذلك في ملأ من قومه"أ: هـ3. وقال السيوطي: "وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الدلائل عن عروة بن الزبير ومحمد بن كعب القرظي قالا قال متعب بن قشير كان محمداً يرى أن يأكل من كنوز كسرى وقيصر وأحدنا لا يأمن أن يذهب إلى الغائط.

وقال أوس بن قيظي في ملأ من قومه بني حارثة: "إن بيوتنا عورة وهي خارجة من المدينة آئذن لنا فنرجع إلى نسائنا وأبنائنا وذرارينا" فأنزل الله على رسوله حين فرغ منهم ما كانوا فيه من البلاء يذكر نعمته عليهم وكفايته إياهم بعد سوء الظن منهم ومقالة من قال من أهل النفاق: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا…} الخ الآية1. ثم قال الطبري معقباً على ذلك عند قوله تعالى: {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيّ} الآية قال: "يقول تعالى ذكره: ويستأذن بعضهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإذن بالانصراف عنه إلى منزله ولكنه يريد الفرار والهرب من عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم"2. قال الطبري رحمه الله: حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة في قوله تعالى: {وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا} أي لو دخل عليهم من نواحي المدينة ثم سئلوا الفتنة أي الشرك {لَآتَوْهَا} 3 يقول: لأعطوها {وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيراً}

يقول: "إلا أعطوها طيبة بها أنفسهم"1… وعند قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولاً} الآية2. وقال رحمه الله: حدثنا ابن حميد قال ثنا سلمة عن ابن إسحاق قال ثني يزيد بن رومان في قوله: {وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ} الآية وهم بنو حارثة وهم الذين هموا أن يفشلوا يوم أحد مع بني سلمة حين هما بالفشل يوم أحد ثم عاهدوا الله لا يعودون لمثلها فذكر الله لهم الذي أعطوه من أنفسهم3. مشيراً بذلك إلى قوله تعالى: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} 4. وقال السيوطي أيضا: "أخرج ابن أبي حاتم عن السدي5 رضي الله عنه في قوله:

{وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا} قال: "إلى المدينة عن قتال أبي سفيان {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ} قال: "جاءه رجلان من الأنصار من بني حارثة أحدهما يدعى أبا عرابة بن أوس والآخر يدعى أوس بن قيظي فقالا يارسول الله: "أن بيوتتنا عورة يعنون أنها ذليلة الحيطان وهي في أقصي المدينة ونحن نخاف السرق فائذن لنا فقال الله {وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً} " الآية1. وقال الطبري رحمه الله: حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة في قوله: {وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ} الآية. قال: "كان ناس غابوا عن وقعة بدر ورأوا ما أعطى الله أصحاب بدر من الكرامة والفضيلة" فقالوا: "لئن أشهدنا الله قتالاً لنقاتلن فساق الله ذلك إليهم حتى كان في ناحية المدينة"2. هذا الأثر سنده حسن إلى قتادة حيث إن بشر العقدي صدوق ويزيد وسعيد ثقتان. وهكذا بين الله سبحانه وتعالى لنبيه بأن هؤلاء الذين

يستأذنون بأنه لن ينفعهم الفرار وذلك في قوله تعالى: {قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} .الآيات1. وقال بالنسبة للمعوقين: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً} 2. أما الآثار فقد قال الطبري رحمه الله: حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة في قوله: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ} : "قال هؤلاء ناس من المنافقين كانوا يقولون لإخوانهم ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس ولو كانوا لحماً لا لتهمهم أبو سفيان وأصحابه دعوا هذا الرجل فإنه هالك. وقوله: {وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً} أي لا يشهدون القتال يغيبون عنه" … الخ3. وسند هذا الأثر مثل سابقه. وقال رحمه الله: حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله:

{قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ} الخ الآية قال: "هذا يوم الأحزاب انصرف رجل من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد أخاه بين يديه شواء ورغيف ونبيذ فقال له أنت ههنا في الشواء والرغيف والنبيذ ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرماح والسيوف؟ فقال: "هلم إلى هذا فقد بلغ بك وبصاحبك والذي يحلف به لا يستقبلها1 محمد أبداً فقال كذبت والذي يحلف به" قال: "وكان أخاه من أبيه وأمه أما والله لأخبرن النبي صلى الله عليه وسلم أمرك". قال وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره قال فوجده قد نزل جبرائيل عليه السلام يخبره {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ} ". الخ2. سند هذا الأثر ضعيف لضعف ابن زيد وكون يونس - صدوق يخطئ أما ابن وهب فهو ثقة وقد ذكره السيوطي عن أبن أبي حاتم ينفس اللفظ3.

_ 1 قال في جامع البيان 21 (هامش 139 قال كذا في الأصل وفي الدر المنثور للسيوطي - لا يستقي لها- وما ذكره السيوطي ليس بواضح والذي ذكره الطبري أوضح نوعاً ما ومعناه والله أعلم: أن محمداً وأصحابه مهزومون لا محالة ولا يمكن أن يستقبل هذه الجموع مرة أخرى. 2 جامع البيان 21/139. 3 الدر المنثور 5/188.

الباب الخامس: وصف ما دار في غزوة الأحزاب من مناوشات

الباب الخامس: وصف ما دار في غزوة الأحزاب من مناوشات الفصل الأول: اقتحام المشركين للخندق وتصدي المسلمين لهم المبحث الأول: الحصار الذي لحق بالمسلمين ... المبحث الأول: الحصار الذي لحق بالمسلمين بعد أن تم حفر الخندق ووصلت الأحزاب ونقض بنو قريظة العهد المبرم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونجم النفاق وقال المؤمنون: {هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً} 1. ولكنهم لقتلهم وكثرة العدو وأحاطته بهم من كل مكان ثقل الأمر عليهم وأشتد البلاء حيث بين الله سبحانه وتعالى ذلك الموقف بقوله: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً} الآيات2.

وقبل أن يتوجه صلى الله عليه وسلم إلى المعسكر وكما هي عادته صلى الله عليه وسلم كلما أراد أن يغزو ويحارب يجعل أميراً على المدينة يقوم بشؤونها حتى يعود عليه الصلاة والسلام. وكان في هذه الغزوة قد أمّر عليه الصلاة والسلام المهاجر الصابر الأعمى: عبد الله ابن أم مكتوم1 رضي الله عنه ثم توجه إلى معسكره وبدأ المرابطة وحاصر أعداءُ الله المسلمين وقتاً ليس بالقصير وعرف المسلمون مَنْ يتربص بهم وراء هذا الحصار فقرروا مواصلة المرابطة في مكانهم ينضحون بالنبل كل مقترب ويتحملون لأواء هذه الحراسة التي تنتظم السهل والجبل وتتسع ثغورها يوماً بعد يوم. لذلك قال ابن إسحاق: فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون وعدوهم محاصروهم ولم يكن بينهم قتال. إلا إن فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ود بن أبي قيس أخو بني عامر بن لؤي. قال ابن هشام: "ويقال: عمرو بن عبد بن أبي قيس": قال ابن إسحاق: "وعكرمة بن أبي جهل وهبيرة بن أبي وهب واسم أبي وهب - جعدة - المخزوميان وضرار بن الخطاب الشاعر بن مرداس أخو بني محارب بن فهر تلبسوا للقتال ثم خرجوا على خيلهم. حتى مروا

بمنازل بني كنانة فقالوا تهيأوا يابني كنانة للحرب فستعلمون من الفرسان اليوم ثم اقبلوا تعنق بهم خيلهم حتى وقفوا على الخندق فلما رأوه قالوا والله أن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها". أ. هـ. 1 وبدأ الحصار واشتدت وطأته وكره فوارس من قريش أن يقفوا حول المدينة على هذا النحو فإن فرض الحصار وترقب نتائجه ليس من شيمهم وكانوا يحاولون شتى المحاولات لتحطيم هذا الحصار وهم في كل ذلك يفشلون أمام صمود المسلمين. أما الحصار فقد اختلف فيه على أقوال: (1) قال ابن كثير2 قال ابن إسحاق: "فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم مرابطاً وأقام المشركون يحاصرونه بضعاً وعشرين ليلة قريباً من شهر ولم يكن بينهم حرب إلا الرميا3 بالنبل. وبه قال ابن جرير الطبري4 وابن الأثير5 وابن سيد الناس"6.

(2) أما ابن سعد فقد ساق في ذلك حديثاً ليبين بأن الحصار دام أربعاً وعشرين ليلة - إلا أن ظاهره الإرسال وهو من رواية ابن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم 1 وقد قال قبل ذلك أي ابن سعد وحُصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بضع عشرة ليلة2. والذي ذكره ابن سعد على ضوء الحديث المسند وهو أربع وعشرون ليلة هو مقارب للقائلين بأن الحصار كان شهراً. وهو قول للواقدي3. لكن قوله بأن المدة كانت بضع عشرة ليلة مغاير للقول الأول. (3) قال الحافظ4: "وذكر موسى بن عقبة أن مدة الحصار كانت عشرين يوماً". (4) قال ابن القيم5: "إن الحصار دام شهراً ولم يكن بينهم قتال لأجل ما حال الله به من الخندق بينهم وبين المسلمين". (5) قال القسطلاني6: "وفي الروضة للنووي خمسة عشر يوماً - وهذا يقوي قول ابن سعد المتقدم بأن الحصار دام بضع عشرة ليلة".

والصحيح هو ما جزم به ابن القيم بدليل الآثار الآتية. وكذلك وجد في إشعارهم ما يدل على ذلك. أما الآثار فهي: قال الطبري رحمه الله: حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة1 في قولـ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا} الآية قال2 يعني الملائكة قال نزلت هذه الآية يوم الأحزاب وقد حصر رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً … الخ"3. من حديث طويل. والأثر بهذا السند حسن لذاته إلى قتادة. وقال ابن سعد رحمه الله: أخبرنا عارم بن الفضل4 أخبرنا حماد بن زيد5 عن يحيى بن سعيد

قال: قال سعيد بن المسيب1: "حاصر النبي صلى الله عليه وسلم المشركون في الخندق أربعاً وعشرين ليلة …" الحديث2. والأثر رجاله ثقات إلا أنه مرسل. أما الاشعار الدالة على ذلك فقد جاء في السيرة النبوية ما يلي: قال ضرار بن الخطاب بن مرداس3 وكان أحد الفرسان الذين حاولوا اقتحام الخندق وكان أيضاً أحد الشعراء المشهورين ولا يخفى ما للشعر من تأثير على النفوس في الحروب وغيرها.

قال يوم الخندق شعراً جاء فيه: فأحجرناهم شهراً كريتا1 ... وكنا فوقهم كالقاهرينا2 ومن ذلك أيضاً ما جاء في شعر ابن الزبعرى3 من قصيدة طويلة: شهراً وعشرا قاهرين محمداً ... وصحابه في الحرب خير صحاب4 فقد ذكر عشراً زيادة على الشهر ولعله ضرورة شعرية حتى يستقيم الوزن وإلا فالثابت شهراً.

_ 1 أحجرناهم حصرناهم وشهراً كريتا تاماً كاملاً قال في القاموس 1/155 سنة كريت تامة. 2 السيرة النبوية 2/225. 3 هو عبد الله بن الزبعرى بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص القرشي السهمي الشاعر أمه عاتكة بنت عبد الله بن عمرو بن وهب بن حذافة بن جمح وكان أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية وعلى أصحابه بلسانه ونفسه وكان يناضل عن قريش ويهاجي المسلمين وكان من أشهر شعراء قريش. أسلم بعد الفتح وحسن إسلامه. أسد الغابة 3/159. 4 السيرة النبوية 2/258.

المبحث الثاني: المبارزة

المبحث الثاني: المبارزة قال ابن إسحاق: "في سياق حديثه عن المناوشات التي حصلت بين الفريقين ثم تيمموا1 مكاناً ضيقاً2 فضربوا خيلهم فاقتحمت3 منه فجالت بهم في السبخة4 بين الخندق وسلع. وخرج علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في نفر من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثغرة5 التي أقحموا منها خيلهم وأقبلت الفرسان تعنق6 نحوهم7 وهنا أحس الفريقان بالخطر وكانت هي الشرارة الأولى

التي ألهبت حماس الفريقين فالمسلمون كان حماسهم يكمن في فرحهم بنجاح الخطة التي اتخذوها وهي -الخندق-. والمشركون كان حماسهم لقتل بعض زعمائهم كما سيأتي وكانوا يحاولون جاهدين الانتقام وكانوا هم أشد خطراً لأنهم هم المعتدون. كما أن المسلمين أصبحوا يطوقونهم في تلك الحالة - وهم داخل معسكر المسلمين- أمامهم في الثغرة وخلفهم في المعسكر. مقتل عمرو بن عبدود: قال ابن إسحاق: "وكان عمرو بن عبدود قد قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة فلم يشهد يوم أحد فلما كان يوم الخندق خرج معلماً1 ليرى مكانه فلما وقف هو وخيله قال من يبارز؟ فبرز له علي بن أبي طالب فقال له ياعمرو: "إنك كنت عاهدت الله ألا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين إلا أخذتها منه قال له: أجل". قال له علي: "فإني أدعوك إلى الله وإلى رسوله وإلى الإسلام" قال "لا حاجة لي بذلك". قال "فإني أدعوك إلى النزال" فقال له: "لم يأبن أخي؟ فوالله ما أحب أن أقتلك". قال له علي: "لكني والله

أحب أن أقتلك" فحمي1 عمرو عند ذلك فاقتحم عن فرسه فعقره2 وضرب وجهه ثم أقبل على علي فتنازلا وتجاولا فقتله علي -رضي الله عنه- وخرجت خيلهم منهزمةً حتى اقتحمت من الخندق هاربة. قال ابن إسحاق: "وقال علي رضوان الله عليه في ذلك: نصر الحجارة من سفاهة رأيه ... ونصرت رب محمد بصوابي فصددت حين تركته متجدلاً ... كالجذع بين دكادك وروابي وعففت عن أثوابه ولو أنني ... كنت المقطر بزّني أثوابي3 لا تحسبن الله خاذل دينه ... ونبيه يا معشر الأحزاب4 قال ابن هشام: "وأكثر أهل الشعر يشك فيها لعلي بن أبي طالب"5. الآثار الدالة على ذلك: قال الحاكم -رحمه الله-: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا أحمد بن عبد الجبار6 حدثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق7 قال: "كان عمرو بن عبدود

فارس قريش وكان قد قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة، ولم يشهد أُحُداً فلما كان يوم الخندق خرج معلماً ليرى مشهده فلما وقف هو وخيله قال له علي ياعمرو قد كنت تعاهد الله لقريش أن لا يدعوك رجل إلى خلتين إلا قبلت منه أحداهما فقال عمرو أجل. فقال علي -رضي الله عنه- فإني أدعوك إلى الله -عز وجل- وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم، والإسلام فقال لا حاجة لي في ذلك قال فإني أدعوك إلى البراز فقال يابن أخي لم؟ فوالله ما أحب أن أقتلك. فقال علي لكني والله أحب أن أقتلك فحمي عمرو فاقتحم عن فرسه فعقره ثم أقبل فجاء إلى علي وقال من يبارز؟ فقام علي وهو مقنع في الحديد فقال أنا له يا نبي الله فقال إنه عمرو بن عبدود1 اجلس. فنادى عمرو ألا رجل فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشى إليه علي -رضي الله عنه- وهو يقول: لا تعجلن فقد أتاك ... مجيب صوتك غير عاجز ذو نبهة وبصيرة ... والصدق منجا كل فايز إني لأرجو أن أقيم ... عليك نائحة الجنائز من ضربة نجلاء ... يبقى ذكرها عند الهزاهز2

فقال له عمرو: من أنت؟ قال أنا علي قال ابن من؟ ابن عبد مناف؟ فقال أنا علي بن أبي طالب فقال عندك يا ابن أخي مِنْ أعمامك من هو أسن منك1؟ فانصرف فإني أكره أن أهريق دمك فقال علي لكني والله ما أكره أن أهريق دمك فغضب فسل سيفه كأنه شعلة نار ثم أقبل نحو علي مغضباً واستقبله علي بدرقته2 فضربه عمرو في الدرقة فقدها3. وأثبت فيها السيف وأصاب رأسه فشجه وضربه علي -رضي الله عنه- على حبل العائق فسقط وثار العجاج4 فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم التكبير فعرف أن علياً قتله وقال رضي الله عنه شعراً كان في آخره: عبد الحجارة من سفاهة عقله5 ... وعبدت رب محمد بصواب ثم أقبل علي -رضي الله عنه- نحو رسول الله ووجهه يتهلل فقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- هلا استلبت درعه فليس للعرب درعاً خيراً منها.

فقال: "ضربته فأتقاني بسؤته واستحييت ابن عمي أن استلبه1. وخرجت خيله منهزمة حتى اقتحمت من الخندق". أ: هـ2. وقد أورد البيهقي من طريق ابن إسحاق في موضع آخر من السيرة حيث قال: "وخرج عمرو بن عبد ود وهو مقنع بالحديد فنادى من يبارز؟ فقال علي -رضي الله عنه- أنا لها يانبي الله فقال إنه عمرو اجلس، ونادى عمرو ألا رجل وهو يؤنبهم"3 ويقول أين جنتكم التي تزعمون أنه من قتل منكم دخلها أفلا تبرزون إليّ رجلاً فقام علي فقال أنا يا رسول الله فقال اجلس ثم نادى الثالثة فقال: ولقد بححت من النداء ... بجمعكم هل من مبارز؟ ووقفت إذ جبن المشجع ... موقف القرن4 المناجز زاد ابن كثير5: ولذاك أني لم أزل ... متسرعاً قبل الهزاهز إن الشجاعة في الفتى ... والجود من خير الغرائز

قال فقام علي -رضي الله عنه- فقال يا رسول الله: "أنا فقال إنه عمرو فقال وإن كان عمراً فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشى إليه حتى أتاه وهو يقول: لا تعجلن فقد أتاك ... مجيب صوتك غير عاجز ذو1 نية وبص

_ يرة ... والصدق منجا كل فايز إني لأرجو أن أق

وضربه على حبل عاتقه فسقط وثار العجاج وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم التكبير فعرفنا أن علياً قد قتله فثم يقول علي أعليّ تقتحم الفوارس هكذا ... عني وعنهم أخروا أصحابي اليوم تمنعني الفرار حفيظتي ... ومصمم في الراس ليس بنابي إلى أن قال عبد الحجارة من سفاهة رأيه ... وعبدت رب محمد بصوابي قال ثم أقبل علي نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجهه يتهلل1. قال ابن هشام وألقى عكرمة رمحه يومئذ وهو منهزم عن عمرو فقال في ذلك حسان: فرّ وألقى لنا رمح

_ هـ ... لعلك عكرم لم تفعل ووليت تعدو كعدو الظليم ... ما إن يحور عن المعدل ولم تلو ظهرك مستُأنساً ... كان قفاك قفا فرعل وقال ابن هشام الفراعل صغار الضباع2. زاد ابن سعد حيث قال: قال علي أنا أبارزه يا رسول الله فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه وعممه

وقال: "اللهم أعنه عليه" 1. وقال الزرقاني نقلاً عن الحاكم قال2: سمعت الأصم قال سمعت العطاردي قال سمعت يحى بن آدم3 يقول ما شبهت قتل علي عمراً إلا بقوله تعالى: {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوت} 4 الآية. والحديث يعتبر من الشواهد المقوية. وحديث قتل علي لعمرو ذكره غير واحد منهم: ابن سعد5 كما أخرجه الطبري عن الزهري6 مرسلاً وذكره ابن الأثير7. وعزاه ابن سيد الناس لابن إسحاق8، وقد ذَكَره علي المتقي الهندّي، وذكر بأن المحاملي أورده في أماليه وفيه زيادةٌ هذا نصها:

عن ابن عباس قال: "سَمِعْتُ عمر يقول جاء عمرو بن عبد ود فجعل يجول بفرسه حتى جاوز الخندق إلى أن قال: … صلى الله عليه وسلم: "اخرج يا علي" فقال له عمرو من أنت يا ابن أخي؟ قال أنا علي فقال إن أباك كان نديماً لي لا أحب قتالك … إلى أن قال عمرو إني نذرت أن أقتل حمزة فسبقني إليه وحشي ثم إني نذرت أن أقتل محمداً قال علي: "فانزل فنزل فاختلفا في الضربة فضربه علي فقتله"1. وقد قيل إن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أذن لعلي في مبارزة عمرو دعا الله وقال اللهم أعنه عليه بعد أن عممه وأعطاه سيفه ذا الفقار وكل ذلك بدون إسناد وذكروا أيضاً أن علياً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق اللهم أنك أخذت عبيدة بن الحارث يوم بدر، وحمزة بن عبد المطلب يوم أحد، وهذا علي فلا تدعني فرداً وأنت خير الوارثين" أ: هـ. هكذا ذكره في كنز العمال2وعزاه إلى الديلمي. مقتل نوفل المخزومي: قال ابن سعد: "ثم أًجْمع رؤساؤهم أن يغدوا يوماً فغدوا جميعاً ومعهم رؤساء سائر الأحزاب وطَلَبوا مضيقاً من الخندق يقحمون منه خيلهم إلى

النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فلم يجدوا ذلك وقالوا: إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تصنعها قالو فمن هناك إذاً، فصاروا إلى مكان ضيق أغفله المسلمون فعبر عكرمة بن أبي جهل ونوفل بن عبد الله وضرار بن الخطاب وهبيرة بن ابي وهب وعمرو بن عبد ود وذكر المبارزة إلى أن قال: وولي أصحابه1هاربين وظفرت بهم خيولهم2وحمل الزبير بن العوام على نوفل بن عبد الله بالسيف فضربه فشقه باثنين"3. وقال البيهقي: "وذكر ابن إسحاق خروجهم ودعاء عمرو إلى البراز على وجه آخر في الإسناد الذي ذكرناه فقال: "وكان ممن خرج يوم الخندق هبيرة بن أبي وهب4المخزومي وخرج نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي يسأل المبارزة فَخَرَج إليه الزُّبير بن العَوام رضي الله عنْه فضرَبه فشقَّه باثنتين حتى فل في سيفه فلا5 فانصرف وهو يقول: أني امرؤ احمي واحتمي ... عن النبي المصطفى الأمي

قال الزرقاني في شرحه للمواهب اللدنية: "وَبَرز نوفل بن عبد الله المخزومي فقتله الزبير بن العوام بالسيف حتى شقه اثنين فقطع سرجه حتى خلص إلى كاهل الفرس فقيل: ما رأينا سيفاً مثل سيفك قال ما هو السيف ولكنها الساعد" أ. هـ. 1 وقال ابن سيد الناس نقلاً عن ابن عائذ قوله: "واقبل نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي على فرس له ليوثبه الخندق فوقع في الخندق فقتله الله وكبر ذلك على المشركين وأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا نعطيكم الدية على أن تدفعوه إلينا فندفنه فرد إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خبيث خبيث الدية فلعنه الله ولعن ديته ولا نمنعكم أن تدفنوه ولا أرب2 لنا في ديته وقيل أعطوه في جثته عشرة آلاف"3. وقال ابن كثير: "وقد ذكر موسى بن عقبة أن المشركين إنما بعثوا يطلبون جسد نوفل بن عبد الله المخزومي حيث قتل وعرضوا عليه الدية فقال إنه خبيث

خبيث الدية فلعنه الله ولعن ديته فلا أرب لنا في ديته ولسنا نمنعكم أن تدفنوه". قال: وذكر يونس بن بكير عن ابن إسحاق حيث قال: "وخرج نوفل المخزومي فسأل المبارزة فذكر خروج الزبير إليه وقتله". ثم قال: "وقد ذكر ابن جرير أن نوفلاً لما تورط في الخندق رماه الناس بالحجارة فجعل يقول قتلة أحسن من هذه يامعشر العرب فنزل إليه علي فقتله وطلب المشركين رمته1. من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالثمن فأبى عليهم أن يأخذ منهم شيئاً ومكنهم من أخذه إليهم. قال وهذا غريب من وجهين" أ. هـ. 2ولم يبين وجه الغرابة. ثم إن ابن جرير رواه عن الزهري والزهري رواه مرسلاً فهو ضعيف. لأن الآثار التي وردت كلها على اختلاف مراتبها تبين أن قاتله الزبير إلا أن يكونا اشتركا في قتله فالله أعلم. على ضوء ما سبق نرى أن هناك اختلافاً حول قاتل نوفل:

(أ) فالأكثر أن الذي قتله الزبير وذلك بصريح الآثار وكثرة القائلين بذلك وقد تقدموا. (ب) المعارض لهذا الرأي هو الطبري وقد تقدم قوله كما يفهم ذلك من كلام ابن الأثير1 وإن كان لم يصرح. والحق أن قاتله هو الزبير وذلك لما يأتي: قال ابن جرير كما في كنز العمال: حدثنا أبو كريب2 حدثنا وكيع3 عن سفيان عن عبد الكريم الجزري4 عن عكرمة5 قال لما كان يوم الخندق قام رجل من المشركين

فقال من يبارز فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قم يا زبير" فقالت صفية يا رسول الله واجدى1 فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قم يا زبير" فقام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيهما علا صاحبه قتله" فعلاه الزبير فقتله ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم بسلبه فنفله إياه2. والحديث على ضوء هذا السند مرسل ورجاله ثقات. الاختلاف حول بيع جيفة الكافر: أ- الكثيرون من أهل المغازي والسير يذكرون بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأخذ الدية - في الكافر الذي قتل في الخندق - بل دفعه إليهم وقال بأنه خبيث الجثة وتؤيدهم الآثار التالية: قال المتقي الهندي وعزاه لابن أبي شيبة: "عن عكرمة أن نوفلاً أو ابن نوفل تردى به فرسه يوم الخندق فقتل فبعث أبو سفيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بديته مائة من الإبل فأبي النبي صلى الله عليه وسلم وقال "خذوه فأنه خبيث الدية خبيث الجثة" 3.

وقال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا نصر بن باب1 حدثنا حجاج عن الحكم2 عن مقسم3 عن ابن عباس أنه قال قتل المسلمون يوم الخندق رجلاً من المشركين فأعطوه بجيفته مالاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أدفعوا إليهم جيفته فإنه خبيث الجثة الدية فلم يقبل منهم شيئاً"4. والحديث ضعيف لوجود نصر بن باب فيه. قال ابن كثير: "وقد رواه البيهقي من حديث حماد بن سلمة5 عن

حجاج وهو ابن ارطأة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن رجلاً من المشركين قتل يوم الأحزاب فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ابعث إلينا بجسده ونعطيك1 اثني عشر ألفاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا خير في جسده ولا في ثمنه2. وقد رواه الترمذي حيث قال: حدثنا محمود بن غيلان3 حدثنا أبو أحمد4 حدثنا سفيان عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس: "أن المشركين أرادوا أن يشتروا جسد رجل من المشركين فأبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعهم"5. قال الترمذي: "غريب لا نعرفه إلا من حديث الحكم". ولعل استغراب الترمذي أتى بسبب أبي حمد الزبيري فإنه يخطئ في حديث الثوري والرواية هنا عنه.

أما كلام أهل المغازي في ذلك فهو كما قال البيهقي: "وذكر ابن إسحاق في موضع آخر من هذا الكتاب عقب قتل الزبير لنوفل - أن عليا طعنه في ترقوته حتى أخرجها من مراقه فمات في الخندق". إلى أن قال: "وبعث المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشترون جيفته بعشرة آلاف فقال صلى الله عليه وسلم: "هو لكم لا نأكل ثمن الموتى" أ. هـ. 1 وقال الديار بكري: "وفي معالم التنزيل: طلب المشركون جيفة نوفل بالثمن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خذوه فإنه خبيث الجيفة خبيث الدية" 2.أ. هـ: (ب) في مقابل القائلين بعدم جواز بيع جيفة الكافر واعتمادهم على الآثار الواردة جاء عند الحاكم ما يخالف ذلك حيث أورد بسنده حديثاً يدل على الجواز وأخذ الدية. حيث قال رحمه الله: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب3 حدثنا أحمد بن عبد الجبار4

حدثنا يونس بن بكير1 عن محمد بن عبد الرحمن2 عن الحكم بن عتيبة عن مقسم3 عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "قتل رجل من المشركين يوم الخندق فطلبوا أن يواروه4 فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أعطوه الدية"5… قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي. درجة الحديث: الحديث ضعيف لضعف ابن أبي ليلى ثم إن الحكم ثبت أنه لم يرو عن مقسم إلا خمسة أحاديث ليس هذا منها قال الذهبي: "حسنه الترمذي". وقال عبد الحق6 في أحكامه وابن القطان7: "إسناده ضعيف"

ومنقطع لا سماع للحكم من مقسم إلا لخمسة أحاديث ما هذا منها وضعفاه من جهة ابن أبي ليلى وقول الترمذي أولى1. ثم أن هناك اضطراباً في الإسناد فقد جاء عند الترمذي بسند فيه ابن أبي ليلى وجاء فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم رفض ديته وقال أنه خبيث الدية خبيث الجثة. وعلى ذلك: تبين أن الصحيح هو: عدم جواز بيع جيفة الكافر أو أخذ ديته قال الحافظ أثناء شرحه لتبويب البخاري حيث قال (باب طرح جيف المشركين في البئر ولا يؤخذ لهم ثمن) ثم قال قوله (ولا يؤخذ لهم ثمن) قال: "أشار به لحديث ابن عباس أن المشركين أرادوا أن يشتروا جسد رجل من المشركين فأبي النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعهم" ثم قال: وذكر ابن إسحاق في المغازي: "أن المشركين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعهم جسد نوفل بن عبد الله بن المغيرة وكان اقتحم الخندق فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا حاجة لنا بثمنه ولا جسده"2.

وبهذا وغيره مما تقدم يتضح أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأخذ مقابل جثة نوفل لا دية ولا ثمناً بل إنه أعطاهم وقال إنه خبيث الدية خبيث الجثة وفي رواية قال: "لعنه الله ولعن ديته" 1.

_ 1 البداية والنهاية 4/107، عيون الأثر 2/60.

المبحث الثالث: القتلى من الجانبين

المبحث الثالث: القتلى من الجانبين أولاً: القتلى من المسلمين: استمرت المعركة والحصار مضروب فما مضت أسابيع ثلاثة على ذلك الحصار المضروب حتى دب القنوط والتخاذل في صفوف المهاجمين على حين بقيت جبهة المدافعين عن حوزة الدين الإسلامي - سليمة لم تثلم ورغم كثرة الأعداء وتحرشاتهم ومناوشاتهم المستمرة طيلة تلك المدة إلا أنه لم يقتل من المسلمين إلا عدد قليل وهم: 1- سعد بن معاذ سيد الأوس وحامل لوائهم يوم الخندق1 وقد أفردت لبلائه في هذه الغزوة فصلاً خاصاً. 2-أنس بن أوس بن عتيك بن عمرو بن عبد الأعلم ابن عامر بن زاعورا بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس وزاعورا هو أخو عبد الأشهل كذا نسبه ابن الكلبي وهو أخو مالك وعمير والحارث بني أوس. قال ابن الأثير: "شهد أحداً وقتل يوم الخندق" قال موسى بن عقبة عن ابن شهاب: "رماه خالد

بن الوليد بسهم فقتله ولم يشهد بدراً"1. وذلك بدليل ما أورده الهيثمي حيث قال: "عن ابن شهاب قال استشهد يوم الخندق من الأنصار أنس بن معاذ2 بن أوس بن عبد عمرو …الخ" ثم قال: "رواه الطبراني3 ورجاله رجال الصحيح"4. وقال ابن سعد: "وكان فيمن قتل أيضاً في أيام الخندق أنس بن أوس بن عتيك من بني عبد الأشهل قتله خالد بن الوليد"5. 3- عبد الله بن سهل الأشهلي: قال ابن الأثير: "عبد الله بن سهل بن رافع الأنصاري ثم الأشهلي من بني زعوراء بن عبد الأشهل وقيل أنه من غسان وهو حليف لبني عبد الأشهل" وقال:

"ذكره ابن إسحاق وموسى بن عقبة فيمن شهد بدراً من الأنصار من بني عبد الأشهل وحلفائهم ثم قال مرة أخرى وقد ذكر ابن إسحاق فيمن قتل من المسلمين يوم الخندق عبد الله بن سهل من بني عبد الأشهل والله أعلم"1. 4- ثعلبة بن عنمة2 بن عدي بن نابي بن عمرو بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري الخزرجي السلمي شهد العقبة في البيعتين وشهد بدراً وهو أحد الذين كسروا آلهة بني سلمة قتل يوم الخندق شهيداً قاله ابن إسحاق قتله هبيرة بن أبي وهب المخزومي3. وقد روى الزهري أثراً مرسلاً ونصه: "استشهد يوم الخندق من الأنصار أنس بن معاذ … إلى قوله… ومن الأنصار ثم من بني سلمة ثعلبة بن غنمة… الخ4". وقد ذكره ابن سعد وهناك جاء اسمه ثعلبة بن عنمة بالعين المهملة5.

كما ذكر ذلك ابن كثير وجاء في اسمه - ثعلبة بن غنمة بالغين المعجمة والنون1. 5- طفيل بن النعمان بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري السلمي عقبي بدري استشهد يوم الخندق هذا ما قاله ابن الأثير2. وذكره ابن كثير أيضاً3 ولم يذكره ابن سعد أثناء ذكره لمن استشهد ولكنه ذكره في طبقات البدريين من الأنصار وأن الذي قتله يوم الخندق هو وحشي4. 6- كعب بن زيد النجاري: قال ابن الأثير: "شهد بدراً قاله ابن شهاب وابن إسحاق وابن الكلبي" وقال ابن الكلبي: "قتل يوم الخندق" وقال الواقدي: "قتله ضرار بن الخطاب يوم الخندق

وبه قال ابن سعد"1 وقال ابن إسحاق: "أصابه سهم غرب يوم الخندق فقتله" وبقول ابن إسحاق هذا قال ابن كثير2. قال ابن الأثير: "ويذكرون أن الذي أصابه أمية بن ربيعة بن صخر الدؤلي وكان قد نجا يوم بئر معونة"3. 7 - 8 سليط وسفيان بن عوف الأسلمي. وساق البزار حديثاً بسنده وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سليطا وسفيان بن عوف الأسلمي طليعة يوم الأحزاب فخرجا حتى إذا كانا بالبيداء إلتفت عليهم خيل لأبي سفيان فقاتلا حتى قتلا فأتيَ بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفنا في قبر واحداً فهما الشهيدان القرينان4. وقال الهيثمي: "رواه البزار وفيه جماعة لم أعرفهم"5 وقال حبيب الرحمن الأعظمي6 قلت: "وقال الحافظ في الإصابة: في سنده من لا يعرف".

9- وقد تفرد ابن دريد1 بقوله: "ومنهم سنان بن صيفي الخزرجي شهد بدراً والعقبة وقتل يوم الخندق". ثانياً: القتلى من المشركين: رغم كثرة المناوشات التي قامت بها جموع الأحزاب ورغم كثرتهم ومع ذلك فقد قتل منهم ثلاثة فقط2 وقيل أربعة3 وهم: 1- من بني عبد الدار: منبه بن عثمان بن عبيد بن السباق بن عبد الدار. أصابه سهم فمات منه بمكة. وقال ابن هشام هو: "عثمان بن أمية بن منبه بن عبيد بن السباق"4. 2- ومن بني مخزوم: نوفل بن عبد الله بن المغيرة. اقتحم الخندق بفرسه فتورط فيه فقتل هناك5.

قال في تاريخ الخميس: "وفي روضة الأحباب: اقتحم الخندق نوفل حين الفرار فسقط فيه فرماه المسلمون بالحجارة فصرخ يا معشر العرب قتله أحسن من هذه"1. وقد تقدم الخلاف في قاتله فقيل إنه بعد تورطه وصراخه قتله علي رضي الله عنه وقيل إن الزبير قتله مبارزة وعلى كلا الحالين فقد هلك، ولأهميته لدى المشركين فقد بعثوا لشراء جسده ليدفنوه فأعطاهم الرسول صلى الله عليه وسلم وقال لا خير في جسده ولا في ثمنه. 3- ومن بني عامر: عمرو بن عَبْدُود العامري. قتله علي مبارزة وقد سبق ذكرها. هؤلاء الثلاثة أتفق أهل المغازي والسير على إيرادهم في القتلى والقائلون بذلك هم: ابن إسحاق2 وابن سعد3 وابن جرير4 وابن الأثير5 وابن كثير6.

4- حسل بن عمرو. انفرد بذكره ابن هشام حيث قال: وحدثني الثقة أنه حُدث عن ابن شهاب الزهري أنه قال: "قتل علي يومئذ عمرو بن عبدود وابنه حسل بن عمرو"1. هؤلاء الذين قتلوا من المشركين رغم كثرتهم ويمكن أن نرجع سبب قلة القتلى من الجانبين إلى أن: "وجود الخندق كان له سبب مباشر بعد الله. ذلك لأن المشركين تخوفوا من هذه المكيدة ولم يقتل إلا من اقتحم أو اقترب كما فعل نوفل وعمرو بن ود. والخندق في الحقيقة نصر من الله حيث ألهمهم الله إلى حفره وأعانهم على سرعة إنجازه فكان حاجزاً حصيناً ولكي يبين الله سبحانه لأعداء المسلمين من منافقين وكفار أن النصر بيد الله وليست بالكثرة وأنه متى كان الله سبحانه مع فئة ولو قليلة تكون لها الغلبة في النهاية ذلك لأن هذه الفئة القليلة تقاتل عن عقيدة سامية ومبدأ عظيم ألا وهو الإسلام".

_ 1 السيرة النبوية 2/253.

الفصل الثاني: اشتداد المعركة يمنع المسلمين من الصلاة

الفصل الثاني: اشتداد المعركة يمنع المسلمين من الصلاة اشتدت المعركة وهذا طبيعى ما دام قد قتل من فرسان المشركين وصناديدهم أربعة تقريباً وذلك خلال غارة سريعة. مما زاد من حقدهم علاوة على الذي دفعهم للمجيء من مَكَّة وغيرها من بلدان الأحزاب لمحاصرة المسلمين والقضاء عليهم. لكنهم ولله الحمد وجدوا غير ما يتوقعون. علماً بأن المسلمين شغلوا من الخلف وذلك من قبل اليهود فقد حصل منهم التعرض والتحرش بالنساء والذراري. ولما طال الحصار أخذ اليهود قبحهم الله يرسلون إمدادات للأحزاب. ذكر ذلك صاحب السيرة الحلبية فقال: أن دورية مسلحة من الأنصار خرج رجالها ليدفنوا ميتاً لهم فصادفوا قافلة من عشرين بعيراً محملة تمراً وشعيراً وتبناً. فأخذها المسلمون وخفف الله بها عليهم من ضائقة المجاعة التي كانوا يعانونها1. مما جعل الهزائم تتوالى على الأحزاب. إلا أنهم زادوا من نشاط خيلهم فكانت الخيول تطوف بأعداد كبيرة كل ليلة حول الخندق حتى الصباح فتخلفها أعداد طول النهار وأصحابها يطمعون في أخذ المسلمين على حين غرة وذلك لأن خالد بن الوليد كان في هذه الغزوة قائداً

للفرسان كما كان في غزوة أحد وهو يطمع كما فعل في أحد أن يصيب غرة من المسلمين ولكن هيهات "لا يلدغ المؤمن من حجر مرتين"1. وبعد قتل فرسانهم المشهورين في الهجمة الأولى تابعوا التحركات رجاء الانتقام لصناديد الكفر لذلك قال ابن سعد: فكان المشركون يتناوبون بينهم فيغدو أبو سفيان بن حرب في أصحابه يوماً ويغدو خالد بن الوليد يوماً ويغدو عمرو بن العاص يوماً ويغدو هبيرة بن أبي وهب الذي نجا من الكرة الأولى يوماً ويغدو ضرار بن الخطاب الفهري يوماً فلا يزالون يجيلون خيلهم يتفرقون مرة ويجتمعون أخرى ويناوشون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقدمون رماتهم فيرمون2. قال ابن سعد: "وبعد قتل أصحابهم اتعدوا أن يغدوا من الغد فباتوا يعبئون أصحابهم وفرقوا كتائبهم ونحوا3 إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتيبة غليظة فيها خالد بن الوليد فقاتلوهم يومهم ذلك إلى هوي من الليل ما يقدرون أن يزولوا من مواضعهم ولا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ظهراً ولا

عصراً ولا مغرباً ولا عشاء حتى كشفهم الله فرجعوا متفرقين إلى منازلهم وعسكرهم وانصرف المسلمون إلى قبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام أسيد بن الحضير1 على الخندق في مائتين من المسلمين وكر خالد بن الوليد في خيل من المشركين يطلبون غرة من المسلمين فناوشوهم ساعة ومع المشركين وحشي2 فزرق3 الطفيلَ بن النعمان من بني سلمة بمزراقه فقتله وانكشفوا وصار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قبته فأمر بلالاً فأذن وأقام الظهر فصلى ثم أقام بعد كل صلاة إقامة إقامة وصلى هو وأصحابه ما فاتهم من

الصلوات وقال: "شغلونا عن الصلاة الوسطى يعني العصر ملأ الله أجوافهم وقبورهم ناراً"1. وقد نقل ابن العربي2 خلافاً في الصلاة الوسطى وأي صلاة كانت على الآتي: 1- إنها الظهر قاله زيد بن ثابت. 2- إنها العصر قاله علي في أحدي روايتيه. 3- إنها المغرب قاله البراء. 4- إنها العشاء الآخره. 5- إنها الصبح قاله ابن عباس وابن عمرو أبو أمامة والرواية الصحيحة عن علي. 6- إنها الجمعة. 7- إنها غير معنية. قال: "وكل قول من هذه الأقوال مستند إلى ما لا يستقل بالدليل. فأما من قال إنها الظهر فلأنها أول صلاة فرضت. وأما من قال إنها العصر فتعلق بحديث علي رضي الله عنه شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله قبورهم وبيوتهم ناراً.

وأما من قال إنها المغرب فلأنها وتر بين أشفاع. وأما من قال إنها الصبح فلأنها في وقت متوسط بين الليل والنهار قاله ابن عباس1 ومالك وقال غيرهما هي مشهودة2 والعصر وإن كانت مثلها فتزيد الصبح عليها بوجهين أحدهما: أنها أثقل الصلوات على المنافقين. والثاني: إن في الموطأ عن عائشة حافظوا على الصلوات والصلاة والوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين". قال: "وهذا يدل على أن الصلاة الوسطى غير صلاة العصر ويعارض حديث علي رضي الله عنه ويبين أن المراد أنها كانت وسطى بين ما فات وبقي". وأما من قال إنها الجمعة فلأنها تختص بشروط زائدة وهذا يدل على شرفها وفضلها. وأما من قال إنها غير معينة فلتعارض الأدلة وعدم الترجيح وهذا هو الصحيح3.

قال: "وهذا هو الصحيح فإن الله خبأها في الصلوات كما خبأ ليلة القدر في رمضان وخبأ الساعة التي في يوم الجمعة وخبأ الكبائر في السيئات ليحافظ الخلق على الصلوات ويقوموا جميع شهر رمضان ويلزموا الذكر في يوم الجمعة كله ويجتنبوا جميع الكبائر والسيئات"1. أقول: "رحم الله ابن العربي كيف يرجح أن الصلاة الوسطى مبهمة مع صريح الأدلة التي جاءت في الصحيحين وغيرهما وقد صرحت أنها صلاة العصر، ولذلك ذكر الحافظ ابن كثير كل الأقوال في ذلك وتبين من خلال ما نقله أنها صلاة العصر2 وقد جاء التصريح بأن الصلاة الوسطى هي العصر في هذه الغزوة حيث قال صلى الله عليه وسلم شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر وقد جاء عند البخاري ما يقوي ذلك حيث قال: حدثنا إسحاق3 حدثنا روح4 حدثنا هشام5 عن محمد6 عن عبيدة7 عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم الخندق: "ملأ

الله عليهم بيوتهم وقبرهم ناراً كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس" 1. وقد أخرج هذا الحديث المصرح بتعيين الصلاة الوسطى كل من: مسلم2 وأبو داود3 والترمذي4 وابن ماجة5 والدارمي6 وعبد بن حميد7 وأحمد8 ورواه الطبراني9 عن ابن عباس بلفظ ادخل الله قبورهم ناراً. وقد أخرجه النسائي10 عن عبيدة عن علي به، إلا أنه لم يرد عنده ذكر الأحزاب. وفي هذا الحديث تصريح بأن الذي فات من الصلوات وتأخرت عن وقتها هي صلاة العصر وذلك بدليل قوله: "حتى غابت الشمس" وبدليل الحديث الذي رواه أحمد حيث قال:

حدثنا أبو معاوية1 حدثنا الأعمش عن مسلم2 عن شتير بن شكل3 عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: "شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله قلوبهم وبيوتهم ناراً ثم صلاها بين العشائين المغرب والعشاء"4. وكذا رواه مسلم من حديث أبي معاوية والنسائي5 من طريق عيسى بن يونس6 كلاهما عن الأعمش عن مسلم بن صبيح أبي الضحى عن شتير بن شكل عن حميد عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله7. وقد رواه مسلم أيضاً من طريق شعبة بن الحكم8 بن عتيبة عن

يحيى الجزار1 عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله2. ورواه الترمذي والنسائي من طريق الحسن البصري عن علي به. قال الترمذي: "ولا يعرف سماعه منه"3. قال الإمام ابن كثير: وقال ابن أبي حاتم4 حدثنا أحمد5 بن سنان حدثنا عبد الرحمن6 بن مهدي عن سفيان7 عن عاصم8 عن زر9 قال قلت لعبيدة سل علياً

عن الصلاة الوسطى فسأله فقال: "كنا نراها الفجر أو الصبح حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم الأحزاب: "شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله قبورهم وأجوافهم أو بيوتهم ناراً" 1. ورواه ابن جرير عن بندار عن ابن مهدي به2. وقال: "حديث يوم الأحزاب وشغل المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن أداء صلاة العصر يومئذ روي عن جماعة من الصحابة وإنما المقصود رواية من نص منهم في روايته أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر" قال3 وقد رواه مسلم أيضاً من حديث ابن مسعود والبراء بن عازب رضي الله عنهما4. وقد جاء عند البخاري5 في كتاب الدعوات: عن علي رضي الله عنه قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق فقال: "ملأ الله قبورهم وبيوتهم ناراً كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس وهي صلاة العصر" وقد عقب الحافظ على ذلك قائلاً وقوله في هذه الرواية: "وهي صلاة العصر".

جزم الكرماني بأنه مدرج في الخبر من قول بعض رواته: قال: "وفيه نظر فقد تقدم في الجهاد من رواية عيسى بن يونس، وفي المغازي من رواية روح بن عبادة، وفي التفسير من رواية يزيد بن هارون، ومن رواية يحي بن سعيد كلهم عن هشام كذلك، ولكن بلفظ "شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر". وكذا أخرجه من طريق شتير بن شكل عن علي ومن طريق مرة عن عبد الله بن مسعود مثله سواء وأصرح من ذلك ما أخرجه من حديث حذيفة مرفوعاً "شغلونا عن صلاة العصر" وهو ظاهر في أنه من نفس الحديث1. قال2 وروى أحمد والترمذي من حديث سمرة رفعه "الصلاة الوسطى صلاة العصر" ومن طريق كهيل3 بن حرملة سئل أبو هريرة عن الصلاة الوسطى فقال اختلفنا فيها ونحن بفناء بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفينا أبو هاشم4 بن عتبة فقال: "أنا أعلم لكم فقام فاستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم" ثم خرج إلينا فقال "أخبرنا أنها صلاة العصر". ومن طريق عبد العزيز

بن مروان أنه أرسل إلى رجل فقال أي شيء سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة الوسطى؟ فقال أرسلني أبو بكر وعمر أسأله وأنا غلام صغير فقال هي العصر. ومن حديث أبي مالك1 الأشعري رفعه الصلاة الوسطى صلاة العصر. قال وروى الترمذي وابن حبان من حديث ابن مسعود مثله. وروى ابن جرير من طريق هشام بن عروة عن أبيه قال كان في مصحف عائشة: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر"2. قال3: "وروى ابن المنذر من طريق مقسم 4عن ابن عباس قال "شغل الأحزاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق عن صلاة العصر حتى غابت الشمس" فقال:

"شغلونا عن الصلاة الوسطى" ثم ساق الاختلاف حول الصلاة الوسطى ثم قال: "وشبهة من قال أنها الصبح قوية لكن كونها العصر هو المعتمد وبه قال ابن مسعود وأبو هريرة وهو الصحيح من مذهب أبي حنيفة وقول أحمد والذي صار إليه معظم الشافعية لصحة الحديث فيه". قال الترمذي: "هو قول أكثر علماء الصحابة". وقال الماوردي: "هو قول جمهور التابعين". وقال ابن عبد البر: "هو قول أكثر أهل الأثر". وبه قال من المالكية ابن حبيب1 وابن العربي وابن عطية2، ويؤيده أيضاً ما رواه مسلم عن البراء بن عازب: "نزل حافظوا على الصلوات وصلاة العصر" فقرأناها ما شاء الله ثم نسخت فنزلت "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى" فقال رجل فهي إذن صلاة العصر فقال "أخبرتك كيف نزلت"3.

وهذه الأحاديث على اختلاف طرقها وكثرتها جاءت خاصة بصلاة العصر وأنها هي الوسطى وقد استطرد في ذلك ابن جرير1 عند تفسير آية المحافظة على الصلوات. كما أنه ورد عند البخاري حديث آخر عن عمر مشابه لحديث علي ومصرح بأن الذي فاتهم من الصلوات هي العصر حيث قال رحمه الله: حدثنا معاذ بن فضالة2 قال حدثنا هشام3 عن يحي عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله أن عمر ابن الخطاب جاء يوم الخندق بعدما غربت الشمس فجعل يسب كفار قريش فقال: "يارسول الله ما كدت اصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب" قال النبي: "والله ما صلينا فقمنا إلى بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها فصلى العصر بعدما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب"4.

وقد أورده البخاري على عادته في عدة أماكن1 كما رواه مسلم2 والترمذي3 والنسائي4 قال الحافظ: وفي حديث ابن مسعود عند الترمذي والنسائي: "أن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله"5. أما النسائي فلم يصرح بأن ذلك كان يوم الخندق6. أما الترمذي فقد روى حديث ابن مسعود الذي ذكره الحافظ إلا أن فيه أن المشركين شغلوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن أربع صلوات وهذا نصه: قال الترمذي رحمه الله:

حدثنا هناد1 حدثنا هشيم2 عن أبي الزبير3 عن نافع4 بن جبير بن مطعم عن أبي عبيدة5 بن عبد الله بن مسعود قال: قال عبد الله بن مسعود: "إن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله فأمر بلالاً فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ثم أقام فصلى المغرب ثم أقام فصلى العشاء". قال الترمذي وفي الباب عن أبي سعيد وجابر. قال أبو عيسى: "حديث عبد الله ليس بإسناده بأس إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله" قال وهو الذي اختاره بعض أهل العلم في الفوائت أن

يقيم الرجل لكل صلاة إذا قضاها وإن لم يقم أجزأه وهو قول الشافعي1. وبذلك قال ابن عبد البر فقد بين أن الذي فاتهم يوم الأحزاب إنما هي أربع صلوات قال أبو عمر بعد أن ساق اختلاف الأئمة حول قضاء الفوائت هل يؤذن ويقيم لكل صلاة أم يقيم فقط أم لا يؤذن ولا يقيم…الخ. وقال: روى هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أبو سعيد الخدري وابن مسعود2 أما حديث ابن مسعود فقد رواه الترمذي وقد تقدم وبين الترمذي هناك أنه لا بأس به، وقال: "إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه عبد الله بن مسعود وقد أكد ذلك الحافظ"3. أما حديث أبي سعيد الخدري فقد رواه أحمد بسند رجاله ثقات وقد أثبته ابن عبد البر وكلا الطريقين4 عن ابن أبي ذئب5 عن المقبري6

عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بلالاً فأقام فصلى الظهر ثم أقام العصر ثم أقام المغرب ثم أقام العشاء وذلك قبل أن ينزل الله في صلاة الخوف {فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً} 1. وقد اختلف العلماء في ذلك على ما يلي: 1- مالك والشافعي والأوزاعي وأصحابهم قالوا فيمن فاتته صلاة أو صلوات حتى خرج وقتها أنه يقيم لكل واحدة إقامة ولا يؤذن. 2- الثوري قال ليس عليه في الفوائت أذان ولا إقامة. 3- أبو حنيفة وأصحابه قالوا: "من فاتته صلاة واحدة صلاها بأذان وإقامة فإن لم يفعل فصلاته تامة". 4- قال محمد بن الحسن إذا فاتته صلوات فإن صلاهن بإقامة إقامة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق فحسن وإن أذن وأقام لكل صلاة فحسن ولم يذكر خلافاً. 5- أحمد بن حنبل وأبو ثور وداود بن علي قالوا يؤذن ويقيم لكل صلاة فاتته على ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم إذ نام عن الصلاة وهذا هو الراجح ثم عقب قائلاً:

حجة من قال إنه يقيم لكل صلاة فاتته ولا يؤذن لها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حبس يوم الخندق عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء إلى هوي من الليل ثم أقام لكل صلاة ولم يؤذن. وروى هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أبو سعيد الخدري وابن مسعود وقد تقدم1. ثم أورد2 حديث ابن مسعود كما ورد عند الترمذي بنفس السند إلا أنه قال هكذا قال هشيم في هذا الحديث فأذن ثم أقام فصلى الظهر فذكر الأذان للظهر وحدها قال: "وكذلك رواه أبو بكر بن أبي شيبة3 عن هشيم سواء. وخالفه هشام الدستوائي" فقال "فيه فأمر بلالاً فأقام فصلى الظهر ولم يذكر أذاناً للظهر ولا لغيرها". ثم ذكر رحمه الله سنداً آخر له ولكنه عن أبي عبيدة وقد ثبت أنه لم يسمع من أبيه وفيه فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً فأقام فصلى الظهر وفي آخره ثم طاف علينا فقال: "ما على الأرض عصابة يذكرون الله غيركم"4 إلا أنه لم يصرح عند أحمد بأن ذلك كان يوم الخندق وعلى كل حال وعلى ضوء ما تقدم فالحديث منقطع.

أقول: "وفي هذا دليل على أن الذي فاتهم من الصلوات أربع وهذا لا ينطبق على العشاء لأن وقتها ممتد قال الحافظ1: "لأن العشاء لم تكن فاتت". قال: قال اليعمري2: "من الناس من رجح ما في الصحيحين وصرح بذلك ابن العربي" فقال: "إن الصحيح أن الصلاة التي شغل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدة هي العصر" قلت: "ويؤيده حديث علي في مسلم شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر" قال: "ومنهم من جمع بأن الخندق كانت وقعته أياماً فكان ذلك في أوقات مختلفة في تلك الأيام". قال وهذا أولى. قلت3: "ويقربه روايتي أبي سعيد وابن مسعود وليس فيهما تعرض لقصة عمر بل فيهما أن قضاءه وقع بعد خروج وقت المغرب4. وهذا أولى بمعنى أنه إذا لم نرجح ما في الصحيحين فالمصير إلى الجمع أفضل خروجاً من المعارضة".

قال الحافظ1: "وقد اختلف في سبب تأخير النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة ذلك اليوم؟. فقيل كان ذلك نسياناً واستبعد أن يقع ذلك من الجميع ويمكن أن يستدل له بما رواه أحمد من حديث أبي جمعة2 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى المغرب فلما سلم قال: "هل علم رجل منكم أني صليت العصر؟ قالوا لا يارسول الله فصلى العصر ثم صلى المغرب": قال: "وفي صحة هذا الحديث نظر لأنه مخالف لما في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم لعمر "والله ما صليتها". ويمكن الجمع بينهما بتكلف. وقيل كان عمداً لكونهم شغلوه فلم يمكنوه من ذلك وهو أقرب لاسيما وقد وقع عند أحمد3 والنسائي4 من حديث أبي سعيد أن ذلك كان قبل أن ينزل الله في صلاة الخوف {فرجالاً أو ركبانا} 5.

وكونهم تركوها عمداً هو الأقرب كما ذكر ذلك الحافظ لأنهم شغلوه صلى الله عليه وسلم فلم يمكنوه من ذلك لأنه قد بلغ الضيق والجهد والكرب والخوف بهذه الصفوة المباركة شأوا بعيداً إلى درجة أنهم في تلك اللحظات الأخيرة من محنة الغزو المرعب جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأفصحوا له بصراحة عما يعانونه من شدة الخوف والضيق والكرب فقالوا له يارسول الله لقد بلغت القلوب الحناجر فهل من شيء نقوله قال نعم قولوا: "اللهم أستر عوراتنا وآمن روعاتنا". وهذا الحديث رواه أحمد1 وابن أبي حاتم في تفسيره عن أبيه عن أبي عامر وقد حسنه الألباني2. وخلاصة القول أن فوات الصلاة أو الصلوات عليهم في تلك الأيام كانت قبل نزول الأمر بصلاة الخوف وقد صرح بذلك الحافظ3 وغير واحد. وأن نزولها كان في غزوة ذات الرقاع4. وقد نقل الحافظ الاختلاف فيها وأثبت أنها بعد الخندق كما ذكر

ذلك ابن عبد البر1 ورجح ذلك الشنقيطي2 حيث قال: "واعلم أن التحقيق أن غزوة ذات الرقاع بعد خيبر وإن جزم جماعة كبيرة من المؤرخين بان غزوة ذات الرقاع قبل خيبر" قال: "والدليل على ذلك الحديث الصحيح أن قدوم أبي موسى الأشعري على النبي صلى الله عليه وسلم حين خيبر مع الحديث الصحيح أن أبا موسى شهد غزوة ذات الرقاع". وقد قال البخاري رحمه الله: "باب غزوة ذات الرقاع وهي غزوة محارب خصفة من بني ثعلبة من غطفان فنزل نخلاً وهي بعد خيبر لأن أبا موسى الأشعري جاء بعد خيبر ثم قال رحمه الله: بل التحقيق أن صلاة الخوف ما شرعت إلا بعد الخندق".

_ 1 التمهيد 5/234. 2 أضواء البيان 1/310- 312.

الفصل الثالث: دور سعد بن معاذ وبلاؤه في هذه الغزوة

الفصل الثالث: "دور سعد بن معاذ وبلاؤه في هذه الغزوة كان سعد بن معاذ -رضي الله عنه- من السابقين الأولين لاعتناق هذا الدين الحنيف بل أنه بإسلامه أسلم قومه بني عبد الأشهل وقد أسلم -رضي الله عنه- على يد أول سفير أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كان ذلك على يد مصعب بن عمير -رضي الله عنه وأرضاه-. وقد شهد سعد رضي الله تعالى عنه بدراً وكان له الموقف المشجع والشهير والذي حمده عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. حيث قال للرسول صلى الله عليه وسلم بعد كلام جميل … فامض يارسول الله لما أردت فنحن معك والذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقي بنا عدونا غداً أنا لصبر في الحرب صدق عند اللقاء لعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر على بركة الله. قال فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد ونشطه1. وقال ابن الأثير: "ومقاماته في الإسلام مشهورة وكبيرة ولو لم يكن له إلا يوم بدر لكفى"2. أما دوره في هذه الغزوة فهو عظيم حيث أنه رضي الله عنه

جاهد في الله حق جهاده حتى ضحى في النهاية بنفسه في سبيل الله وفي سبيل إعلاء دينه حيث مات شهيداً من آثار رمية رماه بها أحد المشركين أيام غزوة الأحزاب، وسلم نفسه رضي الله عنه لله راضياً مرضياً. بعد أن حكم في بني قريظة حيث كانت مشاعر التغيظ في أفئدة المسلمين نحوهم قد بلغت ذروتها. وعن مشاركته في الخندق يقول ابن إسحاق: وحدثني أبو ليلي عبد الله بن سهل بن عبد الرحمن بن سهل الأنصاري أخو بني حارثة1 أن عائشة أم المؤمنين كانت في حصن بني حارثة يوم الخندق وكان من أحرز حصون المدينة قال وكانت أم سعد بن معاذ في الحصن قالت عائشة وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب قالت فمر سعد وعليه درع مقلصة2 قد خرجت منها ذراعه كلها وفي يده حربته يرقد3 بها ويقول:

"لبث قليلاً يشهد الهيجاء حمل1 لا بأس بالموت إذا حان الأجل فقالت أمه2 إلحق بني فقد والله أخرت قالت عائشة فقلت لها يا أم سعد والله لوددت أن درع سعد كانت أسبغ3 مما هي عليه قالت وخفت عليه حيث أصاب السهم منه فرمي سعد بن معاذ بسهم فقطع منه الأكحل4

رماه كما حدثني عاصم بن قتادة1 حبان2 بن قيس بن العرقة3 أحد بني عامر بن لؤي فلما أصابه قال خذها وأنا ابن العرقة فقال له سعد: "عرق الله وجهك في النار4 اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئاً فأبقني لها فإنه لا قوم أحب إلي أن أجاهدهم من آذوا رسولك وكذبوه وأخرجوه. اللهم وإن كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعله5 لي شهادة ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة"6. والحديث حسن على ضوء هذا السند. وقد أورده الهيثمي بسياق أطول مما هنا وفيه تفسير لبعض الغريب وهذا نصه: "وعن عائشة قالت خرجت يوم الخندق أقفو آثار الناس فسمعت وئيد الأرض من ورائي يعني حس الأرض قالت فإذا أنا بسعد

بن معاذ ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل مجنه1 قالت فجلست إلى الأرض فمر سعد وعليه درع من حديد قد خرجت منها أطرافه فأنا أتخوف على أطراف سعد قالت وكان سعد من أعظم الناس وأطولهم قالت فمر وهو يرتجز2. قالت: "فاقتحمت حديقة فإذا فيها نفر من المسلمين وإذا فيها عمر بن الخطاب وفيهم رجل عليه تسبغة له تعني المغفر فقال عمر ما جاء بك لعمري إنك لجريئة وما يؤمنك ألا يكون تحوز3 قالت فما زال يلومني حتى تمنيت أن الأرض انشقت لي ساعتئذ فدخلت فيها، قال4 فرفع الرجل التسبغة عن وجهه فإذا طلحة بن عبيد الله فقال ويحك يا عمر إنك قد أكثرت منذ اليوم وأين التحوز والفرار إلا إلى الله تعالى قالت ويرمي سعداً رجل من المشركين من قريش يقال له ابن العرقة بسهم له فقال له

خذها وأنا ابن العرقة فأصاب أكحله فقطعه فدعا الله سعد فقال اللهم لا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة فيخرجوا من صياصيهم1. ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وأمر بقبة من أدم2 فضربت على سعد في المسجد"3. أ. هـ. من حديث طويل ذكر فيه بني قريظة أيضاً. وقد خرج حديث عائشة هذا الطبري4 كما ذكره ابن كثير5 وغيره من المؤرخين. قال الهيثمي قلت: "في الصحيح بعضه6 ثم قال: "رواه أحمد وفيه محمد بن عمرو بن علقمة وهو حسن الحديث وبقية رجاله ثقات". وهو من زوائد عبد الله بن أحمد وهذا نصه: حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا ابن نمير ثنا هشام عن أبيه عن عائشة قالت: "أصيب سعد يوم الخندق رماه رجل من قريش يقال له حبان بن

العرقة في الأكحل فضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد ليعوده من قريب" 1. والحديث بهذا السند يعتبر صحيحاً والله أعلم. قلت: "وذكره الألباني في الصحيحة2 وعزاه إلى من تقدم ذكرهم". وقال الحاكم: "سعد يكنى أبا عمرو وكان لواء الأوس معه يوم الخندق فرمي في أكحله بسهم فقطعه ونزف وذلك في سنة خمس من الهجرة" أ. هـ. 3 وقال ابن الأثير: "ورمي سعد بن معاذ بسهم قطع أكحله رماه حبان بن قيس بن العرقة… وساق الكلام بمثل ما جاء في حديث عائشة المتقدم4. كما ذكر ذلك البيهقي عن ابن إسحاق5. قال المقريزي في سياقه لحديث الخندق: "قال محمد بن مسلمة وغيره كان ليلنا بالخندق نهاراً وكان المشركون يتناوبون بينهم فيغدو أبو سفيان بن حرب في أصحابه.. إلى أن قال:

"حتى عظم البلاء وخاف الناس خوفاً شديداً وكان معهم رماة يقدمونهم إذا غدوا متفرقين أو مجتمعين بين أيديهم وهم حبان بن العرقة وأبو أسامة الجشمي في آخرين1 فتناوشوا يوماً بالنبل ساعة وهم جميعاً في وجه واحد وجاه قبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم بسلاحه على فرسه فرمى حبان بن العرقة سعد بن معاذ بسهم فأصاب أكحله وقال خذها وأنا ابن العرقة فقال صلى الله عليه وسلم عرق الله وجهه في النار ويقال بل رماه أبو أسامة الجشمي" أ. هـ. 2 قال ابن الأثير: "وقيل إن الذي رمى سعداً هو أبو أسامة الجشمي حليف بني مخزوم"3. قال ابن إسحاق: "وحدثني من لا أتهم عن عبيد الله بن كعب بن مالك أنه كان يقول: "ما أصاب سعداً يومئذ بالسهم إلا أبو أسامة الجشمي حليف بني مخزوم وقال في ذلك شعراً ذكره ابن إسحاق حيث" قال: "وقد قال أبو أسامة في ذلك شعراً لعكرمة بن أبي جهل:

أعكرم هلا لمتني إذ تقول لي ... فداك بآطام المدينة خالد ألست الذي ألزمت سعداً مرشة ... لها بين أثناء المرافق عاند1 قضى نحبه منها سعيد فاعولت ... عليه مع الشمط العذاري النواهد2 وكان قد قال ابن إسحاق: "رماه كما حدثني عاصم بن عمر بن قتادة حبان بن قيس بن العرقة…الخ"3. وبهذا القول قال الطبري4. أما ابن هشام فقد قال: "ويقال إن الذي رمى سعداً: "خفاجة بن عاصم بن حبان5. وعلى كل حال فالله أعلم أي ذلك كان فبالنسبة للقولين الذين ذكرهما ابن إسحاق فهما منقطعان والذين روى عنهما ابن إسحاق كلاهما ثقة إلا أنهما متأخران. فأحدهما من الطبقة الثالثة وهو عبيد الله بن كعب والثاني من الطبقة الرابعة وهو عاصم بن عمر بن قتادة".

أما رأي ابن هشام فقد ورد بصيغة التمريض فهو متنف وبعيد. والراجح مع القائلين بأنه - حبان بن العرقة - لكثرتهم أما من قال أنه أبو أسامة الجشمي فلعله شارك إلا أنه ينتفي لتحديدهم الرمية في الأكحل. قال ابن الأثير: "فلما قال سعد ما قال انقطع الدم وقد أعطاه الله ما طلب فاندمل جرحه واستمر يجاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الغزوة"1. قال ابن كثير: "وقد استجاب الله دعوة وليه سعد بن معاذ في بني قريظة أقر الله عينه فحكم فيهم بقدرته وتيسيره وجعلهم هم الذين يطلبون ذلك. فحكم بقتل مقاتلتهم وسبي ذرايهم حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له لقد حكمت فيهم بحكم الله فوق سبع أرقعة" 2. هذا جانب من جهاد سعد بن معاذ رضي الله عنه وهو جانب مشرق حقاً يدل لذلك دعاءه عندما أصيب في أكحله وقد روى البخاري حديثاً اشتمل على بعض ما تقدم وفيه زيادة حسنة وهذا نصه: "قال البخاري رحمه الله:

"حدثنا زكريا بن يحي1 حدثنا عبد الله بن نمير2 حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: "أصيب سعد يوم الخندق رماه رجل من قريش يقال له حبان بن العرقة رماه في الأكحل فضرب النبي صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد ليعوده من قريب فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق وضع السلاح واغتسل فأتاه جبريل عليه السلام وهو ينفض رأسه من الغبار" فقال: "قد وضعت السلاح والله ما وضعته أخرج إليهم قال النبي صلى الله عليه وسلم فأين: "فأشار إلى بني قريظة فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلوا على حكمه فرد الحكم إلى سعد قال فإني أحكم فيهم أن تقتل المقاتلة وأن تسبى النساء والذرية وأن تقسم أموالهم". قال هشام: "فأخبرني أبي عن عائشة أن سعداً قال: "اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إلي أن أجاهدهم فيك من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه. اللهم فإني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فإن كان بقي من حرب قريش شيء فأبقني له حتى أجاهدهم فيك وإن كنت وضعت الحرب

فأفجرها واجعل موتى فيها. فانفجرت من لبته1 فلم يرعهم وفي المسجد خيمة من بني غفار - إلا الدم يسيل إليهم". فقالوا يا أهل الخيمة ما هذا الذي يأتينا من قبلكم؟ فإذا سعد يغذو2 جرحه دماً فمات منها رضي الله عنه". أ. هـ. 3 ورواه أحمد بأخصر من هذا4 عن ابن نمير وتقدم في أول هذا المبحث: "وقد ساق الترمذي حديثاً يبين معاناة سعد من ذلك الجرح ولما دعا الله استمسك حتى أقر الله عينه في بني قريظة ووفى له ما طلب مات رضي الله عنه. قال أبو عيسى رحمه الله:

"حدثنا قتيبة حدثنا الليث1 عن أبي الزبير عن جابر أنه قال: "رمي يوم الأحزاب سعد بن معاذ فقطعوا أكحله أو أبجله2 فحسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنار فانتفخت يده فتركه فنزفه3 الدم فحسمه أخرى فانتفخت يده فلما رأى ذلك قال: "اللهم لا تخرج نفسي حتى تقر عيني من بني قريظة فاستمسك عرقه فما قطر قطرة حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ فأرسل إليه فحكم أن يقتل رجالهم وتستحي نساؤهم يستعين بهم المسلمون فقال رسول الله أصبت حكم الله فيهم، وكانوا أربعمائة، فلما فرغ من قتلهم انفتق عرقه فمات"4. ورواه مسلم5 بأخصر من هذا وفيه فحسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص6 وفيه بدل انتفخت ورمت ورواه أحمد7 والدارمي8 وقد

أورده ابن كثير1 بهذا اللفظ وعزاه للإمام أحمد. فضله رضي الله عنه: كان رضي الله عنه في أثناء حياته ملازماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخرج إلى غزوة إلا خرج سعد معه فنجده في الغزوات المشهورة والعظيمة مثل بدر وما قام به من دور فيها مشهور وفي غزوة أحد كان له دوره المشرف وجاءت غزوة الخندق حيث أراد الله له الحسنى فضرب أروع الأمثلة. وحتى بعد أن رمي في أكحله استمر مجاهداً في سبيل الله حتى حقق الله ما طلب وشفى قلبه من اليهود الذين خذلوا دين الله وخذلوا رسوله في وقت عصيب ولكن الله سبحانه وتعالى رد كيدهم في نحورهم، وحكم فيهم سعد رضي الله عنه فأخذوا وقتلوا تقتيلاً على مرأى ومسمع من المسلمين وذلك انتقام من الله جزاء بعض ما فعلوه. عقب ذلك كله مات رضي الله عنه راضياً مرضياً. ويظهر فضله ويبرز للعيان بعد موته ونعمت النهاية التي جاهد في حياته لنيلها يتمثل ذلك في اهتزاز العرش لموته روى الإمام مسلم رحمه الله حيث قال:

حدثنا عبد بن حميد1 أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج2 أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وجنازة سعد بن معاذ بين أيديهم: "إهتز لها عرش الرحمن" الحديث3. كما رواه البخاري4 والترمذي5 والنسائي6 ولفظه " تحرك له العرش" - ولم يذكر فيه سعد - وابن ماجه7 وأحمد8. ما قاله العلماء حول تفسير هذا الحديث: قال النووي: "وقد اختلف العلماء في تأويله. فقالت طائفة هو على ظاهره واهتزاز العرش تحركه فرحاً بقدوم سعد وجعل الله في العرش تمييزاً

حصل به هذا ولا مانع منه كما قال تعالى: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} 1الآية. وهذا القول هو ظاهر الحديث وهو المختار". وقال آخرون المراد اهتزاز العرش وهم حملته وغيرهم من الملائكة فحذف المضاف والمراد بالاهتزاز الاستبشار والقبول ومنه قول العرب فلان يهتز للمكارم لا يريدون اضطراب جسمه وحركته وإنما يريدون ارتياحه إليها وإقباله عليها2. وكانت هذه المنقبة العظيمة له عند موته. كما أن منزلته رضي الله عنه في الجنة عظيمة وذلك لما قدمه من تضحيات وفداء في سبيل الله وفي سبيل إعلاء كلمته ونصر دينه فوفاه الله ما وعده لذلك قال البخاري رحمه الله: "حدثنا مسدد3 حدثنا يحي بن سعيد4 عن سفيان5 قال حدثني أبو إسحاق6 قال سمعت البراء بن

عازب رضي الله عنهما قال أُتَي رسول الله صلى الله عليه وسلم بثوب من حرير فجعلوا يعجبون من حسنه ولينه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أفضل من هذا؟ " 1. كما رواه مسلم2 والترمذي3 والنسائي4 وابن ماجه5 والإمام أحمد6. هذا جانب من دوره رضي الله عنه في سبيل نصر هذا الدين حتى إنه وفي آخر أيامه وبعد إصابته في أكحله صبر وصابر واحتسب وهانت نفسه في سبيل الله ودعا بدعائه المشهور وأبقاه الله حتى نفذ حكم الله في أعداء الله وأعداء رسوله وما مات حتى قرت عينه ورضي قلبه من أولئك اليهود الذين ما فتئوا يكيدون للإسلام وأهله ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين. أما حكمه رضي الله عنه في بني قريظة فكان قوياً ومؤثراً وقاطعاً لدابر أي محاولة أخرى من قبل اليهود حيث صدر الحكم ممن يرجون

ويأملون منه المساعدة وهذه حكمة الله حيث أهلكهم بحكم سعد رضي الله عنه وكانوا حلفاؤه ومواليه ولكنه رضي الله عنه أطلق كلمته المشهورة "قد آن لي أن لا أبالي في الله لومة لائم"1. قال ابن سعد: "وبعد أن حكم فيهم مرت عنز وهو مضطجع فأصابت الجرح بظلفها فما رقأ حتى مات"2قال ابن إسحاق وقالت أمه حين احتمل سعد على نعشه تندبه: ويل أم سعد سعدا ... صرامة وجدا وسؤدداً ومجدا ... وفارساً معدا سدبه مسدا ... يقدها ما قدا3 قال ابن كثير: "وكانت وفاته بعد انصراف الأحزاب بنحو من خمس وعشرين ليلة ثم استطرد مبيناً حديث عائشة رضي الله عنها حيث قالت: "ثم دعا سعد فقال: "اللهم إن كنت أبقيت على نبيك من حرب قريش شيئاً فأبقني لها وإن كنت قطعت الحرب بينه وبينهم فاقبضني إليك قال فانفجر

كلمه وكان قد برئ حتى لا يرى منه إلا مثل الخرص ورجع إلى قبته التي ضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم" قالت عائشة: "فحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر" قالت: "فو الذي نفس محمد بيده إني لأعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر وانا في حجرتي وكانوا كما قال الله {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} 1. قال علقمة فقلت يا أمه فكيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع قالت كانت عينه لا تدمع على أحد ولكنه كان إذا وجد فإنما آخذ بلحيته2. قال ابن كثير وهذا الحديث إسناده جيد وله شواهد من وجوه كثيرة.

_ 1 سورة الفتح الآية الأخيرة. 2 البداية والنهاية 4/124، الصحيحة للألباني 1/105.

الفصل الرابع: دور نعيم بن مسعود الأشجعي في هذه الغزوة

الفصل الرابع: دور نعيم بن مسعود الأشجعي في هذه الغزوة إن دور نعيم –رضي الله عنه- في هذه الغزوة عظيم. خاصة إذا عرفنا أنه في أول أيام دخوله في الإسلام. وقد اشتهر هذا الدور عند المؤرخين. بيد أني رغم ذلك لم أجد سنداً يؤكده ويؤيده، ولكنه مستفيض عند المؤرخين وقد كان دوره حاسماً في القضية حيث شتت الله شملهم، وفرق جمعهم، وأرسل الله عليهم الريح، وجنوداً من عنده – وكان السبب في زعزعة الأحزاب هو نعيم بعد الله عز وجل-. قال ابن إسحاق عن هذا الدور: "ثم إن نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيف بن ثعلبة بن منقذ بن هلال بن خلاوة بن أشجع بن ريث بن غطفان أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن قد أسلمت، وإن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت فقال رسول الله: "إنما أنت فينا رجل واحد فخذّل عنا ما استطعت فإن الحرب خدعة" 1.

فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة، وكان لهم نديماً في الجاهلية؛ فقال يا بني قريظة قد عرفتم وُدِّي إياكم وخاصةَ ما بيني وبينكم قالوا صدقت لست عندنا بمتهم فقال لهم إن قريشاً وغطفانَ ليسوا كأنتم، البلد بلدكم فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم لا تقدرون على أن تتحولوا منه إلى غيره. وإن قريشاً وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه، وقد ظاهرتموهم عليه، وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره. فليسوا كأنتم. فإن رأوا نهزة1 أصابوها؛ وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم ولا طاقة لكم به إن خلا بكم، فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهناً من أشرافهم يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن تقاتلوا معهم محمداً حتى تناجزوه. فقالوا له لقد أشرت بالرأي. قال2: "ثم خرج حتى أتى قريشاً فقال لأبي سفيان بن حرب ومن

معه من رجال قريش قد عرفتم ودي لكم وفراقي محمداً، وأنه قد بلغني أمر قد رأيت علي حقاً أن أبلغكموه نصحاً لكم فاكتموا عني، فقالوا نفعل قال تعلموا أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد، وقد أرسلوا أن قد ندمنا على ما فعلنا فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين من قريش وغطفان رجالاً من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم ثم نكون معك على من بقي منهم حتى نستأصلهم؟ فأرسل إليهم أن نعم فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون منكم رهناً من رجالكم فلا تدفعوا إليهم رجلاً واحداً. ثم خرج حتى أتى غطفان فقال يا معشر غطفان إنكم أصلي وعشيرتي وأحب الناس إلي ولا أراكم تتهموني، فقالوا صدقت ما أنت عندنا بمتهم قال فاكتموا عني قالوا نفعل فما أمرك؟ ثم قال لهم مثل ما قال لقريش وحذرهم ما حذرهم"1. هذا ما تناقله أهل السير عن نعيم، وبعضهم يذكر ما لا يذكره الآخر وبعضهم يزيد وبعضهم ينقص. أما الواقدي فقد ذكر القصة باستفاضة وهذا كلامه:

قال: "حدثنا عبد الله بن عاصم الأشجعي عن أبيه1 قال: "قال نعيم بن مسعود: "كانت بنو قريظة أهل شرف وأموال، وكنا قوماً عرباً لا نخل لنا ولا كرم، وإنما نحن أهل شاة وبعير؛ فكنت أقدم على كعب بن أسد فأقيم عندهم الأيام أشرب من شرابهم وآكل من طعامهم ثم يحملونني تمراً على ركابي ما كانت. فأرجع إلى أهلي، فلما سارت الأحزاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سرت مع قومي وأنا على ديني". وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عارفاً فأقامت الأحزاب ما أقامت حتى أجدب الجناب وهلك الخف والكراع 2وقذف الله عز وجل في قلبي الإسلام وكتمت قومي إسلامي، فأخرج حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء، وأجده يصلي فلما رآني جلس ثم قال ما جاء بك يا نعيم؟ قلت: "إني جئت أصدقك وأشهد أن ما جئت به حق فمرني بما شئت يا رسول الله فوالله لا تأمرني بأمر إلا مضيت له، قومي لا يعلمون إسلامي ولا غيرهم". قال: "ما استطعت أن تخذل الناس فخذل"؛ قال: "قلت أفعل ولكن يا رسول الله أقول؟ فاذن لي، قال: "قل ما بدا لك فأنت في

حلّ"، قال فذهبت حتى جئت بني قريظة فلما رأوني رحبوا وأكرموني وحيوا وعرضوا علي الطعام والشراب، فقلت إني لم آت لشيء من هذا وإنما جئتكم نصباً بأمركم وتخوفاً عليكم لأشير عليكم برأي، وقد عرفتم ودي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم فقالوا قد عرفنا ذلك وأنت عندنا على ما تحب من الصدق والبر، قال: "فاكتموا عني قالوا نفعل قال إن أمر هذا الرجل بلاء – يعني النبي صلى الله عليه وسلم – صنع ما قد رأيتم ببني قيقناع وبني النضير وأجلاهم عن بلادهم بعد قبض الأموال". وكان ابن أبي الحقيق قد سار فينا1 فاجتمعنا معه لنصركم وأرى الأمر قد تطاول كما ترون وأنكم والله ما أنتم وقريش وغطفان من محمد بمنزلة واحدة، أما قريش وغطفان فهم قوم جاءوا سيارة حتى نزلوا حيث رأيتم فإن وجدوا فرصة انتهزوها. وإن كانت الحرب أو أصابهم ما يكرهون انشمروا إلى بلادهم وأنتم لا تقدرون على ذلك البلد بلدكم فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم وقد غلظ عليهم جانب محمد أجلبوا عليه أمس إلى الليل2 فقتل رأسهم عمرو بن عبد وهربوا منه مجرحين وهم لا غناء بهم عنكم لما يعرفون

عندكم1، فلا تقاتلوا مع قريش وغطفان حتى تأخذوا منهم رهناً من أشرافهم، تستوثقون به منهم ألا يناجزوا محمداً، قالوا أشرت بالرأي علينا والنصح، ودعوا له وتشكروا وقالوا نحن فاعلون، قال ولكن اكتموا عني قالوا نعم نفعل. ثم خرج إلى أبي سفيان بن حرب في رجال من قريش فقال: "يا أبا سفيان قد جئتك بنصيحة فاكتم عني قال أفعل. قال تعلم أن قريظة قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمدٍ، وأرادوا إصلاحه. ومراجعته أرسلوا إليه وأنا عندهم أنّا سنأخذ من قريش وغطفان من أشرافهم سبعين رجلاً نسلمهم إليك تضرب أعناقهم وترد جناحنا الذي كسرت إلى ديارهم يعنون بني النضير – ونكون معك على قريش حتى نردهم عنك، فإن بعثوا إليكم يسألونكم رهناً فلا تدفعوا إليهم أحداً، واحذروهم على أشرافكم، ولكن اكتموا عني ولا تذكروا من هذا حرفاً قالوا لا نذكره، ثم خرج حتى أتى غطفان فقال يا معشر غطفان إني رجل منكم فاكتموا عني واعلموا أن قريظة بعثوا إلى محمد وقال لهم مثل ما قال لقريش فاحذروا أن تدفعوا إليهم أحداً من رجالكم، وكان رجلاً منهم فصدقوه2.

وأرسلت اليهود عزال بن سموأل إلى أبي سفيان بن حرب وأشراف قريش إن ثواءكم1 قد طال، ولم تصنعوا شيئاً، وليس الذي تصنعون برأي، إنكم لو وعدتمونا يوماً تزحفون فيه إلى محمد فتأتون من وجه وتأتي غطفان من وجه ونخرج نحن من وجه آخر لم يفلت من بعضنا. ولكن لا نخرج معكم حتى ترسلوا إلينا بِرِهَانٍ2 من أشرافكم يكونون عندنا فإنا نخاف إن مستكم الحرب3 وأصابكم ما تكرهون شمرتم وتركتمونا في عقر دارنا وقد نابذنا4 محمداً بالعداوة، فانصرف الرسول إلى بني قريظة، ولم يرجعوا إليهم شيئاً، وقال أبو سفيان هذا ما قال نعيم، فخرج نعيم إلى بني قريظة فقال: "يا معشر بني قريظة أنا عند أبي سفيان حتى جاء رسولكم إليه يطلب منه الرهائن فلم يرد عليه شيئاً فلما ولى قال لو طلبوا مني عناقاً5 ما رهنتها، أنا أرهنهم سراة أصحابي يدفعونهم إلى محمد يقتلهم، فارتأوا آراءكم حتى تأخذوا الرهن فإنكم إن لم تقاتلوا محمداً" وانصرف أبو سفيان تكونوا على مواعدتكم الأولى. قالوا

نرجو ذلك يا نعيم؟ قال نعم قال كعب بن أسد فإنا لا نقاتله والله لقد كنت لهذا كارهاً، ولكن حيي رجل مشؤم". قال الزبير بن باطا: "إنْ انكشفت قريش وغطفان عن محمد لم يقبل منا إلا السيف، قال نعيم لا تخش ذلك يا أبا عبد الرحمن. قال الزبير بلى والتوارة، ولو أصابت اليهود رأيها، ولحِمَ الأمر، لتخرجن إلى محمد ولا يطلبون من قريش رهناً فإن قريشاً لا تعطينا رهنا أبداً. وعلى أي وجه تعطينا قريش الرهن وعددهم أكثر من عددنا ومعهم كراع ولا كراع معنا وهم يقدرون على الهرب ونحن لا نقدر عليه؟ وهذه غطفان تطلب إلى محمد أن يعطيها بعض تمر الأوس وتنصرف فأبى محمد إلا السيف فهم ينصرفون بغير شيء"1. فلما كانت ليلة السبت كان مما صنع الله تعالى لنبيه أن قال أبو سفيان يا معشر قريش إن الجناب. قد أجدب، وهلك الكراع، والخف، وغدرت اليهود، وكذبت وليس هذا بحين مقام فانصرفوا، قالت قريش فاعلم علم اليهود، واستيقن خبرهم، فبعثوا عكرمة بن أبي جهل حتى جاء بني قريظة عند غروب الشمس مساء ليلة السبت فقال: "يا معشر اليهود

إنه قد طال المكث وجهد الخف والكراع وأجدب الجناب وإنا لسنا بدار مقامه. اخرجوا إلى هذا الرجل حتى نناجزه بالغداة، قالوا غداً السبت لا نقاتل ولا نعمل فيه عملاً، وإنا مع ذلك لا نقاتل معكم إذا انقضى سبتنا حتى تعطونا رهاناً من رجالكم يكونون معنا لئلا تبرحوا حتى نناجز محمداً. فإنا نخشى إن أصابتكم الحرب أن تشمروا إلى بلادكم وتدعونا وإياه في بلادنا ولا طاقة لنا به، معنا الذراري والنساء والأموال فرجع عكرمة إلى أبي سفيان فقالوا ما وراءك؟ قال أحلف بالله أن الخبر الذي جاء به نعيم حق لقد غدر أعداء الله، وأرسلت غطفان إليهم مسعود بن رخيلة في رجال منهم بمثل رسالة أبي سفيان فأجابوهم بمثل جواب أبي سفيان". وقالت اليهود حيث رأوا ما رأوا منهم نحلف بالله إن الخبر الذي قال نعيم لحق، وعرفوا أن قريشاً لا تقيم فسُقِطَ في أيديهم. فكر أبو سفيان إليهم وقال: "إنا والله لا نفعل إن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا"، فقالت اليهود مثل قولهم الأول وجعلت اليهود تقول الخبر ما قال نعيم وجعلت قريش وغطفان تقول الخبر ما قال نعيم، ويئس هؤلاء من نصر هؤلاء واختلف أمرهم، فكان نعيم يقول أنا خذلت بين

الأحزاب حتى تفرقوا في كل وجه وأنا أمين رسول الله صلى الله عليه وسلم على سره فكان صحيح الإسلام بعد1. وهناك بعض الآثار نوردها كشواهد لهذه القصة وهي من منتخب كنز العمال. وفي المنتخب قال: "عن إبراهيم بن صابر الأشجعي عن أبيه عن أمه2 ابنة نعيم بن مسعود عن أبيها قال: "قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق "خذل عنا فإن الحرب خدعة"3. وفي موضع آخر قال: "عن عروة قال كان في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل يقال له مسعود وكان نماماً، فلما كان يوم الخندق بعث أهل قريظة إلى أبي سفيان أن ابعث إلينا رجالاً يكونون في آطامنا حتى نقاتل محمداً مما يلي المدينة وتقاتل أنت مما يلي الخندق، فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم أن يقاتل من وجهتين فقال لمسعود يا مسعود إنا نحن بعثنا إلى بني قريظة أن يرسلوا إلى

أبي سفيان فيرسل إليهم رجالاً فإذا أتوهم قتلوهم فما عدا أن سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فما تمالك حتى أتى أبا سفيان فأخبره فقال صدق والله محمد ما كذب قط فلم يبعث إليهم أحداً1. ثم قال وعن عائشة قالت إن نعيم بن مسعود قال يا نبي الله إني أسلمت ولم أعلم قومي بإسلامي فمرني بما شئت، فقال إنما أنت فينا كرجل واحد فخادع إن شئت فإن الحرب خدعة2. سبت اليهود كان من عوامل التفرق والهزيمة: قال الواقدي: "فحدثني موسى3 بن محمد بن إبراهيم4 عن أبيه قال لما قالت قريظة لعكرمة بن أبي جهل5 ما قالت قال أبو سفيان بن حرب لحيي بن أخطب أين ما وعدتنا من نصر قومك؟ قد خلونا وهم يريدون الغدر بنا.

قال حيي: "كلا والتوارة ولكن السبت قد حضر ونحن لا نكسر السبت فكيف ننصر على محمد وأصحابه إذا كسرنا السبت؟ فإذا كان يوم الأحد اغدوا على محمد وأصحابه بمثل حرق النار وخرج حيي بن أخطب حتى أتى بني قريظة فقال فداءكم أبي وأمي إن قريشاً قد اتهمتكم بالغدر واتهموني معكم وما السبت لو كسرتموه لما قد حضر من أمر عدوكم قال: "فغضب كعبد أسد ثم قال: "لو قتلهم محمد حتى لا يبقى منهم أحداً ما كسرنا سبتنا، فرجع حيي إلى أبي سفيان بن حرب فقال1 ألم أخبرك يا يهودي إن قومك يريدون الغدر؟ قال حيي: "لا والله ما يريدون الغدر ولكنهم يريدون الخروج يوم الأحد فقال أبو سفيان وما السبت؟ قال يوم من أيامهم يعظمون القتال فيه وذلك أن سبطاً2 منا أكلوا الحيتان يوم السبت فمسخهم الله قردة وخنازير". قال أبو سفيان: "لا أراني أستنصر بإخوة القردة والخنازير، ثم قال أبو سفيان قد بعثت عكرمة بن أبي جهل وأصحابه إليهم فقالوا لا نقاتل حتى

تبعثوا لنا بالرهائن من أشرافكم وقبل ذلك ما جاءنا عزال بن سموأل برسالتهم قال أبو سفيان: "أحلف باللات إن هو إلا غدركم". وإني لأحسب أنك قد دخلت في غدر القوم. قال حيي والتوراة التي أنزلت على موسى يوم طور سيناء1 ما غدرت ولقد جئتك من عند قوم هم أعدى الناس لمحمد وأحرصهم على قتاله، ولكن ما مقام يوم واحد حتى يخرجوا معك، قال أبو سفيان لا والله ولا ساعة. لا أقيم بالناس انتظار غدركم، حتى خاف حيي بن أخطب على نفسه من أبي سفيان فخرج معهم من الخوف حتى بلغ الروحاء2 فما رجع إلا متسرقاً لما3 أعطى كعب بن أسد من نفسه ليرجعن إليه. فدخل مع بني قريظة حصنهم ليلاً. ويجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد زحف إليهم ساعة ولت الأحزاب"4. قال ابن جرير: "وخذل الله بينهم وبعث الله عز وجل عليهم الريح في ليلة شاتية شديدة البرودة فجعلت تكفأ قدورهم وتطرح أبنيتهم فلما انتهى إلى

رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اختلف من أمرهم وما فرق الله من جماعتهم دعا حذيفة بن اليمان فبعثه إليهم لينظر ما فعل القوم ليلاً"1. هكذا جاءت هذه القصة في كتب المغازي وهي مشهورة جداً ولكنها بدون إسناد يعتمد عليه إلا أن أهل المغازي والسير تناقلوها عن ابن إسحاق وقد ذكر ذلك الغزالي في فقه السيرة2 فعلق عليه ناصر الدين الألباني حيث قال: "هذه القصة ذكرها ابن إسحاق بدون إسناد وعنه ابن هشام. لكن قوله صلى الله عليه وسلم الحرب خدعة صحيح متواتر عنه صلى الله عليه وسلم وقد مر تخريجه3. وقال ابن كثير4 عقب سرد القصة،: "وهذا الذي ذكره ابن إسحاق من قصة نعيم بن مسعود أحسن مما ذكره موسى بن عقبة، وقد أورده عنه البيهقي في الدلائل فإنه ذكر ما حاصله أن نعيم بن مسعود كان يذيع ما يسمعه من الحديث فاتفق أنه مر برسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم عشاء فأشار إليه أن تعال فجاء فقال ما وراءك؟ فقال إنه قد بعثت قريش وغطفان إلى بني قريظة يطلبون منهم أن يخرجوا إليهم فينا جزوك، فقالت قريظة " نعم

فأرسلوا إلينا بالرهن. وقد ذكر فيما تقدم أنهم إنما نقضوا العهد على يدي حيي بن أخطب بشرط أن يأتيهم برهائن تكون عندهم توثقة قال فقال له رسول الله إني مسر إليك شيئاً فلا تذكره، قال إنهم قد أرسلوا إلي يدعونني إلى الصلح، وأرد بني النضير إلى دورهم وأموالهم، فخرج نعيم بن مسعود عامداً إلى غطفان وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحرب خدعة، وعسى أن يصنع الله لنا". فأتى نعيم غطفان وقريشاً فأعلمهم فبادر القوم وأرسلوا إلى بني قريظة عكرمة وجماعة معه واتفق ذلك ليلة السبت يطلبون منهم أن يخرجوا للقتال معهم فاعتلت اليهود بالسبت، ثم أيضاً طلبوا الرهن توثقة فأوقع الله بينهم واختلفوا1، قلت وقد يحتمل أن تكون قريظة لما يئسوا من انتظام أمرهم مع قريش وغطفان بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدون منه الصلح على أن يرد بني النضير إلى المدينة والله أعلم. وقد ذكر أهل المغازي والسير والتفاسير وكل من تعرض لسيرته صلى الله عليه وسلم وغزواته هذه القصة وممن ذكرها: ابن إسحاق2، والواقدي3، وابن سعد4، والبلاذري5،

والطبري1، والبيهقي2، وابن عبد البر3، والسهيلي4، وابن الأثير5، والكلاعي6، وابن سيد الناس7، وابن القيم8، وابن كثير9، والسمهودي10، والسيوطي11، والقسطلاني12، وغيرهم. كلمة عن نعيم: قال ابن الأثير: "هو نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيف بن ثعلبة بن قنفذ بن حلاوة"13 بن سبيع بن بكر بن أشجع بن ريث بن غطفان الغطفاني الأشجعي أبو سلمة، أسلم في وقعة الخندق، وهو الذي أوقع الخلاف بين قريظة وغطفان وقريش يوم الخندق، وخذل بعضهم عن

بعض وأرسل الله عليهم الريح والبرد والجنود وهم الملائكة فصرف كيد الكفار عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولما أسلم واستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في أن يخذل الكفار قال له النبي صلى الله عليه وسلم خذل ما استطعت فإن الحرب خدعة، رواه عنه ابنه سلمة1. وقد نقل ابن الأثير رواية له عن ابنه سلمة بن نعيم بن مسعود الأشجعي عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين قرأ كتاب مسيلمة قال للرسولين فما تقولان أنتما قالا نقول كما قال: "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما"، ومات نعيم في زمن خلافة عثمان وقيل بل قتل يوم الجمل قبل قدوم علي البصرة مع مجاشع بن مسعود السلمي وحكيم بن جبلة العبدي2. وبهذا القول قال الحافظ3 إلا أنه لم يذكر أن قول الرسول صلى الله عليه وسلم له: "خذل ما استطعت فإن الحرب خدعة" من رواية ابنه سلمة كما جزم هنا ابن الأثير. أما الذهبي4 فلم يذكر ذلك ولكنه جزم برواية ابنه سلمة عنه وأنه توفي قبل الجمل.

وقال النووي: "نعيم بن مسعود كان يسكن المدينة، وهو نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيس بن ثعلبة بن قنفذ بن خلاوة بن سبيع بن بكر بن أشجع بن ريث بن غطفان الغطفاني الأشجعي الصحابي أبو سلمة"1.

_ 1 تهذيب الأسماء واللغات 1/131.

الفصل الخامس: دور حذيفة بن اليمان في هذه الغزوة

الفصل الخامس: دور حذيفة بن اليمان في هذه الغزوة ... الفصل الخامس: دور حذيفة –رضي الله عنه- في هذه الغزوة إن لحذيفة –رضي الله عنه- دوراً عظيماً كما كان لغيره من الصحابة -رضي الله عنهم- فقد جاهدوا في الله حق جهاده وبذلوا الغالي والنفيس في سبيل الله وفي سبيل إعلاء كلمته. لكن بعضهم اشتهر عن بعض بأعماله أو بمواقف خاصة وقفها تميزت وحفظت في السنة المطهرة. وحذيفة واحد من أولئك الصحابة الذين تميزوا عن غيرهم في هذه الغزوة، فكانت له ميزة فريدة حيث كان أمين سر النبي صلى الله عليه وسلم في المنافقين، لم يعلمهم أحد غيره نستشف ذلك من ترجمته التالية: قال ابن الأثير: "حذيفة بن اليمان: "وحذيفة بن حسل ويقال حسيل بن جابر بن عمرو بن ربيعة بن جروة بن الحارث بن مازن بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان –أبو عبد الله- العبسي واليمان لقب (حسل بن جابر) .

وقال ابن الكلبي: "هو لقب جروة بن الحارث وإنما قيل له ذلك لأنه أصاب دماً في قومه فهرب إلى المدينة وحالف بني عبد الأشهل من الأنصار فسماه قومه – اليمان- لأنه حالف الأنصار وهم من اليمن. روى عنه ابنه أبو عبيدة وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وقيس بن أبي حازم، وأبو وائل وزيد بن وهب وغيرهم. وهاجر إلى النبي ص فخيره بين الهجرة والنصرة فاختار النصرة وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم أحداً وقتل أبوه بها1. وقد قتله المسلمون خطأ، أخرج ذلك ابن الأثير بسنده عن محمود بن لبيد2 قال: "لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد رفع حسيل بن جابر وهو اليمان –أبو حذيفة- وثابت بن وقش بن زعوراء في الآطام مع النساء والصبيان وهما شيخان كبيران فقال أحدهما لصاحبه لا أبالك ما تنظر3؟ فوالله ما بقي لأحدنا من عمره إلا مثل ظمء حمار4 إنما نحن

هامة1 اليوم أو غداً، أفلا نأخذ أسيافنا ثم نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم. فأخذا أسيافهما ولحقا برسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلا في المسلمين ولا يعلم بهما، فأما ثابت بن وقش2 فقتله المشركون. وأما حسيل بن جابر فاختلفت عليه أسياف المسلمين وهم لا يعرفونه فقتلوه فقال حذيفة أبي أبي. فقالوا والله ما عرفناه فصدقوا. فقال حذيفة يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين"3. فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يديه فتصدق حذيفة بديته على المسلمين فزاده4 رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً5. قال ابن الأثير: "وحذيفة صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين لم يعلمهم أحد إلا حذيفة، أعلمه بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله عمر بن الخطاب أفي عمالي أحد من المنافقين؟ قال نعم واحد، قال من هو قال لا أذكره قال حذيفة فعزله

كأنما دل عليه. وكان عمر إذا مات ميت يسأل عن حذيفة فإنْ حضر الصلاة عليه صلى عليه عمر، وإن لم يحضر حذيفة الصلاة عليه لم يحضر عمر"1. وشهد حذيفة الحرب بِنَهَاوَنْد فلما قتل النعمان بن مقرن أمير ذلك الجيش أخذ الراية، وكان فتح همدان والري والدنيور على يده، وشهد فتح الجزيرة، ونزل نصيبين وتزوج فيها، وكان يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشر ليتجنبه وأرسله النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب على سرية ليأتيه بخبر الكفار، ولم يشهد بدراً لأن المشركين اخذوا عليه الميثاق ألا يقاتلهم فسأل النبي صلى الله عليه وسلم حل يقاتل أم لا، فقال صلى الله عليه وسلم بل نفي لهم"2 ونستعين بالله عليهم. وسأل رجل حذيفة أيّ الفتن أشد؟ قال: "أن يُعرض عليك الخير والشر ولا تدري أيهما تركب، وكان موته رضي الله عنه بعد قتل عثمان بأربعين ليلة سنة ست وثلاثين"3. أما بالنسبة لدوره العظيم في هذه الغزوة فقد قام رضي الله عنه بدور استكشاف خطير، ودخل في وسط الصفوف صفوف الأعداء رغم احتراسهم

وحراسهم المليئة قلوبهم بالحقد على المسلمين وخاصة بعد أن قتل بعض صناديدهم ورغم الظروف الخطيرة التي كانت تحيط به –رضي الله عنه- فقد ذهب في رعاية الله وحفظه ودعا له الرسول صلى الله عليه وسلم بالحفظ من بين يديه ومن خلفه واستجاب الله دعاء نبيه عليه الصلاة والسلام، ودخل حذيفة مع الأعداء وتوغل في صفوفهم حتى أشرف على القائد أبي سفيان، وحفظه الله ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأخبارهم ورحيلهم. روى ذلك كله الإمام مسلم –رحمه الله- حيث قال: "حدثنا زهير بن حرب1، وإسحاق2 بن إبراهيم جميعاً عن جرير3قال زهير: "حدثنا جرير عن الأعمش4 عن إبراهيم5 التيمي

عن أبيه1 قال كنا عند حذيفة فقال رجل: "لو أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلت معه وأبليت2فقال حذيفة: "أنت كنت تفعل ذلك3؟ لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب وأخذتنا ريح شديدة وقر4، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة؟ " فسكتنا فلم يجبه منا أحد، ثم قال ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة؟ فسكتنا فلم يجبه منا أحد، ثم قال: "ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة؟ فسكتنا فلم يجبه منا أحد فقال: "قم يا حذيفة فاتنا بخبر القوم". فلم أجد بداً إذ دعاني باسمي أن أقوم، قال: "اذهب فاتني بخبر القوم ولا تذعرهم عليّ" 5،فلما وليت من عنده جعلت كأنما أمشي

في حمام حتى أتيتهم فرأيت أبا سفيان يُصْلَيْ ظهره1بالنار، فوضعت سهماً في كبد القوس2 فأردت أن أرميه فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "ولا تذعرهم عليّ" ولو رميته لأصبته فرجعت وأنا أمشي في مثل الحمام فلما أتيته فأخبرته بخبر القوم وفرغت قررت3، فألبسني رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها فلم أزل نائماً حتى أصبحت4 فلما أصبحت قال: "قم يا نومان" 5. قصة حذيفة هذه وذهابه إلى الكفار ودخوله بينهم صحيحة وذكرها أهل السير والمغازي، وهي عند بعضهم أتم من بعض والذي سقته هو ما جاء عند مسلم6. قال الألباني في تعليقه على فقه السيرة: "هذه القصة صحيحة وسياقها هنا مركب من ثلاث روايات:

الأولى: عند الحاكم1 والبيهقي2 في الدلائل من طريق عبد العزيز بن أخي حذيفة عن حذيفة، وقد ذكر ابن كثير لفظها في التاريخ3. الثانية: عند ابن هشام4 عن محمد بن إسحاق بسنده عن محمد بن كعب القرظي عن حذيفة. وكذلك أخرجها أحمد5 من مسند حذيفة عن ابن إسحاق قال وظاهر إسناده الاتصال فهو صحيح. الثالثة: أخرجها مسلم من طريق إبراهيم التيمي عن أبيه عن حذيفة. ولها طريق رابعة أخرجها الحاكم في المستدرك"6 من طريق بلال العبسي عن حذيفة وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. وأخرجه البزار7 وقال رجاله ثقات8، وقد أخرجه بزيادة حسنة وهذا نصه: "قال حذيفة: "إن الناس تفرقوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب

فلم يبق معه إلا اثنا عشر رجلاً، فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جاثم"1 من النوم فقال يا ابن اليمان: "قم فانطلق إلى عسكر الأحزاب فانظر إلى حالهم". قلت: "يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما قمت إليك إلا حياءً من البرد. قال: "انطلق يا ابن اليمان فلا بأس عليك من برد ولا حر حتى ترجع إليّ". قال فانطلقت حتى آتي عسكرهم فوجدت أبا سفيان يوقد النار في عصبة حوله وقد تفرق الأحزاب عنه، فجئت حتى أجلس فيهم فحس أبو سفيان أنه قد دخل فيهم من غيرهم، فقال ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه قال فضربت بيدي على الذي عن يميني فأخذت بيده، ثم ضربت بيدي على الذي عن يساري فأخذت بيده فلبثت فيهم هنيهة ثم قمت فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي فأومئ إلي أن ادنو فدنوت حتى أرسل علي من الثوب الذي كان عليه ليدفئني، فلما فرغ من صلاته قال: "يا ابن اليمان اقعد ما خبر القوم؟ " قلت يا رسول الله: "تفرق الناس عن أبي سفيان فلم يبق إلا في عصبة يوقد النار وقد صب الله عليهم من البرد مثل الذي صب علينا ولكنا نرجو من الله ما لا يرجون"أ: هـ2.

أما البيهقي فقد عقد لذلك باباً حيث قال: "باب إرسال رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان –رضي الله عنه- إلى عسكر المشركين، وما ظهر له في ذلك من أمارات النبوة بوقوفه ليلتئذ على ما أرسل على المشركين من الريح والجنود وتصديق الله سبحانه وتعالى قول نبيه صلى الله عليه وسلم فيما وعد حذيفة من حفظ الله إياه عن الأسر والبرد. ثم أورد القصة من خمس طرق": الأولى: من طريق إبراهيم التيمي عن أبيه وقد رواها بهذا الطريق الإمام مسلم1. الثانية: من طريق بلال العبسي وقد شاركه في هذه الطريق الحاكم2. الثالثة: عن عبد العزيز ابن أخي حذيفة وقد شاركه فيها الحاكم3. الرابعة: عن عمران بن سريع وقد ذكر ذلك أيضاً الحافظ4. الخامسة: عن زيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب " أن رجلاً قال لحذيفة5".

وشيخه البيهقي في كل الطرق ماعدا الرابعة "أبو عبد الله الحافظ1" أما الطريق الرابعة فشيخه فيها أبو طاهر الفقيه2. والرواية التي جاءت من طريق ابن أخي حذيفة هي أتم وفيها زيادات حسنة قال البيهقي: "أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن حاتم الدرابردي بمروٍ قال حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى البوني حدثنا أبو حذيفة حدثنا عكرمة بن عمار عن محمد بن عبيد أبي قدامة الحنفي3 عن عبد العزيز ابن أخي حذيفة قال ذكر حذيفة مشاهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال جلساؤه أما والله لو كنا شهدنا ذلك لفعلنا وفعلنا"4 فقال حذيفة: "لا تمنوا ذلك5 فلقد رأيتنا ليلة الأحزاب ونحن صافون قعود". وأبو سفيان ومن معه فوقنا وقريظة اليهود أسفل منا نخافهم على ذرارينا، وما أتت علينا ليلة قط أشد ظلمة ولا أشد ريحاً في أصوات ريحها

أمثال الصواعق وهي ظلمة ما يرى أحدنا أصبعه، فجعل المنافقون يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم، ويقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة، فما يستأذن أحد منهم إلا أذن له فيأذن لهم فيتسللون ونحن ثلاثمائة أو نحو ذلك إذا استقبلنا1 رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً رجلاً حتى مر علي وما عَليَّ جنة2 من العدو ولا من البرد إلا مرط3 لامرأتي ما يجاوز ركبتي قال فأتاني وأنا جاثي على ركبتي فقال: "من هذا؟ " قلت حذيفة فقال حذيفة؟ قال: "فتقاصرت بالأرض"، فقلت بلى يا رسول الله، كراهية أن أقوم، قال: "قم فقمت" فقال: "إنه كاين في القوم خبر فاتني بخبر القوم"، قال وأنا من أشد الناس فزعاً وأشدهم قراً فخرجت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته"، قال فوالله ما خلق الله فزعاً ولا قراً في جوفي4 إلا خرج من جوفي فما أجد منه شيئاً".

قال فلما وليت قال: "يا حذيفة لا تحدثن في القوم شيئاً حتى تأتيني"، فخرجت حتى إذا دنوت من عسكر القوم نظرت في ضوء نار لهم توقد وإذا رجل أدهم ضخم يقول بيده على النار ويمسح خاصرته ويقول الرحيل الرحيل، ولم أكن أعرف أبا سفيان قبل ذلك، فانتزعت سهماً من كنانتي أبيض الريش فأضعه على كبد قوسي لأرميه في ضوء النار، فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحدثن شيئاً حتى تأتيني؛ فأمسكت ورددت سهمي في كنانتي، ثم إني شجعت نفسي حتى دخلت العسكر، فإذا أدنى الناس مني بنو عامر، يقولون يا آل عامر الرحيل الرحيل لا مقام لكم، وإذا الريح في عسكرهم ما تجاوز عسكرهم شبراً، فوالله إني لأسمع صوت الحجارة في رحالهم وفرشهم الريح تضربهم بها ثم خرجت نحو النبي صلى الله عليه وسلم فلما انتصف بي الطريق أو نحو ذلك إذا أنا بنحو من عشرين فارساً أو نحو ذلك معتمين1 فقالوا أخبر صاحبك أن الله كفاه القوم، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشتمل في شملة2 يصلي فوالله ماعدا أن رجعت راجعني القر وجعلت أقرقف فأومأ إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فدنوت منه فأسبل علي شملته، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه3 أمر صلى فأخبرته

خبر القوم وأخبرته أني تركتهم يترحلون فأنزل الله تعالى: {َ يأيُهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا} الآية. وهكذا نفذ حذيفة بن اليمان –رضي الله عنه- ما أمره به النبي صلى الله عليه وسلم، وهي مهمة شاقة ولكن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له كان من الأسباب التي جعلته ينجح في تلك المهمة رغم ما صادف من مآزق وأهم مأزق واجهه عندما قال أبو سفيان لينظر امرؤ من جليسه، وهو تحفظ من أبي سفيان خوفاً من أن يكون داخل المعسكر أحد يتجسس لحساب المسلمين1 ولكنه لذكائه –رضي الله عنه- تخلص من هذا المأزق حيث سارع إلى الرجل الذي بجانبه وبدأه بالسؤال قائلاً من أنت؟. وبهذا العمل تمكن حذيفة من الخروج من المأزق الذي وقع فيه والذي كاد أن يوقعه في قبضة المشركين لو انكشف أمره2، ثم سلط الله عليهم تلك الريح الهوجاء وأرسل عليهم ملائكته فزلزلتهم وجعلتهم يرتحلون، وفرق الله جمعهم وخذلهم وكفى الله المؤمنين شرهم {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} 3.

_ 1 غزوة الأحزاب لباشميل 265. 2 السيرة الحلبية 2/653. 3 سورة الحج الآية 40.

الفصل السادس: حصول النزاع بين الأحزاب وانهزامهم

الفصل السادس: حصول النزاع بين الأحزاب وانهزامهم المبحث الأول: هبوب الريح ... المبحث الأول: "هبوب الريح لقد تحدث القرآن الكريم عن هذه المعركة وتناول مراحلها في عدة آيات من سورة الأحزاب. وأول ما تحدث عنه القرآن هو نزول البلاء على المسلمين بوصول قوات الأحزاب، وإنعام الله على المسلمين بدحر1 تلك القوات، وتسليط الله الريح عليهم، وإزعاجهم بجنود من عنده لم يرها أحد، مما أدى إلى إجبارهم على الرحيل عن المدينة وفك الحصار عنها فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً} 2 الآية. ويعني القرآن الكريم بالجنود الذين جاءوا لحرب المسلمين قريش، وغطفان، وبني قريظة، أما الجنود الذي أشار القرآن إلى أن الله أرسلهم لإزعاج الأحزاب فقد ذكر كثير من أهل المغازي والتفاسير أنهم

(الملائكة) ، ولم يثبت أنهم قاتلوا الأحزاب، ولكنهم أرسلوا للإزعاج والتضييق1. لذلك روى البخاري رحمه الله حيث قال: "حدثنا مسدد2، حدثنا يحى بن سعيد عن شعبة قال: "حدثني الحكم3 عن مجاهد عن ابن عباس –رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور" 4. كما رواه مسلم5 وأحمد6 كلهم عن ابن عباس. وقد روى الإمام أحمد حديثاً بهذا المعنى عن أبي سعيد الخدري وهذا نصه: "قال ثنا أبو عامر7 ثنا الزبير بن عبد الله8 حدثني ربيح9 بن أبي

سعيد الخدري عن أبيه1 قال قلنا يوم الخندق يا رسول الله هل من شيء نقوله فقد بلغت القلوب الحناجر قال نعم:"اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا". قال فضرب الله عز وجل وجوه أعدائه بالريح فهزمهم الله عز وجل بالريح2. قال الألباني في فقه السيرة3 مشيراً إلى هذا الحديث: "حديث حسن أخرجه أحمد وابن أبي حاتم في تفسيره من حديث أبي سعيد الخدري" أهـ كلامه. كما روى البزار حديثاً آخر بسنده عن عكرمة حيث قال: حدثنا عبد الله بن سعد4 حدثنا حفص بن غياث5 عن داود6 عن عكرمة عن ابن عباس قال: "أتت الصبا إلى الشمال ليلة الأحزاب

فقالت مري ننصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت الشمال إن الحرة1 لا تسري بالليل فكانت الريح التي نصر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبا. قال: "ورواه جماعة عن داود مرسلاً، ولا نعلم أحداً وصله إلا حفص ورجل من أهل البصرة وكان ثقة يقال له خلف بن عمرو ثم قال الهيثمي رواه البزار ورجاله رجال الصحيح"2. قال الشوكاني3: "أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم في الكنى وأبو الشيخ، وابن مردويه، وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال: لما كان في ليلة الأحزاب جاءت الشمال للجنوب فقالت انطلقي فانصري الله ورسوله فقالت الجنوب إن الحرة لا تسري بالليل فغضب الله عليها وجعلها عقيماً فأرسل عليهم الصبا فأطفأت نيرانهم وقطعت أطنابهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور". وقد أخرج ابن سعد عن سعيد بن جبير قال: "لما كان يوم الخندق أتى جبريل عليه السلام ومعه الريح فقال حين

أتى جبريل: "ألا أبشروا ثلاثاً"، فأرسل الله عليهم الريح فهتكت القباب، وكفأت القدور، ودفنت الرحال1، وقطعت الأوتاد، فانطلقوا لا يلوي أحد على أحد فأنزل الله تعالى: " {إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا} 2. وقد روى البيهقي في الدلائل حديثاً بهذا المعنى عن طريق زيد بن أسلم أن رجلاً قال لحذيفة: "أدركتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ندركه… إلى أن ذكر حذيفة رضي الله عنه خبر انطلاقه إلى معسكر الكفار، وأنهم تجادلوا، وبعث الله عليهم الريح فما تركت لهم بناء إلا هدمته ولا إناء إلا أكفأته"3. قال الحافظ ومن طريق عمرو بن سريع عن حذيفة نحوه وفيه: "أن علقمة بن علاثة صار يقول يا آل عامر إن الريح قاتلني، وتحملت قريش وإن الريح لتغلبهم على بغض أمتعتهم4. وقد تقدم في دور حذيفة أنه وجد الريح في معسكر بني عامر وأنها ما تجاوزهم شبراً وأنهم يقولون يا آل عامر الرحيل الرحيل".

الريح التي سلطها الله سبحانه على الأحزاب: في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري1 ومسلم2 وأحمد3 وغيرهم أن الريح التي نصر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم هي (الصبا) . والصبا كما قال الحافظ: "هي بفتح المهملة وتخفيف الموحدة الريح الشرقية، وضدها الدبور وهي الريح الغربية ذلك لأنه حصل خلاف حول الريح التي نصرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فمع كون الأحاديث صرحت بأنها هي الصبا جاءت بعض الأحاديث بأن الحوار حصل بين الشمال، والجنوب، وحصل اختلاف حول التي أبت من نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل إن التي أبت هي الشمال وقيل إنها الجنوب". لكن الحافظ بين أن هذا الخلاف ليس له معنى وأن الصبا والدبور متعاكسان يقابلان الشمال والجنوب وهذا كلامه: الصبا: "يقال لها القبول بفتح القاف لأنها تقابل باب الكعبة إذ مهبها من مشرق الشمس، وضدها الدبور وهي التي أهلكت بها قوم عاد"4.

قال الحافظ ومن لطيف المناسبة: "كون القبول نصرت أهل القبول وكون الدبور أهلكت أهل الأدبار، وأن الدبور أشد من الصبا1 قال: "ولما علم الله رأفة نبيه صلى الله عليه وسلم بقومه رجاء أن يسلموا سلط عليهم الصبا؛ فكانت سبب رحيلهم عن المسلمين لما أصابهم بسببها من الشدة، ومع ذلك فلم تهلك منهم أحداً ولم تستأصلهم". ومن الرياح أيضا: "الجنوب والشمال فهذه الأربع تهب من الجهات الأربع، وأي ريح هبت من بين جهتين منها يقال لها النكباء بفتح النون وسكون الكاف بعدها موحدة ومد"2. وقال الحافظ في موضع آخر: "وقيل إن الصبا هي التي حملت قميص يوسف عليه السلام إلى يعقوب عليه السلام قبل أن يصل إليه وإنها هي التي تؤلف السحاب وتجمعه"3. وقال الهمداني4: "رياح المشرق القبول وهي الصبا، ويقابلها من المغرب الدبور، والجنوب تهب من اليمن، ويقابلها الشمال، وما هب بين

الجنوب والقبول يسمى النكباء، وما بين الجنوب والدبور الداجن، وما بين الشمال والدبور وهي مقابلة النكباء: "أزيب ... وساق الكلام إلى أن قال اثنتا عشرة ريحاً لاثني عشر برجاً1 وتبعه في هذا المسعودي"2. وهكذا يتبين أن لله سبحانه وتعالى جنوداً أقوياء {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} 3، فقد سلط الله سبحانه هذا النوع من جنده فزلزلت الأعداء، وأزعجهم هذا الوضع وخاصة بعد أن حصل ما حصل من التخذيل بينهم وبين حلفائهم اليهود، وظن بعضهم ببعض سوءاً. ووصل الخلاف والتنافر بين الفريقين إلى درجة أصبح الحلف العسكري المعقود بينهما في حكم المنتهي وصار كل فريق يحمل الآخر مسؤولية انفصام عرى هذا الحلف. عندئذ سلط الله عليهم القوة الإلهية. وقد فكرت عندئذ القيادة المشتركة للأحزاب في إنهاء الحصار المضروب على المدينة، والرجوع بجيوشها كلٌ إلى بلاده، وترك اليهود وشأنهم ليلقوا مصيرهم الرهيب، وفي النهاية وعندما أذن الله وأراد نصر أوليائه هبت على المنطقة التي يعسكر

فيها الأحزاب رياح قوية كانت لقوتها تقتلع الخيام وتهد الأبنية وتكفأ القدور، ولا تترك ناراً تشتعل مما جعل أبو سفيان يقول: "يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام فقد هلك الكراع والخف، وأخلفتنا بنو قريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقينا من شدة الريح ما ترون، ما تطمئن لنا قدر، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فإني مرتحل"1. وقد بلغ من خوف القوم عندما توالت عليهم عوامل الهزيمة أن كان رئيسهم أبو سفيان يقول لهم – ليتعرف كل منكم أخاه وليمسك بيده حذراً من أن يدخل بينكم عدو. وقد حل عقال بعيره يريد أن يبدأ بالرحيل، فقال له صفوان بن أمية إنك رئيس القوم فلا تتركهم وتمضي، فنزل أبو سفيان وأذن بالرحيل وترك خالد بن الوليد في جماعة ليحموا ظهور المرتحلين حتى لا يدهموا من ورائهم، وأزاح الله عن المسلمين تلك الغمة، ولولا لطف الله وعنايته بهذا الدين منّة منه وفضلاً لساءت الحال وكان جلاء الأحزاب في ذي القعدة2.

حقيقة أنها نعمة، وأيما نعمة! حيث انقشعت الغمة، وخلص الله المسلمين من براثن المحنة، وقطف المؤمنون الصادقون ثمار صدقهم، وصبرهم، وثباتهم، مع نبيهم الحبيب صلى الله عليه وسلم في تلك الليالي الرهيبة، المرعبة، التي زاغت فيها الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، فقد أخذت جيوش الأحزاب في فك الحصار عن المدينة. وأخذت كتائبهم تولي الأدبار تجر أذيال الخيبة والخسران لم تجن من غزوها الكبير هذا سوى التعب والنصب1 {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} 2 ذلك؛ لأن المسلمين رغم قلتهم وقلة عتادهم فقد نصرهم الله؛ لأنهم كانوا يدافعون عن عقيدة سامية ارتضاها الله لهم، لا كما يدافع المسلمون اليوم عن الحزب والوطن والتراب ويزعمون أنهم ينصرون بسبب إخلاصهم لتلك المبادئ الفانية. وهذا والله هو من أسباب الخذلان فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

_ 1 غزوة الأحزاب لمحمد باشميل 267. 2 سورة الحج الآية 40.

المبحث الثاني: نتائج الغزوة

المبحث الثاني: "نتائج الغزوة بالنظر في وقائع هذه الغزوة وبالرجوع والتفكير في مقدماتها وعندما ترى أو تسمع اجتماع تلك الجيوش الجرارة يحدوها الحقد والكراهية وترفرف عليها فكرة استئصال شوكة الإسلام والمسلمين. تلك الفكرة التي كان اليهود سبباً في رواجها وانتشارها بين جيوش الأحزاب عندما تنعم النظر في ذلك كله وترجع إلى المقاييس المادية – الأكثر يغلب الأقل- وتنسى قدرة الله سبحانه وتعالى. تعلم علم اليقين أن عشرة آلاف أو أكثر تستطيع أن تهزم عدوها والذي كان يبلغ عدده على الأكثر وفي أغلب الأقوال ثلاثة آلاف. بيد أن ابن إسحاق قال: "إنهم كانوا سبعمائة فقط"1. وقال ابن حزم: "إنهم كانوا تسعمائة قال وهو الصحيح"2 وقد تقدم الراجح أنهم كانوا ثلاثة آلاف. لكن الله سبحانه قوي عزيز فقد أمد هذه القلة بنصر من عنده، وأعانهم بجند من جنده، وزودهم بثبات وطمأنينة فهونّ أمامهم المصائب والمحن فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ

عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً} 1 الآية. إذن فالمقاييس عنده تختلف، إذ أنها ليست على حسب الكثرة أو القوة، ولكن القلوب التي ملئت بتوحيده سبحانه وتعالى، وملئت بالتقوى التي تهون أمامها الدنيا وزخارفها أصبح الواحد منهم يتصور الجنة وكأنه ينظر إليها ومنهم من بشر بها وهو على قيد الحياة؛ فرخصت أنفسهم في سبيل الله لما أعد لهم سبحانه من نعيم مقيم، وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين فكانوا يخرجون سراعاً مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا تهمهم قلتهم وكثرة عدوهم؛ لأن الله سبحانه كان يشد من أزرهم فيرسل معهم جنداً من جنوده الكثيرة، فقد أرسل معهم في بدر كما هو معلوم ملائكته فحاربت مع المسلمين. وفي هذه الغزوة يخبر الله سبحانه وتعالى أنه رد الكافرين بغيظهم لم ينالوا ما أرادوا مما اجتمعوا عليه وذلك أنهم أرادوا في الواقع استئصال تلك القلة المباركة فقال تعالى: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً} 2.

قال ابن كثير: "يقول تعالى مخبراً عن الأحزاب لما أجلاهم عن المدينة بما أرسل عليهم من الريح والجنود الإلهية، ولولا أن الله جعل رسوله رحمة للعالمين لكانت هذه الريح أشد من الريح العقيم التي أرسلها على عاد، لكنه قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} 1. فسلط عليهم هواء فرق شملهم كما كان سبب اجتماعهم من الهوى وهم أخلاط من قبائل شتى أحزاب وأراء. فناسب أن يرسل عليهم الهواء الذي فرق جماعتهم وردهم خائبين خاسرين بغيظهم وحنقهم2 لم ينالوا خيراً لا في الدنيا مما كان في أنفسهم من الظفر والمغنم، ولا في الآخرة بما تحملوه من الآثام في مبارزة الرسول صلى الله عليه وسلم بالعداوة وهمهم بقتله واستئصال جيشه3. فقال تعالى: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} . كان ذلك نتيجة واستجابة من الله لدعاء نبيه صلى الله عليه وسلم على الأحزاب فقد دعا عليهم بدعاء رواه البخاري رحمه الله حيث قال:

حدثنا محمد1، أخبرنا الفزاري2 وعبدة3 عن إسماعيل4 بن أبي خالد قال: "سمعت عبد الله بن أبى أوفى5 رضي الله عنهما يقول دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأحزاب فقال: "اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب اللهم اهزمهم وزلزلهم6 ". كما رواه مسلم7، وأبو داود8 والترمذي9، وابن ماجه10، وعبد بن حميد11، وأحمد12.

وقد قال الحافظ أثناء شرحه لهذا الحديث: قوله: "اللهم منزل الكتاب ... الخ". أشار بهذا الدعاء إلى وجوه النصر عليهم فبالكتاب إلى قوله تعالى: " {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} 1، وبمجري السحاب إلى القدرة الظاهرة وتسخير السحاب حيث يحرك الريح بمشيئة الله تعالى وحيث يستقر في مكانه مع هبوب الريح وحيث تمطر تارة وأخرى لا تمطر. فأشار بحركته إلى إعانة المجاهدين في حركتهم في القتال وبوقوفه إلى إمساك أيدي الكفار عنهم قال وكلها أحوال صالحة للمسلمين. ثم قال: "وروى الإسماعيلي2 في هذا الحديث من وجه آخر أنه صلى الله عليه وسلم دعا أيضاً فقال: "اللهم أنت ربنا وربهم ونحن عبيدك وهم عبيدك نواصينا ونواصيهم بيدك فاهزمهم وانصرنا عليهم". ثم قال: "ولسعيد بن منصور3

من طريق أبي عبد الرحمن الحُبليِّ1 عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً نحوه لكن بصيغة الأمر عطفاً على قوله " وسلوا الله العافية " في حديث آخر، فإن بليتم بهم فقولوا (اللهم) فذكره وزاد "وغضوا أبصاركم" واحملوا عليهم على بركة الله أهـ2. ثم كفى الله المؤمنين القتال، ونصر عبده، وأعز جنده؛ ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده" رواه البخاري3، ومسلم4، وأبو داود5، والنسائي6، وابن ماجه7، ومالك8، وأحمد9. وقال ابن كثير عند قوله تعالى: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} . إشارة إلى وضع الحرب بينهم وبين قريش10.

وهكذا حصل حيث أن المشركين لم يغزوا المسلمين بعدها بل غزاهم المسلمون في بلادهم. أشار إلى ذلك الحديث الصحيح الذي رواه البخاري رحمه الله حيث قال: "حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان1 عن أبي إسحاق2، عن سليمان بن صرد3 قال: "قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب "نغزوهم ولا يغزوننا" 4. كما رواه أحمد5. وقد رواه البخاري من وجه آخر عن عبد الله بن محمد وقد صرح فيه بسماع أبي إسحاق له منه وفيه زيادة وهي كالآتي: قال البخاري رحمه الله: حدثني عبد الله بن محمد6، حدثنا يحى بن آدم7، حدثنا إسرائيل8

سمعت أبا إسحاق يقول: "سمعت سليمان بن صرد يقول: "سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول حين أجلى الأحزاب عنه الآن: "نغزوهم ولا يغزوننا نحن نسير إليهم1". لذلك قال ابن كثير قال ابن إسحاق: "لما انصرف أهل الخندق عن الخندق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا "لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا ولكنكم تغزونهم". فلم تغز قريش بعد ذلك، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو يغزوهم بعد ذلك، حتى فتح الله تعالى مكة2 كما رواه الطبراني3. وقد أورده الهيثمي وقال رواه البزار ورجاله ثقات4. مما تقدم نرى أن هذه الغزوة كانت نتيجتها هي انتصار المسلمين، وانهزام أعدائهم، وتفرقهم، ورضاهم من الغنيمة بالإياب5.

وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهم – أي الأحزاب – أو كفار قريش لا يغزوا المسلمين بعد هذه الغزوة وهذا علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم حيث حصل ذلك حتى فتح مكة تلك التي أخرجه كفارها في بداية ظهور الإسلام، وخرج منها خائفاً يترقب، ولكنه بقوة الله وتأييده رجع إليها فاتحاً رافعاً راية التوحيد، حامداً ربه شاكراً له.

الخاتمة: في الأحكام والفوائد والعبر المستنبطة من هذه الغزوة

الخاتمة: في الأحكام والفوائد والعبر المستنبطة من هذه الغزوة أذكر في هذه الخاتمة خلاصة لما اشتلمت عليه هذه الغزوة من أحكام، وفوائد، وعبر، وذلك من خلال دلالة النصوص الواردة، أو مقتضى عمله صلى الله عليه وسلم، وقد مرت بعض الأحكام في مواضعها. وإنما جعلت هذه الخاتمة لإجمال ما سبق تفصيله وليكون كالخلاصة الجامعة يمكن للقارئ من خلالها الوقوف بسهولة على بعض تلك الأحكام. وقد أكون مقلداً في هذا العمل الإمام ابن القيم1 –رحمه الله- فقد ذكر أشياء كثيرة عقب كل غزوة، إلا أنه للأسف لم يعرج على غزوة الخندق كما فعل ذلك أيضاً في غزوة بدر الكبرى حيث لم يتكلم عن الأحكام المستفادة من الغزوتين2.

ولكنْ حسبي أن أنهج نهجه في بقية الغزوات، حيث سأذكر بعض الأحكام الفقهية المستنبطة من هذه الغزوة المباركة، والتي كانت بمثابة درس أخير للكفر وأهله. فأيقنوا أن الله مع المؤمنين ومن كان الله معه كفاه شر أعدائه. ومن تلك الأحكام: 1- الشورى: الشورى في الإسلام مبدأ من مبادئ نظام الحكم الإسلامي، وعليه المعول عندما لا يوجد دليل من الكتاب أو السنة يحتم الأخذ بشيء معين. وقد شاور الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه كثيراً، كما فعل ذلك الخلفاء الراشدون بعده. والشورى مصطلح إسلامي لا ينبغي أن يطلق على غير مدلوله الشرعي؛ لأن الشورى في الإسلام لها ميزات لا توجد في أي نظام آخر، أو أي قانون مستحدث1. وهي خاصة بأهل الحل والعقد، فلا يدخل فيها من لا يستحقها لأن ذلك يخل بهذا المبدأ العظيم، وفي غزوة الخندق حصلت المشاورة من النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه حول خطة الدفاع التي يتخذونها حيال الجموع الزاحفة

صوب المدينة، التي جاءت من بلادها عاقدة النية استئصال هذا الدين الحنيف الذي أصبح يهدد كيانهم ويبدد أصنامهم. وقد أشار عليه سلمان الفارسي1 –رضي الله عنه- بحفر الخندق وذلك لإقتناعه بأنها خطة عظيمة جيدة في هذا الظرف الخطير؛ والوقت القصير؛ ولأنها قد نفذت في بلاد فارس ونفعت. واقتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الرأي السديد، وسارع إلى تنفيذه، وسارع أصحابه –رضي الله عنهم- في هذا العمل العظيم، وأنجزوه في مدة وجيزة2 حيث لا تستطيع الآلات الحديثة في هذا العصر المتطور مادياً أن تفعل فعلهم إذا أخذنا في الحسبان أنهم حفروا من طرف الحرة الغربية3 الشرقي إلى طرف الحرة الشرقية4 الغربي. علماً بأن الحفر واسع وعميق بحيث لم تستطع الخيل اقتحامه مما يدل دلالة واضحة على عِظمه واتساعه، وما ذلك إلا بقدرة الله وقوته وتوفيقه

لرسوله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه الكرام –رضي الله عنهم- {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} 1. 2 - مشروعية جعل الإمام من ينوب عنه أثناء غيابه في قتال أو غيره. وهذا مبدأ إسلامي مشروع شرعه النبي صلى الله عليه وسلم في عهده فالاقتداء به في ذلك مشروع. وقد كان صلى الله عليه وسلم في كل غزوة، وفي كل سفر يعزم عليه يعين نائباً على المدينة يقوم بالصلاة بأهلها ممن تخلفوا عن القتال لعجز، أو إعالة ضعفاء، أو تمريض مرضى، وغير ذلك من رعاية شئون أهل المدينة. وفي هذه الغزوة عين صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم وقد تقدم الخلاف في اسمه. قال الحافظ: وكون اسمه عمرو أشهر وأكثر قال وقد استخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة ثلاثة عشرة مرة قال وكان يستخلفه على المدينة يصلي بالناس في عامة غزواته وأشار إلى هذا قبله ابن الأثير2. 3 - التواضع في الإسلام: مبدأ شرعي من مبادئ هذا الدين الحنيف وخلق كريم، ولقد وقف النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة في حجته التي تسمى حجة الوداع وقال: "يأيها الناس

ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى. أبلغت…" 1. الحديث، من هذا المنطلق يتبين أن التواضع من الرئيس لمرؤسيه؛ ومن الكبير للصغير، بل التواضع من كل أحد مما دعا إليه الإسلام وقد فعل ذلك صلى الله عليه وسلم وطبق بنفسه هذا المبدأ العظيم. حيث باشر بنفسه في هذه الغزوة حفر الخندق، ونقل التراب وقد روى البراء بن عازب - رضي الله عنه - أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك حتى اغبر بطنه. وما ذلك إلا لمعرفته بالله، وتواضعه لمن شرح صدره، ووضع وزره ورفع ذكره، حيث لا يذكر الله إلا ويذكر صلى الله عليه وسلم. وتواضعه يتجلى دائماً بين أصحابه سواء في الحرب أو في السلم وسنته مليئة بمثل ذلك. 4 - المبارزة: وهي ملاقاة الند2 من المشركين أمام الصفوف واحداً لواحد.

وقد حصل في هذه الغزوة المباركة لقاء هام بين علي رضي الله عنه وبين أعتى أعداء الله عمرو بن عبد ود حتى إن المؤرخين أثبتوا جميعاً بأنه فارس قريش وأحد شجعانها المبرزين. ومبارزة علي لعمرو رواها الحاكم في مستدركه وهي ثابتة عنده1. وقد تقدم الكلام عليها في مبحث خاص وهي جائزة وبالجواز قال الجمهور وخالف في ذلك الحسن البصري. 5 - بيع جيفة الكافر جوازها وعدمه: وقد جاء في كتب الحديث ما يمنع ذلك فقد عنون البخاري بقوله: باب (طرح جيف المشركين في البئر ولا يؤخذ لهم ثمن) وفي ذلك دليل على أنه لا يجوز بيع جيفة المشرك قال المباركفوري: وإنما لا يجوز بيعها وأخذ الثمن فيها لانها ميتة لا يجوز تملكها ولا أخذ عوض عنها وقد حرم الشارع ثمنها وثمن الأصنام2. قال الحافظ: "قوله ولا يؤخذ لهم ثمن أشار به إلى حديث ابن عباس أن المشركين أرادوا أن يشتروا جسد رجل من المشركين فأبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعهم"3.

6 - لا يعدل عن الوضوء إلى التيمم مع وجود الماء: أي أن الوضوء قد أوجبه الله سبحانه وتعالى فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} 1 الآية. قال الحافظ: "والوضوء بالضم الفعل وبالفتح الماء الذي يتوضأ به على المشهور فيهما"2. والوضوء واجب إلا في حالات نادرة. والرسول صلى الله عليه وسلم لم يترك الوضوء حتى في أثناء الحروب ذلك لأنه لما كان في هذه الغزوة وفاتته صلاته العصر كما مر في الأحاديث الصحيحة وفي بعضها أنه فاتته الظهر والعصر والمغرب والعشاء. عمد صلى الله عليه وسلم عندئذ إلى بطحان3 ليتوضأ، وترك التيمم مع أنه في وقت حرب وأوضاع حرجة؛ ولأنه هو المشرع صلى الله عليه وسلم؛ ولوجود الماء قريباً منه لم يترك الوضوء لما فيه من الأجر العظيم لذلك روى البخاري حيث قال في حديث تقدم وشاهدنا منه هو: قال عمر بن الخطاب يا رسول الله ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس أن تغرب قال النبي صلى الله عليه وسلم والله: "ما صليتها" فنزلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بطحان

فتوضأنا لها. الحديث1. قال الحافظ: "والوضوء فُرض على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمكة، كما فرضت الصلاة وأنه لم يصل قط إلا بوضوء، وهذا يوضح أنه من شروط الصلاة؛ لذلك ذكر الحاكم حديث ابن عباس: دخلت فاطمة على النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي فقالت: "هؤلاء الملأ من قريش قد تعاهدوا ليقتلوك" فقال: "ائتوني بوضوء" فتوضأ الحديث. قلت2 وهذا يصلح رداً على من أنكر وجود الوضوء قبل الهجرة لا على من أنكر وجوبه حينئذ قال وقد جزم ابن الجهم المالكي بأنه كان قبل الهجرة مندوباً3. 7 - الخديعة في الحرب: قال الحافظ: "وأصل الخداع إظهار أمر وإضمار خلافه"4. وقد أورد البخاري رحمه الله في ذلك حديثين أحدهما عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم (سمى الحرب خدعة) 5.

والثاني عن جابر بن عبد الله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الحرب خدعة1"، وقد أورد مسلم أحدهما عن أبي هريرة2. ثم قال النووي: "واتفق العلماء على جواز خداع الكفار في الحرب كيف أمكن الخداع، إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يحل"3. قال الطبري: "إنما يجوز من الكذب في الحرب المعاريض دون حقيقة الكذب فإنه لا يحل"4. قال الحافظ: "ذكر الواقدي أن أول ما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الحرب خدعة" في غزوة الخندق5. وقد فعل ذلك نعيم بن مسعود رضي الله عنه في الخندق حيث أنه كان قد أسلم ولم يعلم به قومه فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بإسلامه وأن قومه لا يعلمون بذلك.

وأراد مساعدة المسلمين فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا ما استطعت، فذهب لتوه إلى بني قريظة فقريش فغطفان وخذلهم الله وفرق جمعهم وشتت شملهم وكان نعيم سبباً هاماً في ذلك. ولذلك قال الحافظ: "وفي الحديث إشارة إلى استعمال الرأي في الحرب بل الاحتياج إليه آكد من الشجاعة"1. 8 - مشروعية إرسال العيون لأخذ أخبار الأعداء: قال البخاري: "باب الجاسوس"2. قال الحافظ: "الجاسوس بجيم ومهملتين أي حكمه إذا كان من جهة الكفار ومشروعيته إذا كان من جهة المسلمين. من هذا المنطلق فقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ليلة الأحزاب ليأتيه بأخبار تلك الجموع التي حاولت جاهدة في حرب المسلمين وإيذائهم. وقد قام حذيفة رضي الله عنه بالمهمة خير قيام، حيث ذهب إليهم، وجلس بينهم، وسمع ما يدور في معسكرهم، وقد كان على مسافة قريبة

من القائد أبي سفيان وأراد أن يرميه فتذكر تحذير النبي صلى الله عليه وسلم له من ذلك "ولا تذعرهم عليّ1". فعاد رضي الله عنه يحمل أخباراً سارة وبشرى هامة هي رحيلهم، وانكشافهم عن المدينة التي ضاقت بهم ذرعاً {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} "2 الآية. من هنا يؤخذ: جواز استعمال العيون، وإرسالها للتعرف على حالة الأعداء، ومدى استعدادهم، وكيفية تحركاتهم، حتى يكون المسلمون على علم بأعدائهم فيعد المسلمون لكل أمر عدته ولا ينبغي للمسلمين أن يغفلوا عن تحركات أعدائهم وما يكيدونه للإسلام وأهله. 9– استعراض الإمام للجيش قبل وقوع القتال كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه وعرضه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه الحديث. وقد وقع هذا من النبي صلى الله عليه وسلم في بدر وغيرها. وخروج صغيري السن لم يحدث إلا عند أولئك الذين يستشعرون قيمة الشهادة وتهون أنفسهم في سبيل الله طمعاً فيما عنده من مغفرة ورضوان.

أما في هذه العصور المتأخرة التي طغى فيها حب الحياة وحب متاعها الفاني فلربما لا يخرج كبار السن إلا بالقوة ويدفعون إلى الخير دفعاً. قال الحافظ: "وعند المالكية والحنفية لا تتوقف الإجازة للقتال على البلوغ بل للإمام أن يجيز من الصبيان من فيه قوة ونجدة فرب مراهق أقوى من بالغ. ثم قال: وحديث ابن عمر حجة عليهم ولا سيما الزيادة التي جاءت عن ابن جريج ولفظها: "عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق فلم يجزني ولم يرني بلغت1". وفي الحديث أيضاً من العبر: حسن أخلاقه صلى الله عليه وسلم ومعرفته التامة بأحوال أصحابه واحترامه لهم ولأبنائهم رغم عظم الرسالة والأعباء التي حملها ولا غَرْوَ فقد قال صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ولم يوقر كبيرنا2". 10 - تعاون الجميع إذا هوجمت البلاد: وفي ذلك حديث سهل بن سعد الساعدي وحديث أنس رضي الله

عنهما وكلاهما في الحفر، وما دار فيه ففيهما من العبر والدروس الشي الكثير منها: 1- القدوة في ذلك. 2- مباشرة الرسول صلى الله عليه وسلم الحفر بنفسه تحريضاً للمسلمين على العمل ليتأسوا به في ذلك، وحتى يبتعدوا عن الاتكالية وما يعقبها من تبعات. 3فيهما إشارة إلى تحقير عيش الدنيا مهما بلغ لما يعرض له من التكدير وسرعة الفناء {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} 1، {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى} 2. 4- ترديده صلى الله عليه وسلم بعض الكلمات إجابة لأصحابه لما كانوا يقولونه أثناء الحفر وذلك مما ينشط حيث إن الإنسان إذا اشتغل في عمل جسماني شاق فالسكوت يشق عليه ويتعب بسرعة أكثر مما لو كان يتكلم حيث ينسيه الكلام التعب وهذا مجرب. 5- ملاطفته لأصحابه رضي الله عنهم وهو الموصوف بقول ربه تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} 3. حيث كان أصحابه يرتجزون أثناء

الحفر برجل من المسلمين يقال له جعيل1 فسماه الرسول صلى الله عليه وسلم عمرا فكانوا يقولون: سماه من بعد جعيل عمرا ... وكان للبائس يوماً ظهرا فإذا مروا بعمرو قال صلى الله عليه وسلم: عمراً وإذا مروا بظهر قال صلى الله عليه وسلم ظهرا. 11 - من المعجزات التي حصلت في هذه الغزوة: الكدية والطعام المبارك فيؤخذ منه: 1- طاعتهم رضي الله عنهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومحافظتهم على ذلك بدليل أنهم لما صادفوا تلك العقبة لم يتصرفوا حسب أرائهم بل رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ونتيجة لتلك الطاعة أعانهم الله عز وجل على تلك العقبات فأنجزوا ذلك العمل في وقت وجيز. 2- حبهم الشديد لله، ولرسوله، وشفقتهم على بعضهم {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ 2} ذلك أنه حينما رأى جابر ما يعانيه المصطفى صلى الله عليه وسلم من الجوع استأذن وعاد أدراجه إلى بيته ليجهز ما يستطيع عليه من طعام يدعو إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وثلة من أصحابه وفعلاً

وجد عناقاً وصاعاً من شعير فذبح العناق، وطحنت زوجته صاع الشعير وجهزوه وعاد جابر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء به ومن معه ضيفاً على تلك المأدبة المتواضعة. 3- تكثير الطعام الذي خجل1 جابر من قلته فأكل الجميع وشبعوا وذلك بفضل الله على نبيه وإظهاره على يديه تلك المعجزات الباهرة. 4- تواضعه عليه الصلاة والسلام لربه ولأصحابه حيث كان يغرف بنفسه اللحم، ويكسر لهم الخبز حتى صدروا عنه. 5- الإهداء للجيران من الطعام سنة، وخاصة في أوقات المجاعة وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك كما في حديث أبي ذر2. حيث قال: إن خليلي أوصاني "إذا طبخت مرقاً فأكثر ماءه ثم انظر أهل بيت من جيرانك فأصبهم منها بمعروف". 12- أهمية الصلاة: وفيه حديث عمر رضي الله عنه: "يا رسول الله ما كدت أن أصلي".. الخ3. وفيه من الفوائد:

1- جواز اليمين من غير استحلاف إذا اقتضت مصلحة من زيادة طمأنينة أو نفي توهم. 2- استحباب قضاء الفوائت في جماعة وبه قال أكثر أهل العلم إلا الليث مع أنه أجاز صلاة الجمعة جماعة إذا فاتت. 3- استدل به على عدم مشروعية الأذان للفائتة. 13 - كثرة جند الله: وفيه حديث ابن عباس رضي الله عنهما (نصرت بالصبا) وفيه: 1- تفضيل بعض المخلوقات على بعض. 2- إخبار المرء عن نفسه بما فضله الله به على سبيل التحدث بالنعمة، وبيان المنزلة لا على الفخر. 3- الإخبار عن الأمم الماضية وكيفية هلاكها. 4- الصبا هي أفضل الرياح التي تهب حيث أنها بفضل الله مبشرة بالخير، ويستفيد منها الزرع بخلاف غيرها من الرياح فمثلاً الرياح الشمالية إذا هبت تميت المزروعات غالباً وهذا ما جربه الفلاحون. وقد ذكر ذلك الحافظ1 وعليه فالرياح هي:

أ- شرقية وهي الصبا وهي مباركة بدليل الحديث حيث أرسلها الله عذاباً لأعدائه وخيريتها مجربة لدى المزارعين. ب- غربية وهي الدبور وقد أرسلت على عاد فأهلكتهم. ج- جنوبية وهي التي تهب من جهة الجنوب وهي في الدرجة الثانية بعد الصبا من حيث خيريتها. د- شمالية وهي إذا هبت بإذن الله جاءت بالزمهرير –البرد القارس- وتؤثر على الزرع وتتغير منها الأجسام. 14 - الجاسوس في الإسلام: 1- جواز استعمال التجسس في الإسلام. 2- منقبة للزبير رضي الله عنه وقوة قلبه وصحة يقينه. 3- جواز سفر الرجل وحده وأن النهي عن سفر الإنسان وحده إنما هو حيث لا تدعو الضرورة إلى ذلك. أما في مثل هذه المهمات فهو جائز لأن فيه مصلحة للمسلمين. وقد يحدث للإنسان حاجة للسفر، ولا يجد من يرافقه فهل يا ترى يترك أمراً هاماً لأنه لم يجد مرافقين والأمر بذلك إنما هو للاستحباب.

قال الحافظ: "وقد وقع في كتب المغازي بعث كل من حذيفة ونعيم بن مسعود وغيرهما1. أما حديث الزبير حينما أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قريظة. وهو عن عبد الله بن الزبير عن أبيه"2 ... ففيه كما قال الحافظ: "صحة سماع الصغير. وأنه لا يتوقف على أربع أو خمس لأن ابن الزبير كان يومئذ ابن سنتين وشهراً أو ثلاث وشهراً بحسب الاختلاف في وقت مولده وفي تاريخ الخندق"3. 15 - أهمية الدعاء: وفيه حديث عبد الله ابن أبي أوفى "اللهم منزل الكتاب" ومن الفوائد ما ذكره الحافظ: أن فيه التنبيه على عظم هذه النعم الثلاث: إنزال الكتاب- إجراء السحاب- هزيمة الأحزاب. وفيه استحباب الدعاء عند اللقاء والاستنصار. ووصية المقاتلين بما فيه صلاح أمرهم، وتعليمهم ما يحتاجون إليه، وسؤال الله تعالى بصفاته الحسنى وبنعمه السابغة ومراعاة نشاط النفوس

لفعل الطاعة والحث على سلوك الأدب وغير ذلك1. وفيه حديث علي رضي الله عنه "لما كان يوم الأحزاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً" الحديث2. قال الحافظ: "وفيه الدعاء عليهم بأن يملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً، وليس فيه الدعاء عليهم بالهزيمة لكن يؤخذ من لفظ الزلزلة لأن في إحراق بيوتهم غاية التزلزل لنفوسهم". وقال: "وفيه جواز الدعاء على المشركين بمثل ذلك". كما تضمن كذلك دعاء صدر من النبي صلى الله عليه وسلم على من يستحقه وهو من مات مشركاً منهم. وفيه شدة حرص النبي صلى الله عليه وسلم على أداء الصلوات وخاصة صلاة العصر والتي قال صلى الله عليه وسلم في تاركها: "من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله" 3. وأخيراً يتبين من مجريات الأمور والأحداث في هذه الغزوة وغيرها من الغزوات أن النصر في المعارك لا يكون بكثرة العدد ووفرة السلاح وإنما يكون بقوة الروح المعنوية لدى الجيش.

وقد كان الجيش الإسلامي في هذه المعارك يمثل العقيدة النقية والإيمان الصادق والفرح بالاستشهاد والرغبة في ثواب الله وجنته. كما يمثل الفرحة من الانعتاق من الضلال والفرقة والفساد. بينما كان جيش المشركين يمثل فساد العقيدة وتفسخ الأخلاق، وتفكك الروابط الاجتماعية، والانغماس في الملذات. والعصبية العمياء للتقاليد البالية والآباء الماضين والآلهة المزيفة انظر إلى ما كان يفعله الجيشان قبل بدء القتال. فقد حرص المشركون قبل بدء معركة بدر مثلاً على أن يقيموا ثلاثة أيام يشربون فيها الخمور، وتغني لهم القيان، وتضرب لهم الدفوف، وتشعل عندهم النيران لتسمع العرب بما فعلوا فتهابهم. وكانوا يظنون ذلك سبيلاً إلى النصر، بينما كان المسلمون قبل بدء أي معركة يتجهون إلى الله بقلوبهم يسألونه النصر، ويرجونه الشهادة، ويشمون روائح الجنة ويخر الرسول صلى الله عليه وسلم ساجداً مبتهلاً يسأل ربه أن ينصر عباده المؤمنين، وقد ابتهل كثيراً في هذه الغزوة ودعا الله حتى نصره وكانت النتيجة أن انتصر الأتقياء الخاشعون وانهزم اللاهون العابثون1.

والذي يقارن بين أرقام المسلمين في أي معركة وبين أرقام المشركين يجد دائماً أن المشركين أكثر من المسلمين أضعافاً مضاعفة ومع ذلك فقد كان النصر حليف المسلمين رغم ذلك كله. والحمد لله رب العالمين.

مصادر ومراجع

مصادر ومراجع ... فهرس المصادر القرآن الكريم 1- أحكام القرآن - لأبي بكر محمد بن عبد الله المعروف بابن العربي ت 543هـ. ط. عيسى البابي الحلبي. 2- الاستبصار في نسب الصحابة من الأنصار - لعبد الله بن قدامة ت 620هـ. دار الفكر. 3- الاستيعاب في معرفة الأصحاب - لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد البر - مطبوع بحاشية الإصابة لابن حجر توفي ابن عبد البر سنة 463هـ. مطبعة السعادة بمصر - تصوير دار الفكر - لبنان- ط الأولى 1328هـ. 4- أسد الغابة في معرفة الصحابة - للحافظ عز الدين علي بن محمد بن عبد الكريم المعروف بابن الأثير الجزري ت سنة 630هـ. ط. المطبعة الإسلامية طهران 1380هـ. 5- الاشتقاق لأبي بكر محمد بن الحسن بن دريد سنة 321هـ. ط. مطبعة السنة المحمدية - مصر 1378هـ.

6- الإصابة في تمييز الصحابة - للحافظ أحمد بن علي العسقلاني المعروف بابن حجر 852هـ. تصوير دار الفكر - لبنان. 7- أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - لمحمد الأمين الجكني الشنقيطي ت سنة 1393هـ. ط. مطبعة المدني. الأولى 1386هـ. 8- الاكتفاء في مغازي رسول الله والثلاثة الخلفاء - لسليمان بن موسى الكلاعي الأندلسي ت سنة 634هـ. ط. مطبعة السنة المحمدية - مصر 1387هـ. 9- أنساب الأشراف - لأحمد بن يحيى البلاذري ت 279هـ. ط. دار المعارف تحقيق محمد حميد الله. 10- إمتاع الأسماع - لتقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر المعروف بابن المقريزي ت سنة 845هـ. ط. مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر 1941م. حرف الباء 11- بدائع المنن في ترتيب مسند الشافعي والسنن - عبد الرحمن البنا - الشهير بالساعاتي ط. دار الأنوار - مصر ط. الأولى 1369هـ.

12- البداية والنهاية - لعماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي ت عام 774هـ. ط. مكتبة المعارف تصوير عن الطبعة الثالثة 1979م. حرف التاء 13- تاج العروس - لمحمد مرتضى الزبيدي. ت سنة 1205هـ. ط. المطبعة الخيرية 1306هـ. 14- تاريخ بغداد للحافظ أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي. ت سنة 463هـ. نشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة. 15- تاريخ ابن خلدون - لعبد الرحمن بن محمد الحضرمي الأشبيلي. ت سنة 808هـ. ط. دار البيان - بيروت. 16- تاريخ خليفة بن خياط العصفري. ت سنة 240هـ تحقيق أكرم العمري. ط. دار القلم ومؤسسة الرسالة - بيروت. الثانية 1397هـ. 17- تاريخ الخميس - لحسين بن محمد الديار بكري. ت سنة 966هـ. تصوير لبنان. 18- تاريخ الإسلام - لأبي عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي. ت سنة 748هـ. ط. مكتبة القدس.

19- تاريخ الأمم والملوك - لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري. ت سنة 310هـ. ط. المطبعة الحسينية الأولى - بمصر. 20- تاريخ اليعقوبي - لأحمد بن أبي يعقوب العباسي. ت سنة 284هـ. دار صادر بيروت 1379هـ. 21- تجريد أسماء الصحابة - للذهبي تقدم - ط. دارالمعرفة - بيروت. 22- تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي - لأبي العلي محمد بن عبد الرحمن المباركفوري. ت 1353هـ. تصوير عن الطبعة الثالثة- دار الفكر 1399هـ. 23- تدريب الراوي - للسيوطي ت سنة 911هـ. ط. المكتبة العلمية بالمدينة المنورة - ط. الثانية 1392هـ. 24- تذكرة الحفاظ للذهبي - تقدم - دار إحياء الفكر - بيروت. 25- تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة - ابن حجر - تقدم- دار الكتاب العربي - بيروت. 26- تفسير القرآن العظيم - لعماد الدين أبو الفداء ابن كثير - دار إحياء التراث - بيروت 1388هـ. 27- تفسير النسفي - المسمى بمدارك التنريل ت 701هـ. ط. مؤسسة الرسالة.

28- تقريب التهذيب - ابن حجر العسقلاني - تقدم - الطبعة الهندية. 29- تلخيص الحبير - ابن حجر - تقدم - المطبعة العربية - باكستان. 30- تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير - لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي القرشي التيمي البكري المعروف بابن الجوزي. ت سنة 597هـ. ط. مطبعة الآداب - الأولى مصر. 31- التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد -لابن عبد البر - تقدم- مطبعة فضالة المحمدية بالمغرب 1387هـ. 32- التنبيه والأشراف - لعلي بن حسين المسعودي. ت سنة 346هـ. ط. دار الصاوي 1357هـ. مصر. 33- تهذيب الأسماء واللغات - ليحيى بن شرف بن مري - النووي- ت 677هـ. ط. دار الكتب العلمية - بيروت. 34- تهذيب التهذيب - للحافظ ابن حجر - تقدم - ط. الأولى بمجلس دائرة المعارف حيدر آباد الدكن 1325هـ. تصوير لبنان. 35- توضيح الأفكار - لمحمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني. ت سنة 1182هـ. نشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة.

حرف الجيم 36- جامع البيان عن تأويل آي القرآن - للطبري. ط. مصطفى البابي الحلبي الثالثة 1388هـ. 37- الجامع لأحكام القرآن - لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري الخزرجي الأندلسي القرطبي ت (671هـ) ط. دار الكتب المصرية 1380هـ. 38- الجرح والتعديل - للإمام الحافظ عبد الرحمن بن أبي حاتم. ط. دائرة المعارف حيدر آباد الدكن ط. الأولى 1372هـ. 39- الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح - لشيخ الإسلام ابن تيمية ت سنة 728هـ. مطابع المجد التجارية - الرياض. 40- جوامع السيرة - لابن حزم الأندلسي - علي بن أحمد ت سنة (456هـ) دار إحياء السنة - باكستان. حرف الحاء 41- حاشية الصبان - لمحمد بن علي الصبان المصري. ت سنة 1206هـ. ط. مطبعة عيسى البابي الحلبي - مصر.

42- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء - للحافظ ابن نعيم الأصبهاني - أحمد بن عبد الله. ت سنة 430هـ. تصوير دار الكتاب العربي عن الطبعة الثالثة 1400هـ. حرف الخاء 43- الخصائص الكبرى - للسيوطي. ط. مطبعة المدني. حرف الدال 44- الدرر في المغازي والسير - لابن عبد البر. ط. لجنة إحياء التراث الإسلامي 1386 القاهرة. 45- الدر المنثور - للسيوطي. الناشر محمد أمين دمج - بيروت. 46- دراسة في السيرة - لعماد الدين خليل - مؤسسة الرسالة ودار النفائس ط. الثالثة 1398هـ. 47- دلائل النبوة - للحافظ أبي بكر أحمد بن حسين البيهقي. ت سنة 458هـ. ط دار الكتب العلمية – بيروت – الأولى 1405/1985م. 48- دلائل النبوة – للحافظ أبي نعيم – دار المعرفة – بيروت. 49- دول الإسلام - للذهبي – ط. مصر.

50- ديوان حسان بن ثابت – تحقيق وليد عرفات – دار الصادر بيروت 1974م. حرف الراء 51- الرسول القائد – اللواء الركن محمود شيت خطاب. ط. الشركة الإسلامية للطباعة والنشر – بغداد ط. الأولى 1377هـ. 52- الروض الآنف – لعبد الرحمن السهيلي. ت سنة 581هـ. ط شركة الطباعة الفنية المتحدة ط. 1391 مصر. 53- روضة الطالبين وعمدة المتقين – للنووي – ط. المكتب الإسلامي- بيروت 1386هـ. حرف الزاي 54- زاد المعاد – للإمام ابن القيم محمد بن أبي بكر. ط. مطبعة مصطفى البابي الحلبيب ط. 1390هـ. مصر. 55- زاد المسير – لعبد الرحمن – ابن الجوزي – المكتب الإسلامي ط. الأولى 1385هـ. حرف السين 56- سبل السلام – لمحمد بن إسماعيل الصنعاني – المكتبة التجارية الكبرى – مصر.

57- سنن أبي داود – سليمان بن الأشعث بن إسحاق السجستاني – دار الحديث – سوريا – الأولى 1394هـ. 58- سنن ابن ماجه – محمد بن يزيد القزويني – توفي سنة 275هـ. ط. دار إحياء التراث 1395 بيروت. 59- سنن الترمذي – للإمام أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي أحمد الأئمة الثقات الحفاظ ت سنة 279هـ. تصوير لبنان 1398هـ. 60- سنن النسائي – للإمام الحافظ أحمد بن شعيب النسائي. ت سنة 303هـ. دار إحياء التراث – لبنان. 61- سنن الدارمي – لأبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن – ت سنة 255. ط. دار المحاسن – القاهرة. 62- السنن الكبرى – لأحمد بن حسين البيهقي. ت سنة 458هـ. دار صادر بيروت. 63- سمط النجوم العوالي – لعبد الملك العصامي المكي – ت سنة 1111هـ. ط. السلفية 1379 مصر. 64- سير أعلام النبلاء – للإمام الذهبي. ط. مؤسسة الرسالة – الأولى 1401هـ. بيروت.

65- السيرة الحلبية – لعلي برهان الدين الحلبي. ت سنة 1044هـ. تصوير بيروت 1400هـ. 66- السيرة النبوية – لعبد الملك بن هشام الحميري. ت سنة 213هـ. ط. مطبعة مصطفى الحلبي الثانية 1375هـ. بيروت. 67- السيرة النبوية دروس وعبر – لمصطفى السباعي. ت سنة 1384هـ. ط. المكتب الإسلامي. الرابعة 1397هـ. بيروت. 68- السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة – لمحمد أبي شبهة – ط. دار الطباعة المحمدية 1390 القاهرة. 69- السيرة النبوية – للندوي – المطبعة العصرية 1400هـ. بيروت. 70- السياسة الشرعية – لشيخ الإسلام ابن تيمية – ط. دار المعرفة – بيروت. 71- السياسة اليهودية – لمصطفى السعدني – ط. لبنان. حرف الشين 72- شذرات الذهب في أخبار من ذهب – للمؤرخ الفقيه عبد الحي بن العماد الحنبلي ت سنة 1089هـ. المكتب التجاري- بيروت.

73- شرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد – لمحمد بن أحمد السفاريني النابلسي الحنبلي ت سنة 1188هـ. ط. المكتب الإسلامي الثانية 1391هـ. بيروت. حرف الصاد 74- صحيح البخاري – لمحمد بن إسماعيل البخاري إمام المحدثين ت سنة 256هـ. ط. المكتبة الإسلامية – تركيا. 75- صحيح مسلم – لمسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري ت سنة 261هـ. ط. دار الفكر. الثانية 1398هـ. بيروت. 76- صحيح ابن خزيمة – محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة السلمي النيسابوري ت سنة 311هـ. المكتب الإسلامي ط. الأولى سنة 1391هـ. 77- صفات المنافقين – لابن القيم – تقدم – ط. المكتب الإسلامي – الرابعة 1399هـ. بيروت. 78- صفة جزيرة العرب – للحسن بن أحمد الهمداني ت عام 334هـ. دار اليمامة 1394هـ. الرياض. 79- صفوة الصفوة – لابن الجوزي – تقدم – ط. مطبعة النهضة الحديثة ط. الأولى 1390هـ. القاهرة.

80- الصلة – لأبي القاسم خلف بن عبد الملك ابن بشكوال ت عام 578هـ. ط. الدار المصرية للتأليف 1966م. حرف الضاد 81- الضوء اللامع لأهل القرن التاسع – لمحمد بن عبد الرحمن السخاوي. ت عام 902هـ. مكتبة الحياة. حرف الطاء 82- طبقات الشافعية الكبرى – لأبي نصر عبد الوهاب بن علي السبكي ت عام 771هـ. ط. مطبعة عيسى البابي الحلبي. الأولى 1383هـ. مصر. 83- الطبقات الكبرى – محمد بن سعد. ت عام 330هـ. دار صادر 1376 بيروت. حرف العين 84- عارضة الأحوذي – لابن العربي. ت عام 543هـ. ط. مطبعة الصاوي – تصوير مكتبة المعارف – بيروت. 85- علوم الحديث – لابن الصلاح – عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان الشهرزوري. ت عام 643هـ. المكتبة العلمية بالمدينة المنورة 1386هـ.

86- عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير – لابن سيد الناس أبو الفتح اليعمري. ت عام 734هـ. دار المعرفة. بيروت. حرف الغين 87- غزوة الأحزاب - لمحمد أحمد باشميل – دار الفكر ط. الثالثة عام 1391هـ. بيروت. 88- غزوة بني المصطلق – للشيخ إبراهيم بن إبراهيم القريبي. ط البحث العلمي بالجامعة الإسلامية. حرف الفاء 89- فتح الباري شرح صحيح البخاري – ابن حجر – تقدم ط. السلفية – مصر. 90- فتح القدير – للشوكاني – تقدم – ط. الحلبي – مصر. 91- الفتح الرباني – لأحمد البنا – الشهير بالساعاتي ط. مصر الأولى. 92- الفتوحات الإلهية – لسليمان بن عمر بن منصور العجيلي الشهير – بالجمل- ت عام 1204هـ. ط. الحلبي مصر. 93- فقه السيرة – لمحمد الغزالي أحاديثه تخريج محمد ناصر الدين الألباني دار الكتب الحديثة ط. 1976م. مصر.

94- في سيرة الرسول – لمحمد عزة دروزة – ط. عيسى البابي الحلبي 1384هـ. مصر. حرف القاف 95- القواعد المفيدة في معرفة أسماء الرجال المذكورين في جامع الإمام البخاري – مكتبة ابن تيمية القاهرة. حرف الكاف 96- الكامل في التاريخ – ابن الأثير – تقدم ط. الثانية 1387هـ. تصوير دار الكتاب العربي – بيروت. 97- الكاشف في أسماء الرجال – للذهبي – تقدم ط. الأولى 1392هـ. دار النصر للطباعة – مصر. 98- كشف الأستار عن زوائد البزار – للهيثمي – علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي المتوفي سنة 807 – تصوير عن الطبعة الأولى 1399- مؤسسة الرسالة – بيروت. 99- كشف المشكل من حديث الصحيحين – لابن الجوزي – ط. دار الوطن الأولى 1418هـ. حرف اللام 100- اللباب في تهذيب الأنساب – لابن الأثير – تقدم – دار صادر بيروت 1400هـ.

101- لسان الميزان – ابن حجر – تقدم مؤسسة الأعلمي ط. الثانية 1390 بيروت. حرف الميم 102- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد – للحافظ الهيثمي – تقدم ط. مصر تصوير دار الكتاب العربي ط. الثانية 1967م. 103- المحرر الوجير في تفسير الكتاب العزيز – للقاضي ابن عطية المتوفي عام 546هـ طبع في المغرب. 104- المدينة بين الماضي والحاضر – لإبراهيم العياشي – المكتبة العلمية بالمدينة المنورة 1392هـ. 105- مروج الذهب – لعلي بن حسين المسعودي – تقدم ط. الرابعة 1384هـ. المكتبة التجارية الكبرى – مصر. 106- مختار الصحاح – للشيخ الإمام محمد بن أبي بكر الرازي ت عام 666هـ. دار الفكر – بيروت 1392هـ. 107- مسند الإمام أحمد بن حنبل ت عام 241هـ. ط. الثانية 1398 بدار الفكر. 108- مسند الحميدي – عبد الله بن الزبير بن عيسى القرشي ت عام 219هـ. ط. مكتبة المتنبي 1380 القاهرة.

109- مسند الروياني – أبو بكر الروياني – محمد بن هارون – ت سنة 307هـ. والمسند مخطوط صورته بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة تحت رقم 575. 110- مسند عبد بن حميد بن نصر الكسي أبو محمد ت. عام 249هـ. والمسند مخطوط صورته بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. 111- مسند أبي عوانه – يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن زيد النيسابوري. ت عام 316هـ. تصوير لبنان. الطبعة الأولى مطبعة مجلس دائرة المعارف بحيدر أباد الدكن 1385هـ. 112- المصباح المنير – لأحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي. ت عام 770هـ. ط. مصطفى البابي الحلبي. 113- معجم البلدان – لياقوت الحموي. ت عام 626هـ. دار صادر بيروت 1397هـ. 114- معجم الصحابة – لابن قانع. 115- معجم قبائل العرب – لعمر رضا كحاله – مؤسسة الرسالة ط. الثانية 1398هـ بيروت.

116- معجم المؤلفين – لعمر رضا كحاله – دار إحياء التراث – بيروت. 117- معجم ما استعجم لأبي عبيد عبد الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي. ت عام 487هـ. ط. مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر ط. الأولى 1366هـ. 118- المعارف - لابن قتيبة الدينوري ت عام 276هـ. الثانية 1390هـ. دار إحياء التراث – بيروت. 119- المعجم الكبير - للحافظ ابن القاسم سليمان الطبراني. ت عام 360هـ. الطبعة الأولى – إحياء التراث الإسلامي ببغداد. 120- المعرفة والتاريخ – ليعقوب بن سفيان الفسوي. ت عام 277هـ. ط. مطبعة الإرشاد – بغداد 1394هـ. 121 مغازي الواقدي – محمد بن عمر. ت عام 207هـ. مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت. 122- المغانم المطابة في معالم طابة – للفيروزآبادي – تقدم – دار اليمامة ط. الأولى 1389هـ. 123- المغني في ضبط أسماء الرجال – لمحمد بن طاهر الهندي. ت عام 986هـ. الطبعة الهندية.

1- 124- منحة المعبود – لأحمد البنا – تقدم – المطبعة المنيرية بالأزهر ط. الأولى 1372هـ. 125- المواهب اللدنية – لأحمد بن محمد القسطلاني. ت عام 923هـ. دار الكتب العلمية – بيروت. 126- ميزان الاعتدال – للذهبي – تقدم ط. الأولى 1382هـ. دار المعرفة. حرف النون 127- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة – ليوسف بن تغرى بردي. ت عام 874هـ. دار الكتب المصرية ط. 1351 الأولى. 128- النحو الوافي – لعباس حسن ط. الرابعة دار المعارف بمصر. 129- نهاية الأرب في فنون الأدب – لشهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويري. ت عام 733هـ. ط. دار الكتب المصرية 1342هـ. 130- النهاية في غريب الحديث – لابن الأثير – المبارك بن محمد بن محمد عبد الكريم الشيباني المعروف – بابن الأثير الجزري مجد الدين أبو السعادات. ت عام 606هـ. وهو غير صاحب أسد الغابة والكامل – دار إحياء التراث – بيروت.

131- نور اليقين في سيرة سيد المرسلين – لمحمد الخضري بك- الطبعة الخامسة – مصر. حرف الواو 132- وفاء الوفا – لعلي بن عبد الله المعروف بالسمهودي ت عام 911هـ. ط. مطبعة الآداب والمؤيد 1326هـ. مصر. 133- الوفا بأخبار المصطفى – لابن الجوزي – تقدم – ط. مطبعة السعادة بمصر ط. الأولى. حرف الهاء 134- هدي الساري مقدمة فتح الباري – لابن حجر – الطبعة السلفية – مصر.

§1/1